You are on page 1of 159

‫يدان لثالث بنات‬

‫ّ‬
‫ويليه‪ :‬بوصلة التيه‬

‫سيرة‬

‫عبد الرزاق ّ‬
‫بوكبة‬
‫األيم الــي ُولــدت فيهــا بنــايت عليــاء وجنمــة ومــرمي‪ ،‬مــن أعـوام‬
‫إىل ّ‬
‫‪ 2009‬و‪ 2012‬و‪ .2014‬حيــث أصبحــت احلكايــة عنــدي‬
‫ثالثيــة األبعــاد‪.‬‬
‫عبد الرزاق‬
‫‪abdezak@hotmail.com‬‬
‫إشــارة‪ :‬كتبــت هــذه التجربــة يف رمضــان مــن أع ـوام ‪ 2015‬و‪2016‬‬
‫و‪.2017‬‬
‫تمهيد‬

‫الرعي حىت إذا ُخطنب ُحجنب‪ّ .‬أما‬ ‫كانت القرية حتمل بناهتا على ّ‬
‫الرعي حىت تدركها‬ ‫ظ والنّصيب‪ ،‬فتبقى على قيد ّ‬ ‫اليت مل يزرها احل ّ‬
‫الرعاة‪،‬‬
‫الراعيات و ّ‬
‫الرب‪ .‬كان املرعى الكبري يغلي بعشرات ّ‬ ‫رعاية ّ‬
‫يتزوج فيه‪ ،‬من‬
‫عرسا ّ‬
‫اخلروب‪ ،‬ويقيمون ً‬ ‫شجرة ّ‬ ‫مجيعا‪ ،‬حتت‬
‫يلتقون ً‬
‫الرتاس‪ ،‬فهي كبرية املرعى‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ابب التمثيل‪ ،‬ر ٍاع براعية ختتارمها «خ» ّ‬
‫يتم أمر من غري مصادقتها عليه‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫السمن والتوابل‪ ،‬من‬ ‫كانت الفتيات يتك ّفلن جبلب ال ّدقيق و ّ‬
‫دوما‪ ،‬يف‬ ‫بيوهتن‪ ،‬إلعداد الطّعام يف الطّنجرة الكبرية املنصوبة‪ً ،‬‬
‫ّ‬
‫اخلالء‪ .‬وكان الفتيان يتك ّفلون ابهلجوم على أحد قطعان القرى‬
‫خروف يُذبح على شرف العريسني‪ ،‬فتشتعل‬ ‫ٍ‬ ‫اجملاورة‪ ،‬خلطف‬
‫الزغاريد واألهازيج وطلقات البارود‪.‬‬ ‫ّ‬
‫مرًة‪ّ ..‬قررت «خ» أن تكون هي العروس‪ ،‬ويكون عبد الرزاق‬ ‫ّ‬
‫كنت يف بداية وعيي‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫ا‪،‬‬ ‫عام‬
‫ً‬ ‫عشر‬ ‫اثين‬ ‫عمري‬ ‫كان‬ ‫ها‪.‬‬ ‫يس‬
‫بوكبّ َ‬
‫ر‬ ‫ع‬ ‫ة‬
‫اخلروب‪،‬‬‫علي وأان أسوق الفرس خبضراء إىل شجرة ّ‬ ‫ابجلسد‪ .‬سالم َّ‬
‫حيث كوخ من ال ّدفلى‪ ،‬يدخل إليه العريسان‪ ،‬هنيهةً‪ ،‬من ابب‬
‫التمثيل‪ .‬كم قبلة خمطوفةً شهدها الكوخ؟‬
‫علي وهي‬ ‫الكوخ خلف «عروسي»‪ .‬سالم َّ‬ ‫سالم علي وأان أدخل َ‬
‫مص اخلوخة النّاضجة‪.‬‬ ‫متصين ّ‬ ‫علي وهي ّ‬ ‫عن ثيايب‪ .‬سالم َّ‬ ‫تنزع ّ‬
‫مقاما وسطًا بني اخلوف واللّذات‪ .‬سالم‬ ‫علي وأان أعيش ً‬ ‫سالم َّ‬
‫علي وأان أصل البيت‪،‬‬ ‫هارب إىل حوشنا‪ .‬سالم َّ‬ ‫الكوخ ً‬
‫علي وأان أخرتق َ‬ ‫َّ‬
‫يده إىل‬
‫ّ َ‬ ‫د‬ ‫مي‬ ‫وهو‬ ‫عليه‬ ‫سالم‬ ‫ابألمر‪.‬‬ ‫أيب‬ ‫فأخرب‬ ‫منتوف‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ديك‬ ‫مثل‬
‫ابرودته‪ .‬سالم على «خ» وهي هترب من موهتا بني أشجار ال ّدفلى‪.‬‬
‫الشيوخ وهم يتدخلون ليُخمدوا الفضيحة‪.‬‬ ‫سالم على ّ‬
‫أصدر أيب قر ًارا ال يقبل النّقاش‪ :‬من اآلن فصاعداً‪ ،‬لن ترعى إال‬
‫بعد‪ ،‬فيتملّكين‬‫يده‪ ،‬عن ٍ‬ ‫وحدك»‪ .‬صرت أمسع أهازيج املرعى وزغار َ‬
‫أسست عالقيت ابلكتابة‪،‬‬ ‫اإلحساس ابلغربة‪ .‬وهي اللحظة األوىل اليت ّ‬
‫ُ‬
‫أسرهبا إىل املرعى‪ ،‬عن طريق‬ ‫كنت‬ ‫‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أغنيات‬ ‫أتليف‬ ‫يف‬ ‫شرعت‬ ‫حيث‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫عمي‪ ،‬فتعتمدها «خ» يف األعراس‪.‬‬ ‫بنات ّ‬
‫اخلروب‪ ،‬وقد‬‫ذهبت إىل شجرة ّ‬ ‫ُ‬ ‫حني بلغين موهتا‪ ،‬عام ‪،1994‬‬
‫استدعيت‬
‫ُ‬ ‫الكوخ‪/‬‬
‫َ‬ ‫أصلحت‬
‫ُ‬ ‫أصبحت طقوس املرعى من املاضي‪/‬‬
‫مددت يدي‬
‫ُ‬ ‫اعتذرت هلا على هرويب من بني يديها‪/‬‬
‫ُ‬ ‫«خ» يف اخليال‪/‬‬
‫السماء يف البكاء‪.‬‬
‫متاما‪ ،‬فشرعت ّ‬ ‫نزعت ثيايب ً‬
‫إليها‪ُ /‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫مسكة رمضان‬
‫ـت ابب‬ ‫األول مــن رمضــان‪ ،‬وفتحـ ُ‬ ‫ـت علـ ّـي ابيب‪ ،‬يف اليــوم ّ‬ ‫مــا أن أغلقـ ُ‬
‫ـت‬
‫ـرت عش ـرات الكتــب احلميمــة يف زوااي املكتبــة‪ ،‬وأعليـ ُ‬ ‫الكتابــة‪ ،‬أبن بعثـ ُ‬
‫ٍ‬
‫ـت ســتارة النّافــذة املطلّــة علــى مشــهد عانــق‬
‫موســيقى كرديـةً خاثــرةً‪ ،‬وقبضـ ُ‬
‫ـرق املعجــون‬
‫الصيــف‪ ،‬حــى هتاطــل علـ ّـي الطـ ُ‬ ‫الربيــع اصف ـر َار ّ‬
‫فيــه اخض ـر ُار ّ‬
‫ببــكاء‪ّ .‬إنمــا الشــقيّتان عليــاء وجنمــة ومــرمي الثّالثــة األخــرى‪ .‬هــل ذهبــت‬
‫اج األهنــار اجلاريــة؟‬
‫كل وصــاايي هلـ ّـن بنســياين‪ ،‬حــن أدخــل مكتبــي‪ ،‬أدر َ‬ ‫ّ‬
‫ـ ماذا هناك؟‬
‫فيلما يف قناتنا‪ّ .‬إما أن خترج إليها‪،‬‬
‫ـ مرمي ترفض أن نغيـَّر قناهتا‪ ،‬لنشاهد ً‬
‫وإما ستجدها جثّة منكوبة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ـــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــ‬
‫كان أيب يلســع ظهــر أمــي حبزامــه اجللــدي‪ ،‬وهــي تواجــه ذلــك بصمـ ٍ‬
‫ـت‬ ‫ّ‬
‫ـت متكـ ّـوًرا علــى نفســي‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫بين‬ ‫‪.‬‬ ‫كأنــا كانــت َتتل ّقــى قُبـ ٍ‬
‫ـات‬ ‫صــارخ‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫الشــجرة‪ ،‬وأتل ّقــى املشــهد بعينــن ماطرتــن‪.‬‬ ‫خلــف ّ‬
‫سكت بكائي يف وجه قيلولته‪.‬‬
‫تتدخل لتُ َ‬
‫الضرب ّأنا مل ّ‬
‫وسبب ّ‬
‫مترد الواقع‬
‫ّ‬
‫ـص احل ـزام اجللــدي يف يــدي‪َّ ،‬أم عليــاء تبــادر إىل القــول ّإنــا‬
‫جعــل رقـ ُ‬

‫‪9‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫كانــت غارقـةً يف املطبــخ‪ ،‬وإال مــا كانــت لتســمح ابلتّشــويش علــي‪ .‬وجعــل‬
‫موجــه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مــرميَ تطلــق ضحــكات ماكـرات يف وجــه أختيهــا‪ ،‬ظنًــا منهــا أ ّن احلـزام ّ‬
‫لنصرهتــا يف اإلبقــاء علــى قناهتــا‪.‬‬
‫مترد اخليال‬
‫ّ‬
‫الروايــة حيملــون‬
‫ـدت إىل خلــويت‪ .‬فواجهــي منظــر خميــف‪ :‬شــخوص ّ‬
‫عـ ُ‬
‫ويلوحــون هبــا يف وجهــي‪.‬‬
‫مجيعــا أحزم ـةً جلدي ـةً‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫ـ ماذا هناك؟‬
‫ـنتول حنــن ذلــك‪ .‬لســنا‬
‫وإمــا سـ ّ‬
‫ـام يف البيــت‪ّ ،‬‬
‫ـ ّإمــا أن تفــرض اهلــدوء التّـ ّ‬
‫ٍ‬
‫مســتع ّدين ألن نبــوح لــك بشــيء يف ظـ ّـل هــذه التشويشــات وإال‪..‬‬
‫ـ وإال ماذا؟‬
‫الروائــي‪ ،‬فتضطـَّـر إىل انتظــاران إىل رمضــان القــادم‪ .‬هــذا‬
‫ـ نعــود إىل ســباتنا ّ‬
‫ـب سـواك‪.‬‬ ‫إذا عــدان إليــك أصـ ًـا‪ ،‬ومل نذهــب إىل كاتـ ٍ‬
‫الصيــاح أركان البيــت‪ّ :‬أم عليــاء تصيــح‪ /‬عليــاء تصيــح‪ /‬جنمــة تصيــح‪/‬‬
‫هـّـز ّ‬
‫مــرمي تصيــح‪.‬‬
‫ــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــ‬
‫قــادين صـراخ نســاء أعمامــي إىل مربــط الفــرس‪ ،‬فرأيــت جـ ّديت مــرمي ملقــا ًة‪،‬‬
‫ـدمي علــى الـّـروث‪ .‬وص ّكــة الفــرس مطبوعــة علــى جبهتهــا‪ ،‬مثــل‬ ‫مثــل ســرٍج قـ ٍ‬
‫ختـ ٍم وقّعــه إداري غاضــب‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫حيلة العجوز‬
‫ٍ‬
‫خمطوط مسروق‪:‬‬ ‫مفجوعا مثل‬ ‫خرجت من مكتبيت‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ـ ماذا صار؟‬
‫ـ ّأمك أغمي عليها‪.‬‬
‫كان فمهــا يرســل فقاعـ ٍ‬
‫ـات بيضــاءَ‪ ،‬وميناهــا ترتعــش مبــا يوحــي ّأنــا‬
‫ـوف ابخلــوف‬‫ابلصـراخ واخلـ ُ‬
‫الصـراخ ّ‬ ‫ـورا‪ .‬اختلــط ّ‬
‫ســتلتحق برفيقهــا األعلــى فـ ً‬
‫مصريهــا‬
‫ـكت فيهــا علــى أن ألقــى َ‬ ‫وال ّدعــاءُ ابل ّدعــاء‪ ،‬ويف اللحظــة الــي أوشـ ُ‬
‫مجيعــا إىل‬
‫ـت عينيهــا واســتوت يف جلســتها ودعتنــا ً‬ ‫نفســه كمـ ًـدا عليهــا‪ ،‬فتحـ ْ‬
‫َ‬
‫أن نســمعها‪.‬‬
‫الصــوم علــى مـ ٍ‬
‫ـرض‬ ‫غمزتــي مبــا يعــي ّأنــا كانــت متثّــل‪ :‬مل يُغـ َـم علـ ّـي بســبب ّ‬
‫اندهاشــا‪،‬‬
‫ً‬ ‫كمــا اعتقــدمت‪ ،‬بــل ألنـّـي رأيــت رمضــان‪[ ،‬قامــت عليــاء وجنمــة‬
‫الصغــرة مــرمي‪ ،‬فكانــت تفعــل فعلتهــا يف املطبــخ‪ ،‬مــن غــر أن ينتبــه‬ ‫ّأمــا ّ‬
‫إليهــا أحــد] وطلــب مـ ّـي أن أخــر البنــات أبنـّـه ســرحل عــن البيــت يف حالــة‬
‫ـهن علــى أبيهـ ّـن‪ ،‬وزرعهـ ّـن الفوضــى يف البيــت‪.‬‬ ‫تشويشـ ّ‬
‫ـكالم‪،‬‬
‫وضعــت عليــاء وجنمــة يديهمــا علــى فميهمــا‪ ،‬كنايـةً عــن تركهمــا الـ َ‬
‫ـت‪ ،‬وهــو الوضــع الــذي أفرحــي وســحبين إىل‬ ‫حــى ال يهجــر رمضــا ُن البيـ َ‬
‫الروايــة‬ ‫ٍ‬
‫ـت علــى مشــهد خميــف‪ :‬شــخوص ّ‬ ‫الروائيــة جم ـ ّد ًدا‪ .‬فوقفـ ُ‬
‫خلــويت ّ‬
‫يضعــون أشــرطةً الصق ـةً علــى أفواههــم‪ ،‬وقــد كتب ـوا علــى جباههــم‪« :‬نريــد‬
‫ـازب»‪.‬‬
‫كاتبًــا عـ ً‬
‫ـت مــرمي صرخ ـةً اهتـ ّـزت هلــا العمــارة واألرواح‪.‬‬ ‫ـت ابلــكالم‪ ،‬فأطلقـ ْ‬ ‫مهمـ ُ‬
‫ـت أغلــي يف‬‫ـحبت منــه مسكـةً تغلــي‪ ،‬مثلمــا كنـ ُ‬‫كانــت قــد فتحــت الفــرن وسـ ْ‬
‫دورهــا‪ ،‬قبــل أن يَرفَــع مــؤذّن املغــرب عقريتَــه اجلائعــة‪.‬‬
‫هبــو املستشــفى‪ ،‬منتظـًـرا َ‬

‫‪11‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫أرجوحة مف ّخخة‬
‫ويل هللا‪ ،‬وأقنـ َـع شــيعيًا أب ّن معاويــة‬
‫ـي ُّ‬ ‫أســتطيع أن أقنـ َـع س ـنـّيًا أبن اخلميـ َّ‬
‫الصغــرة‬
‫وابنَــه يزيـ ًـدا مــن املالئكــة األطهــار‪ ،‬لكنّــي ال أســتطيع أن أجعــل ّ‬
‫مــرمي ترجــع عــن رغبـ ٍـة رغبْتهــا أو ق ـرا ٍر َّقررتــه‪.‬‬
‫مــن ذلــك ّأنــا عـ ّـرت عــن رغبتهــا يف أن تتأرجـ َـح يف أرجوحــة احلومــة‪،‬‬
‫ـت فيهــا عليــاء وجنمــة هــذه الـ ّدودةَ يف غفلـ ٍـة مـ ّـي‪ ،‬وقــد أدركتــا‬ ‫بعــد أن زرعـ ْ‬
‫أ ّن األرجوحــة ابتــت خطـًـرا علــى مــن ميـّـر ابلقــرب منهــا‪ ،‬خلّيكــم اي راكبهــا‪.‬‬
‫ـب‪ ،‬مل نعثــر لزارعهــا علــى‬ ‫فأرضيـَتُهــا تـراب خملــوط مبســامري وقطــع حديـ ٍـد مدبـّ ٍ‬
‫َ‬
‫ابل ابتــت‪ ،‬وسلســلتها تف ّككــت‬ ‫مســمار يف حــذاء‪ ،‬وقاعدهتــا اخلشــبيّة غ ـر ً‬
‫الشر أبشياء ت ّدعي ّأنا خيوط‪ّ ،‬أما أعمدهتا احلديدية‪،‬‬ ‫أهل اخلري و ّ‬
‫فشدَّها ُ‬
‫فكأهنــا شــاركت يف ثــورة الفيتنــام‪.‬‬
‫ــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــ‬
‫ـب أن أتدحــرج‪،‬‬
‫ـت طفـ ًـا يف قريــة «أوالد جحيــش» (‪ ،)1‬وكنــت أحـ ّ‬ ‫كنـ ُ‬
‫الغسيل‬
‫َ‬ ‫لت‬
‫نفسها لعسل القيلولة‪ ،‬وأز ُ‬ ‫أسلمت َ‬
‫ْ‬ ‫يوما‪ّ ،‬أمي حىت‬ ‫فانتظرت‪ً ،‬‬
‫ُ‬
‫الزعــرور‪.‬‬
‫عــن احلبــل‪ ،‬قاصـ ًـدا بــه شــجرة ّ‬
‫مؤخــريت لألرجوحــة‪،‬‬
‫ـلمت ّ‬‫ـت يف ربــط احلبــل إىل أقــوى غصـ ٍن‪ ،‬وأسـ ُ‬ ‫كافحـ ُ‬
‫ـول إىل قعرهــا أن تســتمع إىل إحــدى‬ ‫الــي أســلمتين هلاويـ ٍـة يســتغرق الوصـ ُ‬
‫ـت هنــاك‬
‫ـرب‪ ،‬ملكثـ ُ‬
‫أغــاين ّأم كلثــوم‪ .‬ولــوال عــودة بنــات العـ ّـم بقطيعهــن مغـ ً‬
‫ابل مفجــوع‪.‬‬ ‫حــى أصــر ذكــرى أغنيـ ٍـة يف ٍ‬

‫‪12‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫القبة‬
‫تشويش ّ‬
‫ـت ُّأم عليــاء علــى طــرق ابب خلــويت‪ ،‬وليــس مــن عادهتــا أن تزعجــي‬
‫واظبـ ْ‬
‫حــن أغــرق يف الكتابــة‪.‬‬
‫الروايــة يف وجهــي‪ :‬اســتطعنا أن نتأقلــم مــع تشــويش‬ ‫ـخوص ّ‬
‫انتفــض شـ ُ‬
‫الرحــال إىل‬
‫البنــات‪ّ ،‬أمــا أن تنخــرط ُّأمهــن يف املســعى‪ ،‬فمــا علينــا إال نشـ ّد ّ‬
‫روائـ ٍـي عـ ٍ‬
‫ـازب أو عاقــر‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الرجـ َـل الوحيـ َـد‬
‫ـ لعلّهــا احتاجــت أمـًـرا ال يقبــل التأجيــل‪ .‬هــل نســيتم كــوين ّ‬
‫يف البيــت؟‬
‫ـهورا لتكتبنــا‪ ،‬وأنــت ال تكتــب‬
‫ـ مــا يبــدو هــو نســيانُك أنّنــا انتظ ـرانك شـ ً‬
‫الس ـريع‪.‬‬
‫مرورهــا ّ‬
‫الروايــة يف غــر رمضــان‪ ،‬ومــن طبيعــة ّأيمــه ُ‬ ‫ّ‬
‫مثقوب ابلغضب‪ ،‬فتفادته ابلتّوضيح‪:‬‬
‫خرجت ً‬
‫وتنام أبن تتأرجح‪.‬‬
‫وتشرب َ‬
‫َ‬ ‫أتكل‬
‫ـ مرمي تشرتط أن َ‬
‫ـ فلتأخذها ج ّدهتا‪.‬‬
‫أصل‪.‬‬
‫ـ تعلم أ ّن اجل ّدة ترفض فكرة األرجوحة ً‬
‫ف ّخ معلّق‬
‫ـور محــاس عليــاء وجنمــة ملرافقــي‪ ،‬فهمــا تــكادان أن تفعــا‬
‫َو ْس َو َســي فتـ ُ‬
‫ـيت أمرمهــا‪ ،‬بفعــل تفكــري يف العــودة‬
‫ذلــك حــى إىل املرحــاض‪ .‬لكنّــي نسـ ُ‬
‫ـت مــن اســتدراج الفــى «ن»‬‫خاص ـةً أنـّـي متكنـ ُ‬
‫الروائيــة‪ّ ،‬‬
‫س ـر ًيعا إىل خلــويت ّ‬
‫محاســا‪.‬‬
‫الشــخوص ً‬ ‫ـخ احلكايــة‪ ،‬بعــد أن كان أقـ َّـل ّ‬‫إىل فـ ّ‬

‫‪13‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫الس ـؤال‪:‬‬
‫ـت يف رأســي هــذا ّ‬ ‫الصغــرَة يف األرجوحــة‪ ،‬الــي وضعـ ْ‬ ‫ـت ّ‬ ‫وضعـ ُ‬
‫ـزت عــن توفــر أراجيـ َـح آمنـ ٍـة لصغارهــا؟»‪ ،‬وإذا‬ ‫ٍ‬
‫«أيـّـة حكومــة هــذه الــي عجـ ْ‬
‫ـوي يهــوي علــى رأســي‪ ،‬فاجتهـ ُ‬
‫ـدت يف التّوفيــق بــن‬ ‫ابلعمــود احلديـ ِّ‬
‫ـدي العلـ ِّ‬
‫بتوعــد‬
‫أن أمــارس ح ّقــي يف ال ّدوخــة‪ ،‬وواجــي يف محايــة صغــريت ورفــع يــدي ّ‬
‫عليــاء وجنمــة‪ ،‬اللتــن أطلّتــا علــي مــن شـ ٍ‬
‫ـرفة زلزلتاهــا ابلقهقهــات‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــ‬

‫(‪)1‬‬

‫الشرق اجلزائري هي مزيج من الثّقافتني العربية واألمازيغيّة‪.‬‬


‫أوالد جحيش‪ :‬قرية يف ّ‬

‫‪14‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ركض مشبوه‬
‫ـؤدي إىل اجلنــون‪ .‬وهــو اعتقــاد‬
‫الركــض‪ ،‬مســافةً طويلـةً‪ ،‬يـ ّ‬
‫تعتقــد ّأمــي أ ّن ّ‬
‫الركــض‪ ،‬يف‬ ‫ـودا عاقلــة إلقناعهــا خبروجــي إىل ّ‬‫جعلــي أبــذل‪ ،‬يوميًــا‪ ،‬جهـ ً‬
‫الغابــة اجملــاورة حلومتنــا‪.‬‬
‫ـــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــ‬
‫اي وليــدي كان الفــى موســى يرعــى خيــل «أوالد جحيــش» يف مرعــى‬
‫ابلسـ ّـراق يقتحمــون‬ ‫ٍ‬
‫يبعــد مســافةً تكفــي إلعــداد شخشــوخة (‪ ،)2‬وإذا ُ‬
‫عليــه خيلَــه‪ ،‬فمــا كان منــه إال أن ركــض ليخــر القريــة‪ ،‬لكــن اجلـ َّـن أخــذوا‬
‫ـر‪ .‬هــل تريــد أن تصبــح مهبـ ًـول‬ ‫ـال اخلـ َ‬
‫الرجـ ُ‬
‫منــه عقلَــه‪ ،‬مبجـ ّـرد أن أخــذ منــه ّ‬
‫مثــل موســى؟‬
‫إصرار الغابة‬
‫قلت لشخوص رواييت إنّين خارج إىل الغابة ألركض‪ ،‬فاهتمامي‬
‫يقل حرارًة عن اهتمامي إبخراجكم إىل الوجود‪.‬‬
‫إبدخال كرشي‪ ،‬ال ّ‬
‫ـ نرافقك‪.‬‬
‫مشغول عنكم‪ ،‬ابلركض يف الغابة واملوسيقى‪.‬‬
‫ً‬ ‫ـ لكنّين سأكون‬
‫ـ نرافقك‪.‬‬
‫أكثر من مخسني دقيقة‪.‬‬
‫ـ لن يستغرق غيايب َ‬
‫ـ نرافقك‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ــــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــــ‬
‫قــال ج ـ ّدي امليلــود إنـّـه خــارج إىل اجلبــل ليجلــب احللفــاء‪ ،‬كيمــا يصنــع‬
‫منهــا قفافًــا جيمــع فيهــا القمــح بعــد احلصــاد‪.‬‬
‫ـ أرافقك‪.‬‬
‫ـ لكنّك حديث عهد ابخلتان‪ ،‬وبردعة البغلة حرشاء‪.‬‬
‫ـ أرافقك‪.‬‬
‫ـك‬
‫ـت خلــف اجل ـ ّد أحتـ ّ‬ ‫كانــت البغلــة ترتفــع وهتــوي بــن األح ـراش‪ ،‬وكنـ ُ‬
‫أحتمــل أو أســتطيع أن أطلــب‬ ‫علــى عــر ٍي ابلربدعــة‪ ،‬فــا أان أســتطيع أن ّ‬
‫إن ـزايل‪ .‬ولــوال ســقوط قط ـر ٍ‬
‫ات مــن دم ختــاين علــى قــدم اجل ـ ّد‪ ،‬ونزولــه‬
‫ـدت إىل البيــت بفخذيــن فارغــن‪.‬‬‫النتشــال املوقــف‪ ،‬لعـ ُ‬
‫مسافة مف ّخخة‬
‫ـودت علــى أن أركــض وحــدي‪ ،‬أو مــع صديقــن غارقــن يف الصمــت‪.‬‬ ‫تعـ ُ‬
‫كأنــم بلع ـوا الفضائيــات العربيــة كلَّهــا‪ .‬كان‬‫ـخوص ّ‬ ‫وهــا أان أركــض مــع شـ ٍ‬
‫هــذا يُناطــح هــذا مــن أجــل أن يكــون بقــريب‪ ،‬إال الفــى «ن»‪ ،‬فقــد أخــذ‬
‫مســافةً منّــا‪ .‬أخشــى مــا أخشــاه أن يرتاجــع عــن رغبتــه يف احلكــي‪ ،‬فيختـ ّـل‬
‫الروايــة‪ ،‬وأحــرم مــن كتابــة جــرٍح بليــغ‪ .‬مــا أتعــس الـ ّـرواايت الــي بــا‬
‫معمــار ّ‬
‫جــرح!‬
‫ش يف شــجرٍة‪ ،‬وهذه‬ ‫توغلنا يف الغابة‪ ،‬فتوغلوا يف املشاكســة‪ :‬هذا يـَتـََعْن َك ُ‬
‫أى مــن اجلميــع‪ ،‬إال الفــى‬ ‫تعتلــي صخــرًة وتصــرخ‪ ،‬وهــذا يبــول علــى م ـر ً‬
‫«ن»‪ ،‬فقــد بقــي حمافظًــا علــى صمتــه ومســافته‪ .‬احلـ َّـق‪ ..‬احلـ َّـق أقــول إنـّـي‬

‫‪16‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫الروايــة‪ .‬أليســت‬
‫ـت أكثــر مــن الثّـراثر‪ ،‬سـواء يف الواقــع أو يف ّ‬ ‫الصامـ َ‬
‫أخــاف ّ‬
‫اقعــا؟‬
‫الروايــة و ً‬
‫ّ‬
‫الشــجار بينهــم‪ .‬إذ كان‬ ‫اشــتعل جســدي عرقًــا‪ ،‬ابمل ـوازاة مــع اشــتعال ّ‬
‫كل واحـ ٍـد منهــم يقــول لآلخــر إنـّـه ســيكون ّأوَل مــن أكتبــه بعــد ال ـ ّدوش‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الزمــا أن أضــع حــدًّا لــذاك‬
‫ً‬ ‫كان‬ ‫ـك؟»‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫كذ‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫«أل‬ ‫ال‪:‬‬ ‫ؤ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫ط‬ ‫وهتا‬
‫ضاعفت ســرعيت‪ /‬ضاعفوا‬ ‫ُ‬ ‫عائدا إىل احلومة‪ /‬حلقوا يب‪/‬‬ ‫ـتدرت ً‬ ‫الوحل‪ ،‬فاسـ ُ‬
‫ـاري‪ ،‬حــى ال أمســع‬
‫ســرعتهم‪ /‬كان منظــري غريبًــا بوضــع إصبعـ َّـي يف أذينَّ جـ ً‬
‫ـت إليهــم‪ ،‬عنــد مدخــل احلومــة‪ .‬بينمــا كانــت عليــاء‬ ‫حريـ َـق فوضاهــم‪ /‬التفـ ُّ‬
‫ذات أغصــان‪ :‬أيــن «ن»؟‬ ‫ـت صرخ ـةً َ‬ ‫وجنمــة تلعبــان هنــاك‪ ،‬وأطلقـ ُ‬
‫حــن صعــدت إىل البيــت بعــد ربــع ســاعة مــن االهنيــار علــى سـلّم العمــارة‪،‬‬
‫الركــض ابجلنــون»‪.‬‬ ‫وجــدت ّأمــي تتخبّــط يف حس ـرهتا‪« :‬نبّهتــه إىل ارتبــاط ّ‬
‫دائمــا‪،‬‬
‫وبعــض اجلــارات يُواســينها‪ :‬ال تص ّدقــي عليــاء وجنمــة‪ ،‬فهمــا تبالغــان ً‬
‫كوهنمــا رأاته يتحـ ّدث وحــده‪ ،‬ال يعــي أنــه فقــد عقلــه‪.‬‬
‫الشــيءَ يف الربدعــة‪ ،‬يــوم‬
‫ـت هــذا ّ‬
‫ـت منطقــة اإلجنــاب‪ :‬ليتــي تركـ ُ‬
‫حتسسـ ُ‬
‫ّ‬
‫خرجــت مــع ج ـ ّدي إىل احللفــاء‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــ‬

‫الشخشوخة‪ :‬من أنواع الثّريد‪.‬‬


‫‪2‬ـ ّ‬

‫‪17‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫شهادة مذبوحة‬
‫ـوزا‪،‬‬
‫مــن املقامــات اإلنســانة الــي تدهشــي‪ ،‬وتقــف أمامهــا بالغــي عجـ ً‬
‫ـتان ُم َف ْوَكـ ٍـه‪ ،‬البــكاءُ مــن فــرح‪ .‬حيــث أتخــذ‬
‫عجــز ثعلــب أمــام ســياج بسـ ٍ‬
‫َ‬
‫روحهــا‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫تف‬ ‫أن‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫م‬‫د‬ ‫ال‬
‫َ ّ‬ ‫ـكل‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫الض‬
‫ّ‬
‫البحث عن الولد «ن»‬
‫بت‬
‫صباحــا‪ ،‬بينمــا كان اجلميــع انئمــن يف البيــت‪ .‬فتسـ ّـر ُ‬ ‫كانــت العاشــرة ً‬
‫ـخوص روايــي‪ ،‬كمــا يتسـ ّـرب أبــو العيــال‪ ،‬بعــد أن‬ ‫ألصحـ َـي شـ َ‬ ‫إىل مكتبــي ْ‬
‫الشــخري‪.‬‬
‫مجيعــا يغطّــون يف النّــوم و ّ‬‫ينامـوا‪ ،‬إىل سـرير ّأمهــم‪ .‬فــإذا هبــم ً‬
‫الصدمــة‪،‬‬
‫صدمــي أن «ن» مل يعــد مــن الغابــة منــذ أمــس‪ ،‬وتضاعفــت ّ‬
‫الروائيــن‪ ،‬الذيــن يؤمنــون أب ّن‬
‫ـت مــن ّ‬ ‫ـود أبـ ًـدا‪ .‬لسـ ُ‬‫ـت أنــه لــن يعـ َ‬ ‫حــن ختيّلـ ُ‬
‫ٍ‬
‫الروايــة تقــوم علــى بطـ ٍـل واحــد‪ ،‬فهــي مثــرة لتعـ ّدد األصـوات‪ ،‬و«ن» يف هــذه‬ ‫ّ‬
‫ـبيل مــع كاتــب آخــر‪،‬‬‫الروايــة مينــح لتعـ ّدد أصواهتــا معـ ًـى‪ .‬فمــاذا لــو اختــذ سـ ً‬ ‫ّ‬
‫ـأضطر للبحــث عنــه‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـد؟‬‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ابمس‬ ‫يل‬ ‫ـح‬
‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫مل‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـه‪،‬‬
‫ـ‬ ‫ت‬ ‫حوم‬ ‫إىل‬ ‫ـاد‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫أو‬
‫يف حومــات اجلزائــر العاصمــة كلّهــا؟‬
‫ظ شــخوصي‪،‬‬ ‫بت علــى أطـراف أصابعــي خــارج البيــت‪ ،‬حــى ال أوقـ َ‬ ‫تسـّـر ُ‬
‫خاصــة الفتــاة «نعيمــة املعقــال»‪ ،‬ههههههههــه وهللا اي نعيمــة املعقــال!‬ ‫ّ‬
‫حتكــي لــك ســبعني حكاي ـةً دفع ـةً واحــدةً‪ ،‬وختتــم بقوهلــا‪« :‬أعلــم أال أحــد‬
‫خاصــة عليــاء‪،‬‬
‫ظ أحــد أف ـراد أســريت‪ّ ،‬‬ ‫يفهمــي يف هــذا العــامل»‪ .‬أو أوق ـ َ‬
‫ههههههههه وهللا اي علياء! تطرح عليك مخســن سـؤ ًال دفعةً واحد ًة‪ ،‬من‬
‫غــر أن تنتظــر منــك إجـ ٍ‬
‫ـاابت‪ ،‬فهــي «تعلــم» أنـّـك ال تعلــم‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ـدت يف مــكاين‪ .‬وصلــي هــذاين نعيمــة‬ ‫فتجمـ ُ‬


‫ـاب اخلارجـ ُّـي‪ّ ،‬‬
‫َزْريَـ َط البـ ُ‬
‫كل مــا كتبتــه عنهــا اســتقيته مــن‬
‫املعقــال‪ ،‬فحـ ّـررين مــن حالــة اجلمــود‪ّ .‬‬
‫ـزودين إال ابلغمــوض‪ .‬ووصلــي‬ ‫صحوهــا فلــم يـ ّ‬
‫هذايانهتــا يف نومهــا‪ّ ،‬أمــا ُ‬
‫ـت‬
‫للصغــرة مــرمي‪« :‬ارقــدي‪ ..‬مــازال احلــال»‪ ،‬فواصلـ ُ‬
‫ـوت أم عليــاء تقــول ّ‬
‫صـ ُ‬
‫خروجــي للبحــث عــن «ن»‪.‬‬
‫مشهد غري متوقع‬
‫كانــت عليــاء جالسـةً يف سـلّم العمــارة‪ .‬حتمــل ورقـةً بــن يديهــا‪ ،‬وتبكــي‬
‫ـت فرأتــي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫متامــا‪ ،‬بعــد أن التفتـ ْ‬
‫ـموعا ً‬
‫بصــوت نصــف مســموع‪ ،‬مث صــار مسـ ً‬
‫هــل رأيتــم كيــف أ ّن الطفــل يُضاعــف مــن صــوت بكائــه‪ ،‬حــن يدخــل عليــه‬
‫مــن يتوقّــع أن يُنص َفــه؟‬
‫قالــت ّإنــا التحقــت مبدرســتها ابكـ ًـرا‪ ،‬لتعــرف نتائـ َـج اختبــارات هنايــة‬
‫بكاؤها إال من فرحها‪.‬‬‫متوجة بشهادة هتنئة أنيقة‪ ،‬وما ُ‬ ‫السنة‪ ،‬وقد عادت ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ـ هل ستضعها يف إطار اي أيب؟‬
‫ـــــــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــــــــ‬
‫أت امسي يف قائمة انجحي الباكالوراي عام ‪ ،1996‬وأتكدت‬ ‫ما أن قر ُ‬
‫مــن كونــه امســي ابالســتعانة أبكثــر مــن صديـ ٍـق وصديقــة‪ ،‬حــى قفلـ ُ‬
‫ـت طائـًـرا‬
‫إىل «أوالد جحيش»‪ ،‬ألزف اخلرب أليب‪.‬‬
‫كان واق ًفــا ينتظــر عنــد مدخــل احلــوش‪ ،‬وحــن فهــم مــن مشــييت ومالحمــي‬
‫أن جنحــت‪ ،‬جلــس فــوق حج ـ ٍر مرتف ـ ٍع‪ ،‬واخنــرط يف بــكاء منخفــض‪ .‬لقــد‬ ‫ّ‬
‫الرجــل ال يبكــي‪ ،‬أبنـّـه كان‬
‫ـال إنـّـه كســر قاعــدة أ ّن ّ‬
‫بـّـرر البــكاء‪ ،‬حــى ال يقـ َ‬

‫‪19‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫سيُشــعل الســماءَ ببندقيتــه‪ ،‬لــو مل يسـ ْـلبها اإلرهابيــون منــه‪.‬‬


‫مشهد غري متوقع‬
‫صحيحــا؟ الفــى «ن» مربــوط إىل‬
‫ً‬ ‫ـي إن كان مــا أراه يف الغابــة‬
‫ـألت عيـ َّ‬
‫سـ ُ‬
‫الصنوبــر‪ ،‬ووجهــه مــزروع ببقـ ٍع محـراءَ بفعــل البعــوض‪.‬‬
‫شــجرة ّ‬
‫ـ ماذا صار؟‬
‫اجعــا إىل احلومــة‪ ،‬وتركتنــا خلفــك‪ ،‬أشــارت نعيمــة‬
‫ـتدرت أمــس ر ً‬
‫ـ حــن اسـ َ‬
‫املعقــال عليهــم بربطــي هنــا‪.‬‬
‫أبن ســأعدمها إبخراجهــا‬
‫اجعــا إىل البيــت‪ ،‬ألخربهــا ّ‬
‫اســتدرت مباشــرة ر ً‬
‫الروايــة‪ .‬مثّ تذكــرت أنـّـي مل أحـ ّـرْر «ن»‪ ،‬ففعلــت ذلــك بســرعة املــوت‪،‬‬
‫مــن ّ‬
‫اكضــا يف الطريــق الـرايب‪.‬‬
‫واخنرطــت ر ً‬
‫اكضــا‪ ،‬لكــن ليــس بلبــاس النّــوم‪ ،‬فرشــقوين‬
‫تعـ ّـود جـراين علــى أن يــروين ر ً‬
‫بسـؤال احلــرة‪« :‬ال ابس اي شــيخ؟»‪.‬‬
‫صعدت سلّم العمارة كأنّين خ ّفاش‪ /‬اقتحمت البيت كأنّين ثور‪،‬‬
‫ُ‬
‫متاما‪ :‬علياء تش ّد جنمة من شعرها‪،‬‬ ‫ع‬
‫ٍ‬ ‫ق‬‫متو‬ ‫غري‬ ‫ٍ‬
‫مشهد‬ ‫على‬ ‫فوقفت‬
‫ّ ً‬
‫ٍ‬
‫وتضرهبا ضرابت قاسيات‪.‬‬
‫ـ ماذا صار؟‬
‫مزقتها‪.‬‬
‫عمن ّ‬ ‫اسأل شهادةَ التهنئة ّ‬
‫ـ ْ‬

‫‪20‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ذهب أسود‬
‫خرجيــة بيئـ ٍـة‬
‫ابلص ـراخ‪ ،‬فهــي ّ‬
‫تدشــن يومهــا ّ‬ ‫ليــس مــن عــادة ّأم عليــاء أن ّ‬
‫ـت أن تتحـ ّـول إىل راعيــة‬ ‫تــرى يف ذلــك عالمـةَ شــؤم وجملبـةَ هـ ّـم‪ .‬مث ّإنــا ألفـ ْ‬
‫صمــت‪ ،‬حــن تـراين دخلــت إىل مكتبــي ألكتــب أو أقـرأ‪ ،‬فمــا ابهلــا زرعــت‬
‫البيــت ابلعيــاط هــذا الصبــاح؟‬
‫الســلوك مــن ّأمــك‬
‫قالــت يل نعيمــة املعقــال‪ :‬هــل كان أبــوك ســيقبل هــذا ّ‬
‫لــو كان حيًّــا؟‬
‫ـدت يف أن أحتفــظ لــك جبرعــة‬
‫انتفــض الفــى «ن» يف وجههــا‪ :‬اجتهـ ُ‬
‫كل شــيء‪ ،‬لكنّــي فقدهتــا اآلن بتحريضــك الرجـ َـل علــى ضــرب‬
‫احـرام‪ ،‬رغــم ّ‬
‫زوجتــه‪.‬‬
‫ــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــــ‬
‫الضــرب‪ ،‬إال إذا أطلّــت‬ ‫تبقــى امل ـرأة يف «أوالد جحيــش» انئي ـةً عــن ّ‬
‫ضبطــت تغـ ّـي بصــوت مرتفــع‪ ،‬أو تقاعســت عــن وليمــة‬ ‫ـب‪ ،‬أو ُ‬ ‫علــى غريـ ٍ‬
‫ـت بــا عــرس‪،‬‬
‫الضيــف‪ ،‬أو جتـ ّـرأت علــى أحــد رجــال العائلــة‪ ،‬أو تََكْيَ َجـ ْ‬
‫ّ‬
‫أو أطلقــت‪ ،‬علــى مســم ٍع‪ ،‬لفظ ـةَ فحــش أو ســبّةَ ديــن‪ ،‬أو تركــت ضــروع‬
‫ضجيجــا يف صبــاح هللا‪.‬‬
‫ً‬ ‫القطيــع بــا حلــب‪ ،‬أو أحدثــت‬
‫حرية ذهبية‬
‫ـ ماذا صار؟‬

‫‪21‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ـ ال أثر جملوهرايت‪.‬‬
‫ـ فتّشي جيّ ًدا‪.‬‬
‫ـ فعلت إال يف مكتبتك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ـ ليس لل ّذهب أرجل تنقله من غرفة إىل أخرى‪.‬‬
‫لعلك محلتَه من غري أن تشعر‪ ،‬فأنت تفقد الوعي ابألشياء‪ ،‬حني‬
‫ـ َ‬
‫تكون يف حالة كتابة‪.‬‬
‫ـ هل سألت البنات؟‬

‫مشهد خارج البيت‬


‫ـب ســاعات رمضــان إىل نفســي‪ ،‬خروجــي عشــيةً مــع البنتــن‬ ‫مــن أحـ ّ‬
‫كل مــا تطلبانــه يف هــذه اخلرجــات‪ ،‬إال‬
‫عودهتمــا علــى شـراء ّ‬
‫لنتبضــع‪ ،‬وقــد ّ‬
‫ّ‬
‫إذا رأيــت أهنمــا رغبتــا يف غــرض بــا داع‪.‬‬
‫قلت لعلياء‪ :‬غريب أنك مل تطليب شيئًا‪.‬‬
‫ابق هنا مع جنمة حىت أعود‪.‬‬
‫ـ لدي طلب واحد فقط‪َ .‬‬
‫الرصيــف املقابــل‪ /‬مل حتــرم عــادة أن تنظــر ميينًــا‬
‫ـت إىل ّ‬ ‫ـت يــدي‪ /‬انطلقـ ْ‬
‫أفلتـ ْ‬
‫ِ‬
‫ـت ســيارةٌ عجالتــا عنــد رجليهــا‪ /‬اهتـ ّـز قلــي‬ ‫ومشـ ًـال قبــل أن متضــي‪َ /‬كبَ َحـ ْ‬
‫ـت ابب اجملوهـرايت‪ ،‬وأغلقْتــه عليهــا‪.‬‬ ‫حــى كــدت أتقيّــاه‪ /‬فتحـ ْ‬
‫مشهد داخل املطبخ‬
‫ابردا واملواعني مغسولةً ساعتني قبل اإلفطار‪.‬‬ ‫ـ أرى الفرن ً‬
‫ط أمامي عند األذان‪.‬‬ ‫ـ حىت أرى جوعك ين ّ‬
‫ـ وما ذنيب؟‬
‫ـ مل تشاركين فجيعة اجملوهرات‪.‬‬
‫للركض‪.‬‬ ‫ـ ليس بيدي إال أن أمسح لك بدخول املكتبة للتفتيش‪ ،‬بعد خروجي ّ‬
‫‪22‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫شبهة احللزونة‬
‫أيضا‪ ،‬لكن للحديث‬‫الرواية‪ :‬سنخرج اليوم إىل الغابة ً‬
‫قلت لشخوص ّ‬
‫فرحا ما عدا نعيمة املعقال‪.‬‬
‫للركض‪ ،‬فطاروا ً‬
‫ال ّ‬
‫ـ سأبقى‬
‫الصنوبر‪ ،‬لنتفق على خمطّط للكتابة‪ ،‬يف‬
‫ـ لكنّنا سنجتمع حتت شجرة ّ‬
‫ما بقي من رمضان‪.‬‬
‫ـ سأبقى‪.‬‬
‫رسولة الظالم‬
‫الصنوبــرة‪ ،‬وراح ـوا يتكالبــون علــى مــن يكــون ّأوَل‬
‫حتلّق ـوا حــويل حتــت ّ‬
‫أيضــا‪.‬‬
‫املتح ّدثــن‪ ،‬وأدهشــي أ ّن الفــى «ن» فعــل مثلهــم ً‬
‫جتمــدت فجــأ ًة‪ :‬كيــف مل أربــط بــن ضيــاع‬‫ـت ابحلديــث‪ ،‬لكنّــي ّ‬
‫َهَ ْمـ ُ‬
‫ال ّذهبــات‪ ،‬ودخــول عليــاء إىل اجملوه ـرايت؟‬
‫الركــض‪ /‬ظهــرت يل املســافة حبـ ًـرا‪/‬‬
‫ـت احللقــة‪ /‬أســلمت نفســي لريــح ّ‬ ‫تركـ ُ‬
‫الســائلة‪ /‬اقتحمــت علــى اجملوه ـرايت حملَّــه‪/‬‬
‫جتاهلــت العيــون احلائــرة واألف ـواه ّ‬
‫نســيت التحيّــة‪ :‬واش جــات بنــي تديــر عنــدك؟‬
‫ات قصديريةً‪ ،‬مثّ أجابين وهو ميسح نظّاراته‪:‬‬ ‫صب علي نظر ٍ‬
‫َّ ّ‬
‫ـ قالــت إ ّن جــارة تسـ ّـمى نعيمــة املعقــال‪ ،‬أرســلتها لتســأل هلــا عــن ســعر‬
‫الغ ـرام مــن ال ّذهــب‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫مقود يتيم‬
‫ـاب ظاهــرٍة وأخــرى ختفــى‪ ،‬ومسـ ً‬
‫ـتعدا ألن‬ ‫مكشــرا عــن أنيـ ٍ‬
‫ـت مكتبــي ّ ً‬ ‫دخلـ ُ‬
‫نفســه‬
‫إعدامــا يف حـ ّـق مــن تسـ ّـول لــه ُ‬
‫أدوس أو أن ّف ـ َذ ً‬‫كل أو َ‬ ‫ـرب أو أر َ‬
‫أضـ َ‬
‫الســرد ال تعــي‬
‫ـويش علــي‪ .‬حريــة ّ‬‫الروايــة‪ ،‬إزعاجــي أو التشـ َ‬ ‫مــن شــخوص ّ‬
‫ـورا ال يعــي أن أخضــع خــارج‬ ‫الفوضــى‪ ،‬وخــويف مــن أن أكــون روائيًــا دكتاتـ ً‬
‫مــا تســمح بــه شــروط الكتابــة‪ .‬للكتابــة شــروط‪ ..‬هــل فهمتــم؟‬
‫اج ُكراعــه‬‫نفســه إخ ـر َ‬
‫كل مــن تسـ ّـول لــه ُ‬
‫ـرب الكتابــة إنـّـي ســأعدم َّ‬
‫أقســم بـ ّ‬
‫وإيكــم أن هت ـ ّددوين‪ ،‬مــرًة أخــرى‪ ،‬ابل ّذهــاب إىل‬
‫ـنتيما واحـ ًـدا‪ّ ،‬‬
‫مــن الق ّفــة سـ ً‬
‫كاتــب آخــر‪ ،‬فلســت مــن النّــوع الــذي ُيــارس التهديـ َـد أو يقبلــه مــن غــره‪.‬‬
‫ـأتطوع إبحالتــه علــى مــن هــو‬ ‫مــن أراد أن يذهــب إىل غــري‪ ،‬فــأان نفســي سـ ّ‬
‫مؤهــل ألن يكتبَــه‪ ،‬فقــد عشــت مــع الكتّــاب أكثـَـر مــن عيشــي مــع آل بوكبــة‪.‬‬
‫قال الفىت «ن» من غري أن ينظر إيل‪ :‬ماذا فعل هللا مبجوهرات ّأم‬
‫علياء؟‬
‫نبيل أن تص ّف َي حسابَك مع نعيمة املعقال على‬ ‫ـ امسع اي «ن»‪ ..‬ليس ً‬
‫حسايب‪ ،‬فأان رجل انضج وأعرف كيف ومىت أنتقم منها‪ .‬أم أنّك تريد‬
‫القراء لك‪ ،‬فتعتقد‬ ‫تغرنك حمبّة بعض ّ‬ ‫الرواية؟ ال ّ‬ ‫نفسك خارج ّ‬ ‫أن جتد َ‬
‫أنّين ال أستطيع أن أص ّفيك‪.‬‬
‫ـرت ببــكاء كنــت حباجـ ٍـة إليــه‪ ،‬حاجــي إىل‬ ‫ـت صــارخ‪ ،‬فانفجـ ُ‬ ‫عـ َّـم صمـ ٌ‬
‫ـودع أحـ ًـدا‪.‬‬
‫عمــي رزقــي الــذي رحــل اليــوم مــن غــر أن يـ ّ‬
‫ّ‬
‫ـائق عائلــي ابخلصــوص‪ ،‬منــذ قـ ّـررت أن‬
‫ـائق احلومــة كلّهــا‪ ،‬وسـ َ‬
‫كان سـ َ‬
‫أدخل هبا إىل اجلزائر العاصمة عام ‪ ،2010‬وكان آخر حديث دار بيننا‪:‬‬
‫ـ ملاذا مل تش ِرت سيارًة اي عبد الرزاق؟ ما دفعتَه يل خالل هذه السنوات‪،‬‬

‫‪24‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫كان كافيًا ألن تشرتي سيارًة رابعية ال ّدفع‪.‬‬


‫للسياقة اي عمي رزقي‪ ..‬أعرف حدودي‪.‬‬ ‫ـ ال أصلح ّ‬
‫امسعوا‪ ..‬عليكم أن تعرفوا حدوَدكم‪ ،‬فتعلموا أنكم لستم الوحيدين يف‬
‫غريكم‪ ،‬واخرتت أن‬
‫عاملي‪ ،‬بل عليكم أن تشكروين على أنّين تركت َ‬
‫عمي رزقي هذا وحدها كافية ألن أكتب روايةً تنحين‬ ‫أكتبكم أنتم‪ .‬حياة ّ‬
‫الرواايت‪ .‬هل هناك را ٍو أعمق من اتكسيور متقاعد من اجليش؟‬ ‫أمامها ّ‬
‫السالمل‬
‫بكاء ّ‬
‫الصنوبر‪ .‬فإذا يب‬
‫ملتمسا شجرة ّ‬‫ً‬ ‫وخرجت‬
‫ُ‬ ‫الباب يف وجوههم‪،‬‬
‫خبطت َ‬‫ُ‬
‫أمسع صوتني يبكيان حتت سلّم العمارة‪:‬‬
‫الصوت ‪ :1‬كان يُعطينا احللوى كلّما رآان‪.‬‬
‫الصوت ‪ :2‬كان يُسمعنا املوسيقى اليت نشاء حني نركب معه‪.‬‬
‫الصوت ‪ :1‬كان يدافع عنا يف احلومة حني يكون أبوان غائبًا‪.‬‬
‫الصوت ‪ :2‬البارحة فقط‪ ،‬سألين إن كانت ج ّديت قد عجنت خبز‬
‫كيسا من التّوت‪.‬‬
‫أخذت له خبزًة فأعطاين ً‬‫ُ‬ ‫ال ّدار‪،‬‬
‫صوت ‪ :1‬أين يذهب اإلنسان حني ميوت؟‬
‫بكاء املخطوط‬
‫الصــواتن الباكيــان لعليــاء وجنمــة‪.‬‬
‫عمــي رزقــي‪ ،‬وكان ّ‬
‫كان احلديــث عــن ّ‬
‫مل أســتطع أن أواجههمــا‪ ،‬فعــدت إىل مكتبــي‪ ،‬ألواجــهَ بَكْيَـةً أخــرى تذبــح‬
‫القلــب‪:‬‬
‫متقاعدا من اجليش‪ ،‬مثل رزقي هذا الذي حتدث‬
‫ً‬ ‫اتكسيورا‬
‫ً‬ ‫ـ كان أيب‬
‫األول يف اجلبل‪ ،‬لكنّه‬
‫تزوج ّأمي بعد أن شاع مقتل زوجها ّ‬ ‫عنه كاتبُنا‪ّ ،‬‬
‫أس أيب أمام‬
‫وجز ر َ‬
‫ظهر فجأةً‪ ،‬حني كان عمري سبعةَ أشهر يف بطنها‪َّ ،‬‬
‫دم نفاسها بدمه‪.‬‬
‫فورا حىت اختلط ُ‬
‫عينيها‪ ،‬فوضعتين ً‬
‫صوت نعيمة املعقال‪.‬‬
‫كان َ‬

