You are on page 1of 96

‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫أوال ‪ :‬مفهوم الحداثة ‪:‬‬


‫قبل الحديث عن مفاهيم الحداثة وأصولها‪ ،‬ال بأس أن نعرض باختصار أهم‬
‫الدالالت المعجمية لهذا اللفظ‪ ،‬المصطلح الحداثة لذا البد لنا من تحديدها ‪.‬‬
‫أ‪ .‬لغة ‪:‬‬
‫جاء في معجم لسان العرب الحديث َََنقيض القديم‪ ،‬والحدوث َنقيضه القد َمة‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫حدثَه"‬
‫وحديث‪ ،‬وكذلك استَ َ‬
‫وحداثة‪ ،‬وأَحدثَه هو‪ ،‬فهو مح َدث َ‬
‫ث الشيء ي َحدث حدوثا َ‬
‫َح َد َ‬
‫‪ ،‬وقد استخدمت العرب حدث مقابل قَد َم أي ما يعنى أن الحداثة تعني الحدة والحديث‬
‫يعني الجديد ‪.‬‬
‫كذلك وردت كلمة الحداثة في القرآن الكريم في عدة صيغ أهمها ‪ :‬حدث ‪ ،‬يحدث‪،‬‬
‫محدث‪ ،‬تحدث ‪ ،‬واآليات التي ورد فيها هذه الكلمات هي ‪:‬‬
‫ك ِمْنهُ ِذ ْكًرا ﴾ {سورة الكهف ‪ :‬اآلية ‪}96‬‬ ‫ال فَِإ ِن اتَّب عت ِِن فَ ََل تَسأَلِِْن عن شي ٍء ح ََّّت أ ِ‬
‫قال تعالى‪ ﴿:‬قَ َ‬
‫ث لَ َ‬
‫ُحد َ‬
‫ْ َ َْ َ ْ‬ ‫َ َْ‬
‫أي حتى أوجد لك منه ذك ار وتذك ار ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ك أ َْمًرا ﴾ {سورة الطالق ‪ :‬اآلية ‪ }1‬أي يوجد محدث ‪.‬‬ ‫ِ‬


‫ث بَ ْع َد َذل َ‬
‫ِ‬
‫وفي قوله ‪ ... ﴿ :‬لَ َع َّل اللَّ َه ُُْيد ُ‬
‫}‬ ‫ن ﴾ { سورة األنبياء ‪ :‬اآلية‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪2‬‬ ‫وقوله ‪َ ﴿ :‬ما يَأْتي ِهم ِّمن ذ ْك ٍر ِّمن َّرِِّّبم حُّْم َدث إََِّّل ْ‬
‫استَ َمعُوهُ َوُه ْم يَْل َعبُو َ‬
‫ث َك َذا وبكذا تَحديث ‪ ،‬خبر ‪ ،‬خبر ونبأ جديد ‪.‬‬ ‫َح َد َ‬
‫ٍ‬
‫سورة الزلزلة ‪ :‬اآلية ‪.} 5-4‬‬ ‫ك أ َْو َحى ََلَا ﴾ {‬ ‫َخبَ َارَها * بِأ َّ‬
‫َن َربَّ َ‬ ‫تحدث ‪ ،‬يقول تعالى ‪ ﴿ :‬يَ ْوَمئِذ ُُتَد ُ‬
‫ِّث أ ْ‬
‫أي تعلن أخبارها وأبناءها ‪.‬‬

‫ث)‪.‬‬
‫(ح َد َ‬
‫‪ 1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪، 1‬مادة َ‬
‫‪5‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫ففي معجم العين الذي يعتبر أول معجم ظهر في القرن الثاني للهجرة فيقال ‪:‬‬
‫ث وشابة َح َدثت في السن‪،‬‬
‫صار فالنا أحدوثة ‪ ،‬أي كثروا فيه األحاديث ‪َ ،‬شاب َحد َ‬
‫الجديد من‬
‫الحديث ‪َ :‬‬
‫الحديث نفسه‪ ،‬و َ‬
‫والحدث من احداث الدهر شبه النازلة‪ ،‬واألحدوثة ‪َ :‬‬
‫الحدث اإلبداء (‪. )1‬‬
‫األشياء ‪ ،‬و َ‬
‫وفي القرن نفسه وضع محمد بن أحمد األزهري معجمه " تهذيب اللغة "‪ " ،‬قال‬
‫اإلحياني رجل حدث وحدث إذا كان حسن الحديث‪ ،‬ويقال أحدث الرجل سيفه وحادثه إذا‬
‫(‪. )2‬‬
‫اجاله "‬
‫نالحظ أن معنى الحداثة في المعجمين لم يخرج عن معنى الجديد‪ ،‬ونبذ القديم ‪،‬‬
‫وفي معنى آخر للحداثة ‪ :‬حدثَان الشيء‪ ،‬بالكسرة أوله وهو مصدر حدث يحدث حدوثا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وحدثانا‬
‫كما ورد في معجم الوسيط لمجمع اللغة العربية مادة َح َدث ‪ " :‬الحدثَان ‪ ،‬يقال‬
‫َح َدثَان ال َشَباب وحدثَان األمر ‪ ،‬أوله وابتداؤه " (‪ )4‬استخدم هذا المعنى بكثرة كناية عن سن‬
‫الشباب وأول العمر‪ ،‬يقال فالن في َح َداثَة سنه أي في مرحلة شبابه‪ ،‬وتقول العرب ‪" :‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ورجال اح َداث السن وحدثَانها وح َدثَاؤ َها ‪..‬ويقال ‪ " :‬هؤالء قوم حدثَان ‪َ ،‬جمع َح َدث "‬
‫فالح َداثة " سن الشباب " (‪. )6‬‬
‫َ‬

‫‪ 1‬الخليل بن أحمد الفراهيدي ‪ ،‬كتاب العين‪ ،‬تح‪ :‬مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي‪،‬دار الرشيد‪،‬د‪.‬ط‪ ،1662،‬ص‪.111‬‬
‫‪ 2‬محمد بن أحمد األزهري‪ :‬تهذيب اللغة‪ ،‬مطابع سجل العرب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪.‬ط ‪،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪(.405،409‬مادة ح د ث)‬
‫‪ 3‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب ‪( ،‬مادة ح د ث) ‪.‬‬
‫ث )‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫(ح َد َ‬
‫‪ 4‬شوقي ضيف وآخرون‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬مصر‪،‬ط‪، 2004 ،4‬مادة َ‬
‫‪ 5‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب مادة حدث ‪.‬‬
‫ث ) ‪ ،‬ص‪.131‬‬
‫(ح َد َ‬
‫‪ 6‬شوقي ضيف وآخرون‪ :‬المعجم الوجيز‪ ،‬و ازرة التربية والتعليم‪ ،‬مصر‪،‬دط‪، 1664 ،‬مادة َ‬
‫‪6‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫تلك هي بعض الدالالت المعجمية لكلمة حداثة التي وردت في المعاجم القديمة‪،‬‬
‫والتي لم تخرج من معانيها السابقة المعاجم العربية الحديثة في العصر الحديث‪ ،‬أي معنى‬
‫معجمي جديد‪ ،‬حيث يمكن إنجاز تلك الدالالت كما يلي ‪:‬‬
‫الحداثة نقيض القدم‪ ،‬وتعني الحدة والحداثة أول األمر وابتداؤه ‪ ،‬والحداثة كناية‬
‫عن أول العمر وسن الشباب‪ ،‬والحديث الجديد من األشياء ‪ ،‬والحديث هو الخبر‪ ،‬وحوادث‬
‫وأحداث الدهر نوائبه ‪.‬‬
‫أما في اللغة الفرنسية فكلمة حداثة ‪ modernité‬فمشتقة من الجذر ‪ mode‬وهي‬
‫الصفة والشكل‪ ،‬أو هو ما يبتدئ به الشيء‪ ،‬فاللفظ العربية ترتبط بما له أكثرمن داللة عما‬
‫يقع أنه يحدث‪ ،‬فالشكل ليس هو المهم ليس هو الصورة التي تبرز‪ ،‬فإن ما يحدث يتثبت‬
‫بواقعيته وراهنيته (‪. )1‬‬
‫كما أن الصفة حديث ‪ moderne‬أقدم تاريخيا من اللفظ الحداثة ‪ modernité‬إذ‬
‫تقابل كلمة حديث في اللغة الالتينية ‪ modernus‬والتي ظهرت في أواخر القرن الخامس‬
‫عشر في نفس القرن الذي استعملت فيه اللغة االنجليزية كلمة حديث‪ ،‬والتي كانت في‬
‫بادئ االمر لتناقض القديم أو تنظر إليه على أنه تجاوزه الزمن‪ ،‬ومنها اشتقت كلمة‬
‫‪ mode‬التي تعني اآلن أو مؤخ ار أي حديثا ومنذ عهد قريب ‪.‬‬
‫" أي يطلق لفظ حديث على كل ما هو ينتمي إلى الزمن الحاضر‪ ،‬وقد استعملت‬
‫بهدف التمييز بين الماضي الروماني الوثني‪ ،‬والحاضر المسيحي الذي لم يكن قد مضى‬
‫زمن طويل على االعتراف به رسميا ‪ ،‬وقد ازداد استعمال لفظ حديث في ما بعد‬
‫للداللة على االنفتاح والحرية الفكرية‪،‬أو بمعنى عامي للداللة على الخفية والتغيير ألجل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫التغيير"‬

‫‪ 1‬صفدي مطاع ‪ :‬نقد العقل الغربي‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط ‪،1660،‬ص ‪223‬‬
‫‪ 2‬أندريه الالند‪ :‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬تح‪:‬خليل احمد خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪،‬ط‪،2001 ، 2‬ص‪.122‬‬
‫‪7‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫ما نخلص إليه في تحديد األصل اللغوي لمصطلح الحداثة‪ ،‬أنه مجسد أوال في‬
‫بداية استعماله للداللة على صفة الحديث ثم تطور هذا المصطلح فيما بعد ليحمل بعدا‬
‫زمنيا يكشف عن تحقيب أو تصنيف تاريخي معين‪ ،‬تقوم بمقتضاه األزمنة والعصور في‬
‫تسلسلها‪ ،‬وعلنا نكشف عن هذا في المدلول االصطالحي ‪.‬‬
‫ب‪ .‬اصطالحا ‪:‬‬
‫لقد تعددت تعريفات الحداثة باختالف النقاد ومنظري األدب‪ ،‬وهذا ما يؤكد على‬
‫أنه من الصعوبة بما كان ضبط مفهوم محدد للحداثة‪ ،‬لذا ال يمكن اختصارها في مذهب‬
‫محدد‪ ،‬أو في مدرسة بعينها ‪ ،‬أو حتى في مجرد قوانين جامعة تتيح لمتتبعيها إدراك‬
‫مضمونها في سياق كلي بعيدا عن كل نظرة تجزيئية ‪.‬‬
‫لقد تبلور مصطلح الحداثة في الغرب والتي عرفها الشاعر الفرنسي‬
‫"بودلير‪ "Boudelaire‬الذي يعتبر األب الروحي للحداثة حيث يقول ‪ ":‬ما أعنيه بالحداثة‬
‫هو العابر والهارب والعرضي‪ ،‬إنها نصف الفن الذي يكون نصفه اآلخر هو األبدي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الثابت "‬
‫لقد عاش يبحث عن الجمال الكامن في كل شيء ليعبر عنه إسهاما منه في‬
‫العصر الحديث واحتفاال به‪ ،‬وكان يؤكد على ضرورة التعبير عن روح العصر‪ ،‬ولم يهرب‬
‫مطلقا من سرية الحياة المعاصرة ‪.‬‬
‫يقول " جان بودريار" ‪ ":‬ليست الحداثة مفهوما سوسيولوجيا أو مفهوما سياسيا أو‬
‫مفهوما تاريخيا يحصر المعنى‪ ،‬وانما هي صيغة مميزة للحضارة تعارض صيغة التقليد‪...‬‬
‫ومع ذلك تظل الحداثة موضوعا عاما يتضمن في داللته إجماال اإلشارة إلى التطور‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫التاريخي بأكمله والى التبدل في الذهنية "‬

‫‪ 1‬خيرة حمر العين ‪ :‬جدل الحداثة في نقد الشعر العربي‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق ـسوريا‪ ،‬د ط ‪ ، 1669،‬ص‪. 31‬‬
‫‪ 2‬عبد الغني بارة ‪ :‬إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي المعاصر(مقاربة حوارية في األصول المعرفية)‪،‬الهيئة المصرية‬
‫العامة‪ ،‬مصر ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ، 2005 ،‬ص‪.15‬‬
‫‪8‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫لذا فهذا التبدل الذهني وتلك الثورة المضادة ال تقف عند حد معين بل هي دائمة‬
‫ومستمرة‪ ،‬فالعقائد والقيم واألفكار ال يجوز أن تقوم على ثوابت مستقرة‪ ،‬وانما هي متغيرة‬
‫ومتبدلة في صفة مستمرة‪ ،‬لذا فإن من أبرز سمات الحداثة هي الثورة األبدية في كل‬
‫عصر ‪.‬‬
‫هناك أيضا الشاعر الفرنسي الثالث وهو أيضا من رواد الحداثة في الشعر ‪ ،‬فهو‬
‫"ماالرميه ‪ " mallarme‬الذي امتاز شعره بالغموض الذي يعتبر من أهم عناصر شعر‬
‫تفكير في الالمفكر فيه فإنها شعريا بحث عما لم‬
‫ا‬ ‫الحداثة ‪ ،‬يقول ‪ " :‬إذا كانت الحداثة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يحدث "‬
‫هناك أيضا الشاعر األمريكي " آدغار آالن بو ‪ " edgarallanpoe‬الذي يعتبر‬
‫من مؤسسي الشعر الحديث إلى جانب الشاعر البريطاني" توماس اليوت‪"thomas eliot‬‬
‫وهو من أهم شعراء الحداثة في الغرب وأكثرهم تأثي ار على شعراء الحداثة العرب‪ ،‬ولم‬
‫تقتصر رؤيته الحداثية على شعره بل امتدت إلى مقاالته النقدية ‪ ،‬وتبدو مالمح الحداثة‬
‫واضحة في الكتابات النظرية واإلبداعية إلليوت وذلك من خالل تمرده على العالم‬
‫الحديث‪ ،‬وكذا التوفيق بين الشعر واألسطورة‪ ،‬فهي الوحيدة القادرة على حمل تناقضات‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫هذا العالم‬
‫لقد دعا إلى عدم التقيد بالوزن والقافية والى توظيف األسطورة وكل ذلك من اهم‬
‫سمات الحداثة في الشعر ‪.‬‬

‫‪ 1‬خيرة حمر العين ‪ :‬جدل الحداثة في نقد الشعر العربي‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫‪ 2‬بشير تاوريرت ‪ :‬الشعرية والحداثة بين أفق النقد األدبي‪ ،‬وأفق النظرية الشعرية‪ ،‬دار رسالن للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫سوريا‪ ،‬ط‪ ،2001 ، 1‬ص‪.12‬‬
‫‪9‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫يرى الفيلسوف " بول روبير" ‪ " :‬الذي يحمل لنا كل الدالالت والمعاني الخاصة‬
‫بالحداثة فيربطها مرة ببعث الطبيعة وتجديد خليتها‪ ،‬ويربط كذلك المصطلح تارة أخرى‬
‫بالفنون‪ ،‬غير أنه مما الشك فيه أن روبير يقصد بالحداثة التجديد واإلبداع فهو يقول ‪" :‬‬
‫الحداثة هي عودة الربيع والطبيعة بحلة جديدة هذه السيمفونية الكبيرة يسميها الشعراء‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫القدماء بالحداثة "‬
‫كما عرف " آالن تورين " ‪ " :‬لقد صارت كل مجتماعت مخترقة باألشكال الحديثة‬
‫لإلنتاج واالستهالك واالتصال (‪ )...‬قارب الحداثة يحملنا جميعا يبقى فقط أن نعرف هل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نحن مالحون أم مسافرون يحملون أمتعة "‬
‫وبتعبير " محمد أركون " ‪ " :‬نحن غاطسون ومنغمسون في المناخ الذي خلقته‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الحداثة (‪ )...‬وبالطبع هناك درجات من االنغماس في الحداثة "‬
‫لذا فالحداثة ليست كيانا ثقافيا أو تاريخيا بل هي نتاج تراكم تاريخي يبني فيه‬
‫اإلنسان نفسه من جديد وبصورة دائمة‪ ،‬وذلك بتصحيح أخطائه وتسخير العقل في سبيل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫إعادة بعث وجوده الواعي‬
‫لذا فالحداثة هي ثورة على الفكر الذي يجعل اإلنسان جزءا منفعال من الطبيعة‬
‫ليكون هو الفاعل والمحرك والمنشط للفعل الثقافي والحضاري‪ ،‬ومنه تصبح الحداثة‬
‫ممتلكة القدرة الكافية على تصحيح مسارها ونقد ذاتها ‪.‬‬

‫‪ 1‬سعيد بن زرقة‪:‬الحداثة في الشعر العربي_أدونيس أنموذجا_ أبحاث للترجمة و النشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ط‪ ،2004 ،1‬ص‪.30‬‬
‫‪ 2‬آالن تورين‪ :‬نقد الحداثة‪ ،‬تر أنور مغيث‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر ‪ ،‬القاهر‪،‬دط‪، 1661 ،‬ص ‪. 210‬‬
‫‪ 3‬محمد أركون ‪ :‬اإلسالم والحداثة‪ ،‬التبيين‪ ،‬ع‪ ،3‬الجمعية الثقافية الجاحظية‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬دط ‪ ، 1660 ،‬ص‪. 221‬‬
‫‪ 4‬محمد محفوظ ‪ :‬اإلسالم والغرب وحوار المستقبل ‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ، ،‬ط‪ ،1661 ،1‬ص‪.33‬‬
‫‪01‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫أما الروائي الفرنسي" فلوبير‪ " flaubert‬فيرتبط مفهوم الحداثة عنده بالزمن وفعل‬
‫الكتابة‪ ،‬فيقول ‪ " :‬الحداثة هي التعصب للحاضر ضد الماضي " بمعنى أن الوعي‬
‫الحداثي ليس تشبعا لسلطة ماضوية وحنينا إلى األصل تليد وحقبة ذهنية بل هو تمجيد‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫للحاضر وانفتاح على اآلتي "‬
‫لذا قد تكون القطيعة مع الماضي من أهم خصائص الحداثة في األدب‪ ،‬وذلك‬
‫لرغبة المبدعين وانما في كتابة ما هو جديد وغير مألوف‪ ،‬وهذا ما عبر عنه فلوبير حين‬
‫قال ‪ " :‬إن ما يثيرني لكوني جميال ما يروق لي أن أفعله هو كتاب يدور حول الشيء‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كتاب حال من االرتباطات الخارجية متماسك بذاته من خالل القوة الداخلية ألسلوبه "‬
‫كذلك يرى بعضهم أن الحداثة أتت بتجديد جمال اقتحام وعدم تواصل‪ ،‬وفي مجال‬
‫النقد االدبي يعرف للناقد الفرنسي " روالن بارت ‪ "rolond barthes‬الحداثة ‪ " :‬بأنها‬
‫‪" ،‬ويقر بأن الحداثة ال تقدم‬ ‫(‪)3‬‬
‫انفجار معرفي لم يتوصل اإلنسان إلى السيطرة عليه "‬
‫اعمال معصومة وكاملة‪ ،‬ومع ذلك فيجب التمسك بها والدفاع عنها ينبغي ان نتخذ موقفنا‬
‫من الحداثة وندافع عنها في مجموعها راضين بما تنطوي عليه من نقائض ال يكون في‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫استطاعتنا تقديرها بالضبط "‬
‫كما يعرف "روالن بارت" ‪" :‬الحداثة واعتبرها زلزاال حضاريا عنيفا وانقالبا ثقافيا‬
‫شامال لم يتوصل اإلنسان المعاصر إلى السيطرة عليه إذ هي موقف عام وشامل‬
‫ومعارض للثقافات التقليدية الشاملة السائدة ‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد الشيكر ‪ :‬هايد غرو سؤال الحداثة ‪ ،‬إفريقيا الشرق ‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ،‬المغرب ‪ ،‬دط‪ ، 2009 ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ 2‬مالكوم براديري‪ ،‬وجيمس مكفارلن‪ ،‬حركة الحداثة ‪ ،‬تر‪:‬عيسى سمعان‪ ،‬منشورات و ازرة الثقافة ‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ج‪ ، 1‬دط‪،‬‬
‫‪ ،1661‬ص‪.21-20‬‬
‫‪ 3‬زعربان علي رضا النحوي ‪ :‬تقويم نظرية الحداثة‪ ،‬دار النحوي للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪ ،1662، 1‬ص‪.35‬‬
‫‪ 4‬روالن بارت ‪ :‬درس السيميولوجيا ‪ ،‬تر‪ :‬عبد السالم بن عبد العالي‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪،1663 ،3‬‬
‫ص‪.44‬‬
‫‪00‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫فالحداثة تدعو إلى إعادة النظر في كثير من األشياء والتحرر من القيود‪ ،‬فهي‬
‫عملية تقدمية حتى ولو كان المخاض عسي ار ‪ ،‬فهي تنشد عصر جديد اقترن بالتطور‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫والتقدم وتحرر اإلنسان‪ ،‬فالحداثة هي رؤية فلسفية وثقافية جديدة للعالم‬
‫لذا فالحداثة هنا تدعوا إلى التغير المستمر في كل شيء ألن الشيء ثابت عندهم‬
‫في الحياة‪ ،‬فالحداثة إ ذ لم تكن انفجار فهي زلزلة عظيمة تدمر كل شيء إنها زلزلة‬
‫النفوس اليائسة وهي تبحث عن أمنها وأمانها ‪ ،‬ف ـ " ما لكوم برابري وجيمس ماكفارلن "‬
‫يقوالن ‪ ":‬إننا نعتقد بأن هذا الفن الجديد جاء نتيجة لهذا النوع من الهزات الكاسحة أو‬
‫فالحداثة تعتبر انفجار رهيب للطاقات الكامنة التي‬ ‫(‪)2‬‬
‫أنها جوهرة كاسحة في حد ذاته "‬
‫لم تستطيع الفلسفات السابقة كلها إنماء توجيهها وهو انفجار لم يستطيع اإلنسان السيطرة‬
‫عليه ‪.‬‬
‫هذه بعض تعريفات من كل مما ورد على السنة أهل الحداثة من الغربيين على‬
‫اختالف مشاربهم واتجاهاتهم وتعريفاتهم للحداثة‪ ،‬إذ يؤكد الحداثيون الغربيون على أن‬
‫أخص مفاهيم الحداثة هو الثورة على كل ما هو قديم وثابت‪ ،‬والنفور من كل ما هو سائد‬
‫من أمور العقيدة والفكر والقيم واللغة والشؤون السياسية واألدبية والفنية‪ ،‬فهي إذن ثورة‬
‫على الواقع بكل ما فيه من ضوابط وهذا ما تدل عليه الحداثة في جميع مراحلها ‪.‬‬
‫لقد اختلف الباحثون والمفكرون في تعريف لمصطلح " الحداثة " وكان لظروف‬
‫نشأة هذا المصطلح في الغرب وشموليته وغموضه تأثير على وضعيته في االدب العربي‪،‬‬
‫إذ لم يصل النقاد العرب إلى اتفاق على تحديد تعريف دقيق له ‪ ،‬ومعظم من تناولوها من‬
‫النقاد العرب أجمعوا على أن الحداثة تتعارض مع التقليد والتراث واألصالة‪ ،‬ليحموا منها‬
‫ثورة تسعى إلى التغيير والتجديد والتحديث المستمر يتجاوز القديم واحداث قطيعته‪.‬‬

‫‪ 1‬زعربان علي رضا النحوي ‪ :‬تقويم نظرية الحداثة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪ 2‬مالكوم براديري وجيمس ماكفارلن‪ :‬الحداثة‪ ،‬تر‪:‬مؤيد حسين فوزي‪ ،‬دار المحبة للنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬دط‪ ،2006 ،‬ص‪.16‬‬
‫‪01‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫ومن أتباع الحداثة العرب الحداثي السوري " يوسف الخال" باعتباره األب الروحي‬
‫لرواد مجلة شعر إلى الحداثة عبر الغرب الليبرالي‪ ،‬فيعرفها بقوله ‪ " :‬الحداثة في الشعر‬
‫إبداع وخروج على ما سلف‪ ،‬وهي ال ترتبط بزمن‪ ،‬فما نعتبره اليوم حديثا يصبح في يوم‬
‫طر على نظرتنا إلى أشياء فانعكس في‬
‫من األيام قديما‪ ،‬وكل ما في األمر جديدا ما أ‬
‫تعبير غير مألوف " (‪. )1‬‬
‫فالحداثة لدى يوسف الخال تعتبر هنا ال صلة لها بالقديم‪ ،‬بمعنى أن الحداثة عنده‬
‫منحازة إلى التجاوز والى اإلبداع والجديد المختلف عما ألفناه وعرفناه ‪ " ،‬فهي قديم يتجدد‬
‫‪ ،‬فيوسف‬ ‫(‪)2‬‬
‫مع الحياة‪ ،‬فنحن ال نجدد ألننا قررنا أن نجدد بل ألن الحياة تتجدد فينا "‬
‫الخال يدعو إلى التجيد في الشعر وعدم الوقوف في وجه تيار الحداثة ‪.‬‬
‫أما " أدونيس " فيعرف الحداثة عامة فيقول ‪ " :‬الحداثة رؤيا جديدة وهي جوهريا‬
‫رؤيا تساؤل واحتجاج‪ ،‬تساؤل حول الممكن واحتجاج على السائد‪ ،‬فلحظة الحداثة هي‬
‫لحظة التوتر أي التناقض والتصادم بين البنى السائدة في المجتمع‪ ،‬وما تتطلبه حركته‬
‫ويقول أيضا ‪ " :‬الحداثة‬ ‫(‪)3‬‬
‫العميقة التغيرية من البنى التي تستجيب لها وتتالءم معها "‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫هي الخروج من النمطية والرغبة الدائمة في خلق المغاير "‬
‫إن الحداثة لدى " أدونيس" تعتبر مفهوما متبدال متحركا كحركة ثورية تغيرية ذات‬
‫طابع تغييري جذري ال مهادن ينفصل عن القديم كليا‪ ،‬وال يتقاطع معه‪ ،‬وعليه من شروط‬
‫الحداثي أن يخالف السائد والمألوف‪ ،‬ويثور على الثابت من مبادئ وأخالق وغيرها ‪..‬‬

‫‪ 1‬يوسف الخال‪ :‬الحداثة في الشعر‪ ،‬دار الطليعة للطباعة و النشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،1611، 1‬ص ‪. 15‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪. 63‬‬
‫‪ 3‬عبد اهلل محمد الغذامي ‪ :‬تهافت النقد وقراءة التنميط والقصر‪ ،‬مجلة نزوة‪ ،‬تصدر عن مؤسسة عمان للصحافة والنشر‬
‫واإلعالن‪ ،‬عمان‪ ،‬ع‪ ،32‬دط‪ ،2006 ،‬ص‪6‬‬
‫‪ 4‬جمال شحيد‪ ،‬وليد قصاب‪ :‬خطاب الحداثة في األدب‪ ،‬مرجعية األدب الحداثي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪، 2005 ،1‬ص ‪. 49‬‬
‫‪01‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫ويقول الناقد " عبد السالم المسدي" عن الحداثة ‪ " :‬هكذا أصبحت الحداثة تعاني‬
‫اشكاال تصوريا متعددا لوجهات وعلى هذا االساس يتعذر على النقاد تناول موضوع‬
‫الحداثة من موقع التنظير ما لم يفك التعاضل االصطالحي الحائم حول اللفظ والتشابك‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المفهومي الراكن في مطاف المدلول "‬
‫ويقترن مفهوم الحداثة عنده بمفهوم الزمن‪ ،‬وهو ما يعني أن الحداثة ال ترتبط‬
‫بعصر دون آخر‪ ،‬والزمن زمنان‪ ،‬زمن مطلق‪ ،‬وزمن آني ‪ ،‬ولكل محوره ‪ ،‬يقول أيضا ‪:‬‬
‫" الحداثة هي رؤية واعية إلقامة عالقات دائمة التجدد بين الظرف اإلنساني وبين‬
‫الجوهري الموروث‪ ،‬وذلك من أجل استمرار العالقة اإلبداعية لإلنسان مع لغته التي‬
‫سيكون صا نعا لها من خالل ما يضيفه إليها بديال من المتغيرات المنقرضة‪ ،‬كما ان اللغة‬
‫‪ .‬وعليه فالحداثة هنا‬ ‫(‪)2‬‬
‫صانعة له من خالل هيمنتها عليه بواسطة الثوابت الجوهرية "‬
‫تسعى إلى صقل الموروث‪ ،‬لتعزر الجوهري منه فترفعه إلى الزماني‪ ،‬بعد أن تزيح كل ما‬
‫هو وقتي ‪.‬‬
‫ونجد أيضا الناقد " عبد العزيز حمودة " يقول ‪ " :‬إن الحداثة بمعناها العربي‬
‫‪ ،‬ويعرفها آخر ‪ " :‬الحداثة‬ ‫(‪)3‬‬
‫والغربي على السواء تتجه إلى التدمير عمدا للنظام القديم "‬
‫ليست اختيا ار قوليا يطأ العبارة وينتهي عند ملفوظها بل هو نمط الحياة‪ ،‬وتصور ومجتمع‬
‫لذا فاألمر الذي يؤكد ارتباط داللة الحداثة‬ ‫(‪)4‬‬
‫وثقافة تقنية تكتسح اإلنسان والطبيعة "‬
‫بحداثة الحياة نفسها ‪.‬‬

