You are on page 1of 35

‫تروية ال متفقهة‬

‫بأدلة خطأ الشيخ فركوس فيام ذهب إليه‬

‫من جتويز اإلنكار عىل‬

‫احلاكم علنًا يف غيبته‬


‫األول)‬
‫(القسم َّ‬

‫كتبه‬

‫عبد القادر بن حممد بن عبد الرمحن اجلنيد‬

‫‪1‬‬
‫ميحرلا نمحرلا هللا‬ ‫بسم‬

‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسولنا دمحم بن عبد هللا‪ ،‬وعلى آله‬
‫وأصحابه الناصرين ِلدين هللا‪ ،‬وجميع أهل اإليمان باهلل‪.‬‬

‫وبع ُد أيُّها الفُضالء النُّبالء ــ سلَّمكم هللا وج َّملكم بمراضيه والفقه في أحكام‬
‫شريعته ــ‪:‬‬

‫فهذه رسالة بعنوان‪« :‬تروية ال ُمتفقهة بأدلة خطأ الشيخ فركوس فيما ذهب‬
‫إليه من تجويز اإلنكار على الحاكم علنًا في غيبته»‪.‬‬

‫حيث وقفت على فتوى للشيخ دمحم علي فركوس ــ سدَّده هللا وأكرمه‬
‫برضوانه والجنَّة ــ بتاريخ‪ /71( :‬شوال ‪7441 /‬هـ)‪.‬‬
‫ثم أُخرى بتاريخ‪ /17( :‬شوال ‪7441 /‬هـ)‪.‬‬
‫وبعدهما ثالثة بتاريخ‪ِ /71( :‬من ذي القَعدة ‪7441 /‬هــ)‪.‬‬
‫وقد ذهب ــ سدَّده هللا ــ في هذه الفتاوى‪:‬‬
‫إلى جواز اإلنكار العلني أمام المأل على الحاكم في غيبته‪ ،‬مع عدم حضوره‬
‫ووجوده مع ال ُمنكر عليه‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫وصورة اإلنكار العلني في المأل بين الناس على الحاكم في غيبته تكون‪:‬‬
‫نكرا وقع فيه أو حصل‬
‫الرجل إلى حاكم بلده المسلم‪ ،‬فيُن ِكر عليه ُم ً‬ ‫بأن يأتي َّ‬
‫ب ِمن جهته عالنية أمام الناس في غَيبته باالسم‪ ،‬أو الوصف‪ ،‬أو ما‬ ‫بسب ٍ‬
‫يُشير إليه‪ ،‬ويَد ُّل عليه‪.‬‬
‫الرجل ال ُم ْنكر على حاكمه‪:‬‬
‫ويحصل هذا األمر وهذه الصورة من َّ‬
‫‪ 1‬ــ إ َّما بلسانه‪ :‬في خطبة جمعة‪ ،‬أو درس‪ ،‬أو محاضرة‪ ،‬أو قناة فضائية‪،‬‬
‫شعبي‪ ،‬أو‬‫أو إذاعة‪ ،‬أو مجلس‪ ،‬أو ُملتقًى ثقافي‪ ،‬أو نادي‪ ،‬أو ت َ َجم ُهر َ‬
‫‪2‬‬
‫مظاهرة‪ ،‬أو اعتصام‪ ،‬أو صوتيات برامج التواصل االجتماعي كالفيسبوك‪،‬‬
‫وتويتر‪ ،‬واليوتيوب‪ ،‬وسناب شات‪ ،‬وأنستقرام‪ ،‬والتلغرام‪ ،‬وأشباهها‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أو بكتابة‪ :‬مقال أو َر ٍد أو استنكار أو احتجاج أو فتوى في صحيفة‪ ،‬أو‬
‫مطوية‪ ،‬أو مجلَّة‪ ،‬أو موقع إلكتروني‪ ،‬أو برامج التواصل االجتماعي‪،‬‬
‫كالفيسبوك‪ ،‬وتويتر‪ ،‬ووتس آب‪ ،‬وأشباههما‪.‬‬
‫ُ‬
‫وتنازع‬ ‫وردٌّ شديد‪ ،‬وجدال‬ ‫وقد حصل بسبب فتاويه هذه لغ ٌ‬
‫َط كبير‪ ،‬وأخذٌ َ‬
‫وردودٌ صوتية ومكتوبة‪.‬‬
‫كثير‪ُ ،‬‬
‫ي وحافظ و ُمتجدِد على‬
‫وبرامج التواصل ومواقع اإلنترنت بأنواعها شاهد َح ٌّ‬
‫ذلك‪ ،‬وال َيزال السِجال فيها بسبب هذه الفتوى قائ ًما إلى اليوم‪ ،‬وفي ازدياد‬
‫وكثرة‪.‬‬
‫فقوم ــ سدَّدهم هللا وأكرمهم برضاه والجنَّة ــ‪:‬‬
‫دافعوا عن رأيه هذا‪ ،‬وبعضهم أغلظوا على َمن خالفه أو ردَّ عليه فيه‪،‬‬
‫واتَّهموه بالطعن في الشيخ‪ ،‬وذهبوا َيبحثون ُهنا و ُهناك لعلَّهم يجدون كال ًما‬
‫لعالم أو ِف ً‬
‫عال أو موقفًا َيدعم هذا الرأي‪.‬‬
‫شب ًها ألهل البدع يَحت ُّجون بها على أهل‬ ‫ً‬
‫أقواال و ُ‬ ‫فأوجدوا و ُهم ال يَشعرون‬
‫سنة في هذا الباب‪ ،‬بسبب قِلَّة الفقه‪ ،‬وعدم تمحيص األقوال وتنزيلها على‬ ‫ال ُّ‬
‫عف المعرفة بسابقها والحقها‪َّ ،‬‬
‫وأن ِمثل ذلك يحتاج‬ ‫ض ِ‬‫صحيحة‪ ،‬و َ‬ ‫صورها ال َّ‬
‫سد خَلل الشيخ‪ ،‬وهو‬
‫أن تقرير الحق أهم ِمن ِ‬ ‫إلى رسوخ ِمنهم في العلم‪ ،‬مع َّ‬
‫قد يُعذَر باجتهاده‪ ،‬وهُم ال يُعذرون‪ ،‬وجع ُل النفس فداء للغير بتوريطها في‬
‫وجناية عليها‪ ،‬فكيف إذا كان الغير عنده ِعلم‪ ،‬ويستطيع‬ ‫الخطأ ألجله ُمصيبة ِ‬
‫الدَّفع عن نفسه‪ ،‬والدافع ضعيف العلم وقليله‪.‬‬
‫وقوم ــ سدَّدهم هللا وأكرمهم برضاه والجنَّة ــ‪:‬‬
‫ظنوا أنَّه يُريد بفتواه هذه صورة جائزة‪ ،‬ال إشكال فيها‪ ،‬وتكاثرت فيها اآلثار‬
‫عن الصحابة ــ رضي هللا عنها ــ‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫"اإلنكار العلَني على الحاكم بمح َ‬


‫ضره ووجوده وأمامه‪ ،‬وبضوابط اإلنكار‬
‫وخرجت ِمنهم كلمات أو كتابات في‬
‫َ‬ ‫المعروفة في حق ال ُمعيَّن"‪ ،‬فأيَّدوه‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫تصويبه‪ ،‬وبعضهم تراجع حين علم أنَّه يُريد اإلنكار العلني حال غَيبة‬
‫الحاكم‪.‬‬
‫أن جميع ما‬ ‫وهذه الصورة الجائزة قد ذَكر العالمة العُثيمين ــ رحمه هللا ــ َّ‬
‫ورد ِمن اإلنكارات عن الصحابة ــ رضي هللا عنهم ــ على الوالة إنَّما هي‬ ‫َ‬
‫فيها‪.‬‬
‫وقد بيَّنت هذه اآلثار‪ ،‬وكالم العلماء عنها في رسالتي المنشورة سابقًا‬
‫بعنوان‪:‬‬
‫« ُحكم إنكار المسلم ُمنكر حاكم بلده في المأل عالنية بلسانه أو كتابته»‪.‬‬
‫عند ذِكر الصورة الثالثة (ص‪ 71:‬ــ‪.)12‬‬
‫وقد ذَكرت في هذه الرسالة أربع صور‪.‬‬
‫وقوم ــ سدَّدهم هللا وأكرمهم برضاه والجنَّة ــ‪:‬‬
‫ب ِمن عند أنفسهم ــ َّ‬
‫أن َمن َردَّ على الشيخ‬ ‫كثيرا‪ ،‬فظنوا ــ بسب ٍ‬
‫أبعدوا ً‬
‫خطأه فيما ذهب إليه َيمنع جميع صور اإلنكار على ما صدَر ِمن‬ ‫فركوس أو َّ‬
‫الحاكم ِمن ُمن َكر أو بسب ٍ‬
‫ب ِمن جهته‪.‬‬

‫فظنُّوه يَمنع اإلنكار بدون ذِكر الفاعل والجهة‪ ،‬ويَمنع اإلنكار بمح َ‬
‫ضر‬
‫الحاكم ووجوده وأمامه بضوابط فقه اإلنكار على ال ُمعيَّن‪ ،‬فشدَّدوا عليه بغير‬
‫صوبوا‬
‫حق‪ ،‬وأغلظوا القول فيه ومعه‪ ،‬وأخشنوه‪ ،‬أو لم َيفعلوا ذلك‪ ،‬ولكن َّ‬
‫رأي الشيخ فركوس وشَهروه ونشروه بناء على هذا الظن‪ ،‬وتلقَّطوا مواقف‬
‫ِمن ُهنا وهناك لعلَّها تنصر قوله‪.‬‬
‫وقوم ــ سدَّدهم هللا وأكرمهم برضاه والجنَّة ــ‪:‬‬
‫تعاملوا مع الشيخ فركوس في رأيه هذا بقصور ظاهر عن نَقض الخطأ‬
‫ورف ِقه‪ ،‬فلم َينقضوه بقال هللا‪ ،‬قال رسوله‪ ،‬قال‬ ‫بطريقة العلم وأدل ِته وأد ِبه ِ‬
‫الصحابة‪ ،‬وغفلوا عن حديث عبد هللا بن عمرو ــ رضي هللا عنهما ـ‬
‫صحيحين" عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص أنَّه قال‪ (( :‬إذا حكم الحاك ُم ف ْ‬
‫اجتهد‬ ‫خرج في "ال َّ‬‫ال ُم َّ‬
‫اجتهد ث ُ َّم أ ْخطأ فلهُ أ ْج ٌر ))‪.‬‬ ‫ث ُ َّم أصاب فلهُ أ ْجران‪ ،‬وإذا حكم ف ْ‬

