You are on page 1of 5

‫‪9‬‬ ‫‪2021 2020‬‬

‫ـط ح ّد‬ ‫ق والضـ ْغ ِ‬ ‫ارت ت َـ ْشـ ُكو ِم ْن ِ‬


‫اإل ْرهَـا ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫عـم ِلهـَا‪َ ،‬‬ ‫ط ُمـو َحةً و ُمت َـفَ ّـوقَـةً في َ‬
‫ـرأة ً َ‬‫ـك ْام َ‬ ‫َت أ ُ ُّم ِ‬
‫الموضوع‪ :‬بَ ْعـ َد أ َ ْن َكـان ْ‬
‫ثيرة َ ِع ْن َده فكرة َ ْ‬
‫أن‬ ‫أبوك بوصفك األ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫االنهيارنتـيجةَ ت َـ َحـ ُّم ِلـ َها َو ِحيـ َدة ً أَعْـ َبا َء البـيْـتِ‪ .‬وبسبب اإلشفاق عليها عرض عليك‬
‫ف‬
‫ـص ُ‬ ‫ت عليْـ ِه ُحـلُوالً ِجـ ْذ ِريـةً ت ُ ْن ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ت َرأْيَـهُ ب ُكـ ّل لُ ْ‬
‫ـطفٍ ثُـ ّم اسْـت َـ ْع َر ْ‬ ‫ارضْـ ِ‬ ‫ع َ‬‫ـك َ‬‫غ ِألُس َْرتِها‪ .‬ل ِكـن ِ‬ ‫ش ْغلَها وتَتَفَ ّ‬
‫ـر َ‬ ‫تَتْ ُركَ أ ُ ّم ِك ُ‬
‫ـس لـ َع ْقـ ِليـ ِة ال َمساواةِ بيْنَ المرأةِ ّ‬
‫والر ُج ِل التُـونِ ِسـيَـي ِْن‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫المرأة َ وت ُ َؤ ّ‬
‫ْ‬

‫ـوار ُمر ّكـزة ً على ما ا ْعت َ َم ْدتِيـ ِه ِم ْن ُحـ َججٍ‬ ‫ار ب ْينَ ُك َما ِم ْن ِح ٍ‬ ‫ِـر ُم َعانا ِة أ ُ ُّم ِ‬
‫ـك ثَم ا ُ ْنـقُـ ِلـي َما َد َ‬ ‫ظـاه َ‬ ‫صـ ِفـي َمـ َ‬ ‫ٍ‬

‫← المقــدّمـة‪:‬‬
‫لطالما كانت أ ّمي العزيزة تشكو من الغُبْن والظلم واإلرهاق الشديد الذي يُالزمها بحكم جمعها بين استحقاقات شغلها‬
‫فوت فرصة لتُعبّر عن‬ ‫ي وبين تح ّملها شؤون البيت دون سائر أفراد األسرة‪ .‬وكانت ال ت ُ ّ‬ ‫كمهندسة في القطاع العموم ّ‬
‫ي‪ .‬لقد عاين‬ ‫ي وتوقها الشديد السترجاع مطامحها وأحالمها في االرتقاء المهن ّ‬ ‫سرها على ضياع سنوات النّبوغ الدراس ّ‬ ‫تح ّ‬
‫ّ‬
‫أبي هذا الضغط ال ُمسلط عليها وألنّني كنتُ األثيرة عنده فقد كان يبُثني بعض أسراره وأفكاره وظنونه وفي هذه ّ‬
‫المرة‬ ‫ّ‬
‫ت بنا إلى الوقوف قُبالة البحر وهناك‬ ‫وبعد أن خلدت أ ّمي للنوم مب ّكرا‪ ،‬طلب منّي مرافقته في جولة مسائيّة عبر السيّارة آلَ ْ‬
‫حيث النسيم عليل فاتحني في فكرة اِعتقد أنّها ست ُخلّص أ ّمي من الضغوطات التي ت َْرزَ ُح تحت َك ْل َك ِل َها‪ :‬ت َْرك أ ّمي لعملها‬
‫وتفرغها نهائيّا ألعباء البيت‪ .‬كان ذلك ما اقترحه موضوعا للنّقاش بيننا متو ّهما إيّاه حالّ خصوصا بعد أن طالبها الطبيب‬ ‫ّ‬
‫المتخرج من‬‫ّ‬ ‫ي وهو‬ ‫ي بعطلة استراحة واستجمام‪ .‬في الحقيقة هالني هذا التفكير الذي ال يتناسب مع مستواه الثقاف ّ‬ ‫النفس ّ‬
‫نصف‬
‫ُ‬ ‫ودعوتُهُ إلى التفكير معي في حلول جذريّة وعمليّة ت ُ‬ ‫ْ‬ ‫أرقى جامعات الحقوق التونسيّة‪ .‬فعارضتُ رأيه بك ّل أدب بل‬
