You are on page 1of 9

‫من حكايات ألف ليلة وليلة‬

‫حكاية خالد بن عبد اهلل القسري مع الشاب السارق‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫حكايات ألف ليلة وليل ة حكاي ات فارس ية األص ل تحكي أل ف خراف ة‪ ،‬أعجبت الش عوب‬
‫المختلف ة به ا‪ ،‬فتس للت أجواؤه ا إلى اآلداب العالمي ة‪ ،‬والرس م‪ ،‬والمس رح‪ ،‬والس ينما‬
‫والموسيقى‪.‬‬

‫وقد ظهرت في القرن الثالث الهجري‪ ،‬وأضاف إليها العرب حكاي ات على نفس المن وال‬
‫في القرن العاشر الهجري‪ .‬وبعضها كانت أحداثه حقيقية مث ل ه ذه الحكاي ة‪ ،‬وبعض ها مس تقى‬
‫من الخيال‪ ،‬وقد تربين ا على كث ير منه ا‪ ،‬وتح ول بعض ها إلى أفالم كرتوني ة مث ل‪ :‬عالء ال دين‬
‫والمصباح السحري‪ ،‬والشاطر حسن‪ ،‬والسندباد‪ ،‬ومعروف االسكافي‪.‬‬

‫تقوم فكرة الحكايات على قصة محورية ت دور فيه ا الحكاي ات األخ رى‪ ،‬وهي أن المل ك‬
‫شهريار تع ّرض للخيانة من زوجته‪ ،‬فصار كارها للنساء‪ ،‬وأقسم ان يتزوج في كل ليلة ام رأة‪،‬‬
‫ثم يقتلها فجرا‪ .‬وحين أراد الزواج باالميرة ش هرزاد ابن ة وزي ره‪ ،‬وق د ك انت جميل ة ومثقف ة‪،‬‬
‫بالقص ‪ ،‬جزع والدها‪ ،‬إال أنها وافقت بشرط قصدت به إلى نجاتها‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫وتملك طريقة مشوقة‬
‫أن تحكي له حكاية قبل أن يقتلها‪ ،‬فوافق‪.‬‬
‫اعتم دت على براعته ا في قص الحكاي ات لتنق ذ نفس ها‪ ،‬فب دأت ليلته ا عن ده بقص ة‬
‫مشوقة‪،‬ولم تتمها‪ ،‬بل تترك في نهايتها‪ ،‬قبل الفجر‪ ،‬محورا تبدأ به قصة جديدة‪ ،‬وأخذ شهريار‬
‫يؤجل قتلها ليلة بعد ليلة حتى يعرف آخر الحكايةيؤجل قتلها ليعرف نهاية الحكاية‪،‬ح تى ك انت‬
‫الليلة الواحدة بعد األلف التي قرر فيها شهريار أن ال يقتلها فأنقذت نفسها‪ ،‬وبقية النساء‪.‬‬
‫تبدأ الحكاي ات بالزم ة لفظي ة‪ ":‬بلغ ني أيه ا المل ك الس عيد"‪ .‬وتنتهي بالزم ة" ف أدرك‬
‫شهرزاد الصباح وسكتت عن الكالم المباح"‪.‬‬

