You are on page 1of 14

‫‪ISSN: 2676-1998‬‬ ‫مجلة القبس للدراسات النفسية واالجتماعية (ص ‪0202 (03) 11 )77-46‬‬

‫تـط ـ ـ ـور فلسف ـ ـ ـة الصـ ـ ـ ـورة من أفالطون إىل دوبري‬


‫‪Evolution of image philosophy From Plato to Dobry‬‬
‫د‪ .‬زهي ـ ـ ـ ــر بوسيـ ـ ــالة‬
‫جامعة املدي ــة (اجلزائر)‬
‫اتريخ االستالم‪7472/40/72 :‬؛ اتريخ املراجعة‪7472/40/72 :‬؛ اتريخ القبول‪7472/40/42 :‬‬
‫ملخص الدراسة‪:‬‬
‫نعيش اليوم " عصر الصورة"‪ ،‬الصورة املرتبطة مبجال االعالم واالتصال‪ ،‬واملرتبطة أيضا بعامل الرتبية والتعليم واألخالق والدين واخليال‬
‫واإلبداع‪ ،‬فمجال الصورة يف عامل اليوم يتمتع ابستقاللية نسبية‪ ،‬له مناهجه وأدواته اخلاصة‪ .‬لقد صار البحث يف فلسفة الصورة مطلبا ملحا من‬
‫أجل امتالك أدوات تفكيك الصورة ونقد خباايها‪ ،‬وعليه فإن هذه الدراسة تستعرض أهم اإلسهامات الفلسفية اليت قدمها يف هذا اجملال‬
‫فالسفة أمثال‪ :‬أفالطون وأرسطو وأوغسطني وموريس مريلوبونيت وميشيل فوكو وبودراير وجي ديبور ورجييس دوبريه‪...‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬اإلبصار؛ التمثل؛ الصورة؛ فلسفة؛ الصورة؛ املرئي والالمرئي‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪We live Today in the “age of the image”, the image associated with the field of media‬‬
‫‪and communication, which is also linked to the world of education, ethics, religion,‬‬
‫‪imagination and creativity. Research into the philosophy of the image has become an urgent‬‬
‫‪necessity to possess the tools to deconstruct the image and critique its mysteries, and as a‬‬
‫‪result, this study reviews the most important philosophical contributions made in this field by‬‬
‫‪philosophers. Such as: Platon, Aristote, Augustine, Maurice Merleau-Ponty, Michel Foucault,‬‬
‫‪Baudrillard, Guy Debord, Regis Debray .‬‬
‫‪Keywords: eyesight; Philosophy of the image; the picture; representation; Visual and invisible.‬‬

‫‪.‬‬

‫ـ مقدمة‪:‬‬
‫ينعكس جوهر أي عصر ـ ـ كما يقول هايدجر ـ ـ يف صورة العامل ‪ world Picture‬الذي يتبنّاها هذا العصر أو‬
‫ذاك‪ ،‬فقد متيّز االنتقال إىل احلداثة ليس فقط ابستبدال صورة العامل القدمية بصورة العامل احلديثة‪ ،‬ولكن بتحويل العامل‬
‫نفسه إىل صورة‪ ،‬فكلمة صورة تعين اآلن صورة منظمة أو متشكل‪ ،Structured image‬واليت هي انتج القدرة‬
‫اخلاصة ابلذات‪ .‬إ ّن الذات احلديثة ختلق الواقع من خالل التمثيل‪ّ ،‬إّنا تُنتج العامل من خالل إعادة إنتاجه‬
‫التمثيلية ّ‬
‫على هيئة متثيالت‪ .‬إ ّن التحول اجلذري من اإلدراك للتكوين الذايت حيمل بداخله إدراكا عميقا ملشكلة التمثيل‪،‬‬
‫خاصة‪.‬‬
‫هكذا تطور اتريخ الصور عرب العامل ويف الغرب ّ‬
‫أوال‪ :‬مفهوم الصورة‪:‬‬
‫تتكون الصورة من الناحية النيورولوجية من أجزاء أو أقسام من اخلربة البصرية اليت جتري معاجلتها‪ ،‬ويتم التنسيق‬
‫بينها من خالل عملية إدراكية مسّاها وولرت ليربمان "الصورة املوجودة يف رؤوسنا"‪.‬‬
‫متتد كلمة صورة ‪Image‬جبذورها إىل الكلمة اليواننية القدمية‪ ،‬أيقونة ‪ ،icon‬واليت تشري إىل التشابه واحملاكاة‪ ،‬واليت‬
‫ترمجت إىل‪ imago‬يف الالتينية‪ ،‬و‪ image‬يف االجنليزية‪ ،‬ولقد لعبت هذه الكلمة ودالالهتا دورا مهما يف فلسفة‬
‫أفالطون‪ ،‬وكذلك يف أتسيس كثري من أنظمة التمثيل والتمثل ‪ Représentation‬لألفكار والنشاطات يف الغرب‪.‬‬
‫(شاكر عبد احلميد‪ ،5002 ،‬ص‪)00‬‬

‫‪64‬‬
‫‪HJRS 0202 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫بوسيالة زهير‬

‫مصطلح الصورة مصطلح مشتق من كلمة التينية تعين حماكاة‪ ،‬ومعظم االستخدامات القدمية واحلديثة هلذا‬
‫املصطلح تدور حول املعىن نفسه‪ ،‬ومن ّت توجد معام متقاربة ورمبا مرتادفة مع هذا املعىن يف جمال االستخدام‬
‫السيكولوجي‪ ،‬مثل‪ :‬التشابه‪ ،‬النسخ‪ ،‬إعادة اإلنتاج‪ ،‬الصورة األخرى‪ّ .‬أما يف اللغة العربية‪ ،‬فإ ّن كلمة صورة تعين هيئة‬
‫فتصور يل‪،‬‬
‫الفعل أو األمر وصفته‪ ،‬ومن معانيها كما جاء يف لسان العرب‪ ،‬تصورت الشيء‪ :‬تومهت صورته ّ‬
‫والتصاوير‪ :‬التماثيل‪( .‬ابن منظور‪ ،‬ص‪)374‬‬
‫يعرف أبراهم مولس الصورة على أ ّّنا‪ ":‬تلك الركيزة لالتصال املرئي الذي جيسد مقتطفا من العامل احملسوس‪،‬‬
‫الوسيط املرئي القابل للبقاء خالل الزمن والذي يشكل إحدى املكوانت األساسية لوسائل اإلعالم‪Abraham (".‬‬

‫‪ )Moles,1981,p20‬ويشري ارنولد هوفمان إىل ّأّنا‪ ":‬معرفة مادية للحقيقة وللحدث ووسيلة مهمة لإلنسان ملعرفة‬
‫العامل احمليط به وتساعده على توجيهه يف مجيع املراحل املتعددة واملعقدة لعصران هذا‪Michel Traodyet, 2007, ( ".‬‬
‫أبّنا‪ ":‬شيء ذو طبيعة تكمن يف التشابه مع شيء آخر والذي يعترب منوذجه أو أصله‪،‬‬ ‫‪ )p20‬ويعرفها العياضي ّ‬
‫فالصورة تذكران ابلشيء املصور وجتعله حاضرا‪ ،‬دون أن تعوضه أو حتل حمله‪ .‬إ ّن قدرة الصورة على اإلغراء ينبع من‬
‫عالقة الصورة ابلشيء املصور‪ ،‬واليت ال ميكن اختصارها يف الشبه‪ ،‬بل حصرها يف التمثيل أو التصور‪ ،‬مبعىن أن‬
‫الصورة متثل الشيء املصور‪ ،‬وهناك فرق بني التشابه والتمثيل‪( ".‬نصر الدين العياضي‪ ،5002 ،‬ص‪)72‬‬
‫اثنيا‪ :‬تطور فلسفة الصورة‪:‬‬
‫‪ .0‬أفالطون والصورة‪:‬‬
‫العامة حول الفن واإلبداع‪ ،‬فقد نبع اهتامه الشهري للشعراء من‬‫اخلاصة حول الصورة بنظرته ّ‬ ‫ترتبط رؤية أفالطون ّ‬
‫تصوره أب ّن الصورة اليت يق ّدمها هؤالء غري مؤّكدة‪ ،‬غري حقيقية‪ ،‬صور ومهية‪ ،‬ومن ّت فهي هت ّدد احلقيقة والنظام يف‬
‫الدولة املثالية‪ .‬يعترب أفالطون الشاعر جمرد "صانع للصور البعيدة عن احلقيقة"‪ ،‬فالشعراء يق ّدمون صور السلوك‬
‫الشرير الذي سيقوم الشباب مبحاكاهتا‪ " ،‬لقد نظر أفالطون إىل الفن عموما وإىل الشعر خصوصا على أنّه يزيِّّف‬
‫صورة الواقع ويق ّدم منوذجا مشوها له‪ ،‬لذلك جلأ إىل فكرة احملاكاة يف نقد الفن‪ ،‬واليت يقصد هبا حماكاة العامل‬
‫احلقيقي‪( ".‬فؤاد زكراي‪ ،5003 ،‬ص‪)020‬‬
‫حاسة اإلبصار‪ ،‬ويعتربها متميزة عن كافة احلواس‪ ،‬حيث حتتاج إىل عنصر الضوء حىت‬ ‫كما يتحدث أفالطون عن ّ‬
‫حاسة اإلبصار وإمكان رؤية الشيء أرفع بكثري من كل الروابط اليت جتمع بني‬ ‫تكتمل عملياهتا‪ "،‬فالرابطة اليت جتمع ّ‬
‫بقية احلواس وموضوعاهتا ما دام الضوء شيء حبق‪( ".‬فؤاد زكراي‪ ،5003،‬ص‪ )00‬فالضوء كما يقول أفالطون‪" :‬هو‬
‫الرابطة النبيلة بني عملية الرؤية البصرية والعامل املرئي‪ ،‬إ ّن ضوء العقل هو الذي يربطنا مبثالية الرؤية اليت تتجاوز املرئي‬
‫يف مداه‪ ،‬فهي ال تكتفي ابحلدوث عند مستوى املرئي البصري فقط بل تتجاوزه بدرجات كبرية‪/".‬‬
‫(شاكر عبد احلميد‪ ،5002 ،‬ص‪)75‬‬
‫لقد شبّه أفالطون ال ّذين هم يف العامل احلسي أب ّّنم يعيشون يف كهف منذ والدهتم‪ ،‬مل خيرجوا منه قط‪ ،‬وهم مقيَّدون‬
‫أبغالل تربطهم جبدران الكهف حبيث ال يتمكنون من االلتفات وراءهم‪ ،‬كل ما ميكنهم رؤيته هو ظل األشياء‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪65‬‬