‫‪4‬‬
‫أن نقض الخطأ وهد َمه‪ ،‬وتقليل أتباعه‪ ،‬وحسر انتشاره‪،‬‬ ‫ولم يَتنبَّهوا إلى َّ‬
‫سنة‪ ،‬أ َه ُّم ِمن تقليل شأن ال ُمخطأ‪،‬‬
‫وكبح االغترار به‪ ،‬في صفوف أهل ال ُّ‬
‫وإثقال الكالم فيه‪.‬‬
‫صب لهذا القول الخطأ‪،‬‬
‫فحصل بسبب طريقتهم هذه زيادة اغترار‪ ،‬وتع ُّ‬
‫وجدال‪.‬‬
‫وكبير ُمنافحة عنه ِ‬
‫وقوم ــ سدَّدهم هللا وأكرمهم برضاه والجنَّة ــ‪:‬‬
‫ردُّوا على هذا الخطأ بطريقة العلم‪ ،‬وأدبه‪ ،‬ورفقه‪ ،‬وألفاظه‪ ،‬ردُّوا بقال هللا‪،‬‬
‫سنة والحديث‪ ،‬مع مراعاة‬ ‫وقال رسوله‪ ،‬وقال الصحابة‪ ،‬وقال أئمة أهل ال ُّ‬
‫المصالح والمفاسد‪ ،‬والحرص على نفع العلم وطالبه وعموم الناس‪،‬‬
‫وتطييب األلفاظ قدر االستطاعة‪.‬‬
‫وأكرم‪،‬‬
‫َ‬ ‫وبارك وسدَّد‬ ‫ً‬
‫فضال إلى فضل‪َ ،‬‬ ‫فشَكر هللا لهم صني َعهم‪ ،‬وزادهم‬
‫وأكثر ِمنهم في صفوف األ ُ َّمة‪.‬‬
‫ولردي هذا على الشيخ دمحم علي فركوس ــ سلَّمه هللا وسدَّده ــ وإظهاره‬
‫ونشره أسباب‪:‬‬
‫األول‪:‬‬
‫السبب َّ‬
‫أن كتاباته عن هذا الموضوع قد تعدَّدت‪ ،‬فخرجت ثالث فتاوى في ُمدَّة‬ ‫َّ‬
‫وجيزة‪ ،‬غير كتاباته القديمة‪ ،‬وزاد فيها ِمن االستدالل على هذه المسألة‪،‬‬
‫وبلغني أنَّها اآلن قد زادت‪.‬‬
‫قررة باألدلة واألقوال والضوابط‪،‬‬ ‫ضا على هيئة مسألة ُم َّ‬
‫وخرجت فتاواه أي ً‬
‫سنة‬
‫ب قصير ارتجالي‪ ،‬ككالم عا َّمة أكابر أهل العلم ِمن أهل ال ُّ‬ ‫وليست بجوا ٍ‬
‫سلف الصالح المعاصرين‪.‬‬ ‫والحديث أتباع ال َّ‬
‫واغتر بطريقتها آخَرون‪ ،‬وان َج َّر عديدون إلى‬
‫َّ‬ ‫فزادت في اشتباه بعض‪،‬‬
‫سنة والحديث‪ ،‬بل إلى تأييدها‪،‬‬ ‫سلف الصالح أهل ال ُّ‬ ‫اعتقاد أنَّها طريقة ال َّ‬
‫وعاب بعضهم وشنَّع وأغلظ على َمن‬ ‫َ‬ ‫واالنتصار لها‪ ،‬والمدافعة عنها‪،‬‬
‫خالفها‪ ،‬أو َردَّ عليها‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫سنة واإلتِباع ــ‬ ‫وأنا ال أُريد للشيخ وال إلخواني ــ ج َّملهم هللا بالتوحيد وال ُّ‬
‫سنة والحديث‬ ‫اعتقاد وتقرير ما يُخالف نصوص الشريعة‪ ،‬وطريقة أهل ال ُّ‬
‫ال َمسلوكة في هذه المسألة‪ ،‬وال في غيرها‪ ،‬وال أن يَحت َّج بما قالوه صاحب‬
‫ى وانحراف‪ ،‬أو َيض َّل إنسان بسبب كالم ألحدهم‪.‬‬ ‫بدعة وهو ً‬
‫ولألسف أنَّه قد ُو ِجد‪ ،‬وزاد‪ ،‬وتعدَّى الحدود المعقولة‪.‬‬
‫السبب الثاني‪:‬‬
‫سعيت في االتصال ِبه‪ ،‬وراسلت عبر‬ ‫أنَّني عجزت عن الوصول إليه‪ ،‬فقد َ‬
‫"الوتساب" عددًا ِم َّمن حوله‪ ،‬وذُكر لي أنَّهم األقرب ِمنه‪ ،‬وراسلت غيرهم‪،‬‬
‫لعلي أتبا َحث معه فيما كتب‪ ،‬ونتذاكر المسألة وأدلتها‪ ،‬ونتناصح في العلم‪،‬‬
‫ِ‬
‫ولكن لم يَحصل تجاوب إلى لحظة خروج هذه الكتابة ونشرها‪.‬‬
‫عا ِمن باب النَّفل ال‬
‫أن هذا ال ِفعل ِم ِني أو ِمن غيري إنَّما هو شر ً‬
‫ومعلوم َّ‬
‫ال َحتم‪ ،‬والفضل ال الواجب‪ ،‬وإال فالخطأ في المسألة‪ ،‬واالستدالل للقول‬
‫ورفقه وأدبه‪ ،‬صيانة للشريعة‪،‬‬ ‫الخطأ‪ ،‬يُ َرد ويُبيَّن بطريقة العلم وألفاظه ِ‬
‫وحماية للخلق‪ ،‬ونُصرة للدِين‪ ،‬ونصيحة للمؤمنين‪.‬‬
‫ثرب على فاعله أو‬ ‫سلف والخلَف‪ ،‬وال يُ ِ‬
‫وعلى هذا َجرى أهل العلم ِمن ال َّ‬
‫صلته بالعلم وأهله‪ ،‬أو خلَد إلى‬‫حتمي ضدَّه إال َمن ضعفت ِ‬ ‫يَتحامل عليه‪ ،‬أو يَ ِ‬
‫غرض ومآرب‪ ،‬أو يَهدف إلى تحريش بين أهل‬ ‫صب والتقليد‪ ،‬أو كان له َ‬ ‫التع ُّ‬
‫سنة والحديث‪.‬‬‫ال ُّ‬
‫ضره أن يُرد عليه بالحق‪ ،‬ويُبيَّن ما أخطأ فيه بطريقة‬
‫سنة ال يَ ُ‬
‫وصاحب ال ُّ‬
‫العلم‪ ،‬ألنَّه يُريد صواب نفسِه وسالمتها‪ ،‬وسالمة الناس‪.‬‬
‫ألن الشخص‬‫صرة الحق والصواب‪ ،‬وليس الشخص ال ُمخطأ‪َّ ،‬‬ ‫ومن ال ُمهم نُ َ‬
‫ِ‬
‫قد يُع َذر بالخطأ‪ ،‬ولكن الناس قد ت َ ِ‬
‫ضل بسبب خطئه‪ ،‬وتقليده‪ ،‬واالحتماء له‪.‬‬
‫وقد ثبت عن عمر بن الخطاب ــ رضي هللا عنه ــ أنَّه قال‪ (( :‬ث َ ََل ٌ‬
‫ث يَ ْهد ِْم َن‬
‫ِين ــ و َذكر فيها ــ‪َ :‬زلَّة ا ْلعَا ِل ِم ))‪.‬‬
‫الد َ‬
‫وقال العلماء ــ رحمهم هللا ــ‪:‬‬
‫ظمت زلَّة العالم ِلما يَترتب عليها ِمن المفاسد‪ ،‬القتداء الناس به»‪.‬اهـ‬
‫« وع ُ‬
‫‪6‬‬
‫السبب الثالث‪:‬‬
‫قرر هذا الخطأ‪ ،‬وتَنسِبه إلى علماء أهل‬ ‫أنَّه قد خرجت كلمات وكتابات ت ُ ِ‬
‫سنة والحديث‪ ،‬وتؤيد كالمها بما ذَكره الشيخ فركوس ــ سدَّده هللا ــ في‬ ‫ال ُّ‬
‫كتاباته وفتاويه‪.‬‬
‫آخرها ما قاله وكتبه فيصل بن قزار الجاسم‪ ،‬وإحالته الناس على ما‬
‫وكان ِ‬
‫كتبه الشيخ فركوس‪.‬‬
‫فلم أجد بُدًّا ِمن إظهار ال َّرد على هذا الخطأ‪ ،‬وباسم َمن أخطأ‪ ،‬ليكون أنفع‬
‫ِل َمن تأثر بالخطأ‪ ،‬وأقوم للقيام بالحق‪.‬‬
‫مع أنِي قد كتبته قبل أكثر ِمن ستة أشهر‪ ،‬وصبَرت على عدم نشره هذه‬
‫ال ُمدَّة الطويلة لع َّل المسألة والفتنة بما ُكتب ت َ ِخف‪ ،‬أو يحصل مع الشيخ‬
‫اتصال وتذاكر ومباحثة ف َيرجع دون َرد‪ ،‬أو يوجد حوله َمن يُراجعه فيتنبَّه‪،‬‬
‫ومحبَّة ِمني في تقليل الفتن‪ ،‬وإضعاف أضرارها‪.‬‬
‫هذا وقت كتب ع َّدة ُردود على الشيخ فركوس ــ س َّدده هللا وسلَّمه ــ في‬
‫فتاويه الثالث‪:‬‬
‫األول بعنوان‪:‬‬
‫الرد َّ‬
‫َّ‬
‫«تروية المتفقهة بأدلة خطأ الشيخ فركوس فيما ذهب إليه من تجويز‬
‫اإلنكار على الحاكم علنًا في غيبته»‪.‬‬
‫الرد الذي بين أيديكم ــ سدَّدكم هللا وزادكم عل ًما ــ‪.‬‬
‫وهو هذا َّ‬
‫الرد الثاني بعنوان‪:‬‬
‫َّ‬
‫«مناقشة استدالالت الشيخ فركوس على جواز اإلنكار العلني على الحاكم‬
‫في غيبته»‪.‬‬
‫أن الشيخ فركوس ــ سدَّده هللا ــ استدَل على الجواز بأحاديث‬ ‫وذَكرت فيه َّ‬
‫صب في واح ٍد ِمنها‪ ،‬وال يُسلَّم له في شيء ِمنها‪.‬‬ ‫وآثار لم يُ ِ‬
‫وبيَّنت فيه َّ‬
‫أن أدلته واستدالالته ال تكاد تخرج عن أمور أربعة‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫األول‪ :‬أنَّها خارج م َحل النِزاع‪ ،‬وعن صورة أُخرى تتحدَّث‪ ،‬وعلى هذا‬
‫َّ‬
‫أكثر ما است َدَل به‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنَّها ال تدخل في باب إنكار ُمنكر الحاكم‪ ،‬وال باب ال ُمنكرات‬
‫حرمة‪ ،‬وأُلبِ َ‬
‫ست ثوب إنكار ال ُمنكرات‪.‬‬ ‫ال ُم َّ‬
‫الثالث‪ :‬أنَّها ِمن مسائل الفقه التي َيختلف فيها علماء الصحابة مع بعض‪،‬‬
‫و َمن تولَّى ال ُحكم ِمنهم مع َمن لم َيحكم‪ ،‬وقد تكون ُمستحبَّات‪ ،‬وأ ُ ِ‬
‫قح َمت في‬
‫باب إنكار ال ُمنكرات‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬أنَّها ضعيفة ال ت َ ِ‬


‫صح‪ ،‬وال َيصلح االستدالل بها‪.‬‬
‫شرت إلى أ َّن الجامع بين هذه األدلة هو‪:‬‬
‫وأ ْ‬
‫والمتأخرين‬
‫ِ‬ ‫سنة والحديث السابقين‬
‫أنِي لم أجد أحدًا ِمن أئمة أهل ال ُّ‬
‫سبقه إلى االستدالل بها على الجواز‪.‬‬ ‫والمعاصرين َ‬
‫الرد الثالث بعنوان‪:‬‬
‫َّ‬
‫«نقض الضوابط التي وضعها الشيخ فركوس لجواز اإلنكار العلني على‬
‫ال ُوالة في غيبتهم»‪.‬‬
‫حيث ذكر ــ سدَّده هللا ــ ضابطين‪:‬‬
‫ألول‪ْ :‬‬
‫أن ال يتمكن ال ُمنكر من اإلنكار على السلطان س ًرا‪.‬‬ ‫الضابط ا َّ‬
‫ونقضته ِمن نحو سبعة أوجه‪.‬‬
‫وقد أيدَّه بكالم للنَّووي ــ رحمه هللا ــ الفقيه األشعري‪.‬‬
‫وذَكرت َّ‬
‫أن كالم النَّووي ــ رحمه هللا ــ ُم ِ‬
‫حتمل‪ ،‬وبيَّنت وجه أو أوجه‬
‫احتماله‪.‬‬
‫سلف‬ ‫سنة والحديث أتباع ال َّ‬ ‫ثم نقلَت ما يُخالفه ِمن كالم ٍ‬
‫إمام ِمن أهل ال ُّ‬
‫الصالح‪ ،‬وهو بُخاري بالد المغرب الحافظ ابن عبد البَ ِر النَّمري المالكي ــ‬
‫رحمه هللا ــ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫بأن َمن لم يَتمكن ِمن نُصح السلطان فعليه‪" :‬بالصبر والدعاء"‪.‬‬
‫َّ‬
‫وليس تبديل اإلنكار السِري إلى علَني في الغَيبة‪.‬‬
‫الضابط الثاني‪ :‬أ ْن يغلب على الظن المصلحة بزوال ال ُمنكر دون أي‬
‫مفسدة‪.‬‬
‫وذكرت أنَّه ليس في ِ‬
‫محله ِمن أربعة أوجه‪.‬‬
‫وقد أيدَّه بكالم للعالمة العثمين ــ رحمه هللا ــ‪.‬‬
‫أن العالمة العثيمين ــ رحمه هللا ــ ال يُريد هذا الصورة التي يتكلَّم‬
‫وبيَّنت َّ‬
‫عنها الشيخ فركوس‪ ،‬بل هو يمنعها شديدًا‪.‬‬
‫ثم نقلت ستة نقول صريحة عن العالمة العثيمين ــ رحمه هللا ــ تُخالف ما‬
‫قرره الشيخ فركوس ِمن جواز‪ ،‬وتمنع‪.‬‬
‫َّ‬
‫الرد الرابع بعنوان‪:‬‬
‫َّ‬
‫«اإلنكار العلني على الوالة في غيبتهم بين تقعيدات الشيخ فركوس‬
‫وتطبيقاته»‪.‬‬
‫وذَكرت فيه ثالث صور ِمن موقع الشيخ فركوس ــ سدَّده هللا ــ وصلتني ِمن‬
‫بعض السائلين دون أن أبحث عنها‪.‬‬
‫ومن نصوصها‪.‬‬
‫ثم تأكدت ِمن وجودها في موقعه‪ِ ،‬‬
‫سلف الصالح‪ ،‬و ِلبعض‬
‫وبيَّنت ُمخالفتها للنصوص الشرعية‪ ،‬وطريقة ال َّ‬
‫تقريراته وتقعيداته‪.‬‬
‫الرد الخامس بعنوان‪:‬‬
‫َّ‬
‫«نقد المسائل الغريبة في فتاوى الشيخ فركوس عن جواز اإلنكار العلني‬
‫على الحاكم في الغيبه»‪.‬‬
‫ومن هذا المسائل‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫أو ًال ــ قوله بأنَّه توجد آثار عن ال َّ‬
‫سلف الصالح ِمن الصحابة في اإلنكار‬ ‫َّ‬
‫العلني على الحاكم في غَيبته‪.‬‬
‫وذَكرت عند هذه المسألة كالم العالمة العُثيمين ــ رحمه هللا ــ‪:‬‬
‫ورد ِمن اإلنكارات عن الصحابة ــ رضي هللا عنهم ــ على‬
‫أن جميع ما َ‬ ‫ب َّ‬
‫الوالة إنَّما هي أمامه وفي حضوره‪ ،‬وليست في غَيبته‪.‬‬
‫وبيَّنت أنَّي لم أجد فيما ذَكر ِمن أدلة على جواز ما ذهب إليه ً‬
‫دليال واحدًا‬
‫صحي ًحا صري ًحا‪ ،‬يُسلَّم له االستدالل به‪ ،‬و ُ‬
‫س ِبق إلى االستدالل به ِمن أئمة‬
‫سنة‪.‬‬ ‫أهل العلم وال ُّ‬
‫ثانيًا ــ إشارته إلى جواز اإلنكار العلني على الحاكم في غَيبته إذا أذِن به‬
‫للناس وس َمح‪.‬‬
‫عا ال يُبيحه إذن حاكم‪َّ ،‬‬
‫وأن الحاكم ال‬ ‫وبيَّنت عند هذه المسألة َّ‬
‫أن ما ُح ِرم شر ً‬
‫يُطاع فيما هو معصية هلل بالنَّص واإلجماع‪.‬‬
‫ونقلت كال ًما للعالمة العثيمين ــ رحمه هللا ــ في المنع ولو أ ِذن الحاكم‪ ،‬حين‬
‫تكلَّم عن إذِنه وسماحه بالمظاهرات‪.‬‬
‫وآخَر للعالمة صالح اللحيدان ــ رحمه هللا ــ في باب اإلنكار على الحاكم‪.‬‬
‫وذكرت مع هاتين المسألتين أمرين‪:‬‬
‫ورفق‬
‫ب ِ‬ ‫األول‪َّ :‬‬
‫أن اإلنكار العلني على الحاكم في َغيبته حتى ولو كان بأد ٍ‬ ‫َّ‬
‫فهو ِمن التشهير به‪ ،‬وبما فعل ِمن ُمنكر‪.‬‬
‫ويُهيِج الناس عليه‪ ،‬السيَّما إذا تكاثر‪ ،‬وكثُر أهله‪ ،‬وتعدَّدت جهاته ومواقعه‪،‬‬
‫سنة في التعامل معه‪ ،‬ويَ ُج ُّرهم إلى الفتن‪.‬‬
‫خرجهم عن جادة ال ُّ‬
‫وي ُ ِ‬
‫الثاني‪َّ :‬‬
‫أن اإلنكار العلني على الحاكم في الغَيبة عبر المواقع والكتابة فيها‪،‬‬
‫كموقع الشيخ فركوس ــ سدَّده هللا ــ وأشباهه‪:‬‬
‫أشد ِمن اإلنكار في ُخطبة أو درس أو محاضرة‪َّ ،‬‬
‫ألن المكتوب محفوظ‪،‬‬
‫ويَبقى في الناس أكثر‪ ،‬وهل بقي لنَا ِمن العلم إال ما ُكتب‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫وأيدت هذين األمرين بكالم للعالمة صالح بن فوزان الفوزان ــ سلَّمه هللا ــ‪.‬‬
‫فرقتها ألنَّه أرفق ِبي‪،‬‬
‫الردود قد كتبتها في رسالة واحدة‪ ،‬ثم َّ‬
‫وجميع هذه ُّ‬
‫وبعموم القراء‪ ،‬وأنشط ِلي حين المراجعة‪.‬‬
‫وهللا ــ ج َّل وعال ــ المسئول أن يجع َل هذه الكتابة لوجهه خالصة‪ ،‬وينفع ِبها‬
‫قرائها‪ ،‬إنَّه سميع‬
‫الكاتب‪ ،‬والشيخ فركوس ــ ج َّمله هللا بتقواه ــ‪ ،‬وجميع َّ‬
‫الرجاء‪ ،‬وهو حسبُنا‪ ،‬و ِنعم الوكيل‪.‬‬ ‫الدعاء‪ ،‬وأهل َّ‬
‫ودونكم ــ سدَّدكم هللا ــ الرسالة األولى‪ ،‬والتي هي بعنوان‪:‬‬
‫«تروية المتفقهة بأدلة خطأ الشيخ فركوس فيما ذهب إليه من تجويز‬
‫اإلنكار على الحاكم علنًا في غيبته»‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫[ اإلنكار على الحاكم باسمه أو وصفه أو ما يُشير إليه‪ ،‬في ُمنكر فعله أو‬
‫ب من جهته علنًا أمام الناس في حال غيبته وعدم‬ ‫شاع في البالد بسب ٍ‬
‫وجوده وحضوره ]‬