‫‪ 1‬المسدي عبد السالم ‪ :‬النقد والحداثة ‪ ،‬دار الطليعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ، 1613 ،1‬ص ‪. 1‬‬
‫‪ 2‬جمال شحيد‪ ،‬وليد قصاب‪ :‬خطاب الحداثة في األدب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 14‬‬
‫‪ 3‬عبد العزيز حمودة ‪ :‬المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬دط‪، 1661 ،‬ص‪.25‬‬
‫‪ 4‬محمد بنيس‪ :‬حداثة السؤال بخصوص الحداثة العربية في الشعر والثقافة‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪،‬لبنان‪،‬المغرب‪ ،‬ط‪، 2‬‬
‫‪ ، 1661‬ص‪.106‬‬
‫‪01‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫يقول الناقد المصري " غالي شكري" ‪" :‬مفهوم الحداثة عند شعرائنا الجدد مفهوم‬
‫حضاري‪ ،‬وهو تصور جديد للكون واإلنسان والمجتمع‪ ،‬والتصور الحديث وليد ثورة العالم‬
‫لذا فالحداثة عند غالي‬ ‫(‪)1‬‬
‫الحديث في كافة مستوياتها االجتماعية والتكنولوجية والفكرية "‬
‫شكري هي ما كان مواكبا للحضارة العربية ‪.‬‬
‫يصف الناقد " شكري محمد عياد " ‪ " :‬الواقع الذي يعيشه الحداثي العربي إذ له‬
‫حضوران‪ ،‬حضور في ثقافته العربية " فهو يحارب التخلف والجمود في النظم والمؤسسات‬
‫‪ ،‬كما يحطم التقاليد اللغوية والفنية‪ ،‬ويمارس أقصى ما يستطيع من حرية في التشكيل‬
‫‪ " ،‬وهذا حضور بارز‬ ‫(‪)2‬‬
‫معب ار عن شهرة اإلبداع وغرام االكتشاف في كل تجربة جديدة "‬
‫ومتميز وان كان يعاني من عدم الفهم‪ ،‬اما الحضور الثاني فهو حضور في الثقافة الغربية‬
‫‪ ،‬وهو حضور غير مهم وغير بارز‪ ،‬وفيه نجد الحداثي العربي يقف ضد الثقافة التجارية‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الرأسمالية‪ ،‬او يجب ان يقف ضدها "‬
‫ويرى " كمال ابو ديب " أيضا ‪ " :‬الحداثة انقطاع معرفي ذلك أن مصادرها‬
‫المعرفية ال تكمن في المصادر المعرفية للتراث‪ ،‬في كتب ابن خلدون االربعة أو في اللغة‬
‫المؤسساتية والفكر الديني‪ ،‬كون اللغة مركز الوجود‪ ،‬وكون السلطة السياسية مدار النشاط‬
‫الفني ‪ ،‬كون الفن محاكاة للعالم الخارجي‪ ،‬والحداثة انقطاع ألن مصادرها المعرفية هي‬
‫اللغة البكر والفكر العلماني ‪ ،‬وكون اإلنسان هو مركز الوجود‪ ،‬وكون الشعب الخاضع‬
‫للسلطة مدار النشاط الفني ‪ ،‬وكون مصدر المعرفة اليقينية‪ ،‬إذا كان ثمة معرفة يقينية‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وكون الفن خلقا لواقع جديد ‪" ...‬‬

‫‪ 1‬غالي شكري ‪ :‬شعرنا الحديث إلى أين ‪ ،‬دار الشروق األولى‪ ،‬ط‪ ،1661 ،3‬ص‪.14‬‬
‫‪ 2‬شكري محمد عياد‪ :‬المذاهب األدبية و النقدية عن العرب والغربيين‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬دط‪ ، 1663 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪. 11‬‬
‫‪ 4‬زعربان علي رضا النحوي ‪ :‬تقويم نظرية الحداثة ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪05‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫لذا فالحداثة إذا كانت عنده انقطاعا معرفيا‪ ،‬ففي اإلسالم اتصال معرفي اتصال‬
‫االزمان واألجيال‪ ،‬اتصال الشعوب واتصال األرحام ‪ ،‬واتصال أمة اإلسالم أمة واحدة‬
‫مدى الدهر ‪.‬‬
‫أما الحداثة عند " عبد اهلل محمد الغذامي " ‪ .." :‬من عالمات تحضر االمة أن‬
‫يكون لديها أدب تتجدد روحه مع تجدد نسمات الصباح ‪ ،‬فكما ان النسمة التي تهب اليوم‬
‫ليست هي النسمة التي هبت باألمس‪ ،‬وذلك كي نثبت أن عقول األمة ما زالت معطاة ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وأن معين إبداعها لم ينضب ولم يشح مكنونة "‬
‫ولشدة تمسك " عبد اهلل الغدامي " بالحداثة نجده يدافع بكل قوة عن الحداثيين‬
‫وينعتهم بحاملي الثقافة بينما يهاجم أصحاب الفكر األصيل ويطلق عليهم لفظ العموديين‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬ويقول أيضا ‪ " :‬من شرط أن يكون فوق السائد والمألوف "‬ ‫(‪)2‬‬
‫او التقليديين "‬
‫كذلك يحاول " عبد اهلل الغدامي " ‪ ":‬تحديد مفهوم الحداثة انطالقا من اإلبداع ومن‬
‫ثنائية " الثابت والمتغير" واعتمادا على موروثنا‪ ،‬فالحداثة معادلة إبداعية بين الثابت‬
‫والمتغير‪ ،‬أي بين الزماني والوقتي‪ ،‬فهي تسعى دوما إلى صقل الموروث‪ ،‬لتعزز الجوهري‬
‫منه فترفعه إلى الزماني‪ ،‬بعد أن تزيح كل ما هو وقتي‪ ،‬ألنه متغير ومرحلي ‪ ،‬وهو‬
‫ضرورة طرفية تزول بزوال ظرفها‪ ،‬وتصبح طو ار بينهم في نمو الموروث لكنه ال يكبل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الموروث أو يقيده "‬

‫‪ 1‬عبد اهلل محمد الغذامي ‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ط‪1412 ،2‬هـ‪ ، 1661 ،‬ص ‪. 16‬‬
‫‪ 2‬عبد اهلل محمد الغذامي ‪ :‬تشريح النص‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2009 ،2‬ص‪. 11‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي ‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪. 24 ،23 ،10‬‬
‫‪ 4‬عبد اهلل محمد الغذامي ‪ :‬تشريح النص‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 13‬‬
‫‪06‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫فالحداثيون يرون أنه البد من الصراع مع ما هو ثابت في أمور العقيدة‪ ،‬والشريعة‬


‫واألخالق‪ ،‬والحداثة عندهم " قول ما لم يعرفه موروثنا‪ ،‬أو هي قول المجهول من جهة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وقبول بال نهائية المعرفة من جهة ثانية "‬
‫ويعرفها آخر ‪ " :‬الحداثة اتجاه جديد مهمته مصارعة القديم باسم الجديد‪ ،‬والتحرر‬
‫من اسار القوالب والمضامين التي مضى عليها الزمان‪ ،‬واألديب الذي تغلب على القديم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫شكال ومضمونا يدعونه مجددا "‬
‫ويرى الناقد "لويس عوض" ‪ ":‬ان الحداثة هي أولئك الذين يترددون من التراث‬
‫االوروبي والغربي بصفة عامة أكثر مما يترددون من التراث العربي " (‪.)3‬‬
‫ومعنى هذا أن األدباء انفتحوا على اوربا ورفضوا كل ما هو قديم وموروث‬
‫وأصيل‪ ،‬وفي هذا المعنى يقول الحداثي " صبري حافظ " ‪ " :‬الحداثة انقطاع مع الماضي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أو حوا ار مع الغرب دون سواه "‬
‫وخالصة القول من خالل هذه التعريفات المختلفة والمتنوعة لمصطلح الحداثة‬
‫وتعدد آ راء النقاد العرب حول مفهومها فإن الحداثة نظرة فلسفية شاملة مبنية على استخدام‬
‫العقل‪ ،‬كما يبدوا لنا أن هناك أيضا قاسم مشترك بين الحداثيين العربية والغربية لذا إن "‬
‫الحداثة أيا كان نوعها عندنا نحن العرب أو عند االوربيين أو في أي زمان ومكان تعني‬
‫‪ ،‬لذا من خالل هذا التعريف فإن الحداثة‬ ‫(‪)5‬‬
‫التغيير سواء كان إبداعا ام دراسة نقدية "‬
‫مهما كان تنوعها لدى النقاد في اختالف اآلراء حولها ‪ ،‬إال أنها تعني التغيير في أي‬
‫مجال ‪.‬‬

‫‪ 1‬أدونيس‪ :‬الثابت و المتحول(بحث في اإلتباع و اإلبداع عند العرب)‪ ،‬دار العودة ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1664 ، 1‬ص‪.16‬‬
‫‪ 2‬محمد التونجي ‪ :‬المعجم المفصل في األدب ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1666 ،2‬ص ‪. 346‬‬
‫‪ 3‬جهاد فاضل ‪ :‬أسئلة النقد وحوارات مع النقاد ‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪. 264‬‬
‫‪ 4‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪. 119‬‬
‫‪ 5‬محمد زكي العشماوي‪ ،‬أعالم األدب العربي الحديث و اتجاهاتهم الفنية ‪،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪،‬د‪.‬ط‪،2002 ،‬‬
‫ص‪.203‬‬
‫‪07‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫ثانيا ‪ :‬نشأة الحداثة ‪:‬‬


‫الحداثة من المفاهيم التي جرى حولها جدل ولغط كبيران‪ ،‬فإذا كانت الحداثة إنبنت‬
‫باألساس على المعنى اللغوي‪ ،‬فإنها حملت ايحاءات ومعاني ومضامين جديدة‪ ،‬واختلف‬
‫أراء النقاد حول نشأة الحداثة‪ ،‬لذا البد من الحديث عن المرحلة التي سبقت الحداثة‪،‬‬
‫ومعرفة أصل الحداثة عند الغرب والعرب‪ ،‬فالحداثة في العالم العربي ما هي إال امتداد‬
‫للحداثة في العالم الغربي‪ ،‬وسيتبين لنا ذلك من خالل الحديث عن نشأة الحداثة وتاريخ‬
‫كل منهما ‪:‬‬
‫أ‪ : .‬الحداثة عند الغرب ‪:‬‬
‫ظهر تيار الحداثة في العالم الغربي نتيجة للمد الطبيعي الذي دخلته أوروبا منذ‬
‫العصور الوثنية في العهدين اليوناني والروماني ‪ ،‬امتدادا إلى عصر الظلمات ‪ ،‬ثم امتدادا‬
‫بالعصور الالحقة التي تزاحمت بكل أنواع المذاهب والفلسفات المتناقضة المتصارعة ‪،‬‬
‫وقد كان كل مذهب عبارة عن ردة فعل لمذهب سابق ‪ ،‬وكل مذهب من هذه المذاهب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫كان يحمل في ذاته عناصر موته‬
‫لقد اختلف النقاد في تحديد تاريخ نشوء الحداثة‪ ،‬وفي تحديد مكان نشوئها أيضا‪،‬‬
‫وداللتها وكذا الموقف منها إال انهم مجمعون على نشأة الحداثة في الغرب‪ ،‬ولكن ال‬
‫يزالون مختلفين في التاريخ لها‪ ،‬فغالبية الباحثين يرون ان بواكير الحداثة بدأت أواخر‬
‫القرن التاسع عشر في العرب في حقول األدب بعد أن قضت الرومانسية أركان‬
‫الكالسيكية‪.‬‬

‫‪ 1‬عدنان علي رضا النحوي ‪ :‬الحداثة في منظور ايماني‪ ،‬دار النحو للنشر والتوزيع‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪،‬ط‪1410 ، 3‬ه‪-‬‬
‫‪1616‬م ‪ ،‬ص‪. 25‬‬
‫‪08‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫فنشأت الحداثة على أيدي شعراء فرنسا " شارل بودلير" و"رامبو"و"مالرميا " وذلك‬
‫مع بداية الرمزية ونهاية الرومانسية سنة ‪ 1130‬في باريس‪ ،‬ويرى بعضهم أنها بدأت بعد‬
‫‪ ، 1110‬ويرى " كيرمود" أنها انطلقت مع السنوات العشر االولى في القرن العشرين‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وآخرون بدايتها بين ‪1614-1610‬‬
‫ويحدد "ـ لورانس" بداية الحداثة لحركة أوروبية أدبية وفنية كبرى سنة ‪, 1615‬حيث‬
‫شهدت نهاية العالم القديم عالم ما قبل (ح ع ‪(، II‬وترتضى "فرجينيا وولف" عام ‪1610‬‬
‫‪,‬بينما يختار "أز ار باوند" عام ‪,1612‬وهو العام الذي تم فيه تدشين النزعة التصويرية‬
‫إحدى أهم حركات الحداثة في انجلت ار ‪ ،‬ويرى "هاري ليفين" أن مد الحداثة كان ما بين‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عامي (‪ (1924 ,1622‬ويفضل ريتشارد إيلمان عام ‪ 1600‬لبداية عنفوان الحركة‬
‫ويرى أيضا " محمد بنيس " ‪ " :‬تعد الحداثة غربية التصور والتحقق‪ ،‬لفعلها صفة‬
‫الشمول بدءا من أبسط المنتوجات حتى سمات الحساسية‪ ،‬فإن الغرب لم يتوقف منذ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اللحظات االولى يحاكمها أو يبدلها "‬
‫ويعتبر بع ضهم أن بداية الحداثة في فرنسا‪ ،‬وفي ذلك يقول الناقد " جمال شحيد " ‪:‬‬
‫" انطلقت فترة الحداثة _والحق يقال_ من رحم الثورة الفرنسية التي ركزت بالرغم من‬
‫فترتها اليعقوبية الدموية على سيادة العقل والتعقل والعقالنية ‪ ،‬وهي مقوالت انتشرت في‬
‫عصر األنوار األوروبي‪ ،‬وأنسلت مجموعة من المفاهيم (إلغاء الحكم السياسي المطلق‪،‬‬
‫واعالن حقوق اإلنسان‪ ،‬وحرية الفرد‪ ،‬وفصل الدين عن الدولة (العلمانية أو الدنيوية)‪،‬‬
‫والنهضة واإلصالح‪ ،‬وترسيخ دولة القانون‪ ،‬إطالق المجتمع المدني‪ ،‬دمقرطة الثقافة‬
‫والعلوم والمجتمع وترسيخ روح المواطنة‪ ،‬مع ما تحمل من واجبات وحقوق‪ ،‬وتركيز على‬

‫‪ 1‬زعربان علي رضا النحوي‪ :‬تقويم نظرية الحداثة ‪ ،‬ص ‪. 59‬‬


‫‪ 2‬محمود الغشيري‪:‬االتجاهات األدبية والنقدية الحديثة‪ -‬دليل القارئ العام ‪،‬ميريت للنشر والمعلومات‪،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2،2003‬‬
‫‪،‬ص‪194‬‬
‫‪ 3‬محمد بنيس ‪ :‬حداثة السؤال‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 106‬‬
‫‪09‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬
‫العقد االجتماعي _الذي نادى به جان جاك رسو خاصة_ تحديث المجتمع‪ ،‬واقامة توازن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بين الروح والجسد "‬
‫كما يرى أيضا " جان ماري دومنياك " إال فيما بعد أي في الوقت الذي برز فيه‬
‫مفهوم الحداثة الذي بدأ بالتداول حوالي ‪ 1150‬على يد كل من جيراردي نيرفال‬
‫‪ denerval‬وشارل بودليز ‪ boudelais‬حيث نظر للحداثة باعتبارها تكثيف لمجموعة من‬
‫الدالالت العائمة‪ ،‬سواء كانت فلسفية وجمالية أو سياسية‪ ،‬وأصبحت تعن تلك اإلرادة "‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫االستف اززية"" المتمثلة في حب العصر واالحتفال به "‬
‫ويعتبر احد الباحثين ‪ " :‬أن هناك ثالث أزمات ميزت مسيرة الحداثة‪ ،‬االزمة‬
‫األولى برزت في اواخر القرن الثامن عشر مع الثورة الفرنسية التي جسدت المثل الحديثة‬
‫في مجال السياسة ‪ ،‬أما األزمة الثانية فإنها ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر حيث‬
‫تم اإلعالن عن بداية انهيار مثل التقدم والعقالنية والليبرالية ‪ ،‬في حين االزمة الثالثة‬
‫فقد تفجرت في أواخر الستينات من هذا القرن ‪ ،‬وما زالت لم تنته ‪ ،‬عالماتها وتعبيراتها‬
‫بعد " (‪. )3‬‬
‫كذلك هناك التاريخ الذي يقومه " هانز روبوت يوس " بتفصيل اكثر حيث يقول ‪ " :‬إذا ما‬
‫أردنا تثبيت فترة لظهور مصطلح الحداثة فإنها ستكون ثورة ‪ 1141‬وهو ما يجعل الظهور‬
‫الجديد لهذا المصطلح يعمهم بروز وعي آخر للعالم‪ ،‬فكلمة حداثة قد برزت ألول مـرة‬
‫سنة ‪ 1146‬في كتاب ‪ Mémoires d'autre‬ليتخـذها بـودالر ‪BAUDELAIRE‬‬
‫عالمة على والدة جمالية جديدة‪ ،‬أما في ألمانيا فإن كلمة وفكرة ‪ Die moderne‬قد‬
‫وضفتا كموضة سنة ‪ 1111‬من قبل" أ‪ .‬وولف" الذي صاغ‪ ،‬في محاضرة قدمها في‬

‫‪ 1‬جمال شحيد ‪ ،‬وليد قصاب ‪ :‬خطاب الحداثة في األدب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 12‬‬
‫‪ 2‬نور الدين أفاية‪:‬الحداثة و التواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة‪ ،‬نموذج هبرماس‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬ط‪ ،1661، ،2‬ص‪.106‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪. 106‬‬
‫‪11‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬
‫الجمعية البولونية " دورش"‪ ،‬عشر أطروحات جديدة لـ " مبدأ الحداثة "‪ ،‬وكان ذلك إعالنا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تبشيريا بعهد فنـي جديد‬
‫لقد عاش العالم الغربي فترة ظالم دامس عرفت بالقرون الوسطى والعصور‬
‫الظالمية مر فيها الغرب بأحلك أيامه وأسوئها حيث عم الجهل نتيجة سيطرة رجال‬
‫الكنيسة‪ ،‬وكانت الحداثة صورة تجلى من خاللها حلم العالم الغربي في البحث عن عالم‬
‫مثالي‪ ،‬ولقد قطع العالم الغربي للحداثة صلتها بالدين والكنيسة وتمردت عليه‪.‬‬
‫وقد ظهر ذلك جليا منذ ما عرف بعصر النهضة في القرن الخامس عشر‬
‫الميالدي عندما اانسلخ المجتمع الغربي عن الكنيسة وثار على سلطاتها الروحية التي كان‬
‫بالنسبة لهم كابوسا مخيفا ‪ " :‬فالكنيسة كانت المفسر الوحيد للدين و المعرفة‪ ،‬تتدخل في‬
‫صياغة كل شيء‪ ،‬وقد تعدت سلطة الكنيسة المجتمع‪ ،‬فهي سلطة على الملوك و األمراء‬
‫الدين وافقوا على هذا التسلط نتيجة لما حبتهم به الكنيسة‪ ،‬فحكمهم للمجتمع مستمد من‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫السلطة اإللهية‪ ..‬فالكنيسة هي اإلله أو من يمثله على األرض "‬
‫لذا لقد كان لظهور العلم واألفكار التنويرية أثر كبير في تخليص أوربا من ظالمها‬
‫‪ ،‬فاستطاع الغرب من خاللها تجاوز الخرافات التي فرضتها الكنيسة ‪ ،‬لتدخل أوربا عص ار‬
‫جديدا عرف بالحداثة ‪.‬‬
‫كذلك معلوم أن " أوروبا لقد شهدت بين القرنين ‪ 11_11‬جملة من التحوالت‬
‫الجذرية في ميدان الثقافة و مجال العمران البشري و االقتصاد و السياسة‪ ،‬و معلوم أيضا‬
‫أن هذه التحوالت الشاملة بلغت ذروتها مع الثورة الصناعية في انجلت ار و الثورة الفرنسية‬
‫(‪)3‬‬
‫سنة ‪" 1616‬‬

‫‪ 1‬يورغن هابرماس‪:‬القول الفلسفي للحداثة‪،‬تر فاطمة الجيوشي‪ ،‬منشورات و ازرة الثقافة السورية دمشق‪ ،‬ط‪،1665 ،1‬ص‪11،11‬‬
‫‪ 2‬سعودي البختاوي‪:‬الحداثة في مشروع العقاد النقدي من خالل تطبيقاته على شعر شوقي( مذكرة ماجستير)‪ ،‬مسيلة‪ ،‬الجزائر‬
‫‪2002،‬‬
‫‪ 3‬محمد الشيكر ‪ :‬هايدغر وسؤال الحداثة ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫‪10‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫ومنه فإن الحداثة كما تشير المصادر الغربية انها حركة نقدية مناهضة لتقاليد‬
‫الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وامتدت ونشأت الحداثة في أوربا بشكل متزامن وعفوي‪،‬‬
‫وغزت معظم أقطارها في كل من إيطاليا وفرنسا انجلت ار ألمانيا والواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬ثم امتدت إلى االتحاد السوفيتي ‪ ،‬وفي هذا الجو ترعرت الحداثة ونمت وقويت‬
‫من خالل حملها للدالالت التاريخية والتي كانت معيار في تحديد صفة الحديث ‪.‬‬
‫ب‪ : .‬الحداثة عند العرب ‪:‬‬
‫أما الحداثة العربية فيقول الواقع التاريخي أنها كانت فرعا من فروع الحداثة‬
‫الغربية‪ ،‬ولقد كان لألحداث التي سبقت ومهدت لها خصوصا الحرب األهلية االسبانية‬
‫التي انتهت بانتصار الفاشية سنة ‪ ،1636‬فكان لها صدى قوي في مصر بالذات‪ ،‬حيث‬
‫كانت مهيأة بموقعها ألن تكون مهدا وهدفا مباش ار من أهداف المحور‪ ,‬خاصة وأن في‬
‫مصر جاليات كثيرة العدد وعظيمة الثراء‪ ,‬وكان بينهم عدد كبير من اليهود من جنسيات‬
‫مختلفة‪ ،‬فكان طبيعيا أن يتجمعوا وأن يتدارسوا موقفهم وأن يحاولوا القيام بعمل ثقافي‬
‫إعالمي يضم شملهم ويقرب بين أفكارهم ويجتذب إلى التعاطف معهم ممن يمكن اجتذابه‬
‫من المثقفين الوطنيين" (‪. )1‬‬
‫كذلك يبدو ان البحث في نشأة الحداثة عند العرب وجذورها اوغل قدما من البحث‬
‫عنه عند الغرب‪ ،‬فيرى النقاد ان الحداثة تعود إلى القرن السابع للهجرة أي أنها بدأت‬
‫بوادر اتجاه شعري جديد تمثل في بشار بن برد ‪ ،‬ابن هرمة والعتابي وأبي نواس ومسلم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫بن الوليد وأبي تمام وابن المعتز والشريف الرضى وآخرون‬

‫‪ 1‬شكري محمد عياد ‪ :‬المذاهب األدبية والنقدية عند العرب والغربيين‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪. 11‬‬
‫‪ 2‬أدونيس ‪ :‬زمن الشعر ‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ، 1611 ،2‬ص ‪21‬‬
‫‪11‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫وامتدت بعدها إلى طه حسين وجماعة الديوان‪ ،‬و أبولو و المهجر‪ ،‬فكان أبو‬
‫نواس أول من هدم نظام القصيدة القديم و أطاح بالمقدمة الطللية واضعا بدلها المقدمة‬
‫الخمرية‪ ،‬وكذلك فعل أبو تمام برفضه للقديم و سعيه وراء التجديد‪ ،‬وعلى الرغم من اعماله‬
‫لقيت أكثر رواجا فقد كان أكثرها رفضا من طرف انصار القديم‪ ،‬فكان شعر أبي تمام‬
‫على األخص الثورة األكثر جذرية على صعيد اللغة الشعرية بالمعنى الجمالي الخالص‬
‫(‪)1‬‬

‫لذا نستنتج من خالل ما سبق يبدوا لنا الناقد قد سعى من خالل أعماله إلى إرساء‬
‫مبادئ اإلبداع و الفرادة متجاو از بذلك ما استحدثه أبو نواس من خالل مقدمته الخمرية‬
‫فقيل عنه ‪" :‬هكذا اتخذت الحداثة عند أبي تمام بعدا آخر هو ما يمكن أن نسميه بعد‬
‫الخلق ألعلى مثال فهو لم يهدف إلى المطابقة بين الحياة والشعر‪ ،‬بل هدف إلى خلق‬
‫عالم آخر يتجاوز العالم الواقعي‪ ،‬لقد اشتركا في رفض تقليد القديم لكن كل منهما سلك‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫في إبداعه مسلكا خاصا "‬
‫هذا في مجال الشعر‪ ،‬أما في مجال النقد‪ ،‬فالحداثة العربية أقرب إلينا منها في‬
‫الشعر‪ ،‬فيؤكد الدارسون أنها بدأت مع طه حسين كفكرة رأى من خاللها أنه إذا أردنا أن‬
‫نتفوق أو أن نلحق ركب الحضارة علينا أوال أن نمد بأبصارنا خلف البحار أي إلى بالد‬
‫الغرب‪ ،‬ونقلدهم و نرسم على منوالهم ‪.‬‬
‫يرى أيضا " محمد بنيس " ‪ ":‬عادة ما يضع مؤرخوا الشعر العربي الحديث نهاية‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫األربعينيات أو أواسط الخمسينيات بداية للحداثة "‬

‫‪ 1‬أدونيس‪:‬الثابت و المتحول(بحث في اإلتباع و اإلبداع عند العرب)‪،‬صدمة الحداثة‪،‬ج‪،3‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪. 16‬‬
‫‪ 3‬محمد بنيس ‪ :‬حداثة السؤال بخصوص الحداثة العربية في الشعر والثقافة ‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪11‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫كذلك يعتبر " يوسف الخال" ‪ " :‬من اوائل من دعا إلى الحداثة في العالم العربي‬
‫بعد مجيئه من أمريكا‪ ،‬إذ كان من أعضاء تجمع شعر ‪ ،‬وكان ينطلق من تقسيم العالم‬
‫إلى قسمين ‪ :‬عالم الحديث في العرب ذو حداثة وتقدم‪ ،‬وعالم قديم في بالد العرب ذو‬
‫رجعية وتأخر‪ ...‬فالبد للعالم العربي أن يتخذ العالم الغربي له بعد ان يمحو الحواجز‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بينهما "‬
‫وبظهور النهضة األدبية الفكرية في العصر الحديث ظهر "طه حسين" في نهاية‬
‫الربع األول من القرن العشرين‪ ،‬وكأنه سهم اقترع عذرية الخمول التي يحتمي بها الفكر‬
‫العربي ‪ ،‬ومن ذلك الوقت تفجرت مواقف متباينة أفضت إلى ظهور قراءات متضادة لفكرة‬
‫ورؤيته ودوره في الثقافة العربية الحديثة‪.‬‬
‫وانتظم حوله من الزمن ضربان من القراءة ‪ :‬قراءة أولى اعتبرته مهددا لمنظومة‬
‫القيم الدينية والفكرية واألدبية الموروثة وقرأته ضمن سياق ثقافي له مقوالته المستقرة الثابتة‬
‫التي احتجبت وراء تصورات دينية وفكرية محددة‪ ،‬لم تكن قادرة على تجديد ذاتها طبقا‬
‫لمقتضيات التحديث العام الذي شهده العصر‪.‬‬
‫وقراءة ثانية مضادة تماما أدرجت "طه حسين "ضمن مشروع التحديث "الحداثة"‬
‫واعتبرته ممثال لحركة التنوير في الثقافة العربية وقراءته في ضوء المقوالت التي شاعت‬
‫في أوروبا إبان القرنين الثامن والتاسع ‪ ،‬وهي الحقبة التي عرفت بعصر التنوير‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وباعتبارها ثمرة الفكر العقلي التجريبي ضد الكنيسة منذ بداية عصر النهضة‬

