You are on page 1of 352

‫أسس األخالق‬

‫املنهج اجلديد يف تعليم "فلسفة األخالق"‬

‫‪1‬‬
‫أسس األخالق‬ ‫الكتاب‪:‬‬
‫مجعية املعارف اإلسالمية الثقافية‬ ‫نشر‪:‬‬
‫مركز نون للتأليف والرتمجة‬ ‫إعداد‪:‬‬
‫شبكة املعارف اإلسالمية_‪www.almaaref.org‬‬ ‫اإلعداد اإللكتروني‪:‬‬
‫األوىل‪ ،‬آب ‪2011‬م‪1432 -‬هـ‬ ‫الطبعة‪:‬‬
‫جميع حقوق الطبع محفوظة‪© $‬‬

‫‪2‬‬
‫أسس األخالق‬
‫املنهج اجلديد يف تعليم "فلسفة األخالق"‬

‫مركز نون للتأليف والترجمة‬

‫‪3‬‬
‫بسم اهلل الرحمن‪ $‬الرحيم‬

‫‪4‬‬
‫الفهرس‬
‫‪9‬‬ ‫املق ّدمةـ‬
‫‪11‬‬ ‫مق ّدمة‪‬املؤلّف‬
‫‪15‬‬ ‫تعريف‪‬فلسفة‪‬األخالق‪‬ومكانتها‬
‫‪15‬‬ ‫‪1‬ـ‪‬العالقة‪‬بني‪‬األحكام‪‬القيميّة‪‬والصفات‪‬النفسانية‪‬مع‪‬اهلدف‪‬من‪‬احلياة‪‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪2‬ـ‪‬علم‪‬األخالق‬
‫‪20‬‬ ‫‪3‬ـ‪‬فلسفةـ‪‬األخالق‬
‫‪33‬‬ ‫الواقعيّة‪‬والالواقعيّة‪‬في‪‬األخالق‬
‫‪33‬‬ ‫‪1‬ـ‪‬النظرية‪‬الواقعيّة‪‬والالواقعيّة‪‬يف‪‬األخالق‬
‫‪37‬‬ ‫‪2‬ـ‪‬لوازم‪‬الالواقعيّة‬
‫‪43‬‬ ‫‪3‬ـ‪‬لوازم‪‬الواقعيّة‬
‫‪47‬‬ ‫‪4‬ـ‪‬منزلة‪‬الواقعيّة‪‬والالواقعيّة‪‬يف‪‬فلسفة‪‬األخالق‬
‫‪59‬‬ ‫قيمة‪‬األخالق‪‬ولزومها‬
‫‪59‬‬ ‫‪1‬ـ‪‬القيمة‪‬وأنواعها‬
‫‪64‬‬ ‫‪2‬ـ‪‬القيمة‪‬األخالقيّة‪‬وأنواعها‬
‫‪67‬‬ ‫‪3‬ـ‪‬نطاق‪‬القيم‪‬األخالقيّة‬
‫‪68‬‬ ‫‪4‬ـ‪‬اللزوم‪‬وأنواعه‬
‫‪69‬‬ ‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫‪5‬ـاللزوم‪‬‬

‫‪5‬‬
‫‪81‬‬ ‫المفاهيم‪‬األخالقيّة‬
‫‪81‬‬ ‫‪1‬ـاجلمل‪‬واملفاهيم‪‬األخالقيّة‬
‫‪84‬‬ ‫‪-2‬ـاحلكاية‪‬الواقعيّة‪‬للجمل‪‬اخلربية‪‬األخالقيّة‬
‫‪91‬‬ ‫‪-3‬واقعيّة‪‬اجلمل‪‬األخالقيّة‪‬األمرية‪‬أو‪‬النهيية‬
‫‪92‬‬ ‫‪-4‬النتيجة‬
‫‪103‬‬ ‫اإلطالق‪‬أم‪‬النسبيّة‪‬في‪‬األخالق‬
‫‪104‬‬ ‫‪-1‬حقيقة‪‬اإلطالق‪‬والنسبيّة‪‬يف‪‬األخالق‪‬تذكري)‬
‫‪105‬‬ ‫‪2-‬أنواع‪‬أو‪‬مراحل‪‬النسبيّة‪‬األخالقيّة‬
‫‪116‬‬ ‫‪3-‬تعارض‪‬أصل‪‬احلرية‪‬مع‪‬أصل‪‬التساهل‪‬والتسامح‪‬يف‪‬بعض‪‬املوارد‬
‫‪137‬‬ ‫المذاهب‪‬األخالقيّة‪‬الالواقعيّة‬
‫‪138‬‬ ‫‪-1‬األمرية‬
‫‪141‬‬ ‫‪-2‬االنفعالية‬
‫‪145‬‬ ‫‪-3‬التعاهدية‬
‫‪147‬‬ ‫‪-4‬حتليل‪‬املذاهب‪‬الالواقعيّة‬
‫‪169‬‬ ‫الواقعيّة‪‬غير‪‬القابلة‪‬لالثبات‬
‫‪170‬‬ ‫‪1‬ـ‪‬ما‪‬هي‪‬الواقعيّة‪‬غري‪‬القابلة‪‬لالثبات؟‬
‫‪171‬‬ ‫‪2‬ـ‪‬أنواع‪‬الواقعيّة‪‬غري‪‬القابلة‪‬لالثبات‬
‫‪181‬‬ ‫‪3‬ـ‪‬النتيجة‬
‫‪203‬‬ ‫الواقعيّة‪‬القابلة‪‬لالثبات‬
‫‪204‬‬ ‫‪1‬ـ‪‬مذهب‪‬اللذة‪‬الشخصيّة‬
‫‪209‬‬ ‫‪2‬ـ‪‬مذهب‪‬الزهد‪‬وترك‪‬الدنيا‬
‫‪211‬‬ ‫‪3‬ـ‪‬مذهب‪‬القوة‬
‫‪213‬‬ ‫‪4‬ـ‪‬مذهب‪‬االنسجام‪‬العقالين‬
‫‪215‬‬ ‫‪5‬ـ‪‬مذهب‪‬العاطفة‬
‫‪218‬‬ ‫‪6‬ـ‪‬النفعية‪‬العمومية‬

‫‪6‬‬
‫‪255‬‬ ‫القيمة‪‬الذاتية‬
‫‪256‬‬ ‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫‪1‬ـ‪‬مطلوبية‪‬الكمال‪‬‬
‫‪257‬‬ ‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫‪2‬ـ‪‬لزوم‪‬املالك‪‬لتشخيص‪‬الكمال‪‬‬
‫‪259‬‬ ‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫‪3‬ـ‪‬مالك‪‬تشخيص‪‬الكمال‪‬‬
‫‪261‬‬ ‫االختياري‪‬لإلنسان‬
‫ّ‬ ‫‪4‬ـ‪‬نطاق‪‬الكمال‪‬‬
‫‪263‬‬ ‫‪5‬ـ‪‬القيمة‪‬النهائية‬
‫‪263‬‬ ‫‪6‬ـ‪‬لوازم‪‬القيمة‪‬النهائية‬
‫‪265‬‬ ‫‪7‬ـ‪‬القيمة‪‬النهائية‪‬وتأمني‪‬األهداف‪‬الذاتية‪‬‬
‫‪285‬‬ ‫قيمة‪‬ولزوم‪‬األفعال‪‬االختيارية‬
‫‪285‬‬ ‫‪1‬ـ‪‬العامالن‪‬املعينان‪‬ملقدار‪‬القيمة‪‬الغريية‪‬‬
‫‪288‬‬ ‫‪2‬ـ‪‬مالك‪‬أكثر‪‬األفعال‪‬االختيارية‪‬قيمة‬
‫‪289‬‬ ‫‪3‬ـ‪‬الدرجات‪‬املختلفة‪‬لقيم‪‬األفعال‪‬الغريية‬
‫‪291‬‬ ‫‪4‬ـ‪‬القيمة‪‬البديلة‪‬لألفعال‪‬االختيارية‬
‫‪292‬‬ ‫‪5‬ـ‪‬األنانية‪‬والغريية‬
‫‪294‬‬ ‫‪6‬ـ‪‬األنانية‪‬أو‪‬اإلهلية‬
‫‪294‬‬ ‫‪7‬ـ‪‬أسلوب‪‬تشخيص‪‬قيم‪‬األفعال‬
‫‪296‬‬ ‫األقل‪‬للقيمةـ‪‬واللزوم‪‬األخالقيّني‬
‫‪9‬ـ‪‬احل ّد‪ّ ‬‬
‫‪309‬‬ ‫األخالقي‪‬في‪‬اإلسالم‬
‫ّ‬ ‫المذهب‪‬‬
‫‪310‬‬ ‫‪1‬ـ‪‬املذهب‪‬األخالقي‪‬اإلسالمي‪‬جزء‪‬من‪ٍ ‬‬
‫نطام‪‬واحد‬ ‫ّ‬
‫‪311‬‬ ‫‪2‬ـ‪‬معرفة‪‬اإلنسان‪‬يف‪‬اإلسالم‬
‫‪312‬‬ ‫‪3‬ـ‪‬القيمة‪‬الذاتية‪‬والنهائية‬
‫‪320‬‬ ‫‪4‬ـ‪‬القيمة‪‬الغريية‬
‫‪325‬‬ ‫‪5‬ـ‪‬القيمة‪‬البديلة‬
‫‪326‬‬ ‫‪6‬ـ‪‬الغريية‪‬واألنانية‪‬النفسية‪‬‬
‫‪328‬‬ ‫‪7‬ـ‪‬اإلهلية‪‬واألنانية‪‬النفسية‪‬‬
‫‪328‬‬ ‫‪8‬ـ‪‬أساليب‪‬تشخيص‪‬القيمة‬
‫‪329‬‬ ‫‪9‬ـ‪‬احل ّد‪‬األقل‪‬للقيمـ‪‬واللزوم‪‬األخالقيني‬

‫‪7‬‬
‫‪333‬‬ ‫‪10‬ـ‪‬الواقعيّة‪‬القابلة‪‬لإلثبات‬
‫‪343‬‬ ‫المصادر‪‬العربية‪‬والفارسية‬
‫‪343‬‬ ‫الكتب‬
‫‪351‬‬ ‫املقاالت‬
‫‪352‬‬ ‫‪Bobliography‬‬

‫‪8‬‬
‫المقدمة‬

‫حممد وعلى آله الطيّبني الطاهرين‪.‬‬


‫رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف اخللق ّ‬
‫احلمد هلل ّ‬

‫العملي‪ ،‬والّيت يهدف من خالهلا إىل بناء الشخصيّة اإلنسانيّة املثاليّة‪ ،‬والّيت ال‬
‫ّ‬ ‫إ ّن علم األخالق من العلوم ذات البُعد‬
‫وأما الفلسفة‪,‬ـ فمن العلومـ العقليّة‬ ‫البشري‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫لكل النوع‬
‫عامة ّ‬
‫ترتبط مبجتمع دون آخر‪ ،‬وال بدين دون دين‪ ،‬وإمّن ا هي ّ‬
‫احلق من خالل العقل والفكر‪ ،‬ومن خالل‬ ‫الشك وبروز اليقني‪ ،‬وإىل دحض السفسطة وسطوع ّ‬ ‫الّيت هتدف جلالء ّ‬
‫الدليل والربهان‪.‬‬

‫وأما فلسفة األخالق‪ ،‬فهو العلم الّذي ّيؤمن الطرق السليمة يف احلياة اإلنسانية‪ ،‬ويبنّي مالكات هذه الطرق ويضيء‬ ‫ّ‬
‫العملي معتمداً على‬
‫ّ‬ ‫عليها بنور العقل‪ ،‬وبتعبري آخر هو العلم الّذي يعقلن األخالق وجيعل االختيار اإلنساينّ للسلوكـ‬
‫الشك واالحنراف والتحلّل‪.‬‬
‫أُسس العقل واملعرفة‪ ،‬لتجعله ثابتاً أمام زعزعة العواصف وأمواج ّ‬

‫وبعد أن الحظ مركز نون للتأليف والرتمجة أمهيّة هذا الكتاب‪ ،‬ومكانته العلميّة يف بعض اجلامعات يف اجلمهوريّة‬
‫اإلسالميّة اإليرانيّة‪ ،‬والركن الّذي مأله هذا الكتاب يف املكتبة اإلسالميّة‪ ،‬قام بنقله إىل اللغة العربيّة‪ ،‬وحاول قدر‬
‫اإلمكان احملافظة على التعابري واالصطالحات العلميّة‬

‫‪9‬‬
‫التخصصيّة‪ ،‬ليبقى الكتاب مالئاً مكانته العلميّة واملعرفيّة عند أهله‪.‬‬

‫كل من ساهم يف إخراج هذا السفر إىل حيّز الوجود‪ ،‬إنّه نِعم املوىل ونِعم اجمليب‪.‬‬
‫نسأل اهلل سبحانه أن يتقبّل عمل ّ‬

‫مزكز نون للتأليف والترجمة‬

‫‪10‬‬
‫مق ّدمة‪ $‬المؤلّف‬

‫تُعترب األخالق من العلومـ العمليّة‪ ،‬حيث إ ّن اإلطالع عليها وتعلّمها يعترب مق ّدمة للعمل‪.‬ـ ورغم أ ّن اإلنسان‪ ،‬وبسبب‬
‫التكويين‪ ،‬قد ال يعمل مبا يعلم‪ ،‬إاّل أ ّن هذا العلم ينفع يف احلقيقة أولئك الساعني إىل احلياة السعيدة‪ .‬ولقدـ‬
‫ّ‬ ‫اختياره‬
‫سعى علماء األخالق وبشكل دائم إىل هداية الباحثني عن السعادة والكمال‪ ،‬وبالتايل وضعوا هلم هذا العلم لنيل‬
‫أي‬ ‫رِب‬
‫أهم أهداف الرساالت الدينيّة السماويّة ّ‬
‫مبتغاهم‪ .‬وكذلك فقد اعتُ َ القادة الدينيّون ‪ -‬الّذين سعوا إىل حتقيق ّ‬
‫هداية اإلنسان إىل السعادة احلقيقيّة ‪ -‬من أعظم دعاة األخالق‪.‬‬

‫لقد واجهت هذه اهلداية الكثري من العوائق واملوانع كالتشكيك والنسبيّة اللّتني أثّرتا يف خمتلف جماالت الفكر‬
‫البشري‪ .‬وبطبيعة احلال مل تسلم منهما دائرة القيم األخالقيّة‪ .‬إاّل أنّه ويف القرون األخرية ظهر العديد من االجتاهات‬
‫ّ‬
‫قيم جديدة كالنزعة اإلنسانية والليربالية والتساهل والتسامح واإلباحيّة‪.‬‬
‫الفكريّة‪ ،‬وبالتايل ظهرت يف دائرة األخالق ٌ‬
‫الدنيوي‪ ،‬ودفع‬
‫ّ‬ ‫ومن جهة ثانية فإ ّن التطور التكنولوجي جذب عامة الناس إىل اللذة وتأمني الرفاه املادي والربح‬
‫القوى العظمى إىل بسط نفوذها العاملي‪ ،‬وبالتايل فقد اعتربت هذه االجتاهات من القضايا اإلنسانية املعاصرة‪ ،‬ومن‬
‫الدنيوي دفع بالعديدـ من الفرق إىل املذاهب‬
‫ّ‬ ‫املعنوي الناتج عن البعد‬
‫ّ‬ ‫مثّ ومن جهة أخرى فإ ّن البلبلة والفراغ‬
‫الوضعيّة البشريّة لتحصيل االطمئنان‪ ،‬وس ّد الفراغ‪ .‬ولذا فقد سعت هذه‬

‫‪11‬‬
‫الفرق والنحل إىل البحث عن القضايا األخالقيّة والدعوة إليها يف خطوة نوعية لالبتعاد عن األمور الدنيويّة‪.‬‬

‫كل تلك القضايا‪ ،‬فقد وجدت املذاهب األخالقيّة أتباعاً هلا ومريدين‬
‫وحيث إ ّن الطبيعة البشريّة متيل نوعاً ما إىل ّ‬
‫وجذبت إليها العديد من طوائف اإلنسانية‪.‬‬

‫وعليه فقد اقرتحت هذه املذاهب العديد من الطرق لتحصيل احلياة املطلوبة ألتباعها‪.‬‬

‫إاّل أ ّن تأمني هذه امليول سيكون معقوالً إذا مل يقابل الفهم الصريح والواضح للعقل‪ ،‬ولذا فإ ّن الساعني إىل الطرق‬
‫املعقولةـ للحياة سيدركون بكل بساطة أ ّن إرضاء هذه امليول بشكل غري معقولـ لن يكون أخالقيّاً‪ .‬ومن مثّ فقد‬
‫ترافقت هذه امليول‪ ،‬ويف الكثري من املوارد‪ ،‬مع الوساوس الذهنية‪ ،‬واليت أخذت أحياناً طابعاً فلسفياً‪ .‬ويف هذه احلال‬
‫ويضل‬
‫ّ‬ ‫فقد تعرضت مباين علم األخالق لنوع من االضطراب واالختالل‪ .‬وها هنا يسيطر على العقل غبار األوهام‬
‫أولئك الساعون يف االهتداء إىل طريق السعادة املنشودة‪ .‬وبناءً عليه إذا خف نور العقل وامتأل الفضاء بالغبار‬
‫والضباب كيف لنا أ ّن هنتدي إىل احلقيقة؟‬

‫إن هدف "الفلسفة" وبشكل عام هو جالء غبار السفسطة واألوهام عن العقل‪ .‬وأما هدف "فلسفة األخالق"‬
‫بشكل خاص فهو جالء الغبار الّذي يغطّي طريق العلم يف مسري هذه احلياة‪ .‬ولذا يُنتظَر من فلسفةـ األخالق‪ ،‬مضافاً‬
‫تؤمن مالكات اختيار هذه الطرق وأن تضيئها بنور العقل‪.‬‬ ‫إىل تأمني الطرق السليمة من أجل احلياة املنشودة‪ ،‬أ ّن ّ‬

‫شك فإ ّن وجود املباين احملكمة واالستداللية يف األخالق تعترب خطوة أساسية لالنتخاب الصحيح واملعقول من‬
‫وبال ٍّ‬
‫بني املذاهب األخالقيّة‪.‬‬

‫إن وجود هذه املباين الصحيحة واملعقولة واملتقنة هي الّيت مت ّكن اإلنسان من الثبات أمام العواصف واألخطار‬
‫املوجودة‪ ،‬أو الّيت ميكن حصوهلا‪ ،‬واليت سته ّدد القيم األخالقيّة‪ ،‬وبالتايل ستدعوه إىل السري يف الصراط املستقيم بكل‬
‫ٍ‬
‫عزم واطمئنان‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫يؤمن هذه‬
‫األخالقي الّذي ّ‬
‫ّ‬ ‫إ ّن علم األخالق مق ّدمةـ لسعادة اإلنسان‪ .‬وإ ّن فلسفة األخالق هتدي العقل إىل املذهب‬
‫السعادة ويبين اإلنسان ويربيه‪.‬‬

‫إ ّن هذا الكتاب املاثل بني يديك هدفه املعرفة اإلمجالية ملوضوع فلسفةـ األخالق وتعيني النطاق الكلّي للمذهبـ‬
‫األخالقي الّذي يُرشد اإلنسان إىل سعادته احلقيقيّة‪.‬‬
‫ّ‬

‫ومن مثّ فإ ّن املنهج املتّبع يف هذه البحوث ألجل إجياد مالكات القيم األخالقيّة والتحكيم بني خمتلف نظريات‬
‫نتعرض عند اللزوم إىل توصيف هذه النظريات‪،‬‬
‫املذاهب األخالقيّة املتع ّددة يف هذا اجملال هو املنهج العقلي‪ .‬وسوف ّ‬
‫كل النظريات الّيت ترتبط بشكل ما بفلسفةـ األخالق ال يتالءم مع هدف وضع هذا الكتاب‬
‫إاّل أنّه ملا كان توصيف ّ‬
‫بشكل مباشر‪ ،‬فلن نلزم أنفسنا بذلك‪ ،‬وهلذا السبب سوف نعرض كليات هذه املذاهب يف ثالثة فصول وسنشري يف‬
‫األخالقي يف اإلسالم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفصل األخري إىل النطاق الكلي أيضاً للمذهب‬

‫إ ّن أسلوب عرض الكتاب علمي ُوضع للتدريس يف وحدتني من الوحدات اجلامعية‪ .‬وأما املذ ّكرات الواردة يف‬
‫أواخر الفصول فالغرض منها التوضيح والتذكري واإلرجاع إىل املصادر‪ ،‬وكذلك نقد بعض اآلراء الواردة يف املنت‬
‫مزيد من بزيادة االطالع واملعرفة حول املواضيع‬‫مع اإلشارة إليها‪ ،‬وكذلك فإ ّن هذه املذ ّكرات مفيدة للساعني إىل ٍ‬
‫املذكورة‪ .‬كما أنّنا نقرتح على األساتذة احملرتمني الراغبني بتدريس هذه الفصول مطالعة اهلوامش امللحقة هبا مسبقاً‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بشكل يسهل فيه تدوين اخلالصات وجتميعها نظراً لالرتباط‬ ‫وكذلك فإ ّن قسم "اخلالصة" و"أكمل" قد وضعا‬
‫املنطقي بينها‪.‬‬

‫وأما "األسئلة" فالغرض منها أيضاً التذكري باملوضوعات الّيت مت درسها وكذلك اإلجابة عنها واالستفادة منها يف‬
‫ّ‬
‫بعض األحايني‪.‬‬

‫وأخرياً فإ ّن قسم "للبحث" يطرح موضوعات ميكن حبثها وحتليلها داخل الصف مبعونة األستاذ‪ ،‬ويف بعض املوارد‬
‫رمبا تش ّكل موضوعاً مستقالً للتحقيق والبحث‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وأرجو من القراء الكرام أ ّن يتفضلوا علينا بإبداء آرائهم املفيدة وانتقاداهتم البنّاءة سواء جلهة األسلوب واملنهج أو‬
‫حمتوى الكتاب ومضمونه‪.‬ـ‬

‫وأخص بالذكر األستاذ العالمة آية اهلل مصباح‬


‫ّ‬ ‫لكل من ساهم يف هتيئة وتدوين هذا الكتاب‪،‬‬
‫وكذلك أق ّدم الش ّكر ّ‬
‫اليزدي‪ ،‬إذ إنّه مضافاً إىل توجيهاته الكلية فقد قام مبطالعة أغلب ما يف هذا الكتاب ونقده‪ ،‬وكذلك أشكر األساتذة‬
‫حممد حسني زاده‪ ،‬واألستاذ عبد‬ ‫احملرتمني حجة اإلسالم واملسلمني حممود فتحعلي‪ ،‬وحجة اإلسالم واملسلمني ّ‬
‫علي ملطالعتهم هذا األثر وإبداء املالحظات عليه‪.‬‬
‫احلق الكبري ّ‬
‫الرسول عبوديت والذين هلم ّ‬

‫كما وأتقدم بالشكر لفريق فلسفة األخالق يف "مؤسسة اإلمام اخلميين (قدس سره) التعليمية والتحقيقية" والذين‬
‫سامهوا يف هتيئة املقاالت املرتبطة مبوضوع الكتاب ووضعها يف اختيارنا‪.‬‬

‫وأخص بالشكر الكبري أيضاً السيد علي رضا تاجيك‪ ،‬الّذي تقبّل تنظيم هذا الكتاب‪.‬‬

‫كل نعمة‪ .‬وأقدم هذا األثر املتواضع يف حمضر موالي صاحب العصر والزمان بقية‬
‫ويف اخلتام أشكر اهلل تعاىل على ّ‬
‫اهلل األعظم أرواحنا له الفداء راجياً منه دوام عنايته ولطفه‪.‬‬
‫مجتبى مصباح خرداد ‪1382‬هـ‪.‬ش‬

‫‪14‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تعريف فلسفة األخالق ومكانتها‬

‫رمبا يكون مصطلح "فلسفة األخالق" غريباً على من مل يطّلع مسبقاً على مسائل هذا العلم رغم معرفته مبصطلح‬
‫"الفلسفة" ومصطلحـ "األخالق" كالًّ على حدة‪.‬‬

‫إ ّن مصطلح "الفلسفة" لوحده يشري إىل بيان العلوم النظرية الّيت تبني خصائص الوجود الكلية باألسلوب العقلي‪.‬ـ‬

‫وأما مصطلح "األخالق" فإنّه حيكي الصفات الفاضلة واملذمومة يف اإلنسان‪ ،‬وكذلك العلم الّذي يتكلم عن‬
‫ّ‬
‫الصفات والسلوكيات القبيحة واحلسنة‪.‬‬

‫لكن ما هو املراد من املصطلح الرتكييب "فلسفة األخالق"؟ جواباً عن ذلك نقول إنّنا يف هذا الفصل‪ ،‬ومع توضيح‬
‫نتعرف إىل فلسفةـ األخالق ومكانة هذا‬ ‫تصو ٍر ٍ‬
‫كامل عن علم األخالق وأمهيّته‪ ،‬سوف ّ‬ ‫األحكام القيميّة‪ ،‬وتقدمي ّ‬
‫التعرض ملثل هذه البحوث‪.‬‬
‫العلم باملقايسة بعلم األخالق‪ ،‬وكذلك ضرورة ّ‬

‫‪ 1‬ـ العالقة بني األحكام القيميّة والصفات النفسانية مع اهلدف من احلياة‪.‬‬

‫‪ .1 - 1‬األحكام القيميّة‬

‫لطاملا حكمنا وقضينا على سلوكنا وسلوك اآلخرين مراراً وتكراراً‪ .‬ومثاالً على ذلك قلنا‪" :‬إ ّن ما قمت به باألمس‬
‫ليس صحيحاً" و"بدالً من أن أخاف من توبيخ‬

‫‪15‬‬
‫صديقي سأقول له احلقيقة"‪ .‬وكذلك من املمكن أ ّن نق ّدر الشجاع‪ ،‬الغيور‪ ،‬صاحب املروءة والكرمي ويف املقابل‬
‫نوبخ احلاقد‪ ،‬احلسود‪ ،‬والغافل‪ ،‬وغري ذلك الكثري الكثري من األحكام الّيت نصورها يومياً واليت هلا تأثريٌ كبريٌ يف‬
‫حياتنا العمليّة‪ ,‬إذ إنّه بناءً على هذه األحكام نقوم بانتخاب األصدقاء وتعيني طريقة عيشنا‪ ،‬وبالتايل ندرك أيضاً‬
‫أي مجاعة أو طائفة نتعامل دينياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً‪ ،‬ويف الواقع إن مثل‬‫كيفية تنظيم سلوكنا وتقوميه ومع ّ‬
‫هذه األحكام تقع يف نطاق "ما جيب" يف سلوكنا‪.‬‬

‫ومع أنّنا حنكم مبثل هذه األحكام عشرات املرات يومياً أو نتكلم هبا مع اآلخرين إاّل أنّه لرمبا مل نفكر دائماً يف‬
‫أمهيّتها وفائدهتا‪.‬‬

‫ويف احلقيقة هل ميكننا أ ّن نعيش من دون وجود مثل هذه األحكام؟ وما الّذي يلزمنا أ ّن نفكر هبا ونبحث حوهلا؟‬

‫أي أنّه عندما نريد أ ّن نقوم بأي فعل يف‬


‫كل هذه األحكام من حياتنا‪ّ ،‬‬
‫لنتصور جميء ذلك اليوم الّذي حُت ذف فيه ّ‬
‫ذلك اليوم الفرضي لن نعرف "ما جيب" علينا فعله‪.‬‬

‫كل يوم من نومي وأذهب إىل الدراسة أو العمل‪ ،‬وبالتايل سأتصورـ أين يف ذلك اليوم االفرتاضي‬
‫مثالً أنا أقوم اآلن ّ‬
‫علي فعله أيضاً‪ ،‬نعم من املمكن‬
‫عما ال جيب َّ‬‫عما جيب فعله يومياً‪ ،‬بل أكثر من ذلك أنّين ال أحكم ّ‬‫ال أعرف شيئاً ّ‬
‫أي هدف‬
‫علي أ ّن أدرس أو أعمل لتنظيم أمور اجملتمع أو خدمة اآلخرين أو ّ‬‫حينها أ ّن أفكر يف نفسي أنّه هل الالزم َّ‬
‫هدف من األهداف املذكورة بل وحىت‬ ‫آخر‪ ،‬لكن ال بد أ ّن ال ننسى أنّه يف ذلك اليوم االفرتاضي ال يوجد أي ٍ‬
‫ّ‬
‫أي‬
‫أي أنين ال أعرف أ ّن إدارة أمور اجملتمع أو خدمة اآلخرين أو ّ‬‫أضداد تلك األهداف قابل للتقسيم يف رأيي‪ّ ،‬‬
‫علي ذلك‪.‬‬
‫هدف آخر هل هو "حسن" أو "قبيح" أو هل "جيب" أ ّن أقوم به أم "ال جيب" َّ‬

‫أي هدف منها‬ ‫ٍ‬


‫علي القيام به أو ّ‬
‫علي أو ال ينبغي َّ‬
‫أي هدف مشخص ينبغي َّ‬ ‫وبناءً على ذلك فليس يل حينها ّ‬
‫كل األفعال الّيت ترتبط باختياري يف فعلها أو تركها‪ ،‬ويف ذلك اليوم العجيب‬
‫أنتخب‪ .‬وهذا التحري واحلرية يشمل ّ‬
‫لن أستطيع أ ّن أستفيد وبشكل‬

‫‪16‬‬
‫مطلوب من إراديت وكأنين مسلوب االختيار واإلرادة‪ ،‬وهلذا سأكون حينها أشبه خبشبة فاقدة لالختيار ولست‬
‫بإنسان أصالً‪.‬‬

‫ويف احلقيقة فإ ّن مثل هذه األحكام الّيت أشرنا إليها تشري إىل ماهية األهداف املنظورة يف حياتنا وبالتايل توجب علينا‬
‫أ ّن خنتار منها ما يتناسب مع أهدافنا القيمة فنقوم هبا مبلء إرادتنا‪.‬‬

‫ستصوب حياتنا باجتاه هدف معنّي وخمصوص‪ ،‬وستؤثر‬ ‫ّ‬ ‫وبشكل خمتصر ميكن القول إ ّن هذه األحكام والقرارات‬
‫حتماً يف تقييم وانتخاب السلوك املناسب مع هذا اهلدف‪ .‬وبناءً على ذلك إذا كان هدف حياتنا مهماً ال بد أ ّن‬
‫يكون مهماً لنا أيضاً أ ّن نعرف األحكام والقرارات القيميّة لكي نوفق بينها وبني أفعالنا االختيارية‪ ،‬حيث إ ّن معرفة‬
‫ما جيب فعله تعترب اخلطوة األوىل الختيار العمل املناسب هلدفنا يف احلياة‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ ‪ .2‬الصفات النفسانية‬

‫من املقطوع به وجود عوامل أخرى غري "املعرفة" ‪ -‬واليت هي نوع من العلم ‪ -‬تؤثّر يف اختيارنا وقيامنا باألعمال‬
‫املفيدة‪ ،‬وميكن تقسيم هذه العوامل إىل قسمني‪ :‬داخلية وخارجية‪.‬‬
‫من مجلة العوامل اخلارجية ميكن اإلشارة إىل الثقافة واآلداب والتقاليد االجتماعية‪ ،‬وكذلك أقوال وسلوك الّذين‬
‫نعاشرهم غالباً سواء يف العائلة أو األصدقاء واألساتذة ووسائل اإلعالم‪.‬‬
‫ومن مجلة العوامل الداخلية ميكن اإلشارة إىل بعض الصفات كالع ّفة والغرية والشجاعة أو احلسد والبخل والتكرّب ‪.‬‬

‫خاصة أو‬
‫ويشرتك كلٌّ من العوامل الداخلية واخلارجية يف حبثنا وحتريكنا لالختيار والقيام بأفعال وسلوكيات ّ‬
‫ويشوقه إىل التواضع‪،‬‬
‫سيحركه ذلك ّ‬ ‫تتناسب معها‪ ،‬ومثاالً على ذلك لو عاشر اإلنسان بعض األفراد املتواضعني ّ‬
‫وكذلك من كان يف طبعه احلسد وكانت هذه الصفة فعالة يف نفسه فإنّه سيحسد يف العادة‪ ،‬إاّل إهّن ما يفرتقان‬

‫‪17‬‬
‫يف التأثري املباشر وعدمه‪ ،‬فالعوامل احملركة اخلارجية ميكنها التأثري بشكل غري مباشر يف اختيارنا وبالتايل حتريكنا‬
‫اخلاصة‪ ،‬وأما العوامل الداخلية فإهّن ا تؤثّر فينا بشكل مباشر لكن ميكن ترويضها‬
‫ودفعنا للقيامـ ببعض األعمال ّ‬
‫والسيطرة عليها باملعرفة والتمرين وبالتايل إجياد التغيري فيها وتقويتها أو تضعيفها‪ ،‬وزيادة تأثريها أو تقليله‪ ،‬وتفعيلها‬
‫أو حتجيمها [‪.]1‬‬

‫التعرف بدقّة إىل الصفات املثبتة واإلجيابية من بني الصفات الداخلية فسوف نعمل على‬
‫وبناءً عليه إذا استطعنا ّ‬
‫تقويتها والتقليل من تأثري الصفات السلبية‪ ،‬وسوف نطمئن على صوابية أعمالنا وسلوكنا يف االجتاه الصحيح‪.‬‬

‫عامل حمرك للقيامـ باألعمال احلسنة ويف النتيجة حتصيل‬


‫ويف الواقع فإ ّن امتالك الصفات النفسانية الفاضلة واحلسنة ٌ‬
‫اهلدف من حياتنا‪.‬‬

‫ومضافاً على ذلك وبناءً على الرؤية املعرفية لإلنسان يف اإلسالم فإ ّن حقيقة وجود اإلنسان هي روحه اجملردة‬
‫والباقية بعد موته وأ ّن اإلنسان سيحشر مع صفاته النفسية‪ .‬إذاً بناءً على ذلك فإ ّن الصفات النفسية عالوة على‬
‫تأثريها يف اختيار األفعال والقيام هبا فإهّن ا تؤثّر أيضاً يف تكوين حقيقة وجود اإلنسان‪.‬‬

‫إاّل أ ّن السؤال املهم هو كيفية تشخيص احلسن من القبيح يف هذه الصفات‪ ،‬وبأي ٍ‬
‫سلوك ميكن تغيريها وتصحيحها‪.‬‬ ‫َ‬

‫وبعبارة أخرى ما هو العلم الّذي حنتاجه يف سبيل الوصول إىل اهلدف من احلياة املنشودة‪ ,‬أوالً لتعيني ما ينبغي أو ال‬
‫ينبغي فعله من األعمال والسلوكيات احلسنة أو القبيحة‪ ،‬وثانياً ليعرف لنا الصفات الداخلية املوجبة والسالبة والّيت‬
‫كون حقيقة‬‫طرف ما تؤثّر يف سلوكنا بشكل مباشر ومن طرف آخر تتغري بناءً على ما نقوم به‪ ،‬وبالتايل تُ ِّ‬‫من ٍ‬
‫وجودنا؟ وجواباً على ذلك نقول إ ّن العلم املتك ّفل هبذا األمر هو "علم األخالق" [‪.]3[ ]2‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ 2‬ـ علم األخالق‬

‫يتكلّم هذا العلم عن السلوك احلسن والقبيح والصفات املقبولة وغري املقبولة وبعبارة أخرى عن الفضائل والرذائل‪.‬‬

‫وكذلك يتح ّدث عن األعمال الّيت ينبغي فعلها أو تركها‪ ،‬وعن الصفات الّيت ينبغي تنميتها أو حتجيمها‪.‬‬

‫ٍ‬
‫صفات كالكرم والبخل والشجاعة واجلنب واليت ميكن حتصيلها أو إزالتها‬ ‫إ ّن علم األخالق يبحث أيضاً عن‬
‫باختيارنا وإرادتنا أو الّيت ميكن السيطرة عليها والتحكم هبا‪.‬‬

‫يتعرض هذا العلم للسلوك االختياري الناشىء عن تلك الصفات الداخلية الّيت حت ّدد مسرينا واجتاهنا وبالتايل‬
‫وكذلك ّ‬
‫احملركة أو تضعيفها‪.‬‬
‫تقوية هذه الصفات ّ‬

‫عامة لتقييم الصفات والسلوكيات االختيارية واليت على أساسها نقوم بتقدير‬
‫ونتعرف يف هذا العلم إىل قواعد ّ‬
‫ّ‬
‫وتقييم صفاتنا وأعمالنا االختيارية وكذلك صفات وأعمال اآلخرين‪.‬‬

‫عمل أو صفة بأنه حسن أو قبيح‪ ،‬وكذلك‬ ‫أي ٍ‬ ‫أي أنّه وبناءً على هذه األسس والقواعد األخالقيّة ميكن احلكم على ّ‬
‫أيهما الصحيح وأيهما اخلطأ‪ ،‬وكذلك املقبول منهما وغري املقبول‪ ،‬وما ينبغي فعله منهما وما ال ينبغي كذلك‪،‬‬
‫وكما ترى فإ ّن مجيع هذه األمور مفيدة يف الوصول إىل اهلدف املنشود من احلياة‪ .‬وبشكل خمتصر ميكن القول إ ّن‬
‫علم األخالق هو ذلك العلم الّذي يتكلم عن قيمة الصفات والسلوكيات االختيارية وضرورة‪ 1‬وجودها عند‬
‫اإلنسان [‪.]4‬‬

‫‪ -1‬سوف نتكلّم يف الفصل الثالث تفصيالً عن مفهوم القيمةـ والضرورة بشكل عام وعن القيمة والضرورة يف األخالق بشكل‬
‫خاص‪ .‬وقبل الوصول إىل حتقيق املراد منهما سوف نكتفي يف حبوثنا احلالية باملفهوم االرتكازي عندنا عن القيمةـ واللزوم األخالقيّني‬
‫وبقليل من املساحمة نعرب عنهما باحلسن والقبيح وما جيب وما ال جيب‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ 3‬ـ فلسفة األخالق‬

‫‪ 1‬ـ ‪ .3‬األسئلة األساسية يف جمال األحكام األخالقيّة‬

‫تعرفنا حىت اآلن إىل علم األخالق وأمهيّته‪ .‬لكن يف احلقيقة هناك آراء ونظريات متع ّددة حول تعريف القيم‬
‫والضرورات األخالقيّة واليت ختتلف فيما بينها يف جمال تقييم الصفات واألفعال االختيارية وضرورهتا ولزومها‪ .‬وها‬
‫أي واحد خنتار من بني هذه املذاهب‬
‫هنا ومن أجل حتصيل اهلدف اهلام الّذي نسعى إليه جيب علينا معرفة ّ‬
‫األخالقيّة‪:‬‬

‫وجم ّدداً نعود إىل أحكامنا القيميّة والّيت قُبلت على أساس القواعد األخالقيّة عندنا والّيت سوف نستفيد فيها من‬
‫كلمات نظري‪" :‬احلسن" "القبيح" "جيب" و"ال جيب"‪.‬‬

‫وأي شيء خُت رب؟ وهل احلسن والقبح صفتان واقعيّتان ألفعالنا‬
‫وهنا نسأل‪ :‬ما هو معىن هذه الكلمات بالدقّة؟ ّ‬
‫وصفاتنا؟ وهل ميكن إثبات القواعد األخالقيّة كما نُثبت القوانني الفيزيائية والقواعد اهلندسية؟ وهل ميكن على‬
‫أخالقي قوي ميكن الدفاع عنه؟ وهل ميكن تقييم القواعد األخالقيّة بناءً على مالكات واقعيّة‬
‫ّ‬ ‫أساسها تشييد مذهب‬
‫وثابتة أم أ ّن مبىن تقييم هذه القواعد أمور متغرية ال ثبات هلا؟ وهل أ ّن األخالق مطلقةـ أم أهنا نسبية؟‬

‫ويف احلقيقة فإ ّن حتقيق هذه األسئلة واإلجابة عنها ال يرتبطان بعلم األخالق [‪ ،]5‬أل ّن هذا العلم يفرتض مسبقاً أنّنا‬
‫خاصة به وميكن القبول هبا‪ ،‬وإمّن ا نسعى‬
‫احلسن والقبيح‪ ،‬وكذلك فإ ّن هذا العلم ميتلك قواعد أخالقيّة ّ‬‫نعرف معىن َ‬
‫حنن فقط إىل املعرفة التفصيلية هبا‪.‬‬

‫إ ّن علم األخالق يق ّدم لنا جدوالً من األفعال والصفات احلسنة والقبيحة‪ ،‬إاّل أنّه ال يأخذ على عاتقه بالضرورةـ لزوم‬
‫الدفاع العقالين عن جداوله‪ ،‬ولو كان هذا األمر ضرورياً والزماً فال بد من الذهاب إىل علم آخر وطلب اإلعانة‬
‫منه [‪.]6‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ 2‬ـ ‪ .3‬ضرورة اإلجابة عن األسئلة السابقة‬

‫ما هي أمهيّة وضرورة معرفة اإلجابة عن هذه األسئلة؟ أوليس علم األخالق كافياً لنا للقيام باألعمال احلسنة‬
‫واالبتعاد عن األعمال القبيحة والسيئة؟ أوليس كافياً لنا المتالك الصفات الفاضلة وهتذيب أنفسنا من الصفات‬
‫مرة أخرى واقعة افرتاضية‪:‬‬ ‫الرذيلة؟ ألجل إدراك أمهيّة اإلجابة عن هذه األسئلة سوف ّ‬
‫نتصور ّ‬

‫أي أنّنا ال نعرف ما معىن احلسن وما معىن‬ ‫أي سؤال جديد ّ‬ ‫أي اطالع على اإلجابة عن ّ‬ ‫يف هذه الواقعة ليس لدينا ّ‬
‫القبيح‪ ،‬وال نعرف أ ّن القواعد األخالقيّة مطلقة أو نسبية‪ ،‬وهل أ ّن أحكامنا القيميّة صحيحة أم ال‪ ،‬وكذلك ال‬
‫أي واحد هو املقبول واملعترب من بني املذاهب األخالقيّة املختلفة‪ ،‬وأيضاً كما حنتمل أ ّن القواعد األخالقيّة‬
‫نعرف ّ‬
‫تشبه البيانات العلمية حبيث ميكن إثباهتا‪ ،‬وأهنا مبينة للحقائق العلمية‪ ،‬كذلك حنتمل أهنا جمرد بيان ألحاسيسنا‬
‫الداخلية أو أهنا ناشئة عن نوع من التوافق والعقود االجتماعية ‪ -‬كما نشري إىل توضيحها يف الفصول الالحقة ‪-‬‬
‫ويف هذه الصورةـ ال ميكننا االطمئنان بدقّة إىل ما نصدره من أحكام وقرارات‪ ،‬ويف النتيجة سوف نرتدد فيما خنتاره‬
‫ونقرره وسوف نتهاون يف حفظ ومحاية قيمنا الّيت قبلناها‪ ،‬ومضافاً إىل ذلك فإنّه يف مثل هذه الواقعة لن يكون‬
‫معقوالً أ ّن ندافع عن آرائنا وبالتايل إثبات صحة قراراتنا لآلخرين‪.‬‬

‫إذا مل تكن القيم األخالقيّة ذات مالكات واقعيّة وثابتة ال تتغري‪ ،‬وكانت مبتنَية على السالئق الفردية أو اجلمعية‬
‫أي سعي فكري أو نظري لتحقيق اهلدف املنشود من احلياة وتأمني الطرق املوصلة إىل هذا‬ ‫ٍ‬
‫فحينئذ لن يكون مفيداً ّ‬
‫ورد تلك القيم الّيت ال نقبلها‪.‬‬
‫أي حبث وحوار إلثبات قيمنا املقبولة عندنا ّ‬ ‫اهلدف‪ ،‬وكذلك لن يكون مفيداً ّ‬

‫نوع من اجلهاد العملي يف سبيل حفظ قيمنا املختارة وتوطيدها يف اجملتمع ومواجهة الغزو‬
‫أي ٍ‬‫وكذلك سوف يكون ّ‬
‫الثقايف والقيم املعارضة واملنحرفة أمراً غري معقول‪.‬‬

‫ومن مثّ فإ ّن هذه القيم إذا مل تكن ذات مالكات ثابتة سيؤثر ذلك بشكل مباشر على‬

‫‪21‬‬
‫مقدار اطمئناننا يف التشخيص الصحيح هلذه املالكات يف ميزان اهتمامنا حبفظ هذه القيم‪ ،‬ونشرها‪.‬‬

‫نعم من املقطوع به أ ّن عامة الناس متتلك مثل هذه القرارات واألحكام القيميّة ولديها إجاباهتا عن مثل هذه األسئلة‬
‫وبالتايل حتكم بناءً على هذه اإلجابات على الرغم من كوهنا جمملة أحياناً أو أهنا ال تستند إىل علم خاص أو معرفة‬
‫بتسر ٍع بعض تلك األحكام والقرارات أو يرفضوهنا كذلك‪.‬‬ ‫باصطالحات ذلك العلم‪ ،‬ولذا فإنّنا نراهم يقبلونـ ّ‬

‫صحة أحكامنا فإنّنا حنتاج حتماً إىل حتليلها بشكل علمي‪ ،‬وتأكيداً لذلك‬
‫إاّل أنّه وألجل االطمئنان والتأ ّكد من ّ‬
‫نقول إ ّن عامة الناس يستدلّونـ إلثبات مراداهتم مع أنّه من املمكن عدم تعلّمهمـ قواعد االستدالل يف علم املنطق‪ ،‬إاّل‬
‫أنّه ولالطمئنان على صحة االستدالل وللحذرـ من الوقوع يف فخ املغالطات ال بد لنا من االطالع بشكل علمي على‬
‫قواعد االستدالل يف علم املنطق‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ‪ .3‬فلسفةـ األخالق هي اجلواب عن األسئلة املذكورة‬

‫وكما أشرنا فإ ّن علم األخالق يبتدىء عمله مع هذا االفرتاض املسبق وهو امتالكنا إلجابات ‪ -‬ورغم كوهنا إمجالية‬
‫‪ -‬عن تلك األسئلة املذكورة‪ ،‬وهذا يعين أ ّن البحوث املرتبطة باإلجابة عنها مق ّدمة على حبوث علم األخالق‪ ،‬ولذا‬
‫ٍ‬
‫مستقل فإ ّن مثل هذا العلم سيكون مق ّدمة للدخول إىل علم األخالق‬ ‫لو أردنا تقدمي حتقيق هذه اإلجابات ضمن علم‬
‫ألنّه يف احلقيقة يبحث عن أصوله ومبانيه وباالصطالح عن مبادىء علم األخالق‪.‬‬

‫وبناءً عليه فإ ّن العلم الّذي يبحث عن مبادىء علم آخر يسمى "فلسفة" ذلك العلم ولذا يسمى العلم الّذي نبحث‬
‫عنه بـ"فلسفة األخالق"‪.2‬‬

‫هذا ومن الواضح أ ّن "احلسن" و"القبيح" و"القواعد األخالقيّة" و"الواقعيّة أو‬

‫‪.Ethics or Moral Philosophy -2‬‬

‫‪22‬‬
‫الالواقعيّة يف القيم والضرورات األخالقيّة" وكذلك "ثبوت أو عدم ثبوت القواعد األخالقيّة" و"االطالق والنسبيّة‬
‫يف األخالق" وأمثال هذه املفاهيم ليست أموراً حسية ميكن مشاهدهتا‪ ،‬ولذا فإ ّن املنهج التجرييب لن يكون مؤثّراً‬
‫حل مسائل هذا العلم [‪.]7‬‬
‫بشكل مباشر يف ّ‬

‫وبناءً عليه فإ ّن املنهج املتّبع يف حتقيق هذا العلم سيكون منهجاً عقلياً‪.‬‬

‫(عقلي) حول املبادىء التصوريّة والتصديقيّة لعلم األخالق‪.‬‬


‫ّ‬ ‫فلسفي‬
‫ّـ‬ ‫فلسفة األخالق حتقيق‬

‫طرف ما حول مفاهيم "احلسن"‪" ،‬القبح"‪" ،‬جيب" و "ال جيب" ‪ -‬والّيت يستفاد‬‫وجه ٍ‬ ‫أي أنّه يبحث يف هذا العلم من ٍ‬
‫منها يف التعابري األخالقيّة ‪ -‬وارتباطها مع الواقعيات‪ ،‬ومن ٍ‬
‫وجه آخر حيقق فيه حول األصول املؤثّرة يف قبول أو‬ ‫ّ‬
‫كل ذلك بناءً على املنهج‬
‫األخالقي املطلوب‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫عدم قبول األمور األخالقيّة الالزمة أو يف كيفية اختيار املذهب‬
‫العقلي واالستداليل‪.‬‬

‫الخالصة‬

‫‪ 1‬ـ األحكام القيميّة موجودة يف حياتنا اليومية‪ ،‬وتشري إىل هدفنا يف احلياة‪ ،‬وتعترب من العوامل املسامهة يف قيامنا‬
‫باألعمال املختلفة ويف حتقيق هدفنا يف احلياة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ تنقسم العوامل املؤثّرة يف قراراتنا للقيام باألفعال االختيارية إىل قسمني‪ :‬العوامل اخلارجية ‪ -‬كالثقافة واآلداب‬
‫والتقاليد االجتماعية‪ ،‬واألصدقاء‪ ،‬واملعلمني ووسائل اإلعالم ـ‪ ،‬والعوامل الداخلية نظري الصفات النفسانية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫احملركة الداخلية والّيت تؤثّر يف سلوكنا‬
‫وأما العوامل ّ‬
‫‪ 3‬ـ تلعب العوامل احملركة اخلارجية دور املرشد واحمل ّفز‪ّ ،‬‬
‫مباشر فيمكن السيطرة عليها عرب املعرفة والتمرين والرياضة‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ بناءً على الرؤية املعرفية لإلنسان يف اإلسالم فإ ّن العوامل احملركة الداخلية (الصفات النفسانية) مضافاً إىل تأثريها‬
‫يف سلوكنا وأهنا تقبل التأثري والتغري أيضاً فإهّن ا تشكل حقيقة وجود اإلنسان‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ إ ّن علم األخالق الّذي يُتكلَّم فيه عن قيمة الصفات والسلوك االختياري لإلنسان وضرورة وجودها ميكنه أ ّن‬
‫يعيننا‪ ،‬وألجل نيل اهلدف املنشود من احلياة‪ ،‬يف أ ّن خنتار األفعال احلميدة الّيت ال ب ّد منها‪.‬‬

‫حتقيق فلسفيـ (عقلي) حول املبادىء التصورية والتصديقية لعلم األخالق ويُبحث فيه عن‬
‫‪ 6‬ـ إ ّن فلسفة األخالق ٌ‬
‫املفاهيم األخالقيّة وارتباطها بالواقعيّات وكذلك عن األصول املرتبطة بقبول أو عدم قبول البيانات األخالقيّة‪.‬‬

‫صحة أحكامنا األخالقيّة يرتبط هبذا العلم‪،‬‬


‫‪ 7‬ـ حيث إ ّن فلسفة األخالق هي مبىن علم األخالق فإ ّن اطمئناننا إىل ّ‬
‫ومن مثّ فإ ّن ميزان االطمئنان هذا يؤثّر بدوره يف ميزان اهتمامنا بالثبات عليها يف مقام العمل والسعي حلفظ وبسط‬
‫القيم األخالقيّة‪.‬‬

‫األسئلة‬

‫‪ 1‬ـ أوضح ماهية االرتباط بني األحكام القيميّة مع اهلدف من احلياة‪ ،‬وكيف تؤثّر يف نوعية سلوكنا الفردي‬
‫واالجتماعي‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ ما هي العوامل احملركة الداخلية واخلارجية املؤثّرة يف طريقة اختيارنا؟ بنّي ماهية العامل املؤثر يف طريقة اختيارنا‬
‫عند كليهما‪.‬‬

‫عم يتكلّم علم األخالق؟ وكيف ميكن االستعانة هبذا العلم للوصول إىل اهلدف املنشود من احلياة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ َّ‬

‫‪24‬‬
‫عرف فلسفة األخالق واشرح منوذجني من مسائلها‪.‬‬
‫‪4‬ـ ّ‬

‫‪ 5‬ـ ما هو السبب يف تقدمي فلسفةـ األخالق على علم األخالق؟ أوضح ذلك‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ أوضح أمهيّة فلسفة األخالق من الناحية النظرية والعلمية‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ لنفرتض أنك يف مقام النهي عن املنكر أوصيت أحدهم برتك أم ٍر ما ال ينبغي فعله‪ ،‬ولكنه أجابك بالقول "إذا مل‬
‫يعجبك هذا العمل فيمكنك أ ّن ال تقوم به ولكنه حسن يف رأيي وأريد القيام به"‪.‬‬

‫أي علم تستفيد يف مقام‬


‫أوضح ما يلي‪ :‬هل أ ّن اختالفك معه يرجع إىل علم األخالق أو إىل فلسفةـ األخالق؟ ومن ّ‬
‫إجابته؟‬

‫للبحث‬

‫مع اإلشارة إىل ما استفدناه وعرفناه حول علم األخالق‪ ،‬هل ميكن برأيك حتقيق اهلدف من احلياة مبجرد املعرفة هبذا‬
‫العلم أم بالعملـ به؟ وما هو دور علم األخالق يف حتقيق هذا اهلدف؟ وما هي األشياء األخرى الّيت حنتاج إليها من‬
‫أجل الوصول إىل هذا اهلدف؟‬

‫إقرأ‬

‫يل‬
‫األو ّ‬
‫من املمكن أ ّن تتفاوت الصفات النفسانية بادىء ذي بدء عند خمتلف األفراد‪ .‬ورمبا يرتبط هذا الضعف ّ‬
‫بطبيعة هؤالء األفراد وعوامل أخرى متع ّددة تؤثّر يف ذلك كالوراثة مثالً‪ ،‬إاّل أنّه ميكن بعد التعود االختياري أ ّن‬
‫الرزاق الهيجي‪ ،‬گوهر مراد‪ ،‬ص ‪.)667‬‬ ‫يقويها بتكرار العمل أو أ ّن يضعفها بالتمرن على الرتك (راجع‪ ،‬عبد ّ‬

‫‪25‬‬
‫وحتماً فإ ّن هذه املراتب من الصفات واليت تُكتسب أو حُت فظ باختيار اإلنسان وكذلك األعمال الصادرة عنه‬
‫األخالقي (وأن ليس لإلنسان إاّل ما سعى وأن سعيه سوف يرى) (سورة النجم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫باختياره هي الّيت تقبل التقييم‬
‫اآليتان‪ 39 :‬ـ ‪.)40‬‬

‫يُطلق على الصفة النفسية الثابتة يف قلب اإلنسان واليت أصبحت مبثابة امللكة عنده "اخلُلُق" لغة‪ ،‬حيث إ ّن اإلنسان‬
‫تأم ٍل ّ‬
‫وتردد‪.‬‬ ‫أي ّ‬ ‫حينها يقوم فوراً بالعملـ الّذي يتناسب مع هذه الصفات وبدون ّ‬

‫حممد مهدي النراقي‪ ،‬جامع السعادات‪،‬‬


‫تتعرف أكثر إىل تعريف "اخلُلُق" راجع قواميس اللغة‪ ،‬وكذلك‪ّ :‬‬
‫ولكي ّ‬
‫حممد كالنرت‪ ،‬ص‪.22‬‬ ‫تصحيح وتعليق ّ‬

‫حممد بن شاه مرتضى الفيض الكاشاين‪ ،‬احلقائق يف حماسن األخالق وقرة العيون يف املعارف واحلكم ومصباح‬
‫‪ّ -‬‬
‫األنظار‪ ،‬حتقيق وتذييل إبراهيم املياجني ص‪.54‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق الهيجي‪ ،‬گوهر مراد‪ ،‬ص‪.667‬‬

‫هذا وعلى الرغم من استعمال اخلُلُق لغة يف الصفة الثابتة وامللكة النفسانية‪ ،‬وهذا هو املراد عادة عند استعماله يف‬
‫حينئذ على جممل الصفات النفسانية الّيت هي منشأ‬‫علم األخالق‪ ،‬إاّل أ ّن هذا املصطلح قد يستعمل مبعىن أعم فيطلق ٍ‬
‫ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫األفعال االختيارية ‪ -‬سواء كانت هذه الصفة ثابتة (ملكة) أم غري ثابتة (حال) ‪ -‬وبناءً على هذا املصطلح فإ ّن ما‬
‫يقوم به البخيل أحياناً من ٍ‬
‫عطاء ولو مع التكلّف يُعترب عمالً أخالقيّاً إجيابياً‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ فإ ّن األفعال القبيحة وغري املرضية‬ ‫ويف املصطلح الثالث تطلق األخالق فقط على الصفات احلسنة والفاضلة‬
‫تسمى بالاّل أخالقيّة‪.‬‬

‫واجلدير قوله أ ّن اخلُلُق يُستعمل أحياناً يف احملاورات العرفية مبعىن اخلُلُق االجتماعي‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن من حيسن‬
‫التصرف معهمـ يسمى بسيئ‬ ‫التصرف مع اآلخرين يسمى حبسن األخالق‪ ،‬ويف مقابل ذلك فإ ّن من يسيء ّ‬ ‫ّ‬
‫ختتص فقط‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫األخالق‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫لألخالق‬ ‫واالصطالحي‬ ‫اللغوي‬
‫ّ‬ ‫املعىن‬ ‫من‬ ‫ذكرناه‬ ‫ما‬ ‫على‬ ‫وبناء‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫أ‬
‫اّل ّ‬ ‫إ‬ ‫األخالق‪،‬‬
‫باألخالق االجتماعية‪.‬‬

‫رمبا ميكن اعتبار علم األخالق متّحداً مع األخالق املعيارية (‪ )No rmative Ethics‬إاّل أ ّن بعضهم اعترب أ ّن‬
‫األول منها يتكلّم عن املالكات الكلية لألخالق واآلراء املتع ّددة حوهلا‪ ،‬ويف القسم‬
‫هذه األخرية قسمان‪ :‬القسم ّ‬
‫الثاين يتكلّم عن مصاديق تلك املالكات الكليّة وقبح األفعال وحسنها‪.‬‬

‫وبناءً على هذا التقسيم فإنّنا إذا اعتربنا إمكانية حتقيق املالكات الكلية لألخالق بالبحث والتحقيق العقلي‬
‫والفلسفي‪،‬ـ فإ ّن هذا القسم من األخالق املعيارية سيشرتك مع علم ما بعد‬

‫‪26‬‬
‫األخالق ‪ ( Meta Ethics‬ـ األخالق التحليلية ‪ Analytic Ethics‬ـ األخالق النقدية (‪Critical‬‬
‫‪ Ethics‬ـ والذي يُبحث فيه عن الواقع الظاهري للجمل األخالقيّة وجمال عملها وحتليل املفاهيم األخالقيّة يف‬
‫تشكيل فلسفةـ األخالق‪.‬‬

‫ختتص ببيان املالك الكلّ ّي ومصاديقه فقط‪ ،‬وال ربط هلذا العلم بالتحقيق العقليـ‬
‫وأما لو اعتربنا أ ّن األخالق املعيارية ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫والفلسفيـ يف انتخاب املالكات‪ ،‬فحينئذ ميكن مساواة علم األخالق مع علم األخالق املعيارية‪.‬‬

‫ويف هذه الصورةـ إذا اعتربنا التحقيق العقلي والفلسفي النتخاب املعايري واملالكات جزءاً من ما بعد األخالق فإ ّن‬
‫فلسفة األخالق أيضاً ستكون مساوية ملا بعد األخالق (يراجع حول هذا املوضوع علي شريواين‪ ،‬فرا اخالق‪( ،‬ما‬
‫بعد األخالق)‪ ،‬ص ‪ 15‬ـ ‪ ,20‬وصادق الرجياين‪ ،‬فلسفةـ أخالق ‪ ،1‬اجمللة التخصصية‪ :‬كالم اسالمي العدد ‪،11‬‬
‫ص‪ ,71‬وارنوك‪ ،‬فلسفه اخالق در قرن بيستم ترمجة وحواشي ابو القاسم فنائي‪ ،‬مق ّدمة املرتجم‪ ،‬ص ‪ 32‬ـ ‪.)35‬‬

‫بالنسبة ملوضوع علم األخالق واهلدف األصلي منه يوجد رأيان واجتاهان أساسيان‪:‬‬

‫ّأوهلما‪ :‬أ ّن املتّصف أصالة بالقيم األخالقيّة هي بعض الصفات الداخلية‪ ،‬وبالتايل فإ ّن علم األخالق يتك ّفل ببيان قيمة‬
‫وضرورة وجود هذه الصفات النفسانية‪ ،‬وكذلك فإ ّن هدف علم األخالق هو تزيني النفس بامللَكات النفسانية‬
‫الفاضلة وختليتها من الصفات الرذيلة والوصول إىل كمال النفس‪.‬‬

‫وأما األفعال والسلوكيات ‪ -‬ومع أنّه يُبحث عن قيمتها بناءً على هذا الرأي ‪ -‬فإهّن ا يف الواقع وسيلة لتح ّقق‬
‫ّ‬
‫الصفات الراسخة عند اإلنسان‪ ،‬ومن آثار تلك الصفات النفسانية‪.‬‬

‫وقد اختار علماء األخالق املسلمون ‪ -‬بناءً على الرؤية املعرفية لإلنسان عندهم ‪ -‬هذا االجتاه القائل بأ ّن حقيقة‬
‫الواقعي عند اإلنسان يراد منه نفسه وروحه‪ ،‬وبعبارة ثانية‬
‫ّ‬ ‫وجود اإلنسان يتقدم بنفسه اجملردة وأ ّن الكمال والنقص‬
‫فإ ّن الكمال والنقص احلاصل لإلنسان يف هذه الدنيا بسبب أفعاله االختيارية يبقى متعلقاً بروحه وأ ّن اإلنسان بعد‬
‫موته سيحشر معها‪.‬‬

‫حممد مهدي النراقي‪ ،‬جامع السعادات‪ ،‬الباب األول‪ ،‬نصري الدين الطوسي‪ ،‬أخالق ناصري‪ ،‬تصحيح‬
‫(راجع‪ّ :‬‬
‫وتوضيح جمتىب مينوي وعلي رضا حيدري‪ ،‬ص ‪ ،‬ابن مسكويه‪ ،‬أمحد بن حممد‪ ،‬هتذيب األخالق‪ ،‬ص ‪ ,‬ابن‬
‫‪5‬‬ ‫‪48‬‬

‫مسكويه‪ ،‬أمحد بن حممد‪ ،‬كيمياي سعادت‪ ،‬ترمجة طهارة األعراق‪ ،‬ترمجة أبو طالب زجناين ص‪.)27‬‬

‫الثاين‪ :‬وهو ما خرج عند علماء األخالق يف الغرب‪ ،‬حيث يعتربون أ ّن القيم األخالقيّة ناظرة‬

‫‪27‬‬
‫فقط إىل السلوك اإلنساين‪ ،‬وأ ّن علم األخالق ينظر فقط إىل بيان قيمة السلوك وضرورته‪ ،‬وأ ّن اهلدف األصلي لعلم‬
‫أي هدف له ما وراء ذلك‪ ،‬يقول فولكيه‪" :‬إ ّن علم األخالق عبارة‬ ‫األخالق هو تصحيح هذا السلوك وال يوجد ّ‬
‫عن جمموعة قوانني السلوك الّيت مت ّكن اإلنسان من خالل العمل هبا من الوصول إىل هدفه" (راجع‪ :‬عبد الرمحن‬
‫بدوي‪ ،‬األخالق النظرية‪ ،‬ص‪ ،)10‬ويذكر جكس أيضاً أ ّن‪" :‬علم األخالق عبارة عن حتقيق السلوك اإلنساين‬
‫بالشكل الّذي جيب أ ْن يكون عليه" (جكس‪ ،‬فلسفةـ اخالق (احلكمة العمليّة)‪ ،‬ترمجة الدكتور أبو القاسم بور‬
‫حسيين ص‪.)9‬‬

‫األول إىل تسمية األخالق بالفضيلةـ فيقول أخالق الفضيلة (‪ )Ethics of Virtue‬وأما‬
‫هذا ويذهب االجتاه ّ‬
‫االجتاه الثاين فيسميها بالوظيفة أو العمل ويطلق عليها أخالق الوظيفة أو العمل (‪.)Ethicsof Duty‬‬

‫وقد اختلف فالسفة األخالق أيضاً حول مصداق هدف علم األخالق وتعيني مالك التقييم للبيانات األخالقيّة‪،‬‬
‫وسوف نتعرض إىل ذلك بالبحث والتحقيق يف الفصول اآلتية‪.‬‬
‫وبغض النظر‬
‫ّ‬ ‫متنوعة‪ ،‬وقد تك ّفلت علوم متع ّددة اإلجابة عنها‪ .‬ويف هذا اجملال‬
‫لقد طُرحت حول "األخالق" أسئلة ّ‬
‫عن "علم األخالق" و"فلسفة األخالق" نشري إىل "األخالق العمليّة" والّيت تذكر األساليب العمليّة للتحلّيـ بالفضائل‬
‫تعرض علماء األخالق‬ ‫والتخلّي عن الرذائل‪ ،‬وكذلك تبنّي طرق السري والسلوك من الناحية األخالقيّة‪ .‬وقد ّ‬
‫املسلمون إىل ذلك يف كتبهم األخالقيّة‪.‬‬

‫وكذلك نذكر "األخالق التوصيفية" ‪ Descriptive Ethics‬واليت تصف أخالقيّات األفراد وسريهتم العمليّة‪،‬‬
‫وتتكلّم عن اجملتمعات واألديان واملذاهب‪.‬‬

‫كما وميكن أ ْن يكون نفس علم األخالق موضوعاً للبحث‪ ،‬حيث يبحث عن تاريخ هذا العلم واهلدف منه وفائدته‬
‫وحياة علماء األخالق العظام وغريها من املسائل الّيت تُذكر عادة يف مق ّدمةـ علم األخالق أو ميكن اعتبارها علماً‬
‫مستقاّل ً حب ّد ذاته‪.‬‬

‫لقد ظهرت أنواع متع ّددة من العلومـ بناءً على احلاجة إليها والتوسع يف مسائلها حىت أصبحت علوماً مستقلةـ حبد‬
‫ذاهتا‪ ،‬وفلسفة األخالق من هذا القبيل وال تُع ّد استثناءً من القاعدة‪ ،‬حيث إ ّن مسائل فلسفةـ األخالق كانت متفرقة‬
‫هنا وهناك أو تُذكر عند االبتالء أو السؤال‪ ،‬ف ُذكر بعضها يف كتب أصول الفقه (ومن مجلتها حبث القبح العقليـ‬
‫للعقاب بال بيان‪ ،‬والذي هو مبىن الرباءة العقلية‪ ،‬وكذلك املستقاّل ت العقلية)‪ ،‬وذُكر بعضها يف كتب الكالم (يف‬
‫حبث احلسن والقبح الذايت والعقلي‪ ،‬عند االستدالل العقليـ على احلكمة اإلهلية والعدل اإلهلي)‪ ،‬ويف الفلسفةـ وعلم‬
‫املعرفة أيضاً (يف حبث املفاهيم االجتماعية هل هي حقيقية أم اعتبارية‪ ،‬وكذلك ارتباط هذه‬

‫‪28‬‬
‫املفاهيم والبيانات األخالقيّة بالواقع)‪ ،‬وكذلك ذُكرت يف علم األخالق (عند بيان اخلري والشر احلقيقيّني)‪.‬‬

‫من املمكن أ ّن يقال إنّنا ملّا كنّا مسلمني فإنّه ميكننا اإلجابة عن هذه األسئلة املتع ّددة بناءً على عقائدنا الدينيّة‪ ،‬وبناءً‬
‫على ذلك فإنّنا ال حنتاج إىل حتقيقها من الناحية العقليّة‪.‬‬
‫ومن مثّ وحيث إنّنا نعتقد حبقانيّة ديننا بالدليل والربهان سوف ندعو اآلخرين‪ ،‬وللتصديق بصحة إجاباتنا عن هذه‬
‫ظل ذلك سوف يدركون حقانية مذهبه‬ ‫ٍ‬
‫األسئلة‪ ،‬إىل التحقيق يف أدلّة إثبات حقانية اإلسالم‪ ،‬وعندئذ ويف ّ‬
‫األخالقي‪ .‬وبعبارة أخرى ميكن إثبات حقانية دين اإلسالم بشكل كلّي باالستفادة من علم الكالم أو األصول‬ ‫ّ‬
‫العقائدية‪ ،‬ومن مثّ سوف جند إجابات هذه األسئلة باملطالعة التفصيلية من الداخل الديين‪.‬‬

‫النيب األعظم صلى اهلل عليه وآله وسلم كان من مجلة أهداف بعثته املباركة‬ ‫ومثاالً على ذلك فإنّه باالستناد إىل أ ّن ّ‬
‫النيب األكرم صلى اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫ّ‬ ‫زمان‬ ‫يف‬ ‫اكتمل‬ ‫قد‬ ‫اإلسالمي‬ ‫الدين‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫إىل‬ ‫وكذلك‬ ‫‪،‬‬ ‫‪3‬‬
‫تتميم مكارمـ األخالق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عامة‬
‫نيب اإلسالم ّ‬ ‫يت لَ ُك ُم اإل ْسالَ َم دينًا" ‪ ،‬وإىل أ ّن رسالة ّ‬ ‫ت َعلَْي ُك ْم ن ْع َميِت َو َرض ُ‬ ‫ت لَ ُك ْم دينَ ُك ْم َوأَمْتَ ْم ُ‬ ‫"الَْي ْو َم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫‪4‬‬

‫ني نَ ِذ ًيرا"‪ ، 6‬وإىل أ ّن‬


‫ني"ـ‪َ" 5‬تبَ َار َك الَّ ِذي َنَّز َل الْ ُف ْرقَا َن َعلَى َعْب ِد ِه لِيَ ُكو َن لِْل َعالَ ِم َـ‬ ‫ِ‬
‫اك إِاَّل َرمْح َةً لِّْل َعالَم َ‬
‫"و َما أ َْر َس ْلنَ َ‬
‫وعاملية َ‬
‫نني يف هذا الدين ثابتان إىل يوم القيامة (فحالله حالل إىل يوم القيامة وحرامه حرام إىل يوم‬
‫احلالل واحلرام املبيَّ َ‬
‫كل ذلك ميكن القول إ ّن األخالق ليست نسبيّة وال توافقيّة وال شخصيّة‪ ،‬وإ ّن األخالق‬‫القيامة) ‪ ،‬باالستناد إىل ّ‬
‫‪7‬‬

‫الواقعيّة ال ب ّد من البحث عنها من داخل الدين وتعلّمها والعمل هبا‪.‬‬

‫اهلامة‪:‬‬
‫إال أنّه ال بد من االلتفات ها هنا إىل بعض املالحظات ّ‬

‫ّأوالً‪ :‬ال ب ّد لنا أ ْن نقبل‪ ،‬وبنفس املقدار الّذي نعترب فيه ضرورة حتقيق هذه اإلجابات من خالل املطالعة الداخلية‬
‫للدين‪ ،‬بضرورة وجود علم آخر يتك ّفل بيان هذه األمور‪ ،‬وكما هو احلال يف علم الفقه وعلم الكالم واللذين مها‬
‫علمان مستقاّل ن إاّل أهّن ما يتك ّفالن ببيان قس ٍم من املعارف الدينيّة‪ .‬أما البحث‬

‫عثت ألمتّم مكارم األخالق‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،70‬الباب ‪ ،59‬احلديث ‪.18‬‬
‫‪ -3‬بُ ُ‬
‫‪ -4‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.3 :‬‬
‫‪ -5‬األنبياء‪ ،‬اآلية‪.107 :‬‬
‫‪ -6‬الفرقان‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬
‫‪ -7‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،11‬الباب األول‪ ،‬احلديث ‪ ،55‬وكذلك اجلزء ‪ ،47‬الباب ‪ 4‬احلديث ‪.33‬‬

‫‪29‬‬
‫أي أنّه هل جيب أ ْن جنيب عن األسئلة املذكورة باألسلوب العقليـ أو أنّه‬
‫حول أسلوب التحقيق يف فلسفةـ األخالق ّ‬
‫ميكن اإلجابة عنها من خالل الدين فهو مسألة أخرى‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬إ ّن التحقيق العقلي حول هذه األسئلة يعطينا فرصة مستقلّة للدفاع العقالين عن الدين اإلسالمي‪ ،‬وإثبات‬
‫كالنبوة واإلمامة والعصمةـ وغريها‪ .‬ومن الواضح أ ّن مثل هذا الدفاع‬
‫ّ‬ ‫بغض النظر عن البحوث الكالمية‬
‫حقانيته‪ّ ،‬‬
‫البشري حتقيقها ‪ -‬لن يكون غري مذموم‬
‫ّ‬ ‫أي مسألة من مسائل الدين وفروعه ‪ -‬واليت ميكن للعقلـ‬‫العقالين عن ّ‬
‫فحسب بل ميكن اعتباره عامالً مكمالً إلثبات حقانية اإلسالم وكذلك عامالً مهماً يف استقطاب الباحثني عن‬
‫احلقيقة إىل هذا الدين‪ ،‬بل رمبا ميكن القول إ ّن هذا الطريق هو أقصر الطرق وأفضلها إلثبات حقانية املذهب‬
‫األخالقي يف اإلسالم يف مقابل بقية املذاهب األخرى‪.‬‬
‫ّ‬

‫ثالثاً‪ :‬سنرى يف الفصول اآلتية أ ّن احلاجة األساسية للبشر إىل الدين يف جمال األخالق إمّن ا هي يف موقع عدم استطاعة‬
‫عقل اإلنسان لوحده التشخيص الصحيح آلثار سلوكه‪ ،‬وكذلك فإ ّن األوامر الدينيّة األخالقيّة يف املوارد الّيت ال‬
‫يستقل العقل فيها بتشخيص جهات القبح واحلسن فيها هي أوامر إرشادية‪.‬‬
‫ّ‬

‫وبناءً عليه لو كان لدينا بعض القيم األخالقيّة الّيت حيكم هبا العقل ومل يتبنَّي يف املتون الدينيّة فلن يُعترب هذا األمر‬
‫نقصاً يف الدين ولن يكون مبعىن أنّنا ال نقدر على تشخيص تكليفنا يف هذه املوارد‪ ،‬بل ال ب ّد لنا حينها من اتباع‬
‫دليل اعتمدنا على حكم‬‫حكم العقل‪ ،‬لكن ها هنا ما هو مالك التشخيص الصحيح للعقل هي هذه املوارد؟ وبأي ٍ‬
‫العقل فيها؟ وهنا نسأل‪ :‬أال يعترب األشعري نفسه مسلماً مع أنّه يتعبّد فقط باألخالق املنصوصة وال يقبل حكم‬
‫العقل حبسن األفعال وقبحها؟‬

‫أي ارتباط بالواقعيّات فلماذا جيب علينا إطاعة األوامر الدينيّة‬


‫واألهم من ذلك أ ّن القيم األخالقيّة إذا مل يكن هلا ّ‬
‫صحتها؟‬
‫وأوامر اهلل تعاىل؟ ومن هو الّذي أصدر "جيب" األوىل وما هو مالك ّ‬

‫وحجيّة العقل يف‬


‫وكما سنرى عند نقد نظريّة األشاعرة (األمر اإلهلي) فإنّنا إذا مل نقبل باحلسن والقبح الذاتيّني ّ‬
‫أي ٍ‬
‫دليل‪.‬‬ ‫صّرح هبا يف النصوص الدينيّة بال ّ‬
‫واملقررات األخالقيّة الّيت ُ‬
‫موردمها سيبقى لزوم إطاعة األوامر اإلهلية ّ‬

‫لنفرتض ها هنا أنّه بعدما راجعنا النصوص الدينيّة علمنا أ ّن اهلل ورسولهـ واإلمام قد أمرونا بأنّه جيب القيام بالعملـ‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ ما هو الدليل امللزم لنا بالعملـ‬ ‫جمرد بيان إحساس أو سليقة اآلمر‬ ‫"أ"‪ ،‬وهنا لو احتملنا أ ّن "جيب" هذه كانت ّ‬
‫طبق سليقته؟‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وبناءً على ما تقدم فإ ّن حتقيق هذه اإلجابات من خارج الدين ضروري إلثبات حسن وقبح هذه األمور الّيت حكم‬
‫املقررات األخالقيّة املنصوص عليها يف‬
‫هبا العقل ومل يصرح هبا يف النصوص الدينيّة‪ ،‬وكذلك إلثبات ضرورة إطاعة ّ‬
‫املتون الدينيّة‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬إ ّن حتقيق القواعد الكلية للعقل يف جمال حسن األفعال وقبحها سيعيننا يف تشخيص حسن وقبح األفعال الّيت‬
‫سمى باملسائل املستحدثة‪ ،‬أو يف تشخيص تغرّي قيم األفعال أو عدم تغرّي ها مع‬
‫مل تُطرح يف السابق واصطالحاً الّيت تُ ّ‬
‫طرح الشرائط اجلديدة وكذلك أيضاً يف موارد تزاحم القيم‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬كما أ ّن العقل القطعي يُعترب من مصادر معرفة األحكام كذلك يُعترب من مصادر معرفة األخالق أيضاً‪،‬‬
‫حاكم عليه‪ .‬وحيث إ ّن سند بعض املتون الدينيّة أو‬ ‫األول‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫الظين فإ ّن ّ‬
‫وحينئذ عندما يتعارض العقل القطعي مع النقل ّ‬
‫داللتها ظيّنّ فإ ّن وجود األحكام القطعية للعقلـ سوف يعيننا على الفهم الدقيق للقيمـ األخالقيّة‪.‬‬

‫مستقل يستخدم أسلوب التحقيق العقلي‬


‫ٍّ‬ ‫ومن مجيع ما ذكرناه نستنتج أ ّن حتقيق املسائل املذكورة حيتاج إىل علم‬
‫وهو مق ّدم على علم "األخالق"‪ ،‬ومثل هذا العلم يسمى بـ "فلسفة األخالق"‪.‬‬

‫‪31‬‬
32
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الواقعية‪ 1‬والالواقعية في األخالق‪:2‬‬

‫مُي كن القول إ ّن حبثَي الواقعيّة والالواقعيّة من البحوث األساسية واحملورية من بني البحوث املتع ّددة يف فلسفةـ‬
‫أهم مسائل هذا العلم تدور حول هذين البحثني‪ ،‬وكذلك ميكن اعتبارمها كمبىن لتقسيم‬ ‫األخالق‪ ،‬حيث إ ّن ّ‬
‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫املذاهب األخالقيّة املتع ّددة‪ .‬ومن مثّ فإ ّن نتيجة هذا البحث ستكون مبثابة اخلطوة األوىل الختاذ املذهب‬
‫كل من نظريّيت الواقعيّة والالواقعيّة يف األخالق إىل لوازم‬
‫املعترب‪ .‬وسوف نشري يف هذا الفصل ومن خالل توضيح ٍّ‬
‫كل واحدة منهما‪ ،‬ويف اخلتام سوف نشري إىل موقعية هذا البحث باملقايسة ببقيّة حبوث فلسفة األخالق‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪ 1‬ـ النظرية الواقعيّة والالواقعيّة ‪ 3‬يف األخالق‬

‫تأمل هذه الجمل‪:‬‬


‫ّ‬

‫‪ 1‬ـ (خياطب القائد جنوده قائالً)‪ :‬مع الصافرة األوىل انتظموا يف الصف‪ ،‬ومع الصافرة الثانية تأهبوا واستعدوا‪.‬‬

‫‪.Realism -1‬‬
‫‪.Irrealism -2‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ 2‬ـ األطعمة اهلنديّة لذيذة‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ قرارات هذه الشورى تنفذ بأغلبية الثلثني‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ احلديد يتمدد إثر تعرضه للحرارة‪.‬‬

‫بأي‬
‫من املمكن ها هنا أ ّن تسأل عن عالقة هذه اجلمل مع "األخالق" أو "فلسفة األخالق"‪ ،‬واحلقيقة أهّن ا ال ترتبط ّ‬
‫ومرة ثانية‬ ‫ٍ‬
‫وجه مع "األخالق"‪ ،‬إاّل أ ّن فالسفة األخالق خمتلفو الرأي يف شباهة اجلمل األخالقيّة بأي واحدة منها‪ّ ،‬‬
‫منر على هذه اجلمل‪:‬‬

‫‪ -‬اجلملة األوىل غري خربية بل هي جمرد أم ٍر وقرار عسكري أراد القائد من خالهلا إظهار ما يريد من جنوده‪.‬‬

‫‪ -‬اجلملة الثانية وإن كانت خربية إاّل أنّه بالتدقيق يف معناها وقبل كوهنا توصيفاً واقعي‪ 4‬لألطعمةـ اهلنديّة فإهّن ا تظهر‬
‫وأما كوهنا‬
‫مذاق وسليقة املتكلّم هبا‪ ،‬حيث إ ّن الوصف "بكثرة البهارات" ميكن اعتباره وصفاً واقعياً هلذه األطعمة‪ّ ،‬‬
‫أي أهّن ا ال حتكي الواقعيّة العينية‪ 3‬لألطعمةـ اهلنديّة‪.‬‬
‫"لذيذة" فال يعترب وصفاً واقعياً هلا‪ّ ،‬‬

‫واملعىن الثاين هلذه اجلملة أ ّن األطعمة اهلنديّة موافقة لذوق قائلها‪.‬‬

‫حصلت عدداً معيناً من‬ ‫ٍ‬


‫‪ -‬اجلملة الثالثة بيان التفاق خاص يشري إىل أ ّن قرارات هذه الشورى مثالً ميكن تنفيذها إذا ّ‬
‫اآلراء‪ .‬وهذا يرجع إىل التوافق احلاصل بني أعضاء الشورى وبالتايل ال ربط هلذه اجلملة بالواقع العيين‪.‬‬

‫‪ -‬وأخرياً فإ ّن اجلملة الرابعة هي الّيت تصف فقط الواقع العيين‪ ،‬حيث إهّن ا تبنّي الرابطة الواقعيّة ‪ 5‬بني احلرارة ومت ّدد‬
‫أي نوع من األوامر واالنفعاالت والذوقيات أو توافق األفراد واصطالحاً‬ ‫احلديد‪ ،‬ومثل هذه الرابطة خالية من ّ‬
‫تسمى الرابطة العينية والواقعيّة‪.‬‬

‫‪.Objective Reality -3‬‬

‫‪34‬‬
‫تعريف‪:‬‬

‫بغض النظر عن األوامر والتوصيات واالنفعاالت والذوقيات‬


‫بيانات تصف الواقع العيين ّ‬
‫ٌ‬ ‫إ ّن اجلمل الواقعيّة‬
‫والتوافقات‪.‬‬

‫وأما اجلملة الرابعة فهي فقط "واقعيّة"‪.‬‬


‫وبناءً على هذا التعريف فإ ّن اجلمل األوىل إىل الثالثة "غري واقعيّة" َّ‬

‫أي واحدة من اجلمل األربع املذكورة؟‪.‬‬ ‫وعليه فالسؤال املطروح هنا‪ :‬هل َّ‬
‫أن اجلمل األخالقيّة تشبه ّ‬

‫جمرد‬
‫لقد اختلفت إجابات املذاهب األخالقيّة حول هذا السؤال‪ ،‬فذهب بعضها إىل اعتبار أ ّن اجلمل األخالقيّة هي ّ‬
‫إنشاء أوامر ٍ‬
‫ونواه وتوصيات‪ 4‬بالقيام أو عدم القيام ببعض األعمال‪ ،‬وبرأي بعضها اآلخر فإ ّن هذه اجلمل بيان‬
‫وأما الفريق الرابع فقد‬
‫لسليقة الفرد وإبراز إلحساسه ‪ .‬وذهب فريق ثالث إىل اعتبارها حصيلة لتوافق اجلماعة ‪ّ ،‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫اعترب اجلمل األخالقيّة حاكية عن الواقعيات العينية‪ .‬بغض النظر عن األوامر والنواهي والتوصيات واإلحساس‬
‫والذوق واالتفاقات واملعاهدات‪.‬‬

‫ومثاالً على ذلك لنأخذ هذه اجلملة األخالقيّة "الصدق حسن"‪ .‬بناءً على املذاهب األخالقيّة املختلفة فإ ّن هذه‬
‫اجلملة تساوي إحدى هذه اجلمل األربعة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬قل الصدق‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الصدق مقبول‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تعاهدنا على أ ّن نكون صادقني‪.‬‬

‫واقعي تشري كلمة "حسن" إليه‪.‬‬


‫د ‪ -‬للصدق وصف ّ‬

‫إ ّن كافة املذاهب الّيت ال تعتقد بالواقعيّة العينية للقيم والضرورات األخالقيّة بل‬

‫‪ -4‬اآلمرون‪ .imperativists :‬املوصون‪.prescriptivist :‬‬


‫‪ -5‬واالنفعاليون‪emotivists:‬‬
‫‪ -6‬املتعاهدون‪:‬ـ ‪. conventionalist‬‬

‫‪35‬‬
‫تعتقد بأ ّن اجلمل األخالقيّة شبيهة باجلمل الثالث األوىل‪ ،‬وأ ّن مثال "الصدق حسن" يعادل اجلمل "أ" و"ب"‬
‫تسمى املذاهب األخالقيّة الاّل واقعيّة‪ .‬ومن ناحية أخرى فإ ّن املذاهب القائلة بالواقعيّة العينية للقيم‬
‫و"ج"‪ّ ،‬‬
‫وأن اجلمل األخالقيّة شبيهة باجلملة الرابعة اآلنفة الذكر وإهّن ا تساوي يف املثال السابق ـ"د"‪،‬‬ ‫والضرورات األخالقيّة َّ‬
‫تسمى املذاهب األخالقيّة الواقعيّة‪.‬‬
‫ّ‬

‫وبناءً عليه ميكن تعريف الواقعيّة والالواقعيّة يف األخالق على هذا النحو‪:‬‬

‫الواقعيّة يف األخالق تعين أ ّن القيم والضرورات األخالقيّة هلا واقعيّة عينية وأ ّن اجلمل األخالقيّة حاكية للواقع‪.‬‬

‫وأما الالواقعيّة فتعين أ ّن القيم والضرورات األخالقيّة ال واقعيّة هلا وأ ّن اجلمل األخالقيّة ال حتكي الواقع‪.67‬‬
‫ّ‬

‫وبناءً عليه‪ ،‬من هنا فصاعداً سوف نعرِّب باختصار عن الواقعيّة يف األخالق "بالواقعيّة"‪ ،‬وكذلك عن الالواقعيّة يف‬
‫األخالق "بالالواقعيّة"‪.‬‬

‫لكن أيّهما هي النظريّة الصحيحة؟ وكيف ميكن تشخيص النظرية‬


‫تعرفنا حىّت اآلن إىل الواقعيّة والالواقعيّة‪ْ .‬‬
‫وقد ّ‬
‫الصحيحة؟‬

‫احلل وتوضيحه وإبداء رأينا يف هذا اجملال أ ْن نبني أمهيّة هذا البحث وما هي لوازم‬
‫رمبا يكون من املناسب قبل بيان ِّ‬
‫وآثار واقعيّة القيم واللوازمـ األخالقيّة وال واقعيتها‪ ،‬وكذلك مشاهبة اجلمل األخالقيّة إلحدى اجلمل األربعة السابقة‬
‫وعدمها‪ ،‬وهل أ ّن البحث يف معىن اجلمل األخالقيّة جمرد ٍ‬
‫حبث أديب‪ ،‬وما هو تأثري موقفنا يف هذا اجملال من خمتلف‬ ‫ّ‬
‫كل مواقفنا األخالقيّة أم ال‪ .‬ولتوضيح هذا املوضوع ال ب ّد‬‫ّ‬ ‫يف‬ ‫مواقفنا يف بقية حبوث فلسفةـ األخالق‪ ،‬بل هل سيؤثر‬
‫لنا من حتقيق وبيان لوازم الواقعيّة والالواقعيّة حىت يتبني معنا التفاوت املوجود بني هاتني النظريتني مبا ال لبس فيه‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ 2‬ـ لوازم الالواقعيّة‬

‫لنفرتض صحة نظرية الالواقعيّة‪ ،‬وأ ّن اجلمل األخالقيّة ال حتكي الواقع‪ .‬ويف هذه الصورةـ فإ ّن قولنا "الصدق حسن"‬
‫شبيه بإحدى اجلمل من (‪ )1‬إىل (‪ )3‬ويعادل إحدى اجلمل من (ألف) إىل (ج)‪ .‬وعليه سوف نعاجل لوازم هذه‬
‫النظرية مع االلتفات إىل اجلمل الشبيهة واملعادلة هلا‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ ‪ .2‬عدم قابليّة الصدق والكذب‬

‫أي واحدة من اجلمل (‪ )1‬إىل (‪ )3‬صادقة وأيها كاذبة؟ وهل (ألف) و (ب) و(ج) كذلك أم ال؟‬

‫أي منها‬‫لكن هذه اجلمل الثالث مل يشر ّ‬ ‫وأما الكذب فيعين عدم هذه املطابقة‪ّ .‬‬ ‫إ ّن الصدق يعين مطابقة اخلرب للواقع‪ّ .‬‬
‫أي أهّن ا ال حتكي الواقعيّة‬
‫إىل الواقعيّة العينية‪ .‬وكما أشرنا فإ ّن اجلمل األخالقيّة بناءً على الالواقعيّة ال حتكي الواقع‪ّ ،‬‬
‫العينية‪ ،‬ويف النتيجة فإ ّن مطابقة أو عدم مطابقة اجلمل األخالقيّة للواقع العيين ستكون بال معىن وبالتايل فإ ّن اجلمل‬
‫املذكورة ال قابليّة هلا للصدق أو الكذب‪.8‬‬

‫‪ .2 - 2‬عدم إمكانية النفي واإلثبات‬

‫"مؤمتر حتقيق ل ّذة األطعمة اهلنديّة أو عدم ل ّذهتا" أوليس هذا مدعاة للسخرية واالستهزاء؟‬

‫ماذا يريدون القول يف هذا املؤمتر؟ وما هو الشيء الّذي يريدون إثباته أو نفيه؟‬

‫لو تص ّدى أحدهم عن طريق البحث واحلوار إلثبات صحة ذوقه وإقناع اآلخرين به‪ ،‬أو النتقاد سليقة اآلخرين‬
‫وردها‪ ،‬فلن يكون هذا العمل معقوالً‪ ،‬أل ّن اإلثبات يعين اإلشارة إىل صدق القول و "النفي" يعين اإلشارة إىل كذبه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫واحلال أ ّن اجلُمل األمريّة واالنفعاليّة والتعاهديّة ال حتتمل الصدق والكذب وبالتايل ال إمكانية إلثباهتا أو نفيها‪.‬‬

‫وبناءً على قبول النظريّة الالواقعيّة فإ ّن اجلُمل األخالقيّة ستكون من قبيل اجلُمل األمرية واالنفعالية أو التعاهدية‬
‫أيضاً‪ ،‬ويف النتيجة ال ميكن توقّع واحتمال صدق وكذب‬

‫‪37‬‬
‫اجلمل األخالقيّة أو إثبات صحة وعدم صحة بعض املذاهب األخالقيّة‪ ،‬ومن غري املعقول أ ْن نلجأ إىل احلوار‬
‫كل من يقوم بالبحث واحلوار يف‬ ‫العلمي عن نظرياتنا األخالقيّة‪ ،‬ولذا وبناءً على هذه النظريّة فإ ّن ّ‬
‫ّ‬ ‫والبحث للدفاع‬
‫أخالقي ما على‬
‫ّ‬ ‫جمال األحكام األخالقيّة وكذلك الدفاع عن آرائه إلثباهتا أو اإلصرار على الرتجيح املنطقي ملذهب‬
‫ألي سبب آخر ‪ -‬كرتبية اآلخرين ‪ -‬يصدر أوامره وتوصياته‪ ،‬ومن مثّ يتوقّع من اآلخرين‬ ‫غريه من املذاهب أو ّ‬
‫لن يُعترب عمله معقوالً وصحيحاً‪.‬‬‫قبوهلا واالعتقاد بصحتها‪ْ ،‬‬

‫‪ 3‬ـ ‪ .2‬عدم الرابطة املنطقية بني "جيب" و "موجود"‪9‬‬

‫تأمل يف هاتني اجلملتني أيضاً‪:‬‬

‫‪ -5‬األطعمةـ اهلنديّة كثرية البهارات‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ هل ميكن أ ْن نستدل ونستنتج اجلملة (‪ )2‬والواردة‬ ‫إ ّن هذه اجلملة تشبه اجلملة (‪ )4‬يف حكايتها للواقع‪،‬‬
‫أيضاً يف خصوص األطعمة اهلنديّة (األطعمةـ اهلنديّة لذيذة) من اجلملة اخلامسة؟‬

‫ضم اجلملة اآلتية إىل اجلملة اخلامسة‪:‬‬


‫من الناحية املنطقيّة هناك طريق وحيد وهو ّ‬

‫‪ -6‬األطعمةـ املليئة بالبهارات لذيذة‪.‬‬

‫أي‬
‫إاّل أ ّن هذه اجلملة ملا كانت ال حتكي الواقع فهي شبيهة باجلمل(‪ ،)2‬وبناءً عليه نستنتج أنّه ال ميكن ترتيب ّ‬
‫كل مقدماته حاكية للواقع للوصول إىل اجلملة الثانية‪.‬‬
‫استدالل تكون ّ‬

‫ولتعميم هذا املطلب ميكن بيانه على شكل قاعدة كلية‪:‬‬

‫ال ميكن استنتاج اجلمل الالواقعيّة من البيانات الواقعيّة‪.‬‬

‫واآلن لنفرتض أ ّن اجلمل األخالقيّة ال حتكي الواقع‪ ،‬ويف هذه الصورة وطبقاً للقاعدة الّيت بني أيدينا فإنّه ال ميكن‬
‫منطقي بني اجلمل‬
‫ّ‬ ‫أي ارتباط‬‫استنتاجها من البيانات الواقعيّة‪ ،‬وبعبارة أخرى فإنّه بناءً على الالواقعيّة ال يوجد ّ‬
‫األخالقيّة والبيانات الواقعيّة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وكرر هذا النحو مع (ب) و(ج)‪.‬‬
‫مترين‪ :‬الختبار القاعدة السابقة اذكر مجلتني ميكن من خالهلما استنتاج (ألف)‪ّ ،‬‬

‫كل اجلمل الّيت ختتارها واقعيّة؟ وملاذا؟‬


‫هل ميكن أ ْن تكون ّ‬

‫منطقي ‪ -‬بناءً على الالواقعيّة ‪ -‬بني اجلمل األخالقيّة والبيانات الواقعيّة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫أي ارتباط‬
‫أحياناً وبدل القول إنّه ال يوجد ّ‬
‫منطقي بني "جيب" و "موجود" أو بني "القيمة" و "الواقع"‪ ،‬أو بني‬‫ّ‬ ‫أي ارتباط‬
‫يقال إنّه وبناءً عليها ال يوجد ّ‬
‫"النظري"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫"العملي"ـ و‬
‫ّ‬

‫وسوف نشري بالبيان التايل إىل سبب هذه التسميات‪ :‬ذكرنا يف الفصل السابق أ ّن اجلمل األخالقيّة تبنّي القيم‬
‫األخالقيّة لصفات اإلنسان وسلوكه‪ ،‬ولزومها‪ ،‬وكما سنرى يف الفصل الرابع أ ّن القيم األخالقيّة سوف تُبنَّي‬
‫األخالقي أيضاً سوف يبنَّي مبصطلحات من قبيل "ينبغي" و "ال‬ ‫ّ‬ ‫مبصطلحات من قبيل "حسن" و "قبيح"‪ ،‬وأ ّن اللزوم‬
‫كل‬
‫وبغض النظر عن تفاوت هذه املصطلحات فيما بينها من حيث املعىن أم ال فإنّه ميكن بيان ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكن‬
‫ينبغي"‪ْ ،‬‬
‫األحكام األخالقيّة بصورة قيمية أو لزوميّة‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن هاتني اجلملتني "الصدق حسن" و "ينبغي قول‬
‫كل واحدة منهما وهلذا السبب تُعترب األخالق من قبيل "القيم" و "اللزوم والناظرة‬ ‫الصدق" ميكن استعماهلما بدل ّ‬
‫إىل العمل"‪.‬‬

‫وكما هو احلال يف بعض العلوم األخرى كالفيزياء واهلندسة والتاريخ حيث إهّن ا حتكي الواقعيّات‪ ،‬لذا ميكن بياهنا‬
‫كلها بـ "موجود" أو "غري موجود" وهلذا اعتربت من قبيل "الواقع" و "املوجود" ومرتبطة "بالنظر"‪.7‬‬

‫منطقي بني "القيمة"‬


‫ّ‬ ‫أي ارتباط‬
‫ومع االلتفات إىل هذا املصطلح ميكن القول بناءً على الالواقعيّة إنّه ال يوجد ّ‬
‫و"الواقع" و"العمل" و "النظر" وهناك هوة عميقة بني قولنا "ينبغي" و "موجود"‪.‬‬

‫‪ -7‬يف الواقع فإ ّن قولنا "ينبغي" و "موجود" يشري إىل نوع هذه اجلمل حىت ولو مل نستعمل هاتني الكلمتني‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ 4‬ـ ‪ .2‬لزوم تعيني منشأ األحكام األخالقيّة وطريق الكشف عنها وأدلة اعتبارها‬

‫كيف تنشأ األحكام األخالقيّة؟ وكيف يُكشف عنها؟ وملاذا جيب القبول هبا؟‬

‫كل املذاهب األخالقيّة تواجه مثل هذه األسئلة‪ .‬وعليه فإذا قبلنا الواقعيّة وقلنا إ ّن القيم واللزوميات‬
‫يف احلقيقة فإ ّن ّ‬
‫فحينئذ ميكننا وبنفس األسلوب الّذي حنقق ونكشف به سائر الواقعيّات أ ْن نكشف عن الواقعيّة يف‬ ‫ٍ‬ ‫األخالقيّة واقعيّة‬
‫مورد حبثنا‪ ،‬وبالطبع إذا تطابقت اجلمل األخالقيّة مع الواقعيّة الّيت حتكيها ستقع مورداً للقبولـ هبا‪.‬‬

‫وأما بناءً على الالواقعيّة وأ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة ال واقعيّة هلا‪ ،‬وبالتايل فإ ّن اجلمل األخالقيّة ال حتكي‬
‫وهامة‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫الواقع‪ ،‬حينئذ سوف نواجه ثالثة أسئلة حموريّة ّ‬

‫أي واقعيّة تكون منشأً‬


‫‪ 1‬ـ ما هو منشأ األحكام األخالقيّة؟ وكيف تظهر مثل هذه األحكام؟ مثالً‪ :‬إذا مل يكن لدينا ّ‬
‫العتبار أ ّن الصدق حسن‪ ،‬فما هو الشيء امللزم لنا العتبار حسن الصدق؟ وهل ميكن إجياد مثل هذا احلكم عرب‬
‫أوامر وتوصيات األفراد‪ ،‬أم أ ّن االنفعاالت الداخليّة وميول األشخاص وإرادهتم توجب ذلك أم أ ّن التعهد والتوافق‬
‫هو منشأ هذا احلكم؟‬

‫‪ 2‬ـ بناءً على هذا الفرض‪ ،‬بأي أسلوب ميكن لنا تشخيص ماهية األحكام األخالقيّة؟ هل هو بالرجوع إىل األوامر‬
‫الدينيّة أم أوامر خنب اجملتمع أو بالرجوع إىل الثقافة والعادات والتقاليد االجتماعيّة‪ ،‬أو بالسؤال من آحاد أفراد‬
‫اجملتمع‪ ،‬أو باملطالعات النفسيّة لألفراد أو اجملتمع‪ ،‬أو باالستناد إىل اآلثار التارخيية واالحصاءات والتحقيقات امليدانيّة‬
‫أو أساليب أخرى اخل؟‬

‫‪ 3‬ـ ملاذا جيب علينا يف كل ٍ‬


‫مورد قبول األحكام األخالقيّة املرتبطة به بعد الكشف عنها أو ظهورها؟‬ ‫ّ‬

‫ألي مثلّث هي ‪ 180‬درجة أل ّن الروابط الواقعيّة الرياضيّة واليت ُكشف عنها‬


‫حنن نقبل بأ ّن جمموع الزوايا الداخليّة ّ‬
‫مبعونة العقل توجب ذلك‪ ،‬ونقبل أيضاً بأ ّن املعادن تتم ّدد باحلرارة وقد ثبت ذلك بالتجربة‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫واقعي‬
‫ولكن إذا مل يكن حلسن الصدق منشأ ّ‬ ‫وبعبارة أخرى فإنّنا نستنتج البيانات الواقعيّة من بيانات واقعيّة أخرى‪ْ ،‬‬
‫بأي دليل جيب علينا أ ْن نقبل بأ ْن الصدق‬
‫ومل نتم ّكن من استنتاج اجلمل األخالقيّة من البيانات الواقعيّة‪ ،‬فحينها ّ‬
‫كل‬
‫حسن؟ وهل ميكن لألوامر والطبائع والتوافق اجلمعي أ ْن تكون دليالً مناسباً للقبول حبسن الصدق أم أ ّن ّ‬
‫لكل ٍـ‬
‫معتقد بالالواقعيّة يف األخالق أ ّن جييب عن هذه األسئلة‬ ‫األحكام األخالقيّة ال اعتبار هلا؟ وهنا نقول إنّه ال ب ّد ّ‬
‫يشخص أسلوب كشفها‪ ،‬ويف صورة قبوله‬ ‫الالواقعي لألحكام األخالقيّة‪ ،‬وأ ْن ّ‬
‫ّ‬ ‫أي ال ب ّد له من تعيني املنشأ‬ ‫الثالثة‪ّ ،‬‬
‫باألحكام األخالقيّة ال ب ّد أ ْن يبنّي لنا دليل اعتبارها ومقبوليتها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ 5‬ـ ‪ .2‬التعدديّة األخالقيّّة‬

‫حيب األطعمة اهلنديّة احلارة ميكنه أ ْن يقول إ ّن األطعمة اهلنديّة غري لذيذة‪.‬‬
‫إ ّن الشخص الّذي ال ّ‬

‫وهنا فإ ّن هاتني اجلملتني‪" :‬األطعمة اهلنديّة لذيذة" و"األطعمة اهلنديّة غري لذيذة" متناقضتان يف الظاهر فقط‪ ،‬ألنّه ال‬
‫كل واحدة من هاتني‬ ‫ميكن القول إ ّن إحدامها صادقة واألخرى كاذبة‪ ،‬فالسالئق والطبائع متفاوتة وبالتايل فإ ّن ّ‬
‫اجلملتني مقبولة بنفس املقدار‪ ،‬وكذلك احلال يف األوامر والتوصيات والتوافقات الصادرة عن األفراد واجلماعات‬
‫ألي مجلة أخالقيّة للصدق والكذب‬ ‫واملتناقضة يف الظاهر‪ ،‬وكما أشرنا إليه بالقول فإنّه بناءً على الالواقعيّة ال قابليّة ّ‬
‫الواقعي‪ ،‬ويف النتيجة وطبقاً هلذه النظرية فإ ّن كال اجلملتني املتناقضتني يف الظاهر من الناحية األخالقيّة ميكن قبوهلا‪.‬‬
‫ّ‬
‫وجملرد التمثيل نقول إن هاتني اجلملتني "الصدق حسن" و "الصدق غري حسن" ال ب ّد من قبوهلما بنفس الدرجة‬
‫واملقدار‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن املذاهب األخالقيّة واملتناقضة أخالقيّاً يف الظاهر ال أفضليّة ألحدها على اآلخر بل إ ّن‬
‫بكل املذاهب األخالقيّة‬
‫مجيعها مقبول بنفس املقدار‪ ،‬ومثل هذا القبول ّ‬
‫‪.Ethical Pluralism -8‬‬

‫‪41‬‬
‫يسمى "التعدديّة األخالقيّة"‪ .10‬والقبول بالتعدديّة األخالقيّة يعترب من لوازم القول بالالواقعيّة‪.‬‬
‫املختلفة ّ‬
‫‪9‬‬
‫‪ 6‬ـ ‪ .2‬النسبيّة األخالقيّة‬

‫أخالقي ليس كلّياً ومطلقاً‪ ،‬وبعبارة أخرى فإهّن ا تعين أ ّن لألحكام‬


‫ّ‬ ‫أي حكم‬ ‫املراد من النسبيّة األخالقيّة هو أ ّن ّ‬
‫األخالقيّة شرائط اعتبا ٍر‪ ،‬وبالتايل فإ ّن هذه األحكام تكون معتربة فقط بالنظر إىل هذه الشرائط‪ .‬وعليه لو ُحذفت‬
‫أي مجلة أخالقيّة فإ ّن اجلملة األخالقيّة املتناقضة معها ميكن قبوهلا حتت شرائط أخرى‪ ،‬ومثاالً على‬ ‫هذه الشرائط من ّ‬
‫األخالقي "احلجاب حسن للنساء" معترَب فقط يف بعض‬ ‫ّ‬ ‫ذلك يعتقد بعض القائلني بالنسبيّة األخالقيّة‪ ،‬أ ّن احلكم‬
‫اخلاصة‪ ،‬ولذا ميكن القبول بأن "احلجاب غري حسن للنساء" يف جمتمعات أخرى معتربٌ بنفس املقدار أيضاً‪.‬‬ ‫اجملتمعات ّ‬

‫الواقعي للقيمـ واللزوميات األخالقيّة ولذا فإهّن م يقيّدون‬


‫ّ‬ ‫ومن جهة أخرى فإ ّن القائلني بالالواقعيّة ال يقبلون باملنشأ‬
‫أخالقي كما يف اجلمل األوىل إىل الثالثة بأمور غري واقعيّة كاألوامر والتوصيات واألحاسيس واالنفعاالت‬ ‫ّ‬ ‫أي حكم‬
‫ّ‬
‫وكذلك التوافق والتعاهد‪.‬‬

‫أخالقي ميكن اعتباره من دون هذه األمور الالواقعيّة‪ ،‬وعليه لو كان‬


‫ّ‬ ‫أي حكم‬ ‫ويف رأيهم أيضاً أنّه ال ميكن إجياد ّ‬
‫العمل (ألف) حسناً‪ ،‬فإ ّن حسنه مشروط ومقي ٌد بأ ّن شخصاً ما قد أمر به أو أ ّن فاعله شعر بإحساس مقبول حنوه أو‬
‫أي قيد‬
‫أخالقي معترب بال ّ‬
‫ّ‬ ‫أي حكم‬‫أ ّن اجملتمع قد توافق عليه‪ ،‬وبناءً عليه وطبقاً لرأي القائلني بالواقعيّة فإنّه ال يوجد ّ‬
‫أو شرط‪ ،‬ويف النتيجة ميكن القول إ ّن النسبيّة األخالقيّة من لوازم القول بالالواقعيّة‪.‬‬

‫وبناءً على النسبيّة األخالقيّة فإ ّن أحكامنا على القيم األخالقيّة ستكون من قبيل هذه األمثلة‪.‬‬

‫‪.Ethical Relativism -9‬‬

‫‪42‬‬
‫املثال األول‪ :‬من املمكن أ ْن ينهانا أحدهم عن ترجيح منفعتنا الشخصيّة على منفعة اآلخرين ويف نفس الوقت قد‬
‫األول سيئة لكن‬
‫يأمرنا أحدهم هبذا الفعل‪ ،‬ولذا فإ ّن ترجيح املنفعة الشخصيّة على منفعة اآلخرين ونظراً للقرارـ ّ‬
‫نظراً للقرارـ الثاين حسنة‪.‬‬

‫املثال الثاين‪ :‬من املمكن أ ّن يكون العفو عن اآلخرين ُم ْرضياً عندكم ولكنّه غري ُم ْر ٍ‬
‫ض عند أحدهم‪ ،‬ولذا فإ ّن‬
‫مساحمة اآلخرين حسنة عندكم وقبيحة عند ذلك الشخص‪.‬‬

‫املثال الثالث‪ :‬من املمكن أ ْن يكون الناس يف جمتمعكم قد توافقوا على ضرورة إعانة احملرومني لكنّهم توافقوا يف‬
‫جمتمع آخر على عدم لزوم ذلك‪ ،‬ولذا فإ ّن إعانة احملرومني حسنة يف جمتمعكم وقبيحة يف ذلك اجملتمع‪.‬‬

‫هذا ومن املمكن يف مورد هذه األمثلة الثالثة أ ّن ذلك الشخص ـ الّذي كان ينهى عن تقدمي املنفعة الشخصيّة على‬
‫منفعة اآلخرين ـ يأمر هو نفسه هبا‪ ،‬ومن املمكن أيضاً أ ْن يستبدل رأينا يف مورد العفو والتسامح عن اآلخرين‪،‬‬
‫وبالتايل يتوافق جمتمعنا على ضرورة عدم إعانة احملرومني‪ ،‬ويف املقابل أيضاً من املمكن أ ْن تتب ّدل آراء وسالئق‬
‫كل األحكام األخالقيّة حاهلا حال‬ ‫ٍ‬
‫وتوافق الطرف اآلخر على ما يعاكسها‪ ،‬وحينئذ بناءً على النظرية الالواقعيّة فإ ّن ّ‬
‫أي حكم مطلق وثابت يف مورده‪.11‬‬ ‫هذه األمثلة الّيت ذكرناها‪ ،‬وبالتايل فإهّن ا قابلة للتغري والتب ّدل‪ ،‬وعليه فال يوجد ّ‬

‫‪ 3‬ـ لوازم الواقعيّة‬

‫أي أ ّن مجلة‬
‫واآلن لنفرتض أ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة واقعيّة وأ ّن البيانات األخالقيّة حاكية للواقع أيضاً‪ّ .‬‬
‫واقعي تشري إليه كلمة "حسن") ويف هذه الصورة فإ ّن اجلمل‬ ‫حسن" تعادل (د)‪( :‬للصدق وصف ّ‬ ‫"الصدق ٌ‬
‫األخالقيّة ميكن أ ّن تكون شبيهة بقولنا يف اجلملة‪:‬‬

‫تعرضها للحرارة"‪ ،‬وأيضاً بقولنا يف اجلملتني اآلتيتني‪:‬‬


‫(‪" :)4‬املعادن تتم ّدد إثر ّ‬

‫‪43‬‬
‫(‪" :)7‬جمموع الزوايا الداخلية لكل مثلّث ‪ 180‬درجة"‪.‬‬

‫(‪" :)8‬اجتماع النقيضني حمال"‪.‬‬

‫وسوف حنقق ها هنا لوازم هذا الرأي مع االلتفات إىل خصائص اجلمل (‪ )4‬و (‪ )7‬و(‪.)8‬‬

‫‪ 1‬ـ ‪ .3‬قابلية الصدق والكذب‬

‫خاصة هبا‪،‬‬
‫وكل واحدة منها حتكي واقعيّة ّ‬
‫إ ّن اجلملة (‪ )4‬فيزيائية واجلملة (‪ )7‬هندسية واجلملة (‪ )8‬بديهية عقلية‪ّ .‬‬
‫وبالتايل إذا تطابقت هذه اجلمل مع الواقعيّات املرتبطة هبا ستكون صادقة وإال ستكون كاذبة‪.‬‬

‫خاصة هبا‪ ،‬وهلذا فإهّن ا تقبل الصدق والكذب‬


‫وبناءً على الواقعيّة فإ ّن اجلمل األخالقيّة مثل (د) حتكي أيضاً واقعيّة ّ‬
‫أي أنّه إذا تطابق تقريرها مع الواقع فهي صادقة واألخرى كاذبة‪ ،‬وبناءً على الواقعيّة أيضاً سيكون من‬ ‫الواقعيّني ّ‬
‫املعقول حتصيل األحكام األخالقيّة وكذلك حتصيل املذاهب األخالقيّة الّيت ميكن االعتماد عليها‪ ،‬وأخرياً‪ ،‬إمكانية‬
‫البحث واحلوار حوهلا أيضاً‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ‪ .3‬لزوم تعيني واقعيّة األحكام األخالقيّة‪ ،‬وأسلوب حتقيقها ودليل اعتبارها‪.‬‬

‫خاصة هبا وحتكيها‪ ،‬فالرابعة خترب عن واقعيّة فيزيائية‬


‫أشرنا إىل أ ّن اجلمل (‪ )7( ،)4‬و(‪ )8‬ناظرة إىل واقعيات ّ‬
‫والسابعة عن واقعيّة هندسية‪ ،‬والثامنة عن واقعيّة فلسفية‪ ،‬وبالتايل إذا كان التحقيق حوهلا الزماً فال ب ّد أ ْن يكون‬
‫أسلوبه معيَّناً على أساس نوع الواقعيّة املشار إليها‪ ،‬وبالتايل سوف يُعلَم صدق هذه اجلمل هبذا األسلوب‪:‬‬

‫إ ّن اجلملة (‪ )4‬نطاقها عامل الطبيعة وهلذا السبب فإ ّن أسلوب التحقيق املناسب هلا هو األسلوب التجرييب‪.‬‬

‫واجلملة (‪ )7‬نطاقها الروابط العقلية بني الكميات اهلندسية وهلذا فإ ّن أسلوب التحقيق املناسب هلا هو األسلوب‬
‫العقلي‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫تعرضها للحرارة‬ ‫ومن مثّ فإ ّن التحقيق التجرييب القائم على املشاهدة احلسية وقياس حجم املعادن املختلفة قبل وبعد ّ‬
‫هو دليل اعتبار اجلملة (‪ ،)4‬وكذلك فإ ّن االستدالل العقليـ بناءً على أساس أصول هندسة إقليدس هو دليل اعتبار‬
‫اجلملة (‪ ،)7‬أما اجلملة (‪ )8‬ورغم كوهنا ناظرة إىل الواقعيّة أيضاً إاّل أهنا ملا كانت بديهية فال حاجة إىل إثباهتا‪.‬‬
‫طرح ثالثة أسئلة‪:‬‬
‫ومع القبول بالواقعيّة تُ َ‬

‫‪ 1‬ـ ما هو نوع الواقعيّة يف القيم واللزوميات األخالقيّة؟‬

‫‪ 2‬ـ إذا كان التحقيق الزماً يف مورد األحكام األخالقيّة‪ ،‬فما هو أسلوب التحقيق فيها؟‬

‫أي ٍ‬
‫دليل‪ ،‬فما هو دليل بداهتها؟ وإذا مل تكن‬ ‫‪ 3‬ـ إذا كانت األحكام األخالقيّة بديهية‪ ،‬وتشخيص صدقها ممكناً بال ّ‬
‫هذه األحكام بديهية فكيف يتم إثباهتا؟‬

‫ُشري إليها بكلمة "حسن"‪ ،‬فما هو نوع هذه الواقعيّة؟ وما هو‬
‫ومثاالً على ذلك فإ ّن يف مورد اجلملة (د) واقعيّة أ َ‬
‫األسلوب املمكن للتحقيق حوهلا؟ وكيف ميكن فهم وإدراك مطابقة أو عدم مطابقة هذه اجلملة مع تلك الواقعيّة؟‬
‫وبناءً عليه ال ب ّد ألدعياء الواقعيّة من تعيني الواقعيّة الّيت حتكيها األحكام األخالقيّة‪ ،‬وعلى أساسها يُعلم أسلوب‬
‫التحقيق يف املسائل األخالقيّة ‪ -‬عند اللزوم ‪ -‬ويتضح أيضاً دليل اعتبار األحكام األخالقيّة‪.‬‬

‫‪ .3 - 3‬الوحدة األخالقيّة‬

‫قلنا إ ّن اجلمل (‪ ،)4‬و (‪ ،)7‬و(‪ )8‬تقبل الصدق والكذب واقعاً‪ ،‬وهنا نقول إ ّن اجلملتني (‪ )4‬و(‪ )7‬ورغم أهنما قبل‬
‫التحقيق وكشف الواقعيّة فيهما حيتمالن الصدق وصدق نقيضهما أيضاً‪ ،‬إاّل أنّه يف الواقع ّإما أ ْن تكون (‪ )4‬فقط‬
‫صادقة أو أ ّن نقيضها صادق فقط وكذلك احلال يف مورد اجلمل (‪ ،)7‬وأما يف مورد اجلملة (‪ )8‬ونقيضها أيضاً فإ ّن‬
‫(‪ )8‬صادقة فقط دون نقيضها‪.‬‬

‫إذاً بناء على الواقعيّة فإ ّن القيم املتعارضة يف موضوع أخالقي ٍ‬


‫واحد ال ميكن قبوهلا معاً بل ال ب ّد من كون إحداها‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫صحيحة فقط‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫أعم يف املذاهب األخالقيّة املختلفة إذ ال ب ّد من كون أحدها صحيحاً فقط‪ ،‬وبالتايل سيكون‬
‫وكذلك احلال وبشكل ّ‬
‫من غري املمكن القبول بالتعددية األخالقيّة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ 4‬ـ ‪ .3‬األخالق املطلَقة‬

‫أي قيد وشرط‪ ،‬ويف مقابل‬ ‫أخالقي بال ّ‬


‫ّ‬ ‫أي حكم‬
‫ذكرنا فيما سبق ‪ ،‬أ ّن املراد من النسبيّة األخالقيّة عدم اعتبار ّ‬
‫‪11‬‬

‫أي قيد‬
‫ذلك فإ ّن اإلطالقية األخالقيّة تعين قبولنا ـ وعلى األقل ـ بوجود بعض األحكام األخالقيّة املعتربة بال ّ‬
‫‪12‬‬

‫الواقعي للقيم واللزوميات األخالقيّة يرون عدم ارتباط‬


‫ّ‬ ‫وشرط‪ .‬فالقائلني بالواقعيّة ورغم اعتقادهم بوجود املنشأ‬
‫قيد وشرط‪:‬‬ ‫القيم التالية بأي ٍ‬

‫الواقعي للقيم واللزوميات األخالقيّة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫أي شرط‪ ،‬للمنشأ‬
‫‪ 1‬ـ الصفات والسلوكيات االختيارية املوافقة‪ ،‬حتت ّ‬

‫أي شرط‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الصفات والسلوكيات االختيارية املخالفة هلا حتت ّ‬

‫أي شرط‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الصفات والسلوكيات االختيارية املقابلة هلا حتت ّ‬

‫ويف رأي القائلني بالواقعيّة‪ ،‬فإ ّن"‪ "1‬حسنة مطلقاً و"‪ "2‬قبيحة مطلقاً‪ ،‬و"‪ "3‬فاقدة للحسنـ والقبح مطلقاً‪ .‬وبعبارة‬
‫أي األحكام الناظرة إىل املوارد من "‪ "1‬إىل "‬
‫أخرى وطبقاً للقائلني بالواقعيّة فإ ّن اعتبار بعض األحكام األخالقيّة ‪ّ -‬‬
‫بأي قيد وشرط‪.‬‬ ‫‪ - "3‬غري مقيد ّ‬

‫ومثاالً على ذلك نأخذ أحد املذاهب الواقعيّة املسمى مبذهب النفعية‪ 12‬أو املنفعة العامة‪ ،‬حيث يرى هذا املذهب‬
‫الواقعي للقيم األخالقيّة هو يف النفع األكرب ألكرب عدد من األفراد وبالتايل تُقيَّم السلوكيات‬
‫ّ‬ ‫األخالقي أ ّن املنشأ‬
‫ّ‬
‫املختلفة بناءً على هذا املبدأ‪ ،‬ولذا فإ ّن هذا املذهب يعتقد بأ ّن اعتبار مثل هاتني اجلملتني‪" :‬القيام بالوظائف العامة‬
‫بأي قيد وشرط‪.‬‬ ‫حسن" و"اإلضرار بعامة الناس قبيح" ال يقيَّد ّ‬
‫‪ -10‬راجع‪ 6 :‬ـ ‪ 2‬من هذا الفصل‪.‬‬
‫‪.Ethical Absolutism -11‬‬
‫‪Utalitarianism -12‬‬

‫‪46‬‬
‫ٍ‬
‫ظروف معينة ال يصب يف منفعة اجملتمع غري‬ ‫نعم من املمكن يف رأيهم أ ْن يكون إرشاد أحدهم للقيام بعمل ما ضمن‬
‫كل الظروف والشرائط ما كان حقيقة يصب يف خدمة اجملتمع وعموم‬ ‫حس ٍن باملطلق من الناحية القيميّة له‪ ،‬لكن يف ّ‬
‫الناس فهو "مطلقاً" حسن‪ ،‬ويف مقابله ما كان حقيقة يوجب اإلضرار بعموم الناس فهو "مطلقاً" قبيح‪.‬‬

‫ويعتقد هذا املذهب أيضاً بأ ّن إرشاد اآلخرين حسنه مشروط مبا ينفع عامة الناس‪ ،‬وبشكل كلّ ّي فإ ّن ما عدا هذه‬
‫ٍ‬
‫وشرط حتتاج لقيود وشرائط‪ ،‬وهذه القيود باعتقادهم قيود واقعيّة وال ترتبط‬ ‫األحكام األخالقيّة املعتربة بال أي ٍ‬
‫قيد‬ ‫ّ‬
‫بأي أمر أو توصية أو إحساس أو توافق وتعاهد‪ ،‬وكما هو احلال يف اعتبار اجلمل (‪ )7( )4‬و(‪ )8‬جلهة عدم تقيّدها‬ ‫ّ‬
‫بأي واحد من هذه األمور‪.‬‬ ‫وارتباطها ّ‬

‫‪ 4‬ـ منزلة الواقعيّة والالواقعيّة يف فلسفةـ األخالق‬

‫مع االلتفات إىل ما تعلمناه يف هذا الفصل يتضح لدينا أ ّن العديد من املباحث الّيت تُطرح يف فلسفةـ األخالق تُعترب‬
‫من لوازم الواقعيّة والالواقعيّة‪ .‬وقبل الدخول يف هذه البحوث وإبداء الرأي الصحيح يف موردها ال ب ّد من جعل‬
‫حمور البحوث هو الواقعيّة والالواقعيّة‪ ،‬ولذا ميكننا استنتاج األمور التالية‪:‬‬

‫أهم البحوث احملورية يف فلسفةـ األخالق واليت تعيننا يف حبوث أخرى من هذا‬ ‫أوالً‪ :‬يعترب حبثا الواقعيّة والالواقعيّة من ّ‬
‫والرد واإلثبات يف اجلمل األخالقيّة وكذلك االرتباط بني القيم‬
‫العلم‪ ،‬نظري البحث يف قابلية الصدق والكذب ّ‬
‫والواقع‪ ،‬وتعيني املنشأ‪ ،‬وأسلوب التحقيق وأدلة اعتبار األحكام األخالقيّة‪ ،‬والوحدة والتعددية األخالقيّة‪ ،‬واالطالق‬
‫والنسبيّة يف األخالق‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬إن هاتني املسألتني مها نقطة االختالف األصلية بني املذاهب املتع ّددة‪ ،‬ولذا ميكن تصنيف هذه املذاهب بناءً‬
‫عليها وهو ما قمنا به يف هذا الكتاب‪.‬‬

‫وكذلك فإ ّن البحث حول معاين املصطلحات األخالقيّة والذي يش ّكل قسماً من حبوث‬

‫‪47‬‬
‫فلسفة األخالق يشري يف األساس إىل مقدار ارتباط اجلمل احلاوية هلا بالواقعيّات‪.‬‬

‫ومثاالً على ذلك فإ ّن املعتقدين مبشاهبة اجلمل األخالقيّة للجملة (‪" :)2‬األطعمة اهلنديّة لذيذة" يف عدم واقعيتها‬
‫يسعون إلثبات دعواهم بتحليل املصطلحات األخالقيّة واعتبارها إحساسية مثالً‪ ،‬وكذلك يقوم املعتقدونـ مبشاهبة‬
‫تعرضها للحرارة" يف كوهنا واقعيّة‪ ،‬بتحليل املصطلحات واملعاين‬ ‫اجلمل األخالقيّة للجملةـ (‪" :)4‬املعادن تتم ّدد إثر ّ‬
‫األخالقيّة واإلشارة إىل الواقعيّة فيها إلثبات مدعاهم يف هناية األمر‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬إ ّن حتقيق وحتليل املفاهيم األخالقيّة وتعيني معانيها والذي يشكل جزءاً من حبوث فلسفة األخالق أيضاً يعترب‬
‫مق ّدمة لبحث الواقعيّة والالواقعيّة‪.‬‬

‫إ ّن هذه النتائج تشري بوضوح إىل مكانة ومنزلة حبثَي الواقعيّة والالواقعيّة يف علم فلسفة األخالق‪.‬‬

‫الخالصة‬

‫بغض النظر عن األوامر والتوصيات واألحاسيس واالنفعاالت‬


‫‪ 1‬ـ اجلمل احلاكية للواقع بيانات حتكي الواقعيّة العينية ّ‬
‫والتوافق والتعاهدات‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ الواقعيّة تعين أ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة هلا واقعيّة وأ ّن اجلمل األخالقيّة حتكي الواقع‪ ،‬وأما الالواقعيّة فتعين‬
‫عكس ذلك‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ إذا مل تكن اجلملة مبينة للواقعيّة فال معىن ملطابقتها أو عدم مطابقتها للواقع ونتيجة ذلك أ ّن إحدى لوازم‬
‫الالواقعيّة عدم قابلية اجلمل األخالقيّة للصدق والكذب الواقعيّني ‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ اإلثبات يعين إظهار صدق املقال والرد يعين إظهار كذبه‪ ،‬وبناءً على ذلك فإ ّن‬

‫‪48‬‬
‫ردها غري معقول‪.‬‬
‫والرد أيضاً وكذلك فإ ّن البحث واحلوار إلثباهتا أو ّ‬
‫الالواقعيّة ال تقبل اإلثبات ّ‬

‫ويسمى هذا اصطالحاً بعدم وجود‬


‫‪ 5‬ـ بناءً على الالواقعيّة ال ميكن استنتاج اجلمل األخالقيّة من البيانات الواقعيّة ّ‬
‫الرابطة املنطقية بني "ما ينبغي" و "ما هو موجود" أو بني "القيمة" و "الواقع" أو بني "العمل" و "النظر"‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ ال ب ّد للقائل بالالواقعيّة من تعيني املنشأ الالواقعي لألحكام األخالقيّة وتشخيص أسلوب الكشف عنها‪ ،‬وبناءً‬
‫على اعتبار األحكام األخالقيّة عندهم ال ب ّد هلم من بيان دليل اعتبارها‬

‫‪ 7‬ـ التعددية األخالقيّة ‪ -‬مبعىن قبول خمتلف املذاهب األخالقيّة ‪ -‬من لوازم الالواقعيّة‪.‬‬

‫أي قيد‬
‫أخالقي بشكل مطلَق وبال ّ‬
‫ّ‬ ‫أي حكم‬
‫‪ 8‬ـ النسبيّة األخالقيّة من لوازم الالواقعيّة أيضاً‪ ،‬وتعين عدم اعتبار ّ‬
‫وشرط‪.‬‬

‫‪ 9‬ـ بناءً على الواقعيّة فإ ّن البيانات األخالقيّة قابلة للصدق والكذب‪ ،‬وكذلك فإ ّن حتصيل األحكام األخالقيّة‬
‫األخالقي املقبول معقول‪.‬ـ‬
‫ّ‬ ‫الصحيحة واملذهب‬

‫‪ 10‬ـ ال ب ّد للقائل بالواقعيّة من تعيني الواقعيّة الّيت حتكيها األحكام األخالقيّة‪ ،‬وأ ْن يعنَّي على أساسها أسلوب‬
‫التحقيق يف املسائل األخالقيّة ‪ -‬عند اللزوم ‪ -‬وكذلك توضيح دليل اعتبارها‪.‬‬
‫كل‬
‫‪ 11‬ـ من لوازم الواقعيّة القول بالوحدة األخالقيّة‪ ،‬مبعىن أ ّن هناك مذهباً واحداً فقط صحيح ومقبول من بني ّ‬
‫املذاهب األخالقيّة‪.‬‬

‫أي قيد وشرط ‪ -‬من‬


‫‪ 12‬ـ اإلطالقية األخالقيّة ‪ -‬مبعىن أ ّن بعض األحكام األخالقيّة على األقل مطلَق ومعترب بال ّ‬
‫لوازم الواقعيّة‪.‬‬

‫‪ 13‬ـ إ ّن حبث الواقعيّة والالواقعيّة يعترب احملور ألهم البحوث يف فلسفة األخالق واليت تعد من لوازم هذين البحثني‪،‬‬
‫ومضافاً إىل ذلك فإنّه ميكن على أساسهما تصنيف‬

‫‪49‬‬
‫املذاهب األخالقيّة املتع ّددة من زاوية نقطة االختالف األصلية بينها‪ ،‬وكذلك فإ ّن البحث عن املفاهيم األخالقيّة‬
‫يعترب مق ّدمة للبحث عن الواقعيّة والالواقعيّة‪.‬‬

‫األسئلة‬

‫وأوضح اإلجابات بناءً على تعريف اجلمل‬


‫ِ‬ ‫‪ 1‬ـ بنّي ْ اجلمل احلاكية للواقع وغري احلاكية للواقع من بني اجلمل التالية‪،‬‬
‫الواقعيّة والالواقعيّة‪:‬؟‬

‫أ ـ تدور األرض حول الشمس‪.‬‬

‫ب ـ ال يوجد أي ٍ‬
‫لون أفضل من اللون األبيض‪.‬‬ ‫ّ‬

‫كل املمرضات ارتداء هذا النوع من اللباس‪.‬‬


‫ج ـ جيب على ّ‬

‫د ـ قانون العمل اجلديد ال يرضي بعض العمال‪.‬‬

‫هـ ـ ميكن لإلنسان السفر إىل كواكب أخرى‪.‬‬

‫و ـ من اآلن فصاعداً ال ميكن للبائعني عرض البضائع الفاقدة للجودة (عالمة املواصفات الدولية)‪.‬‬

‫ز ـ ال ميكن استنتاج لذة األطعمة الكثرية البهارات منطقياً‪.‬‬

‫ح ـ الساكنون يف املناطق االستوائية أكثر عرضة من غريهم لألخطار الناشئة عن األشعة ما فوق البنفسجية‪.‬‬

‫ونسيب بناءً على فيزياء اينشتاين‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ط ـ جرم األجسام ثابت بناءً على فيزياء نيوتن‬

‫ي ـ تُدفَع مستحقات املتعهدين بعد ستة أشهر من استالم املشروع‪ ،‬وال بد من تتميم النواقص االحتمالية‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ بنِّي باملقايسة لوازم الواقعيّة ولوازم الالواقعيّة‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ أ ـ ما هو املراد من الرابطة بني "ما ينبغي" و "وما هو موجود"؟‬

‫‪50‬‬
‫ب ـ إنكار هذه الرابطة هل هو من لوازم الواقعيّة أم من لوازم الالواقعيّة؟ وملاذا؟‬

‫‪ 4‬ـ مع قليل من املساحمة أو طبقاً لالصطالح الرائج ميكن اعتبار "املعرفة" رؤية كلية للوجود‪ ،‬و"األيديولوجيا"‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ هل من املمكن أ ْن يكون أحدهم من الناحية املعرفية مسلماً ومن الناحية‬ ‫دستوراً عملياً كلياً للحياة‪،‬‬
‫األيديولوجية ماركسياً أو علمانياً؟ أجب عن هذا السؤال بناءً على مبىن الواقعيّة والالواقعيّة‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ أوضح ماهية ارتباط االطالقية والنسبيّة األخالقيّة بالواقعيّة والالواقعيّة يف األخالق‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ بنِّي منزلة الواقعيّة والالواقعيّة يف فلسفةـ األخالق‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ بنِّي موارد االختالف يف الرأي يف هذه احملاورة واذكر نقطة االختالف األصلية بينهما‪.‬‬

‫•‪ :‬إ ّن العدالة واإليثار واملروءة ومساعدة احملرومني واألمانة والوفاء بالعهودـ قيّمة واقعاً‪ ،‬وإ ّن اخليانة والسرقة والتهمة‬
‫وقتل األبرياء خاطئة واقعاً‪.‬‬

‫إ ّن هذه القيم ثابتة‪ ،‬ولو خالف أح ٌد ما هذا الرأي فإنّه مشتبه‪ .‬وإذا كان التمييز العنصري والقومي مالكاً للتفضيلـ‬
‫عند أحد املذاهب األخالقيّة بينما يرى غريه أ ّن مالك التقوى والعدالة واإلنصاف هو مالك التفضيل‪ ،‬فإ ّن هذا‬
‫املذهب أفضل من املذهب األول‪.‬‬

‫أنا أستطيع إثبات رأيي‪.‬‬

‫ال ميكن إنكار الواقعيّات‪.‬‬

‫أي وجه وجيه‪ .‬نعم ميكنك أ ْن تعترب هذه األمور الّيت عددهتا قيّمة‬
‫تعمم قيمك املقبولة عندك بال ّ‬
‫• •‪ :‬يف رأيي أنك ّ‬
‫لكن ال ميكنك أ ْن تعترب رأيك‬
‫أو غري قيّمة‪ ،‬واتفاقاً من املمكن أ ْن أوافقك الرأي يف تقييم بعض هذه األمور‪ْ ،‬‬
‫صحيحاً ورأي من خيالفك غري صحيح‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ال ميكن أ ّن يكون رأيك مطلقاً‪.‬‬

‫أخالقي على بقية املذاهب األخرى‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ألي مذهب‬
‫ال تفضيل ّ‬

‫القيم األخالقيّة نابعة من أحاسيسنا املتغرية واملختلفة‪.‬‬

‫ردها‪ ،‬بالبحث واحلوار حوهلا‪.‬‬


‫ال ميكنك إدانة إحساسات اآلخرين‪ ،‬أو ّ‬

‫للبحث‬

‫خاصة حول اجلمل األخالقيّة مساها نظرية اخلطأ (‪،)Err or The o ry‬‬ ‫‪ 1‬ـ ذكر ِ‬
‫"مك ْي" ‪ Mackie‬نظرية ّ‬ ‫َ‬
‫حيث يعتقد وفقها أ ّن اجلمل األخالقيّة تُبنَّي من أجل حكاية واقعيّة موهومة‪ ،‬ويقول أيضاً أن األفراد يقبلون القيم‬
‫األخالقيّة نتيجة العادة أو التوافق‪ ،‬إاّل أهنم عند ذكر اجلمل األخالقيّة‪ ،‬ومثالً عندما يعتربون أ ّن العمل (ألف) حسن‬
‫أو قبيح‪ ،‬فإهّن م يريدون حكاية القيم الواقعيّة له مع أ ّن القيم األخالقيّة ال واقعيّة عينية هلا‪.‬‬

‫‪ -‬اآلن ِ‬
‫أعط مثاالً جلملة غري أخالقيّة ميكن تشبيهها باجلملة األخالقيّة طبقاً لنظرية َمكي‪.‬‬

‫‪ -‬طبقاً لنظريته‪ ،‬هل األخالق مطلقةـ أم نسبية؟‬

‫‪ -‬بالنظر إىل تعريف الواقعيّة هل يُعترب َمكي من الواقعيّني أم من الالواقعيني؟‬

‫‪ 2‬ـ يف هذا الفصل‪ ،‬بينّا باالستفادة من ٍ‬


‫مثال واحد عدم إمكانية استنتاج اجلمل الالواقعيّة من البيانات الواقعيّة‪ ،‬أثبت‬
‫هذه القاعدة بشكل كلي‪.‬‬

‫الواقعي والالواقعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 3‬ـ حلّل معىن احلياة بناءً على رؤية‬

‫‪ 4‬ـ إحبث موضوع "الغزو الثقايف" من منظار الواقعيّة والالواقعيّة‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ إنكار الرابطة بني "ينبغي" و "موجود" من لوازم الالواقعيّة‪ ،‬هل أ ّن القبول هبذه الرابطة يُعترب من لوازم الواقعيّة‬
‫أيضاً؟ (راجع الفصل السابع من هذا الكتاب)‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫إقرأ‬

‫يُطرح هذا البحث أحياناً حتت عنوان "خربية أو إنشائية اجلمل األخالقيّة"‪ ،‬وليس املراد من هذا البحث حتليل‬
‫إخبارية أو إنشائية ظاهر هذه اجلمل كما هو املنظور يف األدبيات املتعارفة‪ ،‬بل من املمكن بناءً على هذا التصنيف‬
‫تسمية بعض اجلمل باخلربية ‪ -‬رغم كوهنا إنشائية يف الظاهر كما هو احلال يف األمر والنهي األخالقيّني ‪ -‬بشرط أ ْن‬
‫اخلربي شرط‬
‫ّ‬ ‫يكون بياهنا بناءً على مبىن الواقعيّة‪ ،‬وكذلك من املمكن تسمية بعض اجلمل باإلنشائية‪ ،‬رغم ظاهرها‬
‫قولنا إ ّن ال واقعيّة هلا‪.‬‬

‫رجحنا‬
‫وحيث إ ّن اخلرب واإلنشاء هلما معنامها املعروف اصطالحاً يف األدبيات املتعارفة‪ ،‬وحذراً من وقوع االشتباه‪ّ ،‬‬
‫مصطلح ْـي الواقعيّة والالواقعيّة‪ .‬وبناءً عليه فاملراد من اإلنشاء يف هذا الكتاب ‪-‬‬
‫َ‬ ‫يف هذا الكتاب أ ْن نستفيد من‬
‫والذي من أقسامه ما ذكرناه يف اجلملة (‪ - )1‬هو معناه االصطالحي املعروف يف األدبيات والناظر إىل ظاهر اجلمل‬
‫فقط‪.‬‬

‫للمطالعة حول الواقعيّة والالواقعيّة األخالقيّة راجع ديفيد مك ناوتن‪ ،‬بصريت اخالقي (البصرية األخالقيّة)‪ ،‬ترمجة‬
‫حممود فتحعلي‪.‬‬

‫يُطرح حبث الواقعيّة والالواقعيّة يف العديد من العلوم‪،‬ـ ومن مجلتها علم معرفة الوجود‪ ،‬وعلم املعرفة بشكل عام‪.‬‬

‫يف جمال معرفة الوجود فإ ّن الواقعيّة (‪ )Realism‬تعين وجود موجودات خارج عامل الذهن واإلدراك‪ ،‬ويف املقابل‬
‫رتدد يف وجودها‪ .‬وتشمل الالواقعيّة أو املثالية (‬
‫فإ ّن الالواقعيّة تعين يف موردها أنّه ال وجود هلا أو على األقل يُ َّ‬
‫‪ ، )Idealism‬يف هذا اجملال من املعرفة‪ ،‬السفسطة (إنكار الواقعيّات)‪ ،‬والش ّكيّة (الشكية املطلقة أو الشكية‬
‫املرتبطة مبا هو خارج الذهن)‪.‬‬
‫ويف معرفة الوجود أيضاً قد تؤخذ الواقعيّة والالواقعيّة بالنظر إىل موضوع خاص‪ ،‬مثالً يقال إ ّن أفالطون كان واقعياً‬
‫أي من القائلني باملثالية‬ ‫يسمى مثالياً ّ‬
‫يف مورد الكلّيّات (إال أنّه ويف هذا املورد نفسه وباملعىن اآلخر ملصطلح "مثال" َّ‬
‫والالواقعيّة)‪.‬‬

‫الذهين‪ .‬ويف جمال املعرفة فإ ّن الواقعيّة تعين استقالل الواقعيّات عن‬


‫ّ‬ ‫ويقال أيضاً إ ّن بعض األرسطويني قائلون بالوجود‬
‫اإلدراك والوسائل اإلدراكية‪ ،‬وأما الالواقعيّة فتعين أ ّن الواقعيّة ترتبط دائماً‬

‫‪53‬‬
‫بالوسائل اإلدراكية عندنا وأنّه ال ميكن الكالم والتحقيق عن واقعيّة مستقلةـ عن اإلدراك‪.‬‬

