Professional Documents
Culture Documents
تلخيص كتاب المحرر في علوم القرآن الكريم
تلخيص كتاب المحرر في علوم القرآن الكريم
العلوم :مجع (علم) ،والعلم لغة :معرفة الشيء على احلقيقة اليت هو عليها ظنّاً أو يقيناً.
خاصاً اليت تندرج حتت جهة واحدة .وسيدرك الطالب متايز كل علم عن غريه
واصطالحا :املسائل املضبوطة ضبطاً ّ
ابلنظر يف موضوعاته ومسائله.
والقرآن يف االصطالح :كالم هللا املنَزل على نبيه حممد صلّى هللا عليه وسلّم ،املتعبد بتالوته ،املعجز أبقصر سوره.
وقد استخدم العلماء يف كتبهم مصطلحات مرادفة لعلوم القرآن مثل :علم القرآن ،أو علم الكتاب ،أو علوم الكتاب،
أو علم التنزيل أو علوم التنزيل.
إن بداية ظهور علوم القرآن مرتبطة ببداية نزوله ،فلما نزل جربيل عليه السالم على رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم يف
ك األَ َكَرُم *الَّ ِذي َعلَّ َم
*خلَ َق ا ِإلنْ َسا َن ِم ْن َعلَ ٍق *اقْ َرا َوَربُّ َ
غار حراء ،وتال عليه قوله تعاىل{ :اقْ را ِابس ِم ربِ ِ
ك الَّذي َخلَ َق َ
َ ْ َّ َ
*علَّ َم ا ِإلنْ َسا َن َما ََلْ يَ ْعلَ ْم} [العلق ]5 - 1 :بدأت العلوم املرتبطة ابلقرآن ابلظهور شيئاً فشيئاً .وقد ظل ِابلْ َقلَِم َ
الصحابة رضي هللا عنهم من زمن النيب صلى هللا عليه وسلم وبعده يتناقلون هذه العلوم املرتبطة ابلقرآن مشافهة؛
وعنهم أخذها التابعون ومن بعدهم حىت ظهر التدوين.
واحلديث عن تدوين علوم القرآن ال ميكن أن ينفك عن احلديث عن كتب التفسري يف مجيع مراحلها؛ ألن علم التفسري
من حيث هو بيان ملعاين كالم هللا جزء من علوم القرآن ،لكنه يتضمن مجلة من أنواع علوم القرآن ال يقوم التفسري إال
هبا ،ومن تلك األنواع :علم غريب القرآن ،وعلم الناسخ واملنسوخ ،وعلم أسباب النُّزول ،فهذه األنواع وغريها من ما
حيتاج إليه املفسر أحياانً؛ كاملكي واملدين وغريه مما ال ختلو منه كتب التفسري.
دوهنا السلف مصدر من مصادر علوم القرآن ،وهي جزء مرتبط بنشأة علوم القرآن ال ومن َمثَّ ،فإن كتب التفسري اليت َّ
ميكن إغفاله وجتنُّبه.
املرحلة األوىل :بذور هذا العلم منذ نشأته إىل هناية القرن الثاين (200ه )
كانت علوم القرآن يف هذه املرحلة تتمثل يف وجود رواايت شفاهية يتناقلها التابعون عن الصحابة ،وأتباع التابعني
عن التابعني ،وأتباع أتباع التابعني عن أتباع التابعني حىت يصل السند إىل قائله من هذه الطبقات الثالث.
نصيب يف هذه الفرتة ،فقد ُد ِّونت جمموعة من الكتب يف هذه املرحلة ،وكانت حتمل قدراً ال أبس به
ٌ وكان للتدوين
من أنواع علوم القرآن.
أوالً :رواايت التفسري وكتبه :وذلك إما أن تكون رواية لتفسري أحد أعالم املفسرين؛ كمجاهد بن جرب (ت104ه )
الذي كتب تفسري شيخه ابن عباس رضي هللا عنهما (ت68ه ) ،وإما أن تكون لعدد من املفسرين؛ كتفسري سفيان
الثوري (ت161ه ).
اثنياً :كتب مفردة يف نوع من أنواع علوم القرآن :وهي كثرية ج ّداً ،ومن هذه األنواع :املكي واملدين ،والناسخ واملنسوخ،
والوجوه والنظائر ،واآلايت املتشاهبات على احلفاظ ،ومشكل القرآن ،وأحكام القرآن ،ورسم املصحف ،ونقط
املصحف ،ومعاين القرآن ،وغريب القرآن ،وإعراب القرآن ،وعد اآلي ،والوقف واالبتداء ،والقراءات ،واألداء ،واملقطوع
واملوصول ،وغريها.
فقد كتب حتت عنوان (نزول القرآن) :الضحاك بن مزاحم (ت105ه ) ،وعكرمة (ت105ه ) ،واحلسن البصري
(ت110ه ) ( ،)1وغريهم.
وكتب حتت عنوان (الناسخ واملنسوخ) :قتادة (ت117ه ) ،والزهري (ت124ه ).