‫وصورة هذا اإلنكار‪:‬‬

‫نكرا وقع فيه‪ ،‬أو حصل‬


‫الرجل إلى حاكم بلده المسلم‪ ،‬فيُن ِكر عليه ُم ً‬
‫أن يأتي َّ‬
‫ب ِمن جهته‪ ،‬عالنية أمام الناس في غَيبته باالسم‪ ،‬أو الوصف‪ ،‬أو ما‬ ‫بسب ٍ‬
‫يُشير إليه‪ ،‬أو يَد ُّل على انتقاده واالعتراض عليه‪.‬‬

‫الرجل ال ُم ْنكر على حاكمه‪:‬‬


‫ويحصل هذا األمر وهذه الصورة من َّ‬
‫‪ 1‬ــ إ َّما بلسانه في‪ :‬خطبة جمعة‪ ،‬أو درس‪ ،‬أو محاضرة‪ ،‬أو قناة فضائية‪،‬‬
‫أو إذاعة‪ ،‬أو مجلس‪ ،‬أو ُملتقًى ثقافي‪ ،‬أو نادي‪ ،‬أو ت َ َجم ُهر شَعبي‪ ،‬أو‬
‫مظاهرة‪ ،‬أو اعتصام‪ ،‬أو صوتيات برامج التواصل االجتماعي كالفيسبوك‪،‬‬
‫وتويتر‪ ،‬واليوتيوب‪ ،‬وسناب شات‪ ،‬وأنستقرام‪ ،‬والتلغرام‪ ،‬وأشباهها‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ أو بكتابة‪ :‬مقال أو َر ٍد أو استنكار أو احتجاج أو فتوى في صحيفة‪ ،‬أو‬


‫مطوية‪ ،‬أو مجلَّة‪ ،‬أو موقع إلكتروني‪ ،‬أو برامج التواصل االجتماعي‪،‬‬
‫كالفيسبوك‪ ،‬وتويتر‪ ،‬ووتس آب‪ ،‬وأشباههما‪.‬‬

‫سنة‬
‫سلف الصالح أهل ال ُّ‬
‫وهذه الطريقة ال تجوز‪ ،‬وخالف طريقة ال َّ‬
‫والجماعة والحديث‪.‬‬

‫ويدُل على منعها عدَّة أمور‪:‬‬

‫األول‪:‬‬
‫األمر َّ‬

‫‪12‬‬
‫تضمن للنَّهي واألمر‪ (( :‬م ْن‬ ‫صريح ال ُم ِ‬ ‫إطالق وعموم قول النبي ملسو هيلع هللا ىلص الثابت ال َّ‬
‫ان فال يُكل ُمهُ بها عالنيةً‪ ،‬و ْليأ ْ ُخ ْذ بيده‪ ،‬و ْليُ ْخل‬
‫س ْلط ٍ‬ ‫كانتْ ع ْندهُ نصيحةٌ لذي ُ‬
‫به‪ ،‬فإ ْن قبلها قبلها‪ ،‬وإ َّال كان ق ْد أدَّى الَّذي عل ْيه والَّذي لهُ ))‪.‬‬

‫ويؤكد ذلك‪ ،‬ويزيد في إيضاحه‪:‬‬

‫صته‪ ،‬وفَهم صحابيه ــ رضي هللا عنه ــ‬


‫سبب التحديث بهذا الحديث‪ ،‬و ِق َّ‬
‫على دخول األمر بالمعروف والنَّهي عن ال ُمنكر في النَّصيحة‪ ،‬وتوجيهه‬
‫ِل َمن أخطأ في هذا الباب مع الحاكم‪.‬‬

‫ب دارا حين فُتحتْ ‪،‬‬ ‫حيث جاء فيه‪ (( :‬أ َّن عياض ْبن غ ْن ٍم وقع على صاح ٍ‬
‫فأتاهُ هشا ُم ْبنُ حك ٍيم‪ ،‬فأ ْغلظ لهُ ا ْلق ْول‪ ،‬ومكث هشا ٌم ليالي‪ ،‬فأتاهُ هشا ٌم‬
‫َّللا صلَّى هللاُ عل ْيه وسلَّم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫سول َّ‬ ‫اض‪ :‬أل ْم ت ْعل ْم أ َّن ر ُ‬ ‫ُم ْعتذ ًرا‪ ،‬فقال لعي ٍ‬
‫«إ َّن أش َّد النَّاس عذابًا ي ْوم ا ْلقيامة أش ُّد النَّاس عذابًا للنَّاس في ال ُّد ْنيا» فقال‬
‫اض‪ :‬يا هشا ُم إنَّا ق ْد سم ْعنا الَّذي ق ْد سم ْعتُ ‪ ،‬ورأ ْينا الَّذي ق ْد رأ ْيت‪،‬‬ ‫لهُ عي ٌ‬
‫َّللا صلَّى هللاُ عل ْيه وسلَّم‬
‫سول َّ‬ ‫سم ْع يا هشا ُم ر ُ‬ ‫وصح ْبنا م ْن صح ْبت أل ْم ت ْ‬
‫ان فال يُكل ُمهُ بها عالنيةً‪ ،‬و ْليأ ْ ُخ ْذ‬
‫س ْلط ٍ‬ ‫يقُو ُل‪« :‬م ْن كانتْ ع ْندهُ نصيحةٌ لذي ُ‬
‫بيده‪ ،‬و ْليُ ْخل به‪ ،‬فإ ْن قبلها قبلها‪ ،‬وإ َّال كان ق ْد أدَّى الَّذي عل ْيه والَّذي لهُ»‬
‫َّللا‪ ،‬فه َّال خشيت أ ْن‬ ‫س ْلطان َّ‬ ‫ئ‪ :‬أ ْن ت ْجترئ على ُ‬ ‫وإنَّك يا هشا ُم أل ْنت ا ْل ُم ْجتر ُ‬
‫س ْلطان َّ‬
‫َّللا ))‪.‬‬ ‫َّللا‪ ،‬فتكُون قتيل ُ‬ ‫س ْلطانُ َّ‬
‫ي ْقتُلك ُ‬

‫وقول النبي ملسو هيلع هللا ىلص في هذا الحديث‪ (( :‬فال يُكل ُمهُ بها عالنيةً‪ ،‬و ْليأ ْ ُخ ْذ بيده‪،‬‬
‫ي وأمر‪ ،‬واألصل في األمر الوجوب‪ ،‬وفي النَّهي التحريم‬ ‫و ْليُ ْخل به )) نَه ٌ‬
‫وهذا الحديث‪:‬‬

‫سنة" (‪-7921‬‬‫قد أخرجه أحمد (‪ ،)73111‬وابن أبي عاصم في كتابيه "ال ُّ‬
‫‪ ،)7921‬و "اآلحاد والمثاني" (‪ ،)111‬والحاكم (‪ ،)3112‬والطبراني في‬
‫كتابيه "ال ُمعجم الكبير" (‪ ،)7991‬و "مسند الشاميين" (‪ 211‬و ‪،)7114‬‬
‫وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة" (‪ ،)3413‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫آخر قوليه‪،‬‬
‫وص َّححه‪ :‬الحاكم‪ ،‬واأللباني‪ ،‬وابن باز‪ ،‬ومقبل الوادعي في ِ‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫وقال الحافظ ابن عساكر ــ رحمه هللا ــ في كتابه "تاريخ دمشق" (‪/41‬‬
‫‪« :)111‬وهو محفوظ ِمن حديث ُجبير»‪.‬اهـ‬

‫وقال ال ُمحدِث أبو بكر الهيثمي ــ رحمه هللا ــ‪« :‬ورجاله ثقات‪ ،‬وإسناده‬
‫ُمتصل»‪.‬اهـ‬

‫مرة‪« :‬إسناده حسن»‪.‬اهـ‬


‫وقال َّ‬

‫وقال العالمة زيد بن دمحم هادي المدخلي ــ رحمه هللا ــ‪« :‬حديث ثابت»‪.‬اهـ‬

‫وقال العالمة عبد المحسن العبَّاد ــ سلَّمه هللا ــ‪« :‬ثبَت»‪.‬اهـ‬

‫وقال الحافظ ابن عبد البر المالكي ــ رحمه هللا ــ في كتابه "االستذكار"‬
‫(‪:)161 /22‬‬

‫«وأ َّما مناصحة والة األمر‪ ،‬فلم يَختلف العلماء في وجوبها إذا كان السلطان‬
‫يَسمعها ويَقبلها»‪.‬اهـ‬

‫وقال أيضًا في كتابه "التمهيد" (‪:)282-282 /21‬‬

‫«وأ َّما قوله‪ (( :‬تُناصحوا من َّ‬


‫واله هللا أمركم ))‪.‬‬

‫ففيه‪ :‬إيجاب النَّصحية على العا َّمة لوالة األمر‪ ،‬و ُهم األئمة‪ ،‬والخلفاء‪،‬‬
‫وكذلك سائر األمراء‪ ،‬وقد قال ملسو هيلع هللا ىلص‪ (( :‬الدين النَّصيحة‪ ،‬الدين النَّصيحة‪،‬‬
‫الدين النَّصيحة ــ ثالثًا ــ‪ ،‬قيل‪ :‬لمن يا رسول هللا؟ قال‪« :‬هلل‪ ،‬ولكتابه‪،‬‬
‫ولرسوله‪ ،‬وألئمة المسلمين وعامتهم ))‪.‬‬

‫أن ِمن الدِين النُّصح ألئمة المسلمين‪ ،‬وهذا أوجب ما‬


‫ففي هذا الحديث‪َّ :‬‬
‫يكون‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ف ُكل َمن واكلهم وجالسهم‪ ،‬و ُكل َمن أمكنَه نُصح السلطان لَ ِزمه ذلك‪ ،‬إذا َرجا‬
‫أن يَسمع منه‪.‬‬