‫‪HJRS 0222 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫تطور فلسفة الصورة من أفالطون إلى دوبري‬

‫واألشخاص على جدار الكهف‪ ،‬وهم يعتقدون أ ّن هذه الظالل هي احلقيقة‪ّ ،‬إّنم يعيشون سجناء يف أوهام‬
‫الكهف‪ ،‬وهي تلك األوهام اليت ربطها بودراير خالل القرن العشرين‪ ،‬مبا تفرضه وسائل اإلعالم املرئية احلديثة على‬
‫اإلنسان اآلن من أوهام وقيود وأغالل وابتعاد عن احلقيقة‪ ،‬من خالل هذا العرض املكثف واملتواصل للظالل والقشور‬
‫واألصداء‪( .‬أشرف منصور‪ ،5004 ،‬ص‪)552‬‬
‫اخلاصة‬
‫استخدم أفالطون الصورة واللغة التصويرية اجملازية لتجسيد حالة سكان الكهف‪ ،‬فاألمثولة التصويرية ّ‬
‫خاصة حبالة مفارقة من حاالت التخيل والتفكري ابلصورة‪ ،‬والضوء الفعلي الذي‬ ‫ابلكهف هي يف جوهرها صورة ّ‬
‫احملررون ليس هو احلقيقة‪ ،‬لكنّه جمرد صورة من الضوء غري املدرك أو غري املرئي للوجود‪( ،‬شاكر عبد‬
‫يدركه السجناء َ‬
‫جيسد فيها بودراير غايته حني يقارن بني كهف أفالطون يف املاضي‬ ‫ِّ‬
‫احلميد‪ ،5002 ،‬ص‪ )77‬وهي الصورة اليت ّ‬
‫وكهف التلفزيون‪ ،‬أو حالة مشاهدته يف احلاضر‪.‬‬
‫‪ .5‬اإلبصار عند أرسطو‪:‬‬
‫ألّنا أتتينا أبكرب قدر من املعلومات‪،‬‬
‫خاصا ّ‬
‫يتحدث أرسطو عن اإلبصار بوصفها أهم احلواس‪ ،‬فيقدرها تقديرا ّ‬
‫وموضوعها أساسا هو الرؤية واملرئي‪ .‬لقد اعتقد أ ّن العضو احلقيقي للنظر ليس هو السطح اخلارجي للعني‪ ،‬ولكنّه‬
‫شيء داخل الرأس‪( .‬مصطفى النشار‪ ،0872 ،‬ص‪)38‬‬
‫لقد قام أرسطو بتحويل القصيدة والصورة والدراما إىل أمناط من املوضوعات الشكلية‪ ،‬اليت ميكن للذات‬
‫املستكشفة أن تعرفها‪ ،‬حيث جعل من السهل أن تدرك أ ّن النظام الشكلي للصورة الشعرية كان مبنزلة التحسن‬
‫اخلاصة ابألحداث التارخيية والشخصية‪ .‬هذا التطور الكبري يف الفكر الغريب مسح‬‫الواضح الذي يطرأ على الفوضى ّ‬
‫إبعادة النظر يف الدور اخلاص ابحملاكاة اليت يقوم هبا الشاعر‪.‬‬
‫ويرى أرسطو أ ّن احملاكاة يف الرتاجيدايت ليست حماكاة لألشخاص‪ ،‬بل لألعمال واحلياة والسعادة والشقاء‪،‬‬
‫والسعادة والشقاء موجودان يف العمل‪ ،‬فهي حماكاة العامل احلقيقي‪ ،‬ال حماكاة مشاعر النفس البشرية وأحواهلا‪.‬‬
‫(شاكر عبد احلميد‪ ،5000 ،‬ص‪)72‬‬
‫حماكاة‪mimesis‬‬ ‫ال تزال فكرة احملاكاة يرتدد صداها‪ ،‬فبعض الباحثني املعاصرين يقولون أ ّن أفضل ترمجة لكلمة‬
‫اإلغريقية‪ ،‬ليست التقليد ‪ ،imitation‬وال التمثيل ‪ ،représentation‬بل األصح ترمجتها إىل املماثلة ‪،simulation‬‬
‫فالفعل الدرامي هو مبنزلة املماثلة لألفعال اإلنسانية‪ ،‬ليس حماكاة لألشخاص بل لألعمال واحلياة والسعادة والشقاء‪،‬‬
‫هي مماثلة إذن لألعمال واالنفعاالت واحلياة وليس األشخاص‪ .‬ويف كل احلاالت ليس هناك نسخ حريف أو تطابق‬
‫الشيء وما يناظره أو‬
‫اتم بني شيئني أو عمليتني‪ ،‬بل هناك مسافة ما بني األصل والصورة‪ ،‬بني املشبّه واملشبّه به‪ ،‬بني ّ‬
‫حىت مياثله‪ ،‬هذه املسافة إضافة للمسافة اليت تكون بني املشاهدين وبني العمل الفين‪ ،‬هي اليت تؤّكد فكرة املشاهدة‪،‬‬
‫لقد هبط أرسطو ابلصور من عامل املثل (اجلوهر) لدى أفالطون‪ ،‬إىل عامل الواقع (املظهر)‪.‬‬
‫اخلاصة ب ـ "صورة " العمل الفين أو شكله للتغري والتحسني‬
‫لقد طرح أرسطو ألول مرة‪ ،‬فكرة قابلية العناصر الشكلية ّ‬
‫من أجل إحداث األثر األكرب يف املتلقي‪ ،‬وقد أصبح "عصر الصورة " الفكرة احملورية بعد أرسطو بنحو أربعة‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪66‬‬


‫‪HJRS 0202 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫بوسيالة زهير‬

‫وعشرون قران‪ ،‬عصر املظهر واألثر‪ ،‬عصر اإلهبار واإلمتاع احلسي‪ ،‬ولو على حساب املثل والقيم واألفكار العالية‪،‬‬
‫عصر التأكيد على التغري الدائم‪ ،‬وعلى السطحي و ِّّ‬
‫املتحول‪.‬‬
‫‪ .4‬الصورة يف احلضارة الرومانية‪:‬‬
‫كانت احلضارة الرومانية أكثر تقبال للصور من احلضارة اإلغريقية‪ ،‬لذلك جند أ ّن األعمال الفنية الرومانية يف‬
‫أغلبها من فعل أصحاهبا‪ ،‬فالزابئن ال ّذين يطلبون تلك األعمال ظلّوا أشهر ممن صنعها‪ ،‬ومفهوم العمل األصيل ال‬
‫وظل هذا األمر حىت ظهرت معركة حترمي الصور‪.‬‬‫معىن له‪ ،‬حيث اعترب الفن اجنازا مثله مثل احلرب‪ّ ،‬‬
‫لقد سار املذهب املس يحي على ما يشبه منوال أفالطون يف الربط بني ما هو لفظي من جهة‪ ،‬وبني غري املدرك‬
‫اخلاصة للصور‬
‫ّ‬ ‫حسيا أو الروحام من جهة أخرى‪ ،‬ومن ّت حدث ما يشبه العداء مع ذلك االجتاه من العبادة‬
‫املرسومة واليت ترتبط ابحملسوس‪ ،‬والعامل األرضي والفاسد أو املتحلل‪ .‬وقد قاومت املسيحية املبكرة ما أدركه ق ّديسوها‬
‫على أنّه ثقافة حسية ومجالية مادية تنتمي إىل احلضارات البدائية القدمية‪ ،‬وعليه قاموا بتحرمي تلك الطقوس الوثنية‬
‫اخلاصة بتوفري الصور اجلسدية‪ ،‬أو اليت تؤّكد حضور اجلسد اإلنسام فيها‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد سار املذهب املسيحي أيضا على منوال أرسطو‪ ،‬فأعلى من شأن الصورة املق ّدسة الثابتة يف مواجهة التاريخ‬
‫املتغري‪ ،‬فقد ّت جتسيد السيد املسيح‪ ،‬مث تفسري ذلك على أنّه أتكيد واحتفاء بعملية "صناعة الصورة" يف ذاهتا‪ ،‬وذلك‬
‫أل ّن املسيح كان يف البدء "كلمة"‪ ،‬لكنّه أصبح جسدا أي نوعا من التصوير املرئي ملن هو غري مرئي‪ ،‬مثلما كان‬
‫الضوء خارج كهف أفالطون صورة للواقع الغري مرئي‪( .‬رجييس دوبري‪ ،5005 ،‬ص‪)037-032‬‬
‫الصـ ـ ـ ـ ــور‪:‬‬
‫‪ .3‬حت ـ ـ ـ ـ ــرمي ّ‬
‫خاصة خالل‬ ‫ِّ‬
‫ظهر خالل القرنني الثامن والتاسع امليالديني ما ُمسّي حبركة حترمي الصور ‪ iconoclasm‬أو حتطيمها ّ‬
‫للصور ال ّدينية‪ ،‬حيث أدرك‬‫جسد احلكام تصميمهم السياسي من خالل قيامهم ابلتحرمي التّام ّ‬‫العصر البيزنطي‪ ،‬فقد ّ‬
‫الصورة‪ ،‬فحضورها حىت‬ ‫األابطرة البيزنطيون ّأّنم مهددون من خالل تلك القوة املتنامية للكنيسة اليت ميثّلها حضور ّ‬
‫الصورة املق ّدسة‪،‬‬
‫على العمالت بدالالهتا االقتصادية والسياسية‪ ،‬وحضورها أيضا من خالل الرهبان واألداير ُمالّك ّ‬
‫وقد حاولوا أتكيد سطوة الدولة وسلطتها من خالل منعهم األيقوانت الدينية‪ ،‬وتشجيعهم الفنون الغري ال ّدينية‪ ،‬أي‬
‫اخلاصة ابلرتاث ال ّديين‪ .‬لقد كانت‬ ‫ِّ‬
‫للصورة املق ّدسة ّ‬‫اخلاصة ابإلمرباطورية كبديل مناسب ّ‬
‫ّ‬ ‫الصور‬
‫جتسد ّ‬ ‫الفنون اليت ّ‬
‫الصورة ال ّدينية ما بني‪ 222‬و‪202‬م‪ ،‬خالل حكم اإلمرباطور ليو الثالث‪،‬‬ ‫أش ّد احلمالت بطشا وتنظيما يف حترمي ّ‬
‫ومن بعده ابنه كونستانني اخلامس‪ .‬لقد ُعقد اجملمع الكنسي األول لتحرمي الصورة عام ‪ 200‬من أجل صياغة قواعد‬
‫حرموا الصور ال ّدينية‪ ،‬مثّ انعقد اجمللس الثّام عام ‪282‬م‪ ،‬الذي أقر‬‫فإّنم َّ‬
‫صارمة ضد عبادة الصور‪ ،‬وابختصار ّ‬
‫مرسوما يسمح ابلعودة املؤقتة إىل عبادة أو سيادة الصور ال ّدينية‪( .‬رجييس دوبري‪ ،5005 ،‬ص‪ )25‬ويرجع فضل‬
‫االنتصار يف اجمللس الثام إىل ُخطب الق ّديس جون ودفاعه عن الصور‪ .‬إ ّن أمهية ما قدمه القديس جون تكمن يف‬
‫االمتداد مبفهوم الصورة ‪ imago‬على أال تشتمل على الصور البصرية فقط‪ ،‬بل الصور اللفظية أيضا‪ .‬وتتمثل داللة‬
‫ما قدمه يف أنّه خلّص اخلالفات اإليديولوجية اجلوهرية حول فكرة "التمثيل" وألول مرة يف اتريخ االهتمام ابلصورة‪.‬‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪67‬‬