‫سائدة‪.‬‬ ‫أ ّمي والمرأة التونسيّة عموما ولن يكون ذلك إالّ بتغيير العقليّات ال ّ‬
‫األول‪ :‬وصف مظاهر معاناة األ ّم‪:‬‬
‫← الجوهر‪ * :‬العنصر ّ‬
‫← حقّا مسكينة أ ّمي اآلن فقط بدأتُ أسترج ُع شريط معاناتها اليوميّة وأشعر بعمق آالمها الواخزة وآمالها المتهاوية‪ ،‬كانت‬
‫ف أبدا‪ .‬منذ‬‫ط قدراتها ومواهبها بينما نحن منشغلون بحياتنا الخاصة وطلباتنا التي ال ت ُك ُّ‬ ‫ساق ُ‬ ‫ّ‬
‫تتلظى أمام ناظرينا وت ّ‬ ‫يوميّا‬
‫سهم نحو المطبخ دون أن تغيّر مالبسها لتُع ّد لنا وجباتنا الدّافئة فنراها‬
‫تعود إلى المنزل بعد ساعات الدّوام تنطلق كال ّ‬
‫ّ‬
‫سالة وترتيب الغرف غسال وكنسا ومسحا وكيّا وطيّا للثياب وفوق ذلك كله ال تسم ُع منّا امتنانا وال‬ ‫ّ‬
‫ممزقة بين الموقد والغ ّ‬
‫شكورا إالّ لماما بل في الكثير من األحيان تتعالى أصواتنا لوما وعتابا‪ .‬تلك كانت أيّامها ولياليها على نفس الوتيرة حتّى‬
‫تتهالك إلى مخدعها ونحن نسمع زفراتها وأنّاتها وآهاتها‪ ،‬صحيح أنّنا نتعاطف معها ونشفق عليها ولكنّنا لم نف ّكر يوما في‬
‫صة‬
‫ي وفي ح ّ‬ ‫وضع ح ّد لمعاناتها‪ .‬وها قد ح ّل هذا اليوم عندما أخبرني والدي أنّه رافق زوجته العزيزة إلى طبيب نفس ّ‬
‫التشخيص والعالج أ ّكد الطبيب على ضرورة توفير عطلة استراحة واستجمام لها إضافة إلى عقاقير وأقراص تتناولها‬
‫مدّة شهر لتهدئة أعصابها‪.‬‬
‫مر معي إلى ذلك المقترح قائال في صوت ال يخلو‬ ‫أن أبي لم يكتف باإلخبار وإنّما ّ‬ ‫‪ )1‬خطاب األطروحة المدحوضة‪ :‬على ّ‬
‫ـك من إنهاك وضغط‬ ‫ب بـحيرة وأمل‪ ← :‬األطروحة‪ " :‬آآآه يا بُنيّتي العزيزة! لَـ َك ْم آلَمني ما ح ّل بأ ُ َم ْي َمتِ ِ‬ ‫من ه ّم وكدر َم ُ‬
‫شو ٍ‬
‫هزة خطيرة ألَه ِ ّم ركيزة‬ ‫إن ما أصاب زوجتي العزيزة يُعت َ َب ُر ّ‬ ‫ت أسرتنا‪ّ ،‬‬ ‫وإنّي لَـ ِفي شديد حيرة من أمري وأمرها و َمـآال ِ‬
‫والتفرغ ألسرتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عدْتُ أرى حالّ في غير تركها لشغلها نهائيّا‬ ‫في بيتنا وما ُ‬
‫سيرورة الحجاج ذلك أنّه (إ ْذ‪... )..‬‬
‫ي‪ :‬عطلة استراحة واستجمام من شغلها‪ ،‬لكن ذلك ح ّل وقت ّ‬
‫ي أ ّما االنقطاع عن الوظيفة‬ ‫* ذلك ما ذهب إليه طبيبها النفس ّ‬
‫ي والح ّل الجذر ّ‬
‫ي لمعاناتها‪.‬‬ ‫نهائيّا فهو العالج الطبيع ّ‬
‫ي‪..‬‬
‫ي والنفس ّ‬
‫* يعود ذلك عليها بفوائد ص ّحيّة على المستوى الجسد ّ‬
‫* فوائد لكافة أفراد األسرة‪ :‬تحقيق توازن العائلة‪ ،‬توفير ك ّل طلباتنا‪ ،‬السعادة واالستقرار‪..‬‬
‫ي واالكتفاء براتب األب مع االقتصاد في النفقات← تقديم تضحيات ضروريّة ألجل‬
‫* ي ُْمكن االستغناء عن دخلها الماد ّ‬
‫األ ّم‬
‫بالتحرر من‬