‫الحكاية‬

‫حدثت الحكاية المقصودة في العصر األموي‪ .‬وأبطاله ا‪ ،‬خال د القس ري أم ير البص رة‪،‬‬
‫وشاب س ارق‪ .‬وتق ول الحكاي ة إن قوم ا حض روا إلى ال والي متعلقين بش اب ذي جم ال ظ اهر‬
‫وأدب وافر‪ ،‬أي أن شكله اليوحي بكونه سارقا‪ ،‬ب ل إن ص فاته الش كلية والس لوكية‪ ،‬وم ا يط ل‬
‫منه من سكينة ووقار وهيبة يوحي بأنه من أهل العلم والخلق‪.‬وهذا عنصر التشويق األول‪.‬‬
‫فقال لهم األمير خلّو عنه‪:‬أي اتركوه‪ .‬وسأله األمير‪:‬أما كان لك في جمال شكلك ومظهرك زاجر‬
‫يردعك‪ .‬أي يوقفك ويمنعك عن هذا الفعل المشين‪.‬‬
‫فقال الشاب‪ :‬إن األمر على ماذكره القوم‪ .‬وظ ّل مصرا على أنه لص دخل دار القوم ليس رق من‬
‫عندهم‪ .‬وهذا عنصر تشويق آخر‪ ،‬فاللص عادة ينكر السرقة‪ ،‬وهذا يصر عليها‪.‬‬
‫وحين ُز ّج به في السجن هدأ وتنفس الصعداء‪ .‬أي ارتاح بعد تعب‪.‬‬
‫وهذا غريب أيضا‪ ،‬ثم بدأ ينشد أبياتا من الشعر يقول فيها‪:‬‬
‫هددني خالد بقطع يدي إن لم أبح له بقصتها‬
‫قطع يدي بالذي اعترفت به أهون للقلب من فضيحتها‪.‬‬
‫فواضح أن هناك سر يتعلق بامرأة يفضل أن تقطع يده ح دا الرتك اب الس رقة ِع وض أن يب وح‬
‫بحكايتها معه‪.‬‬
‫فذهب الموكلون به إلى خالد‪ ،‬وأخبروه باألمر‪.‬‬
‫والموكلون ‪:‬هم الحرس‪.‬‬
‫فاستدعاه خالد وطلب إليه أن يعترف بحقيقة األمر فرفض‪ ،‬وظل مصرا على أنه سارق‪.‬‬
‫فقال له األمير‪:‬قل غدا للقاضي ما يدرأ عنك ح ّد القطع‪ .‬أي قل أي شيء يبع د عن ك تط بيق ح د‬
‫السرقة‪ ،‬من باب "ادرؤوا الحدود بالشبهات" أي أبعدوا التنفيذ ألي شبهة‪.‬‬
‫والشبهات ‪:‬اختالط الحق بالباطل‪ ،‬فيفسر الشك لصالح المتهم‪.‬‬

‫وفي الليلة الثانية تابعت شهرزاد القصة وقالت‪:‬‬


‫جاء أهل البصرة ليشهدوا قطع يد الشاب‪ ،‬وإقام ة ح د الس رقة‪ ،‬ألن الح دود تق ام علن ا للع برة‬
‫واالتعاظ‪ ،‬وردع الناس‪ .‬وقد ارتفع صوت النساء بالنحيب‪.‬‬
‫والنحيب ‪:‬البكاء بصوت مرتفع‪.‬‬
‫وقد كان البكاء حزنا على شبابه وهيئته التي ال تتناسب مع ذنب السرقة‪.‬‬
‫وحين جاء القاضي سأله أسئلة تخرجه من المأزق فلم يمتثل‪ ،‬وظل مصرا‪.‬‬