‫‪25‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫حلوى املالك‬
‫عمــي رزقــي‪ ،‬كــي‬ ‫ـت ن ّقــايل أكلّــم ّ‬
‫ـت ّأمــي تشــكو دوخـةً‪ ،‬فأخرجـ ُ‬ ‫أصبحـ ْ‬
‫ـت‬
‫ـرت أننــا دفنّــاه أمــس‪ ،‬فاصبـ ُ‬
‫أيخــذان إىل املشــفى‪ ،‬مثــل العــادات‪ .‬مث تذ ّكـ ُ‬
‫ابل ّدوخــة مثلهــا‪ .‬ملــاذا ت ّدعــي اللغــة ّأنــا تســتطيع أن تصــف حلظـةً‪ ،‬حيــار فيهــا‬
‫رقمــا لعزيـ ٍز مــات؟‬
‫الواحــد ُبــن أن يــرك أو حيــذف ً‬
‫اتبوت العصفور‬
‫ـرب األصدقــاء إىل نفســي يف اللّيســيه‪ ،‬رغــم أنـّـي كنــت‬ ‫كان «ج» أقـ َ‬
‫عامــا حــى بتنــا حنلــم‬
‫ضمــن النظــام الداخلــي‪ ،‬ومل يكــن كذلــك‪َ .‬تَ ْوَْننــا ً‬
‫ـاعة واحدة‪ٍ،‬‬‫ابملســامهة يف إعادة اخلالفة اإلســامية‪ ،‬مث حلقنا حليتينا‪ ،‬يف سـ ٍ‬
‫ّ‬
‫وصارحــي حببّــه لنجــوى‪ ،‬فصارحتــه حبـ ّـي للياقــوت‪ .‬لقــد اكتشــفنا أ ّن الواحــد‬
‫كل إثنــن‪ ،‬مــن غــر أن ُيــر اآلخـ َـر‪ ،‬أي‬ ‫منّــا كان يعشــق ويُواعــد مســاء ّ‬
‫ش ـري َكه يف احللــم إبعــادة اخلالفــة‪.‬‬
‫ت يف األمــر‪،‬‬‫متامــا‪ ،‬فتحـَّـر ْ‬
‫ـت جنــوى أ ّن أســلوب رســاالته إليهــا تغـ ّـر ً‬
‫الحظـ ْ‬
‫ـت كاتبَــه احلفــي‪ .‬كانــت مــن النّــوع ال ّذكــي الــذي‬
‫ـت أنـّـي أصبحـ ُ‬ ‫حــى عرفـ ْ‬
‫قصــة «الشــاعر»‬ ‫حيســن إرســال اإلشــارات‪ ،‬فطلبــت منّــا أن نعيــد ق ـراءة ّ‬
‫للمنفلوطــي‪ ،‬حيــث كان الفــى العاشــق فيهــا‪ُ ،‬ياطــب حبيبتــه بلســان‬
‫الشــاعر س ـرانو‪ ،‬ومل تعــد تتعامــل مــع «ج» إال ازدراءً‪.‬‬
‫ـت جبامعــة ســطيف عــام ‪ ،1996‬والتحــق ابخلدمــة الوطنيــة‪،‬‬ ‫التحقـ ُ‬
‫ـان‪ ،‬وكان‬‫بعدمــا خســر الباكالــوراي‪ ،‬فكنــت أكلّمــه يف اهلاتــف الثابــت أحيـ ً‬
‫ـوت ملفـ ٍ‬
‫ـوف ابلعلــم‬ ‫يراســلين يف كل حــن‪ ،‬مث فجــأةً عــاد إىل بيتــه يف اتبـ ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ـات صغــرة‪.‬‬ ‫الوطــي‪ ،‬بعــد أن ل ّفتــه قنبلــة‪ ،‬فصيتْــه جيمـ ٍ‬
‫ّ ُ‬

‫‪26‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫هواجس العصفورة‬
‫ـت فيهــا يومهــا‪ ،‬أبن‬ ‫مــا أشــبه عجــزي عــن وصــف اللحظــة الــي َهَ ْمـ ُ‬
‫أحــذف رقــم هاتفــه مــن أجنــديت‪ ،‬بعجــزي البارحــة عــن الـ ّـرد علــى أســئلة‬
‫عمــي رزقــي ايكل ويشــرب عنــد ريب؟ يقــدر‬ ‫جنمــة قبــل أن تنــام‪ :‬اباب‪ّ ..‬‬
‫يشــوف والدو؟ وســيّارتو عــاش مــا ّداهــاش معــاه وخالهــا حابســة يف‬
‫احلومــة؟ يلقــى ســيّارة عنــد ريب؟ اباب‪ ..‬ريب ســاكن فالســما‪ ،‬وعمــي رزقــي‬
‫دفنــوه فلَّــرض‪ ،‬كيفــاش يتالقــاو؟‬
‫يقني اجلرو‬
‫الصغــرة‪ ،‬مثلمــا شــرحتَها‬
‫نفســك بنفســك هلــذه ّ‬ ‫اي ريب الكبــر‪ ،‬اشــر ْح َ‬
‫ـت قصبــة واعتليــت جبــل‬ ‫ـت طفـ ًـا يف «أوالد جحيــش»‪ .‬محلـ ُ‬ ‫يل حــن كنـ ُ‬
‫ٍ‬
‫ـت يف هاويــة كافــرة‪،‬‬
‫ـرت قدمــي ووقعـ ُ‬
‫أملســك‪ ،‬فتعثـ ْ‬
‫بوزيــد علّــي أســتطيع أن َ‬
‫ـت فعـ ًـا بيــدك‬
‫كان مــن املنطقــي أن أمــوت‪ ،‬لكنّــي مل أمــت‪ ،‬ألنــي أحسسـ ُ‬
‫ـروا علــى جنــاح األرض‪ ..‬منذهــا مل أشــرط أن أراك‬ ‫تتل ّقــاين‪ ،‬وحتــط يب جـ ً‬
‫حــى أومــن بــك‪.‬‬
‫شبيه‬
‫حرية ال ّ‬
‫الرواية‪ ،‬ما عدا مجال بودبزة‪ ،‬لذلك‬
‫مجيع شخوص ّ‬ ‫توقعت أن ينطق ُ‬
‫ُ‬
‫كانت دهشيت فخمةً حني نطق‪ .‬ما كان أشبهَ فرحيت تلك‪ ،‬بفرحة ّأمٍ‬
‫عن‪ ،‬إذ حت ّدثت‬
‫حتدثت ّ‬
‫َ‬ ‫ليدها ينطلق للمرة األوىل‪ .‬قال‪ :‬كأنك‬
‫تسمع و َ‬
‫عن صديقك «ج» أيها الكاتب‪.‬‬
‫ـ واش بيك؟‬
‫ـ حتدثت معي ابلدارجة؟‬

‫‪27‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫مؤجلة‬
‫دمعة ّ‬
‫الرواق بعويل فصيح لنجمة وعلياء‪.‬‬
‫اشتعل ّ‬
‫ـ ماذا صار؟‬
‫عمي رزقي خمبّيهالنا يف‬
‫ـ وليد عمي رزقي عطاان احللوى اللي كان ّ‬
‫سيّارتو‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫جزية ال ّذئب‬
‫يدان لثالث بنات‪ ،‬هو العنوان الذي يصلح لوصف حاليت مع علياء‬
‫للتبضع قبل اإلفطار‪.‬‬‫وجنمة ومرمي‪ ،‬ساعة اخلروج إىل احلومة يوميًا ّ‬
‫الســابقني‪ ،‬فكانــت يــداي‬
‫ّ‬ ‫كانــت مــرمي قاصــرًة عــن اخلــروج‪ ،‬يف الرمضانــن‬
‫ـدة يف‬‫كافيتــن ألختيهــا‪ ،‬مــع هوشـ ٍـة تشــتعل بينهمــا‪ ،‬بســبب رغبــة كل واحـ ٍ‬
‫ّ‬
‫الريشــة (‪ّ ،)3‬أمــا هــذا العــام‪ ،‬فقــد صــارت يـ ٌد‬
‫أن حتظــى ابليــد الــي حتمــل ّ‬
‫إلحدامهــا ابلتنــاوب‪ ،‬واألخــرى حكـًـرا تظـ ّـل حلمــل مــرمي‪.‬‬
‫علما أ ّن‬ ‫ٍ‬
‫أبي يد ُتمل الق ّفة؟ ً‬ ‫السؤال الذي يطرح نفسه يف هذا املقام‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫عليــاء وجنمــة ترفضــان أن حتمــا شــيئًا‪ ،‬ألهنمــا تكــوانن حمتفيتــن ابألغـراض‬
‫ختصهمــا وحدمهــا‪.‬‬
‫الصغــرة الــي ّ‬ ‫ّ‬
‫ـس حلــوى اثلثًــا‪ ،‬مــن غــر أن أرى لــه‬ ‫ابملناســبة‪ :‬ملــاذا صــارات تشــراين كيـ َ‬
‫أثـ ًـرا يف البيــت؟‬
‫ـروج معنــا‪،‬‬
‫الصغــرة مــرمي ابتــت ترفــض اخلـ َ‬
‫الحظــت قبــل يومــن‪ ،‬أن ّ‬
‫علمــا ّأنــا‬
‫وتلجــأ إىل حضــن ج ّدهتــا‪ ،‬كلّمــا رأتنــا جه ـزان أنفســنا لذلــك‪ً .‬‬
‫الســابقة‪ ،‬إذا رفضنــا أن نصطحبهــا‬‫األيم ّ‬
‫كانــت تشــعل البيــت عويـ ًـا‪ ،‬يف ّ‬
‫معنــا‪.‬‬
‫ــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــــ‬
‫ـب السـ ِ‬
‫ـاعات إيل‪ ،‬ســاعة‬ ‫ـت طفـ ًـا يف «أوالد جحيــش»‪ ،‬وكانــت أحـ َّ ّ‬
‫كنـ ُ‬

‫‪29‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫الصيــد‪ ،‬ومرافقتــه إىل اجلبـ ِـل‪ ،‬لنصطــاد‬ ‫يدعــوين أيب‪ ،‬إىل إطــاق سـراح كلــب ّ‬
‫الرعــب الــذي كان يســتعمر مفاصلــي‪ ،‬حلظ ـةَ‬ ‫مــا يُتــاح مــن احلجـ ِـل‪ .‬رغــم ّ‬
‫ـلت حماوالتـُـه مجيعُهــا‪ ،‬يف إقناعــي أبن‬ ‫يُطلــق البــارود مــن بندقيتــه‪ .‬لقــد فشـ ْ‬
‫اخلوافــة‪.‬‬
‫أتعلّــم ذلــك‪ ،‬فــكان يســتفزين‪ ،‬فيشــبّهين ابألنثــى ّ‬
‫الرمحــن بــن عمــي مــن مدينــة ســطيف‪ ،‬وصــار رفي ًقــا‬ ‫صي ًفــا مــا‪ ،‬زاران عبــد ّ‬
‫الصيــد‪ ،‬مث شـري ًكا أليب يف إطــاق البــارود‪ ،‬فتحـ ّـول مــن‬ ‫يل يف اخلــروج إىل ّ‬
‫ـدو محيــم‪ .‬كان يُطلــق رصاصتــه علــى األرنــب‪ ،‬وكان أيب‬ ‫ـدود إىل عـ ٍّ‬ ‫صديـ ٍـق لـ ٍ‬
‫يُطلــق رصاصتــه علــي‪ :‬ويقتــاش ترجــع راجــل كيفــو؟‬
‫صباحــا‬
‫ـت أن أضــع حــدًّا خلروجــه معنــا عشــيةً‪ ،‬فأخــرت أيب ً‬ ‫ليلـةً مــا‪ ،‬بيَّـ ُّ‬
‫ـت العـ ّـم‪ .‬ومل تـ َـر العيــو ُن‬
‫ـب‪ ،‬خلــف احلــوش‪ ،‬بنـ َ‬ ‫العمــة‪ ،‬يركـ ُ‬
‫أنـّـي رأيــت ولـ َـد ّ‬
‫عبـ َـد الرمحــن‪ ،‬يف بيتنــا‪ ،‬ســتة أعـوام متواليــة‪.‬‬
‫سقوط القناع‬
‫ســألتين جارتُنــا ُّأم مــوح‪ :‬ملــاذا مل تعــد مــرمي ختــرج معكــم؟ قلــت‪ّ :‬إنــا كانــت‬
‫تبكــي مــن عــدم خروجهــا‪ ،‬فصــارت تبكــي مــن دعوهتــا إىل ذلــك‪ .‬قالــت‪:‬‬
‫هــل أصارحــك أبمـ ٍر‪ ،‬علــى أن تعطــي األمــا َن حلفيــدي رايض؟ قلــت‪ :‬يكفــي‬
‫أن تذكريــه ألعــرف أ ّن لــه يـ ًـدا يف األمــر‪ .‬مــاذا صــار اي خالــة؟‬
‫ف مــرمي‪ ،‬حــن‬ ‫ـ مسعــت عليــاء وجنمــة‪ ،‬قبــل يومــن‪ ،‬تطلبــان منــه أن ُيـ ّـو َ‬
‫صباحــا‪ ،‬حــى تزهــد يف اخلــروج معــك‪ ،‬علــى أن جتلبــا‬ ‫ُترجاهنــا إىل احلومــة ً‬
‫ـي اللتــن ســيأكلهما الـ ّدود‪ ،‬يلبــس‬ ‫ـس حلــوى معهمــا‪ ،‬وقــد رأيتــه بعيـ َّ‬
‫لــه كيـ َ‬
‫قنــاع ال ّذئــب ويهجــم عليهــا‪ ،‬حتــت س ـلّم العمــارة‪ ،‬مثــل خروفــة خلّفهــا‬
‫القطيــع‪.‬‬
‫حدثت َّأم علياء ابألمر‪ ،‬وطالبتها أبن تضاعف البوراك الليلة‪.‬‬
‫ُ‬

‫‪30‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫أخريا قبل بوكبة‪ ،‬هكذا تناديين‪ ،‬أن يستقبل ضي ًفا يف رمضان‪.‬‬


‫ـو ً‬
‫ـ ســيكون معنــا رايض علــى اإلفطــار‪ ،‬وســنأخذه معنــا بعدهــا إىل البحــر‪،‬‬
‫حــى تتحـّـرر مــرمي مــن عقــدة اخلــروج‪.‬‬

‫ـــــــــــــ‬
‫دوما منذ الطفولة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ريشة فوق قصبة قصرية‪ ،‬أمحلها ً‬

‫‪31‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫فخاخ شقيقة‬
‫حيــدث أن أحــرم نفســي مــن مشــاهدة التلفزيــون‪ ،‬واالســتماع لإلذاعــة‪،‬‬
‫ـب يف بيتــه‪ ،‬أو اســتقباله يف بيــي‪،‬‬‫ـب أو حبيـ ٍ‬
‫وق ـراءة اجلريــدة‪ ،‬وزايرة قريـ ٍ‬
‫واســتعمال اهلاتــف وفيســبوك‪ ،‬ألخلــو بنفســي يف مكتبــي مــع شــخوص‬
‫روايــي‪.‬‬
‫أنسى ما وراء الباب‪ ،‬وأفخخ نفسي مبوسيقى حز ٍ‬
‫ينة‪ ،‬عاد ًة ما تكون كرديةً‪،‬‬ ‫ّ‬
‫معــا ونغــي ونبكــي ونضحــك‬‫ـون لذي ـ ًذا مــع «عبــادي»‪ .‬فنرقــص ً‬
‫وأابشــر جنـ ً‬
‫ونتهــاوش ونتنابــز ابأللقــاب‪ .‬مثّ نتصــاحل ونتجــاذب أحاديــث األطـراف‪.‬‬
‫وقــد صــار مــن العــادة‪ ،‬أن خترجــي جنمــة أو عليــاء مــن خلــويت‪ ،‬ابلطــرق‬
‫علــى البــاب ودعــويت للتدخــل حـ ًـال‪ :‬اباب‪ ..‬ضربتــي‪ /‬اباب‪ ..‬مــا خلتنيــش‬
‫نتفرج‪ /‬اباب‪ ..‬ضربتلي بوبييت‪ /‬اباب‪ ..‬كالتلي حقي‪ /‬اباب‪ ..‬رماتلي صبّاطي‪/‬‬ ‫ّ‬
‫اباب‪ ..‬عايرتــي‪ /‬اباب‪ ..‬مــا خالتنيــش نلعــب ابلطابــات‪ /‬اباب‪ ..‬اباب‪ ..‬اباب‪.‬‬
‫أقــع مثــل ريشــي بــن رحيــن‪ ،‬ريـ ٍـح تقــول يل‪ :‬أغلــق أذنيــك‪ ،‬فأنــت اآلن‬
‫مهربـ ٍـة للكتابــة‪ ،‬وملــزم أبن تعتــي بشــخوص روايتــك‪ .‬وريــح تقــول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫يف حلظــة ّ‬
‫واش بيــه ج ـ ّدك اي بوكبــة؟ بناتــك يف حالــة حــرب‪ ،‬وأنــت أوىل النّــاس أبن‬
‫ـت ستشــعر لــو كنــت عاقـ ًـرا؟‬
‫تفـ ّكك مــا بينهمــا مــن فخــاخ‪ .‬كيــف كنـ َ‬
‫ـس بســامي بطــل املسلســل الكارتــوين اليــاابين «أان وأخــي»‬ ‫ـتنجدت أمـ ِ‬
‫ُ‬ ‫اسـ‬
‫املقتبــس عــن سلســلة «مانغــا» للكاتبــة مارميوراغــاوا عــام ‪ ،1996‬علّــه‬
‫قصتــه مــع أخيــه‬
‫يــزرع بينهمــا ســنبلة أو ســنبلتني مــن احملبّــة‪ ،‬فأطلعتهمــا علــى ّ‬
‫الصغــر وســيم‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪32‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫أخــا‬
‫ـغول و ً‬
‫روى هلمــا ســامي كيــف أ ّن ّأمــه ماتــت‪ ،‬وتركــت لــه ًأب مشـ ً‬
‫ـخر له وقتَه كلَّه‪ :‬يُطعمه‪ /‬يســقيه‪ /‬يُالعبه‪ /‬يُنيمه‪ /‬يغســل‬ ‫صغريا‪ ،‬فصار يُسـ ّ‬‫ً‬
‫ِ‬
‫فس‬
‫دموعــه ولعابَــه‪/‬‬
‫َ‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫مي‬ ‫ـه‪/‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬‫ط‬ ‫غ‬
‫ُ ّ‬‫ي‬ ‫ـه‪/‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫حيم‬ ‫ـا‪/‬‬ ‫ـ‬‫قصص‬
‫ً‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫حي‬ ‫ـحه‪/‬‬ ‫ـ‬ ‫لــه‪ /‬يُ ّ‬
‫يتنــازل لــه عــن أكلــه ولُعبــه‪ ،‬وحيــرس مهـ َـده حــى يصحــو‪.‬‬
‫فعلــت التجربــة فعلتهــا طيلــة املســاء‪ ،‬إذ مل حيــدث أن تشــاجرات‪ ،‬أو طرقتــا‬
‫ـج ْل ســوى أنـّـي فقــدت ألــف دينــار‪ ،‬كنــت قــد‬ ‫علــي ابب اخللــوة‪ .‬ومل أسـ ّ‬
‫ـت لنعيمــة املعقــال والفــى «ن»‪ ،‬وعقــدت بينهمــا‬ ‫الصالــون‪ ،‬فتفرغـ ُ‬
‫تركتهــا يف ّ‬
‫ٍ‬
‫اتفاقًا على أن يرتكا ما بينهما من مشاحنات‪ ،‬ويُرّكزا على سرد حياتيهما‪،‬‬
‫قبــل أن خيلــص رمضــان‪ ،‬فقــد ال أجــد نفحـةً للكتابــة بعــده‪.‬‬
‫الســيد رايض‪ ،‬ســبع ســنوات‪ ،‬لتنــاول اإلفطــار معنــا‪،‬‬ ‫كنــت قــد دعــوت ّ‬
‫الصغــرة مــرمي‪ ،‬عشــرون‬‫الســهرة‪ ،‬حــى تتخلّــص ّ‬ ‫ومرافقتنــا إىل البحــر يف ّ‬
‫ـهرا‪ ،‬مــن رفــض اخلــروج إىل احلومــة‪ ،‬بعــد أن أرعبهــا بقنــاع ال ّذئــب‪ ،‬فجــاء‬
‫شـ ً‬
‫ألم عليــاء‪ ،‬حتبّهــا وال يش ـرهبا يف البيــت س ـواها‪:‬‬ ‫بــا قنــاع وق ـ ّدم هديــة ّ‬
‫زجاجــة كوكاكــوال اليــت‪.‬‬
‫ـت ُّأم‬ ‫ِ‬ ‫رفــع األذا ُن إىل ِ‬
‫اآلذان‪ُ ،‬فرفعــت املالعــق إىل األف ـواه‪ ،‬مث فجــأةً رفعـ ْ‬ ‫ُ‬
‫ـرب بعدهــا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫أو‬ ‫أتكل‬ ‫مل‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫ط‬ ‫عي‬ ‫ـاء‬
‫عليـ‬
‫عمــي رزقــي التاكســيور قــد مــات‪ ،‬فهممــت أبن أطلبــه‬ ‫ـيت أن ّ‬ ‫نسـ ُ‬
‫ليأخــذان إىل املستشــفى‪ /‬ذ ّكرتــي ّأمــي مبوتــه‪ ،‬فطلبــت جــاران أاب شــيماء يف‬
‫الطابــق الثــاين‪ /‬قيــل يل إنــه أفطــر عنــد شــقيقته‪ /‬عــدت إىل البيــت‪ ،‬فوجــدت‬
‫املخلوقــة قــد اراتحــت أبن تقيّــأت‪ ،‬ومل أجــد أثـ ًـرا لعليــاء وجنمــة وضيفهمــا‬
‫العزيــز‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫التمســتهم يف س ـلّم العمــارة‪ ،‬فوجدهتــم يتهامســون‪ّ :‬إيكمــا أن تعرتفــا‬


‫أبنّكمــا طلبتمــا مـ ّـي أن أحقــن زجاجــة الكــوكا ابجلافيــل‪ّ /‬إيك أن تعــرف‬
‫أبنـّـك قبضــت منّــا ألــف دينــار‪.‬‬
‫التكــي‪ ،‬فدعــوت‬
‫ذهبــت اجل ـ ّدة لتنــام‪ ،‬وغرقــت أم عليــاء يف مسلســلها ّ‬
‫البنتــن إىل املكتبــة‪:‬‬
‫ـ ملاذا طلبتما من رايض أن يضع اجلافيل يف زجاجة الكوكا؟‬
‫ـ أعجبنــا اعتنــاء ســامي أبخيــه وســيم‪ ،‬بعــد أن ماتــت ّأمــه‪ ،‬فقلنــا نفعــل‬
‫ذلــك مــع أختنــا مــرمي‪ ،‬بعــد أن متــوت ُّأمنــا‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫الف ّروج املق ّدس‬


‫ـ اباب‪ ..‬ملاذا تصومون يف رمضان؟‬
‫حنس جبوع اآلخرين يف غريه‪.‬‬
‫ـ حىت ّ‬
‫ـ ملاذا ال أيكلون حني يدامههم اجلوع؟‬
‫ألنم فقراء‪.‬‬
‫ـ ّ‬
‫ـ هل هناك فقراء يف حومتنا؟‬
‫مثل‪.‬‬
‫ـ ّأم كرميو ً‬
‫ــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــ‬
‫ـب‬
‫الســنوية جل ـ ّدان امليلــود‪ ،‬مــن شــغله يف فرنســا‪ ،‬أحـ َّ‬ ‫كان يــوم العــودة ّ‬
‫اويل جديــدةً‪ ،‬حنــن احملشــورين يف‬ ‫ـاده‪ .‬فيــه نتلقــى سـر َ‬ ‫األيم إلينــا‪ ،‬حنــن أحفـ َ‬ ‫ّ‬
‫ط املطّاطيــة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬
‫ْ َ ّ ُ‬‫باب‬ ‫الص‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫أرج‬ ‫ـت‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫أك‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬‫ً‬‫ة‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫جلد‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫أحذ‬‫و‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ق‬
‫ّ‬‫املر‬ ‫اويل‬ ‫ر‬ ‫السـ‬
‫ّ‬
‫أصل‪ ،‬يف قرية ال يسمع هبا إال هللا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وأنكل فواكهَ وحلوايت‪ ،‬مل نسمع هبا ً‬
‫ـاب معــه األلبسـةَ واألحذيـةَ العزيــزَة‪ ،‬فبــدأ‬ ‫صي ًفــا مــا‪ ،‬جــاء اجلـ ّد العزيــز وجـ َ‬
‫ـت مــا أعطــاين ســاعةً‪ ،‬مث ملتهــم‬ ‫ُ‬ ‫يب كالعــادة‪ ،‬ألنــي وحيـ ُـد ولـ ِـده البكــر‪ ،‬فلبسـ‬
‫ـس ووضعتهــم يف صندوقهــا اخلشــي‪ ،‬حتســبا لعــرس وشــيك‪ّ .‬‬ ‫ّأمــي يف كيـ ٍ‬
‫ًّ‬
‫اببــا علــى القبلــة‪،‬‬ ‫الضيــوف املطـ ّـل ُ‬ ‫صباحــا مــا‪ ،‬دعــاان اجل ـ ّد إىل دار ّ‬ ‫ً‬
‫مجيعــا‬
‫ً‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ك‬‫يد‬
‫ر‬ ‫أ‬ ‫ـد‪:‬‬ ‫ـ‬ ‫مح‬ ‫أ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫عم‬
‫ّ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫خل‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬‫عرس‬
‫َ ً‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫يق‬ ‫أن‬ ‫ر‬ ‫ـر‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـه‬‫ّ‬‫ـ‬‫ن‬ ‫أ‬ ‫وأخــران‬
‫ابأللبســة اجلديــدة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ـدره‬
‫ـي تظهــر ركبتــاه وصـ ُ‬ ‫حوشــنا متسـ ّـوٌل يتبعــه صـ ّ‬
‫بعــد يومــن‪ ،‬قصــد َ‬
‫لت إىل صنــدوق ّأمــي وأخرجــت الكيــس العزيــز‪/‬‬ ‫وحاف ـراه مــن فق ـ ٍر‪ ،‬فتس ـلّ ُ‬
‫ـت عينيهــا إىل هنايــة املمـ ّـر الــذي يســلكه‬ ‫وضعتــه حتــت إبطــي‪ ،‬وغافلـ ُ‬
‫ـت خلــف صخــرة حــى أتيــا‪ ،‬خرجــت هلمــا‪ ،‬وأعطيــت‬ ‫املتسـ ّـوالن‪ .‬مكثـ ُ‬
‫للصــي‪.‬‬
‫الكيــس ّ‬
‫ابلســرور‪،‬‬
‫مل أكــن أعلــم حينهــا أن نظراتــه إيل‪ ،‬وهــو يُغــادر مكسـ ًّـوا ّ‬
‫ٍ‬
‫س ـرافقين إىل يــوم الكتابــة هــذا‪ ،‬مثلمــا مل أكــن أعلــم أنـّـي علــى موعــد مــع‬
‫ـت أمـ َـره‪ ،‬وظهــرت بلباســي‬‫ـرٍح علــى يــد اجلـ ّد‪ ،‬بســبب أنـّـي خالفـ ُ‬ ‫ٍ‬
‫ضــرب مـ ّ‬
‫وحذائــي املوغلــن يف القدامــة‪.‬‬
‫حتقيق امللكة‬
‫ـوح‬
‫الروائيــة‪ ،‬مــع الفــى «ن»‪ ،‬الــذي ذاب يف بـ ٍ‬‫ـس‪ ،‬كنــت يف خلــويت ّ‬ ‫أمـ ِ‬
‫ـاع عاجـ ٍـل يف غرفــة‬
‫أبم عليــاء تدعــوين إىل اجتمـ ٍ‬
‫فــاض علــى اللّغــة‪ ،‬وإذا ّ‬
‫امللكــة األم‪.‬‬
‫الفروج؟‬
‫ـ أين ّ‬
‫ـ واش من ّفروج ّما؟‬
‫لنحيي به نصفية سيّدان رمضان؟‬
‫َ‬ ‫ـ ذاك الذي أحضرتُه معي من القرية‪،‬‬
‫اسك ما شفتو‪.‬‬ ‫ـ ْور َ‬
‫الرأس واألمعاء‪ ،‬يستطيع أن يغادر‬‫الريش و ّ‬
‫ـ ال أعتقد أ ّن دي ًكا منزوع ّ‬
‫سبيل‪.‬‬
‫الثالجة‪ ،‬ويتخ َذ له يف الربيّة ً‬
‫ـ ّما‪ ..‬خلّينا من املشاكل‪ ..‬راين نكتب وراسي راهو كالطبل‪.‬‬
‫قادرا على أن تشرتي دجاجةً‪ ،‬وتتص ّدق هبا‪ ،‬ال أن تتص ّدق‬ ‫كنت ً‬
‫ـ َ‬
‫بفروج النّصفية‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪36‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫مر‬ ‫ِ‬
‫فَخ ٌذ ّ‬
‫مهمــي بنقــل املواعــن ومــا‬
‫ـرت ّ‬
‫أهنــت ُّأم عليــاء مهمتَهــا يف املطبــخ‪ ،‬فباشـ ُ‬
‫الصالــون‪ ،‬وإذا جبــرس البيــت يُعلــن عــن كائـ ٍن‬
‫فيهــا‪ ،‬إىل طاولــة اإلفطــار يف ّ‬
‫ـاج بلــدي‪:‬‬
‫يتوســطه فخـ ُذ دجـ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مــا‪ .‬كانــت ّأم كرميــو يســبقها صحـ ُـن مــرق ّ‬
‫وج الذي جلبتاه يل وحدي‪.‬‬ ‫الفر َ‬
‫آكل ّ‬
‫أخرب ابنتيك أنّين مل أشأ أن َ‬ ‫ـ ْ‬

‫‪37‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫السلّة الصّينية‬
‫حالة ٍ‬
‫كتابة خاثرة‪ ،‬ال‬ ‫ال أحتمل أن يدخل أح ٌد مكتبيت‪ ،‬حني أكون يف ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أثنــاء وجــودي فيهــا وال بعــد خروجــي منهــا‪ .‬وأســارع إىل تنظيفهــا وتعطريهــا‪،‬‬
‫ع ُّأم عليــاء ابلتنظيــف‪ ،‬فتدخلهــا‪ ،‬وتشـ ّـوش علــى تداخلــي مــع‬‫ـذر َ‬
‫حــى ال تتـ ّ‬
‫شخوصي‪.‬‬
‫الشــرفة‪ ،‬ألتفقــد البنــات يلعــن‬
‫مفتوحــا‪ ،‬أثنــاء خروجــي إىل ّ‬
‫ـيت البــاب ً‬
‫نسـ ُ‬
‫يف احلومــة‪ ،‬فوجــدت أم عليــاء قــد جلبــت ترســانة التنظيــف واســتعمرت‬
‫املكتبــة‪.‬‬
‫مل أشــأ أن أعلّــق علــى مــا فعلتــه مــن غــر إذين‪ ،‬رغــم امتعاضــي الــذي‬
‫خاصــة نعيمــة املعقــال‪،‬‬
‫الروايــة‪ّ ،‬‬ ‫ـاض شــخوص ّ‬ ‫مل يتفـ ّـوق عليــه إال امتعـ ُ‬
‫ـت ّأنــا‪ ،‬علــى غــر عادهتــا‪،‬‬
‫ـررت إىل أن أســأ َلا‪ ،‬بعــد أن الحظـ ُ‬
‫لكنــي اضطـ ُ‬
‫تتلصــص علــى زوااي مل تكــن ترّكــز عليهــا‪ ،‬مثــل خزانــة الكتــب وأســفل‬ ‫ّ‬
‫الس ـرير‪ ،‬مبــا يوحــي ّأنــا تفتــش عــن شـ ٍ‬
‫ـيء أو عــن بقــاايه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أي ٍ‬
‫شيء تبحثني اي خملوقة؟‬ ‫ـ عن ِّ‬
‫مصدره‪.‬‬
‫َ‬ ‫صرصورا يف املطبخ‪ ،‬فخشيت أن تكون مكتبتُك‬ ‫ً‬ ‫وجدت‬
‫ُ‬ ‫ـ‬
‫ـ أقسم إنك تتجنّبني قول احلقيقة‪ .‬اعرتيف‪ ..‬فأان شريكك‪.‬‬
‫أكلت رمضا َن خفيةً‪.‬‬
‫كنت شريكي‪ ،‬ملا َ‬ ‫ـ لو َ‬
‫ـ اي إهلي‪.‬‬
‫األكل بنفسي‪.‬‬
‫َ‬ ‫وسأجلب لك‬
‫ُ‬ ‫اعرتف‪..‬‬
‫ْ‬ ‫ـ‬
‫أنكر لك ذلك أو أثبتَه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مضطرا ألن‬
‫ً‬ ‫لست‬
‫ـ ُ‬
‫كمية من حل ٍم وج ٍ‬
‫نب‪ ،‬يف‬ ‫ترك ٍ‬ ‫أتعمد‪ ،‬منذ حلول رمضان‪َ ،‬‬ ‫ـ تعلم أنين ّ‬

‫‪38‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫أثرا‪ .‬مع‬
‫الثالجة‪ ،‬حىت أتكل البنات يف النّهار‪ ،‬غري أنّين ال أجد هلا ً‬
‫علمي أهنن مل أيكلنها‪ ،‬أين راحت من غري معدتك؟‬
‫ـــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــــــ‬
‫ب ماءَ القربة‬
‫عاما‪ ،‬حني ضبط أيب فمي يـَعُ ُّ‬
‫كان عمري اثين عشر ً‬
‫فتجمد املاءُ يف حلقي وأمعائي‪،‬‬‫عز سيدان رمضان‪ّ ،‬‬ ‫مباشرًة من فمها‪ ،‬يف ّ‬
‫لعلمي ِ‬
‫املسبق أب ّن العقاب سيكون ساخنًا‪.‬‬
‫ـرك عقابَــه هــو‪ ،‬وخـ ّـرين بــن‬
‫قــال إنـّـه ســيرتك عقــاب هللا هلل‪ ،‬لكنّــه لــن يـ َ‬
‫ـت خــارج احلــوش مــع الــذائب‪.‬‬ ‫ـرب القرب ـةَ كلَّهــا‪ ،‬أو أبيـُ َ‬
‫أن أشـ َ‬
‫كنــت أخــاف عـواء الذيــب‪ ،‬وأان حممــي يف الفـراش‪ ،‬فكيــف أن أواجهــه‬
‫ـاب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ـرب القربــة عقـ ً‬‫ـرت شـ َ‬‫وانب؟ فاخـ ُ‬ ‫وجهــا ً‬
‫ً‬
‫امتــأ بطــي ابملــاء‪ ،‬حــى انقطــع نفســي‪ ،‬ولــوال جــديت مــرمي الــي فعلــت مــا‬
‫ـب يف مثــل هــذه املواقــف‪،‬‬ ‫تفعــل عجائـ ُـز «أوالد جحيــش»‪ ،‬إلنقــاذ املعاقَـ ِ‬
‫ـفت عــن عورهتــا أماُمــه‪ ،‬فطــار إىل خــارج احلــوش‪،‬‬ ‫ـرت قرب ـةً اثني ـةً‪ :‬كشـ ْ‬
‫لصـ ُ‬
‫عمــي‪.‬‬
‫ومل يعــد إال بعــد إفطاريــن عنــد ّ‬
‫ابلصني‬
‫مرحبًا ّ‬
‫الصينية‬
‫بعيدا عن ّبوابة الورشــة ّ‬
‫الســيد «شــي»‪ً ،‬‬ ‫ليس من عاديت أن أرى ّ‬
‫املكلفــة إبجنــاز احلـ ّـي اجلديــد‪ ،‬فمــا ابلــه زار اليــوم حومتنــا؟‬
‫مل تــدم حــريت طويـ ًـا‪ ،‬خبــروج جــاري عزيــز الــذي يل ّقــب بعزيزوفيتــش‪ ،‬ألنـّـه‬
‫ـدرب البوســي وحيــد حليلوزيتــش‪ ،‬حامـ ًـا سـلّةً صــدرت‬ ‫بكــى يــوم غــادر املـ ّ‬
‫ـدت ســتة قطــط مســان‪.‬‬
‫ـفت عنهــا الغطــاءَ‪ ،‬فوجـ ُ‬ ‫اءات متقاطعــة‪ ،‬كشـ ُ‬‫منهــا مـو ٌ‬

‫‪39‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫السلّة ل «شي»‪ ،‬وقبض منه مبلغًا مسينًا‪ ،‬مث التفت‬‫أعطى عزيزوفيتش ّ‬


‫بكل براءة‪:‬‬
‫إيل ّ‬
‫ّ‬
‫أوصل هذه اإلكرامية لعلياء وجنمة‪ ،‬نظري اللّحم واجلنب‪ ،‬اللذين كانتا‬
‫ْ‬ ‫ـ‬
‫حتضرانه يوميًا للقطط‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ليلة القدر‬
‫مــن العــادات الــي تزعجــي هبــا عليــاء وجنمــة‪ّ ،‬أنمــا تط ـران إىل البـ ِ‬
‫ـاب‬
‫اخلارجـ ِّـي كلّمــا مسعتــا اجلــرس‪ .‬وابت انزعاجــي ثالثـ َّـي األبعــاد‪ ،‬ابنضمــام‬
‫الشــهور الثّالثــة األخــرة‪.‬‬
‫الصغــرة مــرمي إليهمــا‪ ،‬يف ّ‬ ‫ّ‬
‫فعلتــا ذلــك أمــس‪ ،‬مث أغلقتــا البــاب بقـ ٍ‬
‫ـوة علــى غــر العــادة‪ ،‬وأمطـرات علــى‬
‫ابب مكتبــي بغـزارة‪ :‬اباب‪ ..‬اباب‪ ..‬النّجــدة‪ ..‬النّجــدة‪.‬‬
‫الروايــة‪ِّ :‬‬
‫عو ْدمهــا علــى اللّجــوء إىل ج ّدهتمــا أو‬ ‫ـض شــخوص ّ‬ ‫قــال يل بعـ ُ‬
‫ّأمهمــا أو نفســيهما‪ ،‬حبســب احلالــة‪ ،‬وإال فإنـّـك لــن جتــي مــن خلوتــك‬
‫حرفًــا‪.‬‬
‫ـ ماذا صار؟‬
‫ف بنفسك‪.‬‬
‫ـ تعال ُش ْ‬
‫الرماد‬
‫مطوية ّ‬
‫ـباب ســلفيني بوجـ ٍ‬
‫ـوه‬ ‫أدهشــي أنـّـي وجــدت خلــف البــاب‪ ،‬ثالثــة شـ ٍ‬
‫ِ‬
‫رد التحيــة‪ ،‬مثّ يف اســتالم مطويـ ٍـة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ـرت يف ّ‬
‫مكسـ ّـوة وســيقان عاريــة‪ ،‬فتأخـ ُ‬
‫قالـوا ّإنــم خرجـوا يف ســبيل هللا‪ ،‬لينبهـوا العائـ ِ‬
‫ـات إىل بدعــة االحتفــال بليلــة‬ ‫ّ‬
‫القــدر‪.‬‬
‫حترضنــا عــل تــرك التّبذيــر‪ ،‬وإخ ـراج القمامــة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ـ حنــن حباجــة إىل مطــوايت ّ‬
‫يف وقتهــا‪ ،‬وعــدم إزعــاج النّائمــن يف ســاعات النّــوم‪ ،‬واحلفــاظ علــى مواعيــد‬
‫الــدوام‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫مهمة احلكومة‪.‬‬
‫ـ هذه ّ‬
‫مل أأتخــر يف إغــاق البــاب‪ ،‬وفتـ ِـح حديـ ٍ‬
‫ـث مــع ّأمــي‪ ،‬الــي تعتقــد أ ّن ليلــة‬ ‫ْ‬
‫ـت أحـ ًـدا يف اخلــاء‪ ،‬إال حققــت رغباتِــه كلَّهــا‪.‬‬‫القــدر امـرأة مساويــة‪ ،‬مــا أدركـ ْ‬
‫ـــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــ‬
‫تيســا احتفـ ًـال بليلــة‬
‫ط بــه‪ ،‬وهــو يذبــح ً‬ ‫دعــاان ج ـ ّدان امليلــود‪ ،‬إىل أن حني ـ َ‬
‫القــدر‪ .‬وصــادف أن زاران العطّــار عمــر أوعاشــور‪ ،‬مــن منطقــة زواوة‪ ،‬علــى‬
‫بغلتــه الــي حتمــل مــا تشــتهيه النّســاء‪ ،‬مــن مـرااي صغـ ٍ‬
‫ـرة وعطـ ٍر وكحـ ٍـل وسـو ٍاك‬ ‫ُ‬
‫ـت للشــعر ومناديـ َـل للـّـرؤوس‪ ،‬فأقســم عليــه جـ ّدي ابملبيــت‪.‬‬ ‫وزيـ ٍ‬

‫ـرك خــويف وأقتحـ َـم اخلــاءَ‪،‬‬‫ـجعتين ّأمــي علــى أن أتـ َ‬ ‫عســعس اللّيـ ُـل‪ ،‬فشـ ّ‬
‫ـب منهــا أن جتعلــي عاملـاً هتتــدي بــه النجــوم‪.‬‬ ‫علّــي أدرك ليلــة القــدر‪ ،‬فأطلـ َ‬
‫ـت صخــرةً خلــف‬ ‫مدفوعــا حبـرارة الطّمــوح‪ ،‬مثّ فقدهتــا‪ ،‬حــن اعتليـ ُ‬
‫ً‬ ‫ـت‬
‫خرجـ ُ‬
‫ـام‬
‫ـب منعــي مــن النّــزول والعــودة إىل البيــت‪ .‬كان الظـ ُ‬ ‫احلــوش‪ ،‬فاعتــاين رعـ ٌ‬
‫ـوف األرواح‪.‬‬ ‫والعـواءُ سـريرين كبرييــن ينــام عليهمــا خـ ُ‬
‫ـت جترب ـةَ أن ختــر َج روحــي مــن جســدي‪ ،‬حــن مسعــت حننح ـةً حتــت‬ ‫عشـ ُ‬
‫ـتعدت روحــي فجــأ ًة‪ ،‬ظنًّــا مـ ّـي ّأنــا حننحــة ليلــة القــدر‪،‬‬
‫الصخــرة‪ ،‬مث اسـ ُ‬ ‫ّ‬
‫ـت أذوب يف ال ّدعــاء‪.‬‬
‫فر ُ‬
‫ـ‬ ‫ح‬
‫ـ إيه‪ ..‬ريب يسرتك ويهنّيك اي وليدي‪.‬‬
‫كرشــه‬
‫الصخــرة‪ ،‬ليفــرغ َ‬
‫ظهــر أهنــا حننحــة عمــر أوعاشــور‪ ،‬وقــد ســبقين إىل ّ‬
‫مــن حلــم التّيــس‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫شرفة النّور‬
‫الســحور‪ ،‬فــأان ال أســتصيغ‬
‫مــن عــاديت أن أوقــظ عليــاء وجنمــة وقــت ّ‬
‫ـاوي مــن حديثهمــا‪.‬‬
‫ـت خـ ً‬ ‫البيـ َ‬
‫التمســتهما يف سـريريهما‪ /‬مل أجدمهــا‪ /‬دخلــت غرفــة ج ّدهتمــا‪ /‬مل أجدمهــا‪/‬‬
‫ـاب اخلارجـ َّـي‪ ،‬فقــد تكــوانن‬
‫ـدت البـ َ‬
‫يف الـ ّدوش واملرحــاض‪ ،‬مل أجدمهــا‪ /‬تفقـ ُ‬
‫الشــرفة‬
‫ابب ّ‬
‫ـوع النّهــار‪ ،‬وجدتــه حمكـ َـم اإلقفــال‪ ،‬وكان ُ‬
‫خرجتــا معتقدتــن طلـ َ‬
‫الشــرفة علــى البــال‪ .‬ويــن راحــو اي ريب؟‬
‫مقفـ ًـا مثلــه‪ ،‬فلــم ختطـ ْـر يل ّ‬
‫احنا أن خترج فيه خوفًا عليهما‪ ،‬وصلين‬
‫يف الوقت الذي كادت أرو ُ‬
‫منديل على رأسها‪،‬‬
‫الشرفة‪ :‬كانت علياء واضعةً ً‬ ‫صواتن خفيفان من ّ‬
‫ورافعةً يديها إىل القبلة جهة الغرب‪ ،‬خلفها جنمة حتمل مطوية الشباب‬
‫السلفيني‪.‬‬
‫ّ‬
‫ـ واش راكم تديرو؟‬
‫ـ نستنّاو يف ليلة القدر‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫أنا قاتل‬
‫األم‪ ،‬قبــل مخــس ســنوات‪ ،‬أي ثــاث‬ ‫بقـرا ٍر ملكـ ٍّـي سـ ٍـام‪ ،‬أصدرتــه امللكــة ّ‬
‫ـهرا بعــد والدة جنمــة‪ ،‬أصبــح مسلســل‬ ‫ســنوات بعــد والدة عليــاء‪ ،‬وشـ ً‬
‫«نســيبيت العزيــزة»‪ ،‬الــذي تبثّــه قنــاة «نســمة» التّونســية‪ ،‬مسلسـ َـل األســرة‬
‫كل‬
‫فرتســخ يف األذهــان والوجــدان‪ ،‬حــى أ ّن َّ‬
‫الســاعة الــي تلــي اإلفطــار‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫يف‬
‫واحـ ٍـد منّــا‪ ،‬ابت حيمــل اسـ َـم واحـ ٍـد مــن شــخوصه‪.‬‬
‫ّأمي‪ :‬فطّوم أم املنجي‬
‫ّأم علياء‪ :‬مخيسة‬
‫علياء‪ :‬رزيقة‬
‫جنمة‪ :‬حيّوتة‬
‫مرمي‪ :‬مجعة‬
‫أان‪ :‬ببّوشة‬
‫ـت‬
‫وأل ّن نســخة هــذا العــام‪ ،‬أدخلــت «رفيقــة» زوجـةً للمنجــي‪ ،‬فقــد أطلقـ ْ‬
‫ِ‬
‫ـب دماهــا إليهــا‪.‬‬
‫عليــاءُ امسَهــا علــى أحـ ّ‬
‫ـدث أن بلــغ التشــنّ ُج مــع شــخوص روايــي ذروتَــه‪ ،‬مثلمــا بلــغ اليــوم‪،‬‬
‫مل حيـ ْ‬
‫أصبت صحنًا طينيًا‬ ‫ُ‬ ‫حىت أنّين رميت نعيمة املعقال ابلكرســي‪ ،‬فحدث أن‬
‫أهدتــه يل جـ ّديت األمازيغيــة ورديــة يــوم ختــاين منتصــف الثمانينيــات‪.‬‬
‫تزامنــت احلادثــة مــع ص ـراخ عليــاء‪ ،‬مــن خلــف البــاب‪ ،‬تقــول إ ّن جنمــة‬
‫ضربــت دميتهــا رفيقــة‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫الصيــام‪ ،‬فحملــت ال ّدميــة‬ ‫ٍ‬


‫ـب ّ‬‫هائجــا مثــل شــتيمة أمالهــا غضـ ُ‬
‫ـت ً‬ ‫خرجـ ُ‬
‫روحهــا‪ .‬كنــت‪ ،‬يف تلــك اللحظــة أخنــق يف احلقيقــة‬
‫وخنقتهــا حــى خرجــت ُ‬
‫نعيمــة املعقــال‪.‬‬
‫ـوت صندالتهــا علــى‬
‫طــارت عليــاء مــن بــن يــدي‪ ،‬ومل يبـ َـق منهــا إال صـ ُ‬
‫س ـلّم العمــارة‪.‬‬
‫الشــرفة أشـ ّـم اهلـواء‪ ،‬وألقــي نظــرةً علــى‬
‫ـت إىل ّ‬
‫ـت إىل حالــي‪ ،‬فخرجـ ُ‬ ‫انتبهـ ُ‬
‫دبيــب احلومــة عصـ ًـرا‪ ،‬فرأيــت عليــاء يف حديــث ســاخن مــع جــاران نذيــر‬
‫الشــرطة يف مدينــة بومــرداس‪.‬‬
‫عــون ّ‬
‫ورطة كوانن‬
‫الصالــون وغرقــت يف سلســلة‬ ‫قـ ّـررت أن أقاطــع املكتبــة‪ ،‬فدخلــت ّ‬
‫الشــرطي‬
‫«ســيلفي» علــى األم‪ .‬يب‪ .‬ســي‪ ،‬وإذا ابجلــرس يــر ّن‪ .‬كان جــاري ّ‬
‫اضحــا‪:‬‬
‫إيل و ً‬‫نذيــر‪ ،‬وكان اجتهــاده يف أن يتح ـ ّدث ّ‬
‫ـ شــوف جــاري العزيــز‪ ..‬يف احلقيقــة حنــا خــاوة‪ ،‬وحــاب نقولّــك ابللــي أان‬
‫مســتعد نرافقــك ابش تبلّـ ْغ بنفســك‪ ،‬خــر مــا حيســبوها عليــك‪.‬‬
‫ـ على واش راك حتكي؟‬
‫ـ عالش قتلت رفيقة؟‬

‫‪45‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫الفنّانة التشكيلية‬
‫سر سواد هذه اللّوحة؟‬
‫ـ اباب‪ ..‬ما ُّ‬
‫ـ ألهنا مرسومة ابلفحم‪.‬‬
‫ـ هل ُيكننا أن نرسم ابلفحم؟‬
‫الرسامني يستعملونه‪.‬‬‫ـ كثري من ّ‬
‫ـ كيف ُيكننا أن حنصل على الفحم؟‬
‫الشواي‪.‬‬
‫جاهزا‪ ،‬من عند احل ّداد أو ّ‬
‫وإما أن نشرتيه ً‬
‫ـ ّإما أن حنرق احلطب‪ّ ،‬‬
‫كان هذا حو ًارا بيين وبني علياء‪ ،‬خبصوص اللوحة اليت رمسها التشكيلي منري‬
‫غوري‪ ،‬ترمجةً لكتايب «وحم أعلى اجملاز»‪ ،‬وقمت بتعليقها يف صالون البيت‪.‬‬
‫ـــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــ‬
‫مقيمــا يف احلـ ّـي اجلامعــي جبامعــة ســطيف‪ ،‬أواخــر التســعينيات‪ ،‬وكان‬ ‫كنــت ً‬
‫ـورا‬
‫ـى ســلفيًا‪ ،‬عـّـز عليــه أن أســتمع إىل املوســيقى‪ ،‬وأعلّــق صـ ً‬
‫شـريكي يف الغرفــة فـ ً‬
‫ٍ‬
‫لــذوات األرواح‪ ،‬وأنــزل إىل صديقــات ينادينــي مــن الطريــق الــذي تطـ ّـل عليــه‬
‫انفــذيت‪.‬‬
‫فخخــي ابلنّصيحــة بكــرًة وأصيـ ًـا‪.‬‬ ‫ـن‪ ،‬فــكان يُ ّ‬ ‫يف البدايــة‪ ،‬اســتعمل معــي اللـ َ‬
‫ـف األشــرطة يف غيــايب‪،‬‬ ‫اخشوشـ َـن فبــات يوقــف املســجلّة يف حضــوري‪ ،‬ويُتلـ ُ‬ ‫مث ْ‬
‫وحــن يـراين شـغّلتها مــن جديـ ٍـد ينخــرط يف قيــام الليــل‪ ،‬لعلمــه أنـّـي أضــع حــدًّا هلــا‬
‫مــن تلقــاء نفســي‪ ،‬احرت ًامــا لل ُقـران العظيــم‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫كان مــن عــاديت شــبه اليوميــة‪ ،‬أن أقصــد الغابــة الــي أعلــى اجلامعــة‪ ،‬فأكتــب‬
‫ـروب‪ ،‬وأعــود إىل غرفــي‪.‬‬
‫أو أق ـرأ‪ ،‬مث أشــاهد الغـ َ‬
‫ـوب يف الفــن‬
‫ـت يف الغابــة كتل ـةً فحمي ـةً‪ ،‬فدعــوت صدي ًقــا موهـ ً‬
‫مــرًة‪ ..‬صادفـ ُ‬
‫وطلبت منه أن ينحت‬ ‫الســلفي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫التشــكيلي‪ ،‬كان على علم خباليف مع شـريكي ّ‬
‫صنمــا‪.‬‬
‫منهــا ً‬
‫الســوداء فــوق الطاولــة‪ ،‬ومــا أن مسعــت خشخشــة املفتــاح يف‬
‫ـت املنحوتــة ّ‬
‫وضعـ ُ‬
‫للصنــم‪.‬‬
‫ـرعت يف اهلمهمــة‪ ،‬مبــا يوحــي أنـّـي أصلّــي ّ‬
‫قفــل البــاب‪ ،‬حــى شـ ُ‬
‫ـ ماذا تفعل؟‬
‫كت دينكم‪ .‬وعدت إىل الداينة األصلية ألجدادي العرب‪.‬‬
‫ـ تر ُ‬
‫ـورا‪ ،‬وهــو يســتغفر هللا العظيــم‪ ،‬مــن‬
‫اضــا لــه ونســي أخــرى‪ ،‬وغــادر الغرفــة فـ ً‬
‫ملَّ أغر ً‬
‫وجـ ّدي وهلــوي‪.‬‬‫الشــرك العظيــم‪ ،‬فأصبحــت ســيِ ًدا علــى نومــي وصحــوي ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جدار أسود‬
‫الروايــة يف‬
‫ـث مــع شــخوص ّ‬ ‫ـطت احلديـ َ‬ ‫أعجبتــي قيلولــة اجلميــع يف البيــت‪ ،‬فبسـ ُ‬
‫الصـر ِاخ يعلــو‪ .‬كانــت جارتنــا أم علــي‪.‬‬ ‫املكتبــة‪ ،‬وإذا ابجلــرس يــر ّن والبـ ِ‬
‫ـاب يُفتــح و ّ‬
‫ـ ماذا صار اي خالة؟‬
‫الشواي رضوان‪ ،‬ورمسا به‬
‫فحما من عند ّ‬
‫ـ ابنتك علياء وابين علي‪ ،‬جلبا ً‬
‫فشوهاه بشكل سيجعل عشيّيت سوداءَ مع زوجي‪.‬‬
‫الصالون‪ّ ،‬‬
‫فوق جدار ّ‬