‫‪ 1‬يوسف الخال ‪ :‬الحداثة في الشعر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.9 ،5‬‬


‫‪ 2‬عبد اهلل إبراهيم ‪ :‬الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة تداخل األنساق والمفاهيم ورهانات العولمة‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬ط‪، 1666، 1‬ص ‪. 13‬‬
‫‪11‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬
‫وجرت مقايسة بين "طه حسين" من جهة‪ ،‬ومفكري عصر التنوير من جهة ثانية ‪,‬‬
‫فاعتبر مشروعه الفكري قمة عصر التنوير في عالمنا المعاصر‪ ،‬وأنه ثورة تنويرية ‪ ,‬أو‬
‫أنه ذو طبيعة تنويرية كونه نقل النظرة إلى التراث من الحيز الالهوتي الذي يقدس‬
‫الماضي إلى النقد التاريخي الذي يرى الماضي صيرورة موضوعية ينبغي أن تخضع‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫لمناهج التحليل والنقد "‬
‫ولـ طه حسين " آراء تبناها خاصة في رؤيته للشعر الجاهلي ‪ ,‬وذلك استنادا لتبنيه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رؤية منهجية فيقول‪ " :‬فالنصوص التاريخية الصحيحة تبتدئ بالقرآن"‬
‫ويقول ‪ " :‬هو وحده النص العربي القديم الذي يستطيع المؤرخ أن يطمئن إلى‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫صحته ويعتبره مشخصا للعصر الذي تلي فيه "‬
‫وهذه المفاهيم واآلراء ما كانت لتكون لوال تأثر "طه حسين " بمنهج الشك الذي‬
‫جاءت به فلسفة " ديكارت " ومن ثم فقد حذا حذو الناقد " طه حسين " العديد من النقاد‬
‫واألدباء‪ ,‬بحيث تأثروا بالمناهج واألفكار الغربية مثل‪ ":‬أدونيس"‪ "،‬كمال أبو ديب " ‪،‬‬
‫" سالمة موسى"‪ ",‬شكري عياد "‪ "،‬خالدة سعيد " ‪ ",‬إلياس الخوري " وبعد هذه الرؤية التي‬
‫رآها " طه حسين " والنقاد الذين تبنوا أفكاره‪ ،‬أصبح معظم النقاد متجهين صوب المستورد‬
‫األدبي األوروبي بحثا عن أدوات التحليل والتفسير حتى عندما حاولوا إعادة تقويم روائع‬
‫التراث العربي ‪.‬‬
‫كما يذهب أيضا " طه حسين " إلى أن وسائل هذا االستقالل العقلي والنفسي ال‬
‫يكون إال باالستقالل العلمي واألدبي والفني " ويقتضي ذلك بالضرورة أن نتعلم كما يتعلم‬
‫األوروبي لنشعر كما يشعر األوروبي‪ ،‬ونحكم كما يحكم األوروبي‪ ،‬ثم لنعمل كما يعمل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫األوروبي‪ ،‬ونصرف الحياة كما يصرفها "‬

‫‪ 1‬عبد اهلل إبراهيم ‪ :‬الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة تداخل األنساق والمفاهيم ورهانات العولمة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪. 14‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه ‪ :‬ص‪. 14‬‬
‫‪4‬عبد العزيز شرف‪ :‬طه حسين و زوال المجتمع التقليدي‪،‬مجلة مستقبل الثقافة‪،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬مصر‪،‬دط‪،1611،‬ص‪.149‬‬

‫‪15‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫ربما كان الدافع األول في محاولة التغيير سواء تعلق األمر بالشعر أو النقد يعود‬
‫إلى مقتضيات العصر ‪ ،‬وتغير الحياة ‪ ،‬وبالتالي تغير الكيفية التي نرى بها األشياء ‪ ،‬لقد‬
‫" حاولوا التجديد مسايرة لروح العصر‪ ،‬و مجاراة للحياة الجديدة ألنهم و جدوا المجال‬
‫ضيقا عليهم و األبواب موصدة في وجوههم و أينما ولوا وجوههم نحو االبتكار وجدوا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫القدماء قد عبدوا الطريق و أوضحوا المعالم "‬
‫لذا نستنتج من خالل هذا القول بأن الحداثة العربية تخطو خطوة إلى االمام‬
‫واألخرى إلى الوراء بين مؤيد للتجديد ومعارض لهذه الفكرة ‪ ،‬لذا بناء على هذا فغن‬
‫هناك وجه شبه بين الحداثة كمفهوم معاصر عند الغرب وبينها عند العرب ‪.‬‬
‫وفي هذا المضمار يقول " محمود أمين العالم " ‪ " :‬إن التصورات والمفاهيم األساسية لهذا‬
‫الفكر النقدي هي صدى لتصورات ومفاهيم نقدية أوروبية‪ ،‬وأن مختلف االتجاهات في‬
‫نقدنا العربي المعاصر هي صدى لتيارات نقدية أوروبية ووراء هذه التيارات مفاهيم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابستمولوجية وايديولوجية "‬
‫وفي موضوع آخر يصرح " أدونيس " أن " الحداثة في المجتمع العربي ال تزال‬
‫شيئا مجلوبا من الخارج‪ ،‬إنها حداثة تتبنى الشيء المحدث‪ ،‬وال تتبنى العقل أو المنهج‬
‫الذي أحدثه‪ ،‬فالحداثة موقفا ونظرة قبل أن تكون نتاجا " (‪. )3‬‬
‫إذن فيرى محمود أمين العالم كممثل للمتقدمين وأدونيس كنموذج للمتأخرين أن‬
‫الحداثة تدخل ضمن األشياء المجلوبة من الغرب وكذلك نعتقد نحن ‪ ،‬فما وصلنا عنها‬
‫يوحي لنا بأنها غريبة عنا‪ ،‬وان عربت لفظا تبقى كمعنى بعيدة عن قناعتنا " فكلمتي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫حديث وحداثة استعارة من اآلخر االجنبي شأن كلمات وأشياء أخرى كثيرة‬

‫‪ 1‬الشين عبد الفتاح ‪:‬الخصومات البالغية والنقدية في صنعة أبي تمام‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دط‪ ، 1612 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 2‬عبد اهلل إبراهيم‪ :‬الثقافات العربية وللمرجعيات المستعارة تداخل األنساق والمفاهيم ورهانات العولمة‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ 3‬أدونيس ‪ :‬الشعرية العربية‪ ،‬دار اآلداب ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1615 ،1‬ص‪. 14‬‬
‫‪ 4‬أدونيس ‪ :‬النص القرآني وآفاق الكتابة ‪ ،‬دار اآلداب ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1663 ،1‬ص‪.103‬‬
‫‪16‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫ومن هنا فحداثة العرب حداثة ارتبطت بالحياة الراهنة‪ ،‬فكانت استجابة لها‪ ،‬وهو ما‬
‫قضى بموتها وهي من مهدها او بعابرة اخرى لم تنشأ نتيجة فكر معين او فلسفة بل كانت‬
‫تجديدا اقتضاه عدم جدوى الوسائل التقليدية لذا فحداثتنا اليوم بالنسبة للحداثة العربية هي حداثة‬
‫تلقيناها من اآلخر (الغرب) ‪.‬‬
‫وحاولنا ان نؤقلمها مع مناخنا الفكري‪ ،‬وهذا هو سبب عدم وضوح المصطلح وغموضه‪،‬‬
‫وان ادعى بعضهم انه أصبح ملكا لنا‪ ،‬لكنه في الحقيقة ال يمكن أن يفرغ مما يحمله في فكر‬
‫وثقافة وحضارة وفلسفة كانت سببا في ظهوره " ال يمكن الربط بين النقد العربي والنقد الغربي في‬
‫إطار التصور القائم على اعتبار النقد علما يجوز تطبيقه على الظواهر االدبية كافة في مختلف‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫البيئات الحضارية "‬
‫والجدير بالذكر أن هناك بعض النقاد أروا ان الحداثة لها بذور في النقد واألدب القديم‬
‫في العصر األموي والعباسي خاصة في شعر " أبي تمام " و " ابي نواس" و " ابن الرومي"‬
‫بحيث حاولوا الخروج عن البناء الفني القديم للقصيدة العربية‪ ،‬التي كانت تبدأ بالوقوف على‬
‫األطالل‪ ،‬حيث شد هؤالء عن هذه البداية‪ ،‬و" أبو نواس " مثال نهج منهجا فنيا يختلف عن نهج‬
‫الشعراء القدامى‪ ،‬وذلك ألنه لم يقتصر فيه على زلزلة البناء الفني القديم والثورة عليه أحيانا‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ولكن تعدى ذلك إلى تطويره وتحديده في معظم قصائده "‬
‫لذا من خالل هذا القول إذا كان " أبو نواس " من الشعراء الذين وضعوا بذور هذا‬
‫االتجاه التجديدي فقد جاء شعراء آخرون من بعده ‪ ،‬لذا هذا هو حال الحداثة في العالم العربي‬
‫جاءت من الغرب عن طريق الذين عرفوا حداثة وفكر‪ ،‬وعاشوا مع الحداثيين والثوريين الغربيين‬
‫وترجموا ما عندهم وطبقوه على واقعهم‪ ،‬ونادوا بتحديث األفكار والمبادئ أي تغيير العقائد‬
‫والشرائح‪ ،‬كما فعل اسيادهم ومعلموهم وقدوتهم هناك‪ ،‬فشكلت الحداثة زلزاال عنيفا أثارت البلبلة‬
‫واالضطراب في أفكار بعض الناس في العالم العربي ‪.‬‬

‫‪ 1‬سمير سعيد حجازي ‪ :‬النقد العربي و أوھام رواد الحداثة ‪ ،‬مؤسسة طيبة للنشر و التوزيع ‪،‬القاھرة‪،‬ط‪ ، 2005 ،1‬ص ‪.250‬‬
‫‪ 2‬عثمان موافي‪ :‬دراسات في النقد العربي‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪، 1661، 2‬ص‪.239‬‬
‫‪17‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫ثالثا ‪ :‬مبادئ الحداثة ‪:‬‬


‫كل باحث لموضوع الحداثة والمسار الطويل الذي تدرجت فيه يجد نفسه محكوما‬
‫بضرورة الوقوف عند أسس نشوئها وتشكلها وتطورها وسرعة انتشارها ونفوذها وقدرتها في‬
‫االستحواذ على فكر غيرها‪ ،‬وكان اهتداء الباحثين إلى أن ثمة من المفاهيم ما تكرر في‬
‫متون الحداثة ولخصوها في ثالث ‪:‬‬
‫أ‪ : -‬العقالنية ‪: rationalité‬‬
‫بهذا المبدأ عرفت الحداثة عموما واليه نسبت‪ ،‬وما زال االعتقاد بهذا التناسب‬
‫والترابط راسخا حتى سوي بينهما‪ ،‬حتى أصبح البحث في الحداثة يستوجب الخوض في‬
‫العقالنية‪ ،‬وكل بحث في العقالنية يقرن بصورة واضحة ومباشرة بالحداثة‪ ،‬حتى قيل‬
‫الحدا ثة العقالنية أو عقالنية الحداثة‪ ،‬فتبعا للعالقة الوطيدة بينهما كما يرى هابرماس أن‬
‫حضور الواحدة يستدعي األخرى والعكس صحيح‪.‬‬
‫ومادام أن العقل هو المجال الذي يتحرك فيه الخطاب الحداثي بكل مستتبعاته‪،‬‬
‫وهذا أمر ال يمكن الشك فيه‪ ،‬فالعقالنية هي مفتاح الحداثة وروح اإلنسان الحديث بعد‬
‫سيادة العبث والفوضى‪ ،‬وترك العالم عرضة للصدفة والهوى و الخرافة‪ ،‬كما كان الحال‬
‫عليه في العصور الوسطى‪ ،‬فهاهو اإلنسان الحديث ينظر‪ ،‬يتأمل‪ ،‬ينفذ‪ ،‬ويبسط سلطته‬
‫ويستبد‪ ،‬ويحدد لكونه ذاتا عاقلة‪ ،‬فهو الوحيد الذي يبرز وجود األشياء ويعللها‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األس اس تعتبر الرابطة الحميمة بين الحداثة والعقالنية أم ار بديهيا‪ ،‬وينتج عن ذلك نزع‬
‫الطابع السحري والوهمي عن العالم‪ ،‬وازالة التصورات العتيقة‪ ،‬وتعويضها بثقافة علمية‬
‫عاقلة " ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫وعلى هذا فالفكر الفلسفي في المناخ الكالسيكي الغربي قد أسس حداثته بمحاولة‬
‫إعادة االعتبـار إلى العقل واثباته من ناحـية‪ ،‬وباستبعاد الالعقل بجميع مظاهره من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬باعتباره منبع الفساد والتشويش والخراب )‪(...‬وعلى هذا فالعقل مفتاح الحقيقة‬
‫واألسطورة مخبؤها‪ ،‬وبالعقل يستطيع المرء أن يسيطر على ما تخفيه األسطورة‪ ،‬وأن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يكشف وظائفها لفهم مقاصدها "‬
‫" فالحداثة بهذا تأسست على إعطاء أهمية خاصة للعقل‪ ،‬إذ أصبح مبدأ لكل‬
‫نشاط علمي ومرجعا لكل معرفة‪ ،‬و من شأنه أن يحدد عالقته الشائكة بذاته؛ أو ما يعرف‬
‫بالوجود الداخلي‪ ،‬أو ما يحيط به‪ ،‬أو ما يعرف بالوجود الخارجي‪ ،‬فهيغل رأى أن من شأن‬
‫إعمال اإلنسان الحديث ألول مرة في تاريخ البشرية‪ ،‬النظر في اآلفاق وفي نفسه‪ ،‬إن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عمل هو على إزالة غربة الذات في الطبيعة وغربة الطبيعة في الذات "‬
‫وكما يتصور ماكس فيبر‪ ،‬فإن الحداثة ترتبط بالعقالنية في صورة تالزم واضح‬
‫ودائم كرسه الفكر الغربي إلى الحد الذي يجعله ارتباطا داخليا بديهيا؛ بالنظر إلى تاريخ‬
‫أوربا الحديث الذي استقلت فيه الفنون والمنظومة األخالقية والقانونية‪ ،‬مناهج العلم‬
‫ونظرياته من قيود الدين وسيطرته ‪ ،‬والتي مثلت في نظر المثقفين الغربيين عائقا حال‬
‫دون التقدم المرجو ‪ ،‬وهو ما أدى إلى ثقافة دنيوية ‪ ،‬فالمعقولية هي قبل كل شيء ‪ ،‬حقل‬
‫فيه تنتظم معارفنا وتتحد تدخالت اإلنسان لفهم الطبيعة والحياة فهما يقترب من حقيقة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫واقعها‬
‫وترتب عن القول بالعقالنية كأساس للحداثة الغربية عقلنة جميع مناحي الحياة‪،‬‬
‫سواء باستيعاب معطيات الماضي وتجاوزها‪ ،‬أو التأقلم مع معطيات الحاضر‪ ،‬والتهيؤ‬
‫الستقبال التطورات الجديدة‪.‬‬

‫‪ 1‬فتحي التريكي‪ ،‬ورشيدة التريكي‪ :‬فلسفة الحداثة ‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ، 1662 ،‬ص ‪. 96‬‬
‫‪ 2‬محمد الشيخ ‪ :‬فلسفة الحداثة في فكر هيغل‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1‬ص‪.25‬‬
‫‪ 3‬فتحي التريكي‪ ،‬ورشيدة التريكي‪ :‬فلسفة الحداثة‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫‪19‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ :‬الذاتية ‪: La Subjectivité‬‬ ‫ب‪-‬‬


‫إن القول باألساس الذاتي للحداثة ال يقل وزنا عن القول بأساسها العقلي‪ ،‬والحق‬
‫أن الحداثة في معناها القريب والمباشر هي إيالء األولوية للذات‪ ،‬كونها استعادت ثقة‬
‫اإلنسان في فكره وحقه وملكه ومسؤوليته‪ ،‬إذ وجد اإلنسان المتعة ال فيما قرره التقليد أو‬
‫أفتى به القس‪ ،‬أو أمر به القوم‪ ،‬وانما هي أعماله بما هو فرد ذو طبيعة حرة وعاقلة‪.‬‬
‫فمنذ عهد الحداثة صار بمقدور المفكر أن يفكر بدء من ضمير المتكلم "أنا" ‪ ،‬و‬
‫هذه "األنا" كانت مغيبة في العهد القديم و منغمرة في " النحن" وذائبة فيه‪ .‬فالفكر الحداثي‬
‫أعاد تشكيل نظرة اإلنسان إلى ذاته كذات مستقلة " هي مقر ومرجع الحقيقة واليقين‪ ،‬وهي‬
‫المركز والمرجع الذي تنسب إليه الحقيقة لكل شيء (‪ ،)...‬أي تنصيب اإلنسان ككائن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مستقل وواع وفاعل ومالك للحقيقة "‬
‫ولعل أبرز ملمح تجلى فيه قيام الحداثة على الذاتية كان في أعمال ديكارت الذي‪،‬‬
‫وجه الفلسفة الحديثة نحو الذات‪ ،‬ذلك أنه تصور اإلنسان بما هو "أنا" وأناط بهذه األنا‬
‫"الفكر"‪ ،‬فصار اإلنسان جوه ار صفته الفكر‪ ،‬فمع الكوجيتو الديكارتي أصبحت فيه الذات‬
‫المفكرة مرك از ومرجعا لكل حقيقة‪ ،‬وتبلورت ثقافة عقالنية لتشكل األرضية واإليديولوجية‬
‫المؤسسة لفكر الحداثة " فالفلسفة ابتداء من ديكارت أصبحت تحليال للوعي و لملكاته‬
‫وقواه‪ ،‬فوعي اإلنسان لذاته أساس كل فكر لدى اإلنسان‪ ،‬وانطالقا من الوعي وحده‬
‫يستطيع المرء أن يقوم بوصف لظاهرات العالم‪ ،‬وانطالقا من الوعي وحده نستطيع أن‬
‫نحدد ما يجب أن نعتبره موجودا حقا‪ ،‬عندئذ تتطابق الحقيقة مع التمثالت اليقينية‪ ،‬ويومئذ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نجد "األنا" التي تشكل تمثالتها وقد أصبحت مناط كل ما هو موجود "‬

‫‪ 1‬محمد سبيال ‪ :‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط ‪ ، 2000 ،1‬ص ‪. 93‬‬
‫‪ 2‬عثمان أمين ‪ :‬ديكارت ‪ ،‬مكتبة األنجلو مصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬دط‪ ، 1696 ،‬ص‪21‬‬
‫‪11‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫ومن خالل ذلك تشكل المفهوم الفلسفي لإلنسان كذات في الفكر الغربي الحديث‬
‫بكل ما فيه من نزعات ال عقلية ومن هوى‪ ،‬وبكل ما تسعى إليه من نفع واستحواذ‪ ،‬إذ‬
‫أصبح العقل مجب ار على االنحياز إلى الذات ليستمد منها اليقين‪ ،‬وفي الوقت نفسه تطلب‬
‫منه ليمنحها التبرير الذي يحتاج إليه لعقلنة أفعالها وأعمالها و مختلف ممارساتها التي‬
‫تقوم بها باسم العقل افتراء عليه‪ ،‬وليرفع عنها بذلك كل قيد من دين أو أخالق‪ .‬وبذلك وقع‬
‫للفلسفة تغيير عميق األثر‪ ،‬تم بموجبه توجيه الفكر الغربي " وجهة جديدة نحو تحقيق‬
‫غايات ذاتية أنانية‪ ،‬كان الفكر الفلسفي الغربي الحديث يصبوا للتخلص من استبداد‬
‫الكنيسة‪ ،‬وسيطرة الباباوات وطغيانهم باسم الدين‪ ،‬فاختلط بذلك العقل والالعقل‪ ،‬سواء‬
‫أكان ذلك على المستوى النظري المحض‪ ،‬أم كان ذلك على المستوى العلمي التطبيقي‪،‬‬
‫ليمتد هذا الخلط بعد ذلك إلى األخالق والسياسة واالقتصاد واالجتماع دون حدود تحده أو‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫قيود تقيده "‬
‫و بما أن الذاتية هي األساس الفلسفي للحداثة‪ ،‬حيث أصبح اإلنسان بمقتضاها‬
‫مقياسا لكل شيء‪ ،‬فإنه يمكن القول بأنه أعيد اكتشاف بروتاغوراس (‪ 411-410‬ق م)‬
‫في المصدر اليوناني لتأكيد هذه النزعة اإلنسانية النسبية‪ ،‬لتؤدي بذلك هذه النزعة إلى‬
‫انحياز العقل إلى الذات‪ .‬فالذاتية بهذا تصبح مالزمة لإلرادة والرغبة في المعرفة‪ ،‬الشيء‬
‫الذي يعني اقتحام كل الميادين دون تردد‪ ،‬وكل تمظهرات الحياة وتعابيرها لمعرفتها عن‬
‫حقيقتها‪ ،‬وقد ترتب عن اإليمان بمبدأ الذاتية كوجه آخر للحداثة‪-‬بعد العقالنية‪ -‬أن أصبح‬
‫الوجود قابال للمعرفة‪ ،‬من أبسط الظواهر إلى أعقدها‪ ،‬وأعلن اإلنسان بموجب هذه المعرفة‬
‫سيادته تقدي ار ال توصيفا‪ " ،‬فثمرة انتصار الحداثة هي تحرير الروح واستقاللية الذات‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫البشرية‪ ،‬وتقابل اإلنسان مع نفسه كذات واعية‪ ،‬سيدة‪ ،‬مريدة وفعالة "‬

‫‪ 1‬سالم القمودي ‪ :‬اإلنسان ليس عقال‪ ،‬مؤسسة االنتشار العربي‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط ‪، 2001‬ص‪. 15‬‬
‫‪ 2‬علي حرب ‪ :‬الماهية والعالقة‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪، 1661، 1‬ص ‪. 214‬‬
‫‪10‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫لذا فمنذ نهاية القرن الثامن عشر لم يهتم خطاب الحداثة في الغرب إال بموضوع‬
‫واحد رغم تعدد التسميات؛ وهو اإلنسان وفاعليته ‪.‬‬
‫ج‪ : -‬الحرية ‪:la liberté‬‬
‫إن القول بالحرية كأساس للحداثة ال يقل قيمة عن القول بأساسي العقالنية‬
‫والذاتية‪ ،‬إذ يمكن القول بأن الحداثة هي الحرية‪ ،‬فكما نظرت الحداثة إلى العالم نظرة‬
‫ملؤها العقل واعتبار الذات‪ ،‬فقد عمدت كذلك إلى جعل اإلرادة البشرية أساس بناء‬
‫المجتمع و الدولة الحديثة‪ ،‬فالحرية في الفكر الحداثي هي جوهر الكائن البشري‪ ،‬وغاية‬
‫وجوده‪ ،‬وهي شرط لتحقيق الكمال والخلق الذاتي‪ ،‬واألكثر من ذلك هي الشرط الضروري‬
‫للحصول على مشروعية الفعل األخالقي‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬والسياسي‪ ،‬واالقتصادي‪...‬الخ‪.‬‬
‫وأول من حقق مبدأ الحرية فالسفة الحداثة وروادها‪ ،‬ابتداء بديكارت حينما ربط‬
‫كنه الفكر باإلرادة‪ ،‬وأوسطه تحقق مع ليبنتز (‪ ) 1119-1949‬الذي عمم مبدأ اإلرادة‬
‫هذه‪ ،‬وجعل من كل كائن مريد‪ ،‬ومنتهاه مع كانط الذي جعل من اإلنسان الكائن الحر‬
‫بامتياز‪ ،‬وجعل من الحرية مقدرة اإلنسان على التشريع لنفسه‪ ،‬وذلك من دون سند خارجي‬
‫هذه األفكار وغيرها كانت بمثابة البذور األولى لنشأة المشروع‬ ‫(‪)1‬‬
‫أو عون موضوعي‬
‫الحداثي الغربي‪ ،‬والذي كانت الحرية صلبه ونواته‪ ،‬ونشأ بذلك المجتمع الحديث‪ ،‬الذي هو‬
‫مجتمع الطبقات المفتوحة ال الطوائف المغلقة‪.‬‬
‫فحداثة الحرية هي التي تقوم على االعتراف باآلخر كإرادة حرة لها حق االختالف‬
‫والتواصل‪ ،‬وبالتعبير السياسي واالجتماعي الحرية هي بمثابة الفضاء الذي يتحقق في‬
‫إطاره التفاهم واالعتبار المتبادل‪ ،‬فتعزز الثقة بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬وتزول أسباب الظلم‬
‫والعبودية‪ ،‬ومنه استثمار الكل مقدرات الخلق واإلبداع والتطور‪ .‬فالحرية بهذا هي ركن‬
‫أساسي في النظرة الجديدة للتحديث‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد الشيخ ‪ :‬فلسفة الحداثة في فكر هيغل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 29‬‬
‫‪11‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫والحرية ليست مسألة نظرية تثار في األذهان من أجل البحث فيها فلسفيا بأبعاد‬
‫ميتافيزيقية ‪ ،‬كما كان سائدا في عصور ما قبل الحداثة ‪ ،‬بل الحرية مسألة عملية تطبيقية‬
‫تتجسد في مختلف مفاصل المجتمع ‪ ،‬الذي ابتغى من الحداثة سبيال لحياته " فالوعي‬
‫بالحرية ال يجري في عالم الفكر المجرد ‪ ،‬بل في مؤسسات وتنظيمات ترافق الثقافة‬
‫المظهرة لفكرة الحرية وتتفاعل معها ‪ ،‬وهكذا تتألف حضارة الحرية من ثقافة الحرية ‪ ،‬ومن‬
‫مؤسسات الحرية ‪ ،‬وتتطور على الدوام من جيل إلى جيل ‪ ،‬ال بتأثير التفاعل بين نشاط‬
‫الثقافة وايقاع المؤسسات فقط‪ ،‬بل بتأثير التحوالت داخل الثقافة ‪ ،‬وداخل المؤسسات‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أيضا"‬
‫وأبرز مظهر تجلت فيه الحرية كأساس للحداثة كان في المجال السياسي‪،‬‬
‫وتحديدا في الفعل الديمقراطي‪ ،‬فالديمقراطية كنظرية أو كممارسة تعد نتاجا للمشروع‬
‫السياسي الحداثي" إذ ال يمكن التفكير في العمل الديمقراطي خارج األرضية الفلسفية‬
‫والسياسية الحداثية المؤطرة لهذا العمل‪ ،‬وتفي مراجعة كيفيات تشكل التجربة الديمقراطية‬
‫في تاريخ الفكر والممارسة السياسية في الغرب لنتأكد من المواكبة الحاصلة ضمن هذا‬
‫التاريخ‪ ،‬بين المرجعية الفلسفية والحداثية وتجلياتها في الفضاء السياسي واالجتماعي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫والثقافي كفضاء ديمقراطي"‬
‫فالنظام السياسي الديمقراطي يرتبط بفكرة الحرية‪ ،‬وال يمكن لهذا النظام أن يكتسب‬
‫مشروعيته ما لم يتأسس على مبادئ االقتراع العام‪ ،‬والسيادة الشعبية‪ ،‬والسلطة الشرعية‪.‬‬
‫واجماال يمكن القول بان الفكر الحداثي في تحديد موضعه للمقومات إنما هي‬
‫بداية النهاية أي نهاية عصر وبداية عصر آخر‪ ،‬أي نهاية المعارك التي خاضها الفكر‬
‫الغربي ولمدة قرون ضد كل ما هو مناف للمعقولية والجدة‪ ،‬فالفكر الحداثي الغربي في‬