‫‪HJRS 0222 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫تطور فلسفة الصورة من أفالطون إلى دوبري‬

‫‪ .2‬شهوة العني عند أوغسطني‪:‬‬


‫ّأدت الشكوك احمليطة ابإلمكاانت اخلداعية للصور إىل ظهور حالة من اخلوف املرضي من الصور‬
‫املوحدة كان هلا شعور دائم ابلتهديد من حتول الصور إىل أصنام تُعبد‪ ،‬لقد أاثرت‬ ‫ِّ‬
‫‪ ،iconophobia‬فالدايانت ّ‬
‫الطبيعة اخليالية للصور اليت صنعها البشر واليت كان يُنظر إليها على ّأّنا جمرد صور حماكة زائفة للحقيقة‪ ،‬هكذا ح ّذر‬
‫القس أوغسطني (‪ 400‬ـ ـ‪ )044‬خالل تصنيفه ملا مسّاه شهوة األعني ‪ ،the lust of eyes‬من الرغبة اليت ترتبط حبب‬
‫االستطالع يف مقابل املتعة البصرية املرتبطة ابجلمال‪ ،‬ذلك أ ّن الفضول يف رأيه يتحاشى اجلميل ويذهب وراء نقيضه‬
‫متاما من أجل ل ّذة االكتشاف واملعرفة‪ ،‬فيجتذب الفضول املشاهد حنو املناظر الغري املألوفة وغري اجلميلة أيضا‪ ،‬إنّه‬
‫جيتذب به ـ ـ مثال ـ ـ حنو اجلثث املشوهة واألطراف املشبوهة‪ ،‬إنّه يكون مصحواب أيضا برغبة يف املعرفة لذاهتا‪ ،‬هذه‬
‫الرغبة تؤدي إىل االهتمام ابلتحوالت املصاحبة للسحر أو العلم‪ .‬وقد كان هذا السعي حنو املن ِّّفر والغريب واملثري‬
‫املسمى حب االستطالع العقلي‪ ...‬لقد كان‬ ‫للخوف واالمشئزاز‪ ،‬هو ما يقف وراء هذا الدافع املثري ألسباب دينية و ّ‬
‫أوغسط ني أحد الرواد املؤثرين يف نظرايت اخليال يف القرون الوسطى‪ ،‬وكان أول مفكر التيين يستخدم مصطلح‬
‫‪ imagination‬بطريقة فلسفية متماسكة‪ ،‬حيث مزج بني انعدام الثقة والشك ال ّديين يف الصور‪ ،‬وبني الرؤية‬
‫معوقة للتأمل الروحي‪ .‬وتتفق نظرية أوغسطني حول اخليال ـ ـ‬ ‫األفالطونية اجلديدة حول الفنتازاي ‪ phantasia‬بوصفها ِّّ‬
‫إىل حد كبريـ ـ مع املخطط العقلي الكالسيكي العام حول التمثيل الذي يقوم على أساس احملاكاة‪ ،‬فالصورة ّأاي كان‬
‫وضعها العقلي أو الداخلي تستمر يف اإلحالة إىل واقع أصلي معني يوجد وراءها‪ ،‬والصورة ال ميكنها أن ختلق‬
‫اخلاصة ابلنسخ أو إعادة اإلنتاج‪ ،‬فالصورة مشتقة وليست أصيلة‪ ،‬وهي من منح‬ ‫احلقيقة‪ ،‬بل تظل تتعلق ابملستوايت ّ‬
‫السماء‪ ،‬لذلك ينبغي أن تظل حتت إشراف العقل الواعي أو التأملي‪( .‬شاكر عبد احلميد‪ ،5002 ،‬ص‪)78‬‬
‫‪ .2‬تطور حاسة اإلبصار‪ :‬من الفم إىل العني‪.‬‬
‫ّأدى تطور اجملتمعات األوروبية خالل عصر النهضة وما بعده برتاجع دور الفم املفضل يف الشراب والطعام‬
‫والصراخ والغناء‪ ،‬وتقدُّم العني لتقوم بدوها يف الثقافة اجلديدة‪ ،‬حيث أصبحت العني األداة اجلوهرية لإلحساس‬
‫ابحلداثة‪ ،‬فسمحت ابالتصال وقامت ابالنفصال يف آن واحد‪ ،‬فكان حضورها كثيفا يف لوحات فنام عصر النهضة‪،‬‬
‫وأصبح وجودها جوهراي يف أدوات اإلعالم واالتصال احلديثة‪ ،‬كالسينما والتلفزيون واإلشهار والكمبيوتر‪ ،‬مع ظهور‬
‫متزايد إىل حد ما لألذن وللحواس األخرى‪.‬‬
‫لقد ظهرت مع منو الفردية يف أورواب اللوحات الفنية اليت هتتم ابلشخص‪ ،‬لقد أصبح جسده قائما بذاته وحده‪ ،‬ومل‬
‫يعد الفرد ذلك العضو الذي ال ميكن اقتطاعه من اجلماعة‪ .‬وانزاحت القداسة كذلك عن اجلسد‪ ،‬مع تقدم علم‬
‫التشريح على يد فيسال الطبيب البلجيكي (‪2020‬ـ ـ‪ )2054‬ودافينشي الفنان اإليطايل (‪ 2007‬ـ‪،)2021‬‬
‫تتم أمام مجاهري غفرية من البشر‪ ،‬وتق ّدم الطب مع ازدهار‬
‫وأصبحت عمليات تشريح جثث احملكوم عليهم ابإلعدام ّ‬
‫اخلاصة‪ ،‬فكانت كل دراسة يف علم التشريح‪،‬‬
‫فنون الرسم والتصوير‪ ،‬وكالمها كان يستكشف اجلسم البشري بطريقته ّ‬
‫كما كانت كل لوحة وكل حركة فنية مبنزلة احلل اخلاص لتعطش ِّ‬
‫املشرحني جلسم اإلنسان وعقله ووعيه عرب التاريخ‪.‬‬
‫ّ‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪68‬‬


