Professional Documents
Culture Documents
تـطــــــور فلسفــــــة الصـــــــورة من أفلاطون إلى دوبري
تـطــــــور فلسفــــــة الصـــــــورة من أفلاطون إلى دوبري
.
ـ مقدمة:
ينعكس جوهر أي عصر ـ ـ كما يقول هايدجر ـ ـ يف صورة العامل world Pictureالذي يتبنّاها هذا العصر أو
ذاك ،فقد متيّز االنتقال إىل احلداثة ليس فقط ابستبدال صورة العامل القدمية بصورة العامل احلديثة ،ولكن بتحويل العامل
نفسه إىل صورة ،فكلمة صورة تعين اآلن صورة منظمة أو متشكل ،Structured imageواليت هي انتج القدرة
اخلاصة ابلذات .إ ّن الذات احلديثة ختلق الواقع من خالل التمثيلّ ،إّنا تُنتج العامل من خالل إعادة إنتاجه
التمثيلية ّ
على هيئة متثيالت .إ ّن التحول اجلذري من اإلدراك للتكوين الذايت حيمل بداخله إدراكا عميقا ملشكلة التمثيل،
خاصة.
هكذا تطور اتريخ الصور عرب العامل ويف الغرب ّ
أوال :مفهوم الصورة:
تتكون الصورة من الناحية النيورولوجية من أجزاء أو أقسام من اخلربة البصرية اليت جتري معاجلتها ،ويتم التنسيق
بينها من خالل عملية إدراكية مسّاها وولرت ليربمان "الصورة املوجودة يف رؤوسنا".
متتد كلمة صورة Imageجبذورها إىل الكلمة اليواننية القدمية ،أيقونة ،iconواليت تشري إىل التشابه واحملاكاة ،واليت
ترمجت إىل imagoيف الالتينية ،و imageيف االجنليزية ،ولقد لعبت هذه الكلمة ودالالهتا دورا مهما يف فلسفة
أفالطون ،وكذلك يف أتسيس كثري من أنظمة التمثيل والتمثل Représentationلألفكار والنشاطات يف الغرب.
(شاكر عبد احلميد ،5002 ،ص)00
64
HJRS 0202 (03) 11 (ص )77-46 بوسيالة زهير
مصطلح الصورة مصطلح مشتق من كلمة التينية تعين حماكاة ،ومعظم االستخدامات القدمية واحلديثة هلذا
املصطلح تدور حول املعىن نفسه ،ومن ّت توجد معام متقاربة ورمبا مرتادفة مع هذا املعىن يف جمال االستخدام
السيكولوجي ،مثل :التشابه ،النسخ ،إعادة اإلنتاج ،الصورة األخرىّ .أما يف اللغة العربية ،فإ ّن كلمة صورة تعين هيئة
فتصور يل،
الفعل أو األمر وصفته ،ومن معانيها كما جاء يف لسان العرب ،تصورت الشيء :تومهت صورته ّ
والتصاوير :التماثيل( .ابن منظور ،ص)374
يعرف أبراهم مولس الصورة على أ ّّنا ":تلك الركيزة لالتصال املرئي الذي جيسد مقتطفا من العامل احملسوس،
الوسيط املرئي القابل للبقاء خالل الزمن والذي يشكل إحدى املكوانت األساسية لوسائل اإلعالمAbraham (".
)Moles,1981,p20ويشري ارنولد هوفمان إىل ّأّنا ":معرفة مادية للحقيقة وللحدث ووسيلة مهمة لإلنسان ملعرفة
العامل احمليط به وتساعده على توجيهه يف مجيع املراحل املتعددة واملعقدة لعصران هذاMichel Traodyet, 2007, ( ".
أبّنا ":شيء ذو طبيعة تكمن يف التشابه مع شيء آخر والذي يعترب منوذجه أو أصله، )p20ويعرفها العياضي ّ
فالصورة تذكران ابلشيء املصور وجتعله حاضرا ،دون أن تعوضه أو حتل حمله .إ ّن قدرة الصورة على اإلغراء ينبع من
عالقة الصورة ابلشيء املصور ،واليت ال ميكن اختصارها يف الشبه ،بل حصرها يف التمثيل أو التصور ،مبعىن أن
الصورة متثل الشيء املصور ،وهناك فرق بني التشابه والتمثيل( ".نصر الدين العياضي ،5002 ،ص)72
اثنيا :تطور فلسفة الصورة:
.0أفالطون والصورة:
العامة حول الفن واإلبداع ،فقد نبع اهتامه الشهري للشعراء مناخلاصة حول الصورة بنظرته ّ ترتبط رؤية أفالطون ّ
تصوره أب ّن الصورة اليت يق ّدمها هؤالء غري مؤّكدة ،غري حقيقية ،صور ومهية ،ومن ّت فهي هت ّدد احلقيقة والنظام يف
الدولة املثالية .يعترب أفالطون الشاعر جمرد "صانع للصور البعيدة عن احلقيقة" ،فالشعراء يق ّدمون صور السلوك
الشرير الذي سيقوم الشباب مبحاكاهتا " ،لقد نظر أفالطون إىل الفن عموما وإىل الشعر خصوصا على أنّه يزيِّّف
صورة الواقع ويق ّدم منوذجا مشوها له ،لذلك جلأ إىل فكرة احملاكاة يف نقد الفن ،واليت يقصد هبا حماكاة العامل
احلقيقي( ".فؤاد زكراي ،5003 ،ص)020
حاسة اإلبصار ،ويعتربها متميزة عن كافة احلواس ،حيث حتتاج إىل عنصر الضوء حىت كما يتحدث أفالطون عن ّ
حاسة اإلبصار وإمكان رؤية الشيء أرفع بكثري من كل الروابط اليت جتمع بني تكتمل عملياهتا "،فالرابطة اليت جتمع ّ
بقية احلواس وموضوعاهتا ما دام الضوء شيء حبق( ".فؤاد زكراي ،5003،ص )00فالضوء كما يقول أفالطون" :هو
الرابطة النبيلة بني عملية الرؤية البصرية والعامل املرئي ،إ ّن ضوء العقل هو الذي يربطنا مبثالية الرؤية اليت تتجاوز املرئي
يف مداه ،فهي ال تكتفي ابحلدوث عند مستوى املرئي البصري فقط بل تتجاوزه بدرجات كبرية/".