‫‪ 1‬ناصيف نصار‪ :‬باب الحرية‪ ،‬إنبثاق الوجود بالفعل‪ ،‬دار الطليعة لطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ، 2003 ، 1‬ص ‪. 11‬‬
‫‪ 2‬كمال عبد اللطيف‪ :‬األسئلة الغائبة في الديمقراطيات العربية‪ ،‬سؤال المرجعية وأسئلة المجال‪ ،‬فكر ‪ 2‬ونقد‪،‬الرباط‪،‬المغرب‪،‬‬
‫العدد ‪، 41‬دط‪ ،‬أفريل‪ ، 2002‬ص‪.10‬‬
‫‪11‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬
‫بحثه عن المحركات التي من شانها ان تحرك وعيه الحديث ويتجاوز بها وعيه القديم‪،‬‬
‫وتحقق له التالؤم مع ذاته وواقعه ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬رواد الحداثة ‪:‬‬
‫أ‪ : -‬رواد الحداثة عند الغرب ‪:‬‬
‫‪ -‬شارل بودلير ‪1191 – 1121‬م وهو أديب فرنسي أيضا نادى بالفوضى الجنسية‬
‫والفكرية واألخالقية‪ ،‬ووصفها بالسادية أي مذهب التلذذ بتعذيب اآلخرين ‪ ،‬له ديوان‬
‫شعر باسم أزهار الشر مترجم للعربية من قبل الشاعر إبراهيم ناجي‪ ،‬ويعد شارل‬
‫بودلير مؤسس الحداثة في العالم الغربي مؤسسها من الناحية الفنية‪ ،‬فهو أستاذ‬
‫الحداثيين في كل مكان‪ ،‬والذي كان عميدا لرمزية بغداد غار والخطوة االولى للحداثة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫فقد نادى بالفوضى في الحس والفكر واألخالق‬
‫لذا لقد قام المذهب الرمزي الذي أراده بودلير على تغيير وظيفة اللغة الوضعية‬
‫بإبجاد عالقات لغوية جديدة تشير إلى مواضع لم تعدها من قبل‪ ،‬وكان يطمح أيضا إلى‬
‫تغيير وظيفة الحواس عن طريق اللغة الشعرية‪ ،‬ولذا ال يستطيع القارئ أو السامع أن يجد‬
‫كذلك هناك بالناقد رامبو الذي دعا إلى‬ ‫(‪)2‬‬
‫المعنى الواضح المعهود في الشعر الرمزي‬
‫الحداثة ويعتبر رائدا لها‪ ،‬والذي ال يقل شأنا عن بودلير‪ ،‬لقد دعا رامبو إلى الهدم العقالني‬
‫لكل الحواس‪ ،‬وأشكال الحب والعذاب‪،‬والى أن يكون الشعر رؤية ما ال يرى وسماع ما ال‬
‫يسمع ‪ ،‬وفي رأيه ان الشاعر البد أن يتمرد على التراث وعلى الماضي‪ ،‬ويقطع أي صلة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مع المبادئ األخالقية والدينية ‪...‬‬

‫‪ 1‬غالي شكري ‪ :‬شعرنا الحديث إلى أين ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪ 2‬عبد الحميد جيدة ‪ :‬االتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬مؤسسة نوفل ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ .1610 ،1‬ص ‪.121‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪. 141‬‬
‫‪11‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬غوستاف فلوبير ‪1110 – 1121‬م فهو أديب فرنسي وشاعر حداثي دعا أيضا‬
‫للحداثة‪.‬‬
‫وعلى آثار بودلير ورامبو جاء ماال راميه وبول فاليري وغيرهما‪ ،‬ووصلت الحداثة‬
‫في الغرب إلى شكلها النهائي على يد األمريكي اليهودي عزراباوند واالنجليزي توماس‬
‫اليوت ‪.‬‬
‫‪ -‬ماال راميه ‪1161 – 1142‬م وهو شاعر فرنسي ويعد أيضا من رموز المذهب‬
‫الرمزي ولقد دعا أيضا للحداثة ‪.‬‬
‫وبهؤالء جميعا تأثرت الموجات األولى من الحداثيين العرب مثل السياب ونازل‬
‫وهناك ايضا بإجمال مجموعة‬ ‫(‪)1‬‬
‫المالئكة والبياتي وخليل حاوي وأدونيس ‪...‬وغيرهم‬
‫من الرواد أهمهم هنري لوفيفري وجان بودريار اوحين جراندال وروالن بارت ورومان‬
‫ياكوسبون ‪ ..‬وغيهم كثر ‪.‬‬
‫‪ :‬رواد الحداثة عند العرب ‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪ -‬يوسف الخال ‪ 1611-1620‬هو الشاعر النصراني وهو سوري األصل رائد الحداثة‬
‫األولى في العالم العربي‪ ،‬وهو رئيس تحرير مجلة الحداثية التي تدعو إلى الحداثة‬
‫وقد مات منتح ار أثناء الحرب األهلية اللبنانية حيث يقول ‪ " :‬الحداثة في الشعر إبداع‬
‫وخروج _على ما سلف _ الشاعر الحق هو الفذ والمتمرد والجريء ‪..‬والشاعر يتمرد‬
‫ويثور ‪ ،‬لكن إلى أي أحد يبقى أن يأكل ويشرب ويعاشر ويشارك فال وجود خارج‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المجتمع "‬

‫‪ 1‬إحسان عباس‪ :‬فن الشعر‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ، 1615 ،5‬ص ‪. 94‬‬
‫‪ 2‬يوسف الخال ‪ :‬الحداثة في الشعر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 19 ، 15 ،15‬‬
‫‪15‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫ويقول أيضا ‪ ":‬أنما هي نتاج عقلية حديثة تبدلت نظرتها إلى األشياء تبدال جذريا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وحقيقيا انعكس في تغيير جديد "‬
‫‪ -‬أدونيس ( علي أحمد سعيد) ‪ 1641-1630‬شاعر حداثي نصراني سوري‪ ،‬ويعد‬
‫الرائد والمروج األول للحداثة في البالد العربية‪ ،‬وقد هاجم التاريخ اإلسالمي‪ ،‬والدين‬
‫واألخالق في رسالته الجامعية التي قدمها لنيل درجة الدكتوراه في جامعة " القديس‬
‫يوسف" في لبنان وهي بعنوان الثابت والمتحول‪ ،‬بحيث في االتباع واإلبداع عند العرب‬
‫‪ ،‬ودعا إلى محاربة وهدم اإلسالم واللغة العربية ‪.‬‬
‫ويقول في كتابه الثابت والمتحول ‪ ":‬هكذا تولدت الحداثة تاريخيا من التفاعل‬
‫والتصادم بين موقفين وعقليتين في مناخ تغير‪ ،‬ونشأت ظروف وأوضاع جديدة ‪ ،‬ومن هنا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وصف عدد من مؤسسي الحداثة الشعرية بالخروخ "‬
‫‪ -‬لذا يعتبر أدونيس المنظر الفكري للحداثيين العرب ‪.‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز المقالح وهو كاتب وشاعر يماني‪ ،‬وهو اآلن مدير لجامعة صنعاء وذو‬
‫فكر يساري ‪.‬‬
‫‪ -‬محمد عابد الجابري ‪ 1639‬هو أحد كبار منظر ورائد للحداثة فهو يدعو إلى إعادة‬
‫النظر في التراث ‪.‬‬
‫‪ -‬صالح عبد الصبور ‪ 1611-1631‬من رواد الحداثة المصرية ‪.‬‬
‫‪ -‬محمود درويش ‪ 1642‬عضو الحزب الشيوعي االسرائيلي فهو فلسطيني نصراني‬
‫ورئيسا لتحرير نشرة الشؤون الفلسطينية ‪.‬‬
‫‪ -‬جابر عصفور ‪ 1644‬أستاذ النقد األدبي وهو من مؤسسي مجلة " فصول" الحداثية ‪،‬‬
‫فحداثته هي دعوة إلى الحرية ‪.‬‬

‫‪ 1‬يوسف الخال ‪ :‬الحداثة في الشعر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 11‬‬


‫‪ 2‬أدونيس ‪ :‬الثابت والمتحول (بحث في اإلتباع واإلبداع عند العرب) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪16‬‬
‫الحداثة مصطلح ومفهوم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬خليل حاوي نصراني حداثي شارك في تنظيم تجميع الحداثيين وانشاء مجلة شعر ‪،‬‬
‫وعنه يقول يوسف الخال ‪ :‬هو بالتأكيد واحد من سنة الحداثة وأعطى الكثير لهذه‬
‫الحداثة ‪.‬‬
‫‪ -‬عبد اهلل الغدامي ‪ 1649‬فهو مولع بحب الحداثيين الغربيين وبخاصة الفرنسيين يكثر‬
‫النقل عنهم في كتبه‪ ،‬يعرف الحداثة ‪ " :‬إن الحداثة تسعى إلى صقل الموروث لتفرز‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الجوهري منه فترفعه إلى الزمان بعد أن تزيح كل ما هو وقتي "‬
‫‪ -‬غالي شكري ‪ 1635‬حداثي نصراني هو من أشد الحداثيين سخرية باألنظمة العربية‬
‫وتمرد على األوضاع السياسية والدينية يعرف الحداثة ‪ " :‬بانها تطور جديد ونظرة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫جديدة إلى الكون واإلنسان والمجتمع "‬
‫‪ -‬وهناك أيضا حداثيين نذكر منهم على سبيل المثال ‪ :‬عبد الوهاب البياتي‪ ،‬أحمد مطر‪،‬‬
‫وسميح القاسم‪ ،‬محمد أركون الحداثي الجزائري سعيد السريحي‪ ،‬عبد اهلل الصيخان‪،‬‬
‫محمد التبيتي‪ ،‬وهؤالء منهم الشعراء ومنهم النقاد والكاتبون ‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد اهلل محمد الغدامي‪:‬تشريح النص‪،‬مقاربات لنصوص شعرية معاصرة‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1611 ،1‬ص‪. 10‬‬
‫‪ 2‬غالي شكري ‪ :‬شعر الحديث إلى أين ‪ ،‬ص ‪. 1‬‬
‫‪17‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫يعتبر النقد األدبي شكل من أشكال المعرفة العلمية هدفه اإلضاءة وتفسير شرط انتاج‬
‫اآلثار األدبية ومهمة الناقد في ظل هذا التعريف أن يق أر األثر قراءة لغوية وفنية من خالل‬
‫االستعانة بالمفاهيم وفروع علم اللسانيات فالنقد األدبي يجعل من اآلثار مجاال لبحوثه كما‬
‫أنه يحاول التمسك بتطبيق مناهج العلوم اإلنسانية لذا فالنقد األدبي في عصرنا الحديث قد‬
‫تطور كما لم يسبق له أن تطور من قبل(‪.)1‬‬
‫لذا ف قد حاول النقد األدبي في تاريخه أن يعقد أحالفا مع فروع عدة من العلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬كعلم النفس وعلم االجتماع‪ ،‬واذا كان قد وجد في هذين النوعين وغيرهما من‬
‫العلوم اإلنسانية جا ار صالحا ألن يكون حليفا‪ ،‬واألولى أن يجد ذلك في فرع من فروع العلم‬
‫تجمعه به قرابة هو " علم اللسان" (‪.)2‬‬
‫إذن فالنقد األدبي أولى بعلم اللسانيات من غيره من العلوم وعلم اللسانيات كذلك أولى‬
‫بالنقد األدبي من غيره من العلوم والتقريب بينهما هدف صحيح تسعى إليه جماعة من‬
‫الشباب والكهول من علماء اللسانيات ومن المشتغلين بالنقد األدبي في العالم كله‪ ،‬ويأتي‬
‫عبد اهلل محمد الغذامي على طليعتهم (‪.)3‬‬
‫وليس من السهل على أية مقاربة نقدية اإلحاطة بمشروع الغذامي النقدي‪ ،‬ويعزى‬
‫ذلك إلى عديد األسب اب‪ ،‬منها ما يتعلق بالمشروع نفسه ومنها ما يتعلق بالناقد في حد ذاته‪،‬‬
‫فالمشرع ظل يتنامى من النقد األلسني إلى النقد الثقافي ويتجدد من الداخل في كل يظن أنه‬
‫أصابه اإلفالس وأوشك على البوار‪ ،‬هذا فضال عن اتساع رقعته وتجاوز التنظير والتطبيق‬
‫في معظم ما انجز الناقد حتى أبحا صنوان ال يفترقان" (‪.)4‬‬

‫‪ 1‬عبد السالم المسدي ‪ :‬األدب وخطاب النقد‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحد‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬مارس ‪ ،4002‬ص ‪.8‬‬
‫‪ 2‬محمود الريبعي‪ :‬النقد والحداثة‪ ،‬مجلة فصول النقد األدبي‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،‬مج‪ ،5‬ع‪ (،1‬د ط)‪،‬ديسمبر‬
‫‪ ،1882‬ص ‪.442‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪.442‬‬
‫‪ 4‬عمر زرفاوي‪ :‬الغذامي ومشروع النقد األلسني‪ :‬مجلة حوليات التراث‪ ،‬جامعة مستغانم‪ ،‬جزائر‪،‬ع‪( ،2‬د ط)‪،4002 ،‬ص ‪.152‬‬
‫‪93‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بدأ الدكتور عبد اهلل الغذامي نشاطه الفكري بزلزال عنيف هو كتابة الخطيئة والتكفير‪،‬‬
‫ويعتبر كتاب اليوم "الموقف من الحداثة ومسائل أخرى" من توابعه بهذا المنظور‪ ،‬ولكن‬
‫مبحث الموقف من الحداثة" من بين مباحث الكتاب يرتفع بدرجة التابع‪ ،‬ألن له هو اآلخر‬
‫توابعه من ردود الفعل ومحاوالت االجابة عنها فكأنها زلزال داخل زلزال‪ ،‬ولعل هذا المدخل‬
‫يصلح تشبيها تمثيليا كما تقول بالغتنا العربية القديمة للرؤية كما نراها في اإلبداع النقدي‬
‫للناقد الغذامي (‪.)1‬‬
‫لذا فإن أول ما يجعل القارئ يلفت النظر إليه في كتابه هو أن فصول في هذا الكتاب‬
‫كانت في األصل أبحاثا مستقلة‪ ،‬كتبت متفرقة إلغراض خاصة ثم جمعت على هيئة‬
‫محاضرات ومقاالت كونت رؤية نقدية في المقالة األولى من كتابه " الموقف من الحداثة"‬
‫الذي يستعرض لنا االختالف البارز في الثقافة األدبية العربية‪ ،‬والذي يشكل أبجديات‬
‫الخارطة الثقافية التي تسود المملكة في الوقت الحاضر‪ ،‬ووجد في األمر صعوبة لذلك ففي‬
‫المملكة من هو عمودي‪ ،‬ومن هو حداثي ومن هو األلسني كما أن فيها االنطباعي‪ ،‬و ال‬
‫بأس في هذا االختالف ألنه ضرورة وجود‪ ،‬ولكن البأس كل البأس في أن هذه المالمح‬
‫األربعة البارزة على الساحة ت فقد العنصر المهم لضرورة البقاء وهو التعايش‪ ،‬فبعض‬
‫العموديين يبذلون قصارى جهدهم في تصفية من عاداهم ويرمون بعض الحداثين بالتنكر‬
‫للتراث‪ ،‬وهي تهمة واردة في حق البعض وال يمكن التسليم لهم بها على االطالق‪ ،‬فكثير من‬
‫شعراء الحداثة بريئون منها (‪.)2‬‬
‫لذا بما أن الدكتور "الغذامي" محسوب على األلسنية التي دخلت المملكة أخي ار فهو‬
‫يمتدحها وعنها يصدر‪ ،‬التي يرى أنها تتميز بمنهجية التفكير واالنفتاح على اآلخرين‪ ،‬لكن‬
‫أتباعها قلة مقابل الكثرة السائدة من االنطباعيين الذين تحفظ المؤلف عليهم ألنهم ال‬

‫‪ 1‬مختار أبو غالي‪ :‬قراءة نقدية في كتاب الموقف من الحداثة‪ ،‬مجلة العربي‪ ،‬و ازرة الثقافة واإلعالم‪ ،‬الكويت‪ ،‬ع‪( ،.254‬د‪،‬ط)‪،‬‬
‫نوفمبر ‪ ،1884‬ص ‪.105‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪105‬‬
‫‪04‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يصدرون عن أسس علمية وال منهجية في ممارستهم‪ ،‬ويتكئون على مقوالت فكرية اجتماعية‪ ،‬مما‬
‫يدخل بعضهم في مظلة ( علم المضمون) و فوق كل هذا تضيق صدورهم بالرأي اآلخر مع‬
‫الحوار الخالق فعالية ثقافة دونها تصاب الحركة بالعفن (‪.)1‬‬
‫أوال ‪ :‬الموقف من الحداثة‪:‬‬
‫باعتبار الحداثة مصطلح بالغ العراقة والجدة ومن المصطلحات المتداولة لدى النقاد والتي‬
‫تمثلت في صراع بين القدماء والمحدثين لذا يعمل الحداثيون على ضرورة تغير التراث بمبادئه‬
‫وعقائده وقيمه إلى مبادئ وقيم حديثة ومعاصرة وينادون بحتمية التحول عن القديم والماضي إلي‬
‫الحديث والمستقبل لذا فالحداثة هنا تشير _تراثيا_ إلى الصراع بين القدماء والمحدثين‪ ،‬ذلك‬
‫الصراع الذي بدأ مع القرن الثاني للهجرة عندما كان المحدث قرين البدعة‪ ،‬وكانت البدعة قرينة‬
‫تغير جذري‪ ،‬يفرض إعادة النظر في الموروث من التصورات األدبية و االجتماعية والدينية وكان‬
‫ذلك على أساس من وعي متغير بواقع متحول من ناحية وعلى أساس من حوار مع تراث آخر‬
‫يعاد انتاجه لصالح هذا الوعي المتغير من ناحية ثانية بالقدر نفسه يشير المصطلح إلى صراع‬
‫جديد معاصر بين قدماء ومحدثين‪ ،‬حول التغيرات الجذرية التي وقعت‪_،‬والزالت تقع_ في القصيدة‬
‫العربية المعاصرة منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية(‪.)2‬‬
‫ترتبط الحداثة بصورة عامة باالنزياح المتسارع في المعارف وأنماط االنتاج والعالقات على‬
‫نحو سيتتبع صراعا مع المعتقدات‪ ،‬أي المعارف القديمة التي تحولت بفعل ثباتها الى معتقدات‪،‬‬
‫ومع القيم التي تفرزها أنماط االنتاج والعالقات السائدة (‪.)3‬‬
‫ولعل أحد أهم األسباب التي أججت الصراع بين القديم والجديد ما جاء به المجددون من‬
‫أفك ار‪ ،‬كفكرة أن الحداثة جاءت بمشروعها لتخليص اإلنسان من أوهامه وتحريره من قيوده وتفسير‬
‫الكون تفسير عقالنيا واعيا ‪.‬‬

‫‪ 1‬مختار أبو غالي‪ :‬قراءة نقدية في كتاب الموقف من الحداثة‪ ،‬ص ‪104‬‬
‫‪ 2‬جابر عصفور‪ :‬معنى الحداثة في الشعر المعاصر‪ ،‬مجلة فصول النقد األدبي‪ ،‬مج‪ ،2‬ع‪( 2‬د‪،‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪55‬‬
‫‪ 3‬خالد سعيد‪ :‬المالمح الفكرية للحداثة‪ ،‬مجلة فصول النقد األدبي‪ ،‬الهيئة المصرية للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،‬مج‪ ،2‬ع‪( 2‬د‪،‬ط)‪ ،‬جوان‬
‫‪ ،1882‬ص ‪.45‬‬
‫‪04‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وأن الحداثة ترى أن مثل هذا المشروع ال يتم إال باالهتمام بالتجربة االنسانية كما‬
‫هي في لحظتها اآلنية‪ ،‬فهي ترى أن اللحظة المعاشة والتجربة الحالية هي الحقيقة التي يجب‬
‫التعامل معها ضمن كامل التاريخ (‪.)1‬‬
‫أما المعارضون للجديد فهم يأبون على أنفسهم التحلي بهذه الميزة اإلنسانية‬
‫ويحاربونها حتى أنهم صاروا يحاربون أنفسهم مما أوقعهم في تناقض غريب مع الحياة التي‬
‫يحيونها والعلم الذي يدعون حمله (‪.)2‬‬
‫فهم يرون أن الحداثة نفسها تنطوي على جانب تدميري هو نواتها ومن هنا جاء‬
‫التقابل الضدي بين الثابت والمتحول (‪.)3‬‬
‫وفي هذه المقالة التي تعد المبحث الرئيسي في الكتاب قام"الغذامي" بمتابعة حقيقة‬
‫لموقف معارضي التجديد التي تناولها في ثالث جوانب أساسية‪.‬‬
‫‪ -1-1‬الموقف النقدي‪:‬‬
‫يرى الغذامي أنه لم يتحقق ألي معارض وجود نظرية أدبية ذات أسس علمية موثقة‬
‫بالعلم‪ ،‬ألن معارضي التجديد ليس سبب قصور في محصولها العلمي وانما ألن ذلك‬
‫استحالة عقلية فمعارضة التجديد هي معارضة لناموس الحياة إذ ان طبع الحياة التجدد‬
‫الدائم‪ ،‬ورفض هذا التجدد هو رفض للحياة نفسها (‪.)4‬‬
‫ويمكن القول إن مدافعة الشاعر عن الحداثة و االختالف إنما نتيجة لغياب الحوار‬
‫الثقافي و االختالف في وسط الناقد الثقافي‪ ،‬فإراده لنماذج استحسن فيها المحافظون إبداع‬
‫المجددين هو ارتداد للتوفيق بين التجديد ومعارضيه عبر صفحات التراث العربي (‪.)5‬‬