‫‪47‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫مشس الكفيف‬
‫أصـ ّـرت عليــاء وجنمــة علــى مرافقــي‪ ،‬إىل اإلفطــار اخلـ ِّ‬
‫ـري‪ ،‬الــذي أقامتــه‬
‫«مجعيــة الوفــاء ابلعهــد»‪ ،‬لن ـزالء معهــد التكويــن املهــي اخلــاص بــذوي‬
‫االحتياجــات اخلاصــة‪ .‬وحــدث أن انســجمتا مــع وهيبــة الكفيفــة‪ ،‬وأعجبتــا‬
‫ـاب عمي ًقــا‪.‬‬
‫هبــا إعجـ ً‬
‫وزو ابملعهــد‪ ،‬لتتعلّــم اإلعــام اآليل‪،‬‬ ‫التحقــت وهيبــة ســليلة مدينــة تيــزي ّ‬
‫بعــد أن حصلــت علــى شــهادة ماجســتري يف العلــوم القانونيــة‪ ،‬وهــي متح ّدثــة‬
‫جيّــدة وتتقــن فــن التنشــيط‪.‬‬
‫ـــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــــ‬
‫تتوحــم علــى‬
‫زارتنــا إحــدى القريبــات يف «أوالد جحيــش»‪ ،‬وظهــر ّأنــا ّ‬
‫ـعرها ألشــري هلــا‬
‫الت ّفــاح‪ ،‬فباعــت ج ـ ّديت مــرمي دجاج ـةً هلــا‪ ،‬وأعطتــي سـ َ‬
‫تفاحــا مــن بســتان ســي خملــوف‪.‬‬
‫ً‬
‫وحمروســا مــن طــرف الفــى‬
‫ً‬ ‫كان البســتان مس ـيَّ ًجا أبشــجار العرعــار‪،‬‬
‫مبدعــا يف التعـ ّـرف علــى النّــاس مــن‬
‫الكفيــف ســي حمفــوظ‪ ،‬الــذي كان ً‬
‫ٍ‬
‫خــال أصواهتــم‪ ،‬مهمــا طالــت املـ ّدة‪ ،‬ويف املشــي مســافات طويلـةً مــن غــر‬
‫عصــا أو دليــل‪.‬‬
‫ســاب ًقا‪ ،‬كنــت قــد اســتعرت مئــي دينــار مــن زميــل يل‪ ،‬لشـراء كتــاب مــن‬
‫ـك مـ ّـي املبلـ َـغ‪،‬‬
‫زميــل آخــر‪ ،‬فحــدث أن التقيتــه يف طريقــي إىل البســتان‪ ،‬وافتـ ّ‬
‫فتناهبـَْتين حرياتن‪ :‬هل أعود إىل البيت‪ ،‬من‬ ‫الســياق‪َ ،‬‬ ‫ـرحت له ّ‬
‫رغم أنّين شـ ُ‬

‫‪48‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ـاح‪ ،‬فتبيعــي اجلـ ّدة إىل اجلـ ّد‪ ،‬الــذي عــاد متقاعـ ًـدا مــن فرنســا‪ ،‬مثلمــا‬
‫غــر ت ّفـ ٍ‬
‫ابعــت دجاجتهــا جلارهتــا‪ ،‬فيكــون مصــرُان مشــرًكا يف النتــف‪ ،‬أم أصــارح‬
‫ـان أو أتجيـ ًـا؟‬
‫ســي حمفــوظ ابألمــر‪ ،‬فقــد يشــفق علــي‪ ،‬ويعطيــي الت ّفــاح جمـ ً‬
‫ـح احللـ ُـق‪ ،‬فلــم يظهـ ْـر لــه‬‫ـت عنــد ســياج العرعــار‪ ،‬وانديــت عليــه حــى بـ ّ‬
‫وقفـ ُ‬
‫إبحساسـ ْـي اخلــوف‬
‫َ‬ ‫مفخخــا‬
‫ً‬ ‫الســياج‬
‫ّ‬ ‫وجــهٌ‪ ،‬أو يطلـ ْـع لــه صــوت‪ .‬اقتحمــت‬
‫ٍ‬
‫واخلــزي‪ ،‬وشــرعت يف قطــف الت ّفاحــة تلــو أختهــا‪ ،‬وإذا بيــد غليظـ ٍـة تقبــض‬
‫علــى قفــاي‪ .‬كانــت يـ َـد ســي احملفــوظ‪.‬‬
‫ـت علــى عــدم ســقوط الت ّفاحــات الثمينــات‪ ،‬وأان أفـ ّـر‪ ،‬أكثـ َـر مــن‬‫حرصـ ُ‬
‫رت يف مــكاين‪ ،‬حــن مسعــت‬ ‫حرصــي علــى عــدم ســقوطي‪ .‬مث فجــأ ًة تسـ ّـم ُ‬
‫ســي احملفــوظ يناديــي ابمســي‪ .‬كيــف عرفــي وهــو ال يشــوف وأان مــا نطقــت؟‬
‫انئمــا يف ظـ ّـل شــجرة‪،‬‬
‫عامــا‪ ،‬اعــرف يل أبنـّـه كان‪ ،‬يومهــا‪ً ،‬‬ ‫بعــد عشـرين ً‬
‫وقــد رآين يف املنــام أفعـ ُـل مــا فعلــت‪.‬‬
‫متثّالت فراشة‬
‫محلــي النعــاس اليــوم‪ ،‬علــى أن أغفــو مــن غــر أن أضــع القلــم‪ ،‬فرأيــت فيمــا‬
‫فزعــا‪ .‬نســيت أن‬‫يدهــا وهــي تبكــي‪ ،‬فقمــت ً‬ ‫يــرى النّائـ ُـم أ ّن جنمــة مت ـ ّد إيل َ‬
‫الروايــة‪/‬‬
‫ـض شــخوص ّ‬ ‫أغلــق ابب املكتبــة خلفــي كالعــادة‪ ،‬فقــد يتسـ ّـرب بعـ ُ‬
‫ـت مــن الطابــق‬‫تفقدهتــا يف البيــت‪ /‬قيــل يل ّإنــا خرجــت مــع عليــاء‪ /‬نزلـ ُ‬
‫مجعــا مــن األطفــال‬
‫اخلامــس إىل الطابــق األرضــي يف رمشــتني‪ ،‬فوجــدت ً‬
‫تتوجــع مــن ركبتهــا‪.‬‬
‫ُييطــون هبــا‪ ،‬وهــي ّ‬
‫ـ علياء‪ ..‬ماذا صار؟‬
‫جنرب كيف متشي طاطا وهيبة من غري عينني‪ ،‬فأغمضنا‬ ‫ـ أردان أن ّ‬
‫أعيننا ومشينا‪ ،‬وها أنت ترى النّتيجة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫اغتيال رمضان‬
‫زرت قريــي «أوالد‬
‫متامــا‪ ،‬مــن العــام الفائــت‪ُ ،‬‬
‫يف مثــل هــذا اليــوم ً‬
‫ـدت‪ ،‬إىل العاصمــة‪،‬‬
‫رب يرمحهــا‪ ،‬وعـ ُ‬ ‫ـت جــديت مــرمي ّ‬ ‫جحيــش»‪ ،‬فرأيـ ُ‬
‫ـاج بلــدي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حممـ ًـا خبـ ٍ‬
‫ـروف ودقيـ ِـق قمـ ٍـح وفريــك ومس ـ ٍن ول ـ ٍ‬
‫ن ودجـ ٍ‬ ‫ّ‬
‫أشارت جنمة إىل األرزاق‪ :‬اباب‪ ..‬هذا هو رمضان؟‬
‫أفخخهــا مبــا يتجــاوز سـنَّها‪ ،‬فقلــت‪ :‬نعــم‪ ..‬هــذا هــو رمضــان‪.‬‬ ‫مل أشــأ أن ّ‬
‫ـتقر يف ذهنهــا أ ّن رمضــا َن هــو مــا أنكلــه فيــه‪.‬‬
‫واسـ ّ‬
‫ـــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــــ‬
‫كل رمضــان‪ ،‬وكان حيــرص‪ ،‬رغــم نفــوري‪،‬‬‫كان أيب يذبــح خروفًــا‪ ،‬فاحتــة ِّ‬
‫أصبحت‬
‫ُ‬ ‫قائل إنّين‬
‫وتقطيعا‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫وسلخا‬
‫الطقس ذحبًا ونس ًفا ً‬ ‫َ‬ ‫على أن أحضر‬
‫ـتقر يف ذهــي‬
‫الرجـ ُـل ملــزم ابحـرام رمضــان‪ .‬فاسـ ّ‬
‫رجلَــه الــذي يعتمــد عليــه‪ ،‬و ّ‬
‫ُ‬
‫أ ّن رمضــا َن هــو اخلــروف املذبــوح‪.‬‬
‫أايمــا مــن غــر تربيــد‪،‬‬
‫ـتقر حلـ ُـم اخلــروف يف كرشــي ليلـةً‪ ،‬بعــد أن مكــث ً‬
‫اسـ ّ‬
‫حلمــا‪ ،‬وفعــل فعلتــه يف أمعائــي‪ .‬فتهيّــأ‬
‫فلــم تكــن القريــة تعــرف الكهـرابءَ إال ً‬
‫كبشــا ذا قرنــن يهـ ّـم أبن ينطحــي‪ ،‬غارقًــا يف العــرق وصــدر ّأمــي‪،‬‬
‫ـوت ً‬ ‫يل املـ ُ‬
‫احلمــى ذات اهلــذاين‪ .‬وهــو مــا جعلــي‪ ،‬يف العــام‬
‫ـوت فــوق اإلســهال و ّ‬ ‫مث طفـ ُ‬
‫ـت مكيــدةً للخــروف‪ ،‬أقصــد رمضــان‪.‬‬ ‫القــادم‪ ،‬أبيّـ ُ‬
‫ـال‪ .‬فطفــح‬ ‫ـوت اهلـ ِ‬
‫الرمحــن اجليــايل‪ ،‬يف املــذايع‪ ،‬ثبـ َ‬
‫الشــيخ عبــد ّ‬
‫أعلــن ّ‬

‫‪50‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫الزريبة‪ ،‬اليت يتواجد فيها‬ ‫وجهُ أيب بِ ْشـًـرا‪ ،‬وطفح وجهي خوفًا‪ .‬تسـ ُ‬
‫ـللت إىل ّ‬
‫اخلــروف املدلّــل‪ ،‬فنزعــت احلبـ َـل مــن ُكراعــه‪ ،‬ووضعتــه يف عنقــه‪ .‬أصبــح امللــك‬
‫ـروف‪ /‬رمضــا ُن جثـةً ينهبُهــا الــذابب‪.‬‬
‫هلل‪ ،‬وأصبــح اخلـ ُ‬
‫السماء‬
‫حمامية ّ‬
‫التـزال ّأمــي مصـّـرًة علــى أن حنتفـ َـل بنصفيــة رمضــان‪ ،‬وهــي الليلــة الوحيــدة‬
‫الــي نتخلّــى فيهــا عــن أطباقــه املعروفــة كلِّهــا‪ ،‬ونكتفــي ابلشخشــوخة مــع‬
‫ـدي‪ ،‬جلارتنــا أم‬
‫وج البلـ َّ‬
‫ديــك بلــدي‪ ،‬وأل ّن عليــاء وجنمــة كانتــا قــد أهــدات الفـّـر َ‬
‫عوضنــاه بدجاجــة اجلـّـزار‪.‬‬ ‫كرميــو‪ ،‬فقــد ّ‬
‫الشــوربة والبــوراك وطاجــن الزيتــون‬ ‫ـتوعب جنمــة أن نتخلــى عــن ّ‬ ‫مل تسـ ْ‬
‫صارخــا علــى‬
‫اضــا ً‬ ‫ـدت اعرت ً‬‫واللحــم احللــو‪ ،‬فهــي متثّــل رمضــا َن يف ذهنهــا‪ ،‬فأبـ ْ‬
‫ابلشخشــوخة‪.‬‬ ‫االكتفــاء ّ‬
‫ـ ما حتشموش تقتلو رمضان؟‬
‫ـاب ثالثتنــا‪ّ ،‬أمــي و ّأم‬
‫ـري ابألل ـوان‪ ،‬وكان لعـ ُ‬
‫الشخشــوخة ثـ ً‬‫كان منظــر ّ‬
‫ـاث إىل صحــن‬ ‫عليــاء وأان‪ ،‬متأهبًــا قبيــل األذان‪ .‬تداعــت املالعـ ُـق الثـ ُ‬
‫ـات دفع ـةً واحــد ًة‪،‬‬‫ـاث وخوخـ ٍ‬
‫الطــن‪ ،‬مث تداعــت إىل األف ـواه‪ ،‬فطلعــت ثـ ُ َ ْ َ‬
‫ـدود ال ـراءة وشــرفة‬‫أخ‪ ..‬أخ‪..‬أخ‪ ،‬أعقبتهــا قهقهتــان للبنتــن جتــاوزات حـ َ‬
‫البيــت‪.‬‬
‫كانــت الشخشــوخة ماحل ـةً ح ـ ّد امل ـرارة‪ ،‬مبــا جعلنــا نكتفــي ابملــاء وبقــااي‬
‫خبــز البارحــة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫اختطاف انتقامي‬
‫ـال علــى محريهــم‪،‬‬
‫ـس هللا‪ ،‬حــى يقتحـ َـم احلوم ـةَ أطفـ ٌ‬
‫ـرق مشـ ُ‬
‫مــا أن تشـ َ‬
‫ويُغرقوهــا ابلص ـراخ‪ :‬ايو اخلبــز اليابــس‪ /‬ايو اخلبــز اليابــس‪ .‬وهــو الوقــت‬
‫ـتمتعا بنــوم البنــات‪ ،‬وصحـ ِو‬
‫الــذي أكــون فيــه ابسـطًا قلمــي يف املكتبــة‪ ،‬مسـ ً‬
‫الروايــة‪.‬‬ ‫شـ ِ‬
‫ـخوص ّ‬
‫الصغــار القادمــن مــن خيـ ٍـام منصوبـ ٍـة خلــف‬
‫اخ هــؤالء ّ‬ ‫أزعجــي ص ـر ُ‬
‫ـرفت عليهــم مــن الطابــق اخلامــس‪ ،‬ورحــت أصــرخ فيهــم‪ :‬النّــاس‬
‫احلومــة‪ ،‬فأشـ ُ‬
‫نيــام‪ .‬فاكتف ـوا أبخــذ األكيــاس‪ ،‬الــي عنــد أب ـواب العمــارات يف صمــت‪.‬‬
‫يومــا‪ ،‬مثلنــا أيّهــا املتعجــرف‪.‬‬
‫متوعـ ًـدا‪ :‬ســتصبح‪ً ،‬‬
‫أحدهــم ّ‬‫أشــار ُ‬
‫ــــــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــــــ‬
‫أكل احلمامــة‪ ،‬ألهنــا أنقــذت الرســول عليــه الســام‬ ‫ِ‬
‫ُيـ ّـرم أوالد جحيــش َ‬
‫حلمهــا جب ـراين الكــرش‪ ،‬وهــذا الــذي‬
‫ويتوعــدون مــن أيكل َ‬‫يف غــار ثــور‪ّ ،‬‬
‫يومــا‪.‬‬
‫حــدث يل ً‬
‫ـت ثيــايب وغســلتها يف‬
‫ـت إىل وادي ال ّدفلــى‪ .‬نزعـ ُ‬‫ـرت كرشــي‪ ،‬فجريـ ُ‬ ‫جـ ْ‬
‫ـاري أنتظــر أن تنشــف‪ .‬يف تلــك اللحظــة‪ ،‬جــاء‬ ‫ـت عـ ً‬
‫الربكــة احلجريــة‪ ،‬ورحـ ُ‬
‫ِ‬
‫فرســه‪ ،‬فرآين كما ولدتين ّأمي‪ ،‬ويف ذلك مدعاة ألن يُشـغّ َل‬ ‫ـقي َ‬ ‫ج ّدي ليسـ َ‬
‫ـرب‪.‬‬
‫ـذت يل بــن أشــجار ال ّدفلــى مهـ ً‬
‫عصــاه‪ ،‬فاختـ ُ‬
‫ـار الظــام‬
‫ـاب معــه‪ ،‬فمــا كان مـ ّـي إال انتظـ ُ‬
‫ـدت فوجدتــه قــد أخــذ الثيـ َ‬
‫عـ ُ‬

‫‪52‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ـود إىل‬
‫ـوب أبمنيتــن ينهبهمــا التناقــض‪ :‬أن أييتَ الليـ ُـل ألعـ َ‬
‫ـرين‪ ،‬منهـ ً‬
‫حــى يسـ َ‬
‫البيــت‪ ،‬وأال أييتَ حــى ال أييت الذيــب‪.‬‬
‫ـتجب للنــداءات الــي كان اجلميــع‬‫لت إىل زريبــة الغنــم‪ ،‬ومل أسـ ْ‬
‫تس ـلّ ُ‬
‫يطلقوهنــا يف اخلــاء‪ ،‬حاملــن قناديـ َـل مضيئ ـةً‪ :‬رزيــق‪ ..‬رزيــق‪ ..‬رزيــق‪.‬‬
‫عضــي اجلــوع‪ ،‬فكنــت آكل مــن اخلبــز اليابــس الــذي كان جــدي يشـريه‬ ‫ّ‬
‫لنعاجــه مــن مدينــة املهــر‪ ،‬وأبلّلــه ابحلليــب مــن ضــرع العنــزة مباشــرة‪.‬‬
‫اختفاء الفراشة‬
‫ٍ‬
‫صفحات يف اليوم الواحد‪ ،‬منذ شرعت يف‬ ‫عشر‬
‫كتبت َ‬‫حيدث أن ُ‬
‫مل ْ‬
‫فشرعت أقول لشخوصها‪ :‬أان‬
‫ُ‬ ‫فعلت اليوم‪،‬‬
‫كتابة هذه الرواية‪ ،‬وقد ُ‬
‫حيدث أن‬
‫أعزائي‪ ..‬هكذا أريدكم عمليني ومثمرين‪ .‬ومل ْ‬
‫سعيد بكم اي ّ‬
‫فعلمت أن مصيبةً قد حلّت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ابب املكتبة بعصاها‪،‬‬
‫علي َ‬
‫ت أمي َّ‬‫دقّ ْ‬

‫ـ ماذا صار؟‬
‫أثر يف احلومة منذ ساعتني‪.‬‬
‫يظهر هلما ٌ‬
‫ـ بنتاك ال ُ‬
‫ـأت يف البحــث عنهمــا بداي ـةً‪ ،‬العتقــادي ّأنمــا عنــد إحدامهــا‪ ،‬مث‬
‫تباطـ ُ‬
‫رب؟‬‫ـض‪ ،‬حــن أنكــر اجلميـ ُـع رؤيتَهمــا‪ .‬ويــن راحـوا اي ّ‬
‫ـث والنبـ ُ‬
‫تســارع البحـ ُ‬
‫الشــرفة ابكيـةً‪ ،‬ونبّهتــي إىل ّأنمــا قــد تكــوانن ذهبتــا‬
‫ـت ُّأم عليــاء مــن ّ‬
‫أطلّـ ْ‬
‫ـان‪،‬‬‫ـودت علــى أن أصحبَهمــا أحيـ ً‬
‫إىل الغابــة الــي خلــف احلومــة‪ ،‬حيــث تعـ ُ‬
‫ـوف يف أوصــايل وصــويت‪ ،‬وقــادين إىل‬ ‫للركــض‪ .‬فركــض اخلـ ُ‬ ‫حــن أخــرج ّ‬
‫أوصــال الغابــة‪.‬‬
‫ابلسؤال‪:‬‬
‫توعدين على محاره‪ ،‬فبادرين ّ‬
‫صادفت الفىت الذي ّ‬
‫ُ‬

‫‪53‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ـ تبحث عن علياء وجنمة؟‬


‫ـ أين مها؟‬
‫أصبحت طيـّبًا معي فجأةً؟‬
‫َ‬ ‫ـ ملاذا‬
‫ـ أين مها يرحم والديك؟‬
‫جتلب يل كيسني من اخلبز اليابس‪.‬‬
‫ـ ليس قبل أن َ‬
‫نقودا‪ ،‬أو أشرتي لك كيسني من اخلبز الطازج‪.‬‬ ‫ـ أعطيك ً‬
‫بديل‪.‬‬
‫ـ لن أرضى عن اخلبز اليابس ً‬
‫حرج ايبس‬
‫مل أجـ ْد مهــرب مــن العــودة إىل احلومــة‪ ،‬والطـو ِ‬
‫اف علــى بيوهتــا لطلــب اخلبــز‬ ‫ً‬
‫ـذت الكيســن إىل‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫ان‪.‬‬
‫ر‬ ‫ـ‬ ‫جل‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ات‬
‫ر‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫جل‬ ‫ا‬ ‫اليابــس‪ ،‬متحمـ ًـا اســتغر ِ‬
‫اابت‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ـب علــى ظهــر احلمــار‪ ،‬وأصيـ َـح أبعلــى‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ك‬
‫أر‬ ‫أن‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫فط‬ ‫الفــى العنيــد‪،‬‬
‫صــويت‪ ،‬ط ـوال الطريــق إىل اخليــام‪ :‬ايو اخلبــز اليابــس‪ /‬ايو اخلبــز اليابــس‪.‬‬
‫ـدت عليــاء وجنمــة جت ـراين بــن اخل ـراف والدجــاج واألرانــب‬‫وصلنــا‪ .‬فوجـ ُ‬
‫كأنمــا مل تفعــا شــيئًا غريبًــا‪ ،‬مكتفيتــن‬
‫وتصرفتــا ّ‬
‫الروميــة‪ّ ،‬‬
‫والــكالب وال ّديكــة ّ‬
‫ابلقــول‪ :‬اباب‪ ..‬اباب‪ ..‬صـ ّـوران ابش حتطنــا يف الفايســبوك‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ال ّدكتاتورة‬
‫مجيعا‪ ،‬بل‬
‫نذوق منها ً‬
‫أتكل اللقمة حىت َ‬ ‫إيثارا‪ ،‬ال ُ‬
‫أكثران ً‬
‫الصغرية مرمي َ‬ ‫كانت ّ‬
‫نفســها‪ ،‬ومــن أىب فســيُضرب‬
‫ضاعـةَ َ‬
‫الر ّ‬
‫ّإنــا كانــت تفــرض علينــا أن نشــارَكها َّ‬
‫الراس‪ .‬مثّ انقلبت فجأةً‪ ،‬فصارت متيل إىل احتكار ِّ‬
‫كل شــيء‪.‬‬ ‫هبا على ّ‬
‫بــدأ االحتــكار ابلتلفــاز‪ ،‬فــا قنــاة تعلــو علــى قناهتــا‪ .‬وليتهــا اكتفــت أبن‬
‫أيضــا‪،‬‬
‫ـاهدها وحدهــا‪ ،‬بــل راحــت تفــرض علينــا أن نتسـ ّـمَر أمامهــا ً‬ ‫تشـ َ‬
‫وانتقــل األمـُـر إىل األحذيــة‪ ،‬فبتنــا ممنوعــن مــن اســتعمال أحذيتنــا الــي ابتــت‬
‫تراهــا مل َكهــا‪.‬‬
‫بعضهــم‬
‫قـ ّـرران أن نــرك األحذيــة عنــد البــاب اخلارجــي‪ ،‬وبعــد أن ســرق ُ‬
‫بعضهــا‪ ،‬قـّـرران أن نضعهــا يف خزانــة عـ ّدادات املــاء والغــاز والكهـرابء‪ .‬وأل ّن‬
‫َ‬
‫نضعهــا يف‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ن‬ ‫اتفق‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ـامل‪،‬‬
‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـق‬
‫ـ‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ح‬ ‫يف‬ ‫ب‬ ‫ـب‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫تت‬ ‫أن‬ ‫كادت‬ ‫ـة‬
‫جنمـ‬
‫الشــرفة‪ ،‬لنومههــا‪ ،‬حــن إخراجهــا‪ ،‬أبننــا ُنــرج القمامــة‪.‬‬ ‫أكيــاس يف ّ‬
‫ط داخلــه مثــل ضفدعــة‪ ،‬فــا ختــرج إال‬ ‫تــرك أحـ َـدان جيهــز الـ ّدوش‪ ،‬مث تنـ ّ‬
‫ـف رغبتُــه يف ذلــك‪ّ .‬أمــا املرحــاض فهــي تتصـ ّـرف علــى أنـّـه‬ ‫بعــد أن تنشـ َ‬
‫حمرمــة علــى سـواها‪ ،‬رغــم ّأنــا مــا زالــت ابحل ّفــاظ‪ ،‬والويــل ملــن دامهتــه‬‫منطقــة ّ‬
‫نفســه مضطـ ًـرا النتظــار نومهــا‪ ،‬أو اللجــوء إىل حيلــة‬ ‫احلاجــة‪ ،‬إذ ســيجد َ‬
‫يصــرف مــن خالهلــا بولتَــه‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ــــــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــــــــ‬
‫أمثــر كــوين وحيـ َـد ّأمــي وأيب‪ ،‬بعــد ســنوات مــن انتظارمهــا يل‪ ،‬ميـ ًـا مـ ّـي إىل‬
‫روح االحتــكار‪ ،‬فقــد كنــت أفــرض عليهمــا أال أيكال إال بعــد أن أزهـ َـد يف‬
‫ـب ظهــر‬ ‫ـب يف أن أركـ َ‬ ‫األكلــة‪ ،‬وأال ينامــا إال بعــد أن أانم‪ ،‬وحيــدث أن أرغـ َ‬
‫ـول أليب‬‫ّأمــي‪ ،‬عنــد حلــول وقــت إعــداد الطعــام فيفوهتــا ذلــك‪ ،‬ويكفــي أن تقـ َ‬
‫إنـّـي منعتهــا‪ ،‬حــى تنجـ َـو مــن العقوبــة‪.‬‬
‫يومــا‪ ،‬زارتنــا املرابطــة اللّــة فاطمــة‪ ،‬وهــي شـريفة مــن قريــة شـريفة‪ ،‬ال تدخــل‬ ‫ً‬
‫أنفســهم إبخـراج دجاجهــم ومسنهــم وعســلهم‪ ،‬وال تغــادره‬ ‫ٍ َ‬ ‫ـه‬‫ـ‬
‫ُ‬‫ل‬ ‫أه‬ ‫ـزم‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫إال‬ ‫بيتًــا‬
‫إال بكســوة جديدة‪ .‬أليســت حفيدةَ رســول هللا؟‬‫ٍ‬

‫ـف اجلميـ ُـع أيديهــم‪ ،‬حــى تنهـ َـي اللّــة فاطمــة‬‫ُوضــع طعــام اإلفطــار‪ ،‬فكـ َّ‬
‫ِ‬
‫أكلهــا‪ ،‬إالي فقــد أطلقــت يــدي إىل فَخ ـ َذ ِّ‬
‫ي الفـ ّـروج‪.‬‬
‫ـ ال أتكل فخذي سيّدتك‪.‬‬
‫ـف أيب عــن‬‫ـف عــن اقتنــاص الفخذيــن‪ ،‬ومل يكـ ّ‬ ‫غلــب علــي الطبــع‪ ،‬فلــم أكـ َّ‬
‫أحدمهــا‪ ،‬ويف ذلــك إهانــة‬
‫ـت َ‬ ‫الضــرب علــى يــدي اجلريئــة‪ .‬مث غافلتُــه وخطفـ ُ‬ ‫ّ‬
‫مفروضــا عليــه أن يعيــد هلــا بعــض اعتبارهــا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ـكان‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫يفة‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ال‬ ‫ـيدة‬‫ـ‬‫الس‬
‫ملقـ ّ‬
‫ـام‬
‫خاصــة بعــد أن قذفـَْتــهُ بنظــرة اســتنكارها‪.‬‬
‫ّ‬
‫خطفين مثلما يفعل عُقاب مع ّفروج‪ ،‬ووضع يدي على فرن احلطب‬
‫يرفع يدي عن‬‫الشواء الفضاءَ‪ ،‬ومل ْ‬ ‫احملمرِة حديدتُه‪ ،‬فمألت رائحةُ ّ‬ ‫ّ‬
‫شفعت هلا‬
‫ْ‬ ‫نبوءة‬ ‫مع‬ ‫بذلك‪،‬‬ ‫ة‬
‫ً‬‫إشار‬ ‫دته‬‫ّ‬‫سي‬ ‫أعطته‬ ‫أن‬ ‫بعد‬ ‫إال‬ ‫احلديدة‪،‬‬
‫كربت‪:‬‬
‫عندي بعد أن ُ‬
‫ـ هذه اليد‪ ،‬ال يُصلحها إال القلم‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫حارسة اجلوع‬
‫كل صائـ ٍم منــا مقعـ َـده‪ ،‬فحــى جنمــة‬
‫جهـزان البارحــة طاولـةَ اإلفطــار‪ ،‬وأخــذ ُّ‬
‫وترجــان لســانيهما دالل ـةً علــى ذلــك‪،‬‬ ‫وعليــاء تعتقــدان ّأنمــا صائمتــان‪ُ ،‬‬
‫عقريتــا ابلبــكاء‪ ،‬طالبـةً‬
‫ومــا أن رفعنــا املالعـ َـق إىل األفـواه‪ ،‬حــى رفعــت مــرميُ َ‬
‫الشــرب‪.‬‬
‫ـف عــن األكل و ّ‬ ‫منّــا أن نكـ َّ‬
‫كانــت تبكــي وتتمـّـرغ حـ َّـد انقطـ ِ‬
‫ـاع النفــس‪ ،‬كلّمــا رفــع أحـ ُـدان ملعقتَــه‪ّ ،‬أمــا‬
‫ـف عــن الطـواف علــى األطبــاق‪.‬‬ ‫ملعقتهــا فلــم تكـ َّ‬
‫طاق‬
‫طاق‬
‫األم قـر ًارا‪ :‬مــا اتكلــوش حــى ترقــد‪ ،‬راكــم حابـّـن تقتلــو‬
‫أصــدرت امللكــة ّ‬
‫الطفلــة؟ انمــت‪ ،‬وهــي حتــرس الطاولــة‪ ،‬بعــد ســاعتني وتسـ ٍع وثالثــن دقيقـةً‬
‫مــن أذان املغــرب‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫الفدية‬
‫[‪]1‬‬
‫عمــي‬
‫الســائق ّ‬
‫كانــت املـّـرَة األوىل‪ ،‬الــي خنــرج فيهــا للتنـّـزه ليـ ًـا‪ ،‬بعــد رحيــل ّ‬
‫ـت‬
‫رزقــي‪ .‬ومــا أن أخــذان مقاعـ َـدان يف ســيّارة الشــيفور اجلديــد‪ ،‬حــى اخنرطـ ْ‬
‫ٍ‬
‫عمــي رزقــي يُعطينــا احللــوى مبجـ ّـرد أن‬‫ـارٍة‪ :‬كان ّ‬ ‫عليــاء وجنمــة يف بكائيــة حـ ّ‬
‫جاريــن‬
‫مجيعــا ّ‬
‫نصعــد‪ ،‬وكان يُســمعنا أغنيــة «نــي ابغيــة واحــد»‪ .‬فبكينــا ً‬
‫ـيفور اجلديـ َـد إىل ذلــك‪.‬‬
‫الشـ َ‬
‫[‪]2‬‬
‫ســألين مــرةً يف طريقنــا إىل املســرح الوطــي اجلزائــري‪ ،‬وقــد كان اجلزائريــون‬
‫مضغوطــن هباجــس اختطــاف األطفــال‪:‬‬
‫ـ واش تدير لوكان خيطفولك بناتك؟‬
‫ـتطع معهــا أن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ـت يف كآبــة عميقــة‪ ،‬مل أسـ ْ‬
‫ـتحضرت احلالـةَ فعـ ًـا‪ ،‬واخنرطـ ُ‬
‫ُ‬ ‫اسـ‬
‫الصــن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫آيتَ بكلمــة واحــدة‪ ،‬فشــرع يُلهيــي حبديــث عــن رحلتــه البحريــة إىل ّ‬
‫ٍ‬
‫الشــعبية‪ ،‬يف ابخــرٍة عســكرية‪ ،‬هنايــة الثمانينيــات‪ .‬وطالــت احلكايــة و ّ‬
‫الزمحــة‪،‬‬
‫ـوت إغفــاء َة مــن قضــى ليلَــه كاتبًــا‪.‬‬
‫فغفـ ُ‬
‫حديث اإلغفاءة‬
‫ـدو طبيعيًــا‪ ،‬أمــام ّأمــي و ِّأم عليــاء‪ ،‬وأان أســأل عــن البنتــن‪،‬‬
‫ـت أن أبـ َ‬
‫حاولـ ُ‬
‫أيضــا‪ ،‬وأان‬
‫فقالتــا ّإنمــا خرجتــا إىل ش ـراء أوراق بيضــاء‪ ،‬وأن أبقــى طبيعيًــا ً‬
‫ـتحضرا تفاصيـ َـل املكاملــة الــي وردتــي قبــل قليــل‬
‫ـت‪ ،‬مسـ ً‬ ‫أغــادر البيـ َ‬

‫‪58‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫السيد بوكبة؟‬
‫ـ أنت ّ‬
‫ـ من أنت؟‬
‫يهمك ليس هوييت بل مطليب‪.‬‬
‫ـ ما جيب أن ّ‬
‫ـ ماذا تقصد؟‬
‫ٍ‬
‫ـت عاقـ ًـا ومل ختــر‬ ‫ـ ابنتــاك خمطوفتــان‪ ،‬وســتبقيان يف أمــان ٍّ‬
‫اتم‪ ،‬إذا بقيـ َ‬
‫ـدت يف أن تتدبـَـر نصــف مليــار‪.‬‬
‫الشــرطة أو أحـ ًـدا مؤهـ ًـا إلخبارهــا‪ ،‬واجتهـ َ‬
‫ـ اي رجــل‪ ..‬أان بــا وظيفــة حكوميــة‪ ،‬وأعيــش مبــا أكتبــه مــن مقــاالت يف‬
‫الصحافــة العربيــة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ـب مبلغًــا‬
‫ـ لعلــي اخلاطــف الوحيــد الــذي أشــفق علــى ضحيتــه‪ ،‬فلــم يطلـ ْ‬
‫ـرا‪ ،‬وســأكلّمك بعــد يومــن‪.‬‬ ‫كبـ ً‬
‫رقمهــا علــى أهنــا مــن واليــة تيــزي‬ ‫َّ‬
‫كانــت املكاملــة مــن هاتــف اثبــت‪ ،‬ودل ُ‬
‫ـف‬
‫ـت أن يتوقـ َ‬ ‫كل اجلهــات‪ ،‬فخفـ ُ‬ ‫ـكل األرقــام ويف ِّ‬
‫وزو‪ ،‬وكان قلــي ينبــض بـ ِّ‬
‫ـت؟‬
‫احهما إذا مـ ّ‬ ‫قبــل أن أمتكـ َـن مــن حتريــر البنتــن‪ .‬هــل ســيطلقون سـر َ‬
‫أرد علــى التحيّــات الــي صادفتــي يف طريقــي إىل األشــجار الــي خلــف‬ ‫مل َّ‬
‫احلومــة‪ ،‬وال علــى املكاملــات الــي وردتــي‪ ،‬وخانتــي القــدرة علــى أن أفصـ َـل‬
‫الشــرطة؟‬‫ت خمّــي‪ :‬هــل ســأخرب ّأمــي و َّأم عليــاء؟ هــل ســأخرب ّ‬ ‫ٍ‬
‫يف أســئلة َنَـَـر ْ‬
‫ـت وأتفـ ّـرغ‬
‫ـره؟ أم أنـّـي ســألزم الصمـ َ‬ ‫مــن هــو جديــر مــن أصدقائــي أبن أخـ َ‬
‫لتوفــر املبلــغ؟‬
‫شارعا يف تسجيل‬ ‫وسحبت ورقةً كانت مرميةً يف املكان‪ً ،‬‬ ‫ُ‬ ‫قلما‬
‫أخرجت ً‬
‫ُ‬
‫أمســاء معــاريف املؤهلــن ألن يُســعفوين مببالـ َـغ صغــرة‪ .‬فوصلتــي رســالة مــن‬
‫ـمحت‬
‫صديقــي القــاص ســليم بوفنداســة‪« :‬س ـلّ ْم علــى البنــات»‪ .‬فسـ ُ‬
‫لدموعــي ابهلطــول‪ ،‬ومل أمسـ ْـح لنفســي ابلـ ّـرد علــى مكاملــات ِّأم عليــاء‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫أذن‪ ،‬واحلركـ ِـة تغــادر‬ ‫ِ‬


‫ْ‬ ‫ـي‪ ،‬والصــوت يغــادر َ‬ ‫ْ‬ ‫ابلضــوء يغــادر عيـ َ‬
‫ـت ّ‬ ‫أحسسـ ُ‬
‫رت مــن احلالــة إبطــاق عيطـ ٍـة ظهــر يل‬ ‫ِ‬
‫ـي‪ ،‬فتحـّـر ُ‬ ‫مفاصلــي‪ ،‬واهلـواء يغــادر رئـ َ ْ‬
‫املريــخ‪.‬‬
‫ـش العصافــر وأوراق األشــجار إىل ّ‬ ‫ت ريـ َ‬ ‫مــن ّقوهتــا‪ ،‬أهنــا طـ ّـر ْ‬
‫عمي رزقي من املنام األسود‪ :‬نوض‪ ..‬حلقنا للمسرح‪.‬‬
‫أيقظين ّ‬
‫عمي رزقي‪ ..‬اآلن أستطيع أن أجيبَك على سؤالك‪.‬‬
‫ـ ّ‬

‫‪60‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫عرس ال ّصهيل‬
‫كنــت تلمي ـ ًذا يف مدرســة «أوالد جحيــش»‪ ،‬وكانــت تســتقبل تالمي ـ َذ‬
‫ـت أحســب نفســي علــى‬ ‫ـرب وآخريـ َـن أمازيـ َـغ‪َّ .‬‬
‫وألن ّأمــي أمازيغيــة‪ ،‬فقــد كنـ ُ‬ ‫عـ ً‬
‫ـتعل هوشــة مــن اهلوشــات‪.‬‬
‫الفريقــن‪ ،‬وال أحنــاز إىل أحدمهــا‪ ،‬يــوم تشـ ُ‬
‫ـت أاتين‬ ‫إانث احلمــر‪ ،‬وقــد مسّيـ ُ‬
‫كان التالميــذ العــرب أيتــون راكبــن َ‬
‫«طيطشــة»‪ ،‬كمــا ورد يف روايــي «ندبــة اهلــايل»‪ ،‬بينمــا كان التالمي ـ ُذ‬
‫الصهيــل‪ ،‬ومــا‬‫ـرس ّ‬ ‫ـور منهــا‪ ،‬ولكــم أن تتصـ ّـوروا عـ َ‬ ‫األمازيـ ُـغ يركبــون الذكـ َ‬
‫كل فريـ ٍـق دوابـَّـه‪.‬‬
‫يرتتّــب عنــه‪ ،‬حــن يربــط ُّ‬
‫رب يرمحهم‬ ‫«الروجي»‪ّ ،‬‬ ‫محار الفىت «قاسي» على أاتن الفىت ّ‬ ‫مرًة‪..‬ارمتى ُ‬
‫ِ‬
‫أنفاســها حتــت أنفاســه‪ ،‬وهــو‬
‫ـت َ‬ ‫هشـةً‪ ،‬فلفظـ ْ‬
‫يف زوج‪ ،‬وقــد كانــت جحشـةً ّ‬
‫ـوس والـّـرؤوس‪.‬‬
‫أجـ َـج النفـ َ‬
‫احلــدث اجللــل الــذي ّ‬
‫للروجــي أســفلها‪،‬‬ ‫احنــاز األمازيــغ لقاســي أعلــى املدرســة‪ ،‬واحنــاز العــرب ّ‬
‫ـرب ابردةً‪،‬‬
‫ـذت وضعي ـةَ عــدم االحنيــاز‪ ،‬داعيًــا إىل أن تبقــى احلـ ُ‬ ‫ّأمــا أان فاختـ ُ‬
‫ـك مــن أجــل جحشــة‪ .‬أاثر موقفــي حفيظــة‬ ‫ِ‬
‫ـك والفـ ّ‬‫ِ‬
‫وال تتحـ ّـوَل إىل الصـ ّ‬
‫اشــا‪.‬‬
‫الروجــي‪ ،‬فدبـّـر يل مكيــد ًة طرحتــي فر ً‬ ‫ّ‬
‫ـامنا عشــيةً‪ ،‬وإذا يب أالحــظ أ ّن الزمــاء األمازيــغ ينظــرون‬ ‫غــادران أقسـ َ‬
‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ـت نظرا ُتــم إىل اســتفزازات‪ ،‬فهجــوم مجاعـ ٍّـي أهلبــي ر ً‬ ‫إيل َشـ َـرًرا‪ .‬مث حتولـ ْ‬
‫ـتما‪:‬‬
‫وعضــا وس ـبًّا وشـ ً‬
‫لكمــا ًّ‬ ‫و ً‬
‫تسب أخوالك؟‬ ‫ـ كيف ّ‬
‫ـائل عــن ســبب دمــي‬
‫الصلــب واملخالــب‪ ،‬سـ ً‬
‫انتشــلين املديـ ُـر مــن بــن ّ‬

‫‪61‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫الروجــي قــد‬
‫الســائل‪ ،‬فأشــاروا لــه أن يقـرأ الورقــة املعلقــة علــى ظهــري‪ .‬كان ّ‬‫ّ‬
‫للزعيــم حســن آيــت أمحــد ريب يرمحــو (‪.)4‬‬‫ً ّ‬ ‫ا‬ ‫ـتم‬
‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫علي‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ق‬
‫ور‬ ‫ـق‬‫علّـ‬
‫غربة العريس‬
‫ـوت اليــوم‪ ،‬فلــم أشــأ أن أزعـ َـج قيلولـةَ ّأمــي و ِّأم عليــاء‪ ،‬أبن أســأ َلما‬
‫صحـ ُ‬
‫للتبضــع علــى طــول‪.‬‬
‫عمــا ينقــص مــن حاجــات‪ ،‬فخرجــت ّ‬ ‫ّ‬
‫ـت عليــاء وجنمــة تلعبــان‪ ،‬عنــد مدخــل العمــارة‪ ،‬فأدهشــي ّأنمــا‬ ‫صادفـ ُ‬
‫رفضتا أن تصحباين إىل احلوانيت‪ ،‬وتسلّلتا إىل البيت‪ ،‬مطلقتني ضحكاتٍ‬
‫أاثرت يف نفســي شــكوًكا صاهلــة‪.‬‬‫ْ‬
‫ـات‪ ،‬علــى مــن‬ ‫ـات الّزكيـ ِ‬
‫غمرتــي دهشــة أخــرى‪ ،‬إذ كنــت ألقــي التحيـ ِ‬
‫ـات‪ ،‬مــن ذلــك النّــوع‪ ،‬الــذي‬ ‫صادفــي يف الطريــق‪ ،‬فــا ت ــرُّد علــي إال مههمـ ٍ‬
‫َُ‬
‫الرجيم‪ .‬مث تفاقمت دهشيت‪ ،‬حني‬ ‫ّ‬ ‫يطان‬ ‫الش‬
‫ّ‬ ‫من‬ ‫يُفهم استعاذ ًة ابهلل العظيم‬
‫ـلعهم‪،‬‬ ‫ـاب احلوانيــت بوجوههــم‪ ،‬رغــم أهنــم مل مينعــوين سـ َ‬ ‫أعــرض عـ ّـي أصحـ ُ‬
‫الزالبيــة‪ ،‬وســعيد‬‫بونــم احملتفــى بــه كأنـّـه العريــس‪ .‬ســليم صاحــب ّ‬ ‫ـت ز َ‬ ‫وقــد كنـ ُ‬
‫صاحــب اللّحــم‪ ،‬ورابــح صاحــب بطاقــات اهلاتــف‪ ،‬وهشــام صاحــب‬
‫الش ـرابت‪.‬‬‫الســجائر‪ ،‬ونعيــم صاحــب ّ‬ ‫اخلضــر‪ ،‬ويوســف صاحــب ّ‬
‫ـرت حادثـةَ قاســي‬ ‫مـّـر علــي الفــى جامــع اخلبــز اليابــس علــى محــاره‪ ،‬فتذكـ ُ‬
‫الروجــي‪ .‬مثّ مـ ّـرت علــي عليــاء وجنمــة‪ ،‬طالبتــن مـ ّـي أال أقلـ َـق عليهمــا‪،‬‬ ‫وّ‬
‫ألهنمــا مدعــواتن لإلفطــار عنــد طاطامهــا «ف»‪ ،‬وتسـلّلتا إىل ابهبــا ابلطريقــةِ‬
‫نفســها‪ .‬واش راهــو صــاري يف حومــة الــذراري؟‬ ‫ـبوهة ِ‬
‫ـكات املشـ ِ‬ ‫الضحـ ِ‬ ‫و ّ‬
‫فمها‪ :‬بوكبّة‪ ..‬عملت املاكياج؟‬ ‫الباب‪ ،‬مث فتحت َ‬ ‫فتحت يل ُّأم علياء َ‬
‫ـــــــــــــــ‬
‫‪ 4‬ـ زعيم سياسي وثوري جزائري ذو أصول أمازيغية‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫نعش رئاسي‬
‫ـت‬
‫تقــول ّأمــي إ ّن حومتَنــا مباركـةٌ بوجــود الفــى «مومــوح» فيهــا‪ ،‬وقــد أنفقـ ْ‬
‫عادي مثلهما‪،‬‬
‫إنسان ً‬ ‫أبل ختافاه‪ ،‬واعتبا ِره ً‬ ‫جهدا ووقتًا إلقناع علياء وجنمة ّ‬ ‫ً‬
‫ـت يف ذلــك فصــارات‬ ‫ـف عــن الضحــك عليــه والســخرية منــه‪ ،‬وقــد أفلحـ ْ‬ ‫ِ‬
‫والكـ ّ‬
‫صديقتيه‪.‬‬
‫السادســة عشــر‬ ‫الســابع عشــر‪ ،‬وابل ّذكــرى ّ‬
‫حيتفــل مومــوح بعيــد ميــاده ّ‬
‫إلصابتــه ابلكســاح‪ ،‬حــى صــار ابلــكاد ميشــي وينطــق‪ .‬ومــن ميزاتــه أنـّـك ال‬
‫ـرف إن كان يضحــك يف وجهــك أم يبكــي‪.‬‬ ‫تســتطيع أن تعـ َ‬
‫أتفرغ لـ«عبادي» يف املكتبة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫الشرفة‪ ،‬قبل أن ّ‬ ‫إبطاللة من ّ‬ ‫قمت‬
‫ُ‬
‫فهالين عدد األطفال يش ّكلون حلقةً حتت شجرة العرعار‪ ،‬اليت يف قلب‬
‫احلومة‪ .‬وبينما كان موموح مربوطًا إىل جذع العرعارة‪ ،‬كانت علياء حتمل‬
‫يصورا بشكل جيّد‪ ،‬إذ كاان‬ ‫ايضا وعليًّا أبن ّ‬‫قصبةً وختطب فيهم‪ ،‬آمرةً ر ً‬
‫يستخدمان قارورتني يف هيئة كامرتني‪.‬‬

‫ـ ماذا تفعلون؟‬
‫السطح» (‪.)5‬‬‫نصور حلقة من «انس ّ‬ ‫ـ ّ‬
‫ـ وملاذا ربطتم موموح ابحلبال؟‬
‫ـ اباب‪ ..‬حنن منثّل فقط‪ ،‬موموح هنا هو الرئيس بوتفليقة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ـــــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــــــ‬
‫مدج ًجــا بوصــااي‬
‫ـت‪ ،‬بكــرةً‪ ،‬رفقــة خ ـرايف إىل املرعــى‪ّ ،‬‬ ‫ـت أغــادر البيـ َ‬ ‫كنـ ُ‬
‫ِ‬
‫ـتد احلـّـر‪ /‬حــذار مــن‬ ‫ِ‬
‫أيب‪ :‬حــذار مــن الذئــب‪ /‬حــذار مــن العــودة قبــل أن يشـ َّ‬
‫ِ‬
‫ـت أطلــق علــى ِّ‬
‫كل‬ ‫رد اخلـراف‪ .‬وكنـ ُ‬ ‫الرعــاة‪ /‬حــذا ِر مــن اســتعمال احلجــر يف ّ‬
‫ـت أمتـ ّـى أ ْن لــو كان يل‪ .‬كان أشــقاها‬ ‫ّ ٍ‬
‫واحــد منهــا‪ ،‬امسًــا مــن األمســاء الــي كنـ ُ‬
‫هشــم‬‫ـروف «ســعد»‪ ،‬رميتــه‪ ،‬ذات رمضــان‪ ،‬حبج ـ ٍر ّ‬ ‫إزعاجــا اخلـ ُ‬
‫أكثرهــا ً‬ ‫و َ‬
‫الصغــرةَ فمــات‪.‬‬ ‫أســه ّ‬‫رَ‬
‫ٍ‬
‫ـعدا‬
‫ـروف سـ ً‬ ‫ـت اخلـ َ‬ ‫هنــاك‪ ..‬كان ّأو ُل اتصــال مباش ـ ٍر يل ابهلل‪ ،‬إذ وضعـ ُ‬
‫ٍ‬
‫ـارٍة مــن ال ّدعــاء‪ ،‬أبن يعـ َ‬
‫ـود إىل احليــاة‪ ،‬فأجنـ َـو‬ ‫ـت يف نوبــة حـ ّ‬
‫ق ّدامــي‪ ،‬واخنرطـ ُ‬
‫مــن عقــاب أيب‪.‬‬
‫ـت‬
‫ـاوره ش ـ ّكيكةٌ‪ ،‬يف أ ّن هللاَ سيســتجيب يل‪ .‬فقــد كنـ ُ‬
‫كان دعــاءً ال تسـ ُ‬
‫متأكدا‬
‫ً‬ ‫مغمض العينني‪،‬‬
‫َ‬ ‫كل شــيء‪ ،‬وكنت أفعل ذلك‬ ‫أمسع أنّه قادر على ِّ‬
‫ـعدا مل‬
‫أفتحهمــا‪ .‬لكـ َّـن سـ ً‬
‫ط أمامــي‪ ،‬مبجــرد أن َ‬‫ـعدا ين ـ ّ‬
‫مــن أنــي ســأرى سـ ً‬
‫انتقامــا‬
‫ـذر يل أيب‪ ،‬عــن رأســي الــي ثقبهــا ً‬
‫يعـ ْد إىل غايــة اليــوم‪ ،‬مثلمــا مل يعتـ ْ‬
‫لشــهيده العزيــز‪.‬‬
‫ـب خاطــري‪،‬‬ ‫حــدث أ ّن ج ـ ّدي امليلــود‪ ،‬عــاد عشــيتَها مــن فرنســا‪ ،‬فطيّـ َ‬
‫ـت أتســاءل‪:‬‬ ‫مذايعــا جلبــه معــه‪ ،‬وإىل غايــة هــذه اللّحظــة‪ ،‬ال زلـ ُ‬
‫أبن أهــداين ً‬
‫ـت ســأصري إىل مــا أان عليــه‪ ،‬مــن االنشــغال ِّ‬
‫األديب واإلعالمـ ِّـي‪ ،‬لــوال‬ ‫هــل كنـ ُ‬
‫ذاك املــذايع الكنــز؟‬

‫‪64‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫إطاللة جنائزية‬
‫ـودا جلعلــي ال أنتبــه إىل مــا‬
‫كان شــخوص الروايــة يف الســابق‪ ،‬يبذلــون جهـ ً‬
‫ات وأحـ ٍ‬
‫ـداث خــارج املكتبــة‪ ،‬فمــا الــذي حصــل هلــم اليــوم‪،‬‬ ‫يــدور مــن أصـو ٍ‬
‫ـرف هلــم‬
‫الشــرفة‪ ،‬ألعـ َ‬ ‫ـرب إطاللــة مــن ّ‬
‫حــى طلب ـوا مـ ّـي أبنفســهم أن أضـ َ‬
‫ـبب صيــاح األطفــال والنســاء املعجــون بصيــاح ســيّارة اإلســعاف؟‬ ‫سـ َ‬
‫ـ علياء‪ ..‬ماذا صار؟‬
‫ننتبه إىل أن بوتفليقة اختنق ابحلبال‪ ..‬اباب‪ ..‬أقصد موموح‪.‬‬
‫ـ مل ْ‬

‫ـــــــــــ‬

‫‪ 5‬ـ أشهر برانمج تلفزيوين ساخر يف اجلزائر‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫الغمّيضة‬
‫الصبــااي‪،‬‬
‫الغميضــة‪ .‬جتمــع خنبـةً مــن ّ‬‫تدهشــي براعـةُ عليــاء يف تنظيــم لعبــة ّ‬
‫ـردد معهــن أغني ـةً خليطًــا‬
‫فرضــا‪ ،‬وتـ ّ‬
‫نفســه ً‬ ‫مــا عــدا «رايض» فهــو يفــرض َ‬
‫مــن الفصحــى والدارجــة‪« :‬عنــدي قطّــة‪ /‬يف احلديقــة‪ /‬امسهــا شـربق دربــق‪/‬‬
‫ديقــودا‪ /‬مــن يعيــد امسهــا‪ /‬خيــرج مــن اللّعبــة»‪ .‬ابملـوازاة مــع انتقــال يدهــا مــن‬
‫صــد ٍر إىل صــد ٍر‪ ،‬لتكــو َن صاحبــة الصــدر الــذي تقــع عليــه ُ‬
‫يدهــا مــع الكلمــة‬
‫األخــرة‪ ،‬هــي مــن تغمــض عينيهــا‪.‬‬

‫أقصد ذكاءَ‬
‫هنا تبدأ التقنية‪ ،‬اليت أستفيد منها يف كتابة رواييت اجلديدة‪ُ .‬‬
‫علياء يف توجيه «رعاايها» إىل املخابئ اليت يصعب اكتشافُها‪ ،‬بناءً على‬
‫ِ‬
‫مغمضة العينني‪.‬‬ ‫معرفتها الدقيقة بقدرات الصّبيّ ِة‬