‫قال أبو عمر‪" :‬إن لم يكن يُتم َّكن نُصح السلطان‪ :‬فالصبر‪ ،‬والدعاء‪ ،‬فإنَّهم‬
‫ب األمراء»‪.‬اهـ‬ ‫س ِ‬‫كانوا ينهون عن َ‬

‫قلت‪:‬‬

‫فذَكر ــ رحمه هللا ــ َّ‬


‫أن ِمن لم يُمكنه نُصح الحاكم يَنتقل إلى الصبر عليه‪،‬‬
‫والدعاء له‪.‬‬

‫وقوله ــ رحمه هللا ــ‪« :‬ف ُكل َمن واكلهم وجالسهم‪ ،‬و ُكل َمن أمكنه نُصح‬
‫السلطان لَ ِزمه ذلك‪ ،‬إذا َرجا أن َيسمع ِمنه»‪.‬‬

‫ظاهر في االشتغال بالصبر والدعاء في حق َمن لم يتمكن ِمن نُصح الحاكم‬


‫فيما بينَه وبينَهم‪.‬‬

‫سهم»‪ ،‬وقال أيضًا‪« :‬و ُكل َمن أمكنَه نُصح‬‫ألنَّه قال‪« :‬ف ُكل َمن واكلَهم وجال َ‬
‫السلطان لَ ِزمه ذلك‪ ،‬إذا َرجا أن يَسمع منه»‪ ،‬فزَ اد‪« :‬إذا َرجا أن يَسمع ِمنه»‪.‬‬

‫األمر الثاني‪:‬‬

‫ان ‪))...‬‬ ‫صة حديث‪ (( :‬م ْن كانتْ ع ْندهُ نصيحةٌ لذي ُ‬


‫س ْلط ٍ‬ ‫ما جاء في ق َّ‬
‫الثابتة‪.‬‬

‫ب دارا‬‫حيث جاء في لفظه الطويل‪ (( :‬أ َّن عياض ْبن غ ْن ٍم وقع على صاح ٍ‬
‫حين فُتحتْ ‪ ،‬فأتا ُه هشا ُم ْبنُ حك ٍيم‪ ،‬فأ ْغلظ لهُ ا ْلق ْول‪ ،‬ومكث هشا ٌم ليالي‪،‬‬
‫َّللا صلَّى هللاُ عل ْيه‬
‫سول َّ‬ ‫اض‪ :‬أل ْم ت ْعل ْم أ َّن ر ُ‬‫فأتا ُه هشا ٌم ُم ْعتذ ًرا‪ ،‬فقال لعي ٍ‬
‫وسلَّم‪ ،‬قال‪« :‬إ َّن أش َّد النَّاس عذابًا ي ْوم ا ْلقيامة أش ُّد النَّاس عذابًا للنَّاس في‬
‫اض‪ :‬يا هشا ُم إنَّا ق ْد سم ْعنا الَّذي ق ْد سم ْعتُ ‪ ،‬ورأ ْينا الَّذي‬ ‫ال ُّد ْنيا» فقال لهُ عي ٌ‬
‫َّللا صلَّى هللاُ عل ْيه‬
‫سول َّ‬ ‫سم ْع يا هشا ُم ر ُ‬ ‫ق ْد رأ ْيت‪ ،‬وصح ْبنا م ْن صح ْبت أل ْم ت ْ‬
‫ان فال يُكل ُمهُ بها عالنيةً‪،‬‬ ‫وسلَّم يقُو ُل‪« :‬م ْن كانتْ ع ْندهُ نصيحةٌ لذي ُ‬
‫س ْلط ٍ‬
‫‪15‬‬
‫و ْليأ ْ ُخ ْذ بيده‪ ،‬و ْليُ ْخل به‪ ،‬فإ ْن قبلها قبلها‪ ،‬وإ َّال كان ق ْد أدَّى الَّذي عل ْيه‬
‫س ْلطان َّ‬
‫َّللا‪ ،‬فه َّال‬ ‫ئ‪ :‬أ ْن ت ْجترئ على ُ‬ ‫والَّذي لهُ» وإنَّك يا هشا ُم أل ْنت ا ْل ُم ْجتر ُ‬
‫س ْلطان َّ‬
‫َّللا ))‪.‬‬ ‫َّللا‪ ،‬فتكُون قتيل ُ‬ ‫س ْلطانُ َّ‬
‫خشيت أ ْن ي ْقتُلك ُ‬

‫اض ْبنُ غ ْن ٍم صاحب دارا حين فُتحتْ ‪ ،‬فأ ْغلظ لهُ هشا ُم‬
‫وفي لفظ‪ (( :‬جلد عي ُ‬
‫ْبنُ حك ٍيم ا ْلق ْول حتَّى غضب عي ٌ‬
‫اض ‪.))...‬‬

‫سنه أو قال‪ :‬إنَّه ثبت‬


‫وقد تقدَّم تخريج هذا الحديث‪ ،‬مع ذِكر َمن ص َّححه أو ح َّ‬
‫أو محفوظ‪.‬‬

‫صة‪:‬‬
‫ووجه االستدالل من هذه الق َّ‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫أن ِعياض بن غَنم ــ رضي هللا عنه ــ جعل إعالن النكير على الحاكم في‬
‫المأل ِمن االجتراء عليه‪.‬‬

‫حيث قال ــ رضي هللا عنه ــ‪ (( :‬وإنَّك يا هشا ُم أل ْنت ا ْل ُم ْجتر ُ‬
‫ئ‪ :‬أ ْن ت ْجترئ‬
‫س ْلطان َّ‬
‫َّللا ))‪.‬‬ ‫ئ على ُ‬ ‫َّللا ))‪ ،‬وفي لفظ‪ (( :‬إ ْذ ت ْجتر ُ‬
‫س ْلطان َّ‬
‫على ُ‬

‫األمر الثالث‪:‬‬

‫ما أخرجه البخاري (‪ ،)1111‬ومسلم (‪ ،)1212‬واللفظ له‪ ،‬عن شَقيق بن‬


‫سلَمة‪ ،‬عن أسامة بن زيد ــ رضي هللا عنهما ــ أنَّه‪ (( :‬قيل لهُ‪ :‬أال ت ْد ُخ ُل‬
‫عثْمان فتُكلمهُ؟ فقال‪ :‬أتر ْون أني ال أُكل ُمهُ إ َّال أ ُ ْ‬
‫سمعُ ُك ْم؟ وهللا لق ْد كلَّ ْمتُهُ‬ ‫على ُ‬
‫ب أ ْن أكُون أ َّول م ْن فتحهُ ))‪.‬‬ ‫فيما ب ْيني وب ْينهُ‪ ،‬ما دُون أ ْن أ ْفتتح أ ْم ًرا ال أُح ُّ‬

‫ولفظ البخاري‪ (( :‬قيل ألُسامة‪ :‬ل ْو أت ْيت فُالنًا فكلَّ ْمتهُ‪ ،‬قال‪ :‬إنَّ ُك ْم لتُر ْون أني‬
‫سمعُ ُك ْم‪ ،‬إني أُكل ُمهُ في السر دُون أ ْن أ ْفتح بابًا ال أكُونُ أ َّول م ْن‬ ‫ال أُكل ُمهُ إ َّال أ ُ ْ‬
‫فتحهُ ))‪.‬‬

‫ووجه االستدالل من هذا األثر‪:‬‬


‫ْ‬

‫‪16‬‬
‫َّ‬
‫أن أصحاب النبي ملسو هيلع هللا ىلص جميعًا لم يكونوا يُن ِكرون على والتِهم جهرة في المأل‬
‫إذا لم يكونوا موجودين‪.‬‬

‫َّ‬
‫وأن هذه الطريقة كانت ُمغلقة غير مفتوحة وال معمول بها عندهم ــ رضي‬
‫هللا عنهم ــ‪.‬‬

‫ولهذا كان أسامة بن زيد ــ رضي هللا عنهما ــ ال يُحب أن يكون هو َّأول َمن‬
‫فتح باب الفتنة بهذا اإلنكار العلَني‪.‬‬

‫ودونكم ــ سدَّدكم هللا ــ بعض ما ذكره أهل العلم عند هذا األثر‪:‬‬

‫‪ 1‬ــ قال القاضي عياض المالكي ــ رحمه هللا ــ في كتابه "إكمال المعلم‬
‫بفوائد مسلم" (‪:)818 /8‬‬

‫«وقوله‪ (( :‬دُون أ ْن أ ْفتح بابًا ال أُح ُّ‬


‫ب أ ْن أكُونُ أ َّول م ْن فتحهُ )) يعنى‪ :‬فى‬
‫عقباه‪،‬‬
‫المجاهرة بالنكير‪ ،‬والقيام بذلك على األمراء‪ ،‬وما يُخشَى ِمن سوء ُ‬
‫دمه‪،‬‬
‫سفك ِ‬‫جهارا على عثمان بعد هذا‪ ،‬وما أدَّى إلى َ‬ ‫ً‬ ‫كما تولَّد ِمن إنكارهم‬
‫واضطراب األمور بعده»‪.‬اهـ‬

‫‪ 2‬ــ وقال الفقيه سراج الدين ابن ال ُملقن الشافعي ــ رحمه هللا ــ في كتابه‬
‫صحيح" (‪:)181 /11‬‬ ‫"التوضيح لشرح الجامع ال َّ‬

‫«وقوله‪ (( :‬إني ألُكلمه في السر )) يعني‪ :‬أأُجا ِهر باإلنكار على األمراء في‬
‫ال َمأل‪ ،‬فيكون بابًا من القيام على أئمة المسلمين‪ ،‬فتفت َ ِرق الكلمة‪ ،‬وتتشتَّت‬
‫الجماعة‪ ،‬كما كان بعد ذلك ِمن تفريق الكلمة ِمن مواجهة عثمان‬
‫بالنكير»‪.‬اهـ‬

‫‪ 1‬ــ وقال الفقيه شمس الدين الكرماني ــ رحمه هللا ــ في كتابه "الكواكب‬
‫الدراري في شرح صحيح البخاري (‪:)118 /11‬‬

‫«وغرضه‪ :‬أنَّه ال يُريد ال ُمجاهرة باإلنكار على األمراء»‪.‬اهـ‬

‫‪17‬‬
‫‪ 2‬ــ وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه هللا ــ في شرحه على‬
‫"صحيح مسلم" (‪ 118 /18‬ــ رقم‪:)2181:‬‬

‫«يعني‪ :‬ال ُمجاهرة باإلنكار على األمراء في المأل‪ ،‬كما َجرى لقتلة عثمان ــ‬
‫رضي هللا عنه ــ»‪.‬اهـ‬

‫قلت‪:‬‬

‫ضا عند أثر أسامة بن زيد ــ رضي هللا عنهما‬ ‫وقد ذَكر هذا المعنى َّ‬
‫وقرره أي ً‬
‫ومن مختالف‬
‫ــ كثير ِمن العلماء ِمن أهل المذاهب األربعة‪ ،‬وغيرهم‪ِ ،‬‬
‫البلدان والعصور‪.‬‬

‫وقرره‪:‬‬
‫وم َّمن ذكره َّ‬
‫ـــ الفقيه ال ُمهلَّب بن أحمد ــ رحمه هللا ــ كما في كتاب "فتح الباري شرح‬
‫صحيح البخاري" (‪ )31 /71‬البن َح َجر العسقالني‪.‬‬

‫ـــ والفقيه أبو العباس القرطبي المالكي ــ رحمه هللا ــ في كتابه "ال ُمف ِهم ل َما‬
‫أشكل ِمن تلخيص كتاب مسلم‪.)172 /1( ،‬‬

‫ـــ والحافظ ابن َح َجر العسقالني الشافعي ــ رحمه هللا ــ في كتابه "فتح‬
‫الباري شرح صحيح البخاري" (‪.)31 /71-71‬‬

‫عمدة القاري‬
‫ـــ والفقيه بدر الدِين ال َعيني الحنفي ــ رحمه هللا ــ في كتابه " ُ‬
‫شرح صحيح البخاري" (‪.)711 /73‬‬

‫ـــ والفقيه شهاب الدِين القسطالني الشافعي ــ رحمه هللا ــ في كتابه "إرشاد‬
‫الساري لشرح صحيح البخاري" (‪.)129 /3‬‬

‫ـــ والفقيه زكريا األنصاري الشافعي ــ رحمه هللا ــ في كتابه " ِمنحة الباري‬
‫بشرح صحيح البخاري (‪.)111 /1‬‬

‫‪18‬‬
‫ـــ والعالمة دمحم ناصر الدِين األلباني ــ رحمه هللا ــ في تعليقه على‬
‫"مختصر صحيح مسلم" (‪ 113 /1‬ــ رقم‪.)7111:‬‬

‫ـــ والعالمة عبد العزيز ابن باز ــ رحمه هللا ــ كما في "مجموع فتاويه"‬
‫(‪.)177-179 /1‬‬

‫ـــ والعالمة العثيمين ــ رحمه هللا ــ في شرح "صحيح البخاري" (‪/1‬‬


‫‪ ،)311‬ومواضع عديدة ِمن كتبه وأشرطته‪.‬‬

‫ـــ والعالمة دمحم علي آدم اإلتيوبي ــ رحمه هللا ــ في كتابه "البحر المحيط‬
‫الثَّجاج في شرح صحيح اإلمام مسلم بن الحجاج" (‪ 174 /43‬ــ رقم‬
‫(‪ ،)1212 / 1431‬وغيرهم‪.‬‬