‫وحين جاء الجزار ليقطع يده حدث عنصر تشويق جديد‪ ،‬إذ أطلت امرأة من بين الجموع عليها‬
‫أطمار وسخة‪.‬‬
‫واألطمار ‪:‬هي العباءة الخارجية‪ .‬ثم أسفرت‪ ،‬أي كشفت عن وجه كأنه القمر‪ .‬والتشبيه مرس ل‬
‫مجمل‪.‬‬
‫وقالت ‪ :‬ناشدتك هللا ‪:‬أي أستحلفك باهلل‪ ،‬أن تقرأ الرقعة‪ ،‬وهي قطعة من الجل د كتبت به ا أبيات ا‬
‫من الشعر‪.‬‬
‫وكتبت فيها شعرا‪:‬‬
‫أخالد هذا مستهام متيم رمته لحاطي عن قسي الحمالق‬
‫فأصماه سيف اللحظ مني ألنه حليف جوى من دائه غير فائق‬
‫فمهال عن الصب الكئيب فإنه كريم السجايا في الورى غير سارق‪.‬‬
‫أخالد‪ :‬أي يا خالد‪ ،‬فالهمزة أداة نداء‪.‬‬
‫المستهام من الهيام وهو العاشق‪ ،‬والهيام من أعلى درجات الحب‪.‬‬
‫متيم‪ :‬مقيد مأسور بالحب‪.‬‬
‫اللحاظ‪ :‬مفردها لحظ‪ ،‬وهي النظرات‪.‬‬
‫الحمالق‪:‬مفردها حمالق وهي باطن الجفن وشق العين‪.‬‬
‫قسي ‪:‬جمع قوس‪ ،‬وهو قوس رمي السهام‪.‬‬
‫الصب الكئيب‪:‬العاشق الحزين‪.‬‬
‫السجايا‪:‬مفردها سجيّة وهي الصفات‪.‬‬
‫الورى ‪:‬الناس‬
‫ومعنى الشعر أن المرأة تطلب إليه أن يتمهل في حكم ه على الش اب؛ ألن ه عاش ق م تيم رمت ه‬
‫عيناها بنظرة مثل القوس فوقع في الحب‪ ،‬ثم تشبه النظرات التي أوقعته بحبها بضربة الس يف‬
‫التي أصابته بالصمم‪ ،‬وصار واقعا بمرض الحب وفيا له‪ ،‬ال يفيق‪ ،‬وال يصحو‪ ،‬وهو شاب طيّب‬
‫السمعة‪ ،‬كريم الخلق بين الناس‪.‬‬
‫وحين فهم األمير الحكيم األمر توقف وسمع القصة من الجارية‪ ،‬وخطب خطب ة بالن اس‬
‫ل درء الش ائعات‪ ،‬فق د ك ادت تق ع فتن ة يتط اير ش ررها‪ ،‬إش ارة إلى اش تعالها‪ ،‬إذ ص ار الن اس‬
‫يتساءلون عن حقيقة األمر‪ ،‬فكان البد من التوضيح لهم‪.‬‬
‫ثم استدعى الفتاة واستأذنه أن يزوجهما‪ ،‬بع د أن منح كال منهم ا م اال‪ ،‬فواف ق الش يخ‪،‬‬
‫وانتهت الحكاية نهاية سعيدة‪ .‬وسكتت شهرزاد عن الكالم المباح إذ أدركها الصباح‪.‬‬
‫عناصر القصة‪:‬‬
‫‪ -1‬الشخصيات الرئيسة والثانوية‪.‬‬
‫‪ -2‬الزمان‪.‬‬
‫‪ -3‬المكان‪.‬‬
‫‪ -4‬العقدة‪.‬‬
‫‪ -5‬الحوار‪.‬‬
‫‪ -6‬السرد‬
‫حكاية خالد بن عبد هللا القسري مع الشاب السارق‬