‫‪HJRS 0202 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫بوسيالة زهير‬

‫لقد كان عامل التشريح يصور اجلسد كلوحة فنية‪ ،‬وكان الفنان التشكيلي يُصور اجلسد بشكل جيعله قريبا من علم‬
‫التشريح‪ ،‬كان هناك اختصار للجسد يف احلالتني‪ ،‬اختزال له‪ ،‬هيكله األساسي جتريد له من الرموز اليت تكمن‬
‫خارجه‪ ،‬وأتكيد متواصل على وجود احملدد واخلاص والفريد‪.‬‬
‫حيب االستطالع والفضول‪ ،‬والرغبة يف معرفة اجملهول‪ ،‬ومل يكن‬ ‫لقد انبثق يف القرن السادس عشر شعور جديد ُّ‬
‫التشريح واستكشاف اجلسد ـ ـ جثث املوتى ـ ـ ّإال تعبريا عنه‪ ،‬وانتقل األمر إىل أجساد األحياء‪ ،‬املشوهة والسليمة‪،‬‬
‫وإىل استكشاف جسد العامل بقاراته وحضاراته وثقافاته‪ ،‬إىل استكشاف ما هو داخل اجلسد أبحالمه وانفعاالته‬
‫وغرائزه‪ ،‬وما هو داخل الكون وخارجه‪ .‬لقد تزايدت الدراسات التشرحيية واجلمالية‪ ،‬وتزايد االهتمام بفنون العرض‪،‬‬
‫وظهر البحث عن النسب املثالية للمواد اليت تصلح للعرض‪ .‬وأسهمت سلسلة من االكتشافات‪ ،‬كاكتشاف‬
‫ميتد بصره الكتشاف‬‫التليسكوب‪ ،‬واملطبعة‪ ،‬وعلم امليكانيكا‪ ،‬يف فصل احلواس عن نشاط العقل‪ ،‬وبدأ اإلنسان ُّ‬
‫كواكب بعيدة وعوامل منفصلة عن جسده‪( .‬دافيد بروتن‪ ،0887 ،‬ص‪)2‬‬
‫‪ .7‬املذهب الرتابطي‪:‬‬
‫يرتكز املذهب الرتابطي ـ ـ الربيطام ـ ـ على االهتمام ابحلواس واخلربة احلسية واإلدراك احلسي‪ ،‬ومن مثّ حباسة‬
‫تتكون من األفكار البسيطة الغري قابلة للتحليل على أفكار أخرى‪ ،‬وإ ّن األفكار‬‫اإلبصار‪ .‬حيث يعترب لوك أ ّن املعرفة ّ‬
‫الكربى تتكون من أفكار بسيطة ترتبط يف سالسل زمنية أو تركيبات متزامنة‪ .‬وقد متيَّز حتليله بثالث مفاهيم هي‬
‫العقل ال ّذي حيصل على املعرفة‪ ،‬وأفكاره اليت يفكر فيها‪ ،‬مث املوضوعات اخلارجية‪.‬‬
‫كون العقل هو اجملموعات املرتابطة من سالسل األفكار‪ ،‬والعقل ال حيصل‬ ‫ويرى هيوم (‪2222‬ـ ـ‪ )2225‬أ ّن ما يُ ِّّ‬
‫على األفكار‪ ،‬إنّه هو األفكار‪ ،‬وقد ميّز بني املدركات واالنطباعات احلسية ‪ percepts‬والصور العقلية ‪،images‬‬
‫على ضوء أبعاد مثل القوة احليوية‪ ،‬وأ ّكد على أ ّن هذا التميّيز بني صورة أتيت من اخلارج (املدركات احلسية) وصور‬
‫حتدث يف الداخل (الصور العقلية) هو األساس يف فهم كثري من الظواهر النفسية اليت حيدث خالهلا نشاط خاص‬
‫ابلصور‪ ،‬كاألحالم والكوابيس وخداعات اإلدراك واهلالوس‪ ،‬وغري ذلك من مكوانت عامل الصورة‪.‬‬
‫يتم اللّجوء إليها يف تفسري عدد كبري من‬ ‫واستعان دافيد هارتلي (‪2200‬ـ ـ‪ )2212‬هبندسة اإلبصار اليت كان ُّ‬
‫الظواهر‪ ،‬يف اهتمامه ابألساس الفسيولوجي لألفكار‪ ،‬فتأثري املوضوعات اخلارجية ينظر إليه على أنّه بداية لالهتزازات‬
‫والذبذابت الدقيقة داخل جمال األعصاب‪ ،‬وأي عملية إلعادة استثارة النمط املعطى من الذبذابت أبشكاهلا العصبية‬
‫اخلاصة‪ُ ،‬ميكن اعتبارها مبنزلة عملية إصدار جديدة للخربة األصلية‪ .‬نظرية هارتلي هنا خيالية متاما‪ ،‬كما لو كانت يف‬
‫ّ‬
‫اخلاصة ابلنظرية العصبية‪ ،‬يف جمال التفكري‬
‫ختطيطها العام تتنبأ ملسارات الشحنات العصبية وأيضا الدوائر االنعكاسية ّ‬
‫خاصة‪( .‬شاكر عبد احلميد‪ ،5000 ،‬ص‪)78‬‬ ‫عامة واإلبصار ّ‬‫ّ‬
‫‪ .7‬املرئي والالمرئي‪ ،‬والرؤية ابجلسد‪:‬‬
‫يتحدث الفيلسوف الفرنسي مريلوبونيت ـ فيما يشبه احلديث عن األيقونة أو احلوارية البصريةـ ـ عن أمهية النظر‬
‫املشرتك إىل اللوحات الفنية مع اآلخرين‪ ،‬حيث تدخل انطباعاته عن اللوحات داخل الشخص اآلخر‪ ،‬وتدخل‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪69‬‬


‫‪HJRS 0222 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫تطور فلسفة الصورة من أفالطون إلى دوبري‬

‫"إم ‬
‫انطباعاته داخله‪ ،‬حبيث يكون مع اآلخر ومع اللوحة ومع األشياء يف عامل واحد‪ .‬يقول املصور أندريه مارشان‪ّ :‬‬
‫أبم لست أان الذي أنظر إىل الغابة‪ ،‬بل األشجار هي اليت تنظر إيل‪ ،‬وهي اليت‬ ‫أحسست عدة مرات وأان يف غابة‪ّ ،‬‬
‫أم كنت هناك أمسع‪ ".‬ويقول سيزان‪ ":‬توجد الطبيعة يف ال ّداخل‪ ،‬فكل إحساس وكل حاسة ـ لدى‬ ‫تكلمين‪ ،‬و ّ‬
‫مريلوبونيت ـ تعود إىل اجلسم اإلنسام ‪ .‬ويقوم اإلدراك احلسي الذي يتجلى يف أقوى مظاهره لدى املصور على أساس‬
‫وحدة مزدوجة جتمع يف آن واحد بني النفس واجلسم‪ ،‬حيث اجلسم ذات متجسدة من انحية‪ ،‬وبني األان املتجسد‬
‫والعامل من انحية أخرى‪( ".‬موريس مريلوبونيت‪ ،0878 ،‬ص‪)04‬‬
‫لقد أاتحت املبادالت اليت تتحقق عند مريلوبونيت ـ ـ بني احلضور والغياب‪ ،‬وبني الوجود والالوجود‪ ،‬وبني املرئي‬
‫والالمرئي ـ ـ بعرض مشكالت التصوير‪ ،‬فاألشياء يف العامل بلوّنا وشكلها وأبعادها‪ ،‬توقظ يف جسم املصور ما يعادهلا‬
‫داخليا‪ ،‬وهو مبنزلة صيغة جسدية حلضورها‪ ،‬تثري بدورها شيئا مرئيا‪ ،‬هو ماهية جسدية‪ ،‬حيث ميكن أن تقول عن‬
‫أبّنا داخل اخلارج وخارج الداخل‪ ،‬والعني ليست أداة استقبال األشكال واأللوان فقط‪ ،‬ولكنّها آلة‬ ‫لوحة املصور‪ّ ،‬‬
‫يتم ابجلسد‪،‬‬
‫مينحها النظر هبة الرؤية وإدراك العلم‪ ،‬هذا اإلدراك ال ّذي حييل عن طريق التصوير إىل وجود مرئي‪ ،‬وجود ّ‬
‫عن طريق اجلسد‪ ،‬من خالل حضور اجلسد يف العامل‪ ،‬وحضور العامل يف اجلسد‪ ،‬من حيث هو حركة‪ ،‬ومن حيث هو‬
‫رؤية‪ ،‬ومن حيث هو إدراك‪( .‬موريس مريلوبونيت‪ ،0878 ،‬ص‪)50‬‬
‫لقد أعاد مريلوبونيت الصلة بني الرائي واملرئي‪ ،‬فأصبح األان املتجسد هو الذي يرى‪ ،‬ومل تعد الرؤية واحدة من‬
‫وإمنا أصبحت فعال حيدث يف اجلسم املنضوي أو املوجود يف مكان ما‪ .‬إ ّن كل‬ ‫تتم كلّها بغري جسم‪ّ ،‬‬
‫أفعال األان اليت ّ‬
‫خاصة ابجلسم‪ .‬فاجلسد احلي ال ميكن اختزاله يف صورة اثبتة أو ساكنة موجودة يف العامل‬ ‫صناعة هي صناعة فنية ّ‬
‫اخلارجي‪ ،‬إ ّن اجل سم املرئي واملتحرك واحد من األشياء‪ ،‬ويف عداد األشياء‪ ،‬يتشابك يف نسيج العامل‪ ،‬والعامل مصنوع‬
‫اخلاصة به‪،‬‬
‫من نفس نسيج اجلسد‪( .‬موريس مريلوبونيت‪ ،0878 ،‬ص‪ )44‬إ ّن ما جيعله يرى أو ال يرى هو عالقته ّ‬
‫ماديته أو جسدانيته‪ ،‬خصائصه الوجودية اليت يصبح العامل من خالهلا مرئيا‪ ،‬أي اللحم ال ّذي يولد املوضوع الالمرئي‬
‫هو ما ليس اآلن‪ ،‬ولكن ال ّذي ميكن أن يكون مرئيا‪ ،‬مظاهر األشياء املختبئة‪ ،‬واليت تقع يف مكان ما‪ ،‬هنا أوهناك‪.‬‬
‫(موريس مريلوبونيت‪ ،0877 ،‬ص‪)445‬‬
‫يقارن مريلوبونيت يف كتابه "العني واملخ" ‪ 2154‬بني العلم وفن التصوير الزييت‪ ،‬فالعلم ينظر إىل األشياء من أعلى‪ ،‬يف‬
‫يغمس التصوير املشاهد داخل عامل الرؤية‪ ،‬واملصور ال يصف التمثيالت املوجودة يف عقله‪ ،‬لكنّه يرسم جبسده‬ ‫حني ِّ‬
‫الذي ميتزج ابلعلم املدرك‪ .‬وهكذا جيد الفنان املصور نفسه‪ ،‬داخل العامل وبعيدا عنه يف نفس الوقت‪ .‬هكذا تنجز‬
‫العني عملها املعجز اخلاص بفتح آفاق كل ما هو مادي أمام الروح‪ ،‬حيث أ ّن العني ترى العامل وترى ما ينقص العامل‬
‫لكي يكون لوحة‪ ،‬وما ينقص اللوحة كي تكون هي نفسها‪ ،‬وترى على لوحة األلوان اللون الذي تنتظره اللوحة‪ ،‬وهي‬
‫تتم ‪ ":‬إ ّن اللّوحة ليست شيئا مماثال إالّ حبسب اجلسم‪ ،‬إذ ّأّنا ال‬
‫ترى اللوحة اليت تعرض مجيع هذه النواقص‪ ،‬حني ّ‬
‫وإمنا تقدم للنظرة عالمات الرؤية من الداخل‪،‬‬ ‫تقدم إىل العقل مناسبة إلعادة التفكري يف العالقات املشيَّدة لألشياء ّ‬
‫لكي تقرتن هبا النظرة‪ ،‬وتقدم هلا ما يكسوها داخليا‪ ،‬أال وهو نسيج خيايل للواقع‪( ".‬موريس مريلوبونيت‪،0878 ،‬‬
‫ص‪)53‬‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪70‬‬