‫األمر الرابع‪:‬‬

‫ما أخرجه أحمد (‪ ،)72437‬وغيره‪ ،‬عن سعيد بن ُجم َهان ــ رحمه هللا ــ أنَّه‬
‫َّللا ْبن أبي أ ْوفى ــ رضي هللا عنه ــ و ُهو م ْح ُج ُ‬
‫وب‬ ‫قال‪ (( :‬لقيتُ ع ْبد َّ‬
‫ا ْلبصر‪ ،‬فسلَّ ْمتُ عل ْيه‪ ،‬قال لي‪ :‬م ْن أ ْنت؟ فقُ ْلتُ ‪ :‬أنا سعي ُد ْب ُن ُج ْمهان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َّللاُ ْاألزارقة‪ ،‬لعن َّ‬
‫َّللاُ‬ ‫فما فعل والدُك؟ قال‪ :‬قُ ْلتُ ‪ :‬قتلتْهُ ْاألزارقةُ‪ ،‬قال‪ :‬لعن َّ‬
‫ب النَّار‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫َّللاُ عل ْيه وسلَّم‪ :‬أنَّ ُه ْم كال ُ‬
‫َّللا صلَّى َّ‬
‫سو ُل َّ‬ ‫ْاألزارقة‪ ،‬حدَّثنا ر ُ‬
‫ج ُكلُّها؟ قال‪:‬‬ ‫ج ُكلُّها؟ قال‪ :‬بلى ا ْلخوار ُ‬ ‫قُ ْلتُ ‪ْ :‬األزارقةُ و ْحد ُه ْم أ ْم ا ْلخوار ُ‬
‫س ْلطان ي ْظل ُم النَّاس‪ ،‬وي ْفع ُل به ْم‪ ،‬قال‪ :‬فتناول يدي فغمزها بيده‬ ‫قُ ْلتُ ‪ :‬فإ َّن ال ُّ‬
‫سواد ْاألعْظم‪ ،‬عل ْيك‬ ‫غ ْمزةً شديدةً ث ُ َّم قال‪ :‬و ْيحك يا ا ْبن ُج ْمهان عل ْيك بال َّ‬
‫سم ُع م ْنك فأْته في ب ْيته فأ ْخب ْر ُه بما‬ ‫س ْلطانُ ي ْ‬
‫سواد ْاألعْظم‪ ،‬إ ْن كان ال ُّ‬ ‫بال َّ‬
‫ست بأعْلم م ْنهُ ))‪.‬‬ ‫ت ْعل ُم‪ ،‬فإ ْن قبل م ْنك وإ َّال فد ْعهُ‪ ،‬فإنَّك ل ْ‬

‫وقال العالمة األلباني ــ رحمه هللا ــ‪« :‬إسناده حسن»‪.‬اهـ‬

‫وقال العالمة حمود التويجري ــ رحمه هللا ــ‪« :‬إسناده جيد»‪.‬اهـ‬

‫وقال العالمة مقبل الوادعي ــ رحمه هللا ــ‪« :‬هذا حديث حسن»‪.‬اهـ‬

‫‪19‬‬
‫وقال ال ُمحدِث أبو بكر الهيثمي ــ رحمه هللا ــ‪« :‬رواه أحمد والطبراني‪،‬‬
‫ورجال أحمد ثقات»‪.‬اهـ‬

‫وذَكره الحافظ ضياء الدِين المقدسي ــ رحمه هللا ــ في كتابه‪" :‬األحاديث‬


‫ستخرج ِمن األحاديث ال ُمختارة م َّما لم يُخرجه البخاري‬
‫َ‬ ‫ال ُمختارة أو ال ُم‬
‫ومسلم في صحيحيهما" (‪.)717-719‬‬

‫ووجه االستدالل من هذا األثر‪:‬‬


‫ْ‬

‫أن عبد هللا بن أبي أوفَى ــ رضي هللا عنه ــ‪ :‬أن َكر على ابن ُجمهان كالمه‬
‫َّ‬
‫بالرعية‪ ،‬وغيرها‪ ،‬في غَيبَته‪،‬‬
‫تعلقة َّ‬
‫عنده وبينهما على ُمنكرات الحاكم ال ُم ِ‬
‫وأمره أن يَنصحه فيما بينهما إن كان يَسمع ِمنه‪.‬‬
‫َ‬

‫وهذا األمر ُمطابق لقول النَّبي ملسو هيلع هللا ىلص ال ُمتقدِم الثابت الصريح‪ (( :‬م ْن كانتْ ع ْندهُ‬
‫ان فال يُكل ُمهُ بها عالنيةً‪ ،‬و ْليأ ْ ُخ ْذ بيده‪ ،‬و ْليُ ْخل به‪ ،‬فإ ْن‬ ‫نصيحةٌ لذي ُ‬
‫س ْلط ٍ‬
‫قبلها قبلها‪ ،‬وإ َّال كان ق ْد أدَّى الَّذي عل ْيه والَّذي لهُ ))‪.‬‬

‫األمر الخامس‪:‬‬

‫قال أبو داود الطيالسي في " ُمسنده" (‪:)211‬‬

‫سيب‪ ،‬قال‪(( :‬‬ ‫حدثنا ُحميد بن ِمهران‪ ،‬عن سعد بن أوس‪ ،‬عن زياد بن ُك َ‬
‫ق‪ ،‬فقال أبُو بال ٍل‪ :‬ا ْن ُ‬
‫ظ ُروا إلى‬ ‫خرج ا ْب ُن عام ٍر فصعد ا ْلم ْنبر وعل ْيه ثي ٌ‬
‫اب رقا ٌ‬
‫سول‬ ‫ساق فقال أبُو بكْرة م ْن ت ْحت ا ْلم ْنبر‪ :‬سم ْعتُ ر ُ‬ ‫س لباس ا ْلفُ َّ‬
‫أمير ُك ْم ي ْلب ُ‬
‫س ْلطان َّ‬
‫َّللا أهانهُ َّ‬
‫َّللاُ» ))‪.‬‬ ‫َّللا صلَّى هللاُ عل ْيه وسلَّم يقُو ُل‪« :‬م ْن أهان ُ‬‫َّ‬

‫وأخرجه ِمن طريقه الترمذي (‪ ،)1114‬بلفظ‪ُ (( :‬ك ْنتُ مع أبي بكْرة ت ْحت‬
‫ظ ُروا إلى‬‫ق‪ ،‬فقال أبُو بال ٍل‪ :‬ا ْن ُ‬‫اب رقا ٌ‬
‫ب وعل ْيه ثي ٌ‬ ‫م ْنبر ا ْبن عام ٍر و ُهو ي ْخ ُ‬
‫ط ُ‬
‫سول هللا صلَّى‬ ‫سكُتْ ‪ ،‬سم ْعتُ ر ُ‬
‫ساق‪ ،‬فقال أبُو بكْرة‪ :‬ا ْ‬ ‫س ثياب الفُ َّ‬‫أميرنا ي ْلب ُ‬
‫س ْلطان هللا في األ ْرض أهانهُ َّ‬
‫َّللاُ ))‪.‬‬ ‫َّللاُ عل ْيه وسلَّم يقُو ُل‪ :‬م ْن أهان ُ‬
‫َّ‬

‫وقال اإلمام الترمذي ــ رحمه هللا ــ عقبه‪« :‬هذا حديث حسن غريب»‪.‬اهـ‬
‫‪21‬‬
‫آخر قوليه‪.‬‬
‫سنه العالمة األلباني ــ رحمه هللا ــ في ِ‬
‫وح َّ‬
‫وقال الحافظ َّ‬
‫البزار ــ رحمه هللا ــ في "مسنده" (‪ ،)1119‬عقبه‪:‬‬

‫«وهذا الحديث قد ُروي نحو كالمه عن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ِمن وجوه‪.،‬‬

‫وال نَعلم يُروى بهذا اللفظ عن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إال عن أبي بَكرة »‪.‬اهـ‬

‫قلت‪:‬‬

‫وفيه إسناده سعد بن أوس العدوي‪ ،‬قال عنه الساجي‪« :‬صدوق»‪ ،‬وذَكره‬
‫ابن ِحبَّان وابن خلفون في "الثقات"‪ ،‬وقال ابن ح َجر العسقالني‪« :‬صدوق له‬
‫أغاليط»‪ ،‬وقال الذهبي‪« :‬ضعفه‪ :‬ابن َم ِعين‪ ،‬ووثقه غيره‪ ،‬وذَكره ابن ِحبَّان‬
‫في "الثقات"»‪ ،‬ومال األلباني إلى توثيقه‪.‬‬

‫وزياد بن ُكسيب‪ ،‬ذكره ابن ِحبَّان في كتابه "الثقات"‪َ ،‬‬


‫وروى عنه اثنان‪،‬‬
‫صة شهدها بنفسه‪.‬‬ ‫وهو َيحكي ق َّ‬

‫و ُحميد بن ِمهران ثقة‪.‬‬

‫ووجه االستدالل من هذا األثر على القول بثبوته‪:‬‬


‫ْ‬

‫صلين‬ ‫َّ‬
‫أن أبا َبكرة الثقفي ــ رضي هللا عنه ــ أن َكر على الرجل كال َمه بين ال ُم ِ‬
‫إنكاره هذا ِمن إهانة الحاكم التي يُهين هللا‬
‫َ‬ ‫في نائب الحاكم‪ ،‬وأسكتَه‪ ،‬وجعل‬
‫فاعلها‪.‬‬

‫األمر السادس‪:‬‬

‫سننه" (‪ ،)141‬واللفظ له‪ ،‬وابن أبي شيبة‬ ‫ما أخرجه سعيد بن منصور في " ُ‬
‫بير ــ رحمه هللا ــ أنَّه‬ ‫في "مصنَّفه" (‪ ،)11191‬وغيرهما‪ ،‬عن سعيد بن ُج ٍ‬
‫اس ــ رضي هللا عنه ــ‪ :‬آ ُم ُر إمامي با ْلم ْع ُروف؟ قال‪:‬‬ ‫قال‪ (( :‬قُ ْلتُ ال ْبن عبَّ ٍ‬
‫إ ْن خشيت أ ْن ي ْقتُلك فال‪ ،‬فإ ْن ُك ْنت وال بُ َّد فاع ًال‪ ،‬ففيما ب ْينك وب ْينهُ‪ ،‬وال‬
‫ت ْغت ْب إمامك ))‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫وإسناده حسن أو صحيح‪.‬‬

‫شعب اإليمان"‬ ‫وعند ابن ال ُمقرئ في " ُمعجمه" (‪ ،)7119‬والبيهقي في " ُ‬


‫(‪ ،)1713‬أنَّه قال البن عباس ــ رضي هللا عنه ــ‪ (( :‬أميري آ ُم ُرهُ‬
‫با ْلم ْع ُروف‪ ،‬وأ ْنهاهُ عن ا ْل ُم ْنكر ))‪.‬‬

‫ووجه االستدالل من هذا األثر‪:‬‬


‫ْ‬

‫أن عبد هللا بن عباس ــ رضي هللا عنهما ــ‪ :‬أ َم َر أن يكون أمر الحاكم‬ ‫َّ‬
‫بالمعروف ونَهيه عن ال ُمنكر فيما بين ال ُمن ِكر والحاكم‪ ،‬وليس في العلن‬
‫والغَيبَة‪.‬‬

‫و َحكم ــ رضي هللا عنه ــ بأ َّن إعالنه اإلنكار يُعت َبر ِغيبة للحاكم‪.‬‬

‫سنة‪ ،‬واإلجماع‪.‬‬
‫بنص القرآن‪ ،‬وال ُّ‬
‫حرمة ِ‬
‫وال ِغيبة ُم َّ‬

‫بل حكى الفقيه أبو عبد هللا القرطبي المالكي ــ رحمه هللا ــ في "تفسيره"‬
‫(‪ ،)112 /16‬وغيره‪:‬‬

‫"اإلجماع على َّ‬


‫أن ال ِغيبة ِمن الكبائر"‪.‬‬

‫و ِغيبة الحاكم أعظم إث ًما ِمن ِغيبة آحاد الناس‪ ،‬ألنَّها ليست عدوانًا على‬
‫شرورا وفتنًا كبيرة وكثيرة على ال ِعباد والبالد‪ ،‬وعلى‬
‫ً‬ ‫شخصه فقط‪ ،‬بل ت ُج ُّر‬
‫الدِين والدنيا‪.‬‬

‫ضا ُمطابق لقول النَّبي ملسو هيلع هللا ىلص‬


‫وأمر ابن عباس ــ رضي هللا عنهما ــ هذا أي ً‬
‫ان فال يُكل ُمهُ‬ ‫ال ُمتقدِم الثابت الصريح‪ (( :‬م ْن كانتْ ع ْند ُه نصيحةٌ لذي ُ‬
‫س ْلط ٍ‬
‫بها عالنيةً‪ ،‬و ْليأ ْ ُخ ْذ بيده‪ ،‬و ْليُ ْخل به‪ ،‬فإ ْن قبلها قبلها‪ ،‬وإ َّال كان ق ْد أدَّى‬
‫الَّذي عل ْيه والَّذي لهُ ))‪.‬‬