‫‪ 1‬ميحان البازغي‪ ،‬وسعد الرويبلي‪ :‬دليل الناقد األدبي الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪ ،4004 ،5‬ص ‪.445‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 3‬ميحان البازغي ‪،‬و سعيد الوربيلي‪ ،‬دليل الناقد األدبي الدار البيضاء ‪ ،‬ص ‪.455‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪40-18‬‬
‫‪ 5‬عمر زرفاوي ‪ :‬الغذامي ومشروع النقد األلسني‪ ،‬ص ‪.145‬‬
‫‪04‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫من األمثلة التي أوردها الغذامي لهذه النماذج هي شواهد من األدب العربي القديم ‪،‬‬
‫كالذي حكاه الطوسي‪ ،‬عن أنه ق أر أرجوزة ألبي تمام‪ ،‬وعلي ابن األعرابي محمد بن زياد‪،‬‬
‫يقول في مطلعها‪:‬‬
‫فظن أني جاهل من ج ـ ـ ـ ـ ـ ـهله‬ ‫وعـاذل عذلته ف ـ ـ ـي عذله‬
‫فطلب منه أن يكتبها له ألنها في رأيه أحسن ما سمع‪ ،‬فلما أخبره أنها ألبي تمام قال‪:‬‬
‫"خرق خرق" هذه واحدة والثانية هي قصة األصمعي الذي تناقض مع نفسه عن بيتين‬
‫أنشدهما إياه اسحاق الموصلي يقول فيهما‪:‬‬
‫فيروى الصدى ويشفى الغليل‬ ‫هل إلى نظرة إليك سبيل‬
‫وكثيـ ـ ـر ممن تحـ ـ ـ ـ ـ ـب القل ـ ـ ـيل‬ ‫إن ما قل منك يكثر عندي‬
‫فقال األصمعي عنهما‪ :‬لمن تنشدني فقال الموصلي‪ :‬لبعض األعراب فقال األصمعي‬
‫هذا واهلل "هو الديباج الخسرواني" وحين قال الموصلي‪ " :‬إنهما لليلتهما" فقال األصمعي‪":‬‬
‫أفسدتهما" وكذلك كان موقف العقاد من قصيدة للسياب قال عندها " هذا ما كنا نبغي" ولما‬
‫علما بأنها للسياب أزور " العقاد" وقال لمن أنشدها‪ :‬قال " قاتلك اهلل" (‪.)1‬‬
‫كما تحدث الناقد على قضية الوزن وربطها بالشعر الحر‪ ،‬وعن مهاجمة المجددين‬
‫والمحدثين على أساسها‪ ،‬وفي ذلك يرى أن معارضي الشعر اليوم ينطلقون في معارضتهم‬
‫من مواقف عاطفية ال تستند إلى أي حجة أو برهان علمي وهم فئتان‪:‬‬
‫‪ -4‬فئة طيبة القلب طيبة النية صاروا يخافون على اللغة العربية‪ ،‬فصاروا يكدسون عليها‬
‫أطمار التاريخ كي يحفظوها من غوائل االيام‪.‬‬
‫‪ -4‬فئة مغرورة‪:‬تظن أن التمسك بالقديم هو العلم وأن المجددين جاهلون وعاجزون‪ ،‬وحجتهم‬
‫أنهم يرددون أن موجة الجديد خطر على العربية‪،‬وتنكر لها وتهديد لمستقبلها (‪.)2‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.44-41‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪42-45‬‬
‫‪09‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لذا إن قضية الوزن في الشعر قضية واسعة مفتوحة ليس لها حصر على الرغم من‬
‫تقعيد الخليل بن احمد لها إن أعنف تعريف للشعر هو تعريف قدامة بن جعفر بأنه " قول‬
‫موزون و مقفى" وهو تعريف جامد ومجحف في حق الشعر والذي أنكره كل ذي عقل نقدي‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫ومن هؤالء " ابن خلدون والفاربي"‬
‫وأنه لمن العسير تبني تعريف شامل للشعر مهما أوتي صاحبه من الحكمة والمعرفة‪،‬‬
‫ألن الشعر كالهواء فالشعر الحر هنا يعتمد التفعيلة الخليلية ويلتزم بها وما عداه فقد خرج من‬
‫دائرة هذه الميزة‪ ،‬فقيل فيه الشعر المنثور وقصيدة النثر(‪.)2‬‬
‫كما تعرض الناقد لبعض صور التحرر في الشعر العربي من تعدد األوزان في‬
‫الواحدة و ورود أيضا أوزان شعرية‪ ،‬غير أن أوزان الخليل المتعارف عليها‪ ،‬وعدم االلت ازم‬
‫بالعدد الثابت التفعيالت في البحر‪ ،‬كما أن الشعر جاء عند العرب على تفعيلة واحدة كما‬
‫أورد الناقد قصيدة لعروة بن الورد تؤكد لنا أن الشعر الحر كشكل عروضي وجد منذ الجاهلية‬
‫فيقول في مطلع القصيدة‪:‬‬
‫يا هند بنت أبي ذراع‬
‫أخلفتني ظنى‬
‫ووترتني عشقي‬
‫ونكحت راعي تله‬
‫يثمرها‬
‫والدهر فائته بما‬
‫(‪)3‬‬
‫يبقى‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.44-45‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.51‬‬
‫‪00‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كما أنها وردت في كتب األدب على شكل قصيدة عمودية بل إن هناك من الشعر‬
‫ليس مطردا على نهج الخليل سواء ببحور أو غيرها كقصيدة أمية بن أبي الصلت‪ ،‬يقول في‬
‫مطلعها‪:‬‬
‫(عيني بكى بالمسبالت أبا الحارث ال تذخري على زمعه)‬
‫(أبكى عقيل بن األسود أسد البأس ليوم الهياج والدفعة )‬
‫كل هذه األمثلة وغيرها مما أورده الناقد في كتابه‪ ،‬ليثبت ان الشعراء واألدب كانوا‬
‫ينظرون إلى الوزن نظرة متحررة لم تجنح بهم إلى تقديس الشكل واهمال الجوهر فكانوا بذلك‬
‫على مستوى النظرة اإلبداعية للشعر فالوزن سمة للشعر و ليس جوهره (‪.)1‬‬
‫ومن أغاليط المناوئين للحداثة قولهم‪ :‬إن الشعر الحر من صنائع االستعمار‪ ،‬فهل‬
‫من دعوة إلزاحة أسماء كشوقي وحافظ ومطران والعقاد و شكري واألخطل الصغير‬
‫والرصافي والشابي وشعراء المهجر ألنهم من بالد حكمها المستعمرون‪ ،‬بل إن حركة الشعر‬
‫الحر تزامنت مع فترة التحرر واالستقالل‪ ،‬كما ان للشعر الحر اسهاما فعليا في توعية‬
‫الشعوب فالتنكر للشعر الحر بشبهة االستعمار رد فعل عاطفي ساذج (‪.)2‬‬
‫‪ -2-1‬قصور المعرفة لدى مناوئ التجديد‪:‬‬
‫هي عدم فهمهم للجديد وقد أشار الصولي عن ذلك في كتابه عن أبي تمام وحدد‬
‫سببين من أسباب النفور من الجديد‪:‬‬
‫أ‪ -‬عدم قدرتهم على فهم الجديد‪ ،‬ذلك أنهم متشبعين بأشعار األوائل لكثرة روايته ووجود أئمة‬
‫قد ماشوها لهم راضو معانيها فهم يستحسنون جيدها ويعيبون ردئيها أما شعر المحدثين فلم‬
‫يذلل لهم فصعب امره وقصروا فيه فجهلوه وعادوه كما قيل أيضا‪ :‬اإلنسان عدو ما جهل‪.‬‬
‫ب‪ -‬استجالب الشهرة عن طريق معاداة الرواد والطعن عليهم‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪52-54‬‬
‫‪04‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ومن مظاهر قصورهم وخلطهم بين األصناف المتباينة في الشعر الحديث فهم ال‬
‫يفرقون بين الشعر الحر والشعر المرسل والمنثور وقصيدة النثر وما موقفهم من الشعر‬
‫الحديث إال أنه مخالف للمعهود مما ألفوه من شعر توارثوه عمن سبقهم (‪.)1‬‬
‫والقضية في مجملها قضية حضارية لذا في الغالب األعم فإن معارضي التجديد‬
‫يقتصرون على دراسة العلوم القديمة ويكتفون بها كما ان محاربة الجديد في الفنون ترتبط‬
‫بجمود الذهن ونقص اإلطالع واالنفتاح على المعارف الحديثة (‪.)2‬‬
‫لذا فإن الشعر في حقيقته تمرد لغوي مهذب وخروج على النظام المقرر لنهج‬
‫االستعمال اللغوي العادي وهو الخيال ال الحقيقة لذلك فإن أحد الفالسفة لما قيل له‪ " :‬فالن‬
‫يكذب في شعره‪ ،‬قال‪ :‬يراد من الشاعر حسن الكالم‪ ،‬أما الصدق فيراد من األنبياء" وهذا رأي‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫أخذ به األصمعي وأبو العالء المعري‬
‫‪ -3-1‬عدم فهم وظيفة اللغة في الشعر‪:‬‬
‫اللغة في اعتقادهم في الشعر مجرد نظم فني للكلمات والجمل حسب أنواع تفعيالت‬
‫البحر العروضي‪ ،‬فهم يشترطون أن تكون اللغة مطابقة لكل المواصفات النحوية والبالغية‬
‫المتعارف عليها وهذا ضد اللغة واإلبداع‪ ،‬وما الشعر في جوهره إال " صياغة خاصة للغة‬
‫والشاعر المبدع هو الذي يحسن قولبة اللغة على نهج ابداعي متميز‪ ،‬حيث يرتفع عن‬
‫مستوى التراكيب الجاهزة ويتجاوز القوالب المعدة سلفا واال أصبح ناظما ال شاع ار (‪)4‬وقد‬
‫أدرك هذه الحقيقة أبو عثمان الجاحظ حينما عرف الشعر على أنه صياغة وضرب من‬
‫النسيج وجنس من التصوير"‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬المصدر السابق ‪ :‬ص ‪.58.20‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه‪ :‬ص ‪.24‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه‪ :‬ص ‪.25‬‬
‫‪04‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فالتعريف يدل على أن مفهوم اللغة هي صورة للمعاني ال من حيث وجودها في‬
‫األعيان‪ ،‬وانما من حيث رؤيتها في االذهان‪ ،‬وعليه تصبح اللغة صورة لموقف اإلنسان من‬
‫الحياة وبه يتم االتحاد الكامل بين اللغة والشعر(‪.)1‬‬
‫ثم انتقل المؤلف للنظر في اللغة الشاعرية من زاويتين‪ :‬األولى تكمن في تعامل‬
‫الشاعر مع اللغة وهو ما ال يمكن أن يكون إمالئيا إذ إن اللغة سلطانا على الشاعر وهو‬
‫سلطان يهيمن عليه أحيانا ويدفعه إلى القول‪ ،‬أما الثانية وهي زاوية تتعلق بفلسفة النقد‬
‫ومفهومه من حيث النظرة الكلية إلى القضايا األدبية أو النظرة الجزئية إليها فلغة الشعر عالم‬
‫متكامل ال يمكن تفتيته إلى أجزاء وال يمكن الفصل بين ما هو لغة وما هو شعر لذلك‬
‫يستحيل النظر الجزئي إلى اللغة ومحاسبة الشاعر على المفردة اللغوية النحوية (‪.)2‬‬
‫ومن الواضح أن النقاد العرب األوائل قد أدركوا حقيقة التالحم الكامل بين الرمز‬
‫والمرموز اليه في الشعر وهو ما عناه الجرجاني في نظرية النظم (‪.)3‬‬
‫ثانــيا‪ :‬العالقة بين النص والمؤلف (موت المؤلف)‪.‬‬
‫تتبدي كثير من األسئلة التي يثيرها هذا المفهوم بوصفه امتدادا لمصطلح النقدي شاع‬
‫في النقد الغربي ومن هذه األسئلة‪ :‬هل استوعب النقد العربي الحديث ووعينا النقدي مفهوم‬
‫"موت المؤلف" بوصفه مدخال واسعا للتعامل العلمي مع النص؟ وكيف تعامل الغذامي مع‬
‫هذا المفهوم النقدي؟‬
‫حرص الغذامي في مطالع اتجاهه النقدي على تبني الكشف عن هذا المفهوم وتقريبه‬
‫في ثقافتنا المحلية ولذ فقد كان " موت المؤلف" هاجسه األول منذ صدور كتاب " الخطيئة‬
‫والتكفير" إذ عرض له نظريا و أجراه ممارسة و أضاف اليه في كتاب " الموقف من‬
‫الحداثة" (‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬المصدر السابق ‪ :‬ص ‪24-25‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.51-50‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه‪ :‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 4‬عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل‪ :‬الغذامي الناقد‪ ،‬مؤسسة اليمامة‪ ،‬الصحيفة‪ ،‬الرياض‪( ،‬د‪.‬ط)‪1244 ،‬ه‪ ،‬ص ‪.284‬‬
‫‪04‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وفي هذا المقالة تطرق الناقد الى احد اهم القضايا التي اثارت جدال واسعا بين عدد‬
‫كبير من االدباء وعلى رأسهم محي الدين محسب وعالي القريشي أال وهي مسألة العالقة‬
‫بين النص بمنشئه‪ ،‬فالناقد هنا يرى أن خير وسيلة للنظر في حركة النص األدبي هي‬
‫االنطالق من مصدره اللغوي كما يشخصه "جاكبسون" في نظرية االتصال التي جاء بها‬
‫وحددها بستة عناصر تعطي وظائف اللغة كافة بما فيها الوظيفة األدبية‪ :‬فالقول يحدث من‬
‫(مرسل) يرسل (رسالة) إلى (مرسل إليه) (‪.)1‬‬
‫ولكي يكون ذلك عمليا يحتاج إلى ثالثة أشياء هي ‪ :‬السياق والشفرة ووسيلة‬
‫االتصال‪ ،‬والذي يهمنا هنا هو(الوظيفة األدبية) وذلك حين يصبح القول أدبا‪ ،‬وهو تحول‬
‫فني يحدث للقول‪ ،‬ينقله من االستعمال النفعي إلى األثر الجمالي‪ ،‬فالرسالة كقول لغوي‪،‬‬
‫تتجه من باعثها إلى متلقيها وغايتها نقل الفكرة إلى المتلقي‪ ،‬أما في حال القول األدبي فإن‬
‫الرسالة تنحرف عن خطها‪ ،‬ويتحول القول اللغوي من رسالة إلى نص وال يعود هدفها نقل‬
‫األفكار أو المعاني‪ ،‬بل تصبح الرسالة غاية في ذاتها‪ ،‬وهو ما اصطلح عليه الناقد‬
‫بالشاعرية (‪.)2‬‬
‫لذا لقد استند الناقد الغذامي في بيانه هذا إلى نظرية تشومسكي عن االكتساب‬
‫الفطري للغة وهي التي تؤسس القدرة على تمثيل االبداع بينما نوعية االكتساب تحدد الجنس‬
‫األدبي شعر أو قصة ومن هنا تأتي عالقة المؤلف بالنص بحيث يلتقط الشعوريا أجمل‬
‫سياقات اللغة فيحولها من حدس جمالي إلى كلمات شاعرة ويتحول الحدث حينها إلى لغة‬
‫والتاريخ إلى قصيدة أو قصة والنص بعد إنشائه يستقل لوجود خاص به ويستطيع ان يكون‬
‫ح ار تاما عن صاحبه ومن هنا نعلنه موت المؤلف (‪.)3‬‬

‫‪ 1‬محمد عزام‪ :‬تحليل الخطاب األدبي على ضوء المناهج النقدية الحداثية‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪( ،‬د‪.‬ط)‪، 4005 ،‬‬
‫ص ‪.115‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪.115‬‬
‫‪ 3‬ينظر عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص‪86-87‬‬
‫‪04‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لـكن السـؤال الـمشروع هنا هـو‪ :‬هـل يمكن تطبيق هذا المفهوم على القرآن الكريم؟‬
‫لذا تعود فكرة موت المؤلف إلى جذور فلسفية وفكرية ترتبط بالظروف الموضوعية‬
‫التي عاشتها أوربا بعد ثورتها على الكنيسة فقد أعلن الفيلسوف نيتشة "‪ "Nietzshe‬مقولة موت‬
‫االله ووجدت هذه المقولة صدى واسعا في أوساط النقاد األوربيين الذين يتوقون إلى تدمير‬
‫االتجاه الغيبي في تفسير النصوص وافساح الطريق امام ظهور االنسان بكل مقدراته البشرية‬
‫التي يدركها العقل وما عدا ذلك فهو ميت وتبعه النقاد العرب من المحدثين دون المام‬
‫بجذورها الغربية و الرؤى الفلسفية التي صاحبت نشوء الحداثة في أوربا (‪.)1‬‬
‫ولقد انتقلت فكرة موت اإلله إلى النقد األدبي فتبناه النقاد الغربيون وعلى رأسهم روالن‬
‫بارت "‪ "Roland Borthes‬الذي أعلن " موت المؤلف" وتبعه النقاد العرب من المحدثين دون‬
‫اإللمام بجذورها الغربية والرؤى الفلسفية التي صاحبت نشوء الحداثة في أوربا (‪.)2‬‬
‫أما فكرة الموت عند الغذامي فهي ال تعني اإللغاء بقدر ما تعني نوم المؤلف على حد‬
‫قوله " إن موت المؤلف هنا ال يعني اإلزالة واإلفناء ولكنه يعني تمرحل القراءة موضوعيا من‬
‫حالة اإلستقبال ثم إلى التفاعل وانتاج النص‪ ،‬وهذا يتحقق موضوعيا بغياب المؤلف فإذا ما‬
‫تم انتاج النص بواسطة القارئ أو لنقل_ إعادة انتاجه من باب تلطيف العبارة_ فإنه من‬
‫(‪)3‬‬
‫ومعناها هنا‬ ‫الممكن حينئذ أن يعود المؤلف إلى النص ضيفا كما يقول " روالن بارت"‬
‫ان الموت هو ارجاء وتعليق للعالقة بين الكاتب ونصه كما اختار "الغذامي" نصوصا شعرية‬
‫في أكثر من موقع إليضاح هذا المفهوم النقدي المنقول ( موت المؤلف) كل ذلك حتى‬
‫يتمكن من تبييئ المفهوم وكانت انطالقته مع البيت الذي يقول في المتنبي‬
‫ويسهر الخلق جراها ويختصم‬ ‫أنام ملء جفوني عن شواردها‬

‫‪ 1‬عبد الخالق العف‪ :‬موت المؤلف منهج اجرائي ؟ أم اشكالية عقائدية‪ ،‬مجلة الجامعة اإلسالمية‪ ،‬سلسلة الدراسة اإلنسانية‪ ،‬مج‪،14‬‬
‫ع ‪ ،4‬جوان ‪ ،4008‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪55‬‬
‫‪ 3‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬ثقافة األسئلة‪ ،‬دار سعاد الصباح ‪ :‬الكويت‪ ،‬ط ‪ ،1885 ،4‬ص ‪.405-402‬‬
‫‪03‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فقد منح الغذامي هذا البيت اشارات نقدية مهمة إذ كانت اإلشارة إليه في كتابين‬
‫سابقين حين يرى في اإلشارة النقدية األولى أن الشاعر يعلن عن (نوم المؤلف) باعتباره‬
‫صورة من صور موت المؤلف أي تعطيل حيوية دوره والنص يصبح آنذاك أث ار معلقا واشارة‬
‫حرة" (‪.)1‬‬
‫وهذا هو النص ومعه القارئ يسهر ويخاصم جاريا وراء الشاردة التي ال يلحق بها‬
‫والشوارد هنا هي الكلمات‪ ،‬كما ينص البيت السابق لهذا البيت ( وأسمعت كلماتي من به‬
‫صمم) وفي اعتماد النص على نفسه ( ال على صاحبه أو نية المؤلف) كان المتنبي يقول(‬
‫ابن جني أعلم بشعري مني) وهذا تعليق لدور المؤلف واسناد الدور إلى القارئ ليفسر النص‬
‫ويفك شفرته (‪.)2‬‬
‫ثم يستدرك الناقد على وظيفة المؤلف التي تحتفظ بجانب جمالي مهم في استقامة‬
‫تفسير النص فيتحدث عن الحركة األولية من المبدع إلى اللغة وهي حركة وجود أما الحركة‬
‫الثانية من حركة مستقبلية نحو السياق األدبي وهي حركة هوية ومصير وهذا يعني أن إتقان‬
‫السياق الشعري للجنس االدبي مهم ألي نص أدبي وهو مهم للقارئ والمبدع على حد سواء‬
‫وينقسم السياق إلى‪ :‬سياق أكبر وهو لغة الجنس األدبي التي تكونت من خالل نمو رصيد‬
‫هذا الجنس في الموروث األدبي‪ ،‬ويقابله السياق األصغر وهو مجموع النتاج األدبي لذلك‬
‫األديب (‪.)3‬‬
‫ويتوقف الفهم الصحيح للنص على مدى معرفة هذين السياقين وعلى التميز بين‬
‫مصطلحي اإليحاء واإلسقاط فاإلسقاط هو أي معنى يجلبه القارئ إلى النص بدعوة توافقه‬
‫مع ما في ذهنه‪ ،‬لذا فهو ذو تغير نظري حيث يتغير حسب تطور ثقافة المعرفية التي ركن‬
‫اليها فمثال يفسر"البكاء على األطالل" الوارد في قصائد امرئ القيس على أنه رمز لعقم‬

‫‪ 1‬عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل‪ :‬الغذامي الناقد‪ ،‬ص ‪282‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪88-88‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الرجولة وبناءا على مفاهيم علم النفس الفرويدي المتعلقة بإسقاطات األحالم والفن لما في‬
‫العقل الباطن ولما في اإلنسان الطفو لي أما االيحاء فهو الداللة الحرة لإلشارة بناء على ما‬
‫تؤسسه سائر االشارات في النص (‪.)1‬‬
‫وهكذا تحددت القيمة الفعلية وهي النص والقارئ اللذان بهما يتحقق فعالية القراءة و‬
‫تتحقق معه فكرة غياب المؤلف وال يتم استحضاره إال في عملية التفسير‪ ،‬ويتحول بذلك‬
‫النص إلى نوع من اإلشارة الحرة التي يفسرها القارئ تبعا لرؤاه ال تبعا لنوايا المؤلف‪ ،‬زمن‬
‫هنا تكتمل العناصر األدبية الثالث ( النص ‪ +‬المبدع ‪ +‬القارئ) ووجودها بعناصرها أساسي‬
‫لصحة القراءة والتفسير اإلشاري (‪.)2‬‬
‫ثــالثــا‪ :‬الداللة األدبية في النص‪:‬‬
‫لقد اعتمد الناقد المنهج البنيوي البعيد عن تأثر ذات االنسان الفاعلة والتي هي‬
‫حصيلة التفاعل العام والشامل مع الوجود بذلك أصبح المنظور البنيوي للوجود ال عالقة له‬
‫بكينونة اإلنسان التاريخية واالجتماعية بل العالقات اللغوية الشكلية التي تعتمد المنهج‬
‫(‪)3‬‬
‫الجمالي المجرد لألشياء و بالتالي تتشكل داللتها ذاتيا دون فعل اإلنسان‬
‫وفي تناوله لهذا الموضوع الذي جاء ردا على مقالة عالي القرشي الذي أنكر على‬
‫الغذامي وجود علم المضمون‪ ،‬تدرج الناقد عبر اجزاء نصه ليؤسس للمجتمع البنيوي المتبع‪،‬‬
‫ففي رأيه ان تحول الخطاب اللغوي إلى نص جمالي أو باألحرى تحول القول إلى بيان‬
‫يستلزم انحراف الرسالة اللغوية من وظيفتها األساسية إلى وظيفة جديدة على اعتبار حركة‬
‫عناصر االتصال الستة (مرسل ومرسل إليه ورسالة وشفرة وسياق ووسيلة اتصال) (‪ )4‬وعليه‬
‫فإنه تصبح للغة وظيفتين احداهما نفعية واألخرى جمالية وتتم الوظيفة األولى يشترط فيها‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬المصدر السابق ‪ :‬ص ‪81-80‬‬


‫‪ 2‬إبراهيم محمود خليل‪ :‬النقد األدبي الحديث من المحاكاة إلى التفكيك‪،‬دار المسيرة للطباعة والنشر‪،‬األدرن‪(،‬د‪.‬ط)‪،4002،‬ص‪.442‬‬
‫‪ 3‬هيد جر ليفي شتراوس‪ ،‬ميشل فوكو‪ :‬فلسفة موت اإلنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر‪ ،‬تر‪ :‬عبد الرزاق الداوي‪ ،‬دار الطليعة‪،‬‬
‫بيروت (د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪85‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫مرمي الرسالة أما الوظيفة الثانية‬


‫الدقة والوضوح والتفصيل ويتساوى الناس _غالبا_ في فهم ا‬
‫فهي تقوم أساسا هلى تراجع الوظيفة األولى لتصبح هدفا في ذاتها وهذه هي الشاعرية (‪.)1‬‬
‫ومن هنا تنشأ دالالتان رئيسيتان‪ ،‬الداللة الصريحة والداللة الضمنية وهما متالزمتان‬
‫ومتواجدتان في كل نص لذا فالداللة الضمنية هي إبحار نحو المجهول والنتيجة من ذلك هي‬
‫التجربة الجمالية أي الحركة الالمتناهية لكل مستوى من مستويات المعنى منذ لحظة ادراكه‬
‫كما يقول‪:‬روالن بارت (‪ :)2‬أما الداللة الصريحة تتحرك في مستوى أفقي تعتمد فيه على‬
‫(نظرية االتصال) وعناصرها الستة التي جاء بها جاكبسون وهي موجزة كالتالي‪:‬‬
‫سياق‬
‫رسالة‬
‫مرسل إليه‬ ‫المرسل‬
‫وسيلة‬
‫شفرة‬
‫لذا فالمرسل هنا هو المبدع الذي يقوم بنقل رسالة ذات معنى مرجعي هو سياقها إلى‬
‫المرسل إليه‪ ،‬هذا األخير الذي يستعين بالشفرة _األسلوب الخاص بالجنس األدبي الذي‬
‫ينتمي إليه _النص األدبي_ وللشفرة خاصة ابداعية ألدراك مرامي هذه الرسالة وتحرك الشفرة‬
‫(‪)3‬‬
‫ويضرب الناقد مثاال على ذلك‬ ‫بهذا الشكل يسهم اسهاما فعاال في بناء السياق ونموه‬
‫" وكلمة عميد يختلف معناها حسب حركتها في أطراف الرسالة ففي الجامعة يكون لها معن‬
‫غير معناها في مركز الشرطة " (‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ابراهيم محمود خليل‪ :‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬من المحاكاة إلى التفكيك‪ ،‬ص ‪.448‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪ 3‬عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل‪ :‬الغذامي الناقد‪ ،‬ص ‪480‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أما الداللة الضمنية فهي تتحرك على مستويين أحدهما سماه جاكبسون المجاورة‬
‫(‪)1‬‬
‫فاختيار كلمة ما يتحدد حسب عالقاتها داخل النص األدبي فإذا كانت‬ ‫والثاني االختيار‬
‫عالقات االختيار ذات طبيعة ايحائية فهي تقوم على إمكان االستبدال على محور عمودي‬
‫فكل كلمة في أية مجلة هي اختيار حدث من سلسلة عمودية من الكلمات التي تصح ان‬
‫تحل محلها إما للتشابه النحوي وهذه عالقات مخزونة في ذاكرة اللغة وتتداخل في حالة‬
‫االبداع وفي حالة التلقي (‪.)2‬‬
‫أما المستوى الثاني فهو أفقي ويقوم على عالقات التأليف التي تعتمد التجاوز بين‬
‫الوحدات حيث تكون صلة تآلف تبادلية أو صلة تنافر مما يجعل التأليف ممكنا أو غير‬
‫ممكنا‪ ،‬ولهذا فإن الكلمة تؤسس وظيفتها بعالقات وبمجاورتها مع ما سبقها‪ ،‬وما لحقها من‬
‫كلمات‪ ،‬وهذه العالقات هي عالقات حضور في الجملة على عكس عالقات االختيار فهي‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫عالقات غياب‬
‫كما نجد الناقد استعمل مصطلح استعارة النص والذي يعني عنده تحول النص من‬
‫شكله الداللي إلى العادي الخطابي إلى شكله الجمالي الفني‪ ،‬وهو تطور االستعارة الجملة‪،‬‬
‫وذلك أن االستعارة في الجملة تعتمد على التشبيه في تكوينها وتعتمد على القرينة في فك‬
‫رموزها فإن الداللة الضمنية تعتمد على القرينة في استنباط مكوناتها (‪.)4‬‬
‫كما تحدث أيضا الناقد عن مصطلحي اإليحاء واإلسقاط‪ ،‬فاالسقاط ال يؤدي إلى تعدد‬
‫المدلوالت وال يفتح النص على جمالياته المتعددة‪ ،‬ألنه انعكاس لثقافة خارجية ليست من ذات‬
‫النص‪ ،‬وهو حادث وطارئ على النص يسقط عليه‪ ،‬وال ينبع منه بينما يكون االيحاء فتحا‬
‫للنص على حوار مع اللغة‪ ،‬فهو انبثاق ينبع من النص يرتكز على قرائن داخلية تكونها‬
‫عناصر النص من خالل سياقها الداخلي‪ ،‬وهذا يعني انه يسمح بمساءلة الخطاب واستنطاقها‬

‫‪ 1‬ابراهيم محمود خليل‪ :‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬من المحاكاة إلى التفكيك‪ ،‬ص ‪.488‬‬
‫‪ 2‬محمد عزام‪ :‬تحليل الخطاب األدبي‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪.118‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪:‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪49‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫واستقرائه للوصول إلى الدالالت المحتملة وفي األخير يشير الناقد إلى أن العالم الداللي‬
‫ليتش قد استنبط سبعة أنواع للمعاني‪ ،‬واحد منها يمثل الداللة الصريحة بينما الستة األخرى‬
‫هي أنواع الداللة الضمنية (‪.)1‬‬
‫إن مطلع على كتابات الغذام ي يالحظ ان تناوله للقضايا النقدية ال يتبنى فيها منهجا‬
‫محددا وثابتا بل تراه يعرف بثالثة مناهج نقدية دفعة واحدة البنيوية والسوسيولوجية‬
‫والتشريحية وكأنه يريد أن يسوغ لنفسه منهجا جامعا أو لعله لم يميز بينها كمناهج نقدية‬
‫مستقلة عن بعضها لذا نجده يقتبس في آن واحد من جاكبسون اللغوي ومن روالن بارت‬
‫البنيوي ومن ليتش التشريحي على الرغم من اختالف مناهجهم النقدية (‪.)2‬‬
‫رابــعا‪ :‬هل القارئ منتج للنص أم مستهلك له‬
‫إن النص بالغ األهمية والقيمة ذلك ما يفتأ الغذامي يؤكده وهي أهمية ترجع – عنده‪-‬‬
‫إلى األثر الذي يحثه النص أو يوقعه‪ ،‬فالنص ال يكتب إال من أجل األثر والنص هو األثر‬
‫والشعر برمته أو هو بكل نصوصه أثر ال معنى‪ ،‬و تحدد قيمة النص من الشعر ال في ما‬
‫يقوله ولكن في ما يوحى به أو في ما يستخدمه من جمالية ترتفع باللغة عن المعتاد‬
‫والمألوف (‪.)3‬‬
‫ويعرف الغذامي النص على أنه " بنية ذات نظام و أنه بنية لغوية مفتوحة البداية‬
‫ومعلقة النهاية وأنه بنية شمولية لبنى داخلية من حرف إلى الكلمة إلى الجملة إلى السياق‬
‫إلى النص ثم إلى النصوص األخرى‪ "...‬وباإلجمال فإن النص ‪ ":‬تشكل لغوي ينم عن غير‬
‫ما يقول ويبطن أكثر مما يظهر " (‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬المصدر السابق ‪ :‬ص ‪.100-88‬‬


‫‪ 2‬ابراهيم محمود خليل‪ :‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬من المحاكاة إلى التفكيك‪ ،‬ص ‪.448‬‬
‫‪ 3‬عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل‪ :‬الغذامي الناقد‪ ،‬ص ‪.205‬‬
‫‪ 4‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الخطيئة والتكفير ( من البنوية إلى التشريح نظرية وتطبيق)‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬ط ‪ ،4004 ،4‬ص ‪.80‬‬
‫‪40‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كما أنه قد ركز الناقد في هذا المقال على العالقة بين القارئ والنص فبعد أن أشار‬
‫إلى حركتي التجلي للنص في االختيار والتأليف وأن االبداع يكمن في التأليف وأن اإلبداع‬
‫يكمن في التأليف ال في االختيار تحدث عن أهمية القراءة على أنها فعالية خطيرة تمتد‬
‫لتشمل النص كله فهي التي تقرر مصيره وهي التي توجده أوال‪ ،‬وهي التي تنعشه أو نفقده‬
‫نظارته" (‪.)1‬‬
‫وكذا فقد ظل ينظر إلى القراءة على أنها هي التي تحدد شفرة النص هي التي تق أر‬
‫حاضر النص وتق أر منه النص الغائب وهي التي تبحث في النص عن أثره وتتأمل عالئق‬
‫مكوناته باختصار فإن القراءة الصحيحة هي التي تفكك النص وتنقضه لتعيد بناءه‬
‫وباختصار أشد فإن القراءة التي يميل إليها الناقد هي تلك التي تقوم على أسس نظرية‬
‫مفتوحة األبعاد وقوية الركائز والجذور(‪.)2‬‬
‫بما أن النص وجود مبهم ال يتحقق إال بالقارئ فإن أهمية القارئ تبرز خطورة القراءة‬
‫كفعالية أساسية لوجود أدب ما‪ ،‬وكتقرير مصير بالنسبة للنص إذ يتحدد مصير النص حسب‬
‫استقبال القارئ له (‪.)3‬‬
‫يختلف مفهوم القراءة باختالف النقاد وتطور المفهوم ذاته وقد تتعدد القراءات لدى‬
‫الغذامي‪ ،‬وقد تختلف هذه القراءات الختالف مرجعياتها وقد يورد من بينها أنماط القراءة لدى‬
‫تودروف مقسمة كالتالي‪:‬‬
‫أ‪ .‬قـ ـراءة الشرح‬
‫ب‪.‬ق ـراءة إسقاط‬
‫(‪)4‬‬
‫ت‪ .‬ق ـراءة شاعرية "‪"Poetics‬‬

‫‪ 1‬عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل‪ :‬الغذامي الناقد‪ ،‬ص ‪.204‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪ 3‬محمد عزام‪ ،‬تحليل الخطاب األدبي‪ ،‬ص ‪.145‬‬
‫‪ 4‬خليل موسى‪:‬آليات القراءة في الشعر العربي المعاصر منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب‪،‬دمشق(د‪.‬ط)‪،4010،‬ص‪.180‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أ‪ -‬قــراءة شرح‪:‬‬


‫هي قراءة تلتزم بالنص ولكنها تأخذ منه ظاهر معناه فقط وهي تعطي المعنى‬
‫الظاهري حصانة يرتفع بها فوق الكلمات ولهذا فإن شرح النص يكون بوضع كلمات بديلة‬
‫(‪)1‬‬
‫وهي قراءة تسعى إلى خدمة النص‬ ‫لنفس المعاني أو يكون تكرار يجتر نفس الكلمات‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وتنصب عناية القارئ فيها على تحليل الشفرة‬ ‫وتستهدف توضيحه وهي تعليمية‬
‫ب‪ -‬قــراءة اإلسقاط‪:‬‬
‫هي القراءة التقليدية التي ال تركز على النص وانما تمر من خالله ومن فوقه متجهة‬
‫نحو الكاتب أو المجتمع وهي تعامل النص وكأنه وثيقة إلثبات قضية شخصية أو اجتماعية أو‬
‫تاريخية (‪.)4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أو بتعبير آخر هي قراءة يأتي‬ ‫وهي عند تودوروف العبور من النص إلى غيره‬
‫(‪)6‬‬
‫وهي التي تمر من خالل‬ ‫أصحابها إلى النص بأحــكام سابقة ومناهج جاهزة ويفرضونها عليه‬
‫خالل النص نحو المؤلف أو المجتمع ومنها الق ارءة النفسية والقراءة التاريخية والقراءة‬
‫االجتماعية لألدب وغيرها (‪.)7‬‬
‫ت‪ -‬قــراءة الشاعرية‪:‬‬
‫وهي قراءة النص من خالل شفرته بناءا على معطيات سياقية الفنية والنص هنا خلية‬
‫حية تتحرك من داخلها مندفعة بقوة لتكسر الحواجز بين النصوص ولذلك فإن القراءة الشاعرية‬
‫تسعى إ لى الكشف ما هو باطن في النص‪ ،‬وتق أر فيه أبعد مما هو في لفظه الحاضر وهذا‬
‫يجعلها أقدر على تجلية حقائق التجربة األدبية وعلى اثراء معطيات اللغة (‪.)8‬‬