(شاكر عبد احلميد ،5002 ،ص)75
لقد شبّه أفالطون ال ّذين هم يف العامل احلسي أب ّّنم يعيشون يف كهف منذ والدهتم ،مل خيرجوا منه قط ،وهم مقيَّدون
أبغالل تربطهم جبدران الكهف حبيث ال يتمكنون من االلتفات وراءهم ،كل ما ميكنهم رؤيته هو ظل األشياء
واألشخاص على جدار الكهف ،وهم يعتقدون أ ّن هذه الظالل هي احلقيقةّ ،إّنم يعيشون سجناء يف أوهام
الكهف ،وهي تلك األوهام اليت ربطها بودراير خالل القرن العشرين ،مبا تفرضه وسائل اإلعالم املرئية احلديثة على
اإلنسان اآلن من أوهام وقيود وأغالل وابتعاد عن احلقيقة ،من خالل هذا العرض املكثف واملتواصل للظالل والقشور
واألصداء( .أشرف منصور ،5004 ،ص)552
اخلاصة
استخدم أفالطون الصورة واللغة التصويرية اجملازية لتجسيد حالة سكان الكهف ،فاألمثولة التصويرية ّ
خاصة حبالة مفارقة من حاالت التخيل والتفكري ابلصورة ،والضوء الفعلي الذي ابلكهف هي يف جوهرها صورة ّ
احملررون ليس هو احلقيقة ،لكنّه جمرد صورة من الضوء غري املدرك أو غري املرئي للوجود( ،شاكر عبد
يدركه السجناء َ
جيسد فيها بودراير غايته حني يقارن بني كهف أفالطون يف املاضي ِّ
احلميد ،5002 ،ص )77وهي الصورة اليت ّ
وكهف التلفزيون ،أو حالة مشاهدته يف احلاضر.
.5اإلبصار عند أرسطو:
ألّنا أتتينا أبكرب قدر من املعلومات،
خاصا ّ
يتحدث أرسطو عن اإلبصار بوصفها أهم احلواس ،فيقدرها تقديرا ّ
وموضوعها أساسا هو الرؤية واملرئي .لقد اعتقد أ ّن العضو احلقيقي للنظر ليس هو السطح اخلارجي للعني ،ولكنّه
شيء داخل الرأس( .مصطفى النشار ،0872 ،ص)38
لقد قام أرسطو بتحويل القصيدة والصورة والدراما إىل أمناط من املوضوعات الشكلية ،اليت ميكن للذات
املستكشفة أن تعرفها ،حيث جعل من السهل أن تدرك أ ّن النظام الشكلي للصورة الشعرية كان مبنزلة التحسن
اخلاصة ابألحداث التارخيية والشخصية .هذا التطور الكبري يف الفكر الغريب مسحالواضح الذي يطرأ على الفوضى ّ
إبعادة النظر يف الدور اخلاص ابحملاكاة اليت يقوم هبا الشاعر.
ويرى أرسطو أ ّن احملاكاة يف الرتاجيدايت ليست حماكاة لألشخاص ،بل لألعمال واحلياة والسعادة والشقاء،
والسعادة والشقاء موجودان يف العمل ،فهي حماكاة العامل احلقيقي ،ال حماكاة مشاعر النفس البشرية وأحواهلا.
(شاكر عبد احلميد ،5000 ،ص)72
حماكاةmimesis ال تزال فكرة احملاكاة يرتدد صداها ،فبعض الباحثني املعاصرين يقولون أ ّن أفضل ترمجة لكلمة
اإلغريقية ،ليست التقليد ،imitationوال التمثيل ،représentationبل األصح ترمجتها إىل املماثلة ،simulation
فالفعل الدرامي هو مبنزلة املماثلة لألفعال اإلنسانية ،ليس حماكاة لألشخاص بل لألعمال واحلياة والسعادة والشقاء،
هي مماثلة إذن لألعمال واالنفعاالت واحلياة وليس األشخاص .ويف كل احلاالت ليس هناك نسخ حريف أو تطابق
الشيء وما يناظره أو
اتم بني شيئني أو عمليتني ،بل هناك مسافة ما بني األصل والصورة ،بني املشبّه واملشبّه به ،بني ّ
حىت مياثله ،هذه املسافة إضافة للمسافة اليت تكون بني املشاهدين وبني العمل الفين ،هي اليت تؤّكد فكرة املشاهدة،
لقد هبط أرسطو ابلصور من عامل املثل (اجلوهر) لدى أفالطون ،إىل عامل الواقع (املظهر).
اخلاصة ب ـ "صورة " العمل الفين أو شكله للتغري والتحسني
لقد طرح أرسطو ألول مرة ،فكرة قابلية العناصر الشكلية ّ
من أجل إحداث األثر األكرب يف املتلقي ،وقد أصبح "عصر الصورة " الفكرة احملورية بعد أرسطو بنحو أربعة
وعشرون قران ،عصر املظهر واألثر ،عصر اإلهبار واإلمتاع احلسي ،ولو على حساب املثل والقيم واألفكار العالية،
عصر التأكيد على التغري الدائم ،وعلى السطحي و ِّّ
املتحول.