‫مستقل ال ربط له برؤية املدرك له وباالصطالح فهو أمر‬


‫ّ‬ ‫عيين‬
‫أمر ّ‬ ‫يف جمال علم اجلمال فإ ّن الواقعيّة تعين أ ّن اجلمال ٌ‬
‫االستكشايف هلا دخالة يف‬
‫ّ‬ ‫موضوعي ( ‪ ،)objective‬وأما الالواقعيّة فتعين ها هنا أ ّن احلاالت الداخلية للفاعل‬‫ّ‬
‫أمر ذايتّ (‪.)subjective‬‬ ‫اعتبار اجلمال ألمر ما ويف االصطالح فهو ٌ‬

‫وأما يف العلوم األدبية فإ ّن الواقعيّة يف موردها تطلَق على سبك من الكالم املستند إىل الظواهر الواقعيّة واالجتماعية‪،‬‬
‫ّ‬
‫حممد حسني‬ ‫وأما الالواقعيّة فتعين تلك املستندة إىل اخلياالت الشعرية عند املتكلّم أو الكاتب (راجع‪ :‬السيد ّ‬
‫الواقعي‪ ،‬اجمللد األول‪ ،‬املقالة الثانية‪ ،‬مق ّدمة وتعليق‬
‫ّ‬ ‫الطباطبائي‪ ،‬أصول فلسفه وروش رئاليسم أصول الفلسفةـ واملنهج‬
‫حممد تقي مصباح‪ ،‬دروس فلسفه اخالق دروس يف فلسفة األخالق]‪ ،‬ص ‪.)34‬‬ ‫الشهيد مطهري‪ ،‬ص ‪ 55‬ـ ‪ّ ,62‬‬

‫‪In Edward Craig, ed, Routledge "Realism And Antirealism", Edward‬‬


‫‪.Craig Encycl o pedia of phil os phy, vol 8, p611‬‬

‫والتعهد‪.‬‬
‫بغض النظر عن اإلرادة واإلحساس ّ‬
‫املراد من الواقع يف هذا البحث ما كان موجوداً ّ‬

‫وأما الالواقعيون فإهّن م ينفون‬


‫ويعتقد الواقعيّون بوجود مثل هذه الواقعيّة بإزاء القيم واللزوميات واجلمل األخالقيّة‪ّ .‬‬
‫وجودها‪ .‬وللتأكيد على أ ّن هذه الواقعيّة واقعيّة مستقلةـ عن هذه األمور يُطلَق عليها أحياناً مصطلح الواقعيّة العينية‪،‬‬
‫ومن املفيد ها هنا أ ْن نلتفت إىل هاتني املالحظتني‪:‬‬

‫املالحظة األوىل‪ :‬رغم أ ّن األوامر واألحاسيس والتوافقات موجودة بنفسها إاّل أ ّن املراد من كوهنا ذهنية وغري عينية‬
‫هو عدم وجود متعلقاهتا جمردة من األمور الداخلية‪.‬‬

‫وكذلك فإ ّن املراد من الواقعيّة اجلمل األمرية واالنفعالية والتوافقية هو عدم وجود متعلقات هذه اجلمل جمردة من‬
‫إرادة اآلمر وانفعال صاحب االنفعال والسليقة وتوافق املتوافقني‪ ،‬وهلذا السبب فإنّنا نعتربها غري حاكية للواقع‪.‬‬

‫إ ّن تقسيم الواقعيّات إىل عينية ( ‪ )objective‬وذهنية (‪ )subjective‬وتبعاً هلا تقسيم اجلمل إىل واقعيّة‬
‫العيين يطلَق على املوجود‬
‫ذهين‪ ،‬حيث إ ّن الوجود ّ‬ ‫عيين ووجود ّ‬‫والواقعيّة ميكن تشبيهه بتقسيم الوجود إىل وجود ّ‬
‫تسمى‬‫بصرف النظر عن إدراك الوجود‪ ،‬وكذلك فإ ّن املفاهيم الذهنية ‪ -‬ورغم وجودها يف حد ذاهتا ‪ -‬إمنا ّ‬
‫داخلي ‪ -‬ألنّه ال آثار حمكية هلا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وبغض النظر عن اإلدراك ‪ -‬والذي هو أمر‬
‫ّ‬ ‫الذهين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بالوجود‬
‫ومن املمكن أيضاً أ ْن حتكي اجلمل الالواقعيّة أموراً داخلية‪ .‬ورغم أ ّن حكاية األمور الداخلية أيضاً‬

‫‪54‬‬
‫بغض النظر عن احلاالت الداخلية‪.‬‬
‫يعترب حكاية للواقعيّة فإ ّن هذه اجلمل إمنا مسّيت الواقعيّة ألهنا حتكي أشياء أخرى ّ‬

‫وهبذا الرتتيب فإ ّن تلك الطائفة من القائلني بالذهنية والذين يعتربون اجلمل األخالقيّة بياناً وتوصيفاً للحاالت الذهنية‬
‫يف احلقيقة من القائلني بالالواقعيّة أيضاً‪.‬‬

‫أحد ما مع اإلحساس‬‫المالحظة الثانية‪ :‬إ ّن اجلملة احلاكية واقعية عينية هي مجلة واقعية حىت ولو صدرت عن ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واالنفعال‪ ،‬مثالً‪ ،‬لو قال أحدهم حالة كونه مضطرباً‪" :‬لقد سرقوا حمفظتك" فقد قال مجلة واقعيّة‪ ،‬وبشكل كلّي‬
‫فإ ّن بيان اجلملة بالتوافق مع احلالة الداخلية ال يعترب مانعاً من كوهنا واقعيّة‪ ،‬بل إ ّن املوجب العتبارها غري واقعيّة عدم‬
‫وبغض النظر عن احلاالت الداخلية‪.‬‬‫ّ‬ ‫حكايتها للواقعيّة العينية‬

‫األعم من كون هذا املفهوم له ما بإزاء عيين مستقل أو‬ ‫في هذا البحث‪ :‬املراد من وجود الواقعيّة العينية ملفهومـ ما‪ّ ،‬‬
‫له منشأ انتزاع واقعي فيشمل املفاهيم الفلسفية أيضاً‪ ،‬وبناءً على هذا فإ ّن الروابط القائمة بني الواقعيّات‪ ،‬وحيث إهنا‬
‫الفلسفي ال وجود مستقالً هلا عدا‬
‫ّـ‬ ‫ال ترتبط بأي أمر أو وسيلة أو توافق‪ ،‬تعترب واقعيّة على الرغم من أهنا باللحاظ‬
‫وجود طريَفْ الرابطة‪.‬‬
‫الواقعيّة والالواقعيّة هلما جهتان وجودية ومعنائية‪ ،‬من الناحية الوجودية يعتقد القائلون بالواقعيّة بوجود القيم‬
‫األول يعترب اجلمل‬
‫واللزوميات األخالقيّة بينما ينكر ذلك القائلون بالالواقعيّة‪ ،‬ومن الناحية املعنائية أيضاً فإ ّن الطرف ّ‬
‫األخالقيّة حاكية للواقع بينما يرى الطرف الثاين عدم هذه احلكاية‪.‬‬

‫لكن إلثبات الواقعيّة‪ ،‬ال ب ّد مضافاً إىل إثبات كون القيم واللزوميات األخالقيّة ذات واقعيّة عينية‪ ،‬أ ْن نثبت أيضاً‬
‫حكاية الواقع يف اجلمل األخالقيّة‪ ،‬أل ّن م ّدعى القائلني بالواقعيّة هو أ ّن األخالق حتكي القيم واللزوم الواقعيّني وهذا‬
‫بنفسه يتضمن دعويني‪:‬‬
‫أوالمها أ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة واقعيّة‪.‬‬
‫والثانية أ ّن اجلمل األخالقيّة حتكيها أيضاً‪.‬‬
‫وإلثبات واقعيّة هاتني الدعويني سوف نتعرض لذلك بالرتتيب يف الفصل الثالث والرابع‪.‬‬

‫تسمى المذاهب القائلة حبكاية اجلمل األخالقيّة للواقع باملذاهب التوصيفية (‪ )Descriptive‬واملعرفية (‬
‫فتسمى باملذاهب غري التوصيفية (‪)Non- Descriptive‬‬
‫‪ ،)Congitivist‬وأما تلك القائلة بعدم حكايتها ّ‬
‫وغري املعرفية(‪.)Non- congitivist‬‬

‫نعم رمبا نعترب أ ّن ملثل هذه اجلمل نوعاً من الصدق والكذب وذلك من جهة مطابقة‬

‫‪55‬‬
‫أو عدم مطابقة اجلملة لإلرادة‪ ،‬السليقة‪ ،‬والتوافق‪ ،‬مثالً‪ :‬إ ّن من يقول إ ّن هذا الطعام لذي ٌذ‪ ،‬يكون كالمه صادقاً إذا‬
‫كان يف احلقيقة مياالً إىل هذا الطعام وإال فإ ّن كالمه كاذب‪.‬‬

‫وحيث إ ّن اإلرادة والسليقةـ والتوافق ليست أموراً عينية فإ ّن صدق وكذب مثل هذه اجلمل ال يكون ناظراً أيضاً إىل‬
‫الواقعيّة العينية‪ ،‬وأما الصدق والكذب الناظرين إىل الواقعيّة العينية فقد أمسينامها بالصدق والكذب الواقعيّني‪ .‬إن‬
‫اختالف الواقعيّني والالواقعيني هو يف قابلية اجلمل األخالقيّة للصدق والكذب الواقعيّني واملراد من قابلية أو عدم‬
‫قابلية الصدق والكذب للجمل األخالقيّة يف هذا البحث أيضاً هو نفس قابلية أو عدم قابلية الصدق والكذب‬
‫الواقعيّني هلا‪.‬‬

‫للمطالعة حول مسألة الرابطة بني "ينبغي" و"موجود" راجع‪ :‬حمسن جوادي‪ ،‬مسأله بايد وهست‪ :‬حبثي در رابط‬
‫حممد رضا مدرسي‪ ،‬فلسفه‬
‫ارزشت وواقع (مسألة ينبغي وموجود‪ :‬حبث حول الرابطة بني القيمة والواقع)‪ ,‬سيد ّ‬
‫اخالق‪ ،‬ص ‪ 282‬ـ‪.303‬‬

‫تطلق التعددية األخالقيّة بناءً على تفسري آخر هلا على هذه النظرية الّيت تقول‪ :‬إ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة ورغم‬
‫كوهنا واقعية إاّل أنه ليس هلا منشأ واحد يقبل التبدل إىل أم ٍر قيمي ٍ‬
‫والزم‪ ،‬ومن البديهي أ ّن التعددية هبذا املعىن ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتالءم مع الالواقعيّة‪ ،‬وال نبحث فيها ها هنا إاّل أنّه ال ميكن القبول مبثل هذه النظرية (راجع املذكرة السابعة من‬
‫الفصل التاسع)‪.‬‬

‫لكن يف بعض املوارد ميكن اجلمع‬ ‫من املمكن أ ْن يقال إ ّن القبول بالالواقعيّة يتناىف مع القبول بإطالق األخالق‪ْ .‬‬
‫بينهما‪ .‬ومثاالً على ذلك نقول‪ :‬إذا كانت األحكام األخالقيّة من قبيل القرارات واعتربنا أ ّن منشأها هو األمر‬
‫والنهي اإلهليان ‪ -‬كما يقول األشاعرة ‪ -‬وقبلنا بأن أوامر اهلل ونواهيه ثابتة ال تتغري ‪ -‬على األقل يف بعض املوارد ‪-‬‬
‫فإ ّن العمل بتلك املقررات سيكون أمراً قيمياً والزماً‪ ،‬ولن نقيد قيمتها ولزومها بأي ٍ‬
‫قيد‪ .‬وعليه فإنّه يف نفس الوقت‬
‫أي اعتقدنا بإطالق األخالق أيضاً‪.‬‬ ‫الّذي قبلنا فيه بالالواقعيّة اعتقدنا بثبات بعض األحكام األخالقيّة على األقل ّ‬

‫لكن اعتقدنا كذلك‬‫وكذلك احلال فيما لو اعتربنا أ ّن األحكام األخالقيّة ناشئة عن األحاسيس وامليول اإلنسانية‪ْ ،‬‬
‫باحتاد الطبائع اإلنسانية بنحو توجب فيه هذه الطبيعة الواحدة اشرتاك الناس يف احلاجات وامليول وتكون منشأ على‬
‫كل األفراد ويف‬
‫كل أفراد البشر‪ ،‬وقبلنا أ ّن قيمها األخالقيّة عند ّ‬
‫األقل لبعض األحاسيس وامليول املشرتكة عند ّ‬
‫أي قيد‪ ،‬فإنّنا هنا أيضاً ويف نفس الوقت الّذي قبلنا فيه بالالواقعيّة اعتقدنا بإطالق‬
‫خمتلف الظروف ثابتة وبال ّ‬
‫األخالق أيضاً‪.‬‬

‫كل اجلوامع اإلنسانية قد قبلت وتوافقت على‬


‫وبناءً على هذا الوضع من املمكن أ ْن نقبل بأ ّن ّ‬

‫‪56‬‬
‫قواعد أخالقيّة مشرتكة‪ ،‬ويف هذه احلال أيضاً ميكن القبول بالالواقعيّة مع القول بإطالق األخالق‪ ،‬ومضافاً إىل هذا‬
‫صرحا بعدم اعتقادمها بالنسبيّة‪.‬‬
‫فإ ّن "استيفنسون" القائل باإلحساسية‪ ،‬و "هري" القائل باألمرية ّ‬

‫لكن ال ب ّد من االلتفات إىل أ ّن املراد من إطالق األخالق ال يراد منه "صرف عدم وقوع التغيري واالختالف‪ ،‬يف‬
‫بعض األحكام األخالقيّة" بل هي مبعىن أ ّن بعض األحكام األخالقيّة ‪ -‬على األقل ‪ -‬غري مقيد‪ ،‬مع أنّه يف هذه‬
‫كل األحكام األخالقيّة مقيدة‪.‬‬
‫األمثلة املذكورة فإ ّن ّ‬

‫إذا كان القائل بالالواقعيّة غري قائل بوجود منشأ للقيم ما وراء األمر والنهي اإلهلي فإنّه يقيد حسن الفعل املأمور به‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ إذا قَبِ َل كون‬ ‫كل األوامر والنواهي اإلهلية‬
‫من قبل اهلل باألمر اإلهلي‪ ،‬ويف رأيه هناك "إمكان" للتغيري يف ّ‬
‫األوامر والنواهي اإلهلية تابعة للمصاحل واملفاسد الواقعيّة‪ ،‬وأهنا يف بعض املوارد ثابتة ال تتغري‪ ،‬فيكون قد قَبِ َل الواقعيّة‬
‫وإطالق األخالق معاً‪.‬‬

‫وإذا كان القائل بالالواقعيّة يعتقد بأ ّن منشأ القيم هو اإلحساس والسليقةـ الشخصيّة فإنّه يقيد حسن الفعل الّذي‬
‫شعر الفرد فيه بإحساس الرضا وامليل إليه بوجود ذلك اإلحساس عند ذلك الشخص على الرغم من وجود هذا‬
‫عام الوجود حقيقةً‪ .‬وعليه إذا أذعن أيضاً بوجود األحاسيس وامليول‬ ‫اإلحساس عند غريه من األفراد بل هو ّ‬
‫املشرتكة على أساس اإلدراك املشرتك للواقعيّة ‪ -‬نظري السعادة احلقيقيّة أو الكمال ورفع النقص واحلاجة الواقعيّة ‪-‬‬
‫واعترب فقط تلك األحاسيس وامليول املشرتكة املبتنية على الواقعيّة يف التقييم‪ ،‬فقد قبل بالواقعيّة وإطالق األخالق معاً‬
‫أيضاً‪.‬‬

‫اجلمعي فإنّه يقيّد حسن ما توافق اجلمع عليه هبذا‬


‫ّ‬ ‫وإذا كان القائل بالالواقعيّة يعتقد بأ ّن منشأ القيم هو التوافق‬
‫خيتص مبجتمع بعينه‪.‬‬
‫التوافق‪ ،‬على الرغم من كون هذا التوافق يف مورد ما ال ّ‬

‫الواقعي‬
‫ّ‬ ‫كل الناس عليها بناءً على حتصيل الصالح والفساد‬ ‫وحيث إنّه يف بعض األحكام األخالقيّة يقبل بتوافق ّ‬
‫أدق فإ ّن القضايا‬
‫عندهم‪ ،‬وأهنا املعتربة عنده‪ ،‬فقد قبل الواقعيّة وإطالق األخالق معاً يف هذا املورد أيضاً‪ ،‬وبعبارة ّ‬
‫األخالقيّة بنحو القضايا احلقيقيّة ال القضايا اخلارجية‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإنّه عندما نقول إ ّن الكالم بشرط كونه‬
‫كل الناس كانوا صادقني دائماً يف كالمهم فإنّه ال ميكن القول‬ ‫صادقاً حسن‪ ،‬فإنّه بناءً على هذا الفرض لو اتفق أ ّن ّ‬
‫حسن بل إنّه يف هذه الصورة أيضاً ال ب ّد من تقييد حسن الكالم بكونه صادقاً‪ ،‬وبناءً على ذلك‬ ‫إ ّن الكالم مطلقاً ٌ‬
‫فإنّه يف صورة عدم تغري األمر أو السليقة أو التوافق يف ٍ‬
‫مورد ما‪ ،‬فطبقاً لنظر الالواقعي والذي ال يقبل مببىن الواقعيّة‬
‫يف القيم األخالقيّة‪ ،‬فإ ّن اعتبار هذه األحكام مقي ٌد أيضاً‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫كل األحكام األخالقيّة مقيدة مبناشىء أخالقيّة الواقعيّة وميكن تبدهلا‬ ‫كل األوفياء للالواقعيّة يقبلونـ بكون ّ‬
‫وعليه فإ ّن ّ‬
‫أي قيد‪.‬‬
‫أخالقي يكون اعتباره مطلقاً وبال ّ‬
‫ّ‬ ‫أي حكم‬‫وتغريها تبعاً هلا‪ ،‬وبالتايل ال يوجد ّ‬
‫وأما يف مورد استيفنسونـ وهري فال ب ّد من القول ‪ -‬وكما أشار إليه بونتينغ ‪ - Bunting‬إهّن ما ومع تقدمي معىن‬
‫جمرد‬
‫النسيب هو من يعتقد بأ ّن املفاهيم األخالقيّة هي ّ‬
‫ّ‬ ‫جديد للنسبية أرادا تربئة نفسيهما من القول بالنسبيّة فقاال إ ّن‬
‫توصيف لوضعية الشخص الذهنية‪.‬‬

‫( ‪See: Harry Bunting, "A Single True Morality" Challenge of Realtivism",‬‬


‫‪in (David Archard, ed, philosophy and pluralism, p 28, qu oted in M‬‬
‫‪ohammad A. Sh omali, Ethical Realitivism: An Analysis of the Foundati‬‬
‫)‪.ons of M orality, p.59‬‬

‫إ ّن حبث اإلطالق أو النسبيّة يف األخالق ال ينظر إىل األلفاط وبالتايل فإنّه خمتلف كلياً عن حبث اإلطالق والتقييد‬
‫املذكور يف مباحث األلفاظ من علم أصول الفقه‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬قيمة األخالق ولزومها‬

‫تعرفنا يف الفصل السابق إىل نظرييت الواقعيّة والالواقعيّة يف األخالق ولوازمهما‪.‬وسوف خنطو يف هذا الفصل اخلطوة‬
‫ّ‬
‫األوىل لتحصيل النظرية الصحيحة واملقبولة‪.‬‬

‫حلل الكثري من حبوث فلسفة األخالق‪ ،‬لكن‬


‫ميهد الطريق ّ‬
‫حل مسألة الواقعيّة ّ‬
‫ومع االلتفات إىل ما تق ّدم حبثه فإ ّن ّ‬
‫حل هذه املسألة؟‬‫كيف ميكن ّ‬

‫مع االلتفات إىل تعريف الواقعيّة والالواقعيّة‪ ،‬فإ ّن املسألة األساس تدور حول أ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة هل هلا‬
‫واقعيّة عينية أم ال؟ وهل أ ّن اجلمل األخالقيّة حتكي عنها أم ال؟‬

‫نتعرف إىل مورد‬‫يف هذا الفصل وبعد حتليل مصطلحيـ "القيمة" و "اللزوم"[ـ‪ ]1‬وحتقيق موارد استعماهلما‪ ،‬سوف ّ‬
‫استعماهلما أيضاً يف األخالق‪ ،‬وسوف نبحث ها هنا أيضاً واقعيّة أو عدم واقعيّة القيم واللزوميات األخالقيّة‪ .‬وأما‬
‫حكاية اجلمل األخالقيّة للواقع أو عدم حكايتها له فسوف نبحثه يف الفصل القادم‪.‬‬

‫‪ - 1‬القيمة وأنواعها‬

‫يُستعمل مصطلح "القيمة" يف موارد عديدة من قبيل القيمة االقتصادية‪ ،‬القيمة الفنية‪ ،‬القيمة املعرفية‪ ،‬القيمة املنطقية‪،‬‬
‫القيمة االجتماعية‪ ،‬القيمة التارخيية‪،‬‬

‫‪59‬‬
‫القيمة السياسية‪ ،‬القيمة القضائية‪ ،‬القيمة احلقوقية والقيمة األخالقيّة‪.‬‬

‫وما يهمنا يف هذا البحث هو تعيني واقعيّة أو عدم واقعيّة القيمة األخالقيّة‪ .‬ولتحقيق هذا املطلب ال ب ّد لنا أ ْن نرى‬
‫موارد استعمال القيمة األخالقيّة‪.‬‬

‫طلق‬
‫كل املوارد الّيت يُ َ‬
‫والسؤال املشرتك بشكل عام حول "القيم" مفاده‪ ]2[:‬ما هي اخلصائص املشرتكة واملتشاهبة يف ّ‬
‫عليها مصطلح "القيمة"؟‬

‫كنموذج ابتداءً‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ولإلجابة عن هذا السؤال‪ ،‬نأخذ القيمة االقتصادية‬

‫يهمنا هو ذكر بعض أنواعها والذي ميكن إجياد ما‬


‫كل القيم االقتصادية ال يهمنا يف هذا املقام‪ ،‬بل ما ّ‬
‫إ ّن تعداد ّ‬
‫يشاهبه يف بقية املوارد وخصوصاً يف مورد األخالق‪.‬‬

‫أنواع من القيم يف االقتصاد وهي‪ :‬القيمة‬


‫وبناءً على هذا وبنظرة إمجالية إىل القيم االقتصادية سوف نذكر ثالثة ٍ‬
‫الذاتية والغريية والبديلة‪ ،‬ومن مثّ سوف نقوم بتحليلها يف مورد األخالق‪ ،‬والبحث عن واقعيتها أو عدم واقعيتها‬
‫أيضاً‪.‬‬

‫‪ 1 - 1‬القيمة الذاتية والغريية‬

‫سوف نذكر فيما يلي بعض اجلمل االقتصادية‪ ،‬ومرادنا من القيمة ها هنا القيمة االقتصادية‪:‬‬

‫(‪ )1‬إ ّن ‪ 1000‬تومان من املال تعادل قيمتها ‪ 300‬كلغ من القمح وهكتاراً من األرض‪.‬‬

‫أمور قيّمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬إ ّن إحياء األرض واستخراج املعادن واملعامالت املرحبة ٌ‬

‫يف هذه اجلمل أعترب املال والبضائع وأسلوب كسب الثروة واألموال أموراً قيّمة‪ .‬وهنا نسأل‪ :‬ما هو معيار وكيفية‬
‫التقييم يف االقتصاد؟‬

‫إن موضوع االقتصاد هو الثروة واملال‪ ،‬وها هنا فإ ّن املال والبضائع واألرض تعترب من املسائل املالية‪ ،‬وكذلك فإ ّن‬
‫إحياء األراضي وزراعتها واستخراج املعادن واملعامالت املرحبة تعترب من وسائل كسب الثروة واألموال أيضاً‪،‬‬
‫كل هذه املوارد مطلوبة وذات قيمة يف االقتصاد‪ ،‬نعم قد تتفاوت املطلوبية فيما بينها حيث إ ّن املطلوب‬ ‫وبالتايل فإ ّن ّ‬
‫األصلي يف االقتصاد هو األموال‪ ،‬واألشياء الّيت ذُكرت يف اجلملة (‪ )1‬تعترب‬

‫‪60‬‬
‫بعض املطلوب األصلي (األموال)‪ ،‬وأما مطلوبية األشياء املذكورة يف اجلملة (‪ )2‬فهي سبب مطلوبيتها املالية‬
‫(موضوع االقتصاد)‪ ،‬وكذلك فإ ّن مقدار مطلوبيتها يف حد ذاهتا يرتبط مبقدار مؤثريتها يف حتصيل املالية منها‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ ميكن القول إ ّن األموال هلا قيمة "ذاتية" اقتصادياً‬ ‫إن املطلوبية املالية يف االقتصاد ال ترتبط بأي شيء آخر‪،‬‬
‫وكذلك فإ ّن األمالك املختلفة هلا درجات متع ّددة من القيم الذاتية االقتصادية‪.‬‬

‫وأما مطلوبية النشاطات االقتصادية األخرى فإهّن ا ترتبط مبطلوبية خارجة عنها هي املطلوبية املالية ويقال ٍ‬
‫حينئذ إ ّن‬
‫هلا قيمة "غريية" اقتصادياً‪ .‬وبناءً عليه ميكن القول من الناحية االقتصادية إ ّن القيمة والتقييم يرتبط‪ ،‬باللحاظ‬
‫االقتصادي‪ ،‬باألمور املطلوبة‪.‬‬

‫وهذه القيمة االقتصادية "ذاتية" يف الناحية املالية و"غريية" يف سائر النشاطات االقتصادية‪ .1‬ومع االلتفات إىل خمتلف‬
‫استعماالت القيمة‪ ،‬ميكن تعميم القول على الشكل اآليت‪:‬‬

‫يُستخدم مفهوم "القيمة" يف مورد األمور املطلوبة ‪ ]3[ 2‬يف موضوع ما‪ .‬إذا عُرِّب عنها بالقيمة الذاتية فرياد منها‬
‫كون القيمة يف هذا املوضوع ال ترتبط بأي شيء آخر وأما إذا عُّبَر عنها بالقيمة "الغريية" فمعناها أ ّن القيمة يف ذلك‬
‫املوضوع ترتبط وتتبع شيئاً آخر ‪.3‬‬

‫‪ -1‬تقسم القيمة يف االقتصاد إىل أنواع خمتلفة أيضاً فيقال مثالً القيمة املصرفية للبضائع (‪ )Use Value‬إمنا هو يف مطلوبيتها عند‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ميكن القول إن املطلوبية هي‬ ‫املستهلك والقيمة التبادلية للبضائع (‪ )Exchange Value‬هو يف مبادلتها ببضائع أخرى‪،‬‬
‫العنصر املشرتك بني هذه القيم‪ ،‬فالقيمة املصرفية عبارة عن مطلوبيةـ السلعة عند املستهلك‪ ،‬والقيمة التبادلية عبارة أيضاً عن مطلوبية‬
‫السلعة يف عرف املبادلة باملقايسة بالسلع األخرى‪.‬‬
‫حممد تقي مصباح‪ ،‬دروس فلسفة اخالق‪ ،‬ص ‪.52-45‬‬ ‫‪ -2‬راجع‪ّ :‬‬
‫‪ّ -3‬أما الوجه يف إطالق تسمية القيمةـ الذاتيّة أهّن ا قائمة بذاهتا وغري متعلّقة بالغري‪ .‬وتعترب هذه القيمةـ أصلية باعتبارها منشأ قيم أخرى‬
‫يف املوضوع املبحوث عنه‪ ،‬ومن جهة كون القيمةـ الذاتيّة ناظرة إىل ذاهتا‪ ،‬يُطلق عليها عنوان القيمةـ الداخليّة (‪.)Value Intrinsic‬‬
‫ومن جهة كوهنا مستقلّة عن القيم األخرى يطلق عليها القيم املستقلّة‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فالقيمة الغرييّة املتعلّقة بغريها‪ ،‬يطلق عليها‬
‫القيمة التبعيّة‪ ،‬اخلارجيّة (‪ ،)Extrinsic Value‬الفرعيّة أو العرضيّة‪ .‬وهنا هبدف توحيد التسمية سنستعمل عنواين القيمة الذاتيّة‬
‫والقيمة الغرييّة‪.‬ـ‬

‫‪61‬‬
‫‪ .1 - 2‬القيم‪ ،‬الالقيم‪ ،‬وبال قيمة‪ ،‬أو ما له قيمة مثبتة‪ ،‬منفية وصفرية‪.‬‬

‫كما تقدم ذكره فإ ّن "القيمة" تستخدم يف األمور املطلوبة‪ ،‬وبناءً على هذا فإ ّن األشياء املطلوبة تُعترب ذات قيمة‪ ،‬وأما‬
‫يتناف معه‬
‫غري املطلوبة فتعترب غري ذات قيمة‪ ،‬وأما غري املطلوب إذا تناىف مع املطلوب فيوصف بالالقيِّم‪ ،‬وأما إذا مل َ‬
‫فيوصف فقط بأنه بال قيمة‪.‬‬

‫إال أ ّن "القيمة" تُستعمل أحياناً مبعىن أوسع مما تقدم فتُقسم أيضاً إىل املثبتة واملنفية والصفرية‪ .‬وطبقاً هلذه‬
‫االصطالحات فإ ّن القيّم له قيمة مثبتة‪ ،‬والالقيّم له قيمة منفية‪ ،‬وأما ما كان بال قيمة فإ ّن له قيمة صفرية‪ ،‬وكذلك‬
‫فإ ّن باإلمكان استخدام هذه التعابري يف مورد مراتب القيمة الذاتية والغريية أيضاً‪.‬‬

‫ومثاالً على ذلك من الناحية االقتصادية‪ ،‬فإ ّن عدم املالية أو تلك اجملموعة من النشاطات االقتصادية الّيت ال تغيري يف‬
‫ماليتها تكون بال قيمة أو ذات قيمة صفرية‪.‬‬

‫وكذلك فإ ّن املديونية أو تلك النشاطات الّيت تنقص املالية ستوصف بالالقيّمة أو أهنا ذات قيمة منفية‪.‬‬

‫كل املراتب فباإلمكان أخذ مرتبة صفرية من القيم‪ ،‬ومقايستها بقيمة األمور‬
‫وأما املوارد الّيت هلا مطلوبية يف ّ‬
‫املختلفة‪ ،‬وهذا التمثيل شبيه ٍ‬
‫حينئذ بأخذ درجة الصفر يف االعتبار الجنماد املاء ومقايسة حرارة األجسام املختلفة‬
‫بالنسبة إليها‪.‬‬

‫‪ .1 - 3‬القيمة البديلة‬

‫(‪ )3‬يف األوضاع الراهنة من غري املفيد االستثمار يف املاشية‪ ،‬وأما تربية األمساك فرحبها أكثر‪.‬‬

‫لقد افرُت ض يف هذه اجلملة أنّه باستثما ٍر ما ميكن تنفيذ أحد مشروعني اقتصاديني‪ ،‬وعلى الرغم من كوهنما مرحبني‬
‫وهلما قيمة غريية مثبتة إاّل أنّه سيحل أحدمها مكان اآلخر من حيث القيمة ألن رحبه أكثر‪ ،‬وبناءً على هذا ميكن‬
‫خاصة يطلق عليها تسمية‬
‫القول إنّه يف انتخاب إحدى القيمتني الغرييتني فإ ّن ما له قيمة غريية أكرب تكون له قيمة ّ‬

‫‪62‬‬
‫القيمة البديلة‪ ،‬وبنح ٍو كلّ ّي ميكن القول إ ّن‪:‬‬

‫"أ ـ‪ "1‬هلا القيمة البديلة مكان "أ ـ‪ ،"2‬فقط وفقط إذا مل ميكن اجلمع بني "أ ـ‪ "1‬و "أ ـ‪ ،"2‬وكانت القيمة الغريية لـ "أ‬
‫ـ‪ "1‬أكثر من القيمة الغريية ل "أ ـ‪."2‬‬

‫ألي منهما قيمة بديلة‪ ،‬ومثاالً‬


‫وأما إذا كانت القيمة الغريية ل "أ ـ‪ "1‬متساوية مع القيمة الغريية ل "أ ـ‪ "2‬فلن يكون ّ‬
‫على ذلك فيما إذا تساوى ربح املاشية مع ربح األمساك فال قيمة بديلة ألي واحدة منهما[‪.]4‬‬

‫منوذج أنواع القيم‬

‫مترين‪ :‬عنّي القيم البديلة يف هذا النموذج‬

‫ذكرنا فيما تق ّدم أ ّن القيمة الذاتية والغريية والبديلة هي أنواع ثالثة من القيمة‪ ،‬ويستفاد منها يف خمتلف املوضوعات‪،‬‬
‫لنر موارد االستفادة منها يف األخالق‪.‬‬ ‫واآلن َ‬

‫‪63‬‬
‫‪ - 2‬القيمة األخالقيّة‪ ]5[ 4‬وأنواعها‬

‫ال شك أ ّن األفعال املرتبطة باختيارنا بعضها مطلوب وبعضها اآلخر غري مطلوب‪ ،‬إاّل أنّه من املمكن اختالف‬
‫أي‬
‫األفراد واجملتمعات املتع ّددة يف اعتبار ما هو مطلوب أو غري مطلوب من األفعال‪ ،‬وعلى األقل يف بعض املوارد‪ّ ،‬‬
‫أي ٍ‬
‫عمل مطلوباً يف رأي الفرد أو بعض األفراد وغري مطلوب عند آخرين‪.‬‬ ‫أنّه من املمكن أ ْن يكون ّ‬

‫وحول بيان منشأ مطلوبية األمور املختلفة ميكن اإلشارة إىل نظريتني‪:‬‬

‫أي خصيصة واقعيّة يف خمتلف األمور حبيث توجب مطلوبيتها أو عدم مطلوبيتها‪ ،‬بل إ ّن ذلك‬
‫‪ - 1‬ليس لدينا ّ‬
‫يتوقف فقط على وجود ملزم خارجي أو رغبات األفراد أو توافق اجلماعات على فعلها أو تركها‪.‬‬

‫‪ - 2‬مطلوبية األفعال أو عدمها يتوقف على وجود اخلصائص الواقعيّة العينية فيها‪ .‬ويف احلقيقة فإ ّن اختالف القائلني‬
‫بالواقعيّة والالواقعيّة يعود إىل هاتني النظريتني‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن الواقعيّني جييبون بشكل مثبت على السؤال القائل‬
‫"هل ميكن إجياد خصيصة أو خصائص يف نفس األفعال املختلفة توجب مطلوبيتها أو عدم مطلوبيتها؟"‪.‬‬

‫وأما الالواقعيون فإهّن م جييبون عنه بالنفي‪.‬‬

‫نعم من املمكن أ ّن يقبل أنصار الواقعيّة بوجود امليول واالجتاهات املثبتة واملنفية عند الناس‪ ،‬وبتوافق اجلماعات‬
‫املختلفة حول بعضها أيضاً‪ ،‬باالستفادة كذلك يف جمال تعليم األحكام األخالقيّة وتربية اآلخرين من أسلوب األوامر‬
‫والقرارات‪ .‬غاية األمر أ ّن اختالفهم مع الالواقعيني يف كون هذه امليول الشخصيّة والتوافق اجلمعي واألوامر‬
‫سند واقعي أم ال‪ ،‬وبتعبري آخر هل توجد خصائص معينة يف األمور تبعث على حتريك امليول‪،‬‬ ‫والتوصيات ذات ٍ‬
‫ومتتني التوافقات األخالقيّة عليها‪ ،‬وإصدار األوامر األخالقيّة من أجلها؟ أم أ ّن مثل هذه اخلصائص غري موجود يف‬
‫ذات األمور‬

‫‪.Moral Value -4‬‬

‫‪64‬‬
‫أي جمرد‬
‫مفر من حتديد منشأ املطلوبية وقيم األفعال املختلفة بتلك األمور الالواقعيّة فقط ّ‬
‫واألفعال‪ ،‬وبالتايل ال ّ‬
‫األحاسيس والسالئق الفردية والتوافقات اجلمعية والقرارات والتوصيات‪.‬‬

‫وبااللتفات إىل هذه النكات‪ ،‬ميكن االستعانة هبا يف إجياد النظرية الصحيحة‪.‬‬

‫األم بولدها ال يوجد يف مورد‬‫كل إنسان يتعلق ومييل ذاتاً إىل ما يرتبط به‪ .‬ومثاالً على ذلك فإ ّن اهتمام ّ‬
‫‪ - 1‬إ ّن ّ‬
‫األم باهتمامها بولدها ترضي عواطفها األمية‪ .‬نعم قد يتجاوز بعض الناس عن مصاحلهمـ‬ ‫أوالد اآلخرين‪ ،‬حيث إن ّ‬
‫ٍ‬
‫وألهداف ال ترتبط بذواهتم‪ ،‬إاّل أهنم ينادون هبا يف سبيل العديد من‬ ‫اخلاصة فداءً للمجموعةـ أو الوطن أو الدين‬
‫ّ‬
‫كل إنسان ذاتاً يعترب‬
‫األمور كالشهرة والعزة والتقرب من اهلل وأمثال هذه املسائل املفيدة يف نظرهم‪ .‬وعليه فإ ّن ّ‬
‫وجوده ومصاحله ومنافعه أموراً مطلوبة ويسعى لتأمينها‪.5‬‬

‫أي أ ّن االرتباط بينها‬


‫‪ - 2‬إ ّن األعمال الّيت نقوم هبا باختيارنا وكبقية الظواهر األخرى هلا نتائج واقعيّة وخاصة هبا‪ْ ،‬‬
‫واقعي‪ .‬فبالدرسـ ميكن اكتساب العلم‪ ،‬وبأكل الطعام نرفع اجلوع‪ ،‬ومبداواة املريض تستعاد عافيته‬‫وبني نتائجها ّ‬
‫وسالمته و‪....‬‬

‫‪ - 3‬لو قايسنا أثر سلوكنا مع أنفسنا‪ ،‬ألمكننا تقسيم السلوكيات إىل ثالث طوائف‪ :‬مفيدة وضارة وبال أثر‪.‬‬

‫كل إنسان هو نفسه ومنافعه فإ ّن الطوائف الثالثة للسلوكـ الّيت تقدم ذكرها ميكن‬
‫‪ - 4‬حيث إ ّن املطلوب عند ّ‬
‫ترتيبها وتسميتها وفق الشكل التايل‪:‬‬

‫مطلوبة‪ ،‬ال مطلوبة‪ ،‬ومتوسطة‪ ،‬أو قيّمة‪ ،‬ال قيّمة‪ ،‬وبال قيمة‪ ،‬أو ذات قيمة مثبتة‪ ،‬منفية وصفرية‪.‬‬

‫نسمي املنفعة‬
‫وإذا أردنا الكالم باالستفادة من مصطلحات الفالسفة ال ب ّد أ ْن ّ‬
‫‪ -5‬سوف يأيت البيان الفلسفي هلذه النكتة يف الفصل التاسع من هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الوجودية لإلنسان بـ"الكمال"‪.‬‬

‫فالفالسفة الّذين يقابلون الوجود والبقاء بالعدم والفناء‪ ،‬وامللكية بعدم اململكية فإهّن م يقابلون أيضاً الكمال بالنقص‬
‫وبناءً عليه فإ ّن األكمل ما كان له مرتبة وجودية أعلى واستفادة وجودية أكرب‪ .‬وطبقاً هلذا االصطالح أيضاً فإ ّن‬
‫كمال اإلنسان مطلوب له‪ ،‬وبالتايل فإ ّن األفعال املوجبة لكماله مطلوبة بالتبع أيضاً‪ .‬وحيث إ ّن كمال اإلنسان له‬
‫مراتب يف نفسه ميكن القول من حيث جمموع األمور االختيارية إ ّن كمال اإلنسان له قيمة ذاتية وإ ّن املراتب‬
‫املختلفة للكمال اإلنساين هلا مراتب خمتلفة من القيم الذاتية األخالقيّة أيضاً‪ ،‬وبناءً على هذا فإ ّن الكمال االختياري‬
‫له قيمة ذاتية أخالقيّة ‪ ،‬وكذلك فإ ّن السلوكيات االختيارية‪ ،‬وبنسبة تأثريها يف الوصول للكمال االختياري‪ ،‬هلا قيمة‬
‫غريية أخالقيّة‪6‬‬

‫األول فإ ّن الصفات النفسانية أيضاً هي املنشأ الداخلي واملباشر للسلوكيات االختيارية‬


‫وكما ذكرنا يف الفصل ّ‬
‫عندنا‪ ،‬وهي تتأثر أيضاً بالسلوكيات األخرى املختلفة‪ .‬إ ّن قيمة هذه الصفات وحبسب تأثريها يف الكمال االختياري‬
‫غريية[‪ ]6‬أيضاً‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ إذا كان‬ ‫لو أراد إنسا ٌن ما تقوية بدنه فاملطلوب منه تأمني مادة غذائية مقوية وذات قيمة غذائية كبرية‪.‬‬
‫املقرب بشكل كبري من هذا الكمال وأ ْن‬ ‫اهلدف عند اإلنسان هو الكمال االختياري فاملطلوب منه تأمني السلوك ّ‬
‫يكون هذا السلوك ذا قيمة غريية أخالقيّة كبرية‪ .‬وإذا مل يكن بإمكانه القيام بعملني خمتلفني معاً‪ ،‬فإ ّن العمل احلاوي‬
‫للقيمة الغريية األكرب سيكون مبثابة القيمة البديلة أخالقيّاً‪.‬‬

‫ومع مالحظة النكات املذكورة ميكن القول إ ّن املوجب ملطلوبية أو عدم مطلوبية بعض الصفات والسلوكيات كوهنا‬
‫موصلة لنا إىل الكمال أو مبعدة عنه‪ .‬وبناءً عليه ميكن إجياد اخلصيصة الواقعيّة يف نفس الصفات والسلوكيات‬
‫االختيارية ‪ -‬والقيمة يف األخالق ‪ -‬واملوجبة ملطلوبية أو عدم مطلوبية هذه الصفات والسلوكيات‪ ،‬وهذه‬

‫‪ -6‬ملزيد من التوضيح واالطالع حول القيم الذاتية األخالقيّة‪ ،‬وتعيني مالكاهتا راجع الفصل التاسع من هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫االختياري"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اخلصيصة هي "الرابطة الواقعيّة هلا بالكمال‬

‫وبنحو مختصر يمكن القول‪:‬‬

‫للكمال االختياري قيمة ذاتية أخالقيّة‪.‬‬

‫للصفات والسلوكيات االختيارية‪ ،‬ومبقدار تأثريها يف الوصول إىل الكمال‪ .‬قيمة غريية أخالقيّة‪.‬‬

‫آخرين‪ ،‬ومع عدم إمكانية اجلمع‬


‫الصفة أو السلوك الّذي ميتلك قيمة غريية أكرب من القيمة الغريية لصفة أو سلوك َ‬
‫بينهما‪ ،‬تكون له قيمة بديلة أخالقيّة‪.‬‬

‫يطلق على مراتب من الوجود بالشكل الّذي ميكن فيه لإلنسان باختياره حتصيلها‬
‫إ ّن الكمال االختياري لإلنسان َ‬
‫والدخول إليها‪ ،‬وهذه املراتب واقعيّة وال ربط هلا بالقرارات والتوصيات أو السالئق أو التوافقات‪.‬‬

‫وكذلك فإ ّن رابطة صفاتنا وسلوكياتنا هبذه املراتب ‪ -‬كما هو احلال يف روابط سائر الظواهر بعضها مع بعض ‪-‬‬
‫واقعيّة أيضاً‪ .‬ومن مثّ فإ ّن القيمة البديلة من توابع القيمة الغريية‪.‬‬
‫وبناءً على ذلك فإ ّن‪:‬‬

‫كل أنواع القيم األخالقيّة هلا واقعيّة عينية‪.‬‬

‫كل األفراد‪.‬‬
‫ومن الواضح أ ّن كون القيم األخالقيّة واقعيّة ال يستلزم إمكانية تشخيصها بشكل صحيح من قبل ّ‬

‫االختياري ال ب ّد لنا أ ْن نعلم ماهية هذا الكمال والطرق املوصلة إليه‪.‬‬


‫ّ‬ ‫نعم من أجل الوصول إىل الكمال‬

‫وسوف نتكلم يف الفصلَني التاسع والعاشر من هذا الكتاب عن ماهية القيم الواقعيّة يف األخالق وكيفية إمكان‬
‫تشخيصها‪.‬‬

‫‪ - 3‬نطاق القيم األخالقيّة‬

‫إذا أردنا معرفة جمموعة األشياء القابلة للتقييم يف األخالق لرأينا أ ّن هذه‬

‫‪67‬‬
‫كل الصفات والسلوكيات االختيارية عند اإلنسان‪ ،‬واخلارج فقط عن دائرة هذا التقييم هو األفعال‬
‫اجملموعة تشمل ّ‬
‫غري االختيارية عنده‪.‬‬

‫وكنموذج‪ ،‬نأخذ من هذه اجملموعة السلوكيات االختيارية عند اإلنسان‪ ،‬حيث إ ّن هذه اجملموعة يف ح ّد ذاهتا أيضاً‬
‫كل األعمال الفردية والعائلية واالجتماعية وخمتلف النشاطات االقتصادية والثقافية والسياسية واحلقوقية‪.‬‬ ‫تشمل ّ‬
‫أي من جهة اهلدف املراد‬ ‫األخالقي ّ‬
‫ّ‬ ‫كل هذه األعمال والنشاطات إذا كانت مورداً للبحث باللحاظ‬ ‫وبناءً عليه فإ ّن ّ‬
‫األخالقي‪ .‬إ ّن اللوحة الفنية قد يكون هلا قيمة فنية وقيمة اقتصادية أيضاً إ ْن‬ ‫منها مجيعاً تدخل ٍ‬
‫حينئذ يف دائرة التقييم‬
‫ّ‬
‫تفاوتت جهة التقييم بينهما‪ ،‬وكذلك فإ ّن السلوك اإلنساين قابل للتقييم من جهات خمتلفة أيضاً‪ .‬وبناءً على ما تقدم‬
‫األخالقي للنشاطات واألعمال االقتصادية والثقافية والسياسية واحلقوقية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ال ب ّد أ ْن نأخذ باحلسبان عند التقييم‬
‫وسائر السلوكيات االختيارية عند اإلنسان جهة تأثريها يف وصول اإلنسان‪ ،‬إىل الكمال االختياري‪.‬‬

‫منفي أو‬
‫كل الصفات واألفعال االختيارية عند اإلنسان واليت هلا تأثري ‪ -‬مثبت أو ّ‬ ‫إ ّن علم األخالق يبحث يف ّ‬
‫صفري ‪ -‬يف كماله االختياري‪ ،‬ويقوم بتقييمها أخالقيّاً‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ - 4‬اللزوم وأنواعه‬

‫يف اجلمل الثالثة اآلتية أستفيد من اللزوم والالزم يف ثالثة استعماالت خمتلفة‪:‬‬

‫(‪[ )4‬رئيس اإلدارة]‪ :‬الالزم على مجيع العمال طلب اإلجازة كتبياً من الرئاسة‪.‬‬

‫(‪( )5‬طبقاً لالتفاق السابق) الالزم علينا إجراء جلسة على األقل شهرياً‪.‬‬

‫التضخم واحلد منه‪.‬‬


‫ّ‬ ‫(‪ )6‬أكد املختصونـ على لزوم جذب السيولة النقدية لوقف‬

‫مع مالحظة اجلمل املذكورة‪ ،‬عندما نقول "الالزم" من املمكن أن تكون هلذه اجلملة ٍ‬
‫معان متفاوتة‪:‬‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ يسمى هذا النوع من اللزوم بـ "األمري" واملراد منه‬ ‫أحياناً مرادنا أ ّن أمراً أو توصية قد صدرا للقيام بـ "أ"‬
‫اللزوم الناشىء عن أم ِر ٍ‬
‫أحد ما‪ ،‬وكذلك فإ ّن هذا‬

‫‪68‬‬
‫وبغض النظر عن هذا األمر فال واقعيّة له يف املوضوع املبحوث‬
‫ّ‬ ‫اللزوم معترب لصدور األمر به عن ذلك الشخص‪.‬‬
‫فيه‪.‬‬

‫ومن املمكن أيضاً أ ْن يكون املراد أ ّن "أ" اعترب الزماً بناءً على التوافق والتعاهد عليه ونريد اآلن بيان هذا التوافق‪.‬‬
‫وبغض النظر عن التوافق ال واقعيّة‬
‫ّ‬ ‫أي أ ّن منشأ لزوم "أ" هو التوافق‪ .‬وهذا اللزوم أيضاً‬ ‫بالتوافقي ّ‬
‫ّ‬ ‫ويسمى هذا اللزوم‬
‫ّ‬
‫له‪ ،‬ومن املمكن أ ْن يكون مرادنابأ ّن "أ" باملقايسة بشيء آخر‪ ،‬ومثالً للوصول إىل "ب" الزم‪.‬‬

‫يسمى اصطالحاً بـ "اللزومـ أو الضرورة بالقياس إىل الغري" أو اختصاراً‬ ‫ومثل هذا اللزوم لشيء باملقايسة بشيء آخر ّ‬
‫الواقعي بني هذين الشيئني‪ .‬ومن الواضح أ ّن مثل‬
‫ّ‬ ‫"اللزومـ أو الضرورة بالقياس" [‪ ]7‬وبه خنرب عن وجود االرتباط‬
‫أي تغيري‬
‫وبغض النظر عن أوامر الناس وتوافقاهتم ميتاز بالواقعيّة‪ ،‬وبالتايل فإ ّن األمر والتوافق ال يوجد ّ‬
‫ّ‬ ‫هذا اللزوم‬
‫فيه[‪.]8‬‬

‫والتوافقي ال واقعيّة عينية هلما وأما اللزوم‬


‫ّ‬ ‫األمري‬
‫ّ‬ ‫ومع االلتفات إىل ما ذُكر حول أنواع اللزوم يتضح أ ّن اللزوم‬
‫بالقياس والذي حيكي الرابطة الواقعيّة بني شيئني فله واقعيّة عينية‪.‬‬

‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫‪ - 5‬اللزوم[‪]9‬‬

‫األخالقي الالزم فعل أو ترك هذا األمر‪ ،‬أو الالزم امتالك أو عدم امتالك هذه الصفات‪...‬‬
‫ّ‬ ‫عندما نقول باللحاظ‬
‫فأي معىن نريد منه؟‬

‫ذكرنا يف حبث القيم األخالقيّة أ ّن الصفات والسلوكيات االختيارية لإلنسان قابلة للتقييم يف األخالق من زاوية‬
‫تأثريها يف وصوله إىل الكمال االختياري‪ ،‬وقلنا أيضاً إ ّن الكمال االختياري لإلنسان وتأثري هذه الصفات‬
‫والسلوكيات يف حتصيله واقعيان أيضاً‪ ،‬وإ ّن تلك الطائفة من األفعال االختيارية مطلوبة وقيّمة جلهة تأثريها يف‬
‫االختياري‪ ،‬وبالتايل فهي الزمة أيضاً للوصول إليه‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن لزوم بعض‬
‫ّ‬ ‫الوصول إىل الكمال‬

‫‪69‬‬
‫الصفات والسلوكيات االختيارية من أجل كسب الكمال اإلنساينّ يُعترب أيضاً من نوع "اللزومـ بالقياس"‪ .‬وحيث‬
‫إ ّن هذا اللزوم ميتاز بالواقعيّة العينية ميكن استنتاج ما يلي‪:‬‬

‫األخالقي له واقعيّة عينية‪.‬‬


‫ّ‬ ‫اللزوم‬

‫وقد تبني معنا إىل اآلن أ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة هلا واقعيّة عينية وال ارتباط هلا باألوامر والتوصيات أو‬
‫حل مسألة الواقعيّة‪.‬‬
‫األحاسيس والسالئق‪ ،‬أو التوافق والتعاهد‪ .‬ويُعترب هذا االستنتاج اخلطوة األوىل يف طريق ِّ‬
‫وسوف نرى يف الفصل الالحق كيفية حكاية اجلمل األخالقيّة للقيم واللزوميات األخالقيّة‪ ،‬وبالتايل سوف نثبت‬
‫حكاية هذه اجلمل للواقع أيضاً‪.‬‬

‫أكمل ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ تستعمل القيمة فيما يتعلّق‬

‫‪ 2‬ـ القيمة الذاتيّة ملوضوع تعين القيمة اليت‬

‫‪ 3‬ـ القيمة الغرييّة ملوضوع تعين القيمة اليت‬

‫‪ 4‬ـ لو اعتربنا أ ّن للقيمة مبدأ‪ ،‬فقيمة املبدأ هي‪ ،..........................................‬والقيمة األعلى منها‬
‫هي‪ ،..........................................‬والقيمة األدىن منها‬
‫خمتصة بالقيمة اإلجيابيّة‪ ،‬فيطلق على‬
‫هي‪ ،..........................................‬وإذا اعتربنا أ ّن القيمة ّ‬
‫املبدأ‪ ،..........................................‬وعلى األعلى من‬
‫املبدأ‪ ،..........................................‬وعلى األدنة من‬
‫املبدأ‪،..........................................‬‬

‫‪ 5‬ـ لو كان ألمرين قيمة غرييّة متفاوتة حبيث ال مُي كن اجلمع بينهما‪ ،‬فالذي ميتلك قيمة غرييّة أكرب‪ ،‬ميتلك‬
‫قيمة‪،..........................................‬‬

‫املتنوعة هو‬
‫‪ 6‬ـ االختالف بني الواقعيّني وغري الواقعيّني يف مطلوبيّة األعمال ّ‬
‫يف‪،..........................................‬‬

‫‪ 7‬ـ ‪ ،..........................................‬ميتلك قيمة ذاتيّة أخالقيّة‪.‬‬


‫‪ 8‬ـ اخلصائص اليت توجب مطلوبيّة صفاتنا وسلوكيّاتنا عبارة عن‪،..........................................‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ 9‬ـ يُطلق الكمال االختياري لإلنسان على‪ ،..........................................‬وعليه تكون القيمة الذاتيّة‬
‫األخالقية واقعيّة‪.‬‬

‫‪ 10‬ـ العالقة بني السلوكيّات االختياريّة ونتائجها عبارة عن‪ ,،..........................................‬وعليه‬


‫فالقيمة‪ ،..........................................‬األخالقية واقعيّة‪.‬‬

‫‪ 11‬ـ القيم األخالقيّة البديلة واقعيّة بدليل‪،..........................................‬‬

‫‪ 12‬ـ إ ّن مجيع أنواع القيم األخالقيّة هي‪،..........................................‬‬

‫‪ 13‬ـ ‪ ،..........................................‬تقع يف دائرة القيم األخالقيّة‪.‬‬

‫‪ 14‬ـ ينشأ اللزوم تارة من األمر وتارة أخرى من العقد وقد يُطلق على الضرورة بالقياس‪ ،‬وعلى هذا األساس يُطلق‬
‫على لزوم‪........................................،،..........................................‬‬
‫و‪،..........................................‬‬

‫‪ 15‬ـ لزوم‪ ،..........................................‬و‪ ،،..........................................‬أمور‬


‫واقعي‪.‬‬
‫ولكن لزوم‪ّ ،..........................................‬‬‫غري واقعيّة‪ّ ,‬‬

‫‪ 16‬ـ إ ّن اللزوم األخالقي الذي يوضح الصفات والسلوكيّات الضروريّة للحصولـ على الكمال االختياري لإلنسان‪،‬‬
‫والواقعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هي من النوع‪،..........................................‬‬

‫صفحة ‪71‬‬

‫األسئلة‬

‫األخالقي وبني الواقعيّة؟‬


‫ّ‬ ‫‪ - 1‬ما هو الرابط بني حبث القيمة واللزوم‬

‫كل واحدة منها‪.‬‬ ‫ِ‬


‫عرف القيمة الذاتية والغريية والبديلة‪ .‬وأعط مثاالً على ّ‬
‫‪ّ -2‬‬

‫‪ - 3‬يف هذه العبارات‪ ،‬ومع مالحظة موضوع البحث‪ ،‬عنّي معىن القيمة ونوعها‪.‬‬

‫أي دليل قوي فقم‬


‫أ ـ رئيس احملكمة‪ :‬يا حضرة احملامي‪ ،‬إ ّن الشواهد الّيت قدمتها ال قيمة قضائية هلا‪ .‬إذا كان لديك ّ‬
‫بتقدميه‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫صرف فيه‪.‬‬
‫ب ـ إ ّن ربح هذا العمل ال يقيّم مع ما ُ‬

‫ج ـ إ ّن شراء األدوية من هذه الشركة ذو قيمة باللحاظ االقتصادي إاّل أنّه ولألسف فإ ّن أدوية هذه الشركة‬
‫أقل‪.‬‬
‫باملقايسة مبشاهبها من شركات األدوية األخرى ذات قيمة عالجية ّ‬

‫د ـ على الرغم من كون الشِّعر الّذي قرأته ال قيمة له يعتد هبا باللحاظ األديب إاّل أ ّن املهم أنك أنت الّذي نظمته‪،‬‬
‫ويف رأيي فإ ّن هذا الشعر قيّم جداً لتنمية مواهبك األدبية‪.‬‬

‫‪ - 4‬ما هي األمور الّيت توصف بالقيمة الذاتية والغريية والبديلة يف األخالق؟ وهل أ ّن هذه القيم هلا واقعيّة عينية؟‬

‫‪ - 5‬ما هو نطاق القيم األخالقيّة؟‬

‫األخالقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ - 6‬اذكر أنواع اللزوم‪ ،‬وما هو اللزوم‬

‫كل مورد دليل إجابتك‪.‬‬


‫‪ - 7‬عنّي معىن اللزوم يف اجلمل التالية‪ ،‬وأوضح يف ّ‬

‫أ ـ الالزم حضور نصف األعضاء العتبار هذا االجتماع اجتماعاً رمسياً‪.‬‬

‫ب ـ يف رأيي أ ّن تنظيم العقد واالتفاق الزم دفعاً لسوء االستفادة احملتملة‪.‬‬

‫محل إجازة السوق أثناء القيادة‪.‬‬


‫ج ـ (شرطي املرور خياطب السائق قائالً)‪ :‬الالزم عليك ُ‬

‫كل يوم؟‬ ‫ِ‬


‫د ـ (اجلندي خماطباً القائد)‪ :‬أَم َن الالزم علينا أ ْن نصبغ أحذيتنا ّ‬

‫هـ ـ يعتقد بعض أولياء األمور بضرورة وجود برنامج معنّي لتنمية أجسام أوالدهم إاّل أهنم ال يرون من الالزم وجود‬
‫برنامج لرتبيتهم‪.‬‬

‫جمرد حل مشاكله‪ ،‬فما هو امللزم لتعريفه بأنك أنت الّذي أعنته؟‬


‫و ـ إذا كان هدف إعانتك هلذا الفقيه َّ‬

‫األخالقي واقعياً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ - 8‬اذكر علة كون اللزوم‬

‫‪72‬‬
‫للبحث‬

‫‪ -1‬مع التدقيق يف حبوث هذا الفصل‪ ،‬أوضح لنا ما هو األمر الّذي قمنا بإمتامه من هذين األمرين "أ" و "ب"‪.‬‬

‫(لالستفادة راجع املذكرة األوىل من هذا الفصل وقم مبباحثتها مع اآلخرين)‪.‬‬

‫الواقعي للصفات والسلوكيات االختيارية لإلنسان يف‬


‫ّ‬ ‫أ ـ مع االلتفات إىل استعماالت القيمة واللزوم‪ ،‬أثبتنا التأثري‬
‫حتصيل كماله االختياري‪.‬‬

‫الواقعي للصفات والسلوكيات االختيارية لإلنسان يف‬‫ّ‬ ‫ب ـ مع االلتفات إىل استعماالت القيمة واللزوم والتأثري‬
‫الوصول إىل كماله االختياري نكون‪ :‬أوالً‪ :‬قد أوضحنا سبب تسميتهم هلذه الرابطة الواقعيّة بالقيمة واللزوم‪.‬‬

‫وثانياً‪ :‬منعاً لوقوع املغالطة بالتمسك مبعىن القيم واللزوم إلثبات الالواقعيّة‪.‬‬

‫نتعرف إىل القيم الواقعيّة‪ ،‬ما هي الطرق املؤدية إىل ذلك وما هي املوانع الّيت تعرتض طريقنا؟‬
‫‪ - 2‬من أجل أ ّن ّ‬

‫وهل ميكن الوصول إىل الكمال عند معرفة القيم الواقعيّة؟‬

‫إقرأ‬

‫على الرغم من كون كشف الواقعيّات ال يرتبط بتحليل املفاهيم‪ ،‬إاّل أنّه ولإلشارة إىل حقيقة القيمة واللزوم قمنا‬
‫بتحليل مفهومها‪ ،‬وكذلك سوف نقوم يف الفصل الالحق‪ ،‬ولإلشارة إىل حقيقة املفاهيم األخالقيّة‪ ،‬بتحليل هذه‬
‫بغض‬
‫املفاهيم‪ .‬ويف اعتقادنا أنّه ميكن الكالم عن القيمة واللزوم واحلسن والقبيح‪ ،‬وما ينبغي وما ال ينبغي األخالقيّة ّ‬
‫النظر عن موارد استعمال هذه املصطلحات‪ ،‬وبعبارة أخرى حىت ولو تفاوت معىن القيمة واللزوم يف املوارد األخرى‬
‫‪ -‬يف غري‬

‫‪73‬‬
‫األخالق ‪ -‬وكانا يدالن فيها أيضاً على أمور الواقعيّة إاّل أ ّن الكمال االختياري وتأثري الصفات والسلوكيات‬
‫مفهومي‬
‫َ‬ ‫واقعي‪ ،‬ومن املمكن البحث فيهما من دون حتليل‬ ‫اإلنسانية فيها ‪ -‬والذي هو مورد حبث األخالق ‪ّ -‬‬
‫مبجرد ذكر القيمة‬
‫لن يتّضح وجه تسمية القيمة واللزوم األخالقيّني ّ‬ ‫القيمة واللزوم‪ ،‬إاّل أنّه من دون هذا التحليل ْ‬
‫واللزوم‪ .‬وأما املوارد الّيت تُستعمل فيها املصطلحات والكلمات اللغوية املتشاهبة فإ ّن حتليل املفاهيم فيها سوف‬
‫خاصة عندما نتكلم يف الفصل‬ ‫يوضح وجه تسمية األلفاظ ووجه حكاية اجلمل الواردة فيها‪ ،‬وهذا األمر ال ب ّد منه ّ‬
‫خاصة إلثبات الالواقعيّة‪ ،‬كان من‬ ‫الالحق حول احلكاية الواقعيّة للجمل األخالقيّة‪ ،‬ومن طرف آخر‪ ،‬يف موارد ّ‬
‫الضرورة مبكان اإلشارة إىل وجه استعماهلا يف األخالق ملنع حصول هذه االستفادات‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإنّه من‬
‫املمكن أ ْن يستدل بعضهمـ هبذا الشكل فيقول إ ّن القيمة ملا استُعملتـ يف بعض املوارد املطابقة مليولنا وسالئقنا وملا‬
‫كانت امليول والسالئق الواقعيّة عينية هلا لذا فإ ّن القيم األخالقيّة أيضاً الواقعيّة عينية هلا‪ ،‬أو أ ّن يقال إ ّن اللزوم يف‬
‫بعض املوارد قد ينشأ عن األمر والتوافق ومها ال واقعيان لذا فإ ّن اللزوميات األخالقيّة الواقعيّة أيضاً‪.‬‬

‫موردي املطلوب‬
‫وبناء عليه فإ ّن معرفة استعماالت القيمة واللزوم تبني لنا أ ّن هذين املفهومني يستعمالن أيضاً يف َ‬
‫الواقعي واللزوم بالقياس أيضاً واحلال أ ّن القيمة واللزوم األخالقيّان من مجلة هذين املوردين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ذي املنشأ‬

‫وبغض النظر عن مطابقتها مليول األفراد وسالئقهم أو‬


‫ّ‬ ‫وكذلك فإ ّن الصفات والسلوكيات االختيارية لإلنسان‬
‫لألوامر والتوافقات هلا رابطة واقعيّة بالكمال االختياري ‪ -‬والذي هو مطلوب بذاته ‪ -‬ونبحثها يف علم األخالق‬
‫أيضاً‪.‬‬

‫وحيث إ ّن تعيني املعىن الدقيق للمصطلحات وخصوصاً تفكيك املعاين احلقيقيّة عن اجملازية منها ليس باألمر السهل‬
‫وألنه ال ضرورة له فيما هندف إليه ها هنا‪ ،‬لذا سنكتفي يف هذا الفصل والالحق له ببيان موارد استعمال هذه‬
‫املصطلحات‪ ،‬وهبذا الطريق نكون قد بّينّا وجه استعماهلا يف مصاديقها الواقعيّة يف األخالق‪.‬‬

‫فرع‬
‫يتم يف الفلسفةـ العمليّة ضمن ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل كلّ ّي ‪ -‬وليس فقط يف األخالق ‪ّ -‬‬ ‫البحث حول ماهية القيمة وحتليلها‬
‫يسمى ‪( Axiol ogy‬مبحث القيم)‪.‬‬ ‫مستقل ّ‬
‫"‬
‫يُستعمل مفهوم القيمة أيضاً يف مورد القيمة العددية (‪ ،)Numerical Value‬مثالً‪ ،‬يف املعادلة اجلربية فإ ّن‬
‫تتم به‬
‫القيمة العددية ملتغري ما عبارة عن العدد الّذي إذا نُسب إىل ذلك املتغري ّ‬

‫‪74‬‬
‫املعادلة ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬وبالتايل فإ ّن املتغري الّذي يقبل أعداداً أكرب يكون ذا قيمة عددية أكرب أيضاً‪.‬‬

‫أعم الستعمال‬ ‫ٍ‬


‫إال أ ّن القبول باستعمال القيمة يف أمثال هذه املوارد بسبب املطلوبية مشكل‪ ،‬ولرمبا ميكن إجياد وجه ّ‬
‫مفهوم القيمة حبيث يشمل القيمة العددية ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬

‫وبناءً على هذا الوجه فإ ّن مفهومـ القيمة يُطلق فقط على املوضوعات احلاوية جلهيت الكمال والنقص‪ ،‬وبالتايل فإ ّن‬
‫كمال املوضوع يُعرَّب عنه بالقيمة الالذاتية للموضوع‪ ،‬وأما املؤثر يف كمال املوضوع فإ ّن له قيمة غريية ‪ -‬مبقدار‬
‫تأثريه ‪ -‬مثبتة أو منفية أو صفرية‪ ،‬وكذلك فإ ّن القيم البديلة وطبقاً للتعريف فإهّن ا تعنَّي على أساس القيم الغريية‪،‬‬
‫وطبقاً هلذا االحتمال فإ ّن القيمة تُستعمل يف مورد "الكمال"‪.‬‬

‫وبناءً على هذا الرتتيب فإ ّن القيم املنطقية واملعرفية والدوائية والغذائية وغريها ال ضرورة فيهاأيضاً الفرتاض‬
‫مطلوبيتها لإلنسان‪ .‬نعم قد يبحث اإلنسان يف العادة عن علوم تكون نتائجها مطلوبة له وخاصة يف العلوم اإلنسانية‬
‫حيث يكون املوضوع فيها أموراً مطلوبة لإلنسان‪( .‬إن البحوث العلمية أيضاً من مجلة األفعال االختيارية لإلنسان‬
‫واليت ال يقوم هبا اإلنسان إاّل يف صورة كوهنا مطلوبة له) وعليه فمن املمكن اعتبار حن ٍو من املطلوبية اإلنسانية‬
‫ملختلف املوضوعات الّيت تكون مورداً للبحث و ‪ -‬حىت مع تعدد الوسائط ‪ -‬اعتبار ٍ‬
‫نوع من املطلوبية الذاتية‬
‫لكمال املوضوع املبحوث عنه‪ ،‬وكذلك ملقدماته أيضاً بالتبعية‪.‬‬

‫كل حال وطبقاً هلذا االحتمال فإ ّن القيمة دائماً تُستخدم يف نطاق كمال املوضوع املبحوث عنه‪ ،‬وأيضاً فإ ّن‬ ‫وعلى ّ‬
‫القيم الذاتية األخالقيّة إمنا مُسّيت ذاتية لكونـ الكمال يف األمور االختيارية مرتبطاً باإلنسان‪ ،‬وكذلك فإ ّن مقدار‬
‫القيم الغريية للصفات والسلوكيات االختيارية ال ب ّد من كونه متناسباً مع مقدار تأثريها يف الوصول إىل الكمال‪.‬‬

‫واجلدير ذكره أ ّن املقصود من حتليل مفهومـ "القيمة" ليس تعيني املعىن الدقيق هلا وليس تفكيك معانيها احلقيقيّة عن‬
‫اجملازية منها‪ ،‬ألنّه من املمكن إطالق هذا اللفظ على بعض املوارد من باب اجملاز أو من باب التوسعة يف معىن‬
‫اللفظ‪ ،‬وبالتايل فإ ّن تفكيك هذه املوارد بعضها عن بعض ‪ -‬حىت ولو راجعنا مجيع استعماالت هذا اللفظ ‪-‬‬
‫مشكل‪ .‬وما يهمنا يف هذا البحث وبناءً على احتمال املطلوبية والكمال هو مصاديق القيمة األخالقيّة للكمال‬
‫االختياري لإلنسان واألعمال والصفات املؤثّرة يف ذلك‪ ،‬وكون هذه القيم واقعيّة‪ .‬وأما بناءً على كون الوجه يف‬
‫استخدام القيمة هو املطلوبية‪ ،‬فال ب ّد أ ْن نوضح أ ّن منشأ مطلوبية جمموع األمور االختيارية لإلنسان هو أمر واقعي‪،‬‬
‫أي مطلوبية الكمال االختياري ‪ -‬وكما أوضحناه يف هذا الفصل باختصار وسنبينه بشكل كامل يف الفصل التاسع‬ ‫ّ‬
‫من هذا‬

‫‪75‬‬
‫كل موارد القيمة يف األساس تُستعمل يف نطاق الكمال‪ ،‬ومن الواضح‬‫الكتاب‪ ،‬إاّل أنّه بناءً على الوجه الثاين فإ ّن ّ‬
‫أ ّن الكمال االختياري لإلنسان والذي هو هدف األخالق يُعترب أمراً واقعياً ‪ -‬مع أ ّن جعل هدف األخالق هو‬
‫الكمال االختياري لإلنسان حيتاج إىل مزيد من التوضيح‪.‬‬

‫ميكن اجلمع بني املراتب املختلفة إلحدى القيم الذاتية‪ ،‬حيث إ ّن املرتبة العليا واجدة للمرتبة األوىل منها‪ ،‬وبناءً عليه‬
‫ال ميكن استخدام القيم البديلة يف مورد املراتب املختلفة للقيمةـ الذاتية‪.‬‬

‫وكذلك إذا كانت القيمة الذاتية متع ّددة يف موضوع واحد فإنّه ال ميكن مقايستها بعضها ببعض‪( .‬راجع املذكرة‬
‫السابعة من الفصل التاسع من هذا الكتاب)‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن القيم البديلة ال ميكن افرتاضها سواء يف مقايسة املراتب‬
‫املختلفة إلحدى القيم الذاتية أو يف مقايسة القيم الذاتية املتع ّددة يف موضوع واحد‪ ،‬وبالتايل فإهّن ا تُستخدم فقط يف‬
‫مورد مقايسة القيم الغريية‪.‬‬

‫املراد من القيمة األخالقيّة يف هذا الكتاب تلك القيمة الناظرة إىل األخالق والشاملة للقيمةـ الذاتية األخالقيّة أيضاً‪.‬‬
‫وأما البيانات الّيت تُنسب فيها القيمة الذاتية األخالقيّة إىل منشأ األخالق فليست بيانات أخالقيّة وال ميكن اعتبارها‬
‫أيضاً من علم األخالق أل ّن موضوعها ال يرتبط بالصفات واألفعال االختيارية لإلنسان‪.‬‬

‫املفاهيم املستخدمة يف بيان الصفات اإلنسانية على طائفتني‪ :‬األوىل منها‪ ،‬نظري احلكمة والعدالة والظلم‪ ،‬تبنّي مراتب‬
‫كمال اإلنسان أو نقصه‪ ،‬وإذا كانت اختيارية فتُعتَرَب أيضاً من مراتب القيمة الذاتية األخالقيّة‪.‬‬

‫والثانية منها نظري كون اإلنسان رياضياً أو عامالً أو رئيساً تبني خصائص قد تؤثّر أحياناً يف كمال اإلنسان أو‬
‫نقصه‪ ،‬ومن مثّ فإ ّن قيمتها األخالقيّة ترتبط مبقدار تأثريها يف الكمال أو النقص عند اإلنسان‪ .‬وعليه فإ ّن القيمة‬
‫كل الصفات االختيارية‪ ،‬ومن زاوية تأثريها يف السلوك‬ ‫األخالقيّة هلذه الطائفة من الصفات غريية‪ .‬كذلك فإ ّن ّ‬
‫االختياري‪ ،‬مؤثرة أيضاً يف كمال اإلنسان أو نقصه‪ ،‬وال يُستثىن من هذه القاعدة أيضاً صفات الطائفة األوىل أل ّن‬
‫هذه الصفات تقتضي سلوكيات تتناسب معها وتساهم يف تنمية الكمال أو النقص عند اإلنسان‪ .‬ومن هذه اجلهة‬
‫كل الصفات االختيارية املؤثّرة يف‬ ‫ٍ‬
‫تعترب هذه الصفات االختيارية ذات قيمة غريية‪ ،‬ولذا ميكن القول بنحو كلّ ّي إ ّن ّ‬
‫االختياري لإلنسان هلا قيمة غريية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الكمال‬

‫اللزوم أو الضرورة بالقياس‪ ،‬مبعىن لزوم أو ضرورة شيء باملقايسة مع افرتاض شيء آخر‪ ،‬ميكن فرضه يف مورد العلة‬
‫باملقايسة مبعلوهلا‪ ،‬ويف مورد املعلول باملقايسة بعلته التامة ويف مورد أحد‬

‫‪76‬‬
‫أي‬
‫معلويل العلة التامة باملقايسة مع املعلول اآلخر هلا والضرورةـ بالقياس يف هذا املورد أعم من الضرورة بالغري ‪ّ -‬‬
‫املختصة بتلك الضرورة الّيت يأخذها املعلول من علته ‪ -‬ومضافاً إىل هذا فإنّه يف مورد الضرورة بالغري ال بد من‬
‫وجود املعلول ‪ -‬والذي استفاد ضرورته من وجود علته ‪ -‬ووجود العلة‪ ،‬وأما الضرورة بالقياس فيمكن حصوهلا‬
‫ووجودها حىت مع عدم وجود املعلول والعلة‪( .‬ملزيد من التفصيل راجع الكتب الفلسفية)‪.‬‬

‫وأما يف األخالق فإ ّن الضرورة بالقياس تُستخدم فقط يف مورد ضرورة العلة (فعل أو ترك بعض األفعال االختيارية‪،‬‬
‫ووجود أو عدم وجود بعض الصفات االختيارية) للمعلولـ (هدف األخالق)‪.‬‬

‫األخالقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال ب ّد من اإلشارة إىل ثالث نكات يف مورد األنواع الثالثة للزومـ واللزوم‬

‫الواقعي صدور أم ٍر به أو وجود عقد متّ ٍ‬


‫فق عليه فإ ّن ذلك ال خُي رجه عن الواقعيّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫األوىل‪ :‬لو افرتضنا يف مورد اللزوم‬
‫بغض النظر عن وجود األمر والتوافق‪.‬‬ ‫ناظر إىل الرابطة الواقعيّة بني الفعل ونتيجته املثبتة والقائمة ّ‬
‫الواقعي ٌ‬
‫َّّ‬ ‫أل ّن اللزوم‬

‫االجتماعي فإ ّن منع السرقة قانونياً ووضع القوانني احلقوقية الّيت تعاقب‬


‫ّ‬ ‫ومثاالً على ذلك‪ :‬لو هددت السرقة األمن‬
‫السارق ال توجب صريورة لزوم االمتناع عن السرقة لتأمني األمن االجتماعي أمراً غري واقعي‪.‬‬

‫التوافقي يف آن واحد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األمري أو اللزوم‬
‫ّ‬ ‫الواقعي وأيضاً اللزوم‬
‫ّ‬ ‫هذا ومن املمكن يف موضوع واحد وجود اللزوم‬
‫الواقعي مبنياً على األمر أو التوافق‪ ،‬ومثاالً على‬
‫ّ‬ ‫ومع هذا تتفاوت جهة اللزوم فيها‪ ،‬بل من املمكن كون اللزوم‬
‫كل‬ ‫اتفاق ما َّ ٍ‬‫ذلك‪ :‬لنفرتض بناء على ٍ‬
‫مقر ـر بني األعضاء أ ّن من يتأخر عن حضور اجللسة يدفع ‪ 50‬توماناً عن ّ‬ ‫ً‬
‫كل من تأخر عن هذه اجللسة أ ّن يدفع ‪ 50‬توماناً عن‬ ‫ّ‬ ‫على‬ ‫"الالزم‬ ‫اجلملة‬ ‫هذه‬ ‫يف‬ ‫قولنا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫عليه‬ ‫دقيقة تأخري‪ ،‬وبناءً‬
‫كل دقيقة" بيان للّزوم االتفاقي‪ ،‬وأما قولنا يف هذه اجلملة "لئال تؤخذ أموالك بعنوان العقوبة‪ ،‬الالزم عليك أ ْن حتضر‬ ‫ّ‬
‫الواقعي رغم أ ّن هذا اللزوم نشأ بناءً على االتفاق املسبق "واقعاً" (ال ب ّد من التدقيق يف‬ ‫ّ‬ ‫يف بداية اجللسة"‪ ،‬بيان للّزوم‬
‫الواقعي خلسارة املال عند التأخري وال يبنَّي لزوم التبعية والطاعة‬
‫ّ‬ ‫الكالم‪ .‬يف هذا املثال حيث إنّه يُبنَّي فقط اللزوم‬
‫ناظر إىل أ ّن هذا التوافق املسبق قد ُوضع واقعاً على أساس نتائج مثبتة واقعيّة‬ ‫للتوافق املذكور‪ ،‬أل ّن لزوم التبعية ٌ‬
‫وكما هو احلال يف املثال اآليت) ومن طرف آخر من املمكن أيضاً كون اللزوم األمري أو االتفاقي مبتنياً على‬
‫الواقعيّة‪ ،‬وجملرد التمثيل نقول إنّه عندما توضع بعض املقررات أو تصدر بعض األوامر‪ ،‬من أجل حفظ النظام‪ ،‬فإ ّن‬
‫نفس هذه اللزومات أمرية وتوافقية‪ ،‬مع أ ّن نفس هذا األمر أو التوافق قد ُقِّرر بناءً‬

‫‪77‬‬
‫على الرابطة الضروية بني إطاعة األوامر ورعاية املقررات من جهة‪ ،‬وحفظ النظام من جهة أخرى‪ ،‬وهذه الرابطة‬
‫واقعيّة‪.‬‬

‫مثال من أ ْن نعنّي بالدقة ابتداءً مورد اللزوم ومن مثّ تشخيص نوعه‪ ،‬ولذا يف مثال وضع‬ ‫وبناء على هذا ال ب ّد يف أي ٍ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫العقوبة على التأخري يف حضور اجللسة‪ ،‬إذا كان املراد "لزوم دفع العقوبة املقررة يف مقابل مقدار التأخري املعنّي " فإ ّن‬
‫واقعي‪.‬‬
‫توافقي‪ ،‬وإذا كان املراد "لزوم احلضور يف بداية اجللسة للمنع من خسارة املال"‪ ،‬فإ ّن هذا اللزوم ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا اللزوم‬

‫وتوافقي‪ ،‬وإذا‬
‫ّ‬ ‫أمري‬
‫ويف املثال الثاين أيضاً‪ ،‬إذا كان املراد "لزوم إطاعة األمر أو القانون املتفق عليه" فإ ّن هذا اللزوم ّ‬
‫واقعي‪.‬‬
‫كان املقصود منه "لزوم إطاعة األمر والقانون من أجل حفظ النظام" فإ ّن هذا اللزوم ّ‬

‫الواقعي أ ْن تكون صادقة بالضرورة‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن هذه اجلملة "من‬
‫ّ‬ ‫الثانية‪ :‬ال يشرتط يف اجلمل املبينة للّزومـ‬
‫الواقعي مع أهنا كاذبة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أجل غليان املاء ال ب ّد من أ ّن تصل درجة حرارته إىل ‪ 200‬درجة مئوية" بيان للّزوم‬

‫الثالثة‪ :‬مع مالحظة ما تقدم يف النكتتني السابقتني والتوضيح املذكور يف املنت حول منشأ امليل إىل السلوكيات‬
‫اخلاصة‪ ،‬ميكن القول يف جمال اجلمل اللزومية األخالقيّة إ ّن تلك الطائفة من اجلمل األخالقيّة املبينة للزوم‬
‫والصفات ّ‬
‫اخلاصة املوصلة إىل الكمال االختياري‪.‬‬
‫إمنا مُسّيت أخالقيّة بسبب بياهنا لزوم الصفات أو السلوكيات ّ‬

‫وبغض النظر عن كوهنا صادقة أو كاذبة ‪ -‬إمنا تُعترب مجالً أخالقيّة‬


‫ّ‬ ‫كل اجلمل األخالقيّة اللزومية ‪-‬‬
‫وبناءً عليه فإ ّن ّ‬
‫الواقعي حىت ولو كانت صادرة بأمر اآلمر أو بناء على اتفاق سابق‪ ،‬أل ّن جهة األمرية أو التوافقية‬
‫ّ‬ ‫لكوهنا مبينة للّزوم‬
‫ال ربط هلا يف األساس بأخالقيّتها‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن لزوم بعض الصفات والسلوكيات االختيارية يف األخالق إمنا‬
‫تبحث فيه من جهة لزومها باملقايسة بالوصول إىل الكمال االختياري لإلنسان‪ ،‬ومثل هذا اللزوم يعترب من النوع‬
‫الواقعي‪ .‬ولو فرضنا وجود اللزوم األمري أو التوافقي يف مورد بعض السلوكيات االختيارية أيضاً فإ ّن ذلك ال خيرج‬ ‫ّ‬
‫األخالقي عن الواقعيّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لزومها‬

‫قد يُستفاد أحياناً من كلمة "اإللزام" بدل كلمة "اللزوم" ‪ ،‬وحيث إنّه يُفهم من كلمة اإللزام اللزوم األمري أو‬
‫رجحنا يف هذا البحث استخدام مصطلح "اللزوم"‪.‬‬ ‫التوافقي ّ‬

‫وبعبارة أخرى فإ ّن املعىن األصلي للّزومـ هو املصاحب والالزم الّذي ال يَنفصل عن غريه‪.‬‬

‫وهذه املصاحبة يف مورد اللزوم بالقياس إمنا هي بسبب الرابطة التكوينيّة بني العلة واملعلول واليت‬

‫‪78‬‬
‫هي رابطة واقعيّة‪ ،‬وأما اللزوم األمري والتوافقي فهو نوعٌ من الطلب والتوافق من أجل إقامة مثل هذه املصاحبة‬
‫يسمى عندهم أيضاً باإللزام مبعىن املصاحبة أو جعله مصاحباً‪ ،‬وعلى الرغم من أ ّن مصطلح‬ ‫واملالزمة والذي ّ‬
‫تكويين إمنا هو‬
‫ّ‬ ‫التكويين للّزوم ‪ -‬وأن هذا النوع من اإللزام‪ ،‬والذي يع ّد جعالً‬
‫ّ‬ ‫"اإللزام" قابل لالستعمال يف اجلعل‬
‫لزوم بالقياس إاّل أ ّن ذلك ال يتناىف مع كون هذا اللزوم واقعياً‪.‬‬
‫ٌ‬

‫‪79‬‬
80
‫الفصل الرابع‪ :‬المفاهيم األخالقية‬

‫تعرفنا يف الفصل الثاين إىل نظرييت الواقعيّة والالواقعيّة يف األخالق ولوازمهما‪.‬ـ وقد عُلم ضمناً أ ّن حتصيل النظرية‬
‫ّ‬
‫حل مسألة حكاية اجلمل األخالقيّة للواقع أو عدم‬ ‫الصحيحة يدور مدار حتليل القيم واللزوميات األخالقيّة‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫حكايتها له‪ .‬وقد أثبتنا يف الفصل الثالث واقعيّة القيم واللزوميات األخالقيّة‪ ،‬وأما يف هذا الفصل فسوف نشري إىل‬
‫أ ّن حل مسألة حكاية اجلمل األخالقيّة للواقع يرتبط بتحقيق املفاهيم األخالقيّة ودراستها‪ ،‬ولذا فإنّه بعد حتقيق‬
‫املفاهيم األخالقيّة سوف نُثبت حكاية اجلمل األخالقيّة للواقع وتبعاً هلا صحة نظرية الواقعيّة‪.‬‬

‫‪ - 1‬اجلمل واملفاهيم األخالقيّة‬

‫املسألة األساسية والفعلية لنا هي يف كون اجلمل األخالقيّة حاكية للواقع أم غري حاكية له‪ ،‬وابتداءً‪ ،‬من األفضل لنا‬
‫تشخيص هذه اجلمل بدقّة ومن مثّ التحقيق يف حكايتها أو عدم حكايتها الواقع‪.‬‬

‫لنأخذ باالعتبار هذه الجمل‪:‬‬

‫‪ - 1‬الطقس جي ٌد‪.‬‬

‫اهلضمي يعمل بشكل جيد‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 2‬جهازك‬

‫‪81‬‬
‫‪ - 3‬حفظ أسرار اآلخرين يقلّل من اخلصومات االجتماعية‪.‬‬

‫احلسن هو الشيء الّذي له قيمة‪.‬‬


‫‪َ -4‬‬

‫‪ - 5‬الوفاء بالعهد عمل حسن‪.‬‬

‫األول أ ّن علم األخالق يتكلم عن قيمة ولزوم الصفات والسلوكيات االختيارية عند اإلنسان‪.‬‬
‫ذكرنا يف الفصل ّ‬

‫أخالقي منها (ناظرةٌ إىل األخالق) وبني ما هو‬


‫ّ‬ ‫وعلى هذا األساس ميكن التمييز يف هذه اجلمل اخلمسة بني ما هو‬
‫أخالقي كذلك (غري ناظ ٍر إىل األخالق)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫غري‬
‫إ ّن اجلملة األوىل ال تتكلم عن قيمة ولزوم ٍ‬
‫صفة ما أو سلوك ما‪.‬‬

‫واجلملة الثانية موردها فعل ال يرتبط حصوله باختيارنا‪ ،‬وهلذا ال ارتباط هلا باألخالق‪.‬‬

‫واجلملة الثالثة موردها السلوك االختياري عند اإلنسان إاّل أهنا ال تتكلم عن قيمته أو لزومه‪.‬‬

‫أي صفة أو سلوك اختياري‪،‬‬‫وأما اجلملة الرابعة فقد ق ّدمت توضيحاً حول مفهومـ "احلسن" نفسه ومل يُقيّم معه ّ‬
‫وبالتايل فإ ّن هذه اجلملة ترتبط بفلسفة األخالق ال باألخالق نفسها‪ .‬وأخرياً فإ ّن اجلملة اخلامسة تقيم سلوكاً‬
‫اختيارياً عند اإلنسان‪ ،‬ومن بني اجلمل اخلمسة املذكورة فإهّن ا اجلملة الوحيد الناظرة إىل األخالق‪.‬‬

‫اجلمل من (‪ )6‬إىل (‪ )12‬أخالقيّة أيضاً‪:‬‬

‫‪ - 6‬احلرص على مال الدنيا قبيح‪.‬‬

‫‪ - 7‬جيب أ ّن تكون أميناً‪.‬‬

‫يقصروا يف إعانة العاجزين‪.‬‬


‫‪ - 8‬ال ينبغي للقادرينـ أ ْن ّ‬

‫عيب ٍ‬
‫أحد ما مينع الناس من االخنداع به‪ ،‬إاّل أ ّن العمل الصحيح هو أ ْن نذ ّكره بعيبه‪.‬‬ ‫‪ - 9‬مع أ ّن ذكر ِ‬

‫‪ - 10‬الرشوة عمل غري صحيح‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫كل الناس‪.‬‬
‫‪ - 11‬النهي عن املنكر وظيفة ّ‬

‫‪ - 12‬أيها املؤمنونـ ال يغتب بعضكم بعضاً‪.‬‬

‫إذاً اجلمل األخالقيّة شبيهة بإحدى هذه اجلمل‪ ،‬وباستثناء اجلملة األخرية (‪ )12‬فإ ّن اجلمل من(‪ )5‬إىل (‪ )11‬مجيعها‬
‫خربية‪ ،‬وقد استُفيد فيها من هذه املفاهيم‪" :‬احلسن" "القبيح" "الصحيح" و"غري الصحيح" و "جيب أو ينبغي" و"ال‬
‫فنسمي ذلك اجلزء من اجلملة الّذي خنرب‬‫جيب"‪" ،‬ال ينبغي" و"الوظيفة"ـ (‪ .)1‬وهنا سنستفيد من اصطالح املناطقة ّ‬
‫عنه بـ "املوضوع"‪ ،‬وذلك اجلزء الّذي خيرب عن املوضوع بـ "احملمول"‪ .‬وعليه ففي اجلمل اخلربية األخالقيّة نعترب الصفة‬
‫األخالقي بأحد هذه املفاهيم السبعة (أو املفاهيم‬
‫ّ‬ ‫أو السلوك االختياري مبثابة املوضوع‪ ،‬ونبني فيها القيمة أو اللزوم‬
‫املشاهبة هلا)‪.‬‬

‫وكما سيأيت توضيحه سوف نستفيد من املفاهيم األربعة األوىل لبيان القيمة(‪ ،)2‬ومن املفاهيم الثالثة األخرية لبيان‬
‫اللزوم‪.‬‬

‫إ ّن مفاهيم "احلسن"‪" ،‬القبح" "الصحيح" و"غري الصحيح" مفاهيم قيمية‪ ،‬ومفاهيم "جيب"‪" ،‬ال جيب" و"الوظيفة"‬
‫مفاهيم لزومية‪.‬‬

‫يستفاد من املفاهيم القيميّة واللزومية يف اجلمل اخلربية األخالقيّة لبيان القيم واللزوميات األخالقيّة‪.‬‬

‫وحيث إ ّن املفاهيم القيميّة واللزومية تُستخدم لبيان القيم واللزوميات األخالقيّة سوف نسميها "املفاهيم األخالقيّة"‪.‬‬

‫ومع هذا التوضيح ميكن القول إ ّن مفهومـ "احلسن" يف اجلمل (‪)1‬و (‪ )2‬و(‪ )4‬ليس مفهوماًـ أخالقيّاً‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫سؤال‪ :‬مع أ ّن موضوع اجلملة اآلتية يُعترب من مجلة األعمال االختيارية عند اإلنسان‪ ،‬إاّل أ ّن مفهومـ "الصحيح" يف‬
‫هذه اجلملة ليس أخالقيّاً‪ ،‬وبالتايل ال ميكن اعتبارها مجلة أخالقيّة‪ ،‬ملاذا؟‬

‫يصح استخدام الفاعل بعد الفعل إاّل عند الضرورة كما يف الشعر مثالً"‪.‬‬
‫"يف اللغة الفارسية ال ّ‬

‫وبناءً على ما تق ّدم من تعريف علم األخالق وتعريف املفاهيم القيميّة واللزومية واألخالقيّة‪ ،‬ميكن القول إ ّن اجلمل‬
‫اخلربية إمنا تكون أخالقيّة إذا حتقق فيها هذان األمران‪:‬‬

‫‪ - 1‬تعلقها بالصفات والسلوكيات االختيارية عند اإلنسان(‪.)3‬‬

‫‪ - 2‬االستفادة فيها من املفاهيم األخالقيّة‪.‬‬

‫اجلملة الثانية عشرة تشري إىل إمكان بيان اجلمل األخالقيّة بصورة األمر أو النهي أيضاً‪ ،‬ويف مثل هذه اجلمل فإ ّن‬
‫األخالقي‪ .‬وبناءً عليه ميكن تشخيص اجلمل األخالقيّة من خالل التعريف التايل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫األمر والنهي يبينان اللزوم‬

‫اجلمل الّيت موضوعها الصفات والسلوكيات االختيارية عند اإلنسان‪ ،‬وحمموهلا أحد املفاهيم األخالقيّة‪ ،‬تسمى‬
‫تسمى باجلمل‬
‫األخالقي فإهّن ا ّ‬
‫ّ‬ ‫"اجلمل اخلربية األخالقيّة" وأما اجلمل الّيت استفيد فيها من األمر أو النهي لبيان اللزوم‬
‫األخالقيّة األمرية أو النهيية‪.‬‬

‫‪ - 2‬احلكاية الواقعيّة للجمل اخلربية األخالقيّة‬

‫لنر أوالً كيفية كون اجلمل اخلربية األخالقيّة حاكية للواقع أو غري حاكية له‪ .‬رمبا جند طريق احلل من خالل مالحظة‬
‫َ‬
‫اجلمل احلاكية للواقع أو غري احلاكية له يف غري مورد األخالق‪.‬‬
‫وكنموذج نأخذ باالعتبار هذه اجلمل‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ - 13‬األطعمة اهلنديّة لذيذة‪.‬‬

‫‪ - 14‬األطعمة اهلنديّة كثرية البهارات‪.‬‬

‫‪" - 15‬منطقياً" ال ميكن استنتاج لذة الطعام من خالل كونه كثري البهارات‪.‬‬

‫بناءً على التعريف املتقدم فإ ّن (‪ )13‬غري حاكية للواقع‪ ،‬وأما (‪ )14‬و(‪ )15‬فإهّن ا حاكية عنه‪ ،‬ويبدو أ ّن حكاية هذه‬
‫اجلمل أو عدم حكايتها عن الواقع يرتبط مبوضوعها وحمموهلا‪.‬‬

‫فمع أ ّن اجلملتني (‪ )13‬و(‪ )14‬تتكلمان عن األطعمة اهلنديّة‪ ،‬واألطعمة اهلنديّة هلا واقعيّة عينية‪ ،‬إاّل أنّنا اعتربنا(‪)13‬‬
‫غري حاكية للواقع واعتربنا (‪ )14‬حاكية للواقع‪ ،‬فلماذا؟‬

‫أي مفهومي "اللذيذ"‬


‫إن تفاوت هاتني اجلملتني يف حكاية الواقع يرجع إىل املفاهيم األخرى املستعملةـ فيهما‪ّ ،‬‬
‫مرضي عند الذائقة الشخصيّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األول على ما هو‬
‫و"الكثري البهارات"‪ ،‬حيث يُطلق ّ‬

‫ويُطلق الثاين على األطعمة احلاوية أكثر من غريها على البهارات‪ ،‬ولذا فاألول يرتبط بسليقة الشخص وبغض النظر‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ميكن القول إ ّن املفهوم الثاين حيكي‬ ‫عنها ال ميكن أ ّن يشري إىل الواقعيّة‪ ،‬بينما يشري الثاين إىل وصف واقعي‬
‫الواقع‪.‬‬

‫بغض النظر عن األمر والتوصية واإلحساس‬


‫املفهومـ احلاكي للواقع هو ذلك املفهوم الّذي يشري إىل الواقعيّة العينية ّ‬
‫والسليقة‪ ،‬والتوافق‪ ،‬والتعاهد‪.‬‬

‫واآلن نقايس (‪ )13‬بـ (‪ .)15‬ومع أننا استعملنا يف كال اجلملتني مفهوماً ال حيكي الواقع "اللذيذ"‪ ،‬إاّل أ ّن (‪)13‬‬
‫غري حاكية للواقع وأما (‪ )15‬فحاكية للواقع أل ّن األخرية أعطت خرباً واقعياً عن "اللذيذ"‪ ،‬وعليه ميكن القبول إ ّن‪:‬‬

‫اجلمل اخلربية الّيت حيكي حمموهلا الواقع تكون حاكية له أيضاً وأما تلك الّيت ال حيكي حمموهلا الواقع فتكون غري‬
‫حاكية له أيضاً‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫التمسك هبذه القاعدة يتّضح طريق حل حكاية أو عدم حكاية اجلمل اخلربية للواقع‪" :‬إذا كانت‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ فإنّه مع ّ‬
‫املفاهيم األخالقيّة حاكية للواقع فاجلمل اخلربية كذلك أيضاً‪ ،‬وأما إذا كانت هذه املفاهيم غري حاكية للواقع فاجلمل‬
‫اخلربية أيضاً غري حاكية للواقع"‪.‬‬

‫وبناءً على هذا إذا أردنا معرفة كون اجلمل اخلربية األخالقيّة حاكية للواقع أم ال فال ب ّد أوالً من حتليل املفاهيم‬
‫األخالقيّة‪ ،‬ومع التحقيق يف معانيها سيتضح كون هذه املفاهيم حاكية للواقع أم ال‪.‬‬

‫‪ .2 - 1‬حتليل املفاهيم األخالقيّة‬

‫اجلدير ذكره أنّه ميكن البحث من جهات متع ّددة حول املوضوعات واحملموالت أو املفاهيم األخالقيّة (احلسن‬
‫والقبيح‪ ،‬الصواب‪ ،‬اخلطأ‪ ،‬ما ينبغي‪ ،‬ما ال ينبغي‪ ،‬والوظيفة)(‪.)4‬‬

‫ولئال خنرج يف حبثنا عن احلددود املنطقية‪ ،‬سوف نقوم ببحث املفاهيم األخالقيّة فقط‪ ،‬وفقط من زاوية إعانتها لنا يف‬
‫حل مسألة حكاية اجلمل األخالقيّة للواقع‪.‬‬

‫‪ .2 - 1 - 1‬احلسن والقبيح‬

‫اعتربنا يف هذا الفصل احلسن والقبح من املفاهيم القيميّة وذلك بسبب االستفادة من هذين املفهومني يف اإلشارة إىل‬
‫القيم‪.‬‬

‫تشير هذه الموارد الثالثة إلى ثالثة أمثلة استُعمل فيها مصطلح "الحسن" بالترتيب فيما له قيمة ذاتية وغيرية‬
‫وبديلة‪:‬‬

‫حسن‪.‬‬
‫‪ -16‬إ ّن تفكريك الصحيح باللحاظ املنطقي ٌ‬

‫‪ - 17‬إ ّن هذا القلم غري حسن يف التخطيط‪.‬‬

‫مبتلى بعقدة التحقري‪ ،‬األحسن لك بدل التفكري بالنقص أ ّن تفكر بقدراتك‪.‬‬


‫‪ - 18‬لقد أصبحت ً‬

‫مترين‪ :‬مع مالحظة ما تعلمناه يف الفصل السابق حول استعماالت القيمة‬

‫‪86‬‬
‫األخالقيّة‪ِ ،‬‬
‫أعط ثالثة أمثلة استُعمل فيها مصطلح "احلسن" يف اإلشارة إىل القيم الذاتية والغريية والبديلة يف األخالق‪.‬‬

‫مرضي عندنا‪ .‬ومثاالً على ذلك‬ ‫ّ‬ ‫ومن مجلة املوارد الّيت نستعمل فيها مصطلح "احلسن" هو عندما نريد بيان ما هو‬
‫املرضي أيضاً نوع من‬
‫ّ‬ ‫أي أ ّن الطقس لطيف ومطابق لطبعنا وميلنا‪ .‬إ ّن‬ ‫فإ ّن اجلملة (‪( )1‬الطقس حسن) هبذا املعىن ّ‬
‫املطلوبية‪ ،‬إاّل أ ّن هذه املطلوبية إذا كانت مرتبطة فقط بإحساس الفرد وسليقته وال تستند إىل الواقعيّة فإ ّن مثل هذه‬
‫اجلمل لن تكون حاكية للواقع‪ ،‬ومع االلتفات إىل ما بُنِّي َ يف الفصل السابق حول واقعيّة القيمة األخالقيّة من أ ّن‬
‫مطلوبية الصفات والسلوكيات االختيارية تنبع من املطلوبية الواقعيّة لكمال اإلنسان وال ترتبط باألوامر والتوصيات‬
‫أو األحاسيس والسالئق أو التوافقات واملعاهدات‪ ،‬لذا ال ب ّد أ ّن نلتفت بناءً على ما ذكرناه إىل أ ّن "احلسن" مبعىن‬
‫املرضي ال ميكن اعتباره مفهوماًـ أخالقيّاً على الرغم من أ ّن القيم األخالقيّة ‪ -‬ومن جهة ارتباطها بالكمال اإلنساين‪،‬‬
‫ّ‬
‫وعند األشخاص الّذين يدركون هذا االرتباط ‪ -‬مرضية أيضاً‪.‬‬

‫بأي معىن استُعمل فيهما مصطلح "احلسن"‪.‬‬


‫سؤال‪ :‬أوضح معىن اجلملتني (‪ )2‬و(‪ .)5‬واذكر ّ‬

‫ومع هذه التوضيحات الّيت قدمناها حول مفهومـ "احلسن" ستتضح أيضاً استعماالت مصطلح "القبيح"‪.‬‬

‫‪ .2 - 1 - 2‬الصواب واخلطأ‬

‫إ ّن هذين املفهومني أيضاً من مجلة املفاهيم القيميّة ويستعمالن عادة لإلشارة إىل القيمة الغريية أو البديلة(‪.)5‬‬

‫يف هاتني اجلملتني أُطلق مفهوم "الصواب" بالرتتيب على ما له قيمة غريية‪ ،‬وقيمة بديلة‪:‬‬

‫‪87‬‬
‫‪ -19‬مل تسلك الطريق الصائب‪ ،‬إ ّن هذا الطريق لن يوصلك إىل مقصودك‪.‬‬

‫‪ -20‬لديك مرض يف القلب‪ ،‬لذا مع وجود اختصاصي القلب من اخلطأ مراجعة الطبيب العادي‪.‬‬

‫ويستعمل هذان املصطلحانـ يف اإلخالق أيضاً لتقييم الصفات واألفعال االختيارية أخالقيّاً‪.‬‬

‫فالعمل الصائب هو العمل الّذي يتناسب مع هدف األخالق‪ ،‬وتبعاً هلا يكون مطلوباً حبيث إنّه ال ميكن القيام إاّل‬
‫بعمل واحد من بني األعمال املتع ّددة‪ .‬وكذلك فإ ّن العمل الّذي يتناسب بشكل أكرب مع األخالق سيكون مطلوباً‬
‫بشكل أكرب أيضاً‪.‬‬

‫‪ .2 - 1 - 3‬ما ينبغي وما ال ينبغي‬

‫الصباحي عند متام الساعة السادسة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪( -21‬قائد املعسكر خماطباً جنوده)‪ :‬ينبغي لكم احلضور يف التدريب‬

‫‪ -22‬طبقاً لالتفاق‪ ،‬ينبغي دفع ‪ %30‬من أجورنا مسبقاً‪.‬‬

‫‪( -23‬حارس الغابة خماطباً األطفال)‪ :‬ال ميكنكم إشعال النار هبذا اخلشب ينبغي أ ْن يكون اخلشب يابساً‪.‬‬

‫إ ّن هذه اجلمل الثالثة مناذج خمتلفة الستعمال ما "ينبغي"‪ .‬وبااللتفات إىل معاين هذه اجلمل فقد استُعمل "ما ينبغي"‬
‫األمري وميكن أ ّن نستعمل مكاهنا وبنفس املعىن هذه اجلملة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫يف اإلشارة إىل أنواع اللزوم‪ :‬فاجلملة (‪ )21‬مبينة للّزومـ‬

‫´‪ -21‬الالزم عليكم احلضور يف التدريب الصباحي يف متام الساعة ‪.6‬‬

‫العملي‪ ،‬ومعىن هذه اجلملة ما يلي‪:‬‬


‫ّ‬ ‫التوافقي‬
‫ّ‬ ‫واجلملة (‪ )22‬مبينة للزوم والوجوب‬

‫´‪ -22‬طبقاً لالتفاق‪ ،‬الالزم دفع ‪ %30‬من األجر مسبقاً‪.‬‬

‫وأما مجلة "ينبغي كون اخلشب يابساً" الواردة يف (‪ )23‬فليست أمرية وال توافقية حيث إ ّن احلارس ال يريد من‬
‫ّ‬
‫األطفال أ ْن ييبسوا اخلشب إلشعال النار‪ ،‬وكذلك ليس مراده طبقاً للتوافق لزوم كون اخلشب يابساً‪ ،‬بل مراده من‬
‫ذلك أنّه‪:‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ -23‬إلشعال النار‪ ،‬الالزم كون اخلشب يابساً‪.‬‬

‫أي "ينبغي" املنفية‬


‫وقد استعمل "ما ينبغي" يف هذه اجلملة مبعىن اللزوم بالقياس(‪ )6‬كذلك فإ ّن كلمة "ال ينبغي" ّ‬
‫تُستعمل مبعىن لزوم النفي وأيضاً رمبا يكون هذا اللزوم أمرياً أو توافقياً أو بالقياس‪.‬‬

‫بأي معىن "ال ينبغي" يف هذه اجلملة؟ احذف كلمة "ال ينبغي" منها واكتب اجلملة املطابقة هلا يف املعىن‬
‫سؤال‪ّ :‬‬
‫بعدئذ‪( .‬الطببيب خماطباً مريضه‪ :‬لألسف فإ ّن مرضك قد اشت ّد‪ ،‬لقد قلت لك إنّه ال ينبغي لك أكل األطعمة‬‫ٍ‬
‫املقلية)‪.‬‬

‫األخالقي نوع من اللزوم بالقياس‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن هذين املصطلحني‬


‫ّ‬ ‫لقد أشرنا يف الفصل السابق إىل أ ّن اللّزوم‬
‫"ينبغي" و "ال ينبغي" يستخدمان يف األخالق لبيان هذا النوع من اللزوم‪ ،‬وكذلك فقد أشرنا إىل أ ّن اللزوم بالقياس‬
‫األخالقي فإ ّن "ينبغي" و "ال ينبغي" حاكية للواقع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫له واقعيّة عينية‪ ،‬ولذا طبقاً للتعريفـ‬
‫وبناءً على هذا فإ ّن "ينبغي" يف اجلمل األخالقيّة بيان للزومـ التحلي ببعض الصفات‪ ،‬والقيام ببعض األفعال االختيارية‬
‫االختياري لإلنسان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أي الكمال‬ ‫للوصول إىل هدف األخالق ّ‬
‫وكذلك فإ ّن "ال ينبغي" يف األخالق بيان للزومـ التخلّي عن بعض الصفات وترك بعض األفعال للوصول إىل هذا‬
‫اهلدف أيضاً‪ .‬ألنّه عندما نقول يف األخالق إنّه "ينبغي القيام بالعملـ "أ"" فمعناه أ ّن القيام به الزم للوصول إىل‬
‫االختياري عند اإلنسان‪ ،‬وعندما نقول فيها أيضاً إنّه ال ينبغي القيام بالعملـ "ب" فمعناه أيضاً لزوم تركه‬
‫ّ‬ ‫الكمال‬
‫للوصول إىل هذا اهلدف‪ .‬لكن ملاذا ال تستخدم هذه العبارة "للوصول إىل الكمال االختياري لإلنسان" يف اجلمل‬
‫األخالقيّة بشكل عام؟ دقّق يف هذه اجلملة‪:‬‬

‫‪ -24‬ينبغي تعليم األطفال املسائل الصحية‪.‬‬

‫يف هذه اجلملة استُعملت "ينبغي" مبعىن اللزوم بالقياس‪ .‬ولكن ُحذف من اجلملة التعليل "ألجل‪ ،"...‬واملراد منها أ ّن‬
‫الزم أو أ ْن‬
‫تعليم املسائل الصحية لألطفاف ألجل سالمتهم ٌ‬

‫‪89‬‬
‫نقول بعبارة أخرى‪ :‬إذا أردنا بقاء األطفال ساملني ينبغي لنا تعليمهمـ املسائل الصحية‪ .‬لكن من الواضح أ ّن سالمة‬
‫األطفال هي ما نريده حنن ولذا فال ضرورة لذكره فيها‪.‬‬

‫وكذلك احلال يف األخالق حيث إ ّن املفروض وضوح اهلدف الكلي منها وهو مطلوب اجلميع‪ ،‬ولذا ال ضرورة‬
‫لذكره يف اجلمل األخالقيّة‪ ،‬لكن ال ب ّد من االلتفات إىل أ ّن حذف التعليل "ألجل" من اللزوم بالقياس جيب أال‬
‫التوافقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األمري أو‬
‫ّ‬ ‫يوقعنا باالشتباه بينه وبني اللزوم‬

‫‪ .2 - 1 - 4‬الوظيفة‬

‫املعىن األصلي للوظيفة هو إيكال ٍ‬


‫عمل ما إىل أحد األشخاص بناءً على أمر آخر‪ ،‬أو اتفاق مج ٍع ما عليه‪ ،‬لكن يف‬ ‫ّ‬
‫صورة قولنا بوجود حنو من الصالحية هلذا اآلمر أو اجلمع إلصدار وتعيني الوظائف‪.‬‬

‫وبناءً عليه ميكن القول إن "الوظيفة" يف األصل هي لإلشارة إىل اللزوم األمري أو التوافقي‪ ،‬إاّل أ ّن هذا املصطلح ‪-‬‬
‫عمل ما هلدف ما ‪ -‬وهذا اللزوم من‬ ‫وبنحو اجملاز أو من باب التوسعة يف معىن اللفظ ‪ -‬يُستخدم أيضاً لبيان لزوم ٍ‬
‫نوع اللزوم بالقياس وال وجود فيه ألي أمر أو توافق ‪ -‬وأحياناً ُيؤخذ باالعتبار يف هذه املوارد كون القوة املدركة‬
‫للزوم (العقل) مبنزلة اآلمر وتسمى تلك الوظيفة ٍ‬
‫حينئذ بالوظيفةـ العقلية‪.‬‬

‫تشخص أيضاً حبسب املوضوع املبحوث فيه‪ ،‬فيقال الوظيفة السياسية والوظيفة االجتماعية‪ ،‬والوظيفة‬ ‫وأحياناً ّ‬
‫أي تلك األمور الّيت يلزم القيام هبا سياسياً أو اجتماعياً أو دينياً‪.‬‬
‫الدينيّة ّ‬

‫وكذلك احلال يف األخالق حيث إ ّن اللزوم فيها لزوم بالقياس فإ ّن الوظيفة تُستعمل هبذا املعىن أيضاً‪ ،‬وبالتايل فإ ّن‬
‫تسمى بالوظيفة األخالقيّة‪ .‬ومثاالً على ذلك القول‪ :‬إن مساعدة‬ ‫كل األعمال الالزمة لتحصيل اهلدف من األخالق ّ‬ ‫ّ‬
‫عمل ما لتحصيل اهلدف من‬ ‫العاجزين وظيفة القادرين‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن الوظيفة يف األخالق تستعمل يف مورد لزوم ٍ‬
‫األخالق‪ ،‬وهذا اللزوم من نوع اللزوم بالقياس وال حاجة له ألمر اآلمرين أو اتفاق املتفقني‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ .2 - 2‬النتيجة‬

‫لقد أوضح حتليل املفاهيم األخالقيّة أ ّن هذه املفاهيم حاكية للواقع(‪ ،)7‬وأهنا تُستخدم لبيان القيم واللزوميات‬
‫الواقعيّة األخالقيّة‪ .‬وقد ذكرنا سابقاً أ ّن اجلملة اخلربية إذا كان حمموهلا حاكياً للواقع تكون حاكية للواقع‪ ،‬لذا ميكن‬
‫استنتاج ما يلي‪:‬‬

‫الجمل الخبرية األخالقيّة حاكية للواقع‬

‫‪ - 3‬واقعيّة اجلمل األخالقيّة األمرية أو النهيية‬

‫ال شك أ ّن مجليت "كن شجاعاً" و "ال حتسد" ليستا مجلتني خربيتني يف الظاهر‪ ،‬ألننا استفدنا فيهما من جعل األمر‬
‫النهي‪ ،‬وهنا نسأل‪ :‬هل اجلمل األخالقيّة األمرية أو النهيية حاكية للواقع أم أهنا غري حاكية للواقع؟ وقبل اإلجابة عن‬
‫لنر هل ميكن للجمل احلاوية لألمر والنهي أ ّن حتكي الواقع أم ال‪:‬‬ ‫هذا السؤال‪َ ،‬‬

‫لنلتفت إلى الجمل اآلتية‪:‬‬

‫‪ -25‬إذا أردت اسرتجاع عافيتك‪ ،‬ال تأكل األطعمة املقلية‪.‬‬

‫‪ -26‬إما أ ّن ال تصادق حارس الفيلة‪ ،‬أو اب ِن بيتاً من أجل الفيل‪.‬‬

‫‪ -27‬قم بإحياء الليل لتكن سعيداً‪.‬‬

‫وبغض النظر عن األمر واإلحساس والتوافق على اللزوم‬


‫ّ‬ ‫تدل‬
‫ورغم أ ّن هذه اجلمل مشتملةـ على األمر أو النهي فإهّن ا ّ‬
‫الواقعي (اللزوم بالقياس)‪ ،‬فاجلملة األوىل تدل على أ ّن عدم أكل األطعمة املقلية الزم ألجل اسرتجاع العافية‪.‬‬
‫ّ‬

‫واجلملة الثانية تقول إن الزم الصداقة مع حارس الفيلة أ ّن تبين بيتاً هلا‪.‬‬

‫الواقعي له من أجل السعادة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫واجلملة الثالثة أيضاً مضافاً إىل توصيتها بإحياء الليل تدل على اللزوم‬

‫نعم قد تُستخدم اجلمل احلاوية لألمر أو النهي يف بعض املوارد جملرد الداللة على األوامر وبيان مراد املتكلم كما يف‬
‫ص ِّوب يف اجللسة السابقة‪ ،‬عليك أ ّن‬
‫قولنا "اعطين املاء" أو لبيان جمرد التوافق والتعاهد كما يف قولنا‪" :‬بناءً على ما ُ‬
‫تقدم تقرير‬

‫‪91‬‬
‫العمل يف آخر الشهر"‪ .‬وبشكل عام فإ ّن األمر والنهي يدالن دائماً على اللزوم‪ ،‬غاية األمر أ ّن هذا اللزوم قد يكون‬
‫أمرياً أو توافقياً أو بالقياس أيضاً‪ .‬وطبقاً للتعريف فإ ّن تلك الطائفة من اجلمل احلاوية لألمر والنهي واملبينة للّزوم‬
‫بالقياس حاكية للواقع‪.‬‬

‫األخالقي‪ ،‬وإ ّن هذا اللزوم من نوع اللزوم‬


‫ّ‬ ‫وكما أشرنا فإ ّن اجلمل األخالقيّة األمرية والنهيية تُستخدم لبيان اللزوم‬
‫بالقياس‪ .‬ولذا نستنتج أ ّن اجلمل األخالقيّة األمرية أو النهيية حاكية للواقع‬

‫‪ - 4‬النتيجة‬

‫يف هذا الفصل وباإلضافة إىل تعريف اجلمل األخالقيّة قمنا بتقسيمها أيضاً إىل قسمني‪ :‬اجلمل األخالقيّة اخلربية‪،‬‬
‫واجلمل األخالقيّة األمرية والنهيية‪ ،‬ومن مثّ وبعد حتليل املفاهيم األخالقيّة أشرنا إىل أ ّن اجلمل اخلربية األخالقيّة‬
‫حاكية للواقع‪ ،‬مثّ أثبتنا كون اجلمل األمرية والنهيية األخالقيّة حاكية للواقع أيضاً‪ .‬وبناءً على ما تقدم ميكن القول‬
‫بشكل كلّي إ ّن‪:‬‬

‫الجمل األخالقيّة حاكية للواقع‪.‬‬

‫وال بد من االلتفات إىل هذه النكتة وهي أ ّن اجلمل األخالقيّة هلا استعماالت متع ّددة‪ ،‬فيها ميكن لنا إبراز ما نرتضيه‬
‫وما ال نرتضيه‪ ،‬وكذلك هبا ميكن حتريك مشاعر اآلخرين وتشويقهمـ لفعل بعض األمور أو تركها‪ ،‬أو حتذيرهم‬
‫كذلك من فعل بعض األمور أو من تركها‪ ،‬وكذلك ميكن هبا ‪ -‬وخاصة يف اجلمل احلاوية لألمر أو النهي ‪ -‬إصدار‬
‫األوامر والتوصيات األخالقيّة واالستفادة منها يف تربية اآلخرين‪ ،‬كذلك فإ ّن بيانات بعض العلوم األخرى كالطب‬
‫وعلم النفس هلا استعماالت متشاهبة‪ .‬وهذه االستعماالت ال ارتباط هلا مبعاين هذه اجلمل من جهة استخدامها يف‬
‫وبغض النظر عن األوامر‬
‫ّ‬ ‫علم األخالق أو الطب أو علم النفس‪ ،‬وال متنع من حكايتها للواقع أيضاً‪ ،‬أل ّن هذه اجلمل‬
‫والتوصيات أو األحاسيس والسالئق‪ ،‬أو التوافقات‪ ،‬خترب عن الواقعيّة العينية‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫وخالصة الكالم أنّه مع االلتفات أوالً إىل أ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة هلا واقعيّة عينية (نتيجة البحث يف الفصل‬
‫الثاين)‪ ،‬وثانياً إىل أ ّن اجلمل األخالقيّة حاكية للواقع (نتيجة البحث يف هذا الفصل) نستنتج أ ّن‪:‬‬

‫النظرية الواقعيّة صحيحة‪.‬‬

‫اخلاصة لتصحيح نظريتهم‪ ،‬وسوف نشري إىل‬ ‫ويف ختام هذا البحث‪ ،‬نُ ِّ‬
‫ذكر بأ ّن أنصار الالواقعيّة لديهم استدالالهتم ّ‬
‫املهم منها ونبحثه يف الفصل السادس من هذا الكتاب‪ ،‬إاّل أ ّن من الواضح أيضاً أ ّن قبول إحدى النظريتني ال يتوقف‬
‫ّ‬
‫كل أدلة النظرية املقابلة‪ ،‬وبناءً عليه‪ ،‬إلثبات الواقعيّة ال حاجة لنا للبحث التفصيليـ يف أدلة الالواقعيّة‪.‬‬
‫رد ّ‬
‫على ِّ‬

‫أكمل ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ يُطلق على املفاهيم التالية "حسن"‪" ،‬سيّئ"‪" ،‬صحيح" و"غري صحيح"‪ ..................‬ويُطلق على املفاهيم‬
‫التالية "جيب"‪" ،‬وال جيب" و"املسؤوليّة"‪..............‬‬

‫‪ 2‬ـ إذا كان باإلمكان استخدام املفاهيم القيميّة واللزوميّة لتوضيح القيمة أو اللزوم األخالقي‪ ،‬فيُطلق على هذه‬
‫املفاهيم عنوان‪..................‬‬

‫‪ 3‬ـ اجلمل األخالقيّة اليت يكون موضوعها‪....................................‬‬


‫وحمموهلا‪ ...............................................‬هي مجل خربيّة أخالقيّة‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ يف اجلمل األخالقيّة اليت تشتمل على األمر والنهي‪ ،‬فإ ّن األمر والنهي يستخدم‬
‫لتوضيح‪.....................................................................................‬‬

‫‪ 5‬ـ املفهومـ الواقعي هو مفهوم‪........................................‬‬

‫‪ 6‬ـ اجلمل اخلربيّة اليت يكون فيها‪ .............................................‬واقعي‪ ،‬هي مجل واقعيّة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ 7‬ـ بشكل عام يُستعان بـ "احلسن" و"السيّئ" لإلشارة إىل‪........................................‬‬

‫‪ 8‬ـ ‪ ...............................................‬اليت تعين السرور ليس مفهومـ أخالقيّاً‪.‬‬

‫‪ 9‬ـ تستعمل مفاهيم "الصحيح" و"اخلطأ" يف األخالق لتوضيح‪...............................................‬‬

‫‪ 10‬ـ تُستعمل مفاهيم "جيب" و"ال جيب" يف األخالق‬


‫لتوضيح‪...................................................‬‬

‫‪ 11‬ـ يستعمل مفهوم "املسؤوليّة" يف األخالق‬


‫لتوضيح‪ ..........................................................‬وهو من‬
‫نوع‪ ..........................................................................‬وهو ال حيتاج إىل فرض اآلمر‬
‫أو الواضع‪.‬‬

‫‪ 12‬ـ إ ّن تلك اجملموعة من اجلمل املشتملة على األمر والنهي واليت‬


‫هي‪ .......................................................‬هي مجل واقعيّة‪.‬‬

‫‪ 13‬ـ مبا أ ّن املفاهيم األخالقيّة واجلمل األخالقيّة اليت حتتوي على األمر والنهي هي أمور واقعيّة‪ ،‬واجلمل األخالقيّة‬
‫هي ‪ ............................................‬ونظريّة‪ ......................................‬صحيحة‪.‬‬

‫‪ 14‬ـ إ ّن االستعماالت املختلفة للجمل األخالقيّة‪ ...............................................‬متنع واقعيّتها‪.‬‬

‫األسئلة‬

‫‪ -1‬أجب في مورد الجمل اآلتية عن هذين السؤالين‪:‬‬

‫السؤال األول‪ :‬ف ّكك اجلمل األخالقيّة بناءً ‪ -‬على ما عرفناه يف هذا الفصل ‪ -‬عن اجلمل غري األخالقيّة‪ ،‬واذكر‬
‫كل مورد منها‪.‬‬
‫السبب يف ّ‬

‫السؤال الثاين‪ :‬على فرض االستفادة من املفاهيم القيميّة أو اللزومية يف هذه اجلمل بنِّي الوجه يف استعماهلا فيها‪.‬‬

‫أ ـ الصرب أحد املوضوعات األخالقيّة‪.‬‬

‫ب ـ تقطيع الكالم صفة قبيحة‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫ج ـ إ ّن هذا الغراء غري جيد للخشب‪.‬ـ‬

‫د ـ إ ّن قولنا إ ّن "بين إسرائيل كانوا يقتلون أنبياءهم" صحيح‪.‬‬

‫طرح مشرتك‪ ،‬ولذا فإ ّن من اخلطأ طرح املسائل اخلالفية يف هذا‬


‫هـ ـ إ ّن اهلدف من عقد هذا االجتماع تقدمي ٍ‬
‫االجتماع‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كمالك لتقييم أفعال اإلنسان أخالقيّاً‪.‬‬ ‫و ـ ال ينبغي جعل السليقة الشخصيّة‬

‫ز ـ العمل احلسن يف األخالق يُطلق على العمل الّذي يتناسب مع اهلدف املطلوب فيها‪.‬‬
‫ح ـ يعترب اإليثار ‪ -‬والذي هو أفضل أنواع الكرم ‪ -‬من األخالق احلسنة‪.‬‬

‫ط ـ ينبغي أ ّن تُكثر السفر إلنضاج شخصيتك‪.‬‬

‫ي ـ التمييز العنصري عمل غري صائب‪.‬‬

‫كل واحدة منها أحد املفاهيم األخالقيّة‪.‬‬


‫كون مجالً أخالقيّة تُذكر يف ّ‬
‫‪ّ -2‬‬

‫‪ - 3‬أ ـ على ماذا يطلق مفهوم حكاية الواقع؟‬

‫ب ـ ملاذا تعترب اجلملة اخلربية حاكية للواقع إذا كان حمموهلا حاكياً للواقع؟‬

‫‪ 4‬ـ أ ـ اذكر املعىن األصلي للوظيفة‪.‬‬

‫بأي معىن يُستعمل هذا املصطلح يف األخالق؟‬


‫بـ ّ‬

‫‪ - 5‬باإلضافة إىل بيان االستعماالت املختلفة للجمل األخالقيّة‪ ،‬أوضح كيفية عدم التنايف بني هذه االستعماالت‬
‫وبني كون اجلمل األخالقيّة حاكية للواقع؟"‬

‫‪ - 6‬بنِّي يف ثالثة أسطر سري البحث املنطقي إلثبات الواقعيّة‪.‬‬

‫للبحث‬

‫‪ - 1‬مع االلتفات إىل هاتني اآليتني القرآنيتني‪ ،‬احبث حول الرابطة بني "احلسن والقبيح" مع "املرضي واملبغوض"‬
‫(احملبوب واملكروه)‬

‫‪95‬‬
‫وع َسى أَن تَكَْر ُهواْ َشْيئًا َو ُه َو َخْيٌر لَّ ُك ْم َو َع َسى أَن حُتِ بُّواْ َشْيئًا َو ُه َو َشٌّر لَّ ُك ْم" (البقرة‪.)216 :‬‬
‫‪َ "-‬‬

‫‪َ " -‬ف َع َسى أَن تَكَْر ُهواْ َشْيئًا َوجَيْ َع َل اهللُ فِ ِيه َخْيًرا َكثِ ًريا "(النساء‪.)19 :‬‬

‫األخالقي "للحسن والقبح" ما هو رأيك ‪ -‬ضمن سطرين ‪ -‬يف النظرية اإلحساسية‬


‫ّ‬ ‫‪ - 2‬بالنظر إىل املفهومـ‬
‫(االنفعالية) واليت خلصناها يف هذه الفقرة‪:‬‬

‫إ ّن اجلمل األخالقيّة تُستخدم إلظهار وبيان اإلحساس املرضي أو الالمرضي عند املتكلم ولتحريك اإلحساس املشابه‬
‫ُ‬
‫له عند السامع‪.‬‬

‫رد أدلة النظرية املخالفة هلا‪ ،‬وهنا نسأل‪:‬‬


‫‪ - 3‬قلنا يف ختام هذا الفصل‪ :‬إ ّن القبول بإحدى النظريات ال يتوقف على ّ‬
‫رد أدلة النظرية املخالفة للقبول بالنظرية املقابلة هلا؟‬
‫هل يكفي ّ‬
‫رد أدلة النظرية املخالفة وبرهان اخللف والذي يعترب كافياً إلثبات النظرية املدعاة؟‬ ‫وما هو الفرق بني ّ‬

‫‪ - 4‬بااللتفات إىل ما تعلمته يف الفصل الثاين والثالث حول الواقعيّة‪ ،‬احبث فيما يلي حول هذه املوارد (لوازم‬
‫الواقعيّة)‪:‬‬

‫أ ـ مالك الصدق أو الكذب يف هذه اجلملة األخالقيّة "ألف هو عمل حسن" هو املطابقة أو عدم املطابقة مع ماذا؟‬

‫ب ـ ما هي واقعيّة القيم واللزوميات األخالقيّة؟‬

‫أسلوب ميكن التحقيق حوهلا؟‬


‫ّ‬ ‫ج ـ هل ميكن املشاهدة احلسية هلذه الواقعيّة؟ وبأي‬

‫األخالقي "العدالة حسنة" مطلقاً؟‬


‫ّ‬ ‫د ـ بأي معىن نعترب هذا األصل‬

‫األخالقي كمالك‬
‫ّ‬ ‫أخالقي واحد صحيح؟ ما هو الشيء الّذي يضعه هذا املذهب‬
‫ّ‬ ‫هـ ـ ملاذا نقول بوجود مذهب‬
‫األخالقي؟‬
‫ّ‬ ‫للتقييم ولتعيني اللزوم‬

‫كل مقدماته من نوع "املوجود" وتكون نتيجته من‬


‫‪ - 5‬اكتب استدالالً منطقياً تكون ّ‬

‫‪96‬‬
‫نوع "ما ينبغي" األخالقيّة‪( ،‬إرشاد‪ :‬ابتداءً ضع كلمة "الالزم" مكان "ينبغي" األخالقيّة‪.‬‬

‫االجتماعي شرطاً الزماً لكمال اإلنسان‬


‫ّ‬ ‫‪ - 6‬أثبت كون "السرقة قبيحة" (إرشاد وتشبيه‪ :‬اعترب حفظ النظام واألمن‬
‫االختياري)‪.‬‬
‫ّ‬

‫إقرأ‬

‫الفن املفاهيم األخالقيّة يف هذه املفاهيم السبعة‪ ،‬وأما املفاهيم األخرى املعادلة أو املشاهبة‬
‫عادة ما حيصر أرباب هذا ّ‬
‫هلا باعتقادهم فإهّن م يرجعوهنا إليها ‪ -‬وحبيث تُستعمل هذه املفاهيم كمحموالت يف اجلمل األخالقيّة ‪ -‬نظري اخلري‬
‫والشر‪ ،‬احلسن والقبيح‪ ،‬اجلميل والبشع‪ ،‬الفضيلةـ والرذيلة‪ ،‬املقبول واملرفوض (احملمود واملذموم)‪ ،‬الالئق وغري الالئق‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اجلدير وغري اجلدير (املناسب وغري املناسب)‪ ،‬الصحيح والغلط‪ ،‬واحلق والالحق (الباطل)‪ ،‬التكليف واملسؤولية‪...‬‬
‫كل املفاهيم األخالقيّة إىل مفهومني أساسيني‪ :‬اجليد والسيئ أو ما ينبغي‬ ‫وقد سعى بعض فالسفة األخالق إلرجاع ّ‬
‫وما ال ينبغي (جيب أو ال جيب‪ ،‬ينبغي أو ال ينبغي)‪ ،‬وحتماً فإ ّن كل ٍ‬
‫واحد من املفاهيم األخرى الّيت ذكرناها هلا‬ ‫ّ‬
‫معان أخرى يف غري األخالق إاّل أنّه وللتناسب بني معانيها هناك‬ ‫خصائص معنائية خاصة هبا‪ ،‬وبعضها قد تكون له ٍ‬
‫ّ‬
‫وبني مصاديقها يف األخالق أوجب استعمال هذه املفاهيم يف اجلمل األخالقيّة‪ .‬ومثاالً على ذلك فإ ّن الكمال‬
‫وبغض النظر عن السالئق والطبائع ‪ -‬وحيث‬ ‫ّ‬ ‫االختياري لإلنسان واألفعال املتناسبة معه‪ ،‬مع كوهنا أموراً واقعيّة ‪-‬‬
‫ّ‬
‫مصطلحي "احلسن" و"القبح" املستعملني يف غري األخالق مبعىن‬
‫َ‬ ‫إهنا مطلوبة لإلنسان‪ ،‬وامليول والطبائع متيل إليها فإ ّن‬
‫املتناسب أو غري املتناسب مع امليل والطبع استُعمال أيضاً يف املوضوعات األخالقيّة‪.‬‬

‫كذلك وحيث إ ّن اإلنسان بفطرته يدرك التناسب بني كماله االختياري ومقدماته وبني خلقه أو نظام اخللقة بشكل‬
‫عام‪ ،‬فإ ّن مفاهيم اجلميل والبشع واحلسن والقبيح ‪ -‬واليت فيها جنبة من املعرفة اجلمالية ‪ -‬استُعملت يف هذه‬
‫أخالقي من هذه املفاهيم‪ ،‬وكذلك عدم‬
‫ّ‬ ‫أخالقي وما هو غري‬
‫ّ‬ ‫املوضوعات أيضاً إاّل أ ّن عدم التفكيك بني ما هو‬
‫الواقعي للقيمـ واللزوميات األخالقيّة أوجب‬
‫ّ‬ ‫إدراك املنشأ‬

‫‪97‬‬
‫وجود بعض املغالطات يف اعتبار هذه املفاهيم غري حاكية للواقع‪.‬‬

‫مفهومي "اجليد" و"السيئ" من املفاهيم القيميّة‪ .‬وأما مفهوماـ "اخلطأ والصواب" وكذلك‬
‫َ‬ ‫اعترب بعض الكتّاب فقط‬
‫"ما ينبغي" و "ما ال ينبغي" و"الوظيفة" فقد اعتُربت عندهم من املفاهيم اإللزامية‪ ،‬إاّل أ ّن استعمال هذين املصطلحني‬
‫‪ -‬الصواب واخلطأ ‪ -‬يف األخالق وغري األخالق يبعث على عدم "صواب" هذا الرأي‪ .‬وميكن أ ّن يكون السبب يف‬
‫اعتبار هذين املفهومني إلزاميني هو ذهاب بعض املفكرين والكتّاب الغربيني إىل اعتبار مصطلحي "‪ "right‬و "‬
‫‪ "wrong‬إلزاميني‪ ،‬وبالتايل ترجم هذين املصطلحني إىل الصواب واخلطأ‪ .‬مع أ ّن احملتمل كون "‪ "right‬و"‬
‫‪ "wrong‬أقرب إىل معىن "احلق" و "الالحق"‪ ،‬وحيث إ ّن احلق أقرب إىل التكليف واإللزام اعتُرب عند بعض املؤلفني‬
‫بعض آخر من هؤالء الكتاب الغربيني أمثال "تيلور" أ ّن‪ "right" :‬و‬
‫الغربيني من املفاهيم اإللزامية‪ ،‬هذا وقد اعترب ٌ‬
‫"‪ "wrong‬مها من املفاهيم القيميّة كما هو احلال يف "‪ "good‬و "‪."bad‬‬

‫"حمسن إنسان جيد" ميكن أ ْن تكون مجلة أخالقيّة أيضاً‪ ،‬لكن ال ب ّد أ ْن نلتفت إىل أ ّن املوضوع يف هذه اجلملة مع‬
‫كونه أحد أفراد اإلنسان‪ ،‬إاّل أ ّن قيمته األخالقيّة ناظرة إىل صفاته وأفعاله االختيارية‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن ما يقيم يف‬
‫أمثال هذه اجلمل أيضاً هو الصفات واألفعال االختيارية يف الواقع‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى فإ ّن هذه اجلمل‪" :‬القول احلسن جي ٌد"‪" ،‬النية احلسنة جيدة"‪" ،‬العمل الصائب هو العمل الّذي‬
‫يستتبع الكثري من اخلري"‪" ،‬إتقان العمل صائب" و"أداء الوظيفة وظيفتنا"‪ ،‬ليست مجالً أخالقيّة ألنّه وإ ْن كان‬
‫موضوعها الصفات واألفعال ظاهراً‪ ،‬وإ ْن أخذت مفاهيم "اجليد"‪" ،‬الصواب" و "الوظيفة"ـ يف هذا املوضوع قيداً‬
‫للصفات واألفعال‪ ،‬إاّل أ ّن هذه املفاهيم يف الواقع هي نفس موضوع هذه اجلمل‬

‫وليست الصفات أو األفعال‪ ،‬وبالتايل فإ ّن هذه اجلمل وأمثاهلا الّيت تعطي توضيحاً حول املفاهيم األخالقيّة داخلة يف‬
‫فلسفة األخالق ال األخالق نفسها‪.‬‬

‫ميكن طرح العديد من البحوث حول املفاهيم املستعملة يف اجلمل األخالقيّة ومثاالً على ذلك ميكن البحث يف ماهية‬
‫املعىن الدقيق للموضوعات األخالقيّة نظري "العدالة" "التقوى" و"الغيبة"‪ ،‬وكذلك كيفية إجياد املفاهيم األخالقيّة يف‬
‫الذهن‪ ،‬وهل ميكن إرجاع بعض هذه املفاهيم إىل بعض أم ال؟ ويف هذه الصورة ما هو املفهوم األساس فيها؟‬
‫وكذلك هل أ ّن اجلمل احلاوية هلذه‬

‫‪98‬‬
‫املفاهيم خربية أم إنشائية من الناحية األدبية؟‬

‫إن بعض هذه البحوث يرتبط بفلسفةـ األخالق وبعضها اآلخر باألخالق أو علم النفس أو الذهن أو األدب‪.‬‬

‫وحيث إ ّن مثل هذه البحوث ال ارتباط هلا بشكل مباشر مبسألة حكاية اجلمل األخالقيّة للواقع وبالتايل فإنّه ميكن‬
‫التعرض لذكرها لذا ورغم ارتباطها بفلسفةـ األخالق فقد أرتأينا صرف النظر عنها وعدم‬ ‫اإلجابة عليها من دون ّ‬
‫البحث فيها‪.‬‬

‫وسوف نشري ها هنا فقط إىل أ ّن األفعال االختيارية ‪ -‬واليت هي موضوع اجلمل األخالقيّة ‪ -‬عناوين انتزاعية من‬
‫الرابطة بني الفعل ونتائجه املطلوبة أو غري املطلوبة يف األخالق وباالصطالح يُعرَّب عنها باملعقوالت الفلسفيةـ الثانية‪،‬‬
‫وبناءً على هذا التصور فإ ّن املفاهيم األخالقيّة ‪ -‬ورغم حكايتها الواقع ‪ -‬ليست من نوع املفاهيم املاهوية وال تشري‬
‫حممد تقي مصباح‪ ،‬دروس‬ ‫خاصة أيضاً بل هي من نوع املفاهيم الفلسفيةـ (ملزيد من التوضيح‪ ،‬راجع‪ّ :‬‬ ‫إىل ماهيات ّ‬
‫فلسفه اخالق‪ ،‬ص‪ ،14 - 13 :‬وص ‪.)27 - 24‬‬
‫"الصواب واخلطأ" يستعمالن أحياناً مبعىن املطابقة وعدم املطابقة مع الواقع‪ ،‬ويف توصيف القضايا أيضاً‪.‬‬

‫والظاهر أ ّن املطابقة وعدم املطابقة مطلوب وال مطلوب منطقي (أو الكمال والنقص)‪ ،‬وبالتايل فإ ّن هذا املعىن يُعترب‬
‫مصطلحيـ "الصواب واخلطأ" ينسبان فقط إىل‬ ‫َ‬ ‫أيضاً مصداقاً من مصاديق القيمة (القيمة املنطقية)‪ ،‬وكذلك يبدو أ ّن‬
‫الوسائط وال يُستخدمان يف مورد القيمة الذاتية‪.‬‬

‫كما قيل فإ ّن كلمة "ينبغي" تُستخدم مبعىن اللزوم بالضرورةـ واملراد منها ضرورة شيء باملقايسة مع شيء آخر‪،‬‬
‫وهذه الضرورة ميكن افرتاضها يف مورد العلة بالقياس إىل معلوهلا‪،‬ـ واملعلول بالقياس إىل علته التامة‪ ،‬وأحد معلويل‬
‫كل هذه املوارد‪ .‬يف هذا‬
‫العلة التامة باملقايسة مع معلوهلاـ اآلخر‪.‬وبالتايل فإ ّن مصطلح "ينبغي" ميكن استعماله يف ّ‬
‫املثال إشارة إىل مناذج خمتلفة الستعمال "ينبغي" مبعىن الضرورة بالقياس‪:‬‬

‫قوي بشكل مباشر إىل وجه املذيع‪ ،‬لكن مع وجود هذا النور القوي‬ ‫"ينبغي" لعرض أخبار التلفزيونـ أ ْن يسلَّ َط ٌ‬
‫نور ٌّ‬
‫"ينبغي" أ ْن تتولد منه حرارة كبرية‪ ،‬إاّل أنّه يُستفاد داخل االستديو من وسائل التربيد‪ ،‬لذا ينبغي أ ْن يكون هواء‬
‫الغرفة بارداً‪.‬‬

‫اخلاصة‪ ،‬واليت هي علة الوصول إىل‬


‫لكن حيث إ ّن "ينبغي" يف األخالق حُت مل على الصفات واألفعال االختيارية ّ‬
‫هدف األخالق‪ ،‬لذا فإ ّن "ينبغي" األخالقيّة بيان فقط لضرورةـ العلّة (الصفات واألفعال‬

‫‪99‬‬
‫االختيارية) باملقايسة مبعلوهلا (هدف األخالق)‪.‬‬

‫مطهري املفاهيم األخالقيّة نظري "ما ينبغي" و "ال ينبغي"‬


‫اعترب بعض العلماء املسلمني كالعاّل مة الطباطبائي والشهيد ّ‬
‫و"اجليد" و"السيئ" أهنا اعتبارية وتبعاً هلا اعتربوا أ ّن األحكام األخالقيّة أيضاً اعتبارية‪.‬‬

