Professional Documents
Culture Documents
ـوار ُمر ّكـزة ً على ما ا ْعت َ َم ْدتِيـ ِه ِم ْن ُحـ َججٍ ار ب ْينَ ُك َما ِم ْن ِح ٍ ِـر ُم َعانا ِة أ ُ ُّم ِ
ـك ثَم ا ُ ْنـقُـ ِلـي َما َد َ ظـاه َ صـ ِفـي َمـ َ ٍ
← المقــدّمـة:
لطالما كانت أ ّمي العزيزة تشكو من الغُبْن والظلم واإلرهاق الشديد الذي يُالزمها بحكم جمعها بين استحقاقات شغلها
فوت فرصة لتُعبّر عن ي وبين تح ّملها شؤون البيت دون سائر أفراد األسرة .وكانت ال ت ُ ّ كمهندسة في القطاع العموم ّ
ي .لقد عاين ي وتوقها الشديد السترجاع مطامحها وأحالمها في االرتقاء المهن ّ سرها على ضياع سنوات النّبوغ الدراس ّ تح ّ
ّ
أبي هذا الضغط ال ُمسلط عليها وألنّني كنتُ األثيرة عنده فقد كان يبُثني بعض أسراره وأفكاره وظنونه وفي هذه ّ
المرة ّ
ت بنا إلى الوقوف قُبالة البحر وهناك وبعد أن خلدت أ ّمي للنوم مب ّكرا ،طلب منّي مرافقته في جولة مسائيّة عبر السيّارة آلَ ْ
حيث النسيم عليل فاتحني في فكرة اِعتقد أنّها ست ُخلّص أ ّمي من الضغوطات التي ت َْرزَ ُح تحت َك ْل َك ِل َها :ت َْرك أ ّمي لعملها
وتفرغها نهائيّا ألعباء البيت .كان ذلك ما اقترحه موضوعا للنّقاش بيننا متو ّهما إيّاه حالّ خصوصا بعد أن طالبها الطبيب ّ
المتخرج منّ ي وهو ي بعطلة استراحة واستجمام .في الحقيقة هالني هذا التفكير الذي ال يتناسب مع مستواه الثقاف ّ النفس ّ
نصف
ُ ودعوتُهُ إلى التفكير معي في حلول جذريّة وعمليّة ت ُ ْ أرقى جامعات الحقوق التونسيّة .فعارضتُ رأيه بك ّل أدب بل
سائدة. أ ّمي والمرأة التونسيّة عموما ولن يكون ذلك إالّ بتغيير العقليّات ال ّ
األول :وصف مظاهر معاناة األ ّم:
← الجوهر * :العنصر ّ
← حقّا مسكينة أ ّمي اآلن فقط بدأتُ أسترج ُع شريط معاناتها اليوميّة وأشعر بعمق آالمها الواخزة وآمالها المتهاوية ،كانت
ف أبدا .منذط قدراتها ومواهبها بينما نحن منشغلون بحياتنا الخاصة وطلباتنا التي ال ت ُك ُّ ساق ُ ّ
تتلظى أمام ناظرينا وت ّ يوميّا
سهم نحو المطبخ دون أن تغيّر مالبسها لتُع ّد لنا وجباتنا الدّافئة فنراها
تعود إلى المنزل بعد ساعات الدّوام تنطلق كال ّ
ّ
سالة وترتيب الغرف غسال وكنسا ومسحا وكيّا وطيّا للثياب وفوق ذلك كله ال تسم ُع منّا امتنانا وال ّ
ممزقة بين الموقد والغ ّ
شكورا إالّ لماما بل في الكثير من األحيان تتعالى أصواتنا لوما وعتابا .تلك كانت أيّامها ولياليها على نفس الوتيرة حتّى
تتهالك إلى مخدعها ونحن نسمع زفراتها وأنّاتها وآهاتها ،صحيح أنّنا نتعاطف معها ونشفق عليها ولكنّنا لم نف ّكر يوما في
صة
ي وفي ح ّ وضع ح ّد لمعاناتها .وها قد ح ّل هذا اليوم عندما أخبرني والدي أنّه رافق زوجته العزيزة إلى طبيب نفس ّ
التشخيص والعالج أ ّكد الطبيب على ضرورة توفير عطلة استراحة واستجمام لها إضافة إلى عقاقير وأقراص تتناولها
مدّة شهر لتهدئة أعصابها.