‫ومما يحكى أن خالد بن عبد هللا القسري كان أمير البصرة فجاء إليه جماعة متعلقون بشاب‬
‫ذي جمال باهر‪ ،‬وأدب ظاهر‪ ،‬وعقل وافر‪ ،‬وهو حسن الصورة طيب الرائحة وعليه سكينة ووقار‪.‬‬
‫فقدموه إلى خالد فسألهم عن قصته فقالوا‪ :‬هذا لص أصبناه البارحة في منزلنا‪ .‬فنظر إليه خالد‬
‫فأعجبه حسن هيئته ونظافته‪ .‬فقال‪ :‬خلوا عنه‪ .‬ثم دنا منه وسأله عن قصته‪ .‬فقال‪ :‬القوم صادقون‬
‫فيما قالوه واألمر على ما ذكروا ‪ .‬فقال له خالد‪ :‬ما حملك على ذلك وأنت في هيئة جميلة وصورة‬
‫حسنة؟ قال‪ :‬حملني على ذلك الطمع في الدنيا وقضاء هللا سبحانه وتعالى‪ .‬فقال له خالد‪ :‬ثكلتك أمك‪،‬‬
‫ع عنك‬ ‫أما كان لك في جمال وجهك وكمال عقلك‪ ،‬وحسن أدبك زاجر يزجرك عن السرقة؟ قال‪ :‬د ْ‬
‫ض إلى ما أمر هللا تعالى به‪ ،‬فذلك ما كسبت يداي‪ .‬وما هللا بظالم العبيد‪ .‬فسكت‬
‫هذا أيها األمير وام ِ‬
‫خالد ساعة يفكر في أمر الفتى‪ .‬ثم أدناه منه وقال له‪ :‬إن اعترافك على رؤوس األشهاد قد رابني‬
‫وانا ما اظنك سارقاً‪ ،‬ولعل لك قصةً غير السرقة فأخبرني بها؟ قال‪ :‬أيها األمير ال يق ْع في نفسك‬
‫شيء سوى ما اعترفت به عندك‪ ،‬وليس لي قصة أشرحها إال أني دخلت دار هؤال ِء فسرقت ما‬
‫أمكنني فأدركوني وأخذوه مني وحملوني إليك‪ .‬فأمر خالد بحبسه وأمر مناديا ينادي بالبصرة‪ :‬إلى‬
‫من أحب أن ينظر إلى عقوبة اللص وقطع يده فليحضر من الغداة إلى المحل الفالني فلما استقر‬
‫‪:‬الفتى في الحبس ووضعوا في رجليه الحديد تنفس الص َعدَاء‪ ،‬وأفاض العبَرات وأنشد هذه األبيات‬
‫‪ ‬‬
‫هددني خالد بقـطـع يدي ‪  ‬إذا لم أبح عنده بقصتهـا‬
‫فقلت هيهات أن أبوح بما ‪  ‬تضمن القلب من محبتها‬
‫قطع يدي بالذي اعترفت به ‪  ‬أهون للقلب من فضيحتها‬
‫‪ ‬‬
‫فسمع ذلك الموكلون به‪ ،‬فأتوا خالداً وأخبروه بما حصل منه‪ .‬فلما جنّ الليل أمر‬
‫بإحضاره عنده‪ ،‬فلما حضر استنطقه فرآه عاقالً أديبا ً فطنا ً لبيبا ً فأمر بطعام فأكل‪،‬‬
‫وتحدث معه ساعة كاملة‪ ،‬ثم قال له خالد‪ :‬قد علمت أن لك قصة غير السرقة فإذا‬
‫كان الصباح‪ ،‬وحضر الناس‪ ،‬وحضر القاضي‪ ،‬وسألك عن السرقة فأنكرها واذكر‬
‫ما يدرأُ عنك حد القطع‪ ،‬فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ادرؤوا الحدود‬
‫بالشبهات‪ .‬ثم أمر به إلى السجن‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكالم المباح‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وفي الليلة الثامنة والثالثين بعد الثالثمئة قالت‪ :‬بلغني أيها الملك السعيد‬
‫أن خالداً بعد أن تحدث مع الشاب أمر به إلى السجن فمكث فيه ليلته‪ ،‬فلما‬
‫أصبح الصباح حضر الناس ينظرون قطع يد الشاب‪ ،‬و لم يبق أحد في‬
‫البصرة من رجل وامرأة إال وقد حضر ليرى عقوبة ذلك الفتى‪ ،‬وركب خالد‬
‫ومعه وجوه اهل البصرة وغيرهم ثم استدعى بالقضاة‪ ،‬وأمر بإحضار‬