‫وحيث إنّه من املمكن أ ّن يُستفاد من مثل هذا الكالم أهنم قائلون بالالواقعيّة يف األخالق ولوازمها‪ ،‬واليت من مجلتها‬
‫النسبيّة األخالقيّة‪ ،‬ال ب ّد أ ْن نق ّدم هنا توضيحاً خمتصراً حول نظريتهم هذه‪.‬‬

‫قائم بني‬
‫اعترب العالمة الطباطبائي أ ّن معىن "ما ينبغي" و "ما ال ينبغي" الوجوب واللزوم‪ ،‬واعتقد أ ّن هذا الوجوب ٌ‬
‫القوة الفعالة وآثارها‪ .‬إاّل أ ّن اإلنسان الّذي لديه رابطة إمكانية مع أفعاله اإلرادية‪ ،‬وألجل الوصول إىل النتائج‬
‫الواقعي القائم بني القوة الفعالة وأثرها بينه وبني الصورة العلمية لذلك األثر‬
‫ّ‬ ‫املطلوبة عنده يضع الوجوب واللزوم‬
‫املطلوب ويقوم باعتباره ليجد احملرك عنده من أجل حتصيل النتيجة املطلوبة بعد تعنّي اإلرادة عنده‪ ،‬وأيضاً‪ ،‬وتبعاً‬
‫علي القيام‬ ‫ٍ‬
‫التعهد يقوم بنسبة هذه الـ "ينبغي" والوجوب إىل املادة الّيت هي متعلق الفعل ويقول حينئذ‪ :‬ينبغي ّ‬ ‫هلذا ّ‬
‫بتلك األعمال املوجبة حلصول تلك النتيجة املطلوبة‪( .‬راجع‪ ،‬مرتضى مطهري‪ ،‬جمموعة آثار‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪- 420‬‬
‫الواقعي للعالمة الطباطبائي"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 427‬أصول فلسفه وروش رئاليسم) "أصول الفلسفةـ واملنهج‬

‫كذلك فإ ّن احلسن والقبح اللذين مها يف رأيه‪،‬موافقة أو مالءمة شيء ما مع القوة املدركة أو عدمهما كذلك معها‪،‬‬
‫ُ‬
‫إمنا يُعتربان بعد اعتبار الوجوب بني اإلنسان والصورة العلمية للشيءـ املطلوب له‪( ،‬راجع نفس املصدرـ ص ‪.)432‬‬

‫ورغم أ ّن العالمة الطباطبائي يعتقد بأ ّن هذه األحكام االعتبارية تابعة لإلحساسات الداخلية من زاوية الثبات والتغيري‬
‫والبقاء والزوال (راجع نفس املصدر‪ ،‬ص ‪ )428‬وأهنا نسبية (نفس املصدر‪،‬ـ ص ‪ )432‬وأنه ال ميكن الربهان عليها‬
‫(نفس املصدر‪،‬ـ ص ‪ ،)429‬إاّل أنّه يف نفس الوقت يؤكد أ ّن هذه االعتباريات قائمة على احلقيقة (نفس املصدر‪ ،‬ص‬
‫‪ 393‬و‪ 453‬و‪ )455‬وهلا آثارها الواقعيّة (نفس املصدر‪ ،‬ص ‪ )394‬ويصرح بأ ّن هذه اإلحساسات وليدة لسلسلةـ‬
‫عام وثابت ال يتغري (نفس‬
‫من االحتياجات الوجودية (نفس املصدر‪ ،‬ص ‪ )399‬وأ ّن بعض هذه االعتباريات ّ‬
‫أي مبىن من‬
‫املصدر‪،‬ـ ص ‪ 429 - 428‬و ‪ )437 - 436‬وقد أقام الربهان لإلشارة إىل أ ّن هذه االعتبارات على ّ‬
‫احلاجات الواقعيّة‬

‫‪100‬‬
‫يتم اعتبارها (نفس املصدر‪،‬ـ ص ‪.)455 - 402‬‬

‫إ ّن التدقيق فيما أفاده العالمة الطباطبائي يوضح لنا أ ّن مراده من نسبية هذه األحكام املذكورة أنّه ال توجد حقيقة‬
‫حتت عنوان "ما ينبغي" و "ما ال ينبغي" و "اجليد" و "السيئ" من دون النظر إىل امليول واحلاجات والكماالت‬
‫اخلاصة‪( ،‬رمبا ميكن القول إ ّن هذا الكالم شبيه بقولنا إ ّن هذه املفاهيم فلسفية تتحصل من خالل املقايسة‬
‫الوجودية ّ‬
‫حي كاإلنسان مثالً إىل‬ ‫ٍ‬
‫واملقارنة)‪ .‬وهلذا السبب فإ ّن األحكام احلاوية هلذه املفاهيم متفاوتة ومتغرية من كائن ّ‬
‫الكائنات احلية األخرى‪ ،‬كذلك وحيث إ ّن بعض حاجات اإلنسان متغرية فإ ّن "ما ينبغي" و "ما ال ينبغي" و "اجليد"‬
‫و "السيئ" املرتبطة باإلنسان متغرية أيضاً‪ ،‬بل إ ّن إمكانية التغيري والزوال هي األساس يف مثل هذه األحكام إاّل إذا‬
‫كانت ناظرة إىل االحتياجات العامة عند الناس‪.‬‬

‫وال ب ّد من اإلشارة هنا إىل أ ّن العالمة الطباطبائي ملا كان يعتقد بأ ّن معىن "ما ينبغي" و "ما ال ينبغي" هو الوجوب‬
‫املتوسط بني الفاعل ومطلوبه ال الوجوب املتوسط بني الفعل والنتيجة املطلوبة لذا اعتربها أحكاماً اعتبارية قائمة‬
‫على احلقيقة‪.‬‬

‫وأما الشهيد مطهري وضمن تعليقاته على آراء العالمة الطباطبائي فقد التزم مبا قاله من اعتبارية هذه املفاهيم‬
‫وأحكامها املرتبطة هبا إاّل أنّه خالفه الرأي يف موردين‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬مل ِ‬
‫يرتض الشهيد تعميم هذه االعتبارات حبيث تشمل احليوانات (راجع‪ ،‬جمموعة آثار) (جمموعة آثار الشهيد‬
‫مطهري‪ ،‬ج‪ ،13‬ص ‪.)719 - 717‬‬

‫وبتحليل منشأ ما يطلبه اإلنسان ‪ -‬والذي هو الفائدة والنفع كما يقول ‪ -‬فإنّه يعتقد بأ ّن منشأ املطلوبيات املشرتكة‬
‫كل أفراده وكلّي ومطلق ويعتقد‬ ‫النوعي لإلنسان‪ ،‬والذي هو على نسق واحد عند ّ‬ ‫ّ‬ ‫أي الكمال‬‫هو النفع النوعي ّ‬
‫أيضاً بأ ّن القيم األخالقيّة من هذا النوع (نفس املصدر ص ‪.)725‬‬

‫ثانياً‪ :‬مل يقبل الشهيد املطهري بكفاية االعتباريات الثابتة ‪ -‬كما قال العالمة ‪ -‬إلثبات "خلود األخالق" (نفس‬
‫"السفلي" و‬
‫ّ‬ ‫املصدر‪،‬ـ ص ‪ )731 - 730‬مع تأكيده على بعدي احليواين واإلنساين يف وجود اإلنسان وقد مسامها‬
‫"العلوي"‪،‬ـ ومع االلتفات إىل أ ّن األصل يف اإلنسان هو "العلوي"ـ وأ ّن القيم األخالقيّة ناظرة إىل كماالت هذه‬
‫ّ‬
‫الدرجة عند اإلنسان‪ ،‬فقد اعترب أ ّن هذه الكماالت واقعيّة ‪ -‬وليست توافقية واعتبارية ‪ -‬ومشرتكة عند مجيع الناس‬
‫وأهنا أساس األخالق اخلالدة (نفس املصدر‪،‬ص ‪.)740 - 737‬‬

‫ومما جتدر اإلشارة إليه أ ّن املعاين املعطاة يف هذه النظرية ملفاهيم "اجليد"‪" ،‬السيئ"‪" ،‬ما ينبغي"‬

‫‪101‬‬
‫و "ما ال ينبغي" بلحاظ استعماالهتا األخالقيّة قابلة للنقاش والتوضيحات املذكورة حوهلا يف املنت متهد حللها‪.‬‬

‫اهلامة واليت ال ب ّد من ذكرها ها هنا‪ ،‬أ ّن العالمة الطباطبائي والشهيد املطهري يعتقدان بأ ّن هذه‬
‫إال أ ّن النكتة ّ‬
‫االعتباريات ذات مالكات واقعيّة ومستندة إىل احلقيقة‪.‬‬

‫ويعتقدان أيضاً يف مورد نتائج األفعال املطلوبة أ ّن نفس رابطة الوجوب واللزوم بني العلة واملعلول (أي بني القوة‬
‫الفعالة وأثرها اخلارجي) واليت هي رابطة حقيقية‪ ،‬وبني اإلنسان والصورةـ العلمية لذلك األثر املطلوب‪ ،‬وتبعاً هلا بني‬
‫اإلنسان وما يعتقده موصالً له إىل تلك النتيجة‪ ،‬اعتبارية‪ ،‬ولذا فإ ّن اعتبارية "ما ينبغي" فقط جلهة أنّنا نعترب تلك‬
‫الرابطة الواقعيّة واحلقيقيّة بني الفاعل اإلرادي والصورة العلمية هلا نتيجة مطلوبة أو كانت مق ّدمةـ للوصول إىل تلك‬
‫توسطت بني الفاعل وعمل خاص‪.‬‬ ‫النتيجة املطلوبة كما لو ّ‬

‫إال أ ّن هذا االعتبار ال ميكن قبوله إاّل إذا أوصلنا هذا العمل واقعاً إىل النتيجة املطلوبة‪ ،‬واملصلحة املتوخاة عندنا‪.‬‬

‫ومضافاً إىل ذلك فإهنما يعتقدان بأ ّن مطلوبية النتيجة ترجع إىل اإلحساس الناشىء عن احتياجات القوة الفعالة واليت‬
‫يرتبط بعضها بنوعية النوع والبناء الطبيعي لإلنسان‪.‬وبالتايل فإ ّن االعتباريات الناظرة إىل هذه الطائفة من احلاجات‬
‫تؤمن احلاجات الواقعيّة‬
‫ثابتة ال تتغري‪ .‬وخالصة القول إ ّن االعتباريات املذكورة إمنا تُقبَل فقط يف مورد األفعال الّيت ّ‬
‫لإلنسان وتوصل اإلنسان إىل الكمال‪.‬‬

‫ومع هذا التوضيح يتبني لنا أ ّن املفاهيم واألحكام األخالقيّة عند هذين العلَ َمني الكبريين اعتبارية حمض لكنها ذات‬
‫واقعي‪ ،‬ولذا ال ميكن اعتبارمها من القائلني بالالواقعيّة والنسبيّة األخالقيّة يف األخالق‪.‬‬
‫سند ّ‬

‫‪102‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬اإلطالق أم النسبيّة في األخالق‬

‫صف مييل طالبه بقوة إىل القول بالنسبيّة‪.‬‬‫يدرس الفلسفةـ يف ٍّ‬ ‫ِ‬
‫كان سيدين مورجنبسر األستاذ يف جامعة كولومبيا ّ‬
‫كل الطالب‪ ،‬ومع ذلك أوضح هلم أ ّن األغلب قد أجاب بشكل‬ ‫وعند إجراء االمتحانات قام هذا األستاذ برتسيب ّ‬
‫صحيح وممتاز‪ .‬وعندما اعرتضوا على الالعدالة يف املقام أجاهبم ِ‬
‫مورجنبسر قائالً‪ :‬إنين أطبق النظرية الذهنية (النسبيّة‬
‫الفردية) يف تقييم االمتحان ويف هذا املورد فإ ّن أصل العدالة ال اعتبار عينياً له‪.1‬‬

‫أشرنا يف الفصل الثاين وضمن بيان لوازم الواقعيّة والالواقعيّة إىل اختالف هاتني النظريتني يف إطالق األخالق‬
‫والنسبيّة يف األخالق‪.‬‬

‫ومع إثبات النظرية الواقعيّة اتّضح أ ّن إطالق األخالق وباملعىن الّذي أوضحناه يف ذلك الفصل هو الصحيح‬
‫واملقبول‪ ،‬وبالتايل فإنّه ال ميكن القبول بالنسبيّة يف األخالق مبعناها املقابل لالطالق لكن ومن أجل توجيه النظرية‬
‫النسبيّة األخالقيّة فقد استدل بطرق متع ّددة‪ ،‬وذكر هلا أنواعاً خمتلفة‪ ،‬واستنتج منها نتائج متنوعة‪ .‬وحيث إ ّن حبث‬
‫مستقل‪ ،‬وسوف‬
‫ّ‬ ‫إطالق األخالق ونسبية األخالق له لوازم نظرية وعملية متع ّددة أفردنا هلما هذا الفصل بشكل‬
‫نتعرض فيه ملختلف البحوث املذكورة‪.‬‬

‫‪ -1‬لويس بومين‪" ،‬نقدي بر نسبيت اخالقي"‪ ،‬ترمجة حممود فتحعلي‪ ،‬جملة نقد ونظر‪ ،‬العدد ‪ ،14 - 13‬ص ‪.329‬‬

‫‪103‬‬
‫‪ - 1‬حقيقة اإلطالق والنسبيّة يف األخالق (تذكري)‬

‫خاصة حول االطالق والنسبيّة يف األخالق‪ ،‬ومثاالً على ذلك فقد اعترب بعضهمـ‬
‫ق ّدم بعض فالسفة األخالق تعاريف ّ‬
‫اخلاصة مانع من إطالقها وإطالق األخالق‪ ،‬واعتربوا أيضاً أ ّن القول‬
‫أ ّن جمرد تقيّد األحكام األخالقيّة ببعض القيود ّ‬
‫بإمكان وجود طرق متع ّددة للوصول إىل اهلدف هو نوع من القول بالنسبيّة[‪.]1‬‬

‫نغض النظر عن مثل هذه التعريفات لإلطالق والنسبيّة يف األخالق‪ ،‬وسيكون املالك عندنا هو التعريف‬ ‫وسوف ّ‬
‫املشهورـ واملعروف هلا يف األخالق‪.‬‬
‫بناءً على هذا التعريف ‪-‬وكما أشرنا إليه يف الفصل الثاين‪ -‬فإ ّن املراد من اإلطالق يف األخالق هو أ ّن بعض‬
‫كل األحكام األخالقيّة هلا قيود‬
‫بأي قيد‪ ،‬وأما النسبيّة يف األخالق فمعناها أ ّن ّ‬
‫األحكام األخالقيّة مطلق وغري مقيد ّ‬
‫وشروط‪.‬‬

‫كل فالسفة [‪ ]2‬األخالق متفقون على كون بعض األحكام األخالقيّة مقيد بقيود وشرائط‬ ‫واجلدير ذكره أ ّن ّ‬
‫خاصة به‪ ،‬إاّل أ ّن االختالف بينهم يدور حول إمكانية إجياد حكم من بني األحكام األخالقيّة معت ٍرب بال ّ‬
‫أي قيد أو‬ ‫ّ‬
‫شرط أو عدم إمكانية ذلك[‪.]3‬‬

‫وقد أشرنا يف الفصل الثاين إىل أنّه بناءً على رأي القائلني باإلطالق يف األخالق فإ ّن تلك الطائفة من األحكام‬
‫األخالقيّة املقيدة واملشروطة هلا قيود وشروط واقعيّة‪ .‬ويف احلقيقة فإ ّن وظيفة قيود وشرائط تلك األحكام هو‬
‫أي واحد من األحكام غري املقيدة داخلة[‪.]4‬‬‫اإلشارة إىل أ ّن هذه األحكام حتت ّ‬

‫الواقعي‬
‫ّ‬ ‫أي شرط متحدة مع املنشأ‬‫ومثاالً على ذلك فإ ّن تلك الطائفة من الصفات واألفعال االختيارية وحتت ّ‬
‫أي قيد وشرط‪ ،‬وأما األفعال األخرى فلها قيمة مثبتة شرط‬
‫لألخالق ‪ -‬والذي له قيمة ذاتية ‪ -‬هلا قيمة مثبتة بدون ّ‬
‫اخلاصة فستكون ذات قيمة منفية‪.‬‬
‫احتادها معها يف اجلهة‪ ،‬وأما إذا كانت يف خالف جهتها ضمن بعض الشرائط ّ‬

‫وأما القائلون بالنسبيّة األخالقيّة فقد قيّدوا األحكام األخالقيّة بقيود وشرائط الواقعيّة نظري األوامر واالنفعاالت‬
‫والتوافقات[‪.]5‬‬

‫‪104‬‬
‫كل مورد منها‪.‬‬
‫أهم دالئلها يف ّ‬
‫عرف أنواع النسبيّة األخالقيّة مع بيان وحتليل ّ‬
‫وإدامة هلذا الفصل سوف نُ ِّ‬

‫‪ - 2‬أنواع أو مراحل النسبيّة األخالقيّة‬

‫عادة ما تُذكر هذه األنواع الثالثة للنسبية األخالقيّة‪ .‬ويف احلقيقة فإ ّن هذه األنواع هي ثالث مراحل من النسبيّة‬
‫واحد منها على حدة‪:‬‬‫األخالقيّة‪ .‬وسوف نقوم بعرض وحتليل مدعى ودليل كل ٍ‬
‫ّ‬

‫‪ .2 - 1‬النسبيّة التوصيفية‬

‫كل ‪ /‬بعض‪ 2‬األحكام األخالقيّة‪.‬‬


‫املدعى‪ :‬إ ّن األفراد واجلوامع املختلفة ختتلف اختالفاً جوهرياً حول ّ‬

‫أي رأي من اآلراء‬


‫إ ْن هذا املدعى ذو جنبة توصيفية فقط‪ .‬ويف هذه املرحلة فإ ّن القائل بالنسبيّة ال حيكم بصحة ّ‬
‫جوهري يف الرأي بينها‪ ،‬وحنن عندما نقول إ ّن هناك اختالفاً يف الرأي‬
‫ّ‬ ‫املختلفة بل يقرر ويصف فقط وجود خالف‬
‫أخالقي ما بني اثنني من األفراد أو اجملتمعات فمعىن ذلك أهنما ال يقبالن به معاً‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن‬
‫ّ‬ ‫حول حكم‬
‫عمل خاطىء" معناه أ ّن أحدمها ال يقبل هبذا القول‪ .‬لكن ما هو املراد‬
‫اختالف الرأي بني اثنني حول كون‪" :‬السرقة ٌ‬
‫لنر هذا املثال‪:‬‬
‫من اختالف الرأي اجلوهري بينهم؟ َ‬

‫• ‪ -‬لقد أخذت املال الّذي وقع على الطريق لنفسك‪ .‬إ ّن عملك هذا غري صائب‪.‬‬

‫صواب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫• • ‪ -‬إ ّن هذا العمل باعتقادي‬

‫لعمل خاص (اللقطة)‪ ،‬لكن هل يرجع هذا االختالف‬ ‫يف هذه احملاورة لدينا اختالف يف الرأي حول القيمة األخالقيّة ٍ‬
‫يف احلقيقة إىل االختالف يف الرؤية األخالقيّة عند هذين الشخصني؟ لنتابع معاً بقية حوارمها‪:‬‬

‫كل أو بعض‪ ,‬إن هذه العالمة "‪ "/‬إمنا يستفاد منها يف مورد وجود رأيني مستقلني يف نفس املقام فتوضح بينهما منعاً‬
‫‪ -2‬املراد ها هنا ّ‬
‫لتكرار الكالم (املرتجم)‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫• ‪ -‬إ ّن عملك هذا سرقة‪ :‬لقد أخذت ماالً هو ملك لغريك‪.‬‬

‫خاصة يوجب متلكه‪ ،‬واآلن هذا املال ملكي‪ .‬أنا مل أسرقه‪.‬‬


‫• • ‪ -‬ليس كذلك‪ ،‬أل ّن العثور على شيء ضمن شرائط ّ‬

‫إ ّن اختالف هذين االثنني يف القيمة األخالقيّة هلذا العمل يرجع يف احلقيقة إىل أ ّن العثور على شيء ما هل يبيح متلكه‬
‫أم ال؟‬

‫األخالقي هلذا العمل‬


‫ّ‬ ‫إ ّن هذين الشخصني ال خيتلفان بتاتاً يف أ ّن السرقة عمل خاطىء ولذا فإ ّن اختالفهما يف احلكم‬
‫يرجع إىل مجلة غري أخالقيّة مفادها أ ّن هذا العمل هل هو سرقة أم ال؟ (والذي هو بدوره ناشىء عن االختالف يف‬
‫كيفية حصول امللكية[‪.]6‬‬
‫وبالتايل لو اتّفقا على كون هذا العمل سرقة أم ال‪ ،‬فلن خيتلفا يف القيمة األخالقيّة اللتقاط ذلك املال‪ ،‬وإمنا اختالف‬
‫األخالقي يف أ ّن التقاط املال أمر غري صائب يرجع إىل استعمال اجلملة "السرقة خاطئة" يف‬
‫ّ‬ ‫الرأي بينهما حول احلكم‬
‫التقاط ذلك املال‪ ،‬وهذا االختالف ال يُعترب اختالفاً جوهرياً[‪.]7‬‬

‫يسمى جوهرياً فقط وفقط يف صورة عدم قابلية هذا االختالف‬


‫أخالقي إمنا ّ‬
‫ّ‬ ‫أي حكم‬
‫إ ّن اختالف الرأي حول ّ‬
‫للرفع بعد التوافق املسبق حول كيفية استخدام البيانات األخالقيّة‪.‬‬

‫قبل بوجود االختالف‬


‫إفراطي ومعتدل‪ :‬من الناحية اإلفراطية َ‬
‫ّ‬ ‫لقد طرح مدعى النسبيّة التوصيفية ضمن حنوين‪:‬‬
‫قيل بوجوده يف بعضها فقط‪.‬‬
‫كل األحكام األخالقيّة‪ ،‬وأما من الناحية املعتدلة فقد َ‬
‫اجلوهري يف مورد ّ‬

‫الدليل‪ :‬عادة ما يشري النسبيون إلثبات هذه الدعوى إىل التفاوت الثقايف بني األقوام وامللل املختلفة أو عند قوم ما‬
‫مع مرور الزمن‪ .‬وقد قام هؤالء بذكر بعض النماذج من هذه اخلالفات لتأكيد أقواهلم واليت تستند يف أغلبها إىل‬
‫تقارير علماء االجتماع والتقارير التارخيية‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫وإليك بعض النماذج من هذه التقارير‪:‬‬

‫النموذج ‪ :1‬ينقل هرودون (‪ 430 - 485‬ق‪.‬م) يف تارخيه أ ّن إحدى القبائل اهلنديّة (كاليت) كنت تأكل أجساد‬
‫األباء األموات وأ ّن اليونانيني كانوا حيرقون أجساد آبائهم األموات‪ .‬ويف ٍ‬
‫يوم من األيام قال "داريوش" لبعض‬
‫أي مبل ٍغ من املال أنتم حاضرون ألكل أبدان آبائكم األموات؟‬
‫اليونانيني عنده‪ :‬يف مقابل ّ‬

‫فأجابوه متعجبني‪ :‬ال ميكن ألي مبل ٍغ من املال أ ْن يُلجئنا إىل هذا العمل الوحشي‪ .‬فقال داريوش لبعض أفراد‬
‫أي مبلغ من املال أنتم حاضرون إلحراق أجساد آبائكم األموات؟ فأجابوه كذلك بأهنم ال‬ ‫الكاليت‪ :‬يف مقابل ّ‬
‫بأي وجه القيام هبذا العمل البشع‪.‬‬
‫ميكنهم ّ‬

‫العجز من آبائهم وأمهاهتم حىت ميوتوا من اجلوع‪ ،‬بينما نعترب حنن هذا العمل‬
‫النموذج ‪ :2‬يقوم االسكيمو برمي َّ‬
‫خاطئاً‪.‬‬

‫النموذج ‪ :3‬قبل مائة عام كان أغلب سكان الواليات اجلنوبية األمريكية يعتقدون بصوابية الرق والعبودية‪ ،‬لكنهم‬
‫اآلن يعتقدون بعدم صوابية هذا العمل‪.‬‬

‫النموذج ‪ :4‬تقوم إحدى القبائل يف شرق أفريقيا برمي أوالدها الناقصي اخللقة يف النهر اعتقاداً منهم بأ ّن هؤالء‬
‫األوالد ملك إلله النهر "هيبوبوتاموس"‪ ،‬بينما يعتقد آخرون بعدم مقبوليةـ هذا العمل‪.‬‬

‫النموذج ‪ :5‬يوافق بعض الناس على إسقاط اجلنني (اإلجهاض) وخيالف آخرون ذلك‪.‬‬

‫أي شيء أ ّن هذه النماذج وما يشاهبها حىت ولو كانت مشرية إىل االختالف اجلوهري‬
‫التحليل‪ :‬ال ب ّد أ ْن نذكر قبل ّ‬
‫يف األخالق فإنّه ال ميكنها نفي وجود االتفاق يف الرأي حول موارد أخرى‪ .‬وبناءً على ذلك فإنّه ال ميكن إثبات‬
‫مبجرد ذكر بعض النماذج‪.‬‬
‫الناحية اإلفراطية يف النسبيّة التوصيفية ّ‬

‫ومضافاً إىل ذلك فإ ّن العديد من املفكرين وعلماء االجتماع ع ّددوا بعض اخلصائص‬

‫‪107‬‬
‫كل الناس واجملتمعات املختلفة واعتقدوا بأ ّن األصول الكليّة األخالقيّة ناظرة إىل هذه‬
‫الثابتة واملشرتكة[‪ ]8‬عند ّ‬
‫اخلصائص املشرتكة عند اجلميع‪ ،‬وبالتايل أرجعوا االختالفات املوجودة إىل اختالف الرأي يف استخدام هذه األصول‬
‫الكلية‪ .‬ولذا فقد أوقعوا الصورة اإلفراطية ‪ -‬بل والصورة املعتدلة ‪ -‬هلذه النسبيّة التوصيفية يف ورطة الرتديد اجلدي‬
‫العلمي ‪ -‬متفقو‬
‫ّ‬ ‫النظري أو‬
‫ّ‬ ‫كل الناس واجملتمعات ‪ -‬سواء باللحاظ‬ ‫أو اإلنكار‪ ،‬ومثاالً على ذلك فقد ذكروا أ ّن ّ‬
‫الرأي على حسن العدالة‪ ،‬إاّل أهّن م قد خيتلفون يف تشخيص وتعيني بعض مصاديقها‪.‬‬
‫ثابت إاّل أهّن م خيتلفون فقط يف كيفية إبراز ذلك‪.‬‬‫أصل ٍ‬‫الوالدين مبثابة ٍ‬
‫وكذلك فإ ّن اجلميع يعترب االهتمام واحرتام َ‬
‫وأيضاً فإ ّن املوافقني واملخالفني لإلجهاض يقبلونـ بأ ّن قتل اإلنسان الربيء عمل مذمومـ ولكن اختالفهم يف أ ّن‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫السقط إنسان أم ال[‪ .]9‬بل وحىت يف صورة اختالف الرأي يف هذه املوارد‪ ،‬فإ ّن هناك أصوالً كلية مقبولة‬
‫كل الناس ‪ -‬مثالً يف مورد حسن األفعال املوجبة لكمال اإلنسان‪ ،‬وقبح الصفات املوجبة لنقص اإلنسان‬ ‫أكرب عند ّ‬
‫‪ -‬ألهنا ناظرة إىل وجود اإلنسان‪ ،‬إاّل أ ّن األفراد واجلوامع املختلفة قد خيتلفون يف كيفية استخدام هذه األصول‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬بالنسبة للنموذج الثالث والرابع‪ ،‬ما هي اليقينيات األخالقيّة املشرتكة الّيت ميكنك ذكرها من حيث إ ّن‬
‫اختالف الرأي إمنا هو يف كيفية استخدامها؟‬

‫‪108‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .2 - 2‬نسبية ما وراء األخالق‬

‫‪ .2 - 2 - 1‬املدعى‪ ،‬األدلة‪ ،‬حتليل األدلة‬

‫أهم مراحل‬
‫أي حكم من بني األحكام األخالقيّة معتربٌ بشكل مطلق‪ .‬يف هذه املرحلة ‪ -‬واليت هي ّ‬ ‫املدعى‪ :‬ال يوجد ّ‬
‫يتعرض القائل بالنسبيّة إىل احلكم يف مورد اعتبار األحكام األخالقيّة‪ .‬ويف هذا اجملال فإ ّن أشهر املذاهب‬
‫النسبيّة ‪ّ -‬‬
‫األخالقيّة القائلة بالنسبيّة يعتقد بأ ّن اعتبار األحكام األخالقيّة يرتبط باإلحساس وسليقة الفرد أو التوافق والتعاهد‬
‫اجلمعي‪ .‬ويف نظرهم فإ ّن األحكام األخالقيّة معتربة فقط عند من يقبل هبا من األفراد واجملتمعات وبالتايل فإنّه ال‬
‫ّ‬
‫عمومية وال إطالق يف اعتبارها‪ ،‬ويسمون اعتبار األحكام األخالقيّة املرتبطة بالفرد "النسبيّة الفردية"‪ ، 4‬وتلك‬
‫املرتبطة باجملتمع "النسبيّة االجتماعية"‪ ،]10[ 5‬والثانية أكثر شيوعاً من األوىل‪.‬‬

‫لنر كيف أثبت‬


‫وسوف نتكلم عن هاتني النسبيتني بشكل أوسع بعد بيان وحتليل هذه املرحلة من النسبيّة‪ .‬وابتداءً َ‬
‫النسبيون نسبية ما وراء األخالق‪.‬‬

‫الدليل‪ :‬إلثبات هذا المدعى يُستدل عادة بثالثة طرق‪:‬‬

‫كل املعارف‪ ،‬ومن مجلتها‬


‫األول‪ :‬باالستناد إىل النسبيّة العامة يف املعرفة‪ ،‬فإ ّن القائلني هبذه النظرية يقولون بأ ّن اعتبار ّ‬
‫املعارف األخالقيّة‪ ،‬نسيب[‪.]11‬‬

‫‪ -3‬مبا أنّه يف هذه املرحلة من النسبيّة حيكم على اعتبار األحكام األخالقيّة وأ ّن هذا احلكم يرتبط بشكل مباشر مبباحث ما وراء‬
‫األخالق وفلسفة األخالق لذا مُسّيت هذه النسبيّة بنسبية ما وراء األخالق‪ ،‬وكذلك حيث إن اعتبار املعرفة يُطرح عادة يف علم املعرفة‬
‫مُسّيت هذه املرحلة من النسبيّة بالنسبيّة املعرفية‪.‬‬
‫‪Individual Relativism -4‬‬
‫‪Social Relativism -5‬‬

‫‪109‬‬
‫تحليل الدليل األول‪:‬‬

‫تُبحث نظرية النسبيّة العامة املعرفية يف علم املعرفة‪ .‬ومن مجلة االنتقادات الواردة على هذه النظرية كوهنا متناقضة‬
‫أي أهّن ا تنقض نفسها يف كوهنا نظرية مطلقة‪ ،‬ويف علم املعرفة تعرف املباين اليقينية للمعرفةـ وطرق حتصيل املعارف‬‫ّ‬
‫اليقينية األخرى ‪ ،‬وميكن يف األخالق أيضاً باالستناد إىل املباين اليقينية حتصيل املعارف اليقينية واملطلقة ‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫كل ‪ /‬بعض األحكام‬


‫الثاين‪ :‬باالستناد إىل النسبيّة التوصيفية‪ :‬مع مالحظة وجود االختالف اجلوهري يف مورد ّ‬
‫كل فرد ‪ /‬جمتمع يقبل‬
‫أي حكم منها معترب مطلقاً‪ ،‬وإ ّن األحكام األخالقيّة معتربة فقط عند ّ‬
‫األخالقيّة‪ ،‬فإنّه ال يوجد ّ‬
‫هبا‪.‬‬

‫تحليل الدليل الثاني‪:‬‬

‫مترين‪ :‬الختبار صحة االستدالل املذكور أعاله‪ ،‬استخدم بدل عبارة "األحكام األخالقيّة" عبارة "البيانات اهلندسية‪،‬‬
‫الفيزيائية أو التارخيية" واذكر سبب عدم صحة هذا االستدالل‪.‬‬

‫يصح االستناد إىل الصورة املعتدلة وال الصورة اإلفراطية من النسبيّة التوصيفية إلثبات نسبية ما وراء األخالق عرب‬
‫ال ّ‬
‫هذا الطريق‪ ،‬حيث إنّه استُنتج يف هذا االستدالل عدم اعتبارية األحكام األخالقيّة مطلقاً من خالل اختالف الرأي‬
‫أي أنّه مبجرد افرتاض صحة مق ّدمةـ‬ ‫حول األحكام األخالقيّة وهذا االستنتاج غري صحيح باللحاظ املنطقي‪ْ ،‬‬
‫االستدالل فإنّه ال ميكن من خالهلا إثبات املدعى[‪ ،]12‬ومن جهة أخرى فإ ّن مق ّدمةـ االستدالل نفسها (النسبيّة‬
‫التوصيفية) غري ثابتة وال ميكن قبوهلا[‪.]13‬‬

‫‪ -6‬اجلدير ذكره أ ّن أنصار الالواقعيّة قد تصدوا بأساليب متع ّددة إلثبات الالواقعيّة وسوف نتعرض ألهمـ أدلتهم يف الفصل السادس من‬
‫هذا الكتاب‪.‬‬
‫حممدـ حسني زاده‪ ،‬معرفت شناسي‪.‬‬‫حممد تقي مصباح‪ ،‬آموزش فلسفة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ 70 - 143‬الالواقعيّة ‪ّ ,‬‬ ‫‪ -7‬راجع‪ّ ،‬‬

‫‪110‬‬
‫الثالث‪ :‬باالستناد إلى الالواقعيّة‪.‬‬

‫أهم دليل يستفاد منه يف هذه املرحلة‬


‫ذكرنا يف الفصل الثاين أ ّن النسبيّة من لوازم الالواقعيّة ورمّب ا تكون الالواقعيّة ّ‬
‫‪8‬‬

‫من النسبيّة[‪.]14‬‬

‫سؤال‪ّ :‬قرر هذا الدليل مع االستناد إىل الفرع ‪ 2 - 6‬من الفصل الثاين‪.‬‬

‫تحليل الدليل الثالث‪:‬‬

‫ال أمهيّة هلذا الدليل بعد إثبات القول بالواقعيّة يف الفصل الثالث والرابع‪.‬‬

‫‪ .2 - 2 - 2‬النسبيّة الفردية واالجتماعية‬

‫لو افرتضنا وقبلنا بعدم وجود ٍ‬


‫مبان واقعيّة للقيمـ واللزوميات األخالقيّة فمن املعقول بالدرجة األوىل القبول بالنسبيّة‬
‫واقعي يلزم الفرد بقبول آراء اآلخرين األخالقيّة‪ .‬ومع هذا فقد تق ّدم‬
‫أي مبىن ّ‬ ‫الفردية‪ ،‬ألنّه يف هذ الفرض ال يوجد ّ‬
‫القول إ ّن النسبيّة االجتماعية أكثر شيوعاً وقبوالً ‪ -‬عند منظري النسبيّة ‪ -‬من النسبيّة الفردية‪ ،‬ويعود السبب يف‬
‫ذلك إىل أ ّن األخرية هلا لوازم غري مقبولة بشكل واضح‪ ،‬ومن مجلتها‪:‬‬

‫كل األفراد العاملني بإرادهتم سوف يتساوون يف القيمة‪ ،‬وعليه فال فرق بني هتلر‬
‫‪ - 1‬إذا قبلنا بالنسبيّة الفردية فإ ّن ّ‬
‫وغاندي‪.‬‬

‫أي فرد على اآلخرين‬


‫كل سعي ملنع التجاوز والتع ّدي من قبل ّ‬
‫‪ - 2‬مضافاً إىل ذلك وبناءً على النسبيّة الفردية‪ ،‬فإ ّن ّ‬
‫بل وحىت إصالح سلوكه وأفعاله لن يكون موجهاً‪ ،‬وعليه فإ ّن وضع القوانني احلقوقية وتشكيل احلكومات والقضاء‬
‫والعقوبات بل وحىت الرتبية األخالقيّة لن يكون هلا توجيه معقولـ ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬إاّل أنّه ال ميكن جتاهل ضرورهتا بشكل‬ ‫ٌ‬
‫كلّ ّي‪.‬‬

‫ملثل هذه األسباب ذهب النسبيون إىل االعتقاد مبقبولية النسبيّة االجتماعية بشكل أكرب من النسبيّة الفردية‪ ،‬لكن يا‬
‫أقل من‬
‫ترى هل أ ّن مشاكل النسبيّة االجتماعية ّ‬
‫‪ -8‬سوف نذكر املباين اليقينية للمعارف األخالقيّة يف الفصل التاسع والعاشر من هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫النسبيّة الفردية؟‬

‫‪ - 1‬باللحاظ النظري فإ ّن التقييم املبتىن على النسبيّة االجتماعية متناقض يف بعض املوارد‪ ،‬انتبه إىل هذا املثال‪:‬‬

‫مسية ابنة إحدى العائالت غري امللتزمة دينياً بشكل كامل‪ .‬من طرف ما فإ ّن عائلة مسية ال ترتضي هلا التزام احلجاب‬
‫اإلسالمي يرى لزوم رعاية احلجاب وااللتزام به‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يف الشارع‪ ،‬ومن طرف آخر فإهّن ا فتاة مسلمة واجملتمع‬

‫بناءً على النسبيّة االجتماعية فإ ّن رعاية احلجاب بالنسبة لسمية من الناحية األخالقيّة حسن وقبيح أيضاً‪.‬‬

‫كل جمموعة ذات هدف مشرتك ‪ -‬فمن‬ ‫لذا بناءً على املراد من اجلامعة اصطالحها االجتماعي ‪ -‬الّذي يطلق على ّ‬
‫كل األفراد أعضاء يف‬‫ألي فرد أ ْن يكون عضواً يف أكثر من جمتمع واحد‪ .‬وحبسب العادة واملتعارف فإ ّن ّ‬ ‫املمكن ّ‬
‫جوامع متع ّددة‪ :‬كالعائلة والدولة والفرق العلمية‪ ،‬والعمل‪ ،‬والتيارات السياسية‪ ،‬واملذاهب الدينيّة والفرق الفنية‬
‫والرياضية‪ ،‬و‪ ...‬وبشكل كلّي يف املوارد الّيت تتعارض فيها القيم بني جمموعتني أو جمتمعني وذات عض ٍو مشرتك بني‬
‫االثنني فإ ّن سلوك هذا العضو سيقيَّم على أنّه متناقض بناءً على نظرية النسبيّة االجتماعية‪.‬‬
‫أي حركة إصالحية لتغيري التحلل االجتماعي‪ ،‬ستكون حمكومة وغري مقبولة‪،‬ـ‬ ‫‪ - 2‬بناءً على النسبيّة االجتماعية فإ ّن ّ‬
‫وعليه فإ ّن عمل السارقني والفاسدين ‪ -‬والذين يعملون بناءً على توافق اجملموعة ‪ -‬سيكون عمالً صائباً وصحيحاً‪.‬‬
‫وأما األنبياء واملصلحونـ االجتماعيون الّذين يدعون إىل العدالة واألمانة والوفاء‪ ،‬ويكافحون من أجل رفع الظلم‬
‫أي اخللل االجتماعي ‪ -‬هو‬ ‫واخلداع والفساد فسيُعتربون خاطئني فيما يقومون به‪ ،‬أل ّن ما جياهدون ألجل رفعه ‪ّ -‬‬
‫مورد توافق وعمل عند الناس‪ ،‬ومضافاً إىل هذا ففي نظر النسبيّة االجتماعية األساس وجود التوافق اجلمعي وبالتايل‬
‫ال وجود للنظم والالنظم والصالح والفساد يف قاموسها [‪.]15‬‬

‫‪112‬‬
‫يعرف لنا أعوانه املتفقني معه يف الرأي‬
‫‪ - 3‬بناءً على النسبيّة االجتماعية فإ ّن اجملرم يكفيه يف توجيه عمله أخالقيّاً أ ْن ّ‬
‫رأي اجملموعة يولّد القيمة‪.‬‬
‫ألن ّ‬
‫وبغض النظر عن مباين وأدلة نسبية ما وراء األخالق فإ ّن النسبيّة الفردية والنسبيّة االجتماعية ال ميكن تعقلهما‬
‫ّ‬
‫والقبول هبما‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ .2 - 3‬النسبيّة القواعدية‬

‫يف هذه املرحلة يستنتج[‪ ]16‬القائل بالنسبيّة بعض األصول األخالقيّة ويؤكد عليها بعنوان أهنا قواعد عامة[‪.]17‬‬
‫تسمى بالنسبيّة القواعدية‪.‬‬
‫ومثاالً على ذلك فإ ّن هذه األصول العامة األخالقيّة ّ‬

‫المدعى‪:‬‬

‫‪ - 1‬ال يصح أخالقيّاً احلكم من الناحية األخالقيّة على أفعال وسلوك اآلخرين بناءً على ما تعتقده من النظرية‬
‫األخالقيّة‪.‬‬

‫‪ - 2‬ال ب ّد لكل ٍ‬
‫فرد ‪ /‬جامعة أ ّن يكون حراً يف اختيار ما يريد من النظريات األخالقيّة والعمل هبا (أصل احلرية‬ ‫ّ‬
‫‪10‬‬
‫األخالقيّة)‬
‫‪.‬‬
‫لكل فرد ‪ /‬جمتمع أ ّن يتحمل اآلخرين ‪ -‬ممن اختار وعمل بالنظريات األخالقيّة املخالفة له ‪ -‬وأ ْن حيرتم‬
‫‪ - 3‬ال ب ّد ّ‬
‫األخالقي)‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪11‬‬
‫قراراهتم (التساهل والتسامح‬

‫كل فرد آخر خمالف يف النظرية األخالقيّة‪ ،‬وبناءً على النسبيّة‬


‫تنبيه‪ :‬املراد من اآلخرين بناءً على النسبيّة الفردية ّ‬
‫كل جامعة أخرى ذات نظرية أخالقيّة خمتلفة‪.‬‬ ‫االجتماعية ّ‬

‫لنر كيف يثبت القائل بالنسبيّة هذا املدعى‪.‬‬


‫واآلن َ‬

‫الدليل‪ :‬إلثبات هذا املدعى هناك نوعان من األدلة‪:‬‬

‫‪ -9‬تعين كلمةـ "هنجار" القاعدة والقانون‪ ،‬وحيث إن النسيب يطرح يف هذه املرحلة قواعد أخالقيّة عامة مسيت هذه املرحلة النسبيّة‬
‫القواعدية‪.‬ـ‬
‫‪Ethical Liberalism -10‬‬
‫‪Tolerance -11‬‬

‫‪113‬‬
‫كل ‪/‬‬
‫الدليل األول‪ :‬استناداً إىل النسبيّة التوصيفية‪ :‬حيث إ ّن األفراد واجلوامع املختلفة خيتلفون اختالفاً جوهرياً يف ّ‬
‫بعض األحكام األخالقيّة (النسبيّة التوصيفية) فإ ّن احلكم على سلوك وأفعال اآلخرين بناءً على ما تعتقد من النظرية‬
‫كل فرد ‪ /‬جامعة حراً يف انتخاب ما يريد من النظريات األخالقيّة‬ ‫يصح أخالقيّاً‪ ,‬وال ب ّد أ ّن يكون ّ‬
‫األخالقيّة ال ّ‬
‫املقبولة عنده والعمل هبا وأ ْن نتحمل اآلخرين‪ ،‬وحنرتم قراراهتم وأعماهلم‪.‬‬

‫تحليل الدليل األول‪ :‬توجد عدة إشكاالت على هذا الدليل‪:‬‬

‫‪ - 1‬النسبيّة التوصيفية غري مقبولة (راجع‪ :‬حتليل النسبيّة التوصيفية)‪.‬‬

‫‪ - 2‬ال ارتباط منطقياً بني املق ّدمة ونتيجة االستدالل أل ّن جمرد وجود االختالف اجلوهري يف األحكام األخالقيّة ال‬
‫يع ّد دليالً كافياً ألصول النسبيّة القواعدية ألنّه من املمكن منطقي أ ْن يقبل بعضهمـ مبق ّدمة هذا االستدالل وأ ْن ال‬
‫يقبل بنتائجه‪.‬‬

‫مترين‪ :‬اكتب مق ّدمةـ هذا الدليل (النسبيّة التوصيفية) مع نقيض األصول الثالثة للنسبية القواعدية‪ ،‬وبنّي إمكانية أ ْن‬
‫يقبل أح ٌد ما منطقياً النسبيّة التوصيفية ونقيض النسبيّة القواعدية‪.‬‬

‫‪ - 3‬إ ّن النسبيّة التوصيفية من نوع "الوجودات" وأما النسبيّة القواعدية فهي من نوع اللزوميات‪ ،‬وباعتقاد الواقعيّني‬
‫(الزم) وبني ما هو "موجود"‪ ،‬ولذا فإهّن م بناءً على ما‬
‫منطقي بني "ما ينبغي" ٌ‬‫ّ‬ ‫أي ربط‬
‫والنسبيني فإنّه ال يوجد ّ‬
‫يعتقدون به ال ميكن استنتاج النسبيّة القواعدية من النسبيّة التوصيفية‪.‬‬

‫معتبٌر مطلقاً‬
‫أي حكم من بني األحكام األخالقيّة َ‬ ‫الدليل الثاين‪ :‬استناداً إىل نسبية ما وراء األخالق حيث ال يوجد ّ‬
‫كل فرد ‪ /‬جامعة يقبل هبا (نسبية ما وراء األخالق) فإ ّن احلكم على سلوك‬‫بل إ ّن هذه األحكام هلا اعتبارها عند ّ‬
‫وأفعال اآلخرين بناءً على النظرية املقبولة عندك ال يصح أخالقيّاً وال ب ّد أ ّن يكون‬

‫‪114‬‬
‫تتحمل اآلخرين وحترتم‬ ‫ٍ‬
‫كل فرد ‪ /‬جامعة حراً يف انتخاب ما يريد من النظريات املقبولة عنده والعمل هبا وال ب ّد أ ْن ّ‬
‫ّ‬
‫قراراهتم وأعماهلم‪.‬‬

‫حتليل الدليل الثاين‪ :‬يف هذا االستدالل أيضاً ع ّدة إشكاالت‪:‬‬

‫‪ - 1‬ال ميكن القبول بنسبية ما وراء األخالق (راجع حتليل نسبية ما وراء األخالق)‪.‬‬

‫كل فرد ‪ /‬جامعة يقبل هبا‪.‬‬‫‪ - 2‬لنفرتض صحة مق ّدمة هذا االستدالل وأ ّن األحكام األخالقيّة هلا اعتبارها فقط عند ّ‬
‫األخالقي على سلوك وأفعال اآلخرين بناءً على ما تقبله من النظرية األخالقيّة غري‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ ميكن القول إ ّن احلكم‬
‫ّ‬
‫األخالقي ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫معترب وال ميكن القبول به‪ ،‬إاّل أ ّن االستدالل املذكور ال يوضح لنا أ ّن مثل هذا احلكم ملاذا ‪ -‬باللحاظ‬
‫قيمي؟‬
‫غري صحيح وغري ّ‬

‫‪ - 3‬مق ّدمةـ هذا االستدالل (نسبية ما وراء األخالق) ال تتوافق مع نتيجته (النسبيّة القواعدية) أل ّن األوىل تنفي‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ كيف ميكن أ ّن‬ ‫اعتبار األحكام األخالقيّة بشكل مطلق بينما ترى الثانية أ ّن أصوهلا األخالقيّة الثالثة مطلقة‪.‬‬
‫اخلاصة القبول هبذه القيم العامة فما هو‬
‫كل القيم إطالق بعضها؟ إذا مل يرد الفرد ‪ /‬اجلماعة ّ‬ ‫نستنتج من نسبية ّ‬
‫الدليل الّذي يدل على مشول هذه القيم هلا؟‬

‫بغض النظر عن قرار الفرد ‪ /‬توافق اجلمع ‪-‬‬


‫أي قيمة مطلقة‪ ،‬و ‪ّ -‬‬ ‫‪ - 4‬بناءً على نسبية ما وراء األخالق ليس لدينا ّ‬
‫فإ ّن "أجيدة" و"أغري جيدة" كالمها معقوالنـ ومعتربان‪ ،‬ألنّه إذا أمكننا استنتاج أصول مطلقةـ من نسبية ما وراء‬
‫أي ترجيح بني األصول العامة للنسبية القواعدية وبني األصول املقابلة هلا (كون األحكام‬
‫األخالق فلن يوجد ّ‬
‫األخالقي)‪ ،‬ولذا كيف ميكن للقائل بالنسبيّة‬
‫ّ‬ ‫األخالقيّة يف حق اآلخرين قيمية‪ ،‬وال قيمية احلرية والتساهل والتسامح‬
‫أ ْن يؤكد على لزوم القبول بالطائفة األوىل فقط؟‬

‫‪ - 5‬كما مر سابقاً فإ ّن إشكال الرابطة املنطقية بني "ما ينبغي" وبني "موجود" موجود أيضاً يف هذا االستدالل[‬
‫‪.]19‬‬

‫‪115‬‬
‫‪ .2 - 3 - 2‬النسبيّة القواعدية‪ ،‬نظرية متناقضة يف ذاهتا وال ميكن تطبيقها‬

‫أي دليل إلثبات املدعى‪.‬‬


‫حىت اآلن‪ .‬ذكرنا وحللنا األدلة الّيت أقيمت إلثبات النسبيّة القواعدية ورأينا معاً عدم متامية ّ‬
‫وبغض النظر عن هذه األدلة فإ ّن نفس هذه النسبيّة القواعدية عليها اشكاالت نظرية وعملية متع ّددة تنسف‬ ‫ّ‬ ‫إاّل أنّه‬
‫هذه النظرية من أساسها‪.‬‬

‫لنتصور شخصاً ما وقف على مرتفع صارخاً‪:‬‬


‫أ) االشكاالت النظرية (تناقض وتعارض أصول النسبيّة القواعدية)‪ّ :‬‬
‫وكل من يتكلم مع الناس من هذا املكان فهو أمحق"‪.‬‬
‫"أيها الناس هذا مقام احلمقى‪ّ ،‬‬

‫إ ّن هذا الشخص بإصداره هذا احلكم فقد حكم على نفسه قبل أ ْن حيكم على اآلخرين‪.‬‬

‫األول منها‬
‫النسبيّة القواعدية هي أحكام عامة أخالقيّة نسبية وتشمل أفعال وسلوك اآلخرين أيضاً‪ .‬إاّل أ ّن األصل ّ‬
‫األخالقي بالنسبة ألفعال اآلخرين وسلوكهم على أساس النظرية املقبولة عندنا غري صحيح أخالقيّاً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يقول إ ّن احلكم‬
‫األول من النسبيّة القواعدية ينفي متام األصول فيها‪ .‬وأيضاً فإ ّن أصل احلرية املطلقة ‪ -‬باللحاظ النظري‬
‫ولذا فاألصل ّ‬
‫‪ -‬شامل لنفي نفسه‪ ،‬ألنّه يشمل حرية سلب احلرية أيضاً‪.‬‬

‫وكذلك أصل التساهل والتسامح املطلق فإنّه ‪ -‬باللحاظ النظري ‪ -‬أيضاً يأمر بتحمل عدم التساهل‪ ،‬وباحرتام من‬
‫ينقض التساهل وبعبارة أخرى فإ ّن قبول هذه األصول والدفاع عنها يستلزم القبول بنفي األصول والدفاع عنها‬
‫عم يدافع القائل بالنسبيّة؟[‪.]20‬‬ ‫أيضاً‪ ،‬ويف هذه الصورة من غري املعلوم ٍ‬
‫حينئذ َّ‬

‫‪ - 3‬تعارض أصل احلرية مع أصل التساهل والتسامح يف بعض املوارد‬

‫كل األعراق‬‫إ ّن اجملتمع العنصري الّذي يرى أ ّن عرقه وعنصره هو األفضل رمبا يكون يف عقيدته وجوب إزالة وحمو ّ‬
‫والعناصر األخرى‪ .‬ويف املقابل رمبا يكون هناك جمتمع ما يرى بناءً على نظريته األخالقيّة أ ّن العنصرية مذمومةـ وأ ّن‬
‫وظيفته‬

‫‪116‬‬
‫األخالقيّة تقتضي مواجهتها‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن أصل احلرية عند هذين اجملتمعني جييز هلما احلرب مع اآلخر بينما أصل‬
‫التسامح والتساهل عندمها أيضاً حيذرمها منها ويدعومها إىل االبتعاد عنها‪.‬‬

‫حتمل أفعال اآلخرين وسلوكهم‬


‫كل مقام إذا استلزم التعهد مبا نعتقده من النظريات األخالقيّة عدم ّ‬
‫وبشكل كلّي يف ّ‬
‫فسيحصل مثل هذا التعارض‪ ،‬حيث إ ّن قبول أصل التساهل والتسامح يف هذه املوارد معناه األغماض عن النظرية‬
‫األخالقيّة املقبولة عندنا وعدم العمل هبا‪ ،‬وهذا مما يتعارض مع أصل احلرية عندنا(‪.)21‬‬

‫ب) االشكاالت العمليّة (لزوم اهلرج واملرج وعدم التزام النسبيني ما يعتقدونه يف مقام العمل)‪.‬‬

‫بغض النظر عن االشكاالت النظرية الواردة على النسبيّة القواعدية فإ ّن افرتاض العمل هبذه األصول يستلزم بعض‬
‫اللوازم الالمقبولةـ عملياً‪:‬‬

‫حيق بالتايل لغريه أ ّن‬


‫كل فرد أو جممتع لديه احلرية الكاملة يف أ ْن يفعل ما يريد ويشتهي‪ ،‬وال ّ‬
‫‪ - 1‬لو بنينا على أ ّن ّ‬
‫مينعه‪ ،‬فإ ّن ذلك سيستلزم حدوث اهلرج واملرج العظيمني‪.12‬‬

‫أل ّن كون الفرد حراً يف قتل اآلخر أو تعذيبه ألنّه مسرورـ بذلك أو أ ّن كون جمموعة من الفاسدين أو قطاع الطرق‬
‫أحراراً سيؤدي إىل املخاطرة بأمن الناس سواء يف أمواهلم أو أرواحهم‪.‬‬

‫واقعي للقيمـ األخالقيّة وإمنا يقيم السلوك واالنفعاالت بناءً على آثارها‬
‫بأي مبىن ّ‬
‫النسيب ال يقبل ّ‬
‫ّ‬ ‫لكن حيث إ ّن‬
‫ونتائجها‪ ،‬فإنّه ال يرى أ ّن عواقب هذه األمور الالمطلوبة توجب حمدودية احلرية الفردية واالجتماعية‪.‬‬

‫أي جمتمع يقوم على أساس النسبيّة القواعدية سيكون أكثر وحشية من حيوانات الغاب املفرتسة‪.‬‬
‫إ ّن ّ‬
‫ِ‬ ‫ض ُه ْم بَِب ْع ٍ‬ ‫ِ‬
‫ض لََّف َس َدت األ َْر ُ‬
‫ض‪( "...‬البقرة ‪.)251 :1‬‬ ‫َّاس َب ْع َ‬
‫"ولَ ْوالَ َدفْ ُع اهلل الن َ‬
‫‪ -12‬يشري القرآن الكرمي إىل هذه املالزمة بقوله تعاىل َ‬

‫‪117‬‬
‫‪ - 2‬هل ميكن لنفس القائلني بالنسبيّة التزام أصول النسبيّة القواعدية يف مقام العمل؟‬

‫تعرض اآلخرون له يف نفسه أ ْن خيتار طريق التساهل والتسامح وأ ْن يقول‬


‫ألي قائل بالنسبيّة إذا ما ّ‬
‫من البعيد جداً ّ‬
‫حبرية أمثال هؤالء املخالفني ليعملوا طبق ميوهلم وسالئقهم أو طبق ما تعاهدوا عليه‪.‬‬

‫ولو ظننتم غري هذا فيمكنكم أ ّن جتربوا ذلك ومتتحنوه!‬

‫العملي للنسبيني بنظرياهتم‪.‬‬


‫ّـ‬ ‫عيين على عدم االلتزام‬
‫إ ّن القصة الّيت ذكرناها يف بداية هذا الفصل مثال ّ‬

‫ومن املهم أ ْن تعرف َّ‬


‫أن القائل بالنسبيّة وطبقاً لنظرياته ال ب ّد له أاّل يقابل الظلم يف حقه باالنتقام وليس هذا‬
‫أي مقاومة جتاهه بل وحىت أ ْن ال يقبّح هذا الفعل قلبياً أيضاً‪.‬‬
‫فحسب‪ ،‬بل ال ب ّد له أ ّن ال يُظهر أو يبدي ّ‬

‫أي ٍ‬
‫أصل من أصول النسبيّة القواعدية يتناىف تقبيح األفعال الظاملة؟‬ ‫سؤال‪ :‬مع ّ‬

‫‪ .2 - 3- 3‬قيود النسبيّة القواعدية‬

‫قلّما جند نظرية كالنظرية النسبيّة األخالقيّة كانت عرضة هلذا احل ّد من النقد‪ 13‬واالشكاالت‪ .‬وهنا نسأل أال يوجد‬
‫كل هذه االشكاالت؟ ومن املمكن أ ّن تسأل أيضاً عن سبب تأكيد القائل بالنسبيّة على إطالق‬ ‫مناص للتخلّص من ّ‬
‫أصول النسبيّة القواعدية‪ .‬وهل ميكن من أجل اإلجابة وحل هذه االشكاالت أ ّن نقيد هذه األصول؟‬

‫مما جيدر االلتفات إليه أ ّن إطالق أصول النسبيّة القواعدية يُعترب من لوازم النظرية النسبيّة ومرحلة من مراحلها‪ .‬وعليه‬
‫إذا مل تكن للقيم األخالقيّة واقعيّة‪ ،‬ومل يكن أي‬

‫‪ -13‬ومثاالً على ذلك راجع‪ ،‬لويس بومين‪" ،‬نقدي برنسبيت اخالقي"‪( ،‬نقد النسبيّة األخالقيّة) ترمجة حممود فتحعلي‪ ،‬جملةـ نقد ونظر‪،‬‬
‫العدد ‪ ،14 - 13‬ص ‪ ,343 - 324‬بول روبيجك‪" ،‬اخالق نسيب است يا مطلق" (األخالق نسبية أم مطلقة) ترمجة سعيد عدالت‬
‫نزاد‪ ،‬نفس املصدر السابق‪ ،‬ص ‪Mohammad A. Shomali, Ethical Relativism. An ,323 - 300‬‬
‫‪.Analysis of the Foundations of Morality‬‬

‫‪118‬‬
‫عمل ‪ -‬يف الواقع ‪ -‬ال حسن وال قبيح‪ ،‬فال دليل على حرية االنتخاب والعمل يف بعض األعمال ولزوم حتمل ذلك‬
‫من قبل اآلخرين وال دليل على عدم جواز التساهل واحلرية يف بعض األعمال األخرى أيضاً‪ .‬وبناءً على هذا فإ ّن‬
‫أي توجيه لتقييد أصول النسبيّة القواعدية‪ ،‬ألنّه طبقاً هلذه النظرية أيضاً فإ ّن‬
‫النسبيني وطبقاً لنظريتهم ليس لديهم ّ‬
‫ألي شخص يف‬ ‫تعيني القيود األخالقيّة كما هو احلال يف نفس األحكام األخالقيّة تابع للسليقةـ ‪ /‬التوافق وال ميكن ّ‬
‫هذا اجملال أ ْن يعنّي تكليفاً ثابتاً لكل األفراد ‪ /‬اجملتمعات‪ ،‬ومضافاً إىل هذا فإنّنا لو رفعنا اليد عن النسبيّة القواعدية‬
‫ستبقى االشكاالت على املراحل السابقة من النسبيّة األخالقيّة قائمة‪ ،‬ومع هذا كله فمن املمكن للنسبيني من أجل‬
‫تفعيل نظريتهم عملياً أ ْن جيعلوا بعض القيود على هذه األصول‪ .‬وسوف نتابع يف هذا اجملال مناظرة فرضية بني قائل‬
‫" بالنسبية وبني ٍ‬
‫ناقد‪.‬‬ ‫ّ‬

‫سؤال‪ :‬مع التدقيق يف هذه املناظرة اذكر ماهية القيود الّيت ميكن افرتاضها يف مورد النسبيّة القواعدية‪ .‬وهل ميكن‬
‫القبول مبثل هذه القيود؟ وملاذا؟‬

‫‪ -‬إ ّن أصول نسبيّتك القواعديّة متناقضة يف نفسها‪ ،‬ويرد عليها العديد من االشكاالت العمليّة‪ ،‬وبناءً عليه ال ميكن‬
‫القبول بنظريّة النسبيّة األخالقيّة‪.‬‬

‫كل املوارد‪ ،‬وعليه فال ترد هذه االشكاالت‬


‫‪ -‬حنن نعتقد بلزوم تبيعة هذه األصول حىت احل ّد املمكن منها وليس يف ّ‬
‫عليها‪.‬‬

‫‪ -‬ما هو مرادك بالدقة من قولك "حىت احلد املمكن"؟‬

‫النظري فإهّن ا تكون قابلة للتطبيق‪ ،‬مثالً‪ :‬لو كانت احلرية مطلقة فإهّن ا تشمل‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬إىل احل ّد الّذي ال يوجب التناقض‬
‫عام‬ ‫ٍ‬
‫أصل ٌ‬‫سلب حرية اآلخرين أيضاً‪ ،‬وهذا ال ميكن القبول به ألنّه يستلزم نفي نفسها حينئذ‪ ،‬لكن ملا مل يكن لدينا ٌ‬
‫أخالقي ‪ -‬غري أصول النسبيّة القواعدية ‪ -‬يقيدها فإنّنا نقول إ ّن هذا األصل بنفسه يعنّي قيوده مبعىن أ ّن احلرية حمرتمة‬
‫ٌّّ‬
‫إىل احل ّد الّذي ال يوجب سلب حرية اآلخرين‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫مفر لنا إىل احل ّد‬
‫كل االشكاالت األخرى‪ ،‬ولنفرتض أ ّن مثل هذه األصول مت إثباهتا وأنه ال ّ‬
‫‪ -‬سأصرف النظر عن ّ‬
‫املمكن من قبوهلا‪ ،‬والعمل هبا‪ ،‬لكن سأفرتض لك مورداً ما وسأطلب منك طبقاً ألصول النسبيّة أ ْن توضح لنا‬
‫التكليف فيه‪:‬‬

‫‪ -‬موافق‪.‬‬

‫‪ -‬إفرتض أ ّن العنصريني صمموا ‪ -‬بناءً على عقائدهم ‪ -‬على تطهري األرض من لوث األعراق األخرى‪ ،‬هل هم‬
‫أحرار يف ذلك؟‬
‫ٌ‬

‫بأي وجه‪ ،‬وبالدقة فإ ّن هذا املورد من املوارد الّيت ال يقبل فيها بأصل احلرية‪ ،‬ألنّه سوف تسلب‬
‫‪ -‬ال ميكن ذلك ّ‬
‫حرية اآلخرين يف احلياة‪ ،‬وبالتايل فإ ّن حرية هؤالء العنصريني سوف تتعارض مع حرية اآلخرين وال ميكن القبول‬
‫بذلك‪.‬‬

‫‪ -‬تعارض احلرية بني هاتني اجملموعتني واضح‪ ،‬ولكن رفع هذا التعارض له ثالثة طرق‪ :‬إما أ ّن تسلب حرية‬
‫حريتْيهما معاً‪.‬‬
‫العنصريني وإما أ ّن تسلب حرية اآلخرين‪ ،‬وإما أ ّن تسلب َ‬

‫‪ -‬وعليه فبأي دليل رجحت االحتمال األول؟‪.‬‬

‫‪ -‬إ ّن هذا التعارض يرتفع بسلب حرية أحدمها‪ ،‬وال حاجة لسلب حرية االثنني معاً‪ ..‬وأما سلب حرية اآلخرين‬
‫ترجح هذا االحتمال؟‬
‫فيعين جتويز قتلهم بيد العنصريني‪ ،‬هل ميكنك أنت أ ْن ّ‬

‫الواقعي من األخالق‪ ،‬لكننا اآلن نبحث ونتكلم‬‫ّ‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬القائلون بإطالق األخالق يقايسون قيمة األفعال باهلدف‬
‫عن نظرية النسبيّة‪ ،‬وبناءً على األصول واملباين الّيت تعتمدها ال ميكنك ترجيح إحدى احلريتني على األخرى باالستناد‬
‫أي مالك لالختيار يف مثل هذا املوارد‪ ,‬ألنّه لو أردنا النظر‬
‫النسيب ليس لديه ّ‬
‫ّ‬ ‫إىل النتائج الواقعيّة لألفعال‪ ،‬وبالتايل فإ ّن‬
‫أي توجيه ومعىن ألصول النسبيّة القواعدية‪ ،‬واآلن هل‬ ‫إىل نتائج العمل والفعل وبالتايل التقييم على أساسه فلن يبقى ّ‬
‫ميكنك أ ْن تبنّي لنا ماذا تعين "بكوهنا قابلة للتطبيق"؟‬

‫‪ -‬املراد منها أ ّن احلرية والتسامح والتساهل إذا مل تكن مقيدة ومشروطة سيلزم‬

‫‪120‬‬
‫منها أحياناً الفساد واهلرج واملرج واقعاً‪ ،‬وستصبح احلياة عملياً غري ممكنة أو صعبة‪ ،‬وسيكون األمن االجتماعي‬
‫عرضة لألخطار و‪ ،...‬لكن إذا مل حتصل مثل هذه املفاسد واحملاذير فإ ّن العمل بأصول النسبيّة القواعدية يبقى الزماً‪.‬‬

‫ناظر إىل اللوازم الواقعيّة لسلوكـ األفعال‪ .‬أنا أقرتح عليك ملرة واحدة وأخرية أ ّن تعنّي مرادك‬ ‫‪ -‬وهذا القيد أيضاً ٌ‬
‫ورأيك من الواقعيّة والالواقعيّة‪ ،‬ألنّه إذا قبلت بالالواقعيّة فإ ّن االستناد إىل عواقب األفعال يف التقييم سيكون بال‬
‫معىن وبالتايل فإ ّن احلسن والقبح والصالح والفساد سيكون هلا معىن فقط‪ ،‬وفقط بعد إرادة الفرد ‪ /‬توافق اجملموعة‬
‫الواقعي عند الالواقعيني والنسبيني يشبه التعبري باخلرافة الواقعيّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وكذلك فإهّن ا ليست مطلقة‪ ،‬إ ّن التعبري بالفاسد‬

‫‪ -‬طبعاً ليس مرادي االستناد يف التقييم إىل العواقب الواقعيّة لألفعال بل إنين أذكر بعض القيود اجملمع عليها‬
‫أي إنسان ال يقبل باهلرج واملرج وإفساد احلياة‪.‬‬ ‫كل الناس‪ ،‬ألن ّ‬‫واملعتربة عند ّ‬

‫أظن أ ّن هذا الكالم مقبول بكليته‪ ،‬ألنّه رمبا يكون القاتل موافقاً على إفساد حياة املقتول‪ ،‬والعنصريون‬
‫‪ -‬أنا ال ّ‬
‫كذلك موافقون على إفساد حياة اآلخرين‪ ،‬وكذلك على الرغم من أ ّن السارقني يهتمون حبفظ أمواهلم إاّل أنّه من‬
‫املمكن أ ْن يتوافقوا أيضاً على سرقة أموال اآلخرين‪ ،‬وأيضاً فإ ّن املخلني باألمن والطالبني للهرج واملرج توافقوا على‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ من ذا الّذي سيقيّم هذه األمور مبا وراء اإلرادة والتوافق؟‬ ‫إجياد اهلرج واملرج يف النظام‪،‬‬

‫‪ -‬ما املانع من استنادنا يف تقييم مثل هذه املوارد إىل العواقب الواقعيّة؟‬

‫‪ -‬االستناد إىل العواقب الواقعيّة صحيح يف ح ّد ذاته‪ ،‬إاّل أنّه إذا كان صحيحاً ها هنا فال دليل على عدم صحته يف‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫سائر املوارد وعليه ال ب ّد أ ّن نقبل بالواقعيّة وإطالق األخالق‪ ،‬وحينئذ مع االلتفات إىل هدف األخالق نُقيّم ّ‬
‫األفعال‪ .‬ويف هذه الصورة سيكون حال احلرية والتساهل حال بقية األفعال من ناحية التقييم ال أ ّن القيمة مطلقة‬

‫‪121‬‬
‫يف موردمها‪ ،‬إذ إنّه ال ميكن إثبات قيمتهما إىل احلد الّذي يوجب تناقضهما ذاتاً وقبوهلما للتطبيق خارجاً‪ .‬وكما‬
‫أخالقي جتب رعايته إىل احلد املمكن‪ ،‬كذلك فإ ّن‬
‫ّ‬ ‫هو احلال يف السري حيث أنّه ال قيمة مطلقة له وال يع ّد كأصل‬
‫أي دليل للتأكيد عليها والعمل هبا ألنّه يف‬
‫أصول النسبيّة القواعدية غري خارجة عن هذا النسيج وبالتايل ال يوجد ّ‬
‫واألهم الّيت جيب أ ّن تكون كأصول ثابتة‪ ،‬أما أنت فقد‬
‫ّ‬ ‫األخالق الواقعيّة‪ ،‬رمبا يوجد الكثري الكثري من القيم اهلامة‬
‫سلكت الطريق اخلاطىء منذ البداية‪.‬‬

‫‪ -‬إ ّن تأكيدنا على أصول النسبيّة القواعدية يعود إىل األدلة الّيت تثبت هذه النسبيّة‪.‬‬

‫‪ -‬نعم لألسف إ ّن نفس هذه األدلة غري صحيحة‪ ،‬ومضافاً إىل ذلك لو سلمنا بتمامية هذه األدلة فإهّن ا ستثبت هذه‬
‫أي قيد عليها ألنّه طبقاً ملا تعتقد من تبعية األحكام األخالقيّة‬ ‫ٍ‬
‫األصول بشكل مطلق‪ ،‬وحينئذ ال ميكنك إضافة ّ‬
‫للسليقةـ ‪ /‬التوافق‪ ،‬فإ ّن قيودها كذلك تابعة هلا‪.‬‬

‫ولذا ال ميكنك ‪ -‬بناءً على ما تعتقد ‪ -‬حتميل هذه القيود على اجلميع‪ .‬ورمبا يريد أحدهم ‪ /‬مجاعة احلرية والتساهل‬
‫بشكل مطلق‪ ،‬إاّل أ ّن أصل اإلشكال يرجع إىل الالواقعيّة‪ ،‬ويف رأيي فإنّه ال ميكن ألي إنسان أ ّن يعيش من دون‬
‫أي إنسان ال ميكنه أ ّن‬
‫القبول بالواقعيّات األخالقيّة بل وحىت مع كونه غافالً عن هذه احلقيقة‪ ،‬وبالدقة أيضاً فإ ّن ّ‬
‫يعيش من دون القبول باملعرفة اليقينية‪ .‬إ ّن النسبيّة األخالقيّة تشابه النسبيّة املعرفية يف كوهنا متناقضة يف ذاهتا وغري‬
‫عملية أيضاً‪ ،‬وكما ترجح أنت نفسك البقاء على االنتحار فإ ّن هذا دليل بذاته على أنك قايست قيمة األفعال‬
‫بعواقبها وبالتايل فإ ّن قرارك مبتىن على نتائج األفعال املطلوبة وغري املطلوبة منها‪ .‬نعم من املمكن أ ّن يكون تشخيص‬
‫واحد منا يف تعيني املطلوب األصلي خاطئاً أو أ ْن نكون مشتبهني يف حتديد طرق الوصول إليه يف بعض املوارد‪،‬‬ ‫أي ٍ‬
‫ّ‬
‫ولكن هلذا السبب فإ ّن األخالق حباجة إىل البحث والذي هو من أعظم البحوث وأكثرها قيمة‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫‪ -‬رمبا ميكن القبول بشيء مشابه هلذا يف مقام العمل‪ ،‬أنا أقبل بأ ّن احلرية ليست مطلقةـ يف مقام العمل بل إنّه بناءً‬
‫على النسبيّة األخالقيّة ميكن إثبات قيمة احلرية يف العمل والسلوك "إىل احل ّد املمكن"‪ .‬لكن ميكننا على األقل القبول‬
‫بقيمة احلرية والتساهل نظرياً‪.‬‬

‫‪ -‬ماذا تعىن بقولك "نظرياً" يف مقابل قولك احلرية والتساهل عملياً؟‬

‫‪ -‬أعين حرية العقيدة والفكر والبيان والقلم‪.‬‬

‫‪ -‬هل تعتقد برأيك أ ّن هذه املوارد الّيت سأعددها لك عملية أم نظرية؟ وهل هي حسنة أم قبيحة؟ الكذب‪،‬‬
‫اإلشاعة والتشهري‪ ،‬والفحش سواء كانت باللسانـ أم بالكتابة؟‬

‫‪ -‬ال ال! إ ّن هذه األعمال قبيحة‪ ،‬وال أظن أ ّن أحداً يقبل هبا‪ .‬ال ب ّد من حفظ احرتام اآلخرين ولذا ال ب ّد من‬
‫اجتناب هذه األمور‪.‬‬

‫‪ -‬إذاً البيان والقلم يرجعان إىل ناحية العمل‪ ،‬واحلرية والتساهل يف موردمها ليسا مطلَ َقنْي ‪.‬‬

‫النظري بصورة عقيدة فكرية‪ .‬فاإلنسان‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬رمبا ميكن القول إ ّن احلرية والتساهل نظريتان إىل احلد الّذي يبقى فيه‬
‫حر يف ذاته ويفعل ما يريد‪ ،‬وأما لو اتصف بالناحية العملية فإ ّن احلرية والتساهل ٍ‬
‫حينئذ سيكونان عمليني‪ .‬وقد حبثنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حول هذا األمر مسبقاً‪.‬‬

‫‪ -‬إذا كنت تقبل بالنسبيّة فإ ّن االشكاالت الواردة على أصل احلرية عملياً واردة ها هنا أيضاً‪ ،‬وبالتايل ليس لديك‬
‫أي طريق إلثبات القيمة املطلقة للحرية والتساهل من الناحية النظرية‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ -‬أنا أظن أنّه باإلمكان إثبات ذلك وحىت يف مورد البيان والقلمـ بناءً على مبىن االطالق‪ ،‬نعم باستثناء املوارد الّيت‬
‫عددهتا كالكذب والفحش‪ ،‬إذا مل يكن األفراد أحراراً يف العقيدة والفكر ومل يتمكنوا من بياهنا فلن يستطيعوا‬
‫تشخيص العقائد‬

‫‪123‬‬
‫الصحيحة من العقائد الفاسدة بل ورمبا سيبتلون بالفاسدة منها‪ .‬وبناءً على الواقعيّة فإ ّن إخفاء العقيدة الفاسدة‬
‫والعمل على طبقها سريتب عليها بعض املفاسد أيضاً‪ ،‬ألن من يعتقد بأنه يستطيع اخليانة أو أخذ الرشوة من أجل‬
‫منفعته الشخصيّة إذا مل يكن جريئاً يف إبراز عقيدته والبحث والنقاش حوهلا فلن يؤمل يف تصحيح عقيدته‪ ،‬وهل‬
‫ترجح أنت مفاسد العمل باألفكار الفاسدة على حرية البيان؟ من الواضح يف رأيي أ ّن حرية العقيدة والفكر والبيان‬
‫والقلم موجبة لرشد اجملتمع‪ ،‬أل ّن هذا الرشد مطلوب أيضاً حىت عند القائلني بالواقعيّة‪ ،‬ولذا ينبغي عليك أيضاً أ ّن‬
‫تقبل هبذا كأصل مسلّم به‪.‬‬

‫‪ -‬إ ّن كون احلرية والتساهل يف النظر وباستثناء بعض املوارد ذات قيمة مبعىن أ ّن قيمتهما ليست مطلقة‪ ،‬لكن‬
‫لنعرف ما هي املوارد الّيت هلا قيمة فيها‪ ،‬فسأجيبك من خالل سؤال أطرحه عليك‪ :‬أال تظن أنّه إذا أوصينا مرضى‬
‫السل بأمر طيب حيذرهم مبا هم أحرار بالتواصل والتماس مع اآلخرين‪ ،‬أ ّن ذلك سيوجب على هؤالء عدم الذهاب‬
‫أي وقت؟‬‫إىل الطبيب وعدم عالجهم يف ّ‬

‫‪ -‬كال‪ ،‬احلل يف رأيي أ ّن يتواصل هؤالء املرضى مع املتخصصني فقط الّذين يعرفون كيفية وقاية أنفسهم من‬
‫بالسل عند معاجلة هؤالء املرضى واالرتباط هبم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االبتالء‬

‫‪ -‬وأنا أقرتح هذا احلل أيضاً على أصحاب العقائد الفاسدة واليت من املمكن أ ّن تسبّب فساد واحنراف اآلخرين‪،‬‬
‫املختصني‪ ،‬وإجياد العقيدة الصحيحة من خالل البحث واحلوار معهم‪ ،‬ال أ ْن يقوموا بعقد‬
‫ّ‬ ‫لذا جيب عليهم مراجعة‬
‫االجتماعات مع األفراد العاديني الّذين ال خيتصون هبذا اجملال أو بنشر أفكارهم يف املنشورات العامة‪ .‬إن وجود‬
‫مراكز حبث ختصصية وحرية التعبري من أجل تشخيص الرأي الصحيح ومع رعاية شرائطه يف هذه املراكز الزم‬
‫وعظيم وأما إشاعة األفكار الباطلة املوجبة للفساد واالحنراف فهي ضد القيم وال بد من منعها والوقوف يف طريقها‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫قاتل وأما الفكر يف حد ذاته فليس له هذا الضرر‬
‫‪ -‬إ ّن هذا القياس غري صحيح (قياس مع الفارق) أل ّن مرض السل ٌ‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ ال ب ّد من ردعه ومنعه‬ ‫واخلطر‪ ،‬نعم إذا مل يستفد بعضهمـ منه بشكل صحيح وأدى مثالً إىل قتل شخص ما‬
‫من ذلك‪.‬‬

‫أي تأثري يف القيمة‪ ،‬لكن عندما نقيّم بناءً على الواقعيّة‬


‫‪ -‬بناءً على النسبيّة‪ ،‬فإ ّن العواقب والنتائج ليس هلا ّ‬
‫الواقعي للقيمة‪ ،‬ومن مثّ تعيني درجة النفع والضرر والصالح والفساد فيها‪.‬‬‫ّ‬ ‫واألخالق ال ب ّد ابتداءً من تعيني املالك‬
‫إ ّن من يعتقد بأ ّن اإلميان باهلل ويوم القيامة بناءً على كتبه السماويّة شرط لالستقامة يعتقد بأ ّن الراحل من هذه الدنيا‬
‫اإلهلي إىل األبد‪ ،‬ويعتقد أيضاً بأ ّن خطر وضرر األفكار الفاسدة املوجبة لسلب إميان الفرد‬‫بال إميان سيبتلى بالعذاب ّ‬
‫أعظم من قتله مبراتب‪ ،‬وأنت ال ميكنك من دون إثبات املادية ونفي وجود اهلل واملعاد أ ّن تعتقد بعدم صحة هذا‬
‫التقييم‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫أكمل‪.‬‬
‫‪ -1‬أكمل اجلدول التايل‪:‬‬

‫‪ - 2‬بغض النظر عن األدلة‪ ،‬اذكر خالصة االشكاالت على النسبيّة الفردية واالجتماعية والقواعدية‪.‬‬

‫‪ 6‬اشكاالت النسبيّة الفردية‪:‬‬


‫‪-1‬‬
‫‪-2‬‬

‫‪126‬‬
‫اشكاالت النسبيّة االجتماعية‬
‫‪-1‬‬
‫‪-2‬‬
‫‪-3‬‬

‫اشكاالت النسبيّة القواعدية‬

‫ألف) النظرية‪:‬‬
‫‪-1‬‬
‫‪-2‬‬

‫ب) العمليّة‪:‬‬
‫‪-1‬‬
‫‪-2‬‬

‫‪ - 3‬اذكر قيدين من قيود النسبيّة القواعدية‪ ،‬واكتب يف سطرين خالصة النقد عليهما‪.‬‬

‫القيد األول‪:‬‬

‫النقد‪:‬‬

‫القيد الثاني‪:‬‬

‫النقد‪:‬‬

‫‪ - 4‬اذكر باختصار ويف سطرين فقط ما هو املراد من االطالق والنسبيّة يف األخالق؟‬

‫‪127‬‬
‫للبحث‬

‫األخالقي ناشىء عن عدم التوافق يف االحساسات‪ ،‬وأ ّن عدم التوافق هذا‬


‫ّ‬ ‫‪ - 1‬اعتقد استيفنسون بأ ّن عدم التوافق‬
‫ممكن أيضاً حىت مع وجود االشرتاك يف االعتقادات الناظرة إىل الواقع‪.‬‬

‫جوهري أم ال؟‬
‫ّ‬ ‫طبقاً لرأي استيفنسونـ هل أ ّن االختالف يف األحكام األخالقيّة‬

‫‪ - 2‬ما هي برأيك االنتقادات األخرى الواردة على نظرية النسبيّة األخالقيّة؟ احبث عنها وأضف خالصتها إىل‬
‫الفهرس‪.‬‬

‫مستقل من ناحييت النسبيّة‬


‫ّ‬ ‫‪ - 3‬احبث حول لوازم نظرية النسبيّة األخالقيّة بالنسبة إىل املوارد املبينة أدناه وبشكل‬
‫الفردية والنسبيّة االجتماعية‪:‬‬

‫هتذيب النفس‪ ،‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬الدفاع عن القيم‪ ،‬تصدير القيم‪ ،‬البحث واحلوار مع املخالف لنا‬
‫حول القيم‪.‬‬

‫‪ - 4‬برأيك‪ ،‬إ ّن من ال يعنّي معىن "الصالح" و"الفساد" وما هو الصالح الّذي يريده‪ ،‬بل يوكل تعيني ذلك إىل‬
‫العملي‬
‫ّـ‬ ‫غض النظر عن التزامه‬
‫اجملتمع‪ ،‬هل هو من املعتقدين بالقيم األخالقيّة املطلقة أم أنّه من القائلني بالنسبيّة؟ (مع ّ‬
‫بُعرف اجملتمع أو عدم التزامه بذلك)‪.‬‬

‫الصف‪ ،‬وحبضور األستاذ‪ ،‬حول قيمة‪ :‬الدميقراطية‪ ،‬االغتيال‪ ،‬العنف‪،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 5‬قم بإجراء مناظرة مع أحد أصدقائك يف‬
‫املداراة‪ ،‬اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان‪ ،‬العقوبات الشرعية والقانونية [كاجللد وقطع اليد‪ ،‬والرجم واالعدام)‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫إقرأ‬

‫‪ -1‬ومثاالً على ذلك فإ ّن "استيفنسون" و"هريكه" يعتقدان بالرتتيب أ ّن األحكام األخالقيّة نفي لتحريك إحساسات‬
‫الطرف املقابل‪ ،‬أو للتوصيات العامة‪ ،‬واعتربا النسبيّة األخالقيّة مبعىن أ ّن احملموالت األخالقيّة هي توصيف للوضع‬
‫األخالقي يف نظرمها إمنا يكون نسبياً‬
‫ّ‬ ‫الداخلي لذهن الفرد عندنا‪ ،‬ويف النتيجة فإهنما ال يقوالن بالنسبيّة بل إ ّن احلكم‬
‫إذا كان مقيّداً فقط بتوصيف الوضعيّة الذهنية عند الفرد وأما سائر القيود ‪ -‬كالتقيد بإحساس القائل أو األمر‬
‫والتوصيات أو توافق اجلمع عليه ‪ -‬فال تع ّد مانعة إلطالق األخالق‪ .‬ويبدو لنا ‪ -‬وكما أشار إليه بونتينج ‪ -‬أ ّن مثل‬
‫هذه التعريفات واآلراء إمنا قُ ّدمت لتصونـ قائلها من اهتامه بالقول بالنسبيّة وليس الغرض جمرد تعريفها‪.‬‬

‫خاصة مانعة من اطالق األخالق إاّل إذا‬ ‫ِ‬


‫وبناءً عليه فإنّنا ال نقبل ما اعتُق َد من أ ّن التعريفات املشتملة على قيود ّ‬
‫كل القائلني باإلطالق ينكرون تقيّد‬
‫اخلاصة عند القائلني باإلطالق‪ .‬كما لو أ ّن ّ‬
‫وجدنا الوجه املشرتك للحاظ القيود ّ‬
‫األحكام األخالقيّة بقيود غري واقعيّة‪ .‬ومن طرف آخر اعترب "وانج" أ ّن هدف األخالق هو تنظيم الروابط‬
‫االجتماعية واحل ّد من تعارض منافع الشخص أو منافع األشخاص يف اجملتمع ويعتقد أيضاً بأنه من املمكن وجود‬
‫أخالقي وحيد مناسب لتحقيق‬
‫ّ‬ ‫طرق خمتلفة لتحقيق هذا اهلدف‪ .‬ويقول أيضاً إنّه ملا ال ميكن القول بوجود مذهب‬
‫حينئذ من القبول بالنسبية‪ ،‬لكن األنظمة املقبولة ٍ‬
‫حينئذ هي األنظمة الّيت ميكنها أ ّن تؤمن وحتقق هذا‬ ‫هذااهلدف ال بد ٍ‬
‫ّ‬
‫اهلدف‪.‬‬

‫بل من املمكن يف رأيه أ ّن يكون أحد األنظمة هو األفضل من بينها واألكثر قبوالً ولكنه ال ميكن القول إن هناك‬
‫وبغض النظر عن االشتباه الّذي وقع فيه جلهة تعيني هدف األخالق من املمكن‬
‫ّ‬ ‫مذهباً واحداً صحيحاً فقط‪ .‬إاّل أنّه‬
‫أخالقي ‪-‬حىت عند الواقعيّة واالطالقية أيضاً ‪ -‬لتأمني بعض األهداف‪ .‬ومثاالً‬
‫ّ‬ ‫كل مذهب‬ ‫وجود طرق خمتلفة يف ّ‬
‫على ذلك إ ّن القائل باالطالق عندما يضع نظاماً أخالقيّاً فإنّه يعتقد بوجود بعض األصول املطلقة كقيمة اهلدف‪،‬‬
‫واألعمال الّيت تؤدي إىل اهلدف مطلقاً وال يعتقد باحنصار الطريق إىل ذلك اهلدف‪.‬‬

‫لكن ال بد أ ّن ننبّه إىل أ ّن "وانج" نفسه يشري إىل أ ّن مراده من النسبيّة غري النسبيّة املتعارفة حيث إن نظريته هي‬
‫منوذج عن التعديالت الطارئة يف السنوات األخرية على نظرية النسبيّة األخالقيّة‪ ،‬ويف‬

‫‪129‬‬
‫الواقع فإ ّن هذه النظريات تنكر فقط نوعاً خاصاً من إطالق األخالق‪.‬‬

‫ت" نفسه واملدافع بقوة عن إطالق األخالق ال يعتقد بأ ّن القيم األخالقيّة مقيَّدة بالزمان أو املكان‬ ‫‪ -2‬كما إ ّن " َكانْ ْ‬
‫أو الفاعل بل وال بنتيجة األفعال أيضاً بل يعتقد بأ ّن قيم األفعال االختيارية مقيَّدة بنيّة اخلري‪ ،‬والقيمة الوحيدة غري‬
‫املقيدة بأي قيد هي اخلري يف حد ذاته‪ ،‬فاخلري هو نية اخلري عنده (راجع نظرية العقل العملي يف الفصل السابع من‬
‫هذا الكتاب)‪.‬‬

‫وكل القائلني بالنسبيّة جمبورون على طرح بعض األصول املطلقة باللحاظ‬ ‫كل املذاهب الالواقعيّة ّ‬ ‫‪ -3‬حتماً فإ ّن ّ‬
‫العملي فهم ملتزمونـ فعالً بالكثري من هذه األصول املطلَقة‪ ،‬بالرغم من منافاة ذلك ملبانيهم‪.‬‬‫ّ‬ ‫النظري‪ ،‬وأما باللحاظ‬
‫ّ‬
‫وقد أشرنا عند ذكر االنتقادات على النسبيّة إىل هذه األصول املطلقة النظرية والعمليّة‪ .‬ويف الواقع فإ ّن هذه‬
‫االنتقادات ترجع إىل أ ّن الالواقعيني والنسبيني ال ميكنهم ‪ -‬ال نظرياً وال عملياً ‪ -‬االلتزام بنظرياهتم ونقض مبانيهم‪،‬‬
‫أخالقي مطلق‪ -‬ال يتناىف‬
‫ّ‬ ‫بأي أصل‬‫ولذا فإ ّن هذا املطلب ‪ -‬ومع أ ّن الواقعيّني والنسبيني ال ميكنهم منطقياً القبول ّ‬
‫معه بل مؤيد له (دقّق يف ذلك)‪.‬‬

‫نسميها باألصول األخالقيّة املطلقة ‪-‬‬


‫‪ -4‬بناءً على هذا ميكن القول إن بعض األحكام األخالقيّة ‪ -‬واليت ميكن أ ْن ّ‬
‫بأي قيد‪ .‬وأما سائر األحكام األخالقيّة فإهّن ا ترتبط بقيود مندرجة حتت هذه األصول املطلقة‪ .‬وميكن بيان‬
‫غري مقيّدة ّ‬
‫بأي قيد شرط أ ْن يكون احملمول‪14‬على‬
‫أخالقي مقيَّد ّ‬
‫ّ‬ ‫أي حكم‬‫هذا املطلب منطقياً بالشكل التايل‪ :‬ال يوجد ّ‬
‫حممد تقي مصباح‪ ،‬دروس فلسفه اخالق‪ ،‬ص ‪187‬‬ ‫املوضوع ذاتياً أو ّأولياً (كما هو املصطلح يف الربهان) (راجع‪ّ :‬‬
‫‪.)194 -‬‬

‫‪ -5‬بناءً على هذا ميكن تعريف االطالق والنسبيّة يف األخالق بنحو آخر ‪ -‬مع أنّه من املمكن ع ّد هذا التعريف من‬
‫أخالقي‬
‫ّ‬ ‫نوع التعريف بلوازم اإلطالق والنسبيّة األخالقيّة ‪ -‬فيقال‪ :‬إ ّن إطالق األخالق معناه أنّه ال يوجد حكم‬
‫كل األحكام األخالقيّة مقيَّدة بقيود وشرائط غري‬
‫مقيَّد بقيود وشرائط غري واقعيّة‪ ،‬وأما النسبيّة األخالقيّة فمعناها أ ّن ّ‬
‫واقعيّة كاألمر واإلحساس والتوافق‪.‬‬

‫املختلف عليه ال ب ّد أ ْن‬


‫َ‬ ‫‪ -6‬من الواضح أيضاً أهنما ال ب ّد أ ْن يتفقا كذلك على حتديد مفهوم السرقة أل ّن املوضوع‬
‫يكون واحداً‪ ،‬وقد اخرتنا املثال املوجود يف املنت بنح ٍو يشري إىل أ ّن االختالف هو يف مصداق السرقة وليس يف‬
‫مفهومها‪.‬‬

‫‪ -14‬الذايت يف كتاب الربهان‪ :‬هو احملمول الّذي يؤخذ يف حد املوضوع أو املوضوع أو أحد مقوماته يؤخذ يف حده‪ .‬واملراد من‬
‫أي ال حيتاج إىل واسطة يف العروض يف محله على موضوعه (املرتجم)‪.‬ـ‬
‫األويل فيه أيضاً هو احملمول ال بتوسط غريه ّ‬

‫‪130‬‬
‫‪ -7‬مع التنبه إىل أ ّن موضوع بعض البيانات األخالقيّة أكرب كلية باملقايسة مبوضوعات بعضها اآلخر ميكن ٍ‬
‫حينئذ‬
‫األخص من اجلمل‬
‫ّ‬ ‫افرتاض نظام أو عدة أنظمة طولية من البيانات األخالقيّة بنحو تُستنتج فيه اجلمل األخالقيّة‬
‫األعم‪ ،‬ويف مثل هذه االستنتاجات حنتاج إىل مجل أخرى غري أخالقيّة‪ ،‬وهذه اجلمل تبنّي أ ّن موضوع‬ ‫األخالقيّة ّ‬
‫األعم يف‬
‫األعم‪ ،‬وبعبارة أخرى تبنِّي استخدام اجلمل ّ‬ ‫األخص مصداق من مواضيع اجلمل األخالقيّة ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجلمل األخالقيّة‬
‫مصاديق جديدة‪.‬‬

‫كذلك فإ ّن االختالف إمنا يكون جوهرياً ‪ -‬يف مورد إحدى البيانات األخالقيّة ‪ -‬فقط وفقط مع افرتاض التوافق‬
‫األعم ‪ -‬ومن‬
‫كل البيانات غري األخالقيّة املعينة ملصاديق املوضوعات ‪ -‬أو بعبارة أخرى استعماالت البيانات ّ‬
‫على ّ‬
‫مثّ فإ ّن هذا االختالف ال يقبل الرفع‪.‬‬

‫وهذا اجلدول يشري إىل أحد األنظمة الطولية من البيانات األخالقيّة‪:‬‬

‫إذا اتّفق الرأي على البيانات الالخالقية املوجودة يف العمود األول‪ ،‬فإ ّن االختالف على البيانات التالية "ب حسنة"‬
‫أو" ج حسنة" لن يكون جوهرياً وأساسياً‪ ،‬وإذا اختلف الرأي حول هذه اجلملة "أ حسنة" فإ ّن هذا االختالف غري‬
‫األول سيكون اختالفاً جوهرياً وأساسياً‪.‬‬
‫القابل للرفع مع وجود االتفاق حول بيانات العمود ّ‬
‫البيانات غري األخالقية (الصغرى)ـ اليانات األخالقية (الكربى)‬
‫أ حسنة‬ ‫ب هي ألف‬
‫ب حسنة‬ ‫ج هي ب‬
‫ج حسنة‬

‫‪ -8‬راجع‪ :‬مرتضى مطهري‪ ،‬جمموعة آثار‪ ،‬ح‪ ،2‬ص ‪ ،274‬وج ‪ 13‬ص ‪ .740 - 685‬وكذلك‪ ،‬فإ ّن اي‪ .‬أو‪.‬‬
‫ويلسون ‪ -‬عامل حياة اجتماعية ‪ -‬قد اكتشف وعرف أكثر من عشرين خصيصة كلية‪ ،‬وأيضاً بنّي كاليد كالكهان‬
‫‪ -‬عامل يف األقوام وامللل ‪ -‬بعض اخلصائص العامة الثقافية‪.‬‬

‫(‪.)see: Louis p. pojamn, philosop hy: The Quest for truth, p314 -324‬‬

‫وبغض النظر‬
‫ّ‬ ‫‪ -9‬نعم توجد لبعض اآلداب والرسوم االجتماعية املتناسبة مع شرائط احمليط واالعتقادات املختلفة ‪-‬‬
‫عن كوهنا صحيحة أم خاطئة ‪ -‬متفق عليها ويُعمل هبا‪ .‬وهي خمتلفة باختالف اجملتمعات املتع ّددة‪ .‬وأما اآلداب‬
‫والرسوم االجتماعية فإهّن ا توضع بشكل عام فقط ألجل تأمني نوع من التوافق واالنسجام يف احلياة االجتماعية‬
‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫والشيء احلائز لألمهيّة فيها هو وحدة األداء عملياً ال شكلها اخلاص‪ ،‬ومن املمكن وجود نوع من التوافق‬
‫عند عامة الناس على‬

‫‪131‬‬
‫أصل احرتام هذه اآلداب والرسوم والتقاليد االجتماعية‪ ،‬ومضافاً إىل هذا فإ ّن األخالق تؤخذ على أهناجمموعة‬
‫األفعال والصفات االختيارية عند اإلنسان‪ ،‬وهدفها أكرب من جمرد وجود نوع من التوافق االجتماعي عليها‪ .‬وبناءً‬
‫عليه فإ ّن رعاية االحرتام هلذه اآلداب والتقاليد االجتماعية ‪ -‬والذي يع ّد من أفعال اإلنسان االختيارية ‪ -‬إمنا تقيَّم‬
‫أخالقيّاً من زاوية النظر إىل هدف األخالق وبعبارة أخرى فإ ّن قيمتها مقيَّدة هبذا اهلدف‪.‬‬

‫ويشري "هارمان" إىل أ ّن اآلداب والتقاليد االجتماعية ‪ -‬كما يف لباس األفراح لوناً وشكالً ‪ -‬إمنا توضع من أجل‬
‫إجياد الوحدة واالنسجام‪ ،‬واحلد من بروز االختالف واخللل‪ ،‬وإ ّن هذه التوافقات شبيهة بالتوافقات الكالمية‬
‫االجتماعي احلاصل منها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومقررات السري (قيادة السيارة)‪ ،‬واملهم فيها قبل شكلها هو االنسجام‬

‫(‪.)See: Gilbert Harman. The nature of Morality, p.96‬‬

‫ويعتقد "راشيلز" أيضاً بإمكانية وجود قواعد أخالقيّة مقبولةـ ومشرتكة بني جمتمعني رغم اختالفهما يف اآلداب‬
‫والتقاليد االجتماعية أل ّن هناك الكثري من العوامل الّيت تتفاعل بعضها مع بعض لتنتج هذه اآلداب والتقاليد‪ .‬وتُعترب‬
‫قيَم اجملتمع إحدى هذه العوامل‪ ،‬ومن مجلتها أيضاً خمتلف االعتقادات الناظرة إىل الواقع واملقبولة عند أفراد ذلك‬
‫اجملتمع‪ .‬وكذلك فإ ّن الشرائط الفيزيائية الّيت يعيشها هؤالء األفراد هلا أمهيّتها يف هذا املقام‪ ،‬وبناءً عليه فإنّه ال ميكننا‬
‫وجملرد وجود االختالف بني اجملتمعات من جهة اآلداب والتقاليد أ ْن نستنتج وجود االختالف اجلوهري بينها يف‬
‫القيم‪.‬‬

‫(‪See: James Rachels, The Element of m oral philosophy, p.23,‬‬


‫‪Mohammad A. Shomali, Ethical relati on: An Analysis of the Foundati‬‬
‫‪.)onof Morality, p 201 - 203‬‬

‫‪ -10‬استخدم بومين "الذهنية" مكان "النسبيّة الفردية" مع أهنما غري متعادلني‪ .‬نعم قد توجد بعض املصاديق‬
‫املشرتكة بينهما‪.‬‬

‫واعترب أ ّن (‪" )Donaldson‬دونالدسن" و"رث بنيدكت" (‪ )Ruth Benedct‬ميكن ع ّدمها من أنصار النسبيّة‬
‫والقائلني هبا‪.‬‬

‫كذلك استخدم بومين "التعاهدية" مكان "النسبيّة االجتماعية"‪ .‬وهنا ميكن اعتبار التعاهدية ‪ -‬واليت هي نظرية‬
‫أخالقيّة تعترب منشأ القيم واللزوميات األخالقيّة هو التعاهد والتوافق االجتماعي ‪ -‬مبثابة مبىن للنسبية االجتماعية‪.‬‬
‫وأحياناً يعترب بومين النسبيّة الثقافية معادلة للنسبية االجتماعية‪ ،‬مع أ ّن النسبيّة الثقافية ناظرة فقط إىل وجود‬
‫معريف إنساينّ‬
‫األخالقي والذي هو أمر ّ‬
‫ّ‬ ‫االختالف الثقايف أو‬

‫‪132‬‬
‫ألي طَائفة من األفراد ذات هدف مشرتك أ ْن تش ّكل جمتمعاً خاصاً هبا إاّل أنّه‬
‫فقط‪ ،‬ومضافاً إىل هذا فمن املمكن ّ‬
‫ليس من الضرورة مبكان أ ّن تكون هلا ثقافة مشرتكة‪.‬‬

‫(‪See: Mohammad A. Sh o mali, Ethical relativism: An Analysis of the‬‬


‫‪.)Foundati o n of morality, p.26-27‬‬

‫كل شيء‪ ،‬وأما من املعاصرين فيمكن ذكر‬


‫‪ -11‬أول قائل بالنسبيّة هو بروتاغوراس‪ ،‬الّذي يعترب اإلنسان معيار ّ‬
‫نلسون جودمن (‪ )Nels on Goodman‬هيالري بوتنام (‪ )Hilary putnam‬وريتشارد روريت (‬
‫‪.)Richard Rorty‬‬

‫‪ -12‬ذكر راشيلز هذا الدليل وقام بنقده واالشكال عليه‬

‫(‪See: James Rachels, The Elements of moral philosophy, p. 18 - 19, qu o‬‬


‫‪ted in mohammad A. Sh o mali. Ethical relativism: An Analysis of the‬‬
‫‪.)foudati on of m o rality, p 74 -75‬‬

‫‪ -13‬إلثبات "نسبية ما وراء األخالق" باالستناد إىل النسبيّة التوصيفية ميكن االستدالل أيضاً مبا يلي‪ :‬إ ّن وجود‬
‫االختالفات اجلوهرية يف األحكام األخالقيّة يشري إىل عدم وجود شيء باسم الواقعيّة األخالقيّة‪ ،‬أل ّن الواقعيّات حاهلا‬
‫حال األصول الرياضية يف عدم وقوع االختالف اجلوهري فيها‪ ،‬وحيث إنّه ال وجود للواقعيات األخالقيّة فلن‬
‫تكون األحكام األخالقيّة مطلقة‪.‬‬

‫وقد استُفيد يف هذا االستدالل من النسبيّة التوصيفية إلثبات الالواقعيّة ومن األخرية إلثبات نسبية ما وراء األخالق‪.‬‬
‫تام ألنّه‪:‬‬
‫إاّل أ ّن هذا االستدالل غري ّ‬
‫أوالً‪ :‬النسبيّة التوصيفية غري مقبولة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الالواقعيّة أيضاً غري مقبولة‪.‬ـ‬

‫ثالثاً‪ :‬إ ّن وجود االختالف ليس دليالً على الواقعيّة مورد االختالف إذ إ ّن االختالف يف األحكام األخالقيّة قد‬
‫يكون ٍ‬
‫لعلل أخرى من مجلتها‪:‬‬

‫‪ -1‬مع وجود االتفاق يف الرأي على حسن الكمال واملنفعة واملصلحة وقبح النقص والضرر واملفسدة‪ ،‬إاّل أ ّن تعيني‬
‫املصاديق الواقعيّة للكمال والنقص أو للمنفعةـ والضرر أو للمصلحة واملفسدة يرتبط بالرؤية الكونية واملعرفة اإلنسانية‬
‫الصحيحني‪ .‬إ ّن تفاوت رؤى األفراد واجملتمعات املختلفة يف هذه املعتقدات األساسية تؤثّر يف تعيني مبدأ القيم يف‬
‫األخالق وتوجب بروز اختالف النظر يف األحكام األخالقيّة‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫وصعب يف أكثر املوارد‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ -2‬إ ّن كشف الرابطة بني األفعال والصفات اإلنسانية وبني كمال اإلنسان أو نقصه معقد‬

‫أي ٍ‬
‫عمل ما قد تكون له آثار خمتلفة ومتع ّددة بل ويف شرائط خمتلفة واقعيّة من املمكن أيضاً أ ْن تتفاوت‬ ‫حيث إ ّن ّ‬
‫هذه اآلثار باختالف الشرائط‪ .‬ولذا فإ ّن رابطة العمل مع كمال اإلنسان أو نقصه ال ب ّد من أ ْن تكون ناظرة إىل‬
‫كل آثار العمل يف خمتلف الشرائط الواقعيّة وتأثريها بالدقة يف هذا‬
‫الواقعي عنده مع حماسبة نتائج ّ‬
‫ّ‬ ‫الكمال والنقص‬
‫الكمال والنقص‪ .‬وهذا األمر يتطلب ويستلزم إحاطة علمية هبذه املوارد واليت ال ميكن حتققها عند البشر ‪ -‬باستثناء‬
‫اإلهلي‪.‬‬
‫بعض املوارد الكلية ‪ -‬من دون االستعانة بالوحي ّ‬

‫ويف مثل هذه األحكام األخالقيّة ال ب ّد من مقايستها بأصعب البحوث النظرية من علم النفس وعلم االجتماع ال‬
‫ومبتىن‬
‫ً‬ ‫عقلي‬
‫باألصول البديهية الرياضية بالرغم من أ ّن منهج البحث لكشف مبدأ وأصول القيمة يف فلسفةـ األخالق ٌّ‬
‫على البيانات البديهية‪.‬‬

‫‪ -3‬ن بعض االختالفات يف األحكام األخالقيّة غري ناشئة عن االختالف يف الفهم أو الرأي بل تنشأ عن االختالف‬
‫بأي نظرية أخالقيّة يستتبع‬
‫يف االلتزام العمليـ وتوضيح ذلك أ ّن األخالق ملا كانت ناظرة إىل مقام العمل فإ ّن االلتزام ّ‬
‫القبول بلوازمها العمليّة أيضاً‪ ،‬واليت تتناىف يف الكثري من املوارد مع ميول اإلنسان احليوانية وأهوائه النفسانية (الناظرة‬
‫إىل املراتب النازلة عند اإلنسان)‪.‬‬

‫وقد ال يفرق عند أحد األفراد مثالً أ ْن تكون درجة غليان املاء ‪ 100‬درجة أو غري ذلك‪ ،‬ولكنه قد يفرق عنده‬
‫احلال يف قبول أ ّن احلجاب والعفاف الزم لكماله أم ال‪.‬‬

‫الفيزيائي الّذي وصل إىل الشهرة عن طريق هذه النظرية‬


‫ّ‬ ‫كذلك فإ ّن قبول االشتباه يف نظرية فيزيائية ‪ -‬باستثناء‬
‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫لكن القبول بأننا أخطأنا يف سلوكنا‬
‫اخلاطئة ويرى أ ّن حيثيته وماء وجهه يف خطر ‪ -‬ليس أمراً صعباً‪ّ ،‬‬
‫صعب جداً‪.‬‬
‫ٌ‬

‫إ ّن هذه املوانع النفسية توجب يف بعض املوارد على األفراد أو اجملتمعات ورغم قبوهلم هبذه األحكام األخالقيّة‬
‫واحلكم بصحتها باالستدالل والنظر االختالف فيها واالمتناع عن قبوهلا‪ ،‬وتشري هذه اآليات الشريفة إىل إمكان‬
‫إنكار احلق أو كراهية قبوله يف بعض املوارد الّيت هلا لوازم عملية‪:‬‬

‫اسَتْي َقنَْت َها أَن ُف ُس ُه ْم ظُْل ًما َوعُلًُّوا‪. 15"...‬‬ ‫هِب‬


‫"و َج َح ُدوا َا َو ْ‬
‫َ‬
‫‪ -15‬النحل ‪.14 :27‬‬

‫‪134‬‬
‫اءه ْم َوإِ َّن فَ ِريقاً ِّمْن ُه ْم لَيَكْتُ ُمو َن احْلَ َّق َو ُه ْم َي ْعلَ ُمو َن"‪.16‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اب َي ْع ِرفُونَهُ َك َما َي ْع ِرفُو َن أ َْبنَ ُ‬
‫اه ُم الْكتَ َ‬
‫ين آَتْينَ ُ‬
‫"الذ َ‬

‫نسا ُن لَِي ْف ُجَر أ ََم َامهُ"‪.17‬‬ ‫"بَل يُِر ُ ِ‬


‫يد اإْل َ‬ ‫ْ‬

‫"كال بل حتبون العاجلة * وتذرونـ اآلخرة"‪.18‬‬

‫"‪...‬وع َسى أَن تَكَْر ُهواْ َشْيئًا َو ُه َو َخْيٌر لَّ ُك ْم َو َع َسى أَن حُتِ بُّواْ َشْيئًا َو ُه َو َشٌّر لَّ ُك ْم َواهللُ َي ْعلَ ُم َوأَنتُ ْم الَ َت ْعلَ ُمو َن"‪.19‬‬
‫َ‬

‫مركباً مع النسبيّة التوصيفية فيقال‪ :‬حيث إن األخالق فيها اختالفات رأي جوهرية‪ ،‬وحني‬ ‫يقرر هذا الدليل أحياناً َّ‬
‫َّ‬
‫إ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة ال تتبع الواقعيّة بل تتبع السليقة ‪ /‬التوافق‪ ،‬لذا فاألحكام األخالقيّة ليست مطلقةـ‬
‫وترتبط باختالف السليقة ‪ /‬التوافق‪ ،‬وبالتايل تتفاوت أحياناً‪.‬‬

‫يقول لويس بومين يف هذا اجملال‪" :‬النسبيّة الثقافية (= االجتماعية) هلا نتائج أخرى باعثة على القلق‪ .‬إ ّن هذه النظرية‬
‫تستلزم كون اإلصالحيني باللحاظ األخالقي دائماً على خطأ‪ ،‬ألهنم قاموا مبحاربة كل ٍ‬
‫اجتاه ملتزم باملالكات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثقافية‪ .‬وعليه فإ ّن قيام ويليام ويلربفورسـ يف القرن الثامن عشر ض ّد العبودية كان خطأ‪ ،‬وكذك فإ ّن خمالفة إنكلرتا‬
‫للسايت (إحراق املرأة اهلنديّة األرملة مع زوجها املتوىّف ) كان خطأ‪ ،‬وأيضاً فإ ّن امتناع املسيحيني األوائل عن اخلدمة‬
‫يف جيش روما أو إ ّن إبداء التعظيم واالحرتام أمام قيصر روما (أي األعمال الّيت كان يعتقد أكثر أتباع االمرباطورية‬
‫الرومية بأهنا وظيفتهمـ األخالقيّة) كان خطأ‪ ،‬وكذلك فإ ّن عيسى عليه السالم بشفائه للمرضى يف يوم السبت‪،‬‬
‫أخالقي‪ ،‬ألن عدداً قليالً يف ذلك الزمان‬ ‫ومبواعظه على اجلبل قد داس بقدميه على قانون وقته وقام ٍ‬
‫بعمل غري‬
‫ّ‬
‫(وأيضاً يف زماننا هذا) قد قبلوا مببادئه!" (راجع‪" :‬نقدي برنسبيت اخالقي" جملة نقد ونظر‪ ،‬العدد ‪ ،14 - 13‬ص‬
‫‪.)Louis p. pojman, philoso phy: The quest for truth, p 318 - 319( ,332‬‬

‫يُعترب بس (‪ ،)Boas‬وبنديكت (‪ )Benedict‬وهرسكوفيتس (‪ )Herskovits‬من علماء األقوام وامللل يف‬


‫القرن العشرين من املدافعني عن النسبيّة القواعدية‪ ،‬ويعتقد وانج (‪ )Wong‬بأ ّن أمثال هؤالء العلماء لرمبا دافعوا‬
‫عن هذه النسبيّة القواعدية كردة ٍ‬
‫فعل على التصور الغريب القائل حبقارة‬

‫‪ -16‬البقرة ‪.146 :2‬‬


‫‪ -17‬القيامة ‪.5 :75‬‬
‫‪ -18‬القيامة ‪.21 - 20 :75‬‬
‫‪ -19‬البقرة ‪.216 :2‬‬

‫‪135‬‬
‫الثقافات األخرى واليت كان هلا دورها يف االستعمار آنذاك‪.‬‬

‫(‪David W ong, (M oral Relativism), in Edward Craig, ed, Routledge‬‬


‫‪.)Encyclo pedia of philosophy, vol. 6. p. 541‬‬

‫أخالقي آخر بشكل مطلق‪ ،‬وحيث إهنم ال يقبلونـ بأي مبىن واقعي لقبول‬
‫ّ‬ ‫بأي أصل‬
‫حيث إ ّن النسبيني ال يقبلون ّ‬
‫األخالقي مع اآلخرين وباصطالح البعض عند‬
‫ّ‬ ‫القيم األخالقيّة وتوصيتها لآلخرين‪ ،‬يتضح السبب عند كالمهم‬
‫حتمل املخالف لنا‬
‫مواعظهم لآلخرين ‪ -‬ومع أ ّن هذا العمل يتناىف مع مبانيهم ‪ -‬يف أهنم ال يذكرون سوى احلرية‪ُّ ،‬‬
‫أي كالم آخر يف األخالق يكررون بشكل دائم هذه القيم الفارغة‬ ‫ونفي العنف‪ ،‬وبالتايل من دون أ ْن يكون عندهم ّ‬
‫وبشكل باعث على امللل وال يقدمونـ بتاتاً أي إرشاد ٍ‬
‫هادف وكأ ّن هدف احلياة أ ْن نكون أحراراً نذهب‬ ‫ٍ‬ ‫من املبىن‬
‫ّ‬
‫ونتحمل اآلخرين فقط!‬
‫ّ‬ ‫كل اجتاه‪ ،‬أو أ ْن جنلس‬
‫أي هدف يف ّ‬ ‫بال ّ‬

‫بالنسبة لكلمةـ ‪ Tolerance‬من حيث االشتقاق واملعىن اللغوي واالصطالحي‪ ،‬وما يعادهلا يف اللغة الفارسية‪،‬‬
‫وأيضاً ملزيد من التوضيح حول هذا البحث (راجع‪ :‬حممود فتحعلي‪" ،‬تساهل وتسامح اخالقى‪ ،‬ديىن‪ ،‬سياسى"‪ ،‬ص‬
‫‪ ،37‬نقالً عن‪:‬‬

‫(‪Geoffery Harris on. "Relativism and To lerance", in peter laslet and‬‬


‫‪.)James Fishkin, eds, philosophy, po litics and society, p. 273 - 290‬‬
‫بلحاظ هذا التناقض النظري‪ ،‬فإ ّن النسبيني ‪ -‬ورغم شعاراهتم اخلادعة ‪ -‬ال يريدون وال يقدرون على أ ْن يقولوا‬
‫باحلرية ملن خيالف مصاحلهم‪ ،‬أو أ ْن يتساهلوا يف تعاطيهم مع املخالفني للنسبية وكأهنم يقولونـ ملخالفيهم يف الرأي ال‬
‫ب ّد لكم ‪ -‬وبناءً على نظرياتنا املقبولة عندنا ‪ -‬أ ْن تتساهلوا معنا‪ .‬ويف نفس الوقت يقولون ألنفسهم ‪ -‬وخالفاً‬
‫نتحمل اآلخرين!‬
‫لنظريتهم ‪ -‬ال جيب علينا أ ْن ّ‬

‫ذكر جف جوردن إشكاالً قريباً مما ذكر (راجع‪ :‬حممود فتحعلي‪ ،‬نفس املصدر ص ‪ ،63 - 62‬نقالً عن‪:‬‬

‫‪Jeff. Jordan, "Concerning Moral, Tolerance", in Mahdi Amin Razavi and‬‬


‫‪David Ambuel, eds, philosophy, Religion and the question of Intolerance,‬‬
‫‪.)p.213‬‬

‫وطرح مك ناوتن هذا االشكال ببيانني (عدم املالءمة بني حرية انتخاب الرؤية األخالقيّة مع االعتقاد بأفضلية‬
‫األخالقي‪ ،‬وأيضاً عدم إمكان التساهل املطلق) (راجع‪ :‬دايفيد مك ناوتن‪ ،‬بصريت اخالقي‪ ،‬ترمجة حممود‬‫ّ‬ ‫التساهل‬
‫فتحعلي‪ ،‬ص ‪.)32‬‬

‫‪136‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬المذاهب األخالقية الالواقعية‬

‫"إذا قلت ألحدهم‪" :‬لقد قمت بعمل سيئ حيث سرقت ذلك املال" فلم أقل له شيئاً أكثر من قويل هذا "أنت‬
‫اعط خرباً زائداً على ذلك وفقط أظهرت عدم صوابية هذا‬ ‫سرقت املال"‪ .‬ومع إضافة القول "قمت بعمل سيئ" مل ِ‬
‫حماك للتنفر فقلت "أنت سرقت املال"‪ ،‬أو أنين‬‫الفعل عندي أخالقياً‪ .‬ومثال هذا بالدقة كما لو تكلمت بلحن خشن ٍ‬
‫ّ‬
‫كتبت هذا اخلرب وأضفت إليه عالمة التعجب‪ ،‬فإ ّن اللحن اخلشن أو عالمة التعجب ال يضيفان شيئاً إىل املعىن‬
‫الواقعي للجملة‪،‬ـ غاية األمر أهنما يظهران أ ّن حكاية اخلرب عند املتكلم صاحبه بعض االنفعاالت"‪.‬‬
‫ّ‬

‫تعرفنا يف الفصل الثاين إىل نظرييت الواقعيّة والالواقعيّة يف األخالق‪ .‬وبااللتفات إىل لوازمهما أشرنا إىل أنّه باإلمكان‬
‫أ ْن تكون الواقعيّة والالواقعيّة مبىن لتقييم املذاهب األخالقيّة من زاوية منشأ اعتبار األحكام األخالقيّة‪.1‬‬

‫‪ -1‬آلفرد جولز آير‪" ،‬زبان‪ ،‬حقيقت ومنطق"‪،‬ـ ترمجة منوچهر بزركمهر ص ‪.146 - 145‬‬

‫‪137‬‬
‫ويف الفصل الثالث والرابع قمنا بإثبات الواقعيّة‪ ،‬ويف الفصل اخلامس حلّلنا إحدى اللوازم املهمة لاّل واقعيّة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ مع‬ ‫التعرف إىل أدلتها‪،‬‬
‫أهم املذاهب الواقعيّة والالواقعيّة‪ ،‬وهدفنا من ذلك ّ‬
‫واآلن حان الوقت لنتعرف إىل ّ‬
‫حتليل ميزان القوة والضعف فيها سنرى ما ينبغي لنا قبوله من هذه املذاهب األخالقيّة[‪.]1‬‬

‫أشرنا يف الفصل الثاين إىل أ ّن الالواقعيني يعتقدونـ بأ ّن منشأ األحكام األخالقيّة هو األوامر والتوصيات‪ ،‬أو‬
‫الواقعي لألخالق واجهوا‬
‫ّ‬ ‫اإلحساس والسالئق‪ ،‬أو التوافق والتعاهد‪ .‬ويف الواقع فإهّن م بعد عجزهم عن إجياد املنشأ‬
‫أي واقعيّة توجب االعتقاد‬‫هذا السؤال‪ :‬كيف ظهرت األحكام األخالقيّة وما هو منشأ اعتبارها؟ وإذا مل تكن هناك ّ‬
‫حبسن أو قبح بعض األفعال والصفات فما هو الشيء الّذي يوجب االعتقاد عندنا بأ ّن هذا العمل أو الصفة حسن‬
‫أي صورة تُعترب هذه األحكام؟ ويف اإلجابة عن هذه التساؤالت عمد بعض الالواقعيني إىل االعتقاد‬ ‫أو قبيح‪ ،‬ويف ّ‬
‫بأن منشأ األخالق هو األوامر والتوصيات‪ ،‬وذهب بعض آخر إىل أنّه اإلحساس والسالئق‪ ،‬وذهب بعض ثالث‬
‫منهم إىل أنّه التوافق والتعاهد‪ ،‬وسوف حنلل يف هذا الفصل هذه املذاهب‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ - 1‬األمرية‬

‫أمري‪.‬‬
‫"رجح اآلخرين على نفسك" هلما قالب ّ‬
‫من الواضح أ ّن هاتني اجلملتني األخالقيّتني "ال تكن حسوداً" و ّ‬

‫أمري‪ ،‬مثاالً على ذلك فإ ّن هاتني اجلملتني "الصدق‬


‫كل اجلمل األخالقيّة هو ّ‬ ‫ويعتقد القائلون باألمرية أ ّن معىن ّ‬
‫خربي ‪ -‬تبينان أيضاً الطلب من أحدهم الصدق وترك‬ ‫ّ‬ ‫حسن" و"نقض العهد عمل خاطىء" ‪ -‬واللتني ظاهرمها‬
‫أي أ ّن هاتني اجلملتني يف الواقع أمريّتان‪.‬‬
‫نقض العهد‪ّ ،‬‬
‫ويف اعتقادهم أيضاً أنّه عندما نقول "عمل حسن" أو "ينبغي القيام به" فهو مبعىن‬

‫‪.Imperativism -2‬‬

‫‪138‬‬
‫أ ّن أحدهم ‪ -‬والذي نعترب أوامره ‪ -‬طلب القيام هبذا العمل وأصدر أمراً يف مورده‪.‬‬

‫أخالقي‬
‫ّ‬ ‫كل حكم‬
‫إ ّن منشأ القيمة واللزوم األخالقيّني يف النظرية األمرية هو األمر وليس الواقعيّة العينية‪ ،‬وإ ّن اعتبار ّ‬
‫أي آم ٍر يوجب اعتبار هذه األحكام األخالقيّة؟ ويف حق من تكون هذ‬ ‫يرتبط بوجود األمر يف مورده‪ ،‬لكن أمر ّ‬
‫األوامر معتربة؟‬

‫أجاب القائلون باألمرية على هذا السؤال بنوعني من اإلجابة أوجبا ظهور نوعني من األمرية‪:‬‬

‫ٍ‬
‫شخص خاص معترب للجميع‪,‬‬ ‫‪ - 1‬أمر‬

‫ٍ‬
‫شخص معترب فقط عند من يقبل به‪.‬‬ ‫كل‬
‫‪ - 2‬أمر ّ‬

‫اإلهلي ‪]2[)3‬‬
‫األول (نظرية األمر ّ‬
‫‪ .1 - 1‬أمرية النوع ّ‬

‫إ ّن من يعتقد بكون األمر الصادر عن شخص خاص معترب يف حق اجلميع‪ ،‬ال ب ّد بالطبع أيضاً أ ْن يعتقد بأ ّن مثل هذا‬
‫الشخص اخلاص لديه بعض اخلصائص الّيت أوجبت كون أمره فقط هو املعترب‪ .‬وبشكل عام فإ ّن من يعتقد هبذا‬
‫الرأي يعتقد بأ ّن هذا الشخص هو اهلل تعاىل فاهلل هو مالك اجلميع وال أحد أعلى منه يف الوجود له لياقة األمر‬
‫والنهي حبق اآلخرين‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن أوامر اهلل هي املعتربة فقط وهذه األوامر معتربة يف حق اجلميع وتسمى هذه‬
‫اإلهلي"‪.‬‬
‫النظرية "بنظرية األمر ّ‬

‫إ ّن هذه النظرية تقول إ ّن منشأ القيم واللزوميات األخالقيّة هو أوامر اهلل ونواهيه‪ ،‬أما ما وراء أمره وهنيه‪ ،‬فال ميكن‬
‫أي واقعيّة عينية يف أفعالنا وصفاتنا تكون مبىن ألوامر اهلل ونواهيه‪ .‬وبعبارة أخرى إذا مل يكن اهلل موجوداً أو‬
‫إجياد ّ‬
‫أي فرق بني العدل والظلم‪ ،‬والصدق والكذب وحفظ اليتيم‬ ‫كان موجوداً لكنه ال يأمر وال ينهى فلن يكون هناك ّ‬
‫أي شيء‬ ‫غض النظر عن األمر والنهي اإلهليني فإنّه ال يوجد ّ‬‫وأكل ماله‪ ،‬وبناءً على هذا وطبقاً هلذه النظرية ومع ّ‬
‫حسن أو قبيح يف ذاته‪ ،‬ومن الواضح ٍ‬
‫حينئذ أنّه ال ميكن من دون الرجوع إىل أمر اهلل وهنيه وباالستفادة من عقولنا‬ ‫َ‬
‫اإلهلي ينكرون‬
‫ّ‬ ‫األمر‬ ‫نظرية‬ ‫أتباع‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫يقال‬ ‫واملتعارف‬ ‫االصطالح‬ ‫وحبسب‬ ‫قبحه‪،‬‬ ‫أو‬ ‫شيء‬ ‫أي‬
‫ّ‬ ‫سن‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫تشخيص‬ ‫يف‬

‫‪.Divine Command Theory -3‬‬

‫‪139‬‬
‫أي أهّن م يعتقدون بأ ّن األشياء ليست حسنة أو قبيحة ذاتاً‪ ،‬وتبعاً لذلك أنكروا احلسن‬
‫احلسن والقبح الذاتيني ّ‬
‫والقبح العقليني وبعبارة أخرى فإهّن م يعتقدونـ بأ ّن العقل ال ميكنه إدراك حسن األشياء أو قبحها‪.‬‬

‫‪ .2-1‬أمرية النوع الثاين‬

‫إ ّن من يعتقد باألمرية يف نوعها الثاين (الذي تقدم ذكره) ومع قبوله بأ ّن لسان األخالق هو لسان األوامر‬
‫أي فرد كان على‬‫والتوصيات وأ ّن منشأ القيم واللزوميات األخالقيّة هو األوامر‪ ،‬ومع ذلك فإنّه ال يقبل بأفضلية ّ‬
‫كل إنسان ميكن أ ْن‬
‫اآلخرين‪ ،‬أو بأ ّن تكون هذه األفضلية دليالً كافياً العتبار أوامره يف حقهم وعليه فإنّه يعتقد بأ ّن ّ‬
‫أخالقي أيضاً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أي أمر‬
‫يكون آمراً أو أ ْن يقبل ّ‬

‫وقي رأيه أيضاً‪ ،‬عندما يقال "السرقة عمل خاطىء" أو"ال ينبغي أ ّن تسرق" فإ ّن معىن ذلك "ال تسرق"‪ ،‬لكن ملا‬
‫أي أمر‬ ‫ٍ‬
‫كانت االوامر األخالقيّة ال مبىن واقعياً هلا فإهّن ا حينئذ غرب معتربة يف حق اجلميع‪ ،‬بل ميكن القول فقط إ ّن ّ‬
‫أخالقي إمنا هو معترب يف حق من يقبل به‪ .‬وطبقاً هلذه النظرية ملا كان منشأ القيم واللزوميات األخالقيّة هو األوامر‪،‬‬
‫ّ‬
‫وبغض النظر عن إرادتنا القيام بأي عمل أو تركه فإ ّن ذلك العمل يف ح ّد ذاته ليس قبيحاً وليس حسناً‪.‬‬ ‫ّ‬

‫أكمل‪:‬‬
‫‪ - 1‬القائلون باألمرية يعتقدون‪:‬‬

‫أ ‪ -‬معىن كافة اجلمل األخالقية‪...‬‬

‫ب ‪ -‬منشأ القيم األخالقية ولزومها‪ ...‬يعين بغض النظر عن‪ ....‬أي شيء بلحاظ األخالق حسناً أو قبيحاً‪.‬‬

‫‪ - 2‬يف نظرية األمر اإلهلي‪ ،‬االعتبار فقط لألوامر‪ ....‬وهذه األوامر لـ‪ .....‬هي معتربة‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫‪ - 3‬أتباع نظرية األمر اإلهلي ينكرون حسن وقبح‪ .....‬األشياء‪ ،‬ويتبعهم يف ذلك منكرو احلسن والقبح‪....‬‬

‫‪ - 4‬يف النوع الثاين من أنواع اآلمرية‪ ...‬بإمكانه إعطاء األوامر وكذلك تقبل األمر األخالقي‪ ،‬ولكن كل أمر‬
‫أخالقي يكون بالنسبة لـ‪ ....‬معترباً‪.‬‬

‫‪ -2‬االنفعالية‪]4[4‬‬

‫"األمانة عمل حسن"‪ ،‬ماذا يعين ذلك؟‬

‫جييب أصحاب النزعة االنفعالية عن هذا السؤال بإحدى هاتني الصورتني‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ألف) األمانة‪ ،‬اوه اوه !‬

‫ب) األمانة مرضية عندي (وأميل أيضاً ألن تكون مرضية عندك)‪.‬‬

‫االنفعالية يف األخالق تعين أ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة منشؤها االنفعاالت الداخلية عند األفراد ال أ ّن منشأها‬
‫وعيين‪.‬‬
‫واقعي ّ‬ ‫ّ‬

‫وحيث إ ّن هذه االنفعاالت متفاوتة عند الناس وقابلة للتغيري ذهب أنصار هذه النزعة إىل القول بعدم وجود معيا ٍر‬
‫أي عمل ال يتصف باحلسن‬ ‫ٍ‬
‫وبغض النظر عن إحساس الفرد فإ ّن ّ‬
‫ّ‬ ‫واحد لتقييم البيانات واملضامني األخالقيّة‪ ،‬وأيضاً‬
‫األخالقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أو القبح واقعاً وإ ّن األحكام األخالقيّة معتربة فقط عند من يكون لديه ذلك االنفعال‬

‫مرضي‬ ‫يف بوعده‪ ،‬وكان لديه إحساس‬ ‫وطبقاً هلذه النظرية إذا كان شخص ما ال يبايل فسرق أو ك ّذب أو مل ِ‬
‫ّ‬
‫أي دليل ومعيا ٍر لنقول له إنك اشتبهت يف‬
‫بذلك فإنّه سوف يعترب هذه األعمال حسنة عنده‪ .‬ولن يكون لدينا ّ‬
‫حكمك على هذه األفعال‪.‬‬

‫أخالقي وحيث‬
‫ّ‬ ‫وحيث إ ّن االنفعالية باعثة على اجلرأة والتفلتـ وعدم التقيد بأي قيد‬

‫‪ Emotivism -4‬اعتربت االنفعالية من أكثر النظريات األخالقيّة نفوذاً يف منتصف القرن العشرين‪.‬‬
‫‪ -5‬ايضاح‪ُ :‬عرّب يف املنت بقوله‪ :‬األمانة بَه بَه وحيث أ ّن بَه كلمة تعرب عن االستحسان والتعجب وال مرادف هلا يف العربية عربنا يف‬
‫املنت مبا يشري إىل املراد منها (املرتجم)‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫أي قاعدة أخالقيّة‪ ،‬فإ ّن طبع اإلنسان املتمرد مييل إليها‪ .‬وهناك الكثري من‬
‫إ ّن االلتزام هبا ال يلزم أتباعها برعاية ّ‬
‫أي دليل عندهم على هذه النظرية ‪ -‬الّذين يلتزمونـ هبا عملياً‪ .‬وقد سعى بعضهمـ إىل‬ ‫األفراد ‪ -‬ومن دون وجود ّ‬
‫نتعرف ها هنا إىل منهجني يف توجيه‬
‫توجيه هذه النظرية وبنائها على أدلة حمكمة والدفاع عنها نظرياً‪ ،‬وسوف ّ‬
‫كل واحد منهما يتفاوت مع اآلخر فإ ّن جواب أنصار النزعة االنفعالية عن السؤال‬ ‫االنفعالية‪ ،‬لكن ملّا كان مبىن ّ‬
‫السابق يف بداية البحث حول معىن اجلمل األخالقيّة متفاوت أيضاً‪.‬‬

‫‪ .2 - 1‬االنفعالية املبتناة على الوضعيّة املنطقية‬

‫معان للجمل األخالقيّة كما هو احلال يف اجلملة (ألف)‪ .‬ويوضحون‬ ‫يذهب بعض أنصار الوضعية املنطقية إىل وضع ٍ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ابتداءً أ ّن اجلمل األخالقيّة يف الواقع ال معىن هلا ويعتربوهنا حينئذ نوعاً من إبراز االنفعاالت (الحظ الفقرة املنقولة‬
‫عن آير يف بداية هذا الفصل)‪ ،‬لكن ملاذا تكون اجلمل األخالقيّة بال معىن؟ هنا يستعملون مبانيهم املعرفية واملعايري‬
‫املوضوعة عندهم للمعاين إلثبات هذا املدعى‪ ،‬ويف رأيهم فإ ّن الطريق الوحيد املعترب ملعرفة الواقعيّات هو احلس‬
‫والتجربة‪ .‬وهناك نوعان فقط من اجلمل الّيت هلا معىن‪:‬‬

‫‪ - 1‬اجلمل احلاكية للواقعيات احلسية والتجريبية واليت ميكن إثبات صحتها أو عدم صحتها من خالل التجربة‬
‫(البيانات التجريبية)‪.‬‬

‫‪ - 2‬اجلمل الّيت يندرج مفهوم احملمول يف مفهومـ املوضوع فيها كما يف قولنا "األب عنده ول ٌد" (اجلمل التحليلية أو‬
‫أنّه من باب حتصيل احلاصل ‪.7)6‬‬

‫وأما اجلمل األخالقيّة اخلارجة عن كال الطائفتني فإ ّن "حسنها وقبحها" وما ينبغي منها وما ال ينبغي منها‪ ،‬وغري‬
‫ذلك من املفاهيم األخالقيّة الواردة فيها ليست مرئية‬

‫‪ .Tautology -6‬واملراد منه حتصيل احلاصل أو اللغو أو أنه نفسه(املرتجم)‪.‬ـ‬


‫أي واقعيّة‪.‬‬
‫‪ -7‬باعتقاد أنصار الوضعيّة املنطقية فإ ّن هذه اجلمل صادقة بالضرورة إاّل أهنا ال تبني ّ‬

‫‪142‬‬
‫تدرك بأي حاسة من احلواس األخرى‪ .‬وبناءً عليه ال ميكن جتربة وجود أو عدم وجود هذه‬ ‫وال مسموعة وال َ‬
‫اخلصائص يف املوضوعات األخالقيّة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإ ّن هذه املفاهيم األخالقيّة غري مندرجة يف موضوعات‬
‫اجلمل األخالقيّة‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن "احلسن" ليس جزءاً من معىن "األمانة"‪ .‬ولذا فقد استنتج هؤالء أ ّن اجلمل‬
‫األخالقيّة إذا مل تكن جتريبية وال حتليلية فهي بال عىن‪ .‬وهنا يُطرح هذا السؤال‪ :‬إذا كانت هذه اجلمل بال معىن‬
‫فلماذا تُستخدم؟ ويف أي ٍ‬
‫مورد يستفاد منها؟‬ ‫ّ‬

‫وجييب هؤالء بشكل خمتصر‪ :‬لبيان اإلحساسات واالنفعاالت األخالقيّة‪ .‬ولتوضيح مرادهم نتوجه إىل هذا املثال‪:‬‬

‫عندما ترون منظراً طبيعياً خالباً تفرحون لرؤيته‪ ،‬ومن املمكن حينها بيان إحساسكم وانفعالكم بنحو الصراخ مثالً‬
‫أو بقول (بعض عبارات التعجب واالستحسان) "اهلل اهلل" "اوه اوه"‪ ،‬إ ّن "اوه اوه" ليست مجلة ذات معىن وهي‬
‫كالصراخ تع ّد نوعاً من إظهار االنفعال فقط‪ .‬وهكذا فإنّنا عندما نواجه أمراً ما حنبه ونرتضيه أو جملرد تصوره نشعر‬
‫حبس التن ّفر منه‪ .‬ومن‬
‫حبس الشوق إليه والعالقة به‪ ،‬وكذلك عندما نواجه أمراً ما ال حنبه أو جملرد تصوره نشعر ّ‬
‫املمكن يف هذه احلاالت أ ْن نُظهر عكس العمل الطبيعي جتاهه‪.‬‬

‫إ ّن القائل بكون اجلمل األخالقيّة لبيان االنفعاالت واألحاسيس يعتقد بأنّه عندما يقال إ ّن هذا العمل حسن أو قبيح‬
‫فإنّنا قد أبرزنا شعورنا وإحساسنا حول ذلك العمل باالستعانة من األلفاظ‪ ،‬ومثاالً على ذلك إذا قلنا "األمانة‬
‫نوع من اإلحساس اإلجيايب بالنسبة لألمانة‪.‬‬
‫حسنة" فهي جمرد بيان ٍ‬

‫وباإلضافة إىل احلسن والقبح فإ ّن سائر املفاهيم األخالقيّة أيضاً تلعب مثل هذا الدور‪ .‬ولذا لو قلنا أيضاً "ينبغي أ ّن‬
‫إجيايب حول األمانة أيضاً [‪.]6‬‬
‫تكون أميناً" فهو كذلك إبراز إلحساس ّ‬
‫كل هذا فقد استنتج أنصار هذه النظرية أ ّن اجلمل األخالقيّة مربزة‬
‫وبناءً على ّ‬

‫‪143‬‬
‫لإلحساسات األخالقيّة يف قالب األلفاظ وليست مجالً ذات معىن‪ ،‬بل ومن املمكن أ ْن يكون املقصود من إظهارها‬
‫وإبرازها إجياد نفس اإلحساس والشعور عند املخاطبني هبا‪.‬‬

‫‪ .2 - 2‬االنفعالية املبتناة على انفعالية املصطلحات األخالقيّة‬

‫عندما تأكل طعاماً لذيذاً سوف تشعر بانفعال وإحساس مرضي عندك‪ ،‬ولذا‪ ،‬إذا قلنا هذه اجلملة "إن هذا الطعام‬
‫لذيذ" فلن يكون إخباراً واقعياً عن ذلك الطعام بل هو بيان إلحساسك وشعوركـ بالنسبة له‪ .‬مبعىن أنك ارتضيت‬
‫وأحببت هذا الطعام‪.‬‬

‫فاجلملة املذكورة ال حتكي الواقع بل ومن املمكن بذكرك هلا االعتقاد بأنك تريد أ ّن تر ّغب شخصاً ما بأكل هذا‬
‫الطعام‪.‬‬

‫ويعتقد بعض آخر من االنفعاليني[ـ‪ ]7‬بأ ّن اجلمل األخالقيّة هلا ٍ‬


‫معان إاّل أ ّن معانيها متفاوتة عن معاين اجلمل املخربة‬
‫عن الواقع‪ ،‬ويُرجعون هذا التفاوت إىل تفاوت املصطلحات األخالقيّة عن غريها من املصطلحات العادية‪.‬‬

‫وخالصة قوهلم إنّه ميكن تقسيم املصطلحات والكلمات إىل إحساسية وغري إحساسية‪ ،‬حبيث تُستعمل الطائفة األوىل‬
‫منها لبيان األحاسيس واالنفعاالت الداخلية وأما الثانية منها فليست هلا هذه اخلصوصية‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن‬
‫كلمة "جاء" تشري إىل كلمة واقعيّة عينية ومل يُلحظ فيها شعور وإحساس املتكلم‪ ،‬وأما كلمة "لذيذ" فإهّن ا كلمة‬
‫إحساسية وتشري إىل إحساس وشعور مرضي عند املتكلم لطع ٍم خاص مثالً‪.‬‬

‫وعليه فاملصطلحات اإلحساسية واالنفعالية غري حاكية للواقع وأما املصطلحات غري اإلحساسية فإهّن ا حتكي الواقع‪.‬‬

‫ومن طرف آخر فإ ّن أمثال هذه املصطلحات كاحلسن والقبح واليت تستخدم لبيان املفاهيم األخالقيّة مصطلحات‬
‫إحساسية تبنّي إحساس املتكلّم‪ .‬ولذا فاملصطلحات األخالقيّة ال حتكي الواقع ونتيجة ذلك أيضاً أ ّن اجلمل األخالقيّة‬
‫لن حتكي الواقع كذلك‪.‬‬

‫وبشكل خمتصر نقول إ ّن هذه الفئة من االنفعاليني تعتقد بأ ّن اجلمل األخالقيّة ملا‬

‫‪144‬‬
‫كانت مشتملةـ على املصطلحات االنفعالية كاحلسن والقبح فإ ّن هذه اجلمل ال حتكي الواقع وال تشري إىل واقعيّة‬
‫عينية بل إهنا تبنّي فقط إحساس املتكلم وشعوره‪،‬ـ بل من املمكن استعماهلا أيضاً إلجياد إحساس وشعورـ مشابه عند‬
‫املخاطَب هبا‪.‬‬

‫ويف اعتقادهم أيضاً فإ ّن اجلمل األخالقيّة وإن كانت ذات معىن إاّل أهنا ال حتتمل الصدق والكذب الواقعيّني‪.‬‬