مر معي إلى ذلك المقترح قائال في صوت ال يخلو أن أبي لم يكتف باإلخبار وإنّما ّ )1خطاب األطروحة المدحوضة :على ّ
ـك من إنهاك وضغط ب بـحيرة وأمل ← :األطروحة " :آآآه يا بُنيّتي العزيزة! لَـ َك ْم آلَمني ما ح ّل بأ ُ َم ْي َمتِ ِ من ه ّم وكدر َم ُ
شو ٍ
هزة خطيرة ألَه ِ ّم ركيزة إن ما أصاب زوجتي العزيزة يُعت َ َب ُر ّ ت أسرتناّ ، وإنّي لَـ ِفي شديد حيرة من أمري وأمرها و َمـآال ِ
والتفرغ ألسرتها.
ّ عدْتُ أرى حالّ في غير تركها لشغلها نهائيّا في بيتنا وما ُ
سيرورة الحجاج ذلك أنّه (إ ْذ... )..
ي :عطلة استراحة واستجمام من شغلها ،لكن ذلك ح ّل وقت ّ
ي أ ّما االنقطاع عن الوظيفة * ذلك ما ذهب إليه طبيبها النفس ّ
ي والح ّل الجذر ّ
ي لمعاناتها. نهائيّا فهو العالج الطبيع ّ
ي..
ي والنفس ّ
* يعود ذلك عليها بفوائد ص ّحيّة على المستوى الجسد ّ
* فوائد لكافة أفراد األسرة :تحقيق توازن العائلة ،توفير ك ّل طلباتنا ،السعادة واالستقرار..
ي واالكتفاء براتب األب مع االقتصاد في النفقات← تقديم تضحيات ضروريّة ألجل
* ي ُْمكن االستغناء عن دخلها الماد ّ
األ ّم
بالتحرر من
ّ االستنتاج :بعد تفكير عميق في معاناة أ ّمك وتجربة أسرتنا بات اليقين عندي أن ال خالص من عذاباتها إالّ
والتفرغ لشؤون األسرة .فهل تُشاطرينني ّ
الرأي بُنيّتي؟ ّ قيود العمل خارج البيت
ي بين الخطابين :ظ َل ْلتُ ُمطرقة برهة من الزمن لم أستوعب مداها وحاولتُ قدْر المستطاع أن أشيح سردي وصف ّ
ّ مقطع
أتصور ّ
أن عقليّات التمييز ّ بوجهي عن والدي حتّى ال يستقرئ سيماء التع ّجب والذّهول بل الخيبة وال ّ
صدمة فما ُكنتُ أبدا
حت عيناي على حقائق الحياة والواقع نصيرا للمرأة ض ّد المرأة يُمكن أن تخترق قناعات أبي وثوابته فقد ع ِه ْدتُه منذ تفت ّ ْ
أن سلوكاته لم ت َْرقَ إلى مستوى تنظيراته ولكنّني اليوم وقفتُ على زيغ التفكير ومدافعا شرسا عن حقوقها .صحيح ّ
المتحرر والمتفتّح .ال مناص إذن من خوض مواجهة فكريّة مع أبي تُعيد األمور ّ وتسرب الموروث والعقليّات البالية لعقله
ّ
ّ
ملمتُ أفكاري وصفيْتُ ذهني واستجمعتُ حججي وتو ّجهتُ َ
إلى نصابها وتكفُ ُل أل ّمي حقوقها وألسرتنا توازنها وسعادتها .ل ْ
إلى أبي قائلة في صوت ملؤه الحبّ واللّطف والجرأة على قول الحقيقة عارية:
ي أبي العزيز ،أعرف جيّدا مدى حبّك أل ّمي وإشفاقَكَ عليها وحرصك )1خطاب األطروحة المدعومة :األطروحة " :أ ْ
الشديد على تماسك أسرتنا واسمح لي رغم ذلك أن أعارضك الرأي فما تفضّلت به من مقترح ال يُمكن أن يكون حالّ بل
سس الطين بلّة ويُفاقم أزمة أ ّمي ومثيالتها من التونسيّات والمطلوب منّا هو االجتهاد في حلول جذريّة وعملية تُؤ ّ
سيزيد ّ
ي.