‫األمر السابع‪:‬‬

‫ما أخرجه ابن أبي شَيبة في "مصنَّفه" (‪ 11192‬و ‪ ،)19111‬فقال‪:‬‬


‫‪22‬‬
‫سرة‪ ،‬عن طاوس‪ ،‬قال‪ (( :‬ذك ْرتُ‬ ‫عيينة‪ ،‬عن إبراهيم بن َمي َ‬ ‫حدثنا ابن ُ‬
‫اس‪ ،‬فا ْنبرى فيه ْم ر ُج ٌل فتطاول حتَّى ما ُرئي في ا ْلب ْيت‬ ‫ْاألُمراء ع ْند ا ْبن عبَّ ٍ‬
‫اس يقُو ُل‪« :‬يا هزهانُ ‪ ،‬ال ت ْجع ْل ن ْفسك فتْنةً‬ ‫أ ْطول م ْنهُ‪ ،‬فسم ْعتُ ا ْبن عبَّ ٍ‬
‫ظالمين»‪ ،‬فتقاصر حتَّى ما رأيْتُ في ا ْلق ْوم أ ْقصر م ْنهُ ))‪.‬‬ ‫لل َّ‬

‫سننه" (‪ 7917‬ــ قسم التفسير)‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫وأخرجه سعيد بن منصور في " ُ‬

‫اس‬ ‫سرة‪ ،‬عن طاوس‪ ،‬قال‪ُ (( :‬كنَّا مع ا ْبن عبَّ ٍ‬ ‫نا سفيان‪ ،‬عن إبراهيم بن َمي َ‬
‫فا ْبترك ر ُج ٌل من ْاألُمراء يُقا ُل لهُ‪ :‬اله ْزهاز‪ ،‬فتطاول حتَّى ما رأيْتُ في ا ْلب ْيت‬
‫ظالمين»‪،‬‬ ‫از ال تك ُْن فتْنةً ل ْلق ْوم ال َّ‬
‫اس‪« :‬يا ه ْزه ُ‬ ‫أ ْطول م ْنهُ‪ ،‬فقال لهُ ا ْبنُ عبَّ ٍ‬
‫فتقاصر حتَّى ما رأيْتُ في ا ْلب ْيت أحدًا أ ْقصر م ْنهُ))‪.‬‬

‫وإسناده صحيح‪.‬‬

‫ووجه االستدالل من هذا األثر‪:‬‬


‫ْ‬

‫الرجل الذي تكلَّم على األمراء‬ ‫َّ‬


‫أن ابن عباس ــ رضي هللا عنه ــ‪ :‬أن َكر على َّ‬
‫عالنية في غير وجودهم‪ ،‬وجعل صنيعَه هذا فتنة‪ ،‬وإعانة للقوم الظالمين‪.‬‬

‫وهذا ِمن أبلغ ما يكون ِمن َّ‬


‫الزجر عن هذه الطريقة‪.‬‬

‫األمر الثامن‪:‬‬

‫باب سد الذرائع ال ُمفضية إلى الفتن والشُّرور على األ ُ َّمة‪.‬‬

‫سنة الثابتة واستفاضت على‬


‫حيث تضافرت األدلة الشرعية ِمن القرآن وال ُّ‬
‫التحريم ِبهذا الباب‪.‬‬

‫وقد ذَكر اإلمام ابن قيِم الجوزية ــ رحمه هللا ــ في كتابه "أعالم الموقعين‬
‫عن ربَّ العالمين" (‪ )41-3 /4‬تسعة وتسعين ً‬
‫دليال على ذلك‪.‬‬

‫فكان من أوائل ما قال ــ رحمه هللا ــ (‪ 1 /2‬ــ طبعة‪ :‬دار عالم الفوائد)‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫الحكمة‪،‬‬
‫«فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات ِ‬
‫والمصلحة‪ ،‬والكمال‪.‬‬

‫سدَّ الذرائع‬ ‫ومن تأ َّمل مصادرها ومواردها‪ :‬علم َّ‬


‫أن هللا تعالى ورسوله َ‬
‫حرمها‪ ،‬ونَ َهى عنها»‪.‬اهـ‬
‫فضية إلى المحارم‪ ،‬بأن َّ‬
‫ال ُم ِ‬

‫وختم كالمه وما ذكره من أدلة بقوله (‪ 21 /2‬ــ طبعة‪ :‬دار عالم الفوائد)‪:‬‬

‫س ِد الذرائع أحد أرباع التكليف‪ ،‬فإنَّه أم ٌر ونَهي‪.‬‬


‫«وباب َ‬
‫واألمر نوعان‪ :‬أحدهما‪ :‬مقصود لنفسه‪ ،‬والثاني‪ :‬وسيلة إلى المقصود‪.‬‬

‫سدة في نفسه‪ ،‬والثاني‪ :‬ما‬ ‫والنَّهي نوعان‪ :‬أحدهما‪ :‬ما يكون ال َمن ِه ُّ‬
‫ي عنه مف َ‬
‫سدة‪.‬‬
‫يكون وسيلة إلى المف َ‬

‫سدُّ الذرائع ال ُم ِ‬
‫فضية إلى الحرام أحدُ أرباع الدِين»‪.‬اهـ‬ ‫فصار َ‬

‫قلت‪:‬‬

‫شر على‬‫وهذا النوع ِمن اإلنكار العلني على السلطان في غَيبته يفتح باب ال َّ‬
‫الناس‪ ،‬ويَ ُج ُّر ُهم إلى الفتن ال ُكبرى ال ُمتعدِدة والمتنوعة‪ ،‬وفي أمور الدِين‬
‫والدنيا‪.‬‬

‫وهل قامت الفتنة ز َمن الخليفة الراشد الصالح الصائم القائم العادل الذي‬
‫ز َّكاه رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وأثنَى عليه‪ ،‬وب َّ‬
‫شره بالجنَّة والشهادة‪ ،‬إال بسبب هذا‬
‫النوع ِمن اإلنكار‪.‬‬

‫ضا‪ ،‬وانتهت‬ ‫جردًا‪ ،‬ثم أصبحت تَنقُّ ً‬


‫صا وطعنًا‪ ،‬فتأليبًا وتحري ً‬ ‫إنكارا ُم َّ‬
‫ً‬ ‫فبدأت‬
‫باإلنكار عليه باليد والسالح‪ ،‬فقتلوه ــ رضي هللا عنه ــ صائ ًما‪ ،‬شهيدًا‪ ،‬يتلو‬
‫القرآن‪ ،‬حتى تَحادر د ُمه على ُمصحفه‪.‬‬

‫ولم يستطع أصحاب النبي ملسو هيلع هللا ىلص حينها‪ ،‬و ُهم أكابر علماء األرض‪ ،‬وخيرهم‪،‬‬
‫وأصدقهم‪ ،‬وأتقاهم‪ ،‬ضبط الناس‪ ،‬وال وقف الفتن‪ ،‬حتى قامت ُحروب‬
‫‪24‬‬
‫وتفرقت جماعة المسلمين‪ ،‬وال زالت آثار‬
‫َّ‬ ‫موجعة‪ ،‬وظهرت عقائد باطلة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫هذه الفتنة على األ ُ َّمة إلى اليوم‪.‬‬

‫فكيف بآثار هذه الطريقة الشنيعة على والة أمر الناس اليوم الذين ليس في‬
‫ونصوص ِمن شريعته‪ ،‬كعثمان بن عفان ــ‬
‫ٌ‬ ‫ي ِمن هللا تعالى‪،‬‬
‫تزكيتهم وح ٌ‬
‫رضي هللا عنه ــ‪ ،‬وبوجود علماء ليسوا كالصحابة‪ ،‬و ُهم أي ً‬
‫ضا قليلون جدًا‪.‬‬

‫ضا ليسوا بفقهاء علماء‪.‬‬


‫وعا َّمة الناس أي ً‬

‫ٌ‬
‫وتعاون مع‬ ‫سلطة‪،‬‬
‫مآرب في ال ُحكم وال ُّ‬
‫وكثير ِمن الداخلين في هذا األمر لهم ِ‬
‫الملَّة والدِين‪ ،‬ويسعون إلى زَ جِ العا َّمة إلى هذا الباب‪.‬‬
‫أعداء ِ‬

‫سيضبِطهم؟‬
‫وإن ثاروا ف َمن َ‬
‫والتشرد في‬
‫ُّ‬ ‫بل ما نفعَت في بلدان عديدة حتى األسلحة والدماء والدَّمار‬
‫األرض في ضبِطهم‪.‬‬

‫والتاريخ القديم‪ ،‬وما بعده‪ ،‬والواقع ال ُمعاصر‪ ،‬شاهد قوي و َحي‪.‬‬

‫وغلقًا لهذا الباب امتنع أسامة بن زيد ــ رضي هللا عنهما ــ‪ ،‬وغيره ِمن‬
‫الصحابة‪ ،‬عن اإلنكار على السلطان في غَيبته بين الناس‪.‬‬

‫فأخرج البخاري (‪ ،)1111‬ومسلم (‪ ،)1212‬واللفظ له‪ ،‬عن أسامة بن زيد‬


‫عثْمان فتُكلمهُ؟ فقال‪:‬‬ ‫ــ رضي هللا عنهما ــ أنَّه قيل له‪ (( :‬أال ت ْد ُخ ُل على ُ‬
‫أتر ْون أني ال أُكل ُمهُ إ َّال أ ُ ْ‬
‫سمعُ ُك ْم؟ وهللا لق ْد كلَّ ْمتُهُ فيما ب ْيني وب ْينهُ‪ ،‬ما دُون‬
‫ب أ ْن أكُون أ َّول م ْن فتحهُ ))‪.‬‬ ‫أ ْن أ ْفتتح أ ْم ًرا ال أُح ُّ‬

‫ولفظ البخاري‪ (( :‬قيل ألُسامة‪ :‬ل ْو أت ْيت فُالنًا فكلَّ ْمتهُ‪ ،‬قال‪ :‬إنَّ ُك ْم لتُر ْون أني‬
‫سمعُ ُك ْم‪ ،‬إني أُكل ُمهُ في السر دُون أ ْن أ ْفتح بابًا ال أكُونُ أ َّول م ْن‬ ‫ال أُكل ُمهُ إ َّال أ ُ ْ‬
‫فتحهُ ))‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ 1‬ــ وقال الفقيه أبو العباس القرطبي المالكي ــ رحمه هللا ــ في كتابه‬
‫"ال ُمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (‪:)611 /6‬‬

‫أمرا ال أحب ْ‬
‫أن‬ ‫أن أفتح ً‬ ‫«قوله‪ (( :‬وهللا لقد كلمته فيما بيني وبينه‪ ،‬ما دون ْ‬
‫أول من فتحه )) يعني‪ :‬أنَّه كلَّمه مشافهة‪ ،‬كالم لُطف‪ ،‬ألنَّه اتَّقَى ما‬‫أكون َّ‬
‫يكون عن المجاهرة باإلنكار‪ ،‬والقيام على األئمة‪ ،‬لعظيم ما يَطرأ بسبب ذلك‬
‫ِمن الفتن والمفاسد»‪.‬اهـ‬

‫‪ 2‬ــ وقال اإلمام عبد العزيز ابن باز ــ رحمه هللا ــ كما في "مجموع‬
‫فتاويه" (‪:)211-211 /8‬‬

‫«ويَكفي إنكار المعاصي‪ ،‬والتحذير ِمنها ِمن غير أن يُذكر َمن فعلَها‪ ،‬ال‬
‫حاك ًما وال غير حاكم‪.‬‬

‫ول َّما وقعت الفتنة في عهد عثمان ــ رضي هللا عنه ــ قال بعض الناس‬
‫ألسامة بن زيد ــ رضي هللا عنه ــ‪ (( :‬أال تكلم عثمان؟ فقال‪ :‬إنَّكم ترون‬
‫أمرا ال‬
‫أن أفتتح ً‬ ‫أني ال أكلمه إال أُسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون ْ‬
‫أول من افتتحه ))‪.‬‬ ‫أحب ْ‬
‫أن أكون َّ‬
‫ول َّما فتح الخوارج ال ُج َّهال باب ال َّ‬
‫شر في زمان عثمان ــ رضي هللا عنه ــ‪،‬‬
‫وأنكروا على عثمان علنًا‪:‬‬

‫ظمت الفتنة‪ ،‬والقتال‪ ،‬والفساد‪ ،‬الذي ال يَزال الناس في آثاره إلى اليوم‪،‬‬ ‫ع ُ‬
‫حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية‪ ،‬وقُتِل عثمان وعلي ــ رضي هللا‬
‫عنهما ــ بأسباب ذلك‪ ،‬وقُتِل جمع كثير ِمن الصحابة‪ ،‬وغيرهم بأسباب‬
‫اإلنكار العلني‪ ،‬وذِكر العيوب علنًا‪ ،‬حتى أبغض الكثيرون ِمن الناس و ِل َّ‬
‫ي‬
‫أن رسول هللا صلى هللا‬ ‫أمرهم وقتلوه‪ ،‬وقد َروى عياض بن غَنم األشعري َّ‬
‫أن ينصح لذي سلطان فال يُبده عالنية‪ ،‬ولكن‬ ‫عليه وسلم قال‪ (( :‬من أراد ْ‬
‫يأخذ بيده فيخلو به‪ْ ،‬‬
‫فإن قبل منه فذاك‪ ،‬وإال كان قد أدَّى الذي عليه‬
‫))»‪.‬اهـ‬

‫‪26‬‬
‫عكيم ــ رحمه هللا ــ أنَّه قال‪:‬‬
‫وجاء بإسناد صحيح عن عبد هللا بن ُ‬

‫(( ال أُعينُ على قتْل خليف ٍة ب ْعد ُ‬


‫عثْمان أبدًا‪ ،‬قال‪ :‬فقيل لهُ‪ :‬وأع ْنت على‬
‫ع ُّد ذكْر مساوئه ع ْونًا على دمه ))‪.‬‬ ‫دمه‪ ،‬قال‪ :‬إني أ ُ‬