‫الفتى فأقبل يحجل( في الرجلين) في قيوده‪ ،‬و لم يره أحد من الناس إال‬
‫وبكى عليه‪.‬‬
‫وارتفعت أصوات النساء بالنحيب النواح فأمر القاضي بتسكيت النساء‪،‬‬
‫ثم قال له‪ :‬إن هؤالء القوم يزعمون أنك دخلت دارهم وسرقت مالهم فلعلك‬
‫سرقت دون النصاب؟ قال‪ :‬بل سرقت نصابا ً كامالً‪ ،‬قال‪ :‬لعلك شريك القوم‬
‫في شيء منه؟ قال‪ :‬بل هو جميعه لهم وال حق لي فيه‪ ،‬فغضب خالد وقام‬
‫إليه بنفسه وضربه على وجهه بالسوط‪ ،‬وقال متمثالً بهذا البيت‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫ويأبى اللـه إال مـا‬ ‫يريد المرء أن يعطى‬
‫‪ ‬‬
‫يريد‬ ‫مناه‬
‫‪ ‬‬
‫ثم دعا بالجزار ليقطع يد الشاب وأخرج السكين ومد يد الشاب ووضع‬
‫عليها السكين‪ ،‬فبادرت جارية من وسط النساء عليها أطمار وسخة‪،‬‬
‫فصرخت ورمت نفسها عليه ثم أسفرت عن وج ٍه كأنه القمر‪ ،‬وارتفع في‬
‫الناس ضجة عظيمة‪ ،‬وكاد أن يقع بسبب ذلك فتنة طائرة الشرر‪ ،‬ثم نادت‬
‫تلك الجارية بأعلى صوتها‪ :‬ناشدتك هللا أيها األمير ال تعج ْل بالقطع حتى‬
‫تقرأ هذه الرقعة‪ ،‬ثم دفعت إليه رقعة ففتحها خالد وقرأها فإذا مكتوب فيها‬
‫هذه األبيات‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫أخال ُد هـذا مـسـتـهـام رمته لحاظي عن قس ّي‬
‫‪ ‬‬
‫الحمالق‬ ‫مـتـيم‬
‫فأصماه سيف اللحظ حليف جوى من دائه غير‬
‫‪ ‬‬
‫فـائق‬ ‫مـنـي ألنـه‬
‫أقر بمـا لـم يقـتـرفـه رأى ذاك خيراً من هتيكة‬
‫‪ ‬‬
‫عاشـق‬ ‫كـأنـه‬
‫كريم السجايا في الورى‬ ‫الصب‬
‫ّ‬ ‫فمهالً عن‬
‫‪ ‬‬
‫غير سارق‬ ‫الكـئيب فـإنـه‬
‫‪ ‬‬
‫فلما قرأ خالد هذه األبيات تنحى وانفرد عن الناس وأحضر المرأة ثم سألها‬
‫عن القصة فأخبرته بأن هذا الفتى عاشق لها وهي عاشقة له‪ ،‬وإنما أراد‬
‫زيارتها فتوجه إلى دار أهلها ورمى حجراً في الدار‪ ،‬ليعلمها بمجيئه‪،‬‬
‫فسمع أبوها وأخوها صوت الحجر فصعدوا إليه فلما أحس بهم جمع قماش‬
‫البيت كله وأراهم أنه سارق ستراً على معشوقته‪ ،‬فلما رأوه على هذه‬
‫الحال أخذوه وقالوا‪ :‬هذا سارق وأتوا به إليك فاعترف بالسرقة وأصر‬
‫على ذلك حتى ال يفضحني وقد ارتكب هذه األمور من رمي نفسه بالسرقة‬
‫لفرط مروءته وكرم نفسه‪ .‬فقال خالد‪ :‬إنه لخليق أن يسعف بمراده‪ ،‬ثم‬
‫استدعى الفتى إليه وقبله بين عينيه وامر بإحضار أبي الجارية وقال له‪ :‬يا‬
‫شيخ إنا كنا عزمنا على إنفاذ الحكم في هذا الفتى بالقطع ولكن هللا عز‬
‫وجل قد حفظه من ذلك‪ ،‬وقد أمرت له بعشرة آالف درهم لبذله يده حفظا ً‬
‫ِلعرضك وعرض ابنتك وصيانتكما من العار‪ ،‬وقد أمرت البنتك بعشرة آالف‬
‫درهم حيث أخبرتني بحقيقة األمر‪ ،‬وأنا أسألك أن تأذن لي في تزويجها‬
‫منه‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬أيها األمير قد أذنت لك في ذلك‪ ،‬فح ِمد هللا خال ٌد وأثنى‬
‫عليه وخطب ُخطبة حسنة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكالم المباح‪.‬‬