املرحلة الثانية :اجلمع اجلزئي لعلوم القرآن من القرن الثالث إىل ظهور كتاب «الربهان يف علوم القرآن» للزركشي
(ت794ه )
وتتميز هذه املرحلة ابستمرار الكتابة يف التفسري ،والكتابة يف نوع من أنواع علوم القرآن .وميكن التمثيل لبعضها:
فمن كتب التفسري« :جامع البيان عن أتويل آي القرآن» للطربي (ت310ه ) ،و «احملرر الوجيز» البن عطية
(ت542ه ) ،و «اجلامع ألحكام القرآن» للقرطيب (ت671ه ) ،و «البحر احمليط» أليب حيان (ت745ه ) ،و
«تفسري القرآن العظيم» البن كثري (ت774ه ) ،وغريها كثريٌ ج ّداً ج ّداً.
ومن كتب علوم القرآن املفردة« :فضائل القرآن» أليب عبيد القاسم بن سالم (ت224ه ) ،و «أتويل مشكل
القرآن» البن قتيبة (ت276ه ) ،و «أحكام القرآن» للطحاوي (ت321ه ) ،و «الناسخ واملنسوخ» أليب جعفر
النحاس (ت338ه ) ،و «التبيان يف إعراب القرآن» للعكربي (ت616ه ) ،والربهان يف ترتيب سور القرآن أليب
جعفر بن الزبري الغرانطي (ت708ه ) ،وغريها كثريٌ ج ّداً ج ّداً.
وهذه املرحلة متيَّزت مبيزتني من جهة كتابة علوم القرآن عما سبقها:
األوىل :وجود كتب التفسري اليت قصد مؤلفوها هبا أن تكون على ترتيب موضوعات علوم القرآن ،حيث رتَّب كتابه
نص على االعتناء
على املوضوعات :التفسري ،القراءات ،اإلعراب ،األحكام ...إخل .وبعضهم وإن َل يرتبها فإنه َّ
جبملة من علوم القرآن ،ومن هذه التفاسري:
- 1كتاب «االستغناء يف تفسري القرآن» ،حملمد بن علي بن أَحد ،املعروف ابأل ُْدفُوي (ت388ه ).
وقد قال يف مقدمة كتابه« :هذا كتاب ألَّفناه جيمع ضروابً من علوم القرآن ،من بني كالم غريب ،ومعىن مستغلق،
وإعراب مشكل ،وتفسري مروي ،وقراءة مأثورة ،وانسخ ومنسوخ ،وحمكم ومتشابه ،وأذكر فيه إن شاء هللا ما بلغين
أبني تصريف الكلمة واشتقاقها إن علمت ذلك من اختالف الناس يف القراءات ،وعدد اآلي ،والوقف والتمام ،و ِّ
وما فيه من حذف الختصا ٍر ،أو إطالة ٍ
إلفهام ،وما فيه تقدمي وأتخري .»...
- 2كتاب «الربهان يف تفسري القرآن» ،لعلي بن إبراهيم بن سعيد ،املعروف ابحلويف (ت430ه ).
- 3كتاب «اهلداية إىل بلوغ النهاية يف علم معاين القرآن وتفسريه وأحكامه ومجل من فنون علومه» ،ملكي بن أيب
طالب (ت437ه ).
الثانية :ظهور جمموعة من الكتب اليت مجعت أنواعاً من أنواع علوم القرآن ،ومن املطبوع من هذه الكتب:
« - 1فنون األفنان يف علوم القرآن» ،البن اجلوزي (ت597ه ).
« - 2مجال القراء ،وكمال اإلقراء» ،لعلم الدين السخاوي (ت643ه ).
« - 3املرشد الوجيز إىل علوم تتعلق ابلكتاب العزيز» ،أليب شامة املقدسي (ت665ه ).
الثالث :أنه اتسعت الكتابة وكثرت يف جمال كتب التفسري ،والكتب املفردة يف علوم القرآن ،لكن َل يصلنا كتاب
متكامل يقصد مجع كل علوم القرآن.
ٌ
املرحلة الثالثة :اجلمع الكلي من كتاب «الربهان» للزركشي (ت794ه ) إىل كتاب «اإلتقان» للسيوطي
(ت911ه )
يف هذه الفرتة اليت بني ظهور أول كتاب جيتهد يف مجع أنواع علوم القرآن ،وظهور كتاب السيوطي الذي صار عمدةً
يف كتب علوم القرآن جتد اآليت:
أوالً :ال زال التصنيف يف التفسري مستمراً ،ومن ذلك:
« - 1التقييد الكبري يف تفسري كتاب هللا اجمليد» ،ألَحد بن حممد البسيلي التونسي (ت830ه ) ،وقد طُبِع منه إىل
تفسري سورة آل عمران.
« - 2اجلواهر احلسان يف تفسري القرآن» ،للثعاليب اجلزائري (ت875ه ) ،وهو مطبوع.
« - 3نظم الدرر يف تناسب اآلايت والسور» لربهان الدين البقاعي (ت885ه ) ،وهو مطبوع.
اثنياً :ال زال التصنيف يف علوم القرآن املفردة مستمراً ،ومن ذلك:
« - 1العجاب يف بيان األسباب» ،البن حجر العسقالين (ت852ه ) ،وهو مطبوع.
« - 2مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور» لربهان الدين البقاعي (ت885ه ) ،وهو مطبوع.
« - 3كشف السرائر يف معاين الوجوه واألشباه والنظائر» البن العماد (ت887ه ) ،وهو مطبوع.
اثلثاً :ظهر بعض التصنيفات اليت تتسم ابجلمع اجلزئي ،ومن ذلك:
«التيسري يف قواعد علم التفسري» ،حملمد بن سليمان الكافِيَ ِجي (ت879ه ) ،وهو مطبوع.