لعقليّة المساواة بين المرأة والرجل في المجتمع التونس ّ
األول (معارضة فكرة ت َ ْر ِك األ ّم لشغلها)
سيرورة الحجاج :العنصر ّ
الراحةَ والفرحة والسعادة بل على العكس تماما ألنّه سيحر ُمها من حقّها أن ت َ ْركَ أ ّمي لشغلها سيوفّر لها ّ فليس صحيحا ّ
الطبيعي في العمل ويجعلها تدور في حلقة مفرغة من الخواء و التوتّر واالضطراب والشعور بانعدام الجدوى والفائدة بل
أن العمل ليست غايته فقط تحصيل المال بل هو والتفوق ذلك ّ
ّ إن ذلك سيقت ُ ُل فيها طموحها وأحالمها وت َ ْوقَ َها إلى التميّز ّ
إثبات لوجود اإلنسان ونحتٌ للكيان وتنمية للقدرات والمواهب ِز ْد على ذلك هو سالح اإلنسان الجبّار و معجزته الكبرى
في الخلق و االبتكار وتحقيق األحالم والمطامح وإنّي لَـعَلَى يقين أنّك ُمدْركٌ – وأنت االنسان العمول – لحقيقة العمل
وجدواه و ُم ْست َ ْش ِع ٌر لذّته ومتعته فكيف ت ْس ُهو أبتاه عن هذه الحقيقة؟! وكيف تتخلّى عن قناعتك بخصوص حقوق المرأة
إن لَـ ِفي األمر تنـاقضا بَـ ِيّـنًا مردّه حسب رأيي عامالن إثنان ّأولهما إشفاقُك على أ ّمي ورغبت ُـك ي؟! ّالرجل الحقوق ّ وأنت ّ
وتسربَه إلى تفكيرك
ّ الشديدة ُ في إنقاذها بأسرع السبل أ ّما ثانيهما فيعود إلى سيطرة الموروث الثقافي البالي على العقول
صر و ُم ْنصفٍ للمرأة التونسيّة التي حقّقت مكتسبات باهرة وذلك ال يتالءم مع قناعاتك ودلي ُل ذلك أنّك لم تُف ّكر في ح ٍّل ُمعا ٍ
عدنا إلى مفهوم األسرة الحديثة القائمة على التشارك لوجدنا الح ّل كامنا في تقاسم ك ّل أفراد أسرتنا الحر .فلو ُ
ّ وتفكيرك
ْ
يخف َوطـؤُ هُ " ..
ّ شؤون المنزل مع احتفاظ أ ّمي بعملها خارج البيت ّ
ألن " ِح ْم َل الجماعة
ي +التمهيدمداخلة قصيرة لصاحب األطروحة المدحوضة (مسبوقة بمعلن قول ووظيفتها :تحقيق االقتناع التدريج ّ
قت في عين ْي أبَـتِي ابتسامةٌ عارمةٌ وامت ّد ساعداه نحو عنقي ليحتضنني والفرحة ال تسعُه وهو
للعنصر الثاني) فجأة بَ َر ْ
إن ما عرضته هو عين الصواب و ِنعم يقول " :حقّا إنّك ابنة أبيك ..وها قد آن األوان لتُعدّلي بوصلتي وتُنيري بصيرتيّ ..
بصائرنا عن إدراك حقيقة معاناة امرأتنا
ُ شـ ْ
ت الح ّل .ولقد بات واضحا عندي استفحال الموروث القديم في عقولنا حتّى َ
عـ َ
الحرية والمساواة .فال سبي َل للتخلّص من مظاهر التمييز
ّ المعاصرة وطبيع ِة العراقيل التي ماتزال تكبح جماح تجربتها في
سخ المساواة الفعليّة بين المرأة والرجل ال في مستوى التشريعات والتنظيرات ض ّد المرأة إالّ بالتأسيس لعقليّة جديدة تر ّ
ي".