‫أكمل‪:‬‬

‫‪ - 1‬االنفعالية تعين‪....‬‬

‫‪ - 2‬طبقاً لرأي كلتا اجملموعتني من االنفعاليني‪ ،‬وبغض النظر عن‪ ...‬فإن أي شيء ليس حسناً وال سيئاً‪.‬‬

‫‪ - 3‬برأي االنفعاليني فإن األحكام األخالقية معتربة لـ‪ ....‬فقط‪.‬‬

‫‪ - 4‬االنفعالية املبنية على الوضعية املنطقية ال يرون معىن اجلمل األخالقية بدليل أن‪....‬‬

‫‪ - 5‬االنفعالية املبنية على انفعالية املصطلحات األخالقية يرون أن اجلمل األخالقية ال واقع هلا (غري واقعية) وذلك‬
‫بدليل‪...‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ - 3‬التعاهدية‬

‫أي قاعدة وقانون يف لعبة كرة القدم‪ ،‬فسوف يقع التعارض واالختالف والتنازع بني الالعبني‪.‬‬
‫إذا مل يكن هناك ّ‬

‫كل واحد منهما حراً يف‬


‫وكذلك إذا مل يكن توافق البائع واملشرتي الزماً يف املعامالت االقتصادية وبالتايل كان ّ‬
‫أخذ ما يريد ويقدرـ من مال اآلخر فسوف يقع التعارض والتنازع بينهما أيضاً‪.‬‬

‫‪ Contractarianism or conventionalism -8‬التعاهدية‪ ،‬التوافقية‪ ،‬التعاقدية‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫ولذا فإ ّن قواعد وقوانني لعبة كرة القدم إمنا توضع لرفع التعارض بني فريقي الالعبني‪ ،‬وكذلك فإ ّن قوانني العرض‬
‫والطلب إمّن ا توضع لرفع التعارض يف املعامالت وتأمني املنافع واملصاحل املتقابلة‪ ،‬وعليه فإ ّن رعاية العهود والعقود‬
‫واالتفاقات تعود منفعتها لكل األفرقاء‪ .‬وباعتقاد أنصار التعاهدية فإ ّن القواعد األخالقيّة ليست جمرد جمموعة من‬
‫األوامر والتوصيات أو االنفعاالت وامليول الفردية بل إ ّن هذه القواعد نوعٌ من التوافق العام على السلوكيات‬
‫االجتماعية يتعاهد ويُتفق عليها بعد تشكيل اجملموعات واجملتمعات هبدف رفع التعارضات العامة االجتماعية‬
‫واجملموعية على فرض حصوهلا‪.‬‬

‫يصب‬ ‫إ ّن هذه العقود واالتفاقات من املمكن حصوهلا بأي صورة وحن ٍو‪ ،‬وليس هلا ّ‬
‫أي مبىن واقعي‪ ،‬ولكن العمل هبا ّ‬
‫كل أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫يف مصلحة ومنفعةـ ّ‬

‫ويف اعتقادهم أيضاً فإ ّن األحكام األخالقيّة إمّن ا تكون معتربة فقط عند اجملتمع الّذي تعاقد وتعاهد عليها‪ .‬وعليه فإ ّن‬
‫كل األحكام األخالقيّة هو التعاهد‬
‫أي عمل قبل هذا التعاهد االجتماعي ليس حسناً وليس قبيحاً وإن منشأ اعتبار ّ‬ ‫ّ‬
‫والتوافق‪.‬‬

‫نعم إ ّن التوافقات األخالقيّة تتشكل بشكل طبيعي بااللتفات إىل الثقافة واآلداب والرسوم والتقاليد واالعتقادات‬
‫املشرتكة وأمثاهلا‪ ،‬وهي متفاوتة وخمتلفة عن العقود والتوافقات والقوانني الرمسية الّيت حتتاج إىل اإلمضاء السندي أو‬
‫اخلاصة‪.‬‬
‫الّيت توضع من قبل اهليئات ّ‬

‫أكمل‪:‬‬

‫القائلون بالتعاهدية يعتقدون‪:‬‬

‫‪ - 1‬لتحقق األخالق بعد تشكيل‪ ...‬فقط‪.‬‬

‫‪ - 2‬القيم األخالقية ولزومها ينشأ من‪ ...‬وبشكل طبيعي‪ ،‬وقيل ذلك فإن أي عمل ليس له صفة احلسن أو القبح‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫‪ - 3‬التعاهدات األخالقية وضعت ألجل‪....‬‬

‫‪ - 4‬األخالق التعاهدية يف كل جمتمع تكون معتربه بالنسبة لـ‪.....‬‬

‫‪ - 4‬حتليل املذاهب الالواقعيّة‬

‫الكلي‬
‫‪ .4 - 1‬التحليل ّ‬

‫‪ - 1‬أثبتنا يف الفصل الثالث والرابع من هذا الكتاب‪ ،‬ومع اإلشارة إىل واقعيّة القيم واللزوميات األخالقيّة‪ ،‬أ ّن‬
‫األحكام األخالقيّة بإمكاهنا االستناد إىل املباين الواقعيّة‪ ،‬وبناءً على ذلك أبطلنا مبىن هذه املذاهب الالواقعيّة‪.‬‬

‫كل هذه املذاهب استلزامها النسبيّة األخالقيّة‪ ،‬وقد تعرضنا يف الفصل اخلامس‬
‫‪ - 2‬االشكال اآلخر املشرتك على ّ‬
‫من هذا الكتاب أيضاً إىل الكالم تفصيالً عن هذه النظرية ونقدها واإلشكال عليها‪.‬‬

‫‪ - 3‬اإلشكال اآلخر املشرتك أيضاً على هذه املذاهب يعود إىل منشأ اعتبار وتوجيه األحكام األخالقيّة عند‬
‫املذاهب الالواقعيّة‪.‬‬

‫وسوف نعيد ها هنا ذكر اجلمل الّيت وضعنا خطاً حتتها يف هذا الفصل‪:‬‬

‫‪ -‬إ ّن أوامر اهلل هي املعتربة فقط‪.‬‬

‫حق من يقبل به‪.‬‬


‫أخالقي إمنا هو معترب يف ّ‬
‫ّ‬ ‫أي أمر‬
‫‪ -‬إ ّن ّ‬

‫األخالقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬إ ّن األحكام األخالقيّة معتربة فقط عند من يكون لديه ذلك االنفعال‬

‫‪ -‬إ ّن األحكام األخالقيّة إمنا تكون معتربة فقط عند اجملتمع الّذي تعاقد وتعاهد عليها‪.‬‬

‫كل األحكام األخالقيّة باألوامر ‪ /‬االنفعاالت ‪ /‬التوافقات‪ ،‬ويوجهوهنا على هذا‬ ‫إ ّن الالواقعيني يربطون اعتبار ّ‬
‫أي أهّن م ال ب ّد أ ْن يقبلوا‬
‫األساس‪ ،‬ولذا ال ب ّد أ ْن تكون نفس تلك األوامر ‪ /‬االنفعاالت ‪ /‬التوافقات معتربة عندهم‪ّ ،‬‬
‫بإحدى هذه اجلمل اآلتية‪:‬‬

‫‪147‬‬
‫‪ -‬ينبغي‪ 9‬على اجلميع إطاعة أوامر اهلل‪.‬‬

‫‪ -‬ينبغي لكل ٍ‬
‫فرد أ ّن يتّبع الوظائف األخالقيّة العمليّة املقبولة عنده‪.‬‬

‫لكل فرد العمل طبق انفعاالته األخالقيّة‪.‬‬


‫‪ -‬ينبغي ّ‬

‫كل جمتمع العمل طبق التوافقات األخالقيّة عند جمتمعهم‪.‬‬


‫‪ -‬ينبغي ألفراد ّ‬

‫ناظر إىل‬
‫األخالقي ٌ‬
‫ّ‬ ‫األخالقي‪ ،‬وهذاالوجوب (ينبغي‪ ،‬يلزم)‬
‫ّ‬ ‫كل واحدة من هذه اجلمل تبنّي نوعاً من "الوجوب"‬
‫إ ّن ّ‬
‫أي إ ّن اعتبار "الوجوبات" األخالقيّة األخرى يرتبط هبذا "الوجوب" لكن بأي دليل يعترب‬ ‫ذلك "الوجوب" األصلي‪ّ ،‬‬
‫نفسه "الوجوب" األصلي؟ وملاذا جيب علينا إطاعة أوامر اهلل؟ وملاذا‪...‬؟‬

‫ولتوجيه "الوجوب" األصلي ميكن افرتاض إحدى هذه األوامر‪:‬‬

‫‪ - 1‬إنّه ال حيتاج إىل التوجيه واإلثبات‪".‬‬

‫‪ - 2‬إ ّن التوجيه واإلثبات موجود معه ويف ذاته‪.‬‬

‫‪ - 3‬إ ّن التوجيه واإلثبات حيصل جبملة أخرى‪.‬‬

‫لكن ال ب ّد لنا من االلتفات إىل أنّه‪:‬‬

‫ألي "ينبغي" أخالقيّة أ ّن تكون مستقلة عن األوامر والسالئق والتوافقات‪.‬‬


‫‪ - 1‬طبقاً لنظرية الالواقعيّة فإنّه ال ميكن ّ‬

‫‪ - 2‬االستناد إىل نفس "ينبغي" األصلية (الوجوب األصلي) من أجل توجيهها يستلزم الدور الباطل‪.‬‬

‫وإما أ ْن تكون من‬


‫‪ - 3‬اجلملة الّيت سيستند إليها واقعاً إلثبات "الوجوب" ّإما أ ْن يكون وجوهبا أكثر أصالة[‪ّ ]9‬‬
‫نوع "املوجود"‪ .‬لكن بناءً على االفرتاض فال يوجد "الوجوب" األكثر أصالة‪ .‬وطبقاً لرأي الالواقعي ال ميكن‬
‫كل املذاهب الالواقعيّة من‬
‫استنتاج "جيب" (ينبغي) من "موجود"‪ .‬وبناءً على هذا ال ب ّد عند ّ‬
‫‪ -9‬يف املنت الفارسي عرب بكلمة بايد وقد أشرنا سابقاً إىل أهّن ا من املفاهيم األخالقيّة مبعىن ما ينبغي‪ ،‬و نبايد مبعىن ال ينبغي ولكن قد‬
‫معان أخرى حبسب وقوعها يف الكالم‪ ،‬كالوجوب واللزوم والضرورة‪ ،‬لذا اقتضى التوضيح‬ ‫يكون هلا أيضاً أحياناً مرادفات أو ٍ‬
‫(املرتجم)‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫أي‬
‫كل " الوجوبات" األخالقيّة بواسطة الوجوب األصلي (ينبغي األصلية)‪ ،‬لكن هذه األخرية ال يوجد ّ‬
‫توجيه ّ‬
‫أخالقي لن يكون موجهاً وثابتاً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أي "وجوب"‬
‫توجيه وإثبات هلا ولذا فإ ّن ّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ هل هذا اإلشكال املذكور يرد أيضاً على‬ ‫أصلي‪.‬‬
‫"حسن" ّ‬
‫ٌ‬ ‫كل واحد من هذه املذاهب اكتب‬
‫سؤال‪ :‬حول ّ‬
‫"احلسن" األصلي؟‬

‫أي لزوم‬
‫أي وقت ولن يظهر ّ‬
‫ما مل ترتسخ جذور شجرة األخالق يف أرض الواقعيّة‪ ،‬فلن تثمر هذه الشجرة يف ّ‬
‫وقيمة واقعاً‪.‬‬

‫واآلن سوف نقوم بتحليل كل واحد من هذه املذاهب الالواقعية على ٍ‬


‫حدة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫اإلهلي)‬
‫األول من األمرية (نظرية األمر ّ‬
‫‪ .4 - 2‬حتليل النوع ّ‬

‫حق اجلميع إىل الكماالت اإلهلية املطلقة‪ .‬وعلى الرغم‬


‫يُستند يف هذه النظرية لتعيني اإلله املعتربة أوامره ونواهيه يف ّ‬
‫من كون هذا اإلله املتعايل املالك والقادر على اإلطالق واحلاوي لسائر الكماالت الوجودية يف حدها األعلى‪ .‬وقد‬
‫العقلي‪ ،‬فقد ذهب أنصار الالواقعيّة إىل القول بأنه ال ميكن الوصول إىل هذا الوجوب عن‬ ‫ّ‬ ‫ثبت هذا املدعى بالربهان‬
‫منطقي بني‬
‫ّ‬ ‫أي ارتباط‬
‫طريق هذه الوجودات حبيث جيب إطاعة األوامر اإلهلية‪ ،‬ألنّه بناءً على الالواقعيّة ال يوجد ّ‬
‫اإلهلي باستنادهم إىل الكماالت اإلهلية إلثبات‬
‫"الوجوب" واملوجود‪ .‬وبناءً على هذا األساس فإ ّن أنصار نظرية األمر ّ‬
‫اعتبار أوامر اهلل قد نقضوا مبانيهم القائمة على الالواقعيّة‪.‬‬

‫أي‬
‫أي شيء متّصفاً باحلسن أو القبح قبل أمر اهلل وهنيه فإ ّن العقل ال ميكنه تشخيص حسن وقبح ّ‬ ‫‪ - 2‬لو مل يكن ّ‬
‫وبغض النظر عن األمر والنهي اإلهليني فإ ّن العقل ميكنه تشخيص‬
‫ّ‬ ‫لكن‬
‫شيء من دون الرجوع إىل أمر اهلل وهنيه‪ْ ،‬‬
‫القبح واحلسن يف بعض املوارد‪ ،‬مثاالً على ذلك فإ ّن غري املعتقد باهلل يدرك أيضاً حسن العدل والصدق والوفاء‬
‫بالعهدـ واألمانة وكذلك قبح الظلم والكذب واخليانة ونقض‬

‫‪149‬‬
‫العهود‪ ،‬وهذا يشري إىل أ ّن احلسن والقبح عقليان‪ ،‬وأ ّن احلسن والقبح الذاتيني موجودان أيضاً[‪.]10‬‬

‫شرطي الطريق بعدما عرف املقصد الّذي‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 3‬لنفرتض أنّك أضعت الطريق يف سفرك إىل مقصدك‪ ،‬وهنا قال لك‬
‫عقالئي‪ ،‬إاّل أ ّن‬
‫ّ‬ ‫الشرطي أمر‬
‫ّ‬ ‫تنوي الذهاب إليه‪ :‬ينبغي لك أ ْن تسلك الطريق األمين‪ ،‬وعليه فإ ّن اتّباع ارشادات هذا‬
‫الشرطي هو املوجب لكون الطريق األمين هو املوصل إىل مقصدك‪ .‬ومن احملتمل أ ّن أنصار‬ ‫ّ‬ ‫هذا ال يعين كون أمر‬
‫اإلهلي قد التفتوا إىل هذه النكتة الصحيحة وهي أ ّن أكثر القيم األخالقيّة واألفعال الالزمة ال ميكن‬
‫نظرية األمر ّ‬
‫اإلهلي‪ .‬فاإلنسان ال ميكنه ّادعاء املعرفة الصحيحة ملا هو مفيد والزم‬‫كشفها وإدراكها إاّل عن طريق الوحي والبيان ّ‬
‫للوصول إىل هدف األخالق وأنه ميكنه تشخيصها بعقله‪.‬‬

‫وبناءً عليه فإ ّن إطاعة أوامر اهلل ونواهيه عقالنية والزمة إاّل أ ّن ذلك ال يعين أ ّن األمر والنهي اإلهليني موجبان لقيمتها‬
‫ولزومها األخالقيّني وأنّه ال تفاوت قبل وجود األمر والنهي بني األمانة واخليانة والعدل والظلم وإعانة احملرومني‬
‫وقتل األبرياء‪.‬‬

‫فاهلل باطّالعه الكامل على العواقب الواقعيّة لألفعال يأمرنا وينهانا من أجل هدايتنا وارشادنا إىل الصراط املستقيم‪ ،‬ال‬
‫أ ّن أوامره ونواهيه جتعل الطرق مستقيمةـ أو غري مستقيمة‪.‬‬

‫‪ .4 - 3‬حتليل النوع الثاين من األمرية‬


‫ردها لذا فإهّن ا ال تستطيع إثبات اعتبار‬
‫ملّا كانت األمرية ال تقبل بوجود املباين الواقعيّة للقبولـ باألحكام األخالقيّة أو ّ‬
‫هذه األحكام ملن ال يقبل باألوامر الواردة يف موردها ولذا أيضاً فإهّن م يؤكدون أهّن ا معتربة فقط عند من يقبل هبا ال‬
‫غري‪ .‬لكن ما هو معىن هذا االعتبار؟‬

‫لننتبه إلى هذا المثال‪:‬‬

‫احلق يف القبول‬
‫كل إنسان له احلق يف التقنني‪ ،‬وأ ّن له ّ‬
‫األساسي أ ّن ّ‬
‫ّ‬ ‫لنفرتض أ ّن هناك دولة افرتاضية ورد يف قانوهنا‬
‫حق‬
‫كل قانون معترب فقط يف ّ‬‫رده‪ ،‬وأ ّن ّ‬‫بأي قانون أو ِّ‬
‫ّ‬

‫‪150‬‬
‫من يقبل به‪.‬‬

‫ألي قانون فيها‪,‬‬


‫صرح يف قانوهنا األساسي بأنه ال قيمة واعتبار ّ‬
‫وعليه يف مثل هذه الدولة الفرضية من األفضل أ ّن يُ َّ‬
‫تسمى هذه الدولة بدولة الالقانون!‬
‫وأ ْن ّ‬

‫املؤدى‪:‬‬
‫وكذلك فإ ّن هاتني العبارتني هلما نفس ّ‬

‫"اسرق" معتربٌ يف‬


‫ْ‬ ‫‪ -‬إذا مل ترد أ ْن تسرق فحكم "ال تسرق" معتربٌ يف ح ّقك وعندك‪ ،‬وإذا أردت أ ْن تسرق فحكم‬
‫ح ّقك وعندك أيضاً‪.‬‬

‫‪ -‬إذا أردت فاسرق وإذا مل ترد ذلك فال تسرق‪ ،‬فإ ّن كال هذين احلكمني غري معتربين‪.‬‬

‫وبناءً عليه فإ ّن القول إ ّن األوامر األخالقيّة معتربة فقط عند من يقبل هبا حاهلا حال القول إ ّن األوامر األخالقيّة غري‬
‫معتربة أساساً‪.‬‬

‫‪ .4 - 4‬حتليل النظرية االنفعالية‬

‫املعنائي عند الوضعيّة املنطقية ال ميكن القبول هبما بل وعليهما إشكاالت كبرية‬‫ّ‬ ‫‪ - 1‬إ ّن مبىن املعرفة واملعيار‬
‫ومتع ّددة‪ .10‬حيث إ ّن القبول هبذا املبىن واملعيار املقدَّم من قبل الوضعيّة املنطقية سيؤدي إىل اعتبار العلومـ غري‬
‫التجريبية علوماً ال تؤدي إىل املعرفة وعلوماً بال معىن‪ ،‬بل وستعترب العديد من بيانات العلومـ التجريبية املشتملة على‬
‫كل ذلك فإ ّن نفس دعواهم القائلة إ ّن "املعترب‬
‫مفاهيم غري حمسوسة وجمربة بشكل مباشر بال معىن‪ ،‬واألعجب من ّ‬
‫هو املعرفة املستندة إىل احلس والتجربة" و"إ ّن أمثال هذه القضايا هي الّيت هلا معىن فقط" ليست جتريبية وال حتليلية‪،‬‬
‫وعليه فبناءً على نفس مبناهم فإهّن ا غري معتربة وبال معىن أيضاً‪.‬‬

‫وانفعايل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إحساسي‬
‫ّ‬ ‫ثقل‬
‫‪ - 2‬إ ّن كلمة "مساعد" مبعىن املعني‪ ،‬إاّل أ ّن هذه الكلمة نفسها من املمكن أ ْن يكون هلا ٌ‬
‫وكذلك من املمكن ألجل أ ْن تنبّه أصدقاءك من حادثة‬

‫حممدـ حسني زاده‪ ،‬معرفت شناسى‪ ،‬ص ‪.127 - 115‬‬


‫حممدـ تقي مصباح‪ ،‬آموزش فلسفه ج‪ ،1‬ص ‪ّ ,215 - 212‬‬
‫‪ -10‬راجع‪ّ :‬‬

‫‪151‬‬
‫خطرية كاحرتاق البيت مثالً أ ْن تقول هلم حبالة من االضطراب واالنفعال "إ ّن بيتكم حيرتق"‪ .‬وعلى الرغم من كون‬
‫انفعايل وقد ذُكرت لتحريك املخاطَب الختاذ املوقف املناسب إاّل أهنا مجلة حاكية للواقع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هذه اجلملة ذات ٍ‬
‫ثقل‬

‫وانفعايل ال‬
‫ّ‬ ‫إحساسي‬
‫ّ‬ ‫وبناءً عليه فإ ّن جمرد افرتاض كون املصطلحات األخالقيّة وكذلك القضايا األخالقيّة ذات ثقل‬
‫يوجب االستنتاج بأهنا غري واقعيّة‪ .‬نعم قد تكون لدينا بعض املصطلحات كقولنا "لذيذة" وبعض اجلمل احلاوية هلا‬
‫كل‬
‫كقولنا "هذا الطعام لذيذ" شاملة لكوهنا إحساسية وغري حاكية للواقع‪ .‬إاّل أ ّن هذا ال يعين تسرية احلكم على ّ‬
‫إحساسي ال بد أ ْن ال يكون حاكياً للواقع‪ ،‬ألنّه وطبقاً للتعريفـ‬
‫ّ‬ ‫ثقل‬
‫املصطلحات واجلمل حبيث يقال إ ّن ما له ٌ‬
‫بغض النظر عن األوامر‬
‫املتقدم فإ ّن املفاهيم واجلمل إمّن ا نسميها باحلاكية للواقع إلشارهتا إىل واقعيّة عينية ّ‬
‫واألحاسيس والتوافقات‪ ،‬وقد أشرنا يف الفصل الرابع عند حتليل املفاهيم األخالقيّة إىل ثبوت كون هذه املفاهيم‬
‫والقضايا األخالقيّة حاكية للواقع‪ ،‬ولذا فإ ّن التوجيه الثاين لالنفعالية ال ميكن القبول به أيضاً‪.‬‬

‫‪ .4 - 5‬حتليل النظرية التعاهدية‬

‫أي تواصل وارتباط باآلخرين فحينها أال ميكن القول يف مورده إ ّن‬
‫‪ - 1‬لو أ ّن رجالً يعيش وحده يف مزرعته دون ّ‬
‫بصحته أو قطعه ألشجار مزرعته املثمرة حسنة أو قبيحة؟‬
‫صالته أو اهتمامه ّ‬

‫إ ّن نطاق األخالق وأفعال اإلنسان االختيارية ال حي ّدان سلوك اإلنسان وأفعاله مع الناس اآلخرين بل يشمالن أيضاً‬
‫ارتباطه باهلل وبنفسه وبالطبيعة‪.‬‬

‫األخالقي‪ ،‬وعلى هذا‬


‫ّ‬ ‫تصوروا أ ّن أفعال اإلنسان االجتماعية وحدها القابلة للتقييمـ باللحاظ‬
‫إال أ ّن أنصار التعاهدية ّ‬
‫األساس اعتقدوا بأ ّن األخالق منوطة بتشكيل اجملتمعات واملقصود منها رفع التعارضات االجتماعية على فرض‬
‫حصوهلا‪ .‬وكما ترى فإ ّن األخالق حىت بالنسبة ألولئك الّذين يعيشونـ يف اجملتمعات ال تنحصر يف‬

‫‪152‬‬
‫وحل التعارضات واالختالفات فيما بينهم‪.‬‬
‫األمور االجتماعية ّ‬

‫‪ - 2‬يعتقد أنصار التعاهدية بأ ّن رعاية القواعد األخالقيّة الّيت تَوافَ َق اجملتمع عليها نافعة ومفيدة لرفع التعارض بني‬
‫األخالقي ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫أفراد اجملتمع‪ .‬وهنا نسأل هؤالء هل أ ّن رفع التعارض وتأمني املنافع املتقابلة ألفراد اجملتمع ‪ -‬باللحاظ‬
‫قيّم والزم بنفسه وذاته أم أ ّن ذلك حيتاج إىل وجود توافق آخر عليه؟‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ ال ب ّد لنا أ ْن‬ ‫األول فإ ّن القائل بالتعاهدية وخالفاً ملبانيه قد قبل نوعاً ما بالواقعيّة‪،‬‬
‫وهنا بناءً على االفرتاض ّ‬
‫جمرد رفع التعارض وتأمني‬ ‫الواقعي هلا هل هو ّ‬
‫ّ‬ ‫نتباحث معه ‪ -‬يف موضعه ومكانه ‪ -‬حول هدف األخالق واملنشأ‬
‫صرح بناءً على مبىن‬ ‫املنافع املتقابلة لألفراد أم أنّه شيء آخر‪ .‬وكذلك حول ماهية مالك املنفعة عنده أيضاً‪ .‬وأما لو ّ‬
‫الالواقعيّة بأ ّن رفع التعارض االجتماعي ليس قيّماً والزماً بذاته ويف ح ّد نفسه بل ال ب ّد له من توافق آخر عليه‬
‫فسوف يلزم ٍ‬
‫حينئذ التسلسل أل ّن قيمة ولزوم هذا التوافق الثاين أيضاً حيتاج إىل توافق آخر وهكذا‪...‬‬

‫الخالصة‬

‫االشكاالت على المذاهب الالواقعيّة‬

‫صحة الالواقعيّة والنسبيّة األخالقيّة وعدم التوجيه املناسب لألحكام األخالقيّة بسبب عدم كون‬
‫‪ - 1‬إ ّن عدم ّ‬
‫كل املذهب الالواقعيّة‪.‬‬
‫موج َهني تُعترب من املشاكل املشرتكة عند ّ‬
‫الوجوب واحلسن األصليني َّ‬

‫اإلهلي وبسبب اعتقادهم بالالواقعيّة ال ميكنهم منطقياً ‪ -‬من خالل استنتاج "الوجوب"‬
‫‪ - 2‬إ ّن أتباع نظرية األمر ّ‬
‫من "املوجود" ‪ -‬التمسك بأفضلية اهلل العتبار أوامره‪.‬‬

‫وبغض النظر عن األمر والنهي اإلهليني‪،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 3‬إ ّن العقل ميكنه يف بعض املوارد‪،‬‬

‫‪153‬‬
‫تشخيص حسن األشياء وقبحها‪ ،‬ولذا فاحلسن والقبح عقليان وتبعاً هلما أيضاً فاحلسن والقبح الذاتيان موجودان‬
‫أيضاً‪.‬‬

‫‪ - 4‬وقع االشتباه يف نظرية األمر اإلهلي بني منشأ القيم واللزوميات األخالقيّة وطرق تشخيص قيمة ولزوم بعض‬
‫األمور‪.‬‬

‫حق من يقبل هبا فقط يساوي القول بعدم اعتبارها أيضاً‪.‬‬


‫‪ - 5‬إ ّن القول باعتبار األوامر األخالقيّة يف ّ‬

‫‪ - 6‬إ ّن مبىن الوضعيّة املنطقية غري صحيح ومن املمكن أ ْن تكون املعارف غري احلسية معتربة وذات معىن أيضاً‪.‬‬

‫‪ - 7‬بالتوضيح الّذي ذكرناه حول املفاهيم والقضايا األخالقيّة أثبتنا كوهنا حاكية للواقع‪ ،‬وأ ّن هذه املفاهيم‬
‫إحساسي فإ ّن ذلك ال يؤثّر يف حكايتها للواقع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والقضايا حىت ولو كانت ذات ثقل‬

‫وحل التعارض بني أفراد اجملتمع‪.‬‬


‫‪ - 8‬ال ينحصر نطاق األخالق بالروابط االجتماعية ّ‬

‫حل التعارض االجتماعي له قيمة ذاتية‪ ،‬وال ميكنهم ربط قيمته‬


‫‪ - 9‬إ ّن أنصار التعاهدية ال ميكنهم االعتقاد بأ ّن ّ‬
‫بتوافق آخر عليه‪ ،‬حيث إنّه بناءً على الصورةـ األوىل يستلزم نقض مبناهم القائم على الالواقعيّة وعلى الصورة الثانية‬
‫سيبتلون بالتسلسلـ الباطل‪.‬‬

‫األسئلة‬

‫‪ - 1‬اذكر ثالثة اشكاالت مشرتكة ترد على املذاهب الالواقعيّة؟‬

‫رأي القائلني باألمرية حول معىن القضايا األخالقيّة ومنشأ القيم واللزوميات األخالقيّة‪.‬‬
‫‪ - 2‬اذكر َ‬

‫حق اجلميع؟‬
‫اإلهلي اعتبار أوامر اهلل يف ّ‬
‫يوجه أتباع نظرية األمر ّ‬
‫أ‪ -‬كيف ّ‬

‫‪154‬‬
‫ب‪ -‬هل يتوافق هذا التوجيه مع مبىن هذه النظرية؟ أوضح ذلك‪.‬‬

‫‪ - 4‬أ‪ -‬ما املراد باحلسن والقبح الذاتيني والعقليني؟‬

‫اإلهلي ينكرون احلسن والقبح الذاتيني والعقليني؟‬


‫ب‪ -‬ملاذا يقال إ ّن أتباع نظرية األمر ّ‬

‫ج‪ -‬ملاذا ال ميكن القبول بإنكار احلسن والقبح العقليني؟ـ‬

‫اإلهلي بني تشخيص القيم واللزوميات األخالقيّة وبني منشئهما؟‬


‫‪ - 5‬كيف حصل االشتباه يف نظرية األمر ّ‬

‫حق َمن يقبل هبا‪ .‬أوضح ما يلي‪:‬‬


‫‪ - 6‬ذُكر يف النوع الثاين من األمرية أ ّن األوامر األخالقيّة معتربة فقط يف ّ‬

‫أ‪ -‬ملاذا ال يرى هؤالء اعتبار هذه األمور يف حق اآلخرين؟‬

‫ب‪ -‬ما هو املراد من كون هذه األمور معتربة يف حق من يقبل هبا؟‬

‫عرف االنفعالية‪.‬‬
‫‪ِّ - 7‬‬

‫‪ - 8‬ما هو التوجيه املذكور إلثبات االنفعالية من قبل هذين الفريقني‪:‬‬

‫أ‪ -‬الوضعيني املنطقيني‬

‫ب‪ -‬املعتقدين بأ ّن املصطلحات األخالقيّة إحساسية‬

‫‪ - 9‬ملاذا قلنا بعدم مقبولية مبىن الوضعيّة املنطقية القائل بكون املصطلحات والقضايا األخالقيّة بال معىن؟‬

‫‪ - 10‬هل من املمكن القبول بأ ّن املصطلحات األخالقيّة إحساسية ولكنها ال حتكي الواقع؟ أوضح ذلك‪.‬‬

‫‪ - 11‬اذكر رأي القائلني بالتعاهدية يف هذه األمور وقم بنقده‪:‬‬

‫أ‪ -‬نطاق األخالق‪.‬‬

‫ب‪ -‬منشأ القيم واللزوميات األخالقيّة واعتبار األحكام األخالقيّة‪.‬‬

‫ج‪ -‬اهلدف من وضع التوافقات األخالقيّة‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ - 12‬أ‪ -‬صنّف هذه اجلمل من حيث املالءمة مع الواقعيّة أو الالواقعيّة؟‬

‫أي نظرية من النظريات الّيت بُيِّنت يف هذا الفصل متالئمة؟‬


‫ب‪ -‬بالنسبة للجمل املالئمة مع الالواقعيّة‪ ،‬اذكر مع ّ‬

‫األوىل‪ :‬إ ّن أوامر اهلل تشري لنا إىل حسن األفعال أو قبحها واقعاً‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬احلسن والقبح األخالقيّان عبارة عن املرضي وغري املرضي‪.‬‬

‫كل إنسان حيتاج لواعظ من نفسه ليأمر نفسه بفعل األفعال احلسنة وينهاها كذلك عن األفعال القبيحة‪.‬‬
‫الثالثة‪ّ :‬‬

‫الرابعة‪ :‬األفعال الّيت يأمر اهلل هبا تصبح حسنة‪.‬‬

‫يشخصوا بدقّة األعمال احلسنة‪.‬‬


‫اخلامسة‪ :‬ميكن للناس يف بعض املوارد أ ْن ّ‬

‫السادسة‪ :‬العمل احلسن هو ما ألزمنا أنفسنا القيام به‪.‬‬

‫السابعة‪ :‬إ ّن اهلل ال يأمر بالقبيح من األفعال‪.‬‬

‫الثامنة‪ :‬بعض األفراد يشعرونـ بإحساس حسن عند فعل األفعال احلسنة ويشعرون بالسوء عند فعل األفعال القبيحة‪.‬‬

‫التاسعة‪ :‬إ ّن ما يأمر به الناس هو احلسن وجيب فعله‪.‬‬

‫العاشرة‪ :‬ميكن من خالل ذكر اجلمل األخالقيّة احلاوية لألوامر والنواهي توصية اآلخرين بفعل األعمال احلسنة وترك‬
‫السيئة منها‪.‬‬

‫للبحث‬

‫تباحث مع أصدقائك حول املواضيع‪ ،‬وأوضح ماهية الفرق بينها وبني ُم ّدعى املذاهب الالواقعيّة‪:‬‬

‫‪ - 1‬إ ّن القضايا األخالقيّة ناظرة إىل صفاتنا وأفعالنا االختيارية ونتائجها املطلوبة‬

‫‪156‬‬
‫وغري املطلوبة‪ ،‬وحنن عندما نتحادث عادة عن األعمال الّيت تنتهي إىل مثل هذه النتائج املرغوبة وغري املرغوبة يتولد‬
‫ومنفي أحياناً أخرى‪ ،‬ولذا فإ ّن القضايا األخالقيّة مضافاً إىل اجلانب‬
‫ّ‬ ‫عندنا انفعال وحتريك داخلي مثبَت أحياناً‬
‫العلمي فيها هلا جانب حتريكي أيضاً‪.‬‬

‫الكلي‬
‫‪ - 2‬توجد أهداف مشرتكة بني أفراد اجملتمع واجلماعات املختلفة‪ ،‬وإذا ما اشرتكوا أيضاً حول هذا اهلدف ّ‬
‫من احلياة والطرق املوصلة إليه بعقائد متشاهبة فعادة ما يكونون قد توافقوا على قواعد أخالقيّة مشرتكة أيضاً‪ .‬وهنا‬
‫ميكن اعتبار بعض أنواع الثقافات واآلداب والرسوم والتقاليد وأمثاهلا من علل تشابه االعتقادات بني هؤالء األفراد‪.‬‬

‫‪ - 3‬ميكن لالعتقادات أ ْن تؤثّر يف القواعد األخالقيّة املقبولة عند األفراد‪ .‬ومن املمكن أيضاً أ ْن تكون هذه‬
‫أي جمتمع من املمكن أ ّن يتم من خالل‬
‫قيم ّ‬
‫االعتقادات صحيحة أو غري صحيحة‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن إصالح أو إفساد َ‬
‫إصالح أو إفساد عقائدهم‪.‬‬

‫‪ - 4‬رغم أ ّن اهلدف النهائي للحياة اإلنسانية ليس ترك هؤالء الناس كالذئاب تنهش بعضها بعضاً‪ ،‬فإ ّن رفع‬
‫االختياري عند اإلنسان والذي هو‬
‫ّ‬ ‫التعارض واخلالفات االجتماعية يعترب من مجلة شرائط الوصول إىل الكمال‬
‫هدف األخالق‪ ،‬ولذا يعترب هذا العمل نوعاً ما ذا قيمة وبناء عليه إذا استطاع أفراد اجملتمع وضع ٍ‬
‫طرق لرفع هذا‬ ‫ً‬
‫التعارض حبيث تكون متحدة مع هدف األخالق فإ ّن العمل هبا يعترب قيماً والزماً‪.‬‬

‫‪ - 5‬من املمكن وجود العديد من هذه الطرق الّيت تؤدي إىل رفع التعارض واليت تتساوى مجيعها من ناحية الوصول‬
‫إىل هدف األخالق ولذا إذا استطاع هؤالء األفراد تشخيص هذه الطرق بشكل صحيح فمن املمكن التوافق على‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يكون هذا التوافق والعمل على طبقه قيّماً والزماً أيضاً‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد منها‪،‬‬

‫‪157‬‬
‫إقرأ‬

‫لقد طُرح العديد من النظريات حول املسائل النظرية يف نطاق فلسفةـ األخالق واليت ميكن تنويعها وتقسيمها إىل‬
‫األخالقي الواجب اإلتباع‬
‫ّ‬ ‫طوائف متع ّددة‪ ،‬وحنن ملا كان لدينا هدف حمدد يف هذا الكتاب وهو إجياد املذهب‬
‫ّ‬
‫(الصحيح) جعلنا احملور األساس يف هذا اجملال مسألة منشأ وإثبات األحكام األخالقيّة‪ ،‬وعلى هذا األساس قسمنا‬
‫ورتبنا النظريات األخالقيّة املرتبطة هبا‪ ،‬وهناك أيضاً العديد من املسائل النظرية األخرى الّيت تبحث يف فلسفةـ‬
‫األخالق تبعاً هلذه املسألة‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن الالواقعيني وكما مر معنا ال يقولون بوجود منشأ واقعي لألخالق‪،‬‬
‫الواقعي لألحكام األخالقيّة‪ ،‬وبالتايل تقسيمها إىل الصادقة‬
‫ّ‬ ‫ويف احلقيقة فإهّن م مل يتمكنوا من إجياد مثل هذا املنشأ‬
‫والكاذبة وبيان وجه الصدق ومقبولية األحكام األخالقيّة الصادقة‪ ،‬وهلذا ذهب بعض منهم إىل اعتبار القضايا‬
‫األخالقيّة بال معىن وسعوا بالتايل إىل تقدمي استعماالت هلا غري حاكية للواقع‪ .‬وذهب بعض آخر منهم إىل أ ّن معىن‬
‫القضايا األخالقيّة أمور ال واقعيّة‪.‬‬

‫ومن طرف آخر فقد اعتقد بعض الواقعيّني الّذين مل يستطيعوا أيضاً أ ّن يعرفوا منشأً واضحاً ومشخصاً للقيم‬
‫األخالقيّة إىل أ ّن منشأ األحكام األخالقيّة ميكن فهمه من دون حاجة إىل البيان واالستدالل‪ ،‬وعليه فال حاجة إىل‬
‫البحوث النظرية يف هذا اجملال‪ .‬ولذا فقد اختار هؤالء الواقعيّة البديهية الّيت ال حاجة إلثباهتا‪.‬‬

‫الواقعي لألخالق الّذي ميكن إثباته واالستدالل عليه ولكنهم اختلفوا‬


‫ّ‬ ‫ويف مقابل هؤالء اعتقد آخرون بوجود املنشأ‬
‫وتكون العديد من املذاهب األخالقيّة‪ .‬وقد ذهب بعض أتباع‬ ‫يف تعريفه واالستدالل عليه‪ ،‬وهلذا أيضاً فقد ظهر ّ‬
‫بالتعرض إىل بعض‬
‫املذاهب األخالقيّة إىل عدم إبداء الرأي الصريح والواضح حول الواقعيّة أو الالواقعيّة‪ ،‬بل اكتفوا ّ‬
‫املسائل اجلزئية إاّل أنّه ميكن احلدس من خالل لوازم كلماهتم مبا يعتقدونه يف هذا اجملال (هذا يف صورة معرفة لوازم‬
‫كالمهم أو يف صورة عدم وجود التعارض يف كلماهتم ومواقفهم)‪.‬‬

‫التعرض لكل واحدة من هذه النظريات على حدة‪ ،‬وسواء يف املسائل األصلية أو الفرعية لفلسفةـ‬ ‫وبناءً على هذا فإ ّن ّ‬
‫األخالق‪ ،‬خارج عن قابلية هذا الكتاب‪ ،‬وكذلك فإ ّن إثبات تعلّق النظرية مثالً بشخص‬

‫‪158‬‬
‫ما أو عدم تعلقها به وخاصة إثبات اللوازم غري البيّنة فيها إىل صاحب تلك النظرية مع األخذ مبجموع كالمه يف‬
‫باب األخالق يعترب عمالً صعباً وشاقاً وطويالً‪.‬‬

‫ومضافاً إىل ذلك فإ ّن لكل مسألة نظريات غري مذكورة ميكن فرضها يف جماهلا وموردها‪.‬‬

‫كل النظريات البديلة املوجودة واملمكن‬‫لكن األهم من ذلك كله أنّنا وألجل تأمني هدفنا املذكور لسنا حباجة لذكر ّ‬
‫كل مسألة من مسائل فلسفة األخالق‪ .‬وهلذا انتخبنا أقصر الطرق للتعرفـ إمجاالً إىل املذاهب األخالقيّة‬ ‫وجودها يف ّ‬
‫كل نظريات ما وراء األخالق‪،‬‬ ‫املتناسبة مع هذا الكتاب‪ ،‬وتتبعنا اهلدف األصلي منه من دون التأكد من حتليل ّ‬
‫واألخالق القواعدية والقانونية‪ ،‬ومن دون استقصاء األقوال املختلفة واملتع ّددة يف هذه املسائل ومن دون التأكيد‬
‫على إثبات استنادها إىل خصوص بعض أهل الرأي فيها‪.‬‬

‫وقد سعينا يف سبيل الوصول إىل هذا اهلدف إىل رفع املوانع الفكريّة الّيت قد تعرتض طريقنا‪ ،‬وهلذا فقد أشرنا إىل‬
‫أصول وكليات بعض املذاهب األخالقيّة املهمة واليت استند بعض أهل الرأي واالختصاص إليها وقمنا بتحليل‬
‫أدلتها‪ .‬نعم قمنا بذكر بعض اجلزئيات املتعلقةـ هبذه املذاهب يف املذ ّكرات فقط‪.‬‬

‫وال نغفل عن هذا االحتمال أيضاً وهو إمكانية املناقشة يف إسناد بعض األقوال ألصحاهبا نظراً إىل مواقف أخرى‬
‫هلم يف غري مكان‪.‬‬

‫طرحت هذه النظرية ابتداءً عند اليونانيني األقدمني ويف القرون الوسطى أيضاً‪ ،‬ونسبت عند املسلمني إىل األشاعرة‪.‬‬

‫اإلهلي ‪ -‬إذ سأله سقراط‪" :‬إذا أمر‬


‫ويُذكر يف هذا اجملال مناظرة قامت بني سقراط واثيفرون ‪ -‬القائل بنظرية األمر ّ‬
‫اهلل بشيء ما‪ ،‬فهل أل ّن اهلل أمر به أصبح صواباً‪ ،‬أم ألنّه صواب فإ ّن اهلل قد أمر به"؟‪ .‬وأجابه اثيفرون‪" :‬ال حتماً‪،‬‬
‫ألنّه صواب فإ ّن اهلل قد أمر به"‪ .‬وهنا قال سقراط فوراً‪" :‬إذا كان ما تقول صحيحاً فال بد أ ْن ترفع اليد عن‬
‫نظريتك" (ويليام كِى‪ .‬فرانكنا‪ ،‬فلسفه اخالق‪ ،‬ترمجة هادي صادقي‪ ،‬ص ‪.)75‬‬
‫وينسب هذا القول أيضاً إىل ويليام اكام (‪1347 - 1287‬م) وجان دانس اسكاتوس (‪1308 - 1266‬م)‪).‬‬
‫راجع‪ :‬اسكات مك دونالد "قرون وسطى متأخر" ترمجة حمسن جوادي‪" ,‬تاريخ فلسفه اخالق غرب" سي الرنس‬
‫بيكر‪ ،‬ترمجة جمموعة من املرتمجني‪ ،‬ص ‪.)94 - 93‬‬

‫ويصرح أبو احلسن األشعري (‪339 / 324 - 260‬هـ‪.‬ق‪ ).‬رئيس فرقة األشاعرة إحدى الفرق‬
‫ّ‬

‫‪159‬‬
‫الكالمية واملشهورة عند املسلمني ‪ -‬بأن اهلل إذا ع ّذب املؤمنني وأدخل الكفار إىل اجلنة فلن َّ‬
‫يعد ذلك قبيحاً منه‪.‬‬
‫وكذلك لو أمر بالكذب فسيكون الكذب حسناً‪ ،‬لكن حنن نعتقد بأنّه سيعاقب الكفار ألنّه نفسه أخرب بذلك‪،‬‬
‫والكذب و إ ْن مل يكن قبيحاً منه إاّل أنّه حمال يف حقه‪( .‬راجع‪ :‬علي بن إمساعيل األشعري‪ ،‬كتاب اللمع يف الرد‬
‫وبغض النظر عن االشكاالت الواردة‬
‫ّ‬ ‫على أهل الزيغ والبدع‪ ،‬ص ‪ ،)117 - 116‬واجلدير ذكره ها هنا ‪-‬‬
‫اخلاصة هبا ‪ -‬أ ّن هناك بعض اآليات القرآنية الّيت‬
‫كل املذاهب الالواقعيّة أو من حيث االشكاالت ّ‬ ‫املشرتكة على ّ‬
‫ذُكر فيها وجه بعض األوامر والنواهي واليت ال تتوافق مع ما ذكره األشاعرة‪:‬‬

‫ب لِ َّلت ْق َوى"‪.11‬‬ ‫ِ‬


‫"‪ْ ...‬اعدلُواْ ُه َو أَْقَر ُ‬

‫"‪ ...‬قُ ْل إِ َّن اهللَ الَ يَأْ ُم ُر بِالْ َف ْح َشاء‪.12"...‬‬

‫ِ ِ‬ ‫"وأَوفُوا الْ َكيل إِذا كِْلتم و ِزنُواْ بِ ِ‬


‫َح َس ُن تَأْ ِويالً"‪.13‬‬ ‫اس الْ ُم ْستَقي ِم ذَل َ‬
‫ك َخْيٌر َوأ ْ‬ ‫الق ْسطَ ِـ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬

‫وكذلك فإ ّن استحالة الكذب على اهلل حاهلا حال استحالة تعذيب املؤمنني متأخرة حبسب الرتبة عن عدم اإلرادة‬
‫تصور أ ّن استحالة الكذب‬
‫اإلهلية‪ ،‬وعدم اإلرادة اإلهلية متأخرة رتبة عن قبح الكذب‪ ،‬وكأ ّن األشعري ظاهراً قد ّ‬
‫على اهلل مقدَّمة على عدم اإلرادة اإلهلية‪.‬‬

‫نسبت هذه النظرية إىل بعض أنصار الوضعيّة املنطقية أمثال رودولفـ كارناب (‪ 1891( )Rudolf Carnab‬ـ‬
‫‪1970‬م) ومن املمكن اعتبار نظرية التوصيات الكلية (‪ )Universal prescriptivism‬املنسوبة إىل‬
‫ريتشارد مريفن هري (‪( )Richard Mervyn Hare‬م‪ )1919‬أحد الفالسفة الربيطانيني‪ ،‬قريبة من هذه‬
‫اجملردة‪.‬‬
‫النظرية أيضاً‪ .‬مع أ ّن ميوله النفعية ال تتالءم مع األمرية َّ‬

‫وذهب كارناب ‪ -‬مع مالحظة أ ّن األحكام واصطالحاً األخالقيّة إمنا يستفاد منها يف الغالب من أجل هداية األفعال‬
‫والتأثري فيها ‪ -‬إىل القول بأهنا يف احلقيقة أوامر أو ٍ‬
‫نواه‪ ،‬ولذا فإ ّن القول "ال ينبغي لك أ ّن تسرق" بيان لقولك "ال‬
‫تسرق" وكذلك فإ ّن قولك "الرمحة حسنة" بيان لقولك "كن رحيماً" (ج‪ .‬وارنوك‪ ،‬فلسفه اخالق در قرن حاضر‪.‬‬
‫ترمجة صادق الرجياين‪ ،‬ص ‪.)26‬‬
‫واعتقد هري بوجود الفاصلة بني "الوجود" و"الالزم" ‪،‬وبعبارة أخرى بني "الواقع" "والقيمة" ويف النتيجة بني‬
‫القيمي هو التوصية ال التوصيف‪ ،‬لكن‬
‫ّ‬ ‫لسان‬
‫"التوصيف" و"التوصية"‪.‬ويف رأيه فإ ّن الدور األصلي لّ ّ‬
‫‪ -11‬املائدة ‪.8 :5‬‬
‫‪ -12‬األعراف ‪.28 :7‬‬
‫‪ -13‬اإلسراء ‪.35 :17‬‬

‫‪160‬‬
‫التفاوت األصلي بني التوصيات األخالقيّة واألوامر العادية أ ّن األوىل ال ب ّد أ ْن متتلك قابلية التعميم‪ ،‬وبعبارة أخرى‬
‫كل املوارد ذات الشروط املشاهبة والقبول بتعاطي‬ ‫أخالقي يستلزم االلتزام به يف ّ‬‫ّ‬ ‫بأي حكم‬
‫يرى هري أ ّن القبول ّ‬
‫وصرح‬
‫أخالقي كونه مالئماً فقط‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫أي حكم‬ ‫وسلوك اآلخرين معنا طبقاً له‪ .‬واعترب أيضاً أ ّن الشرط الوحيد لقبول ّ‬
‫كل واحد منهم‬ ‫ٍ‬
‫احلق بقبول أصول أخالقيّة خمتلفة عن األفراد اآلخرين من دون أ ّن يكون عمل ّ‬ ‫لكل فرد ّ‬ ‫أيضاً بأ ّن ّ‬
‫غري معقولـ يف ح ّد ذاته‪.‬‬

‫إال أ ّن هري أضاف فيما بعد الرؤية النفعية إىل مذهبه ونظرياته وبالتايل ابتعد عن مبانيه الالواقعيّة حيث إ ّن األخذ‬
‫باملنافع الشخصية عند اختاذ التوصيات العامة األخالقيّة يتناسب مع القول بالواقعيّة وسيطرأ ٍ‬
‫حينئذ البحث عن املنافع‬ ‫ّ‬
‫األخالقي مع عدم كون التعميم املتخذ من‬ ‫ٍ‬
‫الواقعيّة أيضاً‪ .‬مضافاً إىل أنّه من غري الواضح عندئذ لزوم عمومية احلكم‬
‫ّ‬
‫األخالقي إمنا‬
‫ّ‬ ‫قبل اآلمر به له حكم العمومية‪ ،‬ومن طرف آخر فإ ّن التعبري بالشرائط املشاهبة ‪ -‬حبيث إ ّن احلكم‬
‫ألي فرد أ ّن يشرتط‬‫يكون عاماً مع مقايسته هبذه الشرائط ‪ -‬مبهم وجممل ويقبل التفاسري املتع ّددة‪ ،‬إذ من املمكن ّ‬
‫خاصة به‪.‬‬
‫األخالقي بشروط ّ‬
‫ّ‬ ‫حكمه‬

‫األخالقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أي معيار بناءً على الالواقعيّة لتحديد تلك الشرائط املؤثّرة واقعاً يف ذلك احلكم‬
‫وبناءً عليه فال يوجد ّ‬
‫(راجع‪ :‬ج‪ .‬وارنوك‪ ،‬فلسفه اخالق در قرن حاضر‪ ،‬ترمجة صادق الرجياين‪ ،‬ص ‪ ,62 - 39‬آر‪ .‬اف‪ .‬اتكينسون‪،‬‬
‫در آمدى به فلسفه اخالق‪ ،‬ترمجة سهراب علوي نيا‪ ،‬ص ‪Mophammad A. Shomali.,159 - 146‬‬
‫‪Ethical Relativism: An Analysis of the Foundations of Morality, p. 94 -‬‬
‫‪.)97‬‬

‫حيث إ ّن االنفعالية ال تقول بالواقعيّة العينية للقيمـ واللزوميات األخالقيّة فقد اعتربت هذه النظرية نوعاً من "الذاتية"(‬
‫‪ )Subjectivism‬ولألخرية أنواع متع ّددة‪ :‬منها النوع البسيط والذي يعرَّب عنه بالذاتية البسيطة (‪Simple‬‬
‫‪ )Subjectivism‬واملراد منه نفس االنفعالية أي كون القضايا األخالقيّة يراد منها إظهار وبيان إحاس الفرد‬
‫وميوله‪.‬‬

‫(الوضعيونـ كأمثال آير يصرحون بأ ّن نظريتهم وإ ّن كان من املمكن اعتبارها نوعاً من الذاتية إاّل أهنا متفاوتة عن‬
‫الذاتية العادية الّيت تعترب القضايا األخالقيّة بياناً لإلحساسات واالنفعال يف أهنم ال يعتربون هذه القضايا إخباراً عن‬
‫جمرد إبراز لتلك االنفعاالت واإلحساسات (راجع‪ :‬الف‪ ،‬ج‪ ،‬آير‪" ،‬زبان‪ ،‬حقيقة منطق"‬ ‫االنفعاالت الداخلية بل إهنا ّ‬
‫ترمجة منوچهر بزركمهر‪ ،‬ص ‪.)150 - 148‬‬

‫وبناءً عليه ميكن تقسيم الذاتية البسيطة إىل نوعني أيضاً العادية وغري العادية‪ ،‬والنوع الثاين منها‬

‫‪161‬‬
‫يراد منه االنفعالية املبتناة على الوضعيّة املنطقية‪ ،‬والنوع العادي منها يراد منه االنفعالية املبتناة على كون‬
‫املصطلحات األخالقيّة انفعالية)‪.‬‬

‫أي الذاتية غري العادية تُعرف أيضاً بنظرية اخلطأ (‪ )Error Theory‬واليت تعترب‬ ‫كما وأ ّن النوع الثاين منها ْ‬
‫القضايا األخالقيّة قضايا تُستخدم لبيان الواقعيّة األخالقيّة‪ .‬وهبذا التصور يقال هلا خطأ حيث إ ّن هذه الواقعيّة‬
‫موجودة مع أ ّن ما تشري إليه هذه القضايا باطل ال أساس له‪ ،‬ألنّه وطبقاً هلذه النظرية ال وجود للواقعيّة األخالقيّة‪.‬‬
‫ونظرية اخلطأ تقول إ ّن األخالق قامت على هذا االفرتاض املسبق الباطل وهو وجود الواقعيّة األخالقيّة‪ .‬ويعتقد‬
‫مكي ‪ -‬صاحب هذه النظرية األخالقيّة ‪ -‬بأ ّن املوجب لالعتقاد باألحكام األخالقيّة هو الثقافة والتوافق‪ ،‬ويقول آير‬
‫األخالقي من قبل بعض الناس (راجع‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫إ ّن بعض القائلني بالذاتية إمنا يعتربون الفعل حسناً إذا كان مورداً للتصويب‬
‫نفس املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.)141 - 140‬‬
‫كل املذاهب األخالقيّة الالواقعيّة‪.‬‬
‫ورمبا ميكن القول إ ّن االصطالح العام للذاتية ‪ -‬يف مقبال العينية ‪ -‬يشمل ّ‬

‫وملزيد من التوضيح واملراجعة حول االنفعالية واالشكاالت عليها‪ ،‬راجع‪ :‬ج‪ .‬وارنوك‪ ،‬فلسفه اخالق در قرن‬
‫حاضر‪ ،‬ترمجة صادق الرجياين ص ‪ ,38 - 24‬مرى وارنوك‪ ،‬فلسفه اخالق در قرن بيستم‪ ،‬ترمجة أبو القاسم‬
‫فنائي‪ ،‬ص ‪.)138 - 103‬‬

‫اسم‬
‫الوضعيّة املنطقية أو أصالة التجربة املنطقية من إنتاجات مجاعة فيينا (‪ .)Vienna Circle‬وهذه اجلماعة ٌ‬
‫جملموعة من األعضاء املشاركني فيها من الفالسفة والعلماء أمثال كارناب‪ ،‬فايكل‪ ،‬غودل هان‪ ،‬نويرات وفايسمان‬
‫ُسست سنة ‪ 1920‬يف فيينا (راجع‪ :‬ايان باربور‪ ،‬علم ودين‪ ،‬ترمجة هباء الدين‬‫بزعامة موريتس شليك‪ ،‬وقد أ ِّ‬
‫خرمشاهى‪ ،‬ص ‪ ،152‬احلاشية رقم ‪.)9‬‬

‫يقول آير (‪1989 - 1910‬م) أحد فالسفة الوضعيّة املنطقية الربيطانيني يف كتابه املعروف "زبان‪ ،‬حقيقت‬
‫أهم اآلثار وأدقها حول تعاليم الوضعيّة املنطقية باللغةـ اإلنكليزية‪،‬‬
‫ومنطق" (اللغة‪ ،‬احلقيقة واملنطق) والذي يع ّد من ّ‬
‫الواقعي‪ ،‬مثالً‪ ،‬إذا قلت ألحدهم‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أي شيء ملضموهنا‬
‫أي قضية ال يضيف ّ‬ ‫يقول‪" :‬إ ّن حضور العالئم األخالقيّة يف ّ‬

‫"لقد قمت بعمل سيئ حيث سرقت ذلك املال" فلم أقل له شيئاً زائداً على قويل هذا "أنت سرقت املال" ومع‬
‫اعط خرباً زائداً على ذلك‪ ،‬وفقط أظهرت له عدم صوابية هذا الفعل عندي‬ ‫إضافة القول "قمت بعمل سيئ" مل ِ‬
‫حاك للتنفر فقلت "أنت سرقت املال" أو أنين كتبت هذا‬ ‫أخالقياً‪ ،‬ومثال هذا بالدقة كما لو تكلمت بلحن خشن ٍ‬
‫ّ‬
‫الواقعي للجملةـ‬
‫ّ‬ ‫اخلرب وأضفت إليه عالمة التعجب فإ ّن اللحن اخلشن أو عالمة التعجب ال يضيفان شيئاً إىل املعىن‬

‫‪162‬‬
‫عممت خربي‬ ‫غاية األمر أهنما يظهران أ ّن حكاية اخلرب عند املتكلم قد صاحبها بعض االنفعاالت‪ ،‬ومن مثّ لو ّ‬
‫واقعي‪ ...‬فأنا عندما أقول نوع العمل الفالين‬
‫أي معىن ّ‬ ‫السابق وقلت "سرقة املال قبيحة" فقد قلت مجلة ليس هلا ّ‬
‫عما يدور يف ذهين‪ ،‬وإمنا أظهرت فقط بعض العواطف األخالقيّة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صواب أو خطأ مل أعط خرباً واقعياً ومل أخرب ّ‬
‫عمن يقول منّا القول الصحيح‬‫والشخص الّذي يعارض ما أقوله فإنّه يبنّي شعوره وإحساسه أيضاً‪ .‬ولذا فإ ّن السؤال ّ‬
‫سؤال بال معىن ألن أياً منا مل يعنون كالمه كقضية حقيقية (زبان‪ ،‬حقيقت ومنطق‪ ،‬ص ‪ .)147 - 145‬ويضيف‬
‫ستخدم فقط إلبراز اإلحساسات‬
‫قائالً‪" :‬ال ب ّد من االلتفات إىل هذه النكتة وهي أ ّن الكلمات األخالقيّة ال تُ َ‬
‫واالنفعاالت بل تستخدم أيضاً لتحريك اإلحساسات والعمل هبا"(نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.)147‬‬

‫وقد مُسّيت نظريته بنظرية‪ Boo /Hurrah 14‬األخالقيّة‪.‬‬

‫نعم إ ّن "آير" يقبل بكون بعض املصطلحات األخالقيّة‪ ،‬مثل "الواجب" و"الوظيفة"‪،‬ـ مضافاً ملعناها االنفعايل‬
‫أي منها للواقع (نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.)147‬‬ ‫تتضمن أيضاً معىن األمر والتوصية ولكنه ال يقبل حبكاية ّ‬
‫واإلحساسي ّ‬

‫نسب هذه النظرية إىل تشارلز لسلي ستيفنسونـ (‪1979 - 1908‬م) (‪.)Charles Lestli Stevenso n‬‬
‫تُ َ‬

‫تُطلق التعاهدية أو التوافقية على عدة نظريات منها ما هو حول منشأ مشروعية احلكومة‪ ،‬ومنها ما هو حول تعيني‬
‫احلق والعدل وأيضاً منها ما هو حول منشأ اعتبار األحكام األخالقيّة‪ .‬واملراد من التعاهدية يف هذا البحث األخرية‬
‫منها واليت ميكن تسميتها أيضاً بالتعاهدية األخالقيّة أو التوافقية األخالقيّة‪.‬‬

‫وميكن إجياد جذور الكالم حول التعاهدية األخالقيّة يف كالم بعض السوفسطائيني أمثال بروتاغوراس (‬
‫‪ 490( )protogoras‬ـ ‪420‬ق‪.‬م) إاّل أ ّن بعض الكلمات املنسوبة إليه تظهر أنّه من القائلني بالنسبيّة الفردية‬
‫أي ترديد‪ ،‬إذا كان أحدهم يعتقد واقعاً بأ ّن السرقة حسنة فما دام معتقداً بذلك فالسرقة له حسنة"‬ ‫كقوله‪" :‬بال ّ‬
‫(دبليو كى‪ .‬سى‪ .‬كاترى‪ ،‬تاريخ فلسفه يونان‪ ،‬ج‪ ،11‬ترمجة حسن فتحي ص ‪.)52 - 51‬‬

‫لكن حاصل بعض كلماته األخرى املنسوبة إليه تفيد بأنه من القائلني بالنسبيّة االجتماعية وكذلك بالتوافقية‪،‬‬‫ّ‬
‫أي شيء يبدو يف نظر اجملتمع حسناً ومجيالً‪ ،‬وقد اعتربه ذلك اجملتمع‬ ‫كقوله‪" :‬ما دام ّ‬
‫‪ Boo -14‬بوه كلمةـ تستعمل لالستهجان‪.‬ـ ‪ Hurrah‬هتاف يستعمل للتأييدـ والفرح‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫فعالً حسناً ومجيالً‪ ،‬فإ ّن ذلك الشيء سيكون حسناً لذلك اجملتمع وموافقاً للعدل"ـ (افالطون‪ ،‬الدورة الكاملة آلثار‬
‫حممد حسن لطفي‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪( 1316‬رسالة ثئاتيتوس ‪ ،)1670‬وقوله‪" :‬إ ّن القيم األخالقيّة تعنَّي‬ ‫أفالطون‪ ،‬ترمجة ّ‬
‫بتوافق اآلراء‪ ،‬وما يراه األفراد من حيث اجملموع أنّه األفيد واألقرب إىل الصالح يف مقام العمل يُعترب قيّماً‪( .‬راجع‪:‬‬
‫علي مراد داوودى‪ ،‬سوفسطائيان" جملة دانكشده ادبيات وعلوم انساىن‪( ،‬جملة اآلداب والعلومـ اإلنسانية) جامعة‬
‫طهران‪ ،‬العدد ‪ ،90‬ص ‪.)31 - 30‬‬

‫ويعتقد دايفيد اميل دوركامي (‪ 1858 ( )David Emile Durheim‬ـ ‪1917‬م) ‪ -‬عامل اجتماع فرنسي ‪-‬‬
‫"بأ ّن األخالق تبدأ من حيث بداية االرتباط بني اجملموعة" ( اميل دوركامي‪ ،‬فلسفه وجامعة سناسى‪ ،‬ترمجة فرحناز‬
‫مخسة اى‪ ،‬ص ‪.)51‬‬

‫ويف رأيه ال ب ّد أ ّن يُنظر إىل اجملتمع كشخصية تتفاوت كيفاً عن شخصية األفراد املش ّكلني هلا (نفس املصدر‪ ،‬ص‬
‫‪ ،)51‬وأ ّن اجملتمع مبثابة "مقنّن ال ب ّد من تعظيمه وإطاعة أوامره" (نفس املصدر ص ‪،)116‬وأ ّن "األشياء أنفسنا‪،‬‬
‫قيم ناجتة من االعتقادات اجلمعية العامة" (نفس املصدر ص‬
‫ومن أنفسنا‪ ،‬واالعتماد على أنفسنا‪ ،‬ال قيمة هلا‪ ...‬هي ٌ‬
‫‪ ،)178‬وهبذا الوصف فإ ّن دوركامي يقول بوجود شخصية للمجتمع تتفاوت عن شخصية األفراد املشكلني له وإ ّن‬
‫منشأ اعتبار األحكام األخالقيّة هو رأي اجملتمع أو الروح اجلمعية‪ .‬وكما ترى فإ ّن نظريته قريبة من نظرية القائلني‬
‫عيين‬
‫بغض النظر عن االشكاالت املشرتكة عليه وعلى التوافقيني‪ ،‬فإ ّن القبول بوجود ّ‬ ‫بالتوافقية األخالقيّة‪ ،‬لكن ّ‬
‫للمجتمع ‪ -‬من دون وجود األفراد املشكلني له ‪ -‬مورد للمناقشة والبحث‪ ،‬وعموماً يف مثل هذه املوارد عندما‬
‫عيين‬
‫توهم وجود ّ‬ ‫يسمى أثر الكل وهو السبب يف ّ‬ ‫يرتبط أثر األجزاء بعضها مع بعض يتوهم وجود أثر شيء آخر ّ‬
‫مستقل هلذا الكل يف اخلارج‪.‬‬
‫ّ‬

‫ومن املعاصرين ميكن اعتبار دايفيد جاثييه (‪ )Davis Gauthier‬وجيلربت هارمن (‪)Gilbert Harman‬‬
‫تؤمن املنافع املتقابلة لألفراد أو أهّن ا ترفع التعارض‬
‫ودايفيد وانج (‪ )David Wo ng‬من القائلني بكون األخالق ّ‬
‫بني متطلبات الفرد نفسه وبني متطلبات أفراد اجملتمع أيضاً‪ ،‬ويعتقد هؤالء أيضاً بأ ّن التوافقات االجتماعية هي‬
‫يؤمن هدف األخالق‪.‬‬
‫الطريق الّذي ّ‬

‫ويف رأي جاثييه فإ ّن األخالق تش ّكل حمدودبات عملية يتوافق األفراد العقالء بني بعضهمـ بعضاً للوصول إىل احل ّد‬
‫الفردي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األكرب من النفع‬

‫‪Samuel Freeman, Contrctarianism in Edward Craig, Routledge, Encyclo pediaof‬‬


‫‪.philosophy. vol 3. p. 66‬‬

‫‪164‬‬
‫وأما "هارمن" فيعتقد بأ ّن األخالق جمموعة من التوافقات الضمنية لتنظيم الروابط االجتماعية الّيت حُي تاج إليها‪،‬‬
‫بالصحة واخلطأ‪ ،‬وأنّه ال معىن للحكمـ على‬
‫ّ‬ ‫أي عمل‬ ‫ويصرح بأنّه "قبل وضع العقود والتوافقات ال ميكن اتّصاف ّ‬
‫ّ‬
‫أي عمل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ترك‬ ‫أو‬ ‫فعل‬ ‫بلزوم‬ ‫ا‬‫أخالقي‬
‫ًّ‬ ‫الناس‬

‫ٍ‬
‫فحينئذ ميكن‬ ‫خاصة للعمل هبا ولئال يقع التعارض بينهم‬
‫ولكن عندما يتوافق جمموعة من الناس على نظم توافقية ّ‬
‫ْ‬
‫احلكم على أعماهلم بالنظر إىل ذلك التوافق احلاصل بينهم‪ ،‬وأما األفراد اخلارجون عن هذه اجلماعة املرتبط بعضها‬
‫ببعض والباقون يف وضعهم الطبيعي فال ميكن احلكم عليهم كما حكمنا على غريهم"‪.‬‬

‫(‪Gilbert Harmen, The Nature of Morality. p. 110, quoted in Mohammad‬‬


‫‪A. Shomali, Ethical Relativism: An Analysis of the Foudations of‬‬
‫‪.)Morality, p.148‬‬

‫وقد أشرنا فيما سبق إىل نظرية "وانج" (راجع‪ :‬املذكرة األوىل من الفصل اخلامس)‪ .‬ومع أنّه يقول إ ّن األخالق‬
‫خملوق اجتماعي وقد حدد هدفها بتنظيم الروابط االجتماعية ورفع التعارض بني منافع الفرد أو بني أفراد اجملتمع إاّل‬
‫أنّه اشتبه يف حتديد نطاق األخالق واهلدف منها‪ ،‬إاّل أنّه كان يعتقد مبقبولية بعض النظم األخالقيّة فقط واليت أمساها‬
‫بالنظم األخالقيّة ذات الصالحية (‪ .)Adequate Moral System‬واعتقد بأ ّن بعض خصائص اإلنسان‬
‫كل الناس حتدد جمال النظم األخالقيّة ذات الصالحية‪ ،‬وقال أيضاً‪" :‬إن‬ ‫الذاتية واحلاجات االجتماعية املتشاهبة عند ّ‬
‫النظم األخالقيّة القائمة على أساس تناسب أو عدم تناسب قضايا هؤالء الناس مع اهلدف الكلي قابلة للنقد‬
‫والتحليل وكذلك هو احلال يف القواعد األخالقيّة عندنا يف استنادها بشكل صحيح وحمك ٍم على احلقائق املرتبطة‬
‫باإلنسان وحميط حياته أم ال"وبناءً عليه فإ ّن "وانج" قد قبل نوعاً ما بالواقعيّة وابتعد شيئاً ما عن التوافقية اجملردة‪.‬‬

‫وبغض النظر عن االشكاالت الواردة على صحة أو عدم صحة تعيني األهداف األخالقيّة وطرق‬ ‫ّ‬ ‫وبشكل كلّي‬
‫الوصول إليها واليت تقبل الطرح يف مثل هذا النوع من التوافقيات‪ ،‬من الواضح أ ّن هؤالء قد أخذوا واقعاً تأمني‬
‫منافع ومطالب األفراد أو رفع التعارضات هدفاً لألخالق‪ .‬وهنا نقول إذا كان املراد من هذه املنافع واملطالب تلك‬
‫بغض النظر عن العقيدة والنظر والسليقةـ عند األفراد فال ب ّد أ ْن تع ّد هذه املذاهب نوعاً ما‬
‫األمور الّيت هلا واقعيّة ّ‬
‫كمذاهب واقعيّة وليست توافقية حمضة‪ ،‬لكن إذا كان املراد جمرد مطالب األفراد غري املبتناة على الواقعيّة‪ ،‬أو أ ّن‬
‫فحينئذ وبناءً على الصورة األوىل فإ ّن االشكاالت الواردة على‬ ‫ٍ‬ ‫قيم أو بال قيمة‬
‫األخالقي ٌ‬
‫ّ‬ ‫مراد الفرد باللحاظ‬
‫االنفعاليني واردة عليهم أيضاً‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫ومضافاً إىل هذا فإ ّن نظريتهم توجب املنع واحل ّد من حتقق بعض مطالب األفراد القيّمة‪ ،‬على الرغم من كون هذا‬
‫احل ّد أحياناً بسبب عدم امكانية التحقق العمليـ لكل القيم أو للحد من حصول اهلرج واملرج أحياناً أخرى‪ .‬لكن إذا‬
‫األخالقي ال قيمة هلا فكيف ستكون مطالبه املشرتكة واملتوافق مع بقية األفراد قيّمة‬
‫ّ‬ ‫كانت مطالب الفرد باللحاظ‬
‫أيضاً؟‬

‫وكذلك فإ ّن جان راولز (‪( )John Rawls‬م‪ )1921‬يف كتابيه "نظرية يف باب العدالة" (‪ )1971‬و"الليربالية‬
‫ت" ‪ -‬الّذي يعتقد بأ ّن معيار القوانني وااللزامات‬
‫السياسية" (‪ )1993‬وباالستناد إىل تقرير " األمر املطلق" لـ" َكانْ ْ‬
‫األخالقيّة هبذا النحو‪" :‬ليكن سلوكك بالشكل الّذي تعترب فيه البشريّة دائماً سواء يف شخصك أو يف شخص اآلخر‬
‫ت‪ ،‬بنياد ما بعد الطبيعة أخالق (تأسيس ميتافيزيقيا‬ ‫بعنوان غاية فقط وليست أبداً بعنوان الوسيلة" (عمانويل َكانْ ْ‬
‫غضوا النظر‬‫كل الناس إذا ما ّ‬
‫األخالق) ترمجة محيد عنايت وعلي قيصري‪ ،‬ص‪ - )74‬فإنّه يعتقد "أي راولز" بأ ّن ّ‬
‫حيادي قوانني عامة ومشرتكة على أساس حكم العقل‬ ‫ّ‬ ‫كل ميوهلم ومنافعهم واحساساهتم سيضعونـ بشكل‬ ‫عن ّ‬
‫فقط‪ .‬وهلذا السبب مسّيت نظرية راولز التعاهدية ال َكانْتية‪ ،‬ولكن ليس مراد راولز أ ّن األفراد ومن أجل تأمني منافعهم‬
‫وبغض‬
‫ّ‬ ‫كل األفراد ومع رعاية احلياد‬
‫العملي عند ّ‬
‫ّ‬ ‫بنوع من املعاملة والتوافق فيما بينهم‪ ،‬بل مراده أ ّن العقل‬
‫سيقومون ٍ‬
‫كل األفراد قد توافقوا على مثل هذه القواعد العمليّة‪.‬‬ ‫النظر عن املنافع الشخصيّة سيضع بعض القواعد العامة وكأ ّن ّ‬
‫ستخدم من أجل‬‫ومن الواضح أ ّن نفس التوافق واتفاق اآلراء يف رأي راولز ال يع ّد منشأ األحكام األخالقيّة وال يُ َ‬
‫العملي‬
‫ّـ‬ ‫اجياد طرق تأمني املنفعة أو لرفع التعارض بني األفراد وأمثال هذه األمور‪ ،‬بل إنّه مشريٌ فقط إىل وحدة العقل‬
‫أي دور يف اجياد أو كشف حكم العقل‬ ‫كل األفراد‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن راولز يعتقد بأ ّن توافق األفراد ليس له ّ‬
‫عند ّ‬
‫وأ ّن معىن كون األحكام األخالقيّة توافقية هو أ ّن عقل اإلنسان يضع أحكاماً أخالقيّة حيادية‪ .‬والظاهر أ ّن اطالق‬
‫التوافقية على التعاهدية ال َكانْتية ‪ -‬الّيت تعترب األحكام األخالقيّة موضوعة من قبل العقل العملي ‪ -‬وغريها من أنواع‬
‫التوافقيات األخالقيّة ‪ -‬الّيت تعترب أ ّن اعتبار األحكام األخالقيّة يعود إىل التوافق بني األفراد من أجل تأمني اهلدف‬
‫اللفظي فقط‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املشرتك ‪ -‬إمنا هو من باب االشرتاك‬

‫وما ينبغي قوله إ ّن يف كالم "راولز" نوعاً من التعقيد واالهبام وبالتايل فإ ّن كالمه حول اعتبار "الشهود" كمنشأ لكل‬
‫قابل‬
‫األحكام األخالقيّة أو االنسجام أو التوافق املذكور‪ٌ ،‬‬
‫للبحث والنقاش ويتطلب احلكم يف مورده حمالً آخر‪ ،‬ومن احملتمل أنّه استعان بالتوافق املذكور و"األمر املطلق" فقط‬
‫من أجل تعيني معىن "العدالة"‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫ت يف "األمر املطلق" واعتبارها يف الفصل القادم من هذا الكتاب‪.‬‬
‫وكذلك فإنّنا سوف نبحث عن نظرية َكانْ ْ‬

‫أعم من النتيجة (كربى القياس)‪.‬‬


‫االستنتاج املفرتض هنا من نوع القياس املنطقي‪ ،‬وفيه حنتاج دائماً إىل مق ّدمة تكون ّ‬

‫التقرير الفين هلذا االشكال هبذا النحو‪ :‬إ ّن هذه املالزمة إمنا تُقبل إذا كانت األشياء يف ذاهتا ال حسن وال قبح هلا ومل‬
‫يكن باستطاعة العقل أيضاً إدراك حسنها وقبحها‪ ،‬وقد اعتقد أتباع هذه النظرية بأنّه من خالل وضع املقدم يستنتج‬
‫وضع التايل‪ ،‬مع أنّه يف املوارد الّيت ميكن للعقل وحده إدراك تأثري الصفات أو األفعال ‪ -‬كالعدل مثالً ‪ -‬يف الوصول‬
‫إىل هدف األخالق‪ ،‬فإنّه ميكن من خالل رفع التايل استنتاج رفع املقدم‪ .‬وبالتايل القبول باحلسن والقبح العقليني‬
‫وتبعاً هلا احلسن والقبح الذاتيني‪.‬‬

‫أي‬
‫أحد االشكاالت الواردة على هذه النظرية مفاده أ ّن بعض املصطلحات األخالقيّة نظري الصواب واخلطأ ليس هلا ّ‬
‫إحساسي كما وأ ّن شرائط بيان العديد من القضايا األخالقيّة ال يتالءم أيضاً مع حتريك املخاطب هبا‪( .‬راجع‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ثقل‬
‫وارنوك‪ ،‬فلسفةـ أخالق در قرن حاضر‪ ،‬ترمجة صادق الرجياين‪ ،‬ص‪.)35 - 33‬‬

‫‪167‬‬
168
‫الفصل السابع‪ :‬الواقعية غير القابلة لإلثبات‬

‫لو ُسئلت عن "احلُسن"‪ :‬ما هو؟ لقلتـ يف اجلواب‪ :‬احلسن حسن‪ ،‬وهذا غاية ما ميكن قوله‪ ،‬ولو سئلت جمدداً‪:‬‬
‫كيف جيب تعريف احلسن؟ سيكون جوايب بأ ّن احلُسن ال ميكن تعريفه‪ ،‬وهذا متام الكالم الّذي ميكنين قوله فيه‪!1‬‬

‫أهم املذاهب األخالقيّة الالواقعيّة وحتليلها استنتجنا أ ّن أياً من هذه املذاهب ال ميتلك‬
‫بعد االطالع االمجايل على ّ‬
‫الدليل املقبول واملقنع على ما ي ّدعيه‪ ،‬ومن جهة أخرى وطبقاً ملا قلناه يف الفصل الثالث والرابع فإ ّن الواقعيّة صحيحة‬
‫وصائبة‪ ،‬وإ ّن القائلني هبا يعتقدون بالواقعيّة العينية للقيم واللزوميات األخالقيّة‪ ،‬وإ ّن األحكام األخالقيّة خترب عنها‬
‫وإ ّن هذه األحكام تقبل الصدق والكذب أيضاً‪.‬‬

‫وقد أشرنا يف الفصل الثاين إىل أنّه ال ب ّد للواقعيني من توضيح ماهية هذه الواقعيّة وكيفية تشخيص صدق أو كذب‬
‫توضيح حول هذه الواقعيّة وتبعاً هلا إثبات قيمة ولزوم‬
‫ٍ‬ ‫لكن يف األساس هل ميكن تقدمي‬
‫األحكام األخالقيّة‪ْ .‬‬
‫املوضوعات األخالقيّة؟ هل ميكن القيام بذلك؟ ذهب بعض الواقعيّني إىل االعتقاد بأ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة‬
‫وإ ْن كانت واقعيّة إاّل أنّه ال ارتباط هلا مع الواقعيّات األخرى‪ ،‬وبناءً على ذلك ال ميكن‬

‫‪.G.E. Moore, Principra Ethica, p.6 -1‬‬

‫‪169‬‬
‫توضيحها مع الواقعيّات األخرى‪ ,‬واعتقدوا أيضاً بأ ّن األحكام األخالقيّة ال ميكن اثباهتا بناءً على البيانات الواقعيّة‬
‫األخرى كذلك‪ ،‬وسوف نذكر يف هذا الفصل بعض هذه املذاهب ونقوم بتحليلها‪:‬‬

‫‪ - 1‬ما هي الواقعيّة غري القابلة لالثبات؟‬

‫قبلنا فيما سبق نظرية الواقعيّة‪ ،‬واآلن لنفرتض مضافاً إىل ذلك بأنّنا نعتقد بعدم وجود االرتباط بني الواقعيّة األخالقيّة‬
‫وغريها من الواقعيّات‪ .‬وكما عرّب نا عنه يف الفصل الثاين وأوضحناه من أنّنا ننكر الرابطة بني "ما ينبغي" وبني‬
‫"الواقع"‪ٍ ،‬‬
‫حينئذ بناءً على هذه الصورة نكون قد قبلنا بأ ّن األحكام األخالقيّة ال ميكن إثباهتا استناداً إىل البيانات الّيت‬
‫نسميه اصطالحاً عدم قابلية إثبات األحكام األخالقيّة‪.‬‬‫تكون كلها غري أخالقيّة‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫أي أنه‪:‬‬
‫تعريف‪ :‬الواقعيّة غري القابلة لإلثبات تعين القبول بالواقعيّة املصاحبة لعدمـ قابلية إثبات األحكام األخالقيّة‪ّ .‬‬

‫ّأوالً‪ :‬القيم واللزوميات األخالقيّة هلا واقعيّة عينية وإ ّن القضايا األخالقيّة حاكية للواقع‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬ال ميكن إثبات األحكام األخالقيّة على أساس البيانات الّيت تكون كلها غري أخالقيّة‪.‬‬

‫وبناء عليه إذا اعتقدنا بعدم قابلية إثبات األحكام األخالقيّة فكيف ميكن لنا ٍ‬
‫حينئذ متييز األحكام األخالقيّة الصائبة‬ ‫ً‬
‫والصادقة من األحكام األخالقيّة اخلاطئة والكاذبة؟‬

‫وهنا نقول إنّه مع القبول بالواقعيّة غري القابلة لالثبات‪ ،‬إذا أردنا تشخيص الصادق والكاذب من األحكام األخالقيّة‬
‫أخالقي‬
‫ّ‬ ‫كل حك ٍم‬
‫فالطريق الوحيد[‪ ]1‬هو أ ّن نقبل بأ ّن ّ‬

‫‪170‬‬
‫درك ويُعلَم بالبداهة‪ ،‬وإما أ ْن نستفيد من األحكام األخالقيّة البديهية الثباته‪.‬‬
‫إما أنّه ال ميكن إثباته وبالتايل فإنّه يُ َ‬

‫وهلذا فإ ّن القائلني هبذه الواقعيّة اعتقدوا بوجود بعض األحكام األخالقيّة البديهية[‪ ،]2‬وإ ّن سائر األحكام األخالقيّة‬
‫يتم اثباته باالستفادة من هذه األحكام البديهية[‪.]3‬‬ ‫ّ‬

‫‪ - 2‬أنواع الواقعيّة غري القابلة لالثبات‬

‫يظهر معنا مما تقدم أ ّن املعتقدين هبذه الواقعيّة ال ب ّد هلم الثبات دعواهم من االجابة عن أسئلة ثالث‪:‬‬

‫‪ - 1‬ما هو سبب صحة الواقعيّة؟‬

‫‪ - 2‬ملَ ال ميكن اثبات األحكام األخالقيّة من البيانات الّيت ال تكون كلها أخالقيّة؟‬

‫‪ - 3‬ما هي األحكام األخالقيّة البديهية؟ وكيف ميكن استنتاج سائر األحكام األخالقيّة منها؟‬

‫أي إثبات الواقعيّة ولرمبا أهنا أيضاً ال تقبل االثبات أو أهنا‬


‫األول ّ‬
‫مل جيب أتباع هذه النظرية عموماً على السؤال ّ‬
‫بديهية كذلك‪ .‬وحيث إننا قد حبثنا يف هذا املوضوع سابقاً وقبلنا بالواقعيّة فسوف نصرف النظر عنها ها هنا‪ .‬إاّل‬
‫نتعرف ها هنا إىل نوعني من هذه الواقعيّة‬ ‫أهنم اختلفوا يف الرأي حول السؤالني األخريين وكيفية بياهنما‪ ،‬وسوف ّ‬
‫كل منهما على السؤالني املذكورين‪:‬‬ ‫العملي والشهود‪ ،‬وسوف نوضح اجابة ِّ‬
‫ّـ‬ ‫أي نظرية العقل‬
‫الّيت ال ميكن اثباهتا ّ‬

‫العملي [‪]4‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .2 - 1‬نظرية العقل‬

‫ت‪- ، 2‬الفيلسوف األملاين الشهري[‪ -]5‬األخالقيّة‪ ،‬حيث كان يعتقد بأ ّن‬


‫املراد من هذه النظرية نفس نظرية َكانْ ْ‬
‫أفعال العقل‬

‫‪.Immanuel Kant (1724 – 1804 -2‬‬

‫‪171‬‬
‫العملي[‪ ،]6‬واألول ينظر إىل وظيفة العقل يف فهم‬
‫ّ‬ ‫النظري والعقل‬
‫ّ‬ ‫ميكن تقسيمها إىل قسمني مستقلني‪ :‬العقل‬
‫املؤدي للعمل والنتائج احلاصلة من هذا الفهم‪.‬‬
‫الواقعيّات الطبيعية والثاين إىل الفهم ّ‬

‫ت أ ّن أسلوب تشكيل املعرفة متفاوت فيهما‪ ،‬وال ينبغي لنا اخللط بني أحكام كال املعرفتني أل ّن املعارف‬‫ويؤكد َكانْ ْ‬
‫العملي هبا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املرتبطة بالعقل النظري ترتبط بزمان ومكان ومقولة الفهم بينما ال ترتبط املعارف املرتبطة بالعقلـ‬

‫النظري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ت بأنّه فقط ميكن استنتاج بيانات نظرية أخرى من البيانات املرتبطة بالعقلـ‬ ‫وبناءً على ذلك اعتقد َكانْ ْ‬
‫وطبقاً لتقسيماته فقد اعترب أ ّن املعارف األخالقيّة واليت هي معرفة الواقعيّات الناظرة إىل العمل واليت ال حُت ّد بزمان‬
‫العملي‪ .‬ولذا بناءً على مبانيه املعرفية ال ميكن استنتاج "ما ينبغي" من "الواقعيّات"[‪]7‬‬
‫ّ‬ ‫َّدين ترتبط بالعقلـ‬
‫ومكان حمد َ‬
‫مفر أمام‬
‫أي أ ّن األحكام األخالقيّة ال ميكن إثباهتا على أساس البيانات الّيت تكون كلها غري أخالقيّة‪ .‬وهلذا مل يكن ّ‬ ‫ْ‬
‫ت سوى القبول بالواقعيّة غري القابلة لالثبات‪.‬‬ ‫َكانْ ْ‬

‫األول‬
‫ت عن السؤال ّ‬ ‫وقد قدمنا القول إنّه ال ب ّد ألتباع هذه النظرية من االجابة عن سؤالني‪ ،‬وإ ّن أساس جواب َكانْ ْ‬
‫أي دليله على عدم قابلية اثبات األحكام األخالقيّة هو أ ّن أسلوب تشكيل املعرفة متفاوت عند كال العقلني النظري‬ ‫ّ‬
‫بديهي[‪]8‬‬
‫ّ‬ ‫أخالقي واحد‬
‫ّ‬ ‫ت وجود حكم‬ ‫ت عن السؤال الثاين؟ لقد اعترب َكانْ ْ‬
‫والعملي‪ ،‬ولكن كيف أجاب َكانْ ْ‬
‫ت األخالقيّة حول األحكام‬‫كل األحكام األخالقيّة منه‪ .‬وسوف نتابع وحنلل نظرية َكانْ ْ‬ ‫وسعى إىل استنتاج ّ‬
‫األخالقيّة الناظرة إىل القيم واللزوميات األخالقيّة لنثبت من وراء ذلك كيفية إرجاع األحكام األخالقيّة كلها إىل‬
‫األخالقي البديهي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ذلك احلكم‬

‫أ ‪ -‬األحكام األخالقيّة الناظرة إىل اللزوم‬

‫كل‬
‫شخص لنا ّ‬ ‫العملي‪ .‬وهذا األصل هو الّذي ّ‬‫ّ‬ ‫درك بواسطة العقل‬
‫أخالقي يُ َ‬
‫ّ‬ ‫ت بوجود أصل كلِّي‬ ‫اعتقد َكانْ ْ‬
‫كل ما جيب علينا فعله أو تركه‪ ،‬وقد مسّى هذا األصل باألمر املطلق بالبيان التايل‪" :‬األمر‬
‫أي ّ‬‫الوظائف األخالقيّة ّ‬
‫كل إنسان بأ ْن يكون‬
‫املطلق يأمر ّ‬

‫‪172‬‬
‫سلوكه وفقاً للقانونـ الّذي يريد له أ ّن يصبح قانوناً كلياً للطبيعة‪. 4"3‬‬

‫ولكي نعرف كيفية تشخيص الوظائف األخالقيّة من خالل هذا األصل املذكور نذكر مثالني من األمثلة الّيت ذكرها‬
‫ت‪ 5‬نفسه‪:‬‬
‫َكانْ ْ‬

‫املثال األول‪ :‬لنفرتض أنك مررت بوض ٍع ٍ‬


‫صعب ومعق ّد‪،‬ـ وكنت مضطراً القرتاض مبل ٍغ من املال‪ ،‬إاّل أنك تعلم بأنّك‬
‫لن تقدر أبداً على سداد هذا الدين‪ ،‬وكان الشرط إلعطائك هذا القرض هو أ ْن تعدهم بإرجاعك املال يف الوقت‬
‫احملدد‪ ،‬هنا هل أ ّن هذا االلتزام الكاذب من أجل أخذ القرض مطابق للوظيفة األخالقيّة أم أنّه خمالف هلا؟‬

‫ٍ‬
‫استدالل آخر‪،‬‬ ‫أي‬
‫ت ها هنا إنّه ميكن تشخيص الوظيفة على أساس "األمر املطلق" وال حنتاج معه إىل ّ‬ ‫يقول َكانْ ْ‬
‫فاألمر املطلق يقول إننا إذا أردنا سيكون هذا العمل كقوانني الطبيعة‪ ،‬وهذا العمل هو وظيفتنا وإذا مل نقدر على‬
‫ذلك فلن يكون كذلك أل ّن قوانني الطبيعة قوانني عامة وكلية‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن يف الطبيعة دائماً قوة الفعل‬
‫حلل مشكلتنا إىل أصل كلي‬ ‫يتحول هذا الوعد الكاذب ّ‬ ‫ورد الفعل بعضها يف خالف بعض‪ ،‬ولنفرض أنّنا أردنا أ ْن ّ‬ ‫ّ‬
‫كل الناس دائماً أ ّن يعدوا كاذبني‬ ‫ٍ‬
‫وعام كما هو احلال يف هذا القانون الطبيعي‪ ،‬وحينئذ هل ميكننا أ ّن نطلب من ّ‬ ‫ّ‬
‫أي شخص‬ ‫ٍ‬
‫حلل مشاكلهم فلن يقبل بعد ذلك ّ‬ ‫كل الناس ّ‬ ‫حلل مشاكلهم؟ وحينئذ لو كان القرار واقعاً بأ ْن يكذب ّ‬ ‫ّ‬
‫أي وعد‪ .‬ولكن طبقاً للقانون االفرتاضي السابق الذكر فإ ّن‬ ‫بوعد اآلخر له‪ .‬ويف هذه الصورةـ لن يتحقق ولن جند ّ‬
‫كل شخص مبتلى بأي مشكلةـ ال يريد العمل به والذي يبدو ظاهراً أ ّن هذا‬ ‫هناك وعداً موجوداً يف الظاهر ولكن ّ‬
‫أي أ ّن هناك تناقضاً يف ذلك القانون الفرضي وال ميكن أ ّن يكون مثل هذا القانون قانوناً عاماً كلياً‬ ‫األمر غري ممكن ّ‬
‫كما هو احلال يف قوانني الطبيعة‪.‬‬

‫ت األمر املطلق بصور خمتلفة لكنها مجيعها تؤدي نفس املعىن (راجع‪ :‬نفس املصدر‪ ،‬ص‬
‫‪-3‬نفس املصدر السابق‪ ،‬ص ‪ّ .61‬قرر َكانْ ْ‬
‫‪.)90 ،89 ،88 ،87 ،86 ،83 ،82 ،81 ،74 ،61 ،60 ،27‬‬
‫التصرف (املرتجم)‪.‬‬
‫‪ -4‬ترمجنا تعريف األمر املطلق هنا مع قليل من ّ‬
‫ت‪ ،‬بنياد ما بعد الطبيعة اخالق (تأسيس ميتافيزيقيا األخالق) ترمجة‪:‬ـ محيد عنايت‪ ،‬وعلي قيصري‪ ،‬ص ‪- 27‬‬
‫‪ -5‬راجع‪ :‬إميانويل َكانْ ْ‬
‫‪ 29‬و ‪.64 - 62‬‬

‫‪173‬‬
‫املثال الثاين‪ :‬لنفرتض أ ّن هناك رجالً ما لديه العديد من املؤهالت حبيث لو قام بتنميتها وتفعيلها الستفاد منها يف‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ هل أ ّن هذا‬ ‫يضحي براحته من أجل تنمية مؤهالته‬ ‫ٍ‬
‫العديد من اجملاالت لكنه اآلن يف راحة وال يريد أ ّن ّ‬
‫خمالف هلا؟ طبقاً لألمر املطلق لنفرتض أنّنا أردنا أ ّن يتحول هذا العمل إىل‬
‫العمل مطابق لوظيفتهـ األخالقيّة أم أنّه ٌ‬
‫كل الناس أ ْن ال يقوموا بتنمية مؤهالهتم‪ .‬وحنن نعلم بأ ّن‬‫أي أنّنا طلبنا من ّ‬
‫قانون كلي كما هو حال قوانني الطبيعة‪ّ ،‬‬
‫قوانني الطبيعة كلية‪ ،‬ومضافاً إىل ذلك فإ ّن بعضها متالئم مع بعض‪ ،‬لكن هل ميكن أ ْن يكون هذا القانون كلياً‬
‫أيضاً ومتالئماً مع بقية قوانني الطبيعة؟ حيث إننا عقالء فإنّنا نعلم بأ ّن تنمية املؤهالت مفيدة لنا وتعيننا يف الوصول‬
‫إىل أهدافنا‪ ،‬وبناءً عليه فإنّنا وبشكل طبيعي نريد على األقل تنمية بعض هذه املواهب واملؤهالت‪ ،‬ولذا إذا افرتضنا‬
‫أي أ ّن طلب تعميم السلوك املذكور ‪ -‬عدم‬ ‫الفرضي فلن يتالءم مع هذا امليل الطبيعي عندنا‪ْ .‬‬
‫ّ‬ ‫الكلية هلذا القانون‬
‫الطبيعي لإلنسان لتنمية مؤهالته‪ ،‬وعليه فاإلنسان ال ميكنه وطبقاً إلرادته أ ّن‬
‫ّ‬ ‫تنمية املؤهالت ‪ -‬يتناقض مع امليل‬
‫وعام‪.‬‬
‫كلي ّ‬ ‫يتحول قانون عدم تنمية املؤهالت إىل قانون ّ‬

‫أي ٍ‬
‫فعل للوظيفة األخالقيّة أم ال يكفينا أ ْن نفرتض‬ ‫ت إذا أردنا أ ْن نعلم موافقة ّ‬‫وعلى هذا األساس وطبقاً لنظرية َكانْ ْ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ إذا كان هذا القانون الكلّي متناقضاً يف نفسه أو كان متناقضاً‬ ‫كل الناس القيام دائماً هبذا الفعل‪،‬‬
‫الطلب من ّ‬
‫فلن يكون هذا الفعل موافقاً للوظيفةـ األخالقيّة‪ ،‬وأما إذا مل يستلزم أياً من هذين التناقضني‬ ‫مع امليل الطبيعي لإلنسان ْ‬
‫فسيكون هذا الفعل موافقاً للتكليفـ والوظيفة األخالفية‪.6‬‬

‫كل الوظائف األخالقيّة‬


‫بأي قيد فإ ّن ّ‬
‫ت وكما أ ّن األمر املطلَق ال يقيَّد ّ‬
‫ويف رأي َكانْ ْ‬

‫‪ -6‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.65‬‬

‫‪174‬‬
‫أي استثناء‪.‬‬
‫كل املوقعيات ومن دون ّ‬
‫املستفادة منه مطلقةـ أيضاً ونافذة على اجلميع ويف ّ‬
‫‪7‬‬

‫بديهي من‬
‫ّ‬ ‫ت عن الدليل على صحة "األمر املطلق" سيكون جوابه أ ّن نفس األمر املطلق حكم‬ ‫لكن إذا سألنا َكانْ ْ‬
‫العملي يُد ِرك بوضوح‬
‫ّـ‬ ‫أي واقعيّة خارجية‪. 9‬والعقل‬
‫أي جتربة وال يُستنتج من ّ‬
‫‪8‬‬
‫العملي‪ ،‬ندركه قبل ّ‬
‫ّ‬ ‫أحكام العقل‬
‫حق اجلميع‪.‬‬
‫وبشكل بديهي أ ّن القواعد األخالقيّة جيب أ ّن تكون نافذة دائماً وأبداً ويف ّ‬

‫ب ‪ -‬األحكام األخالقيّة الناظرة إىل القيم‬

‫قبيح؟‬
‫ت‪ ،‬كيف ميكن أ ْن نعرف أ ّن هذا الفعل حسن وأ ّن ذلك الفعل ٌ‬
‫لكن برأي َكانْ ْ‬

‫األول أ ْن يكون مطابقاً‬


‫ت إ ّن الفعل االختياري يكون قيّماً وحسناً أخالقيّاً إذا حت ّقق فيه هذان الشرطان‪ّ :‬‬ ‫يقول َكانْ ْ‬
‫للوظيفةـ األخالقيّة‪ ،‬والثاين‪ ،‬أ ْن يؤتى به بنية العمل بالوظيفةـ األخالقيّة‪ ،‬ومع ختلّف أحد هذين الشرطني فيه فلن‬
‫االختياري هي يف أنّنا نقوم بوظيفتنا من‬
‫ّ‬ ‫األخالقي‪ ،‬ويف الواقع‪ ،‬فإ ّن القيمة األخالقيّة للفعل‬
‫ّ‬ ‫يكون حسناً باللحاظ‬
‫أجل أهنا وظيفتنا وليس لشيء آخر أو بنيّة أخرى[‪.]9‬‬

‫لكن جيب أ ْن يكون الفعل أيضاً مطابقاً لوظيفتنا األخالقيّة‪ ،‬وكما قلنا سابقاً إذا أردنا أ ّن نعرف كون هذا الفعل‬
‫مطابقاً لوظيفتنا أم ال يكفينا أ ّن نرجع إىل "األمر املطلق"‪.‬‬

‫كل األحكام األخالقيّة ‪ -‬القيميّة واللزومية ‪ -‬ميكن حتصيلها بالرجوع إىل‬


‫ت يعتقد أ ّن ّ‬‫وبناءً على ذلك فإ ّن َكانْ ْ‬
‫العملي‪ .‬وبذلك يتضح جواب‬
‫ّ‬ ‫بديهي حبكم العقل‬
‫ّ‬ ‫أخالقي واحد (األمر املطلق) والذي يدرك باعتقاده بشكل‬‫ّ‬ ‫أصل‬
‫ت على السؤال الثاين أيضاً‪.‬‬ ‫َكانْ ْ‬

‫العملي‬
‫ّ‬ ‫‪ .2 - 1 - 1‬حتليل نظرية العقل‬

‫متتاز هذه النظرية بوجوه مثبتة وأخرى ميكن املناقشة فيها‪ ،‬ولكننا يف هذا البحث نتعرض هلا فقط من جهة كوهنا‬
‫نوعاً من الواقعيّة غري القابلة لالثبات‪ ،‬واليت تُبتىن‬

‫‪ -7‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.38‬‬


‫‪ -8‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ -9‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪ 45 - 42‬و ‪.69 - 67‬‬

‫‪175‬‬
‫والعملي‪ ،‬وأيضاً يف كون األمر املطلق‬
‫ّ‬ ‫النظري‬
‫ّ‬ ‫يف هذه النظرية على التفكيك يف أسلوب تشكيل املعرفة بني العقل‬
‫بديهياً ويف حتصيل سائر األحكام األخالقيّة منه‪.‬‬

‫وبغض النظر عن املناقشات اجلزئية الّيت ميكن أ ّن تطرأ يف بعض األمثلة‪ ،‬لدينا عدة‬
‫ّ‬ ‫ويف جمال هاتني املسألتني‬
‫مالحظات أساسية‪:‬‬

‫ت حول أسلوب تشكيل املعارف النظرية‬ ‫‪ - 1‬سوف نصرف النظر عن االشكاالت املعرفية على نظرية َكانْ ْ‬
‫ولكن وكما رأينا يف الفصل الثالث من هذا الكتاب فإ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة إمنا تُنتزع بالنظر إىل‬
‫والعمليّة‪ْ ،‬‬
‫ارتباط الصفات واألفعال االختيارية لإلنسان بواقعيّة أخرى امسها كمال اإلنسان‪ ،‬ولذا فإ ّن التفكيك بني العقل‬
‫والعملي من ناحية عدم ارتباط املعارف الناظرة إىل العمل مبعرفة الواقعيّات األخرى ال ميكن القبول به‪.‬‬
‫ّ‬ ‫النظري‬
‫ّ‬

‫عام وكلّي ودون أ ّن تكون متناقضة مع‬


‫‪ - 2‬ملاذا جيب علينا القبول بامكانية حتصيل القواعد األخالقيّة بشكل ّ‬
‫لكن السؤال املذكور‬
‫القوانني األخرى؟ إ ّن البيانات البديهية ال حتتاج إىل االثبات والسؤال عن دليلها بال معىن‪ّ ،‬‬
‫بديهي وال حيتاج إىل االثبات‪ ،‬نعم إ ّن‬
‫ّ‬ ‫حول األمر املطلق ليس هبذا الشكل‪ ،‬ولذا ال ميكن القبول بأ ّن "األمر املطلق"‬
‫القول بكون القواعد األخالقيّة "بنح ٍو ما" عامة وكلية و"يف النهاية" ال ب ّد أ ْن يتالءم بعضها مع بعض كالم صحيح‪،‬‬
‫إاّل أنّه ال ب ّد من إثباته[‪.]10‬‬

‫ٍ‬
‫ولسبب ما ‪ -‬كالعادة مثالً ‪ -‬متيل إىل شرب املاء من االبريق بدالً عن الكوب‪ ،‬هل يُعترب هذا‬ ‫‪ - 3‬لنفرض أنك‬
‫الفعل وظيفة أخالقيّة أم ال؟‬

‫عام وكلّي‪ ،‬لكن ال ميكن‬


‫بتحول هذا السلوك إىل قانون ّ‬ ‫أي تناقض يف أ ْن نأمر ّ‬‫املطلق" ال يوجد ّ‬‫طبقاً لنظرية "األمر َ‬
‫أي‬
‫شخص أ ْن يقبل بكون شرب املاء من االبريق وظيفة أخالقيّة‪ ،‬ولذا فإ ّن جمرد قدرتنا على طلب أ ْن يكون ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ألي‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫فعل عاماً وكلياً ال يعترب دليالً كافياً أل ْن نعترب ذلك الفعل وظيفة أخالقيّة‪.‬‬

‫إ ّن قوانني العبور واملرور أو األمر اللساين أيضاً ومع كوهنا ناظرة إىل بعض السلوكيات‬

‫‪176‬‬
‫ٍ‬
‫تناقض إاّل أهنا ليست أخالقيّة‪.‬‬ ‫أي‬
‫االختيارية وباالمكان طلبـ كوهنا قوانني عامة وبال ّ‬

‫عامة وأن يكون بعضها متالئم مع بعض‪ ،‬إاّل أ ّن هذا الشرط وحده‬
‫نعم من الضروري أ ْن تكون القواعد األخالقيّة ّ‬
‫ال يكفي لكون قواعد السلوك أخالقيّة[‪.]11‬‬

‫سؤال‪ :‬مع مراجعة حبث القيمة األخالقيّة الوارد يف الفصل الثالث‪ ،‬اذكر ما هو الشيء املوجب لكونـ قواعد‬
‫السلوك قواعد أخالقيّة؟‬

‫عرف لنا شرطاً الزماً وكافياً للقواعد األخالقيّة‪ ،‬لذا ال ميكن اعتباره‬‫وبناءً عليه‪ ،‬وحيث إ ّن "األمر املطلق" ال يُ ّ‬
‫معياراً لتشخيص القواعد األخالقيّة عن غريها‪.‬‬

‫أي سلوك إذا ما تناقض مع امليل الطبيعي لإلنسان فال ميكن طلب تعميمه‬ ‫ت بأ ّن طلب تعميم ّ‬
‫‪ - 4‬اعتقد َكانْ ْ‬
‫الطبيعي‬
‫ّ‬ ‫وبالتايل ال ميكن قبول ذلك السلوك بعنوان الوظيفة األخالقيّة‪ ،‬إاّل أ ّن املبهم يف هذا الكالم قوله‪" :‬امليل‬
‫أساس ومعيار ميكن اعتبار بعض ميول اإلنسان ميوالً‬ ‫أي ٍ‬ ‫لإلنسان" ودليل ترجيحه مبنزلة الوظيفة األخالقيّة‪ ،‬إذ على ّ‬
‫أي أساس يعترب تأمينها وظيفة أخالقيّة وبالتايل عدم اعتبار ما يتناقض معها من امليول وظيفة‬ ‫طبيعية عنده وعلى ّ‬
‫أخالقيّة؟‬

‫عام فإهّن ا ستتناقض مع امليل الطبيعي لتنمية‬


‫ت حول طلبـ الراحة إذا ما حتولت إىل قانون ّ‬ ‫ففي املثال الّذي ضربه َكانْ ْ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ما‬ ‫األول وظيفة والثاين ال يعترب وظيفة‪،‬‬
‫ت حول هذا التناقض إ ّن ّ‬ ‫االستعدادات واملؤهالت‪ .‬وهنا يقول َكانْ ْ‬
‫هو دليل هذا التفاوت بينهما؟ من املمكن أ ّن يقال إ ّن التفاوت بينهما مثالً يف كون الثانية تقع يف مسري كمال‬
‫احلقيقي وهلذا السبب مسيت "طبيعية" وإ ّن تأمينها وظيفة أخالقيّة وإ ّن ما يتناقض معها من امليول ليس‬
‫ّ‬ ‫اإلنسان‬
‫وظيفة‪ ،‬ولكن يف هذه الصورة ال ب ّد أ ْن نقبل بأننا حباجة إىل واقعيات غري أخالقيّة أيضاً إلثبات األحكام األخالقيّة‬
‫وأنه ميكن تعيني الوظيفة والقيم األخالقيّة بالرجوع إليها ال إىل األمر املطلق فقط‪ .‬وأما إذا مل نأخذ باحلسبان ‪ -‬بناءً‬
‫ت ‪ -‬الواقعيّات األخرى ونتائج السلوك فال دليل على اعتبار بعض‬ ‫على مبىن َكانْ ْ‬

‫‪177‬‬
‫امليول طبيعية وال دليل على ترجيحها على بعض امليول األخرى[‪.]12‬‬

‫‪ - 5‬لنفرتض أنّك وعدت شخصاً ما بعدم إفشاء سره‪ ،‬لكن طرأت عليك بعض األمور الّيت توجب عليك الكذب‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ما هي وظيفتك يف هذا املقام؟‬ ‫إذا ما أردت العمل بوعدك وعهدك‪،‬‬

‫ت بأ ّن لزوم الوفاء بالوعد وأيضاً لزوم اجتناب الكذب حاهلما حال بقية القواعد األخالقيّة‬ ‫يف هذا اجملال يعتقد َكانْ ْ‬
‫والقوانني الطبيعية الكلية الّيت ال تقبل االستثناء‪ ،‬إاّل أنّه ال يق ّدم حالً عند تزاحم الوظائف األخالقيّة وما هو املتعنّي‬
‫منها‪.‬‬

‫‪ .2 - 2‬الشهودية‪( 10‬احلدسية)‬

‫تصور أو تصديق آخر‪.‬‬


‫أي ّ‬‫املراد من "الشهود" بناءً على أحد التعريفات[‪ ]14‬فهم األشياء من دون االستفادة من ّ‬

‫أي‬
‫"الكل أكرب من جزئه" تُدرك بال ّ‬
‫ّ‬ ‫واملعرفة الشهودية تعين املعرفة البديهية‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن هذه اجلملة‬
‫شهودي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بديهي واصطالحاً بشكل‬ ‫ّ‬ ‫استدالل وبشكل‬

‫ويعتقد أتباع هذه النظرية ‪ -‬ومن اآلن فالحقاً سوف نسميهم الشهوديني ‪ -‬بأ ّن بعض األحكام واملفاهيم األخالقيّة‬
‫كل األحكام األخالقيّة‬
‫األقل بديهية وشهودية‪ .‬وختتلف آراء الشهوديني حول بعض املسائل‪ ،‬منها‪ :‬هل أ ّن ّ‬
‫على ّ‬
‫بديهي أم أ ّن بعضاً منها فقط كذلك؟ ومنها هل أهنا كلها بديهية وشهودية أم أ ّن بعضاً منها‬
‫ّ‬ ‫تُدرك مباشرة وبشكل‬
‫فقط كذلك؟‬

‫حسن" و"الوفاء‬
‫ومن املمكن للشهوديـ أيضاً أ ّن يعترب هذين احلكمني‪" :‬إن ارجاعك األمانة إىل صديقك عمل ٌ‬
‫حكمني بديهيني[‪.]15‬‬‫َ‬ ‫بالعهدـ وظيفتنا"‬

‫والشهوديون عموماً[‪ ]16‬يقولون بالواقعيّة غري القابلة لالثبات‪ ،‬حيث إهنم مضافاً إىل القول بالواقعيّة‪ ،‬يعتقدونـ‬
‫أيضاً بأ ّن األحكام األخالقيّة ال ميكن اثباهتا على أساس البيانات غري األخالقيّة‪ ،‬وكما أشرنا وقلنا فإهّن م يعتقدون‬
‫بكون بعض األحكام‬

‫‪.Intuitionism -10‬‬

‫‪178‬‬
‫األخالقيّة على األقل بديهية‪ ،‬لكن ما هو دليل الشهوديني على عدم قابلية إثبات األحكام األخالقيّة؟ وما هي‬
‫األحكام األخالقيّة الّيت يعتربوهنا بديهية؟‬

‫قبل بيان االجابة على ذلك‪ ،‬لنالحظ هذه األمثلة‪:‬‬

‫ملاذا نعترب هذه األعداد زوجية‪1256 ،34 ،2 :‬؟ ألهنا تقبل القسمة على اثنني‪.‬‬

‫يف هذا االستدالل استفدنا من تعريف "الزوج" لبيان علة زوجية هذه األعداد‪ .‬واالستدالل هبذا النحو‪:‬‬

‫األعداد ‪ 1256 ،34 ،2‬تقبل القسمة على اثنني‪.‬‬

‫العدد الّذي يقبل القسمة على اثنني نسميه "زوجاً"‪.‬‬

‫وهلذا السبب فإ ّن األعداد املذكورة زوجية‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ إذا سئلنا "ملاذا نعترب مساعدة احملتاجني‪ ،‬األمانة والوفاء بالعهدـ‬ ‫لكن لنفرض عدم امكانية تعريف "احلسن"‪،‬‬
‫أعماالً حسنة؟" فماذا ميكن أ ّن جنيبهم عن ذلك؟ يعتقد عامة الشهوديني بأنه إذا مل ميكن تعريف املفاهيم األخالقيّة‬
‫فال ميكن بيان األحكام األخالقيّة وإثباهتا[‪ .]17‬ومن طرف آخر فإهّن م يعتقدون بأ ّن املفاهيم األخالقيّة ال ميكن‬
‫تعريفها وهلذا قالوا إ ّن األحكام األخالقيّة أيضاً غري قابلة لالثبات‪.‬‬

‫وقد ذكرنا فيما سبق أ ّن عدم قابلية األحكام األخالقيّة لإلثبات معناه أ ّن هذه األحكام ال ميكن اثباهتا إذا كانت‬
‫مستندة إىل بيانات غري أخالقيّة‪ ،‬وكذلك احلال أيضاً يف عدم قابلية تعريف املفاهيم األخالقيّة حيث إنّه ال ميكن‬
‫عرف "مور" (‬ ‫تعريف هذه املفاهيم إذا كانت مستندة إىل مفاهيم غري أخالقيّة أيضاً‪ ،‬ومثاالً على ذلك فقد ّ‬
‫أخالقي آخر وهو "احلسن" فقال يف تعريفهما‪" :‬الصواب‬‫ّ‬ ‫‪ )Moore‬مفهومـ الصواب والوظيفة مستفيداً من مفهومـ‬
‫أو الوظيفة هو العمل الّذي له املقدار األكرب من احلسن باملقايسة بغريه من األعمال"‪.‬وكما ترى فإ ّن مفهومـ "احلسن"‬
‫اعتُرب غري قابل للتعريفـ (الحظ كالم مور نفسه يف بداية هذا الفصل) وبناءً عليه فإ ّن مور يعتقد بعدم امكانية‬
‫تعريف املفاهيم األخالقيّة‪ ،‬وأنه ملا كان ال ميكننا توضيح احلسن على‬
‫ّ‬

‫‪179‬‬
‫وصف‬
‫ٌ‬ ‫أساس املفاهيم األخرى فإنّه ال ميكننا توضيح سبب كون األعمال احلسنة حسنة‪ ،‬ويرى مور أ ّن احلسن‬
‫أعم األحكام األخالقيّة[‪ ]18‬احلاوية ملفهوم احلسن‬
‫أخالقي وواقعي يُدرك بالشهود مباشرة‪ ،‬وأننا على األقل ندرك ّ‬ ‫ّ‬
‫بديهي وأما سائر األحكام األخالقيّة األخرى فنثبتها باالستناد إليها‪ ،‬وليس على أساس القضايا واجلمل الّيت‬
‫ّ‬ ‫بشكل‬
‫تكون كلها غري أخالقيّة‪.‬‬

‫وجملرد التمثيل نقول إنّه إذا أردنا أ ّن نرى ونعرف هل أ ّن حتصيل العلم يف الوقت احلاضر يعترب وظيفتنا األخالقيّة‬
‫ّ‬
‫كل األعمال األخرى الّيت ميكن القيام هبا‬
‫وجيب السعي إليه أم ال؟ ال ب ّد أ ْن نقايس احلسن احلاصل منه مع حسن ّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ نرى هل أ ّن نتيجة حتصيل العلم أحسن من نتائج بقية األعمال أم ال[‪.]19‬‬ ‫بدالً عنه‬

‫كل املفاهيم ‪ -‬وأيضاً األحكام األخالقيّة ‪ -‬شهودية وبديهية من دون تعريف بعض‬
‫واعتقد بعض الشهوديني بأ ّن ّ‬
‫املفاهيم األخالقيّة على أساس املفاهيم األخرى‪.‬‬

‫كل الشهوديني يعتقدونـ بأ ّن دليل عدم قابلية األحكام األخالقيّة لإلثبات هو عدم امكانية‬
‫وبناءً على ذلك فإ ّن ّ‬
‫البديهي من هذه األحكام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تعريف املفاهيم األخالقيّة‪ ،‬إاّل أهنم اختلفوا فيما هو‬

‫‪ .2 - 2 - 1‬حتليل الشهودية‬

‫ٍ‬
‫تصديق آخر‪،‬‬ ‫إبن" بديهية ألنّه منطقياً ال حنتاج يف فهم صدقها إىل‬ ‫ٍ‬
‫‪ - 1‬عندما نقول إ ّن هذه اجلملة "لكل أب ٌ‬
‫حيث إ ّن حتليل مفهوم املوضوع يكفي لتصديق هذه القضية‪.‬‬

‫وكذلك عندما أكون مسروراً فإ ّن مجلة "أنا مسرور" بديهية يل ألنين ال أحتاج يف تصديقها إىل تصديق آخر ألنين‬
‫أي واسطة أخرى‪.‬‬ ‫أدرك سروري من داخلي وبال ّ‬

‫وعلى الرغم من عدم حاجة البيانات البديهية لإلثبات إاّل أنّه ال ب ّد لنا أ ّن نوضح سبب بديهيتها وعدم حاجتها‬
‫لالثبات‪ ،‬إاّل أ ّن الشهوديني مل يوضحوا السبب يف كون بعض األحكام األخالقيّة شهودية وبديهية[‪.]20‬‬

‫‪180‬‬
‫كل الشهوديني يعتقدونـ بعدم امكانية تعريف املفاهيم األخالقيّة‪ ،‬ولن نتعرض ها هنا‬
‫‪ - 2‬كما شاهدنا ورأينا فإ ّن ّ‬
‫إىل ذكر أدلتهم يف هذا اجملال[‪ ]21‬بل سنفرتض متامية األدلة املقامة من قبلهم‪ ،‬لكن وبال شك فإ ّن أحد أهداف‬
‫الشهوديني يف عدم امكانية تعريف املفاهيم األخالقيّة هو اثبات عدم قابلية إثبات األحكام األخالقيّة‪.‬‬

‫لكن لنفرتض‪-‬وكما ذكره "مور" يف املثال السابق‪ - 11‬أ ّن "احلسن" نظري "االصفرار" مفهومـ بسيط وال ميكن‬
‫تعريفه‪ ،‬إاّل أنّه بإمكاننا التحقيق يف علة اصفرار األجسام الصفراء وأ ْن نثبت من خالل ذلك أ ّن هذا اجلسم مثالً‬
‫والذي ال نراه اآلن بشكل مباشر هو أصفر‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإنّه ميكننا القول إ ّن علة كون بعض األجسام صفراء‬
‫خاصة ‪ -‬من هذه األجسام إىل عيوننا ولذا فإ ّن اجلسم العاكس هلذه األنوار‬
‫سببه النور املنعكس ‪ -‬بأمواج طولية ّ‬
‫أصفر‪ ،‬وعليه وكما اعترب "مور" (‪ )Moore‬أ ّن مفهوم "األصفر" ال ميكن تعريفه إاّل أنّه باالمكان إثبات اصفرار‬
‫األجسام‪ ،‬كذلك احلال يف مفهوم احلسن أيضاً حيث إنّه ال ميكن تعريفه إاّل أنّه ميكن إثبات حسن األعمال احلسنة‪.‬‬

‫وبناءً على هذا ال ميكن استنتاج عدم قابلية إثبات األحكام األخالقيّة من خالل عدم امكانية تعريف املفاهيم‬
‫األخالقيّة[‪.]22‬‬

‫‪ - 3‬النتيجة‬

‫أي إ ّن هناك خصائص واقعيّة يف األفعال والصفات‬ ‫الواقعيّة تقول لنا إ ّن القيم واللزوميات األخالقيّة هلا واقعيّة‪ّ ،‬‬
‫احلسنة وكذلك يف القبيحة منها‪ ،‬وإ ّن هناك خصائص واقعيّة يف األعمال الّيت ينبغي علينا القيام هبا وكذلك يف تلك‬
‫الّيت ال ينبغي علينا القيام هبا‪.‬‬

‫ومع قبولنا بالواقعيّة يُطرح السؤال عن ماهية هذه اخلصائص الواقعيّة‪ .‬وبعبارة‬

‫‪ -11‬مري وارنوك‪ ،‬فلسفه اخالق در فرن بيستم‪ ،‬ترمجة أبو القاسم فنائي‪ ،‬ص ‪ 52‬نقالً عن‪G.E. Moore, Principia:‬‬
‫‪.Ethica، p.10‬‬

‫‪181‬‬
‫الواقعي الّذي يوجب كون بعض األفعال والصفات حسناً واآلخر منها قبيحاً‪ ،‬وكون القيام‬
‫ّ‬ ‫أخرى ما هو الشيء‬
‫ببعض األعمال أو تركها الزماً؟‬

‫الواقعي للقيم واللزوميات األخالقيّة وبالتايل إثبات األحكام األخالقيّة على أساسه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إ ّن هذا السؤال سؤال عن املنشأ‬

‫العملي‪ ،‬وتبعاً له التفكيك بني املعارف األخالقيّة واملعارف النظرية‬


‫ّ‬ ‫النظري والعقل‬
‫ّ‬ ‫ت بالتفكيك بني العقل‬‫لكن َكانْ ْ‬
‫استنتج عدم امكانية االجابة عن هذا السؤال‪.‬‬

‫وكذلك احلال عند الشهوديني الّذي اعتقدوا بعدم امكانية تعريف املفاهيم األخالقيّة‪.‬‬

‫العملي‪ ،‬وأنه ال ميكن استنتاج‬


‫ّ‬ ‫النظري والعقل‬
‫ّ‬ ‫وقد أوضحنا يف هذا الفصل عدم مقبولية التفكيك الكامل بني العقل‬
‫عدم قابلية إثبات األحكام األخالقيّة من خالل عدم إمكانية تعريف املفاهيم (بعد التسليم بصحة الفرض األخري)‪.‬‬

‫وبناءً عليه يبقى السؤال املذكور حمتاجاً لالجابة[‪.]23‬‬

‫إ ّن األخالق تعلّمنا "كيف ينبغي أ ّن نكون"‪ ،‬وفلسفةـ األخالق تسأل ملاذا "كيف ينبغي أ ّن نكون"؟ ولذا ال ب ّد من‬
‫إثبات األحكام األخالقيّة‪ ،‬لكن كيف؟ سنشري يف الفصل الالحق إىل بعض االجابات عن هذا السؤال‪ ،‬ومن خالل‬
‫حتليل نقاط القوة والضعف فيها حىت نصل إىل اجلواب النهائي‪.‬‬

‫أكمل ما يلي‪:‬‬

‫‪ - 1‬ال تقبل الواقعيّة اإلثبات‪ ،‬مبعىن‬

‫‪ - 2‬الواقعيّة ال تقبل اإلثبات بنوعي النظرية‪ ................‬و‪ ................‬قابل لإلطالق‪.‬‬

‫ت" إ ّن دليل عدم قبول الواقعيّة األخالقيّة هو‪................‬‬


‫‪ - 3‬يقول " َكانْ ْ‬

‫بديهي ويسميّه‪................‬‬
‫ّ‬ ‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫ت" إ ّن احلكم‬
‫‪ - 4‬يقول " َكانْ ْ‬

‫ت" يُطلق على األصل الكلّي الذي‪................‬‬


‫‪ - 5‬األصل املطلق يف نظر " َكانْ ْ‬

‫ت" إذا أردنا معرفة موافقة عمل ما للوظيفةـ األخالقيّة جيب‪................‬‬


‫‪ - 6‬طبقاً لرأي " َكانْ ْ‬

‫‪182‬‬
‫ت" فإ ّن العمل االختياري له قيمة أخالقيّة بشرطني‪ ................‬و‪................‬‬
‫‪ - 7‬برأي " َكانْ ْ‬

‫‪ - 8‬بااللتفات إىل القيم األخالقيّة واللّزوم األخالقيّة ينتزع من‪ ................‬فإنه ال جمال لعدم العالقة بني‬
‫املعرفة العمليّة واملعرفة النظريّة‪.‬‬

‫‪ - 9‬تشري حقيقة السؤال املنطلق من دليل "األمر املطلق" إىل‪................‬‬

‫‪ - 10‬األمر املطلق ال يأخذ شرط‪ ................‬بعني االعتبار لتعريف القاعدة األخالقيّة‪.‬‬

‫‪ - 11‬إن تشخيص الطلبات الطبيعيّة وترجيحها يقوم فقط على أساس‪ ................‬وهو غري متوافق مع رأي‬
‫ت"‪.‬‬‫" َكانْ ْ‬

‫ت" ال يستطيع تعيني‪ ................‬يف مورد التزاحم‪.‬‬


‫‪ - 12‬معيار " َكانْ ْ‬

‫‪ - 13‬املقصود بالشهود يف اصطالح الشهوديّني ‪................‬‬

‫‪ - 14‬أتباع الشهوديّة يف األخالق يرون‪ ................‬أمراً بديهيّاً وشهوديّاً‪.‬‬

‫‪ - 15‬دليل أتباع الشهوديّة يف إثبات عدم قبول األحكام األخالقيّة ‪................‬‬

‫‪ - 16‬الشهوديّون أوضحوا ملاذا يعتربون‪ ................‬بديهيّاً‪.‬‬

‫‪ - 17‬يرى "مور" أنّه ال جمال لتعريف مفهوم "األصفر" بينما نرى أ ّن كون األجسام الصفراء صفراء اللون قابل‬
‫فيتحمل كون املفاهيم األخالقيّة غري قابلة للتعريفـ ومع ذلك فاألحكام األخالقيّة‪.................‬‬
‫ّ‬ ‫لإلثبات‪ ،‬وعليه‬

‫‪ - 18‬بتعليل الواقعيّة غري القابلة لإلثبات نصل إىل نتيجة مفادها‪................‬‬

‫‪183‬‬
‫األسئلة‬

‫‪ - 1‬أ ‪ -‬ما هو مرادف "عدم قابلية إثبات األحكام األخالقيّة" يف نظرية الواقعيّة غري القابلة لإلثبات؟‬

‫ب ‪ -‬اذكر نوعني من هذه النظرية‪.‬‬

‫ت بعدم قابلية اثبات األحكام األخالقيّة؟‬


‫‪ - 2‬أ ‪ -‬ملاذا اعتقد َكانْ ْ‬

‫ب ‪ -‬ما هو إشكالك على أدلته؟‬

‫ت؟‬
‫‪ - 3‬أ ‪ -‬ما هو املراد من "األمر املطلق" يف نظرية العقل العمليـ عند َكانْ ْ‬

‫ب ‪ -‬ملاذا ال ميكن القبول بكون "األمر املطلق" بديهياً؟‬

‫كل األحكام اللزومية والقيميّة يف األخالق من "األمر املطلق"؟‬


‫ت ّ‬‫‪ - 4‬كيف استنتج َكانْ ْ‬

‫‪ - 5‬هل ميكن اعتبار "األمر املطلق" معياراً لتشخيص القواعد األخالقيّة؟ ملاذا؟‬

‫ت األخالقيّة ال يتالئم ترجيح امليول الطبيعية على بقية امليول؟ أوضح ذلك؟‬
‫أي مبىن من مباين َكانْ ْ‬
‫‪ - 6‬مع ّ‬

‫‪-7‬أ‪ِ -‬‬
‫أعط مثاالً تتزاحم فيه هذه الوظيفة األخالقيّة "ال ينبغي أ ْن تذكر اآلخرين بسوء" مع وظيفة أخالقيّة‬
‫أخرى؟‬

‫ت‪ ,‬ماذا جيب أ ّن نفعل يف هذا املقام؟‬


‫ب ‪ -‬طبقاً لنظرية َكانْ ْ‬

‫‪ - 8‬ما هي شروط القيمة األخالقيّة يف رأي َكانْت؟ ِ‬


‫أعط مثالني أحدمها حيتوي هذه الشروط واآلخر ال حيتويها؟‬ ‫ْ‬

‫عرف "الشهود" باصطالح الشهوديني؟‬


‫‪-9‬أ‪ّ -‬‬

‫ب ‪ -‬ما هي األمور الّيت يعتربها أتباع الشهودية يف األخالق بديهية وشهودية؟‬

‫ج ‪ -‬ما هي األمور الّيت مل يوضح الشهوديون كوهنا بديهية؟‬

‫‪184‬‬
‫‪ - 10‬أ ‪ -‬ملاذا اعتقد الشهوديون بعدم قابلية إثبات األحكام األخالقيّة؟‬

‫ب ‪ -‬اذكر اإلشكال على دليلهم‪.‬‬

‫‪ - 11‬أ ‪ -‬اذكر يف سطرين معىن اثبات األحكام األخالقيّة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ملاذا حتتاج األحكام األخالقيّة لإلثبات؟‬

‫للبحث‬

‫‪ - 1‬مع األخذ باالعتبار عدم حاجة البديهيات لإلثبات‪ ،‬إحبث يف صدق أو كذب هذه البيانات‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إنكار الرابطة بني "ما ينبغي" و"الواقع" هو من لوازم القبول بالواقعيّة غري القابلة لالثبات‪.‬‬

‫ب ‪ -‬القبول بالواقعيّة غري القابلة لإلثبات من لوازم إنكار الرابطة بني "ما ينبغي" و"الواقع"‪.‬‬

‫ج ‪ -‬القبول ببداهة قضية أخالقيّة واحدة على األقل من لوازم القبول بالواقعيّة غري القابلة لالثبات‪.‬‬

‫د ‪ -‬القبول بالواقعيّة غري القابلة لإلثبات من لوازم القبول ببداهة قضية أخالقيّة واحدة على األقل‪.‬‬

‫‪ - 2‬اقرأ هذه الفقرة بدقة‪:‬‬

‫مسرور"ـ‬
‫ٌ‬ ‫ألي قضية بديهية ال واسطة هلا يف االثبات أ ْن يكون هلا واسطة يف الثبوت‪ ،‬كما يف قولك "أنا‬
‫من املمكن ْ‬
‫(ألنين ُوفِّقت للقيامـ ٍ‬
‫بعمل هام)‪.‬‬

‫وكذلك من املمكن أ ْن تكون القضية غري البديهية هلا واسطة يف االثبات وليس هلا واسطة يف الثبوت‪ ،‬كما يف قولك‬
‫شخص ما)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫"اهلل موجود" (لكن مل يُوجده‬

‫‪185‬‬
‫الزوجي‬
‫ّ‬ ‫وأيضاً من املمكن أ ْن ال يكون للقضية ال واسطة يف االثبات وال واسطة يف الثبوت كما يف قولك "العدد‬
‫هو العدد الّذي يقبل القسمة على اثنني)‪.‬‬

‫متحرك‬
‫"كل ّ‬‫ويف مقابل ذلك من املمكن أ ْن يكون هلا واسطة يف االثبات وواسطة يف الثبوت أيضاً كما يف قولك ّ‬
‫أي حال)‪.‬‬
‫ناقص" (ألنه فاقد للفعليةـ على ّ‬

‫واآلن احبث حول هذه األسئلة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ما املراد من الواسطة يف االثبات والواسطة يف الثبوت؟‬

‫ب ‪ -‬هل أ ّن مراد القائلني بالواقعيّة غري القابلة لإلثبات من أ ّن األحكام األخالقيّة غري قابلة لالثبات‪ ،‬هو أ ّن هذه‬
‫األحكام ال واسطة هلا يف الثبوت أم أنّه ال واسطة هلا يف االثبات‪ ،‬أم االثنان معاً؟‬

‫إقرأ‬

‫هذا إذا قبلنا بوجود قضايا يف األخالق ميكن تشخيص صدقها وكذهبا‪ ،‬وقبلنا أيضاً بأ ّن الطريق الوحيد الثبات‬
‫املعارف غري البديهية هو إرجاعها ‪ -‬باالستدالل ‪ -‬إىل املعارف البديهية‪ .‬ومن الواضح أ ّن القائل بالواقعيّة يقبل‬
‫بالفرض األول‪ ،‬وأما الفرض الثاين فإنّه يستلزم اعتبار النظرية املبنائية هي الصحيحة من بني النظريات الناظرة إىل‬
‫مقبول عند انصار الواقعيّة غري القابلة لالثبات‪.‬‬
‫املوجهات يف علم املعرفة‪ .‬وهذا الفرض يتم اثباته يف هذا العلم‪ ،‬وهو ٌ‬

‫من املمكن أ ْن يعتقد أنصار الواقعيّة غري القابلة لإلثبات ببديهية بعض األحكام األخالقيّة إاّل أهّن م يعتقدونـ أيضاً‬
‫كل األحكام األخالقيّة ‪ -‬واحتماالً حىت األحكام البديهية ‪ -‬على أساس البيانات غري األخالقيّة‪،‬‬ ‫بامكان إثبات ّ‬
‫إثبات‪.‬ومن املناسب يف هذا‬ ‫حال فإ ّن دعوى البداهة لبعض أو كل األحكام األخالقيّة حيتاج إىل ٍ‬ ‫ولكن على كل ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املقام أ ْن نشري إىل ما استدل به بعض أهل الرأي على لزوم وجود بعض األحكام العامة البديهية يف األخالق‪،‬‬
‫وباعتقاد هذا القائل أنّه وكما توجد بعض القضايا البديهية الّيت متنع حصول الدور أو التسلسل يف االستدالل عند‬
‫أي ال ب ّد من وجود مثل هذه‬ ‫استنتاج األحكام النظرية‪ ،‬كذلك احلال يف استنتاج األحكام العمليّة أيضاً ّ‬

‫‪186‬‬
‫القضايا البديهية لعدمـ حصول الدور أو التسلسل‪( ،‬راجع‪ :‬جعفر سبحاين‪ ،‬حسن وقبح عقلى‪ ،‬تقرير علي رباين‬
‫كلپايكاين‪ ،‬ص‪.)64 - 62‬‬

‫إال أ ّن هذا الكالم قابل للمناقشة من جهتني‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬من املمكن إثبات وجود البيانات املبنائية عن طريق بطالن الدور أو التسلسل‪ ،‬ولكن ال ميكن اثبات بداهتها‬
‫أي قضية يقينية يف األخالق فمن املمكن أ ْن يقبل باستنتاج األحكام‬ ‫أيضاً بنفس الطريق‪ ،‬فلو أنكر أحدهم وجود ّ‬
‫األخالقيّة بناءً على بعض القضايا املبنائية‪ ،‬مع اعتقاده بأ ّن هذه القضايا املبنائية ال بديهية وال يقينية‪ ،‬ورغم حاجتنا‬
‫الظن أو أ ّن نفرتض مسبقاً صدقها فقط‪.‬‬ ‫إىل إثباهتا ال ميكننا إثباهتا وإمنا نقبل هبا بنحو ّ‬

‫الثانية‪ :‬إ ّن جمرد القبول بكون بعض القضايا املبنائية بديهية سوف يسهل إمكانية املعرفة بسائر األحكام األخالقيّة‪،‬‬
‫وهبذا الدليل املذكور ال ميكن إثبات لزوم كون هذه القضايا املبنائية أخالقيّة‪ ،‬ألنّه من املمكن لنا أ ْن نستنتج‬
‫مبتىن على التفكيك‬
‫األحكام األخالقيّة من قضايا مبنائية بديهية يف غري األخالق‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن هذا االستدالل ً‬
‫بني األحكام النظرية والعمليّة وعلى عدم وجود االرتباط بني "ما ينبغي" و"الواقع"‪.‬إال أ ّن األحكام األخالقيّة ملا‬
‫حينئذ وجود القضايا البديهية يف غري األخالق للمنعـ من الدور والتسلسل‬ ‫كانت مرتبطة بواقعيات أخرى فيكفي ٍ‬
‫وإلثبات املعارف األخالقيّة اليقينية‪.‬‬

‫كل األحكام األخالقيّة ‪ -‬بل حىت األحكام الشخصيّة واجلزئية ‪-‬‬


‫يعتقد بعض أنصار الواقعيّة غري القابلة لإلثبات بأ ّن ّ‬
‫ال ميكن إثباهتا‪ ،‬وهذا ما يظهر من كالم بريتشار (أحد القائلني بالشهودية)‪.‬‬

‫خاصة كمفهوم‬‫وذهب بعض آخر منهم إىل أ ّن تلك األحكام األخالقيّة اجلزئية أو الكلية املشتملة على مفاهيم ّ‬
‫احلسن مثالً ال ميكن إثباهتا‪ ،‬وأما سائر األحكام األخالقيّة فيمكن إثباهتا بإرجاع املفاهيم األخالقيّة الواردة فيها إىل‬
‫الشهودي أيضاً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مفاهيم أخالقيّة أخرى‪ .‬ومن هؤالء ميكن االشارة إىل مور‬

‫وذهب قسم ثالث منهم إىل اعتبار أ ّن أصالً كلياً واحداً أخالقيّاً ال ميكن اثباته ‪ -‬كما هو احلال يف األصل الّذي‬
‫الكلي‪ ،‬وأما‬
‫ت باألمر املطلق ‪ ،-‬وأما سائر األحكام األخالقيّة فيمكن إثباهتا بارجاعها إىل ذلك األصل ّ‬ ‫مساه َكانْ ْ‬
‫بأي شكل بالواقعيّة غري القابلة لإلثبات فإهّن م يعتقدونـ بأ ّن متام األحكام األخالقيّة تثبت‬
‫الواقعيّون الّذين ال يقبلونـ ّ‬
‫ٍ‬
‫منفصلة عن احلقائق األخرى املوجودة‬ ‫يف النهاية على أساس القضايا غري األخالقيّة‪ ،‬حيث إ ّن احلقائق األخالقيّة غري‬
‫يف هذا العامل‪ ،‬وكما يستفاد يف هذه احلقائق من الوسائل واألساليب املعرفية لفهمها كذلك احلال يف فهم احلقائق‬
‫األخالقيّة واالستدالل عليها‪.‬‬

‫الدائري ميكن بيان احل ّد الدقيق بني الواقعيّة غري القابلة لإلثبات والواقعيّة القابلة‬
‫ّ‬ ‫وباالستفادة من هذا النموذج‬
‫لالثبات‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫الدائري‪ :‬مع القبول بالواقعيّة‪ ،‬نأخذ قضية أخالقيّة كاألمر املطلق مثالً ونسميها القضية(‪،)1‬‬
‫ّ‬ ‫توضيح حول النموذج‬
‫ت فنكون قد قبلنا بالواقعيّة غري القابلة لالثبات‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ إذا اعتقدنا بأهّن ا غري قابلة لإلثبات كما يرى َكانْ ْ‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ إذا اعتقدنا بأهّن ا غري‬ ‫ومرة ثانية نأخذ هذه القضية "إ ّن حفظ هذا املال عمل حسن" ونسميها القضية (‪.)1‬‬
‫قابلة لإلثبات فنكون قد قبلنا أيضاً بالواقعيّة غري القابلة لإلثبات يف هذه القضية الشخصيّة األخالقيّة‪ ،‬وإذا قلنا إهنا‬
‫كل االستدالالت من‬ ‫ٍ‬
‫قابلة لإلثبات وحتتاج إىل االستدالل فمن املمكن حينئذ اثباهتا بالبيان التايل (سوف نستفيد يف ّ‬
‫كل االستدالالت‬ ‫كل االستدالالت األخرى إليه‪ ،‬وكذلك فإ ّن ّ‬ ‫القياس االقرتاين "الشكل األول"‪ ،‬وسوف نُرجع ّ‬
‫يدل لزوماً على صحتها أو مقبوليتها عندنا)‪:‬‬ ‫افرتاضية مبعىن أ ّن ذكرها ال ّ‬
‫‪ -‬حفظ هذا املال أمانة‪.‬‬

‫حسن‪.‬‬
‫عمل ٌ‬
‫‪ -‬األمانة ٌ‬

‫‪ -‬حفظ هذا املال عمل حسن‪.‬‬

‫نسمي اجلملة األوىل "حفظ هذا املال أمانة" واليت هي صغرى القياس بالقضية (‪ ،)2‬واجلملة الثانية‬
‫وهنا سوف ّ‬
‫"األمانة عمل حسن" واليت هي كربى القياس بالقضية(ـ‪.)3‬‬

‫وحيث إ ّن القضية (‪ )2‬غري أخالقيّة نضعها جانباً‪ .‬وأما القضية (‪ )3‬فهي أخالقيّة‪ ،‬وهنا نكرر السؤال السابق عن‬
‫قابلية إثباهتا أو عدم قابلية ذلك‪.‬‬

‫نسمي هذه القضية "األمانة عمل حسن" بالقضية رقم (‪ )1‬ونسأل هل أ ّن هذه القضية‬ ‫أي أنّنا يف هذه املرة أيضاً ّ‬
‫غري قابلة لإلثبات؟ إذا كان جوابنا عن هذا السؤال مثبتاً فقد قبلنا بالواقعيّة غري القابلة لإلثبات يف فهم هذه القضية‬
‫الكلية األخالقيّة‪ ،‬وأما إذا كان اجلواب منفياً فمن املمكن ٍ‬
‫حينئذ إثبات هذه القضية الكلية على النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -‬األمانة وظيفتنا‪.‬‬

‫‪ -‬العمل الّذي هو وظيفتنا حسن‪.‬‬

‫‪ -‬األمانة حسنة‪.‬‬

‫نسمي الصغرى والكربى بـ(‪)2‬و(‪ )3‬على الرتتيب‪ ،‬القضية (‪" )2‬األمانة وظيفتنا" أخالقيّة‪.‬‬
‫وهنا سوف ّ‬