‫من حكايات ألف ليلة وليلة‬


‫حكاية خالد بن عبد اهلل القسري مع الشاب السارق‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫حكايات ألف ليلة وليل ة حكاي ات فارس ية األص ل تحكي أل ف خراف ة‪ ،‬أعجبت الش عوب‬
‫المختلفة بها‪ ،‬فتسللت أجواؤها إلى اآلداب العالمية‪ ،‬والرسم‪ ،‬والمسرح‪ ،‬والسينما والموسيقى‪.‬‬

‫وقد ظهرت في القرن الثالث الهجري‪ ،‬وأضاف إليها الع رب حكاي ات على نفس المن وال‬
‫في القرن العاشر الهجري‪ .‬وبعضها كانت أحداثه حقيقية مثل هذه الحكاية‪ ،‬وبعض ها مس تقى من‬
‫الخي ال‪ ،‬وق د تربين ا على كث ير منه ا‪ ،‬وتح ول بعض ها إلى أفالم كرتوني ة مث ل‪ :‬عالء ال دين‬
‫والمصباح السحري‪ ،‬والشاطر حسن‪ ،‬والسندباد‪ ،‬ومعروف االسكافي‪.‬‬

‫تقوم فكرة الحكايات على قصة محوري ة ت دور فيه ا الحكاي ات األخ رى‪ ،‬وهي أن المل ك‬
‫شهريار تع ّرض للخيانة من زوجته‪ ،‬فصار كارها للنساء‪ ،‬وأقسم ان يتزوج في كل ليلة امرأة‪ ،‬ثم‬
‫يقتلها فجرا‪ .‬وحين أراد الزواج باالميرة شهرزاد ابنة وزيره‪ ،‬وقد ك انت جميل ة ومثقف ة‪ ،‬وتمل ك‬
‫طريقة مشوقة ب القصّ ‪ ،‬ج زع وال دها‪ ،‬إال أنه ا وافقت بش رط قص دت ب ه إلى نجاته ا‪ ،‬وه و أن‬
‫تحكي له حكاية قبل أن يقتلها‪ ،‬فوافق‪.‬‬
‫اعتم دت على براعته ا في قص الحكاي ات لتنق ذ نفس ها‪ ،‬فب دأت ليلته ا عن ده بقص ة‬
‫مشوقة‪،‬ولم تتمها‪ ،‬بل تترك في نهايتها‪ ،‬قبل الفجر‪ ،‬محورا تبدأ به قص ة جدي دة‪ ،‬وأخ ذ ش هريار‬
‫يؤجل قتلها ليلة بعد ليلة حتى يعرف آخر الحكايةيؤجل قتلها ليع رف نهاي ة الحكاي ة‪،‬ح تى ك انت‬
‫الليلة الواحدة بعد األلف التي قرر فيها شهريار أن ال يقتلها فأنقذت نفسها‪ ،‬وبقية النساء‪.‬‬
‫تبدأ الحكايات بالزمة لفظية‪ ":‬بلغني أيها الملك السعيد"‪ .‬وتنتهي بالزمة" فأدرك شهرزاد‬
‫الصباح وسكتت عن الكالم المباح"‪.‬‬

‫الحكاية‬

‫حدثت الحكاية المقصودة في العصر األم وي‪ .‬وأبطاله ا‪ ،‬خال د القس ري أم ير البص رة‪،‬‬
‫وشاب سارق‪ .‬وتقول الحكاية إن قوما حضروا إلى الوالي متعلقين بشاب ذي جمال ظ اهر وأدب‬
‫وافر‪ ،‬أي أن شكله اليوحي بكونه سارقا‪ ،‬بل إن ص فاته الش كلية والس لوكية‪ ،‬وم ا يط ل من ه من‬
‫سكينة ووقار وهيبة يوحي بأنه من أهل العلم والخلق‪.‬وهذا عنصر التشويق األول‪.‬‬
‫فقال لهم األمير خلّو عنه‪:‬أي اتركوه‪ .‬وسأله األمير‪:‬أما كان لك في جمال شكلك ومظهرك زاج ر‬
‫يردعك‪ .‬أي يوقفك ويمنعك عن هذا الفعل المشين‪.‬‬
‫فقال الشاب‪ :‬إن األمر على ماذكره القوم‪ .‬وظ ّل مصرا على أنه لص دخل دار الق وم ليس رق من‬
‫عندهم‪ .‬وهذا عنصر تشويق آخر‪ ،‬فاللص عادة ينكر السرقة‪ ،‬وهذا يصر عليها‪.‬‬
‫وحين ُز ّج به في السجن هدأ وتنفس الصعداء‪ .‬أي ارتاح بعد تعب‪.‬‬
‫وهذا غريب أيضا‪ ،‬ثم بدأ ينشد أبياتا من الشعر يقول فيها‪:‬‬
‫هددني خالد بقطع يدي إن لم أبح له بقصتها‬
‫قطع يدي بالذي اعترفت به أهون للقلب من فضيحتها‪.‬‬
‫فواضح أن هناك سر يتعلق بامرأة يفضل أن تقطع ي ده ح دا الرتك اب الس رقة ِع وض أن يب وح‬
‫بحكايتها معه‪.‬‬
‫فذهب الموكلون به إلى خالد‪ ،‬وأخبروه باألمر‪.‬‬
‫والموكلون ‪:‬هم الحرس‪.‬‬
‫فاستدعاه خالد وطلب إليه أن يعترف بحقيقة األمر فرفض‪ ،‬وظل مصرا على أنه سارق‪.‬‬
‫فقال له األمير‪:‬قل غدا للقاضي ما يدرأ عنك ح ّد القطع‪ .‬أي ق ل أي ش يء يبع د عن ك تط بيق ح د‬
‫السرقة‪ ،‬من باب "ادرؤوا الحدود بالشبهات" أي أبعدوا التنفيذ ألي شبهة‪.‬‬
‫والشبهات ‪:‬اختالط الحق بالباطل‪ ،‬فيفسر الشك لصالح المتهم‪.‬‬