‫ّ‬ ‫االستنتاج‪ :‬بعد تفكير عميق في معاناة أ ّمك وتجربة أسرتنا بات اليقين عندي أن ال خالص من عذاباتها إالّ‬
‫والتفرغ لشؤون األسرة‪ .‬فهل تُشاطرينني ّ‬
‫الرأي بُنيّتي؟‬ ‫ّ‬ ‫قيود العمل خارج البيت‬
‫ي بين الخطابين‪ :‬ظ َل ْلتُ ُمطرقة برهة من الزمن لم أستوعب مداها وحاولتُ قدْر المستطاع أن أشيح‬ ‫سردي وصف ّ‬
‫ّ‬ ‫مقطع‬
‫أتصور ّ‬
‫أن عقليّات التمييز‬ ‫ّ‬ ‫بوجهي عن والدي حتّى ال يستقرئ سيماء التع ّجب والذّهول بل الخيبة وال ّ‬
‫صدمة فما ُكنتُ أبدا‬
‫حت عيناي على حقائق الحياة والواقع نصيرا للمرأة‬ ‫ض ّد المرأة يُمكن أن تخترق قناعات أبي وثوابته فقد ع ِه ْدتُه منذ تفت ّ ْ‬
‫أن سلوكاته لم ت َْرقَ إلى مستوى تنظيراته ولكنّني اليوم وقفتُ على زيغ التفكير‬ ‫ومدافعا شرسا عن حقوقها‪ .‬صحيح ّ‬
‫المتحرر والمتفتّح‪ .‬ال مناص إذن من خوض مواجهة فكريّة مع أبي تُعيد األمور‬ ‫ّ‬ ‫وتسرب الموروث والعقليّات البالية لعقله‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ملمتُ أفكاري وصفيْتُ ذهني واستجمعتُ حججي وتو ّجهتُ‬ ‫َ‬
‫إلى نصابها وتكفُ ُل أل ّمي حقوقها وألسرتنا توازنها وسعادتها‪ .‬ل ْ‬
‫إلى أبي قائلة في صوت ملؤه الحبّ واللّطف والجرأة على قول الحقيقة عارية‪:‬‬
‫ي أبي العزيز‪ ،‬أعرف جيّدا مدى حبّك أل ّمي وإشفاقَكَ عليها وحرصك‬ ‫‪ )1‬خطاب األطروحة المدعومة‪ :‬األطروحة‪ " :‬أ ْ‬
‫الشديد على تماسك أسرتنا واسمح لي رغم ذلك أن أعارضك الرأي فما تفضّلت به من مقترح ال يُمكن أن يكون حالّ بل‬
‫سس‬ ‫الطين بلّة ويُفاقم أزمة أ ّمي ومثيالتها من التونسيّات والمطلوب منّا هو االجتهاد في حلول جذريّة وعملية تُؤ ّ‬
‫سيزيد ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫لعقليّة المساواة بين المرأة والرجل في المجتمع التونس ّ‬
‫األول (معارضة فكرة ت َ ْر ِك األ ّم لشغلها)‬
‫سيرورة الحجاج‪ :‬العنصر ّ‬
‫الراحةَ والفرحة والسعادة بل على العكس تماما ألنّه سيحر ُمها من حقّها‬ ‫أن ت َ ْركَ أ ّمي لشغلها سيوفّر لها ّ‬ ‫فليس صحيحا ّ‬
‫الطبيعي في العمل ويجعلها تدور في حلقة مفرغة من الخواء و التوتّر واالضطراب والشعور بانعدام الجدوى والفائدة بل‬
‫أن العمل ليست غايته فقط تحصيل المال بل هو‬ ‫والتفوق ذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫إن ذلك سيقت ُ ُل فيها طموحها وأحالمها وت َ ْوقَ َها إلى التميّز‬ ‫ّ‬
‫إثبات لوجود اإلنسان ونحتٌ للكيان وتنمية للقدرات والمواهب ِز ْد على ذلك هو سالح اإلنسان الجبّار و معجزته الكبرى‬
‫في الخلق و االبتكار وتحقيق األحالم والمطامح وإنّي لَـعَلَى يقين أنّك ُمدْركٌ – وأنت االنسان العمول – لحقيقة العمل‬