‫‪ 1‬محمد عزام‪ ،‬تحليل الخطاب األدبي‪ ،‬ص ‪.145‬‬


‫‪ 2‬خليل موسى‪ :‬آليات القراءة في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬ص ‪181‬‬
‫‪ 3‬ابراهيم محمود خليل‪ :‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬من المحاكاة إلى التفكيك‪ ،‬ص ‪.488‬‬
‫‪ 4‬محمد عزام‪ ،‬تحليل الخطاب األدبي‪ ،‬ص ‪.145‬‬
‫‪ 5‬ابراهيم محمود خليل‪ :‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬من المحاكاة إلى التفكيك‪ ،‬ص ‪.488‬‬
‫‪ 6‬خليل موسى ‪ :‬آليات القراءة في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬ص ‪181‬‬
‫‪ 7‬ابراهيم محمود خليل‪ :‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬من المحاكاة إلى التفكيك‪ ،‬ص ‪.448‬‬
‫‪ 8‬محمد عزام‪ ،‬تحليل الخطاب األدبي‪ ،‬ص ‪.145‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وبتعبير آخر هي التي يتجاوز فيها تحليل الشفرة إلى تعبئة فراغات‪ ،‬والتواصل من‬
‫خالل ما تم تفسيره وتذوقه وادراكه إلى ما هو مضمر في النص(‪.)1‬‬
‫ويرى الناقد أن الشاعرية سواء أكانت منحى في النص أو في قراءته‪ ،‬فإنها تفضي‬
‫إلى تميز النص من الشعر عن النص من الالشعر وهي التي تفضي إلى معرفة أسرار هذا‬
‫النص واستكشاف عوالمه وهذا فعل ال يمكن ان يقال عنه انه سيميولوجي خالص إنما هو‬
‫مسلك مفتوح على ذلك كله وذلك هو المسلك الذي يؤثره " الغذامي" ويقول عنه في العبارة"‬
‫ولذا فإني أسمي منهجي بالنصوصية أو النقد األلسني (‪.)2‬‬
‫إن فعالية القراءة تجعلها ذات سلطة على النص وتمنحها قيمة خطيرة وهذا يوقع في‬
‫مشاكل تأتي من جرأة القراءة على النصوص فقد يكونون غير مؤهلين ألداء هذا الدور وعليه‬
‫ما هي العالقة بين القراءة كتذوق والقراءة كعلم؟ وهل القارئ األدب متذوق أم عالم؟ وما هي‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫صلة ذلك بالقراءة الشاعرية؟‬
‫وجواب عن هذه األسئلة هو ال يختلف فيه اثنان فالقراءة األدبية قراءة تذوقية‬
‫انطباعية بالدرجة األولى والحكم على النص هو حق طبيعي أولى للذوق األدبي السليم‬
‫وعالقة المنهج النقدي هي عالقة مصادقة فالجميل يتقرر من خالل التلقي المباشر ويقرره‬
‫القارئ المدرب أدبيا على القراءة التذوقية (‪.)4‬‬
‫ولعل ما جاء به بيتيت "‪ "Pettit‬هو الحل األفضل إذ قال بمبدأ ( التوازن االنعكاسي)‬
‫ا لذي يقوم على حتمية التوازن بين البنية والذوق الجمالي ولكي تكون البنية خاصية أسلوبية‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫البد أن تكون انعكاسا للحس الحدسي الذي نشأ عند القارئ نتيجة استقباله لها‬

‫‪ 1‬ابراهيم محمود خليل‪ :‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬من المحاكاة إلى التفكيك‪ ،‬ص ‪.488‬‬
‫‪ 2‬عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل ‪ :‬الغذامي الناقد‪ ،‬ص ‪208‬‬
‫‪ 3‬محمد عزام‪ :‬تحليل الخطاب األدبي‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪ 5‬محمد عزام ‪ :‬تحليل الخطاب األدبي‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ومن هنا تأتي الشاعرية التي هي اتحاد الذوق السليم مع المعرفة المكتسبة لبرهنة‬
‫الجميل وتعليل الذوق (‪.)1‬‬
‫ومهما يكن فإن القراءة الشاعرية تبدو أمام الغذامي كأجمل ما قدمه العصر من‬
‫إنجاز أدبي نقدي فهي تصلح لقراءة كل النصوص وال يتمرد عليها أي نص وهي من ناحية‬
‫ثانية ترسم مجاال تاما للتركيز عند النص وتفتح من جهة ثالثة بابها للدور اإلبداعي للقارئ‬
‫فتحفظ للنص قيمته الفنية الجمالية المطلقة وتتحول بالقارئ من مستهلك للنص إلى صانع‬
‫للـنص ومنتج له (‪.)2‬‬
‫ومن البديهي أن يختلف قارئ عن آخر باختالف الظروف والمعطيات والمواهب‬
‫والمكتسبات والزمان والمكان ولكن المتفق عليه أن للزمن أيضا بصماته في اإلنسان‬
‫فالظروف التي يعيشها القراء في هذا العصر غير الظروف التي عاشها قراء العصور‬
‫السابقة وهذا العصر هو عصر القراءة وقد مهد لهذا العصر انتقال السلطة من يد المؤلف‬
‫إلى يد القارئ وأصبح القارئ هو الذي يتحكم في معنى النص(‪.)3‬‬
‫إن النص األدبي ليس عمال معزوال ال يقف عارضا لنفسه ومعناه على القارئ و‬
‫كأنما القارئ ليس سوى مستهلك للنتاج األدبي بل األمر على عكس ذلك فالنصوص األدبية‬
‫ال تتجه إلى الخواء كما أنها لم تأت من الفراغ والقراءة لم تعد فعالية سلبية ال تتجاوز التلقي‬
‫اآللي من قبل القارئ وكأنما هو وعاء ال دور له سوى استيعاب ما يصب فيه إن القارئ‬
‫الح قيقي لم يعد يقبل هذا الدور السلبي بل أصبح يمثل حصيلة ثقافية واجتماعية ونفسية‬
‫(‪)4‬‬
‫تتالقى مع كاتب هو مثلها في مزاج تكونية الحضاري والنص هو ملتقى هاتين الثقافتين‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪ 2‬نبيلة ابراهيم‪ :‬القارئ في النص‪ ،‬مجلة فصول النقد األدبي‪ ،‬مج ‪ ،2‬ع‪( ،5‬د‪.‬ط)‪ ،‬جوان ‪ ،1882‬ص ‪.101‬‬
‫‪ 3‬عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل‪ :‬الغذامي الناقد ‪ ،‬ص ‪.210‬‬
‫‪ 4‬خليل موسى ‪ :‬آليات القراءة في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ولكي يتحقق عصر القارئ يشير به "بارت" فانه يفتح لهذا العصر مجال النص بان‬
‫يعرض نوعين من النصوص هما (النص القرائي) وهو للق ارءة فقط وقارئه ال يضيف اليه‬
‫شيئا بينما النص الكتابي الذي يدعو اليه بارت يمثل (الحضور االبدي) وقارئه ليس مستهلكا‬
‫(‪)1‬‬
‫للنص وانما هو منتج له والقراءة فيها إعادة كتابة له والقارئ فيه ال يق أر وانما يفسر ويكتب‬
‫على أي فإن النص وقراءته هما هاجس الذي ظل يشغل بال الغذامي ويؤرقه فاألدب‬
‫كله نص وقارئ واذا كان النص في مجمل ما قد قاله وفي تفاصليه ال شأن له إال بقراءته‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فقد شاء الغذامي أن يكون للنص في ذلك القارئ الذي يمده بكل أساليب الحياة‬
‫خـامـسا‪ :‬أزمة اإلبــداع والنقد ‪:‬‬
‫يعتقد الكثير من المعاصرين ومنهم نقاد أكاديميون رصينون‪ ،‬نظروا في خريطتنا‬
‫العربية القديمة نظرة بانورامية والحظوا بعين ثاقبة أنه كان يستحيل على النشاط النقدي‬
‫العربي القديم ان يتقدم خطوة إلى األمام ليصبح نقدا منظما بعد أن كان النشاط مجموعة من‬
‫النظرات التركيبية التعميمية ومجموعة من األحكام االنطباعية المتناثرة لوال وعي أجيال من‬
‫النقاد الكبار بالمفارقات الكبرى التي جدت في حياة الناس وهي هنا مفارقات على المستوى‬
‫األدبي والثقافي ولوال وعيهم أيضا بأن النقد لم يواكب األدب مواكبة تعكس تلك المتغيرات‬
‫التي حدثت في الخطاب الشعري على وجه الخصوص(‪.)3‬‬
‫والغذامي بدوره أحد أبرز النقاد المعاصرين الذين يعون هذه المفارقات الكبرى في‬
‫حياتنا الثقافية المعاصرة‪ ،‬ويمثل تماما ما يعاش حاليا من أزمة حقيقية على مستوى الثقافي‬
‫والفلسفي وبالتالي على المستوى النقدي والسؤال الذي يمكن أن يطرح وهو ما يشكل صلب‬
‫الموضوع‪ ،‬وهو أيهما يعاني أزمة؟ اإلبداع أم الثقافة أو أنه يتوجه إلى مقولة تجمع هذين‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫القطبين كأن يطرح التساؤل‪ :‬هل هناك أزمة إبداع ثقافي؟‬

‫‪ 1‬محمد عزام‪ :‬تحليل الخطاب األدبي‪ ،‬ص ‪.142‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪.154‬‬
‫‪ 3‬عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل‪ :‬الغذامي الناقد‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫‪ 4‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪.151‬‬
‫‪43‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لذا فإنه قبل اإلجابة عن هذا السؤال البد من تحديد ما يقصد بـ " اإلبداع" أوال وما يقصد‬
‫بـ "أزمة اإلبداع" ثانيا يتلون معنى كلمة " اإلبداع" بلون الحقل االيديولوجي الذي تستعمل فيه‪،‬‬
‫ففي الحقل الديني الميتافيزيقي ‪ ،‬تعني كلمة "إبداع" الخلق من عدم أي اختراع شيء ال على‬
‫مثال سبق وهو لهذا المعنى خاص باإلله‪ ،‬ال يقال إال عنه (‪.)1‬‬
‫والحديث عن "أزمة اإلبداع" ال بد أن ينصرف إلى الجانبين معا‪ :‬الجد واألصالة أو‬
‫االكتشاف والقابلية للتحقق هذا من وجهة‪ ،‬ومن وجهة أخرى فإذا فهمنا األزمة على أنها حالة‬
‫من التوقف والتدهور تصيب كائنا ما‪ ،‬ماديا كان أم فكريا لذا فإن "أزمة اإلبداع" أصبح حالة من‬
‫التوقف والتدهور على صعيد الجدة واألصالة أي حالة مت التكرار واالجترار الرديئتين(‪.)2‬‬
‫أما عن وجود "أزمة إبداع ثقافي" بمعنى فلسفة المرحلة فهذا صحيح في نظر الغذامي‪،‬‬
‫ذلك أن العالم الغربي لم يمر بفترة تاريخية ضائعة الهوية الفكرية وليس له فلسفة تميز ثقافته‪،‬‬
‫وهذا يؤدي بالضرورة إلى أن ثقافتنا ستكون اعتباطية ذات شكل تراكمي يعتمد على االجتهاد‬
‫الفردي ومن هنا فإن الثقافة أيضا هي أزمة بالنسبة للغذامي(‪.)3‬‬
‫ومن جهة أخرى فإن الناقد يشيد بما لإلبداع الشعري وما يشهده من تحقق إبداعي مميز‬
‫فهاهو ذا يقيم مضمونا تصوريا من المقارنة بين الشاعر أحمد شوقي الذي يمثل الثالثين سنة‬
‫األولى من القرن (‪ )4394-4344‬لقد كان مبدعا متمي از لما قدم من إضافات للموروث أما‬
‫الشاعر محمود درويش كممثل للثالثين األخيرة من هذا القرن وهما يمثالن حالتين من حاالت‬
‫اإلبداع يقومان كشاهد يستضاء به بلغة واحدة وعلى الرغم من كل عوامل االتفاق والتماثل‬
‫بينهما فإنه يوجد بينهما من االختالف بين تجربتهما‪ ،‬ما يحول التمايز بينهما إلى قوة ذات سمة‬
‫تجاوزيه خارقة (‪.)4‬‬

‫‪ 1‬محمد عبده الجابري‪ :‬أزمة اإلبداع في الفكر العربي المعاصر‪ ،‬مجلة فصول النقد األدبي‪ ،‬مج ‪ ،2‬ع ‪ ،2‬ص ‪.108‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪108‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.155‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.152‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لذا فإن االبداع الشعري نما في األربعين سنة ( ما بين ‪ )4344 -4394‬نمو جعل‬
‫شاعر الثالثنيات ساحقا في قدمة إذا ما قيس بشاعر السبعينيات ( وما بعدها) لقد كان‬
‫بمقدور محمود درويش أن يبكي بيروت كما بكى أحد أسالفه األندلس يقول‪:‬‬
‫فال يغر بطيب العيش إنسان‬ ‫لكل شيء إذا ما تـم نقصان‬
‫وهو أسلوب يتقنه شوقي‪ ،‬لقد أثبت ذلك في بكائه على دمشق‪:‬‬
‫ودم ـ ـع ال يكف ـ ـ ـ ـ ـ ـكف يا دمشق‬ ‫سالم من صبــا بردي أرق‬
‫ولكن درويش لم يفعل مثلهما على الرغم من تشابه الجراح ألن أداة اإلبداع عنده قد‬
‫نمت وتطورت عنهما (‪.)1‬‬
‫لذا فإن األزمة ليست في اإلبداع األدبي ولكنها في الثقافة وفي الفلسقة وهي في النقد‬
‫باعتباره النقد فلسفة‪ ،‬حيث اعتبر النقد الوسيط بين النص والقارئ وهي التي تبناه نقاد‬
‫الخمسينيات ‪ ،‬ومازال بعضها في الساحة يمارسها وهذا انحرف بالنقد من مستواه الفلسفي إلى‬
‫المستوى التعليمي وهو ما جعل النقد في المراحل الماضية اجت ار ار كالميا لمقوالت خارجة عن‬
‫روح اإلبداع وحقائقه الجوهرية الكلية (‪.)2‬‬
‫لذا من خالل هذا السقوط يبرز النقد األلسني كما يراه الغذامي ليعود الخطاب النقدي‬
‫ويخرجه من هامشياته ومن قصوره الذي لم تستطيع حركات نقدية حديثة أن تجنبه إياه(‪.)3‬‬
‫ســادسـا ‪ :‬محمود أمين العالم ‪ :‬هذا األلسني المتورط ‪:‬‬
‫يعتبر محمود أمين العالم أحد الرواد النقاد العرب المتميزين باهتماماتهم المتفتحة على‬
‫الحركة الثقافية العالمية والمنظرين األساسيين للنقد األدبي االجتماعي في العالم العربي حيث‬
‫سعى باستمرار إلى الدفع بالمسار الثقافي العربي نحو آفاق تساءل الحداثة والممكن المعرفي‬
‫وتعمل على ربط القيم الجمالية واألعمال الفنية بالسياقات االجتماعية و التاريخية لكن من‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.155-152‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪154-155‬‬
‫‪ 3‬عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل‪ :‬الغذامي الناقد‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫منظور يعمل على تجاوز المنظور و الرؤية اآللية النعكاس الواقع االجتماعي في النصوص‬
‫األدبية (‪.)1‬‬
‫كما تعد آراء محمود أمين العالم في مجال الدراسات النقدية العربية إسهاما جادا في‬
‫بحث المناهج النقدية العربية الجديدة وحاولت تأطير تصور جديد للممارسة التطبيقية للنقد‬
‫من منظور سوسيولوجي يتقاطع مع اإلرث البنيوي التكويني وسوسيولوجيا النص وفي كتابه‬
‫بعنوان" ثالثية الرفض والهزيمة" الصادرة سنة ‪ 4344‬والذي تناول فيه بالدراسة النقدية ثالثية‬
‫صنع اهلل ابراهيم (تلك الرائحة‪ ،‬نجمة أغسطس‪ ،‬اللجنة) مستندا إلى الخلفية الفلسفية التي‬
‫وفرتها المادية الجدلية من جهة ومستفيدا من مصطلحية النقد البنيوي و البنيوي التكويني في‬
‫جانب دراسة من جهة أخرى لذا يعتبر ايضا العالم أحد النقد اإليديولوجي في الخمسينات(‪.)2‬‬
‫لقد تعرض الغذامي لدعاوي محمود أمين العالم في كتابه " ثالثية الرفض والهزيمة"‬
‫وقد جاء ذلك في ست مقاالت والمقاالت توضح أبعاد النقد األلسني و ما يقابله من مناهج‬
‫والسيما االجتماعي وهذه المقاالت هي‪:‬‬
‫‪ -4-4‬من نقد اللحظة إلى نقد اللحظة‪:‬‬
‫باعتبار النقد األدبي مجال التخصص الدقيق للناقد الغذامي‪ ،‬فإن المنهج ينعكس في هذا‬
‫(‪)3‬‬
‫يقول‪ :‬ولقد جاءت هذه المقاالت استجابة ألسئلة‬ ‫المجال بشكل حيوي وفعال إلى أبعد حد ممكن‬
‫علي منذ صار مشروعي الثقافي مرتبطا بمنهجية نقدية واضحة المعالم‪ ،‬وتقوم هذه المنهجية‬
‫تتوارد َ‬
‫على ( النقد األلسني) أو ( النصوصية) معتمدا بذلك على ما يعرف بنقد ما بعد البنيوية وهو‬
‫عندي نقد يأخذ من البنيوية ومن السوسيولوجية منظومة من المفاهيم النظرية واإلجرائية تدخل كلها‬
‫تحت مظلة الوعي اللغوي بشروط النص وتجلياته التكوينية والداللية (‪.)4‬‬

‫‪ 1‬عمر عيالن‪ :‬النقد العربي الجديد ( مقاربة في نقد النقد)‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪(،1‬د‪.‬ت)‪،‬‬
‫ص‪188‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪180‬‬
‫‪ 3‬عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل‪ :‬الغذامي الناقد‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ 4‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬ثقافة األسئلة‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تناول الغذامي مصطلح "نقد اللحظة" على أنه نقد حيث المناسبة والظروف اآلني ولم‬
‫يكن نقدا منهجيا يعتمد على أي نظرية نصوصية‪ ،‬وانما كان يعني بالمعاني الظاهرة للنص‬
‫مهما كانت ساذجة أو بسيطة وقد استدل على ذلك بقول الناقد محمود امين العالم حينما قال‬
‫(‪)1‬‬
‫قد طغت على كثير من تطبيقاتها العناية بالداللة‬ ‫عن مرحلة الخمسينيات بأنها‬
‫والمضمون نتيجة لبعض المالبسات‪ ،‬بل اللحظات التاريخية والسياسية واالجتماعية التي‬
‫كانت تحتدم بها تلك المرحلة (‪.)2‬‬
‫كما يرى الغذامي ان العالم في قوله هذا يركز بصورة اساسية على نقد المنهج البنيوي‬
‫الذي يعده قاصار عن تمثيل االبعاد الحقيقية للصنيع االدبي‪ ،‬ويقلص التجربة االدبية في‬
‫مجالي االبداع والنقد الى مجرد نموذج واحد منغلق وهو امر غير ممكن في نظره‪-‬العالم –‬
‫ويقدم بهذا الشأن اربع مالحظات تؤشر على محدودية النمط البنيوي اذا اعتمد بمفرده في‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫الدراسات النقدية‬
‫أ‪ -‬أن النموذج البنيوي ينبغي الى أن يفرض على االعمال االدبية نسقا او نموذجا مسبقا هو‬
‫المعيار الذهبي لألدبية األدب‪ ،‬والذي يتناقص مع االبداعية في العمل األدبي‪ ،‬وهذه‬
‫االبداعية ال سبيل إلى تحديدها في شكل نموذجي مطلق‪.‬‬
‫ب‪ -‬ان هذا المعيار النموذجي لن يستطيع التمييز والمفاضلة بين األعمال األدبية كما أن‬
‫المعياري يساوي بين األعمال األدبية مهما كانت قيمتها اإلبداعية‪.‬‬
‫ت‪ -‬أن النموذج البنيوي المعتمد نظ ار العتماده على النسق األلسني‪ ،‬يخضع التعبير‬
‫االبداعي لقواعد البنية اللغوية أساسا‪ ،‬كما أنه يهمل خصوصيات األجناس األدبية‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪ 2‬محمود أمين العالم ‪ :‬ثالثية الرفض والهزيمة‪ ،‬دار المستقبل العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1885 ،1‬ص ‪10‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪.12‬‬
‫‪49‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ث‪ -‬إهمال الدراسة األدبية للداللة الكامنة في النص سواء في بعدها التاريخي األدبي أو في‬
‫سياقها التاريخي االجتماعي والتركيز على الدراسة النصية الداخلية وحدها بل حتى في اطار‬
‫هذه الدراسة ستقف بالضرورة عند الحدود الوصفية الشكالنية(‪.)1‬‬
‫هذه المعطيات المنهجية في نظر أمين العالم هي المبرر الذي أدى إلى القصور‬
‫المنهجي للبني وية في مجال النقد األدبي الذي صار بحثا جزئيا موضعيا وصفيا في مطابقة‬
‫النصوص مع نموذج محدد سلفا (‪.)2‬‬
‫كما يرى الغذامي أن محمود أمين العالم ال يأخذ من اتجاهات النقد األلسني إال ما‬
‫سماه بالهيكلية ويقصد به البنيوية في هذا خلط ألن الهيكلة تقابل الشكلية"‪"Formalisme‬‬
‫بينما البنيوية ترجمة "‪ "Structuralisme‬وهاتان مدرستان متمايزتان وان جاءتا معا تحت‬
‫مظلة األلسنية كما أن البنيوية تعمد إلى فحص النص من خالل أبنية الصياغة كوحدات‬
‫فنية تقوم كعناصر متمايزة تشتبك مع بعضها في عالقات وهذه العالقات هي ما يؤسس قيمة‬
‫هذه الوحدات وتشكل بالتالي داللتها الكلية‪ ،‬أما الشكلية فتعني بالخصائص الجمالية ألسلوب‬
‫النص وهذا يتكامل مع اتجاه البنيوي (‪.)3‬‬
‫وال ريب أن هذا الخلط لدى أمين العالم بين هاتين المدرستين هو ما أدى به إلى‬
‫الظن بأن البنيوية تعني بالشكل فقط وتغفل الداللة والمعنى في العمل األدبي اإلنساني عامة‬
‫والدليل على ذلك أنه فقد نص في حديثه هذا على أسماء رواد البنيوية مثل ليفي شتراوس‬
‫وروالن بارت ولوال هذا التصريح بهذه األسماء خاصة لظننا أن العالم يتكلم عن الشكلية‬
‫وليس عن البنيوية وروالن بارت هو صاحب فكرة الداللتين المتالزمتين في النص األدبي‬
‫وهما الداللة الصريحة والداللة الضمنية ومعنى ذلك أن كل داللة صريحة تتكون من ثالثة‬
‫عناصر الدال والمدلول والداللة‪ ،‬وكذلك هو الحال بالنسبة للداللة الضمنية (‪.)4‬‬

‫‪ 1‬محمود أمين العالم ‪ :‬ثالثية الرفض والهزيمة ‪ ،‬ص ‪.145‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪.184‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.115-112‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.114-115‬‬
‫‪40‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كما استعان الناقد بفكرة السياق عند جاكبسون والتي تقوم على أساس " المرجع"‬
‫والسياق في األدب يمثل وضع الحاالت التي جاء القول ليعبر عنها والمرجع في السياق هو‬
‫الوظيفة اإلرجاعية وهي قدرة االشارة على التذكير بشيء غير ذاتها (‪.)1‬‬
‫فهدف الغذامي بحسبنا أنه حاول أن يفند ما نسبه أمين العالم من تهمة مربوطة باسم‬
‫روالن بارت باعتبار ان الموروث الفكري لبارت يؤكد على اهتمامه بالدالالت الكلية ذات‬
‫الطبيعية الشمولية في اللغة وفي المجتمع بإضافة إلى جاكبسون وروالن بارت نجد ليفي‬
‫شتراوس الذي كان شديد االهتمام بدالالت األشياء وكان يعالج قضاياه معالجة بنيوية تعتمد‬
‫على النوى األساسية التي تفرز تشكيالت نموذجية في تجلياتها اللغوية وفي فعلها‬
‫الحضاري(‪.)2‬‬
‫لذا تعتبر أن البنيوية منهج يسعى إلى توحيد العلوم في نظام للتصور الشامل كحل‬
‫لمشكلة العالقة بين الذات اإلنسانية وتصوراتها الخاصة وبين األنظمة التعبيرية مع عوالمهم‬
‫الموضوعية لذا فهو هنا ينفي تهمة إغفال الداللة عن البنيوية ويسقط دعوى األستاذ‬
‫العالم(‪.)3‬‬

‫‪ -2-1‬دعوى النموذج الواحد‪:‬‬


‫يذهب محمود أمين العالم في نظرته النقدية للنص األدبي اذ يتعامل معه بوصفه‬
‫انتاجا فنيا مشعا بالدالالت االجتماعية والتاريخية وشروط نشأته التي تكيف تلك الدالالت‬
‫كما أن صلته بالواقع ليست استنساخا وتكرار له بقدر ما هي إضافة جديدة لهذا الواقع تتسم‬
‫بطابعها اإلبداعي عن المسهم في التحول والتغيير والنص األدبي إلى جانب ذلك بنية‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫متراكبة لبنيات جزئية زمانية ومكانية وداللية‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪.118 :‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.118-118‬‬
‫‪ 4‬عمر عيالن ‪ :‬مقارنة في نقد النقد‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وقد تحدث العالم في كتابه ثالثية الرفض والهزيمة على فكرة النموذج الواحد التي ترى‬
‫األعمال األدبية كافة نسقا نموذجيا محددا تخضع له بناءا وتفسي ار حسب ما فيها من انماط‬
‫لغوية يقوم الدارس برصدها رصدا إحصائيا شامال (‪.)1‬‬
‫ان االعتراض الذي لقيه أمين العالم من قبل الغذامي هي حول زعمه أن هذه الفكرة‬
‫هي مفهوم بنيوي وال شك أن األستاذ العالم يخلط هنا بين البنيوية وبين ما يسمى باألسلوبية‬
‫الوصفية وهذه األخيرة هي ممارسة نقدية وقع فيها بعض األسلوبين الذين اعتمدوا على نظام‬
‫الرصد اإلحصائي لكل أبنية النص وعلى رأسهم جاكبسون (‪.)2‬‬
‫ولقد تصدى النقاد األلسنيون لنهج جاكبسون الوصفي منتقدين القتصار عليه مسلمة‬
‫مسبقة أن األبنية تفسر سر اإلبداع‪ ،‬مما يعني أن األبنية ال تسبق اإلبداع وليست سببا له‬
‫ولكنـها نتـيجة له (‪.)3‬‬
‫وللخروج من هذه االشكالية على حد قول الغذامي هو ما ذكره " بيتيت" في مبدأ‬
‫التوازن االنعكاسي وهو مبدأ يقوم على حتمية التوازن بين الذوق الجمالي وبين البنية أي أن‬
‫البنية لكي تكون خاصية أسلوبية ال بد أن تكون انعكاسا للحس الذي نشأ عند القارئ كنتيجة‬
‫الستقباله لها‪ ،‬هذا المبدأ يؤسس القراءة على أنها أصل ينطلق منه التحليل‪ ،‬هذا الموقف‬
‫الذي أخذ به " ليفي شتراوس" أستاذ البنيوية في فرنسا حين قال " إن هدف البنيوي أن‬
‫يكشف لماذا األعمال األدبية تأسرنا" أي أن األسر يقع أوال ثم تتبعه عملية اكتشاف أسباب‬
‫هذا األسر (‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.141‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.145-144‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.145‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وليس من أحد في مدارس النقد األدبي كلها بأبعد من " روالن بارت" عن تهمة‬
‫النموذج الواحد‪ ،‬ويكفي ذلك أن من مبادئه األساسية مبدأ إلغاء المعنى الواحد ألن النص‬
‫عنده ذو طبيعة جماعية وكلما زادت جماعية النص تضاءلت فيه صفة النص المكتوب قبل‬
‫القراءة أي أن القراءة هي التي تصنع النص وبالقراءة تتحقق المعاني بواسطة أثر نظامها(‪.)1‬‬
‫لذا ففي ختام هذه المقالة نجد أن الغذامي قد تصدى ألمين العالم الذي اتهم البنيوية‬
‫ممثلة بليفي شتراوس وروالن بارت أنها تعمد إلى النموذج الواحد من خالل ما حدده فنسنت‬
‫ليتش بمنطلقات البنيوية وهي كالتالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تسعى البنيوية إلى استكشاف البنى الداخلية الالشعورية الظاهرية‪.‬‬
‫ب‪ -‬تعالج العناصر بناء على عالقاتها وليس على أنها وحدات مستقلة‬
‫ج‪ -‬تركز البنيوية دائما على األنظمة‪.‬‬
‫د‪ -‬تسعى إلى إقامة قواعد عامة عن طريق االستنتاج او االستقراء وذلك لتؤسس الخاصية‬
‫المطلقة لهذه القواعد (‪.)2‬‬