‫إشارات سياسية‬
‫مــا مل تتلـ َـق عليــاء معارض ـةً شرس ـةً‪ ،‬هت ـ ّدد بنســف اللعبــة ابالنسـ ِ‬
‫ـحاب‬ ‫ُ‬
‫اجلماعـ ِّـي منهــا‪ ،‬فإهنــا حتتكــر إدارةَ اللّعبــة حــى وإن كانــت مريض ـةً‪.‬‬
‫ـرب أو‬ ‫الصعــود إىل البيــت‪ ،‬لتشـ َ‬ ‫ـعرت ابلتعــب أو احلاجــة إىل ّ‬ ‫إذا شـ ْ‬
‫ـدث‬ ‫ِ‬
‫ـتخلف أختَهــا جنمــة‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬مل حيـ ْ‬
‫فإنــا تسـ ُ‬ ‫ـض‪ّ ،‬‬ ‫أتكل أو تـَتَ َم ْر َحـ َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ـت جنمــة إىل حركــة ضــد شــقيقتها أبـ ًـدا‪ ،‬إال تلوحيًــا بذلــك‪ ،‬حــى‬ ‫أن ّ ْ‬
‫ـ‬ ‫انضم‬
‫ـتمر امتيازا ُتــا‪.‬‬‫تسـ ّ‬
‫خاصــة ذوات الـ ّـروح املعارضــة‪،‬‬ ‫إذا كان هلــا موقــف ّســيء مــن إحداهـ ّـن‪ّ ،‬‬
‫انطباعــا أبهنــا‬
‫ً‬ ‫ـف سـر ًيعا‪ ،‬وتعطـ َـي‬
‫توجههــا إىل خمبــئ يســر‪ ،‬حــى تُكتشـ َ‬ ‫فإنــا ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫غــرُ جديــرة إبدارة اللعبــة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫متــأ جيبيهــا ابحللــوى‪ ،‬لتمــأ أفو ًاهــا حت ِّددهــا بعنايـ ٍـة‪ ،‬إذ تذهــب احللــوى‬
‫ـارض قابــل للســكوت‪ ،‬أو ف ـ ٍم مسـ ٍ‬
‫ـاند قابـ ٍـل للمعارضــة‪ .‬وحــى‬ ‫إىل ف ـ ٍم معـ ٍ‬
‫ّ‬
‫انطباعــا أب ّن العطــااي ختضــع للمعيــا ِر اإلنسـ ِ‬
‫ـاينّ ال غــر‪ ،‬فإهنــا متنــح‬ ‫ً‬ ‫تعطـ َـي‬
‫احلبّــة األوىل للفــى «مومــوح» الــذي متنعــه إعاقتُــه مــن املشــاركة يف اللّعبــة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــــــــ‬
‫ـات‪ ،‬مــن‬
‫الراعيـ ُ‬
‫ـائدا يف مراعــي «أوالد جحيــش»‪ ،‬أنِ ُتضـ َـر ّ‬ ‫كان سـ ً‬
‫بيوهتـ ّـن‪ ،‬دقي ًقــا ومسنًــا وتوابـ َـل‪ ،‬إلعــداد الغــداء يف ق ـ ْد ٍر كبــرة حتــت شــجرة‬
‫أحدهــم‪ ،‬الختطــاف خــروف‬ ‫ـول أحـ ُـد الرعــاة مغافلــة ِ‬ ‫اخلـ ّـروب‪ .‬علــى أن يتـ ّ‬
‫ّ‬
‫وضمــه للوليمــة بعــد أن يذحبَــه‪.‬‬ ‫مــن قطيعــه‪ّ ،‬‬
‫ملزمــا‪ ،‬إذا واجهــوه خبروفــه‬
‫الراعـ َـي الضحي ـةَ يصبــح ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬أ ّن ّ‬
‫ـائد ً‬ ‫السـ ُ‬
‫و ّ‬
‫مذبوحــا‪ ،‬مبباركــة األمــر والعمــل علــى نســفه وســلخه وتقطيعــه وإيصالــه‬ ‫ً‬
‫الراعيــات‪ ،‬ألنــه فشــل يف محايــة‬
‫ّ‬ ‫اءات‬‫ز‬ ‫ـته‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫اب‬ ‫ـا‬‫ـ‬‫ق‬
‫ً‬‫مرفو‬ ‫ـرة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫الطن‬ ‫إىل‬ ‫ـه‬‫بنفسـ‬
‫قطيعــه‪.‬‬
‫ـرت خمب ـأً ال‬
‫الغميضــة‪ ،‬فاخـ ُ‬
‫ـب ّ‬ ‫الرعــاة إىل أن نلعـ َ‬ ‫مــرًة‪ ،‬دعــاين زمالئــي ّ‬
‫للســطو علــى أمســن خـرايف‪.‬‬
‫خيطــر علــى عــن أو ابل‪ ،‬ممـّـا أعطاهــم وقتًــا مرحيًــا ّ‬
‫ـزم‬ ‫ِ ِ‬ ‫أحتمـ ْـل َّ‬
‫ـت فيهــا أن ألتـ َ‬
‫أن أيب ظهــر يف اللحظــة نفســها‪ ،‬الــي رفضـ ُ‬ ‫مل ّ‬
‫درســا أمثـ َـن مــن اخلــروف‪ :‬نس ـ َفهُ وســلخ جلـ َـده‬ ‫ِ‬
‫بقانــون اللّعبــة‪ ،‬فأعطــاين ً‬
‫السماءَ بطلقتني‪.‬‬‫وشج ّ‬ ‫وقطّعه وأوصله بنفسه إىل الطنجرة‪ ،‬مثّ رفع بندقيته َّ‬
‫الراعيــات‪ ،‬هــذه املـ ّـرة‪ ،‬بديـ ًـا لالســتهزاء‪.‬‬
‫فكانــت زغاريـ ُـد ّ‬

‫‪67‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫دوخة ال ّذئب‬
‫ـب‬
‫الغميضــة‪ ،‬بعــد اإلفطــار‪ ،‬وأصحـِ َ‬
‫ـرك البنتــن يف غمــرة ّ‬ ‫مــن عــاديت أن أتـ َ‬
‫الصح ـراوي‪ ،‬ألجلــب شــايَهُ ومكس ـراته‪.‬‬
‫الصغــرةَ مــرمي‪ ،‬إىل حانــوت الفــى ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـدت العيــو َن مس ـلّطةً زوماتــا علــى «جثــة» الفــى‬ ‫ـ‬ ‫ج‬‫فو‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ح‬‫البار‬ ‫ـدت‬
‫ُ‬ ‫عـ ُ‬
‫رايض‪.‬‬
‫ـ علياء‪ ..‬ماذا صار؟‬
‫فقمت بتوجيهه إىل‬
‫ُ‬ ‫الغميضة‪،‬‬
‫يلعب معنا ّ‬
‫أصر على أن َ‬ ‫ـ اباب‪ّ ..‬‬
‫االختباء يف القمامة‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ابتسامات بيضاء‬
‫أمــادو القــادم مــن منطقــة «ســيغو» املاليــة‪ ،‬تسـ ُـع ســنوات‪ ،‬واح ـ ٌد مــن‬
‫أنفســهم يف القطــار الرابــط بــن اجلزائــر العاصمــة‬ ‫األطفــال الذيــن فرض ـوا َ‬
‫ابت مــن دواعــي امللــل‪ ،‬أال جنـ َـده فيــه‪.‬‬
‫ومدينــة الثنيــة‪ ،‬حــى َ‬
‫الشــخص الــذي يظهــر لــه أنــه لــن‬ ‫إنـّـه براغمــايت جـ ًـدا‪ ،‬فــا يطيــل مــع ّ‬
‫ٍ‬
‫يعطيَــه شــيئًا‪ ،‬وحيــرص علــى أن يقابـ َـل «خبلَــه» اببتســامات غزيــرة‪ ،‬فقــد‬
‫ف‬‫يُعطيــه يف املـ ّـرات القادمــات‪ .‬عكــس بعــض أترابــه الذيــن يُســيئون التصـ ّـر َ‬
‫ابت‬
‫ـتعداد أحدهــم للعطــاء‪َ ،‬‬ ‫ـان‪ ،‬كمــا أنـّـه يســتغل اسـ َ‬‫يف هــذه احلــاالت أحيـ ً‬
‫يعــرف ذلــك مــن خــال ق ـراءة املالمــح وردود األفعــال‪ ،‬فيعمـ َـد إىل إغراقــه‬
‫للســخاء‪.‬‬
‫ابل ّدعــاء والعبــارات الدينيــة املثــرة ّ‬
‫ـمح لــه ابالطــاع علــى األلعــاب‪،‬‬ ‫أكثـ ُـر مــا يُســعد طفلنــا األمســر‪ ،‬أن تسـ َ‬
‫الــي يتوفّــر عليهــا هات ُفــك ال ّذكــي‪ .‬حينهــا يســهو عــن صحنــه وعــن جيبيــه‪،‬‬
‫الضحــك لنفســه احملرومــة مــن املدرســة والتلفــزة‬ ‫ويغــرق يف إنتــاج االبتســام و ّ‬
‫والتكنولوجيــا‪ ،‬ومــن سـ ٍ‬
‫ـقف أيويــه وأسـرتَه يف وطـ ٍن آمــن‪.‬‬
‫ـــــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــــــ‬
‫ـت منتســبًا مــا بــن ســنيت ‪ 1990‬و‪ ،1993‬إىل النظــام الداخلــي يف‬ ‫كنـ ُ‬
‫الســبت إىل منتصــف اخلميــس‪،‬‬ ‫املتوســطة مــن ّ‬
‫مدينــة بــرج بوعريريــج‪ .‬أمكــث يف ّ‬
‫جري إىل احملطّة البعيدة‪ ،‬حيث ال توجد إال حافلة يتيمة تربط املدينة‬ ‫مث أغادر ً‬
‫أبوالد جحيــش‪ .‬وإن حــدث أن فاتتــي‪ ،‬فســأبقى عرضـةً للتشـّـرد‪ ،‬يف عـِّـز غليــان‬
‫الشــارع مبسـرات جبهــة اإلنقــاذ‪ ،‬وهــذا الــذي وقــع يل ذات مخيــس‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪69‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ـاه إىل وجــودي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫ـت االنتبـ َ‬‫طمعــا يف مبيــت‪ ،‬وحــى ألفـ َ‬
‫ـت يف مســرة‪ً ،‬‬ ‫اخنرطـ ُ‬
‫حممــد رســول هللا‪/‬‬ ‫ـت أرفــع عقــريت بشــعار املرحلــة‪« :‬ال إلــه إال هللا‪ّ ،‬‬ ‫فقــد كنـ ُ‬
‫عليهــا حنيــا‪ ،‬وعليهــا منــوت‪ ،‬ويف ســبيلها جناهــد‪ ،‬وعليهــا نلقــى هللا»‪ .‬تفـّـرق‬
‫ـت علــى‬ ‫انتباهــا أو دعــوًة ملبيــت‪ .‬فتقوقعـ ُ‬ ‫اجلمـ ُـع قبيــل املغــرب‪ ،‬ومل أج ـ ِن ً‬
‫مر حســن الكهل املايل‪ ،‬الذي‬ ‫الســقوط‪ّ .‬‬‫خيبيت حتت جدار يوشــك على ّ‬
‫دت علــى أن أصلـ َـح حذائــي عنــده‪ ،‬فأخــذين معــه‪.‬‬ ‫تعـ ّـو ُ‬
‫ـدي علــى أطـراف املدينــة‪ ،‬يضـ ّـم أحـ َـد عشــر مهاجـًـرا ماليًــا‪،‬‬ ‫كان بيتًــا قرميـ ً‬
‫مجيعــا لصــاة املغــرب‪ .‬قــال حســن‪« :‬جئتكــم إبمــام»‪ ،‬فمــن‬ ‫يتهيئــون ً‬
‫أحدهــم‪ ،‬وفيهــم مســلم عــريب‪.‬‬ ‫أخــاق القــوم أال يصلّـ َـي هبــم ُ‬
‫ـب هلــم أحجبـةً حتميهــم‬ ‫الصــاة‪ ،‬حتلّقـوا حــويل‪ ،‬وطلبـوا ٍمـ ّـي أن أكتـ َ‬
‫بعــد ّ‬
‫ـت يــدي يف التّدبيــج‪.‬‬ ‫دت ُلَْيظــات‪ ،‬مثّ انطلقـ ْ‬
‫ـرد ُ‬‫الشــرطة هلــم‪ .‬تـ ّ‬
‫مــن طــرد ّ‬
‫ومدججــا‬
‫ً‬ ‫ـبعان مكسـ ًّـوا‪،‬‬‫الســبت‪ ،‬شـ ً‬ ‫املتوســطة صبيحــة ّ‬ ‫ّ‬ ‫عــدت إىل‬
‫ـث عندهــم بقيــة‬ ‫الزمــن‪ .‬وألنـّـي وعدهتــم أبن أمكـ َ‬ ‫أبلفــي دينــا ٍر بقيمــة ذاك ّ‬
‫ـت إليهــم أمســية اخلميــس‪ ،‬ليخــرين اجل ـران أ ّن‬ ‫الويكنــدات‪ ،‬فقــد ذهبـ ُ‬
‫ورحلتهــم إىل احلــدود‪.‬‬‫الشــرطة هامجتهــم يــوم األحــد‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫اختطاف تكنولوجي‬
‫أانم يف القطــار‪ ،‬لكنّــي فعلتهــا اليــوم‪ ،‬اترًكا عليــاء‬
‫ليــس مــن عــاديت أن َ‬
‫أحدهــم عنــد وصــول القطــار إىل‬‫وجنمــة تلعبــان جبهازمهــا العجيــب‪ .‬أصحــاين ُ‬
‫حمطــة آغــا‪ ،‬فلــم أجــد البنتــن‪ :‬ويــن راحــو اي ريب؟‬
‫ـف حال ـةَ ٍ‬
‫أب فـََقـ َـد كبـ َـده‪.‬‬ ‫يكــذب مــن يقــول َّ‬
‫إن اللغ ـةَ تســتطيع أن تصـ َ‬
‫ٍ‬
‫ـك‪ ،‬وأان أرى أمــادو‪ ،‬يف عربــة أخــرى‪ ،‬غارقًــا يف‬ ‫أكــذب إن قلــت إنـّـي مل أبـ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جهــاز عليــاء وجنمــة‪ ،‬ومهــا تغرقــان يف ضحكاتــه البيضــاء‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫حديث األرنوب‬
‫مل يكـ ْـن مــن عــادة الفــى املنــادي علــى اخلبــز اليابــس‪ ،‬أن يتجـ ّـرأَ علــى‬
‫ـب اليــوم علــى‬ ‫ِ‬
‫ال ّدخــول إىل العمــارة والطبطبــة علــى األب ـواب‪ ،‬لكنّــه طبطـ َ‬
‫ابيب‪.‬‬
‫أهل وليدي‪.‬‬ ‫ـ ً‬
‫عمو‪.‬‬‫صحيت ّ‬ ‫ـ ّ‬
‫ـ دقيقة‪ ..‬كاش ما نلقالك خبز‪.‬‬
‫عمو‪ ..‬أان جبت هدية لبناتك اللي راحو معااي ذيك النّهار‪.‬‬ ‫ـ ال‪ ..‬ال ّ‬
‫ذكرمهــا حــى مــأات فـ َـم البــاب‪ ،‬وراحتــا تســأالنه عــن أرانبــه وخرافــه‬
‫ومــا أن َ‬
‫ودجاجاتــه وديكتــه وقططــه وكالبــه‪ .‬أخــرج هلمــا أرنبًــا مــن الق ّفــة‪ ،‬فدخلتــا‬
‫الزغــردة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يف نوبــة مــن ّ‬
‫ـــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــ‬
‫ـت اســتقاليت مــن املكتبــة الوطنيــة اجلزائريــة هنايــة ‪ ،2004‬والتحقــت‬ ‫ق ّدمـ ُ‬
‫ـتقيل‬ ‫ِ‬
‫ت ابلتوظيــف يف التلفزيــون‪ ،‬شٍـريطة ٍأن أسـ َ‬ ‫ابإلذاعــة اجلزائريــة‪ ،‬مث ُوعـ ْد ُ‬
‫ـرد مآمــرة علميــة‪ ،‬حلرمــاين‬ ‫ـف َّ‬
‫أن األمـ َـر جمـ ُ‬ ‫ـتقلت‪ .‬ألكتشـ َ‬
‫مــن اإلذاعــة‪ ،‬فاسـ ُ‬
‫من التّوظيف يف اإلذاعة‪ .‬فعدت إىل بداايت التحاقي ابلعاصمة يوم ‪30‬‬
‫جـوان ‪ ،2002‬حيــث ال ســقف وال لقمــة وال راتبًــا‪.‬‬
‫خترجــه‪ ،‬حــن‬ ‫التقيــت الفــى غيــاس‪ ،‬الــذي كنــت ســاعدته يف مذكــرة ّ‬
‫ٍ‬
‫ـت مستشـ ًـارا يف املكتبــة الوطنيــة‪ ،‬فعــرض علـ ّـي أن أقيـ َـم يف بنايــة ُي ّهزهــا‬ ‫كنـ ُ‬
‫ـكل‬‫أبــوه يف حومــة األقبيــة الثالثــة بضاحيــة احلـّـراش‪ .‬ومل تكـ ْـن البنايــة إال هيـ ً‬
‫اب وال نوافـ َذ‪ ،‬وتتحـ ّـول‪ ،‬بعــد املغــرب‪ ،‬إىل حمشاشـ ٍـة لشــباب احلومــة‪.‬‬ ‫بــا أبـو ٍ‬

‫‪71‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫الشــباب‪،‬‬ ‫ـكاايت ّ‬
‫ـرا يف اجلــدار‪ ،‬كانــت تصلــي منــه حـ ُ‬ ‫ـت ثقبًــا صغـ ً‬ ‫أحدثـ ُ‬
‫ـب مــن‬ ‫وهــو مــن العتبــات األوىل الــي برجمتــي علــى الكتابــة الســردية‪ ،‬بطلـ ٍ‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫نفســها‪ .‬بعــد ثالثــة ٍ‬ ‫القصيــدة ِ‬
‫ـدت أرنبًــا‬
‫ـوت فوجـ ُ‬ ‫أايم جائعــة بلياليهــا‪ ،‬صحـ ُ‬
‫ـت بــه فأعطيتــه‬ ‫الضــوء الــي أحدثهــا الثقــب‪ .‬استأنسـ ُ‬ ‫انئمــا يف دائــرة ّ‬ ‫ـرا ً‬ ‫صغـ ً‬
‫ـب واألمــان‪.‬‬ ‫املــاءَ والعشـ َ‬
‫ـاعات‪ ،‬بــدأ األرنــوب يتحـ ّـول يف خمّــي مــن صديـ ٍـق إىل وجبــة‪.‬‬ ‫بعــد سـ ٍ‬
‫ـت منــه خنجـًـرا‪ّ /‬ادعيــت‬ ‫ـاب املقابـ َـل‪ /‬خــرج إيل الفــى بــدرو‪ /‬طلبـ ُ‬ ‫ـت البـ َ‬ ‫طرقـ ُ‬
‫ـكت‬
‫أيضــا‪ /‬أمسـ ُ‬ ‫ملحــا ً‬ ‫ـب ً‬ ‫ـيت ٍأن أطلـ َ‬ ‫أنـّـي أحتاجــه لتقشــر البطاطــا‪ /‬نسـ ُ‬
‫اجع عن قرار ذحبه‪/‬‬ ‫انطلقت إىل األرنب بســرعة‪ ،‬حىت ال أتر َ‬ ‫ُ‬ ‫بقوٍة‪/‬‬
‫اخلنجر ّ‬‫َ‬
‫الضــوء‪ /‬خطفتــه خط ًفــا‪ /‬ذحبتــه ذحبًــا‪ /‬بقــي رأســه‬ ‫ّ‬ ‫ـرة‬ ‫ـ‬ ‫ئ‬ ‫دا‬ ‫يف‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬
‫وجدتـ ً‬
‫ق‬‫غار‬ ‫ـه‬
‫ـت يف نوبــة‬ ‫الضــوء‪ /‬اخنرطـ ُ‬ ‫ـرعت جثتــه تتخبّــط يف دائــرة الـ ّدم و ّ‬ ‫يف يــدي‪ /‬شـ ْ‬
‫ـب‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ـلخت األرنـ َ‬
‫انرا‪ /‬سـ ُ‬ ‫ـعلت ً‬ ‫ـاس اإلمسنــت‪ /‬أشـ ُ‬ ‫ـت أكيـ َ‬ ‫بــكاء عميقــة‪ /‬مجعـ ُ‬
‫ـت أشــويه بدمعــي‪.‬‬ ‫ورحـ ُ‬
‫ـكوك الفــى بــدرو‪ ،‬فنــادي‬ ‫ـاري ابخلنجــر‪ ،‬شـ َ‬ ‫أاثرت عــوديت‪ ،‬إىل البنايــة‪ ،‬جـ ً‬ ‫ْ‬
‫أحدهــم‪،‬‬‫ُ َ‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫حب‬ ‫ذ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬
‫ّ‬‫ن‬ ‫أ‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫معتقد‬ ‫ـة‪،‬‬‫ـ‬ ‫ي‬ ‫البنا‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫اقتح‬‫و‬ ‫ـة‪.‬‬‫ـ‬ ‫م‬‫احلو‬ ‫ـان‬‫ـ‬ ‫ي‬ ‫علــى فت‬
‫متامــا يف املــكان الــذي تعـ ّـودوا علــى‬ ‫فوقف ـوا علــى مشــهد األرنــب املغــدور‪ً ،‬‬
‫أن يســهروا فيــه‪.‬‬
‫سن‬
‫إفطار ّ‬
‫جتتهــد ُّأم عليــاء يف أن تعـ َّـد وجبـةَ اإلفطــار‪ ،‬ســاعةً قبــل األذان‪ ،‬حــى ال‬
‫ـت ابملطبــخ‪ .‬ومل‬
‫املفضــل‪ .‬أوشــك علــى أن يــؤذن‪ ،‬فالتحقـ ْ‬ ‫يفوتــا مسلسـلُها ّ‬ ‫َ‬
‫رب؟‬
‫ّ‬ ‫اي‬ ‫ـاق‬
‫ـ‬ ‫ب‬ ‫األط‬ ‫ـة‬‫ـ‬‫بقي‬
‫ّ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ـن‪.‬‬
‫ـ‬ ‫ل‬
‫َ ّ‬‫ال‬
‫و‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫الت‬ ‫إال‬ ‫جتـ ْد‬
‫لــو كان األرنــوب مــن النّاطقــن‪ ،‬الختصــر علينــا احلــرةَ‪ ،‬وأخــران َّ‬
‫أبن‬
‫الشــرفة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كل شــيء إىل ّ‬ ‫عليــاء وجنمــة‪ ،‬أحض ـرات لــه َّ‬

‫‪72‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫اخلتان‬
‫أقربــم إليهــا‪ ،‬رغــم بعــد املســافة‪ ،‬وليــد‬
‫أصغرهــم و ُ‬
‫لعليــاء ثالث ـةُ أخ ـوال‪ُ ،‬‬
‫الــذي ســبقته إىل احليــاة بعــام‪ .‬بلغهــا خــرُ ختانــه مبناســبة ليلــة القــدر‪ ،‬فبكتــه‬
‫شــفقةً عليــه‪.‬‬
‫ـ ج ّديت‪ ..‬ملاذا خيتّنون األطفال؟‬
‫ـ حىت ال ميرضوا ويكربوا بسرعة‪.‬‬
‫صغرون مثل حبّة بلّوط‪.‬‬
‫ً‬ ‫فهمت ملاذا بقي جاران علي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ـ اآلن‬
‫قلــت يف نفســي‪ :‬عليــك أن تشــعري ابالمتنــان‪ ،‬أل ّن اجلزائــر ليســت‬
‫ضمــن اجملتمعــات الــي ختـ ّـن البنــات‪ ،‬وإال كنــت اآلن طرحيــة الف ـراش‬
‫والفراشــة مثــل وليــد‪.‬‬
‫ـــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــــ‬
‫فرحــا يب‪ ،‬بــل أتجيلَــه‬ ‫مل يثمـ ْـر كــوين وحيـ َـد ّأمــي وأيب‪ ،‬التعجيـ َـل خبتــاين ً‬
‫الســنة الثّامنــة‪ ،‬شــفقةً علــي‪ .‬إذ كنــت أتعلّــق حبضــن ّأمــي‪ ،‬كلمــا ذكــروا‬ ‫إىل ّ‬
‫ِ‬
‫الصــارم للج ـ ّد‪ ،‬المتـ َّـد‬
‫عامــا إضافيًــا‪ .‬ولــوال التدخــل ّ‬
‫يل ذلــك‪ ،‬فيمنحونــي ً‬
‫التأجيـ ُـل إىل أعـوام أخــرى‪ ،‬ووجــد ســي علــي ختــان «أوالد جحيــش» ومــا‬
‫نفســه مضطـ ًّـرا إىل اســتعمال الفــأس عــوض املقــص‪.‬‬ ‫جاورهــم مــن قــرى‪َ ،‬‬
‫ـام العــرب واألخ ـو ُال األمازيــغ‪،‬‬‫الشــهباء‪ ،‬وجــاء األعمـ ُ‬‫جــاء علــى بغلتــه ّ‬
‫وغمــوين ابألهازيــج والبــارود وال ّدراهــم والدع ـوات‪ .‬نبّهــي ســي علــي إىل‬ ‫ّ‬

‫‪73‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ـطرا مـ ّـي يف رمشــة عــن‪ ،‬لطاملــا‬


‫الســماء‪ ،‬فلــم أنتبـ ْـه إىل أنـّـه طـ ّـر شـ ً‬
‫طائــرة يف ّ‬
‫ـت أربــط النظـ َـر إىل‬
‫ومْن ُذهــا‪ ،‬بـ ُّ‬
‫كانــت ّأمــي تقــول إنـّـه أعـ ُّـز مــن العــن‪ُ .‬‬
‫أس خفيــض‪.‬‬ ‫رب إال ب ـر ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الســماء‪ ،‬بندبــة يف اجلســد‪ ،‬فــا أدعــو ّ‬ ‫ّ‬
‫ـال‪،‬‬
‫ـن األطفـ َ‬‫ـاج وخيـ ُّ‬
‫ـجار وجيـُّـز النعـ َ‬
‫ـص ســي علــي كان يقلّــم األشـ َ‬
‫وألن مقـ َّ‬
‫ـت فراشــي وكادت تفقــد نعمـةَ الطـران إىل األبــد‪ .‬ابع أيب قطعـةَ‬ ‫فقــد تقيَّ َحـ ْ‬
‫األرض الوحيــد َة الــي ميلــك‪ ،‬وعاجلــي يف املدينــة‪ ،‬حــى اســتعدت قطعــي‪.‬‬
‫بعــد ســبعة أع ـوام‪ :‬دعــاين إىل خرجـ ِـة صيـ ٍـد يف اجلبــل‪ .‬وحــن بلغنــاه‬
‫ـط بندقيتــه يف راســي‪ ،‬وأمــرين إبن ـزال ســروايل‪ .‬تبــادر إىل ذهــي مــا ُيليــه‬ ‫حـ َّ‬
‫ٍ‬
‫ـام مــن شــكوك‪ ،‬لكنّهــا زالــت بقولــه يل‪ :‬هــذه القطعــة بيعــت مــن أجلهــا‬ ‫املقـ ُ‬
‫ـذر أن تراهــا ام ـرأةٌ ليســت يف مســتوى األرض‪.‬‬ ‫األرض‪ ،‬فاحـ ْ‬

‫مقص الفراشة‬
‫ّ‬
‫متعس ـ ًفا يف تعاملــي‬
‫ـت ّ‬ ‫ـفت كــوين كنـ ُ‬ ‫احلـ َـق‪ ..‬احلـ َّـق أقــول إنـّـي اكتشـ ُ‬
‫مــع شــخوص روايــي اجلديــدة‪ ،‬برغبــي يف أن أكتبَهــم كمــا أريــد‪ ،‬وهــو مــا‬
‫ـان خلصوصياهتــم‪ ،‬فراح ـوا يتمــردون علــي‪ ،‬ويؤجلــون ِ‬
‫بوحاتــم‬ ‫اعتــروه ختـ ً‬
‫ّ‬
‫كل واحـ ٍـد منهــم علــى مــا هــو عليــه‪،‬‬
‫يل‪ .‬تصاحلنــا‪ ..‬واتفقنــا علــى أن يبقــى ُّ‬
‫وليذهــب النّاشــر والقــارئ إىل جحيــم أتويالتــه‪.‬‬
‫ومزقنــا أوراقًــا‪ ،‬وإذا‬
‫أقالمــا ّ‬
‫أقمنــا حفل ـةً صارخ ـةً يف املكتبــة‪ ،‬كس ـران فيهــا ً‬
‫منظرهــا مرعوبـةً‪ ،‬وهــي‬
‫ـتوعب َ‬
‫ميزقنــا مــن أســفل احلومــة‪ .‬مل أسـ ْ‬
‫بصـراخ عليــاء ّ‬
‫ِ‬
‫ألم علــي‪ ،‬وهــي تعنّفــه علــى أنــه‬
‫دمــا‪ .‬ومل أجــد مــا أقــول ّ‬
‫مقصــا يقطــر ً‬
‫حتمــل ًّ‬
‫ـلم فخذيــه بســهولة‪.‬‬
‫أسـ َ‬

‫‪74‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫هسترييا‬
‫ـمت لــه‪ ،‬مث تواصــل‬
‫ـك عليــاء وجنمــة‪ ،‬وأان يف املكتبــة‪ ،‬فابتسـ ُ‬ ‫وصلــي ضحـ ُ‬
‫ـت ألســتطلع أمـَـره‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ـتمر ســاعتني‪ ،‬فخرجـ ُ‬ ‫ـت منــه‪ .‬اسـ ّ‬‫ـف ســاعة‪ ،‬فانزعجـ ُ‬‫نصـ َ‬
‫إذ مل تضحــكا هبــذا االرتفــاع واالســتمرار منــذ أن ُولــدات‪.‬‬
‫ـت أن تك ّفــا عــن ذلــك برؤيــي‪ ،‬فمــا زادهتمــا إال ضحـ ًكا‪ .‬ســألتهما‬
‫توقعـ ُ‬
‫الســبب‪ ،‬فــكادات أن ختتنقــا ضح ـ ًكا‪ ،‬وكادت ّأمهمــا وج ّدهتمــا أن‬ ‫عــن ّ‬
‫ختتنقــا خوفًــا عليهمــا‪ .‬واش راه صــاري مــع الــذراري؟‬
‫ـــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــــ‬
‫ـائدا أن «أوالد جحيــش»‪ ،‬خيرجــون يف شــهر ســبتمرب إىل الغابــة‬ ‫كان سـ ً‬
‫ـاد ذكـ ٍر‬
‫ـب إجيـ ُ‬
‫ـتعدادا لشــتاء ال يرحــم‪ ،‬حــى أنـّـه كان يصعـ ُ‬
‫لالحتطــاب‪ ،‬اسـ ً‬
‫ط فيهــا‬‫تتبس ـ ُ‬
‫ابل ـ ٍغ يف حــوش مــن األح ـواش‪ .‬وهــي الفرصــة الثّمينــة‪ ،‬الــي ّ‬
‫املتعســفة‪.‬‬
‫الصبــااي‪ ،‬بعيـ ًـدا عــن املراقَبــات ّ‬
‫النّســاءُ و ّ‬
‫ـكل‬
‫الشــبيهةَ ببــذور اللفــت شـ ً‬
‫ـذور «بورجـوان» ّ‬‫مــن ذلــك ّأنــن يضعــن بـ َ‬
‫نوبة هسترييةٍ‬‫وحجما‪ ،‬يف احلساء‪ ،‬ومن خصائصها أن تُدخل حمتسيها يف ٍ‬
‫الضحــك‪ ،‬ال تتوقــف إال بعــد سـ ٍ‬ ‫ً‬
‫ـاعات طويلــة‪.‬‬ ‫مــن ّ‬
‫ـت النّســوة بورج ـوان‪،‬‬‫ـال القريــة إىل الغابــة فجــرا‪ ،‬فجلبـ ِ‬
‫مــرًة‪ ،‬خــرج رجـ ُ‬
‫ً‬
‫حد البكاء‪.‬‬ ‫ابلضحك َّ‬‫التعة ّ‬ ‫عن‪ ،‬فاشتعلت ّ‬ ‫وأضفنه إىل املرق الذي ُمنع ّ‬
‫تقع ذاببة على جبني إحداهن‪ ،‬أو‬
‫كن يضحكن ألتفه األسباب‪ ،‬كأن َ‬
‫َّ‬

‫‪75‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ـول اجلـ ّدة ضاحكـةً‪« :‬توقفــن‬ ‫ـب أو يُعب ـَّـر طفـ ٌـل عــن عطشــه‪ ،‬أو تقـ َ‬
‫ينبـ َـح كلـ ٌ‬
‫ـت إىل الثنيّــة الــي يطلــع‬
‫الشــمس إىل املغيــب‪ ،‬فملـ ُ‬
‫الضحــك»‪ .‬مالــت ّ‬ ‫عــن ّ‬
‫ـت مــن النّســاء‬ ‫ـت ورأيـ ُ‬
‫أبشـ َـرهم مبــا مسعـ ُ‬
‫منهــا احلطّابــة علــى بغاهلــم‪ ،‬حــى ّ‬
‫الضاحــكات‪ .‬كانــت إحــدى جتــاريب األوىل يف ممارســة وســخ القـوادة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ـال‪..‬‬ ‫الشــمس أم علــى األرض‪ ،‬ظـ ً‬ ‫ـن هــل كانــت البغــال متشــي يف ّ‬ ‫مل أتبـ ّ ْ‬
‫ـأت خــري اللّعــن‪ .‬ومل أتوقّـ ْـع أن يــرك‬ ‫ـال‪ ،‬فجريــت إىل القافلــة وتقيّـ ُ‬ ‫ظـ ً‬
‫ـدان قاســيةً‪،‬‬
‫ـال بغا َلــم للطريــق‪ ،‬ويعمــدوا إىل األشــجار ليسـلّوا منهــا عيـ ً‬ ‫الرجـ ُ‬
‫ّ‬
‫الضحــك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫خ‬‫و‬ ‫د‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫يف‬ ‫ـارق‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫ـوش‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫حل‬ ‫ا‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫قاصد‬ ‫ـم‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ألرجل‬ ‫ـح‬‫ـ‬
‫ّ َ‬ ‫ي‬‫ِ‬
‫الر‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ـتعري‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫وي‬
‫ـدان علــى األجســاد الضاحكــة‪ .‬مل أتوقّـ ْـع أن‬ ‫ـرك العيــدا ُن عيـ ً‬
‫مل أتوقّـ ْـع أن تـ َ‬
‫كل رجـ ٍـل زوجتَــه إىل بيــت أبيهــا‪ ،‬اترًكا َ‬
‫صغارهــا ينافســون اجل ـراءَ يف‬ ‫أيخ ـ َذ ُّ‬
‫النّبــاح‪.‬‬
‫انتقام الكبار‬
‫ـك يف أ ّن البنتــن ختطّتــا عفريتًــا‪ ،‬وال بـ ّد مــن عرضهمــا‬
‫قالــت ّأمــي‪ :‬ال شـ َّ‬
‫الراقــي «شــن»‪ .‬قالــت ُّأم عليــاء‪ :‬مــاذا لــو بقيتــا علــى ضحكهمــا‬ ‫علــى ّ‬
‫الصغــرة‬
‫هــذا؟ أال ختشــى عليهمــا املــوت؟ خذمهــا إىل الطبيــب‪ .‬فيمــا قالــت ّ‬
‫ـاب‪.‬‬
‫ـرس‪ ،‬ففتــح البـ ُ‬
‫رن اجلـ ُ‬ ‫مــرمي‪ :‬اباب‪ ..‬تغفشــوحححححوججغ بــغ‪َّ .‬‬
‫كل هذا االضطراب اي َّأم موموح؟‬ ‫ـ ملاذا ُّ‬
‫ـ أخــرين ولــدي مومــوح‪ ،‬أبنـّـه انتقــم مــن عليــاء وجنمــة‪ ،‬علــى ربطهمــا لــه‬
‫اص الــي يســتعملها يف هتدئــة أعصابــه‪.‬‬‫ابحلبــال‪ ،‬أبن أعطامهــا األق ـر َ‬

‫‪76‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫زكاة الفطر‬
‫ات‪ ،‬يطلــن زكاةَ الفطــر‪ .‬وهــو مــا‬
‫ايت كثـر ٌ‬
‫ايت وجزائـر ٌ‬
‫ـت اببَنــا ســور ٌ‬
‫طرقـ ْ‬
‫ـول عليــاء وجنمــة‪:‬‬
‫أاثر فضـ َ‬
‫ـ اباب‪ ..‬ما معىن زكاة الفطر؟‬
‫يوما قبل العيد‪ ،‬حىت يفرحوا مثلنا‬ ‫ـ صدقة نعطيها للفقراء‪ ،‬يومني أو ً‬
‫فيه‪.‬‬
‫كل الفقراء؟‬
‫ـ نعطي َّ‬
‫ـ األفضــل أن نعطيَهــا لفق ـ ٍر واحـ ٍـد‪ ،‬يكــون قريبًــا منّــا‪ ،‬مثــل خالــي «م»‬
‫منظّفــة العمــارة‪ .‬هــل رأيتمــا يديهــا اللتــن تشــققتا مــن اجلافيــل‪ ،‬ورجليهــا‬
‫اللتــن ش ـ ّققهما احلــذاء املطاطــي؟‬
‫ــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــــ‬
‫ـتحق زكاة الفطــر‪ ،‬فخذهــا إىل‬ ‫قــال يل جـ ّدي‪« :‬ليــس يف حوشــنا مــن يسـ ّ‬
‫فــان يف احلــوش الفــاين»‪ .‬وأمــر أبن يُعـ ّدوا يل البغلـةَ الشــهباء‪.‬‬
‫األرض‬
‫َ‬ ‫بعيدا مسافةَ ساعتني‪ ،‬وكانت البغلة تنهب‬ ‫احلوش الفالينُّ ً‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫ـت عنهــا‬ ‫ٍ‬
‫ـت ســرعتَها‪ ،‬يف بقعــة ال يـراان فيهــا إال هللا‪ .‬نزلـ ُ‬ ‫هنبًــا‪ ،‬مث فجــأ ًة كبحـ ُ‬
‫الســنابل الشــهيّات‪.‬‬
‫مرغوبــا مــن ّ‬
‫وتركتهــا تنــال َ‬
‫ملــاذا تعطــي ال ّدراهـ َـم لرجـ ٍـل ميلــك ماعـًـزا وغنمــات؟ ألسـ َ‬
‫ـت أوىل هبــا منــه‪،‬‬
‫أنــت الــذي تلبــس صبّاطًــا مطاطيًــا وســرو ًال مرقـًّعــا؟ ُد َّســها يف جيبــك واشـرِ‬

‫‪77‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ـت‬
‫هبــا مــن ســوق اإلثنــن‪ ،‬مــا يســر مؤخرتَــك ورجليــك‪ ،‬وقــل إنـّـك ّأديـ َ‬
‫أي اي عزيــزي؟‬‫رب؟ هــل توافقــي ال ـر َ‬ ‫األمان ـةَ إىل أهلهــا‪ .‬أليــس كذلــك اي ّ‬
‫أعلم أنك تراين وتســمعين‪ ،‬وهو ما جيعلين ال آكل وال أشــرب يف رمضان‪،‬‬
‫رب أشــتهي ســرو َال جينــز وصبّــا َط جلــد‪ ،‬وأريــد أن‬ ‫رغــم أنـّـي وحــدي‪ .‬اي ّ‬
‫ـور فوقــي‪،‬‬
‫ـت تســمح يل بذلــك‪ ،‬ف ْليَ ُمـَّـر عصفـ ٌ‬ ‫أحتفـ َظ هبــذه ال ّدراهــم‪ ،‬فــإن كنـ َ‬
‫ـرب كامــل‪.‬‬ ‫وإال ســأواصل طريقــي إىل احلــوش الفــاين‪ .‬مـ َّـر سـ ٌ‬
‫الصغــر يف جامــع العــرش‪ ،‬وعــاد علــى البغلــة‬ ‫ّأدى اجلـ ُّـد صــاةَ العيــد ّ‬
‫ِ‬
‫الصغــار مث النّســاء‪.‬‬ ‫نفســها‪ .‬فاصط ّفــت العائل ـةُ كلُّهــا ملعايدتــه‪ ،‬الكبــار مث ّ‬
‫إيل مــن غــر أن ينظــر انحيــي‪ ،‬وهــو مــا فهمــه‬ ‫ّإلي فقــد اكتفــى مب ـ ّد يــده ّ‬
‫اجلميـ ُـع غضبًــا منــه علــي‪ ،‬وراح ـوا يتهامســون داعــن هللا أن يكــو َن األمـ ُـر‬
‫يذكرهــا هلــم‪ ،‬وعقــايب أن‬‫ـت جرميــة تقتضــي العقــاب‪ ،‬مل ْ‬ ‫ـرا‪ .‬قــال إنـّـي ارتكبـ ُ‬
‫خـ ً‬
‫الشــمس إىل مغرهبــا‪.‬‬
‫أرعــى القطيـ َـع طيلــة يومــي العيــد‪ ،‬مــن مطلــع ّ‬
‫ـت‬
‫ـت أشــعر حــى هــذه اللحظــة‪ ،‬حب ـرارة أنفاســه يف أذين‪ :‬التقيـ ُ‬ ‫الزلـ ُ‬
‫صاحبَنــا يف صــاة العيــد‪ ،‬وأنكــر أنــه اســتلم منــك درمهًــا واحـ ًـدا‪.‬‬
‫صدقة راكدة‬
‫ـدت مــن مكتــب الربيــد مكتظًّــا ابلغيــض‪ ،‬ألنــي مل أجــد درمهــا واحـ ًـدا قــد‬
‫عـ ُ‬
‫أايم‪ ،‬كســوَة العيــد للجميــع‪.‬‬ ‫يت‪ ،‬قبــل ٍ‬ ‫دخــل حســايب‪ ،‬والعـزاء يف أنــي اشـر ُ‬
‫ووجههــا ابلفرحــات‪.‬‬ ‫طافحــا ُ‬‫ـت اخلالـةَ «م» عنــد مدخــل العمــارة‪ً ،‬‬ ‫التقيـ ُ‬
‫ـ ها خاليت «م»‪ ..‬فرحينا معاك‪.‬‬
‫ويبعد الشر عليهم‪.‬‬ ‫ـ هللا يسرت علياء وجنمة‪ ،‬ويهنّيهم وحيفظهم وخيلّيهم ّ‬
‫فمك لريب‪ ..‬واش عملولك؟‬ ‫ـ آمني‪ ..‬من ّ‬
‫ـ راك تشوف هاذ اخلري؟ هوما اللي جابوهلي‪.‬‬
‫الكيس الذي حيوي كسوَة العيد‪.‬‬
‫َ‬ ‫كان‬

‫‪78‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫املتط ّرف‬
‫اضــه إىل‬‫الشــرفة‪ ،‬بينمــا كان جــاري «ي» ينقــل أغر َ‬ ‫ـت أشـ ّـم اهلـواءَ يف ّ‬ ‫كنـ ُ‬
‫ٍ‬
‫الشــاحنة‪ ،‬لينتقـ َـل إىل حومــة أخــرى‪ ،‬فلــم يبـ َـق لــه وجــهٌ يُقابــل بــه خلـ َـق هللا‬ ‫ّ‬
‫السـؤال‪ :‬مل يكــن‬ ‫ّ‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـزين‬
‫ـ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ـأ‬
‫ـ‬ ‫ج‬ ‫وف‬ ‫‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ـل‬‫ـ‬‫ع‬‫َ‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـهد‬‫ـ‬ ‫ش‬ ‫امل‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫مبتاب‬ ‫يت‬
‫ُ‬ ‫ّ‬‫ل‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ـا‪.‬‬
‫هنـ‬
‫ـش أطفالــه بدونــه؟‬ ‫التلفزيــون مــن بــن األاثث‪ ،‬فكيــف يســتطيع أن يعيـ َ‬
‫أصل احلكاية‬
‫ـاع عاجـ ٍـل يف صالــون البيــت‪ ،‬وهـ ّددت مــن‬
‫دعتنــا اآلنســة عليــاء إىل اجتمـ ٍ‬
‫يتغيّــب أبال حتادثَــه أبـ ًـدا‪« ،‬األمــر يتعلّــق مبســتقبلي أان وجنمــة‪ ،‬وال داعــي‬
‫للتّســاهل»‪ .‬قالــت‪.‬‬
‫ألحد منكم أبن يناديين‬‫فصاعدا‪ ،‬ال أمسح ٍ‬ ‫شوفوا اي عباد هللا‪ ،‬من اآلن‬
‫ً‬
‫«عليــاء»‪ ،‬أو ينــادي أخــي «جنمــة»‪ّ .‬إنمــا امســان غريبــان عــن املســلمني‪،‬‬
‫وقــد صــار امســاان «خدجيــة» و»عائشــة»‪ ،‬ونســمح ملــرمي ابإلبقــاء علــى‬
‫امسهــا‪ .‬داكــور؟‬
‫ـ داكور خدجية‪ ..‬لكن ملاذا هذا؟‬
‫ـ جــاران «ي»‪ ،‬أعطــاان احللــوى وأفهمنــا أنّنــا حنمــل امســن ليســا مســلِ َمني‪،‬‬
‫ـال رضــا هللا وندخـ َـل‬‫ـرض امسينــا اجلديديــن‪ ،‬حــى ننـ َ‬ ‫وطلــب منّــا أن نفـ َ‬
‫اجلنّــة‪ ..‬اباب‪ ..‬أال تريــدان أن ندخـ َـل اجلنّــة؟‬
‫قلــت يف نفســي‪ :‬ليــس قبــل أن أُدخـ َـل «ي» انري‪ .‬مث أقنعتهمــا أبنـّـه‬
‫تدخــل يف مــا ال يعنيــه‪ ،‬وأب ّن امسيهمــا رائعــان‪ ،‬وليســا غريبــن عــن أمســاء‬
‫املســلمني‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ــــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ـــــــــ‬
‫أديب يف وادي ســوف عــام‬ ‫ـدت إىل غرفــي اجلامعيــة‪ ،‬مــن ملتقـ ًـى ٍّ‬ ‫عـ ُ‬
‫ع صبّاطــي‪ .‬ومل أنتبـ ْـه إىل أ ّن يف الغرفــة‬‫ـت مــن غــر أن أنــز َ‬ ‫‪ ،1998‬فنمـ ُ‬
‫ضي ًفــا هــو صديــق لشـريكي فيهــا‪ .‬أخذتــي عيــي فأيقظــي لصــاة العشــاء‪.‬‬
‫ـدمي مــع املغــرب‪ ،‬يف مســجد احلــي‪ .‬منــت قليـ ًـا‬ ‫ـت إنـّـي صلّيتهــا مجـ َـع تقـ ٍ‬
‫قلـ ُ‬
‫ـكل اآلايت واألحاديــث املر ّغبــة يف‬ ‫ـام الليــل‪ ،‬وأمطــرين بـ ِّ‬
‫فأيقظــي ألشــارَكه قيـ َ‬
‫ـول لــه‪ :‬أان مســيحي مــن لبنــان‪،‬‬ ‫ذلــك‪ ،‬فحملــي غضــي وتعــي علــى أن أقـ َ‬
‫ملزمــا بصالتــك‪ ..‬داكــور؟‬ ‫ـت ً‬ ‫ولسـ ُ‬
‫ـتوعب مســيحييت‪ ،‬فخــرج خمنوقًــا‪ ،‬مثّ عــاد بعــد ربــع ســاعة‪ ،‬وأيقظــي‬
‫مل يسـ ْ‬
‫ـفق عليــك مــن انر هللا‪ ،‬فقـ ْـم ألح ّدثــك عــن اإلســام‪ ،‬لعلــك‬ ‫اثلث ـةً‪« :‬أشـ ُ‬
‫تعصــم دمــك»‪ .‬أخافتــي الكلمــة األخــرة‪ ،‬إذ مــن يدريــي أنـّـه علــى صلــةٍ‬
‫َ‬
‫جبماعـ ٍـة إرهابيــة‪ ،‬فوجــدت نفســي أعلــن «إســامي» مــن جديــد‪ ،‬علــى‬
‫يديــه‪ ،‬ب«هلجــي» اللبنانيــة‪ ،‬وأقضــي ليلــي مصليًــا معــه‪ ،‬أان املرهــق القــادم‬
‫مــن أعمــاق الصح ـراء‪.‬‬
‫احتجاج رمسي‬
‫فورا‪.‬‬
‫وطلبت منه أن يوافيين يف البيت ً‬ ‫ُ‬ ‫مت جاري «ي»‪،‬‬ ‫كلّ ُ‬
‫ـ خــواي «ي»‪ .‬أنــت متلــك ســيّارًة‪ ،‬وأحتــاج ضــرورًة أن أتخــذين اآلن إىل‬
‫قســنطينة‪.‬‬
‫ـ أفعل إبذن هللا اي جاري‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ـ بل قل اي أاب خدجية‪.‬‬
‫ـت‬
‫الســبيل‪ .‬هــل تــدري أنــك مسيـ َ‬
‫ـ احلمــد هلل علــى أن هــداك إىل س ـواء ّ‬
‫ابنتَــك جنمــة علــى اســم روايــة للزنديــق كاتــب ايســن؟‬
‫الصوم‪.‬‬
‫فالسفر يُسقط عليك ّ‬
‫ـ املهم‪ ..‬سأحضر لك ما أتكله‪ّ ،‬‬
‫ـ عائشة‪ ..‬جييب لعمك الساندويتش‪.‬‬
‫جملة مف ّخخة‬
‫الضحك‬ ‫حامل السندويتش بيمناه‪ ،‬وهو غارق يف ّ‬ ‫راح يدور يف احلومة‪ً ،‬‬
‫معــا‪ .‬فيمــا كان الــذراري يتبعونــه‪ ،‬وهــم يصيحــون‬ ‫ـب املســلمني والكفــار ً‬ ‫ِ‬
‫وسـ ّ‬
‫ويقذفونــه ابحلصــى‪ :‬بوحليــة املهبــول‪ ..‬بوحليــة املهبــول‪ .‬كانــت عليــاء وجنمــة‪،‬‬
‫قــد طبّقتــا وصيــي جيّـ ًـدا‪ :‬ازرعــا الســندويتش ببقــااي األقـراص املهلوســة الــي‬
‫أعطاهــا لكمــا مومــوح‪ ،‬كــي يثــأر مــن أنّكمــا ربطتمــاه ابحلبــال‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫حرج التفّاح‬
‫مدخل‬
‫«إذا فُطــم الطّفـ ُـل علــى فاكهـ ٍـة معيّنـ ٍـة‪ ،‬صــارت بديـ ًـا حلليــب ّأمــه‪ ،‬يف‬
‫رب يرمحهــا‪.‬‬‫عينيــه‪ ،‬حــى يلقــى حليــب ربـّـه»‪ .‬ج ـ ّديت مــرمي ّ‬

‫[‪]1‬‬
‫إذا حضــرت فاكهــة ال ّدنيــا كلّهــا‪ ،‬فســتختار عليــاءُ وجنمــة ومــرمي منهــا‬
‫احــا مث طُلــب منهـ ّـن أن أيكلــن شــيئًا آخـَـر‪ ،‬فســيطلنب‬‫الت ّفــاح‪ ،‬وإذا أكلــن ت ّف ً‬
‫أن اتفقــت مــع ّأمهـ ّـن علــى أن ختفيــه عنهـ ّـن إذا اشـريتُه‪،‬‬
‫أيضــا‪ ،‬حــى ّ‬‫ـاح ً‬
‫الت ّفـ َ‬
‫إىل مــا بعــد الغــداء أو العشــاء‪ ،‬حــى ال يزهــدن فيــه‪.‬‬
‫فطمتهن على الت ّفاح‪ /‬قالت‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هذه نتيجة أنّك‬
‫نتبضع لرمضان‪.‬‬
‫ـ هيّا خنرج ّ‬
‫ـ دعنا أنكل ت ّف ٍ‬
‫احات قبل اخلروج‪.‬‬
‫ــــــــــ‬
‫شريط ال ّذاكرة‬
‫ـــــــــ‬
‫أتخــر ختانـُـك‪ .‬هــذا مــا حيــدث عــاد ًة‬
‫متامــا مثلمــا ّ‬
‫أتخــر فطامــي لــك‪ً ،‬‬
‫ّ‬

‫‪82‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫فضــان إغضــاب األصــول‬ ‫لوحيــد ّأمــه وأبيــه‪ ،‬ال يطيقــان رؤيتــه ابكيًــا‪ ،‬فيُ ّ‬
‫ـك علــى التـّّفــاح‪ ،‬ألنـّـه كان الفاكه ـةَ الوحيــدةَ‬
‫علــى إغضابــه‪ .‬وقــد فطمتـ َ‬
‫املتاح ـةَ يف حوشــنا صي َفهــا‪.‬‬
‫ـت‬
‫األم تغــار ممـّـن مييــل و ُلدهــا إليهــا؟ وأان كنـ ُ‬
‫هــل تــدري اي ولــدي‪ ،‬أ ّن ّ‬
‫وهتزهــا‬
‫ـت هتــرع إليهــا‪ ،‬وحتتضــن جذعهــا‪ّ ،‬‬ ‫أغــار مــن شــجرة التّفــاح‪ ،‬ألنـّـك كنـ َ‬
‫ٍ‬
‫هـ ًّـزا‪ ،‬فــا تلبــث أن ترمــي لــك حببّــة أو حبّتــن‪ .‬أتكلهمــا مثّ تنــام حتــت‬
‫الســماء‪.‬‬
‫اجلــذع‪ ،‬مثــل مــاك نســي جناحيــه يف ّ‬
‫مرةً‪..‬‬
‫ّ‬
‫يســا‬ ‫ٍ‬
‫زاران التّاجــر عمــر أوعاشــور مــن بــاد زواوة‪ ،‬علــى بغلــة لــه حتمــل تلّ ً‬
‫الضيــوف‪ ،‬وقــد‬
‫مــن الت ّفــاح‪ ،‬ليبيعــه يف البيــوت‪ .‬فأنزلــه جـ ّدك امليلــود يف دار ّ‬
‫ـس حتــت شــجرتك‪ ،‬الــي أغــار منهــا‪.‬‬
‫وضــع التلّيـ َ‬
‫الشجرة؟‬
‫ليل من حضين إىل حضن ّ‬
‫بت ً‬‫تسر َ‬
‫كيف ّ‬
‫احا؟‬
‫عرفت أ ّن ما يف التـّلّيس ت ّف ً‬
‫كيف َ‬
‫كيف قضمتَه حبّةً‪ ..‬حبّةً‪ ،‬ورميتَه عل ًفا للنّمل؟‬
‫مصدومــا‪ ،‬أمــام‬
‫ً‬ ‫فمــه‬
‫ـب الت ّفــاح‪ ،‬فأمســك َ‬ ‫وج الفجــر صاحـ َ‬ ‫أصحــى فـ ّـر ُ‬
‫ـدت هللاَ‬
‫الشــتم مــن الغضــب‪ .‬وقــد محـ ُ‬ ‫ـب و ّ‬ ‫مقضومــا‪ ،‬مث أطلقــه ابلسـ ّ‬
‫ً‬ ‫الت ّفــاح‬
‫ـكرت العنــزة علــى ّأنــا‬
‫علــى أنـّـه اســتعمل األمازيغيــة‪ ،‬فلــم يفهمــه أحــد‪ ،‬وشـ ُ‬
‫احــه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ـت لــه هبــا ت ّف َ‬
‫عوضـ ُ‬
‫الســمن‪ّ ،‬‬‫بكميــة مــن ّ‬
‫ّزودتــي ّ‬