‫وجدواه و ُم ْست َ ْش ِع ٌر لذّته ومتعته فكيف ت ْس ُهو أبتاه عن هذه الحقيقة؟! وكيف تتخلّى عن قناعتك بخصوص حقوق المرأة‬
‫إن لَـ ِفي األمر تنـاقضا بَـ ِيّـنًا مردّه حسب رأيي عامالن إثنان ّأولهما إشفاقُك على أ ّمي ورغبت ُـك‬ ‫ي؟! ّ‬‫الرجل الحقوق ّ‬ ‫وأنت ّ‬
‫وتسربَه إلى تفكيرك‬
‫ّ‬ ‫الشديدة ُ في إنقاذها بأسرع السبل أ ّما ثانيهما فيعود إلى سيطرة الموروث الثقافي البالي على العقول‬
‫صر و ُم ْنصفٍ للمرأة التونسيّة التي حقّقت مكتسبات باهرة وذلك ال يتالءم مع قناعاتك‬ ‫ودلي ُل ذلك أنّك لم تُف ّكر في ح ٍّل ُمعا ٍ‬
‫عدنا إلى مفهوم األسرة الحديثة القائمة على التشارك لوجدنا الح ّل كامنا في تقاسم ك ّل أفراد أسرتنا‬ ‫الحر‪ .‬فلو ُ‬
‫ّ‬ ‫وتفكيرك‬
‫ْ‬
‫يخف َوطـؤُ هُ " ‪..‬‬
‫ّ‬ ‫شؤون المنزل مع احتفاظ أ ّمي بعملها خارج البيت ّ‬
‫ألن " ِح ْم َل الجماعة‬
‫ي‪ +‬التمهيد‬‫مداخلة قصيرة لصاحب األطروحة المدحوضة (مسبوقة بمعلن قول ووظيفتها‪ :‬تحقيق االقتناع التدريج ّ‬
‫قت في عين ْي أبَـتِي ابتسامةٌ عارمةٌ وامت ّد ساعداه نحو عنقي ليحتضنني والفرحة ال تسعُه وهو‬
‫للعنصر الثاني) فجأة بَ َر ْ‬
‫إن ما عرضته هو عين الصواب و ِنعم‬ ‫يقول‪ " :‬حقّا إنّك ابنة أبيك‪ ..‬وها قد آن األوان لتُعدّلي بوصلتي وتُنيري بصيرتي‪ّ ..‬‬
‫بصائرنا عن إدراك حقيقة معاناة امرأتنا‬
‫ُ‬ ‫شـ ْ‬
‫ت‬ ‫الح ّل‪ .‬ولقد بات واضحا عندي استفحال الموروث القديم في عقولنا حتّى َ‬
‫عـ َ‬
‫الحرية والمساواة‪ .‬فال سبي َل للتخلّص من مظاهر التمييز‬
‫ّ‬ ‫المعاصرة وطبيع ِة العراقيل التي ماتزال تكبح جماح تجربتها في‬
‫سخ المساواة الفعليّة بين المرأة والرجل ال في مستوى التشريعات والتنظيرات‬ ‫ض ّد المرأة إالّ بالتأسيس لعقليّة جديدة تر ّ‬
‫ي‪".‬‬
‫فقط بل وخاصة في مستوى الممارسة والسلوك االجتماع ّ‬
‫ي يكشف أثر مداخلة األب على الساردة)‬
‫العنصر الثاني‪( :‬مسبوق بمعلن قول يتشكّل من وصف وحوار باطن ّ‬
‫حْوتُه وحماستُه وأثْلَ َج ْ‬
‫ت صدري كلماتُه التي َوافَقَ ْ‬
‫ت ُمقاربتي لقضيّة المرأة التونسيّة أثناء تناولها بالبحث‬ ‫ص َ‬ ‫لَـ َك ْم أسْعدتني َ‬
‫أن تلك القضيّة ال يُمكن معالجتُها إالّ عبر التأسيس لثقافة‬
‫العميق في برنامج السنة التاسعة أساسي‪ .‬لق ْد بات واضحا عندي ّ‬
‫جديدة تنهض على أنقاض السائد والمطروق الجاهز فاتّخذتُ لي مكانا لصيقا من أبي وانبريْتُ أقول في حماس واتّقادٍ‪:‬‬
‫يجب ْ‬
‫أن يكون مشروعا مجتمعيّا ووطنيّا ُمتكامال تشتركُ فيه‬ ‫ُ‬ ‫تغيـير العقليّات‬
‫َ‬ ‫ي أَبِـي ّ‬
‫إن‬ ‫" أَ ْ‬
‫سساتُه ووزاراته وهيئاته الحكوميّة وغير الحكوميّة ولع ّل حجر األساس في هذا المشروع يجب‬
‫ك ّل طاقات المجتمع ومؤ ّ‬