‫‪ -4-4‬التباس المفاهيم ‪:‬‬


‫لقد تعرض محمود أمين العالم في كتابه " ثالثية الرفض والهزيمة" إلى قضية تقف وراء‬
‫المواقف المختلفة أال وهي إمكانية أن يكون النقد األدبي علما هذا ما دفعه إلى التمييز بين مجالين‬
‫لبحث األدب هما‪ :‬الدراسة األدبية والنقد األدبي(‪.)3‬‬
‫كما أن الدراسة تعتبر في نظره يتمحور حول اهتمامها في وضع القواعد والقوانين العامة‬
‫" فن الشعر"‬ ‫للتعبير الفني والجمالي‪ ،‬وضبط خصائصها وقواعدها مثلما هو شأن كتاب أرسطو‬
‫الذي ال يمكن اعتباره كتابا في النقد األدبي بقدر ما هو مسعى تنظيري لتحليل وتصنيف أشكال‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.142-145‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.142‬‬
‫‪ 3‬محمود أمين العالم ‪ :‬ثالثية الرفض والهزيمة‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫التي هي‬ ‫التعبير اإلنسانية مثله مثل ما تقدمه "البيوطيقا الجديدة" أو " علم اإلبداع األدبي"‬
‫محاولة الكتشاف القوانين العامة لإلبداع األدبي ولكنها ليست النقد األدبي(‪.)2‬‬
‫أما النقد األدبي فهو إجراء تطبيقي يستفيد من المباحث النظرية العامة ولكن يسعى‬
‫(‪)3‬‬
‫فهو‬ ‫للكشف عن خصوصية اآلثار األدبية ومواطن التفرد والتميز فيها بل أكثر من ذلك‬
‫ي كشف ما يناقض هذا العالم وما يضيف عليه أو ما يشكل ظاهرة فريدة جديدة‪ ،‬فال حدود‬
‫لإلبداع األدبي (‪.)4‬‬
‫فالغاية األساسية للتمييز الذي يقيمه أمين العالم هي فك الخناق على النص وفتح‬
‫المجال أمام الناقد ليستفيد من الجوانب النظرية على المستوى اإلجرائي وربط اإلبداع‬
‫بالمكونات التاريخية واالجتماعية والفكرية واإلبداعية األدبية التي أنتج في سياقها ولعل هذا‬
‫األمر هو الذي يجعله ال يرفض االستفادة من اإلنجازات البنيوية في مجاالت دراسة‬
‫النصوص األدبية والكشف عن أبعادها الداللية (‪.)5‬‬
‫كما يرد الغذامي في التباس المفاهيم عند محمود أمين العالم وذلك في نقطتين‪:‬‬
‫أ‪ .‬األولى في تفرقة أمين العالم بين علم األدب والنقد عاكسا تهمة الخلط على االتجاه‬
‫أأللسني ذلك ألن الدراسة األدبية ال تقوم كمقابل مغاير للنقد األدبي ألن الدراسة األدبية‬
‫صورة من صور القراءة الجادة ذات الشمولية إما ألعمال كاملة أو لفترة معينة إضافة إلى‬
‫ذلك فهي ليست مصطلحا بديال عن البيوطبقا ولكنها جزء منها كما أن النقد األدبي ال يقف‬
‫كمفهوم مقابل للشاعرية ( البيو طيقا) بحيث تكون هذه األخيرة هي النظرية والنقد هو‬
‫الممارسة (‪.)6‬‬

‫‪ 1‬عمر عيالن‪ :‬مقاربة في نقد النقد‪ ،‬ص ‪.184‬‬


‫‪ 2‬محمود أمين العالم‪ :‬ثالثية الرفض والهزيمة‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ 3‬عمر عيالن‪ :‬مقاربة في نقد النقد‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫‪ 4‬محمود أمين العالم‪ :‬ثالثية الرفض والهزيمة‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 5‬عمر عيالن‪ :‬مقاربة في نقد النقد‪ ،‬ص ‪.185-184‬‬
‫‪ 6‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لذا فإن الشاعرية نظرية نصوصية تتبع من النص وتنعكس عليه‪ ،‬وليست جسدا‬
‫غريبا يفرض على األدب من خارجه أو ايديولوجية مذهبية تسقط على النصوص وتسلط‬
‫عليها لتفرض عليها فك ار لم يتبع من داخلها ولم يتأسس فيها(‪.)1‬‬
‫وقد ذكر الغذامي في معرض حديثه مجاالت الشاعرية التي حددها تودوروف في‬
‫ثالث عناصر‪:‬‬
‫‪ -4‬تحليل أساليب النص أي أن النقد األدبي ممارسة قرائية عملية‬
‫‪ -4‬تسعى الشاعرية إلى استنباط الشفرات المعيارية التي ينطلق منها النص األدبي‪ ،‬أي‬
‫أن الدراسة األدبية ليست مفروضة على النصوص أو مسقطة عليها ولكنها نابعة‬
‫منها‪.‬‬
‫‪ -9‬تأسيس النظرية التي تقوم على الداللة الضمنية لألعمال األدبية أي انبثاق الكل من‬
‫عالقات األجزاء(‪.)2‬‬
‫إضافة إلى ماسبق نجد ما ذكره أمين العالم حول أن العالقة في النص األدبي تتمحور ما‬
‫سماه روالن بارت بالمحتمل النقدي الذي هو فعالية ثقافية قرائية تجمع بين النص والقارئ في‬
‫تالقح كلي يجعل لغة النص جماعية وليست فردية معزولة(‪.)3‬‬
‫ب‪ .‬الثانية في لوم الناقد محمود أمين العالم النقد األلسني متهما إياه باالقتصار على دراسة‬
‫النص األدبي كمعطى في ذاته ساكن ثابت معزول متعال وهو بذلك يخلط بين األلسنية وما‬
‫يسمى بالنقد الجديد الذي انتشر في انجلت ار وأمريكا وأبرز رواده ريتشاردز الذي كان يأخذ‬
‫بمفهوم النص المغلق‪ ،‬وفيه كانوا ينظرون للعمل األدبي معزوال عن كاتبه وعن زمنه وعن‬
‫جنسه األدبي(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬المصدر السابق ‪ :‬ص ‪.142‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.148‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.148‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪150‬‬
‫‪43‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إال أن رواد األلسنية وعلى رأسهم روالن بارت سخروا من هذا االتجاه وقوضوا منطقة‬
‫ويشهد على ذلك مقالة لروالن بارت ‪ 4344‬بعنوان (من العمل إلى النص) ولقد لخص‬
‫فنسنت ليتش أهم األفكار التي وردت في المقالة منها‪ :‬أن النص مفتوح ومطلق للخروج‬
‫والقارئ ينتج النص في تفاعل متجاوب ال في تقبل استهالكي(‪.)1‬‬
‫إن الخلط بين المدارس واالتجاهات النقدية هو الذي أحدث االلتباس لدى محمود‬
‫أمين العالم مما جعل يحارب األلسنية بأسلحتها وتبنى نظرياتها فيما يحسب أنه يفندها(‪.)2‬‬
‫‪ -4-1‬مالحظات على النظرية‪:‬‬
‫لقد اعتمد الكتاب ثالثية الرفض والهزيمة للناقد محمود أمين العالم على قسمين‪:‬‬
‫أحدهما مقدمة نظرية ويليها دراسة لثالث روايات لصنع اهلل إبراهيم ومن الغرابة في هذا‬
‫األمر أن يكون التظيير معزوال حادا عن التطبيق حيث ال يوجد الفكر النظري في الصفحات‬
‫األولى أي أثر على ممارسة المؤلف التطبيقية بعد ذلك(‪.)3‬‬
‫إن التحديد المنهجي الذي ينطلق منه أمين العالم في دراسته النقدية يستند إلى جملة‬
‫من المنطلقات المتراكبة المتصفة بالتداخل واالصطناع أحيانا خاصة فيما يتعلق بالمناهج‬
‫التي ذكرها السيما ما دعاه بـ " المنهج أالستخالصي القياسي" الذي يصنف في خانة‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫المنهجية اإلجرائية وليس في مجال المنهج‬
‫حدد العالم ثالث مفاهيم للنقد األول هو الطابع اإلبداعي للعمل األدبي الذي ال ينبغي‬
‫أن تحده أو تقيده معايير نظرية مسبقة أو مطلقة والثاني هو أسبقية الممارسة على النظرية‬
‫والمفهوم الثالث هو ما ينبغي أن تتسم به الممارسات النقدية من طابع تركيبي إبداعي يرتفع‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫بها عن حدود التحليلية الخالصة‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬المصدر السابق ‪ :‬ص ‪.150‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص‪.151‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه‪ :‬ص ‪.155‬‬
‫‪ 4‬عمر عيالن ‪ :‬مقاربة في نقد النقد‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪ 5‬محمود أمين العالم ‪ :‬ثالثية الرفض والهزيمة‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إن ما ذكره أمين العالم في كالمه السابق يثبت انتماءه إلى الفكر األلسني وتتأكد‬
‫األلسنية أمين العالم في قوله"أن الناقد يسقط إيديولوجيا إسقاطا خارجيا على العمل األدبي‬
‫الذي يدرسه" (‪.)1‬‬
‫كما نجده في الصفحة ‪ 44‬من كتابه يشيد بضرورة األخذ بفكرة البيوطيقا أو‪ -‬كما‬
‫سماها – الدراسة األدبية أو علم األدب وكان من قبل قد رفضها واعترض عليها واظهرها‬
‫كعيب من عيوب األلسنية فيها خلط وفيها قصور وفيها تعسف وكان يطالب بالتفريق بين‬
‫النظرية وبين النقد األدبي ويحاول أن يفصل بينهما ولكنه في موقف آخر نجده يوحد بينهما‬
‫وهو موقف األلسنية (‪.)2‬‬
‫إن المالحظة على كتابات العالم في شقه النظري تعد مجرد إسقاطات إذا ما قورنت‬
‫بشقه التطبيقي وتكاد ال توجد صلة فكرية بين صفحات الكتاب األولى وصفحاته التالية‪ ،‬ذلك‬
‫أنه قد طغت االنطباعية على معالجات أمين العالم لروايات صنع اهلل إبراهيم وهي ما حجب‬
‫كل بوادر االنفتاح النقدي في صفحات الكتاب األول(‪.)3‬‬
‫والخالصة التي يمكن الوصول إليها بشأن المقدمة المنهجية التي صدر بها كتاب‬
‫أمين العالم هي أنها محاولة واعية للبحث عن جديد منهجي بتلوين اجتماعي تاريخي‪.‬‬
‫‪ -5-1‬مالحظات على التطبيق‪:‬‬
‫تتميز الدراسة التطبيقية التي قام بها الناقد أمين العالم لروايات صنع اهلل إبراهيم‬
‫الثالثة‪ ،‬بطابع االنتقائية وغياب الوضوح والدقة و المنهجية ولذلك كانت محددات الدراسة‬
‫النقدية محكومة بانطباعية الناقد بالدرجة األولى حي ث أن مجموع المباحث المقدمة ال تخضع‬
‫إلجراء منهجي يمكن رده لتوجه نقدي ثابت (‪.)4‬‬

‫‪ 1‬المرجع السابق ‪ :‬ص‪.18‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.155-152‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪152-155‬‬
‫‪ 4‬عمر عيالن ‪ :‬مقاربة في نقد النقد‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ولعل هذا التعدد اإلجرائي يعود في أساسه إلى أمرين اثنين أولهما أن مرحلة الفهم في‬
‫بنيوية التكوينية ال تقدم خطوات دقيقة للبحث في مكونات النص الداخلية ولذلك فإن الناقد‬
‫قام باالجتهاد في البحث عما يراه مناسبا في تغطية هذا الجانب من الدراسة‪ ،‬وثانيهما أنه‬
‫عمل على توظيف ما يتالئم من إجراءات النقد البنيوي للوصول إلى غايته في الربط بين‬
‫المكونات النصية والحقيقة االجتماعية الموجودة خارجه(‪.)1‬‬
‫وقد رسم أمين العالم نهجا لنفسه ذكر أنه سيكون توجها نقديا له في قراءته لروايات‬
‫صنع اهلل إبراهيم وذلك في استناده على البنيات الداللية للنصوص وصرح بأشكال تلك‬
‫البنيات حيث حددها كما يلي‪ :‬بنية المكان‪ ،‬بنية الزمان‪ ،‬وبينة اللغات واألساليب والتقنيات‬
‫وبينة األشخاص وبنية األحداث والبنيات الصياغية الصغرى والبنية الصياغية العامة وبينة‬
‫الدالالت الجزئية وبينة الداللة العامة(‪.)2‬‬
‫انطلق محمود أمين العالم في قراءته لروايتي الرائحة ‪ 1611‬ونجمة أغسطس من‬
‫العنوان‪ ،‬حيث عمل على تحديد أبعاده التركيبية وخصائصه الداللية‪ ،‬وتتبع تلوينات لفظة‬
‫الرائحة أو نجمة أغسطس عبر المقاطع التي وردت فيها في سياق كل زاوية‪.‬‬
‫ويتضح لنا وعي الناقد "أمين العالم" بأهميته الداللية الرمزية واإلبالغية و للعنوان‬
‫حيث يقول بأن العنوان قد يكون المفتاح الرئيسي للبنية الداللية للرواية‪ ،‬لذلك نجده يتابع‬
‫تحليل األبعاد السيميائي ة والرمزية للعنوان والدالالت المجتمعية والواقعية التي يمكن أن يمثلها‬
‫أو يحيل عليها في الواقع االجتماعي(‪.)3‬‬
‫وقد استند أمين العالم للمحددات المتهجية للبنيوية التكوينية بصورة كبيرة في سعيه‬
‫للوصول إلى البنية الدالة لرواية تلك الرائحة منطلقا من جملة من المعطيات البنائية لنص‬
‫الرواية حيث يتوصل إلى أن االزدواج هو السمة المميزة للمكونات الروائية في كل المستويات‬

‫‪ 1‬المرجع السابق ‪ :‬ص ‪.185‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ 3‬عمر عيالن ‪ :‬مقاربة في نقد النقد‪ ،‬ص ‪.184-185‬‬
‫‪44‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فالبناء الزماني يتمظهر ضمن مسارين الزمن الثاني فهو زمن يتموضع ضمن الزمن األول‬
‫الذي تحدده الرواية بعشر أيام هو الزمن الواقعي لحركة سير األحداث ‪ ،‬أما الزمن الثاني‬
‫فهو زمن يتموضع ضمن الزمن االول عبر االسترجاع واالستشراق ويتخذ طابع الذكر‬
‫والتأمل(‪ .)1‬أما بنية المكان فهي موزعة على شكلين من أشكال فضاء انتقالي مفتوح وتمثله‬
‫مدينة القاهرة وساحاتها وشوارعها وفضاء إقامة مغلق هو فضاء الشقة التي يقيم فيها البطل‬
‫السارد وهذا الفضاء المغلق رديف للفضاء السجني ألن البطل ينتظر فيه قدوم العسكري‬
‫الذي يتأكد من وجوده كل ليلة(‪.)2‬‬
‫هذه االزدواجية في البنية الروائية تعكس صدعا اجتماعيا في مستوى الواقع المعيش‬
‫وتكشف عن تناقضات جوهرية في مجتمع لم يصل درجة االنسجام بين ما يرفعه من‬
‫شعارات وبين ممارسات مناقضة(‪.)3‬‬
‫وفي دراسة أمين العالم لرواية اللجنة بلغ القسر مبلغا قاتال لكل ما هو إبداعي في النص‬
‫حيث جعل هذه الرواية مجرد امتداد سردي للروايتين السابقتين تلك الرائحة ونجمة أغسطس‪ ،‬وهو‬
‫بذلك يفرض على نفسه وعلى الرواية نموذجا خارجيا ألنه جعل الرواية مجرد تواصل حديث أو‬
‫تعبير عن بعض هموم المجتمع المصري(‪.)4‬‬
‫لذلك فهو هنا يغفل منذ البداية على أبنية النص اإلبداعية يلغي البطل على أنها امتداد‬
‫للمواقف السالفة الذكر في الروايات السابقة وبذلك راح يسقط حالة المجتمع على الرواية ليحولها‬
‫إلى مجرد بيان سياسي عن مصر السبعينات‪ ...‬أي أنه يفرض الخارج على الداخل دون أن يسعى‬
‫(‪)5‬‬
‫على العكس ما قاله في كتابه‪ " :‬سنبدأ من البنايات‬ ‫إلى فصح الداخل وسر البنيات العشر‬
‫الداخلية لتلك النصوص لنصل إلى الخارج أي كشف الخارج فيها" (‪.)6‬‬

‫‪ 1‬المرجع السابق ‪ :‬ص‪184‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه ‪ :‬ص‪.400‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه ‪ :‬ص‪401‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪125‬‬
‫‪ 5‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪125‬‬
‫‪ 6‬محمود أمين العالم ‪ :‬ثالثية الرفض والهزيمة‪ ،‬ص ‪48‬‬
‫‪49‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فالغذامي يرى أن أمين العالم قد وقع في النقد االنطباعي ألن المحاولة فيه ال تتعدى‬
‫سطح الكلمات وال تحاول أبدا الدخول فيها لدرجة أن الكاتب أخذ األحداث مأخذا جزئيا‬
‫منفصال ولم يحاول بناءاها بناءا كليا شموليا ليقيم لها داللة روائية شاملة ‪.‬‬
‫وهذا التناول الجزئي هو ما جعل العالم يربط حدثا روائيا بحادث اجتماعي يتماثل‬
‫معه بعض التماثل أي أنه يعيد الرواية للماضي ويقيدها ويقتل الزمن فيها مثلما قتل الطاقة‬
‫اإلبداعية في تكوينها الفني الذي لم يلتفت إليه(‪ ،)1‬يقول أمين العالم عن أحداث الرواية "‬
‫والحق أن هذه األحداث الثالثة وسياقها االجتماعي العام هي محاولة من جانب المؤلف‬
‫الستكمال صورة االنهيار والفساد في الواقع المصري في السبعينات‪.)2( "..‬‬
‫إن هذا الحكم ظالم ومجحف في حق الرواية فالبر غم من تشابه مضامين األحداث مع‬
‫بعض المواقف االجتماعية في مصر إال أن هذا التشابه ال يصنع أدبا وال يصنع فنا‪ ،‬وليس هذا ما‬
‫يسعى اليه الدرس النقدي الحديث‪ ،‬فالنقد يسعى لتأسيس جماليات النص اإلبداعية التي تجعله‬
‫عمال متمي از داخل سياقه الفني مما يؤهله للعالمية‪ ،‬فينقله من ظرفه التاريخي المحدد إلى ظرف ال‬
‫زمني يجعله كلي الداللة‪ ،‬ويتحول فيه الحدث التاريخي إلى حدث فني قادر على االنفتاح والتنوع‬
‫الداللي دون أن يلغي تاريخه(‪.)3‬‬
‫لذا أين كل هذا من رواية اللجنة؟ إنه موجود فيها وكامن في داخلها ولكنه غاب عن ذهن‬
‫أمين العالم والدليل على أنه لو لم تكن هناك معرفة شخصية تربط الناقد أمين العالم بكاتب الرواية‬
‫وبظروف مصر في السبعينات لسقطت إذا كل مقوالت أمين العالم عن رواية اللجنة وعلى مفهوم‬
‫العالم هذا يكون مصير رواية اللجنة عد ما فلو افترضنا ضياع الروايتين السابقتين وحدث أن نسي‬
‫الناس حال مصر السبعينات فإن النتيجة عند تلك هو انعدام الداللة في رواية اللجنة وهذا افتراض‬
‫غير صحيح فالنص وجود في عالم يطغى فوق مالبسات العادة والحدث االجتماعي(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬ص ‪125‬‬
‫‪ 2‬محمود أمين العالم ‪ :‬ثالثية الرفض والهزيمة‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬عبد اهلل محمد الغذامي‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪،‬ص ‪122‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪128‬‬
‫‪40‬‬
‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وعلى هذا القول فإن أمين العالم يتعامل مع رواية اللجنة مثلما يتعامل مع مقالة‬
‫صحفية ولهذا صار الحدث الروائي فيها مجرد إطار خارجي تستخدمه لكي تقول ما تريد أن‬
‫تقوله تقري ار وتقييما صارت مجرد وثيقة تاريخية تشرح حال الناس في مصر في السبعينات‬
‫وأصبح مزاياها أنها كتبت بتدقيق علمي وجسارة فكرية ومعاناة خبرة عميقة(‪.)1‬‬
‫وهذا حكم مجحف فيه نسق الرواية والغاء لها وفيه تحديدا لمدلولها حيث قصره أمين‬
‫العالم على الواقع الفعلي لمصر في السبعينات أي أنه جعلها ذات قارئ محدد وفي وطن‬
‫محدد وفي أمن محدد‪ ،‬وهذه جميعها متغيرات ما تلبث أن تزول سريعا(‪.)2‬‬
‫وفي النهاية يقر الغذامي بأن رواية اللجنة خاصة تحتاج إلى تحليل حقيقي يفحص‬
‫تركيباتها الفنية وهي رواية ذات طاقات إبداعية مذهلة‪ ،‬ويرى أن كتاب ثالثية الرفض‬
‫والهزيمة لمحمود أمين العالم فيه طمس لإلبداع‪ ،‬وطمس األنا المبدع واألنا الناقد‪.‬‬

‫‪ 1‬المصدر السابق ‪ :‬ص ‪128‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.151-150‬‬
‫‪44‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫القرآن الكريم‬ ‫‪‬‬
‫المصادر ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ .1‬عبد اهلل محمد الغدامي ‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪ 1112 ،2‬هـ‪. 1991 ،‬‬
‫‪ -‬تشريح النص‪ ،‬مقاربات لنصوص شعرية معاصرة‪ ،‬دار الطليعة‬
‫‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪. 1991 ،1‬‬
‫‪ -‬تشريح النص‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ،‬بيروت‬
‫‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪. 2002 ،2‬‬
‫‪ -‬الخطيئة والتكفير ( من البنوية إلى التشريح نظرية وتطبيق)‪،‬‬
‫المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط ‪. 2002 ،2‬‬
‫‪ -‬ثقافة األسئلة‪ ،‬دار سعاد الصباح ‪ :‬الكويت‪ ،‬ط ‪1991 ،2‬‬
‫المراجــــع ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ .1‬إبراهيم محمود خليل‪ :‬النقد األدبي الحديث من المحاكاة إلى التفكيك‪ ،‬دار المسيرة للطباعة‬
‫والنشر‪،‬األدرن‪(،‬د‪.‬ط)‪. 2001،‬‬
‫‪ .2‬إحسان عباس‪ :‬فن الشعر‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪. 1915 ،5‬‬
‫‪ .1‬أدونيس ‪ :‬الشعرية العربية ‪ ،‬دار اآلداب ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪. 1995 ،1‬‬
‫‪ .1‬أدونيس ‪ :‬النص القرآني وآفاق الكتابة ‪ ،‬دار اآلداب ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪. 1991 ،1‬‬
‫‪ .5‬أدونيس ‪ :‬زمن الشعر ‪ ،‬دار العودة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪1919 ، 2‬‬
‫‪ .2‬أدونيس‪ :‬الثابت و المتحول(بحث في اإلتباع و اإلبداع عند العرب)‪،‬ج‪ ،1‬دار العودة ‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪. 1991، 1‬‬
‫‪ .1‬أدونيس‪:‬الثابت و المتحول(بحث في اإلتباع و اإلبداع عند العرب)‪،‬صدمة الحداثة‪،‬ج‪،1‬دار‬
‫العودة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪. ،‬‬
‫‪ .9‬آالن تورين‪ :‬نقد الحداثة‪ ،‬تر أنور مغيث‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر‪،‬القاهر‪،‬دط‪1991 ،‬‬
‫‪ .9‬أندريه الالند‪ :‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬مج‪ ،2‬تح‪ ،‬خليل احمد خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪. 2001 ،2‬‬
‫بشير تاوريرت ‪ :‬الشعرية والحداثة بين أفق النقد األدبي‪ ،‬وأفق النظرية الشعرية‪ ،‬دار‬ ‫‪.10‬‬
‫رسالن للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا ‪،‬ط‪. 2009 ، 1‬‬
‫جمال شحيد‪ ،‬وليد قصاب‪ :‬خطاب الحداثة في األدب‪ ،‬مرجعية األدب الحداثي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫‪.11‬‬
‫‪.‬‬ ‫دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪2005، 1‬‬
‫جهاد فاضل ‪ :‬أسئلة النقد وحوارات مع النقاد ‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪،‬‬ ‫‪.12‬‬
‫‪08‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫الخليل بن أحمد الفراهيدي ‪ ،‬كتاب العين‪ ،‬تح‪ :‬مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي‪،‬دار‬ ‫‪.11‬‬
‫الرشيد‪،‬د‪.‬ط ‪. 1992،‬‬
‫خليل موسى‪:‬آليات القراءة في الشعر العربي المعاصر منشورات الهيئة العامة السورية‬ ‫‪.11‬‬
‫للكتاب‪،‬دمشق‪ ،‬د‪.‬ط ‪. 2010،‬‬
‫خيرة حمر العين ‪ :‬جدل الحداثة في نقد الشعر العربي‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‬ ‫‪.15‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪،‬سوريا‪ ،‬د ط‪1992 ،‬‬
‫روالن بارت ‪ :‬درس السيميولوجيا ‪ ،‬تر‪ :‬عبد السالم بن عبد العالي‪ ،‬دار توبقال للنشر‪،‬‬ ‫‪.12‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪. 1991 ،1‬‬
‫زعربان علي رضا النحوي ‪ :‬تقويم نظرية الحداثة‪ ،‬دار النحوي للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫‪.11‬‬
‫السعودية‪ ،‬ط‪. 1992، 1‬‬
‫سالم القمودي ‪ :‬اإلنسان ليس عقال‪ ،‬مؤسسة االنتشار العربي‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‪،‬دط‪2001 ،‬‬ ‫‪.19‬‬
‫سعيد بن زرقة‪ :‬الحداثة في الشعر العربي_أدونيس أنموذجا_ ‪،‬أبحاث للترجمة و النشر و‬ ‫‪.19‬‬
‫التوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪. 2001 ،1‬‬
‫سمير سعيد حجازي ‪ :‬النقد العربي و أوھام رواد الحداثة ‪ ،‬مؤسسة طيبة للنشر و‬ ‫‪.20‬‬
‫‪.‬‬ ‫التوزيع‪ ،‬القاھرة‪ ،‬ط‪2005 ،1‬‬
‫شكري محمد عياد‪ :‬المذاهب األدبية و النقدية عند العرب والغربيين‪ ،‬سلسلة عالم‬ ‫‪.21‬‬
‫‪.‬‬ ‫المعرفة‪،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬دط‪1991 ،‬‬
‫صفدي مطاع ‪ :‬نقد العقل الغربي‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.22‬‬
‫لبنان‪ ،‬دط‪1990،‬‬
‫عبد الحميد جيدة ‪ :‬االتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬مؤسسة نوفل ‪،‬‬ ‫‪.21‬‬
‫بيروت ‪،‬دط‪. .1990 ،‬‬
‫عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل‪ :‬الغذامي الناقد‪ ،‬مؤسسة اليمامة‪ ،‬الصحيفة‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫‪.21‬‬
‫‪.‬‬ ‫(د‪.‬ط)‪ 1122 ،‬ه‬
‫عبد السالم المسدي ‪ :‬األدب وخطاب النقد‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحد‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪.25‬‬
‫ط‪ ،1‬مارس ‪. 2001‬‬
‫عبد العزيز حمودة ‪ :‬المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪،‬‬ ‫‪.22‬‬
‫الكويت‪،‬دط‪. 1999 ،‬‬
‫عبد الغني بارة ‪ :‬إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي المعاصر(مقاربة حوارية في‬ ‫‪.21‬‬
‫‪.‬‬ ‫األصول المعرفية)‪،‬الهيئة المصرية العامة‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪2005 ،‬‬