‫وفي الليلة الثانية تابعت شهرزاد القصة وقالت‪:‬‬


‫جاء أهل البصرة ليش هدوا قط ع ي د الش اب‪ ،‬وإقام ة ح د الس رقة‪ ،‬ألن الح دود تق ام علن ا للع برة‬
‫واالتعاظ‪ ،‬وردع الناس‪ .‬وقد ارتفع صوت النساء بالنحيب‪.‬‬
‫والنحيب ‪:‬البكاء بصوت مرتفع‪.‬‬
‫وقد كان البكاء حزنا على شبابه وهيئته التي ال تتناسب مع ذنب السرقة‪.‬‬
‫وحين جاء القاضي سأله أسئلة تخرجه من المأزق فلم يمتثل‪ ،‬وظل مصرا‪.‬‬
‫وحين جاء الجزار ليقطع يده حدث عنصر تشويق جديد‪ ،‬إذ أطلت ام رأة من بين الجم وع عليه ا‬
‫أطمار وسخة‪.‬‬
‫واألطمار ‪:‬هي العباءة الخارجية‪ .‬ثم أسفرت‪ ،‬أي كشفت عن وج ه كأن ه القم ر‪ .‬والتش بيه مرس ل‬
‫مجمل‪.‬‬
‫وقالت ‪ :‬ناشدتك هللا ‪:‬أي أستحلفك باهلل‪ ،‬أن تقرأ الرقعة‪ ،‬وهي قطعة من الجلد كتبت بها أبيات ا من‬
‫الشعر‪.‬‬
‫وكتبت فيها شعرا‪:‬‬
‫أخالد هذا مستهام متيم رمته لحاطي عن قسي الحمالق‬
‫فأصماه سيف اللحظ مني ألنه حليف جوى من دائه غير فائق‬
‫فمهال عن الصب الكئيب فإنه كريم السجايا في الورى غير سارق‪.‬‬
‫أخالد‪ :‬أي يا خالد‪ ،‬فالهمزة أداة نداء‪.‬‬
‫المستهام من الهيام وهو العاشق‪ ،‬والهيام من أعلى درجات الحب‪.‬‬
‫متيم‪ :‬مقيد مأسور بالحب‪.‬‬
‫اللحاظ‪ :‬مفردها لحظ‪ ،‬وهي النظرات‪.‬‬
‫الحمالق‪:‬مفردها حمالق وهي باطن الجفن وشق العين‪.‬‬
‫قسي ‪:‬جمع قوس‪ ،‬وهو قوس رمي السهام‪.‬‬
‫الصب الكئيب‪:‬العاشق الحزين‪.‬‬
‫السجايا‪:‬مفردها سجيّة وهي الصفات‪.‬‬
‫الورى ‪:‬الناس‬
‫ومعنى الشعر أن الم رأة تطلب إلي ه أن يتمه ل في حكم ه على الش اب؛ ألن ه عاش ق م تيم رمت ه‬
‫عيناها بنظرة مثل القوس فوقع في الحب‪ ،‬ثم تشبه النظرات ال تي أوقعت ه بحبه ا بض ربة الس يف‬
‫التي أصابته بالصمم‪ ،‬وصار واقعا بمرض الحب وفيا له‪ ،‬ال يفيق‪ ،‬وال يصحو‪ ،‬وهو شاب طيّب‬
‫السمعة‪ ،‬كريم الخلق بين الناس‪.‬‬
‫وحين فهم األمير الحكيم األمر توقف وسمع القص ة من الجاري ة‪ ،‬وخطب خطب ة بالن اس‬
‫ل درء الش ائعات‪ ،‬فق د ك ادت تق ع فتن ة يتط اير ش ررها‪ ،‬إش ارة إلى اش تعالها‪ ،‬إذ ص ار الن اس‬
‫يتساءلون عن حقيقة األمر‪ ،‬فكان البد من التوضيح لهم‪.‬‬
‫ثم اس تدعى الفت اة واس تأذنه أن يزوجهم ا‪ ،‬بع د أن منح كال منهم ا م اال‪ ،‬فواف ق الش يخ‪،‬‬
‫وانتهت الحكاية نهاية سعيدة‪ .‬وسكتت شهرزاد عن الكالم المباح إذ أدركها الصباح‪.‬‬

‫عناصر القصة‪:‬‬
‫‪ -7‬الشخصيات الرئيسة والثانوية‪.‬‬
‫‪ -8‬الزمان‪.‬‬
‫‪ -9‬المكان‪.‬‬
‫‪ -10‬العقدة‪.‬‬
‫‪ -11‬الحوار‪.‬‬
‫‪ -12‬السرد‬

You might also like