رابعاً :ظهرت حماوالت أخرى غري ما ذهب إليه الزركشي للجمع الشمويل لعلوم القرآن ،ومن هذه:
« - 1مواقع العلوم من مواقع النجوم» للبلقيين (ت824ه ).
« - 2الفوائد اجلميلة على اآلايت اجلليلة» ،أليب علي احلسني بن علي الرجراجي (ت899ه ) ،وهو مطبوع.
« - 3التحبري يف علوم التفسري» ،للسيوطي (ت911ه ) ،وقد بىن كتابه على كتاب البلقيين (ت824ه ) ،حيث
قال ...« :فصنفت يف ذلك كتاابً مسيته التحبري يف علوم التفسري ضمنته ما ذكر البلقيين من األنواع مع زايدة مثلها
وأضفت إليه فوائد مسحت القرحية بنقلها».
/2كلمة (التفسري) غري كلمة (القرآن) ،لذا فأصول التفسري ليست هي علوم القرآن .والتفسري جزءٌ من علوم القرآن،
بل هو أكرب علومه .وقد تكون بعض العلوم مشرتكة بني التفسري وعلوم القرآن ،وهذا أمر معتاد ،فكل ما هو من
علوم التفسري ،فهو من علوم القرآن قطعاً ،مثل :غريب القرآن ،وأسباب النزول ...اخل.
درس يف األصول غالباً ما متثِّل شكل القاعدة اليت يندرج
أخص من علوم التفسري ،واملسائل اليت تُ ُ
/3أصول التفسري ُّ
حتتها أمثلة متعددة ،وتكون من مبادئ هذا العلم ،ويغلب عليها اجلانب التطبيقي ،ومن عرفها فإنه يسهل عليه ممارسة
علم التفسري.
وأصول التفسري تشتمل على املبادئ واألسس اليت حيتاج إليها من يريد قراءة التفسري أو من يريد التفسري؛ ليعرف هبا
القول الصواب من اخلطأ.
خالصة القول :إن كانت املعلومة ال أثر هلا يف فهم املعىن ،فهي من علوم القرآن وليست من علوم التفسري؛ كمعرفة
فضائل سورة اإلخالص ،فإهنا من علوم القرآن لكن معرفتها أو جهلها ال يؤثر يف فهم املعىن.
وإن كانت املعلومة تؤثر يف فهم املعىن؛ كمعرفة غريب األلفاظ ،فهذا من علوم التفسري ،ومن علوم القرآن من ابب
أوىل.
وإن كانت املعلومة متثِّل أصالً أو أساساً يُرجع إليه ملعرفة التفسري من حيث الصحة والبطالن ،ومن حيث توجيه أقوال
املفسرين ،فإهنا تكون من أصول التفسري ،ومن ابب أوىل أن تكون من علوم التفسري ،فعلوم القرآن.
كيفية الوحي:
الوحي من أمور الغيب اليت خيتص هبا النيب املرسل ،لذا فإن االجتهاد يف تقريب صورة الوحي إىل األذهان أبمر من
األمور احملسوسة غري دقيق.
النُّزول السنوي :هذا النوع من النُّزول مما َل يُشر إليه من َكتب يف تنَزالت القرآن ،وقد أشار إليه مقاتل بن سليمان
(ت150ه ) يف تفسريه لقوله تعاىل{ :إِ َّان أَنْ َزلْنَاهُ ِيف لَْي لَ ِة الْ َق ْد ِر} [القدر ،]1 :قال« :قوله{ :إِ َّان أَنْ َزلْنَاهُ} يعين
عز وجل من اللوح احملفوظ إىل مساء الدنيا ،إىل السفرة وهم الكتبة من املالئكة وكان يْنزل تلك القرآن؛ أنزله هللا ّ
الليلة من الوحي على قدر ما يْنزل به جربيل عليه السالم على النيب صلّى هللا عليه وسلّم يف السنة كلها إىل مثلها من
قابل ،حىت نزل القرآن كله يف ليلة القدر من شهر رمضان من السماء».
أن هللا يق ِّدر يف ليلة القدر مقادير السنة اآلتية ،ويُْنزهلا إىل الكتبة من املالئكة.
وهذا املعىن موافق ملا قيل من َّ
كيفية إنزاله:
ورد احلديث ببيان كيفية مساع الوحي يف السماء عن أيب هريرة رضي هللا عنه ،قال :إن نيب هللا صلّى هللا عليه وسلّم
قال « :إذا قضى هللا األمر يف السماء ضربت املالئكة أبجنحتها خضعاان لقوله؛ كأنه سلسلة على صفوان ،فإذا فزع
عن قلوهبم قالوا :ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال :احلق وهو العلي الكبري» ( )2احلديث.
وقال مسروق عن ابن مسعود رضي هللا عنه« :إذا تكلم هللا ابلوحي مسع أهل السموات شيئاً فإذا فزع عن قلوهبم
وسكن الصوت عرفوا أنه احلق واندوا :ماذا قال ربكم قالوا احلق».