.4الصورة يف احلضارة الرومانية:
كانت احلضارة الرومانية أكثر تقبال للصور من احلضارة اإلغريقية ،لذلك جند أ ّن األعمال الفنية الرومانية يف
أغلبها من فعل أصحاهبا ،فالزابئن ال ّذين يطلبون تلك األعمال ظلّوا أشهر ممن صنعها ،ومفهوم العمل األصيل ال
وظل هذا األمر حىت ظهرت معركة حترمي الصور.معىن له ،حيث اعترب الفن اجنازا مثله مثل احلربّ ،
لقد سار املذهب املس يحي على ما يشبه منوال أفالطون يف الربط بني ما هو لفظي من جهة ،وبني غري املدرك
اخلاصة للصور
ّ حسيا أو الروحام من جهة أخرى ،ومن ّت حدث ما يشبه العداء مع ذلك االجتاه من العبادة
املرسومة واليت ترتبط ابحملسوس ،والعامل األرضي والفاسد أو املتحلل .وقد قاومت املسيحية املبكرة ما أدركه ق ّديسوها
على أنّه ثقافة حسية ومجالية مادية تنتمي إىل احلضارات البدائية القدمية ،وعليه قاموا بتحرمي تلك الطقوس الوثنية
اخلاصة بتوفري الصور اجلسدية ،أو اليت تؤّكد حضور اجلسد اإلنسام فيها.
ّ
وقد سار املذهب املسيحي أيضا على منوال أرسطو ،فأعلى من شأن الصورة املق ّدسة الثابتة يف مواجهة التاريخ
املتغري ،فقد ّت جتسيد السيد املسيح ،مث تفسري ذلك على أنّه أتكيد واحتفاء بعملية "صناعة الصورة" يف ذاهتا ،وذلك
أل ّن املسيح كان يف البدء "كلمة" ،لكنّه أصبح جسدا أي نوعا من التصوير املرئي ملن هو غري مرئي ،مثلما كان
الضوء خارج كهف أفالطون صورة للواقع الغري مرئي( .رجييس دوبري ،5005 ،ص)037-032
الصـ ـ ـ ـ ــور:
.3حت ـ ـ ـ ـ ــرمي ّ
خاصة خالل ِّ
ظهر خالل القرنني الثامن والتاسع امليالديني ما ُمسّي حبركة حترمي الصور iconoclasmأو حتطيمها ّ
للصور ال ّدينية ،حيث أدركجسد احلكام تصميمهم السياسي من خالل قيامهم ابلتحرمي التّام ّالعصر البيزنطي ،فقد ّ
الصورة ،فحضورها حىت األابطرة البيزنطيون ّأّنم مهددون من خالل تلك القوة املتنامية للكنيسة اليت ميثّلها حضور ّ
الصورة املق ّدسة،
على العمالت بدالالهتا االقتصادية والسياسية ،وحضورها أيضا من خالل الرهبان واألداير ُمالّك ّ
وقد حاولوا أتكيد سطوة الدولة وسلطتها من خالل منعهم األيقوانت الدينية ،وتشجيعهم الفنون الغري ال ّدينية ،أي
اخلاصة ابلرتاث ال ّديين .لقد كانت ِّ
للصورة املق ّدسة ّاخلاصة ابإلمرباطورية كبديل مناسب ّ
ّ الصور
جتسد ّ الفنون اليت ّ
الصورة ال ّدينية ما بني 222و202م ،خالل حكم اإلمرباطور ليو الثالث، أش ّد احلمالت بطشا وتنظيما يف حترمي ّ
ومن بعده ابنه كونستانني اخلامس .لقد ُعقد اجملمع الكنسي األول لتحرمي الصورة عام 200من أجل صياغة قواعد
حرموا الصور ال ّدينية ،مثّ انعقد اجمللس الثّام عام 282م ،الذي أقرفإّنم َّ
صارمة ضد عبادة الصور ،وابختصار ّ
مرسوما يسمح ابلعودة املؤقتة إىل عبادة أو سيادة الصور ال ّدينية( .رجييس دوبري ،5005 ،ص )25ويرجع فضل
االنتصار يف اجمللس الثام إىل ُخطب الق ّديس جون ودفاعه عن الصور .إ ّن أمهية ما قدمه القديس جون تكمن يف
االمتداد مبفهوم الصورة imagoعلى أال تشتمل على الصور البصرية فقط ،بل الصور اللفظية أيضا .وتتمثل داللة
ما قدمه يف أنّه خلّص اخلالفات اإليديولوجية اجلوهرية حول فكرة "التمثيل" وألول مرة يف اتريخ االهتمام ابلصورة.
لقد كان عامل التشريح يصور اجلسد كلوحة فنية ،وكان الفنان التشكيلي يُصور اجلسد بشكل جيعله قريبا من علم
التشريح ،كان هناك اختصار للجسد يف احلالتني ،اختزال له ،هيكله األساسي جتريد له من الرموز اليت تكمن
خارجه ،وأتكيد متواصل على وجود احملدد واخلاص والفريد.