‫أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (‪ 19 /1‬و ‪ ،)773 /1‬وابن أبي‬


‫شيبة في "مصنَّفه" (‪ 11191‬أو ‪ ،)11941‬والبخاري في "التاريخ الكبير"‬
‫(‪ 17 /7‬ــ رقم‪ ،)43:‬والدوالبي في "ال ُكنى واألسماء" (‪ ،)411‬وغيرهم‪.‬‬

‫أدرك ز َمن النبي صلى هللا‬


‫عكيم ــ رحمه هللا ــ ُمخَضرم‪ ،‬حيث َ‬ ‫وعبد هللا بن ُ‬
‫عليه وسلم ولم يَسمع ِمنه‪.‬‬

‫األمر التاسع‪:‬‬

‫أن أنس بن مالك ــ رضي هللا عنه ــ قال‪ (( :‬نهانا كُبراؤُنا م ْن أصْحاب‬ ‫َّ‬
‫سبُّوا أُمراء ُك ْم‪ ،‬وال تغشُّو ُه ْم‪،‬‬
‫َّللا صلَّى هللاُ عل ْيه وسلَّم‪ ،‬قال‪« :‬ال ت ُ‬ ‫سول َّ‬ ‫ر ُ‬
‫يب» ))‪.‬‬ ‫وال ت ْبغضُو ُه ْم‪ ،‬واتَّقُوا َّ‬
‫َّللا واصْب ُروا؛ فإ َّن ْاأل ْمر قر ٌ‬
‫سنة" (‪ ،)7973‬والبيهقي في " ُ‬
‫شعب اإليمان"‬ ‫أخرجه ابن أبي عاصم في "ال ُّ‬
‫(‪ ،)1311‬وغيرهما‪.‬‬

‫وقال العالمة األلباني ــ رحمه هللا ــ عقبه‪« :‬إسناده جيد»‪.‬اهـ‬

‫ووجه االستدالل منه‪:‬‬


‫ْ‬

‫ب األمراء في جميع األحوال‪ ،‬وعن ِغشِهم‪ ،‬وأ ُ ِمر بالصبر‬ ‫س ِ‬‫أنَّه نُ ِهي عن َ‬
‫أن السَّبَّ ِمنه ما هو بحق‪،‬‬‫عليهم‪ِ ،‬لمفاس ِد ذلك على الدِين والدنيا وال ِعباد‪ ،‬مع َّ‬
‫تعديًا‪.‬‬
‫حر ًما أو ِ‬
‫ب ُم َّ‬
‫س ِ‬ ‫وأ ُ ِبيح على سبيل العقوبة ِ‬
‫بالمثل ما لم َيكن في لفظ ال َّ‬

‫و ِغيبَة الحاكم‪ ،‬واإلنكار عليه علنًا في غَيبَته بذِكر عيوبه على المأل‪ ،‬يُمنعان‬
‫ألن المفاسد قد تعود‬ ‫سب‪َّ ،‬‬ ‫ألن مفاسدهما أكثر ِمن مفاسد ال َّ‬ ‫ِمن باب أولى‪َّ ،‬‬
‫على الدِين والدنيا واأل ُ َّمة‪ ،‬وتُنشَر بمظهر الغيرة على الدِين واأل ُ َّمة‪ ،‬فتُقبَل‬
‫‪27‬‬
‫ضرره‬
‫ُ‬ ‫نجرف إليها أعداد غفيرة‪ ،‬بخالف السَّبَّ ‪ ،‬إذ يعود‬ ‫وتَروج ً‬
‫كثيرا‪ ،‬ويَ ِ‬
‫في الغالب على صاحبه‪ ،‬ويَ ُم ُّجه عموم الناس‪.‬‬

‫وغيبة الحاكم والتشهير بعيوبه أيضًا‪:‬‬

‫وضدُّ النَّصيحة ال ِغش‪ ،‬وقد أ ُ ِمرنا بنُصحهم‪ ،‬ونُهينا‬


‫ليس ِمن النصيحة لهم‪ِ ،‬‬
‫عن ِغشِهم‪.‬‬

‫سنة والحديث‬
‫ودونكم ــ سدَّدكم هللا ــ بعض أقوال أهل العلم من أهل ال ُّ‬
‫والجماعة في المنع من هذه الطريقة في اإلنكار على الحاكم‪.‬‬

‫وتقرير أنَّها ُمجانبة لطريق ال َّ‬


‫سلف الصالح‪َّ ،‬‬
‫وأن من نسبها إليهم فقد أخطأ‬
‫وكذب‪:‬‬

‫أو ًال ــ قال اإلمام عبد العزيز ابن باز ــ رحمه هللا ــ كما في "مجموع‬
‫َّ‬
‫فتاويه" (‪ُ ،)211-211 /8‬مجيبًا على سؤال حول اإلنكار على الوالة في‬
‫سلف نقد الوالة من فوق المنابر؟‬
‫صه‪" :‬هل من منهج ال َّ‬ ‫غير محضرهم‪ ،‬ن ُّ‬
‫سلف في نُصح الوالة"؟‪:‬‬ ‫وما منهج ال َّ‬

‫سلف‪:‬‬
‫«ليس من منهج ال َّ‬

‫فضي إلى‬ ‫التشهير بعيوب الوالة‪ ،‬وذِكر ذلك على المنابر‪َّ ،‬‬
‫ألن ذلك يُ ِ‬
‫فضي إلى الخوض الذي‬‫ضى‪ ،‬وعدم السمع والطاعة في المعروف‪ ،‬ويُ ِ‬ ‫الفو َ‬
‫َيضر وال ينفع»‪.‬اهـ‬

‫قلت‪:‬‬

‫واإلنكار العلَني بِذكر ُمنكر الحاكم وتبيين خطئه فيه حال غَيبتِة داخل في‬
‫التشهير به بين الناس‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ثانيًا ــ قال العالمة دمحم ين صالح العثيمين ــ رحمه هللا ــ في شرح كتاب‬
‫"رياض الصالحين" (‪ 821 /6‬و ‪ 812‬ــ رقم‪1211:‬ــ عند حديث وباء‬
‫الطاعون)‪:‬‬

‫«ففي هذا الحديث فوائد‪:‬‬

‫منها‪ :‬أنَّه يجوز للواحد ِمن َّ‬


‫الرعية أن يُراجع اإلمام‪ ،‬لكن بحضرته‪َّ ،‬‬
‫ألن أبا‬
‫عبيدة راجع عمر بن الخطاب ــ رضي هللا عنه ــ لكن بحضرته‪.‬‬ ‫ُ‬

‫أن يكون المراجع‪ِ :‬م َّمن له علم ودِين وعقل‪ ،‬وليس ِم َّمن عنده غَيرة‬ ‫وبشرط ْ‬
‫فإن هذا ال يتكلم‪ ،‬إنَّما يتكلم العقالء مع والة‬
‫عاصفة‪ ،‬وعاطفة هوجاء‪َّ ،‬‬
‫األمور‪ ،‬ولكن ال يتكلمون ِمن وراء و ِلي ِ األمر‪ ،‬بل يتكلمون ِمن بين يديه‬
‫حتى يحصل النقاش واإلقناع»‪.‬اهـ‬

‫ــــ وجاء في مقطع صوتي في موقع "النَّهج الواضح" للعالمة العثيمين ــ‬
‫رحمه هللا ــ عنوانه‪" :‬ال يجوز نقد الحاكم علنًا‪ْ ،‬‬
‫وإن أذن هو بذلك"‪:‬‬

‫ي األمر أن ينتقده الناس علنًا‪،‬‬


‫«السؤال‪" :‬فضيلة الشيخ إذا س َمح و ِل ُّ‬
‫ي األمر نفسه بذلك تطبيقًا للحرية‬ ‫ويحاسبوه علنًا‪ُ ،‬‬
‫وربَّما َيفتخر و ِل ُّ‬
‫الديمقراطية‪ ،‬هل يجوز لنَا استعمال هذه الوسائل ولو كانت غير شرعية‬
‫ي األمر سمح به؟"‪.‬‬ ‫ب ُح َّجة َّ‬
‫أن و ِل َّ‬
‫جرد مظهر‬ ‫أرى أن ال يفعل‪َّ ،‬‬
‫ألن سماح و ِلي ِ األمر بذلك ُم َّ‬ ‫الجواب‪" :‬الذي َ‬
‫أمام الدول الغربية الكافرة‪.‬‬

‫سلف األ ُ َّمة أبدًا"»‪.‬اهـ‬


‫ألن هذا الطريق ليس معروفًا في َ‬
‫َّ‬

‫ــــ وقال أيضًا كما في شرح "العقيدة الواسطية"‪ ،‬الشريط الثاني‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫(‪:)18‬‬

‫سنة والجماعة في ُمناصحة‬


‫«هذا سؤال ُمهم يقول‪" :‬ما هو طريق أهل ال ُّ‬
‫والة األمور؟"‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫الجواب‪ :‬طريقهم‪:‬‬

‫ناصحون والة األمور بالسِر‪ ،‬بقصد النَّصيحة أي ً‬


‫ضا‪ ،‬ال بقصد االنتقاد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أنَّهم يُ‬
‫ألنَّه إذا نص َحهم بقصد االنتقاد َ‬
‫سيفشَل‪َّ ،‬‬
‫ألن النِية لغير هللا‪،‬وكان النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم ال يَنتصر لنفسه‪ ،‬لكن بقصد اإلصالح‪ ،‬يجب أن يَنصح لهم‬
‫ِس ًّرا‪ ،‬كما َجرى ألسامة بن زيد ــ رضي هللا عنه ــ حين كلَّمه بعض الناس‪،‬‬
‫وقالوا‪" :‬أال تَنصح فالنًا"‪ ،‬يعني‪ :‬الخليفة‪ ،‬فقال‪ (( :‬أوكلما نصحناه نأتي‬
‫إليكم نُخبركم ))‪ ،‬فيَنصحه ِس ًّرا‪ ،‬هذا هو المطلوب»‪.‬اهـ‬

‫ثالثًا ــ قال العالمة أحمد بن يحيى النَّجمي ــ رحمه هللا ــ في كتابه‬


‫سئل "هل ورد‬
‫"الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية" (ص‪ ،)11 :‬حين ُ‬
‫سنة اإلنكار العلني على الوالة من فوق المنابر"‪:‬‬ ‫في الكتاب وال ُّ‬

‫سنة‪ ،‬فالنبي‬ ‫«اإلنكار العلني على الوالة أمر ُمحدَث‪ ،‬ولم يكن ِمن أصول ال ُّ‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪ (( :‬أال م ْن ولي عل ْيه وا ٍل‪ ،‬فرآهُ يأْتي ش ْيئ ًا م ْن م ْعصية هللا‪ ،‬ف ْليكْر ْه‬
‫ما يأْتي م ْن م ْعصية هللا‪ ،‬وال ي ْنزع َّن يدًا م ْن طاع ٍة ))‪ ،‬هكذا يقول النبي‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬

‫إذن فال يجوز اإلنكار العلني على المنابر‪َّ ،‬‬


‫ألن األضرار التي تترتب عليه‬
‫أكثر ِمن فائدته‪ ،‬لكن النَّصيحة ألئمة المسلمين بأي ِ صورة تكون؟ وبأي ِ‬
‫كيفية تكون؟‬

‫َينبغي أن تكون بصفة ِس ِرية‪ ،‬حتى تكون أنجح لقبول الوالي‪ ،‬هذا هو‬
‫األصل‪.‬‬

‫وقد قال أسامة بن زيد ــ رضي هللا عنه ــ ل َّما قيل له‪ (( :‬أال تُكلم عثمان ))‪،‬‬
‫فقال‪ (( :‬أتظنون أني ال أُكلمه إال أُسمعكم )) يعني‪ :‬أني أ ُ ِ‬
‫كلمه ِس ًّرا‪.‬‬

‫سنة‪.‬‬
‫إذن األصل هكذا في ال ُّ‬

‫‪31‬‬
‫ومن يقف على المنبر ويقول‪" :‬رسالة إلى الملك الفالني‪ ،‬أو الوزير‬
‫خطئ‪.‬‬
‫الفالني‪ ،‬أو ما أشبَه ذلك"‪ ،‬فهو ُم ِ‬

‫بل يجب عليه إن كان يَرى شيئًا ِمن ال ُمنكر أن يُر ِسل نصيحة ِس ِرية‪ ،‬فإن‬
‫قُ ِبلت فليَحمد هللا سبحانه وتعالى على ذلك‪ ،‬وإن لم تُقبل فليَعلم َّ‬
‫أن ِذ َّمته قد‬
‫بَرئت‪ ،‬وليس عليه شيء بعد هذا»‪.‬اهـ‬

‫ــــ وقال أيضًا في شريط صوتي له‪:‬‬

‫«أ َّما التشهير بوالة األمر على المنابر‪ ،‬فهذه طريقة غير سلفية‪ ،‬بل هي‬
‫طريقة دخيلة»‪.‬اهـ‬

‫رابعًا ــ قال العالمة صالح بن فوزان الفوزان ــ سلَّمه هللا ــ في كتابه‬


‫"األجوبة ال ُمفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة" (ص‪ 81-22:‬ــ سؤال‬
‫رقم‪:)18 :‬‬