‫أن يُـر ّكز على أه ّم مجالين في صنع العقول وتخليق األجيال وهما بالتأكيد مجال التعليم ومجال اإلعالم دون أن نغفل‬
‫بالطبع عن دور األسرة‪.‬‬
‫* التعليم‪ :‬أ ّما في مجال التعليم فـالب ّد من التفكير في كيفيّات توظيف التعليم لترسيخ المساواة بين المرأة والرجل لدى الناشئة في‬
‫مستوى السلوك ّأوال وأساسا مدخال للوعي والعقل واألفكار‪ .‬وهنا وجب علينا الحرص على أن تشمل هذه المقترحات مختلف‬
‫مراحل التعليم ابتدا ًء من رياض األطفال‪.‬‬
‫‪ -‬رياض األطفال‪ُ :‬مه ّم جدّا تل ّقف الناشئة منذ بواكر مرحلة الطفولة وترسيخ سلوك المساواة بين الجنسين عندهم في شكل ألعاب‬
‫وتمارين ومسابقات وواجبات‪ .‬ومن الواجبات التي يجب ترسيخها هي المساهمة في المحافظة على نظام الفضاء ونظافته وغسل‬
‫أواني اللّمجة ويمكن التفكير مثال في مسابقة دوريّة في غسل أواني اللمجة حيث يت ّم اختيار مجموعة من األطفال أسبوعيّا عبر‬
‫القرعة لغسل أواني بقيّة زمالئهم وتكون القرعة والمسابقة محاطة بأجواء تنشيطيّة باعثة على الحماس والتحفيز والتشويق‬
‫ص في النهاية إلى تتويج الفائز أو الفائزة بجائزة تتمثّل في أدوات تنظيف كمكنسة صغيرة واسفنجة وغسول لألواني‪ ..‬خاصة‬ ‫وتخلُ ُ‬
‫باألطفال بأحجام مناسبة وألوان زاهية وأشكال وصور مغرية للطفل لتكون عنده أقرب إلى لعبته المفضّلة وأحبّ إليه منها ولنا أن‬
‫نتخيّل بعد ذلك عودته إلى أسرته متباهيا بفوزه وبلُعَـبِه الجديدة التي لن يقبل إالّ باستعمالها في فضاء المنزل بل إنّه سيُنافس الجميع‬
‫مضطرين مرافقة أبنائهم في هذه األلعاب في أجواء ملؤها المرح‬‫ّ‬ ‫في غسل األواني وكنس أرجاء البيت‪ ..‬وسيكون على األولياء‬
‫المرة بمعيّة أ ّمه وأبيه مع أفرقة أخرى‬
‫والدعابة واإلحاطة‪ .‬وبعد ثالثيّة مثال يت ّم استدعاء أولياء أفضل الفائزين ليتنافس الطفل هذه ّ‬
‫ي ومتكامل‪ .‬أ ّما في مستوى التمارين فلنا أن نف ّكر في تلوين مشاهد وصور ألفراد أسرة يقومون‬ ‫ي ثر ّ‬
‫في إطار برنامج تنشيط ّ‬
‫بشؤون البيت دون تمييز بين الجنسين‪.‬‬
‫‪ -‬في المدرسة والمعهد‪ :‬على برامج التعليم في مختلف فروع المواد إيالء األسرة‪ ،‬نواةِ المجتمعِ‪ ،‬أه ّمية قُصوى‪ .‬ولكن أي أسرة‬
‫نريد؟ بالتأكيد األسرة المعاصرة القائمة على مفهوم التشارك‪ ،‬تلك التي ترسّخ سلوك المساواة بين الجنسين وتُؤسّس للمواطنة‬
‫الحق والواجب‪ .‬ولنا أن نقترح في سياق هذا التفكير تضمين نصوص ومشاهد ومواضيع تتعلّق بأفراد‬ ‫ّ‬ ‫القائمة على التالزم بين‬
‫نتصور عمليّات طرح‬ ‫ّ‬ ‫األسرة وشؤون البيت في مواد القراءة واإلنتاج الكتابي بمختلف لغاتها‪ .‬أ ّما في الحساب والرياضيّات فلنا أن‬
‫أو زيادة تتعلّق بعدد األواني وأنواعها التي يغسلها األب أو األخ أو عدد قطع المالبس بحسب أنواعها التي قام بغسلها أو نشرها أو‬