حيب االستطالع والفضول ،والرغبة يف معرفة اجملهول ،ومل يكن لقد انبثق يف القرن السادس عشر شعور جديد ُّ
التشريح واستكشاف اجلسد ـ ـ جثث املوتى ـ ـ ّإال تعبريا عنه ،وانتقل األمر إىل أجساد األحياء ،املشوهة والسليمة،
وإىل استكشاف جسد العامل بقاراته وحضاراته وثقافاته ،إىل استكشاف ما هو داخل اجلسد أبحالمه وانفعاالته
وغرائزه ،وما هو داخل الكون وخارجه .لقد تزايدت الدراسات التشرحيية واجلمالية ،وتزايد االهتمام بفنون العرض،
وظهر البحث عن النسب املثالية للمواد اليت تصلح للعرض .وأسهمت سلسلة من االكتشافات ،كاكتشاف
ميتد بصره الكتشافالتليسكوب ،واملطبعة ،وعلم امليكانيكا ،يف فصل احلواس عن نشاط العقل ،وبدأ اإلنسان ُّ
كواكب بعيدة وعوامل منفصلة عن جسده( .دافيد بروتن ،0887 ،ص)2
.7املذهب الرتابطي:
يرتكز املذهب الرتابطي ـ ـ الربيطام ـ ـ على االهتمام ابحلواس واخلربة احلسية واإلدراك احلسي ،ومن مثّ حباسة
تتكون من األفكار البسيطة الغري قابلة للتحليل على أفكار أخرى ،وإ ّن األفكاراإلبصار .حيث يعترب لوك أ ّن املعرفة ّ
الكربى تتكون من أفكار بسيطة ترتبط يف سالسل زمنية أو تركيبات متزامنة .وقد متيَّز حتليله بثالث مفاهيم هي
العقل ال ّذي حيصل على املعرفة ،وأفكاره اليت يفكر فيها ،مث املوضوعات اخلارجية.
كون العقل هو اجملموعات املرتابطة من سالسل األفكار ،والعقل ال حيصل ويرى هيوم (2222ـ ـ )2225أ ّن ما يُ ِّّ
على األفكار ،إنّه هو األفكار ،وقد ميّز بني املدركات واالنطباعات احلسية perceptsوالصور العقلية ،images
على ضوء أبعاد مثل القوة احليوية ،وأ ّكد على أ ّن هذا التميّيز بني صورة أتيت من اخلارج (املدركات احلسية) وصور
حتدث يف الداخل (الصور العقلية) هو األساس يف فهم كثري من الظواهر النفسية اليت حيدث خالهلا نشاط خاص
ابلصور ،كاألحالم والكوابيس وخداعات اإلدراك واهلالوس ،وغري ذلك من مكوانت عامل الصورة.
يتم اللّجوء إليها يف تفسري عدد كبري من واستعان دافيد هارتلي (2200ـ ـ )2212هبندسة اإلبصار اليت كان ُّ
الظواهر ،يف اهتمامه ابألساس الفسيولوجي لألفكار ،فتأثري املوضوعات اخلارجية ينظر إليه على أنّه بداية لالهتزازات
والذبذابت الدقيقة داخل جمال األعصاب ،وأي عملية إلعادة استثارة النمط املعطى من الذبذابت أبشكاهلا العصبية
اخلاصةُ ،ميكن اعتبارها مبنزلة عملية إصدار جديدة للخربة األصلية .نظرية هارتلي هنا خيالية متاما ،كما لو كانت يف
ّ
اخلاصة ابلنظرية العصبية ،يف جمال التفكري
ختطيطها العام تتنبأ ملسارات الشحنات العصبية وأيضا الدوائر االنعكاسية ّ
خاصة( .شاكر عبد احلميد ،5000 ،ص)78 عامة واإلبصار ّّ
.7املرئي والالمرئي ،والرؤية ابجلسد:
يتحدث الفيلسوف الفرنسي مريلوبونيت ـ فيما يشبه احلديث عن األيقونة أو احلوارية البصريةـ ـ عن أمهية النظر
املشرتك إىل اللوحات الفنية مع اآلخرين ،حيث تدخل انطباعاته عن اللوحات داخل الشخص اآلخر ،وتدخل
"إم
انطباعاته داخله ،حبيث يكون مع اآلخر ومع اللوحة ومع األشياء يف عامل واحد .يقول املصور أندريه مارشانّ :
أبم لست أان الذي أنظر إىل الغابة ،بل األشجار هي اليت تنظر إيل ،وهي اليت أحسست عدة مرات وأان يف غابةّ ،
أم كنت هناك أمسع ".ويقول سيزان ":توجد الطبيعة يف ال ّداخل ،فكل إحساس وكل حاسة ـ لدى تكلمين ،و ّ
مريلوبونيت ـ تعود إىل اجلسم اإلنسام .ويقوم اإلدراك احلسي الذي يتجلى يف أقوى مظاهره لدى املصور على أساس
وحدة مزدوجة جتمع يف آن واحد بني النفس واجلسم ،حيث اجلسم ذات متجسدة من انحية ،وبني األان املتجسد
والعامل من انحية أخرى( ".موريس مريلوبونيت ،0878 ،ص)04
لقد أاتحت املبادالت اليت تتحقق عند مريلوبونيت ـ ـ بني احلضور والغياب ،وبني الوجود والالوجود ،وبني املرئي
والالمرئي ـ ـ بعرض مشكالت التصوير ،فاألشياء يف العامل بلوّنا وشكلها وأبعادها ،توقظ يف جسم املصور ما يعادهلا
داخليا ،وهو مبنزلة صيغة جسدية حلضورها ،تثري بدورها شيئا مرئيا ،هو ماهية جسدية ،حيث ميكن أن تقول عن
أبّنا داخل اخلارج وخارج الداخل ،والعني ليست أداة استقبال األشكال واأللوان فقط ،ولكنّها آلة لوحة املصورّ ،
يتم ابجلسد،
مينحها النظر هبة الرؤية وإدراك العلم ،هذا اإلدراك ال ّذي حييل عن طريق التصوير إىل وجود مرئي ،وجود ّ
عن طريق اجلسد ،من خالل حضور اجلسد يف العامل ،وحضور العامل يف اجلسد ،من حيث هو حركة ،ومن حيث هو
رؤية ،ومن حيث هو إدراك( .موريس مريلوبونيت ،0878 ،ص)50