‫األخالقي "الوظيفة"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األخالقي "حسن" عُِّرف على أساس املفهوم‬
‫ّ‬ ‫ويف هذه الصورةـ يف القضية (‪ )3‬فإ ّن املفهومـ‬

‫لكن السؤال عن قابلية إثبات أو عدم قابلية اإلثبات سيستمر يف مورد القضية(‪.)2‬‬

‫‪188‬‬
‫نسمي هذه القضية "األمانة وظيفتنا" بالقضية (‪ )1‬ونكرر السؤال السابق‪ ،‬إذا اعتقدنا بأهّن ا غري‬ ‫وهنا جمدداً سوف ّ‬
‫قابلة لإلثبات فقد قبلنا بالواقعيّة غري القابلة لإلثبات بإرجاع املفاهيم األخالقيّة إىل بعضها اآلخر وإذا اعتقدنا بأهنا‬
‫قابلة لإلثبات فمن املمكن إثباهتا يف هناية األمر مع قضية أخالقيّة غري قابلة لإلثبات مع حممول "الوظيفة"ـ أو مع قضية‬
‫كل هذه الصور نكون قد قبلنا‬ ‫أخالقيّة غري قابلة لإلثبات مع أحد املفاهيم األخالقيّة األخرى نظري "ما ينبغي" ويف ّ‬
‫بالواقعيّة غري القابلة لإلثبات‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫لكن من املمكن أيضاً إثبات إحدى هذه القضايا‪ ،‬مثالً القضية‪:‬‬

‫"األمانة عمل حسن" بالبيان التايل‪:‬‬

‫‪ -‬األمانة مق ّدمة للكمال‪.‬‬

‫‪ -‬مق ّدمة الكمال حسنة‪.‬‬

‫‪ -‬األمانة حسنة‪.‬‬

‫ويف هذه الصورةـ فإ ّن كلتا املقدمتني يف هذا االستدالل ليست قضية أخالقيّة (إ ّن عدم كون املق ّدمة األوىل أخالقيّة‬
‫واضح‪ ،‬وأما عدم أخالقيّة املق ّدمةـ الثانية فألن موضوعها ليس فعالً أو صفة اختيارية بل خصيصة واقعيّة للصفات‬
‫واألفعال االختيارية ((املوضوع كونه مق ّدمة للكمال أو علة له)‪ .‬نعم إ ّن بعض الصفات واألفعال االختيارية من‬
‫مصاديق هذا املوضوع كما هو احلال يف صغرى هذا القياس)‪ .‬وقد رجعنا إىل غري األخالق إلثبات قضية أخالقيّة‪،‬‬
‫ومحلنا املفاهيم األخالقيّة على حقائق أخرى يف املوضوعات األخالقيّة نظري كوهنا مق ّدمةـ للكمال‪ ،‬ويف هذه الصورةـ‬
‫مل نقبل بالواقعيّة غري القابلة لالثبات‪.‬‬

‫العملي يف مقابل‬
‫ّ‬ ‫بالرغم من أ ّن "أرسطو" وتبعاً له الفالسفة وعلماء األخالق املسلمونـ قد استعملوا مصطلح العقل‬
‫خاصة‬
‫ت" حيث إ ّن له مباينَ معرفية ّ‬
‫عما اصطلحه " َكانْ ْ‬
‫النظري إاّل أ ّن مرادهم من ذلك االصطالح خيتلف ّ‬
‫ّ‬ ‫العقل‬
‫به‪.‬‬

‫فالفارايب واحملقق الطوسي واحملقق األصفهاين والعالمة الطباطبائي من مجلة القائلني بكون العقل النظري هو املدرك‬
‫العملي عندهم فهو املدرك لألمور الناظرة إليها‪.‬‬
‫ّـ‬ ‫لألمور غري الناظرة إىل األفعال االختيارية وأما العقل‬

‫لكل الكليات (األعم من كوهنا ناظرة إىل‬


‫النظري هو املدرك ّ‬
‫ّ‬ ‫وأما أرسطو وابن سينا ومال صدرا فقد اعتربوا العقل‬
‫العملي فهو املدرك للجزئيات الناظرة إىل األفعال االختيارية‪ .‬وهذه االدراكات‬
‫ّـ‬ ‫االختياري أم ال) وأما العقل‬
‫ّ‬ ‫الفعل‬
‫لفظي يف هذين املوردين‪.‬‬
‫يف رأيهم تؤثّر بشكل مباشر يف العمل‪ ،‬ويف اعتقادهم فإ ّن العقل مشرتك ّ‬

‫وعامل‬
‫ٌ‬ ‫حمرك‬
‫العملي فهو ٌ‬
‫ّ‬ ‫مدرك وأما العقل‬
‫النظري ٌـ‬
‫ّ‬ ‫حممد مهدي النراقي فقد اعتربا أ ّن العقل‬
‫وأما هبمنيار واملال ّ‬
‫وليس قوة إدراكية يف األساس‪.‬‬

‫مبهم يف بعض املوارد ‪ -‬إاّل أ ّن اجلميع متّفق على أ ّن‬


‫وعلى الرغم من هذا االختالف يف االصطالح ‪ -‬والذي هو ٌ‬
‫احلكمة ‪ -‬واليت هي املقسم للحكمة النظرية واحلكمة العمليّة ‪ -‬هي العلم باحلقائق‬

‫‪190‬‬
‫العملي مدركاً‬
‫ّـ‬ ‫النظري مدركاً للحكمة النظرية ويعترب العقل‬
‫ّ‬ ‫األول يعترب العقل‬
‫الكلية وبناءً عليه فإ ّن الفريق ّ‬
‫للحكمة العمليّة‪.‬‬

‫النظري يدرك العلوم‬


‫ّ‬ ‫أي أ ّن العقل‬
‫النظري ّ‬
‫ّ‬ ‫وأما الفريقان الثاين والثالث فيعتربان أ ّن املدرك لكال القسمني هو العقل‬
‫تسمى‬
‫تسمى احلكمة العمليّة‪ ،‬وأيضاً يدرك العلومـ الكلية غري الناظرة إىل العمل واليت ّ‬
‫الكلية الناظرة إىل العمل واليت ّ‬
‫احلكمة النظرية‪ ،‬وكذلك فإ ّن اجلميع ال ينكرون الرابطة بني "ما ينبغي" و"الواقع" وإمكانية استنتاج األحكام‬
‫األخالقيّة من الواقعيّات األخرى‪.‬‬

‫أي من هؤالء من اتباع الواقعيّة غري القابلة لإلثبات‪ .‬وملزيد من التوضيح راجع‪ :‬حسن‬
‫وبناءً عليه ال ميكن اعتبار ٍّ‬
‫معلمى‪ ،‬مباىن أخالق در فلسفه غرب وفلسفه إسالمى‪ ،‬ص‪ ،196 - 163‬و‪.282 - 272‬‬

‫ت‪,‬‬
‫حممد حممد رضائي‪ ،‬تبيني ونقد فلسفه أخالق َكانْ ْ‬
‫ت األخالقيّة ونقدها وحتليلها راجع‪ّ :‬‬
‫لالطالع على نظرية َكانْ ْ‬
‫ويليام كى‪ ،‬فرانكنا‪ ،‬فلسفه أخالق‪ ،‬ص‪.83 - 77‬‬

‫العملي‪" .‬يف هناية املطاف فإ ّن العقل واحد‬


‫ّ‬ ‫النظري والعقل‬
‫ّ‬ ‫ويقسم بلحاظ إدراكاته إىل العقل‬
‫ت العقل قو ًة َ‬‫يعترب َكانْ ْ‬
‫ت‪ ،‬بنياد ما بعد الطبيعة أخالق) تأسيس ميتا‬ ‫والعملي)‪( .‬اميانويل َكانْ ْ‬
‫ّ‬ ‫النظري‬
‫ّ‬ ‫ولكن مصاديقه متفاوتة (من حيث‬
‫ّ‬
‫فيزيقيا األخالق‪ ،‬ترمجة محيد عنايت وعلي قيصري‪ ،‬ص‪.)9‬‬

‫والعملي متفاوتة إىل احل ّد الّذي ال ميكن عنده استنتاج ما يدركه‬


‫ّ‬ ‫النظري‬
‫ّ‬ ‫ت فإ ّن ادراكات العقل‬
‫ويف رأي َكانْ ْ‬
‫العملي مطلقةـ غري‬
‫ّ‬ ‫النظري حمدودة بالزمان واملكان بينما معارفـ العقل‬
‫ّ‬ ‫أحدمها من اآلخر‪ .‬وإ ّن معارف العقل‬
‫حمدودة بالزمان واملكان‪.‬‬

‫النظري ال ب ّد‬
‫ّ‬ ‫واملتأخرة‪ ،‬ومن أجل تشكيل املعرفة املتأخرة للعقل‬
‫ّ‬ ‫قسم إىل املتق ّدمة‬
‫النظري تُ َ‬
‫ّ‬ ‫وإ ّن معارف العقل‬
‫ابتداءً من ورود مادة االحساس‪ ،‬وعن طريق إحدى احلواس‪ ،‬إىل الذهن ومن مثّ تُب ّدل مع صور الزمان واملكان واليت‬
‫حس ّي‪ ،‬ومن مثّ فإ ّن الذهن وباالستفادة من املقوالت االثين عشر العاقلة‬
‫ت متقدمة وذهنية إىل مفهومـ ّ‬ ‫يسميها َكانْ ْ‬
‫ّ‬
‫ت متقدمة وذهنية تُشكل املعرفة املتأخرة من املفاهيم احلسية‪.‬‬ ‫واليت هي أيضاً يف رأي َكانْ ْ‬

‫إن هذه املعارف تركيبية دائماً وال ميكنها أ ّن تنبهنا إىل ما هو واقع يف نفسه (‪.)Noumena‬‬

‫النظري فإهّن ا تقسم إىل طائفتني حتليلية وتركيبية‪ ،‬والشهود احملض للزمان واملكان ِّ‬
‫ميكن‬ ‫وأما املعارف املتق ّدمة للعقل‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫النظري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من إدراك القضايا الرتكيبية املتق ّدمة للعقل‬

‫احلرة لإلنسان وخلود النفس‬


‫العملي ومضافاً إىل األخالق فإنّه يشمل أيضاً فهم اإلرادة ّ‬
‫ّـ‬ ‫ت فإ ّن العقل‬
‫وباعتقاد َكانْ ْ‬
‫أي منها بالزمان واملكان‪ ،‬ومجيعها متقدمةـ ويقينية‪.‬‬
‫واهلل واليت تُعترب مجيعها من نتائج األخالق‪ .‬وال حُي ّد ٌّ‬

‫‪191‬‬
‫مالزم لقبول القواعد األخالقيّة‪.‬‬
‫النظري وأ ّن االعتقاد هبا ٌ‬
‫ّ‬ ‫ت أ ّن اثبات هذه األمور ال يرتبط بالعقل‬
‫واعترب َكانْ ْ‬

‫ت ‪ -‬ال ميكن عن طريق‬


‫وبناءً على هذا فإ ّن إثبات اهلل واإلرادة احلرة لإلنسان وخلود النفس ‪ -‬بناءً على فلسفة َكانْ ْ‬
‫النظري وإمنا ميكن إثباهتا فقط بعد األخالق وعن طريقها ال غري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العقل‬

‫املطلق والذي يُع ّد من‬


‫بديهي هو األمر َ‬‫ّ‬ ‫تتحصل من أصل كلّ ّي واحد‬
‫ّ‬ ‫كل القواعد األخالقيّة‬
‫ت بأ ّن ّ‬ ‫ويعتقد َكانْ ْ‬
‫العملي‪ ،‬وميكن ادراكه من خالل مفهوم احلرية ومقوالهتا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األحكام الرتكيبية املتقدمة للعقل‬

‫النظري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وهناك اشكاالت متع ّددة ‪ -‬تُطرح يف علم املعرفة ‪ -‬بالنسبة لكيفية ادراك الواقعيّات التجريبية بالعقلـ‬
‫ت كان يسعى‬ ‫ت مقوالت الفامهة والظاهر أ ّن َكانْ ْ‬
‫وأيضاً حول اعتبار الزمان واملكان ذهنيني‪ ،‬وعلى ما مساه َكانْ ْ‬
‫بربطه املعارف املتأخرة النظرية بالشهوديات احملضة زماناً ومكاناً وباملقوالت الفامهة إىل تعيني مكانة هذه األمور يف‬
‫املعرفة واالجابة على "هيوم"‪.‬‬

‫ت سعى من‬ ‫ومع االلتفات إىل أ ّن هذا العمل يستلزم فقدان املعرفة اليقينية بالواقعيّات التجريبية يف نفسها فإ ّن َكانْ ْ‬
‫لكن سعيه يف‬
‫والعملي إىل جناة األخالق ويقينية خلود النفس ويقينية وجود اهلل‪ّ ،‬‬ ‫ّـ‬ ‫النظري‬
‫ّ‬ ‫خالل التفكيك بني العقل‬
‫وعرض الّذين يقبلون هذه‬ ‫العملي ّ‬
‫ّـ‬ ‫النظري للعقلـ ّأدى إىل الشكية والنسبيّة وأيضاً إىل عدم اتقان مباين العقل‬
‫ّ‬ ‫البعد‬
‫املباين إىل مواجهة العديد من اإلشكاالت واملشكالت يف إثبات األخالق وتوابعها‪.‬‬

‫احلرة وخلود‬
‫ت اعترب أ ّن بعض "الواقعيّات" كوجود اهلل وإرادة اإلنسان ّ‬ ‫كما أشرنا يف املذكرة السابقة فإ ّن َكانْ ْ‬
‫النفس واليت تشبه أحكام الطبيعة وأهنا غري حمدودة بزمان أو مكان تنتج من "الواجبات" إاّل أنّه وحيث يعترب أ ّن‬
‫كل أحكام العقل العمليـ هو األخالق فإ ّن هذه الواجبات األخالقيّة ال تقبل االستنتاج باعتقاده ال من‬ ‫مرجع ّ‬
‫النظري‪ .‬وال من الواقعيّات غري الطبيعية‪ ،‬وعليه فإنّه يعتقد بأ ّن الواجبات مطلقاً ال‬
‫ّ‬ ‫الواقعيّات الطبيعية املرتبطة بالعقلـ‬
‫ميكن استنتاجها من الواقعيّات‪.‬‬

‫ت كان يسعى إىل ابتناء "األمر املطلق" على مفهومـ "احلرية" فإنّه أراد هبذا الطريق وباستنتاج‬
‫بالرغم من أ ّن َكانْ ْ‬
‫استعالئي أ ْن يشري إىل إمكانية كون األمر املطلق مبنزلة قضية تركيبية متقدمةـ ال إنّه أراد إثبات ذلك هبذا الطريق‪.‬‬
‫ّ‬
‫إ ّن َكانْت من ٍ‬
‫طرف ما يؤكد على كون األمر املطلق بديهياً ويقينياً وعلى عدم إمكان إثباته من خالل الواقعيّات‬ ‫ْ‬
‫اخلارجة عن الذهن‪ ،‬ومن طرف آخر يعترب مفهوم احلرية مبنزلة شرط مسبق الزم لألخالق‪،‬‬

‫‪192‬‬
‫ويصرح بأ ّن احلرية ال ميكن أ ْن تتأتّى أبداً من خالل الفهم والنظر (بنياد ما بعد الطبيعة أخالق‪ ،‬ترمجة محيد عنايت‬
‫وعلي قيصري‪ ،‬ص‪.)131 - 130‬‬

‫أي عقل‬ ‫ٍ‬


‫أي وقت من إدراكه بواسطة ّ‬
‫وأما كيف ميكن حتقق نفس هذا االفرتاض املسبق‪ ،‬فإنّه ال ميكن بتاتاً ويف ّ‬
‫بشري‪( ،‬نفس املصدر‪،‬ـ ص‪.)134‬‬
‫ّ‬

‫ت حىت لو كان شكل عمل الفاعل مطابقاً للوظيفة األخالقيّة إاّل أ ّن الفاعل ملا قام به بنية أخرى‬ ‫يف رأي َكانْ ْ‬
‫ّ‬
‫أي قيمة أخالقيّة‪ .‬ومثاالً على ذلك فإ ّن‬
‫كتحصيل املنفعة الشخصيّة أو اللذة أو الكمال احلاصل منه فلن يكون لعمله ّ‬
‫التاجر الّذي يكون أميناً ألجل منفعته الشخصيّة أو ذلك الّذي يعطف على اآلخرين جملرد ميله لفعل اخلري‪ ،‬لن يكون‬
‫أي قيمة واقعيّة أخالقيّة (راجع‪ :‬بنياد ما بعد الطبيعة أخالق‪ ،‬ترمجة محيد عنايت‪ ،‬وعلي قيصري‪ ،‬ص‪- 18‬‬ ‫لفعلهماـ ّ‬
‫ت على اعتبار شرط النية من خالل كلماته‪" :‬إ ّن الذكاء والذوق والتمييز‬ ‫‪.)21‬وميكن اقتباس دليل َكانْ ْ‬
‫واالستعدادات األخرى للذهن وبأي اس ٍم قرئت وعُرِّب عنها‪ ،‬وكذلك الشجاعة واهلمة واملساعدة بعنوان أهنا‬
‫خمتلفة حسنةٌ ومرضيةٌ‪ .‬لكن إذا مل تكن نية االستفادة من‬ ‫وترديد ومن جهات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شك‬
‫أي ّ‬‫أوصاف الطبع واخللق وبال ّ‬
‫هذه األمور وكذلك اخلصال الناجتة عنها حسنة‪ ،‬فإ ّن مواهب الطبيعة هذه ستكون قبيحة ومؤذية جداً" (نفس‬
‫املصدر‪،‬ـ ص‪.)12‬‬
‫وكذلك "فإ ّن االعتدال يف األحاسيس والعاطفةـ وضبط النفس والصرب‪ ...‬حسنة من عدة جهات‪ ...‬إاّل أهّن ا ال‬
‫أي نية‬ ‫تستحق أ ّن توصف باحلسن مطلقاً وبال أي قيد أو ٍ‬
‫ُريد االستفادة من هذه األصول بال ّ‬ ‫شرط‪ ،...‬ألنّه إذا أ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫بدم بارد ليس أخطر من اجملرم الغاضب فحسب بل إنّه‬ ‫حسنة فسوف تكون قبيحة جداً‪ .‬فاجملرم اهلادئ الّذي يقتل ٍ‬
‫ت متسك يف اشرتاط النية احلسنة حلسن‬ ‫يف نظرنا أدعى للتنفر واالمشئزاز" (نفس املصدر‪ ،‬ص‪ )13.‬والظاهر أ ّن َكانْ ْ‬
‫العريف فقط‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األفعال بالفهم‬

‫ت ارتباط قيمة العمل بنتائجه‪" :‬إ ّن مقاصد أعمالنا الّيت نأخذها باحلسبان أو آثارها ونتائجها الّيت تُعترب‬ ‫وقد أنكر َكانْ ْ‬
‫أي شرط) أو أخالقيّة لنفس تلك‬ ‫أي قيمة مطلقة (بال ّ‬ ‫مبنزلة الغايات واحملركة مليولنا وإرادتنا‪ ،‬ال ميكنها أ ْن هتب ّ‬
‫األعمال"(نفس املصدر‪،‬ـ ص‪.)23‬‬

‫أي عاقل بإرادته بعنوان أهّن ا آثار أعماله (أي الغايات املادية) نسبية صرف‪ ،‬أل ّن الرابطة‬
‫كل الغايات الّيت يقررها ّ‬
‫"إ ّن ّ‬
‫اخلاصة بكل إنسان هي األساس لقدرها وقيمتها وهلذا السبب ال ميكن أ ْن تكون‬ ‫والنسبة بينها وبني امليول واألماين ّ‬
‫مبثابة أصول عامة وكلية وضرورية لكل إنسان عاقل ولكل اإلرادات وبعبارة أخرى ال ميكن أ ّن تعطينا قواعد عامة‬
‫كلية‪ .‬ولذا كانت هذه الغايات النسبيّة فقط منشأً للزوميات‬

‫‪193‬‬
‫كل األفعال هو نية اخلري‪:‬‬
‫ت أ ّن منشأ قيمة ّ‬
‫االفرتاضية "أو الشرطية"‪( .‬نفس املصدر‪،‬ـ ص‪ )72‬وبناءً عليه اعترب َكانْ ْ‬
‫أي شيء إاّل مع وجود أصل النية" (نفس املصدر‪،‬ـ ص‪.)24‬ومضافاً إىل ذلك‬ ‫"إن هذه القيمة ال ميكن أ ْن تتضمن ّ‬
‫أي شيء يف هذا العامل ‪ -‬وحىت خارج هذا‬ ‫ت أ ّن قيمة نية اخلري ذاتية وغري مشروطة‪:‬ـ "ال ميكن استحضار ّ‬ ‫اعترب َكانْ ْ‬
‫أي قيد وشرط إاّل (النية أو) إرادة اخلري" (نفس املصدر‪ ،‬ص‪.)12‬‬‫العامل ‪ -‬إىل الذهن واعتباره حسناً بال ّ‬

‫ت عن ذلك بأ ّن "إرادة اخلري هي اإلرادة الّيت تؤثّر يف القيام‬ ‫لكن ما هي نية اخلري أو إرادة اخلري؟ جييب َكانْ ْ‬
‫ت‪ ،‬ص‪ ،53‬نقالً عن‪Immanuel Kant,:‬‬ ‫حممد رضائي‪ ،‬تبيني ونقد فلسفه أخالق َكانْ ْ‬ ‫بالتكليف" (حممد ّ‬
‫‪Ground Word of the Meta phisics of Morals, te.H.Jpaton, in The Moral‬‬
‫‪.)Law, p62‬‬

‫نتعرض لشرح‬ ‫والطبيعي إلقرار هذه املعادلة‪ ،‬حيث يقول‪" :‬واآلن سوف ّ‬ ‫ّ‬ ‫العريف‬
‫ّ‬ ‫ت هنا أيضاً بالفهم‬ ‫وقد متسك َكانْ ْ‬
‫أي مقايسية مع شيء آخر‪ .‬إ ّن‬
‫مفهوم اإلرادة (والنية) واليت جيب علينا أ ّن نقدرها لذاهتا‪ ،‬ألهنا حسنة بذاهتا وبال ّ‬
‫طبيعي وسامل وال حيتاج إاّل إىل ابرازه ال تعلّمه وحنن نفرتضه دائماً بشكل‬
‫ّ‬ ‫كل فهم‬‫هذا املفهوم مودع يف (ذات) ّ‬
‫متضمنة‬
‫لكل األعمال األخرى أيضاً‪ ،‬ولذا لو أخذنا مفهوم "الوظيفة" مثالً فإهّن ا ّ‬ ‫أي عمل وهو شرط ّ‬ ‫مسبق يف تقييم ّ‬
‫ت بنياد ما بعد الطبيعة أخالق‪ ،‬ترمجة محيد عنايت وعلي قيصري‪ ،‬ص‬ ‫ملفهوم إرادة اخلري يف نفسها" (اميانويل َكانْ ْ‬
‫ت استنتج أ ّن حسن األفعال مشروط باإلضافة إىل مطابقة الفعل للوظيفة األخالقيّة‬ ‫‪.)18‬وبناءً على ما تق ّدم فإ ّن َكانْ ْ‬
‫يؤدى ذلك الفعل بنية القيام بالوظيفة األخالقيّة‪.‬‬ ‫أ ّن ّ‬

‫ت ال خيلو من االشكال‪:‬‬
‫إال أ ّن هذا القسم من كالم َكانْ ْ‬

‫العريف ‪ -‬ومثاالً على ذلك فإ ّن العرف‬‫أوالً‪ :‬إ ّن اشرتاط القيمة األخالقيّة لألفعال بالنية مضافاً لكوهنا موافقة للفهمـ ّ‬
‫يفرق بني من ميتنع عن أكل طعام ما ألجل أ ْن يأكله غريه وبني من ميسك عنه ألجل االمتالء والشبع يف تقييم ٍ‬
‫عمل‬ ‫ّ‬
‫ت األخالقيّة‪،‬‬
‫كل منهما ‪ -‬فإنّه ميكن اثباهتا بالدليل العقليـ أيضاً‪ ،‬وهذا الشرط من النكات االجيابية يف نظرية َكانْ ْ‬ ‫ّ‬
‫كقيمة ذاتية‪ ،‬حيث إ ّن ضرورة كون نية اخلري خرياً كضرورة كون فعل‬ ‫ٍ‬ ‫إاّل أنّه من غري املعلوم وجه اعتبار نية اخلري‬
‫اخلري خرياً ضرورة شرط احملمول ويف نفسها‪ ،‬ال أهنا تتعنّي جلهة كوهنا خرياً أو لنوع النيّة أيضاً‪.‬‬

‫وهذا نظري قولنا إ ّن األمانة ذاتاً حسنة‪ ،‬والقول احلسن بذاته حسن والعمل بالوظيفة يف ذاته وظيفتنا‪.‬‬

‫وطبقاً ملا ذكرناه حول القيمة األخالقيّة يف الفصل الثالث فإ ّن الكمال االختياري لإلنسان وحده له‬

‫‪194‬‬
‫كل الصفات واألفعال االختيارية فغريية وتتعنّي بااللتفات إىل نتائجها‪.‬‬
‫قيمة ذاتية وأما قيمة ّ‬

‫االختياري ال‬
‫ّ‬ ‫االختياري هلا قيمة غريية أيضاً‪ ،‬وحيث إ ّن الفعل‬
‫ّ‬ ‫فالنية مبنزلة العلّة الغائية أو العلة الفاعلية للفاعل‬
‫يتح ّقق من دوهنا اعتُربت من عوامل تعيني درجة القيمة الغريية لذلك الفعل (سيأيت توضيح هذا املطلب يف الفصل‬
‫العاشر من هذا الكتاب)‪.‬‬

‫ت أنّه إمّن ا أنكر ارتباط قيمة الفعل بنتائجه ألنّه يظن أ ّن الرابطة بني األفعال ونتائجها‬
‫املتحصل من كالم َكانْ ْ‬
‫ّ‬ ‫ثانياً‪:‬‬
‫اخلاصة لكل إنسان ومن أجل ذلك فإهّن ا مشروطةـ ونسبية‪ ،‬ولذا لو أخذنا قواعد كلية من هذه الرابطة‬ ‫ترتبط بامليول ّ‬
‫عامة وضرورية‪.‬‬
‫فلن نستطيع الوصول يف األخالق إىل أصول ّ‬

‫كل الناس مشرتكون يف إرادهتم‬‫أي نسبية القواعد األخالقيّة ‪ -‬ترتفع بااللتفات إىل أ ّن ّ‬
‫إال أ ّن هذه الشبهة ‪ّ -‬‬
‫العام واملشرتك هو املبىن الستنباط األصول األخالقيّة‪.‬‬
‫وطلبهم لكمال أنفسهم وهذا املطلوب ّ‬

‫الطبيعي العتبار تطابق نية اخلري ونية القيام بالوظيفةـ األخالقيّة يف أفعال اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫ت بالفهم‬
‫متسك َكانْ ْ‬
‫ثالثاً‪ّ :‬‬
‫االختيارية‪ ،‬والذي يبدو لنا أ ّن الفهم الطبيعي خمالف لذلك‪.‬‬

‫والدليل على هذا األمر أ ّن الناس ورغم االختالف الطبيعي املتعدد بينهم من حيث العرق واللونـ واللغة إاّل أهنم‬
‫كل الناس ملتفتونـ إىل وجودهم وإمكان وصوهلم لكمال‬ ‫مشرتكون يف منشأ امليول واحلاجات والرغبات‪ .‬إ ّن ّ‬
‫أنفسهم وهم يسعونـ من أجل الوصول إىل هذا الكمال‪ .‬وهلذا فإ ّن القواعد األخالقيّة الّيت تشري إىل طريق وصول‬
‫وبغض النظر عن القيود املعينة للشرائط الواقعيّة من أجل حتصيل ذلك اهلدف ‪ -‬كلية‬‫ّ‬ ‫هؤالء إىل هدفهم املشرتك ‪-‬‬
‫وعامة‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى فإ ّن املقصود من هذه القواعد هو هداية السلوك والصفات االختيارية باجتاه هذا اهلدف‪ .‬وبناءً‬
‫أي أنّه مع افرتاض وجود التزاحم‬ ‫عليه وإلمكانية تطبيقها ال ب ّد أ ْن ال تتعارض فيما بينها وال مع الواقعيّات األخرى‪ّ ،‬‬
‫األخالقي عند حصوله وأيضاً تعيني درجات القيمة فيها لتعيني القيم البديلة‬
‫ّ‬ ‫فيما بينها ال ب ّد من تعيني التكليف‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬

‫وهلذا ال ب ّد من اثبات لزوم هذه القواعد األخالقيّة وحنو العمومـ فيها ومالءمتها بعضها مع بعض ومع بقية الواقعيّات‬
‫األخرى يف هذا العامل‪ .‬ومضافاً إىل هذا فإ ّن القول ببداهة "األمر املطلق" غري ٍ‬
‫مقبول‪.‬‬

‫إ ّن هذا اإلشكال شبيه باإلشكال الوارد على نظرية املعرفة من حيث انسجام املعارف يف صدق املعرفة والذي‬
‫يقول‪ :‬مع أ ّن الالزم كون املعارف الصادقة منسجمة ومتالئمة بعضها مع بعض إاّل أ ّن ذلك ال يكفي لصدقها‬
‫ومطابقتها مع الواقع‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫ت عند تقريره "األمر املطلق" بأ ّن اإلنسانية غاية يف نفسها ومستقلّةـ وهلا قيمة مطل َقة‪ ،‬وبأ ّن‬
‫وامللفت للنظر اعتقاد َكانْ ْ‬
‫قيمة أفعال اإلنسان مشروطةـ بعدم تنافرها مع شخصية اإلنسان بل هي مشروطة مبالءمتها معها ومع تق ّدم اإلنسان‬
‫وتطوره‪( .‬راجع‪ :‬اميانويل كانت‪ ،‬بنياد ما بعد الطبيعة أخالق‪ ،‬ترمجة محيد عنايت‪ ،‬وعلي قيصري‪ ،‬ص‪.)77 - 72‬‬

‫إال أنّه يعتقد بأ ّن كون اإلنسان أو ذاته العاقلة غاية يتفاوت مع الغايات األخرى من جهة أ ّن هذه الغاية ليست أمراً‬
‫مستقل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال ب ّد من حتقق فعليته بل هي موجودة بشكل‬

‫وأيضاً فإ ّن املراد من اعتباره غاية هو أالّ ينظر إىل اإلنسان على أنّه وسيلة (راجع‪ ،‬نفس املصدر‪،‬ـ ص‪.)89‬‬

‫ولكنه وباالستفادة من نفس هذا التقرير عن "األمر املطلق"‪ ،‬وإلثبات أ ّن التسامح يف تنمية االستعدادات خمالف‬
‫مؤهالت للوصول إىل الكمال‪ ،‬ترتبط بالغاية املأخوذة يف نظر الطبيعة‬‫لوظيفتنا يقول بصراحة‪" :‬ميتلك اآلدميون ّ‬
‫بالنسبة لإلنسانية (املوجودة) عندنا بعنوان الفرد‪ ،‬وإ ّن التقصري يف (تنمية) هذه املؤهالت رمبا يتطابق مع النظر إىل‬
‫اإلنسانية بعنوان أهنا غاية مستقلة‪ ،‬إال أهّن ا ال تنسجم مع تطور هذه الغاية"‪( .‬نفس املصدر‪،‬ـ ص‪ )77 - 76‬وبناءً‬
‫ت وألجل ترجيح إرادة تنمية االستعدادات واملؤهالت ‪ -‬واليت يعتربها إرادة طبيعية عند اإلنسان‬ ‫على هذا كأ ّن َكانْ ْ‬
‫تطوره‪ ،‬متسك ‪ -‬غافالً ‪ -‬باإلنسانية على أهنا غاية طبيعية عند‬‫ألنّه موجود عاقل ‪ -‬على "كمال اإلنسان" أو ّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فإ ّن هذا الكالم يبطل مبانيه القائلة بعدم ارتباط األحكام األخالقيّة بالواقعيّات األخرى‪ ،‬وعدم‬ ‫اإلنسان‪.‬‬
‫ارتباط قيم األفعال بنتائجها وأهدافها‪.‬‬
‫ت للوظيفة األخالقيّة هو إمكان إرادة تعميمها‪.‬‬
‫بل إ ّن الشرط الوحيد يف رأي َكانْ ْ‬

‫وهنا نسأل‪ :‬هل باإلمكان وجود إرادة التعميم للقواعد األخالقيّة املتزامحة بعضها مع بعض؟ وهل من املمكن أ ّن‬
‫نطلب تعميم قاعدتني أخالقيّتني إاّل أنّه مع التعميم لن ميكن العمل هبما معاً يف بعض املوارد؟ والظاهر أ ّن العديد من‬
‫ت ‪ -‬كالوفاء بالعهدـ واألمانة ‪ -‬ليس هلا هذه اخلصائص بل وبناءً على‬ ‫الوظائف األخالقيّة الّيت استشهد هبا َكانْ ْ‬
‫املطلق ال ميكن اعتبارها أساساً وظائف أخالقيّة‪.‬‬
‫األمر َ‬

‫وأيضاً ال ب ّد من االلتفات إىل هذه املالحظة وهي أ ّن بعض القوانني الطبيعية قد تقبل االستثناء أحياناً ويف بعض‬
‫أي أ ّن هلا قيوداً وشرائط واقعيّة يف ضمن‬
‫اخلاصة فقط‪ ،‬إاّل أ ّن هذه القوانني بالنسبة ملوضوعاهتا الواقعيّة ‪ّ -‬‬
‫املوارد ّ‬
‫موضوعاهتا ‪ -‬كلية ال تقبل االستثناء‪ ،‬فمثالً عندما نقول إ ّن "املاء يغلي عند درجة ‪ 100‬مئوية إاّل إذا كان املاء غري‬
‫خالص أو كان ضغط اهلواء أقل من واحد امتسفر" فإ ّن هذا‬

‫‪196‬‬
‫معناه أ ّن املاء اخلالص ضمن ضغط اهلواء البالغ واحد امتسفر يغلي دائماً على درجة ‪ 100‬سانيتغراد مئوية‪.‬‬

‫يُطلق الشهود على األسلوب الّذي يقع يف طياته أمر قابل للشهود‪ ،‬وأيضاً على نفس املورد الّذي يقع الشهود عليه‪.‬‬
‫النظري‪ ،‬وطبقاً الصطالح آخر‬
‫ّ‬ ‫البديهي يف مقابل العلم‬
‫ّ‬ ‫واملراد من العلم الشهودي باصطالح الشهوديني هو العلم‬
‫احلضوري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فإ ّن الشهود يطلق على العلم‬

‫الشهودية ترتبط باألشياء الّيت ميكن دركها بالشهود‪ ،‬كاحلسن والوظيفة‪ ،‬والشهود أنواع متفاوتة كلية وانتزاعية أو‬
‫األخالقي هو احلسن والقبح‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عينية وجزئية ويعترب جورج إداورد مور ‪ -‬فيلسوف بريطاين ‪ -‬أ ّن مورد الشهود‬

‫وأما هارولدـ آرثور بريتشارد (‪ 1871( )Harold Arthur prichard‬ـ ‪1947‬م) وجوزيف باتلر(‬
‫‪ 1692( )Joseph Butler‬ـ ‪1752‬م) ‪ -‬فيلسوف يف األخالق والدين ‪ -‬فذهبا إىل أ ّن مورده الوظيفة‬
‫واإللزامات األخالقيّة‪.‬‬

‫وذهب ويليام دايفيد روس (‪ 1877( )Willam David Ross‬ـ ‪1971‬م) ‪ -‬فيلسوف أخالق بريطاينّ ‪-‬‬
‫إىل أ ّن مورده الوظائف األخالقيّة بالنظرة األولية ( ‪ )prima Facie Duty‬يف مقابل الوظائف األخالقيّة يف‬
‫مقام العمل‪.‬‬

‫واعترب الربيطاين ريتشارد برايس (‪ 1723( )Richard price‬ـ ‪1791‬م) وهنري سيجيفيك (‪Henry‬‬
‫‪ 1838 ( )Sidgwick‬ـ ‪1900‬م) أ ّن موارد الشهود كلية وانتزاعية‪ .‬وأما بريتشارد وباتلر فذهبا إىل أهنا جزئية‬
‫وعينية‪.‬‬

‫وعادة فإ ّن الّذين يعتربون الشهود عقلياً ‪ -‬أمثال برايس ومورـ ‪ -‬يعتقدون بأ ّن موارد الشهود كلية وانتزاعية‪ ،‬وأما‬
‫احلسي أمثال بريتشارد وتوماس رايد (‪Thomas‬‬ ‫ّ‬ ‫األخالقي ويشبه االدراك‬
‫ّ‬ ‫احلس‬
‫الّذين يعتربونه نوعاً من ّ‬
‫‪ 1710( )Ried‬ـ ‪1796‬م) فإهّن م يعتقدونـ بكوهنا جزئية وعينية‪.‬‬

‫‪In Edward Craig, ed. Routledge "Intuitionism in Ethics", See: Robert L.‬‬
‫)‪.Fraizer,(Encyclopedia of philosophy v o l.4, p.853 - 856‬‬

‫وأيضاً ملزيد من التفصيل حول الشهودية وخصوصاً نظرية "مور" األخالقيّة واالنتقادات الواردة عليها راجع‪ ،‬ج‪.‬‬
‫وارنوك‪ ،‬فلسفةـ أخالق در قرن حاضر‪ ،‬ترمجة صادق الرجياين‪ ،‬ص‪ ,23 - 6‬مرى وارنوك‪ ،‬فلسفة أخالق در قرن‬
‫بيستم‪ ،‬ترمجة أبو القاسم فنائي‪ ،‬ص‪.101 - 45‬‬

‫األكثر اعتداالً من بني الشهوديني هو روس (‪ )Ross‬حيث إنّه ومع اعتقاده بكون املفاهيم‬

‫‪197‬‬
‫بديهي فقط يف بعض املوارد‪ ،‬وأيضاً‬
‫ّ‬ ‫األخالقيّة بديهية وشهودية فإنّه يعتقد‪ ،‬أوالً‪ :‬بأ ّن تشخيص الوظيفة األخالقيّة‬
‫قبل تزاحم الوظائف بعضها مع بعض وبالنظرة األولية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬مع أنّه يعتقد بأ ّن املفاهيم األخالقيّة غري قابلة للتعريف (راجع‪ :‬مرى وارنوك‪ ،‬فلسفةـ أخالق در قرن بيستم‪،‬‬
‫ترمجة أبو القاسم فنائي‪ ،‬ص‪ )97‬فإ ّن الظاهر أنّه ال يقطع بعدم قابليتها للتعريف (راجع‪ :‬نفس املصدر‪،‬ـ ص‬
‫‪.)100‬ومن طرف آخر فإنّه مع تفكيك بداهة هذه املفاهيم وعدم قابليتها للتعريف عن علة ثبوهتا‪ ،‬يرى باالمكان‬
‫التحقيق حول املسألة الثانية‪( .‬راجع‪ ،‬ج وارنوك‪ ،‬فلسفةـ أخالق در قرن حاضر‪ ،‬ترمجة صادق الرجياين‪ ،‬ص‪ 16‬و‬
‫‪.)17‬‬

‫كل‬
‫نتلمس الطريق لفهم صدق أو كذب ّ‬
‫ال ب ّد من االلتفات إىل أنّنا يف فلسفة األخالق وبعد القبول بالواقعيّة ّ‬
‫األحكام األخالقيّة‪.‬‬

‫"اللمي"‪.‬‬
‫أخالقي بديهياً فإ ّن الطريق الوحيد الثبات جمموع األحكام األخالقيّة هو الربهان ّ‬
‫ّ‬ ‫أي حكم‬
‫وإذا مل يكن ّ‬
‫وبناءً عليه فإ ّن مسألة إثبات األحكام األخالقيّة هي مسألة كشف علة حسن األفعال والصفات احلسنة‪ ،‬وعلة قبح‬
‫اخلاصة‪ .‬وعليه إذا‬
‫األفعال والصفات القبيحة‪ ،‬وعلة لزوم القيام باألفعال أو تركها‪ ،‬ووجود أو عدم وجود الصفات ّ‬
‫مل نستطع إدراك علة ثبوت املفاهيم األخالقيّة ملوضوعاهتا فلن ندرك علة ثبوت األحكام األخالقيّة أيضاً وبالتايل‬
‫ستكون هذه األحكام غري قابلة لالثبات‪.‬‬

‫وكأن الشهوديني ظنوا بأ ّن ما ميكن أ ّن يكون واسطة يف الثبوت جملموع األحكام األخالقيّة هو ذاتيات احملموالت‬
‫فقط (مقومات املفاهيم األخالقيّة)‪ .‬ومع اعتقادهم بعدم قابلية تعريف املفاهيم األخالقيّة (بالذاتيات) أنكروا إمكان‬
‫كشف علة ثبوت هذه املفاهيم للموضوعات األخالقيّة وبالتايل اعتقدوا بأ ّن األحكام األخالقيّة غري قابلة لإلثبات‪.‬‬

‫أخالقي عام بديهي نظري "مساعدة اآلخرين حسنة" فمن املمكن استنتاج مصاديقه منه كقولنا‬
‫ّ‬ ‫إذا كان لدينا حكم‬
‫"االنفاق حسن" أو قولنا "إ ّن مساعدتك اليوم جلارك عمل حسن"‪.‬‬

‫ولكن من الواضح أنّنا حنتاج يف هذا النوع من االستنتاج إىل القضايا األخالقيّة أيضاً‪ .‬وقد ع ّدد "مور" (‪)Moore‬‬
‫بعض القواعد األخالقيّة العامة البديهية يف كتابه مباين األخالق‪.‬‬

‫كل حال‪،‬‬
‫وتردد بالنسبة المكان حصول االطمئنان مباهية وظيفتنا على ّ‬
‫تنبه "مور" نفسه إىل صعوبة هذا العمل‪ّ ،‬‬
‫كل شخص مبتابعة التوافقات احلاكمة يف جمتمعه‪( .‬راجع‪ :‬ج‪ ،‬وارنوك‪ ،‬فلسفةـ‬
‫حىت أنّه أوصى ‪ -‬يف أغلب املوارد ‪ّ -‬‬
‫أخالق در قرن حاضر‪ ،‬ترمجة صادق الرجياين‪ ،‬ص‪ ،11‬نقالً عن‪G.E. Moore,principia Ethica,( :‬‬
‫‪.)p162‬‬

‫‪198‬‬
‫قابل لشهود آخر (راجع‪ :‬مرى‪ ،‬وارنوك‪ ،‬فلسفةـ أخالق‬
‫األخالقي مال إىل أ ّن الوظيفة وصف ٌ‬
‫ّ‬ ‫إال أ ّن مور يف كتابه‬
‫در قرن بيستم‪ ،‬ترمجة أبو القاسم فنائي‪ ،‬ص‪.)84 - 83‬‬

‫ميكن تقرير هذا اإلشكال بنحو أكمل بالبيان التايل‪:‬‬

‫ال ب ّد من االلتفات إىل أ ّن جمرد كون األحكام األخالقيّة غري قابلة لإلثبات ال يع ّد دليالً كافياً لبديهية صدقها‪ ،‬وهلذا‬
‫السبب توسل الشهوديون إلثبات صدق األحكام األخالقيّة بكون بعضها على األقل شهودي وبديهي‪.‬‬

‫الذهين إذا مل‬ ‫(إذا كان املفهومـ (= التصور)ـ غري ٍ‬


‫قابل للتعريفـ فالالزم أ ْن يكون بديهياً‪ ،‬وهذا صحيح أل ّن املفهوم‬
‫ّ‬
‫ميكن حصوله من املفاهيم األخرى فسيحصل بشكل مباشر‪ ،‬ولكن إذا كانت القضية بكاملها غري قابلة لإلثبات‬
‫تصور هلذه القضية يف الذهن إاّل أهنا غري قابلة للتصديق ال بشكل‬
‫بديهي لزوماً ألنّه من املمكن وجود ّ‬
‫ّ‬ ‫فصدقها غري‬
‫بديهي) وال بشكل غري مباشر (عن طريق تصديقات أخرى)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مباشر (أي بشكل‬

‫لكن ال ب ّد أ ّن نسأل الشهوديني عن مرادهم من كون بعض األحكام األخالقيّة على األقل شهودية وبديهية‪ ،‬هل‬
‫ألي تصديق آخر‬‫مرادهم بداهتها املعرفية أم بداهتها النفسية‪،‬؟ فباللحاظ املعريف فإ ّن القضية البديهية ال حتتاج منطقياً ّ‬
‫من أجل فهم صدقها‪ ،‬واصطالحاً فإهّن ا موجهة بنفسها وأما باللحاظ النفسي فإ ّن القضية البديهية هي الّيت ندركها‬
‫لنفسها بشكل واضح وال نطالب بالدليل عادة يف موردها‪.‬‬

‫وعليه إذا كان مراد الشهوديني بالبداهة البداهة املعرفية فال ب ّد أ ْن يوضحوا لنا كيفية كون األحكام األخالقيّة‬
‫موجهةبنفسها‪ ،‬واحلال أهّن م مل يقوموا بذلك‪ ،‬وأما إذا كان مرادهم منها البداهة النفسية هلذه األحكام فمضافاً إىل‬
‫أي دليل حينها على صدق هذه األحكام‪.‬‬ ‫صعوبة إثبات ذلك لن يكون لدينا ّ‬

‫اختلف استدالل الشهوديني يف كيفية كون األحكام األخالقيّة غري قابلة لالثبات‪ ،‬فذهب بعضهم إلثبات ذلك إىل‬
‫أي فعل حسناً فال يستدلونـ على أ ّن‬
‫العريف فقط‪ ،‬ومثاالً على ذلك إ ّن الناس عندما يعتقدون بكون ّ‬ ‫االكتفاء بالفهمـ ّ‬
‫هذا الفعل موجب للسعادة أو اللذة أو الكمال أو‪ ...‬اخل إذ إ ّن احلُسن ليس مبعىن الواهب للسعادة أو اللذة أو‬
‫الكمال‪...‬‬

‫إال أ ّن هذا الدليل غري صحيح ألنّه من املمكن أ ْن ال يكون للناس ويف أكثر معارفهم دليل عليها أو تعليل هلا وإمنا‬
‫قبل هبا أكثر الناس ألهنا مشهورةـ عندهم وفيما بينهم‪.‬‬
‫َ‬

‫وقد أتى "مور" بالربهان املعروف بالسؤال املفتوح ( ‪ )open question‬لالستدالل على عدم قابلية تعريف‬
‫مفهوم "احلسن"‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫وخالصة هذا الدليل ما يلي‪:‬‬

‫الوصف "الف"‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وصف آخر نظري "أ" مثالً فحينها ميكن القول إ ّن ما ميتلكه‬ ‫إذا أمكن تعريف "احلسن" بناءً على‬
‫حسن‪.‬‬
‫ٌ‬

‫داع‪.‬‬
‫املؤدى والسؤال عنها سيكون لغواً وبال ٍ‬
‫ومن طرف آخر نعلم بأ ّن التعاريف هلا نفس ّ‬

‫ولغو‪.‬‬
‫داع ٌ‬‫مثالً إذا أمكن تعريف "ب" بـ "ج" فإ ّن السؤال عن كون "ب" هل هي "ج" بال ٍ‬

‫كل "أ" إذا سئل عن حسن الوصف املوجود يف "أ" فسيكون السؤال يف مورده وذا معىن‪ ،‬مثالً إذا‬ ‫وأما ما بإزاء ّ‬
‫افرتضنا أ ّن "أ" هي السعادة أو اللذة فيمكن السؤال عن ُحسن الشيء املتضمن للسعادةـ أو اللذة‪.‬‬

‫أي "أ" ميكن أ ْن تع ّد تعريفاً "للحسن" وبناءً عليه فإ ّن "احلسن" غري ٍ‬


‫قابل للتعريف‪.‬‬ ‫فلن توجد ّ‬
‫ولذا ْ‬

‫وهنا توجد عدة مالحظات على برهان مور "السؤال املفتوح"‪:‬‬

‫‪ - 1‬إذا أمكن تعريف "ب" بـ"ج" فالسؤال عن كون "ب" هي "ج" ممن ال يعرف هذا التعريف يف حمله‪ ،‬مثالً‬
‫السؤال عن كون اإلنسان هل هو احليوان الناطق يف حمله عند من ال يعرف تعريف اإلنسان بأنّه حيوان ناطق‪.‬‬

‫كل "أ"‪.‬‬
‫عما هو بإزاء ّ‬
‫‪ - 2‬من غري املعلوم كيفية اثبات "مور" هلذه القاعدة الكلية الّيت تقول إ ّن السؤال يف حمله ّ‬

‫حيث إ ّن ذكر بعض املصاديق كالسعادة واللذة ال يكفي الستنتاج هذه القاعدة الكلية‪.‬‬

‫‪ - 3‬من املمكن القبول بأ ّن لدينا دركاً بسيطاً عن مفهومـ "احلسن" إاّل أ ّن ذلك ال يع ّد دليالً على عدم قدرتنا على‬
‫تفصيله إىل أجزاء مفهومية وتعريفه‪ ،‬مثالً إ ّن وجع الضرس حالة يدركها املبتلى هبا بدرك بسيط‪ ،‬ولكنه بامكانه أ ْن‬
‫يفصلها إىل أجزاء مفهومة ويقول يف تعريفها هي وجع تشعر به يف الضرس‪.‬‬

‫ومن الواضح أيضاً أ ّن ال يتوقع من التعريف االدراك احلضوري للمعر ِ‬


‫ف‪.‬ـ‬ ‫َُ‬

‫‪ - 4‬صحيح أ ّن نفس مفهومـ احلسن بسيط ‪ -‬وليس ادراكه ‪ -‬ال يقبل التعريف بالذاتيات‪ ،‬إاّل أ ّن تعريف املفهوم ال‬
‫أي أنّه من املمكن أ ْن يقال إ ّن "احلسن" حقيقة بسيطة ال ميكن تعريفه‬
‫ينحصر هبا بل ميكن تعريفه باللوازم أيضاً‪ّ ،‬‬
‫باحلد ولكن ميكن تعريفه بالرسم والذي هو من لوازمه‪.‬‬

‫فلسفي وليس مفهوماًـ ماهوياً فباالمكان تعريفه عن طريق تعريف‬


‫ّـ‬ ‫ومع االلتفات أيضاً إىل أ ّن مفهوم "احلسن" مفهوم‬
‫منشأ انتزاع ذلك املفهوم‪.‬ـ وبعبارة أخرى ميكن تعريف "احلسن" بذكر الشرائط الالزمة‬

‫‪200‬‬
‫يف الشيء احلسن لنتمكن حينها من انتزاع مفهوم "احلسن" منها‪.‬‬

‫‪ - 5‬من املمكن القبول بكون املفاهيم األخالقيّة بديهية إاّل أ ّن أمثال هذه املفاهيم‪" :‬احلسن‪ ،‬الصواب والوظيفة" ‪-‬‬
‫معان متع ّددة وقد استُعملتـ يف األخالق مبعىن خاص خيتلف‬‫وكما ذ ّكر بذلك العديد من فالسفة األخالق ‪ -‬هلا ٍ‬
‫عن بقية املعاين‪.‬‬

‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫وعليه إذا كان ملفهوم ما معان متع ّددة‪ ،‬فإ ّن بداهة أحدها أو كلها ال يغنينا عن توضيح مرادنا ومقصودنا يف ّ‬
‫مورد من موارد استعماهلا‪ .‬ولذا ال ب ّد لفيلسوفـ األخالق أ ْن يعنّي املعىن املستعمل يف األخالق من بني معاين مفهوم‬
‫نوع من احلسن هو حسن األخالق؟‬ ‫أي ٍ‬ ‫"احلسن" حىت ولو كان ذلك املعىن بديهياً‪ ،‬والسؤال هنا‪ّ :‬‬

‫دليل‬
‫استدل به مور على بداهة األحكام األخالقيّة وعلى فرض متاميته ٌ‬
‫ّ‬ ‫‪ - 6‬الظاهر أ ّن برهان السؤال املفتوح الّذي‬
‫أي أنّه دليل على عدم بداهتها‪.‬‬
‫على عكس ما ّادعاه مور ّ‬

‫حسن‪ ،‬فإ ّن حكم "الف‬


‫عما بإزاء "أ"‪ :‬هل أ ّن الشيء املتضمن لوصف "الف" ٌ‬ ‫ألنّه إذا كان يف حمله أ ْن نسأل ّ‬
‫كل "أ" ليس بديهياً‪ ،‬ألنّه إذا كان السؤال عن التعاريف يف غري حملّه فالسؤال أيضاً عن األحكام‬
‫حسن" بإزاء ّ‬
‫أخالقي مشتمل على "احلسن" ليس‬
‫ّ‬ ‫أي حك ٍم‬
‫البديهية يف غري حملّه ولذا وبنفس هذا الربهان والدليل نستنتج أ ّن ّ‬
‫بديهياً‪.‬‬

‫حلل النزاع‪.‬‬
‫حمل النزاع وليس ّ‬
‫وبعبارة أخرى فإ ّن معرفة مفهوم "احلسن" إمنا هو لتعيني ّ‬

‫ففي فلسفةـ األخالق نريد أ ّن نعرف ما هي علة حسن األشياء احلسنة‪ .‬وكما هو معروف فإ ّن علّة ثبوت احملمول‬
‫للموضوع ال ينحصر يف ذاتيات احملمول‪.‬‬

‫توضيح بل ال‬
‫ٍ‬ ‫أي‬
‫أي أنّنا لفهم معىن هذا املفهومـ ال حنتاج إىل ّ‬ ‫لنفرض أ ّن مفهومـ "احلسن" بديهي وغري ٍ‬
‫قابل للتعريف ّ‬ ‫ّ‬
‫أي توضيح ممكن له‪ .‬إاّل أ ّن السؤال الباقي دائماً هو حول ماهية منشأ احلسن‪.‬‬
‫يوجد ّ‬

‫أي أ ّن هناك تفاوتاً بني بداهة املفهوم وعدم قابليته للتعريف وبني‬
‫وقد تنبه روس (‪ )Ross‬إىل هذا االشكال جيداً ّ‬
‫علّة ثبوته ملوضوعه‪.‬‬

‫ومع أنّه قائل بالشهودية وبداهة املفاهيم األخالقيّة وعدم قابليتها للتعريف إاّل أنّه يقول بإمكان التحقيق حول علّة‬
‫ينف ذلك‪.‬‬‫األحكام األخالقيّة ومل ِ‬

‫إ ّن مثال تعريف "الزوج" إلثبات حكم الزوجية لألعداد ‪ 1256 ،34 ،2‬يشري إىل إمكان االستفادة من تعريف‬
‫احملمول ألجل كشف علة احلكم‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫وكذلك فإ ّن مثال االستفادة من الواقعيّات األخرى لكشف علة اصفرار بعض األجسام يشري أيضاً إىل أ ّن كشف‬
‫علة احلكم غري منوط بتعريف حمموله دائماً‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن عدم قابلية تعريف املفاهيم األخالقيّة ال يُنتج عدم قابلية‬
‫إثبات األحكام األخالقيّة‪.‬‬

‫ومن املمكن أ ْن نقول إ ّن علة كون بعض األفعال حسنة كوهنا موصلة إىل الكمال وأهنا مطلوبة لنا تبعاً ملطلوبية‬
‫أي أنّه ورغم عدم قبولنا بكون "احلسن" مبعىن املطلوب فإنّه من املمكن أ ْن نقبل بكون‬
‫الكمال املطلوب بذاته لنا‪ّ ،‬‬
‫مطلوبية األفعال احلسنة علة حسن هذه األفعال‪.‬‬

‫من احملتوم به أ ّن إبطال دليل املدعى ال يثبت نقيضه‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن جمرد إبطال أدلة الواقعيّة غري القابلة لإلثبات ال‬
‫يوجب استنتاج صحة الواقعيّة القابلة لالثبات‪ ،‬إاّل أنّه ملا كانت هذه األخرية تشري إىل أسلوب إثبات األحكام‬
‫األخالقيّة فال حاجة بعد ذلك إىل اثبات إمكان ثبوت هذه األحكام‪.‬‬

‫وحنن نعتقد هنا أيضاً بالواقعيّة القابلة لإلثبات‪ .‬ومع اشارهتا إىل أسلوب إثبات األحكام األخالقيّة ال حاجة أيضاً‬
‫إلثبات إمكاهنا يف ح ّد ذاهتا وهلذا فقد أشرنا يف هذا الفصل فقط إىل أدلة الواقعيّة غري القابلة لإلثبات وقمنا بتحليلها‬
‫وبينّا عدم متاميتها‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬الواقعية القابلة لإلثبات‬

‫كل األشياء ال لذاهتا بل لشيء آخر باستثناء السعادة ألهنا الغاية النهائية"‪.1‬‬
‫"حنن نطلب ّ‬

‫تعرفنا يف الفصلني السابقني إىل الواقعيّة والواقعيّة غري القابلة لإلثبات وقمنا بتحليلهما‪ .‬وسوف نقوم يف هذا الفصل‬
‫أي أنّه مضافاً إىل قوهلا بالواقعيّة فإهّن ا تقول بإمكان إثبات‬
‫بشرح وحتليل املذاهب القائلة بالواقعيّة القابلة لإلثبات‪ّ ،‬‬
‫األحكام األخالقيّة‪.‬‬

‫واملهم يف هذه النظرية هو بيان أسلوب إثبات هذه األحكام‪ .‬ولذا كان من الواجب على هذه املذاهب تقدمي مالك‬ ‫ّ‬
‫أي ال ب ّد هلم من تعيني الواقعيّة الّيت هي منشأ القيم واللزوميات األخالقيّة وعلى أساسها تعنّي‬
‫واقعي يف هذا اجملال‪ّ .‬‬
‫القيم الغريية والبديلة للصفات واألفعال االختيارية ولزوم هذه الصفات واألفعال‪ ،‬وهبذا األسلوب تثبت األحكام‬
‫األخالقيّة‪.‬‬

‫كل الناس تطلب السعادة‬


‫إ ّن هذه املذاهب األخالقيّة متفقة عموماً على قيمة "السعادة" الذاتية وهلذا السبب فإ ّن ّ‬
‫وتسعى لتحصيلها ألهنا بذاهتا مطلوبة هلم مجيعاً‪.‬‬

‫‪ -1‬أرسطو‪ ،‬اخالق نيكوماخوس بالفارسية‪،‬ـ ‪.1176‬‬

‫‪203‬‬
‫إال أ ّن اخلالف بني هذه املذاهب هو غالباً يف اختالف الرأي على ماهية السعادة وكيفية احلياة السعيدة‪.‬‬

‫أهم‬
‫التارخيي‪ ،‬وسوف نشري إىل ّ‬
‫ّ‬ ‫بغض النظر عن ترتيبها‬
‫أهم هذه املذاهب ّ‬
‫نتعرف يف هذا الفصل إىل ّ‬
‫وسوف ّ‬
‫بكل واحد منها‪.‬‬
‫اخلاصة ّ‬
‫مشاكلها ّ‬

‫وحيث إننا افرتضنا البحث بشكل نظري حبت‪ ،‬فسوف نغض النظر أيضاً عن النتائج املرتتبة على االلتزام بكل ٍ‬
‫واحد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من هذه املذاهب عملياً‪ ،‬وأيضاً عن حتديد األكثر مالءمة من بينها مع فهم عموم الناس للقواعد األخالقيّة‪.‬‬
‫األخالقي املقبول يف نظرنا وبنحو‬
‫ّ‬ ‫إ ّن هدفنا الكلي واألساس من طرح هذه املذاهب وحتليلها هو اختيار املذهب‬
‫نبتعد فيه بعد معرفة نقاط قوة وضعف هذه املذاهب عن الوقوع يف األخطاء واالشتباهات‪.‬‬

‫‪ - 1‬مذهب اللذة‪ 2‬الشخصيّة [‪]1‬‬

‫اللذة مطلوبة عند اجلميع وأما العذاب واألمل فغري مطلوبَني عند أحد‪.‬‬

‫أحد املذاهب الّيت تقول بوجود واقعيّة معينة كمنشئ للقيمـ واللزوميات األخالقيّة وعلى أساسها أثبتت األحكام‬
‫األخالقي له قيمة ذاتية‬
‫ّ‬ ‫األخالقيّة املقبولة عندها هو مذهب اللذة الشخصيّة‪ ،‬والذي يقول إ ّن التذاذ فاعل العمل‬
‫األخالقي الثبات‬
‫ّ‬ ‫وبعبارة أخرى فإ ّن السعادة هي متتّع الفرد بأكرب مقدا ٍر من اللذة‪ ،‬واستدل أتباع هذا املذهب‬
‫القيمة الذاتية للذة بالبيان التايل‪:‬‬

‫فرد يرى أ ّن سعادته ولذته مطلوبة‬‫إ ّن اإلنسان بطبعه مييل إىل طلبـ اللذة واالبتعاد عن القهر واآلالم حيث إ ّن كل ٍ‬
‫ّ‬
‫كل فرد ال يرغب يف حصول القهر واألمل له‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن القيمة الذاتية للّذة ومنشأ‬
‫له‪ ،‬ويف املقابل فإ ّن ّ‬
‫األخالقي له قيمة غريية مثبتة وال ب ّد‬
‫ّ‬ ‫مطلوبيتها هو نفس الفرد‪ ،‬ونتيجة ذلك فإ ّن الفعل املوجب للذة الفاعل للعملـ‬
‫من القيام به وحتققه‪ ،‬وأما الفعل املوجب لقهره وتأمله فله قيمة غريية منفية وال ينبغي القيام به‪.‬‬

‫‪.Hedonism -2‬‬

‫‪204‬‬
‫وأما يف صورة تزاحم فعلني عنده حبيث ال ميكن اجلمع بينهما فإ ّن الفعل املوجب ألكرب قدر من اللذة عنده (يف‬
‫صورة تزاحم الفعلني املوجبني للذة) أو الفعل املوجب ألقل قدر من القهر (يف صورة تزاحم الفعلني املوجبني للقهر)‬
‫ستكون له القيمة البديلة ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬

‫‪ .1 - 1‬فهمان حول اللذة الشخصيّة‬

‫اغتنم الفرص وإال حاسب نفسك بتع ّقل‪.‬‬

‫أحد هذين الفهمني بسيط جداً [‪ ]2‬حيث يعترب اللذة الشخصيّة هي اللذة احلاضرة‪ .‬وبناءً على هذا الفهم فإ ّن من‬
‫يريد أ ّن يرى ويعلم قيمة ٍ‬
‫عمل ما ال ب ّد أ ّن يرى أ ّن هذا العمل فعالً هل هو موجب للذته أم حلزنه وأمله؟ وأما اللذة‬
‫أي تأثري يف قيمة ولزوم ذلك العمل أخالقيّاً‪.‬‬
‫واألمل املستتبعان هلذا الفعل مستقبالً فليس هلما ّ‬
‫ولكن إذا قبلنا بأ ّن اإلنسان بطبعه مييل إىل طلبـ اللذة فال وجه ٍ‬
‫حينئذ الختصاص اللذة باللذة احلاضرة‪ ،‬أل ّن اللذة‬
‫إذا كانت مطلوبة لذاهتا فإ ّن القدر األكرب منها مطلوب سواء كانت اللذة حاضرة أم حاصلة مستقبالً إذ كم من‬
‫قليل من األمل‪ ،‬وكم من لذة قليلة حاضرة وزائلة يعقبها أمل وحزن كبريان‬ ‫لذة طويلة وكبرية حتصل بعد حتمل ٍ‬
‫ودائمان‪ .‬كذلك فإ ّن اإلنسان لتمتعه خبصيصة العقل والتعقل بامكانه أ ّن يفكر يف لذاته وآالمه املستقبلية وبالتايل أ ّن‬
‫خيتار من جمموعها أكثرها اجياباً للذته وسعادته‪ .‬ومثاالً على ذلك‪ :‬فإ ّن الكثريين يأكلون األطعمة اللذيذة مع‬
‫استتباعها ألمل املرض والعذاب‪ ،‬وأيضاً ويف موارد كثرية حيصل التزاحم عندهم بني اللذائذ املختلفة مع عدم امكاهنم‬
‫للجمع بينها‪ ،‬مثالً فإ ّن بعضهم قد يتزاحم عنده تأمني لذة بدنه وراحته مع تأمني لذة طلب العلم واملعرفة وهلذا‬
‫عمل‪ ،‬يقوم مبحاسبة اللذة‬‫السبب فإ ّن أغلب [‪ ]3‬أتباع نظرية اللذة الشخصيّة‪ ،‬وألجل تعيني القيمة الغريية ألي ٍ‬
‫واألمل احلاصل منه‪ ،‬وألجل تعيني القيمة البديلة يف مورده‪ ،‬فإنّه مضافاً إىل ذلك يقوم باملقايسة بينها ويوجب تعيني‬
‫اللذة األعلى من بينها‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫وادعى هؤالء امكان تقييم‬
‫وقد ق ّدم هؤالء بعض املعايري حملاسبة مقدار اللذة أو األمل احلاصل من األفعال املختلفة‪ّ .‬‬
‫األعمال املختلفة بواسطة هذا األسلوب‪.‬‬

‫كل فرد ينبغي له القيام باألعمال الّيت ستزيد ومن حيث اجملموع‬
‫ومن بني هذه املعايري الفعل احلسن‪ ،‬حيث إ ّن ّ‬
‫األخالقي‪ ،‬أو أهنا على األقل ومن حيث اجملموع أيضاً ستقلل‬
‫ّ‬ ‫وبالنظر إىل عواقبها الفعلية واملستقبلية من لذة الفاعل‬
‫من آالمه [‪ ،]4‬وبالتايل فإ ّن العمل املستتبع للذة األكرب ستكون له قيمة أكرب من غريه‪.‬‬

‫ومع أ ْن بعض اتباع نظرية اللذة يؤكد على القيمة الذاتية للذة إاّل أهنم ال يعتقدونـ بتساوي اللذائذ من حيث القيمة‬
‫بل يعتربون اللذائذ الروحانية [‪ ]5‬كسكون النفس وهدوء البال أعلى وأفضل من اللذائذ اجلسمانية والشهوانية‪.‬‬

‫‪ .1 - 2‬التحليل‬

‫‪ - 1‬يؤكد أنصار هذه النظرية على أ ّن اللذة مطلوب طبيعي لإلنسان وأ ّن هلا قيمة طبيعية وهلذا السبب فإ ّن هلا قيمة‬
‫ذاتية‪ ،‬وميكن بيان استدالهلم بالنحو التايل‪:‬‬

‫‪ -‬اللذة هلا قيمة طبيعية‪.‬‬

‫كل ما له قيمة طبيعية له قيمة ذاتية‪.‬‬


‫‪ّ -‬‬

‫‪ -‬اللذة هلا قيمة ذاتية‬

‫ومرادهم من القيمة الطبيعية تلك القيمة الّيت تقتضيها طبيعة اإلنسان‪ ،‬وبعبارة أخرى فإهّن م يعتقدون بأ ّن طبيعة‬
‫أي وض ٍع عند اإلنسان ال تكون اللذة فيه مرغوباً فيها ومطلوبة‬‫اإلنسان جمبولة على طلبـ اللذة وبالتايل ال يوجد ّ‬
‫ولذا فإ ّن هلا قيمة طبيعية‪.‬‬

‫نعم إن مفهومـ عامة الناس عن اللذة ينصرف إىل اللذائذ اجلسمانية أو الدنيويّة وذلك بسبب ابتالئهم يف الغالب‬
‫األعم واألوسع من ذلك فالظاهر من كالم أنصار مذهب‬ ‫باألمور املادية والدنيويّة‪ ،‬وأما إذا ما أخذنا اللذة باملعىن ّ‬
‫أي شيء آخر ومن‬‫اللذة حول القيمة الطبيعية للذة أنّه ميكن قبوله هبذه الصورة‪ ،‬وهي أ ّن اللذة وبصرف النظر عن ّ‬
‫دون مقايستها بالعواقب األخرى تُع ّد إحدى األمور املطلوبة طبيعياً عند‬

‫‪206‬‬
‫اإلنسان ولذا فإ ّن قيمتها طبيعية‪ .‬ومن مثّ فإ ّن االلتفات إىل القيم الطبيعية له أمهيّته جلهة أ ّن القيم الذاتية األخالقيّة ال‬
‫ينبغي أ ّن تتناىف معها بالكلّية‪.‬‬

‫إال أ ّن املق ّدمةـ الثانية لالستدالل املتق ّدم غري صحيحة‪ ،‬ألنّه من املمكن أ ّن يكون لشيء ما قيمة طبيعية ومع هذا‬
‫وحيث إ ّن مطلوبيته ترتبط مبطلوبية شيء آخر لن تكون قيمته ذاتية‪.‬‬

‫كل األمور االختيارية ومن مجلتها اللذة ترتبط مبطلوبية الكمال‬


‫وسوف نشري يف الفصل الالحق إىل أ ّن مطلوبية ّ‬
‫االختياري [‪.]6‬‬
‫ّ‬

‫حاصل الكالم أ ّن اللذة وإن كانت ذات قيمة طبيعية إاّل أ ّن قيمتها ليست ذاتية‪.‬‬

‫وعليه فإ ّن أنصار اللذة ومن دون إثبات عدم ارتباط مطلوبية اللذة مبطلوبية شيء آخر استنتجوا قيمة اللذة الذاتية‬
‫من القيمة الطبيعية‪ ،‬وهذا من باب املغالطة ‪ -‬وقد تكررت املغالطات عند بقية املذاهب األخرى أيضاً وسوف نشري‬
‫إليها يف هذا الفصل ‪ -‬وسوف نسميها‪" :‬مغالطة القيمة الطبيعية والذاتية"‪.‬‬

‫وبناءً على ما تق ّدم فإ ّن استدالل هؤالء إلثبات القيمة الذاتية للذة غري صحيح‪.‬‬

‫‪ - 2‬كما ذكرنا سابقاً فإ ّن مذهب اللذة الشخصيّة املعتدل ق ّدم بعض املعايري حملاسبة ومقايسة لذائذ األعمال‬
‫نتعرض لنفس هذه املعايري هنا لكن ال ب ّد من القول‬ ‫وآالمها‪ .‬ورغم وجود بعض االشكاالت عليها [‪ ،]7‬إاّل أنّنا لن ّ‬
‫إنّه ومع افرتاض متاميتها وصحتها تبقى هذه االشكاالت موجودة‪ .‬وسوف نذكر ها هنا معياراً واحداً فقط هو‬
‫معيار الش ّدة وامل ّدة لنرى امكانية حماسبة ومقايسة اللذة واألمل بناءً على هذه املعايري‪.‬‬

‫اختياري من حماسبة وقياس جمموع مقدار اللذة أو األمل احلاصل‬


‫ّ‬ ‫كل فعل‬
‫وكما تق ّدم ذكره ال ب ّد لتعيني قيمة ولزوم ّ‬
‫منه‪ .‬ولتعيني القيمة البديلة ال ب ّد من مقايسة األفعال املتزامحة من جهة جمموع اللذة األكرب املتولد عنها أو جمموع‬
‫األقل يف هذه األفعال املختلفة‪.‬‬
‫لكن السؤال املطروح هو كيفية تعيني جمموع اللذة األكرب أو األمل ّ‬ ‫األقل‪ّ .‬‬
‫األمل ّ‬

‫‪207‬‬
‫ومن املمكن أ ّن يكون جواب هذا السؤال بسيطاً فيقال إ ّن اللذة والتأمل أمران داخليان ندرك مقدارمها يف ذات‬
‫أنفسنا وبالتايل فإنّه بناءً على هذا االحساس الداخلي ميكن حماسبة مقادير اللذة والتأمل املختلفة ملختلف األفعال‬
‫ومقايستها بعضها ببعض‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى ومع األخذ مبدة وشدة اللذة أو األمل فما يكون موجباً للذة يكون حسناً وما يكون موجباً لألمل‬
‫يكون قبيحاً‪.‬‬

‫وكذلك فإ ّن املوجب لألمل يكون األحسن واملوجب للتأمل األكرب يكون األقبح‪.‬‬

‫كل فرد عنهما يف‬ ‫ٍ‬ ‫لكن مع ٍ‬


‫قليل من التأمل فإ ّن هذا اجلواب غري كاف حملاسبة ومقايسة اللذة والتأمل أل ّن ما يدركه ّ‬
‫ذاته حمدود بتجاربه الشخصيّة فقط‪.‬‬

‫ولنفرتض مع ٍ‬
‫قليل من التسامح أيضاً إضافة جتارب اآلخرين إىل جتاربنا الشخصيّة وقلنا حينها إ ّن ما يوجب التذاذ‬
‫الناس يكون حسناً وما يوجب تأملهم يكون قبيحاً واستندنا يف حماسبتها وقياسها أيضاً إىل جتارب هؤالء الناس‪ .‬إاّل‬
‫ألي فعل ال ب ّد من حماسبة متام لذاته وآالمه‬
‫ضروري وهو أنّنا حىت يف تعيني القيمة الغريية ّ‬
‫ّ‬ ‫أ ّن التنبه إىل هذه املالحظة‬
‫الناجتة عنه وبالتايل ال ميكن اعتبار ذلك الفعل حسناً إاّل إذا كان من حيث اجملموع موجباً للذة مع أنّه ال يوجد‬
‫لدينا أي دليل على قيام ولو ٍ‬
‫إنسان واحد بإمتام جتربة اللذة واألمل ألحد أفعاله حىت هنايتها‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ستستمر‬
‫ّ‬ ‫وإذا قلنا بوجود احلياة اخلالدة بعد املوت فإ ّن هذه التجارب الناقصة عن اللذة واألمل احلاصلني من األفعال‬
‫يف ذلك الزمان أيضاً‪ .‬بل رمبا تكون اللذائذ واآلالم هناك أكرب مما حتملناه واكتسبناه ها هنا‪.‬‬

‫وبناءً عليه ال ب ّد هلذا املذهب من أجل حماسبة القيم األخالقيّة لألفعال وتعيني الوظائف األخالقيّة بناءً على مقدار‬
‫اللذة أو األمل من سلوك أسلوب آخر غري أسلوب التجربة الشخصيّة أو النوعية لتشخيص متام اللذائذ واآلالم‬
‫احلاصلة عن األفعال[‪.]8‬‬

‫وحنن أيضاً ال ب ّد لنا ‪ -‬مضافاً إىل تعيني ٍ‬


‫مالك لتقييم األفعال ‪ -‬أ ْن نعنّي أساليب تشخيص هذه القيم أيضاً‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫‪ - 3‬وكما ذكرنا سابقاً فإ ّن بعض اتباع مذهب اللذة ومع أهنم يؤ ّكدون على القيمة الذاتية للذة فإهّن م يعتربون‬
‫بعض اللذائذ أكثر قيمة من بعضها اآلخر‪.‬‬

‫ومثاالً على ذلك فإهّن م ذكروا أ ّن اللذائذ الروحانية أكثر قيمة من اللذائذ اجلسمانية‪.‬‬

‫وحنن أيضاً نوافقهم يف هذا القول ونعتقد بأ ّن القيم األخالقيّة متفاوتة بني خمتلف اللذائذ‪ .‬لكن ال ب ّد لنا أ ّن منتلك‬
‫معياراً آخر لتحديد نوع اللذة األكثر قيمة‪.‬‬

‫إ ّن القبول باختالف أنواع اللذائذ من حيث القيمة معناه وجود معيا ٍر آخر يرتبط به تقييم اللذائذ‪ ،‬وإ ّن جمرد كون‬
‫األفعال لذيذة ال يعنّي قيمتها‪ ،‬ونتيجة الكالم هو أ ّن اللذة ليس هلا قيمة ذاتية‪.‬‬

‫‪ - 2‬مذهب الزهد وترك الدنيا‬

‫طلب اللذة سيبقيك مضطرباً دائماً‪ .‬اترك الدنيا لتبقى مرتاح البال‪.‬‬

‫كما رأينا وتقدم معنا فإ ّن أتباع مذهب اللذة مع ذهاهبم إىل معادلة السعادة مع اللذة قالوا إ ّن اللذائذ ذات قيمة بال‬
‫أي ٍ‬
‫كيف أو ملاذا‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ورغم أهنم بالفهمـ البسيط هلا قد ذهبوا إىل حتديدها وحصرها باللذة احلاضرة إاّل أ ّن أكثر القائلني باللذةـ وبعد تعديل‬
‫هذه النظرية قاموا بتفكيك أنواع اللذائذ بعضها عن بعض وأكدوا على حماسبة اللذائذ الطويلة األمد وبعضهمـ‬
‫مضافاً إىل عدم انكاره اللذائذ اجلسمية الدنيويّة قال بأفضلية اللذائذ الروحانية ‪ -‬كسكون النفس وهدوء البال ‪-‬‬
‫على اجلسمانية منها‪.‬‬

‫إال أ ّن بعض املذاهب األخالقيّة [‪ ]9‬وبعد تأصيل هذه األصول‪ :‬سكون النفس‪ ،‬هدوء البال‪ ،‬والتخلص من‬
‫االضطراب (االطمئنان) اعتقدت بأ ّن حتصيل اللذائذ الدنيويّة واملادية مانع من الوصول إىل هذه األصول‪ ،‬وبعبارة‬
‫أخرى إ ّن الساعي وراء رغباته ولذائذه اجلسمانية لن يكون مرتاحاً وهادئ البال أبداً‪.‬‬

‫وبناءً عليه اعتربت هذه املذاهب "طلب الدنيا" ضد القيمة‪ ،‬وذهبت إىل وجوب‬

‫‪209‬‬
‫االجتناب قدر االمكان عن لذائذها‪ ،‬وذهب هؤالء رغم اختالفهم يف الرؤية الكونية إىل التوصية عموماً بعدم‬
‫االهتمام بالدنيا واالبتعاد عنها‪ ،‬ودعوا الناس إىل حمبة اآلخرين والتعاطف معهم والعفو والتسامح‪.‬‬

‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫اخلاصة بكل واحد منهم ‪ -‬أسسوا مذهبهم‬
‫ولذا فإ ّن أتباع هذا املذهب ‪ -‬وبااللتفات إىل الرؤية الكونية ّ‬
‫على ركيزتني‪:‬‬

‫أوالمها‪ :‬اعتبارهم القيمة الذاتية وسعادة اإلنسان إمنا هي يف سكون النفس واالطمئنان‪.‬‬

‫وثانيهما‪ :‬إ ّن طلب الدنيا والتمتع باللذائذ الدنيويّة مانعة من الوصول إىل هذا اهلدف‪.‬‬

‫وبالتايل اعتربوا أ ّن ترك الدنيا والزهد فيها من األمور القيمة جداً‪.‬‬

‫‪ .2 - 1‬التحليل‬

‫ولكن بقية األمور األخرى مطلوبة له أيضاً واليت من‬


‫من املقطوع به أ ّن اإلنسان يسعى لسكونـ النفس وراحة البال ّ‬
‫مجلتها التمتّع باللذائذ املادية والدنيويّة‪.‬‬

‫طرف ما كون سكون النفس والتخلص من‬ ‫وكما تقدم معنا فإ ّن الرؤية الكونية عند هذا املذهب توجب من ٍ‬
‫ٍ‬
‫مطلوب ممك ٍن لإلنسان‪.‬‬ ‫االضطراب مها احملصالن للسعادة الواقعيّة وأهنما أعلى وأكمل‬

‫ومن طرف آخر فإهّن ا تعترب اللذائذ الدنيويّة عامة مانعة من الوصول إىل هذا اهلدف وبناءً عليه فإ ّن اللذائذ الدنيويّة هلا‬
‫قيمة منفية‪.‬‬

‫سنغض النظر عنها‬


‫ّ‬ ‫وحيث إ ّن هذا املختصر ال جمال فيه لذكر الرؤى الكونية املختلفة ألصحاب هذا املذهب وأتباعه‬
‫واقعي‬
‫ونكتفي باالشارة إىل نكتة هامة يف هذا املقام‪ ،‬ومفادها أ ّن القبول بالواقعيّة القابلة لإلثبات معناه القبول مبنشأ ّ‬
‫كل أمور اإلنسان االختيارية ونتيجة ذلك أ ّن السعي من أجلها يعترب قيّماً‪ ،‬وحيث إ ّن هذا السعي يستلزم‬‫ملطلوبية ّ‬
‫احلياة يف هذه الدنيا وامتالك الوسائل الالزمة لالنطالق حنو السعادة‬

‫‪210‬‬
‫أخالقي يقبل بالواقعيّة القابلة لإلثبات أ ْن يقبل ولو هبذا احل ّد بقيمة الدنيا والتمتع بإمكاناهتا‬
‫ّ‬ ‫لذا ال ب ّد لكل مذهب‬
‫ووسائلها‪ ،‬أل ّن االهتمام حباجات اجلسم الطبيعية‪ ،‬والسعي إلدامة البقاء واحلياة والصحة والسالمة واكتساب‬
‫بالتضاد‬
‫ّ‬ ‫الوسائل الالزمة يف هذه احلياة تعترب من الشرائط العامة لتأمني السعادة الواقعيّة‪ .‬وبناءً عليه ال ميكن القبول‬
‫امل ّدعى بني اللذائذ الدنيويّة وبني سكون النفس والسعادة بشكل كلّ ّي‪.‬‬

‫الواقعي للسعادةـ‬
‫ّ‬ ‫نعم من غري املمكن تعيني ميزان قيمة الدنيا واألفعال االختيارية املرتبطة هبا إاّل بعد تعيني املصداق‬
‫فقط‪.‬‬

‫‪ - 3‬مذهب القوة‬

‫هل أ ّن احلياة الّيت يعلّل فيها اإلنسان ضعفه وعجزه وخنوعه أمام ظلم اآلخرين له حبجة راحة البال والفرار من‬
‫املشاكل واآلالم هي احلياة املرحية واملطلوبة؟‬

‫رد ٍ‬
‫فعل على مذهب ترك الدنيا الّذي يدعو الناس وبشكل إفراطي‬ ‫إ ّن مذهب القوة الّذي تبنّاه نيتشه‪ ]10[ 3‬يُعترب َّ‬
‫إىل التسليم يف مقابل احلوادث الواقعة وإىل حمبة اآلخرين والتعاطف والتسامح والتساهل معهم‪.‬‬

‫ويعترب هذا املذهب أ ّن للقوةـ قيمة ذاتية‪ ،‬ولذا فإ ّن نيتشه يعتقد بأ ّن أفراد اإلنسان مبختلف أنواعهم وأعراقهم حاهلم‬
‫طبيعي من أجل البقاء واحلياة والسيطرة فيها‪ .‬ويقول إ ّن الغلبة واالنتصار‬ ‫ّ‬ ‫حال احليوانات يتنازعون فيما بينهم بشكل‬
‫يف هذا النزاع حباجة إىل القوة ولذا فإ ّن أساس احلياة يتمحور حول طلب حتصيل القوة وامتالكها‪ .‬وبالتايل فإ ّن‬
‫طلب احلياة والبقاء فيها وإبراز الغلبة والتسلّط حباجة إىل هذه القدرة ولذا فهي قيمة بذاهتا بل إ ّن نيتشه قد اعترب أ ّن‬
‫كل فعل يوجب ازدياد‬ ‫قيمة الفرد هي مبقدار قوته‪ ،‬ومن الطبيعي عندما نقول بالقيمة الذاتية للقدرةـ والقوة أ ّن جنيز ّ‬
‫قوة الفرد بل اعتبارها حسنة والزمة حىت ولو ّأدت إىل عذاب اآلخرين وتأملهم وأحياناً إىل قتلهم وإبادهتم‪.‬‬

‫‪Friedrich Nietzche )1900 – 1844( -3‬‬

‫‪211‬‬
‫كل فعل يوجب ضعف هذه القوة قبيح ومرفوض وجيب االجتناب عنه حىت ولو تناىف مع الفضائل‬ ‫وكذلك فإ ّن ّ‬
‫األخالقيّة املتعارفة كالتسامح والتعاطف مع اآلخرين وإعانة احملتاجني‪.‬‬

‫جتاهلت حقوق‬
‫َ‬ ‫قبل نيتشه هبذه اللوازم كلها بل وأكد عليها‪ ،‬وإذا ما أُشكل عليه بأنك يف هذه الصورة قد‬ ‫وقد َ‬
‫طبيعي من حيث االمكانات واالستعداد‬‫ّ‬ ‫اآلخرين فسوف جييبك قائالً إ ّن أفراد اإلنسان ملا كانوا خمتلفني بشكل‬
‫واملؤهالت فهم أساساً ال يتمتعون حبقوق متساوية لتكون رعاية هذه احلقوق أمراً واجباً والزماً [‪.]11‬‬

‫‪ .3 - 1‬التحليل‬

‫‪ - 1‬لو افرتضنا القبول بكون القوة قيمة والزمة من أجل البقاء واحلياة والنفوذ فيها فلن تكون قيمتها قيمة ذاتية‬
‫أل ّن قيمتها ومطلوبيتها ترتبط بشيء آخر وهو قيمة احلياة الدنيا نفسها ولذا كان على نيتشه يف هذا املقام إثبات‬
‫القيمة الذاتية للحياة الدنيا ومن مثّ اإلشارة إىل القيمة الغريية للقوة‪.‬‬

‫‪ - 2‬لو فرضنا القبول بقيمة احلياة الدنيا‪ ،‬فإ ّن إثبات قيمة القوة يف نظرية القوة عند نيتشه يُبتىن على القبول بكون‬
‫التنازع مع اآلخرين والغلبة عليهم هو الطريق الوحيد من أجل البقاء واحلياة والنفوذ فيها‪ ،‬وهذا املبىن بنفسه أيضاً‬
‫يُبتىن على افرتاض مسبق بوجود التنايف دائماً بني حياة الناس ومنافعهم على اختالف أنواعهم وأعراقهم‪ ،‬إاّل أ ّن‬
‫نيتشه مل يُثبت هذا الفرض املسبق‪.‬‬

‫‪ - 3‬إ ّن نيتشه ملتفتـ إىل أ ّن قبولنا بنظريته ورأيه يف كون القوة ذات قيمة ذاتية‪ ،‬يستلزم قبولنا بكون األقوياء‬
‫جمازون يف قمع اآلخرين الضعفاء بل وإبادهتم‪.‬‬

‫ونتيجة هذا القول هي أ ّن املِلَل واألقوام واألفراد غري متساوين يف احلقوق بل إ ّن هؤالء األقوياء واملتسلطني هلم‬
‫أفضلية يف احلقوق المتالكهم القوة واالمكانات‪.‬‬

‫الطبيعي من حيث االمكانات‬


‫ّ‬ ‫قبل نيتشه بعدم تساوي الناس يف احلقوق وعلّل ذلك باختالفهم‬
‫وهلذا السبب َ‬
‫واملؤهالت وعدم تساويهم فيها‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫حق‬
‫إ ّن هذا الكالم يُبتىن على افرتاض مسبق مفاده أ ّن وجود هذه االمكانات واملؤهالت والتمتّع هبا يستلزم ّ‬
‫االستفادة منها مع أنّه مل يُثبت ذلك أيضاً‪ .‬ومضافاً إىل ذلك فمن املمكن أ ْن تقيَّد وحتدَّد حقوق الناس من حيث‬
‫خيول اإلنسان القيام‬
‫االستفادة من إمكاناهتم ومؤهالهتم‪ .‬وبعبارة أخرى فإ ّن نيتشته مل يوضح الدليل والسبب الّذي ّ‬
‫بأي عمل ميكنه القيام به‪.‬‬
‫ّ‬

‫وبناءً على ما قلناه فإ ّن استدالل نيتشه إلثبات القيمة الذاتية للقوة ال ميكن القبول به‪ ،‬نعم بشكل كلّي ميكن ع ّد‬
‫كل إنسان ال يرتضي الضعف والعجز له وال يكره أ ّن يكون قوياً‬ ‫كل الناس أل ّن ّ‬‫القوة أحد األمور املطلوبة عند ّ‬
‫وقادراً‪ .‬إاّل أنّه ال ميكن استنتاج القيمة الذاتية للقوة من هذه القيمة الطبيعية‪ ،‬ألنّه من املمكن أ ْن يكون منشأ‬
‫كمال يعود إىل نفس اإلنسان‪.‬‬
‫مطلوبيتها ٌ‬

‫‪ - 4‬مذهب االنسجام العقالين‬

‫اتّفقت آراء أشهر فالسفة اليونان أمثال‪ :‬سقراط‪ ،‬أفالطون‪ ،‬وأرسطو [‪ ]12‬على األصول التالية واليت بنوا عليها‬
‫مذاهبهم األخالقيّة‪:‬‬

‫‪ - 1‬القيمة الذاتية لألخالق من حيث موافقتها مع طبيعة اإلنسان‪.‬‬

‫‪ - 2‬طبيعة اإلنسان مر ّكبة من جزأين‪ :‬الروح والبدن‪.‬‬

‫‪ - 3‬امليزة األساسية لروح اإلنسان هي التع ّقل‪.‬‬

‫وقد استنتج هؤالء أ ّن السعادة احلقيقيّة وما له القيمة الذاتية هو التوفيق واالنسجام بني الروح والبدن على أساس‬
‫العقل‪.‬‬

‫واعتقد هؤالء بأ ّن اجياد اإلنسان لالنسجام العقالينّ بني أجزاء وجوده املختلفة سيم ّكنه من اكتساب خصائص‬
‫تتالءم مع طبيعته وقد أمسوها بالفضيلة‪ ،‬وذكروا يف أحباثهم األخالقيّة الفضائل وطرق حتصيلها‪.‬‬

‫مشخصةـ لنيل هذه الفصائل األخالقيّة‬


‫عقلي وقاعدة ّ‬ ‫ٍ‬
‫وقد سعى أرسطو لتقدمي حكم ّ‬

‫‪213‬‬
‫وإلجياد االنسجام بني روح اإلنسان وبدنه‪ُ ،‬عرفت باسم "القاعدة الوسطى الذهبية"‪.4‬‬

‫َّي االفراط والتفريط‪ .‬ولذا فقد اعتقد أرسطو‬


‫وبناءً على هذه القاعدة فإ ّن الفضيلة دائماً هي احل ّد األوسط بني حد ْ‬
‫كل واحد منها‬
‫بامكانية حتقيق االنسجام بني أجزاء اإلنسان املختلفة على أساس الع ّقل وبتأمني حاجات ومتطلبات ّ‬
‫مع رعاية االعتدال واالبتعاد عن االفراط والتفريط‪.‬‬

‫حد وسط فيها بل كلما كانت هذه الفضيلةـ‬


‫وأيضاً فإ ّن هذه الفضائل الناشئة عن رعاية احل ّد األوسط ال حتتاج إىل ٍّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل أكرب أيضاً‪.‬‬ ‫أكرب كانت مطلوبة‬

‫‪ .4 - 1‬نقد وحتليل‬

‫األخالقي قد التفتوا واهتموا بأجزاء اإلنسان وأبعاده الوجودية واعتربوا اخلصيصة‬


‫ّ‬ ‫‪ - 1‬إ ّن أصحاب هذا املذهب‬
‫األصلية لإلنسان هي مالك االنسجام بني أجزائه‪ .‬والظاهر أ ّن اهتمامهم ببحث األبعاد الوجودية لإلنسان سببه‬
‫ليتم على أساسها تعيني الفضائل والرذائل اإلنسانية‪.‬‬
‫اعتقادهم بوجوب الفهم الصحيح حلقيقة هذا اإلنسان ّ‬

‫نتعرف قبل ذلك إىل‬


‫وبشكل كلّي ميكن التأكيد على هذه النكتة وهي أنّه ال ب ّد من أجل تعيني القيم األخالقيّة أ ّن ّ‬
‫حقيقة وجود اإلنسان ولذا ال ب ّد لنا من أجل تعيني هذه القيم األخالقيّة أ ْن نستعني مبعرفة اإلنسان الفلسفية‪.‬ـ‬

‫األخالقي‪ ،‬إاّل أ ّن املشكل األساس يبقى يف كيفية اجياد مثل هذا‬


‫ّ‬ ‫‪ - 2‬بناءً على إمكانية القبول مبباين هذا املذهب‬
‫االنسجام بني أبعاد اإلنسان الوجودية‪ .‬إ ّن القاعدة الذهبية ألرسطو قد تكون مفيدة يف الكثري من املوارد‪ ،‬إاّل أنّه‬
‫كل أمور اإلنسان مضافاً إىل أ ّن أرسطو نفسه مل يثبت هذه القاعدة‬
‫ليس من السهل تعيني احلد األوسط يف ّ‬
‫قطعي‪.‬‬
‫باستدالل ّ‬
‫‪.Golden Mean Rule -4‬‬

‫‪214‬‬
‫‪ - 5‬مذهب العاطفة‬

‫أي شيء آخر‪ ،‬هو إنسان أناينّ وليس‬


‫يرجح لذته وقوته وراحة نفسه أو االنسجام العقلي لوجوده على ّ‬ ‫إ ّن من ّ‬
‫إنساناً أخالقيّاً‪ ،‬إذ ينبغي له أ ْن يفكر باآلخرين أيضاً‪.‬‬

‫تعريف‪:‬‬

‫بفعل ما من أجل مصلحته الشخصية‪ .‬والغريية‪(6‬اإليثار) تعين القيام ٍ‬


‫بأفعال من أجل‬ ‫األنانيّة ‪5‬معناها قيام اإلنسان ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫منفعة الغري وخريهم‪.‬‬

‫اعتقد البعض بأ ّن املذاهب الّيت قمنا إىل اآلن بدراستها وحتليلها تستلزم األنانية وهلذا السبب كانت مرفوضة عندهم‪،‬‬
‫ويف املقابل قالوا إ ّن الغريية قيمة‪ ،‬وإ ّن القيمة األخالقيّة لألفعال والسلوكيات إمنا تنشأ من خالل سعينا من أجل‬
‫مصلحة اآلخرين‪.‬‬

‫واعتقد هؤالء بأ ّن مالك القيمة يف األخالق هو العاطفة والغريية (االيثار)‪ .‬ولذا فإ ّن األعمال الّيت تؤتى بسبب‬
‫العواطف ودافع الغريية ‪ -‬نظري االيثار والكرم والرمحة والتعاطف مع البؤساء‪ ،‬واألخذ بيد العاجزين‪ ،‬ومساعدة‬
‫األخالقي‪ ،‬ويف مقابل ذلك فإ ّن األعمال الّيت يؤتى هبا بدافع األنانية ‪ -‬نظري الشهوة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫احملتاجني ‪ -‬قيّمة باللحاظ‬
‫احلسد‪ ،‬طلبـ العافية‪ ،‬البخل وعدم الرمحة ‪ -‬وسواء كانت ضد مصلحة اآلخرين أم ال فإهّن ا ض ّد القيَم أو بال قيمة‪.‬‬

‫العاطفي أو مذهب العاطفة وبناءً عليه وبشكل خمتصر فإ ّن العاطفيني ومع‬


‫ّ‬ ‫األخالقي باملذهب‬
‫ّ‬ ‫وقد أمسينا هذا املذهب‬
‫رجحوا العاطفة واليت هي مظهر الغريية على غريها واعتربوها املالك‬
‫قبوهلم بأ ّن األنانية تتناىف كلياً مع الغريية‪ّ ،‬‬
‫األخالقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫للتقييم‬

‫‪ Egoism -5‬األنانية أو الذاتية‪.‬‬


‫‪ Altruism -6‬الغريية أو االيثار‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫‪7‬‬
‫نتعرض لذكر األدلة املستفادة من كلماهتم على قيمة الغريية ولزوم ترجيحها‬
‫وحذراً من التطويل لن ّ‬

‫‪ .5 - 1‬التحليل‬

‫‪ - 1‬يُعترب هذا املذهب من مجلة املذاهب املعدودة‪ ،8‬الّيت تؤ ّكد وبشكل صحيح على تأثري النية يف قيمة الفعل‪.‬‬

‫فالعاطفيونـ يف تقييم األفعال يلتفتون ‪ -‬وقبل النظر إىل مقدار اخلري العائد منها إىل الغري ‪ -‬إىل نية الفاعل والدافع له‬
‫وبغض‬
‫ّ‬ ‫للقيام هبا‪ ،‬ولذا اعتربوا نية الغريية منشأ القيمة األخالقيّة لتلك األفعال‪ ،‬إاّل أ ّن الظاهر أ ّن األفعال املختلفة ‪-‬‬
‫أي‬
‫النظر عن نية فاعلها ‪ -‬هلا نتائجها املطلوبة أو غري املطلوبة واليت تؤثّر يف تقييمها أخالقيّاً ومل يق ّدم هذا املذهب ّ‬
‫أسلوب حملاسبة قيم األفعال بناءً على النتائج احلاصلة منها‪.‬‬

‫األخالقي للفعل إمنا ميكن بعد تعيني منشأ القيمة األخالقيّة‪ .‬ولذا جيب‬
‫ّ‬ ‫إ ّن ميزان تأثري النية ونوع الفعل يف التقييم‬
‫كل من نيّة الفاعل ونوع الفعل يف القيمة الغريية له‪.‬‬
‫علينا حنن أيضاً بعد أ ّن نعنّي القيمة الذاتية أ ْن نعنّي تأثري ٍّ‬

‫‪ - 2‬على فرض القبول بوجود املنافاة بني األنانية والغريية‪ ،‬والقبول برتجيح الثانية أيضاً‪ ،‬فإ ّن اتّباع العواطف‬
‫كل الصفات واألفعال االختيارية‬ ‫سيكون فقط مالكاً لتقييم األفعال املرتبطة بالغري‪ ،‬إاّل أ ّن األخالق تشمل أيضاً ّ‬
‫العاطفي مل يقدم لنا معياراً مناسباً لتقييم ولزوم هذه الطائفة من األفعال‬
‫ّـ‬ ‫عند اإلنسان‪ ،‬ومع هذا فإ ّن املذهب‬
‫االختيارية الفردية أو الناظرة إىل سلوك اإلنسان مع اهلل تعاىل أو مع الطبيعة‪.‬‬

‫وعليه فإ ّن "العاطفة" ال ميكنها أ ّن تكون معياراً كافياً لتعيني القيمة األخالقيّة‪.‬‬

‫‪ .5 - 2‬األنانية والغريية‬

‫إ ّن أصل وجود هذين األمرين عند اإلنسان مما ال ميكن انكاره إاّل أ ّن هناك ثالث‬

‫‪ -7‬لالطالع إمجاالً على أدلة العاطفيني يف ترجيح الغريية‪،‬ـ واإلشكاالت عليها راجع‪ :‬املذكرة احلادية عشرة من هذا الفصل‪.‬‬
‫ت حول تأثري النية يف تقسيم األفعال الوارد يف الفصل السابع من هذا الكتاب‪.‬‬ ‫‪ -8‬الحظ رأي َكانْ ْ‬

‫‪216‬‬
‫مسائل ميكن حبثها يف مسأليت األنانية والغريية‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬على فرض اضطرارنا إىل االختيار بني األنانية والغريية فهل باالمكان ترجيح الغريية؟ وبعبارة أخرى هل‬
‫باالمكان أ ْن يُؤثِر اإلنسان وباختياره مصلحة اآلخرين على مصلحته؟‬
‫الثانية‪ :‬هل أ ّن الغريية تتناىف كلياً مع األنانية حبيث ال ميكن اجلمع بينهما بتاتاً‪ ،‬أم أنّه باالمكان وقوع التزاحم بينهما‬
‫يف بعض املوارد‪ ،‬أم أهنا متالزمان وموجودان معاً وبشكل دائ ٍم وكلي؟‬

‫الثالثة‪ :‬يف صورة التنايف أو التزاحم بينهما وإمكان ترجيح الغريية‪ ،‬أيّهما يرجح على اآلخر؟‬

‫األول‬
‫ذهب القائلون باألنانية ‪ -‬وكما هو احلال عند أتباع مذهب اللذة الشخصيّة ‪ -‬إىل االجابة بالنفي عن السؤال ّ‬
‫يرجح خري اآلخرين ومصلحتهم على‬‫وقالوا إ ّن اإلنسان مييل ذاتاً إىل ما هو مصلحته وخريه وبالتايل ال ميكنه أ ّن ّ‬
‫خريه ومصلحتهـ الشخصيّة‪.‬‬

‫ومن طرف آخر فإ ّن القيمة واللزوم األخالقيّني ال يشمالن إاّل األفعال االختيارية لإلنسان‪ .‬ومن املعلومـ أ ّن القدرة‬
‫شرط إلمكان القيام هبذه األفعال‪ ،‬ولذا ‪ -‬بناءً على رأي القائلني باألنانية ‪ -‬ملا كان اإلنسان غري قاد ٍر على ترجيح‬
‫ّ‬
‫سريجح األنانية‪ ،‬وأما القائلون بالغريية ‪ -‬أمثال العاطفيني ‪ -‬فإهّن م يعتقدونـ عموماً بأ ّن‬
‫طبيعي فإنّه ّ‬
‫ّ‬ ‫الغريية بشكل‬
‫إمكان تبعية العواطف عالمة وإشارة على إمكانية ترجيح الغريية[‪ ،]14‬ويعتقدون أيضاً بوجود التنايف الكلي بني‬
‫األنانية والغريية‪.‬‬

‫األخالقي إذا كان ملصلحته ال ميكن أ ّن‬


‫ّ‬ ‫ويقول هؤالء‪ ،‬ومع اعتبار النية يف تقييم الفعل والسلوك‪ ،‬إ ّن فعل الفاعل‬
‫يكون ملصلحة اآلخرين أيضاً وإذا كان ملصلحة اآلخرين فال ميكن أ ّن يكون ملصلحته أيضاً‪.‬‬

‫كما أ ّن هؤالء ومع اعتقادهم بالتنايف الكلّي بينهما فإهّن م يعتربون أ ّن ترجيح الغريية‬

‫‪217‬‬
‫أخالقي آخر يرى‬ ‫نتعرض لذكر مذهب‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫هو األكثر قيمة‪ ،‬ولكل واحد منهم دليله على هذا الرتجيح‪ .‬واآلن سوف ّ‬
‫أي تزاح ٍم بينهما بل يرى أهنما متالزمان‬
‫عدم وجود التنايف الكلّي بني األنانية والغريية‪ ،‬وعدم امكانية حصول ّ‬
‫وموجودان معاً دائماً‪.‬‬

‫‪ - 6‬النفعية العمومية‬

‫إ ّن اجملتمع اإلنساين شركة تعاونية كبرية جداً لذا تعالوا من أجل مصلحتنا ومنفعتنا نعمل النتفاع اآلخرين أيضاً‪.‬‬

‫أخالقي ‪ -‬وسوف نعرب عنه باختصار بعد اآلن بالنفعيةـ‪ - 9‬يعترب النفع العام مالك‬
‫ّ‬ ‫إ ّن مذهب النفعية العمومية مذهب‬
‫األخالقي فإ ّن األعمال الّيت تنفع الناس حسنة ال ب ّد من‬
‫ّ‬ ‫القيمة األخالقيّة وأ ّن املنفعة العامة هلا قيمة ذاتية‪ .‬وباللحاظ‬
‫القيام هبا واليت تضرهم قبيحة ال ينبغي فعلها[‪.]15‬‬

‫األعم والذي ال خيتص باملنفعة االقتصادية ألنّه وباملقايسة معها قد يكون لدينا منافع‬
‫ومراد النفعيني من املنفعة معناها ّ‬
‫أهم وأكثر مطلوبية منها‪ ،‬مثالً‪ :‬منفعة احلياة املطمئنة املستلزمة للقناعة قد تكون احتماالً أكرب من منفعة حتصيل‬
‫ّ‬
‫الثروة بشكل مفرط واملستلزمة للقلق واالضطراب الدائمني‪.‬‬

‫ولذا فإ ّن مرادهم ومقصودهم من النفعية العمومية هو حصول اللذة لعموم األفراد أو إرضاء ميوهلم‪.‬‬

‫يعرفوهنا بأهنا تأمني أكرب نف ٍع ألكرب‬


‫األخالقي يتمثّل يف السعادة واليت ّ‬
‫ّ‬ ‫كما ويعتقد هؤالء بأ ّن هدف األخالق واخلري‬
‫عدد من األفراد[‪.]16‬‬

‫األخالقي ‪ -‬عند املذهب النفعي ‪ -‬تعنَّي على أساس النفع احلاصل منه لبقية األفراد وليس‬
‫ّ‬ ‫وبناءً عليه فإ ّن قيمة الفعل‬
‫األخالقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫النفع املباشر العائد ملنفعة الفاعل‬

‫ٍ‬
‫لشخص ما وتعيني الوظيفة األخالقيّة له فإهّن م يأخذون باالعتبار‬ ‫وبعبارة أخرى فإهّن م إذا أرادوا حماسبة قيمة الفعل‬
‫جمموع النفع والضرر العائد إىل األفراد ‪ -‬وبشكل‬

‫‪.Utilitarianism -9‬‬

‫‪218‬‬
‫حيادي ‪ -‬ومن مثّ حياسبون نتائجها احلاصلة منها‪ .‬ويعتقد النفعيونـ بأ ّن األنانية والغريية مضافاً إىل عدم تنافيهما‬
‫ّ‬
‫العمومي ازداد نفع الفرد أيضاً وكذلك العكس‪ ،‬وكلما‬ ‫ّ‬ ‫بعضهما مع بعض فإهنما متالزمان ألنّه كلما ازداد النفع‬
‫ازداد الضرر العموميـ ازداد ضرر الفرد أيضاً وكذلك العكس‪ ،‬وبناءً عليه إذا سألتم هل أ ّن وظيفتنا األخالقيّة‬
‫تقتضي السعي لتأمني ما ينفعنا أو ما ينفع اآلخرين‪ ،‬فإ ّن النفعيني سيجيبون قائلني اختاروا أياً منهما فإ ّن النتيجة‬
‫واحدة فيهما وقيمة العمل األخالقيّة واحدة أيضاً[‪.]17‬‬

‫العمومي‬
‫ّ‬ ‫لكن إذا اعتربنا ما ينفعنا وما ينفع غرينا واحداً من حيث القيمة فلماذا يؤكد النفعيون على حماسبة النفع‬
‫وأخذه بعني االعتبار؟‬

‫وسيكون جواهبم إ ّن األنانية والغريية ملا كانا متالزمني وكان نفع الفرد يرتبط بنفع العموم بشكل مباشر فال ميكن‬
‫الواقعي للفرد أ ْن‬
‫ّ‬ ‫عند تعيني نفع الفرد النظر إىل العوائد الراجعة إليه مباشرة فقط بل ال ب ّد من أجل حماسبة النفع‬
‫حناسب أيضاً النفع العائد إىل العموم‪ .‬وكذلك احلال إذا أردنا تعيني نفع اآلخرين‪ ،‬فمضافاً إىل احتساب النفع العائد‬
‫إليهم بشكل مباشر ال بد أ ّن نأخذ باالعتبار نفع الفرد غري املباشر العائد إليهم أيضاً‪.‬‬
‫اخلاصة به[‪ ،]19‬واستناداً إىل‬
‫كل فرد يطلب منفعته ّ‬ ‫وخالصة الكالم أ ّن النفعيني عموماً[‪ ]18‬ومع قبوهلم بأ ّن ّ‬
‫التالزم بني األنانية والغريية‪ ،‬ينبهون إىل أنّه ال ب ّد من األخذ باالعتبار حماسبة النفع احلاصل لآلخرين عند حماسبة‬
‫النفع الدقيق للعمل وتعيني قيمته الواقعيّة‪.‬‬

‫لكن ما يبقى على عهدة هؤالء بيانه هو دليلهم على املالزمة بني األنانية والغريية‪ ،‬وبتعبريهم أنفسهم‪ ،‬ملاذا هناك‬
‫ارتباط دائم بني تأمني منفعة الفرد وتأمني منافع اآلخرين؟‬

‫وقد ذكروا هذين الدليلني إلثبات هذه املالزمة واالرتباط املباشر‪:10‬‬

‫‪ -10‬راجع‪ :‬فردريك كابلستون‪،‬ـ تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪ ،8‬ترمجة هباء الدين خرمشاهى‪ ،‬ص ‪ 47 ،35 ،34 ،29‬و‪.49‬‬

‫‪219‬‬
‫حس إرادة اخلري لغريه واليت تع ّد‬ ‫الدليل األول‪ :‬أ ّن إحدى منافع الفرد هي ارضاء عاطفة حبه لآلخرين أو بتعبري آخر ّ‬
‫من احلاجات الروحية عند الفرد ولذا فإنّه من خالل ايصاله النفع للغري يقوم بارضاء هذه العاطفة أو احلس عنده‬
‫وهبذا األسلوب يكون قد نفع نفسه أيضاً‪ .‬ولذا فإ ّن الشخص الّذي يقوم بفعل االيثار أو الكرم أو الرمحة مع الغري‬
‫بنوع من اللذة‪ ،‬ويف مقابل ذلك فإ ّن البخيل واحلسود والظامل يبتلى بالعذاب والقلق واالضطراب‪ ،‬وعليه فإ ّن‬ ‫يشعر ٍ‬
‫الفرد إذا أراد أ ّن يأخذ منافعه بعني االعتبار فال ب ّد له من أخذ منفعة اآلخرين بعني االعتبار أيضاً والسعي لتأمينها‪،‬‬
‫حلب اآلخر‪ .‬ونتيجة الكالم أ ّن الغريية غري ممكنة إاّل مع األنانية‪ .‬واألنانية‬
‫وبالتايل يكون قد أرضى عاطفته وميله ّ‬
‫كل واحدة منهما مستلزمةـ لألخرى‪.‬‬ ‫تؤمن إاّل مع الغريية‪ .‬ولذا فإ ّن ّ‬
‫كذلك لن ّ‬

‫الدليل الثاين‪ :‬ما قلناه سابقاً يرجع إىل خصوص ارضاء العواطف واشباعها وااللتذاذ احلاصل منها‪ ،‬لكن بنح ٍو كلّي‬
‫ظل منافع الفرد أيضاً‪.‬‬
‫تؤمن يف ّ‬
‫كل منافع الفرد ترتبط مبنافع اجلميع ومنافع هؤالء أيضاً َّ‬
‫نقول إن ّ‬

‫أي شركة تعاونية من حيث الربح واخلسارة كذلك احلال عند أفراد اجملتمع فإهّن م‬‫وكما هو احلال عند أعضاء ّ‬
‫مرتبطون بعضهم ببعض من حيث النفع والضرر أيضاً‪.‬‬

‫يتوهم ايصال النفع لنفسه من خالل اإلضرار باآلخرين فيسرق مثالً أو يكذب أو خيون األمانة‪ ،‬فإنّه يف‬ ‫ولذا فإ ّن من ّ‬
‫حرم‬
‫الظن به من قبل اآلخرين وسيُ َ‬
‫يعرض اجملتمع الّذي يعيش هو نفسه فيه للهرج واملرج‪ ،‬وسيسبّب سوء ّ‬ ‫الواقع ّ‬
‫الكثري من املنافع الّيت ميكن أ ْن تعود عليه من قبل اآلخرين‪.‬‬

‫يؤمن منافعه من خالل اإلضرار بغريه مع أ ّن هذه األعمال يف جمموعها ستنتهي بضرره‪،‬‬ ‫يظن أنّه ّ‬
‫إ ّن هذا الشخص ّ‬
‫أي فرد‬
‫وعلى هذا األساس إذا أراد اكتساب النفع له فال ب ّد أ ْن يأخذ يف النظر أيضاً منفعة اجلمع ألن نفع أو ضرر ّ‬
‫يرتبط مبنفعة وضرر كل األفراد‪ ،‬ومن ٍ‬
‫طرف آخر فإ ّن زيادة نفع الفرد موجبة لزيادة نفع اجملتمع أل ّن الفرد‬ ‫ّ‬

‫‪220‬‬
‫عضو يف هذا اجلمع وبزيادة ربح أعضاء اجملموعة ستزيد أرباح اجملموعة نفسها‪ ،‬وبناءً على هذا فإ ّن نفع الفرد ونفع‬
‫اجملتمع يرتبطان بشكل مباشر بعضهما مع بعض وعليه فإ ّن األنانية والغريية متالزمان‪.‬‬

‫‪ .6 - 1‬حتليل‬

‫أي إنسان ال يريد الضرر‬


‫طبيعي يعترب "النفع" أمراً مطلوباً له‪ ،‬ويف املقابل فإ ّن ّ‬
‫ّ‬ ‫كل إنسان وبشكل‬ ‫شك أ ّن ّ‬
‫ال ّ‬
‫ٍ‬
‫مطلوب‪ ،‬ومع االلتفات إىل امكانية‬ ‫األعم حبيث يكون شامالً لكل‬ ‫ٍ‬
‫لنفسه‪ ،‬وحينئذ إذا أمكننا أ ْن نأخذ النفع مبعناه ّ‬
‫افرتاض أنواع متع ّددة من النفع وبإمكانية حصول التزاحم بينها‪ ،‬لذا ال ب ّد من اجياد مالك لتعيني النفع األفضل وعلى‬
‫أساس ذلك نقايس بقية األنواع من النفع به‪ ،‬وتعيني درجات النفع يف كل ٍ‬
‫واحد منها‪.‬‬ ‫ّ‬

‫النفعي العديد من األسئلة واالشكاالت املختلفة حول معىن النفع ومالك تعيني نفعية األمور‬
‫ّ‬ ‫وقد طُرح يف املذهب‬
‫املختلفة‪ ،‬إاّل أنّنا لن نتعرض ها هنا لذكر االشكاالت اجلزئية[‪ ]20‬بل سنكتفي بتحليل ودراسة االستداللني السابقني‬
‫مستقل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وبشكل‬

‫‪ .6 - 1 - 1‬حتليل االستدالل األول‬

‫‪ - 1‬كيف ميكن للماسوشيني‪ - 11‬والذين يلت ّذون بايذاء اآلخرين ‪ -‬إرضاء عواطفهم من خالل منفعة اآلخرين؟‬

‫وألي سبب كان ‪ -‬نظري التعود على الوحشية وقتل الناس أو أنواع األذى األخرى هبم ‪ -‬مييلونـ‬ ‫إ ّن بعض األفراد ّ‬
‫بدالً عن إيصال النفع لآلخرين وااللتذاذ بذلك إىل تعذيبهم وتسبيب اآلالم هلم ويلتذون بذلك أو على األقل مييلون‬
‫أكثر إىل أذية اآلخرين وااللتذاذ بذلك‪ ،‬ومن املمكن أ ّن نعترب مثل هؤالء األفراد أناساً غري طبيعيني أو جمانني وأن‬
‫نعترب أفعاهلم بناءً على فهم عامة الناس من مجلة األفعال القبيحة والسيئة‪.‬‬

‫لكن على فرض وضوح املراد من قولنا إ ّن هذا اإلنسان "غري طبيعي" أو "جمنون"‬

‫‪.Masochistis -11‬‬

‫‪221‬‬
‫ٍ‬
‫كمالك‬ ‫فإ ّن النفعيني مل يُثبتوا أ ّن لذائذ وميول مثل هذا الشخص غري معتربة عندهم‪ ،‬ومل جيعلوا فهم عامة الناس‬
‫للتقييم‪.‬‬

‫وبناءً عليه إذا كان النفع (جمرد اللذة أو إرضاء امليول) ذا قيمة ذاتية عندنا فإ ّن التذاذ هؤالء األفراد بإيذاء اآلخرين‬
‫أو إرضاء ميوهلم من خالل ذلك يعترب منفعة وبالنسبة هلؤالء األفراد فإ ّن األنانية ال تستلزم الغريية‪.‬‬

‫س إرادة اخلري جتاه اآلخرين منفعة يف مقابل أذيتهم‪ ،‬فإ ّن منفعة العواطف إذا‬ ‫‪ - 2‬على فرض اعتبار العاطفة أو ِح َّ‬
‫تزامحت مع سائر منافع الفرد‪ ،‬وكان مقدار هذه املنافع أكرب فال ب ّد بناءً على األنانية من ترجيح تلك املنافع‪ ،‬ويف‬
‫هذه الصورة أيضاً فإ ّن األنانية ال تستلزم الغريية أيضاً‪.‬‬

‫كل املنافع ليست‬


‫وبغض النظر عن مقدار النفع احلاصل فإ ّن ّ‬
‫ّ‬ ‫ومن املمكن أ ْن يقال يف مواجهة هذين االشكالني إنّه‬
‫ذات قيمة متساوية‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن العواطف وإرادة اخلري جتاه اآلخرين هلا األفضلية على املنافع األخرى[‬
‫‪.]21‬‬

‫إال أنّه وكما أشرنا عند حتليل مذهب اللذة الشخصيّة فإ ّن القبول هبذا الكالم يستلزم عدم قبولنا بالقيمة الذاتية‬
‫للنفع‪ ،‬ألنّه إذا اعتربنا بعض أنواع النفع نظري إرادة اخلري لآلخرين أكثر قيمة من سائر املنافع فإنّنا حنتاج لتعيني درجة‬
‫القيمة ألنواع النفع إىل معيا ٍر ومالك غري النفع نفسه‪ .‬ويف هذه احلال لن يكون للنفع قيمة ذاتية‪ .‬وبناءً على هذا فإ ّن‬
‫التفريق بني أنواع النفع يلزم النفعيني برفع اليد عن مبناهم القائل بأصالة النفع الذاتية‪ ،‬وبالبحث عن القيمة الذاتية‬
‫لألخالق يف مكان آخر‪ ،‬وباجيادها وتعيينها ال ب ّد هلم من إثبات أ ّن قيمة العواطف الفردية أفضل من بقية القيم‬
‫األخرى ليثبتوا من خالل ذلك املالزمة بني األنانية والغريية‪.‬‬

‫األول القائل بالتالزم بني األنانية والغريية‪ ،‬مفاده أنّه ومع‬


‫وبناءً على ما تق ّدم فإ ّن خالصة اإلشكال على االستدالل ّ‬
‫القبول مبباين النفعية فإ ّن األنانية ال تستلزم إشباع عاطفة الغريية‪ ،‬ألنّه من املمكن عدم وجود مثل هذه العاطفة عند‬
‫بعض األفراد‪ ،‬أو من‬

‫‪222‬‬
‫املمكن يف بعض املوارد كون مقدار املنافع األخرى أكثر منها‪.‬‬

‫فضلنا امليل إىل العواطف على سائر أنواع النفع األخرى فلن يكون تفضيلها بسبب النفع احلاصل منها‪.‬‬
‫وأما إذا ّ‬
‫ولذا فإ ّن النفع ليس له قيمة ذاتية وإ ّن مبىن مذهب النفعية غري صحيح‪.‬‬

‫‪ .6 - 1 - 2‬حتليل االستدالل الثاين‬

‫لقد ذكر النفعيونـ بعض النماذج إلثبات الرابطة املباشرة بني نفع الفرد ونفع اجلميع‪ ،‬واملالزمة بني األنانية والغريية‪،‬‬
‫ويف املقابل فقد أشار منتقدو هذه النظرية إىل موارد أيضاً تنقض وجود هذه الرابطة املباشرة بني النفعني‪ .‬ومثالً على‬
‫ذلك لو فرضنا أ ّن شخصاً ما أراد زيادة مهاراته يف الرماية فاستهدف يف رميه العاجزين واملرضى واحليوانات‪ ،‬فإنّه‬
‫هنا مع ازدياد منفعته الشخصيّة مل يزد املنفعة اجلمعية‪.‬‬

‫كل النفع والضرر احلاصل‬


‫ومن املمكن للنفعيني أ ْن يدافعوا عن نظريتهم قائلني إنّه مل حُي َسب يف أمثال هذه املوارد ّ‬
‫من الفعل ولذا فإ ّن هذه املوارد ال ميكن أ ّن تنقض نظريتهم‪.‬‬

‫كل املوارد‪ ،‬وال ألمثلة املنتقدين أ ّن تكون‬


‫ويف رأينا فإنّه ال ميكن ال ألمثلة النفعيني إثبات هذه الرابطة املباشرة يف ّ‬
‫القطعي حول الرابطة بني نفع الفرد ونفع اجملتمع ال ب ّد أ ّن‬ ‫نقض قطعية ضد هذه النظرية‪ ،‬ولذا فإ ّن احلكم‬ ‫موارد ٍ‬
‫ّ‬
‫أي فعل‪.‬‬
‫كل النفع والضرر احلاصل من ّ‬ ‫يُلحظ فيه ّ‬

‫يتم إاّل يف صورة إثبات املالزمة الدائمة بني األفعال‬


‫وبشكل كلّي فإ ّن إثبات املالزمة بني األنانية والغريية ال ميكن أ ّن ّ‬
‫الشخصيّة واألفعال الغريية‪.‬‬

‫أي وقت بني أفعاهلما‪.‬‬


‫وكذلك احلال إذا أردنا إثبات التنايف بينهما ال ب ّد من اثبات عدم إمكانية اجلمع أصالً ويف ّ‬

‫ويف غري هذه الصورة ال ب ّد بعد أ ْن نعنّي القيمة الذاتية والغريية يف األخالق أ ْن نشري يف موارد تزاحم األنانية مع‬
‫الغريية إىل ما له القيمة البديلة منهما‪ ،‬وأن حنلّل أيضاً هذه الرابطة املوجودة بني األنانية والغريية‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫أهم النظريات واملذاهب األخالقيّة حول منشأ وإثبات األحكام األخالقيّة سنسعى‬
‫وحىت اآلن ومع االطّالع على ّ‬
‫األخالقي الصحيح واملقبول‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الكتشاف واجياد املذهب‬

‫األسئلة‬

‫‪ - 1‬أجب عن هذه األسئلة التالية بناء على كل ٍ‬


‫واحد من هذه املذاهب األخالقيّة‪ :‬اللذة الشخصيّة‪ ،‬ترك الدنيا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫القوة‪ ،‬االنسجام العقالين‪ ،‬العاطفة والنفعية العمومية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬كيف تنظر هذه املذاهب إىل السعادة؟‬

‫ب ‪ -‬كيف تثبت رأيها يف السعادة؟‬

‫ج ‪ -‬ما هو رأيها يف الرابطة بني األنانية والغريية؟‬

‫‪ - 2‬أوضح الفهم البسيط والفهم املعتدل عن اللذة الشخصيّة‪.‬‬

‫‪ - 3‬أوضح املغالطة بني القيمة الطبيعية والقيمة الذاتية واذكر أحد املذاهب املرتكب هلذه املغالطة‪.‬‬

‫‪ - 4‬ما هو املشكل الّذي يواجهه مذهب اللذة الشخصيّة حملاسبة القيم على أساس مقدار اللذة واألمل؟‬

‫‪ - 5‬ملَ يوجد التنايف بني القبول باختالف أنواع اللذة والنفع من حيث القيمة والقبول بالقيمة الذاتية للنفعـ أو‬
‫اللذة؟‬

‫األخالقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -6‬أ ‪ -‬أوضح مبنياً مذهب ترك الدنيا‬
‫ب ‪ -‬هل بإمكان املذهب القائل بالواقعيّة القابلة لإلثبات أ ْن يقول بنفي قيمة الدنيا بشكل كامل؟ ملاذا؟‬

‫وجه نيتشه قيمة القوة؟‬


‫‪ - 7‬أ ‪ -‬كيف ّ‬

‫ب ‪ -‬ملَ ال ميكن القبول هبذا التوجيه؟‬

‫‪224‬‬
‫‪ - 8‬اعتقد نيتشه بعدم تساوي الناس يف احلقوق نظراً لعدمـ تساويهم من حيث االمكانات واالستعدادات‪ ،‬ما هو‬
‫إشكالك على خصوص هذا الرأي؟‬

‫‪ - 9‬ما املراد بالقاعدة الوسطى الذهبية؟ وألي شيء جعلها أرسطو كمعيار ومالك؟‬

‫‪ - 10‬ما هو تعريف األنانية والغريية؟‬

‫أي منهما غفل؟ أوضح ذلك‪.‬‬


‫‪ - 11‬هل أكد املذهب العاطفيـ على النية أم على نتيجة العمل؟ وعن ٍّ‬

‫بغض النظر عن صحة أو عدم صحة املعيار الّذي مال إليه العاطفيونـ ملاذا ال ميكن االكتفاء هبذا املعيار؟‬
‫‪ّ - 12‬‬

‫‪ - 13‬بأي دليل رجح األنانيون األنانية؟‬

‫‪ - 14‬ملاذا أكد النفعيونـ على حماسبة النفع العموميـ مع أهنم يقولون بالتالزم بني األنانية والغريية؟‬

‫‪ - 15‬اذكر الدليلني اللذين ذكرمها النفعيون على املالزمة بني األنانية والغريية وقم بتحليلهما‪.‬‬

‫للبحث‬

‫تأمل يف هذه االستدالالت الثالثة‪:‬‬


‫‪ّ -1‬‬

‫ين َآمنُوا أَنُطْعِ ُم َمن لَّْو يَ َشاء اهللُ أَطْ َع َمهُ‪.12"...‬‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ مِم‬ ‫أ‪ِ ِ -‬‬
‫ين َك َف ُروا للَّذ َ‬
‫يل هَلُ ْم أَنف ُقوا َّا َر َزقَ ُك ْم اهللُ قَ َال الذ َ‬
‫"وإذَا ق َ‬
‫َ‬
‫ب ‪ -‬إن اهلل خلق اإلنسان وأعطاه إرادة حرة‪ ،‬ولذا فإ ّن كل عمل يؤتى به حبرية فهو قيم‪ .‬وال حيق ٍ‬
‫ألحد منع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اآلخرين من االستفادة من حريتهم‪.‬‬

‫‪ -12‬يس (‪.47 :)36‬‬

‫‪225‬‬
‫ج ‪ -‬إن بعض الناس يعيشونـ بشكل طبيعي حتت شرائط الفقر واملرض أو إهنم قاصرون عن معرفة طريق احلياة‬
‫الصحيح‪ ،‬ولذا فنحن غري مكلَّفني بتأمني احتياجاهتم ورفع مشاكلهم‪.‬‬

‫واآلن اذكر‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬ما هو الوجه يف عدم صحة هذه االستدالالت؟‬

‫ثانياً‪ :‬يف أي ٍ‬
‫مورد من هذا الفصل ذكرنا شبيه هذه االستدالالت؟‬ ‫ّ‬

‫ثالثاً‪ :‬هل تعرف استدالالت أخرى مشاهبة هلا؟‬

‫موارد ٍ‬
‫نقض على الرابطة املباشرة بني نفع الفرد ونفع‬ ‫‪ - 2‬احبث حول هذه األمثلة املذكورة من جهة إمكان ع ّدها َ‬
‫اجملتمع‪:‬‬

‫أ ‪ -‬مع معاقبة الربيء فإ ّن عموم الناس لن يرغبوا يف فعل ما يضرهم‪.‬‬

‫كل أمواله لآلخرين مثّ مات مباشرة‪.‬‬


‫ب ‪ -‬وهب أحدهم ّ‬

‫ج ‪ -‬القاتل يسلّم نفسه ويقبل بالعقاب إلقامة النظام يف اجملتمع‪.‬‬

‫د ‪ -‬إ ّن ذوي النفوذ والسلطة وناهيب األموال واملستعمرين والوحوش االقتصاديني يصادرونـ منافع اآلخرين من أجل‬
‫منفعتهم الشخصيّة‪.‬‬

‫‪ - 3‬أ ‪ -‬من املمكن أ ْن تكون إحدى هذه املوارد كنتيجة ألحد املذاهب الّيت ذكرناها وحللناها يف هذا الفصل‪،‬‬
‫اربط بينها‪:‬‬

‫‪ -‬االستبداد والفاشية‪.‬‬
‫‪ -‬الرأمسالية‪.‬‬
‫‪ -‬حتقري النفس والتقليل من شأهنا‪.‬‬
‫‪ -‬االنزواء االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬االعتدال‪.‬‬
‫‪ -‬الفساد أو التشرد‪.‬‬
‫‪ -‬الوطنية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إحبث حول النتائج الرتبوية األخرى املرتتبة على املذاهب الستة املذكورة‬

‫‪226‬‬
‫يف هذا الفصل‪ ،‬وقم باملقايسة بينها‪.‬‬

‫(ما هي اخلصائص الّيت ميكن أ ّن تلحق بالفرد أو اجملتمع الّذي يرتىّب بناءً على أحد هذه املذاهب األخالقيّة؟)‪.‬‬

‫ال ب ّد من االلتفات إىل أ ّن اللذة الشخصيّة ختتلف عن االنفعالية حيث إهنا نوعٌ من الواقعيّة والغائية وتعترب أ ّن هدفها‬
‫األصلي ومطلوهبا الذايتّ هو حصول اللذة‪ .‬واللذةـ حالة إدراكية هتب صاحبها نوعاً من الكمال والذي يتأتى من‬
‫اخلاصة‪.‬‬
‫خالل اإلتيان ببعض األفعال أو حتصيل بعض الصفات ّ‬
‫خاصة أيضاً وحبصوهلا وتأمينها يلتذون بذلك‪،‬‬ ‫خاصة ضمن شرائط ّ‬ ‫ورغم أ ّن بعض األفراد قد يكون هلم احتياجات ّ‬
‫كل الناس أيضاً يلتذون عند حصول األمور املشاهبة هلا والدليل على ذلك اشرتاكهم من حيث الطبيعة‬ ‫فإ ّن ّ‬
‫واحلاجات الطبيعية أيضاً‪.‬‬

‫كل الناس ضمن بعض الشرائط الواقعيّة املشاهبة يتشاركون ويتشاهبون من حيث اللذة أو األمل‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى فإ ّن ّ‬
‫أي نتيجة واقعيّة من األفعال والصفات األخالقيّة ما وراء السالئق‬ ‫وأما االنفعاليونـ فإهّن م ال يطلبون حتصيل ّ‬
‫الشخصيّة‪ ،‬وهم أيضاً ال يبحثون عن منشأ االحساسات الفردية ضمن االحتياجات الواقعيّة‪ .‬وبعبارة أخرى فإ ّن‬
‫األخالقي بينما يرى املذهب‬
‫ّ‬ ‫مذهب اللذة الفردية يعترب حصول اللذة أو عدم التأمل عند الفرد مطلوب وغاية الفعل‬
‫االنفعايل أ ّن االلتذاذ هو مبدأ األفعال األخالقيّة ال الغاية املطلوبة منها وأنه ال منشأ واقعياً ملطلوبيتها‪.‬‬

‫يعترب آريستيبوس (‪ 435( )Aristippus‬ـ ‪355‬ق‪.‬م) وهو مؤسس املدرسة القورينائية (‪Cyrenaic‬‬
‫‪)School‬اللذة الشخصيّة الناظرة إىل حال العمل ذات قيمة ذاتية أخالقيّة‪ .‬واحتمل بعضهمـ أ ّن حفيده املسمى‬
‫أيضاً اريستيبوس هو مؤسس هذه املدرسة‪.‬‬

‫هدف األخالق ولكنهم يعتقدون عموماً بأ ّن اإلنسان العاقل الناظر إىل مستقبلهـ يبتعد‬
‫ويعترب القورينائيون أ ّن اللذة ُ‬
‫عن االفراط يف اللذة املؤدية إىل التأمل أو العقوبة‪( .‬راجع‪ :‬فردريك كابلستون‪ ،‬تاريخ فلسفة‪ ،‬ج‪ ،1‬ترمجة سيد جالل‬
‫الدين جمتبوي‪ ،‬ص‪.)145‬‬

‫‪227‬‬
‫أي فقدان الوجع واألمل‪ ،‬والبعض آخر منهم‬ ‫ومييل بعضهم أمثال هكزياس (‪ )Hegasias‬إىل القول باللذة السالبة ّ‬
‫وقبل أريستيبوس ببعض أفكار سقراط وآنتيس تنس‬ ‫أمثال انيكريس (‪ )Anniceris‬إىل القول باللذة املوجبة‪َ .‬‬
‫القائلة بأ ّن هدف احلياة هو السعادة والفرح‪ ،‬واعترب أ ّن مصداقها هو اللذة اجلسمانية عند الفرد يف الزمن احلاضر‪،‬‬
‫وقيل إنّه كان متأثراً بالسوفسطائيـ املعروف بروتاغوراس‪ .‬واعترب أ ّن مالك العمل هو االحساس الشخصي مستدالً‬
‫على ذلك بعدم امكان املعرفة اليقينية لألشياء يف نفسها وباحساس اآلخرين وبناءً على ذلك اعترب أ ّن املطلوب الذايتّ‬
‫والواقعي الّذي جيب أ ّن يكون هدف األخالق هو اللذة الشخصيّة (راجع‪ :‬نفس املصدر‪ ،‬ص‪.)145 - 144‬‬ ‫ّ‬
‫من مجلة هؤالء أبيقور (‪ 341( ) Epicurus‬ـ ‪271‬ق‪.‬م) ‪ -‬وقد اختلف يف شخصيته األخالقيّة‪ ،‬فاعتربه بعضهمـ‬
‫فاسد األخالق بذيء الكالم وصاحب هوى‪ ،‬بينما اعترب آخرون أنّه ميتلك روحية القناعة واالحسان إىل اآلخرين‬
‫(راجع‪ :‬اندريه كرسون‪ ،‬فالسفه بزرك‪ ،‬ترمجة كاظم عمادى‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ,311 - 310‬اميل بريه‪ ،‬تاريخ فلسفه‪،‬‬
‫ترمجة علي داودى‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ - )93‬الّذي يعتقد بأ ّن اإلنسان كاحليوانات يطلب اللذة ابتداءً ويبتعد عن اآلالم‬
‫(راجع‪ :‬اميل بريه‪ ،‬نفس املصدر‪،‬ـ ص‪.)119‬‬

‫ويقول أبيقور‪" :‬حنن نعتقد بأ ّن الل ّذة هي مبدأ وغاية احلياة السعيدة ألننا نعرفها بعنوان أول "خري" وهي ذاتية لنا‬
‫أي شيء أو اجتنابه" (راجع‪ :‬فردريك كابلستون‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪،1‬‬ ‫لق معنا وبااللتفات إليها نقوم باختيار ّ‬ ‫وخُت َ‬
‫ترمجة سيد جالل الدين جمتبوى‪ ،‬ص‪ )467‬ولكنه يصرح أيضاً بأنه‪" :‬عندما نقول إ ّن اللذة هي الغاية فال نقصد‬
‫منها اللذة احلاصلة من الفساد واللهو والرغبات" (راجع‪ :‬اميل بريه‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ترمجة علي مراد داوودى‪ ،‬ص‬
‫‪.)120‬‬

‫اجلسمي وفقدان االضطراب‬


‫ّ‬ ‫وإ ّن اإلنسان احلكيم هو الّذي يسعى إىل اخلري األعلى مريداً وموفقاً بني فقدان األمل‬
‫الروحي (راجع‪ :‬اندريه كرسون‪ ،‬فالسفه بزرك‪ ،‬ترمجة كاظم عمادى‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.)362‬‬ ‫ّ‬

‫ومع هذا احلال فقد قبل بعضهم فقط بآرائه أمثال كومسا راميوندي (‪( )co sma Riamondi‬أحد أتباع‬
‫اإلنسانية‪ ،‬تويف سنة ‪ 1435‬ميالدية) وخالفه الكثريون وخاصة يف رأيه حول السعادة القائل إ ّن العقل تابع‬
‫لالحساسات وإ ّن احلياة اإلنسانية مبنزلة احلياة احليوانية‪( ،‬راجع‪ :‬تاريخ فلسفه أخالق غرب‪ ،‬مجع الرنس سي بيكر‪،‬‬
‫ترمجة مجاعة من املرتمجني‪ ،‬ص‪.)115‬‬

‫مثاالً على ذلك‪ ،‬فإ ّن أبيقور بتقسيمه اللذة إىل طبيعية وغري طبيعية‪ ،‬وإىل ضرورية وغري ضرورية‪ ،‬يقول إ ّن اإلنسان‬
‫احلكيم يسعى حنو اللذة الطبيعية الضرورية‪ ،‬ويوصل متطلباته إىل احل ّد األقل‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫(راجع‪ :‬اميل بريه‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ترمجة علي مراد داودى‪ ،‬ص‪ .)123 - 122‬ويعترب أيضاً أ ّن اخلري األعلى‬
‫أخالقيّاً هو اللذة الساكنة (‪ )Static pleasure‬وبالوصول إليها سيزول الوجع واألمل‪.‬‬

‫(‪See: Lawrence.C Becker and Charlotte B. Becker, eds Encyclopedia of‬‬


‫‪.)Ethics, vol 1, p489‬‬

‫ومع قبول أبيقور برتجيح اللذائذ الروحانية على اللذائذ اجلسمانية‪ ،‬اعتقد بأ ّن االستنتاج العقالينّ يف باب اللذة واألمل‬
‫مي ّكن اإلنسان من حتصيل حياة تكون اللذة الدائمة فيها أكثر من األمل الزائل‪.‬‬

‫(راجع‪ :‬تاريخ فلسفه أخالق غرب‪ ،‬مجع لورنس سي بيكر‪ ،‬ترمجة مجاعة من املرتمجني‪ ،‬ص‪.)49‬‬

‫إال أنّه ومع ذلك كان مادياً ويعترب املوت عني الفناء والعدمـ ولذا سعى لتحصيل احلياة املطمئنة يف الدنيا (راجع‪:‬‬
‫نفس املصدر‪ ،‬ص‪ ,150‬اندريه كرسون‪ ،‬فالسفه بزرك‪ ،‬ترمجة كاظم عمادى‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.)363‬‬

‫وبناءً على ما تقدم ميكن القول إ ّن أبيقور اعترب كون املعايري طبيعية‪ ،‬ضرورية‪ ،‬ناظرة إىل الروحانية‪ ،‬ودائمة أيضاً يف‬
‫حماسبة ومقايسة اللذائذ بعضها ببعض‪.‬‬

‫ومثل هذه املعايري استفاد منها الحقاً بعض النفعيني أمثال بستام وميل حملاسبة ومقايسة النفعية العمومية (راجع‪:‬‬
‫املذكرة العشرين من هذا الفصل)‪.‬‬

‫كل اللذائذ تُعترب روحانية‪ ،‬إاّل أ ّن اللذائذ احلاصلة مباشرة‬


‫رغم أ ّن املدرك للذائذ كلّها هي روح اإلنسان ولذا فإ ّن ّ‬
‫تسمى عادة باللذائذ اجلسمانية أو املادية‪ ،‬ويف املقابل فإ ّن اللذائذ الراجعة إىل الروح‬
‫عن طريق اجلسم وحاجاته ّ‬
‫تسمى اللذائذ الروحانية مع أ ّن تأمني بعض حاجات اجلسم‬ ‫وحاجاهتا بشكل مباشر كسكون النفس وهدوء البال ّ‬
‫يؤثر بشكل غري مباشر يف حتصيل اللذة الروحية أيضاً‪.‬‬

‫ميكن اعتبار اللذة ‪ -‬واليت اعتربت ادراك كمال القوة املدركة (راجع‪ :‬املذكرة الثامنة من هذا الفصل) ‪ -‬كماالً أو‬
‫خاصة عند اإلنسان ميكنها لوحدها أ ّن تكون كماالً أو‬
‫كل لذة كقوة ّ‬ ‫مالزمة للكمال‪ ،‬لكن وحيث إنّه اعترب أ ّن ّ‬
‫كل لذة‬
‫كل لذة دائماً ومن حيث اجملموع ال تزيد يف فائدة وجود اإلنسان‪ ،‬لذا ال ميكن اعتبار ّ‬ ‫مالزمة له‪ ،‬وأ ّن ّ‬
‫كماالً حقيقياً له ونتيجة ذلك أ ّن اللذة ال قيمة ذاتية هلا‪.‬‬

‫ومثاالً على ذلك‪ ،‬فإ ّن املعايري املستفادة من جمموع كلمات أبيقور إذا أريد القول إهنا ملقايسة مقدار اللذة فلن تكون‬
‫معايري صحيحة لذلك‪ ،‬إذ ال ميكن القبول بأ ّن اللذائذ الطبيعية أو الضرورية‬

‫‪229‬‬
‫أو الروحانية هي أطول أو أكرب دائماً باملقايسة باللذائذ غري الطبيعية أو غري الضرورية أو غري الروحانية‪.‬‬