‫طيّها‪ ...‬كما يجب االنتباه إلى أه ّمية تنصيب ورشات تهت ّم بالمهارات اليدويّة والتكنولوجيّة للتالميذ دون تمييز بين الجنسين‬
‫ي إضافة إلى‬ ‫(البستنة‪ ،‬الكهرباء‪ ،‬االلكترونيّات‪ ،‬اآلليّة‪ ،‬المونتاج‪ ،‬معالجة الصورة‪ )..‬أي دمج التكوين المهني مع التكوين األساس ّ‬
‫ي ونظافته وتجميله مع إيالء االهتمام بنوادي النشاط الثقافي‪..‬‬‫تكليف التالميذ بالعناية بالفضاء المدرس ّ‬
‫مستقلة بذاتها تُعنى بقراءة لغة الصورة وصناعة المحتوى‪ .‬فمن غير المعقول ترك أجيالنا‬ ‫ّ‬ ‫ي جدّا إحداث مادة تعليميّة‬
‫ومن الضرور ّ‬
‫فريسة لوسائل اإلعالم تقصف وعيهم وتعبث بعقولهم وتجتث ّ ُهم من حضن ثقافتهم ووطنهم وتفت ّكهم من أسرهم ومدارسهم ومن‬
‫ألن هؤالء األبناء هجروا مدارسهم إلى‬‫السخف رفع شعارات من قبيل " المدرسة تستعيد أبنائها " دون معالجة قضيّة اإلعالم ّ‬
‫ي وذلك لن يكون بغير الصورة واإلعالم‪ .‬إنّها الخصم‬ ‫الشاشات وعوالمها االفتراضيّة وال بديل عن انتزاعهم من عناكيب االفتراض ّ‬
‫والحكم والس ّم والعسل‪.‬‬
‫ي وتدافع عنه وفي مرحلة ثانية‬ ‫ويجب أن تكون الغاية من هذه المادة هي خلق مظلّة إعالميّة لك ّل تلميذ تحميه من الغزو اإلعالم ّ‬
‫وتروجه بين المواطنين ومن هنا نحمي الناشئة‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫بث تصنع المحتوى الوطن ّ‬ ‫ّ‬
‫محطة ّ‬ ‫تتحول تلك المظلّة اإلعالميّة إلى‬
‫ّ‬ ‫من التكوين‬
‫من ك ّل أشكال التمييز واالضطهاد التي تمارسها وسائل اإلعالم ض ّد المرأة‪ .‬هذه المادة يحسن االبتداء في تدريسها منذ التعليم‬
‫شعب التعليميّة وفي الباكالوريا تكون‬ ‫األساسي في المرحلة الثانية ولكنّها يجب أن تكون إجباريّة في مرحلة الثانو ّ‬
‫ي لك ّل المسالك وال ُّ‬
‫تخرج يتعلّق بصحافة المواطنة وصناعة المحتوى يشتغل عليه التلميذ على مدار السنتين الثالثة والرابعة ثانوي‬ ‫في شكل مشروع ّ‬
‫َسب له في المناظرة‪.‬‬
‫وينال فيه عددا يُحْ ت ُ‬
‫تنسحب على ك ّل االختصاصات‪ ،‬هذه الشهادة‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬في الجامعة‪ :‬في اختتام التعليم الجامعي يُمكن التفكير في شهادة علميّة إجباريّة‬
‫ت ُ ْعنَى بعلم نفس الطفل وعلوم التربية المعاصرة وال يخفى علينا أه ّمية هذه الشهادة في تكوين الطالب وإعداده ليكون ُمربّيًا قادرا‬
‫التصور نسعى إلى تحقيق االنسجام‬
‫ّ‬ ‫والرجل‪ .‬وبهذا‬
‫على إنشاء األسرة التي نريد‪ ،‬األسرة التي ترسّخ سلوك المساواة بين المرأة ّ‬
‫والتكامل بين األسرة والمدرسة‪.‬‬
‫ولكن ذلك لن يُعطي أُكله مهما‬
‫ّ‬ ‫ي غايته تغيير العقليّات والسلوكيات ال يُمكن أن يتحقّق إالّ بالتعليم‬ ‫* اإلعالم‪ّ :‬‬