لقد أعاد مريلوبونيت الصلة بني الرائي واملرئي ،فأصبح األان املتجسد هو الذي يرى ،ومل تعد الرؤية واحدة من
وإمنا أصبحت فعال حيدث يف اجلسم املنضوي أو املوجود يف مكان ما .إ ّن كل تتم كلّها بغري جسمّ ،
أفعال األان اليت ّ
خاصة ابجلسم .فاجلسد احلي ال ميكن اختزاله يف صورة اثبتة أو ساكنة موجودة يف العامل صناعة هي صناعة فنية ّ
اخلارجي ،إ ّن اجل سم املرئي واملتحرك واحد من األشياء ،ويف عداد األشياء ،يتشابك يف نسيج العامل ،والعامل مصنوع
اخلاصة به،
من نفس نسيج اجلسد( .موريس مريلوبونيت ،0878 ،ص )44إ ّن ما جيعله يرى أو ال يرى هو عالقته ّ
ماديته أو جسدانيته ،خصائصه الوجودية اليت يصبح العامل من خالهلا مرئيا ،أي اللحم ال ّذي يولد املوضوع الالمرئي
هو ما ليس اآلن ،ولكن ال ّذي ميكن أن يكون مرئيا ،مظاهر األشياء املختبئة ،واليت تقع يف مكان ما ،هنا أوهناك.
(موريس مريلوبونيت ،0877 ،ص)445
يقارن مريلوبونيت يف كتابه "العني واملخ" 2154بني العلم وفن التصوير الزييت ،فالعلم ينظر إىل األشياء من أعلى ،يف
يغمس التصوير املشاهد داخل عامل الرؤية ،واملصور ال يصف التمثيالت املوجودة يف عقله ،لكنّه يرسم جبسده حني ِّ
الذي ميتزج ابلعلم املدرك .وهكذا جيد الفنان املصور نفسه ،داخل العامل وبعيدا عنه يف نفس الوقت .هكذا تنجز
العني عملها املعجز اخلاص بفتح آفاق كل ما هو مادي أمام الروح ،حيث أ ّن العني ترى العامل وترى ما ينقص العامل
لكي يكون لوحة ،وما ينقص اللوحة كي تكون هي نفسها ،وترى على لوحة األلوان اللون الذي تنتظره اللوحة ،وهي
تتم ":إ ّن اللّوحة ليست شيئا مماثال إالّ حبسب اجلسم ،إذ ّأّنا ال
ترى اللوحة اليت تعرض مجيع هذه النواقص ،حني ّ
وإمنا تقدم للنظرة عالمات الرؤية من الداخل، تقدم إىل العقل مناسبة إلعادة التفكري يف العالقات املشيَّدة لألشياء ّ
لكي تقرتن هبا النظرة ،وتقدم هلا ما يكسوها داخليا ،أال وهو نسيج خيايل للواقع( ".موريس مريلوبونيت،0878 ،
ص)53
يذهب جي ديبور خالفا لفوكو الذي يرتكز يف نقده لسطوة اهليمنة البصرية على األثر اخلاص ابألنظمة
اخلاصة
وعمليات فرض املعيارية ،إىل التأكيد على ضرورة احلذر من أن يصبح املرء هو الذات ـ ـ وليس املوضوع ـ ـ ّ
هبذه النظرة احملدقة ،وعليه فهو يعترب اإلغواء اخلاص مبشهد احلياة املعاصرة ،أكثر شناعة من املراقبة الكلية.
يفضل الصورة على الشيء ،النسخة على يقول دوبري يف كتابه جمتمع االستعراض (":)2152ال شك أ ّن عصرانِّّ ،
األصل ،التمثيل على الواقع ،املظهر على الوجود ،املقدس ابلنسبة إليه ما هو إالّ ومهاًّ ،أما املدنَّس فهو احلقيقة،
ويكرب املق ّدس يف عينيه ،بقدر ما تتناقص احلقيقة ويتزايد الوهم(".جي ديبور ،0887 ،ص )7ذلك أ ّن اجملتمعات
احلديثة تقدم احلياة على ّأّنا تراكم كثيف من االستعراضات ،يتكون من خالل جمموعة من الصور املنفصلة املبعدة
عن احلياة ،املعزولة عن عامل مستقل أو منعزل عن اخلربة املعيشة ،وكل ما كان معاشا على حنو مباشر يتباعد ليتحول
إىل متثيل ( .représentationميشيل فوكو ،0880 ،ص)087
يقدم االستعراض نفسه ،أوال :بوصفه اجملتمع ذاته ،واثنيا :بوصفه جزءا من اجملتمع ،الذي ترتكز فيه ابلتحديد كل
نظرة وكل وعي ،لكنّه يف احلقيقة منفصل عن اجملتمع ،وابلتايل فهو موضع النظرة املخدوعة والوعي الزائف ،واثلثا:
أداة توحيد ،هذا التوحيد الذي حي ِّّققه يعترب لغة رمسية لالنفصال املعمم( .ميشيل فوكو ،0880 ،ص)00
ُ
احلاسة اإلنسانية املتميّزة ،فهو اخلطاب املتصل للنظام القائم عن نفسه ،إنّه الصورةاإلبصارّ ،
َ اض
يعترب االستعر ُ
الذاتية للسلطة يف حقبة إدارهتا الشمولية لشروط الوجود ،واالستعراض هو وسائل االتصال اجلماهريية اليت جتعل
السطحي يبدو األش ّد بريقا( .ميشيل فوكو ،0880 ،ص )04إنّه حني يتحول العامل الواقعي إىل صورة بسيطة ،تصبح
فعالة لسلوك يف حالة تنومي ،حيث ُحي ّقق االستعراض السيطرة على اجملتمع بواسطة أشياء تفوق هذه الصور حوافز ّ
حمل العامل احملسوس الصور اليت توجد فوقه ،واليت تقدم نفسها على ّأّنا احلواس وهي حمسوسة كذلك ،فيحل ّ
حتكمها يف احلياة االجتماعية ،فال يعود ابستطاعة املرء أن احملسوس بال منازع ،ففي حلظة االستعراض حتقق السلعة ُّ
يرى سواها ،فالعامل الذي يراه هو عاملها ،يف جمتمع االستعراض يتحول املستهلك الواقعي إىل مستهلك لألوهام،
والسلعة هي هذا الوهم الواقعي فعال.