‫‪HJRS 0202 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫بوسيالة زهير‬

‫‪ .8‬النظرة املُحدقة عند ميشيل فوكو‪:‬‬


‫كتب جاك أالن ميلر عام ‪ 2124‬مقاال حول الرؤية الكلية ‪ ،panopticon‬اليت اقرتحها جريميي بنتام عام‬
‫عامة حول منظومة متعددة القوى للمراقبة‪ ،‬آلة بصرية شاملة‬ ‫‪ 2212‬عن السجن النموذجي‪ ،‬بتقدميه إلرشادات ّ‬
‫ملراقبة التجمعات البشرية‪ .‬وقد اقرتح بنتام شكال تنظيميا دائراي للزنزاانت اليت يوضع فيها السجناء‪ ،‬حيث تكون‬
‫السجان خمتفيا فيها عن املسجونني وعن نظراهتم املتكررة إليه‪ ،‬بواسطة نظام‬ ‫مرئية من برج يف مركز السجن‪ ،‬ويكون ّ‬
‫اخلاصة يف الربج‪ ،‬حيث املكان مغلق يفتقر إىل العمق‪ ،‬غارق يف الضوء‪ ،‬ممتد إىل اخلارج‪ ،‬وخاضع‬ ‫ّ‬ ‫خاص للنوافذ‬
‫لنظرة حمدقة واحدة من عني مركزية واحدة‪.‬‬
‫اخلاصة بكون املرء‬
‫العامة‪ّ ،‬‬‫لقد قام ميشيل فوكو عام ‪ 2120‬يف كتابه "املراقبة واملعاقبة" بتحليل موضوع اخلربة ّ‬
‫موضوعا للمالحظة من جانب "عني" جم هولة وكلية الرؤية‪ ،‬وكذا حساسية العالقة بني الضوابط أو القيود االجتماعية‬
‫اخلاصة على حتويل البشر إىل موضوعات جتري مراقبتها وعقاهبا عند‬ ‫ّ‬ ‫والسياسية‪ ،‬وسلطة النظرة احملدقة أو قدرهتا‬
‫سجان‬‫الضرورة‪ .‬إ ّن النظرة احملدقة املتوقعة من السجان يف برجه جيري استدماجها داخل الفرد السجني‪ ،‬فيتحول إىل ّ‬
‫نفسه‪ ،‬فرياقب نفسه إضافة إىل كونه موضوعا للمراقبة‪ ،‬إنّه يتحول من خائف من مصدر خارجي إىل اخلوف‬
‫الداخلي من ذاته ومن أفعاله‪ ،‬ومن العني الداخلية اليت ُحتدق فيه‪ ،‬فهي حت ِّّذره وقد تعاقبه‪ .‬إ ّن النظرة احملدقة اخلارجية‬
‫السجان‪ ،‬هو املراقِّب واملراقَب‪ ،‬لقد أصبحت هذه اآللية‬ ‫تصبح بعد ذلك نظرة حمدقة داخلية‪ ،‬فيصبح السجني هو ّ‬
‫اخلاصة ابملراقبة والعقاب‪ ،‬جزءا من االقتصاد البصري يف العامل احلديث‪.‬‬‫أو هذه املنظومة ّ‬
‫إ ّن جمتمعنا احلايل ـ عند فوكو ـ ليس هو جمتمع املشهد ـ ـ عند ديبور ـ ـ لكنّه جمتمع املراقبة‪ ،‬فنحن لسنا يف قاعة املسرح‬
‫اخلاصة ابملراقبة‪( .‬ميشيل فوكو‪ ،0880 ،‬ص‪)087‬‬ ‫ّ‬ ‫وال على خشبته‪ ،‬لكنّنا موجودون داخل منظومة الرؤية الكلية‬
‫فعال‬‫فالسلطة موجودة إذا يف كل مكان‪ ،‬وأنظمة السلطة وبطريقة ما تشجع النّاس على تنظيم أنفسهم دون هتديد ّ‬
‫ابلعقاب‪ ،‬فتستدمج بداخلهم نظرة حمدقة‪ ،‬تراقبهم وجتعلهم يسلكون وينصاعون بطرائق خمتلفة‪.‬‬
‫إ ّن النقطة اجلوهرية يف هذا النموذج هي أ ّن املراقبة الفعالة واملرئية ليست هي اليت تؤثّر يف السلوك‪ ،‬ولكن بنية‬
‫يعممه فوكو على السجن‪ ،‬ومستشفى األمراض العقلية‪،‬‬ ‫املراقبة هي اليت تنتج السلوك املنصاع للقوانني‪ ،‬لذلك ِّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫واملدرسة‪ ،‬واملعمل‪ ،‬واملصنع تكون إشارات املرور احلمراء مثال يف بعض الدول‪ ،‬كافية لتوقف السيارات خوفا من‬
‫العقاب‪ ،‬بينما يف دول أخرى يكون وجود رجال الشرطة يف إشارات املرور غري كاف لاللتزام ابلقوانني بسبب ضعف‬
‫أنظمة املراقبة واحلساب والعقاب‪ ،‬ووجود حاالت اإلمهال والتالعب ابلقوانني‪ ،‬لقد أصبحت مثال كامريات املراقبة‬
‫جزءا من خرباتنا اليومية‪ ،‬وهي دليل على احلضور املرئي اخلفي للنظرة احملدقة الفاحصة اليت نشعر ونتصور وجودها‬
‫فإّنا موجودة بداخلنا أيضا‪ ،‬ورّمبا أكثر من وجودها خارجنا‪ ،‬إ ّن‬ ‫دائما‪ ،‬وسواء أكانت موجودة فعال أم ال‪ّ ،‬‬
‫الكامريات قد ال حتتاج إىل أن جيري تشغيلها‪ ،‬أو أن توضع حىت يف أماكنها من أجل تكوين حالة من احلضور‬
‫اخلاص للنظرة الفاحصة احملدقة‪ ،‬إ ّن إمكان وجودها فقط هو أمر كاف إلحداث أتثريها‪.‬‬
‫‪ .00‬جمتمع االستعراض عند جي ديبور‪:‬‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪71‬‬


‫‪HJRS 0222 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫تطور فلسفة الصورة من أفالطون إلى دوبري‬