‫‪83‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ــــــــــ‬
‫كهرابء اللّحظة‬
‫ــــــــــ‬
‫[‪]2‬‬
‫ـت أع ـ ّد نفســي للخــروج يف غرفــة النّــوم‪ ،‬ســبقنين إىل مدخــل‬ ‫بينمــا كنـ ُ‬
‫العمــارة‪ ،‬ومل أنتبــه إىل أ ّن ال ّدافــع إىل ذلــك‪ ،‬كان نــداءَ ابئــع الت ّفــاح علــى‬
‫ســلعته‪.‬‬
‫كيســا‪ ،‬وهـ ّـن يُثمــرن‬ ‫ٍ‬
‫وأان أنــزل يف س ـلّم العمــارة‪ ،‬كـ ّـن يصعــدن حامــات ً‬
‫فرحــا مــن عيوهنـ ّـن وأفواههـ ّـن‪ :‬اباب ت ّفــاح‪ ..‬اباب ت ّفــاح‪.‬‬
‫ً‬
‫حصلنت عليه؟‬
‫ّ‬ ‫ـ من أين‬
‫عمو‪.‬‬‫ـ أعطاه لنا ّ‬
‫آخر‪،‬‬ ‫حباجة إليه لشراء ٍ‬ ‫مل أشأ أن ألومه على أنّه ألزمين مببل ٍغ أان ٍ‬
‫غرض َ‬
‫فسألته عن املبلغ على طول‪.‬‬
‫من‪ ،‬يف رأس رمضان‪ ،‬على اليتيمات الثّالث‪.‬‬ ‫ـ هذه صدقة ّ‬
‫ـ ّإن ّن بنايت‪.‬‬
‫صفقة عقدهتا‬ ‫ـ لقد قلن يل ّإنن يتيمات‪ .‬مع ذلك‪ ،‬لن أتراجع عن ٍ‬
‫ّ‬
‫كميةً‪ ،‬وتص ّد ْق هبا على يتامى‬ ‫ّ ّ‬ ‫من‬ ‫ِ‬
‫رت‬ ‫فاش‬ ‫ا‪،‬‬
‫مصر‬
‫دمت ًّ‬‫مع هللا‪ .‬وما َ‬
‫حقيقيني‪.‬‬
‫حممـ ًـا ابألكيــاس‪،‬‬ ‫الســوق ّ‬ ‫وأان أصعــد س ـلّم العمــارة‪ ،‬وقــد عــدت مــن ّ‬
‫ـت ورائــي‪ /‬كانــت خطواهتــا ومالحمُهــا توحــي بشـٍّـر‬‫ـت امـرأ ًة تناديــي‪ /‬التفـ ّ‬
‫مسعـ ُ‬
‫ـت مــا‬
‫ـاس‪ /‬اختصــرت هلــا املســافة احرت ًامــا‪ ،‬أبن نزلـ ُ‬ ‫ٍ‬
‫وشــرر‪ /‬وضعــت األكيـ َ‬
‫بقــي منهــا‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫فك أبن تعطي الت ّفاح البنيت؟‬‫ـ من كلّ َ‬


‫ـ سأشرح لك اي خاليت‪.‬‬
‫شرحا‪ .‬نيّتك واضحة‪ ،‬وهي أنّك تريد الوصول إيل ألنّين‬ ‫ـ ال أحتاج ً‬
‫أرملة‪ .‬خذ ت ّفاحك‪.‬‬
‫الل‪.‬‬
‫ـ أستغفر ّ‬
‫ـ ما ذنب األكياس اي خالة‪ ،‬حىت تقذفيها برجلك؟‬
‫الريــح‪ ،‬يف سـلّم العمــارة‪ ،‬بقــدر مــا‬
‫مل يزعجــي أ ّن أكياســي ذهبــت أدراج ّ‬
‫كل املرميــات‪ ،‬جبمــع‬
‫أزعجــي أ ّن عليــاء وجنمــة ومــرمي كـ ّـن يكتفــن‪ ،‬مــن بــن ّ‬
‫حبّــات الت ّفــاح‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫نباح ال ّدمى‬
‫[‪]1‬‬
‫ـال‬
‫األول مــن العمــارة‪ ،‬شــرفة مســدودة‪ .‬خمافــة أن يصــل األطفـ ُ‬ ‫يف الطابــق ّ‬
‫ات‪ ،‬حكـ ًـرا علــى ال ّدمــى‪ ،‬الـ ّـي تســقط مــن األعلــى‪،‬‬ ‫إليهــا‪ ،‬فبقيــت ســنو ٍ‬
‫ْ‬
‫دمــى أخــرى‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫رمي‬ ‫ات‬‫ر‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫الص‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫تتعم‬ ‫ات‪ ،‬ومــر ٍ‬
‫ات‬ ‫ســهوا مــر ٍ‬
‫ََ َ ً‬ ‫ّ ّ ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ً ّ‬
‫ـرهن‪.‬‬
‫مــن أسـ ّ‬
‫ـودا عظيم ـةً إلقناعــي ابقتحامهــا‪ .‬لكنّــي‬ ‫ـت عليــاء وجنمــة جهـ ً‬ ‫وقــد بذلـ ْ‬
‫ـباب تُعفيــي مــن األمــر‪ .‬مــن قبيــل أ ّن جلنــة‬ ‫كل مـ ّـرة‪ ،‬أختلــق أسـ ً‬
‫كنــت‪ ،‬يف ّ‬
‫ـرذان خطــرًة ميكنهــا أن تؤذيــي‪ .‬غــر‬ ‫احلـ ِّـي ترفــض ذلــك‪ ،‬أو أ ّن هنــاك جـ ً‬
‫الشرفة املمنوعة‪.‬‬ ‫حيلة يستحيل‪ ،‬معها‪ ،‬أال أقتحم ّ‬ ‫ّأنما تفطّنتا‪ ،‬اليوم‪ ،‬إىل ٍ‬

‫[‪]2‬‬
‫ـ أين القصبة اليت فيها ريشيت؟‬
‫الشرفة‪.‬‬
‫ـ سقطت منّا يف ّ‬
‫ـــــــــ‬
‫شريط ال ّذاكرة‬
‫ـــــــــ‬
‫ـعة ِج ـر ٍاء‬
‫حوشــنا ذات ربي ـ ٍع‪ ،‬يف قريــة أوالد جحيــش‪ ،‬علــى تسـ ِ‬ ‫أصبــح ُ‬
‫ن مطموسـ ٍـة‪ ،‬علــى أثــداء ّأمهــا احملظوظــة واملنكوبــة يف الوقــت‬ ‫تتداعــى‪ ،‬أبعـ ٍ‬
‫نفســه‪ .‬أمــا حظّهــا فمــن عـ ٍ‬
‫ـادة مجيلـ ٍـة يف القريــة هــي أن تُزيـّـن عينــا الكلبــة‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫الوالــدة حديثًــا ابلكحــل‪ ،‬وأن تُصنــع مــن أجلهــا «شخشــوخة» بزيــت‬

‫‪86‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫متامــا كمــا كان ـوا يفعلــون مــع النّفســاء مــن النّســاء‪ .‬ونكبتهــا مــن‬ ‫الزيتــون‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّأنــا لــن حتتفـًـظ إال جبــرٍو أو جرويــن‪ ،‬أمــا البقيــة فيتــم رميهــا يف حفــرٍة عميقــة‪ٍ،‬‬
‫ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫تتغ ـ ّذى فيهــا علــى نباحهــا حــى متــوت‪.‬‬
‫الســبعة اآلخريــن‬ ‫ِ‬
‫زوجــا ذكـًـرا‪ ،‬مثّ وضــع ّ‬‫عايـ ٍـن جـ ّدي اجلـراءَ‪ ،‬فاختــار منهــا ً‬
‫يف ق ّفــة مــن سـ ٍ‬
‫ـعف‪ ،‬وأمــرين أبن أصعــد هبــا إىل احلفــرة‪ .‬مل حيــدث قبلهــا أو‬
‫بعدهــا أن متنّيــت العمــى‪ .‬حلظتَهــا متنّيتــه‪ ،‬كمــا متنّيــت أن يطــول يب الطريــق‪،‬‬
‫مدفوعــا خبــويف مــن أن‬
‫ً‬ ‫إىل حيــث ال وصــول إىل احلفــرة‪ .‬لكنّــي وصلتهــا‬
‫ـروا اثمنًــا‪.‬‬
‫ـردد يف تنفيــذ أمــره‪ ،‬فأصبــح جـ ً‬ ‫يفهــم اجلـ ُّـد أنـّـي مـ ّ‬
‫ـوت يدعــوين إىل اهلــرب‬ ‫ـت علــى شــفة احلفــرة‪ ،‬فوقــف داخلــي صـ ٌ‬ ‫وقفـ ُ‬
‫ابجلـراء إىل حيــث ميكنهــا أن تعيــش‪ ،‬وكنــت كلّمــا مســحت علــى أفواههــا‬
‫إبصبعــي رضعْتــهُ‪ ،‬وأصــدرت أص ـو ًات أنيني ـةً جتــرح أذن الـ ّـروح‪.‬‬
‫ابلركــض إىل‬
‫هــل أرمــي الق ّفــة دفعـةً واحــدةً‪ ،‬مثّ أختلّــص مــن هــول اللحظــة ّ‬
‫الســقوط؟ لكنّــي‬ ‫ـروا حــى ال تتــأذّى عنــد‬‫ـروا‪ ..‬جـ ً‬
‫البيــت؟ أم أرمــي اجلـراء جـ ً‬
‫كنــت أان‪ ،‬فنزلــت هبــا إىل احلفــرة‪ ،‬وهالــي وقوعــي علــى كوّمـ ٍـة مــن عظــامِ‬
‫جـر ٍاء ســابقني‪.‬‬
‫فعل‪ ،‬أن أبقى هناك‪ .‬ألشارك صغاري‬ ‫فضلت‪ً ،‬‬ ‫احلق أقول إنّين ّ‬
‫احلق‪َّ ..‬‬‫َّ‬
‫مصريهــم‪ ،‬علــى أن أواجــه وجــه ج ـ ّدي مـ ّـرًة أخــرى‪ .‬غــر أنـّـه صدمــي أبن‬ ‫َ‬
‫متامــا كمــا صدمــي ســقو ُط اجلـراء‬
‫ً‬ ‫ـا‪،‬‬
‫ـ‬ ‫هب‬ ‫ث‬‫ّ‬‫ـب‬
‫ـ‬ ‫ش‬ ‫أت‬ ‫أبن‬ ‫ـرين‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫أ‬
‫و‬ ‫إيل‪،‬‬ ‫ـاه‬
‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ع‬ ‫مـ َّـد‬
‫ٍ‬ ‫مــن حضــي‪ ،‬يف ظــام احلفــرة‪ .‬وأان أصعــد إىل مشـ ٍ‬
‫ـس غارقــة يف االمحـرار‪.‬‬
‫ـــــــــــــ‬
‫كهرابء اللّحظة‬
‫ـــــــــــــ‬

‫‪87‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫[‪]3‬‬
‫الشــرفة‪ ،‬فواجهتــي‬
‫ـؤدي إىل ّ‬
‫ـت ثقبًــا يف اجلــدار املـ ّ‬
‫فأســا وأحدثـ ُ‬
‫ـرت ً‬
‫تدبـّ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫دمى مرمية فيها‪ ،‬اببتســامات معجونة ابل ّدموع‪ .‬دموعها أم دموعي‪،‬‬ ‫ـبع ً‬
‫سـ ُ‬
‫الســبعة‪ ،‬يف احلفــرة املظلمــة؟‬
‫وقــد تذ ّكــرت اجلـراء ّ‬
‫[‪]4‬‬
‫التقطتُهــا دمع ـةً‪ ..‬دمع ـةً‪ ،‬أقصــد دمي ـةً‪ ..‬دمي ـةً‪ /‬ضممتُهــا إىل صــدري‪/‬‬
‫أســلمت إىل اجلــدار ظهــري‪ /‬ورحــت ِ‬
‫أع ُدهــا أبال أتركهــا تتســاقط مــن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حضــي هــذه املـ ّـرة‪.‬‬
‫[‪]5‬‬
‫من ثقب اجلدار‪ ،‬كانت القصبة اليت تعلوها ريشيت‪ ،‬تظهر ُرَويْ َد ًة‪ُ ..‬رَويْ َد ًة‪.‬‬
‫[‪]6‬‬
‫إيل‬
‫ـرت عصــا جـ ّدي‪ ،‬وهــي هتــوي ّ‬ ‫مــع غرقــي يف اللّحظــة املســتعادة‪ ،‬تذ ّكـ ُ‬
‫الشــرفة علــي‪.‬‬
‫ـدت أنـّـه ســيقتحم ّ‬ ‫يف حفــرة اجلـراء‪ ،‬فاعتقـ ُ‬
‫[‪]7‬‬
‫ـت خمطوفًــا مــن غــر االســتعانة بيـ ٍـد أو اثنتــن‪ ،‬فتســاقطت ال ّدمــى مــن‬
‫قمـ ُ‬
‫متامــا‪.‬‬
‫حضــي‪ ،‬عكــس مــا وعد ُتــا بــه ً‬
‫[‪]8‬‬
‫فوجدت علياء وجنمة مكان ج ّدي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قذفت برأسي إىل ما وراء الثّقبة‪،‬‬
‫ُ‬

‫‪88‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫خارج التحقيق‬
‫[‪]1‬‬
‫قــد تتســامح ّأم عليــاء مــع مــن يســطو علــى طعامهــا‪ ،‬لكنّهــا ال تتســامح‬
‫خاص ـةً وقــت القيلولــة‪ ،‬لذلــك كان عتاهبــا‬
‫مــع مــن يســطو علــى منامهــا‪ّ .‬‬
‫عاليــا‪ ،‬للبنــات علــى دخوهلــن ضاجـ ٍ‬
‫ـات‪ ،‬مبــا شـ ّـوش علــى غرقــي يف عســل‬ ‫ّ ّ‬ ‫ً‬
‫الكتابــة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ـرب الــكالب‪ ،‬مثّ‬
‫ـ طاطــا «ف» ضرهبــا خطيبُهــا «ح» بعصــا زيتــون ضـ َ‬
‫ســطا علــى هاتفهــا وحقيبــة يدهــا‪.‬‬
‫الشرطة‪.‬‬
‫ـ ال نستطيع أن نفعل هلا شيئًا‪ .‬فلتقصد ّ‬
‫ـ مامــا‪ ..‬كيــف نســيت ّأنــا تص ّفــف لنــا شــعران‪ ،‬وتشــري لنــا القصــص‪،‬‬
‫ابلضــرب؟‬
‫وتعلّمنــا الطبــخ‪ ،‬وأتوينــا حــن هت ّدديننــا ّ‬
‫[‪]2‬‬
‫الشــرفات وألســنتَها‪« .‬مــا‬
‫رؤوس ّ‬
‫أخــرج عويـ ُـل «ف»‪ ،‬يف ســاحة احلومــة‪َ ،‬‬
‫الرجالــة‪ /‬مــا عنديــش اللّــي ْيامــي علـ َّـي‪ .‬هــل كان ســيفعل يب هــذا‪،‬‬
‫عنديــش ّ‬
‫لــو كنــت أملــك ذلــك؟»‪.‬‬
‫[‪]3‬‬
‫مســكينة‪ ،‬قالت ّأم علياء‪ ،‬تســكن وحدها‪ ،‬وقد ظنّت أ ّن ارتباطها ب«ح»‬
‫ســيحميها‪ .‬هــل يطاوعــك قلبــك أن تضربــي بعصــا زيتـ ٍ‬
‫ـون اي بوكبــة؟‬ ‫ُ‬

‫‪89‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ـــــــــــــــ‬
‫شريط ال ّذاكرة‬
‫ـــــــــــــــ‬
‫ـت ضي ًفــا علــى خالــي يف «اثوريــرث آث منصــور»‪.‬‬ ‫حلّــت العطلــة‪ ،‬فحللـ ُ‬
‫للســماء‪ ،‬وهــي املتعـ ّـودة‬
‫قم ـةَ اللّــة خدجيــة املطاول ـةَ ّ‬
‫ومــا لفــت عيــي ليــس ّ‬
‫علــى قم ـ ٍم أصغـ َـر منهــا يف أوالد جحيــش‪ ،‬أو القطـ َـار الــذي يش ـ ّقها يف‬
‫امللونـةَ‪ ،‬وهــي‬ ‫ِ‬
‫اللّيــل والنّهــار‪ ،‬وهــي املتعـ ّـودة علــى رؤيــة اجلـّـرار‪ ،‬أو املثلّجــات ّ‬
‫الصبيــة‬
‫ـعر ّ‬ ‫املتعـ ّـودة علِــى اجلــن املصنــوع مــن حليــب املاعــز‪ .‬مــا لفتهــا كان شـ َ‬
‫ـور املرتفعــات‪.‬‬
‫ـنابل اللّيــل وعطـ َ‬
‫زينــة‪ ،‬خمتصـ ًـرا سـ َ‬
‫ـت كلّمــا رأيتهــا نســيت ّأمــي وخالــي‪ ،‬وســرحت‬ ‫كانــت وحيــدةَ أبيهــا‪ ،‬وكنـ ُ‬
‫يف مشــيتها وضحكتهــا ونظرهتــا ولفتتهــا ووقفتهــا‪ ،‬ورحــت أحبــث عــن‬
‫ـك يف أ ّن احلديــث‬ ‫الكلمــات ألدعــو هللا أن جيعلــي قريبًــا منهــا‪ .‬فــا شـ ّ‬
‫إليهــا أشــهى مــن عســل النّحــل‪ ،‬الــذي كنــت أتع ّقبــه يف الثقــوب وجــذوع‬
‫األشــجار‪ ،‬ومــن حــكاايت خالــي عــن حــورايت البحــر وغيــان الغــاابت‪.‬‬
‫تالشــت شــهيّيت للطّعــام‪ ،‬ورغبــي يف النّــوم والــكالم‪ ،‬ومل يعــد يل هاجــس‬
‫إال أن أكــون قريبًــا مــن زينــة‪ .‬ملــاذا أزهــد يف ال ّدنيــا حــن أمتلــئ أبنثــى؟ ملــاذا‬
‫فخهــا‪ ،‬وهــي‬‫ـأزت مــن اهتمامــي؟ ملــاذا مل أتفطّـ ْـن إىل ّ‬ ‫مل أنتبــه إىل أ ّن زينــة امشـ ّ‬
‫ـف‪ ،‬وهــي تقــول ألبيهــا‪:‬‬ ‫تشــر يل أبن أتبعهــا إىل حديقــة الـ ّدار؟ ملــاذا مل أخـ ْ‬
‫ـدي؟ ملــاذا مل أصــرخ وهــو يعلّقــي يف‬ ‫«هــذا»؟ ملــاذا مل أقــاوم‪ ،‬وهــو يقيّــد يـ ّ‬
‫يعريــي قطعـةً‪ ..‬قطعـةً؟ ملــاذا مل أعــرف‬ ‫الزيتــون؟ ملــاذا مل أخجــل‪ ،‬وهــو ّ‬ ‫شــجرة ّ‬
‫الزيتــون؟‬
‫متســد جســدي بزيــت ّ‬ ‫هبويــة الفاعــل‪ ،‬وهــي ّ‬ ‫خلالــي ّ‬

‫‪90‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ـــــــــــــ‬
‫كهرابء اللحظة‬
‫ـــــــــــــ‬
‫[‪]4‬‬
‫ـب رجــال احلمايــة املدنيــة‪ ،‬وأكــره أص ـوات ســياراهتم‪ .‬فمــا الــذي‬
‫أحـ ّ‬
‫حصــل يف احلومــة حــى جــاؤوا؟ مل تكــن انفــذة مكتبــي مطلّ ـةً‪ ،‬فلجــأت‬
‫إىل شــرفة الكوزينــة‪ .‬اي إهلــي‪ ..‬كيــف اســتطاعت «ف» أن تُضــرم‬
‫ـألت ّأم عليــاء‪ .‬لكـ ّـن «ف» نقلهــا شــباب‬ ‫النــار يف زيتــوانت «ح»؟ سـ ُ‬
‫احلومــة إىل املستشــفى‪ ،‬قبــل أن حيصــل احلريــق‪ /‬قالــت‪ّ .‬إمــا أ ّن «ح»‬
‫ـول ذلــك‪ /‬قالــت ّأمــي‪.‬‬
‫وإمــا أ ّن هللا تـ ّ‬
‫نفســه فعــل هــذا ليُشـ ّـوه «ف»‪ّ ،‬‬
‫َ‬

‫[‪]5‬‬
‫نومها من أن أتدارك‬
‫ثيابا‪ ،‬فلم مينعين ُ‬
‫غي َ‬ ‫انمت جنمة من غري أن نُ ّ‬
‫الولعة يف جيبها؟‬
‫ذلك‪ .‬لكن ماذا تفعل ّ‬

‫‪91‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ٌ‬
‫سرقات أمينة‬
‫[‪]1‬‬
‫أدسه يف ٍ‬
‫كتاب‬ ‫كل شه ٍر‪ ،‬و َّ‬
‫صغريا‪ ،‬بداية ّ‬
‫من عاديت أن أقتطع مبلغًا ً‬
‫كنت متساحمًا مع اليد‪،‬‬
‫ارئ‪ .‬ولئن ُ‬ ‫تضطرين إليه الطّو ُ‬
‫من الكتب‪ ،‬فقد ّ‬
‫من يف الفراش‪،‬‬ ‫اليت متت ّد إىل النّقود اليت يف جييب‪ ،‬أو تلك اليت تقع ّ‬
‫اخلاص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فلست كذلك مع اليد‪ ،‬اليت متت ّد إىل هذا املبلغ‬

‫[‪]2‬‬
‫ـاص‪ ،‬فلــم أجــد ثلثَــه‪ .‬وهــو مــا دعــاين إىل‬ ‫قبــل شــهرين‪ ،‬تف ّقــدت املبلـ َـغ اخلـ َّ‬
‫جترأت على‬ ‫يد من هذه اليت ّ‬ ‫فورا‪ُ :‬‬ ‫ـري إىل االجتماع ً‬ ‫أن أدعو اجمللس األسـ َّ‬
‫أن متتـ ّد إىل الكتــاب؟ وألنّنــا ال نلجــأ إىل ال َق َسـ ِم يف البيــت‪ ،‬احرت ًامــا للثّقــة‬
‫بيننــا‪ ،‬فقــد انتهــى االجتمــاع إىل اهتــام شــخص واحــد هــو‪ :‬أان‪.‬‬
‫ــــــــــ‬
‫شريط الذاكرة‬
‫ـــــــــــ‬
‫ـت تلمي ـ ًذا ضمــن النّظــام ال ّداخلــي‪ ،‬يف مدينــة بــرج بوعريريــج‪ ،‬وكان‬ ‫كنـ ُ‬
‫صــص لنــا وقــت يف املســاء ال يتع ـ ّدى ســاعتني للمراجعــة‪ ،‬ال يبقــى منــه‬ ‫ُي ّ‬
‫شــيء للمطالعــة خــارج املقـ ّـرر‪ ،‬فكنــت أراجــع دروســي املقـ ّـررة‪ ،‬يف الوقــت‬
‫املخصــص لذلــك‪ ،‬مث أطالــع يف مرحــاض املرقــد‪ ،‬بعــد أن ينــام زمالئــي‪ .‬إذ‬ ‫ّ‬
‫مل يكــن يُســمح أبن يبقــى املرقــد مضــاءً إال نصــف ســاعة بعــد ال ّدخــول‪ ،‬مث‬
‫ـوب‪.‬‬
‫ؤوس مجيعُهــا حتــت الغطــاء وجـ ً‬‫تكــون الـ ّـر ُ‬

‫‪92‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫اســتثمرت ثقــة أمينــة املكتبــة‪ ،‬يف الفصــل األخــر مــن املرحلــة الثّانويــة‪،‬‬
‫ـاب اســتعرته‪ .‬أذكــر أنـّـه كان‬ ‫ـت آخــر كتـ ٍ‬
‫‪ ،1996‬و ّادعيــت أنـّـي أضعـ ُ َ‬
‫الشــعرية‪ ،‬وكنــت أرى‬ ‫ـال الكامل ـةَ لن ـزار قبّــاين‪ ،‬إذ كنــت يف بــدااييت ّ‬ ‫األعمـ َ‬
‫منوذجــا ُيتــذى ومثـ ًـال‪ .‬لكــن هــل كان يل مــا أردت؟ اســتدعاين املراقــب‬ ‫فيــه ً‬
‫وإمــا‬
‫ـام للثّانويــة‪ ،‬وقــال يل يف صرامــة ســوداء‪ّ :‬إمــا أن تعيــد الكتــاب‪ّ ،‬‬ ‫العـ ّ‬
‫ســتُحرم مــن املشــاركة يف امتحــان الباكالــوراي البيضــاء‪.‬‬
‫ـرت يف إعــادة‬ ‫ِ‬
‫ـت أظـ ّـن أنـّـه ميــزح‪ ،‬لكنّــي أتكــدت مــن أنـّـه اجلــدُّ‪ .‬ففكـ ُ‬ ‫كنـ ُ‬
‫ـت خوفًــا مــن أن هتتـّـز صــوريت‪ ،‬إن أان أعدتــه‪ ،‬بعــد‬ ‫الكتــاب فعـ ًـا‪ ،‬مثّ تراجعـ ُ‬
‫ضياعــه‪ ،‬فأصــررت علــى أنــه ضــاع‪ ،‬وأبديــت اســتعدادي ألن‬ ‫أن ّادعيــت َ‬
‫ـاب آخـَـر مهـ ٍّـم مثلــه‪ ،‬فوافــق املراقــب علــى ذلــك‪ .‬لكــن مــن أيــن‬ ‫أعوضــه بكتـ ٍ‬
‫ّ‬
‫ـض‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫وب‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫بيض‬
‫َ‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫تب‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬‫أم‬
‫ُّ‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫اخ‬ ‫د‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ـذ‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫التلم‬ ‫أان‬ ‫ـال‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫مل‬ ‫اب‬ ‫يل‬
‫دجاجاهتــا‪ ،‬لتضمــن لــه مصروفَــه؟‬
‫ـدت جامــع القريــة بنيّـ ٍـة خمتلفـ ٍـة‪ ،‬هــي أن أختــار عن ـو ًان مــن مكتبتــه‪.‬‬
‫قصـ ُ‬
‫كانــت حلظ ـةً حرجــة جــدًّا‪ ،‬احتقــرت فيهــا نفســي‪ ،‬إذ وجدتــي أســرق يف‬
‫ـح أن‬‫املــكان الــذي كنــت أصلّــي فيــه‪ ،‬وأحفــظ القــرآن العظيــم‪ .‬فهــل يصـ ّ‬
‫رب شــيئاً مــا؟ هــل مــن الـ ّذوق أن‬
‫ـائل ّ‬
‫ـدي سـ ً‬‫أعــود إليــه مـّـرة أخــرى‪ ،‬وأرفــع يـ َّ‬
‫أســتعني مبــن ســرقت بيتَــه؟‬
‫ـاب‪ .‬هــل أصلّــي‬ ‫ط البـ ُ‬‫ـوب خبــويف‪ ،‬مثّ زادت الثّقــوب‪ ،‬حــن َزْريَـ َ‬ ‫دخلــت مثقـ ً‬
‫ف نفســي‪ .‬أصلّي إذا مل‬ ‫حتيّة املســجد أم ال؟ ال ب ّد أن أكون شـ ّفافًا‪ ،‬فأصنّ َ‬
‫الصــاة ليســت‬ ‫أجــئ ســارقًا‪ّ ،‬أمــا إذا صلّيــت مثّ ســرقت‪ ،‬فســأكون عابثًــا‪ .‬و ّ‬
‫ـدودك اي عبــد الـّـرّزاق‪.‬‬
‫ـزم حـ َ‬ ‫ـرب ليــس عبثًــا‪ /‬ريب ليــس عبثًــا‪ .‬فالـ ْ‬
‫عبثًــا‪ /‬بيــت الـ ّ‬
‫ـت ركنًــا مــن اجلامــع‪ ،‬وانكمشــت علــى نفســي‪ ،‬ألجــدين أبكــي‬ ‫التزمـ ُ‬
‫ـت وســط اجلامــع الــذي كان‬ ‫حب ـرارٍة‪ .‬مث فجــأةً توقّفـ ُ‬
‫ـت عــن البــكاء‪ /‬وقفـ ُ‬

‫‪93‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ـاب‬
‫ـمت يف وجــه هللا‪ :‬هــل تســمح يل أبن أختــار كتـ ً‬ ‫خاليًــا إال مـ ّـي‪ /‬ابتسـ ُ‬
‫الســرقة‪ ،‬علــى أن أشــري نســخةً منــه‪ ،‬وأعيدهــا مــى‬
‫بنيّــة االســتعارة‪ ،‬ال بنيّــة ّ‬
‫وفّقتــي لذلــك؟‬
‫أذكر أنّه كان كتاب «األمايل» أليب علي القايل‪.‬‬
‫ـــــــــــ‬
‫كهرابء اللحظة‬
‫ـــــــــــ‬
‫[‪]3‬‬
‫كل‬
‫أعيتــي الكتابــة‪ ،‬فَأ ََر ْحتُــي ابالســتجابة لغفــويت‪ ،‬وأان مســتع ّد ألن أكــره َّ‬
‫ـرق علـ ّـي غرفــي‪.‬‬ ‫مــن تطـ ُ‬
‫[‪]4‬‬
‫ـ من؟‬
‫ـ علياء‬
‫ـ ماذا تريدين؟‬
‫ـت وضعتهــا يف الكتــاب‪،‬‬
‫أرد لــك أمانـةً أخذ ُتــا منــك‪ ،‬قبــل شــهرين‪ .‬كنـ َ‬
‫ـ ّ‬
‫يومهــا‪ ،‬أن أســاعد هبــا صديقــي «م»‪ .‬أضاعــت ســاعتها‪،‬‬ ‫وكان ال ب ـ ّد‪َ ،‬‬
‫و ُّأمهــا مــن النّــوع الــذي ال يشــفق عندمــا يضــرب‪.‬‬
‫عوضت املبلغ؟‬
‫ـ رائع‪ .‬ولكن من أين ّ‬
‫ـ من الكتاب‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫بوسعدية‬
‫[‪]1‬‬
‫للتبضــع‪ ،‬ومــر ٍ‬
‫ات‬ ‫ات‪ ،‬مبرافقــة البنــات إىل حوانيــت احلومــة‪ّ ،‬‬ ‫أســتمتع‪ ،‬مــر ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشــرفة‪ .‬إذ يصغــر‬ ‫ّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـن‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ومتابعت‬ ‫‪،‬‬‫ـن‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫وحد‬ ‫ـاهلن‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬‫إر‬ ‫يف‬ ‫أجعــل متعــي‬
‫ٍ‬
‫حجمهـ ّـن ويكــر ولعــي هبـ ّـن‪ ،‬فــا أغادرهــا حــى يظهــرن عائــدات‪ ،‬مثــل‬
‫قصــرن اخلطـ َـو‪ ،‬حــى يُ ِط ْلـ َـن‬‫رؤوس األع ـوام واألزواج‪ ،‬فهـ ّـن يُ ّ‬‫عجائـ َـز أكلــن َ‬
‫احلــكاايت‪.‬‬
‫[‪]2‬‬
‫غرضــا خرجــن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫غرضــا مل نوصيهـ ّـن عليــه‪ ،‬وم ـرات ينســن ً‬ ‫مـ ّـرات جيلــن ً‬
‫ـهن‪ ،‬فــا يعــدن إال بعــد أن أتــرك‬ ‫ٍ‬
‫أصـ ًـا مــن أجلــه‪ ،‬وم ـرات ينســن أنفسـ ّ‬
‫متامــا مثلمــا حــدث يل اليــوم‪.‬‬
‫ط الطريـ َـق حبثًــا عنهـ ّـن‪ً .‬‬‫قلمــي‪ ،‬وأخ ـ ّ‬
‫ـــــــــ‬
‫شريط ال ّذاكرة‬
‫ـــــــــ‬
‫خاصــة تكــون‬
‫كنّــا صغـ ًـارا يف قريــة أوالد جحيــش‪ ،‬وكانــت لنــا ّأيم ّ‬
‫األيم األخــرى‪ ،‬منهــا يــوم عاشــوراء‪ .‬وعلــى‬ ‫فيهــا جرعــة الفــرح أكـ َـر منهــا يف ّ‬
‫الشــيعة أن يرتيّث ـوا‪ ،‬فــا يســارعوا إىل االعتقــاد أننــا كنّــا نفــرح مبقتــل‬
‫األصدقــاء ّ‬
‫الســيّد احلســن‪ ،‬فقــد قلــت إننــا كنّــا صغـ ًـارا وقرويــن مل يصلنــا ال خــر احلســن‪،‬‬
‫ّ‬
‫وال خــر بــي أميــة‪ .‬إّنــا كان فرحنــا بســبب ظهــور بوســعدية‪ ،‬يف ذلــك اليــوم‬
‫صغارهـ�ا‪.‬‬
‫ابلـ� ّذات مـ�ن العـ�ام‪ ،‬ليجعـ�ل للقـ�رى األخـ�رى ّأي ًمـ�ا أخـ�رى يفـ�رح هبـ�ا ُ‬

‫‪95‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫وبوســعدية هــذا اي ســادة اي مــادة اي أحبــاب هللا‪ ،‬درويــش ترافقــه فرقــة‪،‬‬


‫الدف‪ ،‬ومن يضرب على‬ ‫منها من يضرب على الطّبل‪ ،‬ومن يضرب على ّ‬
‫ـس والولــدا َن‬
‫حوشــا‪ ،‬ليبــارك العرائـ َ‬
‫حوشــا‪ً ..‬‬‫اش القريــة ً‬ ‫الزرنــة‪ .‬يقصــد أح ـو َ‬ ‫ّ‬
‫ـاج واملشــرى حديثًــا مــن البغــال واألف ـراس وكبــاش اإلخصــاب‪ .‬وإن‬ ‫و ّ َ‬
‫ـ‬‫احلج‬
‫أتخــر عنهــا احلمــل‪ ،‬مبــا يكفــي إلاثرة القلــق‪ ،‬فهــو‬ ‫ُ‬
‫حــدث أن ُوجــدت امـرأة ّ‬
‫مســموح هلــا أبن حتســن إخفــاء وجههــا بلحافهــا‪ ،‬وترقــص يف احلضــرة حــى‬
‫ـات‪ ،‬يتخلّلهــا كالم‬ ‫ـات عاليـ ٍ‬ ‫يغمــى عليهــا‪ .‬فيمــا يطلــق بوســعدية صيحـ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عمــر حجرهــا ابألوالد»‪ ،‬وكالم‬ ‫ّ‬ ‫األواتد‪..‬‬ ‫ـايل‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫اي‬ ‫رب‬‫ّ‬ ‫«اي‬ ‫ـل‪:‬‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ـوم‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫مف‬
‫ـات يف‬‫ـات‪ ..‬موجـ ٍ‬ ‫ـوم يكــون أخفــت مــن األول‪ ،‬فيضيــع موجـ ٍ‬ ‫غــر مفهـ ٍ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫األنغــام‪.‬‬
‫الزائــر‬
‫الرعــي‪ ،‬يف ذلــك اليــوم‪ ،‬حــى ال تفوتنــا بركــة ّ‬ ‫كنّــا نُعفــى مــن ّ‬
‫الســنوي املق ـ ّدس‪ .‬كمــا كان ظهــوره مرتبطًــا عنــدان حبشــو بطوننــا بلحــم‬ ‫ّ‬
‫متزوجـ ٍـة‬ ‫كل ام ـر ٍ‬
‫أة‬ ‫ُّ‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫خت‬ ‫أن‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫اثبت‬ ‫كان‬ ‫إذ‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫الت‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫د‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـدي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫الب‬ ‫ـاج‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ال ّد‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أحسـ َـن ديوكهــا ودجاجاهتــا‪ ،‬وترميــه بــن يديــه‪ ،‬فيجـ ّـر عليــه خبنجــر يسـ ّـمى‬
‫«البوســعادي»‪ .‬وكــم كان يــروق يل اختــاط رقصــات ال ّدجــاج املذبــوح‬
‫أبنغــام الفرقــة ال ّذاحبــة‪.‬‬
‫يومــا‪ ،‬حتــت شــجرة اخلـ ّـروب‪ ،‬الــي جتتمــع حتتهــا عجائــز‬
‫كنّــا نلعــب‪ً ،‬‬
‫ويوزعنهــا علــى النّــاس‪ ،‬كــي يســقط املطــر يف‬
‫القبيلــة‪ ،‬ليطبخــن العصيــدة ّ‬
‫أحدهــم‬
‫ـرث اخللـ ُـق عُطْالنـَُهــم‪ .‬وحــدث أن ذكــر ُ‬
‫بــداايت اخلريــف‪ ،‬فيحـ َ‬
‫الصبية نظرة حارقة‪ ،‬مثّ انسحب‬ ‫ٍ‬
‫بوسعدية بسوء‪ .‬ايه‪ ..‬لقد نظر إليه أحد ّ‬
‫إىل اخللــف‪.‬‬
‫وبينمــا حنــن نتهافــت علــى قصعــة العصيــدة‪ ،‬إذا بصاحبنــا الــذي ذكــر‬
‫ن‪،‬‬‫بوســعدية بســوء يُطلــق صرخـةً مل تســعها الســماء‪ .‬بتل ّقيــه ضربـةً حبجـ ٍر مسـ ٍ‬
‫ّ‬
‫الصــي الــذي غــاب عــن األنظــار‪ .‬وحــن ســئل عــن ســبب ذلــك‬ ‫مــن يــد ّ‬

‫‪96‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫قــال‪« :‬إنـّـي جئــت إىل احليــاة‪ ،‬بعــد أن رقصــت ّأمــي يف حضــرة بوســعدية‪،‬‬
‫وأان ال أمســح ملخلـ ٍ‬
‫ـوق يف ال ّدنيــا‪ ،‬أبن يســبّه أو يُســيء إليــه»‪.‬‬
‫ــــــــ‬
‫كهرابء اللّحظة‬
‫ــــــــ‬
‫[‪]3‬‬
‫ـت الفــى «ر» املعــروف بـ«هبّــاط‬ ‫ـت ـ بعــد أن اســتبطأ ُت ّن ـ فصادفـ ُ‬
‫خرجـ ُ‬
‫الس ـراويل»‪ ،‬ألنــه يُه ـ ّدد اجلميــع أبن ينــزع عنهــم س ـراويلَهم‪ ،‬فأنكــر أنـّـه‬‫ّ‬
‫رآهـ ّـن‪ ،‬واخنــرط معــي يف مســعى البحــث‪ ،‬وهــو يُه ـ ّدد مــن يُؤذيهـ ّـن بنــزع‬
‫ســرواله‪.‬‬
‫[‪]4‬‬
‫ـات شـ ٍ‬
‫ـباب‬ ‫الزرنــة‪ ،‬وصيحـ ُ‬
‫ـام ّ‬
‫ختلّــى عـ ّـي‪ ،‬مبجـ ّـرد أن انتهــت إىل أذنيــه أنغـ ُ‬
‫اســتنتج ّأنــم يرقصــون عليهــا‪.‬‬
‫[‪]5‬‬
‫درت دورتــن‪ ،‬فوقفــت علــى مشــهد قــد أعجــز عــن كتابتــه‪ :‬بوســعدية‬
‫الرحبــة ابألنغــام‪ ،‬وشــباب يُشــعلون رقــص بنــايت ابلتّصفيــق‪.‬‬
‫يُشــعل ّ‬
‫[‪]6‬‬
‫ـتفز جنمــة كــي‬
‫ـوي‪ ،‬وراح يسـ ّ‬‫الس ـراويل يف احلضــرة عفـ ً‬‫اخنــرط «ر» هبّــاط ّ‬
‫معــا‪:‬‬
‫تراقصــه‪ ،‬فاســتجابت لــه‪ .‬أصابتهــا ال ّدوخــة‪ ،‬فتشــبّثت بــه حــى هبطــا ً‬
‫هــي وســروالُه‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ذحبت أخي‬
‫[‪]1‬‬
‫األول مــن رمضــان‪ :‬ابت البيــت حباجـ ٍـة إىل خــرة احمل ّقــق كــوانن‪،‬‬
‫اليــوم ّ‬
‫فأمــي مل‬
‫اض منــه‪ ،‬وهويـّـة املتســبّبة يف ذلــك‪ّ .‬‬ ‫ملعرفــة كيفيــة اختفــاء أغ ـر ٍ‬
‫ـجادة صالهتــا‪ ،‬و ّأم عليــاء مل تعثــر علــى فســتاهنا‬
‫تعثــر علــى صبّاطهــا وسـ ّ‬
‫وصندالتهــا‪ ،‬وأان مل أعثــر علــى غــاف وســاديت‪ّ .‬أمــا البنــات فلــم يفقــدن‬
‫ـك يف أ ّن كــوانن س ـراعي هــذا املعطــى يف حتقيقــه‪.‬‬ ‫شــيئًا‪ ،‬وال شـ ّ‬
‫[‪]2‬‬
‫نب مرقّ ٍط صغ ٍري يف‬
‫اليوم الثّالث‪ :‬انتفت حاجتُنا إىل كوانن‪ ،‬بظهور أر ٍ‬
‫البيت‪.‬‬
‫ـ ما هذا؟‬
‫الصغري‪.‬‬
‫ـ أخوان ّ‬
‫ـ من أين جاء؟‬
‫ـ هديّة من اخلالة «م» منظّفة العمارة‪.‬‬
‫ــــــــــــ‬
‫شريط ال ّذاكرة‬
‫ـــــــــــ‬
‫كان ج ـ ّدي جيمــع أطفــال العائلــة البالغــن واملوشــكني علــى البلــوغ‪ ،‬بعــد‬
‫ـس ال ّذبــح فيتعلّمــوه‪ .‬كان يقــول‬
‫عودتــه مــن صــاة العيــد الكبــر‪ ،‬ليشــهدوا طقـ َ‬
‫الرجــل الــذي ال يتعلّــم هــذه األمــور يف صغــره‪ ،‬ســوف يضحــك عليــه‬ ‫لنــا إ ّن ّ‬
‫الرجــال يف كــره‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪98‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫أخــرج نعجـةً مسينـةً مــن الزريبــة‪ ،‬ذات أضحــى‪ ،‬واســتقبل هبــا ِ‬


‫القبلـةَ‪ ،‬حــى‬ ‫ّ‬
‫دمهــا علــى وجهــي‪ ،‬فوقعــت مغميًّــا علــي‪ .‬كان ذلــك‪ ،‬ابلنّســبة إليــه‪،‬‬ ‫تطايــر ُ‬
‫درســا‪.‬‬
‫ـت يف نفســه أن يُل ّقنــي ً‬ ‫الرجــال‪ ،‬فبيّـ َ‬ ‫فعـ ًـا أبعـ َـد مــا يكــون عــن هيبــة‬
‫ـوت مــن حتــت جنــاح دجاجــة‪ٍ،‬‬ ‫ومــا إن صحــوت‪ ،‬حــى تل ّقفــي ّمثــل كتكـ ٍ‬
‫ُ‬
‫ـات ال زلــت أذكرهـ ّـن كلّمــا ملســت وجهــي‪ ،‬وهــو يقــول‬ ‫وراح يطعمــي صفعـ ٍ‬
‫ُ‬
‫يل‪ :‬ســتكون أنــت مــن يذبــح شــاة العيــد يف العــام القــادم‬
‫طبعــا‪ .‬لكنّــي غفــرت لــه ذلــك كلَّــه‪ ،‬مبجـّـرد أن أهــداين‬
‫هــل حقــدت عليــه؟ ً‬
‫خروفًــا ماتــت والدتــه وهــي تلــده‪ ،‬وطلــب مـ ّـي أن أربّيــه‪ .‬هــل كان حباجـ ٍـة إىل‬
‫الســاء‪ ،‬ومحلِــه بــن‬
‫ـوي إىل تنظيفــه مــن ّ‬ ‫أن يوصيــي عليــه؟ لقــد انربيــت عفـ ً‬
‫الســرقات يف‬‫ذراعـ ّـي ابحثًــا لــه عــن ضــرع‪ .‬هنــا ال بـ ّد مــن التذكــر أب ّن أبشــع ّ‬
‫الضــروع‪ ،‬فــكان حــذري‬ ‫قريــي «أوالد جحيــش» كانــت ســرقةَ احلليــب مــن ّ‬
‫أوجــه‪.‬‬
‫وأان أفعــل ذلــك يف ّ‬
‫ـاابت ّأمــي‪ ،‬وهــي تنظّــف الف ـراش‬ ‫كنــت أتركــه ينــام بقــريب‪ ،‬وأحتمــل عتـ ِ‬
‫ّ‬
‫ـرت ذلــك حــن ق ـرأت كلمــة جوزيــه س ـراماغو يف حفــل‬ ‫صباحــا‪ ،‬وقــد تذكـ ُ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫تسـلّمه جائــزةَ نوبــل عــام ‪ ،1998‬حيــث اســرجع تلــك اللحظــات البعيــدةَ‪،‬‬
‫اش صغـ ُـار‬
‫ألمــه جريونيمــو يرغمــه فيهــا‪ ،‬علــى أن يشــاركه الفـر َ‬
‫الــي كان جـ ّده ّ‬
‫ـردا‪.‬‬
‫اخلنازيــر حــى ال متــوت بـ ً‬
‫ـت‬
‫الضمــر‪ ،‬الــذي كان ينتابــي‪ ،‬كلّمــا مهمـ ُ‬ ‫ـت حــدًّا لتأنيــب ّ‬ ‫لقــد وضعـ ُ‬
‫ـت لنفســي جب ـواز ذلــك‪ .‬فج ـ ّدي‬ ‫إبرضــاع خــرويف مــن زريبــة ج ـ ّدي‪ ،‬أبن أفتيـ ُ‬
‫ٍ‬
‫كل هــذا احلليــب‪ ،‬بينمــا حيتاجــه خــروف يتيــم مثــل خــرويف‪،‬‬ ‫ليــس حباجــة إىل ِّ‬
‫الصغــر‪ .‬مــن هنــاك بــدأت أتعلّــم ‪ -‬وأان ابــن العاشــرة تقريبًــا‪-‬‬‫أقصــد أخــي ّ‬
‫ـاس عقليًــا‬ ‫ِ‬
‫كيــف أخضـ ُـع الفتــاوى ال ّدينيــة للعقــل‪ ،‬وأنفــر مــن تلــك الــي ال أسـ َ‬
‫هلــا‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫كنــت أذهــب ابكـًـرا إىل املدرســة‪ ،‬الــي تبعــد عــن حوشــنا ســتة كيلومـرات‬
‫احتجاجــا علــى أنـّـي تركتــه‪ ،‬وأعــود عشــيةً‬
‫ً‬ ‫الصغــر يثغــو‬
‫تقريبًــا‪ ،‬اترًكا أخــي ّ‬
‫ليســتقبلين حب ـرارٍة تنســيين كــوين وحيـ َـد ّأمــي وأيب‪ .‬وقــد حــدث أنـّـي عـ ُ‬
‫ـدت‬
‫إىل البيــت‪ ،‬قبــل أن أصــل إىل املدرســة أصـ ًـا‪ ،‬ويف فمــي كذبــة كبــرة أوىل‪ :‬مل‬
‫أيت املعلّــم اليــوم‪ ،‬أمــا الكذبــة الكبــرة الثّانيــة‪ ،‬فهــي للمعلّــم العزيــز يف الغــد‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ـت‪ ،‬بســبب اخلــروف‪ ،‬معلّمــي‪ .‬وجعلــت ّأمــي‬ ‫«مرضــت ّأمــي»‪ .‬لقــد غيّبـ ُ‬
‫متــرض‪ ،‬أكثـ َـر مــن مـ ّـرة‪.‬‬
‫وشــا كامـ ًـا‪ ،‬وابت اســتعدادي ألن‬ ‫عامــا كامـ ًـا‪ ،‬فبــات علّ ً‬ ‫ابت عمـ ُـره ً‬
‫األول كامـ ًـا‪ ،‬وســتكون الفرحــة بذلــك فرحتــن‪ ،‬فرحــة‬ ‫أحتفــل بعيــد ميــاده ّ‬
‫عيــد امليــاد‪ ،‬وفرحــة عيــد األضحــى‪.‬‬
‫عــاد جـ ّدي مــن اجلامــع البعيـ ِـد‪ ،‬وقــد صلّــى صــاة العيـ ِـد‪ .‬فاحتشــدان‪ ،‬حنــن‬
‫ـت نســيت أنـّـه قــال يل‪ ،‬قبــل عـ ِـام‪،‬‬‫ـس ال ّذبــح‪ .‬كنـ ُ‬ ‫ـهد طقـ َ‬
‫ـال العائلــة‪ ،‬لنشـ َ‬ ‫أطفـ َ‬
‫إنـّـي ســأكون ال ّذابـ َـح‪ ،‬لذلــك تداخلــت ركبتــاي‪ ،‬حــن ذ ّكــرين بذلــك‪ .‬مث‬
‫ـي ابل ّذبــح هــو رأس خــرويف‪،‬‬ ‫أس املعـ َّ‬
‫ـرت بــا ركبتــن‪ ،‬حــن أخــرين أ ّن الـ ّـر َ‬ ‫صـ ُ‬
‫الصغــر‪.‬‬
‫يقصــد أخــي ّ‬
‫ـــــــ‬
‫كهرابء اللحظة‬
‫ــــــ‬
‫[‪]3‬‬
‫معــا‪ ،‬وهــو ممـ ّدد فــوق صحــن‬
‫للشــفقة واللّعــاب ً‬
‫ـرا ّ‬
‫كان منظـُـر األرنــب مثـ ً‬
‫ـوخ بشـ ٍ‬
‫ـكل‬ ‫ط يف بطــي أيّهــا املطبـ ُ‬‫ـس دقائـ َـق‪ ،‬وســتن ّ‬‫األرز‪ /‬مل تبـ َـق إال مخـ ُ‬
‫ـات‪ ،‬وقــد لعــن يف ســاحة احلومــة منــذ العصــر‪ /‬خطــف‬ ‫جيّــد‪ /‬دخلــت البنـ ُ‬
‫ـاب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أبصارهـ ّـن‪ /‬فقــدن الكلمــات‪ /‬فقــدن األعصـ َ‬ ‫منظـ ُـر األرنــب املطبــوخ َ‬

‫‪100‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫الســعيد‪ ،‬يف غضــب مــن غــدروا أبخيهــا الوحيــد‪.‬‬


‫ـن طاولــة اإلفطــار ّ‬
‫فـََقلَـ ْ َ‬
‫[‪]4‬‬
‫الســقف‪ ،‬خــرج األرنــب الــذي‬ ‫فيمــا طــار األرنــب الــذي اش ـريتُه إىل ّ‬
‫ِ‬
‫الشــرفة‪ ،‬وراح يـُبَ ْحلـ ُـق يف اجلميــع‪.‬‬
‫أهدتــه هلـ ّـن اخلالــة «م» مــن ّ‬

‫‪101‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ُ‬
‫كنت فدائياً يف فلسطني‬
‫[‪]1‬‬
‫ـات علــى طــرق ابب‬‫ـروح خاصـ ٍـة‪ ،‬تســابق البنـ ِ‬
‫ُ‬ ‫مــن العــادات الــي تغ ّذيــي بـ ٍ ّ‬
‫مكتبــي‪ ،‬إلخبــاري أب ّن موعــد األكل قــد حــان‪ .‬وعــادةً مــا تقــع شــجارات‬
‫وتطاحنــات‪ ،‬بينهـ ّـن‪ ،‬بســبب ذلــك يف الـّـرواق‪ .‬وهــو مــا دفعــي‪ ،‬إىل أن أضــع‬
‫ـدول ُيـ ّدد‪ ،‬بدقّـ ٍـة‪ ،‬دور ّكل واحـ ٍ‬
‫ـدة منهـ ّـن‪ ،‬حقنًــا ل ـ «ال ّدمــاء»‪.‬‬ ‫جـ ً‬
‫َ‬
‫[‪]2‬‬
‫أبنا ال تغادر‬
‫الصغرية مرمي‪ .‬وهي تتميّز عن أختيها‪ّ ،‬‬ ‫دور ّ‬ ‫قبل ّأيم‪ ،‬كان َ‬
‫البــاب حــى أخــرج‪ ،‬وال ينفــع معهــا قــويل إنـّـي مشــغول‪ ،‬وإنـّـي ســأخرج بعــد‬
‫قليــل‪ .‬إذ تقابــل ذلــك مبضاعفــة الطــرق‪ ،‬مث مبضاعفــة البــكاء‪ ،‬حبيــث يصبــح‬
‫الشــغل بال جدوى‪.‬‬ ‫اســتمراري يف ّ‬
‫[‪]3‬‬
‫كتهن‬
‫ـت عــن مشــار ّ‬‫ـرا للهــدوء‪ .‬مثّ امتنعـ ُ‬
‫ـت علــى طــول‪ ،‬توفـ ً‬
‫ـت‪ ،‬فخرجـ ُ‬ ‫طرقـ ْ‬
‫ـت أن أجـ ّـوع نفســي‪ ،‬تعاط ًفــا مــع األســرى املضربــن يف‬
‫ـام‪ ،‬ألنـّـي نويـ ُ‬
‫الطّعـ َ‬
‫ســجون االحتــال اإلسـرائيلي‪.‬‬
‫[‪]4‬‬
‫ـت أدخلهـ ّـن إىل «اليوتيــوب»‪،‬‬ ‫ـاب ألعمارهـ ّـن‪ ،‬فرحـ ُ‬
‫مل أحســب حسـ ً‬
‫ـاهد مــن صمــود مــروان الربغوثــي ورفاقــه‪.‬‬
‫وأعــرض عليهـ ّـن مشـ َ‬