فقط بل وخاصة في مستوى الممارسة والسلوك االجتماع ّ
ي يكشف أثر مداخلة األب على الساردة)
العنصر الثاني( :مسبوق بمعلن قول يتشكّل من وصف وحوار باطن ّ
حْوتُه وحماستُه وأثْلَ َج ْ
ت صدري كلماتُه التي َوافَقَ ْ
ت ُمقاربتي لقضيّة المرأة التونسيّة أثناء تناولها بالبحث ص َ لَـ َك ْم أسْعدتني َ
أن تلك القضيّة ال يُمكن معالجتُها إالّ عبر التأسيس لثقافة
العميق في برنامج السنة التاسعة أساسي .لق ْد بات واضحا عندي ّ
جديدة تنهض على أنقاض السائد والمطروق الجاهز فاتّخذتُ لي مكانا لصيقا من أبي وانبريْتُ أقول في حماس واتّقادٍ:
يجب ْ
أن يكون مشروعا مجتمعيّا ووطنيّا ُمتكامال تشتركُ فيه ُ تغيـير العقليّات
َ ي أَبِـي ّ
إن " أَ ْ
سساتُه ووزاراته وهيئاته الحكوميّة وغير الحكوميّة ولع ّل حجر األساس في هذا المشروع يجب
ك ّل طاقات المجتمع ومؤ ّ
أن يُـر ّكز على أه ّم مجالين في صنع العقول وتخليق األجيال وهما بالتأكيد مجال التعليم ومجال اإلعالم دون أن نغفل
بالطبع عن دور األسرة.
* التعليم :أ ّما في مجال التعليم فـالب ّد من التفكير في كيفيّات توظيف التعليم لترسيخ المساواة بين المرأة والرجل لدى الناشئة في
مستوى السلوك ّأوال وأساسا مدخال للوعي والعقل واألفكار .وهنا وجب علينا الحرص على أن تشمل هذه المقترحات مختلف
مراحل التعليم ابتدا ًء من رياض األطفال.
-رياض األطفالُ :مه ّم جدّا تل ّقف الناشئة منذ بواكر مرحلة الطفولة وترسيخ سلوك المساواة بين الجنسين عندهم في شكل ألعاب
وتمارين ومسابقات وواجبات .ومن الواجبات التي يجب ترسيخها هي المساهمة في المحافظة على نظام الفضاء ونظافته وغسل
أواني اللّمجة ويمكن التفكير مثال في مسابقة دوريّة في غسل أواني اللمجة حيث يت ّم اختيار مجموعة من األطفال أسبوعيّا عبر
القرعة لغسل أواني بقيّة زمالئهم وتكون القرعة والمسابقة محاطة بأجواء تنشيطيّة باعثة على الحماس والتحفيز والتشويق
ص في النهاية إلى تتويج الفائز أو الفائزة بجائزة تتمثّل في أدوات تنظيف كمكنسة صغيرة واسفنجة وغسول لألواني ..خاصة وتخلُ ُ
باألطفال بأحجام مناسبة وألوان زاهية وأشكال وصور مغرية للطفل لتكون عنده أقرب إلى لعبته المفضّلة وأحبّ إليه منها ولنا أن
نتخيّل بعد ذلك عودته إلى أسرته متباهيا بفوزه وبلُعَـبِه الجديدة التي لن يقبل إالّ باستعمالها في فضاء المنزل بل إنّه سيُنافس الجميع
مضطرين مرافقة أبنائهم في هذه األلعاب في أجواء ملؤها المرحّ في غسل األواني وكنس أرجاء البيت ..وسيكون على األولياء
المرة بمعيّة أ ّمه وأبيه مع أفرقة أخرى
والدعابة واإلحاطة .وبعد ثالثيّة مثال يت ّم استدعاء أولياء أفضل الفائزين ليتنافس الطفل هذه ّ
ي ومتكامل .أ ّما في مستوى التمارين فلنا أن نف ّكر في تلوين مشاهد وصور ألفراد أسرة يقومون ي ثر ّ
في إطار برنامج تنشيط ّ
بشؤون البيت دون تمييز بين الجنسين.