‫يذهب جي ديبور خالفا لفوكو الذي يرتكز يف نقده لسطوة اهليمنة البصرية على األثر اخلاص ابألنظمة‬
‫اخلاصة‬
‫وعمليات فرض املعيارية‪ ،‬إىل التأكيد على ضرورة احلذر من أن يصبح املرء هو الذات ـ ـ وليس املوضوع ـ ـ ّ‬
‫هبذه النظرة احملدقة‪ ،‬وعليه فهو يعترب اإلغواء اخلاص مبشهد احلياة املعاصرة‪ ،‬أكثر شناعة من املراقبة الكلية‪.‬‬
‫يفضل الصورة على الشيء‪ ،‬النسخة على‬ ‫يقول دوبري يف كتابه جمتمع االستعراض (‪":)2152‬ال شك أ ّن عصران‪ِّّ ،‬‬
‫األصل‪ ،‬التمثيل على الواقع‪ ،‬املظهر على الوجود‪ ،‬املقدس ابلنسبة إليه ما هو إالّ ومهاً‪ّ ،‬أما املدنَّس فهو احلقيقة‪،‬‬
‫ويكرب املق ّدس يف عينيه‪ ،‬بقدر ما تتناقص احلقيقة ويتزايد الوهم‪(".‬جي ديبور‪ ،0887 ،‬ص‪ )7‬ذلك أ ّن اجملتمعات‬
‫احلديثة تقدم احلياة على ّأّنا تراكم كثيف من االستعراضات‪ ،‬يتكون من خالل جمموعة من الصور املنفصلة املبعدة‬
‫عن احلياة‪ ،‬املعزولة عن عامل مستقل أو منعزل عن اخلربة املعيشة‪ ،‬وكل ما كان معاشا على حنو مباشر يتباعد ليتحول‬
‫إىل متثيل ‪( .représentation‬ميشيل فوكو‪ ،0880 ،‬ص‪)087‬‬
‫يقدم االستعراض نفسه‪ ،‬أوال‪ :‬بوصفه اجملتمع ذاته‪ ،‬واثنيا‪ :‬بوصفه جزءا من اجملتمع‪ ،‬الذي ترتكز فيه ابلتحديد كل‬
‫نظرة وكل وعي‪ ،‬لكنّه يف احلقيقة منفصل عن اجملتمع‪ ،‬وابلتايل فهو موضع النظرة املخدوعة والوعي الزائف‪ ،‬واثلثا‪:‬‬
‫أداة توحيد‪ ،‬هذا التوحيد الذي حي ِّّققه يعترب لغة رمسية لالنفصال املعمم‪( .‬ميشيل فوكو‪ ،0880 ،‬ص‪)00‬‬
‫ُ‬
‫احلاسة اإلنسانية املتميّزة‪ ،‬فهو اخلطاب املتصل للنظام القائم عن نفسه‪ ،‬إنّه الصورة‬‫اإلبصار‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫اض‬
‫يعترب االستعر ُ‬
‫الذاتية للسلطة يف حقبة إدارهتا الشمولية لشروط الوجود‪ ،‬واالستعراض هو وسائل االتصال اجلماهريية اليت جتعل‬
‫السطحي يبدو األش ّد بريقا‪( .‬ميشيل فوكو‪ ،0880 ،‬ص‪ )04‬إنّه حني يتحول العامل الواقعي إىل صورة بسيطة‪ ،‬تصبح‬
‫فعالة لسلوك يف حالة تنومي‪ ،‬حيث ُحي ّقق االستعراض السيطرة على اجملتمع بواسطة أشياء تفوق‬ ‫هذه الصور حوافز ّ‬
‫حمل العامل احملسوس الصور اليت توجد فوقه‪ ،‬واليت تقدم نفسها على ّأّنا‬ ‫احلواس وهي حمسوسة كذلك‪ ،‬فيحل ّ‬
‫حتكمها يف احلياة االجتماعية‪ ،‬فال يعود ابستطاعة املرء أن‬ ‫احملسوس بال منازع‪ ،‬ففي حلظة االستعراض حتقق السلعة ُّ‬
‫يرى سواها‪ ،‬فالعامل الذي يراه هو عاملها‪ ،‬يف جمتمع االستعراض يتحول املستهلك الواقعي إىل مستهلك لألوهام‪،‬‬
‫والسلعة هي هذا الوهم الواقعي فعال‪.‬‬
‫يستعني االستعراض أبشكال التسلية والرتفيه الباهرة‪ ،‬حيث يسيطر االبتذال على عامله‪ ،‬وتُربز السلع شخصيات‬
‫النجوم اليت تعترب التمثيل االستعراضي لإلنسان احلي‪ ،‬واليت تسعى إىل جتسيد أمناط خمتلفة من أساليب احلياة وفهم‬
‫اجملتمع‪( .‬ميشيل فوكو‪ ،0880 ،‬ص‪)02‬‬
‫إ ّن االستعراض كما يقول ديبور هو الوعي الزائف ابلزمن‪ ،‬وانتصار التأمل على العقل‪ ،‬وجمتمع االستعراض هو‬
‫حتول اجملتمع إىل عرض واستعراض كبري‪ ،‬أصبحت األشكال املرئية للسلع تسيطر على احلياة‬ ‫جمتمع املكان‪ ،‬حيث َّ‬
‫متوحد واحد‪ .‬إ ّن االستعراض ليس‬ ‫ِّ‬
‫اليومية بشكل كامل‪ ،‬كما قام ابلتوحيد بني اإلنتاج واالستهالك من خالل نظام ّ‬
‫شيئا مضافا إىل العامل الواقعي‪ ،‬ليس ديكورا إضافيا له‪ ،‬إنّه مركز ال واقعية اجملتمع الواقعي‪ ،‬إنّه يشكل منوذج احلياة‬
‫السائدة اجتماعيا‪( .‬ميشيل فوكو‪ ،0880 ،‬ص‪ )50‬لقد أدان ديبور بشكل واضح الطريقة اليت يتم من خالهلا توظيف‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪72‬‬


‫‪HJRS 0202 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫بوسيالة زهير‬

‫نشاط اإلبصار يف اجملتمع الغريب‪ ،‬على اعتبار أ ّن االستعراض ليس فقط جمموعة من الصور‪ ،‬ولكنّه عالقة اجتماعية‬
‫بني النّاس‪ ،‬عالقة تتوسطها الصور‪.‬‬
‫‪ .00‬صنمية الصورة واإلغواء‪:‬‬
‫حيتل جان بودراير مركز املشهد الثقايف الفرنسي‪ ،‬يف كثري من جماالت ما بعد احلداثة‪ ،‬وسنتعرض فيما يلي‬
‫ُّ‬
‫وبشكل خاص ألهم األفكار واملوضوعات اليت تناوهلا ابملناقشة‪ ،‬فيما يتعلق مبوضوع الصورة وجماالهتا يف النقاط‬
‫التالية‪ :‬جمتمع االستهالك‪ ،‬صنمية الصورة‪ ،‬احملاكاة والصور احملاكية وفلسفة اإلغواء‪.‬‬
‫‪ .0.00‬جمتمع االستهالك‪( :‬شاكر عبد احلميد‪ ،5002 ،‬ص‪)008-002‬‬
‫ظهر جمتمع االستهالك بشكل واضح بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬هذا الظهور طرح ـ ـ من طرف العديد من‬
‫الفالسفة ـ ـ أمهية إعادة النظر يف األدوار املركزية اليت تلعبها الثقافة يف اإلنتاج اخلاص ابجملتمعات الرأمسالية املعاصرة‪.‬‬
‫يذكر فريدريك جيمسون أبن الثقافة مل تعد مسألة تتعلق بقراءة كتاب جيد يف كل شيء‪ ،‬أو القيام برحلة سياحية‪،‬‬
‫بل أصبحت العنصر احلاسم يف جمتمع االستهالك نفسه‪ ،‬ألنّه مل يسبق يف اتريخ البشرية أن كان هناك جمتمع مشبع‬
‫ابلعالمات والرسائل مثل جمتمعنا الذي نعيش فيه‪ .‬إ ّن املناخ الثقايف الذي يتمثل يف وسائل اإلعالم اجلماهريية‪،‬‬
‫واإلعالن‪ ،‬وتكنولوجيا املعلومات واالتصال‪ ،‬له دور مباشر يف اإلنتاج واإلدارة الثقافية‪ ،‬وكذلك يف التنشئة‬
‫االجتماعية‪ ،‬والرتبية والتعليم‪ ،‬والتبادل الثقايف‪ ،‬واملتعة وقضاء وقب الفراغ أيضا‪.‬‬
‫لقد اهتم بودراير ابملناخ الثقايف ودوره يف اجملتمع من خالل تركيزه على الطريقة اليت توظف الثقافة واإليديولوجيا‬
‫خاصة ما تعلق بوسائل اإلعالم‬
‫والعالمات يف احلياة اليومية للنّاس‪ ،‬ابستكشاف ودراسة العديد من الظواهر‪ّ ،‬‬
‫والتكنولوجيا‪ ،‬والظواهر اجلنسية والفن‪ ،‬واليت أصبحت وسائل إلنتاج السلع واالستهالك‪ .‬وقد أشار أبنّه ال ميكن‬
‫للمرء أن يفهم التاريخ والسياسة واالقتصاد‪ ،‬أو أي ظاهرة اجتماعية دون أن يفهم الدور اخلاص ابلثقافة وثقافة إنتاج‬
‫السلع واخلدمات‪ ،‬تبادهلا على وجه خاص داخل املنطق االجتماعي اخلاص ابجملتمعات‪.‬‬
‫يشري بودراير إىل أننا وصلنا إىل مرحلة أصبح فيها االستهالك مهيمنا على كل شيء‪ّ ،‬إّنا "املرحلة االستهالكية"‬
‫الكاملة‪ ،‬من حالة ال وفرة اخلالصة والبسيطة وصوال إىل مرحلة التنظيم املنتظم والبيئة الكلية‪ ،‬حيث االستهالك يف‬
‫كل مكان‪ ،‬يف األسواق الكبرية والشوارع واملنازل‪ .‬لقد قام بودراير بتحليل السلوك االستهالكي‪ ،‬حيث اعترب أ ّن‬
‫استهالك السلع داللة على السعادة‪ ،‬وأ ّن املستهلك يعتقد أ ّن االمتالك والتعرض لعالمات الوفرة والثراء وما شابه‬
‫ذلك سوف جيلب له سعادة حقيقية ومتيزا ومكانة اجتماعية‪ّ ،‬إّنا عقلية املظهر اخلارجي والسطح اخلارجي‪ ،‬هبذه‬
‫الطريقة ش ّكل استهالك السلع نظاما عامليا ـ ـ العوملة ـ ـ متحكما فيه ومتماسكا من العالقات‪ ،‬نظاما ثقافيا يعمل على‬
‫تشكيل النظام االجتماعي والبيولوجي‪.‬‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪73‬‬


‫‪HJRS 0222 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫تطور فلسفة الصورة من أفالطون إلى دوبري‬