والقرآن من الوحي الذي يسمعه جربيل عليه السالم من ربه مباشرة بال واسطة ،ويْنزل به على حممد صلّى هللا عليه
ك لِتَ ُكو َن ِمن الْمْن ِذ ِر ِِ ٍ
*علَى قَ ْلبِ َ ِ وسلّم ،وال شأن لغريمها به ،كما قال تعاىل{ :نََزَل بِِه ُّ
ين *بل َسان َعَرٍِّ
يب َ ُ َ ني َ
وح األَم ُ
الر ُ
ني} [الشعراء.]195 - 193 : ُمبِ ٍ
املكي واملدين:
/1حرص الصحابة رضي هللا عنهم والتابعون رَحهم هللا على العناية مبكان نزول اآلايت .ألن ذلك يسهم يف معرفة
معانيها ،ويدل على زايدة االهتمام ابلقرآن ....اخل
عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال« :والذي ال إله غريه ما أنزلت سورة من كتاب هللا إال وأان أعلم أين نزلت ،وال
أنزلت آية من كتاب هللا إال وأان أعلم فيمن أنزلت ،ولو أعلم أحداً أعلم مين بكتاب هللا تبلغه اإلبل لركبت إليه»
الضابط يف التفريق بني املكي واملدين:
/1ورد اعتبار املكان :فاملكي ما نزل مبكة واملدين ما نزل ابملدينة.
/2ورد اعتبار الزمان :فاملكي ما نزل قبل اهلجرة واملدين ما نزل بعدها.
قال حيىي بن سالم البصري (ت200ه ) قال ...« :وإن ما نزل مبكة وما نزل يف طريق املدينة قبل أن يبلغ النيب عليه
السالم املدينة فهو من املكي .وما نزل على النيب عليه السالم يف أسفاره بعدما قدم املدينة فهو من املدين».
/2كل شيء نزل من القرآن فيه ذكر األمم والقرون؛ فإمنا نزل مبكة .وما كان من الفرائض والسنن؛ فإمنا نزل ابملدينة.
أغليب أيضاً؛ ألنه ورد يف القرآن املدين شيءٌ من ذكر األمم والقرون كقصة آدم وإبليس وقصة موسى وهذا الضابط ٌّ
يف سورة البقرة املدنية ،لكنه يف القرآن املكي أكثر.
كما أنه من جهة الفرائض والسنن أغليب كذلك؛ ألن بعض األحكام قد فُ ِرضت مبكة ،لكن أكثر األحكام وتفاصيلها
إمنا نزلت ابملدينة.
هتج فهي مكية ،سوى البقرة وآل عمران والرعد ،ويف سورة الرعد خالف. - 3كل سورة ورد يف أوهلا أحرف ٍ
- 4كل سورة ورد فيها لفظ (كال) ،فهي مكية ،وَل يرد هذا اللفظ إال يف النصف الثاين من سور القرآن.
- 5كل سورة فيها ذكر املنافقني فهي مدنية؛ ألن النفاق َل يظهر إال يف املدينة.
- 6كل سورة فيها سجدة فهي مكية.
- 7كل سورة نزل فيها جدال ألهل الكتاب وذكر ألحواهلم وخمازيهم فهي مدنية.
أسباب النزول:
تعرف أسباب النُّزول أبهنا :كل قول أو فعل أو سؤ ٍال ممن عاصروا التْنزيل نزل بشأنه قرآن.
ونزول القرآن ال خيرج عن قسمني:
األول :أن ال يكون له سبب مباشر ،بل يْنزل حسب احلاجة واملصلحة.
الثاين :أن يقع حدث فيْنزل قرآن بشأنه ،وهذا هو املراد أبسباب النُّزول.
يتأخر؛ كحادثة اإلفك.
وال يلزم أن يكون النُّزول عقب احلدث مباشرة ،فقد َّ
يصح أن يكون النُّزول قبل احلدث ،فهذا ال يدخل يف أسباب النُّزول ،بل يدخل يف اإلخبار عن املغيبات.
لكن ال ُّ
/1أشهر الصيغ يف أسباب النُّزول هي العبارة اليت أتيت بعد فاء السببية (فنَزلت ،أو فأنزل هللا)،
/2مث بعدها عبارة (نزلت يف كذا ،أُنزلت يف كذا).
ألن عبارة (فأنزل هللا ،فنَزلت) أ َْد َخ ُل يف السببية من عبارة (نزلت يف كذا ،أُنزلت يف كذا)؛ إذ غالب ما يرد هبذه الصيغة
يدخل يف سبب النُّزول املباشر ،خبالف عبارة (نزلت يف كذا ،أُنزلت يف كذا).
وقد ترد هااتن الصيغتان ويراد هبما دخول احلادثة يف معىن اآلية وتفسريها.