يستعني االستعراض أبشكال التسلية والرتفيه الباهرة ،حيث يسيطر االبتذال على عامله ،وتُربز السلع شخصيات
النجوم اليت تعترب التمثيل االستعراضي لإلنسان احلي ،واليت تسعى إىل جتسيد أمناط خمتلفة من أساليب احلياة وفهم
اجملتمع( .ميشيل فوكو ،0880 ،ص)02
إ ّن االستعراض كما يقول ديبور هو الوعي الزائف ابلزمن ،وانتصار التأمل على العقل ،وجمتمع االستعراض هو
حتول اجملتمع إىل عرض واستعراض كبري ،أصبحت األشكال املرئية للسلع تسيطر على احلياة جمتمع املكان ،حيث َّ
متوحد واحد .إ ّن االستعراض ليس ِّ
اليومية بشكل كامل ،كما قام ابلتوحيد بني اإلنتاج واالستهالك من خالل نظام ّ
شيئا مضافا إىل العامل الواقعي ،ليس ديكورا إضافيا له ،إنّه مركز ال واقعية اجملتمع الواقعي ،إنّه يشكل منوذج احلياة
السائدة اجتماعيا( .ميشيل فوكو ،0880 ،ص )50لقد أدان ديبور بشكل واضح الطريقة اليت يتم من خالهلا توظيف
نشاط اإلبصار يف اجملتمع الغريب ،على اعتبار أ ّن االستعراض ليس فقط جمموعة من الصور ،ولكنّه عالقة اجتماعية
بني النّاس ،عالقة تتوسطها الصور.
.00صنمية الصورة واإلغواء:
حيتل جان بودراير مركز املشهد الثقايف الفرنسي ،يف كثري من جماالت ما بعد احلداثة ،وسنتعرض فيما يلي
ُّ
وبشكل خاص ألهم األفكار واملوضوعات اليت تناوهلا ابملناقشة ،فيما يتعلق مبوضوع الصورة وجماالهتا يف النقاط
التالية :جمتمع االستهالك ،صنمية الصورة ،احملاكاة والصور احملاكية وفلسفة اإلغواء.
.0.00جمتمع االستهالك( :شاكر عبد احلميد ،5002 ،ص)008-002
ظهر جمتمع االستهالك بشكل واضح بعد احلرب العاملية الثانية ،هذا الظهور طرح ـ ـ من طرف العديد من
الفالسفة ـ ـ أمهية إعادة النظر يف األدوار املركزية اليت تلعبها الثقافة يف اإلنتاج اخلاص ابجملتمعات الرأمسالية املعاصرة.
يذكر فريدريك جيمسون أبن الثقافة مل تعد مسألة تتعلق بقراءة كتاب جيد يف كل شيء ،أو القيام برحلة سياحية،
بل أصبحت العنصر احلاسم يف جمتمع االستهالك نفسه ،ألنّه مل يسبق يف اتريخ البشرية أن كان هناك جمتمع مشبع
ابلعالمات والرسائل مثل جمتمعنا الذي نعيش فيه .إ ّن املناخ الثقايف الذي يتمثل يف وسائل اإلعالم اجلماهريية،
واإلعالن ،وتكنولوجيا املعلومات واالتصال ،له دور مباشر يف اإلنتاج واإلدارة الثقافية ،وكذلك يف التنشئة
االجتماعية ،والرتبية والتعليم ،والتبادل الثقايف ،واملتعة وقضاء وقب الفراغ أيضا.
لقد اهتم بودراير ابملناخ الثقايف ودوره يف اجملتمع من خالل تركيزه على الطريقة اليت توظف الثقافة واإليديولوجيا
خاصة ما تعلق بوسائل اإلعالم
والعالمات يف احلياة اليومية للنّاس ،ابستكشاف ودراسة العديد من الظواهرّ ،
والتكنولوجيا ،والظواهر اجلنسية والفن ،واليت أصبحت وسائل إلنتاج السلع واالستهالك .وقد أشار أبنّه ال ميكن
للمرء أن يفهم التاريخ والسياسة واالقتصاد ،أو أي ظاهرة اجتماعية دون أن يفهم الدور اخلاص ابلثقافة وثقافة إنتاج
السلع واخلدمات ،تبادهلا على وجه خاص داخل املنطق االجتماعي اخلاص ابجملتمعات.