‫أن عندهم أخطاء‪ ،‬وليسوا‬ ‫«فال ُحكام المسلمون بَشر يُخطئون‪ ،‬وال شَك َّ‬
‫بمعصومين‪ ،‬وال نقول‪ :‬إنَّه يُسكت على ما يَصدر ِمن الحكام ِمن أخطاء‪ ،‬ال‪،‬‬
‫بل تُعالَج‪ ،‬ولكن تُعالَج بالطريقة السليمة‪ ،‬بالمناصحة لهم ِس ًّرا‪ ،‬والكتابة لهم‬
‫وزع على‬ ‫وقع عليها جمع كثير‪ ،‬وت ُ َّ‬
‫ِس ًّرا‪ ،‬وليست بالكتابة التي تُكتَب‪ ،‬ويُ ِ‬
‫الناس‪ ،‬هذا ال يجوز‪.‬‬

‫بل تُكتَب كتابة ِس ِرية فيها نصيحة‪ ،‬تُسلَّم ِلو ِلي ِ األمر‪ ،‬أو يُكلَّم شفويًا‪.‬‬

‫وزع على الناس‪ ،‬فهذا عم ٌل ال يجوز‪ ،‬ألنَّه‬ ‫صور وت ُ َّ‬


‫أ َّما الكتابة التي تُكتَب وت ُ َّ‬
‫تشهير‪ ،‬وهو ِمثل الكالم على المنابر‪ ،‬بل هو أشد‪ ،‬بل الكالم يُم ِكن أن‬
‫سى‪ ،‬ولكن الكتابة تَبقَى وتَتداولها األيدي‪ ،‬فليس هذا ِمن الحق‪.‬‬ ‫يُن َ‬
‫وأولَى َمن يقوم بالنَّصيحة لوالة األمور ُهم العلماء‪ ،‬وأصحاب الرأي‬
‫وال َمشورة‪ ،‬وأهل ال َح ِل والعَقد‪ ،‬فليس كل أحد ِمن الناس يَصلح لهذا األمر‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وليس الترويج لألخطاء‪ ،‬والتشهير بها ِمن النصيحة في شيء‪ ،‬بل هو ِمن‬
‫إشاعة ال ُمنكر والفاحشة في الذين آمنوا‪.‬‬

‫سلف الصالح‪.‬‬
‫وال هو ِمن منهج ال َّ‬

‫وإن كان قصد صاحبها حسنًا وطيبًا‪ ،‬وهو‪ :‬إنكار المنكر بزَ عمه‪ ،‬لكن ما‬
‫نكرا ِم َّما أن َكره‪ ،‬وقد يكون إنكار ال ُمنكر ُمن َك ًرا إذا كان على غير‬ ‫فعلَه أشد ُم ً‬
‫الطريقة التي شرعها هللا تعالى‪ ،‬ورسوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ألنَّه لم َيتَّبع طريقة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‬
‫الشرعية الَّ ِتي رسمها»‪.‬اهـ‬

‫ــــ وقال أيضًا (ص‪ 161-162:‬ــ سؤال رقم‪:)61:‬‬

‫شر‪ ،‬وتُحدِث‬
‫«النَّصيحة التي يُج َهر بها أمام الناس‪ ،‬أو على المنابر‪ ،‬تُثير ال َّ‬
‫والرعية‪.‬‬
‫العداوة بين والة األمور َّ‬

‫أن اإلنسان يَتكلم في أخطاء والة األمور على ِمنبر‪ ،‬أو‬ ‫ليست النَّصيحة‪َّ :‬‬
‫شرا‪.‬‬
‫شر ًّ‬ ‫على ُكرسي أمام الناس‪ ،‬هذا ال يَخدم المصلحة‪ ،‬وإنَّما يزيد ال َّ‬

‫تصل بوالة األمور شخصيًّا‪ ،‬أو كتابيًّا‪ ،‬أو عن طريق‬ ‫إنَّما النَّصيحة‪ :‬أن ت َ ِ‬
‫بعض الذين يَتصلون بهم‪ ،‬وت ُ ِبلغهم نصيحتك ِس ًّرا فيما بينَك وبينهم‪.‬‬

‫وليس من النصيحة أيضًا‪ :‬أنَّنا نَكتب نصيحة ونَدور بها على الناس‪ ،‬أو‬
‫وقعوا عليها‪ ،‬ونقول‪" :‬هذه نصيحة"‪ ،‬ال‪ ،‬هذه فضيحة‪ ،‬هذه‬ ‫على كل أحد ِليُ ِ‬
‫شرور‪ ،‬وت ُ ِ‬
‫فرح األعداء‪ ،‬ويَتدخل فيها‬ ‫تُعتَبر ِمن األمور التي ت ُ ِ‬
‫سبب ال ُّ‬
‫أصحاب األهواء»‪.‬اهـ‬

‫سلف" على "اليوتيوب"‬ ‫ــــ وجاء في مقطع صوتي في قناة "صوت ال َّ‬
‫للشيخ صالح الفوزان ــ سدَّده هللا ــ عنوانه‪" :‬فتاوى العلماء في ُحكم‬
‫نصيحة ال ُحكام عالنية"‪:‬‬

‫وقرر‪َّ " :‬‬


‫أن اإلنكار‬ ‫«السائل‪ :‬خرج أحد الدعاة في "قناة ال َمجد" باألمس َّ‬
‫عالنية هي طريقة الصحابة‪ ،‬وطريقة التابعين"‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫الجواب‪" :‬هذا الكالم خطأ‪ ،‬اإلنكار على الوالة ما يكون عالنية‪ ،‬وإنَّما يكون‬
‫باالتصال بِهم‪ ،‬و ُمناصحتهم ُمباشرة‪ ،‬بين الناصح والمنصوح‪ ،‬لحديث‪(( :‬‬
‫ان فال يُكل ُمهُ بها عالنيةً‪ ،‬و ْليأ ْ ُخ ْذ بيده‪،‬‬ ‫م ْن كانتْ ع ْندهُ نصيحةٌ لذي ُ‬
‫س ْلط ٍ‬
‫و ْليُ ْخل به‪ ،‬فإ ْن قبلها قبلها‪ ،‬وإ َّال كان ق ْد أدَّى الَّذي عل ْيه والَّذي لهُ ))‪.‬‬

‫فهذا خطأ‪ ،‬الذي يقول‪" :‬أنَّه يُن َكر على الوالة عالنية"‪ ،‬هذا يُ ِ‬
‫سبب فتنة‪،‬‬
‫شرا‪.‬‬
‫سبب ًّ‬
‫وي ُ ِ‬
‫سلف الصالح‪ ،‬ما فعلوا هذا»‪.‬اهـ‬
‫ويكذب على‪ :‬الصحابة‪ ،‬والتابعين‪ ،‬وال َّ‬

‫سبيل إمام وخطيب المسجد الحرام ــ رحمه هللا‬ ‫سا ــ قال العالمة دمحم ال ُّ‬
‫خام ً‬
‫والرعية"‬
‫الراعي َّ‬ ‫ــ كما في كتابه "األدلة الشرعية في بيان حق َّ‬
‫(ص‪ )68:‬عن اإلنكار السري على الوالة بعد حديث (( م ْن كانتْ ع ْندهُ‬
‫ان فال يُكل ُمهُ بها عالنيةً ))‪:‬‬ ‫نصيحةٌ لذي ُ‬
‫س ْلط ٍ‬
‫سلف هذه األ ُ َّمة ِمن الصحابة‪،‬‬
‫«وقد سار وفق هذا التوجيه النبوي‪َ :‬‬
‫والتابعين‪ ،‬و َمن بعدهم ِمن أئمة اإلسالم المشهورين»‪.‬اهـ‬

‫ــــ وقال أيضًا (ص‪ ،)22-21:‬عن اإلنكار العلني‪:‬‬

‫«وأ َّما سلوك غير ذلك من األساليب ال ُمنكرة‪ ،‬والمناهج ال ُمحدثة‪ :‬كالجهر‬
‫باإلنكار على الوالة أمام المأل‪ ،‬وفي المحافل العامة‪ ،‬والتشهير ِبهم‪،‬‬
‫والتنقُّص ألقدارهم‪ ،‬وتغليظ القول في اإلنكار عليهم‪ ،‬دون مراعاة لمكانتهم‪،‬‬
‫وإجال ٍل ألقدارهم‪.‬‬

‫فإنَّه مع كونه خالف التوجيه اإللهي‪ ،‬وال َهدي النَّبوي‪ ،‬والمنهج ال َّ‬
‫سوي‪ ،‬الذي‬
‫سلف هذه األ ُ َّمة‪ِ ،‬من الصحابة‪ ،‬والتابعين‪ ،‬وأئمة اإلسالم‬
‫سار عليه َ‬
‫ال ُمخلصين‪.‬‬

‫آثارا سيئة‪ ،‬ومفاسد عظيمة على األ ُ َّمة‪ ،‬إذ يكون سببًا في إيغار‬ ‫َّ‬
‫فإن له ً‬
‫الرعية على والتهم‪ ،‬وحصول العداوات والبغضاء فيما بينهم‪،‬‬ ‫صدور َّ‬

‫‪33‬‬
‫وربَّما ثار بسببه فتن‪ ،‬يَنتج عنها مفاسد كثيرة‪ ،‬وأضرار عظيمة على العباد‬
‫ُ‬
‫والبالد»‪.‬اهـ‬

‫سا ــ قال العلماء‪" :‬دمحم بن عبد اللطيف‪ ،‬وسعد بن حمد بن عتيق‪،‬‬ ‫ساد ً‬
‫وعبد هللا بن عبد العزيز العنقري‪ ،‬وعمر بن دمحم بن سليم‪ ،‬ودمحم بن‬
‫سنية في‬
‫إبراهيم بن عبد اللطيف" ــ رحمهم هللا ــ كما في كتاب "الدُّرر ال َّ‬
‫األجوبة النَّجدية" (‪ 112-116 /1‬و ‪:)121-111‬‬

‫«وأ َّما ما قد يقع من والة األمور‪ ،‬من المعاصي والمخالفات‪ ،‬التي ال تُوجب‬
‫الكفر‪ ،‬والخروج من اإلسالم‪ :‬فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه‬
‫سلف الصالح‪ِ ،‬من عدم التشنيع عليهم‬ ‫الشرعي برفق‪ ،‬واتِباع ما كان عليه ال َّ‬
‫في المجالس‪ ،‬ومجامع الناس‪ ،‬واعتقاد َّ‬
‫أن ذلك ِمن إنكار ال ُمنكر‪ ،‬الواجب‬
‫إنكاره على العباد‪.‬‬

‫وهذا غلط فاحش‪ ،‬وجهل ظاهر‪ ،‬ال يَعلم صاحبه ما يترتب عليه ِمن المفاسد‬
‫وعرف طريقة‬ ‫َ‬ ‫نور هللا قلبه‪،‬‬
‫العظام في الدِين والدنيا‪ ،‬كما َيعرف ذلك َمن َّ‬
‫سلف الصالح‪ ،‬وأئمة الدِين»‪.‬اهـ‬ ‫ال َّ‬

‫ومن باب الزيادة والتحلية‪:‬‬

‫‪ 1‬ــ قال الحافظ ابن عبد البر المالكي ــ رحمه هللا ــ في كتابه "التمهيد"‬
‫(‪:)282-282 /21‬‬

‫«وأ َّما قوله‪ (( :‬تُناصحوا من َّ‬


‫واله هللا أمركم ))‪.‬‬

‫ففيه‪ :‬إيجاب النَّصحية على العامة لوالة األمر‪ ،‬و ُهم األئمة‪ ،‬والخلفاء‪،‬‬
‫وكذلك سائر األمراء‪.‬‬

‫وقد قال ملسو هيلع هللا ىلص‪ (( :‬الدين النَّصيحة‪ ،‬الدين النَّصيحة‪ ،‬الدين النَّصيحة ــ ثالثًا ــ‪،‬‬
‫عز وج َّل ــ‪ ،‬ولكتابه‪ ،‬ولرسوله‪،‬‬‫قيل‪ :‬لمن يا رسول هللا؟ قال‪« :‬هلل ــ َّ‬
‫وألئمة المسلمين وعامتهم ))‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫أن ِمن الدِين النُّصح ألئمة المسلمين‪ ،‬وهذا أوجب ما‬
‫ففي هذا الحديث‪َّ :‬‬
‫يكون‪ ،‬ف ُكل َمن واكلهم وجالسهم‪ ،‬و ُكل َمن أمكنه نُصح السلطان لَ ِزمه ذلك‪،‬‬
‫إذا َرجا أن َيسمع منه‪.‬‬

‫قال أبو عمر‪" :‬إن لم يكن يُتم َّكن نُصح السلطان‪ :‬فالصبر‪ ،‬والدعاء‪ ،‬فإنَّهم‬
‫ب األمراء»‪.‬اهـ‬ ‫س ِ‬‫كانوا ينهون عن َ‬
‫‪ 2‬ــ وقال اإلمام ابن قيم الجوزية ــ رحمه هللا ــ في كتابه "ال ُّ‬
‫طرق‬
‫ال ُحكمية" (ص‪:)18 :‬‬

‫فتحمله ُرتبته‬
‫ِ‬ ‫«ومن دقيق الفطنة‪ :‬أنَّك ال ت َ ُّرد على ال ُمطاع خطأَه بين ال َمأل‪،‬‬
‫تلطف في إعالمه بِه‪ ،‬حيث ال‬ ‫على نُصرة الخطأ‪ ،‬وذلك خطأ ثان‪ ،‬ولكن َّ‬
‫يَشعر بِه غيره»‪.‬اهـ‬

‫وأعظم ُمطاع في البلد هو الحاكم‪ ،‬وأكبر َمن له سلطة على الناس في البلد‬
‫ضا‪.‬‬
‫هو الحاكم أي ً‬

‫وكتبه‪:‬‬

‫عبد القادر بن دمحم بن عبد الرحمن الجنيد‪.‬‬

‫‪35‬‬

You might also like