-في المدرسة والمعهد :على برامج التعليم في مختلف فروع المواد إيالء األسرة ،نواةِ المجتمعِ ،أه ّمية قُصوى .ولكن أي أسرة
نريد؟ بالتأكيد األسرة المعاصرة القائمة على مفهوم التشارك ،تلك التي ترسّخ سلوك المساواة بين الجنسين وتُؤسّس للمواطنة
الحق والواجب .ولنا أن نقترح في سياق هذا التفكير تضمين نصوص ومشاهد ومواضيع تتعلّق بأفراد ّ القائمة على التالزم بين
نتصور عمليّات طرح ّ األسرة وشؤون البيت في مواد القراءة واإلنتاج الكتابي بمختلف لغاتها .أ ّما في الحساب والرياضيّات فلنا أن
أو زيادة تتعلّق بعدد األواني وأنواعها التي يغسلها األب أو األخ أو عدد قطع المالبس بحسب أنواعها التي قام بغسلها أو نشرها أو
طيّها ...كما يجب االنتباه إلى أه ّمية تنصيب ورشات تهت ّم بالمهارات اليدويّة والتكنولوجيّة للتالميذ دون تمييز بين الجنسين
ي إضافة إلى (البستنة ،الكهرباء ،االلكترونيّات ،اآلليّة ،المونتاج ،معالجة الصورة )..أي دمج التكوين المهني مع التكوين األساس ّ
ي ونظافته وتجميله مع إيالء االهتمام بنوادي النشاط الثقافي..تكليف التالميذ بالعناية بالفضاء المدرس ّ
مستقلة بذاتها تُعنى بقراءة لغة الصورة وصناعة المحتوى .فمن غير المعقول ترك أجيالنا ّ ي جدّا إحداث مادة تعليميّة
ومن الضرور ّ
فريسة لوسائل اإلعالم تقصف وعيهم وتعبث بعقولهم وتجتث ّ ُهم من حضن ثقافتهم ووطنهم وتفت ّكهم من أسرهم ومدارسهم ومن
ألن هؤالء األبناء هجروا مدارسهم إلىالسخف رفع شعارات من قبيل " المدرسة تستعيد أبنائها " دون معالجة قضيّة اإلعالم ّ
ي وذلك لن يكون بغير الصورة واإلعالم .إنّها الخصم الشاشات وعوالمها االفتراضيّة وال بديل عن انتزاعهم من عناكيب االفتراض ّ
والحكم والس ّم والعسل.
ي وتدافع عنه وفي مرحلة ثانية ويجب أن تكون الغاية من هذه المادة هي خلق مظلّة إعالميّة لك ّل تلميذ تحميه من الغزو اإلعالم ّ
وتروجه بين المواطنين ومن هنا نحمي الناشئة ّ ي
بث تصنع المحتوى الوطن ّ ّ
محطة ّ تتحول تلك المظلّة اإلعالميّة إلى
ّ من التكوين
من ك ّل أشكال التمييز واالضطهاد التي تمارسها وسائل اإلعالم ض ّد المرأة .هذه المادة يحسن االبتداء في تدريسها منذ التعليم
شعب التعليميّة وفي الباكالوريا تكون األساسي في المرحلة الثانية ولكنّها يجب أن تكون إجباريّة في مرحلة الثانو ّ
ي لك ّل المسالك وال ُّ
تخرج يتعلّق بصحافة المواطنة وصناعة المحتوى يشتغل عليه التلميذ على مدار السنتين الثالثة والرابعة ثانوي في شكل مشروع ّ
َسب له في المناظرة.