‫‪ .5.00‬صنمية الصورة‪( :‬شاكر عبد احلميد‪ ،5002 ،‬ص‪)050‬‬


‫السلع‪ ،‬ذلك أل ّن الصورة أصبحت هي وسيلتنا يف‬ ‫يذهب بودراير إىل أ ّن صنمية الصورة طغت على صنمية ّ‬
‫السلع ذاهتا‪ ،‬كون كل أنواع االتصال حتدث عن طريق الصور‪ ،‬يعين طغيان الوسيط على‬ ‫معرفة العامل‪ ،‬ويف معرفة ّ‬
‫أطراف االتصال‪ ،‬وطغيان الوسيط أو الدال على املدلول هو الصنمية بعينها‪.‬‬
‫لقد اهتم بودراير ابألزايء للتأكيد على فكرة صنمية الصورة‪ ،‬حيث أصبحت األزايء كعالمة من عالمات ما بعد‬
‫وعاما لكل جوانب اجملتمع‪ ،‬ليس فقط من خالل اجملال اخلاص ابلعالمات اخلفيفة‬ ‫احلداثة نظاما كليا ومشرتكا ّ‬
‫‪ lights signs‬ـ ـ طريقة ارتداء املالبس‪ ،‬اجلسد واألشياء ـ ـ ولكن أيضا ابجملال الذي يرتبط ابلعالمات الثقيلة ‪heav‬‬

‫متر عرب دوائر‬


‫‪ signs‬أي املرتبطة ابلسياسة‪ ،‬واألخالق‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والعلم‪ ،‬والفن والسلوك‪ ،‬والرتفيه‪ ،‬فكلّها ّ‬
‫اجلماهريية ‪ ،popularity‬حيث جييء العارض بعد اآلخر يف كل جمال‪ ،‬وهكذا أصبح عامل األزايء عالمة على ما بعد‬
‫احلداثة‪.‬‬
‫واهتم بودراير كذلك ابإلعالن‪ ،‬والذي يعتربه شكال معاصرا قادرا على أن يستقطب ويستجمع بداخله كل أشكال‬
‫ويتم نسيانه فورا‪ ،‬غري أنّه يعترب منوذجا لتفوق األشكال‬
‫يتم يف حلظات‪ّ ،‬‬ ‫التعبري‪ ،‬فاإلعالن ليس له عمق‪ ،‬كما ّ‬
‫السطحية‪ ،‬وهو املهيمن على كل أشكال الداللة‪ ،‬واتساقا مع نظريته حول امليداي ومع ما قاله ماكلوهان‪ ،‬أب ّن‬
‫الوسيلة هي الرسالة‪ ،‬فإ ّن شكل اإلعالن ووجوده اخلاص يف كل مكان‪ ،‬وقدرته على اإلشعاع والتجديد لكل املعام ‬
‫املمكنة‪ ،‬يعترب لدى بودراير أمرا داال‪.‬‬
‫‪ .4.00‬احملاكاة والصورة احملاكية‪( :‬شاكر عبد احلميد‪ ،5002 ،‬ص‪)052-055‬‬
‫لقد أعلن بودراير سنة ‪ّ 2184‬ناية جمتمع املشهد‪ ،‬وظهور عصر الصورة احملاكية أو النسخ ذات األصل غري‬
‫حمدد‪ ،‬أو اليت ال أصل هلا أصال‪ ،‬وهي متثِّّل مرحلة أخرية من اتريخ الصورة‪ ،‬وهي انتقال الصورة من منزلة األقنعة اليت‬
‫حتل حمل حاالت الغياب للواقع الفعلي‪ ،‬إىل حالة ال حتمل فيها الصور أي عالقة أبي واقع كان‪ ،‬إ ّّنا صور حماكية‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫لكنّها ال حتاكي إالّ نفسها‪ّ ،‬إّنا صور ذات أصل غري حم ّدد‪ ،‬صور تصبح يف ذاهتا هي األصل‪ .‬وعلى هذا األساس‬
‫تتشكل تصوراتنا عن الواقع من خالل حمتوى التلفزيون‪ ،‬وأشكال امليداي األخرى‪ ،‬فمحتوى التلفزيون يعترب كبديل‬
‫للواقع‪ ،‬بل هو الواقع‪ ،‬فال يعرف الواقع إالّ من خالله‪ ،‬فعالقاتنا داخل األسرة‪ ،‬ندركها من خالل املسلسالت‬
‫يسميه‬
‫العائلية والروم انسية‪ ،‬وإدراكنا للقانون والنظام واجلرائم يكون من خالل املسلسالت واألفالم البوليسية‪ ،‬هذا ما ّ‬
‫بودراير ابلواقع األعلى ‪ ،Hyperreal‬الذي ال ُميكن فيه التمييز بني اخلربات الواقعية وبني ما يعرضه التلفزيون من‬
‫يتم فيها حتويل األحداث واملشاعر والعالقات‬ ‫خاصة به‪ ..‬لقد أطلق مصطلح احملاكاة على هذه العملية اليت ّ‬ ‫تقاليد ّ‬
‫عامة إىل حاالت شبه مسرحية‪.‬‬
‫خاصة‪ ،‬وامليداي الثقافية ّ‬
‫بواسطة تقاليد التلفزيون ّ‬
‫يعتقد بودراير أ ّن وراء مثل هذه الصور احملاكية (الزائفة) تكمن قوة الصورة‪ ،‬اليت تتمثل يف قدرهتا على قتل الواقع‪،‬‬
‫فالصور حسبه هي قاتلة للواقع‪ .‬لقد بدأ نظام جديد من الصور احملاكية‪ ،‬حبيث أصبح التزيّيف‪ ،‬أو التشابه التام‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪74‬‬


‫‪HJRS 0202 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫بوسيالة زهير‬

‫(الزائف) هو الشكل األُمنوذج للتمثيل‪ ،‬ولذلك مل تعد املسألة مسألة عرض صور زائفة للواقع‪ ،‬بل مسألة إخفاء‬
‫حلقيقة أ ّن الشيء احلقيقي‪ ،‬مل يعد حقيقيا‪.‬‬
‫‪ .3.00‬فلسفة اإلغواء‪( :‬دانيال تشاندلر‪ ،5004 ،‬ص‪)027‬‬
‫مل يعد اإلغواء ميثِّّل جانبا من نظام الطبيعة‪ ،‬بل أصبح جانبا مالزما لنظام احليل البارعة والوسائل اليت حتتاج إىل‬
‫براعة لتقدمي مادهتا‪ ،‬لقد أصبح مالزما للعالمات والطقوس‪ ،‬لقد دخلنا حسب بودراير حقبة الثورة اجلنسية‪ ،‬حقبة‬
‫من اإلنتاج والتطبيق لكل أنواع املتعة‪ ،‬اليت تقع عند مستوى الوعي‪ ،‬وما حتت مستوى الوعي أيضا‪ّ ،‬إّنا حقبة‬
‫الرغبات غري املدركة‪ ،‬الرغبات الغامضة‪ ،‬التناول املتناهي يف دقته للرغبات‪ .‬لقد أصبح كل شيء معروضا ومتاحا‬
‫ُ‬
‫بطرائق مباشرة وغري مباشرة‪ ،‬لقد أصبح اإلغواء سلعة وموضوعا يف جمتمع االستهالك‪ ،‬يقدَّم من خالل حمتوى وسائل‬
‫اإلعالم‪ ،‬واإلعالانت‪ ،‬واألفالم‪ ،‬وصور اجملالت‪ .‬يوجد وراء كثرة إنتاج الصور‪ ،‬الرغبة‪ ،‬ويوجد اإلغواء‪ ،‬وتوجد الرغبة‬
‫يف اإلغواء‪ ،‬حيث ميثل اإلغواء القدرة على السيطرة على العامل الرمزي‪ ،‬وجيري إغواء اإلنسان من خالل املظاهر‪،‬‬
‫فيخضع هلا‪ ،‬ويصبح أسريا هلا‪ ،‬فيبتعد عن احلقائق األخالقية األساسية‪.‬‬
‫يتسم اإلغواء ابلذكاء املتمثل يف عفويته وتدفقه وحلظيته وشواهده‪ ،‬إنّه ال حيتاج إىل أن يق ّدم براهني قوية على ما‬
‫يتجسد يف اهليمنة واإلتقان للمظاهر اخلارجية‬
‫يق ّدمه‪ ،‬فمظهره يكفي لذلك‪ ،‬وهو موجود بشكل دائم ومباشر‪ ،‬إنّه ّ‬
‫اليت يق ّدمها‪ ،‬ويف اسرتاتيجيات التالعب هبذه املظاهر‪ ،‬يف مواجهة سلطة الوجود‪ ،‬وكل ما هو واقعي‪.‬‬
‫‪ .05‬العصور الثالثة للصورة عند رجييس دوبري‪:‬‬
‫تطرق رجييس دوبري يف كتابه حياة الصورة وموهتا‪ ،‬إىل موضوع السنن ‪ codes‬الالمرئية للمرئي‪ ،‬واليت حت ّدد يف‬ ‫ّ‬
‫أي عصر حالة معينة للعامل‪ ،‬أي ثقافة معينة‪( ،‬شاكر عبد احلميد‪ )040-057 ،5002 ،‬لقد تتبّع ثقافة الصورة عرب‬
‫العصور وربطها ابألبعاد واملتغريات ال ّدينية والسياسية والتكنولوجية‪ ،‬وميّز بشكل مفصل بني العصور الوسائطية‬
‫الثالث‪ :‬الكتابة والطباعة والسمعي البصري‪ ،‬واليت تفرز يف زمن الصور ثالث قارات متمايزة‪ :‬الصنم والفن والبصر‪،‬‬
‫يؤدي إىل غموض ال جدوى منه‪( :‬رجييس دوبري‪ ،5005 ،‬ص‪)022‬‬ ‫فلكل منها قوانينها وكل خلط بينها ّ‬
‫أ‪ .‬عصر اخلطاب‪ Logosphère :‬ويقابله عصر األصنام ابملعىن العام للكلمة‪ ،‬وكما ِّّ‬
‫تعرب عنها الكلمة اإلغريقية‬
‫‪ Eidolon‬صورة‪ ،‬ومتت ّد من اخرتاع الكتابة إىل اخرتاع املطبعة‪.‬‬
‫ب‪ .‬عصر الكتابة‪ Graphosphère :‬ويقابله عصر الفن‪ ،‬وميت ّد من املطبعة إىل التلفزيون ابأللوان‪ ،‬الذي يراه أكثر‬
‫داللة من الصور الفوتوغرافية والسينما‪.‬‬
‫ج‪ .‬عصر الشاشة‪ Vidéo sphère :‬ويقابله عصر البصري‪ ،‬وهو العصر الذي نعيشه‪.‬‬
‫(رجييس دوبري‪ ،5005 ،‬ص‪)022‬‬
‫يرسم كل واحد من هذه العصور وسطا حياتيا وفكراي له ترابطاته ال ّداخلية الضيّقة‪ ،‬نظاما بيئيا للرؤية‪ ،‬فهذه العصور‬
‫الثالث تتداخل فيما بينها‪ ،‬فهي متوالية ومرتابطة‪ ،‬فالثقافة مل متح من ثقافتنا األمثال واألقوال املأثورة (أي الثقافة‬
‫تؤسس نفسها يف التقدم نفسه‪ ،‬هذا التقدم الذي جيمع‬ ‫الشفهية)‪ ،‬وكذلك التلفزيون مل مينع من ارتياد املتاحف‪ .‬إ ّّنا ّ‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪75‬‬