اب ُس َّج ًدا َوقُولُوا ِحطَّةٌ} [البقرة ،]58 :عن أيب الكنود عن عبد {و ْاد ُخلُوا الْبَ َ
مثال /1روى الطربي يف قوله تعاىلَ :
ين ظَلَ ُموا قَ ْوالً َغ ْ َري هللا{« :وادخلُوا الْباب س َّج ًدا وقُولُوا ِحطَّةٌ} قالوا :حنطة َحراء فيها شعرية فأنزل هللا{ :فَبد َ َّ ِ
َّل الذ َ َ َُْ َ َ ُ َ
يل َهلُْم}». الَّ ِذي قِ
َ
مثال /2عن الرباء بن عازب رضي هللا عنه« :أن رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم صلى إىل بيت املقدس ستة عشر
شهراً أو سبعة عشر شهراً ،وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَ َل البيت ،وأنه صلى أو صالها صالة العصر ،وصلى معه
قوم ،فخرج رجل ممن كان صلى معه ،فمر على أهل املسجد وهم راكعون ،قال :أشهد ابهلل لقد صليت مع النيب
صلّى هللا عليه وسلّم قِبَ َل مكة ،فَ َداروا كما هم قبل البيت ،وكان الذي مات على القبلة قبل أن ُحتَ َّوَل قِبَ َل البيت ٌ
رجال
وف َرِح ٌيم} [البقرة.»]143 : يع إِميَانَ ُك ْم إِ ْن َّ
اَّللَ ِابلن ِ
َّاس لََرُؤ ٌ قتلوا َل ندر ما نقول فيهم ،فأنزل هللا{ :وما َكا َن َّ ِ ِ
اَّللُ ليُض َ ََ
مثال /3عن هشام بن عروة ،قال :قال عروة« :كان الناس يطوفون يف اجلاهلية عراة إال احلُ ْمس واحلمس قريش وما
ولدت وكانت احلمس حيتسبون على الناس يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها ،وتعطي املرأة املرأة الثياب تطوف
فيها فمن َل يعطه احلمس طاف ابلبيت عرايانً وكان يفيض مجاعة الناس من عرفات ويفيض احلمس من مجع.
قال :وأخربين أيب عن عائشة رضي هللا عنها أن هذه اآلية نزلت يف احلمسِ ُ :
َّاس}
اض الن ُ يضوا ِم ْن َحْي ُ
ث أَفَ َ {مثَّ أَف ُ
[البقرة .]199 :قال كانوا يفيضون من مجع فدفعوا إىل عرفات).
يضا أَو بِِه أَذى ِمن ر ِاس ِه فَِف ْديةٌ ِمن ِصي ٍام أَو ص َدقٍَة أَو نُس ٍ ِ
ك} [البقرة: َ ْ َ ْ َ ْ ُ ً ْ َ مثال /4قوله تعاىل{ :فَ َم ْن َكا َن مْن ُك ْم َم ِر ً ْ
يف
]196عن عبد هللا بن معقل قال« :جلست إىل كعب بن عجرة رضي هللا عنه فسألته عن الفدية ،فقال :نزلت َّ
ت إىل رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم والقمل يتناثر على وجهي فقال« :ما كنت أرى ِ
خاصة ،وهي لكم عامة؛ َُح ْل ُ
الوجع بلغ بك ما أرى ،أو ما كنت أرى اجلهد بلغ بك ما أرى؛ جتد شاة؟» .فقلت :ال.
فقال« :فصم ثالثة أايم ،أو أطعم ستة مساكني لكل مسكني نصف صاع».
احلَيَاةِ الدُّنْيَا َوِيف اَّلل الَّ ِذين آمنُوا ِابلْ َقوِل الثَّابِ ِ
ت ِيف ْ ْ ت َُّ َ َ مثال /5عن الرباء بن عازب رضي هللا عنه يف قوله تعاىل{ :يُثَبِّ ُ
اآلخَرِة} [إبراهيم ،]27 :قال« :نزلت يف عذاب القرب».ِ
مثال /6قوله عز وجل{ :وإِ ِن امرأَةٌ خافَ ِ ِ
اضا} [النساء ]128 :عن عائشة قالت« :نزلت ت م ْن بَ ْعل َها نُ ُش ًوزا أ َْو إِ ْعَر ً
َ َْ َ ْ ّ
يف املرأة تكون عند الرجل ،فَلَ َعلَّهُ أن ال يستكثر منها ،وتكون هلا صحبة وولد ،فتكره أن يفارقها ،فتقول له :أنت يف
حل من شأين».
اجلمع يف السطور
مر اجلمع يف السطور مبراحل متعددة ،وقد قسمها العلماء إىل ثالث مراحل: َّ
املرحلة األوىل :يف عهد النيب صلّى هللا عليه وسلّم.
املرحلة الثانية :يف عهد أيب بكر رضي هللا عنه.
املرحلة الثالثة :يف عهد عثمان رضي هللا عنه.
املرحلة األوىل :كتابة القرآن يف زمن النيب صلى هللا عليه وسلم:
أ /الكتابة يف العهد املكي:
ظاهر بتدوين القرآن؛ إذ َل يرد سوى آاث ٍر
يظهر أنه ملا كان الرسول صلّى هللا عليه وسلّم يف مكة َل يكن هناك اعتناءٌ ٌ
ضعيفة ميكن االستئناس هبا فقط؛ كأثر إسالم عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه ،وأخذه الصحيفة اليت ُكتب هبا أول
سورة طه.
كتاب الوحي:
ِ
خصهم بذلك
َّاب معروفون يدعوهم لكتابة ما يْنزل من القرآن ،وكان من أ ّ
قد كان له صلى هللا عليه وسلم يف املدينة كت ٌ
زيد بن اثبت األنصاري رضي هللا عنه.
وسائل الكتابة:
وقد أخرب زيد ببعض وسائل الكتابة اليت كانت يف عصر الرسول صلّى هللا عليه وسلّم ،ففي احلديث الذي ذكره
ب و ِّ
الرقاع البخاري وغريه يف مجع أيب بكر رضي هللا عنه إشارة إىل ذلك ،فقال« :فتتبعت القرآن أمجعه من العُس ِ
ُ
واللِّ َخاف».
مصحف و ٍ
احد يف عهد النيب صلّى هللا عليه وسلّم ،بل كان متفرقاً ،يف ٍ أن القرآن َل يكن جمموعاً يف وهذا ُّ
يدل على َّ
مثل هذه األدوات اليت ذكرها زي ٌد رضي هللا عنه.