‫إن إرساء مشروع ثقاف ّ‬
‫البر في هذه المعركة ّ‬
‫فإن اإلعالم هو جيش‬ ‫ي للعقول فإذا كان التعليم هو جيش ّ‬‫بذلنا من جهود إذا كان اإلعالم يقوم بقصف دور ّ‬
‫ي هو معركة وطنيّة ال مهرب منها وال يمكن أن تكون بمعزل عن الدولة‪.‬‬ ‫الجو ومن هنا ّ‬
‫فإن استرداد اإلعالم المحل ّ‬ ‫ّ‬
‫وإذا ما تحقّق ذلك فلنا أن نُف ّكر في مقترحات من هذا القبيل‪:‬‬
‫ي في هذا المشروع‪.‬‬
‫كضرورة انخراط القناة الوطنيّة األولى والثانية على مستوى قلمها التحرير ّ‬
‫تتورط في التمييز ض ّد المرأة وتهدّد المشروع الوطن ّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتفعيل هيئة الرقابة "الهايكا " وقوانينها الزجريّة ض ّد ك ّل مادة إعالميّة‬
‫ي يُساهم في ترسيخ المساواة بين الجنسين‬ ‫ّ‬
‫لخط تحرير ّ‬ ‫أ ّما بالنسبة للقنوات المحلّية الخاصة فيجب المراهنة على استجالبها‬
‫واعتماد سياسة العصا والجزرة معها‪ ،‬أ ّما العصا فهي " الهايكا " وأ ّما الجزرة فهي تقديم التحفيزات الماليّة وأشكال دعم مختلفة‬
‫صنّاع‬
‫ي‪ .‬وال يجب أن يخفى عنّا أه ّمية تشجيع اإلعالم البديل وشباب ُ‬ ‫كلّما ساهمت في إنتاج برامج تتوافق مع المشروع الوطن ّ‬
‫المحتوى وصحافة المواطنة‪.‬‬
‫أ ّما في مستوى البرامج الهادفة لتحقيق المشروع فيمكننا أن نف ّكر في هذه المقترحات‪:‬‬
‫‪ -‬عدم اقتصار إشهارات المطبخ ومواد التنظيف على المرأة دون الرجل والفتيان والفتيات‪.‬‬
‫‪ -‬التركيز على برامج تنشيطيّة مرحة ومضحكة مدارها "سكاتشات" ومنافسات بين المرأة والرجل في شؤون البيت‪.‬‬
‫‪ -‬تسليط الضوء على المشاكل الحقيقيّة التي تعاني منها المرأة واألسرة والمجتمع والمساهمة في إيجاد الحلول عبر برامج‬
‫متنوعة ومدروسة بعناية‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬مقاومة الصورة االفتراضيّة للمرأة بوصفها كائنا ضعيفا‪ ،‬مستهلكا للمنتوجات‪ ،‬سطحي التفكير ال يشغله غير المظهر ّ‬
‫والزينة‬
‫بالترويج لنماذج من نساء وطنيّات ناجحات في مجاالت عديدة‪.‬‬
‫* األسرة‪ :‬استهدفت الحلول المقترحة في اإلعالم وخاصة في التعليم تغطية معظم المراحل العمريّة في تربية الطفل منذ رياض‬
‫النمو األولى في األسرة حتّى الوصول إلى الروضة خارج‬ ‫ّ‬ ‫تخرج الطالب من الجامعة ولكن ظلّت مرحلة‬ ‫األطفال حتّى مرحلة ّ‬
‫ي عينيه منذ نعومة‬ ‫دائرة اإلحاطة والتغطية وتلك المرحلة هامة جدّا في تشكيل شخصيّة الطفل داخل األسرة فإذا ما فتّح الصب ّ‬
‫فإن ذلك سيُش ّك ُل عائقا أمام ما يتلقّاه من تربية في المؤسّسات‬‫أظافره على التمييز ض ّد المرأة في أسرته وتس ّربت تلك الثقافة إليه ّ‬
‫ط على ال ُمقبلين على‬ ‫فك هذا التصادم بين ثقافتين وسلوكين مختلفين يمكن التفكير في مشروع قانون يشتر ُ‬ ‫التربويّة‪ .‬ومن أجل ّ‬