‫لكن من املمكن أ ّن يكون مرادهم ومقصودهم أنّه عند مقايسة وحماسبة اللذات ال ب ّد من االلتفات أيضاً إىل نوعها‬
‫بغض النظر عن مقدارها أفضل وأعلى من بعضها اآلخر كأفضلية‬ ‫مضافاً إىل مقدارها‪ ،‬وأ ّن بعض أنواع اللذائذ ّ‬
‫اللذائذ الروحانية على اجلسمانية منها‪.‬‬

‫ويف هذه احلال ال ب ّد من تقدمي معيا ٍر آخر لتعيني درجة قيمة اللذات وعلى أساسه أيضاً تُعنَّي أفضليتها أو رذالتها‪.‬‬

‫حينئذ لن تكون قيمة اللذة ذاتية بل غريية البتناء قيمتها ٍ‬


‫حينئذ على معيا ٍر آخر وليس من ذاهتا‪ .‬ولذا إذا‬ ‫ولكن ٍ‬
‫اعتربنا أ ّن اللذة الروحانية أفضل من غريها جلهة موافقتها لطبيعة اإلنسان وكماله فما له القيمة الذاتية هنا ليس‬
‫خصوص اللذة بل األنسب أ ّن نقول إ ّن الكمال اإلنساينّ هو ما له القيمة الذاتية‪.‬‬

‫عرف الفالسفة املسلمونـ ‪ -‬أمثال ابن سينا ومال صدرا ‪ -‬اللذة واألمل باالدراك املالئم واالدراك غري املالئم‪ ،‬واملراد‬
‫من املالءمة هو الكمال اخلاص للقوةـ املدركة واملراد من عدمها هو نقصها‪ ،‬وعليه فإ ّن منشأ اللذة واألمل هو كمال‬
‫حممد بن إبراهيم صدر الدين الشريازي‪ ،‬احلكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة‪ ،‬ج‪،4‬‬
‫ونقص الوجود (راجع‪ّ :‬‬
‫ص‪ 118 - 117‬نقالً عن احلكماء وابن سينا‪ ,‬نفس املصدر‪ ،‬ص‪- 142 - 141 - 135 - 123 - 122‬‬
‫وج‪ ،9‬ص‪.)125 - 122‬‬

‫وأيضاً فإ ّن تشخيص القيمة والوظيفة األخالقيّة بعد إثبات وجود اهلل العامل الصادق واحلكيم وبعد إثبات وجود‬
‫احلياة اخلالدة األخروية يرتبط باعتقادهم بأخبار اهلل عن طريق الوحي‪ ،‬واعتُرب أ ّن تبيني طريق الكمال هو السبب‬
‫والدليل العقلي على لزوم الوحي وبعثة األنبياء‪ .‬وسوف نشري يف الفصل العاشر من هذا الكتاب إىل دور الوحي يف‬
‫تشخيص قيم األفعال‪.‬‬

‫والغريب‪ .‬ومن مجلة املذاهب الشرقية يف هذا اجملال ميكن االشارة‬


‫ّ‬ ‫الشرقي‬
‫ّ‬ ‫ميكن تقسيم مذهب ترك الدنيا إىل قسمني‪:‬‬
‫والرواقي‪ .‬وبناءً على اعتقاد البوذيني‬
‫ّ‬ ‫الكليب‬
‫ّ‬ ‫األخالقي‪ ،‬ومن مجلة املذاهب الغربية نذكر املذهب‬
‫ّ‬ ‫إىل مذهب البوذية‬
‫فإ ّن ألعمال اإلنسان ونيته آثاراً ونتائج (كارما) (‪ )Karma‬تبقى موجودة بعد حياته الفعلية‪ ،‬فاإلنسان بعد موته‬
‫وبالتناسب مع أعماله احلسنة والقبيحة الّيت قام هبا يف حياته حييا مرة ثانية‪.‬‬

‫ساره) (‪ )samsara‬دائماً حىت يتمكن اإلنسان باتّباعه لتعاليم‬


‫وتستمر دائرة احلياة واملوت (مَس َ‬

‫‪230‬‬
‫البوذي املستلزمة لرتك اهلوى واهلوس وامليول والشهوات واإلعراض عن الدنيا من حترير نفسه من هذه‬
‫ّ‬ ‫املذهب‬
‫الدائرة األليمة واملفجعة فيصبح حراً (مكشه) (‪ )Moksa‬ويصل إىل هناية رحلة احلياة واملوت الدائمة (النريفانا) (‬
‫‪.)nirvana‬‬

‫ويعترب بوذا (‪( )Buddha - Siddhartha Gautma‬القرن السادس ‪ -‬اخلامس ق‪.‬م) أ ّن احلياة كلها ‪-‬‬
‫والدة ومرضاً وشيخوخة وانتهاء باملوت ‪ -‬أملٌ ومعاناة‪.‬‬
‫ويعتقد بأننا مجيعاً نعاين يف هذه احلياة تارة لعدمـ وجود ما يرضينا ويالئمنا وتارة أخرى لفقدان ما نرتضيه وما‬
‫يالئمنا من اآلمال والرغبات‪ .‬وبشكل خمتصر فإ ّن االتصال واالرتباط هبذا الوجود كله معاناة وأمل‪ .‬ولذا فإ ّن احلياة‬
‫أليمة وقبيحة وال ب ّد من اجتناب الشهوات واآلمال وامليل إىل هذه احلياة لئال نرجع إىل هذه املعاناة واآلالم (راجع‪:‬‬
‫جان‪ ،‬ىب‪.‬ناس‪ ،‬تاريخ جامع أديان‪ ،‬ترمجة علي أصغر حكمت‪ ،‬ص‪.)203 - 175‬‬

‫وهنا نقول إن ما ذكر من أ ّن ألعمال اإلنسان ونواياه نتائج ال تنحصر يف حياته الفعلية يعترب كالماً صحيحاً‪ ،‬لكن‬
‫طبقاً لتعاليم األديان السماويّة فإ ّن هذه النتائج تعود إىل اإلنسان يف احلياة اآلخرة األبدية‪ ،‬وليس بالوالدة اجملددة يف‬
‫احلقيقي واليت من مجلتها مقدار االقبال أو‬
‫ّ‬ ‫هذه الدنيا‪ .‬وإن جزئيات األعمال الالزمة من أجل الفوز والفالح‬
‫كل نتائجها الدنيويّة واألخروية وهذا مما ال ميكن أ ّن تضمنه‬
‫االعراض عن الدنيا إمنا ميكن بياهنا من قبل املطّلع على ّ‬
‫املذاهب والقوانني املوضوعة من قبل البشر أنفسهم‪.‬‬
‫بكل شيء‪ ،‬وألجل‬ ‫الكليب (‪ )Cynicism‬فريى أ ّن السعادة والفضلية يف التحلّل وقطع تعلّق اخلواطر ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأما املذهب‬
‫ذلك ال ب ّد أ ّن تعيش وحتيا بشكل طبيعي وأ ْن تتحلّل من القيود واألعراف االجتماعية وترتك اللذائذ الدنيويّة لئال‬
‫ترتبط هبا ويتعلق قلبك حببائلها‪ .‬ومؤسس هذا املذهب هو آنتيستينس (‪( )Antisthenes‬ما بني ‪- 445‬‬
‫‪365‬ق‪.‬م تقريباً) ‪ -‬وهو من تالمذة سقراط ‪ -‬وديوجني السينويب (‪412/403( )Diogenes of Sinope‬‬
‫ـ ‪324/321‬ق‪.‬م)‪.‬‬

‫وذُكر عن آنتيستينس اعتقاده "بالرجوع إىل الطبيعة" وخمالفته للدولةـ وامللكية اخلصوصية والزواج والدين‪ ،‬واعتباره‬
‫ظ‪.‬‬
‫الفضيلة كافية للسعادة وحسن احل ّ‬

‫ويعترب أيضاً أ ّن الفضيلة تكون بفقدان األمل والتحلل من الرغبات وعدم احلاجة‪ ،‬وأ ّن عدم االحتياج هو اخلري‬
‫احلقيقي والكمال املطلوب واهلدف يف ح ّد ذاته ونفسه‪.‬‬
‫وأما ديوجني فقد كان متأثراً أيضاً بأفكار آنتيستينس‪ ،‬وكان معتقداً بأن ّالفضيلة واحلكمة تتأتّى‬

‫‪231‬‬
‫فتحرر نفسك من قيد‬
‫من خالل التخلّص من امليول النفسانية‪ .‬ولذا كان يقول‪ :‬ال تتعلق باللذائذ املنبعثة من املال ّ‬
‫اخلوف والقلق‪.‬‬

‫كل اآلداب والتقاليد وصوالً إىل الدين‪ ،‬وكذلك املنزل والطعام واللباس والنظافة‪ ،‬وقيل إنّه كان يعيش‬ ‫وقد احتقر ّ‬
‫جرة تستعمل لدفن األموات‪ .‬وكان يقلد يف حياته احليوانات ال سيما احلياة الكلبية ولرمبا مُسّ َي مذهبهم‬
‫يف وعاء أو ّ‬
‫لذلك باملذهب الكليب‪( ،‬راجع‪ :‬فردريك كابلستون‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪ ،1‬ترمجة سيد جالل الدين جمتبوي‪ ،‬ص‪141‬‬
‫‪ ,144 -‬برتراند راسل‪ ،‬تاريخ فلسفه غرب‪ ،‬ترمجة جنف دريا بندري‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬ص‪,339 - 336‬‬
‫املوسوعة الفلسفية العربية‪ ،‬رئيس التحرير معن زيادة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ )1138 - 1132‬ولدينا عدة مالحظات على هذا‬
‫األخالقي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫املذهب‬

‫أوالً‪ :‬مع أ ّن عدم احلاجة (االكتفاء) أمر مطلوب لإلنسان‪ ،‬فإ ّن عدم االحتياج املطلق خمصوص باهلل وهذا غري ممكن‬
‫يف حق اإلنسان‪ ،‬لكن حيث إن الكلبيني يريدون من عدم االحتياج إىل اآلخرين تأمني السكون واطمئنان البال‪ ،‬لئال‬
‫يغتموا بفقدان ما تعلق به القلب‪ ،‬ال ب ّد من القول إ ّن التعلق باهلل واالرتباط به مضافاً إىل عدم تنافيه مع هذا اهلدف‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫وب) (الرعد‪.)28 :‬‬ ‫فإنّه املوجب حلصولهـ أيضاً (أَالَ بذ ْك ِر اهلل تَطْ َمئ ُّن الْ ُقلُ ُ‬

‫احلقيقي وقطع التعلّق‬


‫ّ‬ ‫ثانياً‪ :‬إمنا ميكن لإلنسان تأمني احل ّد األكرب من عدم االحتياج فقط عند االتكال والتعلق باملعبود‬
‫بكل ما ال يتوافق معه ("إهلي هب يل كمال االنقطاع إليك" من مناجاة أمري املؤمنني عليه السالم يف شهر شعبان)‪.‬‬
‫وهذا ال يعين قطعاً عدم االستفادة من النعم اإلهلية أل ّن ما يوجب تعلّق قلب اإلنسان به هو أ ّن جيعله هدفه األصلي‬
‫الّذي يسعى إليه وحتماً فإ ّن املتكل يف أموره على اهلل فقط يستفيد فقط من األمور واألدوات الّيت يعينها ويشخصها‬
‫له‪.‬‬
‫خاصة به متيزه عن سائر احليوانات ولذا ال ينبغي لنا أ ّن نعنّي لإلنسان حياة‬
‫ثالثاً‪ :‬إ ّن لإلنسان استعدادات وإمكانات ّ‬
‫موافقة للطبيعة وذلك مبالحظة احلياة الطبيعية للحيوانات‪.‬‬

‫وأما مؤسس املذهب الرواقي (‪ )Stoicism‬فهو زينون (‪ )Zeno‬من أهل اكتيوم يف قربص (‪ 234( )citium‬ـ‬
‫‪262‬ق‪.‬م)‪ .‬قيل إنّه كان يعطي دروسه حتت رواق مغطّى ولذا مُسّ َي وأتباعه بالرواقيني وقد تأثر هؤالء باملدرسة‬
‫الكلبية‪.‬‬

‫وهناك تفاوت يف اآلراء بني الرواقيني القدماء (القرنـ الثالث قبل امليالد) والرواقيني األواسط (القرن الثاين قبل‬
‫األول والثاين بعد امليالد)‪.‬‬
‫امليالد)‪ ،‬والرواقيني اجلدد (القرنـ ّ‬

‫أهم املوارد املقبولة عندهم‪:‬‬


‫وسوف نشري ها هنا إىل ّ‬

‫‪232‬‬
‫الكل‬
‫يعترب الرواقيون أ ّن العامل كله موجود واحد‪ ،‬جسمه الطبيعة وروحه هي اهلل‪ ،‬وباعتقادهم فإ ّن اهلل يدبّر هذا ّ‬
‫للشر احلقيقي‪.‬‬
‫الواحد على أحسن وجه‪ ،‬وأ ّن نظام العامل خريٌ حمض وال وجود ّ‬

‫كل أجزاء هذا العامل معينة من قبل اهلل‪ ،‬والزم هذا التقدير اإلهلي القول باجلرب الطبيعي‪.‬‬
‫ويعتقدونـ أيضاً بأ ّن مصري ّ‬
‫ٍ‬
‫شخص أ ّن تغرّي شيئاً يف أوضاع هذا العامل‪.‬‬ ‫أي‬
‫وبالتايل ال ميكن إلرادة ّ‬

‫حر يف التسلّط على نفسه‪ ،‬وهو إما أ ْن خيتار ويريد الرضا مبا هو موجود يف هذا‬ ‫ومع هذا فإهّن م يقولونـ إ ّن اإلنسان ّ‬
‫خارج عن إرادته‬
‫ٌ‬ ‫العامل والتسليم له وعدم االعتناء باحلياة الدنيا‪ ،‬وإما أ ْن خيتار عدم اعتبار هذا النظام خرياً وأنه‬
‫وبالتايل سيفقد اطمئنانه وهدوءه وسيصيبه اليأس والقلق‪.‬‬

‫وحسن يف‬ ‫نادر‬


‫أمر ٌ‬ ‫ِّ‬
‫ٌ‬ ‫وباعتقادهم أيضاً أ ّن الفضيلةـ ‪ -‬واليت هي أمر داخلي واجلزء الوحيد املشكل للسعادة ‪ٌ -‬‬
‫احلقيقة‪ ،‬وهي تقع بشكل ٍ‬
‫كامل حتت اختيار اإلنسان وإرادته‪ .‬والفضيلةـ عبارة عن اإلرادة املوافقة للطبيعة حبيث‬
‫توجب كمال اإلنسان واحلياة املطمئنة‪.‬‬

‫الرواقي يف أخالق املسيحية املنتشرة حالياً ومن املمكن أ ّن تكون الرهبانية الواردة يف املسيحية‬
‫ّ‬ ‫وقد أثّر املذهب‬
‫(ورهبانية ابتدعوها) (احلديد‪ )27 :‬ناشئة عن هذا التأثر‪( ،‬راجع‪ :‬فردريك كابلستون‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪ ،1‬ترمجة‬
‫سيد جالل الدين جمتبوي‪ ،‬ص‪ ,459 - 444‬برتراند راسل‪ ،‬تاريخ فلسفه غرب‪ ،‬ترمجة جنف دريا بندري‪ ،‬ص‬
‫‪ ,371 - 365‬تاريخ فلسفه أخالق غرب‪ ،‬مجع لورنس سي‪ ،‬بيكر‪ ،‬ترمجة مجاعة من املرتمجني‪ ،‬ص‪ ،47‬وص‪51‬‬
‫‪ ,53 -‬اميل بريه‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ترمجة علي مراد داودي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ,87 - 75‬جان برن‪ ،‬فلسفه رواقى‪ ،‬ترمجة‬
‫سيد أبو القاسم پورحسيين‪ ،‬ص‪.)176 - 128‬‬

‫األخالقي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ولدينا عدة مالحظات هنا أيضاً على هذا املذهب‬

‫حمال‪ ،‬وعليه فإ ّن وحدة الوجود هبذا‬


‫كروح يف جسم الطبيعة يستلزم حاجته إىل اجلسم وهو ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ّأوالً‪ :‬إ ّن حلول اهلل‬
‫املعىن ال ميكن القبول هبا‪.‬‬

‫كل شيء املستلزم لكون نظام الوجود بأكمله خرياً وحسناً‪ ،‬وأ ّن ذلك‬ ‫اإلهلي يف ّ‬
‫ثانياً‪ :‬إ ّن القول بالتدبري والتقدير ّ‬
‫اإلهلي‬
‫من صفات كمال اهلل مقبول منهم إاّل أ ّن ذلك ال يستلزم اجلرب كما قالوا‪ ،‬أل ّن مقتضىـ هذا التدبري والتقدير ّ‬
‫أ ْن تلك الطائفة من األمور الّيت ترتبط باختيار املوجودات املختارة تقع حتت اختيارهم‪ ،‬وهذا ال يتناىف ال مع التقدير‬
‫اإلهلي وال مع اختيار املوجودات املختارة‪ ،‬ولذا فإ ّن الرواقيني أخطأوا يف استنتاجهم اجلرب من قوهلم الصحيح‬
‫بالتقدير اإلهلي وضيّقوا جداً دائرة األفعال االختيارية‪ .‬ولو فرضنا أ ّن اجلرب مالزم للتقديرـ اإلهلي فإ ّن استثناء اإلرادة‬
‫الداخلية بال وجه وجيه‪ ،‬ويف‬

‫‪233‬‬
‫هذه الصورة لن يبقى أي جمال للصفات واألفعال االختيارية ولن يبقى أي موضوع لألخالق ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫اإلهلي واالعتقاد حبسن نظام الوجود وكونه خرياً من أعلى الكماالت‬ ‫ثالثاً‪ :‬إ ّن فضيلة الرضا والتسليم أمام التقدير ّ‬
‫الرواقي‪ .‬إاّل أ ّن التمتّع هبذه الفضيلةـ ال يستلزم أ ّن نسعى ضمن‬
‫ّ‬ ‫والفضائل اإلنسانية‪ .‬وهذا ما أكد عليه حبق املذهب‬
‫امكانياتنا وحدود اختيارنا لتأمني احلد األكثر من اخلري يف هذا العامل بل ال ب ّد فقط من موافقة أنفسنا مع الطبيعة‬
‫اإلهلي‪.‬‬
‫واالقتداء حبسن التدبري ّ‬

‫من املؤكد وجود آخرين أكدوا قبله على دور "السلطة"‪ ،‬ومن هؤالء ماكيافيللي (‪( )Nicolo Machiavelli‬‬
‫فعل ٍ‬
‫مفيد‬ ‫‪ 1469‬ـ ‪1527‬م) حيث اعترب أ ّن السلطة والقوة غاية يف نفسها‪ ،‬وكان يرى أنّه من املسموح القيام بأي ٍ‬
‫والزم من قبل احلاكم حلفظ سلطته وللوصول إىل أهدافه كاستعمال القوة واخلداع والتخريب والفساد والظلم بل‬
‫إنّه اعترب ذلك نوعاً من الفضيلة (راجع‪ :‬و‪.‬ت‪ .‬جونز‪ ،‬خداوندان انديشه سياسى‪ ،‬ج‪ ،2‬القسم األول‪ ،‬ترمجة علي‬
‫رامني‪ ،‬ص‪.)44‬وهو مع مالحظته وجود التضاد والصراع بني منافع الشعب والطبقات احلاكمة (نفس املصدر‪،‬ـ ص‬
‫‪ )40 - 39‬فقد أكد على أ ّن احلاكم إذا أراد أ ّن حيافظ على حكمه وسلطته بامكانه أ ّن ال يفي بوعوده وتعهداته‬
‫وأن ال يكون صادقاً يف كالمه‪ ،‬وهلذا اعترب الكذب والغدر واخليانة كلها فضيلة (نفس املصدر‪،‬ـ ص‪.)45‬ومن مجلة‬
‫فن احلكم‬ ‫أي رمحة(نفس املصدر‪ ،‬ص‪.)48‬وقد اعتُرب كالمه مبثابة مرج ٍع يف ّ‬ ‫نصائحه‪ :‬ال ب ّد من استخدام القوة بال ّ‬
‫اخلاصة الّيت يعتقد هبا‪ .‬وعنده‬
‫(نفس املصدر‪،‬ـ ص‪ )41‬ومن مثّ فقد ذكر يف نظريته األخالقيّة موازينه األخالقيّة ّ‬
‫يسع الثبات حقانية ما يعتقده (نفس املصدر‪،‬ـ ص‪.)24‬وحيث إنّه مل‬ ‫تعريف خاص به حول احلياة احلسنة إاّل أنّه مل َ‬
‫يستدل على نظريته األخالقيّة أعرضنا عن ذكره يف املنت‪.‬‬

‫طُرح مذهب نيتشه كرد ٍ‬


‫فعل على األخالق املسيحية الراجية يف أوروبا واملتأثرة بأخالق الرواقيني‪.‬‬

‫خالف نيتشه املسيحية واعتربها موجبة للضياع والفساد وخمالفة للحياة (مثاالً على ذلك‪ ،‬راجع‪ :‬الدجال(ضد‬
‫طبيعي للحياة والبقاء فيها وأ ّن هذا‬
‫ّ‬ ‫املسيح) القطعة ‪)62‬ووافق داروين يف االعتقاد بأ ّن احليوانات تسعى بشكل‬
‫مستلزم للتنازع والصراع بينها (راجع‪ :‬إرادة القوة‪ ،‬القطعة ‪ )369‬إاّل أنّه خالف داروين يف كون النتيجة الطبيعية‬
‫هلذا التنازع هو غلبة وانتصار النوع األفضل واألكمل فلم يوافقه يف ذلك‪ ،‬وعلّل ذلك بأ ّن النوع األفضل والذي له‬
‫تعقيداته الكبرية ضعيف يف مقابل النوع األدىن األكرب منه كماً وبالتايل فإ ّن الطبيعة الظاملة ستنصر املوجودات الدنيا‬
‫ال املوجود األكمل (نفس املصدر‪،‬ـ القطع ‪ 684‬و‪.)685‬‬

‫‪234‬‬
‫وضخم تأثري العوامل اخلارجية يف االنتخاب الطبيعي للنوع األفضل‬ ‫كما وأنّه انتقد داروين والذي كرّب ‪ -‬يف رأيه ‪ّ -‬‬
‫(نفس املصدر‪،‬ـ القطعة ‪ .)647‬وقال نيتشه إ ّن اإلنسان ال ب ّد أ ّن يستند إىل إرادته الداخلية الكتساب القدرة والقوة‬
‫واألفضلية بل اعترب يف فلسفته أ ّن "إرادة القوة" هي أساس احلياة (راجع‪ :‬الدجال‪ ،‬القطع ‪ 6‬و‪ )17‬واعترب أ ّن الفردية‬
‫شكل من أشكال‪" :‬الرغبة واإلرادة املستندة إىل القوة"‪( .‬راجع‪ :‬إرادة القوة‪ ،‬القطعة ‪.)784‬‬

‫وبتعريفه اإلنسان بأنّه حيوان وفوق احليوان‪ ،‬واإلنسان األعلى بأنه غري اإلنسان (ما وراء اإلنسان) وفوق اإلنسان‬
‫(راجع‪ :‬نفس املصدر‪ ،‬القطعة ‪ )1027‬اعترب أ ّن اهلدف هو ما وراء اإلنسان وليس نوع اإلنسان (راجع‪ :‬نفس‬
‫الفردي (راجع‪ :‬نفس املصدر‪ ،‬القطع ‪ 958‬و‪.)1026‬‬ ‫ّ‬ ‫املصدر‪،‬ـ القطعة ‪ .)1001‬واعتقد بضرورة إحياء االستبداد‬
‫وكذلك قام نيتشه يف كتابيه اآلخرين "أصالة األخالق" و"ما وراء اخلري والشر" بعد تقسيمه أفراد اإلنسان إىل‬
‫قسمني السادة والعبيد بالتفكيك بني أخالق كال الفريقني‪ .‬ومثاالً على ذلك اعترب القدرة والشجاعة من صفات‬
‫السادة وأما الكذب والرياء واحلقارة فهي من أخالق العبيد‪ ،‬واعتقد بأ ّن أخالق هؤالء ناشئة عن حقدهم على‬
‫أسيادهم وإمنا ُوجدت لرتويض أسيادهم أو االنتقام منهم‪ .‬ومع أ ّن نيتشه يرفض الفردية الكاملة يف األخالق ويعتقد‬
‫بأ ّن أخالق العبيد بالنسبة هلم معتربة (راجع‪ :‬إرادة القوة‪ ،‬القطعة ‪ )287‬فإنّه ينفي القيمة احلقيقيّة ألخالق العبيد‬
‫ويعتقد بقيمة "القوة" املالزمة للّذة والسعادة عنده (راجع‪ :‬نفس املصدر‪ ،‬القطعة ‪ )1023‬ويؤكد أ ّن اإلنسان يُقيَّم‬
‫أخالقيّاً مبقدار قوته‪( :‬راجع‪ :‬نفس املصدر‪،‬ـ القطعة ‪ 382‬و‪ 855‬و‪.)858‬‬

‫وبعبارة أخرى فإ ّن أنانية نيتشه تعين اعطاء األصالة للفرد األقوى وليس أصالة الفرد نفسه‪.‬‬

‫واعترب أ ّن الرجل األقوى واإلنسان األعلى والذي هو من السادة هو من يضع القيم ويوجدها (راجع نفس املصدر‪،‬ـ‬
‫القطعة ‪ ,999‬ما وراء اخلري والشر‪ ،‬القطعة ‪ )260‬ويصرح بأ ّن مثل هذا الشخص ال ب ّد أ ّن يكون شكاكاً بغريه‬
‫(راجع‪ :‬إرادة القوة‪ ،‬القطعة ‪ ،)963‬حقرياً سيئاً قاتالً (نفس املصدر‪ ،‬القطع ‪ 967‬و‪ ،)1026‬ظاملاً معتدياً ومضالً‬
‫لآلخرين ومستغالً هلم (نفس املصدر‪،‬ـ القطعة ‪ ،)968‬ونفى التساوي بني أفراد اإلنسان واعتربها خرافة (نفس‬
‫املصدر‪،‬ـ القطعة ‪ ،)864‬مدمرة (نفس املصدر‪،‬ـ القطعة ‪ ،)871‬ولغواً (نفس املصدر‪ ،‬القطعة ‪ ،)874‬بل اعتقد بأ ّن‬
‫التساوي بني الناس يف احلقوق خمالف للطبيعة واألخالق (نفس املصدر‪ ،‬القطعة ‪.)734‬‬

‫ٍ‬
‫استغالل أو تدم ٍري يف ذاته باطالً وغري مشروع‪ ،‬أل ّن احلياة يف أساسها‬ ‫أي إضرا ٍر أو‬
‫"وال ميكن أ ّن يكون ّ‬

‫‪235‬‬
‫تقوم على اإلضرار والتجاوز واالستغالل والتدمري" (أصالة األخالق‪ ،‬البحث الثاين‪ ،‬القطعة‪.)11‬‬

‫األخالقي ذكرها بلسانه يف كتابه الدجال‪ ،‬القطعة الثانية حيث يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫خالصة ملذهب نيتشه‬ ‫وميكن االشارة إىل‬
‫ّ‬

‫الشر؟ هو العجز الزائد‪ ،‬ما‬‫القوة عند اإلنسان‪ ،‬ما هو ّ‬ ‫القوة‪ ،‬ونفس ّ‬ ‫حس القوة‪ ،‬وإرادة ّ‬‫يقوي ّ‬‫"ما هو اخلري؟ هو ما ّ‬
‫القوة ‪ -‬االحساس بالتغلب على املوانع ‪ -‬ليست الفرح بل القوة الكربى‪،‬‬ ‫هي السعادة؟ هي االحساس بازدياد ّ‬
‫العجز واملعاقني‪ ،‬وهذا‬‫ليست الصلح بأي وجه بل احلرب‪ ،‬ليست الفضيلةـ بل االقتدار والعلو‪ ...‬وال ب ّد من ابادة َّ‬
‫أول أصل إنساينّ عندنا‪ ،‬إذ ال ب ّد من اعانة اإلنسان يف هذا األمر املهم‪ .‬ما هو الشيء األكثر ضرراً من الفساد؟‬
‫أي املسيحية"‪.‬‬
‫العجز واملعاقني ّ‬
‫الفعال مع ّ‬
‫التعاطف ّ‬
‫األخالقي األثر الكبري يف ظهور الفاشية والنازية‪ .‬وعلى حد قول "اسرتن"‪" :‬إ ّن االقرار‬
‫ّ‬ ‫وقد كان ملذهب نيتشه‬
‫أهم األصول االعتقادية عند‬‫والتأكيد على هذه" األنا "واالحساس العميق والكبري باألصالة الشخصيّة كان من ّ‬
‫أي شخص مبقدار ما قام به هتلر من حتقيق "القيم األنانية" (راجع‪ :‬جوزيف بيسرت‬ ‫الفاشية والنازية ومل يقرتب ّ‬
‫اسرتن‪ ،‬نيتشه‪ ،‬ترمجة عزت اهلل فوالدوند‪ ،‬ص‪ ،)97‬وعلى حد قول راسل أيضاً "إذا أخذنا نيتشه على أنّه جمرد‬
‫مرض‪ ،‬فال بد من القول بأن هذا املرض قد شاع واستشرى يف هذا العصر اجلديد" تاريخ فلسفه غرب‪ ،‬ترمجة جنف‬ ‫ٍ‬
‫دريا بندري‪ ،‬ص‪.)1048‬‬

‫وعلى الرغم من انتقاد نيتشه لقبول الظلم واحلقارة والعجز والضعفـ والرياضات املخالفة للطبيعة اإلنسانية‪ .‬وهذا يف‬
‫حد نفسه جدير باالهتمام وقد تعرض آخرون لنقدها أيضاً أمثال هيوم (راجع‪ :‬دايفد هيوم‪ ،‬تاريخ طبيعى دين‪،‬‬
‫ترمجة محيد عنايت‪ ،‬ص‪ )84‬وكارل ماركس (راجع‪ :‬اندريه بيرت‪ ،‬ماركس وماركسيسم‪،‬ـ ترمجة شجاع الدين‬
‫وموج ٍه له‪ ،‬وإ ّن استدالله‬
‫حولته إىل مؤيد للظلمـ ّ‬
‫ضيائيان‪ ،‬ص‪ .)237‬إاّل إ ّن تأكيد نيتشه على القوة والسلطة املادية ّ‬
‫على نفي احلقوق اإلنسانية املتساوية بناءً على قانون الطبيعة هو خلط بني التكوين والتشريع‪ .‬والنكتة االجيابية يف‬
‫بغض النظر عن‬
‫عما قام به من التوجيه والبيان ‪ -‬هو اعتقاده بأصل القوة إذ إهنا ّ‬ ‫وبغض النظر ّ‬
‫ّ‬ ‫نظريته األخالقيّة ‪-‬‬
‫نوعها تعترب كماالً حقيقياً لإلنسان وإحدى األمور املطلوبة له طبيعياً‪.‬‬

‫ٍ‬
‫حوارات جرت‬ ‫حيث إ ّن أكثر النظريات واآلراء تنسب إىل سقراط‪ ،‬فإ ّن النظريات الّيت نقلها أفالطون على شكل‬
‫بني سقراط وغريه‪ ،‬كانت مورد خالف عند املختصني يف هذا اجملال حول نسبتها كلها أو بعضها إىل سقراط‪ ،‬أو‬
‫هل أ ّن أفالطونـ ذكر نظرياته على لسان سقراط ومل ينسبها إىل نفسه‪ .‬ورمبا ميكن اعتبار اآلثار األوىل ألفالطون‬
‫الّيت نقل فيها عن سقراط أو كان لألخري دور‬

‫‪236‬‬
‫مهم وأصلي فيها منسوبة إىل سقراط‪ .‬وأما اآلراء املذكورة يف اآلثار املتأخرة ألفالطون وخاصة تلك الّيت مل يصرح‬
‫فيها باسم سقراط ميكن اعتبارها من آثار أفالطون‪.‬‬

‫صعب جداً‪.‬‬
‫ومع هذا فإ ّن التفكيك الكامل بني نظريات وآراء هذين العلمني ٌ‬

‫ومع هذا التذكري سوف نشري باختصا ٍر جداً إىل اسم النظرية األخالقيّة عند سقراط وأفالطون وأرسطو‪:‬‬
‫‪ -‬سقراط (‪469 - 399( )s ocrates‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫كل شيء (فيلبُس‪ )20 ،‬وأن الروح‬ ‫مع قبول سقراط بأ ّن اخلري األصلي جيب أ ّن يكون أكمل األشياء ومستقالً عن ّ‬
‫(النفس) أفضل من اجلسم (كريتون‪ )48 ،‬اعترب أ ّن انسجام النفس واعتداهلا يف الدرجة األوىل من حيث القيمة‬
‫(فيلبس‪ )66 ،‬وأ ّن الفضائل األخالقيّة كالتقوى والعدالة من نتائج اعتدال النفس (غورغياس‪ .)508 ،‬وأ ّن السعادة‬
‫والشر مساوياً لألمل‬
‫حاصل هذه الفضائل (غورغياس‪ )508 ،‬واعترب اخلري يف بعض املوارد مساوياً للّذة‪َّ ،‬‬
‫(بروتاغوراس‪ 353 ،‬و‪ 354‬و‪ 355‬و‪ )358‬ولكنه يف موارد أخرى اعترب بصراحة أ ّن اللذة غري اخلري وأ ّن األمل‬
‫الشر (غورغياس ‪ 494‬إىل ‪ ،500‬و‪ 506‬و‪ ,513‬فيلبُس ‪ 66 ،54 ،32 ،11‬و‪ )67‬والظاهر أ ّن مراده من‬ ‫غري ّ‬
‫نفي اللذة هو نفي الشهوات احليوانية (فيلبُس‪ )67 ،‬واعترب أ ّن اللذة غري احلقيقيّة يف مقابل اللذة احلقيقيّة‪ ،‬واللذة غري‬
‫اخلالصة يف مقابل اللذة اخلالصة‪ ،‬وقال إ ّن اللذة احلقيقيّة واخلالصة ناشئة عن إدراك حسي أو علم ما وأهنا خمصوصة‬
‫بالروح (فيلبس‪.)66 ،52 ،51 ،‬‬

‫إال أنّه اعترب أ ّن اللذة اخلالصة غري كاملة يف نفسها (فيليب‪ )67 ،‬بل اعترب أهنا مالزمة للخري وأهّن ا يف املرتبة اخلامسة‬
‫من حيث القيمة (فيلبس‪ .)66 ،‬وذهب سقراط إىل أ ّن سالمة الروح بل وحىت سالمة اجلسم شرط للسعادةـ‬
‫األعم من السعادة األخالقيّة‬
‫(غورغياس‪ 512 ،‬وكريتون‪ 47 ،‬و‪ ,)48‬إاّل أ ّن الظاهر كون مراده من هذه السعادة ّ‬
‫كل الفضائل إىل املعرفة احلاصلة بالتعقل‪،‬ـ ولذا فإ ّن املعرفة حسنة يف ح ّد ذاهتا‬
‫تتحصل باالختيار‪ ،‬وأرجع ّ‬
‫ّ‬ ‫الّيت‬
‫(أوثودموس‪ 281 ،‬و‪ ،282‬وفيلبس‪ )11 ،‬وأهنا كافية لكسبـ الفضيلة والسعادة (بروتاغوراس ‪ 345‬و‪ 352‬و‬
‫‪ 355‬و‪ 357‬و‪ ،358‬والخس‪ ،194 ،‬ومنون ‪ 77‬و‪ ،78‬واوثودموس ‪ ،)280‬وقال بوحدة الفضيلة‬
‫(بروتاغوراس ‪ 329‬إىل ‪ .)360‬ومع هذا فقد اعتقد بأ ّن الفضيلةـ ليست جزءاً من طبيعتنا وليست اكتسابية بل إهنا‬
‫حلولية يف اإلنسان بعناية من اهلل (منون ‪ 99‬و‪.)100‬واعترب أ ّن الفضيلةـ نافعة والنفع شرط للسعادةـ (اوثودموس‪،‬‬
‫‪ )280‬وأهنا معادلة للخري (بروتاغوراس ‪ ،333‬وغورغياس ‪ .)468‬ومن بعد سقراط أصبحت مفاهيم "اللذة"‬
‫تأكيد عند بعض املفكرين وظهرت كمذاهب أخالقيّة مستقلة‪.‬‬ ‫و"النفع" و"سالمة الروح" مورد ٍ‬

‫‪237‬‬
‫‪ -‬أفالطون ( ‪ 427 - 347( ) plato‬ق‪.‬م)‬

‫لكل موجود هي األشياء الّيت تتالءم مع طبيعته (اجلمهورية ‪ )586‬قام‬‫بعد أن أ ّكد أفالطون على أ ّن أفضل األشياء ّ‬
‫بتشريح وبيان األجزاء املختلفة لروح اإلنسان فقال إهنا مركبة من جزء عقالينّ ‪ -‬يسعى حنو املعرفة ‪ -‬وجزء‬
‫عاطفي ‪ -‬يطلب اجلاه وهو منشأ الغضب واإلرادة‬
‫ّ‬ ‫شهواينّ ‪ -‬يسعى الرضاء امليول احليوانية وجلب النفع ‪ -‬وجزء‬
‫‪( -‬نفس املصدر‪،‬ـ ‪ 439‬إىل ‪ ،441‬و‪ 580‬إىل ‪ )581‬واعترب أ ّن املالءمة مع طبيعة اإلنسان يف كون اجلزأين‬
‫األخريين من النفس تابعان ومطيعان للجزء العقلي منها (نفس املصدر‪،‬ـ ‪.)586‬‬

‫وقسم أفالطون أيضاً اللذائذ املختلفة وبالتناسب مع أجزاء النفس الثالثة إىل ثالثة أقسام‪ ،‬واعترب أ ّن أعلى اللذات‬
‫العقلي‬
‫ّـ‬ ‫العاطفي واجلزء الشهواينّ للجزء‬
‫ّ‬ ‫أي اللذة الصادقة الواقعيّة واملوافقة لطبيعة أجزاء النفس هي يف إطاعة اجلزء‬
‫ّ‬
‫( نفس املصدر‪ 581 ،‬إىل ‪ 583‬و‪.)586‬‬

‫واعترب أفالطون الفضيلةـ يف القدرة وسالمة الروح وأ ّن الرذيلة يف العجز ومرض الروح‪ ،‬واعتقد بأ ّن الرذيلة نتيجة‬
‫اخلاصة‪ ،‬وبعبارة أخرى طغيان ذلك اجلزء الّذي مبقتضى طبيعته وظيفته‬ ‫ٍ‬
‫كل جزء من النفس بوظيفته ّ‬ ‫عدم عمل ّ‬
‫االطاعة (نفس املصدرـ ‪ )444‬ويشري أفالطون إىل أ ّن اهلدف من اكتساب الفضيلة هو وصول اإلنسان إىل آخر ٍ‬
‫حد‬
‫ممكن من الشباهة باآلهلة (نفس املصدر‪،‬ـ ‪ )613‬واعترب أيضاً أ ّن املعرفة كافية لتحصيل الفضيلةـ (القوانني‪ 731 ،‬و‬
‫‪ ،860‬واجلمهورية ‪)589‬على أساس أ ّن املعرفة احلقيقيّة هي معرفة املثل‪ ،‬حيث إ ّن معرفة مثال "اخلري" يوجب‬
‫كل اخلريات باعتقاده (اجلمهوية‪.)505 ،‬‬
‫حتصيل ّ‬

‫‪ -‬أرسطو‬

‫كل األشياء األخرى‬


‫إ ّن أرسطو ومبالحظة عدم امكان التسلسل قال بلزوم تلك الغاية املطلوبة لذاهتا واليت تطلب ّ‬
‫من أجلها واعتقد بأ ّن هذه الغاية هي اخلري األعلى (أخالق نيكوماخوس‪ )1094a ،‬وأهنا هي السعادة (نفس‬
‫املصدر‪،‬ـ‪.)1176b, 1097b‬‬

‫واعترب أ ّن طريق السعادة يتح ّقق مبطابقة احلياة مع الفضيلةـ (نفس املصدرـ ‪ 1098a‬و‪ ) 1177a‬وبتصرحيه أ ّن اخلري‬
‫صرح بأ ّن الفضيلة والسعادة ناظرة إىل النفس أيضاً ال إىل البدن‬
‫ناظر إىل النفس (نفس املصدر‪،‬ـ ‪ّ )1098b‬‬ ‫احلقيقي ٌ‬
‫(نفس املصدرـ ‪.)1102a‬إال أ ّن أرسطو اشرتط بعض األمور األخرى للسعادةـ مضافاً إىل الفضيلةـ وهي التمتع‬
‫ببعض الشرائط اخلارجية للقيام باألعمال احلسنة واالبتعاد عن اآلالم واملصائب‪ ،‬بل إنّه اشرتط هلا أيضاً ‪ -‬بناءً على‬
‫فهمه للسعادةـ ‪ -‬بعض الشرائط غري‬

‫‪238‬‬
‫االختيارية كالتمتّع باجلمال أو الوالدة يف عائلة شريفة (نفس املصدرـ ‪)1095b، 1096a، 1099a، 1099b‬‬
‫وصرح‬
‫وبالتايل اعترب الفضيلة غري كافية للسعادة‪،‬ـ وأهنا ليست الغاية النهائية (نفس املصدر‪ 1095b ،‬و‪ّ )1097b‬‬
‫يف نفس الوقت بأ ّن حتمل املصائب واألمور غري املالئمة لإلنسان عالمة على شرفه (نفس املصدر‪،‬ـ ‪ ،)1100b‬وأ ّن‬
‫سالمة البدن والشرائط اخلارجية مع االعتدال والضرورةـ كافية للسعادةـ (نفس املصدر‪،‬ـ ‪.)1179a‬‬

‫إ ّن أرسطو بتعريفه الفضيلة على أهنا ملَكة نفسانية (نفس املصدر‪ )1105b، 1106a ،‬تبعث على التقدير (نفسه‪،‬‬
‫‪ )1103a‬وحاكية حلضورـ القاعدة الصحيحة ‪ -‬احلكمة العمليّة ‪( -‬نفسه‪ )1144b ،‬قسم الفضائل إىل فضائل‬
‫عقلية ‪ -‬احلكمة النظرية‪ ،‬الرأي السديد واحلكمة العمليّة ‪ -‬وفضائل أخالقيّة ‪ -‬نظري الكرم والتقوى ‪( -‬نفسه‬
‫‪ 1102b‬و‪ )1103a‬وقال إ ّن الفضيلةـ األخالقيّة الواقعيّة قابلة للحصولـ هبداية من العقل (نفسه‪)1144b ،‬‬
‫ولكنه مع هذا مل يقبل كالم سقراط القائل إ ّن معرفة الفضيلة تكفي لكون اإلنسان فاضالً (نفسه‪)1179b ،‬‬
‫واعترب ذلك خالف العقيدة الرائجة والواقعيّات اجملربة (نفسه‪ )1145b ،‬واعتقد أ ّن الفضيلة والرذيلة ملكتان‬
‫الشر أيضاً مطلوب ومعلوم (نفسه‪1113 ،‬‬ ‫اختياريتان (نفسه‪ 1113b، 1114a، 1114b ،‬و‪ ،)1115a‬وأن َّ‬
‫‪ )b‬وأ ّن املعرفة إحدى الشرائط غري األساسية حلصول الفضيلة‪ ،‬وأ ّن الفضيلةـ حتصل فقط بتكرار العمل والتعود عليه‪.‬‬
‫(نفسه‪ 1103a ،‬و‪ )1105b‬ومن املمكن إثر ضعف النفس أ ّن تتغلّب امليول على النتائج احلاصلة من التأمل‬
‫(نفسه ‪ 1150b‬و‪ )1152a‬ولكنه من ٍ‬
‫طرف آخر فإنّه قد شبّه من يتأثر بالعواطفـ وامليول بالشخص املخمور أو‬
‫احلسي فقط‬
‫والتحرز إمنا تنشأ إذا كانت املعرفة مستندة إىل االدراك ّ‬
‫ّ‬ ‫النائم‪ ،‬ويصل إىل االستنتاج أ ّن عدم التقوى‬
‫الواقعي (نفسه ‪ 1146b‬إىل ‪ 1147b‬و‪ ،)1152a‬ويصرح بأنه يف النهاية قد وصل‬ ‫ّ‬ ‫وعدم حضور املعرفة مبعناها‬
‫إىل النتيجة الّيت سعى سقراط إلثباهتا (نفسه‪ .)1147b ،‬وباعتقاد أرسطو فإ ّن من ميتلك احلكمة العمليّة ال يرتكب‬
‫قبيح (نفسه‪.)1146a ،‬‬ ‫عمل ٍ‬ ‫أي ٍ‬ ‫باختياره ّ‬

‫الواقعي ال يدرك مع وجود امليول واهليجان واالضطراب واحلرية (نفسه ‪.)1147b‬‬


‫ّ‬ ‫وإ ّن العلم‬

‫جمرد علم بل هي علم يتحقق يف مقام العمل (نفسه ‪ )1152a‬حيث إ ّن‬ ‫وكذلك فإنّه ال يعترب احلكمة العمليّة ّ‬
‫الواقعي وإمنا تتحقق بالعملـ املوافق لذلك العلم‪ .‬ويعترب أرسطو أ ّن الفضيلةـ‬
‫ّ‬ ‫احلكمة العمليّة ظاهراً هي نفس العلم‬
‫كل الفضائل مرتبط بعضها ببعض وال ينفك بعضها عن‬ ‫األخالقيّة تشمل النية والعمل أيضاً (نفسه ‪ )1178b‬وأ ّن ّ‬
‫بعض (نفسه ‪ 1144b‬و‪.)1145a‬ويف رأي أرسطو فإ ّن الفضيلةـ األخالقيّة تتحصل باالعتدال وهي احل ّد األوسط‬
‫بني االفراط والتفريط (نفسه ‪ 1104a‬و‪)1106b‬‬

‫‪239‬‬
‫العقلي ومن املمكن تفاوته تناسباً مع خمتلف األفراد (نفسه‪،‬‬
‫ّـ‬ ‫العيين بل‬
‫ويوضح ذلك بأ ّن مراده ليس احل ّد األوسط ّ‬
‫كل شيء‪ ،‬ومثاالً على‬ ‫‪ 1106a‬و‪ 1106b‬و‪ )1107a‬هذا أوالً‪ ،‬وثانياً إ ّن احل ّد الوسط املطلوب ال يوجد يف ّ‬
‫ذلك فإ ّن احلقد واحلسد والزنا والسرقة قبيحة دائماً‪ ،‬وخالصة الكالم أنّه ال ح ّد وسطاً لالفراط والتفريط وال تفريط‬
‫وإفراط يف احل ّد الوسط (نفسه‪ .) 1107a،‬ومع التفاته إىل صعوبة تعيني احلد األوسط بدقّة اعترب أ ّن أفضل الطرق‬
‫لتعيينه هو خمالفة امليول واألمور الّيت يظنها الفرد لذيذة (نفسه ‪ 1109a‬و‪.)1109b‬نعم إ ّن أرسطو يقبل بكون‬
‫طبيعي كسائر املوجودات احلية (نفسه‪ 1104b ،‬و‪ 1157b‬و‪ )1172a‬إاّل أنّه‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان يسعى حنو اللذة بشكل‬
‫بتقسيمه اللذائذ إىل طبيعية وغري طبيعية (عرضية) أو نفسية ونسبية (نفسه ‪ 1148a‬و‪ 1148b‬و‪ )1154b‬اعترب‬
‫أ ّن اللذائذ اخلالصة واليت ال جتتمع مع األمل والقهر كاللذة العقلية واللذة الناشئة عن األعمال املوافقة للفضيلةـ هي‬
‫احلقيقي هي‬
‫ّ‬ ‫لذائذ طبيعية ونفسية (نفسه ‪ ،1099a‬و‪ 1153a‬و‪ )1154b‬واعتقد بأ ّن أمثال هذه اللذائذ مبعناها‬
‫املناسبة للوجود اإلنساينّ (نفسه‪ )1176a ،‬وأ ّن اللذات اجلسمانية الّيت يطلبها أكثر الناس واألطفال واحليوانات ال‬
‫ميكن عدها "خرياً" أصيالً وحقيقياً (نفسه ‪ 1113a‬و‪ 1113b‬و‪ 1153a‬و‪.)1177a‬‬

‫حيس‬
‫ويعتقد أرسطو بأ ّن الرتبية الصحيحة يف أ ْن يُعلّم اإلنسان بأن يلت ّذ يف املوضع الّذي جيب فيه أ ّن يُلتذ‪ ،‬وأن ّ‬
‫التعود عليه‬
‫باألمل يف املوضع الّذي جيب فيه االحساس باألمل (نفسه‪ 1104b ،‬و‪ )1172a‬وهذا العمل حيتاج إىل ّ‬
‫عن طريق القانون (نفسه ‪ 1179b‬إىل ‪ )1180b‬وهلذا السبب فإ ّن أرسطو ال يقبل بأ ّن اللذة هلا القيمة األعلى‬
‫كل لذة مرغوبة ومطلوبة" (نفسه‪ )1174a ،‬بل إ ّن اللذة املصاحبة‬ ‫حيث يقول‪" :‬ال اللذة هي اخلري األعلى وال أ ّن ّ‬
‫للعمل احلسن حسنة واللذة املصاحبة للعملـ القبيح قبيحة (نفسه‪ )1175b ،‬إاّل أنّه باعتباره اجلهد الناشئ عن‬
‫الفضيلة لذة (نفسه‪ )1120a ،‬اعترب أ ّن السعادة تصاحب اللذة (نفسه‪ )1153b ،‬وأهنا أل ّذ األشياء (نفسه‪،‬‬
‫‪.)1099a‬‬

‫ومن جهة أخرى فإ ّن أرسطو استناداً إىل أ ّن البعد احلقيقي لإلنسان هو عقله وأن أفعال اإلنسان من هذه اجلهة تشبه‬
‫أفعال اآلهلة استنتج بأن احلياة املوقوفة على العقل واملتطابقة معه هي أفضل وأل ّذ وأسعد حياة لإلنسان‪ ،‬وهلذا فإ ّن‬
‫الفالسفة هم أسعد الناس (نفسه ‪ 1177b‬و‪ 1178a‬و‪ 1178b‬و‪.)1179a‬‬

‫حب األشياء األخرى (نفسه‪ 1166a ،‬و‪)1168b‬‬ ‫حب الذات واألنا أمر طبيعي وأهنا منشأ ّ‬‫واعترب أرسطو أ ّن ّ‬
‫واعتقد بأ ّن األنا إذا كانت مبعىن االختصاص بأكرب قد ٍر من الثروة واالفتخار واللذات اجلسمانية فهي مذمومة‪ ،‬وأما‬
‫إذا كانت مبعىن اختيار أشرف اخلصائل والفضائل لنفسه بإمرة العقل‬

‫‪240‬‬
‫فهي حسنة وموجبة النتفاع اآلخرين أيضاً (نفسه‪ 1168b ،‬و‪ 1169a‬و‪" )1169b‬بل إ ّن احلياة (الوجود)‬
‫السعيدة بكاملها مطلوبة يف نفسها لإلنسان (أل ّن احلياة بالطبع حسنة ولذيذة)" (نفسه‪.)1170a ،‬‬

‫بناءً على ما تقدم ميكن القول إ ّن سقراط مع قبوله بالقيمة الذاتية للسعادة وأصالة نفس اإلنسان اعترب أ ّن السعادة‬
‫يتم عرب طريق املعرفة والعقل‪.‬‬
‫نوعٌ من االنسجام بني قوى النفس ّ‬
‫األصلي من أجزاء‬
‫ّ‬ ‫فصل كالمه بشكل أكرب واعترب اجلزء العقالينّ هو اجلزء‬ ‫وأما أفالطون فإنّه بتشريح أجزاء النفس ّ‬
‫النفس وأفضلها وأعالها وأ ّن حاكمية العقل عن طريق املعرفة مبثل "اخلري" موجبة للسعادة‪.‬‬

‫وكذلك فإ ّن أرسطو وبناءً على هذه املباين لكن مع عدم قبوله باملثل األفالطونية اعترب أ ّن املعرفة النظرية واحلكمية‬
‫ُ‬
‫العمليّة توصالن إىل السعادة‪.‬‬

‫يسمى مبذهب "انسجام‬ ‫األخالقي هلؤالء الفالسفة الثالثة وبناءً على الوجه املشرتك بينهم ال ب ّد أ ّن ّ‬
‫ّ‬ ‫ولذا فإ ّن املذهب‬
‫أجزاء وجود اإلنسان بناء على اجلزء األكمل منها"‪ .‬لكن مع االلتفات إىل أ ّن هؤالء الفالسفة قد اعتربوا العقل‬
‫األهم يف النفس اإلنسانية وأ ّن النفس هي اجلزء األكمل واألفضل يف الوجود اإلنساين‪ ،‬ومن أجل رعاية‬ ‫اخلصيصة ّ‬
‫االختصار وتبسيط الكالم ميكن اختصار تسمية هذا املذهب بقولنا إنّه مذهب "االنسجام العقالين"‪ .‬وباعتبار أ ّن‬
‫عناوين السعادة والكمال والفضيلةـ والروح تشمل مذاهب أخالقيّة أخرى مل يكن من املناسب تسمية مذهبهم هبذه‬
‫املعريف إاّل أ ّن ذلك ال ينطبق على‬
‫ّ‬ ‫األخالقي لسقراط وأفالطون باملذهب‬
‫ّ‬ ‫األمساء‪ ،‬وبالرغم من إمكان تسمية املذهب‬
‫مذهب أرسطو‪ ،‬وكذلك فإ ّن عنوايَن اللذة والنفعية بسبب داللتهما على مذاهب أخرى مشهورةـ وغري مقبولةـ عند‬
‫هؤالء الفالسفة مل يكن من املناسب أيضاً تسمية مذهبهم هبذين االمسني والعنوانني‪.‬‬

‫وال بد أ ْن نشري ها هنا إىل أ ّن العلماء املسلمني تلقوا بالقبول عمدة املطالب األخالقيّة يف مذهب هؤالء الفالسفة‬
‫الثالثة وأخرجوها بشكل أكمل‪.‬‬

‫ومن مجلة هذه املوارد ميكن االشارة إىل حبث كفاية املعرفة لتحصيل الفضيلة والسعادة واليت دافع عنها سقراط‬
‫نوع من املعرفة بالفضيلة‬
‫كل ٍ‬‫مر معنا مل يعتقد بكفاية ّ‬
‫وأفالطون عموماً فيما خالف أرسطو ذلك حيث إنّه وكما ّ‬
‫لتحصيل الفضيلة باستثناء املعرفة احلقيقيّة بالفضيلة واليت مساها احلكمة العمليّة‪.‬‬

‫لكن ال ب ّد من القول إن املعرفة احلصولية بالفضيلة ومهما كانت قوهتا غري كافية لنيل الفضيلة والشاهد على ذلك ‪-‬‬
‫وكما أشار إليه أرسطو نفسه ‪ -‬خمالفة هذا الكالم للواقعيات التجريبية‪ .‬وقد أشار القرآن الكرمي إىل ذلك أيضاً يف‬
‫قصة فرعون وقومه حيث أهنم مع تيقنهم مبعجزات النيب موسى عليه السالم‬

‫‪241‬‬
‫اسَتْي َقنَْت َها أَن ُف ُس ُه ْم ظُْل ًما َوعُلًُّوا‪("...‬النمل‪ )14 :‬وكذلك يف مورد بعض أهل‬ ‫هِب‬
‫"و َج َح ُدوا َا َو ْ‬ ‫قاموا بانكارها‪َ :‬‬
‫اه ُم‬ ‫َّ ِ‬
‫ين آَتْينَ ُ‬
‫الكتاب إذ أهنم مع معرفتهم بنيب اإلسالم صلى اهلل عليه وآله وسلم كتموا احلق ومل يعملوا به‪" :‬الذ َ‬
‫اءه ْم َوإِ َّن فَ ِريقاً ِّمْن ُه ْم لَيَكْتُ ُمو َن احْلَ َّق َو ُه ْم َي ْعلَ ُمو َن‪("...‬البقرة‪.)146 :‬‬ ‫ِ‬
‫اب َي ْع ِرفُونَهُ َك َما َي ْع ِرفُو َن أ َْبنَ ُ‬
‫الْكتَ َ‬

‫إ ّن كفاية املعرفة لتحصيل الفضيلة والسعادة استندت إىل هذا االستدالل القائل إ ّن اإلنسان دائماً يطلب ما هو خريٌ‬
‫تام ألنّه وكما يعتقد هؤالء‬‫شر ونقص له‪ .‬إاّل أ ّن هذا االستدالل غري ٍ‬ ‫وكمال له وال ميكن أ ّن يطلب شيئاً يعلم بأنه ٌّ‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫اخلاصة هبا ورمبا تتزاحم كماالهتا‬
‫لكل منها كماهلا اخلاص ومطلوبيتها ّ‬ ‫الفالسفة فإ ّن لإلنسان مراتب وجودية خمتلفة ٍّ‬
‫ومطلوبياهتا بعضها مع بعض ويف مثل هذه املوارد فإ ّن ما يُع ّد كماالً لإلنسان وبالتايل يكون مطلوباً له يف مرتبة ما‬
‫سيكون نقصاً ملرتبة أخرى وبالتايل غري مطلوب له أيضاً‪.‬‬

‫وموجب لكماله فإنّه لذلك يسعى حنوه ويريده مع‬


‫ٌ‬ ‫وبعبارة أخرى فإ ّن اإلنسان كلما علم بأ ّن شيئاً ما هو خريٌ له‬
‫الشر‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أنّه يف أكثر املوارد فإ ّن األعمال الّيت توصل اإلنسان إىل خري وكمال ومرتبة من مراتبه الوجودية ستوجب ّ‬
‫يشخص سواء بالعقلـ أو بغريه كالوحي اإلهلي‬
‫والنقص ملرتبة أخرى من تلك املراتب‪ .‬نعم من املمكن لإلنسان أ ّن ّ‬
‫حيصل املعرفة به‪ ،‬إاّل أ ّن صرف املعرفة العقالنية ال تزيل من البني تأثري األبعاد األخرى عند اإلنسان‬
‫اخلري األعلى وأن ّ‬
‫لتحصيل كماله‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن من يلزم نفسه فقط بتبعية املعرفة الصحيحة ويشحذ مهته وعزمه على ذلك سيسري‬
‫احلقيقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يف طلب طريق اخلري والكمال‬

‫وحتماً إ ّن ما ذكرناه يرتبط باملعرفة احلصولية‪ ،‬وأما املعرفة احلضورية واليت هي عني إدراك الواقع فإهّن ا تتأيت مصاحبة‬
‫مع اخلري والكمال والفضيلةـ والسعادة بل هي عينها وليست شرطاً الزماً لنيلها وال أهنا كافية حلصوهلا‪.‬‬

‫يعترب آدم مسيث (‪ 1723( )Adam Smith‬ـ ‪1790‬م)‪ ،‬وآرثور شوبنهاور(‪Arthur Schpop‬‬
‫‪ 1788( )pendauer‬ـ ‪ ،)1860‬وأغوست كونت (‪ 1798( )Augiste Cooonte‬ـ ‪1857‬م) من‬
‫العاطفي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أنصار املذهب‬

‫أكد مسيث على مسألة العاطفة واحملبة‪ ،‬وقد سعى لبيان إمكان احملبة بناءً على التخيل حيث يقول‪" :‬حيث إننا ال‬
‫منتلك جتربةً بال واسطة عن إحساس اآلخرين فليس لدينا سوى هذا الطريق التصوري ملعرفة كيفية تأثرهم وهو أ ّن‬
‫ٍ‬
‫مشابه هلم"‪( .‬فردريك كابلستون‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪ ،5‬ترمجة‬ ‫نتصور ما هو إحساسنا إذا وضعنا أنفسنا يف وضع‬
‫أمري جالل الدين أعلم‪ ،‬ص‪ 371‬نقالً عن آدم مسيث‪ ،‬نظرية االحساسات األخالقيّة‪ ،‬ص‪.)2‬‬

‫‪242‬‬
‫واعترب أ ّن العاطفة هي اإلحساس األصلي يف الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬وقد كان معتقداً بعدم امكان أ ْن تكون العاطفة‬
‫ناشئة عقالً عن النفع الشخصي واحملبة النفسية ألن هذا االحساس حيصل وينبعث بشكل مباشر بال واسطة‪ .‬وحيث‬
‫األخالقي (راجع‪ :‬نفس‬
‫ّ‬ ‫طبيعي اعتربها أساس األخالق ومبىن التقييم‬
‫ّ‬ ‫إ ّن العاطفة عنده متوجهة إىل اخلري بشكل‬
‫املصدر‪،‬ـ ص‪ ,371‬يوسف كرم‪ :‬تاريخ الفلسفة احلديثة‪ ،‬ص‪.)160‬‬

‫مشكل حيث أنّنا نرى مصاديق هذه العاطفة واحملبة بني أنواع‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫إال أ ّن إثبات اختصاص العاطفة باإلنسان ٌ‬
‫احليوانات األخرى ولذا فإنّه أقام الدليل فقط على إمكاهنا لريجحها على بقية أحاسيس اإلنسان األخرى‪.‬‬

‫والغريزي للمنافع الشخصيّة وتابعاً‬


‫ّ‬ ‫االمجايل‬
‫ّ‬ ‫كما وأ ّن االنبعاث املباشر للعاطفةـ قد يكون ناشئاً عن نوع من اإلدراك‬
‫هلا‪ ،‬وكذلك فإ ّن اعتبار كوهنا خرياً قبل التعيني الدقيق خلري اإلنسان ال ميكن إثباته‪.‬‬

‫وأما شوبنهاور فقد قبل بالتالزم بني احلياة واألنانية واعتقد بأ ّن إرادة احلياة سوف تظهرك مبظهر املتكرب املتعجب‬
‫شر (راجع فردريك كابلستون‪ :‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪ ،7‬أز فيشته تا‬ ‫شر واألنانية ّ‬
‫املغرور املتن ّفر والعنيد‪ .‬واعترب أ ّن احلياة ّ‬
‫وتفرق إرادة‬
‫كل املصائب سببها الكثرة العارضة على هذا العامل ّ‬ ‫نيجه‪ ،‬ترمجة داريوش آشوري‪ ،‬ص‪ )278‬وأ ّن ّ‬
‫كل فرد لنفسه على أنّه حقيقة ما‪ ،‬وأ ّن هذه األنانية هي املسببة إلرادة احلياة‪ ،‬ولو أ ّن‬
‫الكل يف إرادة اجلزء ورؤية ّ‬
‫شخص فهم هذه املعىن ألصبح الكل واحداً ولوصلوا إىل الوحدة والعاطفةـ واحملبة (حممد على فروعىن‪ ،‬سري‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫ّ‬
‫حكمت در أوروبا‪ ،‬ص‪.)435‬‬

‫نعرض أنفسنا‬ ‫وباعتقاد شوبنهاور فإ ّن املوجود واحلياة جرمية يف ح ّد ذاهتما‪ ،‬وهذا هو ّأول ذنب لنا‪ ،‬وكفارته أ ْن ّ‬
‫معقول وممكن احلصول هو اإليقاف الكامل‬ ‫ٍـ‬ ‫جمبورين على األمل واملوت‪ .‬وعلى هذا األساس اعترب أ ّن أكرب خ ٍري‬
‫للحياة‪ ،‬وإذا كانت هناك أخالق يف ح ّد االستطاعة ال ب ّد من إمكان إنكار اإلرادة‪ .‬ولكن حيث إ ّن اإلنسان هو‬
‫عني اجياد اإلرادة فإ ّن انكارها يعين انكار النفس وترويضها وقتلها‪ .‬نعم إ ّن شوبنهاور ال يوصي باالنتحار ألنّه‬
‫تسليم أمام اإلرادة ال انكارها ويعتقد بأ ّن إنكار احلياة وتركها ال ب ّد أ ّن يتم بصو ٍر أخرى غري االنتحار‪( .‬راجع‪:‬‬
‫فردريك كابلستون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.)279 - 278‬‬

‫بتحمل اآلخرين والرأفة الكبرية هبم ويقول يف هذا اجملال‪" :‬إ ّن الناس‬
‫ورغم تأكيده على قيمة العاطفة إاّل أنّه ال يقبل ّ‬
‫أي واحد‬ ‫يشبهون األطفال يف سلوكهم مسالك ال تنفعهم مبجرد اخنداعهم هبا وهلذا السبب ال ب ّد أ ْن ال تتحمل ّ‬
‫منهم بشكل كبري وأ ْن ال تكون كثري الرأفة هبم" (اندريه كرسون‪ ،‬فالسفه بزرك‪ ،‬ترمجة كاظم عمادي‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‬
‫‪ ,179‬يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفةـ احلديثة‪ ،‬ص‪,291‬‬

‫‪243‬‬
‫‪Lawernce. C. Becker of Charlotte. B. Becker, eds, Encylopedia of Ethics,‬‬
‫‪.)v ol2, p. 752-753‬‬

‫وكما ترى باالمكان أ ْن نقول إن عاطفية شوبنهاور مبتناة على رؤيته التشاؤمية حول احلياة والوجود‪ .‬ويف احلقيقة‬
‫فإنّه يعترب أ ّن هدف األخالق هو توقف احلياة ونفي اإلرادة ونفي اإلنسانية‪ .‬لكن مضافاً إىل عدم كون معرفته‬
‫حممد‬
‫الوجودية قائمة على أسس مستدلة حمكمة ميكن الدفاع عنها فإ ّن أكثرها دعاوى بال دليل يعت ّد به (راجع‪ّ :‬‬
‫على فروعين‪ ،‬سري حكمت در اروبا‪ ،‬ص‪.)437‬‬

‫ومن غري املعلومـ يف ذلك العامل الّذي كما يعتقد بأ ّن أساسه اإلرادة وأ ّن اإلرادة تعين امليل إىل الوجود وأهّن ا موجودة‬
‫كل حياة اإلنسان قائمة على األنانية (راجع‪ :‬نفس املصدر‪ ،‬ص‪ )429‬كيف‬ ‫كل وقت وحاضرة دائماً وأ ّن ّ‬ ‫يف ّ‬
‫ميكن ٍ‬
‫حينئذ اعتبار نفي اإلرادة والغريية أمران قيمان وقابالن لاليصاء هبما‪.‬‬

‫وأما أغوست كونت (املعروف بأيب علم االجتماع ومن مؤسسي مذهب الوضعيّة واإلنسانية (‪))Humanisim‬‬
‫فقد مال إىل وجود نوعني من امليول يف داخل اإلنسان‪ :‬األنانية والغريية‪ ،‬وأ ّن الثانية ناشئة عن العواطف القلبية وعن‬
‫الفطرة اإلنسانية‪.‬‬

‫ومع قبوله بأ ّن األنانية يف األصل أقوى من الغريية اعتقد بأ ّن العاطفة جتاه اآلخرين تبدأ بالرشد يف احلياة االجتماعية‬
‫بعد مرحلة األنانية ومن مثّ تتغلب عليها وتتحول إىل شكل من أشكال عبادة النوع‪ .‬ويف هذه الصورة يتح ّقق‬
‫احتياج اإلنسان إىل اخللود ألنّه يعتقد ٍ‬
‫حينئذ بأ ّن امتداد حياته مرتبط ببقاء النوع اإلنساينّ‪ ،‬ويف رأي كونت فإ ّن يف‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يظهر مفهوم الواجب والالزم يف‬ ‫ميل طبيعي إلطاعة امليول الذاتية يف مقابل املصلحة النوعية‬‫اإلنسان ٌ‬
‫حممد على فروعىن‪ ،‬سري حكمت در اروبا‪ ،‬ص‪,457‬‬ ‫األخالق ويصبح شعارنا "احلياة من أجل اآلخرين" (راجع‪ّ :‬‬
‫يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفةـ احلديثة‪ ،‬ص‪ )326 - 324‬وبرأي كونت أيضاً فإ ّن أقدس التكاليف وأعلى‬
‫السعادات هو خدمة اآلخر‪.‬‬

‫إال أ ّن كونت مضافاً إىل عدم إثباته األفضلية األخالقيّة للغريية واعتبارها احل ّد األعلى مليول اإلنسان املختلفة‪ ،‬فإ ّن‬
‫قوله إ ّن خلود الفرد اإلنساينّ يرتبط ببقاء النوع أشبه بالتمثيل والتشبيه من االستدالل‪.‬‬

‫كل األفراد ماضياً وحاضراً ومستقبالً وأهنا ذات وجود واحد امسه‬ ‫ويعترب كونت اإلنسانية أمراً كلياً وأعضاؤها ّ‬
‫نيب هذا الدين‪.‬‬
‫املوجود األكرب وأهنا معبودة ويرى نفسه أنّه ّ‬
‫ومن غري املعلومـ وخاصة مع مالحظة مباين الوضعيّة واليت يُعترب كونت نفسه أحد مبدعيها ‪ -‬والقائلة بعدم القبول‬
‫باحلس والتجربة وأنه غري علمي ‪ -‬كيفية كون بقاء الغري يرجع إىل بقاء الفرد‪ ،‬وكيفية‬
‫ّ‬ ‫بأي أم ٍر ال يُدرك مباشرة‬
‫تأمينها حاجة الفرد للبقاء‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫كل فرد من أفراد اإلنسان خال ٌد وإ ّن اهلدف من األخالق‬
‫وأما بناءً على املعرفة اإلنسانية يف األديان السماويّة فإ ّن ّ‬
‫هو كسب الصفات الالزمة لتحقيق احلياة الفضلى يف تلك احلياة اخلالدة وليس اهلدف من األخالق هو ختليد‬
‫اإلنسان نفسه‪.‬‬

‫وبااللتفات إىل ما ذكرناه فإ ّن هناك اختالفاً يف استدالل العاطفيني على ترجيح العواطف وجعلها معياراً يف‬
‫األخالق وهلذا السبب صرفنا النظر عن ذكرها وحتليلها بالتفصيلـ يف املنت‪.‬‬

‫اعتقد بعضهم بأ ّن األنانية تستلزم التناقض ولذا فهي غري مقبولةـ مستدالً على ذلك بأ ّن منافع األفراد ملا كانت‬
‫متزامحة بعضها مع بعض فإ ّن اعتبار سعي كل ٍ‬
‫فرد لتأمني منافعه أمراً الزماً وقيّماً يوجب التناقض يف هذا اللزوم‬ ‫ّ‬
‫والقيمة‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن األنانية غري قابلة للتعميم‪ ،‬ومثاالً على ذلك حيث إ ّن التزاحم موجود بني لذة الفرد‬
‫لكل األفراد يوجب التناقض يف هذه القاعدة ألنّه من غري‬‫ولذات اآلخرين فإ ّن تقدمي اللذة بصورة قاعدة كلية وعامة ّ‬
‫كل لذاته من دون جتاو ٍز للّذات اآلخرين‪.‬‬
‫املمكن عملياً أ ّن يؤمن اإلنسان ّ‬
‫وبناء عليه فإ ّن قاعدة اللذة األخالقيّة الّيت حت ّدد الوظيفة األخالقيّة لكل ٍ‬
‫فرد بتأمني لذاته تنقض نفسها من الناحية‬ ‫ً‬
‫العمليّة‪.‬‬

‫إال أنّه ال ب ّد من مالحظة أ ّن املخاطب هبذه القاعدة األخالقيّة ‪ -‬وكما هو احلال يف بقية القواعد ‪ -‬هو الفاعل‬
‫األخالقي من حيث إنّه فرد ال من حيث جمموع األفراد ولذا فإنّه ال تناقض يف نفس القاعدة‪.‬‬
‫ّ‬

‫املتصارعني يف مسابقة املصارعة بأن يكون هو‬‫َ‬ ‫نتوجه إىل هذا املثال‪ :‬لو أوصينا كال‬
‫وملزيد من توضيح هذا املطلب ّ‬
‫الرابح فيها فإ ّن هذه التوصية هلما ال تناقض فيها بالرغم من أ ّن فوز أحدمها يعين خسارة اآلخر يف املقابل‪ ،‬لكن لو‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ يصح القول إ ّن هذه التوصية متناقضة‪ .‬وعليه إذا قبلنا بأ ّن تأمني‬ ‫أوصينامها بأ ّن كليهما ال ب ّد أ ّن يرحبا معاً‬
‫كل‬
‫كل األفراد غري ممكن فمع هذا فإ ّن توصيات مذهب اللذة الفردية ال تناقض فيها أل ّن هذا املذهب يوصي ّ‬ ‫ل ّذة ّ‬
‫حيصل أكرب قد ٍر من اللذة فإ ّن له قيمة أكرب يف‬ ‫ٍ‬
‫فرد بأ ّن يأخذ اللذة بعني االعتبار وأ ْن يسعى ألجلها وبالتايل فإ ّن من ّ‬
‫رأي هذا املذهب‪.‬‬

‫ومثل هذا اجلواب ميكن القبول به أيضاً بالنسبة لسائر املذاهب األنانية‪ .‬ونتيجة الكالم أنّه لو قبلنا بوجود التزاحم‬
‫بني منافع األفراد فإ ّن اإلشكال املذكور على األنانية غري وارد‪.‬‬

‫وال ب ّد من التذكري بأ ّن القائل بوجود التناقض يف األنانية هو "مور" يف كتابه "مباين األخالق"‪ ،‬وأما سيجفيك فقال‬
‫األخالقي (‪.)Ethical Neatralism‬‬ ‫ّ‬ ‫باملعقوليةـ فيها مع أنّه من املعتقدين باحلياد‬

‫‪245‬‬
‫ذهب بعض القائلني بالنفعية إىل ضرورة حماسبة النفع والضرر لكل عمل بشكل جزئي‪ ،‬ومن مجلة هؤالء نشري إىل‬
‫جريميي بنتام وجي جي سي امسارت (‪ J‬عليها السالم ‪1920( )hn Jamies on Carswell Smart‬م)‪،‬‬
‫وجوزيف فليتشر‪ ،)Jose ph Fletcher( :‬ويسمى هؤالء بالنفعيني العمليني‪)Act Utilitarianistis(.‬‬
‫واعتقد بعض آخر من القائلني هبا باعتبار قواعد العمل يف احملاسبة ولذا قالوا إ ّن القاعدة الكلية إذا عُمل هبا وكانت‬
‫اخلاصة غري‬
‫نافعة بشكل كلّي لعموم الناس فهي قاعدة صحيحة ومقبولة حىت ولو كان العمل هبا يف بعض املوارد ّ‬
‫ناف ٍع هلم أو كان موجباً للضرر‪.‬‬

‫وأما إذا ُعمل هبا وكانت مضرة بشكل كلّي للعموم فلن تكون قاعدة أخالقيّة صحيحة ومقبوالً هبا حىت ولو كان‬
‫اخلاصة نافعاً هلم وغري موجب للضرر‪.‬‬
‫العمل هبا يف بعض املوارد ّ‬

‫ويسمى هؤالء بالنفعيني على القاعدة (‪ )Rule Utilitarianists‬ومن مجلة هؤالء جان استيوارت ميل (مع أ ّن‬
‫بعضهم ع ّده من القائلني بالنفعيةـ العمليّة)‪ ،‬وهري‪ ،‬وجورج بركلي (‪1685 –( )George Berkeley‬‬
‫‪ )1753‬وريتشارد برانت (‪.)Richard.B. Brandt‬‬

‫وذهب قسم ثالث منهم إىل اعتبار أ ّن العمل احلسن والذي ينبغي لنا القيام به هو ما كان نافعاً لعموم الناس إذا ما‬
‫ويسمى‬
‫ُعمل به‪ ،‬وأ ّن العمل القبيح والذي ال ينبغي لنا القيام به هو ما كان ضاراً لعموم الناس إذا ما عُمل به أيضاً‪ّ ،‬‬
‫هؤالء بالنفعيني العامني (‪( )General Utilitarianists‬راجع‪ :‬ويليام كى‪ ،‬فرانكنا‪ ،‬فلسفه اخالق‪ ،‬ترمجة‬
‫هادي صادقي‪ ،‬ص‪.)103 - 85‬‬

‫واملوجه من هذه األقسام هو القول بالنفعيةـ العمليّة‪ ،‬أل ّن قيمة‬


‫ّ‬ ‫واستناداً إىل املبىن األساس للنفعيةـ فإ ّن املنطقي‬
‫االختياري) إمنا تعنَّي على أساس النفع احلاصل منه‪ .‬إاّل أ ّن تشخيص عواقب العمل يف‬
‫ّ‬ ‫األخالقي (الفعل‬
‫ّ‬ ‫املوضوع‬
‫مورد خاص وكيفية حصوهلا مشكل يف ح ّد ذاته‪ ,‬لكن ال ربط له بأصل املذهب‪ ،‬ولكن يف صورة اإلطالع‬ ‫كل ٍ‬
‫ّ‬
‫عليها فإنّه ميكن تنظيمها كقواعد كلية‪.‬‬

‫أهم‬
‫وأما التوجيه املمكن للنفعيةـ القواعدية فيمكن أ ْن يقال يف مورده إ ّن نفع العمل بالقاعدة النافعة وعدم نقضها ّ‬
‫أهم وأكرب من النفع الّذي‬
‫وأكرب من الضرر الّذي قد حيصل منها أحياناً‪ .‬وكذلك فإ ّن ضرر العمل بالقاعدة الضارة ّ‬
‫اخلاصة‪.‬‬
‫أهم من مالحظة العمل يف املوارد ّ‬
‫قد حيصل أحياناً منها‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن العمل بالقواعد ّ‬

‫ولكن ميكن االجابة على ذلك بالقول إنّه بناءً على مبىن النفعية وعلى فرض متكننا من تشخيص وحماسبة النفع‬
‫فعل يف مقام العمل فما هو امللزم ٍ‬
‫حينئذ لوجوب أ ْن يكون لدينا قواعد أخالقيّة عامة أساساً؟ ومضافاً‬ ‫والضرر لكل ٍ‬
‫صححنا وضع هذه القواعد‪ ،‬ومع مالحظتها لكل‬ ‫إىل ذلك فإنّه إذا ّ‬

‫‪246‬‬
‫الشرائط‪ ،‬فلن تكون قابلة لالستثناء ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬وبعبارة أخرى إذا كانت القاعدة األخالقيّة حم ّددة االطار والنطاق فلن‬
‫أي مورد من املوارد‪ ،‬وكذلك فإنّه إذا لزم وضع بعض القواعد العامة األخالقيّة ولكن مل نستطع حتديد‬ ‫تنقض يف ّ‬
‫اطارها ونطاقها‪ ،‬فلم ال ميكننا تقييدها ‪ -‬بناء على أصل النفعية ‪ِ -‬‬
‫بقيد عمومية "كوهنا نافعة يف مقام العمل"؟‬ ‫َ‬

‫ومضافاً إىل ذلك أيضاً وعلى فرض أ ّن بعض القواعد األخالقيّة ال تقبل التقييد بتاتاً فإ ّن نفع مراعاهتا كنفع مراعاة‬
‫القوانني احلقوقية واحرتام اآلداب والرسوم والتقاليد االجتماعية من مجلة منافع نفس العمل والذي ال ب ّد من حماسبة‬
‫كل موارده بناءً على النفعية القواعدية أيضاً‪.‬‬
‫ّ‬

‫أي أنّه‬
‫وأما التوجيه الّذي ميكن قوله يف مورد النفعية العام فهو االستناد إىل أصل قابلية تعميم القواعد األخالقيّة‪ّ ،‬‬
‫بناء على لزوم كون هذه القواعد قابلة للتعميمـ وكوهنا عمومية‪ ،‬إذا فرضنا أ ّن شخصاً ما قام بعمل ناف ٍع‪ ،‬ولكن إذا‬
‫كل األفراد ومل يكن نافعاً هلم‪ ،‬فال ميكن جعل هذا العمل كقاعدة عامة بناءً على النفعية‪ ،‬وبالتايل ال ميكن‬ ‫قام به ّ‬
‫القبول به‪ .‬لكن ال ب ّد من االنتباه إىل أ ّن أصل قابلية التعميم مقي ٌد أيضاً بوجود الشرائط املشاهبة فيقال مثالً إ ّن هذا‬
‫العمل املفيد والالزم هلذا الشخص مفيد والزم أيضاً لغريه من األشخاص مع حت ّقق الشرائط املشاهبة‪.‬‬

‫جوها منافع عمومية‪.‬‬ ‫وبناءً على النفعية فإ ّن هذه الشرائط املشاهبة‪ ،‬عبارة عن تلك الشرائط الّيت يكون للعملـ يف ِّ‬
‫كل األفراد به‪ ،‬ولنفرتض أ ّن مدينة ما ال‬
‫موجهاً اشرتاط قيمة العمل النافع ببقاء منافعه مع عمل ّ‬
‫وبناءً عليه لن يكون ّ‬
‫أي مستشفى‪،‬ـ فإ ّن إحداث مستشفىـ فيها سيكون خرياً وينفع العموم‪ ،‬لكن لو كان البناء أ ّن يقوم‬ ‫يوجد فيها ّ‬
‫تؤمن بقية االحتياجات األخرى فيها وبالتايل لن ينتفع العمومـ بذلك‪.‬‬
‫اجلميع ببناء املستشفيات يف هذه املدينة فلن ّ‬
‫األول يف‬
‫ومن الواضح أيضاً أ ّن بناء املستشفيات الالحقة لن يتم مع تشابه الشروط‪ ،‬أل ّن شرط نفعية بناء املستشفى ّ‬
‫تلك املدينة كان فقدان وجودها فيها أساساً‪.‬‬

‫مراد النفعيني من "األفراد" هو متام األفراد املرتبطني بذلك العمل ّإما من حيث املشاركة فيه أو من حيث التأثر‬
‫كل البشريّة قاطبة بل حىت متام املوجودات‬
‫بنتائجه‪ .‬وبالتايل من املمكن أ ّن يشمل قولنا "األفراد" بناءً على النفعية ّ‬
‫احلساسة كاحليوانات أيضاً‪.‬‬

‫بناءً على القبول بالرابطة املباشرة بني نفع الفرد ونفع العمومـ فإ ّن التفاوت الوحيد الّذي رمبا حيصل بني األنانية‬
‫النفعي مع‬
‫ّ‬ ‫والغريية يرجع إىل نية الفاعل واحملرك له والذي مل يلتفت إليه يف نظرية النفعية‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن املذهب‬
‫قبوله بتلك الرابطة وعدم قوله بارتباط قيمة الفعل مع‬

‫‪247‬‬
‫العمومي‪.‬ـ‬
‫ّ‬ ‫نية الفاعل يساوي بني قيمة السعي للنفع الفردي مع قيمة السعي للنفع‬

‫يف مقابل ذلك فإ ّن هنري سيجفيك (‪1838 - 1900( )Henry Sidgwick‬م) باإلضافة إىل عدم قبوله‬
‫طالب للذة ‪ -‬مبنزلة أصل احنصاري‪ ،‬اعتقد بعدم إمكان استنتاج األمر‬
‫كل إنسان بطبعه ٌ‬
‫أي أ ّن ّ‬
‫اللذة النفسية ‪ّ -‬‬
‫النفسي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األخالقي من األمر‬
‫ّ‬

‫ومع أنّه من القائلني بالنفعيةـ إاّل أنّه يعتربها أمراً بديهياً وشهودياً‪ .‬وحيث إنّه ال ميكن استنتاج القيمة األخالقيّة‬
‫نفعي‬
‫للنفعية من واقعيّة أخرى بناءً على رأيه فإنّنا مل ندرج رأيه يف ضمن املذاهب الواقعيّة القابلة لإلثبات مع أنّه ّ‬
‫العام للكلمة‪ ،‬وكذلك فإ ّن "هري" استنتج النفعية بناء على املواءمة بني التوصية وقابلية التعميم‪ ،‬ويف رأيه فإ ّن‬ ‫باملعىن ّ‬
‫تؤمن عموميتها أيضاً‪.‬‬
‫يتضمن االيصال يف ح ّده األكرب وإن قابلية تعميم القواعد األخالقيّة ّ‬ ‫"الواجب" ّ‬

‫العمومي إىل ح ّده األكرب‪ .‬وقد‬


‫ّـ‬ ‫وبناءً على هذا األساس فإنّه استنتج أ ّن العمل اخلرّي هو العمل الّذي يوصل النفع‬
‫ذكرنا من قبل (راجع‪ :‬املذكرة الثانية من الفصل السادس) أ ّن التوصيات مبتناة على الالواقعيّة وال ميكن اجلمع بينها‬
‫وبني النفعية منطقياً‪.‬‬

‫حسن والزم لغريه‬ ‫ٍ‬


‫لشخص ما فإنّه ٌ‬ ‫أي أنّه إذا كان الفعل حسناً والزماً‬ ‫ونضيف اآلن قائلني إ ّن قابلية التعميم ‪ّ -‬‬
‫ضمن الشروط املشاهبة ‪ -‬ال ميكن بياهنا إاّل باالستناد إىل الواقعيّة القابلة لالثبات‪.‬‬

‫وتوضيح ذلك أ ّن اإلنسان يستنتج قيمة الفعل ولزومه من خالل الرابطة بينه وبني اهلدف املطلوب‪ ،‬وبناءً عليه فإنّه‬
‫بشخص بعينه‪ .‬وبالرغم من إمكان مؤثرية‬ ‫ٍ‬ ‫يعلم بأ ّن قيمة ولزوم األفعال يرتبطان بضوابط وقواعد معينة وال يرتبطان‬
‫بعض شرائط الفاعل كالنية مثالً يف تقييم الفعل فإ ّن الكثري من خصائص الفاعل ال تأثري هلا بتاتاً يف قيمة الفعل هذا‬
‫األخالقي من تعيني القيمة الذاتية لألخالق‬
‫ّ‬ ‫وال ب ّد لتعيني املؤثر من هذه اخلصائص وغري املؤثر منها يف قيمة الفعل‬
‫وبغض النظر عن خصائص الفاعل املؤثر منها يف القيمة‬‫ّ‬ ‫وتعيني كيفية ارتباط األفعال هبا‪ .‬وطبقاً لذلك يستنتج‬
‫أي يف الوصول إىل القيمة الذاتية يف األخالق‪.‬‬
‫األخالقيّة لفعلهـ ّ‬

‫وأما مع عدم القبول بالواقعيّة القابلة لإلثبات فال أصل التعميم سيكون واضحاً‪ ،‬وال "الشرائط املشاهبة" أيضاً‪.‬‬
‫يتضمن احل ّد األكرب من اإليصال وأ ّن أصل التعميم يتضمن‬
‫ومضافاً إىل ذلك وعلى فرض القبول بأ ّن "الواجب" ّ‬
‫عمومية القواعد األخالقيّة فمن غري املعلومـ كيف سيبني قيمة النفع يف نظرية هري‪.‬‬

‫باعتقاد جرمي بنتام (‪1748 - 1832( )Jeremy Bentham‬م) فإنّه "ال ب ّد من القبول قطعاً بأ ّن‬

‫‪248‬‬
‫كل فرصة هي منافعه الشخصيّة فقط‪ ،‬ومع هذا لن‬ ‫ٍ‬
‫كل زمان ويف ّ‬ ‫املنافع الّيت يعتربها اإلنسان كمعيار للتقييمـ يف ّ‬
‫تكون هناك أية فرصة‪ ،‬ميكن لإلنسان فيها أ ْن يكون لديه دوافع لالهتمام بسعادة اآلخرين" (لني‪ .‬و‪ .‬لنكسرت‪،‬‬
‫خداوندان انديشه سياسى‪ ،‬اجمللد الثالث‪ ،‬القسم األول‪ ،‬ترمجة علي رامني‪ ،‬ص‪.)124‬‬

‫كل‬
‫وأما جان ستيورات ميل (‪1806 - 1873( )Joohn Stuart Mill‬مم) فإنّه يعتقد أيضاً بأ ّن‪" :‬سعادة ّ‬
‫شخص خري وحسنة لذلك الشخص ولذا فإ ّن السعادة العامة جملموع هؤالء األشخاص (اجملتمع) حسنة" فردريك‬
‫كابلستون‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪ ،8‬ترمجة هباء الدين خرمشاهي‪ ،‬ص‪ ،45‬نقالً عن جان ستيورات ميل‪ ،‬أصالة الفائدة‪،‬‬
‫ص‪ )53‬وأ ّن "كل شخص يعتقد بإمكان حتصيل سعادته فإنّه يسعى يف طلبها" (فردريك كابلستون‪ ،‬نفس املصدر‪،‬ـ‬
‫ص‪ 49‬نقالً عن‪ :‬جان ستيورات ميل‪ ،‬نفس املصدر‪،‬ـ ص‪.)53‬‬

‫بعض هذه االشكاالت يعود إىل التعريف الدقيق للنفع‪ ،‬حيث إ ّن بعضهمـ اعترب النفع معادالً للذة‪ ،‬وبعض آخر قال‬
‫إنّه إرضاء ميل اإلنسان ورغباته‪.‬‬

‫وبناءً على الصورةـ األوىل يرد االشكال بأ ّن املنافع األخرى غري اللذة نظري العلم والفضيلةـ والصداقة مطلوبة لإلنسان‬
‫وبغض النظر عن كوهنا موجبة للّذة أم ال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مستقل‬
‫ّ‬ ‫بشكل‬

‫كل مطلوب يوجب اللذة‪ ،‬لكن يبقى السؤال الّذي مفاده‬ ‫وقد جياب على ذلك بأ ّن اللذة هلا معىن وسيع حبيث إ ّن ّ‬
‫كل مطلوب ألنّه موجب للذة يكون مطلوباً أم ألنّه مطلوب يكون لذيذاً‪ ،‬وبعبارة أخرى هل اللذة علة‬ ‫هل ّ‬
‫كل مطلوب هو لذي ٌذ أيضاً فال مثرة يُعتّد هبا من هذا‬
‫املطلوبية أم أهنا معلولةـ هلا؟ وحتماً فإنّنا إذا ما قبلنا بكون ّ‬
‫البحث‪.‬‬

‫وبناءً على قبولنا بالقيمة الذاتية للنفع فإنّه على األقل ميكن اعتبار اللذة مبعناها الوسيع ‪ -‬املصاحب للكمال ‪ -‬عالمة‬
‫القيمة الذاتية‪.‬‬

‫وأما إذا كان املراد من النفع إرضاء امليول والرغبات عند اإلنسان‪ ،‬فهل أ ّن ‪ -‬وكما قبل بذلك اتباع هذه النظرية‬
‫كل ميل له قيمة ذاتية؟ وهل أ ّن هذا مبعىن تعدد القيم الذاتية؟ وهل ميكن يف األساس تعدد‬
‫أمثال رشوال ‪ -‬إرضاء ّ‬
‫القيم الذاتية؟ (بالنسبة لتعدد القيمة الذاتية أو وحدهتا راجع املذكرة السابعة من الفصل التاسع من هذا الكتاب)‪.‬‬

‫ومضافاً إىل هذا فإنّنا نسأل عما جيب فعله عند تزاحم امليول املختلفة وعما هو املالك املرجح ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫واالشكال اآلخر الّذي يرد ها هنا أيضاً مفاده أ ّن امليل والرغبة هل يتولدان عن معرفتنا بنفع شيء‬

‫‪249‬‬
‫ما أم ال؟ وبالتايل هل من املمكن أ ّن يتعلّقا بشيء ما وبسبب عدم صحة معرفتنا االبتدائية به قد ال يكون مفيداً لنا‬
‫واقعاً؟‬

‫الواقعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الواقعي فال ب ّد من توضيح ما املقصود من امليل‬
‫ّ‬ ‫إذا قيل إ ّن املراد هو إرضاء امليل‬

‫ورمبا يكون املقصود تلك الطائفة من امليول والرغبات الّيت ترفع النقص واحلاجة عنا واقعاً وجتعلنا أكثر كماالً‪ ،‬ويف‬
‫هذه الصورة ال ب ّد من نظرة جامعة على نفس اإلنسان ملعرفة إمكاناته وكماالته وحاجاته الواقعيّة‪ .‬ومن األفضل يف‬
‫نوضح أ ّن املراد من النفع هو‬
‫الفلسفي أو أ ْن ّ‬
‫ّـ‬ ‫العريف للنفع مفهومـ "الكمال"‬
‫ّ‬ ‫هذه احلال أيضاً أ ّن نستعمل بدل املفهوم‬
‫أي حال ال ب ّد من البحث حول مالك تشخيصها أيضاً‪.‬‬ ‫االستفادة الواقعيّة لوجود اإلنسان وعلى ّ‬

‫وهناك طائفة أخرى من االشكاالت ناظرة إىل معايري حماسبة النفع واللذة واليت طرحت ملقايسة وحماسبة املنافع‬
‫واللذائذ‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن "بنتام" ذكر سبعة معايري هي الشدة‪ ،‬املدة‪ ،‬القطعي أو عدم القطعي (أي اليقيين أو‬
‫املظنون)‪ ،‬البعد أو القرب (نقداً أو ديناً) املثمرة (أي كوهنا موجبة لتلذذ اآلخرين)‪ ،‬اخللوص (أي درجة عدم‬
‫اشتماهلا على األمل) دائرة الشمول (أي كوهنا شاملة ألفراد أكثر أم أقل)‪.‬وأما جان ستيورات ميل فقد أكد على‬
‫الكيفي بني اللذات واعترب أنّه ال ب ّد من االلتفات إليها أيضاً مضافاً إىل املعايري السابقة واليت أمساها باملعايري‬
‫ّ‬ ‫التفاوت‬
‫الكمية‪.‬‬

‫وحول قيمة هذه املعايري ومدى اعتبارها ذكرت العديد من البحوث القابلة للعرض ومن مجلتها‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬هل أ ّن الشدة واملدة تؤثران بنفس املستوى يف مقدار قيمة الفعل؟‬

‫ومثاالً على ذلك‪:‬‬

‫إذا دفُع مقابل العمل(‪ 2000 )1‬تومان‪ 13‬شهرياً ملدة سنة واحدة ومقابل العمل (‪ 1000 )2‬تومان شهرياً ملدة سنتني‪.‬‬
‫غض النظر عن خصائص كال العملني هل أ ّن نفع كال العملني متسا ٍو بالنسبة للعامل؟ من املمكن بالنسبة‬ ‫ومع ّ‬
‫ٍ‬
‫لعامل يدفع أجرة شهرية (كإجيار املنزل مثالً) أ ْن يكون املطلوب له مقدار املال املأخوذ شهرياً وأما بالنسبة لعامل‬
‫آخر قد ّأمن حاجاته احلياتية الضرورية قد يكون املطلوب له دوام مدة األخذ‪.‬‬

‫ولذا فإ ّن الرابطة بني معياري الشدة واملدة مل تعنَّي يف احملاسبة ومن غري املعلومـ كون تأثريمها يف قيمة العمل متساوياً‬
‫كل املوارد أم ال‪.‬‬
‫يف ّ‬
‫‪ -13‬العملةـ اإليرانية‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫ثانياً‪ :‬ما هي الرابطة بني معيار القطعي أو عدم القطعي باملعايري األخرى واليت من مجلتها معيارا الشدة واملدة؟‬

‫إذا قطعت بأ ّن هذا العمل مثالً له ‪ 10‬درجات من النفع ويف املقابل احتملت أ ّن له ‪ 11‬درجة من الضرر‪ ،‬فهل‬
‫قطعي (حمتمل)؟‬
‫قطعي وضرره غري ّ‬‫علي القيام هبذا العمل ألن نفعه ّ‬‫جيب ّ‬

‫أقل‬
‫ثالثاً‪ :‬ملاذا جيب اعتبار بُعد النفع أو قربه مؤثّراً يف قيمة العمل؟ نعم رمبا نعترب يف كثري من املوارد أ ّن النفع املؤجل ّ‬
‫أي أ ّن قطعية النفع احلايل موجبةٌ لكوهنا‬
‫قيمة الحتمال حصول املانع قبل حتققه أو لعدم قدرتنا على االستفادة منه‪ّ ،‬‬
‫أكثر مطلوبية عندنا لكن إذا كان حصول النفع املؤجل والوصول إليه قطعياً فما هو الدليل على أ ّن قيمته ومطلوبيته‬
‫أقل من غريه؟‬ ‫ّ‬

‫املؤجل أكثر من قطعهم باملنافع واالضرار الدنيويّة احلالية‪.‬‬


‫إ ّن املتيقنني بوجود اآلخرة يقطعون مبنافعها وضررها ّ‬

‫رابعاً‪ :‬من غري الواضح اعتبار اخللوص كمعيا ٍر يف حماسبة النفع والضرر‪.‬‬

‫ملاذا تكون قيمة عمل لديه ‪ 100‬درجة من النفع و‪ 10‬درجات من الضرر أكرب من قيمة عمل لديه ‪ 110‬درجات‬
‫األول أكرب أم قيمة العمل الّذي لديه فقط‬ ‫من النفع و‪ 20‬درجة من الضرر؟ ويف هذه الصورة هل أ ّن قيمة العمل ّ‬
‫كل أنواع اللذة والضرر ألنّه‬ ‫‪ 60‬درجة من النفع؟ وهذا إمنا نقبل به إذا كان بامكان مبىن النفعية مقايسة وحماسبة ّ‬
‫قد يذهب بعضهمـ إىل التفكيك بني أنواع النفع فيعترب مثالً أ ّن النفع املصاحب للضرر ليس بنف ٍع حقيقة وأ ّن النفع‬
‫أي ضرر‪ ،‬ولكن يف هذه الصورة أيضاً ال ب ّد من وجود معيا ٍر لتعيني النفع‬ ‫احلقيقي هو النفع الّذي ال يصاحبه ّ‬
‫ّ‬
‫األخالقي‪.‬‬ ‫التقييم‬ ‫يف‬ ‫احلقيقي‪ ،‬ولذا سنصرف النظر عن اعتبار النفع كمعيا ٍ‬
‫ر‬
‫ّ‬

‫خامساً‪ :‬من غري الواضح أيضاً دليل اعتبار "دائرة الشمول" ‪ -‬أكرب قد ٍر من النفع ألكرب عدد من األفراد ‪ -‬املذكور‬
‫يف تعريف النفعية‪ .‬إذا كان معيار التقييم هو النفع وكان نفع الفرد يف ضمن نفع اجلميع أيضاً فإ ّن اعتبار أكرب نف ٍع‬
‫معقول‪،‬ـ لكن ما هو الدليل املعترب للتقييدـ "بأكرب‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬األعم من عودته بشكل مباشر إىل الفرد أم إىل األفراد ‪ -‬كمعيا ٍر‬
‫عدد من األفراد"؟‬

‫عمل مقدارهـ ألف درجة على عشرة أشخاص‪ ،‬ووزعنا نفع عمل مقداره ألف درجة أيضاً‬ ‫وزعنا نفع ٍ‬ ‫لو فرضنا أنّنا ّ‬
‫ٍ‬
‫شخص‪ ،‬فبناءً على النفعية ملاذا تتفاوت قيمة هذين العملني؟ـ‬ ‫على مئة‬

‫لقد ظن بعضهمـ أ ّن التوزيع على أكرب ٍ‬


‫عدد من األفراد ال ب ّد منه رعاية ألصل العدالة‪ .‬لكن أوالً‪ :‬بناءً على النفعية ال‬ ‫ّ‬
‫دخيل يف تعيني قيمة الفعل سواء طابق العدالة‬
‫أي معيار غري معيار النفع ٌ‬
‫ب ّد أ ّن ال يكون ّ‬

‫‪251‬‬
‫كل ٍ‬
‫عمل وحىت العدالة نفسها حتاسب على أساس النفع احلاصل منه‬ ‫أم ال‪ .‬ألنّه بناءً على هذا املذهب فإ ّن قيمة ّ‬
‫وبالتايل فإ ّن العدالة ليست معياراً مستقالً يف ح ّد ذاهتا‪.‬‬

‫كل األشخاص املشاركني يف ذلك العمل كلٌّ‬


‫وثانياً‪ :‬ليس مقتضى العدالة استفادة أكرب عدد من األفراد بل استفادة ّ‬
‫مبقدار مشاركته فيه‪.‬‬

‫فبأي معيا ٍر نقيس هذا التفاوت؟ إذا اعتربنا املعيار يف التفضيل‬


‫الكيفي بني اللذائذ واملنافع ّ‬
‫ّ‬ ‫سادساً‪ :‬إذا قلنا بالتفاوت‬
‫بينهما هو البعد اإلنساين أو تناسب النفع واللذة مع كمال اإلنسان كما ذهب إليه ميل‪ .‬فلماذا ال نقول بالقيمة‬
‫الذاتية للكمال اإلنساينّ؟ (الحظ املذكرة التالية)‪.‬‬

‫أي اللذائذ احليوانية‬


‫قام جيمس ميل (‪1773 - 1836( )James Mill‬م)بالتفكيك بني اللذائذ الوضيعة ‪ّ -‬‬
‫وخص سعادة اإلنسان باللذائذ الرفيعة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أي اللذائذ املختصة باإلنسان يف رأيه ‪-‬‬
‫باعتقاده ‪ -‬واللذائذ الرفيعة ‪ْ -‬‬
‫حد‬
‫واعترب أ ّن سعادة اإلنسان تكمن يف بسط القوى اإلنسانية ‪ -‬العقل واملنطق وعشق احلقيقة واجلمال ‪ -‬إىل أكرب ٍّ‬
‫ممك ٍن‪.‬‬

‫(‪See. Edward craig.ed. R o utledge Encycl o oedia of philpsophy, v o l.6,‬‬


‫‪.)p. 359‬‬

‫الكيفي للذائذ مضافاً إىل الشدة واملدة فيها واليت‬


‫ّ‬ ‫واعتقد ابنه ‪ -‬جان ستيورات ميل ‪ -‬بلزوم االلتفات إىل البعد‬
‫اعتربها معايري كمية حملاسبة اللذات‪ ،‬وعلل ذلك بالقول "إ ّن بعض أنواع اللذات أكثر مطلوبية وقيمة من بعض‬
‫األنواع األخرى" (فردريك كابلستون‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪ ،8‬ترمجة هباء الدين خرمشاهي‪ ،‬ص‪ ،46‬نقالً عن جان‬
‫ستيورات ميل‪ ،‬أصالة الفائدة‪ ،‬ص‪.)12 - 11‬‬

‫الكيفي الذايتّ للذائذ فال ب ّد أ ّن نبحث عن معيا ٍر آخر‬


‫ّ‬ ‫وكما أشار كابلستون فإنّه "إذا أردنا أ ْن نفتح باب التفاوت‬
‫غري معيار اللذة نفسها" (كابلستون‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص‪.)46‬‬

‫والظاهر أ ّن ميل االبن التفت كأبيه ‪ -‬ومع مالحظة طبيعة اإلنسان ‪ -‬إىل الكمال اإلنساينّ يف تقييم درجات اللذة‪.‬‬
‫لكل املسائل األخالقيّة ولكن ال ب ّد من أخذ االستفادة مبعناها‬
‫األصلي ّ‬
‫ّ‬ ‫فيقول‪" :‬أنا أعترب أ ّن االستفادة هي املنبع‬
‫الوسيع جداً واملبتىن على مصاحل اإلنسان الدائمة بعنوان أنّه موجود متطور"‪( .‬كابلستون‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص‪48 - 47‬‬
‫نقالً عن جان ستيورات ميل‪ ،‬درباره آزادى‪ ،‬بالفارسية‪ ،‬ص‪ )9‬ويقول أيضاً "إ ّن غاية اإلنسان هي التكامل إىل‬
‫حد واجياد االنسجام بني قواه املختلفة من أجل نيل ُك ِّل متجانس كامل" (كابلستون‪،‬ـ نفسه‪ ،‬ص‪ ،48‬نقالً‬ ‫أقصى ٍّ‬
‫عن نفس املصدر‪،‬ـ ص‪.)50‬‬

‫و"األفضل أ ّن تكون إنساناً وفاشالً‪ ،‬من أن تكون خنزيراً وناجحاً‪ ،‬أن تكون حمروماً كسقراط أفضل من‬

‫‪252‬‬
‫متنع ٍم" (كابلستون‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص‪ ،47‬نقالً عن جان ستيورات ميل‪ ،‬الرسائل والبحوث‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‬
‫كأمحق ّ‬
‫َ‬ ‫أن تكون‬
‫‪.)359 - 358‬‬

‫لكن إذا كان كمال اإلنسان معياراً لتقييم اللذائذ وتقسيمها إىل درجات فمن غري املعلومـ سبب تقييد هذا املعيار‬
‫بكونه "موجباً للذة"‪.‬‬

‫وأساساً ملاذا يكون الكمال اإلنسان ذا قيمة ذاتية ويكون معيار تعيني القيمة األخالقيّة أموراً أخرى؟‬

‫‪253‬‬
254
‫الفصل التاسع‪ :‬القيمة الذاتية‬

‫تق ّدم معنا يف الفصل الثالث البحث حول مفهومـ القيمة‪ ،‬القيمة الذاتية والقيمة الذاتية األخالقيّة‪.‬‬

‫كل موضوع‪ ،‬وإ ّن ما له القيمة الذاتية هو املطلوب‬


‫وقلنا هناك إ ّن "القيمة" تُستخدم يف جمال األمور املطلوبة يف ّ‬
‫أي أ ّن مطلوبيته ال ترتبط مبطلوبية أم ٍر آخر‪ ،‬ومن مثّ وبناءً على بعض املقدمات وصلنا إىل هذه النتيجة‬
‫األصلي ّ‬
‫االختياري له قيمة ذاتية أخالقيّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االمجالية وهي أ ّن الكمال‬

‫فلسفي للقيمةـ الذاتية األخالقيّة إىل حتصيل مالك لتشخيص "الكمال‬


‫ّ‬ ‫وسوف نسعى يف هذا الفصل وبتبيني‬
‫االختياري" لنتمكن على أساسه يف الفصل الالحق من تعيني القيمة األخالقيّة للصفات واألفعال االختيارية‪.‬‬
‫ّ‬

‫ولكي نتمكن من تشخيص ما له القيمة الذاتية األخالقيّة ال ب ّد لنا ابتداءً وبالرجوع إىل طبيعة اإلنسان[‪ ]1‬من اجياد‬
‫األخالقي‪.‬‬ ‫األصلي‬ ‫مالك ذي قيمة ذاتية أخالقيّة لتشخيص املطلوب‬ ‫منشأ املطلوبية لألمور االختيارية ومن مث تبيني ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫إ ّن متابعة حبوث هذا الفصل سوف تعيننا يف تعيني مكانة القيم عندنا وعند اآلخرين‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫نتعرض يف هذا البحث لقيم املوضوعات األخرى لذا ومن أجل رعاية االختصار سنعرّب دائماً مكان‬ ‫وحيث إننا لن ّ‬
‫قولنا "القيمة األخالقيّة" بقولنا "القيمة"‪.‬‬

‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫‪ - 1‬مطلوبية الكمال‬

‫عندما نقوم بأعمالنا املختلفة فإنّنا نأخذ بالنظر واالعتبار أهدافاً خمتلفة‪ ،‬فنأكل لرفع اجلوع‪ ،‬ونعمل لتأمني العيش‬
‫مطلوب لنا وهلذا‬
‫ٌ‬ ‫كل واحد من هذه األفعال االختيارية‬‫وحنصل العلومـ لالجابة عن تساؤالتنا و‪ ....‬إ ّن هدف ّ‬ ‫ّ‬
‫السبب فإنّنا نقوم به باختيارنا‪ ،‬نعم من املمكن أ ْن تكون مطلوبية هذه األهداف يف ح ّد ذاهتا أيضاً ناشئة عن‬
‫أي شيء آخر‪ ،‬وعليه فإ ّن األهداف املطلوبة لإلنسان ومن بني‬ ‫مطلوبية أهداف أخرى مثالً كاللذة أو السلطة أو ّ‬
‫كل أهدافه األخرى إذا مل تكن مطلوبيتها مرتبطة مبطلوبية أي شيء آخر بل هي مطلوبة بذاهتا فيقال ٍ‬
‫حينئذ إن هلا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قيمة ذاتية[‪ .]2‬نعم إ ّن االلتفات إىل منشأ املطلوبية سوف يعيننا يف معرفة منشأ مطلوبية األمور االختيارية عند‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫وبناءً على حبوث معرفة اإلنسان الفلسفية[ـ‪ ]3‬فإ ّن منشأ املطلوبية هو حب الذات وإ ّن منشأ مطلوبية األمور‬
‫االختياري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االختيارية عنده هو مطلوبية الكمال‬

‫وكأي موجود آخر يعرف نفسه بنفسه‪ .‬ويف االصطالح فإ ّن له علماً حضورياً بنفسه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتوضيح ذلك أ ّن اإلنسان‬
‫كل األشياء الّيت يعتربها اإلنسان جزءاً من‬
‫حب الذات بتعبري آخر يشمل حمبة ّ‬
‫وحيبّها [‪ ،]4‬وهذا احلب لنفسه أو ّ‬
‫وجوده كاجلسم والنفس والقوة والعلم وغريها‪ .‬وببيان فإ ّن حب الذات يوجب حمبة اإلنسان بكل شيء يعتربه جزءاً‬
‫حب الذات يف حد ذاته‬
‫من وجوده وهلذا السبب فإ ّن اإلنسان حيب امتالك أكرب قدر من العلم والقوة ولذا فإ ّن ّ‬
‫يعترب منشأ ملطلوبية كمال الذات[‪.]5‬‬

‫ومن طرف آخر فإ ّن اإلنسان يعلم بأنّه موجود خمتار [‪ ]6‬وأنه ميتلك كماالً اختيارياً خالفاً لبعض املوجودات‬
‫أي أ ّن اإلنسان باستطاعته حالة كونه‬
‫األخرى الّيت كماالهتا غري اختيارية واليت ال تستطيع تغيري أمناطها الوجودية‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫بأعمال ترجع نتائجها إليه ولذا فإنّه بإمكانه القيام باختياره بتأمني سالمة جسمه وروحه والسعي‬ ‫خمتاراً القيام‬

‫‪256‬‬
‫لكسب العلم والقوة كما وأنه بامكانه أيضاً وبكامل اختياره أ ّن ال يقوم هبذه األعمال أو أ ّن يقوم بايذاء بدنه‬
‫وروحه‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن اإلنسان يعلم بأ ّن لألفعال االختيارية دوراً هاماً يف كماله أو نقصه‪.‬‬

‫مطلوب لإلنسان وهلذا الدليل فإ ّن اإلنسان وضمن دائرة األمور االختيارية يسعى ويطلب‬
‫ٌ‬ ‫وكما ذكرنا وقلنا الكمال‬
‫كماله ويريد خمتاراً من خالل القيام باألفعال االختيارية أ ْن يزيد من فائدته الوجودية‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى فإ ّن اإلنسان إذا ُخرِّي بني الكمال والنقص فإنّه يسعى حنو الكمال وال يريد النقص لنفسه‪ .‬وهلذا فإ ّن‬
‫االختياري وطبقاً للتعريفـ املتق ّدم فإ ّن للكمال‬
‫ّ‬ ‫منشأ املطلوبية يف نطاق األفعال االختيارية هو مطلوبية الكمال‬
‫كل‬
‫االختياري قيمة ذاتية أخالقيّة[‪ .]7‬وهذه النتيجة هي الّيت استنتجناها يف الفصل الثالث وقلنا إ ّن املراد منها أ ّن ّ‬
‫ّ‬
‫الوجودي‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫طبيعي ومن خالل جمموع األمور الواقعة حتت اختياره يسعى لتأمني أكرب قدر من بُعده‬ ‫إنسان بطور‬
‫ّ‬
‫لنفسه وأ ّن هذه املطلوبية ال ترتبط مبطلوبية أي ٍ‬
‫شيء آخر‪.‬‬ ‫ّ‬

‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫‪ - 2‬لزوم املالك لتشخيص الكمال‬

‫مطلوب لإلنسان العطشان‪ ،‬وأما السراب فإنّه ليس ماءً واقعاً‪ ،‬وحيث إ ّن العطشان يظن أ ّن السراب‬ ‫ٌ‬ ‫"إ ّن وجود املاء‬
‫هو ماء واقعي فإنّه يسعى يف طلبه‪ .‬إ ّن طلب السراب غري معقول‪،‬ـ وكذلك فإ ّن العطشان الّذي ال يعلم بوجود هن ٍر‬
‫قريب منه ال يسعى يف طلبه مع أ ّن ماء النهر هو ماء واقعاً‪ ،‬أل ّن مطلوبية واقعيّة املاء له حباجة إىل فكرة‬
‫من املاء ٌ‬
‫أخرى مفادها‪ :‬يف قريب شيء هو ماء واقعاً‪.‬‬

‫الواقعي"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إ ّن العطشان ميكنه باختياره أ ْن يسعى حنو املاء إلرواء عطشه يف صورة معرفته مبكان وجود املاء‬

‫إ ّن حبثنا يشري إىل أ ّن منشأ املطلوبية ‪ -‬أي القيمة الذاتية ‪ -‬مشرتك عند مجيع الناس‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫ومن ٍ‬
‫طرف ما فإ ّن هناك اختالفاً يف الرأي عند هؤالء يف تشخيص وتعيني املطلوب الذايتّ الّذي له قيمة ذاتية‪.‬‬

‫وقد تعرفنا يف الفصل الثامن إىل بعض املذاهب األخالقيّة الّيت تعترب أموراً متفاوتة كاللذة والقوة واالطمئنان الروحي‬
‫ذات قيمة ذاتية وأ ّن اختالف النظر فيما له القيمة الذاتية يوجب االختالف أيضاً يف كيفية تقييم األمور االختيارية‬
‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫واالختالف يف انتخاب أسلوب احلياة[‪ .]8‬وحنن بااللتفات إىل املباحث السالفة بامكاننا اعتبار الكمال‬
‫عند اإلنسان ذا قيمة ذاتية‪ ،‬لكن هل ميكن ملثل هذا الكالم أ ْن حيل االختالف املوجود؟‬

‫لنالحظ هذه األمثلة‪:‬‬

‫ويظن أيضاً أنّه بازدياد حظه يف الوجود باألكل والشرب‬


‫‪ -‬إ ّن من يظن أ ّن اللذائذ احليوانية هي كماله حقيقة ّ‬
‫والشهوة بامكانه أ ْن يتجاهل بكل بساطة االيثار واالنفاق والتعليم‪...‬‬

‫حيصل املال ويصبح مالكاً له قد أضيف شيء ما‬


‫‪ -‬إ ّن من يظن أ ّن جتميع الثروة هو كماله حقيقة ويظن أنّه عندما ّ‬
‫حقيقة إىل وجوده‪ ،‬فمن املمكن أ ّن يصرف مهته يف مجع املال وأ ْن حيذر من صرفه إاّل عند الضرورة وأن ميتنع مثالً‬
‫أي أثر إلنفاق‬
‫عن أكل األطعمة اللذيذة وأن يرضى بالبسيط والقليل من الثياب‪ ،‬وال عجب يف أ ّن ال جند عنده ّ‬
‫املال وبسط اليد‪.‬‬

‫‪ -‬إ ّن من يظن أ ّن العطف هو كماله حقيقة بامكانه أ ّن يوقف حياته على خدمة اآلخرين متجاهالً بذلك راحة‬
‫نفسه وأمواله من أجل نفع اآلخرين‪.‬‬

‫إ ّن هذه األمثلة تشري إىل أ ّن حبثنا حىت اآلن حول القيمة الذاتية غري كاف لتقييم الصفات واألفعال االختيارية وال ب ّد‬
‫االختياري اإلنساينّ[‪.]9‬‬ ‫مالك لتشخيص الكمال‬‫يف هذا اجملال من البحث عن ٍ‬
‫ّ‬

‫‪258‬‬
‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫‪ - 3‬مالك تشخيص الكمال‬

‫اختياري‪ ،‬والذي يبدو يف‬


‫ّ‬ ‫االختياري" ال يكفي لتشخيص ما هو واقعاً كمال‬
‫ّ‬ ‫كما ذكرنا فإ ّن التعبري بقولنا "الكمال‬
‫االختياري عند اإلنسان أ ّن نعنّي ابتداءً ماهية‬
‫ّ‬ ‫النظر أنّه ال ب ّد من أجل حتصيل مثل هذه املالك الّذي يشخص الكمال‬
‫أي موجود ميكن اطالقه‪ ،‬ومن مثّ أ ْن جند مالكاً ميكننا مبعونته من تشخيص ما هو‬ ‫حقيقة اإلنسان وأ ّن اإلنسان على ّ‬
‫حقيقة كمال اإلنسان من بني الصفات املختلفة هلذا املوجود‪ .‬وعندئذ نقيد مالكنا هذا بقيد االختياري‪.‬‬

‫‪ .3 - 1‬حقيقة اإلنسان‬

‫ملعرفة حقيقة اإلنسان ال ب ّد لنا جمدداً من أ ّن نستعني بالبحوث الفلسفيةـ الناظرة إىل معرفة اإلنسان‪ ،‬حيث إن هذه‬
‫البحوث تشري إىل أ ّن حقيقة اإلنسان هي الروح[‪ ]10‬وأ ّن بدنه مبثابة القالب هلا واآللة املسخرة خلدمتها‪.‬‬

‫ٍ‬
‫شخص ال يعترب من صفاته احلقيقيّة كذلك فإ ّن أوصاف بدنه كلون‬ ‫ألي‬
‫وكما أ ّن حجم الكتاب أو احلذاء أو املنزل ّ‬
‫اجللدة أو الطول أو الوزن ال يشري إىل صفاته احلقيقيّة‪.‬‬

‫وكما أ ّن اإلنسان يستفيد من الوسائل الّيت تقع ضمن اختياره ليقومـ باألعمال الّيت يريدها كذلك فإ ّن بدنه واح ٌد من‬
‫تلك اآلالت والوسائل الواقعة حتت اختياره بإمكانه االستفادة منه للقيامـ بأعماله‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن األوصاف احلقيقيّة‬
‫هي أوصاف روح اإلنسان وال ب ّد من البحث عن كماله أو نقصه يف ضمن هذه األوصاف أيضاً‪.‬‬

‫االختياري عند اإلنسان‬


‫ّ‬ ‫احلقيقي والكمال‬
‫ّ‬ ‫‪ .3 - 2‬مالك تشخيص الكمال‬

‫ِ‬
‫كصفة‬ ‫أي واحدة منها تعترب‬ ‫ٍ‬
‫إ ّن اللذة واألمل والصداقة والعداوة من خصائص وأوصاف روح اإلنسان‪ ،‬وحينئذ ّ‬
‫وأي واحدة منها تعترب كصفة ٍ‬
‫نقص له؟‬ ‫ٍ‬
‫كمال له ّ‬

‫نوع من الكمال‪ ،‬فإ ّن بعض اللذائذ توجب اآلالم الكبرية‪،‬‬


‫كل لذة تالزم حصول ٍ‬ ‫وبالرغم من اعتقاد بعضهم بأ ّن ّ‬
‫الوجودي لإلنسان‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫ومن حيث اجملموع بامكاهنا أ ْن تقلل من البعد‬

‫حممد بن إبراهيم صدر الدين الشريازي‪ ،‬احلكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪ 117‬و‪ 118‬نقالً عن‬
‫‪ -1‬راجع‪ّ :‬‬
‫احلكماء وابن سينا‪ ,‬نفس املصدر ص ‪ ،142 ،135 ،123 ،122‬وج ‪ ،9‬ص ‪ 122‬و ‪.125‬‬

‫‪259‬‬
‫ورمبا تكون الصداقة مع اآلخرين ويف كثري من املوارد مفيدة لنا وموجبة لكمالنا‪ ،‬إاّل أ ّن األمر ليس كذلك مع‬
‫صداقة من يضللنا ويلجئنا إىل فعل ما يوجب نقصنا‪.‬‬

‫ومع مالحظة هذه األمثلة حيتمل أ ّن بعض صفات الروح الّيت ميكن من جهة ما تلقيها ككمال لإلنسان إذا مل تزد‬
‫دائماً من البعد الوجودي له أو سببت نقصانه يف بعض األحيان فإ ّن مثل هذه الصفات ال قيمة ذاتية هلا‪ ،‬وأما ما هو‬
‫خاصة ‪-‬‬
‫حقيقة كمال اإلنسان وله القيمة الذاتية فهو ذلك الشيء الّذي يضيف دائماً ‪ -‬ال أحياناً وال من جهة ّ‬
‫احلقيقي لإلنسان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومن حيث اجملموع يف البعد الوجودي لإلنسان ومثل هذا الشيء نسميه الكمال‬

‫تعريف‬

‫إمّن ا تكون "أ" كماالً حقيقياً لـ"ب" فقط وفقط إذا كان كمال "ب" مع "أ" دائماً ومن حيث اجملموع أزيد من‬
‫كماهلا من دون "أ"‪.‬‬

‫احلقيقي؟‬
‫ّ‬ ‫لكن ما هو املالك املشخص للكمال‬

‫لنفرتض أنّنا نريد ترتيب األلوان املختلفة بناءً على درجة إضاءة اللون (كونه فاحتاً أكثر من غريه) ولكن ترددنا يف‬
‫أي اللون األبيض‬ ‫ٍ‬
‫حتديد درجة اإلضاءة لأللوان املختلفة فإنّنا نقيسها حينئذ إىل أوضح األلوان وأكثرها إضاءة ّ‬
‫ونقول إ ّن مالك إضاءة اللون هو كونه قريباً من اللون األبيض‪ ،‬ولذا فإ ّن أكثر األلوان اضاءة (غري اللون األبيض)‬
‫هو أكثرها قرباً من اللون األبيض‪.‬‬

‫احلقيقي لإلنسان هو قرب هذا الكمال من الكمال املطلق[‪.]12‬‬


‫ّ‬ ‫وبناءً عليه ميكن القول إ ّن مالك تشخيص الكمال‬

‫وبناءً على حبوث اإلهليات الفلسفية فإ ّن الكمال املطلق هو اهلل تعاىل وعلى هذا األساس ميكن القول إ ّن مالك‬
‫"االختياري" ميكن استنتاج القاعدة التالية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫احلقيقي لإلنسان هو قربه [‪ ]13‬من اهلل تعاىل‪ ،‬وبإضافة قيد‬
‫ّ‬ ‫الكمال‬

‫‪260‬‬
‫االختياري من اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االختباري لإلنسان هو قربه‬
‫ّ‬ ‫إ ّن مالك تشخيص الكمال‬

‫سؤال‪ :‬مع مالحظة هذا املالك اذكر الصفات اإلنسانية ذات القيمة الذاتية وما هو نوع القيمة يف سائر الصفات‬
‫األخرى؟‬

‫االختياري لإلنسان‬
‫ّ‬ ‫‪ - 4‬نطاق الكمال‬

‫الوجودي) عند اإلنسان ذو مراتب‪ ،‬وباالصطالح فإنّه مفهوم مش ّكك‪.‬‬


‫ّ‬ ‫إ ّن الكمال (البعد‬

‫احلقيقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وقد استنتجنا أ ّن اإلنسان كلّما كان أقرب إىل اهلل فإنّه يكشف عن متتعه مبقدار أكرب من الكمال‬

‫حد يستطيع‬
‫أي ٍّ‬
‫نتعرف إىل ماهية نطاق اختيار اإلنسان يف قربه من اهلل‪ ،‬وبعبارة أخرى إىل ّ‬
‫إاّل أنّنا هنا نريد أ ْن ّ‬
‫اإلنسان باختياره حتصيل الكماالت اإلهلية واالقرتاب من اهلل‪.‬‬
‫وسوف نقسم هذا السؤال إىل قسمني‪:‬‬

‫‪ - 1‬ما هو املقدار الّذي ميكن لإلنسان حتصيله من الكماالت اإلهلية؟‬

‫‪ - 2‬ما هي حدود امكانية كون هذه الكماالت اختيارية؟‬

‫األول ال ب ّد أوالً أ ّن نأخذ بالنظر واالعتبار نطاق إمكانات اإلنسان‪ .‬وهنا نقول إ ّن الصفات‬
‫ولالجابة عن القسم ّ‬
‫الكمالية الّيت بإمكان اإلنسان أ ْن يتحلّى هبا كثرية جداً ومن الصعبـ حصرها وتعدادها ومن مجلتها العلم والقدرةـ‬
‫واحلياة واجلود‪ ،‬واألفضل لنا أ ْن نسأل هذا السؤال من الناحية السلبية فنقول‪ :‬ما هي الكماالت اإلهلية الّيت ال ميكن‬
‫لإلنسان حيازهتا؟‬

‫أي موجود آخر واصطالحاً يقال‬


‫تعرف اهلل بأنه موجود ال حيتاج يف وجوده وكماالته إىل ّ‬
‫إ ّن اإلهليات الفلسفية ّ‬
‫الغين بالذات‪ .‬ويف املقابل فإ ّن وجود‬
‫واجب الوجود أو ّ‬

‫‪261‬‬
‫اإلنسان ليس من ذاته بل إنّه حمتاج يف وجوده وكماالته إىل اهلل تعاىل وباالصطالح يعرب عنه بأنّه ممكن الوجود أو‬
‫فقري بالذات‪.‬‬

‫أي مرتبة من مراتب الكمال لن يكون واجب الوجود أو غنياً بالذات‪ ،‬وبعبارة‬ ‫ولذا فإ ّن اإلنسان مهما وصل إىل ّ‬
‫أخرى فإ ّن كل ٍ‬
‫كمال حيوزه اإلنسان فهو من اهلل وهو دائماً حمتاج إليه‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ولذا فإ ّن هناك نطاقاً حمدداً إلمكانات اإلنسان النوعية [‪ ]14‬وهي مثبتة بالدليل والربهان العقلي [‪.]15‬‬

‫وخالصة القول‪ :‬إ ّن اإلنسان ومن بني املراتب اإلهلية ال ميكنه كسب عدم االحتياج املطلق ولوازمه‪.‬‬

‫احلقيقي‪.‬‬ ‫اختياري لكمال اإلنسان‬ ‫ولالجابة عن القسم الثاين ال ب ّد لنا من حتديد ٍ‬


‫نطاق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫يتحصل باختيار الفاعل وإرادته ولذا فإ ّن هذا الكمال يبقى اختيارياً ما دام الفاعل طالباً له‪،‬‬
‫ّ‬ ‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫إ ّن الكمال‬
‫أي ح ّد من الكمال يريده اإلنسان حبيث إنّه عندما يصل إليه‬ ‫لكن ما هو مقدار حدود هذا الطلب؟ وبعبارة أخرى ّ‬
‫كمال آخر؟ ويف اجلواب عن ذلك ميكن القول إ ّن اإلنسان والمتالكه‬ ‫يتوقف طلبه للكمال ومن بعده لن يطلب أي ٍ‬
‫ّ‬
‫يتصور املفهوم املطلق للكمال‪ ،‬وهلذا فإ ّن سعيه وطلبه للكمال ال حُي ّد‬
‫يتصور فقط الكمال احملدود بل ّ‬ ‫قوة العقل ال ّ‬
‫خاص من الكمال بل يطلب أقصى ما‬ ‫حد ٍّ‬ ‫أي إنسان ال يقنع بأي ٍّ‬ ‫وخاص وهلذا السبب أيضاً فإ ّن ّ‬‫ٍ‬ ‫مبقدار حمدود‬
‫ميكنه طلبه مما يظنه ويعتقده كماالً له‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن اإلنسان من ناحية طلبه للكمال ال حمدودية له ومتام مراتب‬
‫الكمال املمكنة مطلوبة له واختيارية أيضاً‪.‬‬

‫ومن حيث اجملموع ميكن استنتاج ما يلي‪:‬‬

‫االختياري لإلنسان احتياجه إىل اهلل‬


‫ّ‬ ‫حدود الكمال‬

‫‪262‬‬
‫‪ - 5‬القيمة النهائية‬

‫االختياري لإلنسان نصل إىل النتيجة التالية وهي أ ّن اإلنسان ومبا أنّه‬
‫ّ‬ ‫مع مالحظة ما أثبتناه من حدود الكمال‬
‫موجود حمتاج بإمكانه أن يكسب باختياره صفات الكمال اإلهلية باستثناء الصفات الراجعة إىل غناه املطلَق[‪،]16‬‬
‫نسميه "القيمة النهائية"‪ ،‬وبناءً على املالك الّذي‬
‫االختياري والذي ّ‬
‫ّ‬ ‫ويف هذه الصورةـ سيصل إىل أعلى مراتب الكمال‬
‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫االختياري فإ ّن مالك تشخيص القيمة النهائية عبارة عن‪ :‬أعلى درجات القرب‬
‫ّ‬ ‫بيّناه لتشخيص الكمال‬
‫من اهلل‪.‬‬

‫‪ - 6‬لوازم[ـ‪ ]17‬القيمة النهائية‬

‫حىت اآلن ومع معرفتنا بالقيمة النهائية ومالك تشخيصها‪ ،‬سوف نشري أيضاً إىل بعض عالماهتا ولوازمها حيث إ ّن‬
‫التعرف بأفضل وجه من خالل املقايسة معها إىل مكانتنا القيميّة ومكانة اآلخرين‬
‫معرفة هذه اللوازم سيعيننا على ّ‬
‫أيضاً‪.‬‬

‫احلضوري الكامل عند اإلنسان باحتياجه وعدم احتياج اهلل‬


‫ّ‬ ‫‪ .6 - 1‬العلم‬

‫بناءً على البحوث الفلسفية املتعلقة بالعلم فإ ّن اإلنسان عامل بذاته وبوجوده علماً حضورياً أي أنّه يدرك وجوده بال‬
‫أي واسطة وإ ّن علمه احلضوري بنفسه هو عني وجوده‪ ،‬ولذا فإ ّن الش ّدة والضعف أو الكمال والنقص يف علمه‬ ‫ّ‬
‫احلضوري بنفسه تابع للشدةـ والضعف أو الكمال والنقص يف وجوده‪ ،‬ولذا فإ ّن من لديهم النقص يف هذه الناحية‬
‫غافلون حىت عن الكثري من استعداداهتم ومؤهالهتم‪ .‬وكذلك فإ ّن االطالع والعلمـ عند الكثري من الناس ليس حبده‬
‫وبغض النظر عن االستدالل ال‬
‫ّ‬ ‫الكامل والذي يؤهلهم لتشخيص حقيقة وجودهم يف أهنا مادية أم جمردة‪ ،‬أي أنّه‬
‫يدركون أ ّن حقيقة وجودهم هي الروح اجملردة عن املادة وليس بدهنم املادي بل إ ّن عامة الناس يستفيدون ملعرفة‬
‫لكن اإلنسان كلما‬
‫العقلي يف مواردها‪ّ ،‬‬
‫ّـ‬ ‫احلصويل وحيتاجون إىل التجربة أو االستدالل‬
‫ّ‬ ‫مثل هذه اخلصائص من العلم‬
‫احلضوري‬
‫ّ‬ ‫أصبح وجوده أكثر كماالً فإ ّن معرفته وعلمه‬

‫‪263‬‬
‫بنفسه والذي هو عني وجوده يصبح أكثر كماالً أيضاً وبالتايل فإنّه يدرك بوضوح أكثر خصائصه الوجودية بالعلمـ‬
‫الوجودي لإلنسان باهلل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫احلضوري ومن مجلة هذه اخلصائص كيفية االرتباط‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‬ ‫ولتوضيح حقيقة هذا االرتباط وادراكه بشكل أفضل نتوجه إىل هذا املثال‪ :‬تصور‪ 2‬يف ذهنك إنساناً ما‪،‬‬
‫أي شيء‬‫بأي حنو يرتبط هذا التصور الذهين بنفسك؟ وهل أ ّن اإلنسان الّذي تصورته يف ذهنك ال حيتاج إليك يف ّ‬ ‫ّ‬
‫أي شيء مثالً حببل يتصل به؟ وهل أ ّن هذا‬ ‫ميتلكه؟ وهل ميكن أ ّن يكون ارتباط هذا التصور بنفسك كارتباط ّ‬
‫األول ال حيتاج إىل الثاين بعد إمتام البناء؟‬
‫االرتباط كارتباط البناء بالبنّاء حبيث إ ّن ّ‬

‫ومبجرد عدم تصوره‬


‫أي أنّه ّ‬ ‫الذهين املفرتض خملوق من قبل الذهن وكل ما فيه يرتبط بارادتك ّ‬
‫ّ‬ ‫التصور‬
‫إ ّن هذا ّ‬
‫سيزول أيضاً وال معىن ٍ‬
‫حينئذ لوجوده من دونك ودون ذهنك‪ ،‬وإ ّن افرتاض "عدم ارتباطه بذهنك" يساوق بالدقة‬
‫التصور وما‬
‫افرتاض "عدم وجوده"‪ ،‬وعليه فإ ّن هذا التصور ليس شيئاً مستقالً قمت أنت بربطه بالذهن بل إ ّن نفس ّ‬
‫قمت به هو عني الربط واالحتياج يف ذهنك أنت‪ .‬واآلن لنفرتض أ ّن ذلك اإلنسان الّذي تصورته أصبح أكثر كماالً‬
‫حبيث إنك تدرك وجوده بشكل أوضح‪ ،‬ويف هذه الصورة فإ ّن حنو ارتباطه بك يدرك بشكل أوضح وكما أنك‬
‫تدرك ارتباطه بك فإنّه أيضاً يدرك ارتباطه بك ويدرك استقاللك عنه أيضاً‪.‬‬

‫أي‬
‫كل املوجودات مبا فيها اإلنسان هلا عني الربط باهلل تعاىل‪ ،‬وال يوجد ّ‬
‫بناءً على حبوث اإلهليات الفلسفيةـ فإ ّن ّ‬
‫كمال من كماالته الوجودية بل إ ّن وجوده دائماً وكذلك متام كماالته مفاضة من قبل‬ ‫خملوق مستقل عنه يف أي ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أي شيء هو اهلل فقط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إىل‬ ‫حيتاج‬ ‫ال‬ ‫والذي‬ ‫ً‬‫ال‬ ‫كام‬ ‫املستقل‬
‫ّ‬ ‫املوجود‬ ‫اهلل‪ ،‬وإ ّن‬

‫‪ -2‬املراد من هذا التصور هو التصور الّذي خيرتعه الذهن ويكون فاعالً له بإعانة من القوة الفاعلة وليس التصور احلسي الّذي يكون‬
‫معه الذهن منفعالً‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫إ ّن إحدى عالمات الوصول إىل القيمة النهائية هي يف إدراك اإلنسان حنو ارتباطه الوجودي باهلل تعاىل بالعلم‬
‫أي أ ْن يدرك دائماً ارتباطه‬
‫العقلي يف مباحث اإلهليات الفلسفية ‪ّ -‬‬
‫ّـ‬ ‫احلضوري ‪ -‬والذي أثبته الفالسفة بالدليل‬
‫املستقل بذاته والذي ال حيتاج إىل غريه[‪.]18‬‬
‫ّ‬ ‫باحلضرة اإلهلية واحتياجه الدائم إىل اهلل وأ ّن اهلل هو املوجود‬

‫‪ .6 - 2‬احملبّة والرضا الكامالن واملتقابالن بني اهلل واإلنسان‬

‫أي كان أكثر‬


‫حمب لنفسه وكلّما كان الشيء أكثر سنخية مع وجوده الكامل ‪ّ -‬‬
‫إن اهلل والذي هو الكمال املطلَق ٌ‬
‫قرباً منه ‪ -‬أحبه بشكل أكرب أيضاً‪.‬‬

‫وبناءً عليه فإ ّن اإلنسان كلما أصبح أكثر كماالً فسيكون حمبوباً بشكل أكرب من قبل اهلل تعاىل وسيزداد رضا اهلل‬
‫عنه بشكل أكرب أيضاً‪.‬‬

‫ومن طرف ٍ‬
‫مقابل أيضاً فإ ّن اإلنسان ونتيجة لتكامله ستقوى الصفات الكمالية اإلهلية يف ذاته‪ ،‬وحيث إ ّن هذه‬
‫سيحب‬
‫ّ‬ ‫اخلاصة هبا فإ ّن اإلنسان بتكامله واكتسابه للصفات اإلهلية‬
‫للحب والرضا ببعض األمور ّ‬ ‫ّـ‬ ‫الصفات مقتضية‬
‫سيحب ما حيبه اهلل وسريضى مبا يريده ويطلبه وبناءً عليه فإ ّن مقدار القيمة‬
‫ّ‬ ‫ويرضى بتلك األمور أيضاً ولذا فإنّه‬
‫احلب والرضا املتقابل بني اهلل واإلنسان وإ ّن‬
‫االختياري ميكن مساواهتا بدرجة ّ‬
‫ّ‬ ‫الذاتية ألي مرتبة من مراتب الكمال‬
‫إحدى لوازم القيمة النهائية هي احملبة والرضا الكامالن واملتقابالن بينهما أيضاً‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬كيف ميكن معرفة مكانتك ومكانة اآلخرين القيميّة بناءً على هذه اللوازم؟‬

‫‪ - 7‬القيمة النهائية وتأمني األهداف الذاتية‬

‫تابع لش ّدة وكمال وجوده‪،‬‬


‫احلضوري بنفسه ٌ‬
‫ّ‬ ‫كما تق ّدم معنا يف الفرع (‪ )6 - 1‬فإ ّن ش ّدة وكمال علم اإلنسان‬
‫ونتيجة ذلك أ ّن اإلنسان الكامل بتحصيله القيمة النهائية‬

‫‪265‬‬
‫وأعلى درجات القرب من خالل الكماالت املفاضة عليه من قبل اهلل فسيكون لديه أيضاً علم حضوري كامل‬
‫وواضح‪.‬‬

‫وسيحصل هذه النتائج أيضاً‪:‬‬


‫ّ‬

‫وحيصل أعلى لذة ميكن لإلنسان حتصيلها‪ ،‬أل ّن اللذة احلاصلة من إدراك الوصول هي نوعٌ من الكمال‬
‫‪ - 1‬سيدرك ّ‬
‫أيضاً‪ .‬واإلنسان الكامل سينال أعلى درجات درك الكمال وأعلى مراتب الوصول وبالتايل فإ ّن مثل هذا اإلنسان‬
‫احلضوري وهذه أعلى درجة من‬
‫ّ‬ ‫النهائي بشكل كامل بالعلمـ‬
‫ّ‬ ‫سيحصل أعلى الكماالت املمكنة له وسيدرك كماله‬
‫ّ‬
‫الوجودي والذي‬
‫ّ‬ ‫درجات درك الكمال‪ ،‬ومن طرف آخر فإ ّن الوصول إىل مثل هذا الكمال يعترب نوعاً من التعلّق‬
‫يع ّد من أكمل أحناء االرتباط املمكن بني موجودين وأعلى مراتب الوصول إىل الكمال[‪.]19‬‬

‫أي أم ٍر آخر‪ .‬ومع أنّه سيستفيد‬


‫‪ - 2‬إ ّن اإلنسان بتحصيله للكماالت الواقعيّة وادراك حقيقتها لن تتزاحم عنده مع ّ‬
‫احلقيقي فإنّه لن يعتين ولن يرغب مبا يتزاحم منها مع هذا الكمال‬
‫ّ‬ ‫من اإلمكانات الدنيويّة مبا يتناسب مع كماله‬
‫الروحي الكامل من دون إحساس باحلاجة إليها‪ .‬ومثاالً على ذلك فإنّه لن يشعر بأي‬
‫ّ‬ ‫وبالتايل سيصل إىل االطمئنان‬
‫نقص أو ضرر حيال أصحاب البطون املألى وعبّاد الشهوة والطغاة وأصحاب الشهرة‪ ،‬ولن يغبطهم أبداً على‬ ‫ٍ‬
‫حياهتم‪.‬‬

‫سيحصل أعلى ح ّد من القدرةـ املمكنة له‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ظل الوصول إىل احل ّد املمكن من الكماالت اإلهلية فإ ّن اإلنسان‬
‫‪ - 3‬يف ّ‬
‫أي قدرة أخرى‪.‬‬ ‫بأي ضعف وخوف أمام ّ‬‫وبإدراكه هذه القدرةـ الكاملة املستندة إىل قدرة اهلل لن يشعر ّ‬