‫‪102‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ــــــــــــ‬
‫شريط ال ّذاكرة‬
‫ـــــــــــ‬
‫أهــداين ج ـ ّدي امليلــود‪ ،‬وقــد عــاد صي ًفــا مــن فرنســا‪ ،‬ليُمضــي عطلتــه‬
‫مذايعــا كان مدرســي األوىل‪ ،‬قبــل أن أدخــل‬ ‫الســنوية يف أوالد جحيــش‪ً ،‬‬ ‫ّ‬
‫ـت‪ ،‬عــن طريقــه‪ ،‬أمســاء العواصــم وامللــوك‬‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ف‬
‫عر‬ ‫إذ‬ ‫‪.‬‬ ‫ـا‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫االبتدائ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫س‬‫املدر‬
‫الرؤســاء والكتّــاب واملغنّــن وحــركات املقاومــة يف العــامل‪ .‬أقســم‬ ‫واألم ـراء و ّ‬
‫ـرب األثــر إ ّن ذلــك الطفــل كان يعــرف «حركــة التاميــل» يف سـريالنكا‪،‬‬ ‫بـ ّ‬
‫و»حركــة خلــق» يف إيـران‪ ،‬وحركــة حتريــر إريــراي‪ ،‬ومــا كان حيــدث يف إقليــم‬
‫ملمــا بــه إملامــه‬
‫انغــورين كاراابخ‪ّ .‬أمــا مــا كان حيــدث يف فلســطني‪ ،‬فقــد كان ًّ‬
‫مبــا حيــدث يف حــوش بيتــه‪.‬‬
‫يرجــع الفضــل يف ذلــك إىل برانمــج «صــوت فلســطني»‪ ،‬الــذي كانــت‬
‫الســابعة بعــد الـّـزوال‪،‬‬
‫السادســة إىل ّ‬
‫تبثّــه اإلذاعــة الوطنيــة اجلزائريــة يوميًــا‪ ،‬مــن ّ‬
‫الســلطة الوطنيــة الفلســطينية إىل رام هللا‪ ،‬بعــد اتفــاق‬
‫قبــل أن يتوقــف بعــودة ّ‬
‫أوســلو‪ .‬كان أيب ال يُفـ ّـوت هــذا الربانمــج‪ ،‬وعنــه أخــذت ذلــك‪ ،‬فصــرت‬
‫أحفــظ األانشــيد الفلســطينية‪ ،‬وأعــرف أمســاء القــرى واحلــركات املقاومــة‬
‫الشــهداء امسًــا‪ ..‬امسًــا‪ ،‬فــا‬
‫وأمســاء وجوههــا‪ ،‬بــل إنـّـي كنــت ألتقــط أمســاء ّ‬
‫تفــارق ذاكــريت إال بعــد شــهور عديــدة‪.‬‬
‫ذاك التّماهــي مــع أخبــار االنتفاضــة األوىل‪ ،‬الــي كان يُغ ّذيــي هبــا برانمــج‬
‫«صــوت فلســطني»‪ ،‬ذكــر هللا األحيــاءَ ممـّـن كان ـوا يُع ّدونــه ويُق ّدمونــه خبــر‪،‬‬
‫ورحــم مــن رحــل منهــم‪ ،‬جعلــي‪ ،‬مـ ّـرةً‪ ،‬أغــرق يف خيــال تســبّب يل يف وجبـ ٍـة‬
‫طعمهــا‪ ،‬إىل غايــة هــذه اللّحظــة‪.‬‬ ‫ـس َ‬ ‫الضــرب‪ ،‬مل أنـ َ‬
‫مــن ّ‬
‫الشــباب امللثّمــن‪ ،‬يف‬ ‫ـت نفســي يف فلســطني‪ ،‬متق ّد ًمــا كوكب ـةً مــن ّ‬ ‫ختيّلـ ُ‬
‫ٍ‬
‫هجــوم ابحلجــارة علــى دوريــة لالحتــال‪ .‬كنــت وحــدي‪ ،‬يف احلقيقــة‪ ،‬أعلــى‬
‫ـكل قـ ّـويت‪ ،‬وأان أصــرخ‪« :‬حتيــا‬‫البيــت‪ .‬وكنــت‪ ،‬يف اخليــال‪ ،‬أرمــي ابحلجــارة بـ ّ‬
‫‪103‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫فلســطني‪ ..‬حتيــا فلســطني»‪.‬‬


‫املتحمســة‪ ،‬قــد‬
‫ّ‬ ‫مل أد ِر يف غمــرة «اجلهــاد» أ ّن أحــد تلــك األحجــار‬
‫أصــاب أيب‪ ،‬وهــو يُصلــح قرميــد البيــت‪ .‬ومل أتفطــن إىل أنـّـه تــرك شــغله‬
‫ـردد‪:‬‬
‫أرضــا‪ ،‬وهــو يـُ ّ‬
‫ـط إيل‪ /‬أمســك يــدي‪ /‬انتــزع احلجــارة منهــا‪ /‬طرحــي ً‬ ‫ونـ َّ‬
‫ـت‬
‫ـت أنـّـه جنــدي إس ـرائيلي‪ ،‬ورحـ ُ‬ ‫ـك عــن القــذف ابحلجــارة؟ ظننـ ُ‬ ‫أمل أنـَْهـ َ‬
‫مربح‪ ،‬جعلين أخرج‬ ‫قاموســا ال يُقال لآلابء‪ ،‬فقابل ذلك بضرب ّ‬ ‫أســتعمل ً‬
‫مــن احلالــة‪ ،‬وأشــرح لــه ســياقَها‪.‬‬
‫ــــــــــــ‬
‫كهرابء اللّحظة‬
‫ــــــــــــ‬
‫[‪]5‬‬
‫ـت أ ّن عليــاء وجنمــة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بقــي ربـ ُـع ســاعة علــى موعــد اإلفطــار‪ ،‬فالحظـ ُ‬
‫الصحــون واألطبــاق واملالعــق‬
‫مل تنخرطــا معــي‪ ،‬مثــل العــادة‪ ،‬يف وضــع ّ‬
‫والكــؤوس علــى الطاولــة‪ .‬تفقدهتمــا فوجدهتمــا غارقتــن يف اليوتيــوب‪.‬‬
‫[‪]6‬‬
‫ـت عليهمــا‪ ،‬وقــد أذّن‪ ،‬فجــاءات مرتاخيتــن‪ /‬اهنــارات علــى مقعديهمــا‪/‬‬ ‫انديـ ُ‬
‫مل متـ ّدا يديهمــا إىل صحنيهمــا‪ /‬ســألتهما عــن األمــر‪ /‬قالتــا ّإنمــا متضامنتــان‬
‫ـلت يف ذلــك‬
‫ـت إقناعهمــا ابألكل‪ /‬فشـ ُ‬ ‫مــع األســرى الفلســطنيني‪ /‬حاولـ ُ‬
‫ـت‬
‫ـت هبــا يف اهلـواء‪ /‬محلـ ُ‬‫طو َحـ ْ‬
‫ـت امللعقـةَ إىل فــم عليــاء‪ّ /‬‬
‫جائعــا‪ /‬محلـ ُ‬
‫فشـ ًـا ً‬
‫الصحـ َـن علــى ثيــايب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يدهــا إىل ملعقــة أخــرى‪ ،‬فصبّــت ّ‬ ‫َ‬
‫[‪]7‬‬
‫جندي إسرائيليًا‪.‬‬
‫ساحمين اباب‪ ..‬ختيّلتك ً‬

‫‪104‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫حجاب ض ّد الكتابة‬
‫[‪]1‬‬
‫ـت أبن تســتقبلي البنــات يف بيتــك‪ ،‬لعلمــي‬
‫ـ امسعــي اي «ف»‪ .‬إذا مسحـ ُ‬
‫الراقــي‬
‫أبنـّـك وحيــدة‪ ،‬وحببّــك هلـ ّـن‪ ،‬فــأان ال أمســح أبن تصحبيهـ ّـن إىل ّ‬
‫«شــن»‪.‬‬
‫ـ تعلــم أنـّـي لســت علــى وفـ ٍ‬
‫ـاق مــع خطيــي «و»‪ ،‬وقــد طمعــت يف أن‬ ‫ُ‬
‫الراقــي‪.‬‬
‫أجــد احلـ ّـل عنــد ّ‬
‫ـ قــد يكــون طمعــك يف حملّــه‪ ،‬لكـ ّـن اصطحابــك للبنــات ليــس كذلــك‪.‬‬
‫هــذا العــامل أكــر مــن إدراكهــن‪ ،‬وقــد وجدهتــن واضعـ ٍ‬
‫ـات أيديَهـ ّـن علــى جبــاه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫دماهـ َّـن‪ ،‬وهــن يقـرأن عليهــا مــا يعرفــن مــن قـ ٍ‬
‫ـرآن عظيــم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُ‬
‫ــــــــــ‬
‫شريط الذاكرة‬
‫ــــــــــ‬
‫كان ينــدر أن خيلـ َـو قطيـ ُـع أغنـ ٍـام‪ ،‬يف قريــة أوالد جحيــش‪ ،‬مــن كبـ ٍ‬
‫ـش‬
‫الزاوية املعروفة يف منطقة ســيدي عيســى‪.‬‬ ‫كبش بلّعموري‪ ،‬صاحب ّ‬ ‫يُسـ ّـمى َ‬
‫للشــيخ‪.‬‬
‫ـود اخل ـراف وينويــه ّ‬ ‫حيــث ينتقــي املـ ّـو ُال‪ ،‬يف موســم الــوالدات‪ ،‬أجـ َ‬
‫فيحظــى أبجــود أنـواع العلــف‪ ،‬وببقــااي الكســرة والطّعــام‪ ،‬وال تفــارق احلنّــاءُ‬
‫جبهتَــه الغـّـراء‪ .‬وهــو مــا جيعــل منــه ألي ًفــا يغشــى حــى غــرف النّــوم‪ ،‬ومــن هــذا‬
‫الشــيخ؟ لقــد كان ـوا يُعاملونــه كمــا لــو كان‬
‫ـش ّ‬ ‫الــذي يف ّكــر يف أن يـَنـَْهـ َـر كبـ َ‬
‫نفســه‪.‬‬
‫ـيخ َ‬ ‫الشـ َ‬

‫‪105‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ذات ضحى‪..‬‬
‫كلّفــي ج ـ ّدي أبن أســوق القطيــع إىل ال ـوادي‪ ،‬فظهــر يل أن أختــذ مــن‬
‫الرغيــد‪َّ .‬‬
‫وألن‬ ‫ٍ‬
‫كبــش بلّعمــوري مطيّ ـةً‪ ،‬إذ كان يبــدو مثــل حصــان لعيشــه ّ‬
‫الضــرب الــي‬
‫حظّــي كان بغـ ًـا‪ ،‬فقــد رآين جـ ّدي‪ .‬ولكــم أن تتصـ ّـوروا كعكــة ّ‬
‫ـدم‬
‫الزعــرور‪ ،‬حــى يتطايــر الـ ُ‬ ‫ابتــاه شــجرة ّ‬ ‫أكلتهــا ضحاهــا‪ .‬كان يقذفــي‪ّ ،‬‬
‫الشــيخ؟»‪.‬‬
‫ـش ّ‬ ‫مــن رأســي‪« :‬هــل تريــد أن جتلــب الشـّـر للعائلــة‪ ،‬إبهانتــك كبـ َ‬
‫وقــد عمــد‪ ،‬حــى يتجنّــب ذاك الشـ َّـر املتوقّـ َـع‪ ،‬إىل اختــاذ ق ـرا ٍر‪ ،‬فــور عــودة‬
‫عوضــا عــن‬
‫الشــيخ‪ً ،‬‬ ‫ـش آخـ َـر علــى ّ‬ ‫الزريبــة‪ ،‬متثّــل يف تســمية كبـ ٍ‬
‫القطيــع إىل ّ‬
‫ـارعت ج ـ ّديت إىل حتنيــة جبهتــه‪.‬‬
‫الكبــش املهــان‪ ،‬فسـ ْ‬
‫كان الكبــش املقـ ّدس‪ ،‬يف تلــك القــرى‪ ،‬الــي مل حتـ َظ ابلكهـرابء إال مطلــع‬
‫الســوق املشــركة لألع ـراش‪ ،‬ويُرســل مثنُــه إىل‬ ‫التســعينيات‪ّ ،‬إمــا يُبــاع يف ّ‬
‫وإمــا يُســاق بشــحمه وحلمــه وثُغــاهُ إليهــا‪ ،‬رفقــة األطفــال والعرائــس‬
‫الزاويــة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫اجلديــدات لنيــل الــركات‪.‬‬
‫الشــيخ؟ مــن قبيــل ش ـراء‬‫هــل كان الســكان يقطعــون أمـ ًـرا دون استشــارة ّ‬
‫ـرس‪ ،‬أو بي ـ ٍع أو ش ـر ٍاء‪ ،‬أو زو ٍاج أو طـ ٍ‬
‫ـاق‬ ‫ســيارٍة أو جـ ّـرا ٍر أو بغـ ٍـل أو فـ ٍ‬
‫ـاهدت‬ ‫أو ختـ ٍ‬
‫ـان أو ذهـ ٍ‬
‫ـاب إىل الطبيــب أو االكتفــاء ابألعشــاب؟ وقــد شـ ُ‬
‫ـت فيهــا عائلــي‪ ،‬يُصغــي للجميــع رغــم‬ ‫كل الـ ّـزايرات الــي رافقـ ُ‬‫ـيخ‪ ،‬يف ّ‬‫الشـ َ‬
‫عامــا منهــا يف املشــيخة‪ ،‬ويُطلــق‬‫كــر ســنه‪ ،‬مــن مواليــد ‪ ،1921‬ســتّون ً‬
‫مات ال ختضــع للنّقــاش‪.‬‬ ‫نصائحــه الــي يتل ّقفهــا الــزوار بصفتهــا مس ـلّ ٍ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫كـ ّـرس هــذه الثق ـةَ‪ ،‬بــن النّــاس وشــيخهم‪ ،‬مــا مسعــوه عــن كراماتــه‪ .‬مــن‬
‫الزاويــة‪ ،‬بســبب‬
‫وجههــا إىل ّ‬ ‫قبيــل أ ّن مدافــع اجليــش الفرنســي تعطّلــت حــن ّ‬
‫الرجــل‪،‬‬
‫قصــة ّ‬
‫جلــوء اجملاهديــن إليهــا‪ .‬أو مــا شــاهدوه أبعينهــم‪ ،‬مــن خــال ّ‬
‫الــذي هاجــر إىل فرنســا‪ ،‬أثنــاء الثّــورة‪ ،‬مثّ عــاد إىل القريــة هنايــة الثمانينيــات‪،‬‬

‫‪106‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫أرضــا وتــزوج‪ .‬قيــل لــه عليــك‪ ،‬قبــل أن تفعــل هــذا‪ ،‬أن تستشــر‬ ‫فاشــرى ً‬
‫ـف إال بعــد‬‫متامــا‪ ،‬ومل يُشـ َ‬
‫فشـ َّـل ً‬
‫قبيحــا‪ُ ،‬‬
‫كالمــا ً‬ ‫الشــيخ بلّعمــوري‪ .‬قــال فيــه ً‬ ‫ّ‬
‫ـى عــن‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫يف‬ ‫ـت‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ـه‪:‬‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـيخ‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫لل‬ ‫ـذاره‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫اع‬
‫و‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ي‬‫او‬
‫الز‬
‫ّ‬ ‫إىل‬ ‫ـه‬ ‫نقلـ‬
‫اردا أن تستشــرين يف زواجــك‪،‬‬ ‫استشــاريت فيمــا أنــت حـ ّـر فيــه‪ ،‬إذ ليــس و ً‬
‫لكــن ملــاذا شــتمتين وشــتمت جــدودي؟‬
‫قــال لعائلــي‪ ،‬قبــل أن أولــد بشــهرين‪« :‬ســيولد لكــم ذكــر‪ ،‬إبذن هللا‬
‫تعــاىل‪ ،‬مسّــوه «رزيــق»‪ ،‬وال تســألوه أبـ ًـدا مــن أيــن جــاء أو إىل أيــن هــو‬
‫ذاهــب‪ ،‬وسيســلط هللاُ عقابـَـه علــى مــن يكــذب عليــه‪ ،‬وســيكون مهّــه أن‬
‫ـتمتعت‪ ،‬وال أزال‪ ،‬حبريـ ٍـة‬
‫يقـرأ ويكتــب»‪ .‬ومــا مهّــي‪ ،‬يف هــذا كلّــه‪ ،‬أنـّـي اسـ ُ‬
‫رضيعــا‪ ،‬بســبب وصيّــة الشــيخ‪ .‬حــى ّأنــم كان ـوا ال‬‫ً‬ ‫مطلقـ ٍـة‪ ،‬منــذ كنــت‬
‫ـرة‪ ،‬مــن موســم‬ ‫ـروق كثـ ٍ‬
‫ينهرونــي‪ ،‬وأان أتوجــه إىل الكانــون‪ ،‬فكنــت أخــرج حبـ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الشــتاء‪.‬‬
‫ّ‬
‫ـــــــــــ‬
‫كهرابء اللحظة‬
‫ــــــــــ‬
‫[‪]2‬‬
‫ـ أين البنات اي مدام؟‬
‫طاطاهن «ف»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ عند‬
‫[‪]3‬‬
‫ـ أين البنات اي «ف»؟‬
‫ـ عند سعيد صاحب احلانوت‪.‬‬
‫[‪]4‬‬

‫‪107‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ـ أين البنات اي سعيد؟‬


‫الراقي «شني»‪ .‬هل ستدفع‪ ،‬اآلن‪ ،‬مثن األغراض اليت اشرتينها‬
‫ـ عند ّ‬
‫له؟‬
‫[‪]5‬‬
‫الراقــي «شــن»؟ هــل أُمسعــه مــا ال‬ ‫هــل كنــت أجــري أم أطــر إىل بيــت ّ‬
‫يُرضيــه‪ ،‬أم أكتفــي أبخــذ البنــات مــن بــن يديــه؟ مــاذا تفعلــن هنــا اي بنــات؟‬
‫نفســك يف‬
‫الشــيخ أن جيعلــك تكــره الكتابــة‪ ،‬حــى ال تدفــن َ‬
‫ـ طلبنــا مــن ّ‬
‫املكتبــة‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫يوم ضربين ال ّرئيس‬


‫[‪]1‬‬
‫هتاوشت فيها مع البنات! بسبب اختالف خياراتنا‬ ‫ُ‬ ‫املرات اليت‬ ‫ما أكثر ّ‬
‫أفضــل نشــرة األخبــار‪ .‬وإذا‬
‫الرســوم املتحركــة‪ ،‬وأان ّ‬
‫يفضلــن ّ‬ ‫التّلفزيونيــة‪ .‬هـ ّـن ّ‬
‫ـاهدة ملح ـةًّ‪ ،‬فإنـّـي أضطــر إىل رشــوهتن حبكايــةٍ‬ ‫كانــت حاجــي إىل املشـ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قصـ ٍـة يقرأهنــا‪.‬‬
‫أســردها أو ّ‬
‫[‪]2‬‬
‫ال أعــرف كيــف صــرن يُسـ ّـمني نشــرة األخبــار «بوتفليقــة»‪ ،‬لكنّــي أعــرف‬
‫كل مـ ّـرة‪ّ .‬إنــا‬
‫للشــفاء يف ّ‬
‫يضــا‪ ،‬وأبنـّـه يتماثــل ّ‬
‫مصــدر معرفتهـ ّـن بكونــه مر ً‬
‫ابلشــفاء‪ ،‬والقــول‬
‫ـف عــن ال ّدعــاء لــه ّ‬
‫اخلالــة «م» منظّفــة العمــارة‪ ،‬الــي ال تكـ ّ‬
‫أوالده‪.‬‬ ‫َّ‬
‫إنـّـه إذا فاتــه أن يكــون لــه أوالد‪ ،‬فــإ ّن اجلزائريــن كلهــم ُ‬
‫ــــــــ‬
‫شريط ال ّذاكرة‬
‫ـــــــــ‬
‫كان عمــري تســعةَ أع ـو ٍام‪ ،‬حــن قــال لنــا مديــر املدرســة الوحيــدة يف‬
‫ليتم نقلنا‬
‫‪ ،1986‬إنّه علينا أن حنضر ابكراً‪ ،‬بعد أربعة أايم‪ّ ،‬‬ ‫القرية‪ ،‬سنة‬
‫الشاذيل‬
‫الرئيس ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خاصة إىل مدينة املنصورة واملشاركة يف استقبال ّ‬ ‫يف حافلة ّ‬
‫بن جديد‪ .‬وطلب منّا أن خنتار أحســن ثيابنا لنكون يف مســتوى املناســبة‪.‬‬
‫الرئيــس‪ .‬فراجــت بينهـ ّـن جتــارة‬
‫ت يف إعــداد أوالدهـ ّـن ملقابلــة ّ‬ ‫ـروي ُ‬
‫بــدأت القـ ّ‬
‫الرومــي واألرانــب املنزليــة‪ ،‬حــى يضمـ ّـن‬‫الســمن البلديــن وال ّديــك ّ‬ ‫ال ّدجــاج و ّ‬
‫الســوق األســبوعية‪.‬‬
‫ـاب جديــد ًة مــن ّ‬ ‫مـ ًـال يشـرين بــه ألطفاهلـ ّـن ثيـ ً‬

‫‪109‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫الرئيــس‪ ،‬لكنّــي مل‬ ‫كنــت صدي ًقــا وفيًّــا للمــذايع‪ ،‬فكنــت علــى علــم ابســم ّ‬
‫أكــن أعــرف مالحمَــه‪ ،‬إذ ال كهـرابء يف القريــة‪ ،‬ومنــه ال وجــود للتلفــزة فيهــا‪.‬‬
‫دوره‪ ،‬يف رســم صورٍة له‪ ،‬مثّ حموها‪ ،‬ورســم صورٍة أخرى‪،‬‬ ‫اخليال يلعب َ‬ ‫فراح ُ‬
‫فمحوهــا‪ ،‬حــى انل مـ ّـي النّعــاس‪.‬‬
‫ـض‬ ‫ٍ‬
‫ومهندمــا‪ ،‬فــوق حصــان أبيـ َ‬ ‫ً‬ ‫ـيما‬
‫ـت‪ ،‬يف املنــام‪ ،‬رجـ ًـا طويـ ًـا ووسـ ً‬ ‫رأيـ ُ‬
‫تــكاد حوافـ ُـره ال تالمــس األرض لنشــاطه‪ .‬مثّ رأيــت ســكان القريــة خيرجــون‬
‫الشــاذيل»‪ .‬فرحــت أهتــف‬ ‫الشــاذيل‪ ...‬حييــا ّ‬
‫الســتقباله هاتفــن‪« :‬حييــا ّ‬
‫ـرب إليــه منهــم‪ .‬طلــب مـ ّـي راكــب‬ ‫معهــم‪ ،‬وأخــرق صفوفهــم ألكــون أقـ َ‬
‫ـأت قدمــاه‬‫يرتجــل ففعلــت‪ .‬ومــا أن وطـ ْ‬ ‫احلصــان أن أمســك بلجامــه حــى ّ‬
‫ـت احلصــا َن‪ ،‬ف ـراح يركــض بعيــداً يف ال ـراري‪.‬‬ ‫األرض حــى أَفـْلَـ ُّ‬
‫َ‬
‫ـرب‬
‫ـيخ كان يهتــف ابمســه‪ ،‬وراح يضربــي هبــا ضـ ً‬ ‫ـس العصــا مــن شـ ٍ‬ ‫الرئيـ ُ‬
‫انتــزع ّ‬
‫الرئيــس يضربــي وأهلــي يهتفــون ابمســه‪ .‬مل‬ ‫يهتفــون‪ّ .‬‬ ‫ال رمحــة فيــه‪ ،‬والنّــاس‬
‫ِ‬
‫ـج‪ ،‬مل أبــك‪ ،‬مثّ فجــأةً توقّــف عــن ضــريب‪ ،‬مش ـراً إىل النّــاس‬ ‫أصــرخ‪ ،‬مل أحتـ ّ‬
‫ابلرعــب مــن منامــي امل َك ْوبـَـس‪.‬‬‫ـوب ّ‬
‫ـوت مثقـ ً‬
‫أبن ينوبـوا عنــه يف ذلــك‪ .‬فصحـ ُ‬
‫ُ‬
‫كانــت املـ ّـرة األوىل‪ ،‬الــي أرى فيهــا مركب ـةً ضخم ـةً‪ .‬أقصــد احلافلــة الــي‬
‫ـاب‬
‫أرســلوها مــن الواليــة لتحملنــا إىل دائــرة املنصــورة‪ .‬وكان اجلميــع يرتــدون ثيـ ً‬
‫جديــدةً‪ .‬بعضهــم كان يرتــدي دي ـ ًكا روميًّــا‪ ،‬وبعضهــم دجاجتــن وبعضهــم‬
‫ـب‪ ،‬ابعتهــا ّأمــي‬ ‫الســمن‪ّ ،‬أمــا أان‪ ،‬فقــد كنــت أرتــدي أربع ـةَ أرانـ َ‬ ‫لرتيــن مــن ّ‬
‫ـودا‪.‬‬
‫لعجــوز تســتع ّد ابنتُهــا ألن تضــع مولـ ً‬
‫كاد قلــي خيــرج مــن فمــي‪ ،‬حــن وصلنــا إىل املــكان‪ .‬مــا أكثــر التّالميــذ‬
‫مجيعــا‬
‫الرئيــس مــن بينهــم ً‬ ‫الذيــن جــيء هبــم مثلنــا! هــل يُعقــل أن خيتــارين ّ‬
‫الصفــوف اخللفيــة؟ ف ّكــرت يف أن‬ ‫ليضربــي؟ مثّ كيــف سـراين وأان ســأختار ّ‬
‫أتسـ ّـرب‪ ،‬مــن بــن اجلميــع‪ ،‬وأفـ َّـر إىل بيــت خــايل‪ .‬ويف اللحظــة الــي قلــت‬
‫يف نفســي ّإنــا فكــرة جيّــدة‪ ،‬قــال يل مديــر املدرســة إنـّـه علــي أن أرافــق هــذا‬

‫‪110‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫الكشــافة‪ ،‬وكان مكلّ ًفــا أبن خيتــار‪،‬‬


‫الشــاب وأطيــع أوامـ َـره‪ .‬كان أحــد قــادة ّ‬ ‫ّ‬
‫ـب التّالميــذ ليكـ ّـون منهــم كوكب ـةً تكــون‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫جن‬ ‫أ‬ ‫ـدارس‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫اء‬
‫ر‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـع‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـيق‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫ن‬‫ابلتّ‬
‫الرئيــس‪.‬‬
‫يف متنــاول مصافحــة ّ‬
‫الشمس تشوي األبدان‪ ،‬وكان العطش يشوي احللوق‪ ،‬وكان‬ ‫كانت ّ‬
‫الرئيس إىل الواحدة زو ًال‪ .‬كان‬ ‫أتخر موكب ّ‬ ‫اجلوع يشوي البطون‪ ،‬وقد ّ‬
‫ٍ‬
‫يتمن وصوله ما عداي‪ ،‬فقد كنت أدعو هللا حبرارة أن ميوت فال‬ ‫اجلميع ّ‬
‫أراه وال يراين‪ ،‬إذ سأصري أضحوكةً إن هو ضربين أمام هذه احلشود‪.‬‬
‫الشاذيل‪ .‬كان‬ ‫الشاذيل‪ /‬حييا ّ‬ ‫الشاذيل‪ /‬حييا ّ‬ ‫احلناجر‪ :‬حييا ّ‬
‫ُ‬ ‫فجأ ًة انتفخت‬
‫أي انتباه‪.‬‬‫بعيدا عن ّ‬
‫الرئيس حييا يف الكلمات‪ ،‬وكنت أان أموت ً‬ ‫ّ‬
‫ــــــــ‬
‫كهرابء اللّحظة‬
‫ـــــــــ‬
‫[‪]3‬‬
‫قادمــا مــن غرفــة ج ّدهتــا‪ :‬مــات‪ ...‬مــات‪ ،‬فرتكــت مــا‬
‫ارتفــع عويـ ُـل جنمــة ً‬
‫ـت إليهــا‪.‬‬
‫ـدي يف مكتبــي‪ ،‬وهرعـ ُ‬ ‫بــن يـ ّ‬
‫[‪]4‬‬
‫ـدت عليــاء «ميّتــة» فــوق الكرســي‪ ،‬الــذي جلبتُــه جل ّدهتــا‪ ،‬مــن ديب‪،‬‬
‫وجـ ُ‬
‫الصــاة‪ ،‬ووجــدت جنمــة متشــبّثةً هبــا‪ ،‬وهــي «تــذرف»‬
‫كــي تســتعني بــه علــى ّ‬
‫الرئيــس‪.‬‬
‫الرئيــس‪ ..‬مــات ّ‬
‫ال ّدمــوع‪ :‬مــات ّ‬
‫[‪]5‬‬
‫فتحــت عليــاء عينيهــا ضاحك ـةً‪ :‬مــا ختافيــش‪ ..‬لقــد دعــت يل خالــي‬
‫«م» بطــول العمــر‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ثورة شهرزاد‬
‫[‪]1‬‬
‫ـدع‪ ،‬يف فضائيــة مــن‬ ‫مــن طقوســي أن أحتفــل ابكتشــاف مسلسـ ٍـل مبـ ٍ‬
‫الفضائيــات‪ .‬وهــذا مــا فعلتــه عليــاء وجنمــة‪ ،‬عشــيةَ اكتشــفتا مسلســل «ألــف‬
‫ليلــة وليلــة»‪ ،‬يف صيغتــه الكرتونيــة‪ ،‬علــى قنــاة «ســي‪ .‬آن» العربيــة‪ .‬وقــد زاد‬
‫ـرحت هلمــا ســياقات احلكايــة‪.‬‬
‫تعلّقهمــا بــه‪ ،‬بعــد أن شـ ُ‬
‫[‪]2‬‬
‫امتـ َّـد شــغ ُفهما ابملسلســل‪ ،‬إىل أن تدع ـوا جارمهــا «رايض»‪ ،‬إىل أن‬
‫الصغــرة مــرمي‪ ،‬حــى ال تشـ ّـوش علــى ســفرهم‬
‫يشــاركهما املتعــة‪ .‬وإىل إخـراج ّ‬
‫يف اخليــال‪.‬‬
‫ـــــــــــ‬
‫شريط ال ّذاكرة‬
‫ـــــــــــ‬
‫ـفت كتــاب «ألــف ليلــة وليلــة»‪ ،‬صدف ـةً‪ ،‬هنايــة مثانينيــات القــرن‬ ‫اكتشـ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫العش ـرين‪ .‬يف قريــة موغلــة يف العزلــة‪ ،‬واحلــكاايت الــي متنــح اجل ـ ّد َة ســلطةً‬
‫األوَل‬
‫وتتوجهــا ســيّد ًة علــى الليــل واألمســاع‪ .‬أي أ ّن كتــاب احلكايــة ّ‬ ‫خاصـةً‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫مدجــج بــروح احلكايــة أصـ ًـا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أان‬
‫و‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫مل‬ ‫عا‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ـة»‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫لي‬‫و‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫لي‬ ‫ـف‬‫«ألـ‬
‫جامعها‪،‬‬
‫كانت قرية «أوالد جحيش»‪ ،‬عام ‪ 1967‬قد ّقررت أن تبين َ‬
‫ٍ‬
‫جامعــا‪ .‬وقــد تك ّفــل مبصاريــف‬ ‫منفصل ـةً عــن قريــة جمــاورٍة كانــت متلــك ً‬
‫ـال القريــة املهاجــرون يف فرنســا‪ .‬وال أدري‪ ،‬إىل غايــة‬ ‫البنــاء والتأثيــث‪ ،‬عمـ ُ‬
‫اليــوم‪ ،‬مــن الــذي أرســل‪ ،‬مــن هنــاك‪ ،‬الكتــب الــي شـ ّكلت مكتبــة اجلامــع‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ـات اجلوامــع‪ .‬كتــاب‬ ‫موضعهــا‪ ،‬يف العــادة‪ ،‬مكتبـ ُ‬‫َ‬ ‫ـب ليــس‬ ‫ـف وكتـ ٌ‬ ‫مصاحـ ُ‬
‫«األمــايل» أليب علـ ٍّـي القــايل‪ ،‬وكتــاب «كليلــة ودمنــة» لعبــد هللا بــن املقفــع‪،‬‬
‫وكتــاب «العقــد الفريــد» البــن عبــد ربـّـه‪ ،‬وكتــاب‪ /‬كتــب «ألــف ليلــة وليلــة»‪.‬‬
‫عامــا‪ ،‬حــن شــرعت يف التهــام هــذه املكتبــة‪ .‬إذ‬ ‫كان عمــري اثــي عشــر ً‬
‫كنــت أتــرك األشــغال كلّهــا وأهــرب إليهــا‪ .‬وهــو مــا كان ســببًا يف أن أحظــى‬
‫الضــرب والتّعنيــف‪ ،‬مــن طــرف اجل ـ ّد واألب‪ .‬إذ كاان‬ ‫ـات دمسـ ٍـة مــن ّ‬ ‫بوجبـ ٍ‬
‫ـر مــن سـ ّـي‪.‬‬ ‫يرفضــان أن أتــرك احلقــل أو املرعــى‪ ،‬وأنــزوي ألق ـرأ كتبًــا أكـ َ‬
‫جتــدر اإلشــارة‪ ،‬هنــا‪ ،‬إىل أ ّن القرويــن كانـوا يعاملــون هــذه الكتــب علــى ّأنــا‬
‫مق ّدســة‪ ،‬ويُقســمون عليهــا عنــد النّزاعــات‪ .‬فهــم ال يقــرؤون وال يكتبــون‪،‬‬
‫ـوب هــو قــرآن عظيــم‪.‬‬‫ويــرون أ ّن كل مكتـ ٍ‬
‫ّ‬
‫الرهبـةَ‪ ،‬الــي كنــت أشــعر هبــا‪ ،‬وأان‬ ‫الزلــت‪ ،‬إىل غايــة اليــوم‪ ،‬أتذ ّكــر تلــك ّ‬
‫ـوت حيفــر يف تربــة الـ ّـروح‪ .‬أذكــر‬ ‫ـي للجامــع‪ ،‬فيحــدث صـ ً‬ ‫ـاب اخلشـ َّ‬ ‫أفتــح البـ َ‬
‫ـزرق مــن الــرد‪ ،‬عاك ًفــا علــى الق ـراءة يف اجلامــع املعــزول‪.‬‬ ‫أصابعــي وهــي تـ ّ‬
‫مفضـ ًـا إكمــال الكتــاب‪ ،‬علــى العــودة إىل البيــت‬ ‫ـوت اجلــوع‪ّ ،‬‬ ‫أمســع صـ َ‬
‫ألانل لقم ـةً‪.‬‬
‫ـس ّأوَل مـ ّـرٍة‬ ‫ـات كثــرةً حدثــت يف حيــايت‪ .‬لكنّــي مل أنـ‬ ‫نســيت حلظـ ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ـت‬‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫مل‬ ‫ٍ‬
‫ة‬‫مر‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أو‬ ‫ابإلذاعة‪/‬‬ ‫فيها‬ ‫التحقت‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫ة‬‫مر‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أو‬ ‫ـدي‪/‬‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ج‬ ‫فيها‬ ‫ـفت‬
‫اكتشـ ُ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫ـت فيهــا «ألــف ليلــة وليلــة»‪ ،‬يف مكتبــة‬ ‫ٍ‬
‫فيهــا كتــاابً منشــوراً‪ّ /‬أوَل مـ ّـرة واجهـ ُ‬
‫اجلامــع‪.‬‬
‫ـددت إليــه يــدي‪ /‬مـ ّد‬
‫ـمت لــه‪ /‬ابتســم يل‪ .‬مـ ُ‬ ‫ـرت إليــه‪ /‬نظــر إيل‪ .‬ابتسـ ُ‬‫نظـ ُ‬
‫ـيت اخلــوف مــن جـ ّدي‬ ‫ـرد األصابــع‪ /‬نسـ ُ‬ ‫ـيت بـ َ‬
‫ـيت نفســي‪ /‬نسـ ُ‬ ‫إيل يـ َـده‪ .‬نسـ ُ‬
‫ّ‬
‫ـت أ ّن اخلطــأ فيهــا‪ ،‬هــو‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫م‬‫ّ‬‫ل‬ ‫تع‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـة‪،‬‬‫ـ‬ ‫م‬‫ار‬ ‫الص‬
‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫ح‬ ‫الفصي‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ـيت‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫أيب‪/‬‬‫و‬
‫ـذو ُق فيهــا عسـ َـل‬
‫خطــأ يف حـ ّـق كتــاب هللا‪ .‬وكانــت املـ ّـرَة األوىل‪ ،‬الــي أتـ ّ‬
‫خاصــة‬
‫خاصـةً ابألرض‪ ،‬مثلمــا هنــاك لغــة ّ‬ ‫اخلطــأ‪ ،‬وأكتشــف أ ّن هنــاك لغـةً ّ‬

‫‪113‬‬
‫يدان لثالث بنات‬

‫ابلســماء‪.‬‬
‫ّ‬
‫ـت «ألــف‬ ‫ـموحا إبخ ـراج الكتــب مــن اجلامــع‪ ،‬لكنّــي أخرجـ ُ‬ ‫مل يكــن مسـ ً‬
‫ليلــة وليلــة»‪ .‬إلحساســي أبنـّـه كتــاب اهلـواء الطلــق‪ ،‬وال يُقـرأ بــن اجلــدران‬
‫متامــا مثلمــا كان‬ ‫الســهل والتلّــة واجلبــل‪ً .‬‬ ‫املغلقــة‪ .‬فقرأتــه يف الغابــة والـوادي و ّ‬
‫ـذت منهــا عائلـةً جديــدةً‪.‬‬ ‫ـت كائناتــه واختـ ُ‬
‫الســندابد فيــه‪ .‬لقــد صادقـ ُ‬
‫يُســافر ّ‬
‫ـدت‪ ،‬قبــل م ـ ّد ٍة‪ ،‬إىل القريــة‪ .‬فلــم أجــد اجلامــع القــدمي‪ ،‬لقــد هدمــوه‬ ‫عـ ُ‬
‫ـألت عــن ّأمــي املكتبــة‪ ،‬فقيــل يل ّإنــا‬ ‫ـجدا جديـ ًـدا‪ .‬سـ ُ‬‫وأقامـوا‪ ،‬مكانــه‪ ،‬مسـ ً‬
‫حبجــة ّأنــا كانــت تضـ ّـم كتبًــا ال عالقــة هلــا ابل ّديــن‪ .‬فتّشــت يف‬ ‫أزيلــت‪ّ ،‬‬
‫املكتبــة اجلديــدة‪ ،‬فلــم أجــد إال ســيّد قطــب ُيـ ّـرم اخلــروج علــى حكايتــه‪.‬‬
‫أت فيهــا «ألــف ليلــة‬ ‫ـعرت ابالختنــاق‪ ،‬فانطلقــت إىل اخلــاءات‪ ،‬الــي قـر ُ‬ ‫شـ ُ‬
‫رددهتــا األمكنــة‪ :‬شــهرزاااااااااااااااااااااااااااااااد‪.‬‬
‫ـت صرخ ـةً ّ‬‫وليلــة»‪ ،‬وأطلقـ ُ‬
‫ــــــــــــ‬
‫كهرابء اللّحظة‬
‫ـــــــــــ‬
‫[‪]3‬‬
‫الصالــون؟ مــا ابلــه مقيّـ ًـدا فــوق‬
‫مــا ابل ص ـراخ الطّفــل رايض مهيمنًــا يف ّ‬
‫الكرســي؟ مــا ابل عليــاء حتمــل ســي ًفا خشــبيًّا؟ مــا ابل جنمــة تضــع قماش ـةً‬
‫علــى عينيــه؟‬
‫أان‪ :‬ما هذا؟‬
‫عليــاء‪ :‬قـ ّـرران أن يكــون هــو شــهراير‪ ،‬وأكــو َن أان شــهرزاد‪ .‬وظهــر يل أن‬
‫ابلســيف‪ ،‬حــى أســتطيع أن أحكــي مــن غــر خــوف‪.‬‬ ‫أســه ّ‬ ‫أقطــع ر َ‬

‫‪114‬‬
‫الفهرس‬
‫متهيد ‪07..................................................‬‬
‫مسكة رمضان ‪09 ......................................‬‬
‫أرجوحة مفخخة ‪12.....................................‬‬
‫ركض مشبوه ‪15.........................................‬‬
‫شهادة مذبوحة ‪18......................................‬‬
‫ذهب أسود ‪21.........................................‬‬
‫مقود يتيم ‪24...........................................‬‬
‫حلوى املالك ‪26........................................‬‬
‫جزية ال ّذئب ‪29.........................................‬‬
‫فخاخ شقيقة ‪32........................................‬‬
‫الفروج املق ّدس ‪35.......................................‬‬
‫السلّة الصينية ‪38........................................‬‬
‫ليلة القدر ‪41...........................................‬‬
‫أان قاتل ‪44.............................................‬‬
‫الفنانة التشكيلية ‪46.....................................‬‬
‫مشس الكفيف ‪48.......................................‬‬
‫اغتيال رمضان ‪50.......................................‬‬
‫اختطاف انتقامي ‪52....................................‬‬
‫الدكتاتورة ‪55...........................................‬‬
‫الفدية ‪58..............................................‬‬
‫عرس الصهيل ‪61.......................................‬‬
‫نعش رائسي ‪63........................................‬‬
‫الغميضة ‪66............................................‬‬
‫ابتسامات بيضاء ‪69....................................‬‬
‫حديث األرنوب ‪71.....................................‬‬
‫اخلتان ‪73..............................................‬‬
‫هسترياي ‪75.............................................‬‬
‫زكاة الفطر ‪77..........................................‬‬
‫املتطرف ‪79............................................‬‬
‫حرج الت ّفاح ‪82.........................................‬‬
‫نباح الدمى ‪86.........................................‬‬
‫خارج التحقيق ‪89......................................‬‬
‫سرقات أمينة ‪92........................................‬‬
‫ٌ‬
‫بوسعدية ‪95...........................................‬‬
‫ذحبت أخي ‪98 ........................................‬‬
‫كنت فدائياً يف فلسطني ‪102.............................‬‬
‫ُ‬
‫حجاب ض ّد الكتابة ‪105................................‬‬
‫الرئيس ‪109..................................‬‬
‫يوم ضربين ّ‬
‫ثورة شهرزاد ‪112........................................‬‬
‫بوصلة التّيه‬
‫كيف ُ‬
‫جئت إىل الكتابة ال ّسردية؟‬
‫إىل اللحظات اليت قمت فيها ألعيش‪ ،‬ومل أجلس ألكتب‪.‬‬
‫عبد الرزاق‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫حتت ال ّرعاية ال ّسامية لل ّراوي‬

‫[‪]1‬‬
‫ضاج ـةً ابل ّدمــى‬
‫كانــت غرفــي يف احلـ ّـي اجلامعـ ّـي جبامعــة ســطيف‪ّ ،‬‬
‫ـائل‬
‫ـت هلـ ّـن رسـ َ‬‫وزجاجــات العطــر‪ ،‬الــي أهدهتــا يل الطالبــات‪ ،‬الل ـوايت كتبـ ُ‬
‫عاطفي ـةً ألصحاهبـ ّـن‪ .‬إذ كانــت وال ت ـزال تلــك رشــويت الوحيــدة‪ .‬وبصــور‬
‫املقربــن إىل وجــداين‪.‬‬
‫الكتّــاب والفنّانــن ّ‬
‫[‪]2‬‬
‫اقتحــم علـ ّـي غرفــي‪ ،‬ليلــة ‪ 01‬ج ـوان مــن عــام ‪ ،2002‬صديقــاي‬
‫الشــاعران مجــال رميلــي الــذي جــاء مــن واليــة خنشــلة‪ ،‬ورابــح ظريــف الــذي‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫مقيمــا يف احلـ ِّـي نفســه‪ .‬وقــاال يل ّإنمــا ســينطلقان فجـ ًـرا إىل اجلزائــر‬
‫كان ً‬
‫ـتعدادا‬
‫العاصمــة‪ ،‬ومهــا يريــدان أن أرافقهمــا‪ .‬فقمــت إىل ثيــايب أغســلها اسـ ً‬
‫أودع دمــاي وصــوري وكتــي‬ ‫ٍ‬
‫لرحلــة مل أكــن أعلــم أنـّـي لــن أعــود منهــا‪ ،‬فلــم ّ‬
‫وكراريســي‪ ،‬الــي ال أعــرف شــيئًا عــن مصريهــا‪.‬‬
‫[‪]3‬‬
‫الرحلــة‪ ،‬ومل ألبســها‬ ‫يكي يف ّ‬ ‫ـت مــع شـر َّ‬ ‫تن ّفــس الفجـُـر عــن ثيــايب مبلّلـةً‪ ،‬فانطلقـ ُ‬
‫إال علــى مشــارف العاصمــة‪ .‬كمــا مل ألبــس غريهــا إال بعــد شــهور‪ .‬ذلــك أنـّـي‬
‫قلــت جلمــال ورابــح‪ ،‬وقــد طلبــا مـ ّـي‪ ،‬بعــد ثالثــة ّأيٍم‪ ،‬أن نعــود مــن حيــث أتينــا‪:‬‬
‫لــن أخــرج مــن اجلزائــر العاصمــة إال علــى آلـ ٍـة حــدابءَ‪ ،‬فانطلِقــا ر ِاشـ َـديْ ِن‪ .‬قــاال‬
‫إنـّ�ك سـ�تجوع هنـ�ا وتعـ�رى‪ .‬قلـ�ت‪ :‬لـ�ن أبـ�رح مـ�كاين مهمـ�ا يكـ�ن مـ�ن شـ�اين‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫[‪]4‬‬
‫حممد دمحاين‪ ،‬مثّ الشاعر طيّب لسلوس‪،‬‬ ‫أتعرف على اإلعالمي ّ‬ ‫قبل أن ّ‬
‫تعرفــت يف عـراء العاصمــة‬ ‫اللذيــن تقامســا معــي جيبيهمــا‪ ،‬علــى مــدار شــهور‪ّ ،‬‬
‫َّر ابلقصيــدة‪ .‬فأحرقــت‬ ‫ـارد املُ َخــد َ‬
‫السـ َ‬
‫ـتفزت يف داخلــي ّ‬
‫ـوس اسـ ّ‬ ‫علــى نفـ ٍ‬
‫ـف ســيبويه‬ ‫دس خـ ّ‬
‫الشــعري «أنثــى الغيــم»‪ ،‬وكتبــت جتربــي «مــن ٍ ّ‬ ‫خمطوطــي ّ‬
‫ٍ‬
‫الرمــل؟»‪ ،‬الــي نشــرت ســنتني بعــد ذلــك‪ ،‬يف طبعــة مشــركة بــن دار‬ ‫يف ّ‬
‫الروائــي أمــن الـ ّـزاوي‪.‬‬
‫«الــرزخ» واملكتبــة الوطنيــة اجلزائريــة‪ ،‬يف عهــد إدارة ّ‬
‫[‪]5‬‬
‫ـروي املشــمول مبحبّــة ّأمــه وأبيــه يف قريــة أوالد‬
‫مل يســتوعب عبــد الــرزاق القـ ّ‬
‫جحيش‪ ،‬وحمبّة أصدقائه وصديقاته يف جامعة ســطيف‪ ،‬أن يبيت يف عراء‬
‫ـارب خمتلف ـةً‬
‫املدينــة‪ .‬لكـ ّـن عبــد الــرزاق الكاتــب املتطلّــع إىل أن خيــوض جتـ َ‬
‫ـتثمر‬
‫متامــا‪ ،‬فــرض عليــه أن يتصــاحل مــع الوضــع‪ ،‬وأن يكــون إجيابيًــا‪ ،‬فيسـ َ‬ ‫ً‬
‫األول للثّــاين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـع‬‫ـ‬ ‫ض‬ ‫خ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫مل‬ ‫لطا‬‫و‬ ‫ـة‪.‬‬‫ـ‬ ‫ب‬
‫ر‬ ‫ج‬‫ّ‬‫الت‬ ‫يف‬ ‫ـا‬‫ـ‬‫إبداعي‬
‫ً‬
‫[‪]6‬‬
‫ـات‪ ،‬فأكلــت هبـ ّـن اللوبيــا‪ ،‬واش ـريت‬ ‫تــرك يل رابــح ظريــف دريهمـ ٍ‬
‫ـب‪ ،‬فلجــأت إىل حديقــة «صوفيــا»‪ ،‬الــي حتــت‬ ‫«الشم ّــة»‪ .‬واس��تب ّد يب التعـ ُ‬
‫ٍ‬
‫ـدي ّ‬
‫يتوســطها‪ّ .‬أمــا‬ ‫الربيــد املركــزي‪ ،‬وأســلمت جســدي إىل مقعــد حديـ ٍّ‬
‫رؤوســها‪ ،‬وأطلقــت‬ ‫ِ‬
‫روحــي فبقيــت متوثّب ـةً تُراقــب الكائنــات الــي رفعــت َ‬
‫جربــت‬ ‫ٍ‬
‫عالمـةَ اســتفهام كبــرًة‪« :‬مــن يكــون هــذا الوافــد اجلديـِـد؟»‪ .‬هنــاك ّ‬
‫مــا معــى أن ينــام اإلنســان‪ ،‬ويصحــو يف الوقـ ِ‬
‫ـت نفســه‪.‬‬ ‫َ‬

‫‪122‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫[‪]7‬‬
‫الصحــو والنّعــاس‪ ،‬أحسســت بيـ ٍـد تعبــث يف جســدي‪ ،‬فصــار كلّــي‬ ‫بــن ّ‬
‫األيم‪ ،‬فكأنــه رســول اللّيــل البهيــم‪ .‬مل‬
‫صاحيًــا‪ .‬كان كهـ ًـا حمطّــم األســنان و ّ‬
‫ـرت معــه ّأول شــجا ٍر يف حيــايت‪،‬‬ ‫أد ِر هــل كان يريــد صـ ّـريت أم سـ ّـريت‪ ،‬فباشـ ُ‬
‫أان القــادم مــن أعمــاق الكتــب واملكتبــات والكتاتيــب‪ .‬ويف اللحظــة الــي كاد‬
‫يتفـ ّـوق فيهــا علــي‪ ،‬حتــت تصفيقــات كائنــات اللّيــل األخــرى‪ ،‬أشــرق فـ ًـى‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ـوم‪ ،‬وآواين‬‫مــن حتــت شــجرٍة قريبــة‪ ،‬ففـّـروا مثــل دجاجــات رأت ظـ َّـل نسـ ٍر حيـ ُ‬
‫داخــل كوخــه الكرتــوين اجمليــد‪ .‬أقصــد داخــل حكايتــه املضيئــة ابألحــداث‬
‫املظلمــة‪.‬‬
‫[‪]8‬‬
‫تــرك قــادة الغلي ـزاين ال ّدراســة ابكـ ًـرا‪ ،‬وابت ســاعيًا يف أحــد األضرحــة‬
‫خاص ـةً بعــد أن ذبــح اإلرهابيــون أابه و َّأمــه‬
‫نفســه فيــه‪ّ .‬‬
‫املق ّدســة‪ ،‬فنســي َ‬
‫وأخويـ�ه‪.‬‬
‫[‪]9‬‬
‫حممـ ًـا ابلطعــام‬
‫ـرب‪ّ ،‬‬‫صباحــا‪ ،‬فــا يعــود إيل يف احلديقــة إال مغـ ً‬
‫كان يُغــادر ً‬
‫الســماء مــن شــقيقاهتا‪ .‬فكنّــا نغــرق يف التهــام ذلــك‪،‬‬
‫والش ّ��مة (‪ )1‬ومــا كتبتــه ّ‬
‫الضريحــ ألجن��و‪ .‬ومل‬
‫��ت أ ّن هللا ق��ادين إىل ّ‬ ‫مثّ نطفــو ف��وق حكايت��ه‪ :‬أحسس ُ‬
‫ـت‬
‫وي ّدثــي‪ ،‬فــإن منـ ُ‬
‫ـاح اللّيـ ُـل ُ‬
‫الشــيخ يف قــره‪ ،‬أح ّدثــه كلمــا طـ َ‬
‫يبـ َـق يل إال ّ‬
‫ـتمر حديثُنــا يف املنــام‪.‬‬‫اسـ ّ‬
‫ـــــــــــــــ‬
‫الشفة‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ تبغ حملّي ُيّزن حتت ّ‬

‫‪123‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫[‪]10‬‬
‫ـرت فيهــا‬
‫ومل تــزل تلــك حــايل‪ ،‬حــى ظهــرت «زهــرة» يف حيــايت‪ ،‬فأزهـ ْ‬
‫الضري��ح لت��زورين‪.‬‬
‫��ذرع ب��زايرة ّ‬
‫أم��ور مل أك��ن أعل��م أهن��ا تزه��ر أب ً��دا‪ .‬ص��ارت تت ّ‬
‫متامــا‪ ،‬بعــد أن‬
‫��ذرع ابملبيــت عن��د خالته��ا وتبي��ت عنـ�دي‪ .‬مثّ اختفــت ً‬ ‫مثّ تت ّ‬
‫األول‪« :‬عزيــزي‬ ‫ـوب علــى وجههــا ّ‬ ‫أرســلت يل ورق ـةً مــع ابنــة خالتهــا‪ ،‬مكتـ ً‬
‫ـوما‬
‫ـإن ذاهبــة حيــث لــن جتــدين أبـ ًـدا»‪ ،‬ومرسـ ً‬
‫قــادة‪ .‬ال تنتظــرين بعــد اليــوم‪ ،‬فـ ّ‬
‫وجههــا‪.‬‬
‫علــى الوجــه الثّــاين ُ‬
‫[‪]11‬‬
‫ـت‪ .‬ومل‬‫غيابــا فالتهبـ ُ‬
‫ـرت‪ ،‬مثّ طــال ُ‬ ‫اعتقــدت يف البدايــة ّأنــا ختتــرين فصـ ُ‬
‫ِ‬
‫الضريــح وهتديدهــا‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫أجــد بــدًّا مــن حشــر ابنــة خالتهــا يف زاويــة مــن زوااي ّ‬
‫أنفاســها فصعقتــي ابخلــر الكســيح‪« :‬هربــت‬ ‫أيــن زهــرة؟ خافــت أن أُخــرج َ‬
‫ببطنهــا الــذي منــك‪ ،‬إىل حيــث ال جيدهــا أبوهــا فيقتلهــا»‪.‬‬
‫مل أجــد فســحةً للتفكــر واحلركــة‪ ،‬ومل أحلــق أن أســأهلا عــن وجهــة زهــرة‪،‬‬
‫الشــيخ‪ ،‬فعاتبــي علــى أنـّـي‬
‫ـي إىل ضريــح ّ‬ ‫ـت عيـ َّ‬
‫فهربــت مــن بــن يــدي‪ .‬رفعـ ُ‬
‫ـاب‪.‬‬
‫ل ّقحــت فتــايت يف حضرتــه‪ ،‬مــن غــر أن أحســب لوجــوده حسـ ً‬
‫[‪]12‬‬
‫يتأخــر قــادة عــن دخــول اجلزائــر العاصمــة‪ ،‬بعــد أن علــم بدخــول زهــرة‬ ‫مل ّ‬
‫إليهــا‪ .‬فصــار علــى معرفـ ٍـة حبوماهتــا وأوكارهــا‪ ،‬وصلـ ٍـة بصعاليــك ليلهــا وهنارهــا‪.‬‬
‫يتأخــر حلظـةً عــن محايــي وإطعامــي ونقــل تلــك املعرفــة إيل‪ .‬فكأنـّـه كان‬
‫مثلمــا مل ّ‬
‫ـت اي‬‫يُهيّئــي ألن أعتمــد علــى نفســي‪ ،‬بعــد أن خيتفــي هــو فجــأ ًة‪ .‬أيــن ذهبـ َ‬
‫ـام قــادة‬
‫ـت مقـ َ‬‫وعممـ ُ‬
‫ـارد راويــه‪ّ .‬‬
‫السـ ُ‬
‫ـت مـرارَة أن يفقــد ّ‬ ‫جربـ ُ‬
‫الصغــر؟ هنــاك ّ‬‫أخــي ّ‬
‫مجيعــا يبحثــون عــن حبيباهتــم‪.‬‬
‫علــى شــخوص روايــي «ندبــة اهلــايل»‪ ،‬إذ كانـوا ً‬