احد كامالً يف عهد رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم؟ ملاذا َل يكتب القرآن يف مصحف و ٍ
ُ
مصحف و ٍ
احد ،وهذا ما يشهد له ٍ لقد كان من قدر هللا أن يتو ََّّف نبيه صلّى هللا عليه وسلّم ،وأن ال جيمع القرآن يف
الواقع التارخيي لكتابة القرآن يف عهد النيب صلّى هللا عليه وسلّم ،والبحث عن العلل يف ذلك ضرب من االجتهاد
ض ،ومما ذُكر من األسباب: الذي حيتمل الصواب واخلطأ؛ ألن كل تعليل ميكن أن يُنت َق َ
- 1أن احلاجة َل تدع إىل ذلك ،وَل يقع ما يوجب العمل هبذا الضبط الكتايب اجملموع للقرآن الكرمي ،بداللة أنه لو
كان مما حتتاج إليه األمة آنذاك لوجب العمل فيه؛ إذ ال جيوز ترك ما األمة حباجة إليه.
وإذا أتملت واقع األمة آنذاك ،وعلِمت أن األمية هي الغالبة عليها ،وأن الكتبة ابلنسبة لغريهم قليل = ظهر لك عدم
وجود احلاجة للكتابة يف أمة تعتمد على احلفظ يف ضبط توارخيها وأايمها وأخبارها ،وغري ذلك ،هذا فضالً عما وقع
من تيسري هللا حلفظه يف الصدور.
استقر ،أما احلال ابلنسبة للوحي فلم يكن كذلك ،إذ قد يْنزل - 2أن الكتابة يف املصحف تصلح ٍ
لشيء قد انتهى و َّ
جزء من السورة ،مث يْنزل اجلزء اآلخر منها فيما بعد ،فيُلحق هبا ،كما أنه قد ينسخ بعض النازل ،فال يقرأ به ،فلو كان
لتعسر ذلك األمر من جهة اإلضافة واإلزالة ،خبالف احلال اليت هو عليها من كتابته متفرقاً ،وحفظهم
جمموعاً يف كتاب َّ
له يف صدورهم.
السور:
أمساء ُّ
املقصود من التسمية متييز املسمى عمن يشاهبه
ويظهر أن تسمية السور كان قدمياً ج ّداً ،حيث كان مع بداايت النُّزول ،فالتسمية كانت مكية املنشأ؛ ألن الصحابة
املكيني قد رووا أحاديث كثرية فيها أمساء للسور ،ومن ذلك حديث جعفر الطيار رضي هللا عنه مع النجاشي ملك
احلبشة ،حيث قرأ عليه سورة مرمي.
وثبت عن النيب صلّى هللا عليه وسلّم ،تسمية بعض السور ،ومن أمثلته :قول رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم« :اقرؤوا
سورة البقرة ،فإن أخذها بركة ،وتركها حسرة ،وال يستطيعها البطلة» رواه مسلم.
وثبت عن الصحابة رضي هللا عنهم تسمية بعض السور ومن أمثلته :عن سعيد بن جبري قال« :قلت البن عباس
رضي هللا عنهما :سورة احلشر .قال :قل :سورة بين النضري».
وثبت كذلك تسمية بعض السور عن من دون الصحابة ،وغالب تسمياهتم أتيت حكاية لبداية السورة؛ كقوهلم :سورة
(أرأيت) ،سورة (َل يكن) ،وهكذا.
وحيث إنه َل يرد النهي عن تسمية السور أبمساء ُّ
تدل عليها ،وعلى هذا مضى السلف واخللف ،فقد توسعوا يف أمساء
السور حىت صارت السورة تسمى حبكاية أوهلا ،وتعددت األمساء للسورة الواحدة.
ومما ينبغي أن يعلم أن تسمية السورة هلا عالقة بشيء مذكور يف السورة؛ إما موضوعها كسورة (التوبة)؛ لورود توبة هللا
على النيب صلى هللا عليه وسلم وعلى الثالثة الذين خلفوا ،أو تسمى بلفظ ورد فيها كسورة (التوبة) مسيت (براءة)؛
لورود اللفظ فيها.
أو تسمى حبكاية أوهلا كامال مثل :سورة (قل هو هللا أحد) ،أو يشتق هلا اسم من مطلعها ،كسورة (الزلزلة).
فائدة :بعض السور تتعدد أمساؤها وهذا يدل على أن كل اسم فيها حيمل من الصفة ما ال حيمله االسم اآلخر ،وهذا
هو سبب تعدد املسميات للشيء الواحد ،وهللا أعلم.
ومن جوانب التدبر :معرفة العالقة بني اسم السورة وموضوعاهتا ،لكن جيب احلذر من التكلف.
عدد آي السور
اك َسْب ًعا ِم َن الْ َمثَ ِاين
{ولََق ْد آتَ ْي نَ َ
ميكن القول أبن هذا النوع من أنواع علوم القرآن قد أشار إليه القرآن ،يف قوله تعاىلَ :
َوالْ ُق ْرآ َن الْ َع ِظ َيم} [احلجر ،]87 :فقد أخرج البخاري بسنده عن أيب سعيد بن املعلى رضي هللا عنه قال :قال رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم :أال أعلمك أعظم سورة يف القرآن قبل أن أخرج من املسجد ،فذهب النيب صلّى هللا عليه
ِ فذكرته ،فقالِ ِ ْ :
ني} هي السبع املثاين والقرآن العظيم الذي أوتيته». {احلَ ْم ُد ََّّلل َر ِّ
ب الْ َعالَم َ وسلّم ليخرج من املسجدَّ ،
سبع.