يشري بودراير إىل أننا وصلنا إىل مرحلة أصبح فيها االستهالك مهيمنا على كل شيءّ ،إّنا "املرحلة االستهالكية"
الكاملة ،من حالة ال وفرة اخلالصة والبسيطة وصوال إىل مرحلة التنظيم املنتظم والبيئة الكلية ،حيث االستهالك يف
كل مكان ،يف األسواق الكبرية والشوارع واملنازل .لقد قام بودراير بتحليل السلوك االستهالكي ،حيث اعترب أ ّن
استهالك السلع داللة على السعادة ،وأ ّن املستهلك يعتقد أ ّن االمتالك والتعرض لعالمات الوفرة والثراء وما شابه
ذلك سوف جيلب له سعادة حقيقية ومتيزا ومكانة اجتماعيةّ ،إّنا عقلية املظهر اخلارجي والسطح اخلارجي ،هبذه
الطريقة ش ّكل استهالك السلع نظاما عامليا ـ ـ العوملة ـ ـ متحكما فيه ومتماسكا من العالقات ،نظاما ثقافيا يعمل على
تشكيل النظام االجتماعي والبيولوجي.
(الزائف) هو الشكل األُمنوذج للتمثيل ،ولذلك مل تعد املسألة مسألة عرض صور زائفة للواقع ،بل مسألة إخفاء
حلقيقة أ ّن الشيء احلقيقي ،مل يعد حقيقيا.
.3.00فلسفة اإلغواء( :دانيال تشاندلر ،5004 ،ص)027
مل يعد اإلغواء ميثِّّل جانبا من نظام الطبيعة ،بل أصبح جانبا مالزما لنظام احليل البارعة والوسائل اليت حتتاج إىل
براعة لتقدمي مادهتا ،لقد أصبح مالزما للعالمات والطقوس ،لقد دخلنا حسب بودراير حقبة الثورة اجلنسية ،حقبة
من اإلنتاج والتطبيق لكل أنواع املتعة ،اليت تقع عند مستوى الوعي ،وما حتت مستوى الوعي أيضاّ ،إّنا حقبة
الرغبات غري املدركة ،الرغبات الغامضة ،التناول املتناهي يف دقته للرغبات .لقد أصبح كل شيء معروضا ومتاحا
ُ
بطرائق مباشرة وغري مباشرة ،لقد أصبح اإلغواء سلعة وموضوعا يف جمتمع االستهالك ،يقدَّم من خالل حمتوى وسائل
اإلعالم ،واإلعالانت ،واألفالم ،وصور اجملالت .يوجد وراء كثرة إنتاج الصور ،الرغبة ،ويوجد اإلغواء ،وتوجد الرغبة
يف اإلغواء ،حيث ميثل اإلغواء القدرة على السيطرة على العامل الرمزي ،وجيري إغواء اإلنسان من خالل املظاهر،
فيخضع هلا ،ويصبح أسريا هلا ،فيبتعد عن احلقائق األخالقية األساسية.
يتسم اإلغواء ابلذكاء املتمثل يف عفويته وتدفقه وحلظيته وشواهده ،إنّه ال حيتاج إىل أن يق ّدم براهني قوية على ما
يتجسد يف اهليمنة واإلتقان للمظاهر اخلارجية
يق ّدمه ،فمظهره يكفي لذلك ،وهو موجود بشكل دائم ومباشر ،إنّه ّ
اليت يق ّدمها ،ويف اسرتاتيجيات التالعب هبذه املظاهر ،يف مواجهة سلطة الوجود ،وكل ما هو واقعي.
.05العصور الثالثة للصورة عند رجييس دوبري:
تطرق رجييس دوبري يف كتابه حياة الصورة وموهتا ،إىل موضوع السنن codesالالمرئية للمرئي ،واليت حت ّدد يف ّ
أي عصر حالة معينة للعامل ،أي ثقافة معينة( ،شاكر عبد احلميد )040-057 ،5002 ،لقد تتبّع ثقافة الصورة عرب
العصور وربطها ابألبعاد واملتغريات ال ّدينية والسياسية والتكنولوجية ،وميّز بشكل مفصل بني العصور الوسائطية
الثالث :الكتابة والطباعة والسمعي البصري ،واليت تفرز يف زمن الصور ثالث قارات متمايزة :الصنم والفن والبصر،
يؤدي إىل غموض ال جدوى منه( :رجييس دوبري ،5005 ،ص)022 فلكل منها قوانينها وكل خلط بينها ّ
أ .عصر اخلطاب Logosphère :ويقابله عصر األصنام ابملعىن العام للكلمة ،وكما ِّّ
تعرب عنها الكلمة اإلغريقية
Eidolonصورة ،ومتت ّد من اخرتاع الكتابة إىل اخرتاع املطبعة.
ب .عصر الكتابة Graphosphère :ويقابله عصر الفن ،وميت ّد من املطبعة إىل التلفزيون ابأللوان ،الذي يراه أكثر
داللة من الصور الفوتوغرافية والسينما.
ج .عصر الشاشة Vidéo sphère :ويقابله عصر البصري ،وهو العصر الذي نعيشه.
(رجييس دوبري ،5005 ،ص)022
يرسم كل واحد من هذه العصور وسطا حياتيا وفكراي له ترابطاته ال ّداخلية الضيّقة ،نظاما بيئيا للرؤية ،فهذه العصور
الثالث تتداخل فيما بينها ،فهي متوالية ومرتابطة ،فالثقافة مل متح من ثقافتنا األمثال واألقوال املأثورة (أي الثقافة
تؤسس نفسها يف التقدم نفسه ،هذا التقدم الذي جيمع الشفهية) ،وكذلك التلفزيون مل مينع من ارتياد املتاحف .إ ّّنا ّ
بني السرعة التارخيية والتم ّدد اجلغرايف ،إنّه توسيع جملاالت التحرك ،فالصنم حملي ومنتم ملوطنه انتماء ال يتزعزع ،بينما
الفن غريب ،وهو متحرك وله ملكة السفر (دورر يف إيطاليا ،ليوانردو يف فرنساّ ،).أما البصري فهو عاملي.