‫‪124‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫[‪]13‬‬
‫مطر‬
‫مطر‬
‫مطر‬
‫فهوت الكرتونة اليت ورثتُها عن قادة يف حديقة صوفيا‪ ،‬ألنّين مل أبذل‬
‫فأسلمت نفسي‬
‫ُ‬ ‫الراوي‪.‬‬
‫زهدا فيها بعد اختفاء ّ‬
‫جهدا يف إعادة ربطها‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫ابلريح‪ .‬ريح‬
‫لالغتسال ابملطر وااللتحاف ّ‬
‫ريح‬
‫ـح داعــرة أخــذت أغ ـراض ام ـر ٍأة تتشــبّث بصغريهــا‪ ،‬بــن أق ـواس قصــر‬ ‫ريـ ٌ‬
‫ورضاعتــه‪ ،‬فلــم تــد ِر هــل ترتكــه‬
‫العدالــة يف ســاحة بــور ســعيد‪ ،‬منهــا ح ّفاظاتــه ّ‬
‫أم ترتكهــا‪ ،‬فتولّيــت أان مجــع تلــك األغـراض‪.‬‬
‫ـ يرحم والديك‪.‬‬
‫ـ والدينا ووالديك‪.‬‬
‫[‪]14‬‬
‫هــل إحساســي حباجتهــا إىل رجـ ٍـل حيميهــا‪ ،‬أم إحساســي حباجــي إىل‬
‫ـوب بكتابــة‬ ‫ٍ‬
‫ام ـرأة تشــبه ّأمـ ٍـي‪ ،‬هــو مــا جعلــي أبقــى قريبًــا منهــا؟ كنــت مثقـ ً‬
‫ـف ســيبويه يف‬ ‫دس خـ ّ‬‫ـوص قصــرة جــدًّا‪ ،‬ش ـ ّكلت الح ًقــا كتــايب «مــن ّ‬ ‫نصـ ٍ‬
‫نصــا أوحتــه اللحظــة‪.‬‬
‫ـت أكتــب ًّ‬ ‫ـت كنّاشــي وقلمــي‪ ،‬ورحـ ُ‬ ‫الرمــل؟»‪ ،‬فأخرجـ ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ـص مل يكــن مثــرًة ملعايشــة حيّــة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ـاب‬‫ـ‬ ‫ت‬ ‫الك‬ ‫ـذا‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫يف‬ ‫ـس‬ ‫ليـ‬
‫ّ‬
‫ـت مــن حقيبتهــا‬ ‫ٍ‬
‫ـح إىل جهــة أخــرى‪ ،‬أخرجـ ْ‬ ‫الريـ ُ‬
‫الصٍبــاح‪ ،‬وقــد ذهبــت ّ‬ ‫يف ّ‬
‫ألانس طلبوها منها‪« .‬أان لســت متسـ ّـولةً‪ ،‬بل‬ ‫بورتريهات قالت ّإنا رمستها ٍ‬
‫أطع��م طفل��ي بريش�تي‪ .‬هــل تري��د أن أرس��م لــك واحـ ًـدا؟»‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫مال‪.‬‬
‫ـ ال أملك ً‬
‫قلما‪.‬‬
‫ـ لكنّك متلك ً‬
‫ـ تقصدين أن نتبادل اإلهداء؟‬
‫ـ بل أن نتبادل اإلبداع‪.‬‬
‫ص رمسًا؟‬
‫ـ أان أكتب وأنت ترتمجني النّ َ‬
‫ـ واه‪)2( .‬‬
‫أنت من الغرب اجلزائري إذن‪.‬‬‫ـ ِ‬
‫ـ من غليزان‪.‬‬
‫ـ امسي رزيق‬
‫ـ امسي زهرة‬
‫ـ هذا إذن ولد قادة!‬
‫[‪]15‬‬
‫مجيعهــا ال تتفـ ّـوق‬ ‫ٍ‬
‫ـت نفســي مـّـرات كثــرًة يف حيــايت‪ ،‬لكنّهــا َ‬‫حــدث أن ملـ ُ‬
‫ـت‬
‫عت يف كشــف معرفــي مبــن هربـ ْ‬ ‫علــى تلــك املـ ّـرة يف القســوة‪ .‬فقــد تسـ ّـر ُ‬
‫منــه أصـ ًـا‪ .‬وهــو مــا جعلــي أفقدهــا بعدهــا‪.‬‬
‫[‪]16‬‬
‫الرمــل؟»‪ ،‬عــام‬
‫ـف ســيبويه يف ّ‬ ‫دس خـ ّ‬ ‫حــن أتيــح يل أن أنشــر «مــن ّ‬
‫ـت أن‬ ‫ـت مستشـ ًـارا يف املكتبــة الوطنيــة اجلزائريــة‪ ،‬رأيـ ُ‬
‫‪ ،2004‬وقــد أصبحـ ُ‬
‫ـت‬
‫أكــون وفيًّــا القـراح زهــرة‪ ،‬أبن تكــون رســوماهتا إىل جانــب نصوصــي‪ .‬فرمسـ ُ‬
‫ملصمم��ه الفنّ��ان ف��اروق درارج��ة‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫ضمنته��ا للكت��اب‪ .‬قل��ت ّ‬ ‫لوح��ات طفولي��ةً ّ‬
‫ـت معرفتَــك ابحليــاة‪.‬‬ ‫ابلرســم‪ .‬قاــل‪ :‬املهـ ّـم أنـّـك كتبـ َ‬
‫�ت جهل��ي ّ‬ ‫لق��د رمسـ ُ‬
‫ــــــــــــــــــــ‬
‫‪ 2‬ـ تعين «نعم» يف هلجة الغرب اجلزائري‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫حتت ال ّرعاية ال ّسامية ّ‬


‫للشاعر‬

‫معــا‪ ،‬جلــأت إىل مقـّـر احتــاد الكتّــاب اجلزائريــن‪.‬‬ ‫بعــد اختفــاء قــادة وزهــرة ً‬
‫اخلي شـ ّـوار‬
‫الشــاعر طيّب لســلوس‪ ،‬قبل أن يلتحق بنا الكاتبان ّ‬ ‫فاحتضنين ّ‬
‫وعلــي مغــازي‪ .‬نبيــع الكتــب هنـ ًـارا‪ ،‬وخنــوض يف األفــكار واألحــام واألوهــام‬
‫والنّميمــات ليـ ًـا‪ّ .‬أي ًمــا نطبــخ أبنفســنا‪ ،‬ونقصــد املطعــم ّأي ًمــا‪ .‬هــذا إذا جــاز‬
‫طعامــا‪.‬‬
‫يل أن أمسّــي مــا كنّــا نطبخــه ً‬
‫جــاءت فاتــورة الكه ـرابء‪ ،‬فتماطلــت إدارة االحتــاد يف دفعهــا‪ .‬ممـّـا ّأدى‬
‫ـات جديـ ٍ‬
‫ـدة‬ ‫الضــوء عنّــا‪ .‬وهــو الوضــع الــذي مهــد النضمــام كائنـ ٍ‬
‫ّ‬ ‫إىل قطــع ّ‬
‫تعودان عليها‬‫الســمينة‪ .‬خفناها يف البداية وحاربناها‪ ،‬مثّ ّ‬ ‫إلينا‪ ،‬هي اجلرذان ّ‬
‫وصاحلناهــا‪ .‬حــى أنّنــا كنّــا نطلــق علــى بعضهــا أمســاءً‪.‬‬
‫ـوف منهــا أو‬‫ســام علــى «حفيظــة»‪ ،‬وهــي تدخــل علينــا‪ ،‬مــن غــر خـ ٍ‬
‫مرغوبــا مــن األكل‪ ،‬وتغــادر يف طمأنينـ ِـة كاتبـ ٍـة جاملهــا‬
‫حت ّفـ ٍـظ منّــا‪ ،‬فتأخــذ َ‬
‫النّقــاد‪.‬‬
‫ذهــب لســلوس‪ ،‬ذات ويكانــد‪ ،‬ليتف ّقــد صغـ َـاره يف «قصــر البخــاري»‪،‬‬
‫ـت كثــرة الظـ ِ‬
‫ـام‬ ‫وذهــب شـ ّـوار ليتف ّقــد والديــه يف «بــر ح ـ ّدادة»‪ ،‬فواجهـ ُ‬
‫ـكالم‪ .‬ومل أنتبــه إىل أ ّن «حفيظــة» ســبقتين إىل صحــن العــدس‪،‬‬ ‫وقلّــة الـ ِ‬
‫ـزت عــن الوصــول‬
‫متامــا مثلمــا عجـ ُ‬
‫فثقبتــي أوجــاع تعجــز اللّغــة عــن وصفهــا‪ً .‬‬
‫ـي ملقـ ّـر االحتــاد‪ ،‬حــى أخــرج إىل خلــق هللا‪ ،‬فيأخــذوين إىل‬
‫إىل البــاب اجلانـ ِّ‬
‫املستشــفى‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫كنــت أزحــف علــى بطــي يف الظّــام‪ ،‬فتنــر يف خمّــي صــورات أيب و ّأمــي‪،‬‬
‫اللذيــن تركتهمــا يف قريــة «أوالد جحيــش»‪ ،‬ودخلــت العاصمــة حبثًــا عــن‬
‫ـود ســينتهي بعــد حلظــات‪ .‬مــن هــذا الــذي أكل مــن الصحــن ِ‬
‫نفســه مــع‬ ‫وجـ ٍ‬
‫ّ‬
‫اجلــرذان وأفلــت للمــوت؟ مــن هــذا الــذي ســيدخل علــي ألمحّلــه رســالةً أخــرًة‬
‫هلمــا؟ ليتــي اســتجبت جلمــال رميلــي ورابــح ظريــف فعــدت معهمــا‪.‬‬
‫حررتــي‪ ،‬ســاب ًقا‪،‬‬
‫تذ ّكــرت روايــة «احللــزون العنيــد» لرشــيد بوجــدرة‪ ،‬وقــد ّ‬
‫ـت زحفــي وإميــاين ابلوصــول‪.‬‬ ‫الصغــر‪ .‬فضاعفـ ُ‬
‫عضــي يف ّ‬ ‫مــن عقــدة فــأ ٍر ّ‬
‫الرخامـ َّـي‪ ،‬ومل أمهــل نفســي لتف ّكــر يف طريقـ ٍـة مثلــى للنّــزول‪،‬‬
‫ـت الس ـلّ َم ّ‬
‫بلغـ ُ‬
‫ـلمت نفســي للكركبة عليه‪ ،‬حىت ال أخســر وقتًا جيعلين أخســر حيايت‪.‬‬ ‫فأسـ ُ‬
‫خامي‬
‫الر ّ‬ ‫مقر االحتاد‪ ،‬أ ّن املســافة بني أســفل سـلّمه ّ‬ ‫يعرف الذين يعرفون ّ‬
‫واببــه اجلانــي ال تتجــاوز عشــرة أمتــار‪ .‬لكنّــي قطعتهــا زح ًفــا علــى بطــي‬
‫ـدي‪ ،‬ففقــدت اإلحســاس‬ ‫ـت البــاب احلديـ َّ‬ ‫ٍ‬
‫يف ســاعة أو أكثــر بقليــل‪ .‬بلغـ ُ‬
‫باب‪ ،‬خلف الباب‪ ،‬تصلين‬ ‫الش ِ‬ ‫الساهرين من ّ‬ ‫تبق إال أصوات ّ‬ ‫بنفسي‪ ،‬ومل َ‬
‫متقطّعـةً‪ ،‬فأكملهــا يف خيــايل‪ .‬هــل كنــت أضحــك‪ ،‬وأان أمسعهــم‪ ،‬أم كنــت‬
‫أبكــي؟ هــل عرفــت طيّــب لســلوس واخلـ ّـر شـ ّـوار‪ ،‬ومهــا يدخــان علـ ّـي‬
‫الســماء؟‬
‫صباحــا‪ ،‬أم حســبتهما مالكــن ن ـزال ليُنقــذاين مــن ّ‬‫ً‬
‫متاما‪ ،‬مها التخلّص من «حفيظة»‪،‬‬ ‫ـفيت ً‬
‫اختذت قرارين‪ ،‬بعد أن شـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫لقد‬
‫ـي ملقـ ّـر احتــاد الكتّــاب‪ .‬ألحبــر يف‬ ‫ٍ‬
‫كل ليلــة‪ ،‬خلــف البــاب اجلانـ ّ‬
‫واجللــوس‪َّ ،‬‬
‫ـاردا‬
‫حــكاايت شــباب شــارع ديــدوش م ـراد‪ .‬مــن غــر أن أنتبــه إىل أ ّن سـ ً‬
‫للشــاعر‪ ،‬الــذي كان قــد‬
‫الســامية ّ‬ ‫الرعايــة ّ‬
‫ـرا بــدأ يتشـ ّكل داخلــي‪ ،‬حتــت ّ‬
‫صغـ ً‬
‫قطــع أشـواطًا يف اإلنصــات لذاتــه‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫حتت ال ّرعاية ال ّسامية للخرافة‬

‫الشــاعر طيّــب لســلوس مشــرفًا علــى معـ ٍ‬


‫ـرض لبيــع الكتــب يف مقـ ّـر‬ ‫كان ّ‬
‫«احتــاد الكتّــاب اجلزائريــن»‪ ،‬صيــف ‪ .2002‬وقــد الحــظ كــوين آخــر‬
‫املنســحبني مــن قاصــدي املقـ ّـر‪ ،‬فــأدرك أنـّـي أعــاين أزمــة مبيــت‪ .‬عــرف مـ ّـي‬
‫الرئيســي لالحتــاد‪ ،‬فقــال يل‪« :‬ابـ َـق‬
‫أنـّـي أواجــه العـراءَ‪ ،‬بعــد أن يُغلــق البــاب ّ‬
‫لتبيــت معــي‪ ،‬علــى أن ختفــي األمــر عــن اآلخريــن‪ ،‬فقــد يكيــدون يل كيـ ًـدا»‪.‬‬
‫[‪]2‬‬
‫ـان غـ ٍ‬
‫ـارق يف طيبتــه‪ ،‬ويف بيــع البطاقــات‬ ‫عرفــي‪ ،‬ذات صبيحـ ٍـة‪ ،‬علــى إنسـ ٍ‬
‫ّ‬
‫ـال‬
‫كمي ـةً منهــا ألعرضهاعلــى احملـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫عط‬‫ي‬
‫ُ‬ ‫أن‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ـرض‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫يد‬‫الرب‬
‫أرد لــه مــا يبقــى‪.‬‬
‫واملكتبــات‪ ،‬فنتقاســم مــا يُبــاع‪ ،‬و ّ‬
‫[‪]3‬‬
‫ـس أنيـ ٍـق‪ ،‬وانطلقــت مــن مقـ ّـر احتــاد‬ ‫وضعــت البطاقـ ِ‬
‫ـات األنيق ـةَ يف كيـ ٍ‬
‫الكتّــاب‪ ،‬يف شــارع ديــدوش مـراد‪ ،‬إىل غايــة الربيــد املركــزي‪ .‬فلــم يقبــل واحــد‬
‫شـراء بطاقـ ٍـة واحــدة‪ .‬كنــت أتوقّــع أن أبيعهــا كلَّهــا‪ ،‬فأغـ ّـر ثيــايب الــي كنــت‬
‫الشــاعرين رابــح ظريــف ومجــال‬ ‫قــد دخلــت هبــا اجلزائــر العاصمــة‪ ،‬رفقــة ّ‬
‫رميلـ�ي‪ ،‬لكنّـني غرقـ�ت يف خيبـ ٍ�ة تناطـ�ح عمـ�ارات ديـ�دوش‪.‬‬
‫[‪]4‬‬
‫عــدت إىل مقــر احتــاد الكتّــاب‪ ،‬مثــل قصيـ ٍ‬
‫ـدة عموديــة خاهنــا اإليقــاعُ‪،‬‬ ‫ّ‬

‫‪129‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫تريا لرئيــس االحتــاد‪،‬‬


‫حممــد دمحــاين ذلــك مـ ّـي‪ .‬كان ســكر ً‬
‫فالحــظ اإلعالمــي ّ‬
‫فعــرض علـ ّـي أن أرافقــه يف الغــد‪ ،‬إىل مقـ ّـر أســبوعية «شــباب ‪،»2000‬‬
‫حممد ّقروش‪ ،‬علّه يســتطيع أن يُقنع رئيس التحرير ســليمان جلواح‬ ‫ملالكها ّ‬
‫بتشــغيلي‪.‬‬
‫[‪]5‬‬

‫قــال يل ســليمان ّإنــم ســيُعطونين عشــرة آالف دينــا ٍر جزائـ ٍّ‬


‫ـري يف ّ‬
‫الشــهر‪،‬‬
‫مقابــل أن أشــرف علــى صفحـ ٍـة تعــى بتزويــج العوانــس‪ ،‬عنواهنــا «دق‬
‫امله ـراس»‪ ،‬ابس ـ ٍم مســتعا ٍر هــو ّ‬
‫«الشــيخ رابــح»‪.‬‬
‫الســوق‪ ،‬فكانــت تصلــي‬ ‫الصف ـراء وقتهــا مهيمن ـةً علــى ّ‬ ‫كانــت اجلرائــد ّ‬
‫الرســائل واملكاملــات‪ .‬وكنــت أق ـرأ وأمســع ابهتمــام مــن يريــد‬ ‫يوميًــا عش ـرات ّ‬
‫ـره‪ ،‬ليُغـ ّـر صبّاطــه وثيابــه‪ ،‬مثّ صــرت أق ـرأ وأمســع ابهتمـ ٍـام‬
‫«يلّــل» داننـ َ‬
‫أن ُ‬
‫األيم الثالثــة األوىل‪.‬‬‫ـادةً روائي ـةً مغري ـةً‪ ،‬بعــد ّ‬
‫إضــايف‪ ،‬إذ بــدأت أواجــه مـ ّ‬
‫[‪]6‬‬
‫ـرا مــن امللــح‪.‬‬
‫كيســا صغـ ً‬
‫الراغبــة يف الـّـزواج ً‬‫الشــرط أن ترســل القارئــة ّ‬
‫كان ّ‬
‫��ك العنوسـ�ة‪ .‬قلــت‬ ‫تيس��ر ممـّ�ا يُقـ�رأ لف ّ‬
‫ّ‬ ‫الشــيخ راب��ح‪ ،‬مــا‬
‫ألق ـرأ علي��ه‪ ،‬أان ّ‬
‫ـال سندوتشـ ٍ‬
‫ـات حمرتمـ ٍـة‪ ،‬فنأكلهــا عــوض‬ ‫الشــرط كان إرسـ َ‬ ‫لدمحـ�اين‪ :‬ليــت ّ‬
‫ونتعشــى مــا كتــب‬
‫الكارنتي��كا ابهلريس��ة املدغول��ة (‪ .)3‬حيثــ كنّــا نتغ ّداهــا‪ّ ،‬‬
‫هللاُ‪ ،‬يف كار ٍاج للســيّارات‪ ،‬كان حيرســه أخــوه النّقــي مجــال‪.‬‬
‫[‪]7‬‬
‫الشــاعر‪ ،‬فــا أتقبّــل الغل ـ َط يف النّحــو‬
‫خاضعــا لصرامــة ّ‬
‫ً‬ ‫ـت‪ ،‬قبلهــا‪،‬‬
‫كنـ ُ‬
‫الصــرف‪ .‬فصــرت أنســى ذلــك كلّــه‪ ،‬يف رســائل القــارائت‪ .‬وأرّكــز علــى‬‫و ّ‬

‫‪130‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ـياهتن وذهنياهتـ ّـن ومنبعهـ ّـن االجتماعــي‪ .‬وهــي التجربــة الــي هيّأتــي ألن‬
‫نفسـ ّ‬
‫الســردي‪ .‬إذ‬‫ـص ّ‬ ‫أكتســب خــرةً‪ ،‬يف مراعــاة مســتوايت اللغــة‪ ،‬داخــل النـ ّ‬
‫ليــس معقـ ًـول أن أكتــب عــن دكتــورٍة وماكثـ ٍـة يف تسـ ّـرهبا املدرســي املب ّكــر‬
‫ابلقامــوس ِ‬
‫نفســه‪.‬‬
‫[‪]8‬‬
‫عزيــت نفســي‬ ‫وكنــت كلّمــا أتعبتــي التجربــة‪ ،‬أو عافهــا ضمــري‪ ،‬كلّمــا ّ‬
‫الشهر‪ ،‬فاستقبلته‬ ‫الشهر‪ .‬جاء آخر ّ‬ ‫قل‪ ،‬يف آخر ّ‬ ‫مال‪ ،‬وإن ّ‬ ‫أبنّين سأقبض ً‬
‫داع ألن أذكــر غـزارة الفــرح يف هــذا‬
‫يســا‪ .‬هــل هنــاك ٍ‬
‫كمــا تســتقبل عانــس عر ً‬
‫داع ألن أصــف خيبــي‪ ،‬وأان أمســع رئيــس التّحريــر يقــول‬‫املقــام؟ هــل هنــاك ٍ‬
‫الشيــخ راب�حـ‪ ..‬أقصــد األس��تاذ بوكب��ة‪ ..‬إ ّن‬
‫م�ني‪ّ :‬‬
‫يل‪ ،‬وه��و غ��ارق يف اخلج��ل ّ‬
‫اإلدارة ت��رى أهن�اـ ليس��ت قاــدرةً عل��ى أن تدف��ع لــك اآلن‪ .‬وهــي تطمــع يف أن‬
‫ـهورا أخــرى‪.‬‬
‫يُســاعدك صــرُك علــى أن تنتظــر شـ ً‬
‫وداعا‪.‬‬
‫ـ ً‬
‫[‪]9‬‬
‫رأيــت ضمــري يضحــك علــي يف الـ ّـزوااي كلّهــا‪ ،‬وهــو يُلـ ّـوح يل أبكيــاس‬
‫مهتما ابلتجربة ال ابملال‪ ،‬أبخذ رسائل‬ ‫أبي له أنين كنت ًّ‬ ‫امللح‪ .‬فرأيت أن ّ‬
‫الســيّارات‪.‬‬
‫القــارائت‪ .‬فصــرت أغــرق فيهــا‪ ،‬كلّمــا طــاح الليـ ُـل يف كاراج ّ‬
‫ـــــــــــــ‬
‫احلمص املطحون‪.‬‬
‫الزيت والبيض و ّ‬
‫تتكون من ّ‬
‫‪ 3‬ـ أكلة ذات منشأ إسباين‪ّ ،‬‬

‫‪131‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫حتت ال ّرعاية ال ّسامية للتّش ّرد‬

‫الشــاعرين طيّــب لســلوس وجنيــب‬ ‫ـامهت‪ ،‬يف رمضــان ‪ ،2002‬رفقــة ّ‬ ‫سـ ُ‬


‫ثقايف يف احتاد الكتّاب اجلزائريني‪ ،‬أمسيناه «مقهى‬ ‫مقهى ٍّ‬‫أنزار‪ ،‬يف أتسيس ً‬
‫حبجــة‬
‫عب��د هللا بوخالف��ة» (‪ .)4‬وهــو مــا أاثر حفيظــة مكتــب العاصمــة‪ّ ،‬‬
‫أ ّن يف ذلــك تع ـ ّد ًي علــى صالحياتــه‪ .‬فــكان مق ّدم ـةً ألن يتوقّــف املشــروع‬
‫الشــاعر عـ ّـز ال ّديــن ميهــويب‪ ،‬وينتقــل إىل املكتبــة‬
‫يف احتــاد الكتّــاب‪ ،‬برائســة ّ‬
‫الروائــي أمــن الـ ّـزاوي‪.‬‬‫الوطنيــة اجلزائريــة‪ ،‬إبدارة ّ‬
‫[‪]2‬‬
‫كنّــا نقضــي عاصفــة النّهــار يف املكتبــة الوطنيــة‪ ،‬وســحابة اللّيــل يف مقـ ّـر‬
‫احتــاد الكتّــاب‪ .‬وقــد عــدان‪ ،‬ليلـةً‪ ،‬أان والطيّــب لســلوس واخلـ ّـر شـ ّـوار وعلــي‬
‫الرمحــن هنانــو‪ ،‬فوجــدان قفـ َـل البــاب قــد متّ تغيــرُه‪.‬‬
‫مغــازي وعبــد ّ‬
‫[‪]3‬‬
‫كنّــا مفلســن إال مــن نصوصنــا‪ ،‬مبــا ال يســمح لنــا ابللجــوء إىل الفنــادق‪،‬‬
‫أنفســنا أب ّن املبيــت يف ع ـراء العاصمــة‪ ،‬جتربــة ملهمــة وجديــرة أبن‬
‫َ‬ ‫فأومهنــا‬
‫ابدرت إىل تبييــض اللّيــل‬
‫ُ‬ ‫ـث عهـ ٍـد ابلعـراء‪ ،‬فقــد‬
‫ـت حديـ َ‬
‫تُعــاش‪ .‬وألنـّـي كنـ ُ‬
‫ابلنكــت‪.‬‬
‫[‪]4‬‬
‫ـت اجلماعــة يف شــاطئ الكيتــاين‪،‬‬
‫تو ّغــل اللّيـ ُـل يف املدينــة واألحــام‪ .‬فرتكـ ُ‬

‫‪132‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫الشــهداء‪ .‬كنــت منجــذب إىل صـ ٍ‬


‫ـوت مل أدرك مــا‬ ‫ـحبت إىل ســاحة ّ‬
‫ً‬ ‫وانسـ ُ‬
‫ـت ســاحة احلمــام‬ ‫يك��ون‪ ،‬فكن��ت أتبـ�ع خطـ�وايت خم ـ ّد ًرا ابإلمي��ان ب��ه‪ .‬بلغـ ُ‬
‫�ت انتباهــي محامـةٌ معطوبـةُ اجلنــاح‪ .‬مــا أشــبهين‬ ‫الس��فري‪ ،‬فلفتـ ْ‬
‫املقابل��ة لفن��دق ّ‬
‫ـت مــن‬
‫الســماء‪ ،‬يف هــذه املدينــة الــي يُقلقهــا التّحليــق! محلـ ُ‬ ‫بــك اي بنــت ّ‬
‫األرض قطعـةَ خبـ ٍز ألطعمهــا‪ ،‬فوجدتـُـي قــد رفعتُهــا إىل فمــي‪ ،‬مــن غــر أن‬
‫أشــعر‪.‬‬
‫[‪]5‬‬
‫قبلها بيومني‪ ،‬كان أيب قد جاء من أوالد جحيش‪ ،‬إىل اجلزائر العاصمة‪.‬‬
‫صرفت أان ولســلوس‬ ‫ُ‬ ‫أذكر أنّين‬
‫وقد مضى على دخويل إليها ســبعة أشــهر‪ُ .‬‬
‫األولــن مــن املكتبــة الوطنيــة‪ ،‬يف ش ـراء شــرحيتني وهاتفــن‪،‬‬ ‫معظــم راتبينــا ّ‬
‫أس‪ ،‬فاستعدت‬ ‫كنت حينها بال ر ٍ‬ ‫الشهداء»‪ُ .‬‬ ‫فكلّمين أيب‪« :‬أان يف ساحة ّ‬
‫ـورا‪ .‬هــذا أيب وال ب ـ ّد أن جيــد رأســي يف مكانــه‪ .‬هرولــت إليــه مــن‬ ‫رأســي فـ ً‬
‫ـغول ابحلمــام‪.‬‬
‫الســاحة‪ ،‬فوجدتــه مشـ ً‬ ‫شــارع ديــدوش مـراد إىل تلــك ّ‬
‫عدســا ابللحــم يف مقـ ّـر احتــاد الكتّــاب‪ ،‬وطبــخ لنــا‬
‫يف الليــل‪ :‬طبخنــا لــه ً‬
‫الصعــب‪ ،‬الــذي‬ ‫ٍ‬
‫حــكاايت قــال يل شـ ّـوار إنـّـه فهــم منهــا أنّنــا اخــران الطريــق ّ‬
‫يقتضــي انتقــاء األصدقــاء‪.‬‬
‫[‪]6‬‬
‫ــ نتفةــُ اخلب�زـ معلّقـ�ةً بـين فميــ ومنق��ار احلمامــة وذك��رى َّْب‪ .‬وإذا‬ ‫بقيت ْ‬
‫ـت فيــه أيب‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بن��داء أيتي�ني عل��ى بعـ�د شرــود‪ :‬اي ولي��دي‪ ..‬أ َْربَـ ْـح‪ /‬تعــال‪ .‬رأيـ ُ‬
‫ـيخا طاعنًــا يف العمــر‬
‫ـتجبت لــه واحلمامــة املعطوبــة يف يــدي‪ .‬كان شـ ً‬ ‫فاسـ ُ‬
‫ولب��اس البح��ارة‪ ،‬واضع��ا يف املساــحة الفارغ��ة مـ�ن املقع��د اخلشـبي شــكوةَ نبيــذٍ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫و»خبـ ًـزا حافيًــا»‪ .‬مــا كان أشــبهَ ز ِاده ابلعشــاء األخــر للســيّد املســيح! ومــا‬
‫ـذب إليــه!‬ ‫ِ‬
‫ـت منجـ ً‬ ‫ابلصــوت الــذي كنـ ُ‬
‫كان أشــبهَ صوتــه ّ‬

‫‪133‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫[‪]7‬‬
‫��ت عازفً�اـ يف ابخ�رـٍة زمــن االحتــال‪ .‬وقــد‬ ‫أان س��عيد القوســطو‪ .‬كن ُ‬
‫الســاحة بعــزيف‪ ،‬بعــد أن طلــع علينــا االســتقالل‪ .‬ألكتشــف‬‫ـتعمرت هــذه ّ‬
‫اسـ ُ‬
‫ابلصرصــور‪ ،‬الــذي يُهــدر وقتــه يف‬
‫ـبيها ّ‬ ‫بعــد رحيــل العمــر‪ ،‬أنــي كنــت شـ ً‬
‫الغنــاء‪ ،‬بينمــا كان اآلخــرون يســطون علــى املبــاين الــي خلّفهــا الفرنســيون‪.‬‬
‫ـت‬
‫وإنـّـي أقــول لنفســي كلّمــا عاتبتــي‪ :‬ذهــب النّــاس ابلشــقق الضيّقــة‪ ،‬ورحبـ ُ‬
‫الســماء والنّجــوم‪.‬‬
‫كل هــذه ّ‬
‫أان َّ‬
‫[‪]8‬‬
‫إذا كان قــادة الغلي ـزاين قــد ّزودين خبارطــة اللّيــل‪ ،‬يف اجلزائــر العاصمــة‪،‬‬
‫ـت تلــك‬‫عمــي ســعيد القســطو ّزودين خبارطــة التشـ ّـرد فيــه‪ .‬وقــد منحـ ُ‬‫فــإ ّن ّ‬
‫اخلــرَة ملنصــور بــن ذايب وعلــي بلميلــود بطلَـ ْـي روايــي «ندبــة اهلــايل»‪« :‬اي‬
‫ـوت هللا‪ ،‬فــإ ّن احلــاانت بيــوت أحبابــه»‪.‬‬
‫ولــدي‪ ..‬إذا كانــت املســاجد بيـ َ‬

‫ــــــــــــــــــ‬
‫‪ 4‬ـ من السبّاقني إىل حتديث اخلطاب الشعري اجلزائري‪ .‬انتحر عام ‪ 1988‬يف‬
‫قسنطينة‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫حتت ال ّرعاية ال ّسامية للجنون‬

‫ـت ابلعمــل يف املكتبــة الوطنيــة اجلزائريــة‪ ،‬يــوم ‪ 01‬جانفــي‬ ‫التحقـ ُ‬


‫ومنشـطًا للمقهيــن األديب والفلســفي‪ ،‬بينمــا تفـّـرغ‬
‫‪ .2003‬فصــرت معــدًّا ّ‬
‫الشــاعر علــي‬‫الشــاعران طيّــب لســلوس وجنيــب أنـزار‪ ،‬قبــل أن يلتحــق هبمــا ّ‬
‫ّ‬
‫مغــازي‪ ،‬جمللّــي «الثقافــة» و»الكتــاب»‪.‬‬
‫ــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــ‬
‫ـتقل عــن البيــت الكبــر‪ ،‬فكلّفــي أبن أكــون‬ ‫كنــت وحيـ َـد أيب‪ ،‬وقــد اسـ ّ‬
‫رسـولَه إىل احلانــوت‪ ،‬بعــد أن تفاهــم مــع صاحبــه‪ ،‬علــى أن يُعطيــي مــا أريــد‪،‬‬
‫خاصــة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كراســة ّ‬ ‫ـج َل ذلــك يف ّ‬ ‫ويسـ ّ‬
‫كان احلانــوت يبعــد عــن بيتنــا‪ ،‬يف أوالد جحيــش‪ ،‬مبــا ال يقـ ّـل عــن مخســة‬
‫كيلوم ـرات‪ .‬وكان دافعــي األكــر يف أن أذهــب إليــه مــن غــر كسـ ٍـل‪ ،‬أن‬
‫ايت جديدةً ملذايعي‪ .‬مل تكن هناك كهرابء يف القرية‪ ،‬وكانت‬ ‫أشــري بطار ٍ‬
‫ـت‬
‫البطــارايت تنفــد س ـر ًيعا‪ ،‬إذ مل يكــن املــذايع يُفــارق أذين‪ ،‬مــا عــدا وقـ َ‬
‫ـت أانم‪ ،‬ويبقــى هــو علــى قيــد االشــتغال‪.‬‬‫ال ّدراســة أو النّــوم‪ .‬وكثـراً مــا كنـ ُ‬
‫كل خمرجــي اإلذاعــة الوطنيــة ومنشــطيها وتقنييهــا‪ ،‬وأان مل أغــادر القريــة‬
‫ـت ّ‬ ‫عرفـ ُ‬
‫ـت أختيّلــي منش ـطًا‪ ،‬فأســتدعي مــن أشــاء مــن األمســاء املشــهورة‪،‬‬ ‫بعــد‪ .‬وكنـ ُ‬
‫ـت عنهــا‪ ،‬مــن خــال مذايعــي احلبيــب‪.‬‬ ‫وأحاورهــا يف اخليــال‪ ،‬علــى ضــوء مــا عرفـ ُ‬

‫‪135‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫[‪]2‬‬
‫حممــد ديــب‪ 02 ،‬مايــو ‪ ،2003‬فقــال يل مديــر املكتبــة‬ ‫الروائــي ّ‬‫مــات ّ‬
‫الزاوي إنه على املقهى األديب‪ ،‬الذي كان حيمل اســم‬ ‫الروائي أمني ّ‬ ‫الوطنية ّ‬
‫الراحــل أصـ ًـا‪ ،‬أن ينظّــم أتبينيـةً تليــق ابملقــام‪.‬‬
‫ّ‬
‫[‪]3‬‬
‫بعــد هنايــة األمســية الــي قمــت بتنشــيطها‪ ،‬قصــدين إنســان هــادئ وودود‪:‬‬
‫أان حمســن ســليماين مديــر القنــاة اإلذاعيــة األوىل‪ ،‬وأرى أنـّـه مــن صــاحل‬
‫اإلذاعــة أن تنتــج هلــا برانجمًــا أدبيًــا‪.‬‬
‫ــــــــ‬
‫فالش ابك‬
‫ــــــــ‬
‫العسلوج‬
‫َ‬ ‫الروائي رشيد بوجدرة‪ ،‬يف اخليال‪ ،‬وأان طفل يقطف‬ ‫استضفت ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجمليب يف الوقت عينه‪ .‬وحدث‬ ‫ائل و َ‬‫الس َ‬
‫فكنت ّ‬
‫ُ‬ ‫يف حقول أوالد جحيش‪.‬‬
‫األوَل علــى‬
‫أن التحقــت ابإلذاعــة يــوم ‪ 17‬ســبتمرب ‪ .2003‬فــكان ضيفــي ّ‬
‫املباشــر‪ ،‬وقــد صـران صديقــن مــن خــال جلســات املقهــى األديب يف املكتبــة‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫الشــك فيــه‪.‬‬
‫ـارحا مبــا أاثر ّ‬
‫ـت سـ ً‬‫كان جييــب بنفســه هــذه املـ ّـرة‪ ،‬وكنـ ُ‬
‫فســألين بعــد أن خرجنــا‪ :‬واش بيــك كنــت ســارح؟ صارحتــه‪ :‬كنــت أقــارن‬
‫بــن إجاابتــك الليلــة يف اإلذاعــة‪ ،‬وإجاابتــك علــى لســاين‪ ،‬حــن اســتضفتك‬
‫يف املرعــى‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫[‪]4‬‬
‫كان الربانمــج يُبــث ليـ ًـا‪ .‬وكان مــن شــروط محّــام «بســتان اجلنــوب»‪،‬‬
‫الســاعة‬
‫الــذي كنــت أقيــم فيــه يف ابب عـّـزون‪ ،‬أال يفتــح اببــه ملــن يطرقــه بعــد ّ‬
‫الســابع‬
‫العاشــرة‪ .‬فكنــت أانم‪ ،‬بعــد هنايــة املباشــر‪ ،‬يف قاعــة التحريــر ابلطابــق ّ‬
‫الزمالء‪.‬‬
‫الشــمس و ّ‬‫احلمام‪ ،‬بعد شــروق ّ‬ ‫لإلذاعة‪ ،‬على أن ألتحق بغرفيت يف ّ‬
‫[‪]5‬‬
‫اس جـ ٍ‬
‫ـدد ال أعرفهــم وال يعرفونــي‪ ،‬فأب ـوا أن يُعطــوين مفتــاح‬ ‫جيــئ حبـ ّـر ٍ‬
‫القاعــة‪ ،‬وطلب ـوا مـ ّـي‪ ،‬مــا دمــت أهنيــت شــغلي‪ ،‬مغــادرة مبــى اإلذاعــة‪.‬‬
‫سائق العمل‪ :‬وين حنطّك اي شيخ؟‬
‫ـت أن‬
‫كان ممكنًــا يف تلــك اللحظــة أن أعطيــه ألــف احتمــال‪ .‬لكنّــي رأيـ ُ‬
‫أكــون يف بقعـ ٍـة أعــرف ليلهــا عمي ًقــا‪ ،‬فطلبــت منــه أن يوصلــي إىل ســاحة‬
‫الشــهداء‪.‬‬
‫ّ‬
‫ــــــــــ‬
‫صرخة أوىل‬
‫ــــــــ‬
‫غمزتــي كرتونــة كانــت حتــت س ـلّم مدخــل غرفــة التجــارة املقابلــة لثكنــة‬
‫البحريــة‪ ،‬فاســتجبت هلــا‪ .‬غمزتــي إغفــاءة أمالهــا تعــب النّهــار وامليكروفــون‪،‬‬
‫قادمــا إيل‪ ،‬فلــم أســتجب لــه‪.‬‬
‫ـاب ً‬‫فاســتجبت هلــا‪ .‬غمــزين منــام رأيــت فيــه شـ ًّ‬
‫رددهــا البحـ ُـر‬
‫معــا إىل خصيتيــه يف املنــام‪ ،‬فأطلــق صرخـةً ّ‬‫لقــد ضربتــه برجلـ ّـي ً‬
‫يف الواقــع‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫ـــــــــــــ‬
‫صرخة اثنية‬
‫ــــــــــــ‬
‫اكضــا يف ضبــاب العاصمــة‪.‬‬ ‫تركــت الفــى متكـ ّـوًرا علــى وجعــه‪ ،‬وانطلقــت ر ً‬
‫ـت‬
‫ضبــاب‪ ..‬ضبــاب‪ ..‬ضبــاب‪ ،‬ترقّشــه القطــط واملتشـّـردون والــكالب‪ .‬بلغـ ُ‬
‫ـت قطًّــا أطلــق‬
‫الســاحة الــي اغتيــل فيهــا املســرحي عـ ّـز ال ّديــن جمّــويب‪ ،‬فـََع َف ْسـ ُ‬
‫ّ‬
‫الشــارع‪.‬‬
‫رددهــا ّ‬ ‫صرخـةً ّ‬
‫ــــــــــ‬
‫صرخة اثلثة‬
‫ـــــــــــ‬
‫ـت متثــال األمــر عبــد القــادر‪ ،‬يف شــارع العــريب بــن مهيــدي‪ ،‬فأقســمت‬ ‫بلغـ ُ‬
‫مؤســس ال ّدولــة اجلزائريــة احلديثــة؟ إذن فليلحقــي فــى‬
‫ـاوزه‪ .‬أليــس هــو ّ‬‫أال أجتـ َ‬
‫الليــل وليقتلــي عنــد قدميــه‪.‬‬
‫ـلمت ظهــري للتمثــال‪ ،‬مــن اجلهــة املطلّــة علــى حانــة القمــر األمحــر‪.‬‬
‫أسـ ُ‬
‫ٍ‬
‫فــإذا يب أمســع َو ْح َوحــات مــن اجلهــة املطلّــة علــى مقهــى ميلــك ابر‪ ،‬الــذي‬
‫وضعــت فيــه مجيلــة بوحــرد إحــدى قنابلهــا‪ ،‬عــام ‪ 1958‬خــال ثــورة‬
‫التحريــر‪.‬‬
‫ـول يُضاجــع مهبول ـةً‪ ،‬مــن النّــوع الــذي نســي‬ ‫ـات ملهبـ ٍ‬
‫كانــت الوحوحـ ُ‬
‫ـس يتقيّــأ كأنـّـه بلــع قطـةً‬
‫املــاءُ جسـ َـديهما‪ .‬أكمــا غزوتيهمــا‪ ،‬فانتحــى العريـ ُ‬
‫الشــفاه‪ ،‬من حقيبة ت ّدعي ّأنا حقيبة‪،‬‬ ‫أمحر ّ‬
‫جرابء‪ ،‬فيما أخرجت العروس َ‬
‫وأطلقــت زغــرودةً مسعتُهــا يف القمــر‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫حتت ال ّرعاية ال ّسامية للخيال‬

‫كنــت أقيــم‪ ،‬عــام ‪ ،2004‬يف قبـ ٍو أســفل اجلامــع الكبــر‪ ،‬الــذي يصلّــي‬
‫ـاد‪ ،‬رفقــة ثالثــة أصدقــاء كتّــاب‪ ،‬منهــم رايض وطّــار‪ .‬وقــد‬
‫ـس األعيـ َ‬
‫الرئيـ ُ‬
‫فيــه ّ‬
‫ـزل مــن املؤانســة‬
‫عــادوا إىل مدهنــم البعيــدة‪ ،‬قبيــل عيــد األضحــى‪ ،‬فبقيــت أعـ َ‬
‫والطعام‪.‬‬
‫كانــت مههمــات املصلّــن تصلــي مــن األعلــى‪ ،‬صبيحــة العيــد‪ .‬وكنــت‬
‫الرئيــس مــن األســفل‪« :‬ســوف لــن تدخــل التّاريــخ مــا مل حتـ ّـرر‬ ‫أخاطــب ّ‬
‫الصــاة‪ ،‬فقلــت يف نفســي‪:‬‬ ‫البــاد مــن اجلــوع الثقــايف»‪ .‬افرنقع ـوا‪ ،‬بعــد ّ‬
‫ٍ‬
‫«ســأقصد البحـ َـر‪ ،‬إن مل يكــن للمناجــاة فلكتابــة قصيــدة»‪ .‬ال أذكــر أنـّـي‬
‫ـت حيــايت‪ ،‬مثلمــا كرهتهــا يف تلــك اللّحظــة‪ .‬ملــاذا ال نكتــب عــن‬ ‫كرهـ ُ‬
‫اللّحظــات الــي كرهنــا فيهــا احليــاة؟‬
‫نزلــت السـلّم احملــاذي لقصــر رايس البحــر‪ ،‬يف حـ ّـي ابب الـوادي‪ ،‬فــإذا يب‬
‫ـدل علــى أ ّن أحدهــم فــوق إحداهـ ّـن‪ .‬وهــو مــا‬ ‫أمســع وحوحـ ٍ‬
‫ـات ذكوريـةً‪ ،‬مبــا يـ ّ‬
‫الشهوة‪.‬‬ ‫أمنح أذينّ جلهة ّ‬ ‫دفعين إىل أن أطلب من خطوايت أال تفضحين‪ ،‬و َ‬
‫ـت مــن خــال‬ ‫كان الفــى يســتحضر‪ ،‬يف خيالــه‪ ،‬فتــاةً امسهــا فاطمــة‪ .‬وعرفـ ُ‬
‫كأنــا يف متناولــه‪ِ ،‬‬
‫صفاتــا وأفعا َلــا وعالقتَــه املتشــنّجةَ هبــا‪.‬‬ ‫خماطبتــه هلــا‪ّ ،‬‬
‫مدجــج ابجلــوع‬
‫الشــاطئ‪ ،‬وأان ّ‬ ‫لت إىل ّ‬ ‫ـدي املقـ ّدس‪ ،‬فتسـلّ ُ‬ ‫أهنــى ومهَــهُ اجلسـ َّ‬
‫ـت ّزوادةَ‬ ‫ٍ ٍ‬
‫إيل هنــاك‪ ،‬وقــد حملـ ُ‬
‫ومبعلومــات كثــرة عنهمــا‪ .‬متمنـّيًــا أن ينضـ ّـم ّ‬
‫طعـ ٍـام حيملهــا بيس ـراه‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫ـروب‬ ‫جلــس الفــى علــى الرمــل‪ ،‬وأخــرج مــن الـ ٍ‬


‫ـزوادة العزيــزة خبـًـزا وجبنًــا ومشـ ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مت‬ ‫ل‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫إايه‪.‬‬ ‫كه‬ ‫ـار‬‫ـ‬ ‫ش‬ ‫أ‬ ‫أن‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫فب‬ ‫ـا‪.‬‬‫ـ‬‫متام‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫ي‬ ‫إل‬ ‫ـت حباجـ ٍ‬
‫ـة‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫وتبغًــا‪ .‬أقصــد مــا كنـ ُ‬
‫ٍ‬
‫عليــه‪ ،‬وطلبــت منــه ســيجارةً‪ ،‬فأعطانيهــا بطريقــة أوحــت يل أبنـّـه ال يرغــب‬
‫«رب جيمعــك مبــن حتــب»‪.‬‬ ‫األول‪ّ :‬‬ ‫يف التّواصــل معــي‪ .‬ألقيــت بطعمــي ّ‬
‫ـرعة وح ـرارٍة خلّصتــا هلفتَــه إىل فتاتــه‪.‬‬ ‫اســتدار خمطوفًــا‪« :‬آمــن»‪ ،‬قاهلــا بسـ ٍ‬
‫ـي للبحــر‪« :‬ســتجتمعان»‪ .‬قــال‪« :‬كيــف عرفــت‬ ‫قلــت‪ ،‬وأان أمنــح عيـ َّ‬
‫ذلــك؟»‪ .‬ألقيــت ابلطعــم األكــر‪« :‬أمل تـَْع ـ ِن لــك هــذه ّ‬
‫الريشــة شــيئًا؟ إن‬
‫ـئت أخربتــك ابمسهــا وبتفاصيــل حياهتــا»‪.‬‬ ‫شـ َ‬
‫ـردت عليــه حكايتَــه مــع فاطمــة‪ ،‬مســتعينًا مبــا مسعتــه منــه‪ ،‬وهــو‬ ‫سـ ُ‬
‫يســتحضرها يف خيالــه حتــت السـلّم‪ .‬وخبيــايل الــذي تطـ ّـوع ملســاعديت علــى‬
‫أن يتنــازل يل طواعيـةً عــن بعــض زاده‪ ،‬فـراح يُطعمــي بيــده ويســقيين‪ .‬وهــي‬
‫ـال يف الكتابــة‬
‫مــن العتبــات األوىل‪ ،‬الــي عرفــت فيهــا كيــف يُعانــق الواقـ ُـع اخليـ َ‬
‫أحدمهــا آخـ َـره‪.‬‬
‫الســردية‪ ،‬مــن غــر أن ينفــي ُ‬
‫ّ‬

‫‪140‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫حتت ال ّرعاية ال ّسامية لتع ّدد األصوات‬

‫كان األســتاذ حمســن ســليماين مديـ ًـرا للقنــاة اإلذاعيــة األوىل‪ ،‬واألســتاذ‬
‫مســعود بولطيــور مديـًـرا لإلنتــاج فيهــا‪ ،‬عــام ‪ .2005‬فاحتضنــاين ومنحــاين‬
‫متاحــا يل أن‬
‫ـجل‪ .‬فصــار ً‬ ‫مســاحةً أثريي ـةً معتــرةً‪ .‬فيهــا املباشــر وفيهــا املسـ ّ‬
‫أصــرف علــى نفســي‪ ،‬وقــد اســتقلت مــن املكتبــة الوطنيــة اجلزائريــة‪ ،‬وأدفـ َـع‬
‫تكاليــف اإلجيــار يف فنــدق «احلديقــة» احملــاذي للمســرح الوطــي اجلزائــري‪،‬‬
‫متامـ�ا‪ ،‬مثّ يف محّـ�ام «بسـ�تان اجلنـ�وب» ببـ�اب عـ ّ�زون‪.‬‬ ‫قبـ�ل أن ينهـ�ار ً‬
‫ٍ‬
‫ـت اثينَ‬ ‫ـتقل بغرفــة وحــدي‪ ،‬فكنـ ُ‬ ‫متاحــا‪ ،‬يف هــذا األخــر‪ ،‬أن أسـ ّ‬ ‫مل يكــن ً‬
‫ٍ‬
‫احلمــام‪ .‬أان الثّابــت فيهــا‪ ،‬بينمــا يتغـ ّـر‬‫اثنــن يف غرفــة تطـ ّـل علــى صحــن ّ‬
‫اآلخـ ُـر يوميًــا‪ ،‬فــا أدري مــن يطلــع علـ ّـي قبــل الغــروب‪.‬‬
‫يضــا اســتبق‬‫ـرا‪ ،‬أو جامعيًــا قــدم للتســجيل‪ ،‬أو مر ً‬ ‫قــد يكــون اتجـ ًـرا صغـ ً‬
‫ـغل‪ ،‬أو مسسـ ًـارا‬ ‫موعــد املعاينــة يف املستشــفى‪ ،‬أو بطّـ ًـال يبحــث عــن شـ ٍ‬
‫تقمــص األدوار املثــرة‬ ‫الصفقــات‪ ،‬أو متسـ ّـوًل حمرتفًــا يف ّ‬ ‫يتصيّــد صفقـةً مــن ّ‬
‫ـكري لفظتــه املســافات البعيــدة‪ ،‬أو كاتبًــا قصــد معــرض‬ ‫للشــفقات‪ ،‬أو عسـ ً‬ ‫ّ‬
‫حممــد بــن زاين وعيســى‬ ‫الصنــف‪ّ ،‬‬ ‫الكتــاب‪ .‬أذكــر أنـّـه ابت معــي‪ ،‬مــن هــذا ّ‬
‫شـ�ريّط وقلّـ�ويل بـ�ن سـ�اعد ويوسـ�ف بـ�وذن واخل ّـير شـ ّ�وار‪.‬‬
‫كل الظــروف النفســية والفكريــة‬ ‫ٍ‬
‫كل وافــد حكايـةً‪ ،‬فأهيّــئ ّ‬ ‫ـت أرى يف ّ‬ ‫كنـ ُ‬
‫ـرد عليــه نفســي‪ ،‬بعيـ ًـدا عــن التح ّفــظ‬ ‫نفســه‪ ،‬وأسـ َ‬
‫واملعنويــة‪ ،‬ألن يســرد علـ ّـي َ‬

‫‪141‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫والوسوســة‪ .‬وهــي التجربــة الــي علّمتــي أال أفــرض نفســي علــى شــخوصي‬
‫اوي‬
‫ـوت مــن األص ـوات‪ ،‬ال ر ً‬ ‫الح ًقــا‪ .‬وأن أ َْد ُخـ َـل يف نصوصــي بصفــي صـ ً‬
‫األم لكتــايب الثّــاين « أجنحــة مل ـزاج ال ّذئــب‬ ‫عليمــا‪ .‬كمــا كانــت اخللفي ـةَ َّ‬
‫ً‬
‫ـردي‪،‬‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬‫نص‬
‫ًّ‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫وثال‬ ‫ة‬‫ّ‬‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫‪،2008‬‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـادر‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫ـض»‪،‬‬ ‫األبيـ‬
‫ٍ‬
‫ببطـ ٍـل واحــد هــو الوهلــي بــن اجلازيــة صاحــب ّ‬
‫الريشــة‪.‬‬
‫الشــاعر عبــد العــايل مزغيــش وضعــي‪ ،‬فــرك مــأواه عنــد أخيــه‪،‬‬ ‫اكتشــف ّ‬
‫الس ـرير الثّالــث حــى‬ ‫ّ‬ ‫والتحــق يب يف الغرفــة‪ .‬فــكان يدفــع ســعر س ـريره و‬
‫ـص جديـ ٍـد دفع ـةً‬ ‫معــا‪ .‬وكنــت أحاكيــه فــرةً‪ ،‬مثّ أخنــرط يف كتابــة نـ ٍّ‬ ‫نبقــى ً‬
‫واحــدةً‪ ،‬فكأنـّـي أقتــل املــوت ابســتحضار مــا مسعــت مــن األصـوات‪ .‬وكان‬
‫ـتمر‬
‫الض��و»‪ ،‬فتسـ ّ‬ ‫احلم��ام يعل��و م��ن األســفل‪« :‬ط ّفي��و ّ‬ ‫ص��وت «غان��و» مسي ّـر ّ‬
‫مهســا يف الظّــام‪.‬‬
‫وإمــا ً‬
‫احلكايــة ّإمــا يف األحــام‪ّ ،‬‬