‫ي يتعلّق بقواعد التربية الوالديّة الحديثة ومفهوم األسرة القائمة على المشاركة‬ ‫ي إجبار ّ‬
‫الزواج نسا ًء ورجاال إجراء تربّص تكوين ّ‬
‫وليست الغاية من هذا القانون مراقبة الزوجين داخل بيتهما وتسليط العقوبات على المخالفين بل دوره يقف عند ح ّد اإللزام بإجراء‬
‫منظمات الوطنيّة النسائيّة وتحت إشراف من‬ ‫ي وال ّ‬ ‫صة في المجتمع المدن ّ‬ ‫ي الذي يُمكن أن تتكفّل به جمعيّات مخت ّ‬‫التربّص التكوين ّ‬
‫الدولة‪ .‬والغاية من هذا القانون توفير أكبر قدر ممكن من االنسجام بين دور األسرة وأدوار المؤسسات التربويّة خصوصا ّ‬
‫وأن‬
‫عددا كبيرا من الشباب ينقطع مب ّكرا عن الدّراسة وال يُنهي تعليمه العالي‪.‬‬
‫يجب أن نتركها‬
‫ُ‬ ‫االسـتنـتــاج‪ :‬صفوة ُ القول إذن أنّه إذا كنّا فعال مؤمنين بقضيّة المرأة وصادقين في الدّفاع عنها فإنّـه ال‬
‫بمجرد تنصيب وزارة‬ ‫ّ‬ ‫الحرية والمساواة وأن ال ننتظر من العقليّات أن تتغيّر لوحدها‬
‫ّ‬ ‫وحيدة في دربها الشائك نحو‬
‫س ِّ‬
‫ـن قوانين تظ ّل حبرا‬ ‫بمجرد خطابات موسميّة رنّانة أو َ‬ ‫ّ‬ ‫الرفوف أو‬ ‫وإدارات تُعنى بشؤون المرأة عبر ملفّات ت ُ ُ‬
‫ركن في ّ‬
‫ي قُـ ُد ًمـا في تغيير العقليّات عبر إرساء‬ ‫على ورق أو حمالت إعالميّة وانتخابيّة منافقة تُتاجر بمعاناتها بل علينا ال ُم ِ‬
‫ـضـ ُّ‬
‫ي شامل ليست غايته النهوض بالمرأة فقط بل أساسا النّهوض بالمجتمع بأسره وتحقيق الرق ّ‬
‫ي والرفاه لجميع‬ ‫مشروع وطن ّ‬
‫مواطنيه ولن يتأتّى ذلك إالّ باإلمساك بزمام األمور في قطاعات حيويّة مثل التعليم واإلعالم مدخال نحو االستقالل و‬
‫السيادة لباقي القطاعات في وطننا الحبيب‪" .‬‬
‫الـخــــاتـــمـــة‪ :‬منذ ذلك اليوم صار أبي وأ ّمي مبعثا فخر لي ولكثير من الدعاة الجدد لتحرير المرأة والوطن‪ .‬ولستُ‬
‫أنسى أبدا هذا الحوار الذي دار بيني وبينه فقد كان البارقة األولى والمنارة الكبرى التي أضاءت درب أسرتنا فنالت أ ّمي‬
‫ما تتمنّى وصرنا جميعا خليّة واحدة ملؤها التعاون والمحبّة والتآزر ونجحنا في تكوين نواة صلبة تد ُُّك جدران الصمت‬
‫سسات‬ ‫ستائر الجمعيّات والمؤ ّ‬
‫َ‬ ‫وأبواب القضاء الشائكةَ وت َ ْهـتِـكُ‬
‫َ‬ ‫وتخترق األبواب الخرساء وت ُـفَـ ِت ّـ ُح نواف َذ اإلعالم ال ُمغَلّـقَةَ‬
‫ي ووسائـل التواصل االجتماعي‬ ‫شـ ُر بالتغ ِيـير في الملتـقيـات والمنتـديات وجم ِعـيّـات المجتمع المـدن ّ‬ ‫المرتعشةَ وت ُـ َبـ ّ‬
‫ق لوطن يستفيق من إغماءته ويستر ُّد حلمه بغد‬ ‫تشـو ٍ‬
‫ُّ‬ ‫وصحافة المواطنة وقنوات صنّاع المحتوى ‪..‬ك ّل ذلك في تـش ّ‬
‫َــوفٍ و‬
‫أفضل ومستقبل أَ ْسـنَـى‪.‬‬

You might also like