وينال فيه عددا يُحْ ت ُ
تنسحب على ك ّل االختصاصات ،هذه الشهادة ُ -في الجامعة :في اختتام التعليم الجامعي يُمكن التفكير في شهادة علميّة إجباريّة
ت ُ ْعنَى بعلم نفس الطفل وعلوم التربية المعاصرة وال يخفى علينا أه ّمية هذه الشهادة في تكوين الطالب وإعداده ليكون ُمربّيًا قادرا
التصور نسعى إلى تحقيق االنسجام
ّ والرجل .وبهذا
على إنشاء األسرة التي نريد ،األسرة التي ترسّخ سلوك المساواة بين المرأة ّ
والتكامل بين األسرة والمدرسة.
ولكن ذلك لن يُعطي أُكله مهما
ّ ي غايته تغيير العقليّات والسلوكيات ال يُمكن أن يتحقّق إالّ بالتعليم * اإلعالمّ :
إن إرساء مشروع ثقاف ّ
البر في هذه المعركة ّ
فإن اإلعالم هو جيش ي للعقول فإذا كان التعليم هو جيش ّبذلنا من جهود إذا كان اإلعالم يقوم بقصف دور ّ
ي هو معركة وطنيّة ال مهرب منها وال يمكن أن تكون بمعزل عن الدولة. الجو ومن هنا ّ
فإن استرداد اإلعالم المحل ّ ّ
وإذا ما تحقّق ذلك فلنا أن نُف ّكر في مقترحات من هذا القبيل:
ي في هذا المشروع.
كضرورة انخراط القناة الوطنيّة األولى والثانية على مستوى قلمها التحرير ّ
تتورط في التمييز ض ّد المرأة وتهدّد المشروع الوطن ّ
ي. ّ وتفعيل هيئة الرقابة "الهايكا " وقوانينها الزجريّة ض ّد ك ّل مادة إعالميّة
ي يُساهم في ترسيخ المساواة بين الجنسين ّ
لخط تحرير ّ أ ّما بالنسبة للقنوات المحلّية الخاصة فيجب المراهنة على استجالبها
واعتماد سياسة العصا والجزرة معها ،أ ّما العصا فهي " الهايكا " وأ ّما الجزرة فهي تقديم التحفيزات الماليّة وأشكال دعم مختلفة
صنّاع
ي .وال يجب أن يخفى عنّا أه ّمية تشجيع اإلعالم البديل وشباب ُ كلّما ساهمت في إنتاج برامج تتوافق مع المشروع الوطن ّ
المحتوى وصحافة المواطنة.
أ ّما في مستوى البرامج الهادفة لتحقيق المشروع فيمكننا أن نف ّكر في هذه المقترحات:
-عدم اقتصار إشهارات المطبخ ومواد التنظيف على المرأة دون الرجل والفتيان والفتيات.
-التركيز على برامج تنشيطيّة مرحة ومضحكة مدارها "سكاتشات" ومنافسات بين المرأة والرجل في شؤون البيت.
-تسليط الضوء على المشاكل الحقيقيّة التي تعاني منها المرأة واألسرة والمجتمع والمساهمة في إيجاد الحلول عبر برامج
متنوعة ومدروسة بعناية.
ّ
-مقاومة الصورة االفتراضيّة للمرأة بوصفها كائنا ضعيفا ،مستهلكا للمنتوجات ،سطحي التفكير ال يشغله غير المظهر ّ
والزينة
بالترويج لنماذج من نساء وطنيّات ناجحات في مجاالت عديدة.