‫احلقيقي وقربه من اهلل‪ .‬وحيث إ ّن هذا الكمال هو مطلوبه‬


‫ّ‬ ‫كل احتياجاته الوجودية املالئمة مع كماله‬
‫سيؤمن ّ‬
‫‪ّ -4‬‬
‫احلقيقي وبالتايل سيبتعد عن‬
‫ّ‬ ‫كل حاجاته سيكون مطلوباً له فقط باعتبار أهنا مق ّدمةـ لتأمني كماله‬ ‫األصلي فإ ّن تأمني ّ‬
‫االفراط والتفريط يف طلب احلاجات الّيت ال تنسجم مع ذلك‪ ،‬وهذا األسلوب يؤيده العقل وحيكم بصحته‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫كل‬
‫سيؤمنون ّ‬
‫االختياري (القيمة النهائية) فإ ّن أتباع األنانية ّ‬
‫ّ‬ ‫ويف الواقع‪ ،‬ومع جعل اهلدف هو أعلى درجات القرب‬
‫يؤمن هذا اهلدف أهداف أتباع‬ ‫حد ممكن ومن دون أ ّن يزاحم بعضها بعضاً‪ .‬لكن يا ترى هل ّ‬ ‫أهدافهم وبأعلى ٍّ‬
‫الغريية أيضاً؟ سوف جنيب عن هذا السؤال بعد الكالم عن القيمة الغريية والبديلة يف الفصل العاشر‪.‬‬

‫الخالصة‬

‫حضوري بنفسه ‪ -‬حيب ذاته‪.‬‬


‫ّ‬ ‫وكأي موجود آخر له علم‬
‫ّ‬ ‫‪ - 1‬إ ّن اإلنسان ‪-‬‬

‫حب الذات منشأ مطلوبية كماهلا‪.‬‬


‫‪ - 2‬إ ّن ّ‬

‫االختياري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ - 3‬إ ّن مطلوبية الكمال يف نطاق األمور االختيارية يظهر بصورة مطلوبية الكمال‬

‫االختياري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حب الذات ومنشأ املطلوبية لألمور االختيارية عند اإلنسان هو مطلوبية الكمال‬
‫‪ - 4‬إ ّن منشأ مطلوبية ّ‬

‫االختياري ذا قيمة ذاتية‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 5‬الكمال‬

‫‪ - 6‬إ ّن اختالف الرأي حول ما له القيمة الذاتية يوجب االختالف يف تقييم األمور االختيارية ويف انتخاب أسلوب‬
‫احلياة أيضاً‪.‬‬

‫االختياري وتعيني قيمة األمور االختيارية‪.‬‬ ‫‪ - 7‬ال ب ّد من وجود ٍ‬


‫مالك لتشخيص الكمال‬
‫ّ‬

‫احلقيقي يف ضمن أوصافها‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 8‬باعتبار أ ّن حقيقة اإلنسان تتمثّل يف روحه فال ب ّد من البحث عن كماله‬

‫‪ - 9‬إ ّن بعض أوصاف الروح وإ ْن كانت من جهة ما موجبة للكمال إاّل أهّن ا ال تزيد يف بعده الوجودي بشكل‬
‫دائم‪ ،‬ولذا فإ ّن مثل هذه الصفات ليست كماالً حقيقياً وال قيمة ذاتية هلا‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫احلقيقي هو القرب من الكمال املطلق (اهلل)‪ ،‬وإ ّن مالك تشخيص الكمال‬
‫ّ‬ ‫‪ - 10‬إ ّن مالك تشخيص الكمال‬
‫االختياري من اهلل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االختياري هو القرب‬
‫ّ‬

‫يتصور الكمال املطلَق ويسعى إليه‪ ،‬وهلذا‬


‫االختياري والمتالكه قوة التعقل فإنّه ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ - 11‬إ ّن اإلنسان الطالب للكمال‬
‫السبب فإ ّن سعيه وطلبه للكمال ال حُي ّد بأي ح ّد‪.‬‬

‫االختياري حمدود هبذا االحتياج‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 12‬إ ّن اإلنسان حمتاج يف وجوده وكماالته إىل اهلل وإ ّن كماله‬

‫االختياري من اهلل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االختياري‪ ،‬ومالكها هو أعلى درجات القرب‬
‫ّ‬ ‫‪ - 13‬القيمة النهائية هي أعلى درجات الكمال‬

‫احلضوري بارتباطه الوجودي باهلل‪ .‬وهلذا فإ ّن العلم‬


‫ّ‬ ‫‪ - 14‬مع تكامل وجود اإلنسان سيتكامل أيضاً علمه‬
‫احلضوري الكامل عند اإلنسان باحتياجه وعدم احتياج اهلل يعترب من لوازم القيمة النهائية‪.‬‬

‫‪ - 15‬إ ّن اهلل حيب الكمال وإ ّن اإلنسان الكامل مورد حملبة اهلل ورضاه الكامل عنه‪.‬‬

‫‪ - 16‬إ ّن اإلنسان الكامل واجد للصفات اإلهلية يف ح ّدها املمكن‪ ،‬وما هو حمبوب ومرضي هلل حمبوب ومرضي‬
‫عنده أيضاً‪.‬‬

‫‪ - 17‬احملبة والرضا الكامالن واملتقابالن بني اهلل واإلنسان مها من لوازم القيمة النهائية‪.‬‬

‫تؤمن املالكات املنظورة عند القائلني باألنانية ‪ -‬كاللذة واالطمئنان والقدرة والقوة‬
‫‪ - 18‬إ ّن القيمة النهائية ّ‬
‫واالنسجام العقالين ‪ -‬يف أعلى ح ّد ممك ٍن ومن دون أ ّن يتزاحم بعضها مع بعض‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫األسئلة‬

‫‪ - 1‬ما هو منشأ املطلوبية؟ أوضح ذلك‪.‬‬

‫االختياري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ - 2‬أثبت أ ّن منشأ مطلوبية األمور االختيارية هو مطلوبية الكمال‬

‫االختياري؟ أوضح ذلك‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 3‬ملاذا حنتاج إىل املالك لتشخيص الكمال‬

‫االختياري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ - 4‬أوضح ارتباط البحث عن حقيقة اإلنسان مع البحث عن مالك تشخيص الكمال‬

‫احلقيقي ومالك‬
‫ّ‬ ‫ووضح ماهية مالك تشخيص الكمال‬
‫‪ - 5‬بالنظر إىل حقيقة اإلنسان والكمال املطلق اذكر ّ‬
‫االختياري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تشخيص الكمال‬

‫‪ - 6‬أ ‪ -‬بالنظر إىل حدود امكانات اإلنسان اذكر ما هو احل ّد الّذي ميكن لإلنسان حتصيله من الكماالت اإلهلية؟‬

‫ب ‪ -‬بالنظر إىل سعي اإلنسان للكمال‪ ،‬ما هو حدود كون هذه الكماالت اختيارية؟‬

‫‪ - 7‬التكرّب املطلَق هو أ ّن يرى املوجود نفسه أكرب من اآلخرين مطلقاً‪ ،‬بالنظر إىل حدود إمكانات اإلنسان يف‬
‫كسب الكماالت اإلهلية‪ .‬أوضح سبب كون التكرّب املطلَق صفة كمال هلل وصفة ٍ‬
‫نقص لإلنسان وأهّن ا بالنسبة له‬
‫ذات قيمة منفية أخالقيّاً‪.‬‬

‫احلضوري الكامل لإلنسان باحتياجه وعدم احتياج اهلل"؟‬


‫ّ‬ ‫‪ - 8‬أ ‪ -‬ما هو املراد من قولنا‪" :‬العلمـ‬

‫ب ‪ -‬كيف اعتُرب هذا الكمال من لوازم القيمة النهائية؟‬

‫‪ - 9‬أثبت كيفية كون احملبة والرضا الكاملني واملتقابلني بني اهلل واإلنسان من لوازم القيمة النهائية‪.‬‬

‫تؤمن القيمة النهائية املالكات التالية‪ ،‬واليت هي مورد نظر أتباع األنانية‪ ،‬يف أعلى ح ّد ممك ٍن ومن دون‬
‫‪ - 10‬كيف ّ‬
‫تزاحم بينها‪:‬‬

‫‪269‬‬
‫أ ‪ -‬اللذة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬االطمئنان‪.‬‬

‫ج ‪ -‬القدرة‪.‬‬

‫د ‪ -‬االنسجام العقالين‪.‬‬

‫للبحث‬

‫تفسر حب اإلنسان لذاته؟ احبث ذلك‪:‬‬


‫‪ - 1‬مع االلتفات إىل املوارد التالية كيف ّ‬

‫‪ -‬اإليثار‪ :‬بعض الناس يضحي مباله وروحه من أجل اآلخرين‪.‬‬

‫حد حلياته‪.‬‬
‫‪ -‬االنتحار‪ :‬بعض الناس باختياره يقوم بوضع ٍّ‬

‫‪ -‬العشق‪ :‬بعض الناس يضحى مبصاحله من أجل رضا معشوقهم‪.‬ـ‬

‫‪ - 2‬ميكن تشبيه الرابطة بني اإلنسان واهلل بنهر ينبع من حب ٍر كب ٍري ال ح ّد له وإن تغيري عرضه وسعته باختيار النهر‬
‫نفسه‪.‬‬

‫باالستفادة من هذا التشبيه أوضح كيفية استلزام زيادة الكمال االختياري عند اإلنسان لزيادة احتياجه إىل اهلل‪.‬‬
‫واحبث معىن كالم اإلمام زين العابدين وسيد الساجدين عليه السالم حيث خياطب اهلل تعاىل قائالً له‪" :‬وأنا أفقر‬
‫الفقراء إليك"‪.3‬‬

‫الفلسفي‬
‫ّـ‬ ‫‪ - 3‬بااللتفات إىل البحوث الواردة يف هذا الفصل عنّي املباحث الفلسفية األخرى الّيت حيتاجه إليها البحث‬
‫حول القيمة الذاتية األخالقيّة وع ّدد هذه املوارد‪.‬‬

‫‪ - 4‬بااللتفات إىل حبوث هذا الفصل بنّي ماهية مالك انسجام القوى املختلفة عند اإلنسان ومالك تعيني احل ّد‬
‫الوسط‪ ،‬وكيف ميكن أ ّن تبني نظرية احلد الوسط الذهبية بنح ٍو فلسفي‪.‬‬

‫‪ -3‬الصحيفة السجادية‪ ،‬مقطع من الدعاء العاشر‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫‪ - 5‬هل ينبغي اعتبار نزعة الكمال األخالقيّة من أخالق الفضيلة أم من أخالق الوظيفة والعمل؟ (راجع املذكرة ‪4‬‬
‫من الفصل األول)‪.‬‬

‫‪ - 6‬اعترب بعض العرفاء وعلماء األخالق املسلمني أ ّن منشأ املراتب العليا من الكماالت والفضائل األخالقيّة هو‬
‫كل النقائص والرذائل األخالقيّة‪.‬‬
‫التوحيد‪ ،‬وأ ّن الكفر والشرك هو أساس ّ‬

‫كيف ميكن إرجاع مثل هذه الصفات مبراتبها العليا إىل التوحيد‪ :‬التواضع واملروءة‪ ،‬واإليثار والشجاعة والعفة‪.‬‬

‫وكذلك كيفية إرجاع الصفات التالية إىل الكفر والشرك‪ :‬الرياء‪ ،‬احلسد‪ ،‬والبخل والغرور‪.‬‬

‫اقرأ‬

‫عما هو‬
‫عما له قيمة ذاتية أ ْن نبحث ّ‬ ‫إ ّن القيمة الذاتية هلا مطلوبية ذاتية غري ارتباطية‪ ،‬ولذا ال ب ّد لنا عند البحث ّ‬
‫الالارتباطي منها‪ .‬ورمبا يكون هذا األمر معقداً جداً ألنّه ال ميكن استقصاء‬
‫ّ‬ ‫ونشخص املطلوب‬ ‫ّ‬ ‫مطلوب عند اإلنسان‬
‫األصلي يكون ذا قيمة‬
‫ّ‬ ‫كل الناس‪ .‬وإذا كانت مطلوبية بعض األمور طولية فإ ّن املطلوب‬ ‫كل مطلوب عند ّ‬ ‫واستقراء ّ‬
‫كل‬
‫ذاتية فقط‪ .‬وكذلك احلال فيما إذا أمكن كشفه من بني املطلوبات الطبيعية‪ ،‬فستكون له قيمة ذاتية أيضاً عند ّ‬
‫الناس‪ .‬وإذا ما كانت مطلوبية هذا املطلوب الطبيعي منشأ مطلوبية كل مطلوب عند اإلنسان فال حاجة إىل ٍ‬
‫مزيد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عما له‬
‫وحتصل يف اليد‪ .‬ولذا فإنّنا يف حبثنا ّ‬
‫َّ‬ ‫كل الناس قد تبنَّي‬
‫من البحث والتحقيق أل ّن ما له القيمة الذاتية عند ّ‬
‫كل مطلوب آخر‬ ‫القيمة الذاتية نبدأ من هذه النقطة وباجيادنا هلا من بني القيم الطبيعية وإثبات كوهنا منشأ مطلوبية ّ‬
‫حصلنا القيمة الذاتية للكمال االختياري ‪-‬‬ ‫حصلنا القيمة الذاتية األخالقيّة فقط‪ .‬وحنن يف هذا االستدالل ّ‬ ‫نكون قد ّ‬
‫بأي قيمة أخرى ‪ -‬من بني القيم الطبيعية وبالتايل استنتجنا قيمته الذاتية من قيمته الطبيعية‪،‬‬ ‫مع ميزة عدم االرتباط ّ‬
‫وبناءً عليه فإ ّن استداللنا هذا ليس من‬

‫‪271‬‬
‫نوع مغالطة القيمة الطبيعية والقيمة الذاتية الّيت بينّاها يف الفصل الثامن‪.‬‬

‫حب‬
‫االختياري وينشأ عند اإلنسان من حب غاية الفعل باعتقاد الفاعل (أي ّ‬
‫ّ‬ ‫حب الفعل هو من مبادئ الفعل‬ ‫إ ّن ّ‬
‫الغاية الّيت يعتقد الفاعل أهنا غاية)‪.‬‬

‫حلب‬
‫االختياري من املمكن أ ّن تكون معلولة ّ‬
‫ّ‬ ‫وحب الغاية هذه واليت هي حقيقة العلة الغائية أو علّة فاعلية الفعل‬
‫ّ‬
‫اختياري‬
‫ّ‬ ‫فعل‬
‫كل ّ‬‫غاية أخرى أيضاً ولكن حيث إ ّن التسلسل والدور يف العلل احلقيقيّة حمال ال ب ّد من أجل حتقق ّ‬
‫من وجود علة غائية هنائية تكون منشأ حمبوبية ومطلوبية هذا الفعل وعليه ال ب ّد لتح ّقق األفعال االختيارية من وجود‬
‫قيمة ذاتية‪.‬‬

‫حممد بن إبراهيم صدر الدين الشريازي‪،‬‬


‫راجع‪ :‬حسني بن عبد اهلل بن سينا‪ ،‬الشفاء‪ ،‬اإلهليات‪ ،‬ص‪ّ ,369 - 368‬‬
‫حممد حسني الطباطبائي‪ ،‬أصول الفلسفة‬
‫احلكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ,185 - 184‬السيد ّ‬
‫حممد تقي مصباح اليزدي‪ ،‬آموزش فلسفه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ 456 ،112 ،108‬و‬ ‫الواقعي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ّ ,208‬‬ ‫ّ‬ ‫واملنهج‬
‫‪.461‬‬

‫الفلسفي فإ ّن العلم خمصوص باملوجود اجملرد‪ .‬واإلنسان مبا أ ّن له نفساً جمردة فهو‬
‫ّ‬ ‫بناءً على ما متّ إثباته يف علم النفس‬
‫احلضوري بالذات الزم وجود‬
‫ّ‬ ‫حضوري‪ ،‬ولذا فإ ّن العلم‬
‫ّ‬ ‫عامل أيضاً وإ ّن علمه بنفسه بال واسطة واصطالحاً فإنّه‬
‫احلصويل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الذات وليس اكتسابياً كما هو احلال يف العلم‬

‫احلب له‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن اجياد كمال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫أي واسطة يصاحبه ّ‬
‫كل كمال موجود بال ّ‬‫ومن طرف آخر فإ ّن اجياد ّ‬
‫كل ذات جمردة‬
‫حب الذات نتيجة طبيعية للعلمـ بكمال وجود الذات والزم ّ‬
‫الوجود أمر حمبوب‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن ّ‬
‫ومن مجلتها اإلنسان‪.‬‬

‫حيث إ ّن حب الذات هو منشأ حب البقاء ومطلوبيته كذلك ‪ -‬وحتماً إ ّن البقاء من كماالت اإلنسان ‪ -‬لذا فإ ّن‬
‫حب الكمال‪.‬‬‫حب البقاء مصداق من مصاديق ّ‬
‫ّ‬

‫وبغض النظر عن حدوده حُي تاج إليه‬


‫ّ‬ ‫إ ّن وجود االختيار ‪ -‬والذي هو أمر مسلَّمـ به يف األخالق والقبول هبذا األصل‬
‫ومبتىن على العلم احلضوري‪.‬‬ ‫أخالقي ‪ -‬أمر وجداينّ وبديهي‬ ‫ٍ‬
‫مذهب‬ ‫بأي‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫منطقياً للقبول ّ‬

‫خود دليل اختيار است أى صنم‬ ‫اينكه كوىي اين كنم يا آن كنم‬
‫دليل على كونك خمتاراً أيها الصنم‬ ‫قولك أفعل كذا وال أفعل‬

‫‪272‬‬
‫ومن املمكن أيضاً االجابة عن الشبهات الواردة حول إمكان االختيار باألدلة الفلسفية‪.‬‬

‫االختياري عند اإلنسان بل يثبت أيضاً ‪ -‬وكما رأينا يف الفصل‬


‫ّ‬ ‫إ ّن هذا البحث ال يثبت فقط القيمة الذاتية للكمال‬
‫الثالث ‪ -‬الواقعيّة األخالقيّة‪ ،‬ومضافاً إىل هذا فإ ّن هذا البحث يثبت أيضاً عدم وجود قيمة ذاتية أخالقيّة أخرى‪.‬‬
‫اختياري آخر عند‬
‫ّ‬ ‫أي أمر‬
‫وبعبارة ثانية فإ ّن القيمة الذاتية األخالقيّة واحدة وليست متع ّددة ألنّه ال ميكن اجياد ّ‬
‫االختياري‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن‬
‫ّ‬ ‫اإلنسان تكون مطلوبيته مستقلّةـ أو غري مرتبط يف النهاية بأمر آخر سوى الكمال‬
‫التعددية األخالقيّة ‪ -‬مبعىن وجود أصول أخالقيّة متع ّددة بعضها يف عرض بعض ‪ -‬املستلزمة لوجود قيم ذاتية‬
‫متع ّددة غري صحيحة‪.‬‬

‫وبغض النظر عن هذا البحث‪ ،‬فإنّه ميكن الكالم عن إمكان أو عدم إمكان تع ّدد القيم الذاتية‪ ،‬وعن لوازم القبول‬
‫ّ‬
‫بتع ّددها‪ ،‬وسوف نشري إىل ذلك بالبيان التايل‪:‬‬

‫أي أنّه بشكل كلّي وبصرف النظر عن خصوص األخالق‬ ‫املنطقي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫إ ّن مفهوم تع ّدد القيم الذاتية ال يستلزم التناقض‬
‫أمور مستقلةـ مطلوبة‬
‫فإنّه ميكن االفرتاض منطقياً وجود قيم ذاتية متع ّددة ملوضوع واحد مبعىن أ ّن تكون لدينا عدة ٌ‬
‫طويل‪.‬‬
‫عرضي يف ذات الوقت وال تكون مطلوبية بعضها ناشئة عن مطلوبية بعضها اآلخر وبشكل ّ‬ ‫ّ‬ ‫بشكل‬

‫كل األمور االختيارية‪ ،‬ولكي‬


‫لكن افرتاض تع ّدد القيمة الذاتية يف األخالق يستلزم عدم امكان املقايسة املنطقية بني ّ‬
‫ّ‬
‫تصو ٍر واضح حول هذه املالزمة‪.‬‬
‫يكون بامكاننا اجياد ّ‬

‫لنالحظ ابتداءً هذين املثلَني‪ :‬إ ّن املرت املربع واملرت املكعب وحدتا قياس مستقلتان يستخدمان بالرتتيب لقياس املساحة‬
‫وحجم االشكال ذات األبعاد الثنائية والثالثية‪.‬‬

‫وعليه إذا كان املطلوب منا تعيني الشكل األكرب مثالً باالستفادة من هذين املالكني املستقلني بني مربع مساحته مرت‬
‫البديهي أ ّن ننتخب منطقياً (أي على أساس املالك املذكور) الدائرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مربع ودائرة مساحتها مرتان مربعان فمن‬

‫وكذلك احلال بني مكعبـ حجمه مرت مكعب وكرة حجمها مرتان مكعبان فإنّنا منطقياً سننتخب الكرة‪ ،‬لكن ال‬
‫بأي شكل من األشكال والسبب يف‬
‫املنطقي االنتخاب بني املربع واملكعب أو بني الدائرة والكرة ّ‬
‫ّ‬ ‫ميكننا باللحاظ‬
‫ذلك أ ّن مالكات االنتخاب عندنا مستقل بعضها عن بعض وال ميكن مقايسة بعضها ببعض‪.‬‬

‫أي واحد‬ ‫ٍ‬


‫ولنفرض أيضاً احلجم والثقل كمالكني مستقلّني يف انتخاب األجسام وحينئذ وعلى أساس هذين املالكني ّ‬
‫قفص حجمه مرت مكعب ووزنه كيلوغرامان أم صندوق حجمه مرتان مكعبان‬ ‫من هذين األمرين ننتخب منطقياً‪ٌ :‬‬
‫ووزنه كيلو غرام؟‬

‫‪273‬‬
‫من املمكن أ ّن تقول ها هنا وبناء على املالكات املذكورة إ ّن هذين اجلسمني ذوا قيمة ذاتية متساوية أل ّن كل ٍ‬
‫واحد‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫األول على الثاين على أساس مالك "الثقل" يعادل‬ ‫منهما يرجح من جهة ما على اآلخر‪ ،‬حيث إ ّن مقدار ترجيح ّ‬
‫األول مبالك "احلجم" ‪،‬لكن يف هذه الصورة فإنك افرتضت أ ّن احلجم والثقل مؤثران مبقدار‬ ‫مقدار ترجيح الثاين على ّ‬
‫مستقل‪ ،‬بل إ ّن كليهما ومبقدار واحد له تأثري يف‬
‫ّ‬ ‫واحد يف انتخابنا وهذا يعين أ ّن أياً منهما ال قيمة ذاتية له بشكل‬
‫تتساو مطلوبية كال‬
‫القيمة الذاتية‪ ،‬وإ ّن ما له هذه القيمة عبارة عن حاصل ضرب احلجم مع الثقل‪ ،‬وأما إذا مل َ‬
‫املالكني املذكورين فإ ّن تأثريمها يف القيمة الذاتية لن يكون متساوياً أيضاً‪.‬‬

‫(ومثاالً على ذلك إذا كان "احلجم‪ × 2‬الوزن" ذا قيمة ذاتية فإ ّن مطلوبية احلجم فيه أكرب من مطلوبية الوزن)‪.‬‬

‫كل حال إذا ما تعارض مالكا املطلوبية املذكوران يف مثالنا املفرتض حول القفص والصندوق ومع فرض‬‫وعلى ّ‬
‫امكانية املقايسة بينهما وتع املطلوب األفضل فإ ّن مطلوبية املالكات سرتتبط ٍ‬
‫حينئذ مبطلوبية شيء آخر وبالتايل لن‬ ‫نّي‬
‫ألي منهما قيمة ذاتية‪.‬‬
‫يكون ٍّ‬

‫وبشكل كلّي إذا كان لدينا يف موارد االنتخاب عدة مالكات مستقلةـ فإنّه ال ميكن اعتبارها مستقلة واقعاً وأهنا غري‬
‫املنطقي الصحيح‬
‫ّ‬ ‫أي مالك للمقايسةـ بينها‪ ،‬واالنتخاب‬‫بأي شيء آخر إاّل إذا فرض تعارضها ومل يكن لدينا ّ‬ ‫مرتبطة ّ‬
‫أي أهنما مالكان مستقالن لتقييم األمور‬ ‫كذلك‪ ،‬والنتيجة أنّه إذا كان "أ" و"ب" قيمتني ذاتيتني أخالقيّتني ّ‬
‫االختيارية وافرتضنا أ ّن بعض األمور االختيارية واجدة فقط للمالك "أ" وبعضها اآلخر واج ٌد فقط للمالك "ب"‪،‬‬
‫أي طريق لالنتخاب من بينها وبالتايل لن نتمكن من القول إ ّن هذه أفضل‬ ‫ففي هذه الصورةـ لن يكون لدينا منطقياً ّ‬
‫من تلك أو إنّه ينبغي القيام هبذا دون ذلك‪.‬‬

‫وكذلك احلال فيما إذا كان كال القيمتني الذاتيتني "أ" و"ب" موجودين يف بعض األمور االختيارية املختلفة فإنّه يف‬
‫مورد تعارض املالكني لن نتمكن أيضاً من االنتخاب بينهما إاّل إذا اعتربنا كوهنما مؤثرين يف القيمة الذاتية فقط ال‬
‫أهنما القيمة الذاتية نفسها‪.‬‬

‫وبناءً عليه لنفرتض أ ّن شخصاً ما يعتقد بأ ّن "اللذة" و"القدرة" كالمها ذو قيمة ذاتية‪ ،‬ويف هذه الصورةـ إذا كانت‬
‫األفعال املوجبة للّذة متباينة بشكل كامل مع األفعال املوجبة للقدرةـ فال إمكان للمقايسة بينهما‪.‬‬

‫االجيايب ‪ -‬يف اللذة والقدرةـ معاً‪.‬‬


‫ّ‬ ‫السليب أم‬
‫ّ‬ ‫األقل له تأثريه ‪-‬‬
‫وكذلك احلال أيضاً فيما لو كان بعض األفعال على ّ‬

‫‪274‬‬
‫األخالقي يف املوارد الّيت توجب لذة أكرب‬
‫ّ‬ ‫وكذلك أيضاً ال إمكان للمقايسة املنطقية وال لتعيني القيمة أو اللزوم‬
‫وقدرة أقل وأخرى توجب لذة أقل وقدرة أكرب‪.‬‬

‫كل األفعال االختيارية بعضها مع بعض باللحاظ‬‫ويف النتيجة فإنّه ال ميكن إاّل يف صورة واحدة‪ ،‬من املقايسة بني ّ‬
‫املنطقي‪ ،‬وتعيني قيمتها أو لزومها وذلك فيما إذا كانت ذات قيمة ذاتية واحدة فقط‪ ،‬أو افرتضنا انسجام املالكات‬
‫مع بعضها دائماً‪.‬‬

‫ويف هذا الفرض فإ ّن ما له القيمة الذاتية حقيقة هو مالك انسجام املالكات والذي هو أمر واح ٌد أيضاً‪ .‬وكما هو‬
‫احلال يف اللذة والقدرةـ والعلم واليت هي كماالت حقيقية لإلنسان واحلاصلة من خالل القرب من اهلل تعاىل‪.‬‬

‫بشكل طبيعي من بني األمور االختيارية املختلفة‪ ،‬ومالك طبيعية هذا االنتخاب يعود إىل‬ ‫ٍ‬ ‫وحيث إن اإلنسان خيتار‬
‫املنتخب نفسه وكانت له شخصية حقيقية واحدة فإنّه بامكانه منطقياً أ ْن يعرف مالكاً واحداً للقيمةـ األخالقيّة‬
‫االختياري عند‬
‫ّ‬ ‫األخالقي والذي أمسيناه بالكمال‬
‫ّ‬ ‫كل األمور االختيارية يف شخص الفاعل‬‫والذي هو حاصل تأثري ّ‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫إ ّن ما افرتضناه حول تع ّدد القيم الذاتية ميكن فرضه أيضاً بصورتني‪:‬‬

‫نسق ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫األوىل‪ :‬أ ّن تكون القيم الذاتية املتع ّددة جلميع الناس على ٍ‬

‫خاصة حبيث تكون القيمة الذاتية عند بعضهمـ هي القدرة‬


‫كل واحدة منها خمتصة بفرد أو جمموعة ّ‬
‫الثانية‪ :‬أ ْن تكون ّ‬
‫وعند بعضهم اآلخر هي اللذة وهكذا‪.‬‬

‫االختياري تشري إىل عدم صحة كال الفرضني‬


‫ّ‬ ‫إ ّن النتيجة الّيت استنتجناها حول القيمة الذاتية لكمال اإلنسان‬
‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫وحب الكمال ومطلوبية الكمال‬ ‫حب الذات‪ّ ،‬‬ ‫املذكورين‪ ،‬حيث إننا بتحليل طبيعة اإلنسان أشرنا إىل أ ّن ّ‬
‫أي اختالف من هذه اجلهة سواء بني األفراد أو‬ ‫من لوازم طبيعة اإلنسان ونتيجة ذلك أنّه ال ميكن أ ْن يوجد ّ‬
‫وبغض النظر عن هذا البحث فإ ّن القبول بتع ّدد القيم الذاتية عند األفراد أو اجلماعات ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫اجلماعات اإلنسانية‪ ،‬لكن‬
‫كل الناس أو نفي كون الطبيعة الواحدة عند هؤالء هلا مقتضىـ‬ ‫والذي ميكن افرتاضه إما بنفي الطبيعة الواحدة عند ّ‬
‫واحد عند اجلميع ‪ -‬يستلزم عدم امكان املقايسة القيميّة بني األفراد ‪ /‬اجلماعات‪ ،‬وبالقبول هبا أيضاً لن نتمكن‬
‫األخالقي من احلكم على فرد ‪ /‬مجاعة بأنه األفضل أو األسوأ من فرد ‪ /‬مجاعة أخرى‪ ،‬ولن نتمكن من‬ ‫ّ‬ ‫باللحاظ‬
‫تعيني القيم واللزوميات االختيارية عند األفراد ‪ /‬اجلماعات األخرى بناءً على القيم الذاتية عند أفرادنا ‪ /‬مجاعاتنا‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫والزم ذلك القول بنسبية القيم األخالقيّة عند مقايسة األفراد ‪ /‬اجلماعات بالرغم من كون القيم األخالقيّة لكل فرد‬
‫‪ /‬مجاعة ثابتة عنده ومطلقة‪.‬‬

‫إ ّن االختالف يف انتخاب أسلوب احلياة ناشئ عن عدة أمور‪:‬‬

‫عرفه بعضهم بأنه الكمال‬


‫األصلي (أي ما له القيمة الذاتية) بل وحىت ولو ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ - 1‬االختالف يف معرفة املطلوب‬
‫الواقعي له‪ .‬وعليه فإ ّن الّذي ال ميكنه تشخيص املصداق‬
‫ّ‬ ‫االختياري لإلنسان من املمكن أ ْن يشتبه يف تعيني املصداق‬
‫ّ‬
‫الواقعي للكمال اإلنساين‪ ،‬واملعتقد بكون بعض األمور هي كمال له مع أهنا ليست كذلك واقعاً فمن الطبيعي أ ّن‬‫ّ‬
‫يسلك مسلكاً خاطئاً يف حياته‪.‬‬

‫األصلي (أي ما هلا القيمة الغريية أو القيمة البديلة) حيث إنّه‬


‫ّ‬ ‫‪ - 2‬االختالف يف معرفة الطرق املوصلة إىل املطلوب‬
‫األصلي ال ب ّد من املعرفة الصحيحة بقيم الصفات واألفعال املختلفة املتناسبة معه ولذا فإ ّن‬
‫ّ‬ ‫بعد معرفة املطلوب‬
‫االشتباه يف تعيني القيم الغريية والبديلة يوجب أيضاً انتخاب األسلوب اخلاطئ يف احلياة‪.‬‬

‫‪ - 3‬إمكانية االنتخاب العقالين أم غري العقالين ‪ -‬من الشروط املهمة النتخاب أسلوب احلياة الصحيح هو أ ّن‬
‫أي األمور الّيت تزيد من حيث‬‫احلقيقي ‪ّ -‬‬
‫ّ‬ ‫نعمل مبقتضى معارفنا الصحيحة أل ّن اإلنسان ال يسعى فقط إىل كماله‬
‫كل شيء يوجب كماله‪ ،‬ومع أنّه ميتاز بقوة التعقل وبإمكانه انتخاب‬ ‫الوجودي ‪ -‬بل إنّه مييل إىل ّ‬
‫ّ‬ ‫اجملموع يف بعده‬
‫هدفه من احلياة واألسلوب املعقول فيها من خالل معرفته بكماله احلقيقي فإنّه بامكانه أيضاً أ ْن خيتار ما هو صرفاً‬
‫احلقيقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كمال له مع تزامحه مع كماله‬
‫ٌ‬

‫ومثاالً على ذلك‪ ،‬فإ ّن سعيه للراحة والتعلّم من مجلة األمور املتزامحة فيما بينها مع أ ّن كالً منهما من جهة ما‬
‫أي واحد منهما وبعبارة أخرى فإ ّن انتخاب اإلنسان‬ ‫يوجب كمال اإلنسان‪ ،‬ومع ذلك فإنّه باالمكان انتخاب ّ‬
‫للراحة ومع معرفته بأفضلية العلم وحتصيله ممكن له أيضاً‪.‬‬

‫يرجح ‪ -‬مع معرفته بأفضلية احلياة األخروية اخلالدة والالحمدودة ‪ -‬احلياة الدنيويّة مبنافعها‬
‫وكذلك فإ ّن اإلنسان ّ‬
‫الوجودي املوجود يف ح ّد ذاته وبإمكانه أيضاً باالستناد إىل العقل أ ْن يرجح أيضاً البعد‬
‫ّ‬ ‫احملدودة من جهة البعد‬
‫الوجودي األفضل واألدوم يف اآلخرة‪.‬‬
‫ّ‬

‫األول مع أنّه غري معقولـ إاّل أنّه ممكن وال يتناىف مع سعي اإلنسان للكمال احلقيقي ألنّه عند تزاحم‬
‫إ ّن االنتخاب ّ‬
‫الكماالت فإ ّن العوامل غري العقالنية كالغريزة ال حتكم بنفي الكمال احلقيقي وال هي موجبة ملزيد من النقص عند‬
‫اإلنسان بل إهّن ا صرفاً تتدخل يف تأمني الكمال املتناسب معها‪.‬‬

‫وأما العقل ونظراً إىل تزاحم الكماالت وقيامه باحملاسبة بينها فإنّه يأخذ بالنظر الكمال والنقص‬

‫‪276‬‬
‫احلقيقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الواقعي لإلنسان من حيث اجملموع وحيكم بتأمني الكمال‬
‫ّ‬

‫وخالصة الكالم فإ ّن اإلنسان ملا كان لديه نوعان من االنتخاب ‪ -‬العقالينّ وغري العقالينّ ‪ -‬ويف املوارد الّيت يتزاحم‬
‫فيها كماالن له فإ ّن اختيار أحد احلكمني املتعارضني يرجع إىل اختيار اإلنسان نفسه‪ ،‬وعليه فإ ّن اختالف الناس يف‬
‫موجب أيضاً لالختالف يف أسلوب احلياة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫االنتخاب العقالين أو غري العقالين‬

‫ويستفاد من هذا البحث نكتتان آخريان‪:‬‬

‫النكتة األوىل‪ :‬مع أ ّن العلتني األوليني لالختالف يف انتخاب أسلوب احلياة معرفيتان ‪ -‬وبالتايل فإ ّن تصحيح املعرفة‬
‫ال ب ّد منه من أجل االنتخاب الصحيح ‪ -‬فإ ّن العلة الثالثة لالختالف ليست معرفية‪ .‬وعليه فإ ّن املعرفة ال تكفي‬
‫وحدها للوصول إىل هدف األخالق والتكامل‪ ،‬بل ال ب ّد لكل فرد يسعى إىل ذلك ‪ -‬ومضافاً إىل حتصيله للعلوم‬
‫يقوي إرادته والبواعث العقالنية عنده وأن يعمل مبعارفه وعلومه‬
‫املرتبطة به نظري فلسفة األخالق وعلم األخالق‪-‬أ ّن ّ‬
‫وأن يطيع عقله عملياً‪.‬‬

‫األخالقي لتأثريها يف حتصيل الكماالت املتزامحة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫النكتة الثانية‪ :‬إ ّن األمور االختيارية عند اإلنسان إمنا تقبل التقييم‬
‫ٍ‬
‫بشكل عقالينّ أو غري عقالينّ‪.‬‬ ‫وإ ّن اإلنسان بامكانه أ ّن خيتار من بينها‬

‫قصر يف ذلك سيكون موضعاً‬ ‫احلقيقي ولو ّ‬


‫ّ‬ ‫وهلذا فإنّه ميكن أ ْن نتوقع من اإلنسان أ ْن خيتار بواسطة عقله كماله‬
‫األخالقي‪ .‬ويف املقابل فإنّه لو أطاع عقله يف هذا االنتخاب فإنّه أخالقيّاً سيكون ممدوحاً‬
‫ّ‬ ‫للمذمةـ والتأنيب باللحاظ‬
‫ّ‬
‫ومقدراً‪.‬‬

‫وبناءً عليه فإ ّن واألمور غري االختيارية للموجودات واألمور االختيارية للموجودات الّيت ال تزاحم يف كماالهتا‪،‬‬
‫وكذلك فإ ّن األمور االختيارية للموجودات املتزامحة يف كماالهتا إن مل تستفد من العامل العقالين أو غري العقالين ال‬
‫األخالقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تقبل مجيعها التقييم‬

‫األخالقي ألفعال املوجودات‬


‫ّ‬ ‫الفلسفي عندنا يف امكان التقييم‬
‫ّـ‬ ‫وبإمكان هذا الكالم أ ّن يكون مشرياً إىل املبىن‬
‫األخرى‪.‬‬

‫مالك لتشخيص الكمال لتعيني قيمة ولزوم الصفات واألفعال االختيارية إذ‬‫من املمكن أ ْن يقال بعدم ضرورة حتديد ٍ‬
‫األخالقي من دون حاجة إىل املالك املذكور‪ ،‬أل ّن‬
‫ّ‬ ‫إنّه من املمكن حماسبة القيم الغريية والبديلة هلا وكذلك لزومها‬
‫الوجودي (أي الكمال) فإ ّن له قيمة غريية مثبتة‪ ،‬وإذا ما نقص يف‬
‫ّ‬ ‫كل فعل أو صفة اختيارية يزيد يف بعد اإلنسان‬ ‫ّ‬
‫بعده الوجودي تكون له قيمة غريية منفية‪ ،‬وأما إذا كان حاصل تأثريه صفراً فيكون بال قيمة‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫الوجودي باملقايسة‬
‫ّ‬ ‫وكذلك عند تزاحم قيمتني غرييتني يكون للفعلـ أو الصفة قيمة بديلة تزيد يف بعد اإلنسان‬
‫بالطرف اآلخر‪.‬‬

‫ومن املمكن أيضاً معرفة مقدار البعد الوجودي على أساس اآلثار الوجودية ومثاالً على ذلك فإ ّن الكماالت الناظرة‬
‫إىل الروح هلا آثار وجودية أكثر من غريها‪.‬‬

‫االختياري ميكن تعيينها هبذا الشكل‪:‬‬


‫ّ‬ ‫وكذلك فإ ّن األفعال والصفات الالزمة للوصول إىل الكمال‬

‫يف موارد عدم تزاحم األفعال والصفات ال ب ّد من إتيان األفعال واكتساب الصفات املوجبة لزيادة كمال اإلنسان‬
‫بنح ٍو ما‪.‬‬

‫أي تزاحم فعلني أو تزاحم صفتني فال ب ّد من انتخاب الفعل أو الصفة الّذي يزيد يف البعد‬
‫وأما يف موارد تزامحها ّ‬
‫الوجودي أكثر من غريه أو الّذي له آثار وجودية أكثر من غريه‪.‬‬
‫ّ‬
‫كل ذلك فال حاجة إىل وجود املالك املشخص للكمال‪ ،‬إاّل أ ّن هذا الكالم غري صحيح‪ ،‬ألنّه‪:‬‬
‫وبناءً على ّ‬

‫أوالً‪ :‬إ ّن تشخيص الكمال األفضل يف الكثري من موارد التزاحم بني الكمالني بالرجوع إىل اآلثار الوجودية هلا‬
‫صعب جداً‪ ،‬وذلك لعدم متكننا من ادعاء املعرفة بتمام اآلثار الوجودية لكل ٍ‬
‫واحد من األمور االختيارية‪ ،‬ومثاالً‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫على ذلك لنالحظ هذين املثالني‪:‬‬

‫‪ -‬لنفرتض أ ّن شخصاً ما بإمكانه إخبارك باحلوادث املستقبلية لكن من احملتمل أ ْن تكون نتيجة هذا العلم إصابتك‬
‫أي نف ٍع فتتوقف عن‬
‫بنوع من االضطراب والقلق‪ ،‬أو معرفتك كذلك بأ ّن مساعدتك لصديقك املريض لن يكون هلا ّ‬
‫العاطفي احلاصل من هذا العمل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إعانته وحُت رم من الكمال‬

‫أي األمرين ها هنا له آثار وجودية أكرب‪ :‬العلم باحلوادث املستقبلية أم راحة البال وتأمني الكمال‬
‫وهنا نسأل‪ّ :‬‬
‫العاطفي؟‬

‫‪ -‬لنفرتض أنّه بقيامك ببعض األعمال كأعمال أهل الرياضة (الروحية) سيكون بإمكانك اكتساب قدرة روحية‬
‫هائلة حبيث تستطيع من خالل نظرك فقط ايقاف قطار متحرك فوراً‪.‬‬

‫لكن حيتمل أيضاً أنك وللوصول إىل هذه القدرة أو بعد وصولك إليها ستحرم من بعض الكماالت األخرى‪.‬‬

‫أي األمرين له آثار وجودية أكرب‪ :‬القدرة الروحية على التصرف ببعض األشياء أم تلك الكماالت‬
‫وهنا نسأل أيضاً‪ّ :‬‬
‫املتزامحة معها؟‬

‫‪278‬‬
‫تتحصل إاّل‬
‫ّ‬ ‫ثانياً‪ :‬إ ّن القيمة الغريية لألمور االختيارية ‪ -‬وتبعاً هلا أيضاً القيمة البديلة ولزومهما‪ -‬ال ميكن أ ْن‬
‫احلقيقي)‬
‫ّ‬ ‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫باملقايسة بالقيمة الذاتية‪ .‬ولذا فإنّه من دون املعرفة الصحيحة مبا له القيمة الذاتية واقعاً (الكمال‬
‫الوجودي ككل ومن حيث‬ ‫ّ‬ ‫الوجودي بنحو ما سوف يقلّل يف البعد‬
‫ّ‬ ‫يبقى االحتمال دائماً بأ ّن ما يزيد يف البعد‬
‫كمرتاض وحىت لو متكنّا من أ ّن نعنّي بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫اجملموع‪ .‬فلو افرتضنا مثالً وجود تزاحم بني الكون ٍ‬
‫كبطل أو الكون‬
‫دقيق جداً كون اآلثار الوجودية للمرتاض من حيث اجملموع أكثر من اآلثار الوجودية للبطل فليس بإمكاننا أ ّن‬ ‫ٍ‬
‫كمرتاض له قيمة غريية مثبتة ألنّه من املمكن كون الرياضة من حيث اجملموع غري مالئمة مع‬ ‫ٍ‬ ‫نقول إ ّن الكون‬
‫كل أم ٍر‬
‫احلقيقي يبقى احتمال تزاحم ّ‬ ‫ّ‬ ‫احلقيقي‪ ،‬وبعبارة أخرى فإنّه مع عدم امتالك املالك املشخص للكمال‬ ‫ّ‬ ‫كمالنا‬
‫اختياري معه موجوداً‪ ،‬ومع وجود هذا االحتمال فإنّه من غري املمكن وجملرد املقايسة بني الكمالني وتعيني األفضل‬ ‫ّ‬
‫من بينهما أ ْن نع القيمة البديلة له‪ ،‬بل ال ب ّد من أجل تعيني هذه القيمة أ ْن نع مسبقاً القيمة الغريية ل ّكل واحدٍ‬
‫نّي‬ ‫نّي‬
‫منهما باملقايسة بالقيمة الذاتية‪ ،‬وبناء على ذلك ال ب ّد من أجل تعيني قيمة ولزوم األمور االختيارية أ ْن منتلك مسبقاً‬
‫االختياري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫احلقيقي‬
‫ّ‬ ‫املالك املشخص للكمال‬

‫الفلسفي "النفس اإلنسانية"‪.‬‬


‫ّـ‬ ‫إ ّن مصطلح "الروح اإلنسانية" يعادل تقريباً املصطلح‬

‫مادي وقالوا بتجردها وأقاموا العديد من الرباهني واألدلة‬


‫وقد اعترب الفالسفة املسلمون "النفس اإلنسانية" أمراً غري ٍّ‬
‫املسمى باهلواء الطلق (راجع‪ :‬حسني بن‬‫فلسفي حمض كربهان ابن سينا ّ‬
‫ّ‬ ‫إلثبات ذلك‪ .‬ومن مجلة هذه الرباهني ما هو‬
‫عبد اهلل ابن سينا‪ ،‬االشارات والتنبيهات مع الشرح للمحقق الطوسي‪ ،‬ج‪ ،2‬النمط الثالث ص‪.)293 - 292‬‬

‫وحيث إننا يف هذا األسلوب نفرتض ‪ -‬ومع حتقق شرائط سكون النفس واخلارج من حولنا ‪ -‬صرف انتباهنا عن‬
‫بدننا ومتام األشياء اخلارجة عنا وغفلنا عنها ومل ندركها‪ ،‬لكن لوجود العلم احلضوري عندنا فإنّنا يف نفس هذه‬
‫احلال ندرك وجود أنفسنا أيضاً‪ .‬وحيث إ ّن ما أدركناه غري ما مل ندركه نستنتج أ ّن نفسنا احلقيقيّة مغايرة لبدننا‬
‫واألشياء احمليطة بنا‪.‬‬

‫جترد النفس برهان عدم امتالكها للخصائص املادية نظري عدم قبوهلا للقسمةـ‬‫ومن الرباهني الفلسفيةـ أيضاً الثبات ّ‬
‫جترد بعض خصائصها كاإلدراك واإلرادة وبالتايل‬‫مثالً‪ .‬وذهب بعضهم إىل اثبات جتردها أيضاً من خالل إثبات ّ‬
‫جتردها مع الواسطة‪ ،‬وكذلك فإ ّن الرؤى الصادقة واملكاشفات العرفانية وإحضار األرواح والتنومي املغناطيسي‬‫يثبت ّ‬
‫حممد‬
‫جترد النفس اإلنسانية‪( .‬راجع‪ّ :‬‬ ‫وأعمال أهل الرياضات وكرامات أولياء اهلل وأمثال ذلك من املؤيدات على ّ‬
‫تقي مصباح‪ ،‬آموزش فلسفه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.4)169 - 168‬‬

‫‪ -4‬الطبعة العربية‪ ،‬املنهج اجلديد يف تعليمـ الفلسفة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،177 - 176‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬مجاعة املدرسني‪ ،‬قم املشرفة‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫احلقيقي عند‬
‫ّ‬ ‫تعترب الصفات املبينة للكماالت الواقعيّة اإلنسانية وبسبب امتالكها للقيمة الذاتية من مصاديق الكمال‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى فإ ّن قيمتها الذاتية إمنا هي للكمال العائد بسببها إىل املوصوف هبذه الصفات ولذا فإ ّن التفاوت‬
‫واالختالف بينها ال ربط له بقيمها الذاتية يف ح ّد نفسها‪ ،‬وعليه فإ ّن تع ّدد هذه الصفات ال يعين تعدد القيم الذاتية‪.‬‬

‫ويف الواقع فإ ّن هذه الصفات هي الفضائل األخالقيّة عينها والصفات القابلة هلا هي الرذائل األخالقيّة أيضاً‪.‬‬

‫ولذا فإنّنا نعتقد بأ ّن الفضائل األخالقيّة متع ّددة ومع ذلك فإ ّن مالك فضيلتها واح ٌد‪ ،‬وكذلك فإ ّن الرذائل األخالقيّة‬
‫متع ّددة ومع ذلك فإ ّن مالك رذالتها واح ٌد أيضاً‪.‬‬
‫إ ّن فلسفة األخالق ليس يف عهدهتا تبيني هذه الصفات بل املتك ّفل لذلك هو علم األخالق‪.‬‬

‫صرح بعض العرفاء وعلماء األخالق املسلمني بأ ّن الفضائل األخالقيّة كلها أساسها التوحيد وأ ّن الكفر‬
‫وقد ّ‬
‫كل الرذائل األخالقيّة‪.‬‬
‫والشرك منبع ّ‬

‫احلقيقي عند اإلنسان‪ .‬ولكن قد‬


‫ّ‬ ‫االختياري من الكمال املطلق هو مالك تشخيص الكمال‬
‫ّ‬ ‫لقد اعتربنا أ ّن القرب‬
‫أي صفاته الكمالية قبل معرفتنا‬ ‫يشكل على اعتباره مالكاً بأ ّن هذا ممكن يف صورة معرفتنا مسبقاً بكمال اهلل املطلق ّ‬
‫احلقيقي‪ ،‬مع أنّنا ندرك كمال الصفات اإلهلية من خالل كمال الصفات اإلنسانية ولذا فإ ّن تعيني‬ ‫ّ‬ ‫بكمال اإلنسان‬
‫احلقيقي لإلنسان بناءً على الكمال املطلق هلل يستلزم الدور‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الكمال‬
‫والنقلي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العقلي‬
‫ّـ‬ ‫ونقول يف جواهبم إ ّن تعيني الكماالت اإلهلية أو الكمال املطلق يتم بالدليل‬

‫كل‬
‫وجودي كبري أو الكمال‪ ،‬ومن مثّ حنذف ّ‬ ‫ّ‬ ‫من الناحية العقلية‪ ،‬نأخذ بالنظر مفهوماًـ مبيناً من جهة ما لبعد‬
‫ٍ‬
‫جهات النقص منه‪ ،‬وحينئذ إذا أمكن هذا العمل مع هذا املفهومـ فإ ّن املرتبة الّيت ال نقص فيها من هذا املفهومـ تبنّي‬
‫الوجودي للبصري أكثر من البعد‬
‫ّ‬ ‫إحدى كماالت اهلل أو الكمال املطلق‪ ،‬ولتوضيح ذلك باملثال نقول‪ :‬إ ّن البعد‬
‫الوجودي لألعمى‪ ،‬فالبصر من ٍ‬
‫جهة ما يع ّد كماالً يف ح ّد ذاته‪ ،‬إاّل أ ّن النظر بالعني يستلزم احلاجة إىل البدن‬ ‫ّ‬
‫وشرائط االدراك املادية‪ ،‬وأما العلم "مبا يبصر" والذي هو معىن ال نقص فيه ميكن أ ْن يكون مقصوداً أيضاً من‬
‫نسب إىل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫اصطالح البصر وأ ْن يُ َ‬

‫ويف املقابل فإ ّن "الثقل" وإن عُ َّد من جهة ما كماالً فإنّه مالزم للجسميةـ ويرجع يف احلقيقة إىل نقص الوجود ولذا ال‬
‫ميكن نسبته إىل اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫وبغض النظر عن الصفات املثبتة من خالل العقل كاحلكمة والصدق فإنّه ميكن االستناد إىل‬
‫ّ‬ ‫وأما من الناحية النقلية‬
‫أي كالم اهلل احلكيم والصادق ‪ -‬ملعرفة بقية الصفات الكمالية األخرى له وبناءً على ذلك فإ ّن معرفة‬ ‫الوحي ‪ّ -‬‬
‫احلقيقي لبقية املوجودات مبا فيها اإلنسان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صفات الكمال املطلق ال تتوقّف على معرفة الكمال‬

‫كمال من جهة ما‪ .‬وعليه سيكون من املمكن معرفة األوصاف‬


‫بل ويكفي من الناحية العقلية معرفة أ ّن هذا الشيء ٌ‬
‫الّيت تزيد من حيث اجملموع بعد اإلنسان الوجودي وكماله احلقيقي من خالل مقايستها بالكمال املطلق‪.‬‬

‫إ ّن مفهوم "القرب" والذي يستخدم أيضاً يف القرب الزماينّ أو املكاينّ يراد منه يف مورد اهلل تعاىل ‪ -‬غري املقيد‬
‫الوجودي العميق معه أو تشابه الصفات مع صفات اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بالزمان واملكان ‪ -‬ذلك االرتباط‬

‫الوجودي باهلل‪ .‬وهذا النحو من االرتباط ‪ -‬والذي هو من‬


‫ّ‬ ‫وعليه فإ ّن قرب اإلنسان من اهلل فلسفياً يشري إىل ارتباطه‬
‫نوع ارتباط املعلول وجوده مع علّة يف نفسه ‪ -‬عُرّب عنه يف احلكمة املتعالية بعني الربط والفقر والتبعية وأنه أقرب‬
‫وجودي ممكن بني وجودين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ارتباط‬

‫والقرآن الكرمي يشري إىل مثل هذه الرابطة الوجودية بقوله‪" :‬وحَن ن أَْقرب إِلَي ِه ِمن حب ِل الْو ِر ِ‬
‫يد"‪ 5‬إاّل أ ّن هذا القرب‬ ‫َ ْ ُ َ ُ ْ ْ َْ َ‬
‫كل املخلوقات وخالقها‪ ،‬وكذلك فإ ّن هذا القرب‬ ‫خمتص باإلنسان فقط بل يشمل أيضاً الرابطة الوجودية بني ّ‬ ‫غري ّ‬
‫االختياري من اهلل‬
‫ّ‬ ‫القيمي لإلنسان من اهلل" معناه قرب اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫اختياري وبالتايل فإنّه ال قيمة أخالقيّة له‪" ،‬القرب‬
‫ّ‬
‫وهذا هو املراد من القرب يف حبوثنا األخالقيّة‪.‬‬

‫االختياري بتشابه الصفات االختيارية عند اإلنسان مع كماالت اهلل تعاىل‪ .‬إاّل أ ّن‬
‫ّ‬ ‫كذلك ميكن التعبري عن القرب‬
‫‪6‬‬
‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ"‬
‫هذا التشابه ال يعين أ ّن اإلنسان بإمكانه نيل الكماالت الوجودية مبرتبة وجودها عند اهلل تعاىل‪" :‬لَْي َ‬
‫‪ ،‬بل إ ّن هذا التشابه ممكن فقط يف الكماالت غري املخصوصة باملراتب الوجودية هلل أو لإلنسان‪.‬‬

‫ولتوضيح ذلك نقول‪:‬‬

‫إ ّن اإلنسان ال ميكنه اكتساب ٍ‬


‫علوم كعلم اهلل بكنه ذاته والذي هو خمتص باملراتب الوجودية هلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪ -5‬ق‪.16 :‬‬
‫‪ -6‬الشورى‪.11 :‬‬

‫‪281‬‬
‫"و َما تَ َش ُاؤو َن إِاَّل أَن‬
‫حمتاج إليه‪َ :‬‬
‫وكذلك ال ميكنه من حيث اإلرادة واملشيئة أ ّن يكون مستقالً عن اهلل تعاىل غري ٍ‬
‫ني"‪. 7‬‬ ‫ي َشاء اهلل ر ُّ ِ‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬

‫وبناءً عليه فإ ّن الكماالت الالزمة ملرتبة وجوب الوجود والغىن الذايتّ هلل تعاىل نظري العلم والقدرة واإلرادة ال ميكن‬
‫لإلنسان الوصول إليها‪.‬‬

‫وكذلك فإ ّن الكماالت املالزمة لوصول اإلنسان إىل أعلى حدود القرب والتشابه املمكن مع اهلل نظري درك تعلقه‬
‫الكامل من حيث الوجود باهلل وكذلك العبودية والتسليم احملض أمامه والتقوى والتوحيد يف اخلوف والرجاء‬
‫واالستعانة‪ ،‬ورغم عدم وجود ما يشبهها يف ذات اهلل‪ ،‬فإهّن ا من أعلى الكماالت اإلنسانية والقيم األخالقيّة‪ .‬ويف‬
‫اخلتام ال ب ّد من التذكري بأ ّن مفهومـ "القرب" يُستعمل أحياناً نظري استعمال مفهومـ الكمال على أنّه مفهوم مش ّكك‬
‫أي أ ّن له درجات متفاوتة‪ ،‬وأحياناً أخرى يطلق على أعلى مراتبه‪.‬‬ ‫ّ‬

‫وعادة فإنّنا يف هذه البحوث نستخدم املعىن التشكيكي هلذه املفاهيم‪ ،‬ويف ٍ‬
‫طرف آخر فقد اعتربنا أ ّن أعلى مراتب‬
‫االختياري هلا القيمة النهائية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القرب والكمال‬

‫إ ّن الوصول إىل أعلى الكماالت املمكنة لإلنسان حيتاج مضافاً إىل االمكانات النوعية عند أفراد اإلنسان إىل حت ّقق‬
‫خاصة به‪ .‬وكما أ ّن وجوب الوجود‬ ‫كل فرد يتمتع يف جمال قربه من اهلل بامكانات فردية ّ‬ ‫بعض الشروط‪ ،‬حيث إ ّن ّ‬
‫ليس يف اختيار اإلنسان وليس له قيمة أو لزوم أخالقي إذ ال يعد عدم امتالكه نقصاً أخالقياً ألي ٍ‬
‫إنسان وال يوجب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املذمة والعقاب والندم واحلسرة‪ ،‬كذلك فإ ّن بعض مراتب القرب الّيت ليست يف اختيار بعض األفراد ‪ -‬لعدمـ حت ّقق‬ ‫ّ‬
‫أخالقي بالنسبة له وال يُع ّد عدم‬
‫ّ‬ ‫االمكانات الفردية عندهم أو شرائط الوصول إليها ‪ -‬ليس هلا أيضاً قيمة أو لزوم‬
‫حتصيلها نقصاً أخالقيّاً له‪ ،‬وكذلك ال توجب املذمة والعقاب والندم واحلسرة‪ ،‬وهلذا السبب فإ ّن الناس عندما يرون‬
‫حدود إمكاناهتم ومقدارـ األعمال االختيارية عندهم فإهّن م يتحسرون لعدم التحصيل االختياري للقرب املمكن يف‬
‫حقهم ال أهنم يتحسرون لعدمـ التحصيل غري االختياري للقرب غري املمكن يف حقهم‪ ،‬وكذلك احلال يف العقاب‬
‫فرد من حيث االمكانات والشرائط‪.‬‬ ‫واملذمة فإنّه ال ب ّد أ ْن يكونا متناسبني مع كل ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫أن لدينا شخصني أحدمها طوله مرتٌ واحد والثاين طوله مرتان‪ ،‬وكان مطلوباً هلما هتيئة‬ ‫ومثاالً على ذلك لنفرتض َّ‬
‫قصرا يف هتيئة اللباس الفاخر املتناسب مع طوهلما‬
‫اللباس الفاخر لنفسيهما‪ ،‬وعليه إذا ما ّ‬

‫‪ -7‬التكوير‪.29 :‬‬

‫‪282‬‬
‫كل منهما اللباس املتناسب مع طول اآلخر‪.‬‬
‫صح توبيخهما ولكن ال ميكن توبيخهما لعدم هتيئة ّ‬
‫ّ‬

‫إ ّن االستدالل العقلي املذكور يثبت حداً لالمكانات النوعية عند اإلنسان يف القرب من اهلل‪ ،‬إاّل أ ّن حتديد كون هذه‬
‫أقل من ذلك أم ال؟‬
‫االمكانات عند نوع اإلنسان من أجل كسب الكماالت اإلهلية ّ‬

‫أدق ما هو مقدارها؟‬
‫وبشكل ّ‬

‫إ ّن املعرفة الكاملة حبقيقة اإلنسان والظاهر أنّه ال ميكن ذلك من دون االستعانة بالوحي‪ ،‬حيث إ ّن الوحي يعرف‬
‫ويعرفنا إنساناً استطاع‬ ‫اعل يِف األَر ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َخلي َفةً" ّ‬ ‫قادر على كسب مقام اخلالفة اإلهلية‪" ...‬إيِّن َج ٌ‬ ‫اإلنسان بأنه ٌ‬
‫‪8‬‬
‫ْ‬
‫اب َق ْو َسنْي ِ أ َْو أ َْدىَن "‪ ، 9‬ويعترب أ ّن مثل هذا اإلنسان أسوة حسنة لبقية‬ ‫الوصول يف مقام القرب من اهلل إىل حد "قَ َ‬
‫ُس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن َيْر ُجو اهللَ َوالَْي ْو َم اآْل ِخَر َوذَ َكَر اهللَ َكثِ ًريا"‪.10‬‬ ‫ِ ِ‬
‫الناس اآلخرين "لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اهلل أ ْ‬

‫األئمة‬
‫ونقرأ يف أحد أدعية شهر رجب املنسوب إىل الناحية املقدسة لويل العصر أرواحنا فداه ما يعرب فيه عن ّ‬
‫الطاهرين عليهم السالم بأهّن م معادن كلمات اهلل وأركان التوحيد وآيات اهلل‪" ...‬ال فرق بينك وبينهم‪ ،‬إاّل أهنم‬
‫عبادك وخلقك‪."...‬‬

‫وبناءً على ذلك ومع مالحظة اإلخبار من قبل خالق هذا اإلنسان والعامل حبدود إمكاناته‪ ،‬ومع تصريح الصادقني‬
‫عليهم السالم الواصلني إىل تلك املقامات‪ ،‬ميكن القول إ ّن احل ّد املذكور ‪ -‬والذي هو نتيجة االستدالل العقلي ‪-‬‬
‫الوجودي الّيت ال ميكن للنوع اإلنساينّ‬
‫ّ‬ ‫هو ٌّ‬
‫حد لنوع اإلنسان‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن املرتبة الوحيدة من الكمال‬
‫الوصول إليها هي مرتبة كمال وجوب الوجود أو الغىن املطلق ولوازمها‪.‬‬

‫االختياري عند اإلنسان هو‬


‫ّ‬ ‫االختياري وحدوده‪ ،‬فإ ّن طريق تشخيص هذا الكمال‬‫ّ‬ ‫بناءً على مالك تشخيص الكمال‬
‫أ ّن نأخذ بالنظر صفات الكمال اإلهلية‪ ،‬وأن نقيّدها هبذا القيد وهو امتالك املوجود احملتاج إىل اهلل هلذه الصفات‪،‬‬
‫احلقيقي عند اإلنسان وهي عني‬
‫ّ‬ ‫ومثل هذه الصفات الّيت ميكن حتصيلها أو الصفات املالزمة هلا هي صفات الكمال‬
‫الفضائل األخالقيّة‪ .‬وإ ّن القيمة األخالقيّة لألمور االختيارية تابع لدرجة ومقدارـ كسب هذه الصفات‪.‬‬

‫مل نقصد يف هذا البحث استقصاء لوازم القيمة النهائية بل أشرنا إىل بعضها فقط‪ ،‬كما سنحتاج‬

‫‪ -8‬البقرة‪.30 :‬‬
‫‪ -9‬النجم‪:‬ـ ‪.9‬‬
‫‪ -10‬األحزاب‪.21 :‬‬

‫‪283‬‬
‫إليه يف البحوث الالحقة‪ ،‬وبشكل كلّي فإ ّن حصول متام الفضائل األخالقيّة ونفي متام الرذائل األخالقيّة ميكن‬
‫االختياري‪ ،‬وحتماً فإ ّن بعض الفضائل األخالقيّة يرتبط مبراتب أعلى يف‬
‫ّ‬ ‫اعتباره من لوازم هذه املرتبة من الكمال‬
‫الكمال‪ .‬وباالمكان مع التأكيد عليها وجعلها هدفاً اكتساب سائر الفضائل األخالقيّة‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن فضيلة‬
‫كل أو أغلب الفضائل األخالقيّة األخرى‪ .‬وقد أفاض علماء األخالق والعرفان يف الكالم عنها‬ ‫"التوحيد" منشأ ّ‬
‫وسعوا إىل كسبها وحتصيلها‪ ،‬وحيث إ ّن هذه البحوث تبحث يف علم األخالق وطرق الرتبية األخالقيّة فلن خنوض‬
‫يف تفصيلها والتوسع فيها‪.‬‬

‫بأي‬ ‫ٍ‬
‫موجود ٍّ‬ ‫احلضوري لنحو ارتباطه باهلل تعاىل يدرك أ ّن مثل هذا االرتباط غري‬ ‫إ ّن اإلنسان الكامل مضافاً إىل دركه‬
‫ّ‬
‫من املوجودات األخرى‪ ،‬وحيث إنّه مدرك لكماالت اهلل بل إنّه واسطة الفيض بينه وبني سائر املوجودات األخرى‬
‫كل املوجودات حمتاجة إىل اهلل وعني الربط به‪.‬‬
‫يدرك أيضاً أ ّن ّ‬

‫لالطالع على مراتب اللذة واحملبة والعشق‪ ،‬راجع‪( :‬حممد تقي مصباح‪ ،‬خودشناسى براى خودسازى‪ ،‬ص‪- 33‬‬
‫‪ ,36‬وله أيضاً‪ ،‬به سوى خودسازى‪ ،‬تعليق كرمي سبحاين‪ ،‬ص‪.)78 - 71‬‬

‫وبغض النظر عن جهات النقص املالزمة لبعض أنواعها ‪ -‬نظري القدرةـ البدنية املستلزمة لتحديدها باجلسم‬ ‫ّ‬ ‫إ ّن القدرة‬
‫والزمان واملكان ‪ -‬تع ّد إحدى كماالت الوجود‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومع عدم اتصافه بالقدرة املالزمة للنقص‬
‫الوجودي‪ ،‬يتصف بالقدرةـ املطلقة ولذا فإ ّن القرب من اهلل يوجب ازدياد القدرة احلقيقيّة عند اإلنسان‪ ،‬وهذا املدعى‬
‫ّ‬
‫ثابت باالستدالل الربهاينّ‪.‬‬
‫وقبل تعيني مصداق القدرة األعلى واألكمل ٌ‬

‫‪284‬‬
‫الفصل العاشر‪ :‬قيمة ولزوم األفعال اإلختيارية‬

‫االختياري ذو قيمة‬
‫ّ‬ ‫تكلمنا يف الفصل السابق عن القيمة الذاتية وبعض ما يتعلق هبا‪ .‬ومع تأكيدنا على أ ّن الكمال‬
‫االختياري من اهلل‪ ،‬وأشرنا أيضاً إىل أنّه باالمكان االستفادة من هذا املالك‬
‫ّ‬ ‫ذاتية قلنا إ ّن مالك تشخيصه هو القرب‬
‫لتعيني القيمة الغريية للصفات واألفعال االختيارية‪ .‬وسوف نسعى يف هذا الفصل لبيان كيفية حتصيلها‪.‬‬

‫إ ّن الصفات االختيارية بامكاهنا أ ْن تكون منشأ األفعال االختيارية‪ .‬ومن هذه اجلهة تكون ذات قيمة غريية‪ .‬ولذا‬
‫نتعرض يف هذا البحث‬
‫فإ ّن القيمة الغريية هلذه الصفات تعادل القيمة الغريية لألفعال احلاصلة منها‪ .‬وهلذا السبب لن ّ‬
‫مستقل بل سنكتفي بتحليل القيمة الغريية لألفعال االختيارية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كل منها بشكل‬‫للكالم عن ّ‬

‫ويف ختام هذا الفصل أيضاً سوف نبحث بشكل خمتص ٍر يف احل ّد األقل للقيمة واللزوم األخالقيّني‪.‬‬

‫‪ -1‬العامالن املعينان ملقدار القيمة الغريية‪:‬‬

‫املثال األول‪ :‬لنفرتض أ ّن اهلدف هو كسب اللذة‪ ،‬وقد كنت جائعاً ودعاك أصدقاؤك لتناول الطعام‪.‬‬

‫يف هذا املثال فإ ّن الشبع والتغلّب على أمل اجلوع يوجب اللذة‪ ،‬ولذا بإمكانك أ ْن‬

‫‪285‬‬
‫لكن ملا كانت اللذة ذات مراتب وأمراً تشكيكياً‬
‫حتصل هذه اللذة‪ْ ،‬‬‫تقبل دعوة أصدقائك وأ ّن تأكل الطعام وبالتايل ّ‬
‫الطبيعي أنك ونظراً إىل‬
‫ّ‬ ‫فإنّك وقبل شبعك كلما أكلت مقداراً من الطعام كلما ازداد مقدار لذة الشبع عندك‪ .‬ومن‬
‫وألي سبب عن هذا اهلدف‬ ‫اهلدف املذكور ما دمت تأكل الطعام فإنّك تريد حتصيل ل ّذة الشبع‪ ،‬ومىت ما انصرفت ّ‬
‫فسوف حتجم عن متابعة األكل ألن نيّتك وقصدك من أكل هذا الطعام هو كسب اللذة‪ .‬ويف هذا الفرض فإ ّن‬
‫الغائي لك‪.‬‬
‫االختياري وهو أكل الطعام من أجل كسب اللذة أوصلك إىل مرتبة من اللذة وهي اهلدف ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفعل‬

‫أي تلك املرتبة من املطلوب الّذي يسعى الفاعل لنيله يف‬‫النهائي لنية الفاعل ْ‬
‫ّ‬ ‫الغائي هو املتعلّق‬
‫ومرادنا من اهلدف ّ‬
‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫هناية األمر‪ .‬وإذا أمكن أيضاً بأكل الطعام حتصيل أنواع أخرى من اللذة فإ ّن تأمينها مع هذا الفعل‬
‫مشروط بنية وقصد الفاعل‪ ،‬حيث إنّك ويف هذا املثال أيضاً بامكانك أ ْن تستجيب لدعوة أصدقائك وأ ْن تأكل‬
‫لكن حتصيل هذه‬‫الطعام ويف نفس الوقت أيضاً ستنمي عاطفة احملبة والصداقة وستقوى عالقتك القلبية بأصدقائك‪ّ .‬‬
‫اللذة مشروط بااللتفات إليها وإرادهتا‪.‬‬

‫حيصل مثل هذه اللذة!‬


‫‪ ...‬إ ّن املنافق يف صداقته ال ميكنه أ ّن ّ‬

‫وحل مسائل هذا العلم‬ ‫ٍ‬


‫املثال الثاين‪ :‬لنفرتض أنّك تريد تعلّم الرياضيات‪ ،‬وحينئذ فإ ّن مطالعة الكتب الرياضية ّ‬
‫لكن ذلك مشروط بارادتك تعلّم‬‫أي أنّه بإمكان هذه األعمال أ ْن توصلك إىل هدفك‪ّ ،‬‬ ‫يتناسبان مع اهلدف املذكور ْ‬
‫الرياضيات‪ .‬وكذلك من املمكن أ ْن تؤدي هذه األعمال إىل نتائج خمتلفة تبعاً للباعث على فعلها‪ ،‬حيث إنّه ميكن‬
‫حل‬
‫من خالل مطالعة هذه الكتب مثالً تصحيح أخطائها االنشائية أو األدبية أو االشتباهات احملتملة عند املؤلّف يف ّ‬
‫املسائل الرياضية‪.‬‬

‫حل املسائل الرياضية هو القيام بالوظائف الصفيّة من خالل مراجعة كتاب‬


‫وكذلك من املمكن أ ْن يكون اهلدف من ّ‬
‫حل املسائل‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪286‬‬
‫الفن يوصون بالرتكيز والتدقيق عند مطالعة املسائل الرياضية‬
‫أي تعلّم الرياضيات فإ ّن أهل ّ‬
‫إذاً لتأمني اهلدف املنشود ّ‬
‫وااللتفات إىل النكات والدقائق الرياضية‪ ،‬نعم إ ّن بعض البواعث ميكن أ ْن ال يتناىف مع هدفك املذكور بل من‬
‫املمكن أ ّن يعينك يف ذلك‪.‬‬

‫أي‬
‫حل املسائل فإ ّن هذا أيضاً سيعينك على هدفك ّ‬ ‫ومثاالً على ذلك إذا كان مرادك تصحيح اشتباهات املؤلف يف ّ‬
‫حل املسائل فلن يفيدك يف شيء‪ .‬وكذلك فإ ّن تأمني الكتاب وهتيئة‬ ‫التعلّم‪ ،‬وأما ع ّد األسطر والتعليقات يف كتاب ّ‬
‫الوسائل األخرى بل وحىت مقدماهتا من مجلة األعمال املعينة يف الوصول إىل اهلدف وبالتايل فإ ّن قيمة هذه األعمال‬
‫تابعة لنيتك يف القيام هبا‪.‬‬

‫إ ّن النوايا واملقاصد قوى داخلية واختيارية تسوقنا وهتدينا إىل اهلدف الّذي نوينا الوصول إليه‪ .‬وكما أ ّن اجتاه اجلسم‬
‫وسرعة حركته تابع لتأثري الطاقة الواردة إليه فإ ّن اجتاه وسرعة احلركة يف أفعالنا االختيارية تابع لتأثري املقاصد والنوايا‬
‫عندنا‪.‬‬

‫ويسمى‬
‫ومع قيامنا باألعمال املتناسبة مع اهلدف فإنّه بامكاننا الوصول إىل تلك املرتبة منه مبقدار تأثري النية يف ذلك‪ّ ،‬‬
‫الغائي للفاعل‪.‬‬
‫ذلك باهلدف ّ‬

‫االختياري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وبعد هذين املثلني نتجه اآلن ناحية األخالق ولنفرتض أ ّن اهلدف هو كمال اإلنسان‬

‫األخالقي فبإمكاننا القول إ ّن العمل لكي ميتلك قيمة "أ" ال‬


‫ّ‬ ‫االختياري للفاعل‬
‫ّ‬ ‫إذا افرتضنا أ ّن "أ" مرتبة من الكمال‬
‫ب ّد أ ّن يكون واجداً لشرطني‪:‬ـ أوهلما‪ :‬أ ّن يكون هذا العمل متناسباً مع حصول "أ" والثاين أ ّن تكون نية الفاعل يف‬
‫القيام هبذا العمل هو حصول "أ" يف منتهى األمر‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن القيمة الغريية لألفعال تابعة لعاملني‪ :‬أوهلما‬
‫الغائي للفاعل الباعث له على القيام هبذا الفعل‪.‬‬
‫نوع الفعل والثاين هو املتعلّق النهائي للنية أو اهلدف ّ‬

‫اختياري تعادل القيمة الذاتية‬


‫ّ‬ ‫لكل ٍ‬
‫فعل‬ ‫ويُستنتج من هذا الكالم أ ّن القيمة الغريية ّ‬

‫‪287‬‬
‫الغائي للفاعل له[‪.]1‬‬
‫االختياري املتناسبة مع ذلك الفعل واهلدف ّ‬
‫ّ‬ ‫لتلك املرتبة من الكمال‬

‫االختياري من اهلل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االختياري عند اإلنسان هو قربه‬
‫ّ‬ ‫وبناءً على ما ذكرناه يف الفصل السابق فإ ّن مالك الكمال‬
‫االختياري‪ ،‬ونستنتج النتيجة التالية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫االختياري من اهلل" بدل قولنا الكمال‬
‫ّ‬ ‫وعليه فإنّنا سنستخدم عبارة "القرب‬

‫االختياري من اهلل املتناسب مع ذلك الفعل‬


‫ّ‬ ‫اختياري تعادل القيمة لتلك املرتبة من القرب‬
‫ّ‬ ‫لكل فعل‬
‫القيمة الغريية ّ‬
‫الغائي للفاعل له‪.‬‬
‫واهلدف ّ‬

‫‪ - 2‬مالك أكثر األفعال االختيارية قيمة‬


‫االختياري هي مالك تشخيص القيمة النهائية واستفدنا من‬
‫ّ‬ ‫اعتربنا يف الفصل السابق أ ّن أعلى درجات القرب‬
‫لوازمها لتعيني مكانتنا ومكانة اآلخرين القيميّة‪.‬‬

‫وها هنا أيضاً وباالستفادة منها ميكن القول إ ّن مالك تشخيص أكثر األفعال قيمة هو مقدار تأثريها يف الوصول إىل‬
‫أعلى درجات القرب من اهلل‪ ،‬وباالستفادة من هذا املالك ولوازمه سنتعرف بشكل أفضل إىل قيمة األفعال‬
‫االختيارية من خالل املقايسة هبما‪.‬‬

‫االختياري احلاصل منها وبناء عليه فإ ّن أكثر األفعال قيمة هي‬


‫ّ‬ ‫إ ّن قيمة األفعال االختيارية غريية وتابعة للكمال‬
‫املوجبة للقيمةـ النهائية‪.‬‬

‫احلضوري الكامل لإلنسان باحتياجه‬


‫ّ‬ ‫ولتتذكر أيضاً ما قلناه يف الفصل السابق حول لوازم القيمة النهائية وإهنا العلم‬
‫وعدم احتياج اهلل وأيضاً احملبة والرضا الكاملني واملتقابلني بني اهلل واإلنسان‪ ،‬وعلى هذا األساس ميكن القول إ ّن‬
‫احلضوري الكامل لإلنسان باحتياجه وعدم احتياج اهلل واملوجبة للمحبة والرضا‬
‫ّ‬ ‫أكثر األفعال قيمة هي املوجبة للعلم‬
‫الكاملني هلل من قِبَ ِل اإلنسان[‪.]2‬‬

‫‪288‬‬
‫‪ - 3‬الدرجات املختلفة لقيم األفعال الغريية‬

‫الغائي للفاعل‬
‫النهائي للنية أو اهلدف ّ‬
‫ّ‬ ‫عرفنا يف هذا الفصل أ ّن قيمة األفعال تابعة لعاملني مها نوع العمل واملتعلّق‬
‫الباعث له على القيام بذلك الفعل‪.‬‬

‫مستقل خمتلف قيم األفعال من جهة نوع‬


‫ّ‬ ‫واآلن ومع االلتفات إىل مالك أكثر األفعال قيمة سوف حنلّل وبشكل‬
‫الفعل ومن جهة النية أيضاً‪:‬‬

‫‪ .3 - 1‬تقييم األفعال االختيارية من جهة نوع الفعل‪.‬‬

‫مع مالحظة املالك املذكور فإ ّن اإلظهار الكامل لالحتياج إىل اهلل والعبودية له يعتربان من أكثر األفعال قيمة‪.‬‬

‫أحب األعمال إىل اهلل هو أكثرها قيمة‪ .‬ومن جهة أخرى وكما قلنا يف الفرع‪ 6 - 2 :‬من‬ ‫وكذلك ميكن القول إ ّن ّ‬
‫حمب لنفسه وتبعاً لذلك فإنّه حمب لكمال املوجودات األخرى يف‬
‫الفصل التاسع فإ ّن اهلل والذي هو الكمال املطلق ّ‬
‫أحب األعمال عند‬
‫هذا الوجود‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن األعمال املوجبة ألعلى الكماالت عند اآلخرين تُعترب أيضاً من مجلة ّ‬
‫اهلل تعاىل وهلذا فإ ّن حب اخلري لعباد اهلل وإعانتهم وهدايتهم إىل صراط احلياة الصحيح وبشكل كلّي هتيئة طرق‬
‫كمال اآلخرين ميكن اعتبارها أيضاً من أكثر األعمال قيمة على مستوى النشاطات االجتماعية واليت توجب نيل‬
‫االختياري من اهلل لفاعلها والقائم هبا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أعلى درجات القرب‬

‫وبناءً على هذا املالك أيضاً فإ ّن أكثر األفعال االختيارية الالقيمية من جهة نوع العمل هي تلك األفعال الّيت توجب‬
‫األخالقي عن ارتباطه الوجودي باهلل ليس هذا فحسب بل تلك الّيت جتعله مكان اهلل وتزين له‬
‫ّ‬ ‫غفلة الفاعل‬
‫االستقاللية عنه‪ ،‬أو تلك الّيت تدعو الفاعل من خالل إظهار االستقالل لبقية املوجودات األخرى إىل معارضتها مع‬
‫احلق وكذلك األعمال الّيت يقام هبا يف مواجهة وحماربة خري اآلخرين وكماهلم واليت من مجلتها اإلعراض عن‬ ‫املعبود ّ‬
‫اهلل والتكرّب عليه والشرك به وعدم االعتناء خبري اآلخرين والسعي إلضالهلم‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫اختياري‬
‫ّ‬ ‫لكل فعل‬
‫وبشكل كلّي فإنّه ميكن تقييم األفعال االختيارية من جهة نوع العمل هبذا الشكل‪ :‬القيمة الغريية ّ‬
‫الوجودي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من جهة نوع العمل ترتبط مبدى تأثري هذا الفعل يف تنبيه الفاعل إىل احتياجه إىل اهلل وزيادة كماله‬

‫‪ .3 - 2‬تقييم األفعال االختيارية من جهة النية‬

‫االختياري من اهلل ‪ -‬ومضافاً إىل األفعال املناسبة هلذا اهلدف ‪-‬‬


‫ّ‬ ‫ال ب ّد لنا من أجل الوصول إىل أعلى درجات القرب‬
‫إرادة الوصول إىل هذه املرتبة يف هناية األمر‪.‬‬

‫النهائي ‪ -‬وبعبارة أخرى أ ّن تكون أهدافاً مستقلة يف نظر‬


‫ّ‬ ‫وأما قصد األهداف األخرى الّيت ال توصل إىل اهلدف‬
‫الفاعل ‪ -‬فإ ّن ذلك سيمنعه من حتصيل ذلك اهلدف بشكل كامل‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن أكثر األفعال قيمة من جهة النية‬
‫أي العبودية والطاعة هلل وحمبته ورضاه‪،‬‬
‫النهائي من اتيانه هو التقرب من اهلل ولوازمه ّ‬
‫ّ‬ ‫هو أ ّن يكون مقصود الفاعل‬
‫وتسمى هذه النية بالنية اخلالصة للقرب[‪.]3‬‬
‫ّ‬

‫اختياري من جهة النية يرتبط مبقدار قرب نية الفاعل من النية اخلالصة للقرب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كل ٍ‬
‫فعل‬ ‫ونتيجة الكالم فإ ّن قيمة ّ‬

‫يتحصل معنا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ومن جمموع ما قلناه حول مالك تقييم األفعال االختيارية‬

‫اختياري ال ب ّد أ ّن نرى مقدار تأثري هذا الفعل يف تنبيه الفاعل إىل احتياجه إىل اهلل وزيادة‬
‫ّ‬ ‫كل ٍ‬
‫فعل‬ ‫‪ - 1‬أنّه لتقييم ّ‬
‫الوجودي‪ ،‬ومقدار قرب نية الفاعل لذلك الفعل من خلوص النية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كماله‬

‫‪ - 2‬أ ّن العبودية هلل وارشاد اآلخرين إىل طريق التكامل بنية التقرب إىل اهلل وجلب رضاه قيّمة مطلقاً‪.‬‬

‫ويف املقابل فإ ّن الشرك والكفر ومنع اآلخرين من التكامل والص ّد عن سبيل اهلل والعداوة مع اهلل غري قيّمة مطلقاً‪،‬‬
‫وكما نرى فإ ّن قيمة هذه األمور مطلَقةـ غري مقيَّدة‪.‬‬

‫‪ - 3‬وهناك بعض األمور قيمتها غري مطلَقة‪ ،‬نظري اإلنفاق واإليثار والتعليم والتعلّم واألشغال املختلفة وتأمني‬
‫حاجات اجلسم والروح والسعي لقضاء حوائج اآلخرين‪ ،‬حيث إهنا ترتبط بنية الفاعل واحملرك له للقيام هبا‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫ولذا إذا كان الغرض من القيام هبا كسب الشهرة واالحرتام عند اآلخرين أو تأمني اللذائذ الشهوانية أو الراحة‬
‫الدنيويّة أو املنافع املادية وأمثاهلا فليس له إاّل ما قصده‪ ،‬وأما لو صاحب هذه النوايا نية التقرب من اهلل أيضاً فإ ّن‬
‫حينئذ حباصل نواياه‪ ،‬ولرمبا تكون مثل هذه األعمال بسبب احملرك والباعث اخلاطئ هلا بال قيمة‬ ‫قيمة العمل ترتبط ٍ‬
‫بل ضد القيم أصالً‪ ،‬وذات نتائج غري مطلوبة للفاعل‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن القيمة الغريية هلذه األمور مقيّدة‪.‬‬

‫‪ - 4‬القيمة البديلة لألفعال االختيارية‬

‫عمل آخر[‪ ،]4‬وامتاز أحدمها بقيمة غريية أكثر من اآلخر‬‫عمل ما مع ٍ‬‫بناءً على تعريف القيمة البديلة فإنّه إذا تزاحم ٌ‬
‫أي كان له تأثري أكرب يف كمال الفاعل احلقيقي فإ ّن هذا الفعل يكون ذا قيمة بديلة وبالتايل سيكون انتخابه معقوالً‪.‬‬
‫ّ‬

‫السري (صدقة السر) مأمون من شائبة الرياء واكتساب املنافع الدنية ويساهم يف‬ ‫ّ‬ ‫ومثاالً على ذلك فإ ّن اإلنفاق‬
‫احلقيقي ويعترب ذا قيمة كربى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تقوية االخالص عند املنفق وهلذا فإ ّن له تأثرياً كبرياً يف كماله‬

‫العلين أيضاً (صدقة العلن)‪ ،‬وضمن بعض الشرائط‪ ،‬يوجب تشويق اآلخرين على اإلنفاق‬ ‫ويف املقابل فإ ّن االنفاق ّ‬
‫وزيادة الكمال‪ .‬ومع افرتاض خلوص النية ستكون له قيمة أكرب أيضاً‪.‬‬
‫واآلن سنحلّل القيمة البديلة يف هذه األمثلة اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬اللهو واللعبـ باألعمال املأمونة أو القيام باألعمال اخلطرة والضارة أيهما له القيمة البديلة؟‬

‫األول له القيمة البديلة إاّل أنّه لن يكون له ذلك يف مورد إمكان‬


‫على فرض التزاحم بني هذين العملني فإ ّن العمل ّ‬
‫نفس الشخص القيام بدالً عنه باألعمال املفيدة‪.‬‬

‫واملتحرك إىل الدرجة الثانية منه له قيمة بديلة يف مقابل‬


‫ّ‬ ‫وكذلك فإ ّن صاحب الدرجة األوىل يف سلّم الكمال‬
‫السكون وعدم التحرك ولكن يف املقابل فإ ّن صاحب‬

‫‪291‬‬
‫الدرجة الثالثة منه الساكن يف مكانه احملافظ على درجته لسكونه القيمة البديلة بدل اهلبوط واالحنطاط إىل الدرجة‬
‫الثانية من الكمال‪.‬‬

‫‪ - 5‬األنانية والغريية‬

‫ذكرنا يف الفصل الثامن النزاع القائم بني مذهبني من املذاهب الواقعيّة ومها مذهب األنانية ومذهب الغريية والذي‬
‫مفاده أنه‪ :‬أيهما يرجح على اآلخر على فرض حصول التزاحم بينهما؟‬

‫وسنرى ها هنا وعلى أساس النتائج املتحصلة لقيم األفعال الغريية والبديلة الرأي الصحيح يف املقام‪.‬‬

‫ذكرنا فيما سبق أ ّن األنانية معناها قيام اإلنسان مبا يعود ملصلحته وأ ّن الغريية قيامه مبا يعود إىل مصلحةـ اآلخرين‪.‬‬

‫االختياري للفاعل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كل األمور االختيارية هو الكمال‬
‫وقلنا من طرف آخر إ ّن منشأ مطلوبية ّ‬

‫وعلى هذا األساس فإ ّن الفاعل املختار من املمكن فقط أ ْن يقوم بعمل يعود ملصلحة اآلخرين إذا اعترب أ ّن هذا العمل‬
‫يستلزم خريه وكماله‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن الغريية ها هنا ممكنة فقط مع اعتقاد استلزامها لألنانية‪ ،‬وأ ّن ما ميكن حتققه‬
‫من الغريية هو يف الواقع نوعٌ من األنانية‪.‬‬

‫احلقيقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اختياري غريية وإ ّن العمل القيّم هو العمل املساعد للفاعل يف كماله‬
‫ّ‬ ‫كل فعل‬
‫ومن جهة أخرى فإ ّن قيمة ّ‬

‫احلقيقي‬
‫ّ‬ ‫وكذلك عند تزاحم األعمال املختلفة يف بعض املوارد فإ ّن العمل املساعد بشكل أكرب يف كمال الفاعل‬
‫تكون له القيمة البديلة وال بد أ ّن يرجح على املزاحم له‪.‬‬

‫احلقيقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وبناء عليه فإ ّن قيمة الغريية ‪ -‬واليت هي نفسها نوع من األنانية ‪ -‬مرتبطة أيضاً بتأثريها يف كمال الفاعل‬

‫‪292‬‬
‫كذلك من املمكن أ ْن تتزاحم الغريية مع بعض املوارد األخرى يف األنانية وبناءً على ما قلناه عن القيمة البديلة يف‬
‫أي ما له التأثري األكرب‬
‫موارد السلوك واألفعال فإ ّن يف مثل هذه املوارد ال يُعقل إاّل ترجيح العمل ذي القيمة البديلة‪ّ ،‬‬
‫احلقيقي للفاعل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يف الكمال‬

‫والظاهر بناءً على هذا املبىن أنّه إذا تزاحم كالً من الغريية واألنانية مع كوهنما قيمني معاً‪ ،‬ال ميكن حتصيل قاعدة‬
‫كلية ومطلقة تثبت دميومة القيمة البديلة للغريية أو لألنانية لكن من املمكن القول يف مثل هذه املوارد بأن املرجح‬
‫غالباً هو الغريية[‪ .]5‬ألهنا عادة ذات نتيجتني مثبتتني للفاعل وأما األنانية فإهّن ا ذات نتيجة مثبتة واحدة فقط‪.‬‬
‫وسيحصل على فرض خلوص نيته‬ ‫ّ‬ ‫الوجودي‬
‫ّ‬ ‫األخالقي بامكانه أ ْن يزيد عن طريق الغريية كماله‬
‫ّ‬ ‫وكذلك فإ ّن الفاعل‬
‫وسيقوي يف ذاته أيضاً صفة اجلود وحب اخلري وأمثاهلما من الصفات الّيت هي من كماالت اهلل‬ ‫ّ‬ ‫كماالً ما لنفسه‬
‫واليت تع ّد كماالً حقيقياً لإلنسان أيضاً‪.‬‬

‫وأما مع الغريية اجملردة فإنّه ال ميكن إاّل حتصيل النتيجة األوىل فقط‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن من ّادخر طعاماً ما بامكانه‬
‫حمتاج غريه ليعينه أيضاً على العبادة‪ .‬وعليه‬
‫أ ْن يستفيد منه ليتقوى على العبادة وكذلك بامكانه أ ّن يتص ّدق به على ٍ‬
‫أي من أجل عبادته أو من أجل عبادة غريه‪ ،‬ومن هذه اجلهة فإهّن ا تساهم‬
‫فإ ّن كال العملني متساويان من هذه اجلهة ّ‬
‫يف زيادة كمال الوجود والذي هو حمبوب هلل وموجب لكمال الفاعل أيضاً‪.‬‬

‫وأما اإلنفاق فإنّه يوجب كماالً آخر للفاعل أيضاً وهو تقوية صفة اجلود والعطاء واليت هي من صفات كمال اهلل‬
‫احلقيقي)‬
‫ّ‬ ‫وتُع ّد كماالً حقيقياً لإلنسان أيضاً‪ .‬وعلى هذا الرتتيب فإ ّن األنانية احلقيقيّة (أي ما كان هدفها الكمال‬
‫ستؤمن أيضاً مالك القائلني بالغريية أيضاً‪.‬‬
‫ّ‬

‫موارد من األنانية مع الغريية فباالمكان أيضاً أ ْن تتزاحم موارد‬


‫موارد األنانية فيما بينها وكذلك ُ‬
‫نعم‪ ،‬وكما تتزاحم ُ‬
‫الغريية فيما بينها أيضاً‪ ،‬ومثاالً على ذلك إذا أردنا‬

‫‪293‬‬
‫ٍ‬
‫بامكانات حمدودة فمن نرجح منهم على غريه‪ :‬العائلة‪ ،‬اجلريان‪ ،‬املؤمنني‪ ،‬الناس اآلخرين‪،‬‬ ‫مساعدة "اآلخرين"‬
‫احليوانات‪ ،‬النباتات أو‪.....‬؟‬

‫املرجح‪ :‬املساعدات املالية املباشرة أو تأمني العمل هلم؟ املساعدات‬


‫وكذلك إذا أردنا مساعدة الناس اآلخرين فأيهما ّ‬
‫كل ٍ‬
‫عمل يف‬ ‫كل هذه املوارد ال ب ّد أ ّن نأخذ باالعتبار تأثري ّ‬
‫العلنية أو السرية؟ بناء املساجد أم املدارس؟ و‪ ....‬ويف ّ‬
‫احلقيقي وأن خنتار من األعمال ما له القيمة البديلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كمال الفاعل‬

‫‪ - 6‬األنانية أو اإلهلية‬

‫االختياري من اهلل تعاىل‪ ،‬ويف هذا الفصل وباالستفادة من‬


‫ّ‬ ‫ذكرنا يف الفصل التاسع أ ّن مالك القيمة الذاتية هو القرب‬
‫ـ"اإلهلي"‬
‫نسميه ب ّ‬ ‫هذا املالك ربطنا قيمة العمل مبقدار تناسبه مع القرب من اهلل أيضاً‪ .‬ولذا إذا كان العمل هلل فسوف ّ‬
‫اإلهلي؟ ويف اجلواب على ذلك ال بد أ ْن نقول بناءً على ما تقدم‬
‫والسؤال املطروح ها هنا هو‪ :‬أال يتزاحم األناينّ مع ّ‬
‫اإلهلي‪ ،‬بل‬
‫احلقيقي‪ .‬ففي هذا املورد لن يتزاحم األناينّ مع ّ‬
‫ّ‬ ‫إن األنانية إمنا تكون قيمة إذا سامهت يف كمال الفاعل‬
‫تتقرب به النفس من‬
‫هو عينه[‪ ،]6‬أل ّن العمل هلل ال يعين العمل من أجل خري اهلل وكماله بل إنّه مبعىن العمل الّذي ّ‬
‫احلقيقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اهلل والذي هو خريها وكماهلا‬

‫‪ - 7‬أسلوب تشخيص قيم األفعال‬

‫استطعنا إىل اآلن ومن خالل البحوث واالستدالالت العقلية إدراك بعض اخلصائص الكلية املرتبطة بتعيني قيم‬
‫األفعال‪.‬‬

‫مفرتض إذا علمنا تناسبه مع املالك املوجود بأيدينا أمكننا ٍ‬


‫حينئذ احتساب قيمته‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫اختياري‬ ‫كل ٍ‬
‫فعل‬
‫ّ‬ ‫وبالتايل يف ّ‬
‫ومثاالً على ذلك فإ ّن قيمة عبودية اهلل والقيام باألعمال املوجبة حملبته ورضاه ميكن حتصيلها من خالل هذا األسلوب‬
‫التقرب من اهلل فإ ّن هذه األمور التالية‬
‫والطريق‪ ،‬وكذلك من خالل هذا األسلوب أيضاً ومع وجود نية ّ‬

‫‪294‬‬
‫العلمي ملعرفة طرق العبودية واألعمال احملبوبة هلل‪،‬‬
‫ّـ‬ ‫‪ -‬وأيضاً مواجهة موانعها ‪ -‬حسنة مطلقاً‪ :‬معرفة اهلل‪ ،‬البحث‬
‫تعليم وترويج القيم الصحيحة وهداية اآلخرين إىل هذه القيم‪.‬‬

‫املن ليس له قيمة االنفاق بال َم ٍّن‪ ،‬ألنّه وإن رفع حاجة الطرف اآلخر‬
‫وعلى أساس هذا املالك أيضاً فإ ّن االنفاق مع ِّ‬
‫سيقوي‬
‫املادية فإ ّن ذلك سيشكل ضربة الستقالل شخصيته (عنفوانه) والذي يع ّد من حاجاته الروحية‪ ،‬ويف املقابل ّ‬
‫روحية التكرب واالستقالل الكاذب عند الفاعل (املنفق)‪.‬‬

‫كل ٍ‬
‫فعل اختياري خاص ويف الشرائط املختلفة يف كمال الفاعل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫إال أ ّن هذا املالك غري كاف لتشخيص مدى تأثري ّ‬
‫لنالحظ األمثلة التالية‪:‬‬

‫‪ -‬هل جيب إظهار العبودية هلل يف زمان ومكان وشكل ٍ‬


‫خاص؟ ويف هذه احلال ما هي شرائط ذلك؟‬

‫اخلاصة؟ وهل جيب‬


‫هل نذهب إىل الكنيسة يوم السبت أم يوم األحد؟ وهل نؤدي الصالة مخس مرات بشرائطها ّ‬
‫الصوم أم ال؟ و‪....‬‬

‫‪ -‬ما هي احلقوق الواجبة علينا جتاه أفراد العائلة‪ ،‬األقارب‪ ،‬األصدقاء‪ ،‬اجلريان‪ ،‬واآلخرين‪ ،‬واليت تُع ّد مراعاهتا‬
‫وظيفتنا األخالقيّة؟‬

‫‪ -‬ما هو نوع اللباس الالزم للرجل واملرأة؟‬

‫‪ -‬ما هي األعمال الّيت ينبغي لنا القيام هبا ملساعدة اآلخرين؟‬

‫وغريها وغريها من نظائر هذه األسئلة‪ ،‬فإنّه ال ميكننا االجابة عنها على أساس املالك املذكور‪ ،‬ألنّه ال ب ّد أوالً من‬
‫معرفة نتائج هذه األعمال عندنا ويف وجودنا‪ ،‬نعم من املمكن كشف بعض هذه النتائج من خالل التجربة وبالتايل‬
‫تقييم بعض هذه األفعال بلحاظ اإلثبات أو النفي‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن معرفة املصاديق الكثرية لصحة البدن‬
‫احلقيقي وبالتايل فإ ّن رعايتها من‬
‫ّ‬ ‫والروح الّيت ميكن اثباهتا من خالل التجربة تعترب مق ّدمة للبقاء وكسب الكمال‬
‫أجل ذلك تُعترب قيمةً والزمةً‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫تعرفنا إىل أساليب مؤثرة يف حتصيل وتعليم وبسط القيم األخالقيّة وتربية الفرد‬
‫وكذلك فإنّه بامكان التجربة أ ّن ّ‬
‫واجملتمع وهلذا فإهّن ا قيّمة والزمة أيضاً‪.‬‬

‫لكن من املمكن أيضاً أ ْن ال تظهر نتائج الكثري من األفعال يف هذه الدنيا وبالتايل لن تكون قابلة للتجربة ولذا لن‬
‫األقل ‪ -‬ارتباطها‬
‫ينفع يف مثل هذه املوارد طريق العقل والتجربة‪ ،‬والطريق الوحيد ملعرفة قيم هذه األفعال أو ‪ -‬على ّ‬
‫بالكمال والنقص عندنا يتم من قبل العارف هبا بشكل كامل والصادق يف إخباره عنها‪ ،‬ولذا فإنّنا حنتاج ملعرفة‬
‫الصراط املستقيم يف احلياة ونيل الكماالت النفسية إىل هداية اهلل سبحانه وتعاىل احمليط إحاطة علمية كاملة بنتائج‬
‫ويسمى هذا الطريق بطريق "الوحي"[‪ .]8‬وبشكل خمتص ٍر‬ ‫أعمالنا‪ ،‬فيعلمنا[‪ ]7‬باألفعال الفاضلة واألفعال الرذيلة‪ّ ،‬‬
‫ميكن القول إننا حنتاج إىل ثالثة أساليب لتشخيص قيم األفعال‪:‬‬

‫أي‬
‫‪ - 1‬العقل‪ :‬للعقلـ دور حمدود يف تعيني املالكات الكلية لبعض األفعال وقيمها ومن دونه ال ميكن إثبات قيمة ّ‬
‫ٍ‬
‫فعل كقيمة إطاعة اهلل أو قيمة التحقيق والبحث عن القيم ولزوم البحث عن الطريق املستقيم يف احلياة‪.‬‬

‫‪ - 2‬التجربة‪ :‬ميكن من خالل هذا األسلوب تعيني القيمة املثبتة أو املنفية لبعض األفعال القابلة هلا‪.‬‬

‫‪ - 3‬الوحي‪ :‬إ ّن هذا الطريق ال ب ّد منه لتعيني قيمة الكثري من األفعال الّيت هلا آثار ال تقبل التجربة‪.‬‬

‫األقل للقيمة واللزوم األخالقيّني‬


‫‪ - 8‬احل ّد ّ‬

‫ذكرنا يف الفصل الثالث من هذا الكتاب أنّه إذا أردنا تقييم املراتب املختلفة ملوضوع واحد فبإمكاننا أ ْن نأخذ‬
‫باالعتبار مرتبة الصفر وتقسيم القيمة ‪ -‬مبعناها العام ‪ -‬إىل قيمة صفرية‪ ،‬قيمة مثبتة وقيمة منفية أو بتعبري آخر بال‬
‫قيمة‪ ،‬ذي قيمة وضد القيمة‪.‬‬

‫إ ّن مراتب القيمة الذاتية األخالقيّة ال هناية هلا وبعبارة أخرى فإ ّن القيمة األخالقيّة ال سقف هلا لكن من بني هذه‬
‫املراتب بإمكاننا أ ّن نأخذ قيمة مرتبة ما على أهنا الصفر‬

‫‪296‬‬
‫ونعتربها سطح القيمة ويف هذه الصورةـ فإ ّن الكماالت العليا واألعمال املوجبة لصعود اإلنسان إىل تلك املراتب‬
‫تكون ذات قيمة وأما املراتب األدىن واألعمال املوجبة لسقوط اإلنسان عن احل ّد األقل من القيم فتكون ضد القيمة‪.‬‬

‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫األخالقي واعتربناه من نوع اللزوم بالقياس وقلنا إ ّن اللزوم‬
‫ّ‬ ‫وكذلك حبثنا يف الفصل الثالث حول اللزوم‬
‫يشري إىل ضرورة القيام أو ترك بعض األفعال‪ ،‬أو وجود أو عدم وجود بعض الصفات االختيارية باملقايسة هبدف‬
‫االختياري لإلنسان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األخالق والكمال‬

‫وهلذا فإ ّن األعمال ذات القيمة الغريية الزمة بالقياس بالقيم الذاتية احلاصلة عنها‪ ،‬ولذا إذا اعتربنا مرتبة ما من القيمة‬
‫هي سطح القيم واحل ّد األقل منها فال ب ّد من القول بلزوم امتالك الصفات والقيام باألعمال الّيت جتعل اإلنسان‬
‫متمتعاً باحل ّد األقل من القيم‪ ،‬ويف املقابل ضرورة عدم امتالك الصفات وضرورة ترك األعمال الّيت حترم اإلنسان من‬
‫نيل هذه املرتبة على األقل‪.‬‬

‫وعليه فإ ّن التمتّع بسائر الصفات والقيام باألعمال املوجبة حلصول قِيَ ٍم أكثر يعود نفعها إىل الفرد وإ ْن كانت مطلوبة‬
‫باملقايسة باحل ّد األقل من القيمة إاّل أهنا ليست الزمة وال ضرورية‪.‬‬
‫تقارن مبيزان القرب من اهلل‪ .‬وحيث إن القصد والنية ال بد منهما لتحصيل الكمال‬ ‫وكما قلنا فإ ّن القيمة الذاتية َ‬
‫احلقيقي لإلنسان‪ .‬ومن‬
‫ّ‬ ‫االختياري فإ ّن معرفة اهلل واالعتقاد بوجوده ضروريان لتحصيل الكثري من مراتب الكمال‬ ‫ّ‬
‫بالنيب وهلذا‬
‫أهم الطرق لتشخيص قيم األفعال هو الوحي‪ ،‬إاّل أ ّن االعتماد عليه يستلزم االعتقاد ّ‬ ‫طرف آخر قلنا إ ّن ّ‬
‫والنيب صلى اهلل عليه‬
‫فمن املناسب أ ّن نأخذ حدود اإلميان والكفر على أهنا القيمة الصفرية وأن نعترب اإلميان باهلل ّ‬
‫األقل من القيمة الذاتية وأ ْن نعترب األعمال والصفات الّيت ال ب ّد منها حلصول اإلميان الزمة‬
‫وآله وسلم هو احلد ّ‬
‫وضرورية‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫للخالصة‬

‫النهائي لفاعله‪.‬‬ ‫لكل ٍ‬


‫فعل تابعة لنوع الفعل واهلدف‬ ‫‪ - 1‬القيمة الغريية ّ‬
‫ّ‬

‫االختياري من اهلل املتناسبة مع‬


‫ّ‬ ‫اختياري تعادل القيمة الذاتية لتلك املرتبة من القرب‬
‫ّ‬ ‫‪ - 2‬القيمة الغريية لكل عمل‬
‫الغائي للفاعل‪.‬‬
‫ذلك العمل واهلدف ّ‬

‫احلضوري الكامل‬
‫ّ‬ ‫‪ - 3‬أكثر األفعال قيمة ما كان موجباً للوصول إىل القيمة النهائية‪ ،‬وتشمل أيضاً علم اإلنسان‬
‫باحتياجه إىل اهلل وحمبة اهلل له ورضاه الكامل عنه‪.‬‬

‫اختياري من جهة نوع العمل ترتبط مبدى تأثري هذا العمل يف تنبيه اإلنسان إىل‬
‫ّ‬ ‫لكل فعل‬
‫‪ - 4‬القيمة الغريية ّ‬
‫احتياجه إىل اهلل وزيادته لكمال الوجود‪.‬‬

‫اختياري من جهة النية ترتبط مبدى اقرتاب نية الفاعل حني القيام بفعله من خلوص النية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كل فعل‬
‫‪ - 5‬قيمة ّ‬

‫احلقيقي للفاعل وبالتايل سيكون‬


‫ّ‬ ‫العلمني‪،‬ـ فإ ّن القيمة البديلة تكون ألكثرمها تأثرياً يف حتصيل الكمال‬
‫‪ - 6‬مع تزاحم َ‬
‫اختياره معقوالً‪.‬‬

‫‪ - 7‬إذا تزامحت الغريية مع األنانية يف مورد تساويهما من حيث القيمة فإ ّن املرجح منهما ما له القيمة الغريية األكرب‬
‫مع أ ّن الرتجيح غالباً يكون للغريية‪.‬‬

‫احلقيقي للفاعل‬
‫ّ‬ ‫كل مورد يف الكمال‬
‫‪ - 8‬إذا تزامحت املوارد املختلفة للغريية فال ب ّد أ ّن نأخذ باالعتبار تأثري ّ‬
‫واختيار ما له القيمة البديلة منها‪.‬‬

‫احلقيقي‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن األنانية يف صورة‬


‫ّ‬ ‫التقرب منه ملا فيه خرينا وكمالنا‬
‫‪ - 9‬العمل هلل يراد به عملنا من أجل ّ‬
‫احلقيقي ال تتزاحم مع اإلهلية بل هي عينها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إعانتها للفاعل يف الوصول إىل كماله‬

‫‪ - 10‬لتشخيص قيم أنواع األفعال حنتاج إىل ثالثة أساليب‪ :‬العقل والتجرية والوحي‪.‬‬

‫احلقيقي‬
‫ّ‬ ‫‪ - 11‬ال ب ّد من االعتقاد بوجود اهلل يف سبيل حتصيل الكثري من مراتب الكمال‬

‫‪298‬‬
‫لإلنسان‪ ،‬وكذلك ال ب ّد من الرجوع إىل الوحي لتشخيص قيم الكثري من األفعال‪.‬‬

‫وهلذا السبب فمن املناسب أ ْن نأخذ حدود اإلميان والكفر على أهنا القيمة الصفرية وأ ّن نعترب اإلميان باهلل ورسوله‬
‫هو احل ّد األقل للقيمةـ الذاتية وأ ْن نعترب حتصيل الصفات واألفعال الالزمة حلصول اإلميان أمراً الزماً‪.‬‬

‫األسئلة‬

‫الغائي؟ اذكر مثاالً على ذلك‪.‬‬


‫‪ - 1‬ما هو اهلدف ّ‬

‫‪ - 2‬اذكر باملثال كيفية تفاوت النتائج عند الفاعل ٍـ‬


‫لفعل واحد لكن مع نيتني‪.‬‬

‫اختياري وتكلم عنهما باختصار‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 3‬اذكر العاملَني املؤثرين يف القيمة الغريية لكل فعل‬

‫‪ - 4‬مع مالحظة مالك القيمة النهائية (أعلى درجات القرب من اهلل) ولوازمه اذكر كيفية تقييم األفعال االختيارية‬
‫من جهة العمل وكذلك من جهة النية‪.‬‬
‫‪ - 5‬ما املراد من النية اخلالصة للقرب؟‬

‫‪ - 6‬اذكر مثالني عن القيمة الغريية املطلقة وكذلك مثالَني عن القيمة الغريية املقيَّدة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫لشخص ما ذا قيمة بديلة ولشخص آخر غري ذي قيمة بديلة‪.‬‬ ‫‪ - 7‬اذكر باملثال كيفية كون الفعل الواحد‬

‫‪ - 8‬أوضح لنا ما جيب فعله عند تزاحم الغريية مع األنانية‪.‬‬

‫أي مورد تكون األنانية غري اإلهلية؟ أوضح ذلك‪.‬‬


‫‪ - 9‬يف ّ‬

‫‪ -10‬لتشخيص قيم أنواع األفعال فإنّنا حنتاج إىل ثالثة أساليب‪ ،‬اذكرها واذكر موارد االستفادة منها‪.‬‬

‫األقل من القيمة واللزوم األخالقيّني؟‬


‫‪ -11‬ملاذا اعتربنا اإلميان باهلل ورسولهـ احل ّد ّ‬

‫‪299‬‬
‫للبحث‬

‫‪ - 1‬ما هو هدفك الغائي من حتصيل العلم؟ احبث حول قيمته األخالقيّة‪.‬‬

‫‪ - 2‬بااللتفات إىل تعريف القيمة البديلة‪ ،‬احبث يف تعريف وقيمة "إتالف الوقت"‪ ،‬وما هي قيمة "البسط والسرور"‬
‫يف رأيك؟ وما هو الفرق بينها وبني إتالف الوقت؟‬

‫يرجح األفراد عادة من بني اجملموعات‪ ،‬جمموعات األصدقاء واألقارب والدين الواحد على بقية اجملموعات‬
‫‪ - 3‬ملاذ ّ‬
‫األجنبية والغريبة؟‬

‫‪ -4‬وبناءً على مالك القيمة البديلة ما هي اجملموعة الّيت جيب علينا ترجيحها من بني "اآلخرين"‪.‬‬

‫إقرأ‬

‫االختياري هو تلك املرتبة من الكمال باعتقاد الفاعل الّيت ينوي الوصول إليها يف‬
‫ّ‬ ‫الغائي يف نظر الفاعل للفعل‬
‫اهلدف ّ‬
‫النهاية‪ .‬وهلا مطلوبية أصلية عنده‪.‬‬

‫االختياري أو‬
‫ّ‬ ‫االختياري وميكن تسميتها بعلة فاعلية الفاعل‬
‫ّ‬ ‫الغائي هي العلة الغائية لذلك الفعل‬
‫إ ّن مطلوبية اهلدف ّ‬
‫أي النتائج‬
‫االختياري وال ب ّد من االنتباه إىل أ ّن العلة الغائية هبذا املعىن ختتلف عن غاية الفعل ّ‬
‫ّ‬ ‫علة اختيارية الفعل‬
‫احلاصلة منه‪ ،‬مع أ ّن الكمال احلاصل من الفعل أو احلاصل من بعض نتائجه يعترب أيضاً من نتائج الفعل‪ ،‬ومع كوهنا‬
‫مقصودة عند الفاعل فإ ّن مطلوبيتها تكون علة غائية‪.‬‬

‫وبناءً عليه فإ ّن مطلوبية بعض نتائج الفعل ميكن أ ّن تكون علّة غائية للفعل أيضاً وعلى هذا األساس فإ ّن تسمية‬
‫بعض الغايات اخلارجة عن الفعل باألهداف الغائية فيه نوع من املساحمة‪.‬‬

‫الغائي لقاصد السفر إىل مشهد وزيارة اإلمام الرضا عليه السالم‬
‫مثالً‪ :‬من املمكن أ ّن يكون اهلدف ّ‬

‫‪300‬‬
‫كسب الفيض أو لذة زيارة اإلمام عليه السالم ‪ ،‬إاّل أ ّن نفس مشهد وزيارة اإلمم الرضا عليه السالم ليسا هدفني‬
‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫االختياري عند اإلنسان دائماً هو مطلوبية الكمال‬
‫ّ‬ ‫غائيني حقيقيني‪ ،‬ألنّه وكما قلنا فإ ّن علة ومنشأ الفعل‬
‫اختياري هو الكمال والنقص املرتتب واقعاً على ذلك الفعل‬
‫ّ‬ ‫كل فعل‬‫أي حال فإ ّن ما هو مالك قيمة ّ‬ ‫له‪ .‬وعلى ّ‬
‫مضافاً إىل كونه مقصوداً عند الفاعل‪.‬‬

‫وال ب ّد هنا من االلتفات إلى عدة مالحظات‪$:‬‬

‫األول‬
‫اخلارجي منه‪ ،‬واملراد من ّ‬
‫ّ‬ ‫االختياري الداخلي وتارة أخرى على‬
‫ّ‬ ‫الغائي تارة يرتتب على الفعل‬
‫أوالً‪ :‬إ ّن اهلدف ّ‬
‫أي شرائط أخرى‪ ،‬وباالصطالح ليس‬ ‫هو ذلك الفعل الّذي يتحقق مع حتقق النية (اإلرادة) ومن دون حاجة إىل ّ‬
‫اخلارجي فهو ذلك الفعل الّذي حيتاج مضافاً إىل النية إىل شرائط‬
‫ّ‬ ‫االختياري‬
‫ّ‬ ‫معلوالً للنية بل هو عينها‪ .‬وأما الفعل‬
‫خارجية أخرى‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن الرضا باالنفاق على الفقري يع ّد من مجلة األفعال الداخلية والذي هو عني‬
‫اإلنفاق عليه وأما دفع املال إليه املستلزم لوجود املال فيُعترب من مجلة األفعال اخلارجية‪.‬‬

‫الداخلي والذي هو عني النية له نتائج بال واسطة عند الفاعل مقصودة ومطلوبة له دائماً‪( .‬إ ّن من غري‬
‫ّ‬ ‫إ ّن الفعل‬
‫املمكن أ ْن يكون لشخص ما نية إرادة اخلري جتاه اآلخر ولكن خريه غري مطلوب له)‪.‬‬

‫حب اخلري‬‫إ ّن نية إرادة اخلري واليت تتح ّقق بصورة الرضا عنه والرضا بإتيان األعمال املتناسبة معه توجب تقوية صفة ّ‬
‫اخلارجي فيحتاج إىل حصول شروطه وما مل تتح ّقق هذه الشروط فلن يتحقق تبعاً هلا‬
‫ّ‬ ‫عند الفاعل‪ ،‬وأما حت ّقق الفعل‬
‫أيضاً وبالتايل لن تتح ّقق نتائجه كذلك‪.‬‬

‫وحتمي‪.‬‬ ‫ضروري‬ ‫نعم عندما هُت يَّأ بعض الشروط غري االختيارية لتحقق الفعل اخلارجي فإ ّن حت ّققه ٍ‬
‫حينئذ بعد النية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫إ ّن من من ينوي واقعاً االنفاق على احملتاج سيقوم هبذا العمل حتماً إذا كان متمكناً مالياً‪ ،‬ويف الواقع فإ ّن الفعل‬
‫اخلارجي انعكاس للنية الداخلية يف صورة حت ّقق شرائط العمل‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن افرتاض أ ّن شخصاً ما لديه نية فعل‬
‫ّ‬
‫حب‬
‫اخلري ومع وجود شرائطه إاّل أنّه يستنكف عن القيام به ليس افرتاضاً صحيحاً ألن ما مُسّي يف هذه املوارد بنية ّ‬
‫اخلري وإرادته ليس يف احلقيقة سوى ميل ورغبة عند هذا الفرد وقد قام هو باختياره وإرادته بتقدمي امليول والرغبات‬
‫األخرى عليها‪.‬‬

‫ومع االلتفات إىل هذه النكتة فإ ّن من يرى حمتاجاً ويريد واقعاً أ ّن يساعده ويعينه إاّل أنّه ولسبب ما كعدم قدرته‬
‫حب اخلري وإنفاق املال من أجل إعانة اآلخرين ومساعدهتم ستقوى عند‬ ‫املالية مثالً مل يوفّق إىل هذا العمل فإ ّن صفة ّ‬
‫هذا اإلنسان‪ ،‬ومن هذه اجلهة يتساوى مع اإلنسان‬

‫‪301‬‬
‫القادر مالياً واملنفق ماله على اآلخرين‪ .‬وحتماً فإ ّن القيام باإلعمال اخلارجية مشروط باستمرار النية يف طول العمل‬
‫والتغلّب على املوانع الطارئة وامليول املزامحة كما وإ ّن غايات األفعال مؤثرة أيضاً يف كمال اإلنسان ونقصه أيضاً‬
‫سيحصل نتائج أكثر من األفعال الداخلية‪ ،‬ومثاالً على ذلك فإ ّن نية‬
‫ّ‬ ‫ولذا فإ ّن الفاعل إذا قام باألفعال اخلارجية‬
‫املشاركة يف يوم واحد من احلرب تتفاوت قياساً باملشاركة الفعلية فيه‪ ،‬حيث إ ّن األمر الثاين حيتاج إىل استمرار النية‬
‫يف طول اليوم والتغلّب على األفكار املزامحة فيه‪ ،‬ويتفاوتان أيضاً من حيث حتصيل الكمال والنقص احلاصلني من‬
‫نتائجه أيضاً‪ ،‬وعليه ففي مثل هذه املوارد فإ ّن نتائج األفعال اخلارجية أكثر من نتائج األفعال الداخلية‪.‬‬

‫ومن خالل هذه النكتة ميكن استنتاج عدم جعل النية يف مقابل العمل كما يقتضي النظر الدقيق‪ ،‬بل إننا نعترب النية‬
‫االختياري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نوعاً من الفعل‬

‫وطبقاً هلذا الرأي فإ ّن بعض األفعال االختيارية تكون مق ّدمةـ لبعضها اآلخر ولذا فإ ّن النية مبا أهنا نوع من الفعل‬
‫كل األفعال االختيارية وعلّة هلا‪.‬‬
‫االختياري فإهّن ا مق ّدمةـ على ّ‬
‫ّ‬
‫اخلارجي‪ .‬وحيث إ ّن هذه اإلرادة‬
‫ّ‬ ‫إ ّن من يريد فعالً إعانة غريه ومساعدته ال ب ّد له ابتداءً من إرادة القيام هبذا الفعل‬
‫االختياري يتم تقييمها على أساس الكمال‬
‫ّ‬ ‫مبتناة على االنتخاب الواعي من قبل الفاعل فهي نوع من الفعل‬
‫حب النوع نوعاً من كمال اإلنسان‬
‫االختياري احلاصل منها كتقوية صفة ّحب النوع مثالً (هذا يف صورة اعتبار ّ‬
‫ّ‬
‫خارجي ستتحقق يف اخلارج أيضاً‪ ،‬ومع‬
‫ّ‬ ‫احلقيقي)‪ ،‬وعلى فرض حت ّقق الشرائط اخلارجية فإ ّن املساعدة واليت هي فعل‬
‫ّ‬
‫القيام هبذا العمل ستقوى أيضاً الصفة املذكورة بشكل أكرب عند هذا اإلنسان‪ .‬بل ويف بعض األحيان تتحقق‬
‫كماالت أخرى له تبعاً هلذا العمل‪.‬‬

‫(يقول املرحوم العالمة الفيض الكاشاين يف كتابه القيم احملجة البيضاء يف هتذيب األحياء ج‪ ،8‬ص‪ :136‬إ ّن‬
‫األعمال تأثريها يف القلوب بتأكيد صفاهتا)‪.‬‬

‫املستمر على املوانع واألفكار املزامحة له‪ ،‬فإ ّن الفعل كلما كان صعباً‬
‫ّ‬ ‫ثانياً‪ :‬حيث إ ّن القيام بالفعلـ يستلزم التغلّب‬
‫ومعقداً ومع ذلك قام الفاعل بإتيانه فإ ّن ذلك سيوجب تأكيد الصفة املتناسبة معه وتقويتها بشكل أكرب عنده‪ .‬وبناءً‬
‫عليه فإ ّن األعمال احلسنة كلما كانت أصعب وأش ّد فلها نتائجها األفضل على الفاعل وستكون قيّمة جداً‪" :‬أفضل‬
‫حممد بن حسني املعروف بالشيخ‬‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،82‬ص ‪ّ ,322‬‬ ‫األعمال أمحزها" (راجع‪ّ :‬‬
‫البهائي‪ ،‬مفتاح الفالح‪ ،‬ص ‪.)45‬‬

‫‪302‬‬
‫احلقيقي واألفعال املناسبة له ما دامت باختيار الفاعل فإهّن ا تُع ّد من األفعال‬
‫ّ‬ ‫ثالثاً‪ :‬إ ّن حتصيل املعرفة بالكمال‬
‫كل النتائج املرتتبة عليها‪ ،‬وأما اخلطأ يف املعرفة ويف صورة عدم كوهنا‬ ‫ويتم تقييمها أخالقيّاً على أساس ّ‬
‫االختيارية ّ‬
‫اختيارية فإهّن ا تكون ناشئة بشكل صرف عن قصورـ الفاعل وبالتايل ال ميكن تقييمها أخالقيّاً على أساس النتائج‬
‫املرتتبة عليها‪.‬‬

‫احلقيقي واألفعال املناسبة له مالزم لوجود النية بالوصول‬


‫ّ‬ ‫وكذلك فإ ّن السعي لتحصيل املعرفة الصحيحة بالكمال‬
‫احلقيقي ‪ -‬على فرض حت ّقق شروطه ‪ -‬وهلذا السبب فإنّه قيّ ٌم ووظيفة أخالقيّة وأما أصل طلب الكمال‬ ‫ّ‬ ‫إىل الكمال‬
‫اختياري بل إنّه الزم لطبيعة اإلنسان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وكما ذكرنا مسبقاً فإنّه غري‬

‫بالغين) هي إدراك واحد وبتعبري‬


‫إ ّن درك الرابطة الوجودية بيننا وبني اهلل واليت هي رابطة احملتاج بغري احملتاج (الفقري ّ‬
‫آخر مها متحدان يف اإلدراك وهلذا السبب مل نبحث بشكل مستقل يف العلم الكامل بعدم احتياج اهلل تعاىل‪.‬‬

‫وكذلك فإ ّن احملبة والرضا ينشآن عن إجياد التناسب بني األشياء ووجود الشخص‪ ،‬ولذا فإ ّن اإلنسان احلقري‬
‫سر بالوصول إليها‪ ،‬ويف املقابل فإ ّن اإلنسان الكامل ذا اهلمة العالية‬
‫حيب األمور احلقرية والوضيعة وبالتايل يُ ّ‬
‫والوضيع ّ‬
‫سر أيضاً بالوصول إىل األمور الكاملة واملتعالية‪ .‬وحيث إ ّن وجود اهلل ثابت غري متغري‪ ،‬فإ ّن الطريق الوحيد لوصول‬ ‫يُ ّ‬
‫اإلنسان إىل احملبة والرضا الكاملني بالنسبة هلل هو إجياد التغيري يف نفسه بأفعاله واختياره وأن يالئم نفسه مع الكمال‬
‫املطلق‪ ،‬وأ ْن يدرك هذا التالؤم والتناسب‪.‬‬

‫وتتحصل بنفس‬
‫ّ‬ ‫ولذا فإ ّن حمبة اهلل ورضاه عن اإلنسان وكذلك حمبة اإلنسان هلل ورضاه عنه رابطة حقيقية واحدة‬
‫مستقل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األسلوب والطريقة وهلذا مل نبحث عن الثانية بشكل‬

‫املنوي‪ ،‬فمن تص ّدق وغرضه‬


‫التجرد مُسّي الفعل الصادر عنه إخالصاً باإلضافة إىل ّ‬
‫مهما كان الباعث واحداً على ّ‬
‫ولكن العادة جارية بتخصيص اسم‬‫حمض الرياء فهو خملص‪ ،‬وإن كان غرضه حمض التقرب إىل اهلل تعاىل فهو خملص‪ّ ،‬‬
‫اإلخالص بتجريد قصد التقرب إىل اهلل تعاىل عن مجيع شوائبه‪( .‬راجع‪ :‬حمسن فيض الكاشاين‪ ،‬احملجة البيضاء يف‬
‫هتذيب األحياء‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.)129 - 128‬‬

‫الباطين واالمتحان النفساينّ واحملاسبة‬


‫ّ‬ ‫إ ّن تشخيص البواعث احلقيقيّة وتصحيحها مشكل جداً وحيتاج إىل التدبّر‬
‫فصل علماء األخالق املسلمونـ الكالم حوهلا‪ ،‬وملزيد من‬
‫واملراقبة‪ .‬وقد ّ‬

‫‪303‬‬
‫املراجعة التفصيلية حول النية وخلوصها وكذلك املراقبة واحملاسبة راجع‪( :‬حمسن فيض الكاشاين‪ ،‬نفس املصدر‪،‬ـ ج‬
‫‪ ،8‬ص ‪ ،191 - 102‬كتاب النية‪ ،‬الصدق‪ ،‬اإلخالص واملراقبة واحملاسبة)‪.‬‬

‫القيمة الغريية األخالقيّة لصفات اإلنسان وأفعاله حمدودة باملوارد الّيت يتم ّكن اإلنسان باختياره ووعيه من ترجيح‬
‫طرف واحد من بني امليول والبواعث املتزامحة وبالتايل انتخابه من بينها‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن التزاحم موجود دائماً بني‬
‫كل القيم الغريية األخالقيّة قابلة للتقييم أيضاً من‬
‫الصفات وبني األفعال واليت هي موضوع األخالق وبالتايل فإ ّن ّ‬
‫زاوية القيم البديلة‪.‬‬

‫(الشخصي)‪،‬ـ ال ب ّد من االلتفات إىل ع ّدة نكات‪:‬‬


‫ّ‬ ‫اإلهلي واألناينّ‬
‫من أجل التحليل الدقيق والكامل للرابطة بني ّ‬

‫أعم األصول األخالقيّة الّيت تبني للقيمـ واللزوم املطلق‬


‫‪ -‬باعتبار أ ّن القيمة الذاتية واحدة وال تزاحم بني مراتبها‪ ،‬فإ ّن ّ‬
‫أخالقيّاً للصفات واألفعال االختيارية‪ ،‬ال ميكن أ ّن يتعارض بعضها مع بعض‪ ،‬وبناءً عليه ومن باب املثال إذا تزاحم‬
‫األقل ‪ -‬الّيت حتكم بالغريية واألنانية ليست أصالً أخالقيّاً وال اعتبار‬
‫الغريي مع األناينّ فإ ّن إحدى القاعدتني ‪ -‬على ّ‬
‫هلا بشكل مطلق‪.‬‬

‫االختياري ألنفسنا‪ ،‬وبناءً‬


‫ّ‬ ‫حب الكمال‬
‫حب الذات‪ ،‬ومنشأ مطلوبية األمور االختيارية هو ّ‬ ‫‪ -‬إ ّن منشأ املطلوبية هو ّ‬
‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫االختياري له قيمة ذاتية أخالقيّة‪ .‬ومن هذا األصل نستنتج أ ّن اخلري‬
‫ّ‬ ‫عليه فإ ّن السعي من أجل كمالنا‬
‫كل إنسان يف أموره االختيارية أ ْن يسعى حنو كماله احلقيقي‪.‬وعليه فإ ّن هذه األفعال من‬ ‫اختياري‪ ،‬وأ ّن على ّ‬
‫ّ‬ ‫كمال‬
‫ٌ‬
‫العامة واملطلَقة أخالقيّاً‪.‬‬
‫الناحية األخالقيّة قيّمة مطلقاً‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّن قيمة األنانية تُعترب إحدى األصول ّ‬

‫واحد فقط أو افرتضنا‬ ‫‪ -‬من املمكن افرتاض األنانية من دون الغريية يف بعض املوارد‪ ،‬مثالً لو افرتضنا وجود إنسان ٍ‬
‫وجود إنسان ولبعض الظروف والشرائط ال يتمكن من االرتباط بأحد غريه سوى االرتباط باهلل تعاىل‪ ،‬فإ ّن أياً من‬
‫أفعاله لن يكون غريياً (من أجل خري اآلخرين) ولكنه بإمكانه الوصول إىل الكمال من خالل عبوديته هلل‪.‬‬

‫‪ -‬من غري املمكن حت ّقق الغريية من دون األنانية‪ ،‬حيث إنّه بإمكان الفاعل املختار أ ْن خيتار الغريية فقط إذا اعتقد‬
‫الغريي بقيامه مبا ينفع‬
‫ّ‬ ‫بتأثريها واستلزامها لنحو من إحناء الكمال له وللعالقة باهلل (اإلهلية‪ ).‬ويف مثل هذه املوارد فإ ّن‬
‫اآلخرين فإنّه يف احلقيقة والواقع يسعى ملا فيه كمال له حىت ولو اعتقد بأ ّن حتصيل هذا الكمال مستلزم لفوات‬
‫كمال آخر له‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫إ ّن من يقوم خبدمة اآلخرين يشعر بنوع من الرضا لقيامه هبذا العمل أو أنّه يسعى من أجل أهداف أخرى تعود إليه‬
‫الشخصي فإنّه يسعى حنو خري آخر كاللذة والرضا احلاصلني‬
‫ّ‬ ‫أيضاً‪ .‬وكذلك إ ّن من يؤثر خري اآلخرين على خريه‬
‫من هذه التضحية أو أ ْن يسعى لنتائج أخرى تعود إليه أيضاً‪.‬‬

‫أقل من الكمال الّذي يفوته فإ ّن ترجيح الغريية‪ ،‬ممكن وقابل للتح ّققـ من قبل‬
‫حيصله الفاعل ّ‬
‫وإذا كان الكمال الّذي ّ‬
‫حيصله فقط مع أ ّن ذلك غري صحيح حبكم العقل‪.‬‬ ‫الفاعل والسبب يف ذلك رؤيته للكمال الّذي ّ‬

‫أي أنّه باإلمكان‬


‫احلقيقي للفاعل يف بعض املوارد‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬من املمكن افرتاض تزاحم األنانية مع الغريية يف حتصيل الكمال‬
‫افرتاض استفادة شخص ما من بعض إمكاناته احملدودة إما من أجل كماله أو من أجل كمال غريه‪.‬‬

‫احلج‬
‫ومثاالً على ذلك لو فرضنا أ ّن شخصاً ما لديه مقدار حمدود من املال ّإما أ ْن يستفيد منه فقط يف الذهاب إىل ّ‬
‫أو أ ّن يستفيد منه يف قضاء حاجة إنسان آخر‪ .‬ويف الواقع فإ ّن هذا التزاحم بني حتصيل كمالني من املمكن وقوعه‬
‫عند الفاعل‪ ،‬وحتماً فإ ّن هذا التزاحم إمنا ميكن إذا كان حتصيل كال الكمالني ممكناً للفاعل كالً على حدة‪ ،‬ومل‬
‫يكن أحدمها شرطاً الزماً لآلخر‪ .‬ومثاالً على ذلك فإ ّن قضاء حاجة اآلخر موجب لكمال الفاعل فيما إذا كان‬
‫األول أكثر من الثاين‪.‬‬
‫باحلج الواجب عليه إذ إن القيمة الغريية للفعل ّ‬
‫الفاعل قد أتى ّ‬

‫إ ّن الصعود من الدرجة الثالثة إىل الدرجة اخلامسة (يف سلّم السلوك) قيمته أكرب من الصعود من الدرجة الثانية إىل‬
‫األول ملن هو فعالً يف الدرجة الثانية غري ممكن‪ ،‬وكذلك فإ ّن حتصيل هذين‬
‫الدرجة الثالثة‪ ،‬إاّل أ ّن حتصيل الكمال ّ‬
‫الكمالني احلقيقني ال تزاحم بينهما أصالً‪.‬‬

‫‪ -‬بناءً على مالك زيادة كمال الوجود يف القيم البديلة‪ ،‬فإنّه عند تزاحم األنانية مع الغريية ال ب ّد لنا أ ّن خنتار ما‬
‫احلقيقي للفاعل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يوجب من حيث اجملموع زيادة كمال الوجود وبالتايل فإ ّن هذا العمل سيزيد بشكل أكرب الكمال‬

‫ولذا لو خُرّي نا بني البقاء واكتساب املزيد من الكمال وبني التضحية بالنفس من أجل بقاء طريق اهلداية (الدين)‬
‫ضحى احلسني بن علي عليهما السالم وخرية‬‫املرجح‪ .‬وعلى هذا األساس ّ‬‫لتكامل الناس اآلخرين فإ ّن الثاين هو ّ‬
‫أصحابه يف يوم عاشوراء بأنفسهم فداءً من أجل الدين‪.‬‬

‫نرجح األنانية على الغرييّة ومثاالً على ذلك فإ ّن االحتفاظ ببعض املال لصرفه يف‬
‫ومن املمكن يف بعض املوارد أ ْن ّ‬
‫قضاء حوائجنا الشخصيّة مرجح على إنفاقه على اآلخرين فيما إذا أوجب هذا اإلنفاق‬

‫‪305‬‬
‫ِ‬
‫"والَ جَتْ َع ْل يَ َد َك َم ْغلُولَةً إِىَل ُعنُق َ‬
‫ك َوالَ َتْب ُسطْ َها ُك َّل‬ ‫أ ّن يكون اإلنسان يف حوائجه ذليالً وعالة على اآلخرين‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫وما حَّمْ ُس ً‬
‫ورا"‪.1‬‬ ‫الْبَ ْسط َفَت ْقعُ َد َملُ ً‬

‫التوجه إىل اهلل‪ ،‬وحيث إ ّن‬


‫التوجه إىل الذات مانع من ّ‬‫من املمكن أ ْن يقال يف مورد الرابطة بني األناينة واإلهلية إ ّن ّ‬
‫التوجه إىل اهلل فإهنما سيتزامحان أحدمها مع اآلخر دائماً‪ ،‬إاّل أنّه‬
‫التوجه إىل الذات واإلهلية مستلزمة ّ‬‫األنانية مستلزمة ّ‬
‫التوجه إىل اهلل فيما إذا جعلنا‬
‫ال ب ّد من االلتفات إىل أ ّن التوجه إىل ذاتنا أو إىل اآلخرين أيضاً إمّن ا يكون مانعاً من ّ‬
‫ذاتنا أو غرينا يف عرض اهلل واعتقدنا باالستقاللية لنا أو لغرينا يف نفس الوقت‪.‬‬

‫يتوجه دائماً إىل ذاته مبقدار احتياجه إىل اهلدف‪ ،‬مثالً‪ ،‬فإ ّن الشخص الّذي يهدف إىل كسب‬
‫االختياري ّ‬
‫ّ‬ ‫إ ّن الفاعل‬
‫يتوجه إىل نفسه‬
‫يتوجه إىل نفسه مبقدار احتياجه إىل املال‪ .‬وكذلك فإ ّن َمن هدفه حقيقة هوالتقرب إىل اهلل ّ‬
‫الثروة ّ‬
‫مبقدار احتياجه إىل التقرب من اهلل‪.‬‬

‫التوجه‬
‫التوجه إىل اهلل ولذا ال تزاحم بينهما‪ ،‬وبناءً عليه فإ ّن ّ‬
‫توجه هذا الشخص إىل نفسه إمنا هو يف سبيل ّ‬ ‫ولذا فإ ّن ّ‬
‫التوجه إليه‪ ،‬وبعبارة‬
‫أي تزاحم بل هو عني ّ‬ ‫التوجه إليه ليس فيه ّ‬
‫إىل ارتباط أنفسنا باهلل وحىت مع أعلى درجات ّ‬
‫التوجه إىل ربوبية اهلل ومعبوديته وعدم احتياجه يساوي التوجه إىل مربوبية العبد وعبوديته واحتياجه إليه‬
‫أخرى فإ ّن ّ‬
‫يف نفسه‪.‬‬

‫يتوجه فقط إىل اهلل بعنوان أنّه‬


‫أي استقالل لنفسه بل ّ‬
‫ويف مقام الفناء (يف اهلل) يصل السالك إىل مرتبة ال يرى فيها ّ‬
‫املستقل فقط‪ ،‬إاّل أ ّن هذا التوجه ال يتناىف مع التوجه إىل منتهى الربط واحتياجه يف نفسه بل هو عينه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املوجود‬

‫توجهه لنفسه‬
‫االستقاليل فقط للمعشوق وأما ّ‬
‫ّ‬ ‫تصور أ ّن عاشقاً يقطف وردة ملعشوقه ويركض حنوه فإ ّن التوجه‬
‫والوردة والركض فكلها تابعة له‪.‬‬

‫النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم أو اإلمام عليه السالم املكلََّفنْي بأمر من اهلل هبداية العباد حيث إهّن ما‬
‫وهكذا هو حال ّ‬
‫أي من هذه األمور ليس استقاللياً‬ ‫التوجه إىل ّ‬
‫ومع التوجه الكامل إىل نفسيهما والوظائف الفردية االجتماعية إاّل أ ّن ّ‬
‫التوجه إىل الذات أو إىل اآلخرين يراد منه يف‬ ‫يف ح ّد ذاته‪ .‬وبناءً عليه فإ ّن ما ذُكر يف هذه املوارد حتت عنوان عدم ّ‬
‫االستقاليل إىل الذات أو إىل اآلخرين‪ ،‬وحتماً فإ ّن الكالم حول هذه األمور سهل إاّل أ ّن العمل‬
‫ّ‬ ‫احلقيقة عدم التوجه‬
‫خمتص باملخلصني فقط‪.‬‬
‫بذلك ّ‬

‫‪ -1‬اإلسراء ‪.29 :17‬‬

‫‪306‬‬
‫وطي مسري احلياة الصحيح حيتاج مضافاً‬
‫إ ّن عامة الناس يقتدون باآلخرين يف أعماهلم وهلذا فإ ّن نيل هدف األخالق ّ‬
‫إىل التعليم ومعرفة الطريق إىل القدوة العمليّة أيضاً‪ ،‬واهلل تعاىل بإرساله األنبياء والذين هم مثال اإلنسان الكامل‬
‫أرشدنا إىل الطريق الصحيح بواسطتهم وبإجيابه طاعتهم هيّأ لنا أفضل الطرق وأكملها لتزكية أنفسنا وتربيتها‬
‫أخالقيّاً‪.‬‬

‫والنبوة‪.‬‬
‫اإلهلي ّ‬
‫عقلي إلثبات حاجة البشر إىل الدين ّ‬
‫االستدالل املذكور استدالل ّ‬

‫والنبوة وقد كان مورداً لتأكيد األنبياء دائماً‪ ،‬ومن املمكن أ ّن يستند اإلنسان‬
‫إ ّن اإلميان باملعاد من لوازم اإلميان باهلل ّ‬
‫إىل الوحي لإلميان بوجود املعاد‪.‬‬

‫‪307‬‬
308
‫الفصل الحادي عشر‪ :‬المذهب األخالقي‬

‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم‪:‬‬

‫ولكل امرىء ما نوى‪ ،‬فمن كانت هجرته إىل اهلل ورسوله فهجرته إىل اهلل ورسوله‪ ،‬ومن‬
‫"إمّن ا األعمال بالنيّات ّ‬
‫يتزوجها فهجرته إىل ما هاجر إليه" ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫كانت هجرته إىل دنيا يُصيبها أو امرأة ّ‬