فقوله :هي السبع؛ ألن آايهتا ٌ
وقوله :املثاين؛ ألهنا تُ َّثىن (أي :تكرر) يف كل ركعة.
ويف السنة النبوية ما رواه مسلم عن أيب الدرداء رضي هللا عنه أن النيب صلّى هللا عليه وسلّم قال« :من حفظ عشر
آايت من أول سورة الكهف عصم من الدجال».
عن أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب صلّى هللا عليه وسلّم قال« :إن سورة من القرآن ثالثني آية شفعت لرجل حىت
غفر له ،وهي تبارك الذي بيده امللك».
وكانوا يعتمدون على عدد اآلي يف حساب بعض أمورهم املتعلقة ابلصالة ،ومن ذلك ما أورده مسلم بسنده عن أيب
سعيد اخلدري رضي هللا عنه« :أن النيب صلّى هللا عليه وسلّم كان يقرأ يف صالة الظهر يف الركعتني األوليني يف كل
ركعة قدر ثالثني آية ،ويف األخريني قدر مخس عشرة آية ،أو قال نصف ذلك ،ويف العصر يف الركعتني األوليني يف كل
ركعة قدر قراءة مخس عشرة آية ،ويف األخريني قدر نصف ذلك».
وهذه اآلاثر تدل على أن هلذا العلم أصالً يف سنة النيب صلّى هللا عليه وسلّم.
االختالف يف ِّ
عد اآلي:
ألحد أن خيرتع موقِفاً جيعله
إن األصل يف هذا العلم النقل ،بل هو توقيف من الرسول صلّى هللا عليه وسلّم ،وال ميكن ٍ َّ
رأس آية.
فإن قلت :أال يوجد اختالف بني العلماء يف ع ِّد اآلي؟.
فاجلواب :نعم .ولكن هذا االختالف هو يف موضع رأس اآلية ،وليس يف زايدةِ آية أو نقصها ،فجملة ما نزل به القرآن
مقبول؛ ألنه ال أثر له يف أصل القرآن ،وإمنا حمتمل ٌ هني ،واخلالف فيه ٌ َل يقع فيه خالف .وإذا كان األمر كذلك فهو ِّ ٌ
سيقع أثره يف بعض املعلومات املتعلقة به ،ومنها:
أوالً :أن الوقف على رأس اآلية سنة عند بعض العلماء ،ومعرفة مكانه يعني على تطبيق هذه السنة ،وابختالف الع ِّد
خيتلف موطن الوقف على رأس اآلية.
إن الوقف على رأس اآلية ولو كان ما بعدها متعلقاً هبا من جهة املعىن اثنياً :أن هلا تعلُّقاً ببالغة القرآن ،حيث َّ
فإن من يقف على رؤوس اآلي اليت تتعلق مبا بعدها ،فإنه مقص ٌد من مقاصد املتكلِّم ،وإال فما فائدة رأس اآلية ،لذا َّ
يستجلب ذهنك للتفكري والتدبر يف هذه اجلملة.
السالَ ِس ُلف يَ ْعلَ ُمو َن *إِ ِذ األَ ْغالَ ُل ِيف أ َْعنَاقِ ِه ْم َو َّ
اب َوِمبَا أ َْر َس ْلنَا بِِه ُر ُسلَنَا فَ َس ْو َمثال :قوله تعاىل{ :الَّ ِذين َك َّذبوا ِابلْ ِكتَ ِ
َ ُ
ضلُّوا َعنَّا بَ ْل ََلْ نَ ُك ْن *من د ِ ِ ِ احل ِمي ِم ُمثَّ ِيف النَّا ِر يسجرو َن ُ ِ يُ ْس َحبُو َن ِ
ون ا ََّّلل قَالُوا َ يل َهلُْم أَيْ َن َما ُكْن تُ ْم تُ ْش ِرُكو َن ْ ُ *مثَّ ق َ ُ ْ َُ *يف َْ
احلَِّق َوِمبَا ُكْن تُ ْم متََْر ُحو َن} [غافر: ين * َذلِ ُك ْم ِمبَا ُكْن تُ ْم تَ ْفَر ُحو َن ِيف األ َْر ِ
ض بِغَ ِْري ْ ض ُّل َّ ِ
اَّللُ الْ َكاف ِر َ
كي ِ ِ ِ
نَ ْدعُوا م ْن قَ ْب ُل َشْي ئًا َك َذل َ ُ
.]75 - 70
فضائل السور:
أقل من السور اليت َل يرد فيها فضائل.
السور اليت ورد فيها فضائل ُّ
أن َ املالحظ َّ
وهذا املبحث توقيفي ،وال يصلح فيه االجتهاد؛ إذ ال ميكن ألحد أن خيرتع حديثا ليبني فضل آية أو سورة من القرآن.
وقد اشتهر ابلكذب يف هذا الباب نوح بن أيب مرمي املعروف بنوح اجلامع (ت173ه ) ،حيث قال :إين رأيت الناس
قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أيب حنيفة ومغازي ابن إسحاق فوضعت هذا احلديث حسبة.