* األسرة :استهدفت الحلول المقترحة في اإلعالم وخاصة في التعليم تغطية معظم المراحل العمريّة في تربية الطفل منذ رياض
النمو األولى في األسرة حتّى الوصول إلى الروضة خارج ّ تخرج الطالب من الجامعة ولكن ظلّت مرحلة األطفال حتّى مرحلة ّ
ي عينيه منذ نعومة دائرة اإلحاطة والتغطية وتلك المرحلة هامة جدّا في تشكيل شخصيّة الطفل داخل األسرة فإذا ما فتّح الصب ّ
فإن ذلك سيُش ّك ُل عائقا أمام ما يتلقّاه من تربية في المؤسّساتأظافره على التمييز ض ّد المرأة في أسرته وتس ّربت تلك الثقافة إليه ّ
ط على ال ُمقبلين على فك هذا التصادم بين ثقافتين وسلوكين مختلفين يمكن التفكير في مشروع قانون يشتر ُ التربويّة .ومن أجل ّ
ي يتعلّق بقواعد التربية الوالديّة الحديثة ومفهوم األسرة القائمة على المشاركة ي إجبار ّ
الزواج نسا ًء ورجاال إجراء تربّص تكوين ّ
وليست الغاية من هذا القانون مراقبة الزوجين داخل بيتهما وتسليط العقوبات على المخالفين بل دوره يقف عند ح ّد اإللزام بإجراء
منظمات الوطنيّة النسائيّة وتحت إشراف من ي وال ّ صة في المجتمع المدن ّ ي الذي يُمكن أن تتكفّل به جمعيّات مخت ّالتربّص التكوين ّ
الدولة .والغاية من هذا القانون توفير أكبر قدر ممكن من االنسجام بين دور األسرة وأدوار المؤسسات التربويّة خصوصا ّ
وأن
عددا كبيرا من الشباب ينقطع مب ّكرا عن الدّراسة وال يُنهي تعليمه العالي.
يجب أن نتركها
ُ االسـتنـتــاج :صفوة ُ القول إذن أنّه إذا كنّا فعال مؤمنين بقضيّة المرأة وصادقين في الدّفاع عنها فإنّـه ال
بمجرد تنصيب وزارة ّ الحرية والمساواة وأن ال ننتظر من العقليّات أن تتغيّر لوحدها
ّ وحيدة في دربها الشائك نحو
س ِّ
ـن قوانين تظ ّل حبرا بمجرد خطابات موسميّة رنّانة أو َ ّ الرفوف أو وإدارات تُعنى بشؤون المرأة عبر ملفّات ت ُ ُ
ركن في ّ
ي قُـ ُد ًمـا في تغيير العقليّات عبر إرساء على ورق أو حمالت إعالميّة وانتخابيّة منافقة تُتاجر بمعاناتها بل علينا ال ُم ِ
ـضـ ُّ
ي شامل ليست غايته النهوض بالمرأة فقط بل أساسا النّهوض بالمجتمع بأسره وتحقيق الرق ّ
ي والرفاه لجميع مشروع وطن ّ
مواطنيه ولن يتأتّى ذلك إالّ باإلمساك بزمام األمور في قطاعات حيويّة مثل التعليم واإلعالم مدخال نحو االستقالل و
السيادة لباقي القطاعات في وطننا الحبيب" .
الـخــــاتـــمـــة :منذ ذلك اليوم صار أبي وأ ّمي مبعثا فخر لي ولكثير من الدعاة الجدد لتحرير المرأة والوطن .ولستُ
أنسى أبدا هذا الحوار الذي دار بيني وبينه فقد كان البارقة األولى والمنارة الكبرى التي أضاءت درب أسرتنا فنالت أ ّمي
ما تتمنّى وصرنا جميعا خليّة واحدة ملؤها التعاون والمحبّة والتآزر ونجحنا في تكوين نواة صلبة تد ُُّك جدران الصمت
سسات ستائر الجمعيّات والمؤ ّ
َ وأبواب القضاء الشائكةَ وت َ ْهـتِـكُ
َ وتخترق األبواب الخرساء وت ُـفَـ ِت ّـ ُح نواف َذ اإلعالم ال ُمغَلّـقَةَ
ي ووسائـل التواصل االجتماعي شـ ُر بالتغ ِيـير في الملتـقيـات والمنتـديات وجم ِعـيّـات المجتمع المـدن ّ المرتعشةَ وت ُـ َبـ ّ
ق لوطن يستفيق من إغماءته ويستر ُّد حلمه بغد تشـو ٍ
ُّ وصحافة المواطنة وقنوات صنّاع المحتوى ..ك ّل ذلك في تـش ّ
َــوفٍ و
أفضل ومستقبل أَ ْسـنَـى.