‫األخالقي املقبول‪ ،‬وأما يف هذا الفصل‬


‫ّ‬ ‫العقلي إطاراً حم ّدداً للنظام‬
‫ّـ‬ ‫رمسنا يف الفصلني السابقني وباالستناد إىل املنهج‬
‫اإلسالمي باالستناد إىل نصوص دين اإلسالم املبني‬
‫ّ‬ ‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫االخري من الكتاب فسوف نتعرض لتوصيف املذهب‬
‫(القرآن والروايات)‪.‬‬

‫نؤجل البحث يف‬ ‫األخالقي من مجلة املذاهب الواقعيّة القابلة لإلثبات إاّل أنّنا سوف ّ‬
‫ّ‬ ‫وبالرغم من اعتبار هذا املذهب‬
‫تعريفه إىل حبث مستقل به حىت يكون بإمكاننا بعد االطّالع على مسائل فلسفة األخالق وحبوثها رؤية املطابقة بني‬
‫هذا املذهب والنتائج املستفادة من البحوث العقلية لفلسفة األخالق‪.‬‬

‫حممد تقي النوري‪ ،‬مستدرك الوسائل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.90‬‬


‫‪ -1‬حسني بن ّ‬

‫‪309‬‬
‫‪ - 1‬المذهب األخالقي اإلسالمي‪ $‬جزء من ٍ‬
‫نطام واحد‬ ‫ّ‬

‫إ ّن دين اإلسالم وكغريه من األديان السماويّة يقوم على ثالثة أصول اعتقادية‪ :‬التوحيد‪ ،‬النبوة واملعاد‪.‬‬

‫كل الوجود هو ذات الواحد األحد‪.‬‬


‫وبناءً على أصل التوحيد فإ ّن مبدأ ّ‬

‫كل ٍ‬
‫نقص‪ ،‬وليس له نظري يف الوجود وال شريك له‪.‬‬ ‫ومنزه عن ّ‬
‫إ ّن اهلل تعاىل واحد وواجد لتمام الكماالت ّ‬

‫وبناءً على أصل املعاد فإ ّن الدنيا ال تش ّكل سوى جزء حمدود من حياة اإلنسان‪ .‬وإ ّن اإلنسان حييا مرة ثانية بعد‬
‫املوت لينتقل إىل احلياة اخلالدة وليستويف نتائج أعماله الّيت قام هبا يف دنياه‪ .‬وبناءً على أصل النبوة فإ ّن اهلل أرسل‬
‫األنبياء إىل عامة الناس ليستأدوهم ميثاق الفطرة املودعة فيهم ويدعوهم إىل دين اهلل وليعلموهم ما ال ميكن معرفته‬
‫إاّل بالوحي‪ .‬وإبالغهم حقوقهم وتكاليفهم املأمورين هبا من قبل اهلل عرب تعريفهم على أحكام الدين العمليّة‪ ،‬وتبيني‬
‫طريق السعادة والشقاء لإلنسان وتنبيههم إىل نتائج أعماهلم‪.‬‬

‫وحي إهلي‪.‬‬
‫وآخر هؤالء األنبياء وخامتهم هو النيب حممد صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وكتابه السماوي (القرآن) ٌ‬

‫إ ّن منت القرآن الكرمي وكذلك الروايات الواردة عن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم وخلفائه املعصومني عليهم‬
‫السالم‪ -‬الّذين اصطفاهم اهلل سبحانه وتعاىل ‪ -‬تش ّكل النصوص الدينيّة يف اإلسالم‪.‬‬

‫وكذلك فإ ّن أحكامه العمليّة سواء كانت ناظرة إىل الفرد نفسه أم إىل ارتباطه باهلل أو بالناس أو بالبيئة وحيث إهنا‬
‫كل هذه األحكام أيضاً وباعتبار‬
‫تعنّي وظائف األفراد وتكاليفهم وحقوقهم فإهّن ا ترتبط بالفقه اإلسالمي‪ ،‬إاّل أ ّن ّ‬
‫احلقيقي تندرج أيضاً ضمن نطاق األخالق اإلسالمية‪.‬‬‫ّ‬ ‫دورها يف هداية الفرد إىل السعادة وكماله‬

‫اإلسالمي يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببقية أجزاء دين اإلسالم (العقائد والفقه) وبالتايل‬
‫ّ‬ ‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫وهلذا السبب فإ ّن املذهب‬
‫فإنّه يعترب جزءاً من نظام واحد‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫‪ - 2‬معرفة اإلنسان يف اإلسالم‬

‫من أجل الفهم األفضل للمالك الّذي وضعه اإلسالم لتقييم األمور االختيارية عند اإلنسان ال ب ّد أ ْن نعرف رؤية هذا‬
‫الدين له‪ .‬وسوف نكتفي يف هذا املقام بذكر نكتتني حول معرفة اإلنسان يف اإلسالم‪.2‬‬

‫‪ .2 - 1‬حقيقة اإلنسان‬

‫يرى اإلسالم أ ّن حقيقة اإلنسان هي روحه واليت ال تفىن مبوته‪.‬‬

‫وقد بنّي القرآن الكرمي يف الكثري من آياته مراحل خلق اإلنسان وحقيقة املوت‪ ،‬وقد دلت هذه اآليات على وجود‬
‫بعد غري جسماين لإلنسان يشكل حقيقة وجوده‪ ..‬ومن مجلة هذه اآليات‪" :‬مُثَّ س َّواه ونَ َفخ فِ ِيه ِمن ُّر ِ‬
‫وح ِه"‪.3‬‬ ‫َ َُ َ‬ ‫ّ‬

‫ت الَّ ِذي ُو ِّك َل بِ ُك ْم مُثَّ إِىَل َربِّ ُك ْم تُ ْر َجعُو َن"‪.4‬‬


‫ك الْمو ِ‬
‫"قُ ْل َيَت َوفَّا ُكم َّملَ ُ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫"ولَ ْو َتَرى إِذ الظَّال ُمو َن يِف َغ َمَرات الْ َم ْوت َوالْ َمآلئ َكةُ بَاسطُواْ أَيْدي ِه ْم أ ْ‬
‫َخ ِر ُجواْ أَن ُف َس ُك ُم‪.5"..‬‬ ‫َ‬

‫وأشارت الروايات اإلسالمية أيضاً إىل حقيقة اإلنسان وبقائها بعد املوت‪ ،‬ومن مجلتها ما ورد عن النيب األعظم‬
‫صلى اهلل عليه وآله وسلم حيث يقول‪" :‬ما ُخلقتم للفناء بل ُخلقتم للبقاء وإمّن ا تُنقلونـ من دار إىل دار"‪.6‬‬

‫‪ .2 - 2‬تأثري األعمال يف الروح‬

‫يعترب اإلسالم أ ّن أعمال اإلنسان تؤثّر يف روحه‪ ،‬وأنّه مرهتن بأعماله االختيارية وأ ّن نتائج أعماله تعود إليه بشكل‬
‫كامل‪ ،‬ومثاالً على ذلك‪ ،‬الحظ هذ اآليات‪:7‬‬

‫حممدـ تقي مصباح‪ ،‬معارف قرآن‪،‬‬


‫‪ -2‬ملزيد من البحث واملطالعة التفصيلية حول رؤية اإلسالم يف جمال املعرفة اإلنسانية‪ ،‬راجع‪ّ :‬‬
‫خداشناسى‪ ،‬كيهان شناسى‪ ،‬انسان شناسى (معرفة اهلل‪ ،‬معرفة العامل‪ ،‬معرفة اإلنسان)‪ ،‬اجلزء الثالث‪ ,‬حممود رجيب‪ ،‬انسان شناسى‪.‬‬
‫‪ -3‬السجدة ‪ ,9 :32‬احلجر ‪.29 :15‬‬
‫‪ -4‬السجدة ‪.11 :32‬‬
‫‪ -5‬األنعام ‪.93 :6‬‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،58‬ص ‪.78‬‬
‫‪ّ -6‬‬
‫‪ -7‬كذلك راجع‪ :‬النساء ‪ ,123 :4‬املائدة ‪ ,105 :5‬األنعام ‪ 104 :6‬و‪ ,164‬التوبة ‪ ,95 :9‬يونس ‪ 52 :10‬و ‪ ,108‬اإلسراء‬
‫‪ 7 :17‬و‪ ,15‬احلج ‪ ,77 :22‬النحل ‪ 40 :27‬و‪ ,92‬فاطر ‪ ,18 :35‬الزمر ‪ ,7 :39‬اجلاثية ‪ ,15 :45‬املدثر ‪.38 :74‬‬

‫‪311‬‬
‫‪َ " -‬كاَّل بل را َن علَى ُقلُوهِبِم َّما َكانُوا يك ِ‬
‫ْسبُو َن"‪.8‬‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ‬

‫ني"‪.9‬‬ ‫‪ُ " -‬ك ُّل ام ِر ٍئ مِب ا َكس ِ‬


‫ب َره ٌ‬
‫ْ َ َ َ‬

‫َساء َف َعلَْي َها"‪.10‬‬ ‫‪" -‬من ع ِمل حِل ِ ِ ِ‬


‫صا ًا فَلَن ْفسه َو َم ْن أ َ‬
‫َْ َ َ َ‬

‫ف يَُرى مُثَّ جُيَْزاهُ اجْلََزاء اأْل َْوىَف َم ْن َع ِم َل‬ ‫‪" -‬أَاَّل تَ ِزر وا ِزرةٌ ِو ْزر أُخرى وأَن لَّيس لِإْلِ نس ِ‬
‫ان إِاَّل َما َس َعى َوأ َّ‬
‫َن َس ْعيَهُ َس ْو َ‬ ‫ُ َ َ َ َْ َ ْ َ َ‬
‫َساء َف َعلَْي َها"‪.11‬‬ ‫حِل ِ ِ ِ‬
‫صا ًا فَلَن ْفسه َو َم ْن أ َ‬
‫َ‬

‫‪" -‬فَ َمن َي ْع َم ْل ِم ْث َق َال َذ َّر ٍة َخْيًرا َيَرهُ َو َمن َي ْع َم ْل ِم ْث َق َال َذ َّر ٍة َشًّرا َيَرهُ"‪.12‬‬

‫‪ - 3‬القيمة الذاتية والنهائية‬

‫األصلي والقيمة الذاتية باالستفادة من العبارات "السعادة"‪" ، 13‬الفالح"‪، 14‬‬


‫ّ‬ ‫أشار القرآن الكرمي إىل املطلوب‬
‫و"الفوز"ـ‪ .15‬والفالح معناه الظفر والفوز والنجاح ولذا فإ ّن من يزيل املوانع املعرتضة لطريق سعادته والواصل إىل‬
‫يسمى الفاحل‪.‬‬
‫كماله احلقيقي ّ‬

‫ومن ٍ‬
‫طرف ما فقد عرّب القرآن الكرمي عن الّذين يز ّكون أنفسهم من الرذائل باملفلحني‪.16‬‬

‫ومن طرف آخر اعترب ال َفاَل ح غاية األعمال احلسنة لإلنسان "لَ َعلَّ ُك ْـم ُت ْفلِ ُحون"ـ‪.17‬‬

‫وأما الفوز فمعناه حتصيل املطلوب والوصول إليه‪ ،‬وكذلك فقد اعترب القرآن أ ّن غاية األعمال احلسنة هي السعادة‬
‫أي غاية أخرى لنفس هذه األمور‪.‬‬
‫والفالح والفوز ومل يذكر ّ‬
‫‪ -8‬املطففني ‪.14 :83‬‬
‫‪ -9‬الطور ‪.21 :52‬‬
‫‪ -10‬فصلت ‪.46 :41‬‬
‫‪ -11‬النجم ‪.41 - 38 :53‬‬
‫‪ -12‬الزلزلة ‪ 7 :99‬و‪.8‬‬
‫‪ -13‬هود ‪.108 - 105 :11‬‬
‫‪ -14‬آل عمران ‪ ,30 :3‬احلج ‪ ,77 :22‬املؤمنون ‪ ,1 :23‬اجلمعة ‪ ,10 :62‬األعلى ‪ ,14 :87‬الشمس ‪.9 :91‬‬
‫‪ -15‬النساء ‪ ,14 - 13 :4‬املائدة ‪ ,119 :5‬األنعام ‪ ,16 :6‬التوبة ‪ ,21 - 20 :9‬األحزاب ‪ ,71 :33‬الربوج ‪.11 :85‬‬
‫‪ -16‬األعلى ‪ ,14 :87‬الشمس ‪" ,9 :91‬قَ ْد أَْفلَ َح َمن َتَز َّكى"‪.‬‬
‫‪ -17‬آل عمران ‪ ,130 :3‬اجلمعة ‪.10 :62‬‬
‫‪ -18‬الزمر ‪ ,61 :39‬النبأ ‪.31 :78‬‬
‫‪ -19‬البقرة ‪.5 :2‬‬
‫‪ -20‬النساء ‪ ,77 :4‬هود ‪.49 :11‬‬

‫‪312‬‬
‫ويف القرآن اعتربت "التقوى" صفة عامة لكمال اإلنسان‪ ،‬وأ ّن املتقني هلم الفوز‪ ، 18‬الفالح‪ ، 19‬خري اآلخرة والعاقبة‬
‫احلسنة‪ ، 20‬اجلنة اخلالدة‪ ، 21‬وجوار اهلل تعاىل‪.22‬‬

‫"إِ َّن أَ ْكرم ُكم ِع َند ِ‬


‫اهلل أَْت َقا ُك ْم"‪ .23‬وعليه فإ ّن اإلنسان مبقدار ما يكون تقياً يكون قريباً من اهلل تعاىل‪ ،‬ولذا فإ ّن أولياء‬ ‫ََ ْ‬
‫اهلل يف سعيهم ألعلى درجات القرب منه والوصول إليه يعتربون ذلك أكرب مطلوب مل‪.‬‬

‫عرف القرآن الكرمي النيب األعظم حممداً صلى اهلل عليه وآله وسلم بأنه األسوة احلسنة‪ 24‬وأنه وصل إىل أعلى‬
‫وقد ّ‬
‫مقامات القرب من اهلل‪:‬‬

‫اب َق ْو َسنْي ِ أ َْو أ َْدىَن "‪.25‬‬


‫"مُثَّ َدنَا َفتَ َدىَّل فَ َكا َن قَ َ‬

‫ويقول اإلمام علي عليه السالم‪" :‬واجعلين من أحسن عبيدك نصيباً عندك‪ ،‬وأقرهبم منزلة منك‪ ،‬وأخصهم زلفةـ‬
‫لديك"‪.26‬‬

‫وكذلك فإ ّن اإلمام زين العابدين عليه السالم يف مناجاته مع اهلل يطلب منه أعلى درجات القرب والوصول إليه‪:‬‬

‫"إهلي فاسلك بنا ُسبُل الوصول إليك‪ ،‬وسرِّي نا يف أقرب الطرق للوفود عليك‪ ..‬فأنت ال غريك مرادي‪ ،‬ولك ال‬
‫لسواك سهري وسهادي‪ ،‬ولقاؤك ُقَّرةُ عيين‪ ،‬ووصلك ُمىن نفسي وإليك شوقي‪ ،‬ويف حمبتك وهلي‪ ،‬وإىل هواك‬
‫صبابيت‪ ،‬ورضاك بغييت‪ ،‬ورؤيتك حاجيت‪ ،‬وجوارك طلبيت‪ ،‬وقربك غاية سؤيل‪ ...‬يا نعيمي وجنيت ويا دنياي‬
‫وآخريت"‪.27‬‬

‫‪ -21‬القمر ‪ ,54 :54‬النبأ ‪.31 :78‬‬


‫‪ -22‬القمر ‪.55 :54‬‬
‫‪ -23‬احلجرات ‪.13 :49‬‬
‫‪ -24‬األحزاب ‪.21 :33‬‬
‫‪ -25‬النجم ‪ 8 :53‬و ‪.9‬‬
‫‪ -26‬إبراهيم العاملي‪ ،‬البلد األمني والدرع احلصني‪ ،‬ص ‪ .191‬مقتطف من دعاء كميلـ بن زياد‪.‬‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،91‬ص ‪ 147‬و‪ 148‬مقتطف من مناجاة املريدين‪.‬‬
‫‪ّ -27‬‬

‫‪313‬‬
‫ويقول سالم اهلل عليه‪:‬‬

‫"إهلي فاجعلين ممن اصطفيته لقربك‪ ..‬ومنحته بالنظر إىل وجهك‪ ،‬وحبوته برضاك وأعذته من هجرك وقالك وبوأته‬
‫مقعد الصدق يف جوارك‪ ..‬واجتبيته ملشاهدتك"‪.28‬‬

‫يربدها إاّل وصلك ولوعيت ال يُطفئها إاّل لقاؤك وشوقي إليك ال َيُبلُّهُ إاّل النظر إىل وجهك وقراري ال ّ‬
‫يقر‬ ‫"وغُلَّيت ال ّ‬
‫وغمي ال يزيله إاّل قربك"‪.29‬‬
‫دون دنوي منك‪ّ ...‬‬

‫"أسألك أ ّن حتقق ظين مبا أؤمله من جزيل إكرامك ومجيل إنعامك يف القرىب منك والزلفى لديك والتمتع بالنظر‬
‫إليك"‪.30‬‬

‫‪ .3 - 1‬لوازم القيمة النهائية‬

‫يعترب اإلسالم أ ّن اإلنسان حمتاج حقيقة إىل اهلل‪ ، 31‬إاّل أ ّن اإلنسان الكامل فقط هو الّذي يدرك حقيقة وجوده‪،‬‬
‫وبالتايل فإ ّن معرفة حقيقته من عالئم الوصول إىل أعلى درجات القيمة‪.‬‬

‫يقول اإلمام علي عليه السالم‪" :‬نال الفوز األكرب من ظفر مبعرفة الناس"‪ .32‬ومن طرف آخر فإ ّن املدرك حلقيقة‬
‫املستقل فقط وأنه ربه‬
‫ّ‬ ‫أي ارتباطه باهلل ‪ -‬دركاً حضورياً كامالً سيدرك أيضاً أ ّن وجود اهلل هو الوجود‬
‫وجوده ‪ّ -‬‬
‫وخالقه‪:‬‬

‫عن الرسول األعظم صلى اهلل عليه وآله وسلم أنّه قال‪:‬‬

‫"من عرف نفسه فقد عرف ربه"‪.33‬‬

‫ختتص باإلنسان الكامل فقط أل ّن اإلنسان‬


‫إ ّن املعرفة احلضورية باهلل هي نوع من الرؤية الباطنية هلل ومثل هذه املعرفة ّ‬
‫أي شيء توجهاً استقاللياً‬
‫إذا ما توجه إىل ّ‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،81‬ص ‪ ،148‬مقتطف من مناجاة احملبني‪.‬‬ ‫‪ّ -28‬‬
‫‪ -29‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪ ،150‬مقتطف من مناجاة املفتقرين‪.‬‬
‫‪ -30‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪ ،146‬مقتطف من مناجاة الراغبني‪.‬‬
‫‪ -31‬فاطر ‪",15 :35‬يا أَيُّها النَّاس أَنتُم الْ ُف َقراء إِىَل ِ‬
‫اهلل َواهللُ ُه َو الْغَيِن ُّ احْلَ ِم ُ‬
‫يد" (املرتجم)‪.‬ـ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫حممد التميمي اآلمدي‪ ،‬غرر احلكم ودرر الكلم‪ ،‬ص ‪ ،232‬احلديث ‪.4641‬‬ ‫‪ -32‬عبد الواحد بن ّ‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.32‬‬ ‫‪ّ -33‬‬

‫‪314‬‬
‫فلن يكون بإمكانه أ ّن يرى ما عداه‪ ،‬ومثاالً على ذلك عندما ندقّق النظر يف املرآة ‪ -‬واليت هي من األجسام الشفافة‬
‫جداً ‪ -‬وركزنا توجهنا إىل سطحها فلن يكون بإمكاننا أ ّن نرى ما وراءها‪.‬‬

‫الباطين عندما يدرك حقيقة أ ّن وجوده عني الربط والتعلّق‬


‫ّ‬ ‫إ ّن اإلنسان الكامل باملشاهدة احلضورية واإلدراك‬
‫يتوجه إىل اهلل‬
‫ألي موجود آخر بل إنّه فقط سوف ّ‬ ‫أي استقاللية ّ‬‫أي اهلل تعاىل فلن يرى ّ‬
‫املستقل فقط ّ‬
‫ّ‬ ‫باملوجود‬
‫كل شيء آية من‬ ‫كل احلجب املانعة له من مشاهدة اهلل وسريى أ ّن ّ‬
‫توجهاً استقاللياً وبالتايل سرتتفع من أمامه ّ‬
‫كل شيء‪.‬‬
‫آيات احلق وأن اهلل موجود يف ّ‬
‫ٍِ ِ‬
‫َّاضرةٌ إِىَل ر ِّبها نَ ِ‬
‫اظَرةٌ "‪.34‬‬ ‫َ َ‬ ‫" ُو ُجوهٌ َي ْو َمئذ ن َ‬

‫وعن اإلمام السجاد عليه السالم أنّه قال‪:‬‬

‫"وال حتجب مشتاقيك عن النظر إىل مجيل رؤيتك"‪.35‬‬

‫ويطلب اإلمام علي عليه السالم مثل هذا املقام أيضاً حيث يقول‪:‬‬

‫"إهلي هب يل كمال االنقطاع إليك‪ ،‬وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حىّت خترق أبصار القلوب ُح ُجب النور‬
‫بعز قدسك‪ ..‬وأحلقين بنور عزك األهبج فأكون لك عارفاً وعن‬ ‫فتصل إىل معدن العظمة‪ ،‬وتصري أرواحنا معلقةـ ّ‬
‫سواك منحرفاً"‪.36‬‬

‫وهو نفسه الواصل إىل هذا املقام العظيم يقول‪:‬‬

‫"ما كنت أعبد رباً مل أره"‪.37‬‬

‫وكذلك فإ ّن اإلمام احلسني عليه السالم سيد الشهداء يظهر مثل هذه املعرفة حيث يقول‪:‬‬

‫"ألغريك من الظهور ما ليس لك حىت يكون هو املظهر لك؟ مىت غبت حىت‬

‫‪ -34‬القيامة ‪ 22 :75‬و ‪.23‬‬


‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،81‬ص ‪ ،144‬مقتطف من مناجاة اخلائفني‪.‬‬
‫‪ّ -35‬‬
‫‪ -36‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪ ،99‬مقتطف من املناجاة الشعبانية‪.‬‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.98‬‬
‫‪ّ -37‬‬

‫‪315‬‬
‫حتتاج إىل دليل يدل عليك؟ ومىت بعدت حىت تكون اآلثار هي الّيت توصل إليك؟ عميت عني ال تراك عليها رقيباً‬
‫وخسرت صفقة عبد مل جتعل له من حبك نصيباً‪ ...‬ماذا وجد من فقدك وما الّذي فقد من وجدك؟‪ .‬وأنت الّذي‬
‫كل شيء"‪.38‬‬‫كل شيء فرأيتك ظاهراً يف ّ‬
‫إيل يف ّ‬
‫تعرفت ّ‬

‫ومن اللوازم األخرى للوصول إىل القيمة النهائية وأعلى درجات القرب احملبةُ والرضا بني اهلل واإلنسان‪ ،‬ويشري‬
‫القرآن الكرمي إىل هؤالء الواصلني إىل هذه املرتبة فيقول‪:‬‬

‫َش ُّد حبًّا ِ‬


‫هلل"‪.39‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َآمنُواْ أ َ ُ‬
‫"والذ َ‬ ‫َ‬

‫وأيضاً‪" :‬حُيِ ُّب ُه ْم َوحُيِ بُّونَهُ"‪.40‬‬

‫اضيَةً َّم ْر ِضيَّة"‪.41‬‬


‫كر ِ‬‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫وكذلك‪" :‬يَا أَيَُّت َها َّ‬
‫س الْ ُمطْ َمئنَّةُ ْارجعي إىَل َربِّ َ‬
‫الن ْف ُ‬

‫ويقول اإلمام احلسني عليه السالم يف هذا اجملال‪:‬‬

‫ووحدوك وأزلتـ األغيار عن قلوب أحبائك حىت مل‬


‫"أنت الّذي أشرقت األنوار يف قلوب أوليائك حىت عرفوك ّ‬
‫حيبوا سواك ومل يلجأوا إىل غريك"‪.42‬‬

‫"وقرت بالنظر إىل حمبوهبم أعينهم‪ ..‬وما أطيب طعم حبك وما أعذب‬
‫وعن اإلمام السجاد عليه السالم أنّه قال‪ّ :‬‬
‫شرب قربك فأعذنا من طردك وإبعادك"‪.43‬‬

‫‪ .3 - 2‬تأمني مالكات القائلني باألنانية‬

‫‪ .3 - 2 - 1‬اللذة‬

‫اإلسالمي‪ ،‬فإ ّن العظماء الواصلني إىل مقام‬


‫ّ‬ ‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫رغم أ ّن القرب من اهلل هو مالك القيمة األخالقيّة يف املذهب‬
‫القرب والسعادة احلقيقيّة يتمتعون بلذائذ أكرب أيضاً‪.‬‬

‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،95‬ص ‪ ،227 - 226‬مقتطف من دعاء عرفة‪.‬‬ ‫‪ّ -38‬‬
‫‪ -39‬البقرة ‪.165 :2‬‬
‫‪ -40‬املائدة ‪.54 :5‬‬
‫‪ -41‬الفجر ‪ 27 :89‬و ‪.28‬‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬نفس املصدر‪.‬‬‫‪ّ -42‬‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،91‬ص ‪ ،151‬مقتطف من مناجاة العارفني‪.‬‬
‫‪ّ -43‬‬

‫‪316‬‬
‫وقد أشارت وبينت اآليات القرآنية أنواعاً كثرية من اللذائذ والنعم عند أهل اجلنة وأكدت على أهنا أفضل وأدوم‬
‫أي نصب وال تعب وال أمل أيضاً‪ ،‬يقول القرآن الكرمي‪:‬‬
‫من اللذائذ والنعم الدنيويّة وأن ليس فيها ّ‬

‫الد ْنيَا َواآْل ِخَرةُ َخْيٌر َوأ َْب َقى"‪.44‬‬


‫"بَ ْل ُت ْؤثُِرو َن احْلَيَا َة ُّ‬

‫س َوَتلَ ُّذ اأْل َْعنُيُ َوأَنتُ ْم فِ َيها َخالِ ُدو َن"ـ‪.45‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫"وف َيها َما تَ ْشتَهيه اأْل َن ُف ُ‬
‫َ‬

‫َحلَّنَا َد َار الْ ُم َق َام ِة ِمن‬ ‫ويقول بلسان أهل اجلنة‪" :‬وقَالُوا احْل م ُد لِ ِله الَّ ِذي أَ ْذهب عنَّا احْل ز َن إِ َّن ربَّنا لَغ ُفور ش ُك ِ‬
‫ور الَّذي أ َ‬
‫ََ َ ٌ َ ٌ‬ ‫َ َ َ ََ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫وب" ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَ ْ ِ ِ‬
‫ب َواَل مَيَ ُّسنَا ف َيها لُغُ ٌ‬ ‫صٌ‬‫ضله اَل مَيَ ُّسنَا ف َيها نَ َ‬
‫‪46‬‬

‫وعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم أنّه قال‪" :‬فيعطيهم اهلل ما ال عني رأت وال أذن مسعت ومل خيطر على‬
‫قلب بشر"‪.47‬‬

‫وحتماً فإ ّن الواصلني إىل أعلى درجات الكمال ومضافاً إىل متتعهم باللذائذ املادية يف اآلخرة فإهّن م أيضاً يتمتعون‬
‫ضوا ٌن ِّمن ِ‬
‫اهلل أَ ْكَب ُر"‪.48‬‬ ‫باللذائذ املعنويّة فيها واليت هي أفضل وأرقى من اللذائذ املادية‪ ،‬يقول اهلل تعاىل ِ‬
‫"ور ْ َ َ‬ ‫َ‬

‫ونقرأ يف حديث املعراج كالم اهلل لرسول صلى اهلل عليه وآله وسلم‪:‬‬

‫كل يوم سبعني مرة وأكلمهم‪ ...‬وإذا تلذذ أهل اجلنة‬


‫"‪ ...‬يا أمحد إ ّن يف اجلنة قصراً‪ ...‬فيها اخلواص أنظر إليهم ّ‬
‫بالطعام والشراب تلذذوا بكالمي وذكري وحديثي"‪.49‬‬

‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫كل راحة بغري أنسك ومن ّ‬
‫كل لذة بغري ذ ْكرك‪ ،‬ومن ّ‬
‫ويقول اإلمام السجاد عليه السالم‪" :‬وأستغفرك من ّ‬
‫سرو ٍر بغري قربك"‪.50‬‬

‫‪ -44‬األعلى ‪ 16 :87‬و‪.17‬‬
‫‪ -45‬الزخرف ‪.71 :43‬‬
‫‪ -46‬فاطر ‪ 34 :35‬و ‪.35‬‬
‫حممدـ تقي النوري‪ ،‬مستدرك الوسائل ومستنبط املسائل ج‪ ،6‬ص ‪.63‬‬
‫‪ -47‬حسني بن ّ‬
‫‪ -48‬التوبة ‪.72 :9‬‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،74‬ص ‪.23‬‬
‫‪ّ -49‬‬
‫‪ -50‬نفس املصدر‪ ،‬ج‪ ،91‬ص ‪ ،151‬مقتطف من مناجاة الذاكرين‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫‪ .3 - 2 - 2‬القدرةـ‬

‫سيحصل أكرب قوة وقدرة جتيز له‬


‫ّ‬ ‫بناءً على بعض الروايات‪ ،‬فإ ّن اإلنسان بطيّه ملسري القرب الّذي عيّنه اهلل له فإنّه‬
‫القدسي على لسان اهلل حيث‬
‫ّ‬ ‫تصرف اهلل فيه‪ .‬ومن مجلة هذه الروايات ما ورد يف احلديث‬ ‫التصرف يف الوجود نظري ّ‬‫ّ‬
‫يقول‪:‬‬

‫حي ال أموت أطعين فيما أمرتك‬


‫غين ال أفتقر أطعين فيما أمرتك أجعلك غنياً ال تفتقر‪ ،‬يا ابن آدم أنا ّ‬
‫"يا ابن آدم أنا ُّ‬
‫أجعلك حياً ال متوت‪ ،‬يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون أطعين فيما أمرتك أجعلك تقول للشيءـ كن فيكون"‬
‫‪.51‬‬

‫‪ .3 - 2 - 3‬سكون اخلاطر‬

‫إ ّن السائرين يف طريق القرب إىل اهلل هلم قلوب مطمئنة‪:‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫يقول القرآن الكرمي‪" :‬أَالَ بذ ْك ِر اهلل تَطْ َمئ ُّن الْ ُقلُ ُ‬
‫وب"‪.52‬‬

‫ف َعلَْي ِه ْم َوالَ ُه ْم‬ ‫وحزن وغم "أَال إِ َّن أَولِياء ِ‬


‫اهلل الَ َخ ْو ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫وباكتساهبم للتأييد اإلهلي ال يناهلم أي ٍ‬
‫خوف ووحشة‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫حَيَْزنُو َن"‪.53‬‬

‫ويف النهاية فإ ّن هذه النفوس املطمئنة هي تلك النفوس الواصلة إىل مقام رضاها عن اهلل ورضى اهلل عنها والفائزة‬
‫بالسعادة األبدية‪:‬‬

‫اضيَةً َّم ْر ِضيَّة فَ ْاد ُخلِي يِف ِعبَ ِادي َو ْاد ُخلِي َجنَّيِت "‪.54‬‬
‫كر ِ‬‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫س الْ ُمطْ َمئنَّةُ ْارجعي إىَل َربِّ َ‬ ‫"يَا أَيَُّت َها َّ‬
‫الن ْف ُ‬

‫‪ .3 - 2 - 4‬الدنيا‬

‫إ ّن اإلنسان باختياره ميكنه أ ّن خيتار يف هذه الدنيا ّإما سعادته األبدية أو الشقاوة األبدية‪.‬‬
‫واآلخرة بالنسبة لإلنسان هي ذلك املكان الّذي سيجد فيه نتيجة أعماله‪ .‬ولذا فإ ّن الدنيا وسيلة من وسائل حتصيل‬
‫اآلخرة‪.‬‬

‫‪-51‬نفس املصدر‪ ،‬ج‪ ،90‬ص ‪.376‬‬


‫‪ -52‬الرعد ‪.28 :13‬‬
‫‪ -53‬يونس ‪.62 :10‬‬
‫‪ -54‬الفجر ‪.30 - 27 :89‬‬

‫‪318‬‬
‫يقول اإلمام الصادق عليه السالم‪" :‬نَِعم العون الدنيا على اآلخرة"‪.55‬‬

‫حب الدنيا‬
‫وبناءً على الرؤية الكونية لإلسالم فإنّه يعترب الدنيا مرحلة قصرية جداً يف حياة اإلنسان وبالتايل فإ ّن ّ‬
‫احلقيقي‬
‫ّ‬ ‫والركون إليها والتعلّق هبا وبعبارة أخرى فإ ّن جعلها يف ح ّد ذاهتا هدفاً غائياً يوجب الغفلةـ عن الكمال‬
‫كل األعمال‬
‫لإلنسان وعن احلياة األخروية األبدية‪ ،‬وهلذا فقد كانت مورداً للمذمة يف اإلسالم واعتُرب أهنا منبع ّ‬
‫حب الدنيا"‪.56‬‬
‫كل خطيئة ّ‬ ‫الرذيلة‪ ،‬فعن اإلمام الصادق عليه السالم أنّه قال‪" :‬رأس ّ‬

‫علي عليه السالم أنّه قال‪:‬‬


‫وعن اإلمام ّ‬

‫بصرته ومن أبصر إليها أعمته"‪.57‬‬


‫"من أبصر هبا ّ‬
‫َ‬

‫‪ .3 - 2 - 5‬االنسجام العقالينّ ورعاية احل ّد الوسط‬

‫إ ّن لإلنسان رغبات وميوالً خمتلفة ومتزامحة فيما بينها وبالتايل فإنّه باختياره منها ميكنه حتصيل الكماالت األخالقيّة‬
‫مهم يف‬
‫والوصول إىل مراتب من كمال الوجود الّيت ال ميكن لغريه من املوجودات الوصول إليها‪ .‬وللعقلـ دور ّ‬
‫احلقيقي‪ ،‬ولذا فإ ّن إطاعته وتبعيته يف ذلك‬
‫ّ‬ ‫احلكم بني هذه امليول املتزامحة مبا يوجب تأمني خري اإلنسان وكماله‬
‫توجبان حتصيل هذا الكمال‪.‬‬

‫يقول اإلمام علي عليه السالم‪" :‬إ ّن اهلل َّ‬


‫ركب يف املالئكة عقالً بال شهوة ور ّكب يف البهائم شهوة بال عقل وركب‬
‫شر من البهائم"‪.58‬‬
‫يف بين آدم كلتيهما‪ ،‬فمن غلب عقلُه شهوتَه فهو خري من املالئكة ومن غلب شهوتُه عقلَه فهو ّ‬

‫ويقول أيضاً‪" :‬إ ّن أفضل الناس عند اهلل من أحيا عقله وأمات شهوته"‪.59‬‬

‫ومع االلتفات إىل تزاحم األمور االختيارية فإ ّن اإلفراط أو التقصري يف تأمني احلاجات املختلفة عند اإلنسان رمبا‬
‫األصلي له‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يؤدي إىل الضرر يف تأمني املطلب‬

‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ .5‬ص ‪.72‬‬


‫‪ّ -55‬‬
‫‪ -56‬نفس املصدر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.315‬‬
‫‪ -57‬هنج البالغة‪ ،‬اخلطبة ‪.82‬‬
‫حممد بن احلسن احلر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،15‬ص ‪.210 - 209‬‬ ‫‪ّ -58‬‬
‫حممدـ تقي النوري‪ ،‬مستدرك الوسائل ومستنبط املسائل‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -59‬حسني بن ّ‬

‫‪319‬‬
‫علي عليه السالم‪" :‬خري األمور‬
‫األخالقي يف اإلسالم يوصي برعاية احل ّد الوسط‪ ،‬يقول اإلمام ّ‬
‫ّ‬ ‫وهلذا فإ ّن املذهب‬
‫النمط األوسط إليه يرجع الغايل وبه يلحق التايل"‪.60‬‬

‫األخالقي يف اإلسالم يرى ضرورة االلتفات إىل نكتتني‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ولكن بالنسبة هلذه القاعدة فإ ّن املذهب‬

‫األوىل‪ :‬أ ّن هذه القاعدة هي قاعدة عملية صرف لتحصيل الكماالت احلقيقيّة والفضائل األخالقيّة‪ ،‬إاّل أ ّن الفضائل‬
‫اإلسالمي يعترب‬
‫ّ‬ ‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫كلما كانت أكثر كلما كانت مطلوبة بشكل أكرب أيضاً وهلذا السبب فإ ّن املذهب‬
‫حد ممكن من هذه األمور والذي هو أعلى مراتب‬ ‫السعادة والفوزـ والفالح والتقوى قيمة مطلقاً وبالتايل فإ ّن أعلى ٍ‬
‫ّ‬
‫القرب من اهلل هو املطلوب منها‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬إ ّن احل ّد الوسط املطلوب ‪ -‬وأي أفضل الطرق تأثرياً يف حتصيل اهلدف األصلي ‪ -‬يتفاوت يف األمور املختلفة‬
‫ولذا فإ ّن الدين اإلسالمي مل ِ‬
‫يكتف هبذه القاعدة فقط يف حتصيل الوظائف األخالقيّة‪ .‬ومضافاً إىل ذلك فإ ّن األوامر‬ ‫ّ‬
‫األخالقيّة املختلفة واملبينة يف النصوص الدينيّة قد عيّنت احل ّد الوسط املطلوب يف خمتلف األمور‪.61‬‬

‫‪ - 4‬القيمة الغريية‬

‫‪ .4 - 1‬النية والعمل الصاحل‬

‫كما تقدم معنا يف الفرع الثاين من هذا الفصل (معرفة اإلنسان يف اإلسالم) حيث قلنا إ ّن اإلنسان مرهتن بأفعاله‬
‫االختيارية وإن أعماله تؤثّر يف روحه كذلك فإ ّن نتائجها تعود إليه يف هناية األمر‪ ،‬وهلذا السبب فإ ّن قيمة األفعال‬
‫غري متساوية بل إهنا تتفاوت عند الفاعل تبعاً لنتائج نفس األفعال احلسنة والقبيحة‪.‬‬

‫حممد التميمي اآلمدي‪ ،‬غرر احلكم ودرر الكلم‪ ،‬ص ‪.104‬‬ ‫‪ -60‬عبد الواحد بن ّ‬
‫ين إِ َذا أَن َف ُقوا‬ ‫ِ‬ ‫‪ -61‬من مجلة مصاديق هذا الكالم ما ورد حول اإلسراف والتقتري حيث يقول تعاىل مبيناً احلد الوسط يف اإلنفاق‪َّ :‬‬
‫"والذ َ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫ك َق َو ًاما‪"...‬ـ ومضافاً إىل ما تقدم فإ ّن بعض األمور ال حتتمل وجود احلد الوسط فيها كما هو احلال‬ ‫مَلْ يُ ْس ِرفُوا َومَلْ َي ْقُت ُروا َو َكا َن َبنْي َ َذل َ‬
‫يف مورد صلة الرحم وقطيعته‪ ،‬وعقوق الوالدين والرب هبما واإلميان والكفر‪ ...‬اخل (املرتجم)‪.‬ـ‬

‫‪320‬‬
‫وعليه فإ ّن بعض األعمال تكون صاحلة وحسنة وبعضها األخرى سيئة وقبيحة‪ ،‬وكذلك فإ ّن الطريق املوصل إىل‬
‫يسمى الطريق املستقيم وطريق احلق واهلداية ويف مقابل ذلك طرق الباطل والضاللة‪.‬‬
‫احلقيقي ّ‬
‫ّ‬ ‫السعادة والكمال‬

‫كذلك فإ ّن طريق احلق ال يعنَّي برأي الفرد أو أكثر األفراد‪ ،‬بل إ ّن جمموع األحكام العمليّة الدينيّة هي الّيت تعرفنا إىل‬
‫كل زمان إلرشاد اإلنسان إىل هذا الطريق وإلعانته على تزكية‬ ‫الصراط املستقيم‪ .‬وهلذا فإ ّن اهلل أرسل األنبياء يف ّ‬
‫نفسه من الرذائل‪.‬‬

‫األقل عشر مرات يف اليوم أ ْن يهديه إىل الصراط املستقيم وأ ْن‬


‫واإلنسان املسلم يطلب من اهلل يومياً يف صالته وعلى ّ‬
‫يعينه يف الوصول إىل اهلدف‪.‬‬

‫يقول اهلل يف كتابه الكرمي‪:‬‬

‫"واَل تَ ْستَ ِوي احْلَ َسنَةُ َواَل َّ‬


‫السيِّئَة"‪.62‬‬ ‫َ‬

‫اط ِ‬ ‫اط ُّمستَ ِقي ٍم ِصر ِ‬


‫َّك لََته ِدي إِىَل ِصر ٍ‬
‫اهلل‪.63"..‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫"وإِن َ ْ‬ ‫َ‬

‫ين َآمنُوا اتََّبعُوا احْلَ َّق ِمن َّرهِّبِ ْم"‪.64‬‬ ‫اطل وأ َّ َّ ِ‬


‫ِ‬ ‫"ذَلِك بِأ َّ َّ ِ‬
‫َن الذ َ‬ ‫ين َك َف ُروا اتََّبعُوا الْبَ َ َ‬
‫َن الذ َ‬ ‫َ‬

‫ضالَالً بَعِ ًيدا"‪.65‬‬ ‫ِ‬


‫"و َمن يُ ْش ِر ْك بِاهلل َف َق ْد َ‬
‫ض َّل َ‬ ‫َ‬

‫ض َّل فَِإمَّنَا ي ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬


‫ض ُّل َعلَْي َها"‪.66‬‬ ‫َ‬ ‫َّاس قَ ْد َجاء ُك ُم احْلَ ُّق من َّربِّ ُك ْم فَ َم ِن ْاهتَ َدى فَِإمَّنَا َي ْهتَدي لَن ْفسه َو َمن َ‬
‫"قُ ْل يَا أَيُّ َها الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ضيِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وك َعن َسبِ ِيل اهلل إِن َيتَّبِعُو َن إِالَّ الظَّ َّن َوإِ ْن ُه ْم إِالَّ خَي ُْر ُ‬
‫صو َن"‪.67‬‬ ‫ضلُّ َ‬‫"وإن تُط ْع أَ ْكَثَر َمن يِف األ َْر ِ ُ‬
‫َ‬

‫ث فِي ِه ْم َر ُسوالً ِّم ْن أَن ُف ِس ِه ْم َيْتلُو َعلَْي ِه ْم آيَاتِِه َويَُز ِّكي ِه ْم‬
‫ني إِ ْذ َب َع َ‬‫ِِ‬
‫"لََق ْد َم َّن اهللُ َعلَى الْ ُمؤمن َ‬

‫‪ -62‬فصلت ‪.34 :41‬‬


‫‪ -63‬الشورى ‪ 52 :42‬و ‪.53‬‬
‫حممد ‪.3 :47‬‬
‫‪ّ -64‬‬
‫‪ -65‬النساء ‪.116 :4‬‬
‫‪ -66‬يونس ‪.108 :10‬‬
‫‪ -67‬األنعام ‪.116 :6‬‬

‫‪321‬‬
‫ض ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الل ُّمبِ ٍ‬
‫ني "‪.68‬‬ ‫ْمةَ َوإِن َكانُواْ من َقْب ُل لَفي َ‬ ‫َويُ َعلِّ ُم ُه ُـم الْكتَ َ‬
‫اب َواحْل ك َ‬

‫وعن النيب األكرم صلى اهلل عليه وآله وسلم أنّه قال‪" :‬إمّن ا بُعثت ألمتم مكارم األخالق"‪.69‬‬

‫ويقول القرآن الكرمي أيضاً‪:‬‬

‫"ومن يبتَ ِغ َغير ا ِإلسالَِم ِدينًا َفلَن ي ْقبل ِمْنه وهو يِف ِ‬
‫اآلخر ِة ِمن اخْل ِ‬
‫اس ِرين"‪.70‬‬‫َ َ َ‬ ‫ُ َ َ ُ َ َُ‬ ‫َ َ َْ ْ َ ْ‬

‫يم"‪.71‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الصَرا َط املُستَق َ‬
‫"اهدنَـا ِّ‬

‫اخلاصة املقبولة يف نظر الدين هي املناسبة فقط لسعادة اإلنسان احلقيقيّة‪.‬‬ ‫وبناءً على ذلك فإ ّن األساليب واألعمال ّ‬
‫األصلي‬
‫ّ‬ ‫وهلذا السبب فإ ّن نوع العمل مؤثر يف قيمة األفعال االختيارية‪ .‬إاّل أ ّن املبدأ لألفعال االختيارية والعامل‬
‫بأي عمل ليس له من عمله إاّل ما نواه‪.‬‬ ‫كل من يقوم ّ‬ ‫لتعيني قيمتها هو نية الفاعل هلا ولذا فإ ّن ّ‬

‫ويف هذا اجملال ورد عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم أنّه قال‪" :‬كل ٍ‬
‫عامل يعمل على نيته"‪.72‬‬

‫وعنه أيضاً‪" :‬إمنا األعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إىل اهلل ورسولهـ فهجرته إىل اهلل ورسوله‬
‫ومن كانت هجرته إىل دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إىل ما هاجر إليه"‪.73‬‬

‫سجني إنّه‬
‫وجل اجعلوها يف ّ‬
‫عز َّ‬
‫وقال أيضاً‪" :‬إ ّن امللك ليصعدـ بعمل العبد مبتهجاً به فإذا صعد حبسناته يقول اهلل َّ‬
‫ليس إياي أراد هبا"‪.74‬‬

‫الفاعلي ومثل هذا العمل‬


‫ّ‬ ‫الفعلي على احلسن‬
‫ّ‬ ‫وبناءً عليه فإ ّن اإلسالم يعترب العمل قيّماً إذا اشتمل مضافاً إىل احلسن‬
‫يسمى عبادة واليت هي الوظيفة الكلية لإلنسان‪:‬‬‫املشتمل على احلسنني ّ‬
‫‪ -68‬آل عمران ‪.164 :3‬‬
‫حممدـ تقي النوري‪ ،‬مستدرك الوسائل ومستنبط املسائل‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪.187‬‬
‫‪ -69‬حسني بن ّ‬
‫‪ -70‬آل عمران ‪.85 :3‬‬
‫‪ -71‬الفاحتة ‪.6 :1‬‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.84‬‬‫‪ّ -72‬‬
‫حممدـ تقي النوري‪ ،‬مستدرك الوسائل ومستنبط املسائل ج‪ ،1‬ص ‪.90‬‬
‫‪ -73‬حسني بن ّ‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.294 - 295‬‬ ‫‪ّ -74‬‬

‫‪322‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫"وأَن ْاعبُ ُدويِن َه َذا صَرا ٌط ُّم ْستَق ٌ‬
‫يم"‪.75‬‬ ‫َ‬

‫"وما خلَ ْقت اجْلِ َّن واإْلِ نس إِاَّل لِيعب ُد ِ‬


‫ون"‪.76‬‬ ‫َ َ َ ُْ‬ ‫ََ َ ُ‬

‫وعن اإلمام الصادق عليه السالم يف تفسري العبادة قال‪" :‬حسن النية بالطاعة من الوجوه الّيت يُطاع اهلل منها"‪.77‬‬

‫‪ .4- 2‬أكثر األعمال قيمة‬

‫أي اإلتيان بالعملـ فقط من أجل‬ ‫يوجد عامالن مؤثران يف تعيني أفضل األعمال وأكثرها قيمة أحدها خلوص النية ّ‬
‫التقرب إىل اهلل وكسب رضاه‪ ،‬وثانيهما كون اإلتيان بالفعل موجباً لدرك االحتياج الكامل إىل اهلل وموجباً لتأمني‬
‫ّ‬
‫أعلى درجات الرضا من قبل اهلل‪.‬‬

‫وبااللتفات إىل درجات النية فقد اعترب اإلسالم أ ّن العمل الناشىء عن النية اخلالصة القربية هو أفضل األعمال‬
‫وأكثرها قيمة‪.‬‬

‫عن اإلمام علي عليه السالم أنّه قال‪" :‬خري العمل ما صحبه اإلخالص"‪.78‬‬

‫كذلك فإ ّن عبادات الناس هلا درجات خمتلفة من حيث النية فتارة تكون جملرد التقرب إىل اهلل وتارة أخرى من أجل‬
‫الوصول إىل النعم األخروية أو النجاة من النار والعذاب‪.‬‬

‫وقوم‬
‫وجل خوفاً فتلك عبادة العبيد‪ٌ ،‬‬ ‫عز َّ‬‫قوم عبدوا اهلل َّ‬
‫وعن اإلمام الصادق عليه السالم أنّه قال‪" :‬إ ّن العباد ثالثة‪ٌ :‬‬
‫وجل حبّاً له فتلك عبادة األحرار‬
‫عز َّ‬‫وقوم عبدوا اهلل َّ‬
‫عبدوا اهلل تبارك وتعاىل طلب الثواب فتلك عبادة األجراء‪ٌ ،‬‬
‫وهي أفضل العبادة"‪.79‬‬

‫علي عليه السالم‪" :‬إهلي ما عبدتك خوفاً من عقابك وال طمعاً يف ثوابك ولكن‬
‫ويف هذا اجملال أيضاً يقول اإلمام ّ‬
‫وجدتك أهالً للعبادة فعبدتك"‪.80‬‬

‫‪ -75‬يس ‪.61 :36‬‬


‫‪ -76‬الذاريات ‪.56 :51‬‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.83‬‬‫‪ّ -77‬‬
‫حممد التميمي اآلمدي‪ ،‬غرر احلكم ودرر الكلم‪ ،‬ص ‪.155‬‬
‫‪ -78‬عبد الواحد بن ّ‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.84‬‬
‫‪ّ -79‬‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،41‬ص ‪.14‬‬
‫‪ّ -80‬‬

‫‪323‬‬
‫وكذلك فقد ورد التعبري يف النصوص الدينيّة عن العديد من األعمال من حيث شكل العمل بأهّن ا من أفضل‬
‫األعمال‪ ،‬ومن مجلتها ميكن اإلشارة إىل أ ّن أفضل أشكال إظهار العبودية هو هداية الناس إىل الصراط املستقيم‬
‫واإلحسان إىل عباد اهلل وخدمتهم‪ ،‬عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم قال‪" :‬أحب األعمال إىل اهلل سرور‬
‫تدخله على مؤم ٍن تطرد عنه جوعته وتكشف عنه كربته"‪.81‬‬

‫وعن اإلمام علي عليه السالم قال‪" :‬اهلل اهلل يف الصالة فإهّن ا خري العمل"‪.82‬‬

‫ونقل عنه أيضاً أ ّن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم قال له يوم خيرب‪" :‬ألن يهدي اهلل بك رجالً واحداً خري لك مما‬
‫طلعت عليه الشمس"‪.83‬‬

‫جل جالله أنفعهم لعباده وأقومهمـ حبقه"‬


‫"أحب عباد اهلل إىل اهلل ّ‬
‫ّ‬ ‫وعن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم أيضاً أنّه قال‪:‬‬
‫‪.84‬‬

‫‪ .4 - 3‬أسوأ األعمال قيمة‬

‫إ ّن األعمال املوجبة إلعراض اإلنسان وإدباره عن اهلل واملبارزة معه نظري الشرك والنفاق والتكرّب على اهلل‪ ،‬وكذلك‬
‫الزهد مبن هو حمتاج إىل حمبتنا وعطفنا‪ ،‬وإضالل الناس‪ ،‬تعترب من أسوأ األعمال‪ ،‬واعتُرب املرتكب هلا بأنّه من أظلم‬
‫الناس وأبغض العباد إىل اهلل‪.‬‬

‫ِ ِ‬ ‫مِم‬
‫"و َم ْن أَظْلَ ُم َّن ذُ ِّكَر بِآيَات َربِّه مُثَّ أ َْعَر َ‬
‫ض َعْن َها"‪.85‬‬ ‫يقول اهلل يف قرآنه الكرمي‪َ :‬‬

‫ضالَالً بَعِ ًيدا"‪.86‬‬ ‫ِ‬ ‫"إِ َّن اهلل الَ ي ْغ ِفر أَن ي ْشر َك بِِه وي ْغ ِفر ما دو َن َذلِ ِ‬
‫ك ل َمن يَ َشاء َو َمن يُ ْش ِر ْك بِاهلل َف َق ْد َ‬
‫ض َّل َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ َ ُ‬ ‫َ َ ُ ُ َ‬

‫َس َف ِل ِم َن النَّا ِر"‪.87‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬


‫"إِ َّن الْ ُمنَافق َ‬
‫ني يِف الد َّْرك األ ْ‬

‫حممد بن احلسن احلر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،16‬ص ‪.353‬‬


‫‪ّ -81‬‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.52‬‬ ‫‪ّ -82‬‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،32‬ص ‪.448‬‬
‫‪ّ -83‬‬
‫‪ -84‬نفس املصدر‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.154‬‬
‫‪ -85‬السجدة ‪.22 :32‬‬
‫‪ -86‬النساء ‪.116 :4‬‬
‫‪ -87‬النساء ‪.145 :4‬‬

‫‪324‬‬
‫وجل ممن يستكرب عن عبادته وال يسأل ما عنده"‬
‫عز َّ‬
‫وعن اإلمام الباقر عليه السالم ‪ ،‬قال‪" :‬وما أح ٌد أبغض إىل اهلل َّ‬
‫‪.88‬‬

‫وجل أيضاً يف قرآنه الكرمي‪:‬‬


‫عز َّ‬
‫ويقول اهلل َّ‬

‫َّاس بِغَرْيِ ِعْل ٍم "‪.89‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫مِم‬


‫"فَ َم ْن أَظْلَ ُم َّ ِن ا ْفَتَرى َعلَى اهلل َكذبًا ليُض َّل الن َ‬
‫أي األعمال‬
‫وعن اإلمام الصادق عليه السالم أ ّن رجالً من خثعم جاء إىل النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم فقال‪ّ :‬‬
‫وجل؟‬
‫عز َّ‬ ‫أبغض إىل اهلل َّ‬

‫فقال‪ :‬الشرك باهلل‪ ،‬قال‪ :‬مثّ ماذا؟ قال‪ :‬قطيعة الرحم‪ ،‬قال‪ :‬مثّ ماذا؟ قال‪ :‬األمر باملنكر والنهي عن املعروف‪.90‬‬

‫وبناءً على ذلك فإ ّن أعمال اإلنسان من جهة النية ونوع العمل ذات مراتب خمتلفة من القيمة‪ ،‬وكذلك فإ ّن لألفراد‬
‫درجات خمتلفة من ناحية القيمة األخالقيّة‪:‬‬

‫ات مِّمَّا َع ِملُوا َولُِي َو ِّفَي ُه ْم أ َْع َماهَلُ ْم َو ُه ْم اَل يُظْلَ ُمو َن"‪.91‬‬ ‫ِ‬
‫"ول ُك ٍّل َد َر َج ٌ‬
‫َ‬

‫‪ - 5‬القيمة البديلة‬

‫يعترب اإلسالم أ ّن اإلنسان املتقدم يف عمله والساعي حنو أفضلها مغبوط من قبل اآلخرين‪ ،‬وأ ّن اإلنسان الّذي ال‬
‫يتق ّدم يف أعماله وال يقوم بتطويرها فهو مغبونـ وخاسر‪ ،‬وأ ّن املختار لألفعال السيئة بعيد من رمحة اهلل تعاىل‪.‬‬

‫يقول اإلمام الصادق عليه السالم‪" :‬من استوى يوماه فهو مغبونـ ومن كان آخر يوميه خريمها فهو مغبوط ومن كان‬
‫شرمها فهو ملعون"‪.92‬‬
‫آخر يوميه ّ‬

‫ومن املمكن أيضاً أ ْن يكون نوع العمل والذي هو من ناحية القيمة الغريية ليس ضد القيمة بل قد تكون له قيمة‬
‫مثبتة أيضاً فمن املمكن أ ّن يكون بالنسبة لبعض األفراد‬

‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.290‬‬ ‫‪ّ -88‬‬


‫‪ -89‬األنعام ‪.144 :6‬‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.290‬‬ ‫‪ّ -90‬‬
‫‪ -91‬األحقاف ‪.19 :46‬‬
‫حممد بن احلسن احلر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،16‬ص ‪.49‬‬
‫‪ّ -92‬‬

‫‪325‬‬
‫وباملقايسة بدرجة كماهلم ذا قيمة بديلة‪ ،‬ومن املمكن أ ّن يكون نفس هذا العمل أيضاً وبالنسبة إىل أفراد آخرين‬
‫وباملقايسة بدرجة كماهلم ليس ذا قيمة بديلة‪ ،‬وبنحو يوجب هذا العمل سقوط أصحاب الدرجات العليا عن‬
‫درجتهم حنو األسفل أو صعود أصحاب الدرجات الدنيا إىل أعلى الدرجات وهلذا السبب قيل (نقل أيضاً عن النيب‬
‫األكرم صلى اهلل عليه وآله وسلم)‪" :‬حسنات األبرار سيئات املقربني"‪.93‬‬

‫‪ -6‬الغريية واألنانية (النفسية)‬

‫يعترب اإلسالم أ ّن خري اآلخرين يوازي من حيث اإلمهية ‪ -‬على األقل ‪ -‬اخلري العائد إىل أنفسنا‪.‬‬

‫عن اإلمام علي عليه السالم‪" :‬ارض للناس ما ترضى لنفسك ِ‬


‫وآت إىل الناس ما حتب أ ّن يؤتى إليك"‪.94‬‬ ‫َ‬

‫ومضافاً إىل ذلك فإ ّن ترجيح خري اآلخرين على خرينا ومصلحتنا ذو قيمة كربى‪.‬‬

‫ولذا فقد اعتُرب اإليثار ومصاديقه املختلفة كاإلنفاق مثالً من مجلة الفضائل األخالقيّة‪.‬‬

‫هِبِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اصةٌ"‪.95‬‬
‫ص َ‬‫"ويُ ْؤث ُرو َن َعلَى أَن ُفس ِه ْم َولَ ْو َكا َن ْم َخ َ‬
‫ويقول القرآن الكرمي يف مدح طائفة من املؤمنني‪َ :‬‬

‫بل وأوصى اإلسالم بتقدمي اآلخرين على أنفسنا حىت يف األمور املعنويّة كالدعاء مثالً‪.‬‬

‫روي عن اإلمام احلسن اجملتىب عليه السالم أنّه قال‪" :‬رأيت ّأمي فاطمة عليها السالم قامت يف حمراهبا ليلة مجعتها فلم‬
‫َ‬
‫وتسميهم وتُكثر الدعاء هلم‪ ,‬وال‬
‫تزل راكعة ساجدة حىّت اتّضح عمود الصبح‪ ,‬ومسعتها تدعو للمؤمنني واملؤمنات ّ‬
‫تدعو لنفسها بشيء‪،‬‬

‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،25‬ص ‪.205‬‬


‫‪ّ -93‬‬
‫حممد بن على بن بابويه‪ ،‬من ال حيضره الفقيه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.382‬‬
‫‪ّ -94‬‬
‫‪ -95‬احلشر ‪.3 :59‬‬

‫‪326‬‬
‫ين اجلار مثّ الدار"‪.96‬‬
‫فقلت هلا‪ :‬يا أماه مل ال تدعني لنفسك كما تدعني لغريك؟ فقالت‪ :‬يا بُ َّ‬

‫إال أ ّن هذه الغريية ال تتناىف مع األنانية احلقيقيّة‪ ،‬أل ّن نتائجها احلسنة ستعود إىل نفس الفاعل أيضاً‪ .‬ويضيف القرآن‬
‫الكرمي يف نفس اآلية الّيت ميدح فيها أهل اإليثار قائالً‪:‬‬

‫ك ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحون"ـ‪.97‬‬


‫وق ُش َّح َن ْف ِس ِه فَأ ُْولَئِ َ‬
‫"و َمن يُ َ‬
‫َ‬

‫وورد يف الروايات الشريفة أ ّن الدعاء للمؤمنني وطلب املغفرة هلم يوجب إعطاء اهلل للداعي مثل ما دعا هلم وأهنم‬
‫يشفعونـ له يوم القيامة فيشفع اهلل له‪ ،‬وحيسن إليه وميحو عنه السيئات ويزيد له يف الدرجات‪.98‬‬

‫احلقيقي ولذا لن تكون يف هذه الصورة ذات قيمة بديلة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫نعم قد تتزاحم الغريية يف بعض املوارد مع كمال اإلنسان‬
‫أوصي أيضاً برعاية ح ّد الوسط واالعتدال يف مورد الغريية‪.‬‬
‫َ‬ ‫وهلذا فقد‬

‫يقول اهلل تعاىل يف القرآن الكرمي‪:‬‬

‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين إِ َذا أَن َف ُقوا مَلْ يُ ْس ِرفُوا َومَلْ َي ْقُتُروا َو َكا َن َبنْي َ َذل َ‬
‫ك َق َو ًاما"‪.99‬‬ ‫"والذ َ‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وما حَّمْ ُس ً‬
‫ورا"‪.100‬‬ ‫"والَ جَتْ َع ْل يَ َد َك َم ْغلُولَةًـ إِىَل عُنُق َ‬
‫ك َوالَ َتْب ُسطْ َها ُك َّل الْبَ ْسط َفَت ْقعُ َد َملُ ً‬ ‫َ‬

‫الغريي كما ورد عن اإلمام الصادق عليه السالم حيث قال‪:‬‬


‫ّ‬ ‫النفسي على‬
‫ّ‬ ‫يرجح‬
‫بل ويف بعض املوارد قد ّ‬

‫"حجةٌ خري من ٍ‬
‫بيت من ذهب يتص ّدق به حىت ال يبقى منه شيء"‪.101‬‬ ‫َّ ٌ‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،43‬ص ‪.82 - 81‬‬
‫‪ّ -96‬‬
‫‪ -97‬احلشر ‪.9 :59‬‬
‫حممد بن احلسن احلر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ 7‬ص ‪ 114‬و ‪.115‬‬
‫‪ّ -98‬‬
‫‪ -99‬الفرقان ‪.67 :25‬‬
‫‪ -100‬اإلسراء ‪.29 :17‬‬
‫حممد بن احلسن احلر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪.114‬‬
‫‪ّ -101‬‬

‫‪327‬‬
‫‪ - 7‬اإلهلية واألنانية (النفسية)‬

‫كما تقدم معنا فإ ّن اإلسالم يعترب الفوز والفالح ‪ -‬وبعبارة أخرى السعادة األبدية لإلنسان ‪ -‬ذا قيمة ذاتية ومالكها‬
‫ظل اختيار اإلنسان نفسه وبإرادته‪ ،‬وقد دعا اإلسالم إليه وأكد‬‫يتحصل يف ّ‬
‫ّ‬ ‫مقدار التقوى والقرب من اهلل والذي‬
‫أي منافاة بني العمل من أجل سعادتنا احلقيقيّة والعمل من أجل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫عليه ولذا ال يرى اإلسالم ّ‬

‫اهلل َفُي ْقتَ ْل أَو‬ ‫اهلل الَّ ِذين ي ْشرو َن احْل يا َة ُّ ِ ِ‬


‫اآلخر ِة ومن ي َقاتِل يِف سبِ ِيل ِ‬ ‫يقول القرآن الكرمي‪َ " :‬ف ْلي َقاتِل يِف سبِ ِيل ِ‬
‫الد ْنيَا ب َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫يما" ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ي ْغلِب فَسو َ ِ ِ‬
‫َجًرا َعظ ً‬ ‫ف نُ ْؤتيه أ ْ‬
‫‪102‬‬
‫َ ْ َْ‬

‫أي منافاة بينها وبني اإلهلية والنفسية‪،‬‬


‫بل إ ّن القرآن الكرمي يف املوارد الّيت يدعو فيها إىل الغريية فإنّه ال يرى وجود ّ‬
‫أل ّن نفس العمل أيضاً ينفع الفاعل له وموجب لرضا اهلل عنه‪.‬‬

‫اهلل َو َما تُ ِنف ُقواْ ِم ْن خَرْيٍ يُ َو َّ‬


‫ف إِلَْي ُك ْم‬ ‫يقول اهلل تعاىل‪" :‬وما تُ ِنف ُقواْ ِمن خ ٍ فَألن ُف ِس ُكم وما تُ ِنف ُقو َن إِالَّ ابتِغَاء وج ِه ِ‬
‫ْ َْ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ْ َرْي‬ ‫ََ‬
‫َوأَنتُ ْم الَ تُظْلَ ُمو َن" ‪.‬‬
‫‪103‬‬

‫‪ - 8‬أساليب تشخيص القيمة‬

‫اإلسالم يدعو اإلنسان إىل التع ّقل وباإلمجال فإنّه يعترب العقل مفيداً والزماً لتشخيص القيم األخالقيّة‪.‬‬

‫عن اإلمام الصادق عليه السالم قال‪" :‬إ ّن أول األمور ومبدأها وقوهتا وعمارهتا الّيت ال يُنتفع بشيء إاّل به العقل‪،‬‬
‫والذي جعله اهلل زينة خللقه ونوراً هلم‪ ،‬فبالعقل عرف العباد خالقهم‪ ...‬وعرفوا احلسن من القبيح"‪.104‬‬

‫ومن طرف آخر فإ ّن التجربة العمليّة أيضاً مؤثرة يف تشخيص بعض نتائج األفعال وبالتايل ال ب ّد من االستفادة منها‪:‬‬

‫‪ -102‬النساء ‪.74 :4‬‬


‫‪ -103‬البقرة ‪.272 :2‬‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.29‬‬
‫‪ّ -104‬‬

‫‪328‬‬
‫الشقي من ُحرم نفع ما أُويت من العقل والتجربة"‪.105‬‬
‫ّ‬ ‫علي عليه السالم قال‪" :‬فإ ّن‬
‫عن اإلمام ّ‬

‫لكن وعلى الرغم من كون العقل وسيلة إلدراك وتشخيص الصواب من اخلطأ واحلسن من القبيح إاّل أنّه ال حيكم‬
‫قطعي إاّل يف املوارد الّيت توجد فيها بشكل مباشر أو بواسطة مقدمات معلومات قطعية‪.‬‬
‫بشكل ّ‬

‫وكذلك فإ ّن التجربة العمليّة عند اإلنسان حمدودة يف هناية األمر بالنتائج الدنيويّة‪ .‬ولذا فإ ّن اإلسالم ال يعترب العقل‬
‫كل األعمال ولزومها‪ ،‬بل يعتقد بأ ّن النوع اإلنساينّ حيتاج إىل هداية الوحي‬ ‫والتجربة كافيني لتشخيص قيم ّ‬
‫ليتعرف من خالله إىل األعمال احلسنة والقبيحة واألحكام الالزمة لسعادته‪.‬‬ ‫السماوي ّ‬
‫ّ‬

‫النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم هي منة من اهلل على العباد وأنه معلمـ الوحي ومز ّكي‬
‫لقد اعترب القرآن الكرمي أ ّن بعثة ّ‬
‫نفوس املؤمنني واملنقذ هلم من الضالل‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ؤمنِني إِ ْذ بع ِ‬


‫ْمةَ‬ ‫ث في ِه ْم َر ُسوالً ِّم ْن أَن ُفس ِه ْم َيْتلُو َعلَْي ِه ْم آيَاته َويَُز ِّكي ِه ْم َويُ َعلِّ ُم ُه ُـم الْكتَ َ‬
‫اب َواحْل ك َ‬ ‫"لََق ْد َم َّن اهللُ َعلَى الْ ُم ِ َ َ َ َ‬
‫ض ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني"‪.106‬‬ ‫الل ُّمبِ ٍ‬ ‫َوإِن َكانُواْ من َقْب ُل لَفي َ‬

‫وعن اإلمام السجاد عليه السالم‪" :‬إ ّن دين اهلل ال يُطلب بالعقولـ الناقصة واآلراء الباطلة واملقاييس الفاسدة وال‬
‫ِ‬
‫دي‪ ،‬ومن دان بالقياس والرأي هلك"‪.107‬‬ ‫يُصاب إاّل بالتسليمـ فمن سلَّم لنا سلم ومن اهتدى بنا ُه َ‬

‫‪ - 9‬احل ّد األقل للقيم واللزوم االخالقيني‬

‫واألهم من حياة اإلنسان يبدأ بعد املوت‪ ،‬وأ ّن سعادته أو شقاءه األبديّني مرهتَن‬
‫ّ‬ ‫مع االلتفات إىل أ ّن القسم األساس‬
‫القيمي لألعمال الصاحلة‪ .‬وقد أشار العديد من اآليات القرآنية‬
‫ّ‬ ‫والنبوة واملعاد‪ ،‬وعليه فاإلميان هو الشرط‬
‫بإميانه باهلل ّ‬
‫األبدي وحبط األعمال‬
‫ّ‬ ‫إىل أ ّن الكفر باهلل والرسول واملعاد والشرك والنفاق يوجب اخلسران‬

‫‪ -105‬هنج البالغة‪ ،‬الرسالة ‪.78‬‬


‫‪ -106‬آل عمران ‪.164 :3‬‬
‫حممدباقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.303‬‬
‫‪ّ -107‬‬

‫‪329‬‬
‫وبطالهنا وعذاب جهنم‪:‬‬

‫ِ‬ ‫يِف ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫"و َمن يَ ْك ُف ْر با ِإلميَان َف َق ْد َحب َط َع َملُهُ َو ُه َو اآلخَرة م َن اخْلَاس ِر َ‬
‫ين"‪.108‬‬ ‫َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ مِم‬ ‫الريح يِف يوٍم ع ِ‬
‫اص ٍ‬ ‫"مثَل الَّ ِذين َك َفرواْ بِرهِّبِم أ َْعماهُل م َكرم ٍاد ا ْشتَد ِ‬
‫ف الَّ َي ْقد ُرو َن َّا َك َسبُواْ َعلَى َش ْيء ذَل َ‬
‫ك ُه َو‬ ‫َّت بِه ِّ ُ َ ْ َ‬‫ْ‬ ‫َّ ُ َ ُ َ ْ َ ُ ْ َ َ‬
‫الضالَ ُل الْبَعِيد"‪.109‬‬
‫َّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫"والَّ ِذين َك َفروا أ َْعماهُل م َكسر ٍ ِ ٍ‬


‫اب بِق َيعة حَيْ َسبُهُ الظَّ ْمآ ُن َماء َحىَّت إِذَا َجاءهُ مَلْ جَيِ ْدهُ َشْيئًا َو َو َج َد اهللَ ع َندهُ َف َوفَّاهُ ح َسابَهُ‬ ‫َ َ ُ َ ُْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫واهلل س ِريع احْلِس ِ‬
‫ض َها َف ْو َق‬
‫ات َب ْع ُ‬
‫اب ظُلُ َم ٌ‬‫اب أ َْو َكظُلُ َمات يِف حَبْ ٍر جُّلِّ ٍّي َي ْغ َشاهُ َم ْو ٌج ِّمن َف ْوقه َم ْو ٌج ِّمن َف ْوقه َس َح ٌ‬ ‫َ ُ َ ُ َ‬
‫ورا فَ َما لَهُ ِمن نُّور" ‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫ض إِ َذا أ ْ‬
‫َخَر َج يَ َدهُ مَلْ يَ َك ْد َيَر َاها َو َمن مَّلْ جَيْ َع ِل اهللُ لَهُ نُ ً‬ ‫َب ْع ٍ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك وإِىَل الَّ ِذين ِمن َقبلِ َ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫ك َولَتَ ُكونَ َّن م َن اخْلَاس ِر َ‬
‫ين"‪.111‬‬ ‫ك لَئ ْن أَ ْشَر ْك َ‬
‫ت لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫"ولََق ْد أُوح َي إلَْي َ َ‬
‫َ‬

‫وبناءً عليه فإ ّن أعمال الك ّفار واملشركني وإن كان ظاهرها حسناً وبالرغم من كون نتائجها الدنيويّة مطلوبة هلم‬
‫األبدي‪.112‬‬
‫ّ‬ ‫أيضاً إاّل أ ّن ذلك لن ينقذهم من الشقاء‬

‫باطين ولذا فإ ّن النفاق يف إظهار اإلميان يساوي من حيث نتيجة األعمال‬


‫اختياري واعتقاد ّ‬
‫ّ‬ ‫فعل‬
‫ومن مثّ فإ ّن اإلميان ٌ‬
‫الكفر‪ ،‬يقول اهلل يف كتابه الكرمي‪:‬‬

‫َّم مَجِ ًيعا"‪.113‬‬ ‫ني والْ َكافِ ِر يِف‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َج َهن َ‬ ‫َ‬ ‫"إ َّن اهللَ َجام ُع الْ ُمنَافق َ َ‬
‫‪ -108‬املائدة ‪.5 :5‬‬
‫‪ -109‬إبراهيم ‪.18 :14‬‬
‫‪ -110‬النور ‪.40 - 39 :24‬‬
‫‪-111‬الزمر ‪.65 :39‬‬
‫‪ -112‬لالطالع على ما يتعلق بالكفر باهلل ورسوله راجع‪ :‬الفتح ‪ ,13 :48‬وحول تكذيب اآليات راجع‪ :‬آل عمران ‪ ,4 :3‬النساء‬
‫‪ ,56 :4‬املائدة ‪ 10 :5‬و‪ ,86‬األنعام ‪ ,49 :6‬األعراف ‪ ,36 :7‬احلج ‪ ,57 :22‬الزمر ‪.63 :39‬‬
‫وحول الكفر باملعاد راجع‪ :‬األنعام ‪ 27 :6‬و‪ ,31 - 29‬األعراف ‪ ,47 :7‬يونس ‪ ,8 - 7 :10‬الفرقان ‪ ,11 :25‬النمل ‪,4 :27‬‬
‫سبأ ‪ ,8 :34‬الزمر ‪.71 :39‬‬
‫وحول الكفر باآليات واملعاد راجع‪ :‬العنكبوت ‪ ,23 :29‬الروم ‪,16 :30‬‬
‫وحول الكفر باهلل واملالئكة والرسل والكتب واملعاد راجع‪ :‬النساء ‪.136 :4‬‬
‫وحول الكفر باإلسالم راجع‪ :‬آل عمران ‪.85 :3‬‬
‫وحول الشرك راجع النساء ‪ ,116 :4‬التوبة ‪ ,113 :9‬اإلسراء ‪ ,39 :17‬احلج ‪ ,31 :22‬الزمر ‪.65 :39‬‬
‫‪ -113‬النساء ‪.140 :4‬‬

‫‪330‬‬
‫"إِ َّن الْمنَافِ ِقني يِف الدَّر ِك األَس َف ِل ِمن النَّا ِر ولَن جَتِ َد هَل م نَ ِ‬
‫ص ًريا"‪.114‬‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬

‫ويف رأي اإلسالم أيضاً أ ّن اإلميان ذو مراتب ودرجات متع ّددة وأنّه يقبل الزيادة أيضاً‪:‬‬

‫ني لَِي ْز َد ُادوا إِميَانًا َّم َع إِميَاهِنِ ْم"‪.115‬‬‫ِِ‬ ‫الس ِكينَةَ يِف ُقلُ ِ‬
‫وب الْ ُم ْؤمن َ‬
‫ِ‬
‫"ه َو الَّذي أ َ‬
‫َنز َل َّ‬ ‫ُ‬

‫ت َعلَْي ِه ْم آيَاتُهُ َز َاد ْت ُه ْم إِميَانًا"‪.116‬‬ ‫ِ‬


‫"وإِذَا تُليَ ْ‬
‫َ‬

‫ويف املقابل فإ ّن الشرك مراتب أيضاً وإن أكثر املؤمنني لديهم مرتبةٌ ما منه‪:‬‬

‫"وما ي ْؤِمن أَ ْكَثرهم بِ ِ‬


‫اهلل إِالَّ َو ُهم ُّم ْش ِر ُكو َن"‪.117‬‬ ‫ََ ُ ُ ُُ ْ‬

‫األقل من اإلميان الالزم لتحصيل احل ّد األقل من السعادة األبدية هو اإلميان باهلل الواحد األحد‬
‫كذلك فإ ّن احل ّد ّ‬
‫بالنيب صلى اهلل عليه وآله وسلم واملعاد والتكاليف الدينيّة وما ورد يف الكتاب السماوي كاإلميان‬ ‫أي اإلميان ّ‬
‫ولوازمه ّ‬
‫باملالئكة والكتب السماويّة واألنبياء السابقني‪:‬‬

‫ضالَالً بَعِ ًيدا"‪.118‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬


‫"و َمن يَ ْك ُف ْر بِاهلل َو َمالَئ َكته َو ُكتُبِه َو ُر ُسله َوالَْي ْوم اآلخ ِر َف َق ْد َ‬
‫ض َّل َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫اهلل ومآلئِ َكتِ ِه و ُكتبِ ِه ورسلِ ِه الَ نُ َفِّر ُق ب أ ٍ‬
‫َحد ِّمن ُّر ُسل ِه َوقَالُواْ مَسِ ْعنَا َوأَطَ ْعنَا غُ ْفَرانَ َ‬
‫ك َربَّنَا‬ ‫َنْي َ َ‬ ‫َ ُ َُ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫"والْ ُم ْؤمنُو َن ُكلٌّ َآم َن ب َ َ‬
‫َ‬
‫ِ ‪119‬‬ ‫ِ‬
‫ك الْ َمصري" ‪.‬‬ ‫َوإلَْي َ‬

‫بكل هذه األمور ناشىء عن اإلميان باهلل الواحد‪ ،‬ولذا فإ ّن أعلى درجات اإلميان هو التوحيد‬
‫وكما أشرنا فإ ّن اإلميان ّ‬
‫أي التوحيد يف اخلالقية (ال خالق سوى اهلل) والتوحيد يف العبودية(ال معبود سواه) ‪،‬‬
‫الكامل الشامل لكل أقسامه ّ‬
‫والتوحيد يف الربوبية التكوينيّة والتشريعية (ال رب وال مقنن سوى اهلل)‪ ،‬والتوحيد يف االستعانة (ال يستعان‬

‫‪ -114‬النساء ‪.145 :4‬‬


‫‪ -115‬الفتح ‪.4 :48‬‬
‫‪ -116‬األنفال ‪.2 :8‬‬
‫‪ -117‬يوسف ‪.106 :12‬‬
‫‪ -118‬النساء ‪.136 :4‬‬
‫‪ -119‬البقرة ‪.285 :2‬‬

‫‪331‬‬
‫إاّل باهلل)‪ ،‬والتوحيد يف اخلوف والرجاء (ال خوف إاّل منه وال رجاء إاّل به)‪ ،‬والتوحيد يف احملبة والرضا (ال حنب‬
‫سواه وإننا راضون عنه)‪.‬‬

‫كل األعمال احلسنة وأفضلها‪.‬‬


‫وهو (أي التوحيد) منشأ ّ‬

‫أي األعمال أفضل؟ قال‪:‬‬


‫حممد بن مساعة قال‪" :‬سأل بعض أصحابنا الصادق عليه السالم فقال له‪ :‬أخربين ّ‬
‫عن ّ‬
‫توحيدك لربّك"‪.120‬‬

‫‪121‬‬
‫وبناءً عليه فإ ّن للمؤمنني درجات خمتلفة أيضاً‪.‬‬

‫ات ِع َند َرهِّبِ ْم َو َم ْغ ِفَرةٌ َو ِر ْز ٌق َك ِرميٌ"‪.122‬‬ ‫ِ‬ ‫"أ ُْولَـئِ َ‬


‫ك ُه ُم الْ ُم ْؤمنُو َن َحقًّا هَّلُ ْم َد َر َج ٌ‬

‫وكما ترى فإ ّن اإلميان شرط الزم لتحصيل السعادة األخروية إاّل أ ّن ذلك مشروط أيضاً بالعملـ الصاحل ألنّه وكما‬
‫احلقيقي يستلزم وجود العمل الصاحل أيضاً‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أ ّن النية منشأ العمل املوافق هلا فإ ّن اإلميان‬

‫"ولكن اإلميان ما خلص يف القلب وصدَّقته األعمال"‪.123‬‬


‫ّ‬ ‫عن النيب األعظم صلى اهلل عليه وآله وسلم أنّه قال‪:‬‬

‫التقرب منه والسعادة‬


‫وقد ذكر اهلل اإلميان مع العمل الصاحل يف أكثر من مخسني آية من القرآن الكرمي واعترب أ ّن ّ‬
‫األبدية ناجتة عنهما‪:‬‬

‫صاحِلًا"‪.124‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫"و َما أ َْم َوالُ ُك ْم َواَل أ َْواَل ُد ُكم بِالَّيِت ُت َقِّربُ ُك ْم ع َندنَا ُزلْ َفىـ إِاَّل َم ْن َآم َن َو َعم َل َ‬
‫َ‬

‫اب اجْلَن َِّة ُه ْم فِ َيها َخالِ ُدو َن"ـ‪.125‬‬


‫َص َح ُ‬
‫كأ ْ‬
‫الصاحِل ِ‬
‫ات أُولَـئِ َ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُواْ َو َعملُواْ َّ َ‬
‫َّ ِ‬
‫"والذ َ‬ ‫َ‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.8‬‬
‫‪ّ -120‬‬
‫‪ -121‬أيضاً راجع‪ :‬النساء ‪ ،96 - 95 :4‬التوبة ‪ ,20 :9‬احلديد ‪.10 :57‬‬
‫‪ -122‬األنفال ‪.4 :8‬‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،66‬ص ‪.72‬‬
‫‪ّ -123‬‬
‫‪ -124‬سبأ ‪.37 :34‬‬
‫‪ -125‬البقرة ‪.82 :2‬‬

‫‪332‬‬
‫‪ - 10‬الواقعيّة القابلة لإلثبات‬

‫‪ .10 - 1‬قابلية إثبات األحكام األخالقيّة‬

‫اإلسالمي ملاذا جيب ع ّد هذا املذهب من مجلة املذاهب‬


‫ّ‬ ‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫سؤال‪ :‬مع مالحظة ما تقدم من توصيف املذهب‬
‫الواقعيّة؟‬

‫كما تقدم معنا قوله فإ ّن األوامر واالرشادات العمليّة الدينيّة إمنا هي من أجل هداية اإلنسان إىل السعادة احلقيقيّة‪.‬‬
‫وقد صرحت اآليات القرآنية بالنتائج احلسنة والعظيمة إلطاعة هذه األوامر وتأثريها يف سعادة اإلنسان احلقيقيّة‪ .‬ويف‬
‫الواقع فإهّن ا بيّنت علل تشريع هذه األحكام‪ ،‬ومن مجلتها‪:‬‬

‫ب لِ َّلت ْق َوى"‪.126‬‬ ‫ِ‬


‫"اعدلُواْ ُه َو أَْقَر ُ‬
‫ْ‬

‫ِ ِ‬ ‫"وأَوفُوا الْ َكيل إِذا كِْلتم و ِزنُواْ بِ ِ‬


‫َح َس ُن تَأْ ِويالً"‪.127‬‬ ‫اس الْ ُم ْستَقي ِم ذَل َ‬
‫ك َخْيٌر َوأ ْ‬ ‫الق ْسطَ ِـ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬

‫"وأَقِ ِم الصَّاَل َة إِ َّن الصَّاَل َة َتْن َهى َع ِن الْ َف ْح َشاء َوالْ ُمن َك ِر"‪.128‬‬
‫َ‬

‫ومواْ َخْيٌر لَّ ُك ْم إِن ُكنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن"‪.129‬‬


‫ص ُ‬‫"وأَن تَ ُ‬
‫َ‬

‫اجتَنِبُوهُ لَ َعلَّ ُك ْـم ُت ْفلِ ُحونـ إِمَّنَا‬ ‫ِ‬


‫س ِّم ْن َع َم ِل الشَّْيطَان فَ ْ‬ ‫ِ‬
‫اب َواأل َْزالَ ُم ر ْج ٌ‬
‫َنص ُ‬
‫ِ‬
‫ين َآمنُواْ إِمَّنَا اخْلَ ْم ُر َوالْ َمْيس ُر َواأل َ‬
‫َّ ِ‬
‫"يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫الصالَِة َف َه ْل أَنتُم‬ ‫يد الشَّيطَا ُن أَن يوقِع بينَ ُكم الْع َداو َة والْب ْغضاء يِف اخْل م ِر والْمي ِس ِر ويص َّد ُكم عن ِذ ْك ِر ِ‬
‫اهلل َو َع ِن َّ‬ ‫َْ َ َْ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ َ َْ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫يُِر ُ ْ‬
‫ُّم َنت ُهو َن"‪.130‬‬

‫اس ُج ُدوا َو ْاعبُ ُدوا َربَّ ُك ْم َوا ْف َعلُوا اخْلَْيَر لَ َعلَّ ُك ْـم ُت ْفلِ ُحون"ـ‪.131‬‬ ‫َّ ِ‬
‫"يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا ْار َكعُوا َو ْ‬

‫‪ -126‬املائدة ‪.8 :5‬‬


‫‪ -127‬اإلسراء ‪.35 :17‬‬
‫‪ -128‬العنكبوت ‪.45 :29‬‬
‫‪ -129‬البقرة ‪.184 :2‬‬
‫‪ -130‬املائدة ‪.91 - 90 :5‬‬
‫‪ -131‬احلج ‪.77 :22‬‬

‫‪333‬‬
‫وكذلك فقد بيّنت الروايات الشريفة الكثري من العلل الواقعيّة لتشريع األحكام‪.132‬‬

‫وبناءً عليه فإ ّن قيم ولزوم األمور االختيارية عند اإلنسان وحبسب نتائجها الواقعيّة املطلوبة أو غري املطلوبة لإلنسان‬
‫كل األحكام والتشريعات أل ّن‬ ‫قابلة للتبيني واإلثبات‪ ،‬إاّل أ ّن هذا ال يعين أ ّن اإلنسان بإمكانه معرفة علل قيمة ولزوم ّ‬
‫لكل أموره االختيارية بل إ ّن املراد من قابلية األحكام‬
‫من غري املمكن معرفته بتمام النتائج املطلوبة وغري املطلوبة ّ‬
‫الواقعي‬
‫ّ‬ ‫اختياري إمنا هو بسبب تأثريه‬
‫ّ‬ ‫أي أمر‬
‫األخالقيّة لإلثبات أنّه وبناء على قاعدة واحدة كلية فإ ّن قيمة ولزوم ّ‬
‫احلقيقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يف كمال اإلنسان أو نقصه‬

‫األسئلة‬

‫‪ - 1‬اذكر رأي اإلسالم باختصار حول املوضوعات التالية مؤيداً قولك بالنصوص الدينيّة‪:‬‬

‫‪ -‬حقيقة اإلنسان‪.‬‬

‫‪ -‬القيمة الذاتية والنهائية‪.‬‬

‫‪ -‬لوازم القيمة النهائية‪.‬‬

‫‪ -‬اللذة‪.‬‬

‫‪ -‬القدرة‪.‬‬

‫‪ -‬سكون اخلاطر والنفس‪.‬‬

‫‪ -‬مذمة التعلق بالدنيا‪.‬‬

‫‪ -‬االنسجام العقالين ورعاية احلد الوسط‪.‬‬

‫حممد بن علي بن بابويه القمي املعروف بالشيخ الصدوق (‪ 380 - 305‬هـ‪ .‬ق) يف كتابه علل الشرائع جبمعـ الروايات‬
‫‪ -132‬قام ّ‬
‫الواردة حول علل تشريع األحكام‪.‬‬

‫‪334‬‬
‫‪ -‬النية والعمل الصاحل‪.‬‬
‫‪ -‬أكثر األعمال قيمة‪.‬‬
‫‪ -‬أسوأ األعمال قيمة‪.‬‬
‫‪ -‬القيمة البديلة‪.‬‬
‫‪ -‬الغريية واألنانية (النفسية)‪.‬‬
‫‪ -‬اإلهلية واألنانية (النفسية)‪.‬‬
‫‪ -‬أساليب تشخيص القيمة‪.‬‬
‫األقل من القيمة واللزوم األخالقيّني‪.‬‬
‫‪ -‬احل ّد ّ‬
‫‪ -‬الواقعيّة‪.‬‬
‫‪ -‬قابلية األحكام األخالقيّة لإلثبات‪.‬‬

‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫أي واحد تشري من األقسام األصلية للمذهب‬
‫‪ - 2‬مع التدقيق يف مضمونـ النصوص التالية اذكر إىل ّ‬
‫اإلسالمي‪:‬‬

‫‪ -‬القرآن الكرمي‪.‬‬

‫ت َكاَّل إِن ََّها َكلِ َمةٌ ُه َو قَائِلُ َها َوِمن‬ ‫يما َتَر ْك ُ‬
‫ون لَعلِّي أَعمل حِل ِ‬
‫صا ًا ف َ‬ ‫ب ْارجعُ َ ْ َ ُ َ‬
‫"حىَّت إِ َذا جاء أَح َدهم الْموت قَ َال ر ِّ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ َْ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َرائ ِهم َب ْر َز ٌخ إِىَل َي ْوم يُْب َعثُو َن" ‪.‬‬
‫‪133‬‬

‫ِ‬ ‫أِل ِ‬
‫َسأْمُتْ َفلَ َها"‪.134‬‬ ‫َح َسنتُ ْم َن ُفس ُك ْـم َوإ ْن أ َ‬ ‫"إِ ْن أ ْ‬
‫َح َسنتُ ْم أ ْ‬
‫ض َّل إِذَا ْاهتَ َد ْيتُ ْم"‪.135‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ضُّر ُكم َّمن َ‬ ‫ين َآمنُواْ َعلَْي ُك ْم أَن ُف َس ُك ْم الَ يَ ُ‬‫"يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ضواْ َعْنهُ"‪.136‬‬ ‫"ر ِض َي اهللُ َعْن ُه ْم َو َر ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وعظُو َن بِه لَ َكا َن َخْيًرا هَّلُ ْم َوأ َ‬
‫َجراً‬ ‫َش َّد َتثْبِيتًا َوإِذاً آَّل َتْينَ ُ‬
‫اهم ِّمن لَّ ُدنَّـا أ ْ‬ ‫"ولَ ْو أَن َُّه ْم َف َعلُواْ َما يُ َ‬
‫َ‬
‫‪ -133‬املؤمنون ‪.100 - 99 :23‬‬
‫‪ -134‬اإلسراء ‪.7 :17‬‬
‫‪ -135‬املائدة ‪.105 :5‬‬
‫‪ -136‬املائدة ‪ ,19 :5‬التوبة ‪ ,100 :9‬اجملادلة ‪ ,22 :58‬البينة ‪.8 :98‬‬

‫‪335‬‬
‫يما"‪.137‬‬ ‫ِ‬ ‫ع ِظيما وهَل َدينَ ِ‬
‫اه ْم صَراطًا ُّم ْستَق ً‬
‫َ ً ََْ ُ‬

‫َصلَ َح بَاهَلُ ْم "‬ ‫هِتِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مِب‬ ‫"والَّ ِذين آمنُوا وع ِملُوا َّ حِل ِ‬
‫الصا َات َو َآمنُوا َا نُِّز َل َعلَى حُمَ َّمد َو ُه َو احْلَ ُّق من َّرهِّب ْم َكفََّر َعْن ُه ْم َسيِّئَا ْم َوأ ْ‬ ‫َ َ َ ََ‬
‫‪.138‬‬

‫ين َيَّت ُقو َن أَفَالَ َت ْع ِقلُو َن"ـ‪.139‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َّار اآلخَرةُ َخْيٌر لِّلَّذ َ‬
‫"وما احْل ياةُ ُّ ِ ِ‬
‫الد ْنيَا إالَّ لَع ٌ‬
‫ب َوهَلٌْو َولَلد ُ‬ ‫َ َ ََ‬

‫ك الَّ ِذين لَيس هَل م يِف ِ‬


‫اآلخَر ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ْنيَا و ِزينََت َها نُو ِّ ِ ِ‬ ‫"من َكا َن يُِر ُ‬
‫ف إلَْيه ْم أ َْع َماهَلُ ْم ف َيها َو ُه ْم ف َيها الَ يُْب َخ ُسو َن أ ُْولَـئ َ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫يد احْلَيَا َة ُّ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صَنعُواْ ف َيها َوبَاط ٌل َّما َكانُواْ َي ْع َملُو َن"ـ ‪.‬‬ ‫َّار َو َحبِ َط َما َ‬
‫إالَّ الن ُ‬
‫‪140‬‬

‫صريٌ مِب َا َي ْع َملُو َن"ـ‪.141‬‬ ‫"هم درجات ِع َند ِ‬


‫اهلل واهلل ب ِ‬
‫َُ‬ ‫ُ ْ ََ َ ٌ‬

‫يما َوأ َِس ًريا إِمَّنَا نُطْعِ ُم ُك ْم‬‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫"يُوفُو َن بالنَّ ْذ ـر َوخَيَافُو َن َي ْو ًما َكا َن َشُّرهُ ُم ْستَط ًريا َويُطْع ُمو َـن الطََّع َام َعلَى ُحبِّه م ْسكينًا َويَت ً‬
‫وسا قَ ْمطَ ِر ًيرا"‪.142‬‬ ‫يد ِمن ُكم جزاء واَل ُش ُكورا إِنَّا خَنَ ُ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اف من َّربِّنَا َي ْو ًما َعبُ ً‬ ‫ً‬ ‫ل َو ْجه اهلل اَل نُِر ُ ْ َ َ َ‬

‫ك ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َن"ـ‪.143‬‬


‫اهلل َوأ ُْولَئِ َ‬
‫يدو َن وجه ِ‬
‫ين يُِر ُ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫آت َذا الْ ُقر حقَّه والْ ِمس ِكني وابن َّ ِ‬
‫السبِ ِيل َذل َ‬
‫ك َخْيٌر لِّلَّذ َ‬ ‫ْ ىَب َ ُ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫"فَ ِ‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫"وقَد ْمنَا إىَل َما َعملُوا م ْن َع َم ٍل فَ َج َع ْلنَاهُ َهبَاء َّمنثُ ً‬
‫ورا"‪.144‬‬ ‫َ‬

‫اب النَّا ِر ُه ْم فِ َيها َخالِ ُدو َـن َمثَ ُل َما‬ ‫َص َح ُ‬ ‫كأ ْ‬
‫"إِ َّن الَّ ِذين َك َفرواْ لَن ُت ْغيِن عْنهم أَمواهُل م والَ أَوالَدهم ِّمن ِ‬
‫اهلل َشْيئًا َوأ ُْولَـئِ َ‬ ‫َ َ ُ ْ ْ َ ُْ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ث َق ْوم ظَلَ ُمواْ أَن ُف َس ُه ْم فَأ َْهلَ َكْتهُ َو َما ظَلَ َم ُه ُم اهللُ َولَـك ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يُ ِنف ُقو َن يِف ِه ِـذه احْلَيَاة ُّ‬
‫الد ْنيَا َك َمثَ ِل ِر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َح ْر َ‬‫َصابَ ْ‬
‫يح ف َيها صٌّر أ َ‬
‫أَن ُف َس ُه ْم يَظْلِ ُمو َن"‪.145‬‬

‫‪ -137‬النساء ‪.68 - 66 :4‬‬


‫حممد ‪.2 :47‬‬
‫‪ّ -138‬‬
‫‪ -139‬األنعام ‪.32 :6‬‬
‫‪ -140‬هود ‪.16 - 15 :11‬‬
‫‪ -141‬آل عمران ‪.163 :3‬‬
‫‪ -142‬اإلنسان ‪.10 - 7 :76‬‬
‫‪ -143‬الروم ‪.38 :30‬‬
‫‪ -144‬الفرقان ‪.23 :25‬‬
‫‪ -145‬آل عمران ‪.117 - 116 :3‬‬

‫‪336‬‬
‫َنز َل ِمن َقْب ُل"‪.146‬‬ ‫ِِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ي أَ‬ ‫"يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُواْ آمنُواْ باهلل َو َر ُسول ـه َوالْكتَاب الذي َنَّز َل َعلَى َر ُسوله َوالْكتَاب الذ َ‬

‫اآلخَر ِة نُ ْؤتِِه ِمْن َها"‪.147‬‬


‫الد ْنيا نُ ْؤتِِه ِمْنها ومن ي ِر ْد َثواب ِ‬
‫َ ََ ُ َ َ‬ ‫اب ُّ َ‬ ‫"و َمن يُِر ْد َث َو َ‬
‫َ‬

‫وجل قال له يف ليلة املعراج‪ ..." :‬فإذا استيقن العبد ال‬


‫عز َّ‬‫ونقل عن النيب األعظم صلى اهلل عليه وآله وسلم أ ّن اهلل َّ‬
‫يبايل كيف أصبح بعس ٍر أم بيس ٍر وإذا كان العبد يف حالة املوت يقوم على رأسه مالئكة‪ ...‬فتطري الروح من أيدي‬
‫وجل‬
‫عز َّ‬ ‫ني وال يبقى حجاب وال سرت بينها وبني اهلل تعاىل واهلل َّ‬ ‫املالئكة فتصعد إىل اهلل تعاىل يف أسرع من طرفة ع ٍ‬
‫عرفتين نفسك فاستغنيت هبا عن مجيع خلقك وعزتك وجاللك لو كان رضاك‬ ‫إليها مشتاق‪ ...‬فتقول الروح إهلي ّ‬
‫وجل وعزيت‬‫عز َّ‬ ‫إيل‪ ...‬فقال اهلل َّ‬
‫يف أ ّن أُقطّع إرباً إرباً وأُقتل سبعني قتلة بأش ّد ما يُقتل به الناس لكان رضاك أحب َّ‬
‫وجاليل ال أحجب بيين وبينك يف وقت من األوقات كذلك أفعل بأحبائي‪ ...‬فمن عمل برضاي ألزمه ثالث‬
‫أعرفه شكراً ال خيالطه اجلهل‪ ،‬وذكراً ال خيالطه النسيان وحمبة ال يؤثر على حمبيت حمبة املخلوقني فإذا أحبين‬
‫خصال‪ّ :‬‬
‫أحببته وأفتح عني قلبه إىل جاليل‪.148"...‬‬

‫‪ -‬وعن اإلمام الباقر عليه السالم أنّه قال‪:‬‬

‫عبد إاّل ويف قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنباً خرج يف النكتة نكتة سوداء فإ ّن تاب ذهب ذلك السواد وإن‬ ‫"ما من ٍ‬
‫متادى يف الذنوب زاد ذلك السواد حىت يُغطى البياض فإذا غطَّى البياض مل يرجع صاحبه إىل خري أبداً وهو قول اهلل‬
‫عز وجل " َكاَّل بل را َن علَى ُقلُوهِبِم َّما َكانُوا يك ِ‬
‫ْسبُو َن" ‪.150"149‬‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ‬

‫‪ -146‬النساء ‪.136 :4‬‬


‫‪ -147‬آل عمران ‪.145 :3‬‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،74‬ص ‪.28 - 27‬‬
‫‪ّ -148‬‬
‫‪ -149‬املطففني ‪.14 :83‬‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.273‬‬‫‪ّ -150‬‬

‫‪337‬‬
‫‪ -‬عن اإلمام الصادق عليه السالم قال‪:‬‬

‫وجل ما م ّدوا أعينهم إىل ما متّع اهلل به األعداء من زهرة احلياة الدنيا‬
‫عز َّ‬ ‫"لو يعلم الناس ما يف فضل معرفة اهلل َّ‬
‫وعز وتل ّذذوا هبا تل ّذذ من مل يزل يف‬
‫جل َّ‬
‫ولن ِّعموا مبعرفة اهلل َّ‬
‫أقل عندهم مما يطؤونه بأرجلهم ُ‬ ‫ونعيمها وكانت دنياهم ّ‬
‫كل‬
‫كل وحدة ونور من ّ‬ ‫كل وحشة وصاحب من ّ‬ ‫وجل آنس من ّ‬ ‫عز َّ‬ ‫روضات اجلنان مع أولياء اهلل‪ ،‬إ ّن معرفة اهلل َّ‬
‫كل سقم"‪.151‬‬ ‫كل ضعف وشفاء من ّ‬ ‫ظلمة وقوة من ّ‬

‫‪ -‬قال اإلمام الباقر عليه السالم البنه اإلمام الصادق عليه السالم‪:‬‬

‫ِ‬
‫ت‬‫ك َوالَ خُتَاف ْ‬ ‫صالَتِ َ‬‫"والَ جَتْ َه ْر بِ َ‬
‫ِ‬
‫"عليك باحلسنة بني السيئتني متحوها‪ .‬قال‪ :‬وكيف ذلك يا أبت؟ قال‪ :‬مثل قول اهلل َ‬
‫"والَ‬ ‫هِبَا"‪ ، 152‬ال جتهر بصالتك سيئة‪ ،‬وال ختافت هبا سيئة‪" ،‬و ْابتَ ِغ َبنْي َ ذَلِ َ ِ‬
‫ك َسبيالً" ‪ ،‬حسنةٌ‪ .‬ومثل قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫‪153‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين إذَا أَن َف ُقوا مَلْ يُ ْس ِرفُوا َومَلْ‬ ‫َّ‬
‫"والذ َ‬‫ك َوالَ َتْب ُسطْ َها ُك َّل الْبَ ْسط‪ ، "...‬ومثل قوله تعاىل‪َ :‬‬ ‫جَتْ َع ْل يَ َد َك َم ْغلُولَةً إِىَل ُعنُق َ‬
‫‪154‬‬

‫ك َق َو ًاما"‪ ، 157 156‬حسنةٌ فعليك باحلسنة بني السيئتني"‪.158‬‬ ‫ِ‬


‫"و َكا َن َبنْي َ َذل َ‬
‫َي ْقُت ُروا" ‪ ،‬فأسرفوا سيئة وأقرتوا سيئة َ‬
‫‪155‬‬

‫‪ -‬عن اإلمام موسى بن جعفرعن آبائه عليهم السالم "أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم أغزى علياً يف سرية‬
‫ُغز بنا يف سرية علي عليه السالم لعلنا‬
‫ألخ له أ ُ‬
‫رجل من األنصار ٍ‬
‫وأمر املسلمني أ ّن ينتدبوا معه يف سريته فقال ٌ‬
‫نصيب خادماً أو دابة أو شيئاً نتبلغ به‪ ،‬فبلغ النيب صلى اهلل عليه وآله وسلمقوله‪ ،‬فقال‪ :‬إمنا األعمال بالنيات ولكل‬
‫وجل ومن غزا يريد عرض الدنيا أو‬‫عز َّ‬‫وجل فقد وقع أجره على اهلل َّ‬
‫عز َّ‬ ‫امرىء ما نوى فمن غزا ابتغاء ما عند اهلل َّ‬
‫نوى عقاالً‬

‫‪ -151‬نفس املصدر‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.247‬‬


‫‪ -152‬اإلسراء ‪.110 :17‬‬
‫‪ -153‬املصدر السابق‪.‬‬
‫‪ -154‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ -155‬املصدر نفسه‪.27 :‬‬
‫‪ -156‬الفرقان ‪.67 :25‬‬
‫‪ -157‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫حممد بن احلسن احلر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.398 - 397‬‬
‫‪ّ -158‬‬

‫‪338‬‬
‫مل يكن له إاّل ما نوى"‪.159‬‬

‫‪ -‬عن اإلمام السجاد عليه السالم ‪ ،‬قال‪ ..." :‬واغرس يف أفئدتنا أشجار حمبتك وأمتم لنا أنوار معرفتك وأذقنا‬
‫حالوة عفوك ولذة مغفرتك وأقرر أعيننا يوم لقائك برؤيتك وأخرج حب الدنيا من قلوبنا كما فعلتـ بالصاحلني‬
‫من صفوتك واألبرار من خاصتك‪.160"..‬‬

‫‪ -‬عن اإلمام علي عليه السالم قال‪:‬‬

‫"إ ّن قوماً عبدوا اهلل رغبة فتلك عبادة التجار‪ ،‬وإن قوماً عبدوا اهلل رهبة فتلك عبادة العبيد‪ ،‬وإن قوماً عبدوا اهلل‬
‫شكراً فتلك عبادة األحرار"‪.161‬‬

‫‪ -‬عن اإلمام الصادق عليه السالم قال‪:‬‬

‫"‪ ...‬من نام عن فريضة أو سنّة أو نافلة فاته بسببها شيء فذلك نوم الغافلني وسرية اخلاسرين وصاحبه مغبون‪ ،‬ومن‬
‫نوم حممود‪.162"...‬‬
‫نام بعد فراغه من أداء الفرائض والسنن والواجبات من احلقوق فذلك ٌ‬

‫‪ -‬عن اإلمام علي عليه السالم يف جواب من سأله عن أشقى اخللق‪ .‬قال‪" :‬من باع دينه بدنيا غريه"‪.163‬‬

‫‪ -‬عن اإلمام علي عليه السالم قال‪" :‬العقل عقالن‪ :‬عقل الطبع وعقل التجربة وكالمها يؤدي إىل املنفعة‪ ...‬وليس‬
‫الشريْن"‪.164‬‬
‫ولكن العاقل من يعرف خري َّ‬
‫الشر ّ‬‫العاقل من يعرف اخلري من ّ‬

‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،67‬ص ‪.212‬‬


‫‪ّ -159‬‬
‫‪ -160‬نفس املصدر‪ ،‬ج‪ .91‬ص ‪ ،152‬مقتطف من مناجاة الزاهدين‪.‬‬
‫‪ -161‬هنج البالغة‪ ،‬احلكمة ‪.237‬‬
‫حممدـ تقي النوري‪ ،‬مستدرك الوسائل ومستنبط املسائل‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.23‬‬
‫‪ -162‬حسني بن ّ‬
‫حممد بن علي بن بابويه‪ ،‬من ال حيضره الفقيه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.383‬‬ ‫‪ّ -163‬‬
‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج‪ ،75‬ص‪.6‬‬
‫‪ّ -164‬‬

‫‪339‬‬
‫للبحث‬

‫‪ - 1‬قم مبراجعة اآليات (‪ )106 - 103‬من سورة الكهف واذكر على ما تدل من مواضيع هذا الفصل‪.‬‬

‫‪ - 2‬قم مبراجعة اآليات (‪ )274 - 261‬من سورة البقرة واحبث عن الصور املختلفة لقيمة اإلنفاق والغريية‬
‫والرابطة بينها وبني األنانية (النفسية)‪.‬‬

‫‪ - 3‬عن النيب األعظم صلى اهلل عليه وآله وسلم قال‪ " :‬لضربة علي أفضل من عبادة الثقلني"‪.165‬‬

‫راجع قصة يوم اخلندق‪ ،‬ومع االلتفات إىل مالكات أفضل األعمال‪ ،‬احبث حول سبب تفضيل ما قام به أمري‬
‫اجلن واإلنس‪.‬‬
‫كل عبادات ّ‬ ‫املؤمنني عليه السالم على ّ‬

‫‪ - 4‬مع مالحظة الروايات التالية‪ ،‬احبث حول حقيقة النية وتأثريها‪:‬‬

‫الرب‬
‫رب ارزقين حىت أفعل كذا وكذا من ّ‬ ‫أ ‪ -‬عن اإلمام الصادق عليه السالم قال‪" :‬إ ّن العبد املؤمن الفقري ليقول‪ :‬يا ّ‬
‫وجل ذلك منه بصدق نية كتب اهلل له من األجر مثل ما يكتب له لو عمله إ ّن اهلل‬ ‫عز َّ‬ ‫ووجوه اخلري فإذا علم اهلل َّ‬
‫واسع كرمي"‪.166‬‬

‫ب ‪ -‬عن اإلمام الصادق عليه السالم أنّه قال‪" :‬إمنا ُخلِّد أهل النار يف النار أل ّن نياهتم كانت يف الدنيا أ ْن لو خلّدوا‬
‫فيها أ ّن يعصوا اهلل أبداً وإمنا خلد أهل اجلنة يف اجلنة ألن نياهتم كانت يف الدنيا أ ّن لو بقوا فيها أ ّن يطيعوا اهلل أبداً‪،‬‬
‫ِ ِ ِ ‪167‬‬
‫كل على نيته"‪.168‬‬ ‫ِّ‬
‫فبالنيات ُخلد هؤالء وهؤالء‪ ،‬مثّ تال قوله تعاىل "قُ ْل ُكلٌّ َي ْع َم ُل َعلَى َشاكلَته" ‪ ،‬قال‪ّ ,‬‬
‫ِ‬
‫ج ‪ -‬يقول اإلمام الصادق عليه السالم حول قوله تعاىل‪" :‬ليَْبلَُو ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ‬
‫َح َس ُن َع َماًل " "ليس يعين أكثر عمالً‬
‫‪169‬‬

‫ولكن أصوبكم عمالً‪ ،‬وإمنا اإلصابة خشية اهلل والنية الصادقة واحلسنة‪ ،‬مثّ قال‪ :‬اإلبقاء على العمل حىت خيلص أش ّد‬
‫وجل والنية أفضل من العمل أال وإن النية‬
‫عز َّ‬ ‫من العمل والعمل اخلالص الّذي ال تريد أ ّن حيمدك عليه أح ٌد إاّل اهلل َّ‬
‫وجل‪" :‬قُ ْل ُكلٌّ َي ْع َم ُل َعلَى َشاكِلَتِ ِه"‪ ، 170‬يعين على نيته"‪.171‬‬
‫عز َّ‬ ‫هي العمل‪ ،‬مثّ تال قوله َّ‬

‫حممد باقر اجمللسي‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،39‬ص ‪.2‬‬


‫‪ّ -165‬‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.85‬‬‫‪ّ -166‬‬
‫‪ -167‬اإلسراء ‪.84 :17‬‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.85‬‬‫‪ّ -168‬‬

‫‪340‬‬
‫االختياري تابعة لنتيجة العمل الّيت قصدها الفاعل يف هناية األمر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ - 5‬كما قلنا يف البحوث الفلسفية فإ ّن قيمة الفعل‬
‫االختياري‪ .‬ومع االلتفات إىل هذا‬
‫ّ‬ ‫صرح أيضاً بعض اآليات القرآنية‪ 172‬بأ ّن جزاء العمل على مقدار العمل‬ ‫وقد ّ‬
‫الظاهري للموارد التالية مع مضمونـ هذا األصل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫األصل إحبث‪ 173‬حول االختالف‬

‫أ ‪ -‬يشري بعض اآليات القرآنية‪ ، 174‬إىل أ ّن ثواب بعض األعمال أو عقاهبا أكثر من نفس العمل يف ح ّد ذاته‪.‬‬

‫كل شخص وقد أكدت ذلك اآليات القرآنية‬ ‫شخص ومن ّ‬‫ٍ‬ ‫لكل‬
‫ب ‪ -‬على الرغم من أ ّن اإلسالم ال يقول بالشفاعة ّ‬
‫‪ 175‬إاّل أ ّن أصل الشفاعة مسلّ ٌـم به ضمن بعض الشروط وقد أشار بعض اآليات القرآنية‪ 176‬إىل ذلك أيضاً‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫ج ‪ -‬من األصول املسلّمة يف اإلسالم تكفري األعمال السيئة وغفران الذنوب‪ ،‬وقد صرحت بذلك آيات كثرية‬
‫من القرآن الكرمي‪.‬‬

‫‪ -169‬هود ‪ ,7 :11‬امللك ‪.2 :67‬‬


‫‪ -170‬اإلسراء ‪.84 :17‬‬
‫حممد بن يعقوب الكليين‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.16‬‬ ‫‪ّ -171‬‬
‫‪ -172‬نظري ما ورد يف سورة يونس ‪ 52 :10‬والنجم ‪.39 :53‬‬
‫حممد تقي مصباح اليزدي‪ ،‬اخالق در قرآن‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.44 - 40‬‬ ‫‪ -173‬راجع تفسري اآليات املذكورة‪،‬ـ ّ‬
‫‪ -174‬نري البقرة ‪ ،261 :2‬األنعام ‪ 160 :6‬والنحل ‪.25 :16‬‬
‫‪ -175‬راجع‪ :‬البقرة ‪ 48 :2‬و ‪ 123‬و ‪.254‬‬
‫‪ -176‬راجع‪ :‬البقرة ‪ ،255 :2‬األنعام ‪ 51 :6‬و‪ ،70‬يونس ‪ ،3 :10‬السجدة ‪ ,4 :32‬مرمي ‪ ,87 :19‬طه ‪ ,109 :20‬األنبياء‬
‫‪ ,28 :21‬سبأ ‪ ,23 :34‬الزمر ‪ ,44 :39‬الزخرف ‪ ,86 :43‬النجم ‪.26 :53‬‬
‫‪ -177‬وذلك يف أكثر من ‪ 200‬مورد يف القرآن الكرمي‪ ،‬ومن مجلة ما ورد حول تكفري الذنوب‪ ،‬راجع‪ :‬البقرة ‪ ،271 :2‬النساء ‪:4‬‬
‫‪ ,31‬األنفال ‪8‬‬

‫‪341‬‬
‫‪ - 6‬مع التدقيق يف كالم العالمة الطباطبائي يف تفسري امليزان‪ 178‬حول ذيل اآلية ‪ 66‬من سورة النساء‪ ،‬أوضح‬
‫كيفية استنباطه من هذه اآلية حكاية األحكام للواقع‪.‬‬

‫‪ ,29 :‬الفتح ‪ ,5 :48‬التغابن ‪ ,9 :64‬الطالق ‪ ,5 :65‬التحرمي ‪.8 :66‬‬


‫حممدـ باقر‬
‫حممدـ حسني الطباطبائي‪ ،‬امليزان يف تفسري القرآن‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪ 433‬وله أيضاً ترمجة تفسري امليزان‪ ،‬ترمجة السيد ّ‬
‫‪ -178‬السيد ّ‬
‫موسوي اهلمداين‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.649‬‬

‫‪342‬‬
‫المصادر العربية والفارسية‬

‫الكتب‬

‫‪ -1‬القرآن الكرمي‪.‬‬

‫‪ -2‬هنج البالغة‪ ،‬الدكتور صبحي الصاحل‪ ،‬دار اهلجرة‪ ،‬قم‪.‬‬

‫‪ -3‬الصحيفة السجادية‪ ،‬اسوه‪ 1371 ،‬ه‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -4‬هاير ‪ ،Haire‬آلفرد جولز‪ ،‬زبان حقيقت ومنطق (اللغة‪ ،‬احلقيقة‪ ،‬واملنطق)‪ ،‬ترمجة منوچهر بزركمهر‪،‬‬
‫دانشكاه صنعىت شريف طهران‪ 1356 ،‬ه‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -5‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد اهلل‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات (مع الشرح للمحقق الطوسي)‪ ،‬نشر البالغة‪ ،‬قم‪1375 ،‬‬
‫هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -6‬ابن سينا‪ ،‬حسني بن عبد اهلل‪ ،‬الشفاء‪ ،‬اإلهليات‪ ،‬منشورات مكتبة آية اهلل العظمى املرعشي النجفي‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪ 1404‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -7‬ابن مسكويه‪ ،‬أمحد بن حممد‪ ،‬هتذيب األخالق‪ ،‬دار مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت‪1961 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -8‬ابن مسكويه‪ ،‬أمحد بن حممد‪ ،‬كيمياى سعادت (كيمياء السعادة)‪ ،‬ترمجة طهارة األعراق‪ ،‬ترمجة أبو طالب‬
‫زجناين‪ ،‬دفرت نشر مرياث مكتوب‪ ،‬طهران‪1375 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫‪ -9‬اتكينسون‪ ،‬آر‪ ،‬اف‪ ،‬در آمدى به فلسفه اخالق (املدخل إىل فلسفةـ األخالق) ترمجة سهراب علوى نيا‪ ،‬مركز‬
‫ترمجة ونشر كتاب‪ ،‬طهران‪1370 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد حسن لطفي تربيزي‪ ،‬طرح نو‪ ،‬طهران‪1378 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬


‫‪ -10‬أرسطو‪ ،‬اخالق نيكوماخوس‪ ،‬ترمجة ّ‬

‫‪ -11‬اسرتن‪ ،‬جوزف بيرت‪ ،‬نيتشه‪ ،‬ترمجة عزت اهلل فوالدوند‪ ،‬طرح نو‪ ،‬طهران‪ 1373 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -12‬األشعري‪ ،‬علي بن إمساعيل‪ ،‬كتاب اللمع يف الرد على أهل الزيغ والبدع‪ ،‬املكتبة األزهرية للرتاث‪.‬‬

‫حممد حسن لطفي‪ ،‬خوارزمي‪،‬ـ‬


‫‪ -13‬أفالطون‪ ،‬دوره كامل آثار افالطون (الدورة الكاملة آلثار أفالطون)‪ ،‬ترمجة ّ‬
‫طهران‪1380 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -14‬باربور‪ ،‬ايان‪ ،‬علم ودين‪ ،‬ترمجة هباء الدين خرمشاهي‪ ،‬مركز نشر دانشكاهى (اجلامعي)‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪1362‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -15‬بدوي‪ ،‬عبد الرمحن‪ ،‬األخالق النظرية‪ ،‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬الكويت‪1976 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -16‬برن‪ ،‬جان‪ ،‬فلسفه رواقى‪ ،‬ترمجة سيد أبو القاسم پورحسيين‪ ،‬كتاب هاى سى مرغ‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪1362‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -17‬بريه‪ ،‬اميل‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ترمجة على مراد داودى‪ ،‬مركز نشر دانشكاهي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪1374‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -18‬بيرت‪ ،‬آندريه‪ ،‬ماركس وماركسيسمـ (ماركس واملاركسية) ترمجة شجاع الدين ضيائيان‪ ،‬دانشكاه طهران‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬طهران‪ 1360 ،‬ه‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -19‬تاريخ فلسفه اخالق غرب‪ ،‬مجعها الرنس‪ ،‬سي بيكر‪ ،‬ترمجة جمموعة من املرتمجني‪ ،‬مؤسسة اموزشي‬
‫وبزوهشي امام مخيين قدس سره قم‪1378 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫‪ -20‬التميمي‪ ،‬اآلمدي‪ ،‬عبد الواحد بن حممد‪ ،‬غرر احلكم ودرر الكلم‪ ،‬دفرت تبليغات اسالمى‪ ،‬قم‪1366 ،‬‬
‫هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -21‬جوادى‪ ،‬حمسن مسأله بايد وهست حبثى در رابطه ارزش وواقع (مسألة الواجب والواقع‪ ،‬حبث حول الرابطة‬
‫بني القيمة والواقع) دفرت تبليغات اسالمى‪ ،‬قم ‪1375‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -22‬جونز‪ .‬و‪ .‬ت‪ .‬خداوندوان انديشه سياسى (آهلة الفكر السياسي) ج‪ ،2‬القسم األول‪ ،‬ترمجة على رامني‪ ،‬امري‬
‫كبري‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬طهران‪1358 ،‬ه‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -23‬حائري‪ ،‬يزدى مهدى‪ ،‬كاوش هاى عقل عملى (حبوث العقل العملي) (فلسفة األخالق)‪ ،‬مؤسسة مطالعات‬
‫وحتقيقات فرهنگى ‪ ،‬طهران‪1361 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -24‬حسني زاده‪ ،‬حممد‪ ،‬معرفت شناسى (علم املعرفة)‪ ،‬مؤسسه اموزشى وبزوهشى امام مخيىن قدس سره‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪1381‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -25‬دوركامي‪ ،‬اميل‪ ،‬فلسفه وجامعه شناسى (الفلسفةـ وعلم االجتماع) ‪،‬ترمجة فرحناز مخسه اى‪ ،‬وزارت فرهنك‬
‫وآموزش عاىل‪ ،‬طهران‪1360 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -26‬راسل‪ ،‬برتراند‪ ،‬تاريخ فلسفه غرب‪ ،‬ترمجة جنف دريابندرى‪ ،‬كتاب برواز‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪1373‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -27‬رجىب‪ ،‬حممود‪ ،‬انسان شناسى (معرفة اإلنسان)‪ ،‬مؤسسة آموزشى وبزوهشى إمام مخيىن قدس سره‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪1380‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -28‬جاكس‪ ،‬فلسفةـ األخالق (احلكمة العمليّة)‪ ،‬ترمجة الدكتور أبو القاسم بور حسيين امري كبري‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫طهران‪1362 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -29‬سبحاين‪ ،‬جعفر‪ ،‬حسن وقبح عقلي (احلسن والقبح العقليان)‪،‬ـ تقرير علي رباين گلبايگاين‪ ،‬بزوهشگاه علوم‬
‫انساىن ومطالعات فرهنگى‪ ،‬الطبعة الثالثة طهران‪1377 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد بن حسني‪ ،‬مفتاح الفالح‪ ،‬دار األضواء‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬هـ‪.‬ق‪.‬‬


‫‪ -30‬الشيخ البهائي‪ّ ،‬‬

‫‪345‬‬
‫حممد بن احلسن‪ ،‬وسائل الشيعة‪ ،‬مؤسسة آل البيت إلحياء الرتاث‪ ،‬قم‪ 1409 ،‬هـ‪.‬ق‪.‬‬
‫‪ -31‬احلر العاملي‪ّ ،‬‬

‫حممد بن علي‪ ،‬من ال حيضره الفقيه‪ ،‬انتشارات اسالمى‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬قم‪ 1413 ،‬هـ‪.‬ق‪.‬‬
‫‪ -32‬ابن بابويه‪ّ ،‬‬

‫‪ -33‬شريواىن‪ ،‬على‪ ،‬اخالق اسالمى ومباىن نظرى آن (األخالق اإلسالمية ومبانيها النظرية) ‪،‬دار الفكر‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪1379‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -34‬شريواىن‪ ،‬على‪ ،‬فرا اخالق (ما وراء األخالق)‪ ،‬بزوهشكاه فرهنك وانديشه اسالمي‪ ،‬طهران‪1376 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -35‬صانعى‪ ،‬دره بيدي‪ ،‬منوچهر‪ ،‬فلسفه اخالق در تفكر غرب (فلسفة األخالق يف الفكر الغريب)‪ ،‬دانشكاه‬
‫شهيد هبشىت‪ ،‬طهران‪1368 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد بن إبراهيم‪ ،‬احلكمة املتعالية يف األسفار العقلية األربعة‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪،‬‬
‫‪ -36‬صدر الدين الشريازي‪ّ ،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪،‬بريوت‪1981 ،‬م‪.‬‬

‫حممد حسني‪ ،‬امليزان يف تفسري القرآن‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪ -37‬الطباطبائي‪ّ ،‬‬
‫‪1379‬هـ‪.‬ق‪.‬‬

‫حممد باقر املوسوي اهلمداين‪ ،‬دفرت انتشارات‬


‫حممد حسني‪ ،‬ترمجة تفسري امليزان‪ ،‬ترمجة السيد ّ‬
‫‪ -38‬الطباطبائي‪ّ ،‬‬
‫اسالمى‪ ،‬قم‪1363 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫الواقعي)‪ ،‬صدرا‪ ،‬طهران‪،‬‬


‫ّ‬ ‫حممد حسني‪ ،‬اصول فلسفه وروش رئالسيم (أصول الفلسفةـ واملنهج‬
‫‪ -39‬طباطبائي‪ّ ،‬‬
‫قم‪1374 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -40‬الطوسي‪ ،‬نصري الدين‪ ،‬اخالق ناصرى‪ ،‬تصحيح وتوضيح جمتىب مينوى وعلي رضا حيدري‪ ،‬خوارزمى‪،‬‬
‫طهران‪1364 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -41‬العاملي‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬البلد األمني والدرع احلصني‪ ،‬الطبعة احلجرية‪.‬‬

‫‪ -42‬فتح علي‪ ،‬حممود‪ ،‬تساهل وتسامح اخالقي‪ ،‬ديىن‪ ،‬سياسى‪ ،‬مؤسسه فرهنگى طه‪ ،‬قم‪.1378 ،‬‬

‫‪346‬‬
‫‪ -43‬فرانكنا‪ ،‬ويليام كى‪ ،‬فلسفه اخالق‪ ،‬ترمجة هادى صادقى‪ ،‬مؤسسه فرهنگى طه‪ ،‬قم‪1376 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد على‪ ،‬سري حكمت در اروپا(مسري احلكمة يف أوروبا)‪ ،‬نشر الربز‪ ،‬طهران‪ 1377 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪ -44‬فروغى‪ّ ،‬‬

‫‪ -45‬الفيض الكاشاين‪ ،‬حمسن‪ ،‬احملجة البيضاء يف هتذيب اإلحياء‪ ،‬مكتبة الصدوق‪ ،‬طهران‪1342 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد بن شاه مرتضى‪ ،‬احلقائق يف حماسن األخالق وقرة العيون يف املعارف واحلكم‬
‫‪ -46‬الفيض الكاشاين‪ّ ،‬‬
‫ومصباح األنظار‪ ،‬حتقيق وتذييل إبراهيم مياجني‪ ،‬املكتبة اإلسالمية‪ ،‬طهران‪1378 ،‬هـ‪.‬ق‪.‬‬

‫‪ -47‬كابلستون‪،‬ـ فردريك‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪ :1‬اليونان والروم‪ ،‬ترمجة السيد جالل الدين جمتبوى‪ ،‬انتشارات علمي‬
‫وفرهنگى ‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬طهران‪1368 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -48‬كابلستون‪،‬ـ فردريك‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪ :5‬الفالسفة اإلنكليز من هوبس إىل هيوم‪ ،‬ترمجة جالل الدين اعلم‪،‬‬
‫انتشارات علمى وفرهنگى وسروش‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬طهران‪1370 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -49‬كابلستون‪،‬ـ فردريك‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪ ،7‬من فيخته إىل نيتشه ترمجة داريوش آشورى‪ ،‬انتشارات علمى‬
‫وفرهنگى وانتشارات سروش‪ ،‬طهران‪1367 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -50‬كابلستون‪،‬ـ فردريك‪ ،‬تاريخ فلسفه‪ ،‬ج‪ ،8‬من بنتام إىل راسل‪ ،‬ترمجة هباء الدين خرمشاهي‪ ،‬انتشارات علمى‬
‫وفرهنگى وانتشارات سروش‪ ،‬طهران‪1370 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫ت‪ ،‬عمانوييل‪ ،‬بنياد ما بعد الطبيعة اخالق (تأسيس ميتافيزيقيا األخالق)‪ ،‬ترمجة محيد عنايت وعلي‬
‫‪َ -51‬كانْ ْ‬
‫قيصرى‪ ،‬خوارزمى‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬طهران‪1369 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -52‬كرسون‪ ،‬آندريه‪ ،‬فالسفه بزرك (فالسفة عظماء) ترمجة كاظم عبادي‪ ،‬انتشارات صفى على شاه‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة‪ ،‬طهران ‪1363‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫‪ -53‬كرم‪ ،‬يوسف‪ ،‬تاريخ الفلسفة احلديثة‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫حممد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬طهران‪1365 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪ -54‬الكليين‪ّ ،‬‬

‫‪ -55‬كاترى‪ ،‬دبليو‪ .‬كى‪ .‬سى‪ ،‬تاريخ فلسفه يونان‪ ،‬ترمجة حسن فتحي‪ ،‬فكر روز‪ ،‬طهران‪ 1375 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -56‬الهيجى‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬گوهر مراد (جوهر املراد)‪ ،‬سازمان چاب وانتشارات وزارت فرهنك وارشاد‬
‫اسالمى‪ ،‬طهران‪1372 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -57‬لنكسرت‪ ،‬لني و‪ ،‬خداوندان انديشه سياسى (آهلة الفكر السياسي) اجللد الثالث‪ ،‬القسم األول‪ ،‬ترمجة علي‬
‫رامني‪ ،‬امري كبري‪ ،‬الطبعة األوىل طهران‪ 1362 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد باقر‪ ،‬حبار األنوار‪ ،‬مؤسسة الوفاء‪ ،‬بريوت‪1404 ،‬هـ‪.‬ق‪.‬‬


‫‪ -58‬اجمللسي‪ّ ،‬‬

‫حممد تقي‪ ،‬مستدرك الوسائل ومستنبط املسائل‪ ،‬مؤسسة آل البيت إلحياء الرتاث‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪ -59‬النوري‪ ،‬حسني بن ّ‬
‫‪ 1408‬هـ‪.‬ق‪.‬‬

‫ت) دفرت تبليغات‬


‫‪ -60‬حممد رضاىي‪ ،‬حممد‪ ،‬تبيني ونقد فلسفه اخالق كانت (تبيني ونقد فلسفةـ األخالق عند َكانْ ْ‬
‫اسالمى‪ ،‬قم‪1379 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد رضا‪ ،‬فلسفه اخالق‪ ،‬سروش‪ ،‬طهران‪1376 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬


‫‪ -61‬مدرسى‪ ،‬سيد ّ‬

‫حممد تقى‪ ،‬آموزش فلسفه (املنهج اجلديد يف تعليم الفلسفة) شركت چاب ونشر بني امللل‪ ،‬الطبعة‬
‫‪ -62‬مصباح‪ّ ،‬‬
‫الثانية‪ ،‬طهران‪ 1379 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد حسني اسكندرى‪ ،‬مؤسسة‬


‫حممد تقى‪ ،‬اخالق در قرآن (األخالق يف القرآن)‪ ،‬حتقيق وتعليق ّ‬
‫‪ -63‬مصباح‪ّ ،‬‬
‫آموزش وبزوهشى إمام مخيىن قدس سره‪ ،‬قم‪ 1376 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد مهدى نادرى‪ ،‬مؤسسة آموزشى وبزوهشى‬


‫حممد تقي‪ ،‬به سوى او (إىل اهلل) حتقيق وترتيب ّ‬
‫‪ -64‬مصباح‪ّ ،‬‬
‫إمام مخيىن قدس سره‪ ،‬قم‪1382 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫حممد تقى‪ ،‬به سوى خودسازى (حنو إصالح الذات)‪ ،‬كرمي سبحاىن‪ ،‬مؤسسة آموزشى وبزوهشى‬
‫‪ -65‬مصباح ّ‬
‫إمام مخيىن قدس سره‪ ،‬قم ‪1380‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد تقى‪ ،‬پيش نيازهياى مديريت اسالمى (مقدمات اإلدارة اإلسالمية)‪ ،‬مؤسسة آموزشى‬
‫‪ -66‬مصباح‪ّ ،‬‬
‫وبزوهشى إمام مخيىن قدس سره‪ ،‬قم‪1376 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد تقى‪ ،‬خودشناسى براى خودسازى (معرفة النفس من أجل إصالح الذات)‪ ،‬مؤسسة أموزشى‬
‫‪ -67‬مصباح‪ّ ،‬‬
‫وبرزوهشى إمام مخيىن قدس سره‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬قم‪1381 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫حممد تقى‪ ،‬دروس فلسفه اخالق (دروس يف فلسفة األخالق)‪ ،‬اطالعات طهران‪.1374 ،‬‬
‫‪ -68‬مصباح‪ّ ،‬‬

‫حممد تقى‪ ،‬فلسفه اخالق‪ ،‬حتقيق وتدوين أمحد حسني شريفى‪ ،‬چاب ونشر بني امللل‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪ -69‬مصباح ّ‬
‫‪1381‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد تقى‪ ،‬معارفـ قران‪ :‬خداشناسى‪ ،‬كيهان شناسى‪ ،‬انسان شناسى (معارفـ القرآن‪ :‬معرفة اهلل‪،‬‬ ‫‪ -70‬مصباح‪ّ ،‬‬
‫معرفة الوجود‪ ،‬معرفة اإلنسان) الطبعة الثانية‪ ،‬مؤسسة آموزشى وبزوهشى إمام مخيىن قدس سره‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪1378‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -71‬مطهرى‪ ،‬مرتضى‪ ،‬جمموعه آثار (األثار الكاملة)‪ ،‬صدرا‪ ،‬طهران‪ ،‬قم‪.‬‬

‫‪ -72‬معلمي‪،‬ـ حسن‪ ،‬مباىن اخالق در فلسفه غرب وفلسفهـ اسالمى (مباين األخالق يف الفلسفة الغربية والفلسفة‬
‫اإلسالمية)‪ ،‬مؤسسة فرهنگى دانش وانديشه معاصر‪ ،‬طهران‪1380 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد جواد‪ ،‬فلسفةـ اخالق يف اإلسالم‪ ،‬ترمجة دفرت حتقيات وانتشارات بدر‪ ،‬كوكب‪ 1361 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪ -73‬مغنية‪ّ ،‬‬

‫حممد جواد‪ ،‬فلسفةـ األخالق يف اإلسالم‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -74‬مغنية‪ّ ،‬‬

‫‪349‬‬
‫‪ -75‬ماك ناوتن‪ ،‬دايفيد‪ ،‬بصريت اخالقي (البصرية األخالقيّة) ‪،‬ترمجة حممود فتحعلى‪ ،‬مؤسسة آموزشى وبزوهشى‬
‫إمام مخيىن قدس سره‪ ،‬قم‪1380 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -76‬املوسوعة الفلسفية العربية‪ ،‬رئيس التحرير معن زيادة‪ ،‬معهد اإلمناء العريب‪ ،‬الطبعة األوىل‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -77‬مور‪ ،‬جورج إداورد‪ ،‬اخالق‪ ،‬ترمجة إمساعيل سعادت‪ ،‬انتشارات علمى وفرهنگى ‪ ،‬طهران‪1366 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -78‬ناس جان ىب‪ ،‬تاريخ جامع اديان‪ ،‬ترمجة على اصغر حكمت‪ ،‬انتشارات وآموزش انقالب اسالمى‪ ،‬الطبعة‬
‫اخلامسة‪ ،‬طهران‪1370 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫حممد كالنرت‪،‬إمساعيليان‪ ،‬قم‪ 1383 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬


‫حممد مهدى‪ ،‬جامع السعادات‪ ،‬تصحيح وتعليق ّ‬
‫‪ -79‬النراقى‪ّ ،‬‬

‫‪ -80‬نيتشه‪ ،‬فردريك ويلهلم‪،‬ـ تبارشناسى اخالق (أصول األخالق)‪ ،‬ترمجة داريوش آشورى‪ ،‬آكاه‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪ 1377‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -81‬نيتشه‪ ،‬فردريك ويلهلم‪،‬ـ خواست واراده معطوف به قدرة (إرادة القوة)‪ ،‬ترمجة رؤيا منعم‪ ،‬مس‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪1378‬ه‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -82‬نيتشه‪ ،‬فردريك ويلهلم‪،‬ـ الدجال‪ ،‬ترمجة عبد العلي دستغيب‪ ،‬آكاه‪ ،‬طهران‪1352 ،‬هـ‪.‬ش‪..‬‬

‫‪ -83‬نيتشه‪ ،‬فردريك ويلهلم‪،‬ـ فراسوى نيك وبد (ما وراء اخلري والشر)‪ ،‬ترمجة داريوش آشورى‪ ،‬خوارزمى‪،‬‬
‫طهران‪ 1373 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -84‬هيوم‪ ،‬دايفيد‪ ،‬تاريخ طبيعى دين‪ ،‬ترمجة محيد عنايت‪ ،‬خوارزمي‪ ،‬طهران‪ 1356 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -85‬فارنوك‪ ،‬ج‪ ،‬فلسفه اخالق در قرن حاضر (فلسفة األخالق يف القرن املعاصر) ترمجة وتعليقات صادق‬
‫الرجياىن‪ ،‬مركز ترمجة ونشر كتاب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬طهران‪ 1368 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫‪ -86‬فارنوك‪ ،‬مرى‪ ،‬فلسفه اخالق در قرن بيستم (فلسفة األخالق يف القرن العشرين)‪ ،‬ترمجة وحواشي أبو‬
‫القاسم فنائى‪ ،‬دفرت تبليغات اسالمى قم‪1380 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -87‬ياجلن‪ ،‬مقداد‪ ،‬االجتاه األخالقى يف اإلسالم‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬مصر‪1392 ،‬هـ‪.‬ق‪.‬‬

‫املقاالت‬

‫‪ -1‬بومين‪ ،‬لوئيس "نقدي بر نسبيت اخالقي" (نقد النسبيّة األخالقيّة)‪ ،‬ترمجة حممود فتحعلى‪ ،‬جملة نقد ونظر‪،‬‬
‫العدد ‪ 14‬دفرت تبليغات اسالمى‪ ،‬قم‪ ،‬شتاء ‪ 1376‬ه‪.‬ش‪ .‬وربيع ‪ 1377‬ه‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -2‬داودي‪ ،‬على مراد "سوفسطائيان" (سوفسطائيني)‪ ،‬جملة دانكشاه ادبيات وعلوم انساىن‪ ،‬طهران‪ ،‬العدد ‪.90‬‬

‫‪ -3‬روبيجك‪ ،‬بول‪" ،‬اخالق نسىب يا مطلق" (األخالق نسبية أم مطلقة) ترمجة سعيد عدالت جناد‪ ،‬نقد ونظر‪،‬‬
‫العدد ‪ ،14‬دفرت تبليغات اسالمى‪ ،‬قم‪ ،‬شتاء ‪ 1376‬ه‪.‬ش‪ .‬وربيع ‪ 1377‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -4‬الرجياىن‪ ،‬صادق‪" ،‬فلسفة اخالق ‪ ،"1‬الكالم اإلسالمي‪ ،‬العدد ‪ ،11‬مؤسسة حتقيقاتى وتعليماتى جملة إمام‬
‫صادق عليه السالم‪ ،‬قم‪ ،‬خريف ‪ 1373‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ -5‬مك دونالد‪ ،‬اسكوت‪" ،‬قرون وسطاى متأخر" (القرون الوسطى املتأخرة) ترمجة حمسن جوادي‪ ،‬تاريخ فلسفه‬
‫اخالق در غرب‪ ،‬تدوين سى الرنس بيكر‪ ،‬ترمجة مجاعة من املرتمجني مؤسسة آموزشى وبوهشى إمام مخيىن‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪ 1378‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪351‬‬
Bobliography

Becker, Lawrence C. & Charlote B. Becker, eds, Encyclopedia of Ethics, Routledge.


.2nd edition, London and Newyork, 2007
Bunting, Harry. "A Single True Morality" Challenge of Relativism", in David
.Archard, ed, Philosophy and Pluralism, Cambridge University Press, 1996

Craig, Edward, "Realism and Antirealism", in Edward Craig, ed, Routledge


.Ebcyclopedia of Philosophy, Routledge, London and New York, 1998, vol 8

Fraizer. Robert L. "INtuitionism in Ethics", in Edward Craig, ed, Routledge


.Encyclopedia of Philosophy, Routledge, London and New York, 1998, vol 4

Freeman, Samuel, "Contractarianism", in Edward Craig, ed, Routledge, Encyclopedia


.of Philosophy Routledge, London and New York, 1998, vol 3

.Harman. Gilbert, The nAture of Morality, Oxford University Press, Oxford, 1977

Harrison, Geoffery, "Relativism and Tolerance", in Peter Laslet and James Fishkin,
.eds, Philosophy. Politics and Society, Yale University Press. New Haven 1979

Jordan. Geff, "Concerning Moral Toleration", in Mehdi Amin Razavi and David
Ambuel. eds, Philosophy. Religion and the Question of Intolerance, State University
.of New York Press, New York, 1979

Kant, Immanuel, "Ground work of the Meta physic of Morals". tr. H.J. Paton, in the
.Moral Law, Hutchinson University Library. London. 1972, P 123

.Moore, G. E. principia Ethica, Prometheus Books New York, 1988

Pojman, Louis P. Philosophy: The Quest for Fruth University of Mississippi, Wad
.fworth publishing co, 1992

Pojman, Louis P. "Relativism", in Robert Audi, ed, The Cambridge Dictionary of


.Philosophy, Cambridge, University Press, New York, 1996

Rachles, James, The Element of Moral philosophy, McGraw Hill Inc. 2nd Edition,
.New York, 1993

Shomali, Mohammad. A. Ethical Relativism: an Analysis of the foundation of


.Morality. Islamic College for advanced Studies Press. London, 2001
Wong, David, "Moral Relativism", in Edward Craig. ed, Routledge Encyclopedia of
philosophy, Routledge, London and New York, 1988, vol 6

352

You might also like