وكذلك ميسرة بن عبد ربه ،قال ابن مهدي« :قلت مليسرة بن عبد ربه :من أين جئت هبذه األحاديث (من قرأ كذا
فله كذا)؟ .قال :وضعتها أر ِّغب الناس فيها».
فضائل السور املشروعة ،إما أن تكون ببيان الفضل ،أو ختصيصها ابلقراءة يف صلوات وأحوال معينة ،أو يكون ممن
ترتب هلا أثر حسي أو معنوي مثل سورة الفاحتة.
ترتيب السور:
َل يقع خالف بني األمة يف أن ترتيب اآلايت كان بتوقيف من النيب صلّى هللا عليه وسلّم ،إذ كان يقرؤه على الصحابة
خالف يف ترتيب آية من اآلايت.
َ ليل هنار ،وَل يُسمع من أحدهم أنه
أما مسألة ترتيب السور فقد وقع فيها خالف؛ هل كان بتوقيف من النيب صلّى هللا عليه وسلّم أم ابجتهاد من
الصحابة؟ وبعض العلماء جيعل اخلالف على ثالثة أقوال:
األول :أنه بتوقيف من النيب صلّى هللا عليه وسلّم.
الثاين :أن الرتتيب ابجتهاد الصحابة.
الثالث :من يرى أن بعضه توقيفي وبعضه اجتهادي.
يرتجح وهللا أعلم القول األول ألموٍر؛ منها:
والذي َّ
/1أنه قد ثبت يف أحاديث عديدة ذكر سور القرآن املتوالية حسب ترتيب املصحف( .اقرؤوا الزهراوين :البقرة وسورة
آل عمران).
/2ورد عن ابن مسعود رضي هللا عنه ،قال« :بين إسرائيل (اإلسراء) والكهف ومرمي وطه واألنبياء هن من العتاق
األول ،وهن من تالدي».
بقي؛ إذ يبعد أن يرتب الرسول صلّى هللا ووجه الداللة منهما :أن فيما ثبت من ترتيب بعض السور داللة على ما َ
عليه وسلّم بعضها ويرتك بعضاً بال سبب واضح.
/3عن عبد هللا بن أوس بن حذيفة الثقفي عن جده أوس قال :وكان رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم أيتينا فيحدثنا
بعد العشاء اآلخرة ...فاحتبس عنا ليلة عن الوقت الذي كان أيتينا فيه ،مث أاتان ...فقال رسول هللا صلّى هللا عليه
علي ِحزيب من القرآن فأحببت أن ال أخرج حىت أقرأه ،أو قال أقضيه» .قال« :فلما أصبحنا سألنا وسلّم« :إنه طرأ َّ
أصحاب رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم عن أحزاب القرآن كيف حتزبونه فقالوا :ثالث ،ومخس ،وسبع ،وتسع،
وإحدى عشرة ،وثالث عشرة وحزب املفصل».
/4أن تقسيم سور القرآن إىل طوال ومئني ومثاين واملفصل اثبت عند الصحابة ابلنقل عن رسول هللا صلّى هللا عليه
وسلّم ،واآلاثر يف ذلك كثرية ،ومنها ما رواه اإلمام أَحد بسنده عن واثلة بن األسقع رضي هللا عنه أن النيب صلّى هللا
عليه وسلّم قال« :أعطيت مكان التوراة السبع وأعطيت مكان الزبور املئني وأعطيت مكان اإلجنيل املثاين وفضلت
ابملفصل».
فإذا كان هذا التقسيم اجلملي موجوداً معروفاً بينهم ،منقوالً عن النيب صلّى هللا عليه وسلّم ،فما املانع من أن يكون ما
فيه من السور مرتباً كذلك بفعل النيب صلّى هللا عليه وسلّم.
َ /5ج ْع ُل احلواميم والطواسني والءً خبالف املسبحات ،واملبدوءات ب (أَل) حيث َل جتعل متتالية.
/6عدم ترتيبه على النُّزول ،حبيث يقدم املكي على املدين؛ يدل على وجود ترتيب آخر ،وهو الرتتيب التوقيفي من
النيب صلى هللا عليه وسلم.
وأما ماورد من حديث حذيفة رضي هللا عنه قال أن النيب صلّى هللا عليه وسلّم قرأ البقرة مث النساء مث آل عمران ،ال
مير آبية ختويف إال وقف عندها» .فإنه يدل على جواز القراءة يف الصالة على خالف ترتيب املصحف.
وإذا كان القائلون أبن الرتتيب اجتهادي ال خيالفون يف أن شيئاً منه كان مرتباً حسب ترتيب النيب صلّى هللا عليه
وسلّم ،فإنه ميكن أن يُستدل ابتفاقهم على وجود الرتتيب يف بعض السور أبنه أصل ٌّ
دال على ترتيب البقية ،وأنه من
عند رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم.
والذي يظهر من أمر القرآن أن األصل فيه النقل يف كل أموره ،يف ترتيب سوره وآايته وأمساء سوره وآايته وفضائل سوره
وآايته ،ليس ألحد يف هذه األمور اجتهاد ،وإمنا ظهر االجتهاد فيما بعد فيما يتعلق برمسه ،وضبطه ،وزخرفته ووضع
أمساء سوره ،وترقيم آايته ،ووضع رموز وقوفه إىل غري ذلك مما أدخله العلماء ،وتُلقي ابلقبول.