‫‪142‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫حتت ال ّرعاية ال ّسامية لل ّذاكرة‬

‫ـوت يف حيــايت‪ ،‬ابلفضــل يف برجمــي علــى الكتابــة‬‫أقــر ألكثــر مــن صـ ٍ‬


‫َ‬ ‫ّ‬
‫اق ســيّارات‬
‫للشــعر وحــده‪ .‬وأييت ُسـ ّـو ُ‬
‫خاضعــا ّ‬
‫ً‬ ‫كان‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫أان‬ ‫ـردية‪،‬‬ ‫السـ‬
‫ّ‬
‫األجــرة‪ ،‬الــي ركبتهــا إىل مــدن اجلزائــر‪ ،‬يف طليعــة هــذه األص ـوات‪ .‬منهــم‬
‫ـوب معــه‪ ،‬كلّمــا ســافرت‬
‫الركـ َ‬
‫أتقصــد ّ‬
‫عمـ�ي بومجع��ة البلعبّاســي‪ ،‬الــذي كنــت ّ‬ ‫ّ‬
‫م��ن العاصم��ة إىل مس��تغامن‪.‬‬
‫[‪]2‬‬
‫ـان‪ ،‬مــن غــر أن تـُْفلِتــا املركبـةَ‪،‬‬
‫علــى يديــه اللتــن تســهوان عــن املقــود أحيـ ً‬
‫أحدهــم‬
‫متامــا‪ ،‬حلظــة ينطلــق ُ‬ ‫تعلّمــت كيــف جيــب علــى الـ ّـراوي أن يصمــت ً‬
‫ابلســرد‪.‬‬
‫يف التطهــر ّ‬
‫[‪]3‬‬
‫ـاب ســألته مبجـ ّـرد أن رأيتــه إن‬‫ركــب معــي‪ ،‬يف ديســمرب ‪ ،1993‬شـ ٌّ‬
‫كان عســكريـ‪ .‬فقــد كنــت أقبــض عليهــم بطاقاهتــم‪ ،‬وأدســها يف مــكانٍ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫مــا يف جــوف الســياّرة‪ ،‬خوفًــا عليهــم مــن أن يُعرف ـوا يف احلواجــز املزيّفــة‪.‬‬
‫لك ّ��ن صاحبن�اـ ق��ال يل إن��ه طال��ب يف جامع��ة مس�تـغامن‪ .‬وقبــل أن ندخــل‬
‫ـباب ملتحــن حيملــون‬ ‫مخيـ�س مليانــة وجــدان أنفســنا‪ ،‬فجــأةً‪ ،‬أمــام حاجــز لشـ ٍ‬
‫ـاحا‪.‬‬
‫سـ ً‬

‫‪143‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫أحدهــم‪« :‬هــل معــك خرفــان»؟ وهــي عبــارة‬ ‫ـت‪ ،‬وســألين ُ‬ ‫اســتوقفوين فوقفـ ُ‬
‫ـباب اخلدمــة الوطنيــة‪ .‬فأجبتــه يف هــدوء‪:‬‬ ‫األيم شـ َ‬ ‫كانـوا يعنــون هبــا يف تلــك ّ‬
‫«ال أظـ ّـن ذلــك»‪ .‬قــال يل‪ ،‬بعــد أن فحــص الســيّارة مــن ال ّداخــل‪« :‬إ ّن‬
‫خربتــك كانــت ســتجعلك ـ لــو وظّفتهــا ـ تعــرف أ ّن هــذا خــروف»‪ .‬وأشــار‬
‫ـاب الــذي قــال إنـّـه طالــب يف اجلامعــة‪.‬‬ ‫إىل الشـ ّ‬
‫ـات قــال يل مــن‬‫ابلشــهادة‪ .‬وبعــد حلظـ ٍ‬ ‫أمــره ابلنــزول فشــرع الفــى يتمتــم ّ‬
‫يظن أ ّن جواربه بعيدة عنّا! كان ُيفي البطاقة العســكرية هناك‪ .‬دار‬ ‫أنزله‪ّ :‬‬
‫أرضــا‪ ،‬ماس ـ ًكا إايه مــن‬
‫إليــه يف ســرعة الــرق‪ ،‬وخطفــه مــن رجليــه فســقط ً‬
‫صــدره وابرًكا عليــه بركبتيــه‪ .‬غمــز رفي ًقــا لــه‪ ،‬فجـ ّـر عليــه ابلسـ ّكني‪.‬‬
‫ـك يف أنــه دخــل يف‬ ‫عمـ�ي بومجع��ة البلعباس��ي التاكسـ�يور‪ .‬ال شـ ّ‬ ‫س��كت ّ‬
‫متامــا كمــا يف احلالــة األصــل‪ ،‬مثّ رفــع‬ ‫ٍ‬
‫احلالــة مــن جديــد‪ ،‬فعجــز عــن الــكالم‪ً .‬‬
‫الســبب الــذي جعلــي ال أنســى ذاك الفــى‬ ‫أســه إلينــا يف املــرآة‪ :‬أتــدرون ّ‬
‫رَ‬
‫يهمــون بذحبــه‪ :‬أانشــدكم ابهلل العظيــم وبرس ـوله‬ ‫ابل ـ ّذات؟ عبــارة قاهلــا وهــم ّ‬
‫الكــرمي أال تشـ ّـوهوا وجهــي حــى ال حتــزن ّأمــي أكثــر‪ .‬لكنهــم جدع ـوا أن َفــه‬
‫ـح منديـ ًـا مــن جيبــه‪ ،‬ووضــع األعضــاءَ اجملدوعــة‬ ‫وأذنيــه وشــفتيه‪ .‬أخــرج الذابـ ُ‬
‫ت علــى اخلــروف‪.‬‬ ‫فيــه‪ :‬هــذه هديتنــا إليــك ألنــك تسـ ّـر َ‬
‫[‪]4‬‬
‫أيضــا‪ :‬يف ‪ 17‬مـ�اي ‪ 1995‬حــان دوري ألاندي‬ ‫ســأحكي لكــم هــذه ً‬
‫عل��ى املســافرين م��ن العاصم��ة إىل مس�تـغامن‪ .‬كان النهــار ظهـًـرا‪ ،‬وكان امللــل‬
‫ــت يرتديـ�ن احلجــاابت‪ ،‬وليــس علــى وجوههـ ّـن‬ ‫س��ي ًدا‪ .‬فقصدتــي أرب��ع فتيا ٍ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ماكيــاج‪ .‬وطلــن مـ ّـي أن أنطلــق‪ ،‬ألهنـ ّـن ســيدفعن املقعديــن املتبقيــن‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ـادي‪ .‬ومــا أن جتــاوزان البليــدة بقليــل‪ ،‬حــى نزعــن‬ ‫ٍ‬


‫كل شــيء عـ ً‬ ‫كان ّ‬
‫الســجائر وشــرعن يف التصفيــق والغنــاء‪ .‬قالــت مــن‬ ‫اخلمــارات وأشــعلن ّ‬
‫ـت‪ :‬ال هتـ ّـم األمســاء اي‬‫عمــي؟ قلـ ُ‬
‫بــدت زعيم ـةَ املوكــب‪ :‬كيــف مسّــاك هللا اي ّ‬
‫ِ‬
‫خملوق��ة‪ .‬هـ�ل معكـ ّ�ن حش��يش؟ قال��ت‪ :‬نع��م‪ .‬قلـ�ت‪ْ :‬ارمينَــهُ‪ ،‬فرجــال األمــن‬
‫ـض اهلبــل‪.‬‬
‫أيضــا أحتــاج بعـ َ‬ ‫ال يتســاحمون معــه‪ ،‬وافعلــن مــا ظهــر لكـ ّـن‪ ،‬فــأان ً‬
‫ات طويلةً‪ ،‬وحدثت‬ ‫كنت يومها جمروحا بذبح اتكسيور عشنا معا سنو ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫يل أمــور أخــرى ال تعجــب‪ ،‬فاخنرطــت معهـ ّـن يف الغنــاء‪ .‬كنّــا نغـ ّـي ونص ّفــق‬
‫أســا معلّقـةً‬
‫ـك مثــل اجملانــن‪ .‬وحــن جتــاوزان وادي رهيــو بقليــل وجــدان ر ً‬ ‫ونُ َد ْربِـ ُ‬
‫يف شــجرة‪.‬‬
‫ـت إحداهـ ّـن‪ ،‬كانــت تُسـ ّـمى محيــدة‪:‬‬
‫ـت ســرعة الســيّارة‪ ،‬فصرخـ ْ‬ ‫ضاعفـ ُ‬
‫ـوي يف الطلــب‪ :‬توقــف‪ ..‬توقــف‪.‬‬ ‫توقــف‪ ..‬توقــف‪ .‬ســانَ ْد َنا عفـ ً‬
‫حررهنــا مــن الشــجرة‪ /‬رحــن يندبنهــا‬‫توجهــن إىل الـ ّـرأس‪ّ /‬‬
‫ـت فنزلــن‪ّ /‬‬ ‫توقفـ ُ‬
‫كأهنــا ألبيهـ ّـن‪ /‬ل ّفتهــا محيــدة يف مخارهــا‪ /‬دفنتهــا يف خشــوع‪ /‬ق ـرأن الفاحتــة‬
‫عليهــا‪ /‬ســأريكم املــكا َن حــن نصــل إليــه‪ /‬عــدن إىل الســيارة ذابـ ٍ‬
‫ـات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫رب يف هــذا البلــد؟ إذا مل يكــن لــه أهــل‪،‬‬
‫فقالــت محيــدة‪ :‬هــل انتهــت رمحــة ّ‬
‫أال يبكــي عليــه أحــد؟‬
‫ـرعت‬
‫قلــت‪ :‬ومــا يدريــك أنــه إلرهــايب؟ قالــت‪ :‬مــا يهـ ّـم أنــه إلنســان‪ .‬وشـ ْ‬
‫ـردد أغنيــة «راس احملنــة»‪.‬‬
‫تـ ّ‬

‫‪145‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫حتت ال ّرعاية ال ّسامية للواقع‬

‫كان كورنيــش وه ـران‪ ،‬ذات عشــيّ ٍة مــن صيــف عــام ‪ًّ ،2007‬‬
‫ضاجــا‬
‫ابحلمــام والبشــر‪ ،‬الذيــن ال يُراقــب أحــد منهــم أحـ ًـدا‪ .‬وكان فـ ًـى ال يتجــاوز‬
‫ويتأمــل البحــر بعينــن‬ ‫العش ـرين جيلــس علــى أحــد مقاعــد الكورنيــش‪ّ ،‬‬
‫ابكيتــن يف تصــو ٍ‬
‫ف كب ـ ٍر‪ ،‬غــر آبِـ ٍـه مبــن يغــدو ويــروح‪.‬‬ ‫ّ‬
‫قلــت لــه‪ ،‬وقــد جعلــت جلوســي إليــه طبيعيًــا‪ :‬مــا هــذه املوســيقى الــي‬
‫تس��مع؟ أعط��اين الكتم��ان حبرك��ة عفوي��ة توح��ي أبن��ه مل ينزع ْ��ج م��ن فض��ويل‪.‬‬
‫الشــاب حســي بصوتــه احلــي‪« :‬قـ ْـع النّ َســا اللــي خلقهــم ريب‪ /...‬مــا‬ ‫فهـّـزين ّ‬
‫ـت‬
‫أأتمــل البحـ َـر‪ :‬كأنـّـه مل ميـ ْ‬
‫جيونيـ�ش كاللّـ�ي بغاهـ�ا قلـبي» (‪ .)5‬قلــت وأان ّ‬
‫رمحـ�ه هللا‪ .‬ق��ال الفــى‪ :‬وسـ�وف ل��ن مي��وت‪ .‬قل��ت‪ :‬مل��اذا يف رأي��ك؟ ق��ال‪:‬‬
‫ـرا عندمــا قتلــوه‪ ،‬لكنّــي عندمــا كــرت وجــدت أنـّـه كان يُغـ ّـي‬ ‫ـت صغـ ً‬
‫كنـ ُ‬
‫للحب‪ ،‬يف الوقت الذي‬ ‫ّ‬ ‫لألشيــاء اليت ال تنتهي يف اإلنس��ان‪ .‬كان يغنّي‬
‫كان فيــه اإلرهــاب حيصــد األرواح‪ .‬هــل تعلــم ملــاذا كنــت أبكــي؟‬
‫فعشــاين يف بيتــه‪ ،‬مــع ّأمــه‪ ،‬وقــد‬
‫ّقربــت احلكايـةُ‪ /‬اجلــر ُح بيــي وبــن ســفيان‪ّ ،‬‬
‫درســون يف اجلامعــة‪ .‬مثّ عــرض علــي أن‬ ‫كنــت مدعـ ًّـوا للعشــاء مــع أصدقــاء يُ ّ‬
‫ـت علــى طــول‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أيخــذين إىل مــكان وصفــه ابملهبــول‪ ،‬فوافقـ ُ‬
‫ابب ال يوحــي أبنــه ش ـغّال‪،‬‬ ‫��ب يب يف حـ ٍّـي عتيـ ٍـق‪ ،‬مثّ طــرق ً‬ ‫ِ تَ َس ْر َس َ‬
‫يرحــب بنــا‪/‬‬‫ف ُفتــح لنــا بعــد كلمــة الســر‪ .‬ســام علــى الفــى الفاتــح‪ ،‬وهــو ّ‬

‫‪146‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫توجس ـوا خيف ـةً‬


‫ســام علــى الفتيــة العشــرة‪ ،‬الذيــن كان ـوا حملّقــن يف القبــو‪ّ ،‬‬
‫حصتــن وقتهــا‪ ،‬فأعطاهــم ســفيان‬ ‫ـت أق ـ ّدم ّ‬ ‫مــن وجهــي التلفزيــوين‪ ،‬إذ كنـ ُ‬
‫غمــزة األمــان‪ /‬ســام عليهــم‪ ،‬وهــم يتحلّقــون حــويل‪ ،‬ليلفظ ـوا حكاايهتــم‬
‫أنســق بــن احلــكاايت‪ ،‬فــا يفوتــي منهــا‬ ‫دفع ـةً واحــدة‪ /‬ســام علــي‪ ،‬وأان ّ‬
‫الســردي‪ ،‬حيــث يُرافــق‬
‫ـص ّ‬‫خيــط واحــد‪ .‬هنــاك كفــرت ابلـّـراوي العليــم يف النـ ّ‬
‫متامــا يف روايــي «ندبــة اهلــايل»‪.‬‬
‫ـخوص حــى إىل املرحــاض‪ ،‬وقتلتــه ً‬ ‫الشـ َ‬‫ّ‬
‫ـوب أبســف «روايت» علــى‬ ‫مــا أن خرجــت مــن القبــو احمللّــق‪ ،‬مصحـ ً‬
‫انســحايب املب ّكــر‪ ،‬حــى طلبــي أصدقائــي اجلامعيــون‪ ،‬وأمطــروين ابلعتــاب‬
‫علــى أنـّـي تركــت طعامهــم وشـراهبم معلّ ًقــا‪ .‬التحقــت هبــم‪ ،‬فوجدهتــم حـزاين‬
‫علــى ضيــاع ســيّارة أحدهــم‪« .‬خــذوين إىل املــكان الفــاينّ»‪ /‬قلــت‪.‬‬
‫الشــباب‪ ،‬وقــد‬
‫وجــدت صعوبـةً يف العــودة إىل القبــو احمللّــق‪ ،‬ويف إســكات ّ‬
‫فرحــا بعــوديت‪ ،‬ويف القــول إ ّن ســيارة رقمهــا كــذا ضاعــت‬ ‫راح ـوا يرقصــون ً‬
‫مــن صديقــي‪ .‬اختلــى ســفيان ابلفتيــان مـ ّدة ربــع ســيجارٍة‪ ،‬مثّ عــاد إيل‪ :‬هــل‬
‫صباحــا‪ ،‬يف املــكان الفــاين؟‬
‫تضمــن لنــا األمــان‪ ،‬فيجــد صاحبُــك ســيّارته‪ً ،‬‬

‫ـــــــــــــــــــ‬
‫الراي املؤثرين يف اجلزائر‪ .‬اغتيل عام ‪.1994‬‬
‫‪ 5‬ـ من جنوم أغنية ّ‬

‫‪147‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫حتت ال ّرعاية ال ّسامية للمفاجأة‬

‫الســماء إىل مدينــة متنراســت‪ ،‬يف‬ ‫ّ‬ ‫كانــت الطائــرة‪ ،‬وهــي تتو ّغــل يف‬
‫أقصــى اجلنــوب اجلزائــري‪ ،‬مــن عــام ‪ ،2010‬شــبيهةً بقصيـ ٍ‬
‫ـدة حملّقـ ٍـة‪.‬‬
‫لكنّهــا قــد تتوقــف يف أيـّـة حلظـ ٍـة‪ ،‬فأحتـ ّـول إىل جمـ ّـرد رقـ ٍم يف حصيلـ ٍـة يُق ّدمهــا‬
‫روح شــعر ٍية‪ ،‬رغــم أنـّـي كنــت‬‫ذات ٍ‬ ‫مديــر الطـران‪ .‬يومهــا كانــت تشــبيهايت َ‬
‫أصــدرت جتربتــن ســرديتني مهــا «أجنحــة مل ـزاج الذئــب األبيــض»‪ ،‬وجلــدة‬
‫الظــل‪ :‬مــن قــال للشــمعة أف؟»‪.‬‬
‫[‪]2‬‬
‫ـت مدعـ ًـوا مــن طــرف خــادم الفنّانــن حمــي ال ّديــن بــن حممــد‪ ،‬قـ ّدس هللا‬
‫كنـ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سـ َّـرهُ‪ ،‬إلحيــاء جلســة أدبيــة يف دار الثقافــة‪ .‬ومــن عــاديت أال أانم يف اللّيلــة‬
‫األوىل‪ ،‬الــي أدخــل فيهــا مدينــة ً مل أزرهــا مــن قبــل‪ ،‬فاألمـ ُـر يُشــبه عنــدي أن‬
‫ـت إىل املدينــة‪ ،‬قبــل‬
‫ينــام عريــس يف انصيــة اللّيلــة األوىل مــع عروســه‪ .‬فخرجـ ُ‬
‫أن أرتّــب أغراضــي أصـ ًـا‪.‬‬
‫[‪]3‬‬
‫ـت‬
‫فتوجهـ ُ‬
‫أســتطيع أن أواجــه حتفــي‪ ،‬لكنّــي ال أســتطيع أن أواجــه امـرأةً تبكــي‪ّ .‬‬
‫الشــقراء‪ ،‬الــي كانــت تنتحــب عنــد مدخــل فنــدق «ترّكفــت»‪.‬‬ ‫الصبيــة ّ‬‫ـوي إىل ّ‬ ‫عفـ ً‬
‫مليحا‪ ،‬مثّ رحت أخاطبها‪.‬‬ ‫السماء ً‬ ‫قت يف ّ‬ ‫مت‪ /‬ح ّد ُ‬ ‫الص َ‬
‫التزمت ّ‬‫جلست إليها‪ُ /‬‬ ‫ُ‬
‫أيضــا‪،‬‬
‫ً ً‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫مس‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫روح‬
‫ُ‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫ن‬‫كا‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ق‬‫ف‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫كلتيه‬ ‫ـاة‬ ‫ـ‬‫ت‬ ‫الف‬
‫و‬ ‫ـماء‬ ‫ـ‬ ‫الس‬
‫ّ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬‫ل‬ ‫ع‬ ‫ـود‬ ‫ـ‬ ‫ع‬‫ت‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫اهلــاء ه‬

‫‪148‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ومــن جتلّيــات ذلــك أ ّنــا مل تعتــرين غريبًــا‪ ،‬فتتشــنّج مــن وجــودي‪.‬‬


‫[‪]4‬‬
‫متخصصــة يف ال ّدراســات الشــرق أوســطية‪ ،‬ولــوال‬
‫ّ‬ ‫أان «آن» مــن النّرويــج‪.‬‬
‫ـت‪ ،‬يف أوســلو‪ ،‬مذكــرةً عــن أولــوف‬‫أتخــرت يف متنراســت‪ ،‬لكنــت انقشـ ُ‬ ‫أن ّ‬ ‫ّ‬
‫الســويدي‪ ،‬الــذي اغتيــل عــام ‪ ،1986‬بســبب مســاندته‬ ‫ّ‬ ‫اء‬
‫ر‬ ‫ـوز‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـس‬‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ئ‬
‫ر‬ ‫ابمل‬
‫للحـ ّـق الفلســطيين‪.‬‬
‫بقاؤك يف متنراست من حاجة؟‬ ‫ـ هل كان ِ‬
‫ـ بل كان بسبب رجل‪.‬‬
‫[‪]5‬‬
‫مل يكــن مــن عــاديت أن أمتـ ّـى أن أكــون واحـ ًـدا غــري‪ ،‬ويف تلــك متنّيــت‬
‫وتؤجــل‬
‫الفضــة‪ ،‬فتحبّــي «آن» النّروجييــة‪ّ ،‬‬ ‫ـت مســعود التارقــي ابئـ َـع ّ‬ ‫لــو كنـ ُ‬
‫رحلتهــا مــن أجلــي‪ ،‬وتقــول يل ّإنــا مســتع ّدة ألن متنحــي مــا أريــد‪ ،‬مقابــل‬
‫أن أمنحهــا قلــي‪ .‬مــا بــه الفــى مســعود التارقــي رفــض عــرض هــذه املــاك؟!‬
‫[‪]6‬‬
‫ـت علــى «آن» أن ترافقــي إىل قلــب املدينــة‪ ،‬فقالــت ّإنــا ســتتفادى‬
‫عرضـ ُ‬
‫معــا يف مطعــم الفنــدق‪.‬‬‫نتعشــى ً‬
‫إحباطهــا ابلنّــوم‪ ،‬علــى أن ّ‬
‫[‪]7‬‬
‫ال فــرق بــن ح ـرارة اجلزائــر العاصمــة وح ـرارة متنراســت‪ .‬لكـ ّـن املســافة‬
‫انوي‬
‫ـت ً‬ ‫ـرا‪ .‬كنـ ُ‬‫بــن حفــاوة جتّارمهــا‪ ،‬ت ٍفــوق املســافة بينهمــا‪ 1981 ،‬كيلومـ ً‬
‫ـجاما مــع‬
‫ـال أانق ـةً وانسـ ً‬ ‫فضــة‪ ،‬فدخلــت إىل أكثــر احملـ ّ‬
‫أن أشــري خــامت ّ‬
‫روح املــكان واإلنســان‪ .‬ومل أســتطع أن أمتالــك نفســي‪ ،‬حــن قـرأت االســم‬

‫‪149‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫الــذي كان ينقشــه صاحــب احملـ ّـل علــى حاملـ ٍـة جلديـ ٍـة للمفاتيــح‪« :‬آن»‪.‬‬
‫ـ مسعود!!؟‬
‫[‪]8‬‬
‫الفضــة والنقــش علــى اجللــد عــن‬
‫أان مســعود مــن مدينــة جانــت‪ .‬ورثــت فـ ّـن ّ‬
‫ـتقل حبانــويت‪ ،‬وأمجــع مــن‬
‫أيب‪ ،‬الــذي ورثــه عــن أبيــه‪ .‬دخلــت متنراســت ألسـ ّ‬
‫ـزوج فتــايت‪.‬‬
‫املــال مــا يكفيــي ألتـ ّ‬
‫ـ هل جئت على منت الطيّارة؟‬
‫ـ نعم‪.‬‬
‫ـ لو أعطتين «آن» النّروجيية وزن األرض ذهبًا‪ ،‬على أن أستبدهلا بفتايت‬
‫ما فعلت‪.‬‬
‫[‪]9‬‬
‫ـادرا علــى أن ألتقــي «آن»‪ ،‬يف مطعــم الفنــدق‪ ،‬بعــد الــذي‬ ‫مل أكــن قـ ً‬
‫مسعتــه مــن مســعود‪ .‬فصعــدت إىل غرفــي مباشــرةً ومل أغادرهــا‪ .‬لكنّــي‬
‫متامــا‪ .‬لقــد أطلعــي مســعود علــى بعــض رســائلها‬ ‫ٍ‬
‫التقيتهــا بطريقــة خمتلفــة ً‬
‫ـيت أمــر العشــاء‪ .‬كيــف تســتطيع‬
‫السـرير أقرأهــا‪ ،‬ونسـ ُ‬
‫ـت علــى ّ‬
‫إليــه‪ ،‬فانبطحـ ُ‬
‫الصفــاء؟‬
‫ـب رجـ ًـا هبــذا ّ‬
‫ام ـرأة أن حتـ ّ‬
‫[‪]10‬‬
‫قمــة األســكرام‪ ،‬فانطلقــت‬ ‫رتّــب يل حمــي ال ّديــن‪ ،‬بعــد يومــن‪ ،‬مبيتًــا يف ّ‬
‫ـش‬
‫املتوحـ َ‬
‫مــع السـاّئق «صــاحل»‪ .‬كانــت الســيّارة رابعيـةُ ال ّدفــع تقضــم الطريـ َـق ّ‬
‫مثــل انقـ ٍـة أتكل شــوًكا‪ ..‬ال ســرعة وال ملــل‪ .‬وكنــت كلّمــا حملــت وفـ ًـدا مــن‬
‫السياح قبلنا أو بعدان‪ ،‬يف وادي أفيالل‪ ،‬كلّما عاد إيل اإلحساس ابحلياة‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫[‪]11‬‬
‫فارهــا‪ ،‬بينمــا هــو فضــاء مينحــك‬
‫منتجعــا ً‬
‫ً‬ ‫ملــاذا كنــت أتصـ ّـور األســكرام‬
‫طعامــا بســيطًا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫الفرصــة ألن تعيــش حيــاة الربيــة؟ بضعــة أكـو ٍاخ بســيطة تقـ ّدم ً‬
‫ـس فوقهــا أبنـّـك‬
‫قمــة حتـ ّ‬
‫بســاطة كنيســة األب شــارل دوفوكــو‪ ،‬هنــاك يف ّ‬
‫خطيــب الشــمس‪.‬‬
‫[‪]12‬‬
‫ـت فــوق صخــرٍة رءوم‪ ،‬وأســلمت كلّــي للمشــهد‪ :‬ليــل مثقــوب‬ ‫جلسـ ُ‬
‫ـج‬
‫ـب يشـ ُّ‬ ‫ـوم فتيّــة‪ ،‬فكأنـّـه غ ـرابل بــن يــدي عجــوٍز قرويــة‪ /‬ع ـواء ذئـ ٍ‬ ‫بنجـ ٍ‬
‫ُ‬
‫الســماء‪ /‬طائـ ُـر‬
‫وسـ ّـرة ّ‬
‫ـح يف الفاصــل بــن رأس اجلبــل ُ‬ ‫اح‪ /‬أايئـ ُـل تتناطـ ُ‬
‫األرو َ‬
‫«مــوال مــوال» يتن ّقــل بــن األحجــار‪ ،‬مثــل ومضــة هايكــو عطســتها لــوزة‬
‫يبانيــة‪ .‬انر هلّابــة هنــاااااااااااااااااااك يف األســفل‪ ،‬يرقــص حوهلــا بشــر مــن غــر‬
‫فــروق‪ /‬مههمــات إجنيليــة تطلــع مــن ال ّديــر‪ ،‬حائــرةً بــن أن تذهــب إىل اخلالــق‬
‫رددمهــا الوجــود‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أو املخلــوق‪ .‬وإذا بصرختــن‪ ،‬علــى مقربــة مـ ّـي‪ّ ،‬‬
‫[‪]13‬‬
‫الصوتني‪ ،‬فإذا مها آلن ومسعود‪.‬‬
‫طرت حنو ّ‬
‫ُ‬

‫‪151‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫حتت ال ّرعاية ال ّسامية للجوع‬

‫ـرا‪ ،‬هنايــة‬
‫كان حــرج أعـوان األمــن املكلّفــن حبراســة التّلفزيــون اجلزائــري كبـ ً‬
‫الســيد املديــر‬
‫عــام ‪ ،2009‬وهــم يقولــون يل ّإنــم ميلكــون تعليم ـةً‪ ،‬مــن ّ‬
‫الســماح يل ابل ّدخــول‪ .‬أان الــذي‬ ‫العــام عبــد القــادر العلمــي‪ ،‬تقضــي بعــدم ّ‬
‫ٍ‬
‫ابلشاشــة منــذ ‪ ،2005‬وق ـ ّدم ثالثــة برامـ َـج ثقافيــة‪ ،‬حــاور فيهــا‬ ‫التحــق ّ‬
‫قطاعــا واسـ ًـعا مــن الكتّــاب والباحثــن والفنّانــن واملشــرفني علــى املؤسســات‬‫ً‬
‫املنتميــة إىل هــذه احلقــول‪.‬‬
‫أحسســت عمي ًقــا ابلظلــم‪ .‬مثّ تضاعــف هــذا اإلحســاس لــدي‪ ،‬إبعـراض‬
‫ـول إنـّـك عــاري‬‫فكأنــا أرادت القـ َ‬
‫ـبب معـ ّـن إلبعــادي‪ّ ،‬‬ ‫اإلدارة عــن تقــدمي سـ ٍ‬
‫الكتفــن‪ ،‬فعــد مــن حيــث أتيــت‪ .‬ابمل ـوازاة مــع حصــويل علــى درع الـ ّـرايدة‬
‫بعمــان‪.‬‬
‫العربيــة يف التّنشــيط التلفزيــوين‪ ،‬مــن طــرف جامعــة الـ ّدول العربيــة ّ‬
‫اعــا بــن صوتــن‪ .‬صــوت حيثّــي‬ ‫ـت‪ ،‬علــى مــدار مخســة شــهوٍر‪ ،‬صر ً‬ ‫واجهـ ُ‬
‫ـارب أخــرى‪ ،‬مثلمــا فعلــت مــع غريهــم‬ ‫علــى اإلعـراض عنهــم‪ ،‬واخلــوض يف جتـ َ‬
‫مــن قبــل‪ ،‬وآخــر حيثّــي علــى املطالبــة حب ّقــي‪ ،‬واملقارعــة مــن أجــل اســرجاعه‪.‬‬
‫الصحافــة‪،‬‬ ‫رت إضـر ًاب عــن الطعــام‪ ،‬مبناســبة اليــوم العاملــي حلريــة ّ‬
‫فــكان أن قـّـر ُ‬
‫‪ 03‬مايــو ‪.2010‬‬
‫ـهرا قبــل حصولــه‪ ،‬حــى أعطــي للمعنيــن ابألمــر‬ ‫ـت عــن اإلضـراب شـ ً‬ ‫أعلنـ ُ‬
‫فرص ـةً ألن يســتجيبوا ملطلــي املتمثّــل يف إعــاديت إىل املؤسســة‪ ،‬فلــم يتحـ ّـرك‬
‫منهــم أحــد‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫لن أحت ّدث عن األايم الثالثني‪ ،‬اليت تلت اإلعالن عن موعد اإلضراب‬
‫ألهنــا تتشــابه‪ .‬بــل ســأحت ّدث عــن اللحظــة‪ ،‬الــي ذهبــت فيهــا مــن غرفــي‬
‫املؤجــرة فــوق ســينما «اجلزائريــة»‪ ،‬يف شــارع ديــدوش م ـراد‪ ،‬رفقــة الكاتــب‬ ‫ّ‬
‫الصحافــة حيــث سأشـ ّـن اإلض ـراب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫دار‬ ‫إىل‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫خط‬ ‫ـعيد‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫اإلعال‬ ‫و‬
‫الش ـربة األخــرة‪ .‬أغلقــت جهــاز‬ ‫ش ـربت مــن كأســي إبحســاس أهنــا ّ‬
‫ـث خــر‬‫التليفزيــون علــى أســاس أنــي لــن أشــاهده مـ ّـرًة أخــرى‪ ،‬وأنـّـه قــد يبـ ّ‬
‫مــويت بعــد أايم‪ .‬ألقيــت نظــرًة علــى الكتــب الــي كانــت مزروعــة يف الغرفــة‪،‬‬
‫الصفــا‪ .‬وقلــت البــن تيميــة‪:‬‬
‫فودعــت اجلاحــظ وأاب حيّــان واملعـ ّـري وإخـوان ّ‬ ‫ّ‬
‫تعســفت يف ح ّقــك ذات يــوم‪ .‬وحملمــود درويــش‪ :‬إ ّن‬ ‫ّ ّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫ـيخ‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫اي‬ ‫ـاحمين‬ ‫سـ‬
‫املســافة بيننــا مل تعــد بعيــد ًة‪ .‬ولبعــض الكتّــاب الذيــن ال أفعاهلــم ونصوصهــم‪:‬‬
‫هــي لكــم احليــاة‪ .‬افعل ـوا فيهــا مــا شــئتم‪ ،‬وواصل ـوا رداءتكــم واحتكاركــم‬
‫لألض ـواء‪.‬‬
‫هنــاك انتبهــت إىل أ ّن إحساســي بشــعرية األشــياء مل يكــن كافيًــا‪ .‬شــعرية‬
‫الفنجــان ‪ -‬شــعرية النافــذة ‪ -‬شــعرية املرحــاض ‪ -‬شــعرية احلــذاء ‪ -‬شــعرية‬
‫البــاب ‪ -‬شــعرية امللعقــة‪ .‬وهــو مــا اشــتغلت عليــه بعدهــا‪ ،‬يف جتربــي «مــاء‬
‫سـريع االلتهــاب»‪.‬‬
‫الصحافــة‪ ،‬الــي حتمــل اســم روائــي جزائــري اغتيــل يف‬ ‫ذهبــت إىل دار ّ‬
‫ٍ‬
‫ـيس متناقضــة‪ .‬إذ‬‫مدجــج أبحاسـ َ‬ ‫التســعينيات هــو طاهــر جــاوت‪ ،‬وأان ّ‬
‫كان للخطـوات الــي قطعتهــا مــن شــارع ديــدوش مـراد أحــد مفجــري ثــورة‬
‫الصحافــة‪ ،‬أكثـ ُـر مــن مفارقـ ٍـة فاضــت علــى تلــك املســافة‬
‫التّحريــر‪ ،‬إىل دار ّ‬
‫ـتفز الكاتــب داخلــي‪.‬‬‫القصــرة‪ .‬وهــذا مــن بــن مــا يسـ ّ‬
‫متنّيــت أن تطــول تلــك املســرة‪ ،‬كــي أراجــع مفهومــي للكتابــة واحليــاة‪.‬‬
‫ـتمر أكثــر مــن ربــع ســاعة‪ .‬هنــاك زمــن مســطح نعـ ّده ابل ّدقائــق‬
‫لكنّهــا مل تسـ َّ‬

‫‪153‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫ـاص‬
‫الشــهور واألع ـوام‪ ،‬وزمــن نفســي خـ ّ‬ ‫األيم واألســابيع و ّ‬
‫الســاعات و ّ‬ ‫ّ‬ ‫و‬
‫ـون‪ .‬وإ ّن إغفــال هــذا املعطــى‪ ،‬يف‬
‫نلخــص كـ ً‬ ‫ٍ‬
‫نســتطيع يف دقيقــة منــه أن ّ‬
‫التعامــل مــع النّــص الســردي شــخوصا وحـ ٍ‬
‫ـاالت‪ ،‬واحــد مــن مداخــل الـّـرداءة‬ ‫ً‬
‫إليــه‪.‬‬
‫الشــرطة يف انتظــاري‪.‬‬‫الصحافــة‪ ،‬لفي ًفــا مــن ّ‬
‫وجــدت‪ ،‬حــن بلغــت دار ّ‬
‫ابلرعــب‪ ،‬أان الكائــن‬
‫ـت ّ‬ ‫فقــد شــافوا يف اجلرائــد اإلعــا َن عــن اإلضـراب‪ .‬أصبـ ُ‬
‫رجل أمن‪.‬‬
‫إداري أو سياســيًا أو َ‬ ‫يوما إىل أن يكون ً‬ ‫املســامل‪ ،‬الذي مل يطمح ً‬
‫الشــجاعة‪ ،‬ألنــه تعـ ّـود علــى‬‫وقــد ّزودتــي مرافقــة ســعيد خطيــي ببعــض ّ‬
‫الشــرطة لــه‪ ،‬حبكــم انتمائــه إىل مجاعــة «بـ ّـزاف»‪.‬‬
‫اســتجواابت ّ‬
‫الشــاعر‪ .‬لكـ ّـن زوجــي أوصتــي‬
‫جــاءين شــرطي قائـ ًـا‪« :‬أان ال أعرفــك أيّهــا ّ‬
‫ـرا‪ ،‬فهــي إحــدى مشــاهداتك‪ .‬هــل تطلــب شــيئًا؟»‪ .‬قلــت‪ :‬أريــد أن‬ ‫بــك خـ ً‬
‫أعلّــق بيــان اإلضـراب‪ .‬قــال‪ :‬أان مــن ســيفعل ذلــك‪.‬‬
‫وجهــا تليفزيونيًــا‪ ،‬ف ـراك النــاس متأل ًقــا‪ ،‬وينســجون حولــك‬ ‫أن تكــون ً‬
‫الراقيــة‪ ،‬ومتلــك ســيّارًة فاخــرًة‪ ،‬وبيتًــا‬ ‫ِ‬
‫احلــكاايت‪ ،‬منهــا أنــك تقيــم يف األماكــن ّ‬
‫قياســا علــى زمــاء لــك‪ ،‬مث يرونــك مل ًقــى علــى قارعــة‬ ‫ال يُتــاح للجميــع‪ً ،‬‬
‫خاصــة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫الطريــق‪ ،‬أمــر حيتــاج إىل صالبــة ّ‬
‫كانــت حلظــة مواجهــة الع ـراء‪ ،‬يف اللّيلــة األوىل صعب ـةً‪ .‬إذ تفـ ّـرق النّــاس‬
‫الذيــن كانـوا معــي‪ ،‬عنــد منتصــف الليــل‪ ،‬ومل يبـ َـق إال ســعيد خطيــي‪ .‬هنــاك‬
‫جدا‪ ،‬قام على هذه األســئلة‪ :‬ملاذا مل تكن إرهابياً؟‬ ‫انتابين إحســاس غريب ً‬
‫لديــك زمــاء يف ال ّدراســة‪ ،‬أصبح ـوا أم ـراءَ يف اجلبــل‪ ،‬مث عــادوا غارقــن يف‬
‫الثّـراء؟ ملــاذا مل تصبــح رايضيًــا أو اتجـ ًـرا؟ لكنّــي ال أســتطيع أن أصــف لـ ّذة‬
‫الشــيء‬ ‫اللحظــة‪ ،‬الــي انتصــرت فيهــا علــى نفســي فقلــت هلــا‪ :‬أان اخــرت ّ‬
‫الــذي يبقــى‪ .‬ومل أنــدم بعدهــا أبـ ًـدا‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫ـات نتقـ ّـزز منهــا يف العــادة‪،‬‬ ‫واجهــت الع ـراء‪ ،‬فأصبحــت ش ـري ًكا لكائنـ ٍ‬
‫َ‬
‫الصراصــر والــكالب الضالّــة واجملانــن‪ .‬مل أســتطع أن أانم‬ ‫مثــل اجلــرذان و ّ‬
‫حــى ال أحــرم نفســي منهــا‪ ،‬ومل أســتطع أن أبقــى صاحيًــا ألنـّـي كنــت‬
‫وجائعــا‪ .‬هــل ســأغادر الواقــع إذا منــت؟ أم أنـّـه ســيُالحقين يف النّــوم‪،‬‬ ‫متعبًــا ً‬
‫فيتداخــل الواقــع ابخليــال وتنتفــي احلــدود؟ أليســت حلظ ـةً ســرديةً ابمتيــاز؟‬
‫ـان عميـ ٍـق للمثقفــن والفنّانــن واإلعالميــن الذيــن‬ ‫أحسســت ابمتنـ ٍ‬
‫توجهــت إىل النّــاس‪ ،‬الذيــن ال ُيســبون علــى‬ ‫ســاندوين‪ .‬لكـ ّـن بــؤرة اهتمامــي ّ‬
‫حقــل الثقافــة والفـ ّـن واإلعــام‪.‬‬
‫الصحافــة‪ .‬وكان أيتيــي‬ ‫انئمــا عنــد مدخــل العمــارة املقابلــة لــدار ّ‬ ‫كنــت ً‬
‫ـاب يغــدو ويــروح متح ـ ّد ًث مــن غــر أن ينبــس بكلمــة‪ .‬كانــت يــداه‬ ‫شـ ّ‬
‫تتحـ ّـركان يف الفضــاء‪ ،‬وشــفتاه تقــوالن شــيئًا ال يصلــي‪ ،‬لكنّــه يوحــي أبنــه‬
‫متذمــر مــن الوضعيــة‪ .‬ســألته مـ ّـرةً عــن األمــر‪ ،‬فقــال‪ :‬ال أســتطيع أن أفعــل‬ ‫ّ‬
‫طعامــا تصــل رائحتُــه‬
‫ً‬ ‫ـخ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫تط‬ ‫أبال‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ج‬‫زو‬ ‫ـرت‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ـي‬‫ّ‬‫ـ‬‫ن‬ ‫أ‬ ‫ـدا‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ا‪،‬‬‫لــك ً‬
‫ـيئ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬
‫إليــك‪ ،‬فتتشــهى الطعــام‪.‬‬
‫وجاءتــي عجــوز ابلقهــوة واخلبــز‪ ،‬حماول ـةً أن تثنيــي عــن اإلض ـراب‪.‬‬
‫إحساســا يف نفســي‪ ،‬أن آكل وأشــرب‬ ‫ً‬ ‫ـكل مــا ُيـّـرك‬
‫ـت أبجــدادي وبـ ّ‬ ‫فحلفـ ْ‬
‫قصتهــا مــع‬
‫ـت ابلبــكاء وحكــت يل ّ‬ ‫ـت‪ ،‬أجهشـ ْ‬ ‫مــن يدهــا‪ .‬وحــن رفضـ ُ‬
‫اجلوع يف عام اجلوع‪ ،‬قبل االستقالل الوطين‪ ،‬حيث وصلت إىل أن أتكل‬
‫جــذوع األشــجار والقطــط النّافقــة‪.‬‬
‫ـوي مــن أشــياء أخــرى غــر الطعــام‪ .‬فلــم أعــد حباجـ ٍـة إىل‬ ‫كنــت أتغـ ّذى معنـ ً‬
‫رت مــن عقــدة الزمتــي منــذ طفولــي‪.‬‬ ‫املرحــاض يف تلــك الفــرة‪ .‬حيــث حتـ ّـر ُ‬
‫إذ كان أيب يقــول يل‪ ،‬كلّمــا أراد أن يرفــع مهّــي‪« :‬خـ ّـراي»‪ .‬وهــا أان مل أعــد‬
‫أمــارس هــذا الفعــل اي َّْب‪ .‬كيــف حالــك يف قــرك؟ كيــف هــي احليــاة هنــاك؟‬

‫‪155‬‬
‫بوصلة التّيه‬

‫ّأمــا هنــا‪ ،‬فولــدك الوحيــد اســتطاع أن يصــر علــى اجلــوع‪ ،‬لكنّــه مل يســتطع أن‬
‫يصــر علــى الظلــم‪ .‬أنــت علّمتــي أال أَظلــم أو أقبــل أن يظلمــوين‪ ،‬فــا تلمــي‬
‫علــى أم ـ ٍر تعلّمتــه منــك‪ .‬وال تلمــي علــى أنــي قــد أحلــق بــك‪ ،‬فأتــرك ّأمــي‬
‫رب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وزوجــي وابنــي وحيــدات‪ ،‬فقــد جعلتهـ ّـن وديعـةً عنــد ّ‬
‫اش أحضــره يل صديقــي الفنّــان‬ ‫زاد إحساســي املالئكــي‪ ،‬وأان طريــح ف ـر ٍ‬
‫ســعد بــن خليــف‪ ،‬وزاد معــه إحساســي ابلفنــون‪.‬‬
‫ليلـةً‪ ..‬جــاء الفنّــان عــاء ال ّديــن مخّــار‪ ،‬مــن مدينــة بســكرة‪ ،‬ليواســيين بعزفــه‬
‫علــى النّــاي‪ ،‬فكأنـّـي اكتشــفت النّــاي للمـ ّـرة األوىل‪ .‬تذ ّكــرت مقولــة جــال‬
‫الســماء إال مــن نفخــة هــذا النّــاي»‪ ،‬فرحــت‬ ‫الرومــي «ال أظـ ّـن هــذه ّ‬ ‫ال ّديــن ّ‬
‫الســماء فقاعـةً تكــرُ‪ ،‬وأتتبّعهــا ببصــري حــى ظـ ّـن صديقــي الكاتــب‬ ‫أختيّــل ّ‬
‫الرفيــق األعلــى‪.‬‬
‫حاجــي أنـّـي يف طريقــي إىل ّ‬ ‫واإلعالمــي عـ ّـاوة ّ‬
‫ـات يف حميطــي العاصمــي‪ .‬ومل أنتبــه إىل ّأنــن رائعــات‬ ‫كنــت أعــرف فتيـ ٍ‬
‫األيم‪ .‬تســاءلت‪ :‬هــل ســأموت فعـ ًـا؟ هــل هــو املصــر‬ ‫اجلمــال إال يف تلــك ّ‬
‫يضــا‬
‫الــذي أملــى علـ ّـي هــذا العطــش للحســن؟ يقــال إ ّن اإلنســان يكــون مر ً‬
‫صحيحــا‪ ،‬فأقبــل علــى متــع احليــاة‪،‬‬
‫ً‬ ‫مــرض املــوت‪ ،‬فــإذا اقــرب أجلُــه‪ ،‬أصبــح‬
‫ـت قليـ ًـا‪.‬‬
‫مث مــات فجــأةً‪ .‬خفـ ُ‬
‫ـهورا يف «األقبيــة الثالثــة»‬
‫تعرفــت عليــه‪ ،‬حــن أقمــت شـ ً‬ ‫ـاب ّ‬
‫زارين شـ ّ‬
‫ابحلـّـراش‪ ،‬عــام ‪ ،2006‬فقــال يل‪ :‬هــل تــرى شــعار «منــوت ومــا هناجــرش»‬
‫واقعيًــا؟ قلــت‪ :‬لــن أهاجــر‪ .‬قــال‪ :‬هــل أنــت قــادر علــى ذلــك ومل تفعــل؟‬
‫ـادة مــن اخلــارج‪ .‬فأخــرج يل مــا حتــت ســرواله‪ ،‬ومل‬
‫عروضــا جـ ّ‬
‫قلــت‪ :‬أملــك ً‬
‫أره بعدهــا أبـ ًـدا‪.‬‬
‫لقــد جعلــي اجلــوع أعيــد النظــر‪ ،‬يف الت ّفــاح واللّحــم والكــرز والكسكســي‬
‫والبيــض والعصــر‪ ،‬ومــا إليهــا مــن املأكــول واملشــروب‪ .‬فاكتشــفت أنــي مل‬

‫‪156‬‬
‫عبد الرزاق بوكبّة‬

‫الشــكر واالنتبــاه والكتابــة‪ .‬ملــاذا أكتــب عــن‬


‫حقهــا مــن ّ‬ ‫ِ‬
‫أوف تلــك النّعــم َّ‬
‫القضــااي الكبــرة‪ ،‬وأنســى الكتابــة عــن طعامــي وشـرايب‪ ،‬ومــا ُييــط هبمــا مــن‬
‫ـات ووجـ ٍ‬
‫ـوه محيمــة؟‬ ‫حلظـ ٍ‬

‫اشــتهيت «بوزلّــوف»‪ .‬وهــو رأس اخلــروف‪ ،‬الــذي يُشــوى أو يُطهــى يف‬


‫الصيــام أو اإلض ـراب عــن الطعــام‪.‬‬
‫املــرق‪ .‬فيكــون عصيًّــا علــى املعــدة بعــد ّ‬
‫ـاكل علــى مســتوى األمعــاء‪ ،‬فدخلــت بســبب ذلــك‬ ‫مــا تســبّب يل يف مشـ َ‬
‫مرتــن‪ .‬كان الطبيــب الــذي عاجلــي علــى علـ ٍم أبنــي كنــت مضـ ً‬
‫ـرب‬ ‫املصحـةَ ّ‬
‫ّ‬
‫الصحافــة املكتوبــة‪ ،‬فقــال يل‪ ،‬وقــد أخربتــه أنــي أكلــت‬
‫ّ‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـا‪،‬‬
‫حديثًـ‬
‫اب‪ :‬كان عليــك أن تقصــد البيطــري‪.‬‬ ‫ـت اإلض ـر َ‬ ‫بوزلّــوف‪ ،‬بعــد أن أوقفـ ُ‬
‫كان عمــر عليــاء وقتهــا تســعة أشــهر‪ .‬وكنــت أكلّــم ّأمــي‪ ،‬فأكــذب عليهــا‬
‫ـش يف اإلضـراب‪ ،‬حــى أخ ّفــف خوفهــا مــن فقــدان وحيدهــا‪.‬‬ ‫ابلقــول إنـّـي أغـ ّ‬
‫ِ‬
‫الصحافيــن والكتّــاب‪،‬‬ ‫ـض ّ‬ ‫وهــي مــن اإلشــاعات الــي اســتعملت أطـراف بعـ َ‬
‫فلمــا صفعتهــم النّزاه ـةُ‪ ،‬راح ـوا يقولــون إ ّن بوكبّــة‬
‫يف أن تشـ ّـوه هبــا إض ـرايب‪ّ .‬‬
‫قبــض ‪ 500‬مليــون مــن إدارة التلفزيــون‪ ،‬بينمــا مل أقبــض‪ ،‬عــر حســايب‬
‫ـهرا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫اجلــاري‪ ،‬إال ســدس هــذا املبلــغ‪ ،‬عــن ثالثــة وعشـرين شـ ً‬
‫ـفت‪ ،‬بعــد عــوديت‪ ،‬أ ّن ّأمــي هــي األخــرى كانــت مضربـةً‪ .‬وألهنــا مل‬ ‫اكتشـ ُ‬
‫ـف‬
‫ـف‪ .‬كمــا جـ ّ‬ ‫الســكر أو امللــح‪ ،‬فقــد كاد جســدها جيـ ّ‬ ‫تشــرب املــاء مــع ّ‬
‫ريـ ُـق بعــض األصدقــاء‪ ،‬وهــم حيثّونــي علــى أن ألتحــق بوظيفــي‪ ،‬بعــد أن‬
‫ـت هــديف مــن‬ ‫أمضــت إدارة التلفزيــون عقـ ًـدا معــي‪ .‬فكنــت أقــول‪ :‬لقــد ح ّققـ ُ‬
‫اإلضـراب‪ ،‬وهــو أن أغــادر مبحــض إراديت‪ ،‬ال جبــرة مـز ٍاج مــن مسـ ٍ‬
‫ـئول ُي ّجــد‬ ‫ّ‬
‫الوطــن يف نش ـرات األخبــار‪ ،‬ويذبــح مبدعيــه يف الكواليــس‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫الفهرس‬

‫للراوي ‪121 .......................‬‬


‫السامية ّ‬‫الرعاية ّ‬
‫حتت ّ‬
‫للشاعر ‪127.......................‬‬
‫السامية ّ‬ ‫الرعاية ّ‬
‫حتت ّ‬
‫السامية للخرافة ‪129.......................‬‬‫الرعاية ّ‬
‫حتت ّ‬
‫شرد ‪132........................‬‬
‫السامية للتّ ّ‬
‫الرعاية ّ‬
‫حتت ّ‬
‫السامية للجنون ‪135.......................‬‬ ‫الرعاية ّ‬
‫حتت ّ‬
‫السامية للخيال ‪139.......................‬‬ ‫الرعاية ّ‬
‫حتت ّ‬
‫السامية لتع ّدد األصوات ‪141...............‬‬
‫الرعاية ّ‬
‫حتت ّ‬
‫السامية لل ّذاكرة ‪143.......................‬‬
‫الرعاية ّ‬
‫حتت ّ‬
‫السامية للواقع ‪147........................‬‬
‫الرعاية ّ‬
‫حتت ّ‬
‫السامية للمفاجأة ‪148.....................‬‬ ‫الرعاية ّ‬
‫حتت ّ‬
‫السامية للجوع ‪152.......................‬‬ ‫الرعاية ّ‬
‫حتت ّ‬
‫صدر للكاتب‬

‫الرمل؟ نصوص‪ .‬املكتبة الوطنية اجلزائرية‬


‫خف سيبويه يف ّ‬
‫دس ّ‬
‫‪ 1‬ـ من ّ‬
‫ودار الربزخ‪.2004 /‬‬
‫‪ 2‬ـ أجنحة ملزاج ال ّذئب األبيض‪ .‬نصوص‪ .‬دار ألفا‪.2008 /‬‬
‫الظل‪ :‬من قال للشمعة أف؟‪ .‬رواية‪ .‬دار ألفا‪.2009 /‬‬
‫‪ 3‬ـ جلدة ّ‬
‫أتمالت‪ .‬دار فيسريا‪.2010 /‬‬
‫الساقية‪ّ .‬‬
‫‪ 4‬ـ عطش ّ‬
‫‪ 5‬ـ نيوتن يصعد إىل الت ّفاحة‪ .‬مقاالت‪ .‬دار التنوير‪.2012 /‬‬
‫‪ 6‬ـ ندبة اهلاليل‪ :‬من قال للشمعة أح؟‪ .‬رواية‪ .‬الوكالة الوطنية للنشر‪،‬‬
‫التوزيع واإلشهار‪.2013 /‬‬
‫‪ 7‬ـ يبلّل ريق املا‪ .‬جتربة زجلية‪ .‬دار فيسريا‪.2013 /‬‬
‫‪ 8‬ـ الثلجنار‪ .‬جتربة زجلية مشرتكة مع عادل لطفي‪ .‬بيت الشعر يف‬
‫املغرب‪.2014 /‬‬
‫‪ 9‬ـ وحم أعلى اجملاز‪ .‬سرية نص قبل الكتابة‪ .‬دار فضاءات‪.2015 /‬‬
‫‪ 10‬ـ كفن للموت‪ .‬قصص‪ .‬دار العني‪.2016 /‬‬

You might also like