لكل عصر لغته ،فالصنم حتدث اإلغريقية ،وحتدث الفن اإليطالية ،فيما حتدث البصري األمريكية ،ففي األول ،مل
يكن الصنم مسألة مجالية وإّمنا دينية ،له رهاانت ذات طابع سياسي مباشر ،ويف الثام حصل الفن على استقالله
الذايت ابلنظر إىل ال ّدين ،مع بقائه اتبعا للسلطة السياسية ،إ ّّنا مسألة "ذوق"ّ ،أما يف الثالث ،فإ ّن الدائرة االقتصادية
تقرر لوحدها يف قيمة وتوزيع الصور ،إذ املسألة مسألة قدرة شرائية. ِّ
ّ
لقد كان لكل مرحلة منط تنظيمها املهين ،فكان لصانعي صور الوسيطيني هيئاهتم احلرفية ،وللفنانني أكادمييتهم،
املصور الوسيط ينحت احلجر أو اخلشب ،وكان الفنان يشتغل عادة على املتخصصة ،كان ّ ّ ولإلشهاريني شبكتهم
القماش املثبت على إطار خشيبّ ،أما البصري فإنّه يُصنع بدون ملس أي بواسطة اإللكرتوانت.
مرت يف العقل الغريب بثالث أمناط خمتلفة :احلضور (القديس يف متثاله) ،التمثيل هكذا ،فإ ّن الصورة االصطناعية قد ّ
،Représentationوالتظاهر والتمويه .Simulationفالصورة املدركة قد مارست وظيفة الوساطة بثالث جوامع
متتابعة :اخلارق أو ما فوق الطبيعي ،الطبيعي واالفرتاضي .Virtuelكما ّأّنا اقرتحت ثالث وضعيات عاطفية:
فالصنم يتطلب الرهبة ،فيما يتطلب الفن احلبّ ،أما البصري فيستدعي املصلحة .املرحلة األوىل اتبعة للنمط
األصلي ،والثانية تنتظم وفق النموذجّ ،أما الثالثة فتنظّم قوالبها اجلاهزة اخلاصة هبا .وهنا ال يتم تصريف صفات
هليكلة ٍ
كيفية للعامل ٍ وإمنا عوامل فكرية واجتماعية .فكل عصر للصورة مقابال ميتافيزيقية أو سيكولوجية بعني أبديةّ ،
املعايش .قل يل ما تراه أقول لك علّة عيشك وطريقة تفكريك( .رجييس دوبري ،5005 ،ص)075-028
ـ خ ـ ــامتة:
خاصة من خالل عرضنا لتاريخ الصور فلسفيا ،بداية لقد رأينا كيف تطورت فلسفة الصور عرب العامل ويف الغرب ّ
مبا تطرق إليه أفالطون ،وانتقاال إىل حديث أرسطو عن اإلبصار ،مرورا حبركة حترمي الصور خالل القرنني الثامن عشر
والتاسع عشر ،مث عصر النهضة وتطور حاسة اإلبصار مع ظهور وسائل اإلعالم واالتصال احلديثة – السينما
والتلفزيون ، -ووصوال إىل ما ذكره روجيس دوبري يف كتابه حياة الصورة وموهتا عن موضوع السنن الالمرئية
للمرئي ،من خالل تتبعه لثقافة الصورة عرب العصور وربطها ابألبعاد واملتغريات الدينية والسياسية والتكنولوجية.
ـ قائمة املراجع:
ابن منظور(د ت) ،لسان العرب ،دار بيروت للطباعة والنشر ،المجلد .4 -1
دافيد بروتن( ،)7991أنتربولوجيا الجسد والحداثة ،ترجمة محمد صاصيال ،المؤسسة الجامعية -3
عبد الحميد شاكر( ،)3002عصر الصورة ،السلبيات واإليجابيات ،عالم المعرفة ،العدد .277 -6
عبد الحميد شاكر( ،)3007التفضيل الجمالي ،دراسة في سيكولوجية التذوق الفني ،عالم المعرفة، -7
العدد ،361الكويت.
فؤاد زكريا( ،)3004جمهورية أفالطون ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،مصر. -8
مصطفى النشار( ،)7992نظرية المعرفة عند أرسطو ،دار المعارف ،القاهرة ،7992 ،ص.49 -9
-11موريس ميرلوبونتي( ،)7999العين والعقل ،ترجمة حبيب الشاروني ،منشأة المعارف ،مصر.
-11موريس ميرلوبونتي( ،)7919المرئي والالمرئي ،ترجمة سعاد محمد خضر ،دار الشؤون الثقافية العامة،
بغداد.
-12ميشيل فوكو( ،)7990المراقبة والمعاقبة ،ترجمة مطاع صفدي ،مركز اإلنماء العربي ،بيروت.
-13نصر الدين العياضي( ،)3006الصورة في وسائل اإلعالم العربية :بين البصر والبصيرة ،مجلة اتحاد
الدول العرب ،العدد7
14- Abraham Moles(1981), l’image, communication fonctionnelle, Casterman.
15- Michel Traodyet et Arnold Hoffeman,(2007) le professeur et les images, paris, édition
le seuil.