‫‪HJRS 0222 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫تطور فلسفة الصورة من أفالطون إلى دوبري‬

‫بني السرعة التارخيية والتم ّدد اجلغرايف‪ ،‬إنّه توسيع جملاالت التحرك‪ ،‬فالصنم حملي ومنتم ملوطنه انتماء ال يتزعزع‪ ،‬بينما‬
‫الفن غريب‪ ،‬وهو متحرك وله ملكة السفر (دورر يف إيطاليا‪ ،‬ليوانردو يف فرنسا‪ّ ،).‬أما البصري فهو عاملي‪.‬‬
‫لكل عصر لغته‪ ،‬فالصنم حتدث اإلغريقية‪ ،‬وحتدث الفن اإليطالية‪ ،‬فيما حتدث البصري األمريكية‪ ،‬ففي األول‪ ،‬مل‬
‫يكن الصنم مسألة مجالية وإّمنا دينية‪ ،‬له رهاانت ذات طابع سياسي مباشر‪ ،‬ويف الثام حصل الفن على استقالله‬
‫الذايت ابلنظر إىل ال ّدين‪ ،‬مع بقائه اتبعا للسلطة السياسية‪ ،‬إ ّّنا مسألة "ذوق"‪ّ ،‬أما يف الثالث‪ ،‬فإ ّن الدائرة االقتصادية‬
‫تقرر لوحدها يف قيمة وتوزيع الصور‪ ،‬إذ املسألة مسألة قدرة شرائية‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ّ‬
‫لقد كان لكل مرحلة منط تنظيمها املهين‪ ،‬فكان لصانعي صور الوسيطيني هيئاهتم احلرفية‪ ،‬وللفنانني أكادمييتهم‪،‬‬
‫املصور الوسيط ينحت احلجر أو اخلشب‪ ،‬وكان الفنان يشتغل عادة على‬ ‫املتخصصة‪ ،‬كان ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولإلشهاريني شبكتهم‬
‫القماش املثبت على إطار خشيب‪ّ ،‬أما البصري فإنّه يُصنع بدون ملس أي بواسطة اإللكرتوانت‪.‬‬
‫مرت يف العقل الغريب بثالث أمناط خمتلفة‪ :‬احلضور (القديس يف متثاله)‪ ،‬التمثيل‬ ‫هكذا‪ ،‬فإ ّن الصورة االصطناعية قد ّ‬
‫‪ ،Représentation‬والتظاهر والتمويه ‪ .Simulation‬فالصورة املدركة قد مارست وظيفة الوساطة بثالث جوامع‬
‫متتابعة‪ :‬اخلارق أو ما فوق الطبيعي‪ ،‬الطبيعي واالفرتاضي ‪ .Virtuel‬كما ّأّنا اقرتحت ثالث وضعيات عاطفية‪:‬‬
‫فالصنم يتطلب الرهبة‪ ،‬فيما يتطلب الفن احلب‪ّ ،‬أما البصري فيستدعي املصلحة‪ .‬املرحلة األوىل اتبعة للنمط‬
‫األصلي‪ ،‬والثانية تنتظم وفق النموذج‪ّ ،‬أما الثالثة فتنظّم قوالبها اجلاهزة اخلاصة هبا‪ .‬وهنا ال يتم تصريف صفات‬
‫هليكلة ٍ‬
‫كيفية للعامل‬ ‫ٍ‬ ‫وإمنا عوامل فكرية واجتماعية‪ .‬فكل عصر للصورة مقابال‬ ‫ميتافيزيقية أو سيكولوجية بعني أبدية‪ّ ،‬‬
‫املعايش‪ .‬قل يل ما تراه أقول لك علّة عيشك وطريقة تفكريك‪( .‬رجييس دوبري‪ ،5005 ،‬ص‪)075-028‬‬
‫ـ خ ـ ــامتة‪:‬‬
‫خاصة من خالل عرضنا لتاريخ الصور فلسفيا‪ ،‬بداية‬ ‫لقد رأينا كيف تطورت فلسفة الصور عرب العامل ويف الغرب ّ‬
‫مبا تطرق إليه أفالطون‪ ،‬وانتقاال إىل حديث أرسطو عن اإلبصار‪ ،‬مرورا حبركة حترمي الصور خالل القرنني الثامن عشر‬
‫والتاسع عشر‪ ،‬مث عصر النهضة وتطور حاسة اإلبصار مع ظهور وسائل اإلعالم واالتصال احلديثة – السينما‬
‫والتلفزيون ‪ ، -‬ووصوال إىل ما ذكره روجيس دوبري يف كتابه حياة الصورة وموهتا عن موضوع السنن الالمرئية‬
‫للمرئي‪ ،‬من خالل تتبعه لثقافة الصورة عرب العصور وربطها ابألبعاد واملتغريات الدينية والسياسية والتكنولوجية‪.‬‬
‫ـ قائمة املراجع‪:‬‬
‫ابن منظور(د ت)‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار بيروت للطباعة والنشر‪ ،‬المجلد ‪.4‬‬ ‫‪-1‬‬

‫أشرف منصور(‪ ،)3002‬صنمية الصورة‪ ،‬نظرية بودريار في الواقع الفائق‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫دافيد بروتن(‪ ،)7991‬أنتربولوجيا الجسد والحداثة‪ ،‬ترجمة محمد صاصيال‪ ،‬المؤسسة الجامعية‬ ‫‪-3‬‬

‫للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪.‬‬


‫دانيال تشاندلر(‪ ،)3002‬معجم المصطلحات األساسية في علم العالمات‪ ،‬ترجمة عبد الحميد شاكر‪،‬‬ ‫‪-4‬‬

‫أكاديمية الفنون‪ ،‬القاهرة‪.‬‬


‫ريجيس دوبري(‪ ،)3003‬حياة الصورة وموتها‪ ،‬ترجمة فريد الزاهي‪ ،‬افريقيا الشرق‪ ،‬المغرب‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪76‬‬


‫‪HJRS 0202 (03) 11‬‬ ‫(ص ‪)77-46‬‬ ‫بوسيالة زهير‬

‫عبد الحميد شاكر(‪ ،)3002‬عصر الصورة‪ ،‬السلبيات واإليجابيات‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪.277‬‬ ‫‪-6‬‬

‫عبد الحميد شاكر(‪ ،)3007‬التفضيل الجمالي‪ ،‬دراسة في سيكولوجية التذوق الفني‪ ،‬عالم المعرفة‪،‬‬ ‫‪-7‬‬

‫العدد‪ ،361‬الكويت‪.‬‬
‫فؤاد زكريا(‪ ،)3004‬جمهورية أفالطون‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫‪-8‬‬

‫مصطفى النشار(‪ ،)7992‬نظرية المعرفة عند أرسطو‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،7992 ،‬ص‪.49‬‬ ‫‪-9‬‬

‫‪ -11‬موريس ميرلوبونتي(‪ ،)7999‬العين والعقل‪ ،‬ترجمة حبيب الشاروني‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -11‬موريس ميرلوبونتي(‪ ،)7919‬المرئي والالمرئي ‪ ،‬ترجمة سعاد محمد خضر‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪،‬‬
‫بغداد‪.‬‬
‫‪ -12‬ميشيل فوكو(‪ ،)7990‬المراقبة والمعاقبة‪ ،‬ترجمة مطاع صفدي‪ ،‬مركز اإلنماء العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -13‬نصر الدين العياضي(‪ ،)3006‬الصورة في وسائل اإلعالم العربية‪ :‬بين البصر والبصيرة‪ ،‬مجلة اتحاد‬
‫الدول العرب‪ ،‬العدد‪7‬‬
‫‪14- Abraham Moles(1981), l’image, communication fonctionnelle, Casterman.‬‬
‫‪15- Michel Traodyet et Arnold Hoffeman,(2007) le professeur et les images, paris, édition‬‬
‫‪le seuil.‬‬

‫جملة القبس للدراسات النفسية واإلجتماعية‬ ‫‪77‬‬

You might also like