‫‪08‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫عبد اهلل إبراهيم ‪ :‬الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة تداخل األنساق والمفاهيم ورهانات‬ ‫‪.29‬‬
‫العولمة‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪. 1999، 1‬‬
‫عثمان أمين ‪ :‬ديكارت ‪ ،‬مكتبة األنجلو مصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬دط‪1929 ،‬‬ ‫‪.29‬‬
‫عثمان موافي‪ :‬دراسات في النقد العربي‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪،‬القاهرة‪،‬ط‪1999، 2‬‬ ‫‪.10‬‬
‫عدنان علي رضا النحوي ‪ :‬الحداثة في منظور ايماني‪ ،‬دار النحو للنشر والتوزيع ‪،‬‬ ‫‪.11‬‬
‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1110 ،1‬ه‪1999-‬م‪.‬‬
‫علي حرب ‪ :‬الماهية والعالقة‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1999، 1‬‬ ‫‪.12‬‬
‫عمر عيالن‪ :‬النقد العربي الجديد ( مقاربة في نقد النقد)‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬الدار‬ ‫‪.11‬‬
‫العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪(،1‬د‪.‬ت)‬
‫غالي شكري ‪ :‬شعرنا الحديث إلى أين‪ ،‬دار الشروق األولى‪ ،‬ط‪. 1991 ،1‬‬ ‫‪.11‬‬
‫فتحي التريكي‪ ،‬ورشيدة التريكي‪ :‬فلسفة الحداثة ‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪.15‬‬
‫دط‪1992 ،‬‬
‫الشين عبد الفتاح ‪:‬الخصومات البالغية والنقدية في صنعة أبي تمام‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬ ‫‪.12‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دط‪1992 ،‬‬
‫مالكوم براديري وجيمس ماكفارلن‪ :‬الحداثة‪ ،‬تر‪:‬مؤيد حسين فوزي‪ ،‬دار المحبة للنشر‬ ‫‪.11‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬دط‪2009 ،‬‬
‫مالكوم براديري‪ ،‬وجيمس مكفارلن‪ ،‬حركة الحداثة ‪ ،‬تر‪:‬عيسى سمعان‪ ،‬منشورات و ازرة‬ ‫‪.19‬‬
‫الثقافة ‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ج‪ ، 1‬دط‪1999 ،‬‬
‫محمد أركون ‪ :‬اإلسالم والحداثة‪ ،‬التبيين‪ ،‬ع‪ ،1‬الجمعية الثقافية الجاحظية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دط‪،‬‬ ‫‪.19‬‬
‫‪1990 ،‬‬
‫محمد الشيخ ‪ :‬فلسفة الحداثة في فكر هيغل‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث والنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.10‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪2009 ،1‬‬
‫محمد بن أحمد األزهري‪ :‬تهذيب اللغة‪ ،‬مطابع سجل العرب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‬ ‫‪.11‬‬
‫محمد بنيس‪ :‬حداثة السؤال بخصوص الحداثة العربية في الشعر والثقافة‪ ،‬المركز الثقافي‬ ‫‪.12‬‬
‫العربي‪ ،‬ط‪. 1999 ، 2‬‬
‫محمد زكي العشماوي‪ ،‬أعالم األدب العربي الحديث و اتجاهاتهم الفنية ‪،‬دار المعرفة‬ ‫‪.11‬‬
‫الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط ‪. 2002،‬‬
‫محمد سبيال‪:‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪،‬الدار البيضاء‪،‬المغرب‪،‬ط‪. 2000 ،1‬‬ ‫‪.11‬‬

‫‪08‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫محمد عزام‪ :‬تحليل الخطاب األدبي على ضوء المناهج النقدية الحداثية‪ ،‬منشورات اتحاد‬ ‫‪.15‬‬
‫الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬د‪.‬ط ‪. 2001 ،‬‬
‫محمد محفوظ ‪ :‬اإلسالم والغرب وحوار المستقبل ‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪.12‬‬
‫ط‪. 1999 ،1‬‬
‫محمود الغشيري‪:‬االتجاهات األدبية والنقدية الحديثة‪ -‬دليل القارئ العام ‪،‬ميريت للنشر‬ ‫‪.11‬‬
‫والمعلومات ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪. 2001 ،2‬‬
‫محمود أمين العالم ‪ :‬ثالثية الرفض والهزيمة‪ ،‬دار المستقبل العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1995 ،1‬‬ ‫‪.19‬‬
‫المسدي عبد السالم‪ :‬النقد والحداثة ‪ ،‬دار الطليعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪. 1991 ،1‬‬ ‫‪.19‬‬
‫ميحان البازغي‪ ،‬وسعد الرويلي‪ :‬دليل الناقد األدبي الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪2002 ،2‬‬ ‫‪.50‬‬
‫ناصيف نصار‪ :‬باب الحرية‪ ،‬إنبثاق الوجود بالفعل‪ ،‬دار الطليعة لطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.51‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪. 2001 ، 1‬‬
‫نور الدين أفاية‪:‬الحداثة و التواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة‪ ،‬نموذج هبرماس‪ ،‬إفريقيا‬ ‫‪.52‬‬
‫‪.‬‬ ‫الشرق‪ ،‬ط‪1999، 2‬‬
‫هيد جر ليفي شتراوس‪ ،‬ميشل فوكو‪ :‬فلسفة موت اإلنسان في الخطاب الفلسفي‬ ‫‪.51‬‬
‫المعاصر‪ ،‬تر‪ :‬عبد الرزاق الداوي‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت (د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت )‬
‫يورغن هابرماس‪:‬القول الفلسفي للحداثة‪،‬تر فاطمة الجيوشي‪ ،‬منشورات و ازرة الثقافة‬ ‫‪.51‬‬
‫السورية دمشق‪ ،‬ط‪1995 ،1‬‬
‫يوسف الخال‪:‬الحداثة في الشعر‪،‬دار الطليعة للطباعة و النشر‪،‬بيروت‪،‬لبنان‪،‬ط‪.1919 ،1‬‬ ‫‪.55‬‬
‫المذكـــــرات ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫سعودي البختاوي‪:‬الحداثة في مشروع العقاد النقدي من خالل تطبيقاته على شعر أحمد‬ ‫‪.52‬‬
‫شوقـــي ( رسالة ماجستير)‪ ،‬جامعة مسيلة‪ ،‬الجزائر‪2002،‬‬
‫المجـــــــالت ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ .1‬جابر عصفور‪ :‬معنى الحداثة في الشعر المعاصر‪ ،‬مجلة فصول النقد األدبي‪ ،‬مج‪ ،1‬ع‪1‬‬
‫(د‪،‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت )‬
‫‪ .2‬خالد سعيد‪ :‬المالمح الفكرية للحداثة‪ ،‬مجلة فصول النقد األدبي‪ ،‬الهيئة المصرية للكتاب‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫مصر‪ ،‬مج‪ ،1‬ع‪ ، 1‬د ط‪ ،‬جوان ‪1991‬‬
‫‪ .1‬عبد الخالق العف‪ :‬موت المؤلف منهج اجرائي ؟ أم اشكالية عقائدية‪ ،‬مجلة الجامعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬سلسلة الدراسة اإلنسانية‪ ،‬مج‪ ،12‬ع ‪ ،2‬دط‪ ،‬جوان ‪. 2009‬‬

‫‪08‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫‪ .1‬عبد العزيز شرف‪ :‬طه حسين و زوال المجتمع التقليدي‪،‬مجلة مستقبل الثقافة‪،‬الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪،‬مصر‪ ،‬دط‪. 1911 ،‬‬
‫‪ .5‬عبد اهلل محمد الغدامي ‪ :‬تهافت النقد وقراءة التنميط والقصر‪ ،‬مجلة نزوة‪ ،‬تصدر عن مؤسسة‬
‫عمان للصحافة والنشر واإلعالن‪،‬عمان‪،‬ع‪ ، 12‬دط‪2009 ،‬‬
‫‪ .2‬عمر زرفاوي‪ :‬الغذامي ومشروع النقد األلسني‪ :‬مجلة حوليات التراث‪ ،‬جامعة مستغانم‪،‬‬
‫جزائر‪،‬ع‪ ،1‬د ط‪. 2001 ،‬‬
‫األسئلة الغائبة في الديمقراطيات العربية‪ ،‬سؤال المرجعية وأسئلة‬ ‫‪ .1‬كمال عبد اللطيف‪:‬‬
‫المجال‪ ،‬فكر ‪ 2‬ونقد‪،‬الرباط ‪،‬المغرب ‪ ،‬العدد ‪ ، 19‬أفريل‪. 2002‬‬
‫‪ .9‬محمد الشيكر‪:‬هايد غرو سؤال الحداثة‪،‬إفريقيا الشرق‪،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب ‪،‬دط‪2002 ،‬‬
‫‪ .9‬محمد عبده الجابري‪ :‬أزمة اإلبداع في الفكر العربي المعاصر‪ ،‬مجلة فصول النقد األدبي‪ ،‬مج‬
‫‪ ،1‬ع ‪ ، 1‬دط‪ ،‬دت ‪.‬‬
‫‪ .10‬محمود الريبعي‪ :‬النقد والحداثة‪ ،‬مجلة فصول النقد األدبي‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬مج‪ ،5‬ع‪ ،1‬د ط‪ ،‬ديسمبر ‪. 1991‬‬
‫‪ .11‬مختار أبو غالي‪ :‬قراءة نقدية في كتاب الموقف من الحداثة‪ ،‬مجلة العربي‪ ،‬و ازرة الثقافة‬
‫واإلعالم‪ ،‬الكويت‪ ،‬ع‪ ، 152‬دط ‪ ،‬نوفمبر ‪. 1992‬‬
‫‪ .12‬نبيلة ابراهيم‪ :‬القارئ في النص‪ ،‬مجلة فصول النقد األدبي‪ ،‬مج ‪ ،1‬ع‪ ،1‬د‪.‬ط‪ ،‬جوان ‪،1991‬‬
‫المعاجم والقواميس ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫ث)‪.‬‬ ‫‪ .1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪، 1‬مادة ( َح َد َ‬
‫ث) ‪.‬‬‫‪ .2‬شوقي ضيف وآخرون‪ :‬المعجم الوجيز‪ ،‬و ازرة التربية والتعليم‪ ،‬مصر‪، 1991 ،‬مادة ( َح َد َ‬
‫ث‬‫‪ .1‬شوقي ضيف وآخرون‪:‬المعجم الوسيط‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬مصر‪،2001،‬ط‪،1‬مادة( َح َد َ‬
‫‪ .1‬محمد التونجي ‪ :‬المعجم المفصل في األدب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1999 ،2‬‬

‫‪08‬‬
‫ملخص‬

‫يعتبر كتاب " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى" كتابا يشمل أهم المواضيع في مختلف‬
‫المجاالت التي تهدف الدراسة فيه إلى تحديد موقف الناقد " عبد اهلل محمد الغذامي" من الحداثة‬
‫ومرجعياتها كما يحتوي هذا البحث على مقدمة وفصلين وخاتمة ونظ ار لما يتميز به مؤلف الغذامي‬
‫من موسوعة نقدية التي تخص الحداثة من حيث تحديد مفاهيم متعددة لها وتحديد نشأتها ومبادئها‬
‫وأنصارها وهذا ما حاول البحث إب ارزه في الفصل األول‪.‬‬

‫أما الفصل الثاني فهو فصل تطبيقي الذي درس أهم القضايا النقدية للكتاب فيعد جوهر‬
‫الموضوع يهدف إلى الكشف عن اإلسهام الفعلي للناقد في تأسيس نظرية الغائبة للنقد العربي‬
‫الحديث كما أن تطرقت إلى نقاش حول موقف من الحداثة وعالقة بين النص والمؤلف والى دراسة‬
‫الداللة األدبية في النص وأيضا إذا كان القارئ منتج للنص أم مستهلك له واحتوى أيضا على أزمة‬
‫اإلبداع والنقد انطالقا إلى آراء ناقد محمود أمين العالم الذي يوضح أبعاد النقد األلسني‪.‬‬

‫‪Résumé‬‬

‫‪Il Est Très Important Dont Le Livre Qui Nous Raconte Et Décrire‬‬
‫‪Des Problèmes Et Les Etudes Dans Tout Les Evènement Dans Nolie Tre‬‬
‫‪Du Professeur (Abdellah El Gheddami ) Ce Livre A Eté Partage A Des‬‬
‫‪Etapes Ouverture Description Par Etapes Et Conclusion Et Il Nous Précise‬‬
‫‪Les Description Et Les Natures Des Connaissance Et Les Guides Même‬‬
‫‪Leurs Intellectuels Dans Le 1er Etape .‬‬

‫‪Le 2ém Etape Il Nous Des Cirier Les Etudes En Pratique Et Les‬‬
‫‪Profondes Affaues Et Les Objets Dont Nous Puisons A Les Etudient‬‬
‫‪Profondément Et Bien Que Nous A Bien Faciliter La Tache D'entier Aux‬‬
‫‪Ressources Des Livre Et Du Productens En Ce Qui Nous Oblige A‬‬
‫‪Etudier Au Niveau Littérature Arabe Et A Bien Soleiller C'est-A-Dire‬‬
‫‪L'écrivain En Revenant Aux Avis Du Grand Ecrivain Mahmoud Amine‬‬

‫‪98‬‬
‫إهــــــــــداء‬
‫أهدي ثمرة بحثي هذا إلى من قال فيهما عز من قائل ‪:‬‬
‫ُ‬
‫« َوقل َّر ِّب ا ْر َح ْم ُه َما َك َما َرَّب َيا ِّني َص ِّغ ًيرا «‬
‫إلى ينبوع الحنان ورمز الامان أغنية الدهر وعطر الياسمين " أمي الحنونة"‬
‫إلى الذي غرس في بذرة العلم والعمل ورسم لي طريق النجاح بدعمه‬
‫املعنوي واملادي " أبي الكريم" ّ‬
‫أمد هللا في عمره ‪...‬‬
‫إلى قرة أعيننا أخوتي وأخواتي ‪ :‬فطيمة ‪ ،‬نصيرة ‪ ،‬مسعودة‪ ،‬هاجر ‪..‬‬
‫إلى الكتكوت الصغير وأغلى غنسان على قلبي إلى حبي الكبير إلى " مهدي"‬
‫إلى أعز واغلى إنسان على قلبي خطيبي " معمري ياسين "‬
‫إلى أسيرات قلبي ورفيقات دربي والالتي لم أنساهن ‪..‬‬
‫إلى " خديجة ‪ ،‬يمينة ‪ ،‬إيمان ‪ ،‬كلثوم ‪ ،‬حنان ‪" ...‬‬
‫إلى زميالتي اللواتي عشت معهن أحلى أيام الجامعة وإلاقامة الجامعية‬
‫حسوني رمضان ‪ ... 30‬على كا من ساندني ودعمني‬
‫أهديهم عملي ‪ " :‬عبلة ‪ ،‬سمية‪ ،‬مونيا‪ ،‬أمال‪ ،‬فطيمة‪ ،‬امال منى‬
‫إلى كل من يقول أشهد ان ال إله إال هللا وأشهد أن محمد رسول هللا‬
‫أهدي عملي إلى كل من وسعته ذاكرتي وقلبي‬
‫أهدي عملي إلى أمة إلاسالم ‪..‬إلى مواطن العروبة ‪ ...‬إلى بلدي الجزائر‬
‫‪..‬‬
‫لكم أهدي ثمرة عملي املتواضع‬

‫خديجة الوافي‬
‫شـــــــــكر وعرفــــان‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال تعالى ‪َ « :‬و ِّإ ْذ َتأ َّذ َن َرُّب ُك ْم ل ِّئن َش َك ْرُت ْم َل ِّز َيد َّن ُك ْم ۖ «‬
‫بعد الثناء والحمد هلل الذي وفقني إلعداد هذا البحث‬
‫ال يسعني إال أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان وخالص التقدير ‪..‬‬
‫إلى ألاستاذ الفاضل الدكتور ‪ :‬تيس ناصر محمد الحسن‬
‫على ما غمرني به من نصائح وتوجيهات علمية ومنهجية ومتابعة وإشراف‬
‫منذ أن كان البحث فكرة إلى أن رأى النور ‪.‬‬
‫وما ملست فيه من نبل ألاخالق ورفعة الشمائل التي عهدته عليها منذ‬
‫إشرافه علي في الليسانس فأخذت عليه رفعة الخلق والتواضع ‪..‬‬
‫كما ال يفوتني أن أتوجه بالشكر والامتنان إلى أعضاء اللجنة العلمية‬
‫الذين تشرفت بقبولهم مناقشة هذا العمل العلمي‬
‫فلهم أسمى آيات الشكر والتقدير والاحترام ‪..‬‬
‫كما أدين بالشكر إلى كل من سقط اسمه سهوا في هذا املقام‬
‫وقدم لي يد العون من قريب أو من بعيد في هذا البحث املتواضع ‪...‬‬
‫كما ال أنس ى زمالء الدفعة كل باسمه‬

‫فلهؤالء كل الشكر والتقدير‬


‫الفصل األول ‪ :‬الحداثة " مصطلح مفهوم "‬

‫أوال ‪ :‬مفهوم الحداثة‬


‫أ‪ .‬لغة‬
‫ب‪ .‬اصطالحا‬
‫ثانيا ‪ :‬نشأة الحداثة‬
‫أ‪ .‬الحداثة عند الغرب‬
‫ب‪ .‬الحداثة عند العرب‬
‫ثالثا ‪ :‬مبادئ الحداثة‬
‫أ‪ .‬العقالنية‬
‫ب‪ .‬الذاتية‬
‫ج‪ .‬الحرية‬
‫رابعا‪ :‬رواد الحداثة ‪.‬‬
‫أ‪ .‬رواد الحداثة عند الغرب‬
‫ب‪ .‬رواد الحداثة عند العرب‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه‬

‫" موقف من الحداثة ومسائل أخرى"‬

‫أوال‪ :‬الموقف من الحداثة‬


‫أ‪ .‬الموقف النقدي‬
‫ب‪ .‬قصور المعرفة لدى مناوئي التجديد‬
‫ج‪ .‬عدم فهم لوظيفة لغة الشعر‬
‫ثانيا‪ :‬العالقة بين النص والمؤلف " مــوت المؤلف"‬
‫ثالثا‪ :‬الداللة األدبية في النص‬
‫رابعا‪ :‬هل القارئ منتج للنص أم مستهلك‪.‬‬
‫أ‪ .‬قراءة شرح‬
‫ب‪ .‬قراءة اإلسقاط‬
‫ج‪ .‬القراءة الشاعرية‬
‫خامسا‪ :‬أزمة اإلبداع والنقد‬
‫سادسا‪ :‬محمود أمين العالم األلسني‬
‫أ‪ .‬من نقد اللحظة إلى نقد اللحظة‬
‫ب‪ .‬دعوى النموذج الواحد‬
‫ج‪ .‬التباس المفاهيم‬
‫د‪ .‬مالحظات على النظرية‬
‫ه‪ .‬مالحظات على التطبيق‬
‫شـــــــــكر وعرفــــان‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال تعالى ‪َ « :‬و ِإ ْذ َتأ َّذ َن َرُّب ُك ْم ل ِئن َش َك ْرُت ْم َل ِز َيد َّن ُك ْم ۖ «‬
‫بعد الثناء والحمد هلل الذي وفقني إلعداد هذا البحث‬
‫ال يسعني إال أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم االمتنان وخالص التقدير ‪..‬‬
‫إلى األستاذ الفاضل الدكتور ‪ :‬تيس ناصر محمد الحسن‬
‫على ما غمرني به من نصائح وتوجيهات علمية ومنهجية ومتابعة وإشراف‬
‫منذ أن كان البحث فكرة إلى أن رأى النور ‪.‬‬
‫وما ملست فيه من نبل األخالق ورفعة الشمائل التي عهدته عليها منذ‬
‫إشرافه علي في الليسانس فأخذت عليه رفعة الخلق والتواضع ‪..‬‬
‫كما ال يفوتني أن أتوجه بالشكر واالمتنان إلى أعضاء اللجنة العلمية‬
‫الذين تشرفت بقبولهم مناقشة هذا العمل العلمي‬
‫فلهم أسمى آيات الشكر والتقدير واالحترام ‪..‬‬
‫كما أدين بالشكر إلى كل من سقط اسمه سهوا في هذا املقام‬
‫وقدم لي يد العون من قريب أو من بعيد في هذا البحث املتواضع ‪...‬‬
‫كما ال أنس ى زمالء الدفعة كل باسمه‬

‫فلهؤالء كل الشكر والتقدير‬


‫خاتمة‬

‫خالصة القول وبناء على ما تم عرضه يمكن القول أن النقد المعاصر اليوم يحمل‬
‫في طياته _بمعنى ما من المعاني _ مجموعة من العلوم المهتمة بدراسة بينة أو شكل األثر‬
‫ولذا ال يسعنا إال أن نقول إن البحث في مجال الحداثة استدعى العودة إلى جذورها التي‬
‫أنجبتها لذا من خالل هذا يمكن أن نقف على أهم النتائج التي توصل إليها هذا البحث وهي‪:‬‬
‫مفهوم الحداثة ونشأتها والتي واكبت نشأتها أهم التحوالت الكبرى التي عرفتها‬
‫المجتمعات وتعدد مفاهيم الحداثة التي أثارت جدال كبي ار في تعريفها‪.‬‬
‫ومن وحي هذه الفكرة يظهر لنا الغذامي بكتابه الموسوم " الموقف من الحداثة‬
‫ومسائل أخرى" الذي لم يدع نظرية جديدة في الكتابة إال وقدمها للقارئ تقديما جيدا‪ ،‬كما‬
‫دعى فيه إلى البدء بالنظرية وتسليح القارئ لها ليكون القارئ حكما وناقدا لما فيه من تطبيق‬
‫وتصور‪ ،‬مما يجعل كتابه هذا دعوة إلى االقتراب من النقد األلسني‪ ،‬وبالرغم من كل هذه‬
‫األدلة إال أنه ال يخلو من بعض المزالق النقدية والتي يمكن أن نلخصها كالتالي‪:‬‬
‫إن هذا الكتاب ( موقف من الحداثة) كسائر كتب الغذامي ال يدور حول موضوع‬
‫واحد متكامل ي جعل نصوصه تنصهر في مضمون متماسك إنما يحتوي مجموعة من مقاالت‬
‫بعضها صحفي وبعضها منقول من كتب آخر صدر للمؤلف‪.‬‬
‫إن المحاوالت التي ي سعى الناقد من خاللها إلى التوفيق بين مناهج النقد السيما‬
‫البنيوية والسيميائية والتفكيك ال يخلو من مزالق‪ ،‬إذ كيف يمكن أن يشتق مشروع نقدي من‬
‫ائتالف أنظار أخرى فيها بينها من التباين واالختالف أكثر مما بينها من االنسجام واالتفاق‪.‬‬
‫ينطلق الغذامي في دعوته للنقد الجديد األلسني من منظور تراثي وكأنه يبحث في‬
‫التراث عن شرعية االتجاه نحو الحديث عما تؤديه فكرته في صراعه مع أنصار النقد‬
‫التقليدي ومعارضي التجديد‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫خاتمة‬

‫كذلك تحدث الناقد عن قضية الوزن وربطها بالشعر وعن مهاجمة المجددين‬
‫والمحدثين لها‪.‬‬
‫كما تطرق الناقد في كتابه هذا إلى أحد أهم قضايا التي أثارت جدال واسعا بين النص‬
‫وبمنشئه وهي عالقة بين النص والمؤلف‪....‬الخ‬
‫هذه جملة من النتائج التي خرجنا بها في هذا البحث العلمي والتي نرجو أن نكون قد‬
‫وفقنا في خوضها وأننا وضعنا لبنة جديدة في صرح النقد العربي المعاصر الذي مازال‬
‫يستحق منا الكثير من االجتهاد و الدراسة ‪ ،‬فإن أصبنا فما توفيقنا إلى من اهلل وذلك ما‬
‫نرجو وان أخطأنا فحسبنا أننا اجتهدنا ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫فهر سالموضوعات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫شكر وعرفان‬
‫مقدمة ‪.......................................................................‬أ‪،‬بـ‪،‬ج‬
‫الفصل األول‪ :‬الحداثة " مصطلح ومفهوم"‬
‫أوال‪ :‬مفهوم الحداثة ‪5 ..........................................................‬‬
‫أ‪ .‬لغة ‪5..................................................................‬‬
‫ب‪.‬اصطالحا ‪6...........................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬نشأة الحداثة‪86............................................................‬‬
‫أ‪.‬الحداثة عند الغرب‪86.....................................................‬‬
‫ب‪ .‬الحداثة عند العرب‪22.................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬مبادئ الحداثة‪26...........................................................‬‬
‫أ‪ .‬العقالنية‪26..............................................................‬‬
‫ب‪ .‬الذاتية‪03...............................................................‬‬
‫ج‪ .‬الحرية‪02...............................................................‬‬
‫رابعا‪ :‬رواد الحداثة‪03.............................................................‬‬
‫أ‪.‬رواد الحداثة عند الغرب‪03.................................................‬‬
‫ب‪ .‬رواد الحداثة عند العرب‪05.............................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من‬
‫الحداثة ومسائل أخرى"‬
‫تمهيد‪03.........................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬الموقف من الحداثة‪38......................................................‬‬
‫‪ -8.8‬الموقف النقدي‪32...................................................‬‬
‫‪ -2.8‬قصور المعرفة لدى مناوئي التجديد‪35................................‬‬

‫‪68‬‬
‫فهر سالموضوعات‬

‫‪ -0.8‬عدم فهم لوظيفة اللغة في الشعر‪38..................................‬‬


‫ثانيا‪ :‬العالقة بين النص والمؤلف " مــوت المؤلف"‪38...............................‬‬
‫ثالثا‪ :‬الداللة األدبية في النص‪58..................................................‬‬
‫رابعا‪ :‬هل القارئ منتج للنص أم مستهلك‪53..................................... .‬‬
‫أ‪ .‬قراءة شرح‪58.............................................................‬‬
‫ب‪ .‬قراءة اإلسقاط‪58........................................................‬‬
‫ت‪ .‬القراءة الشاعرية‪58......................................................‬‬
‫خامسا‪ :‬أزمة اإلبداع والنقد‪53......................................................‬‬
‫سادسا‪ :‬محمود أمين العالم األلسني ‪88...........................................‬‬
‫‪ -8.8‬من نقد اللحظة إلى نقد اللحظة‪82.....................................‬‬
‫‪-2.8‬دعوى النموذج الواحد‪85................................................‬‬
‫‪ -0.8‬التباس المفاهيم‪88.....................................................‬‬
‫‪ -3.8‬مالحظات على النظرية‪83.............................................‬‬
‫‪ -5.8‬مالحظات على التطبيق‪88............................................‬‬
‫خاتمة‪88..........................................................................‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪63.........................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪68............................................................‬‬
‫ملخص ‪63.......................................................................‬‬

‫‪68‬‬
‫مقدمة‬

‫ال يخفى على أي باحث في أي حقل من حقول المعرفة الدور الكبير الذي تؤديه‬
‫المصطلحات في بناء العلوم والمعارف‪ ،‬والتي يرتبط تطورها وازدهارها بمدى توفر ودقة وعدم‬
‫اضطراب المصطلحات الخاصة بها ‪.‬‬
‫كما تعد الحداثة من اهم المصطلحات التي أثارت جدال واسعا ليس في النقد االدبي العربي‬
‫فقط ولكن في الفكر العربي عموما‪ ،‬نظ ار لتعدد مفاهيمها وغ ازرة تعريفاتها‪ ،‬ذلك ألنها مصطلحات‬
‫تتضمن الكثير من االلتباس والتعقيد‪ ،‬ولكونها ايضا من المصطلحات القليلة التي استوعبتها أغلب‬
‫العلوم اإلنسانية‪ ،‬وان لم نقل جميعها ‪ -‬فهو مصطلح شامل يعبر عن رغبة الكائن البشري في‬
‫استكشاف المجاهيل والغوص في المستقبل البعيد و ركوب التطور المستمر الذي ال تحده نهاية‪.‬‬
‫فالحداثة تسعى دائما وراء التجديد والتغيير حيث أحدثت ثورة داخلية في المفاهيم وفي بنية‬
‫النظم الثابتة‪ ،‬فهي الرؤية التي تعيد صياغة العالم على نحو جديد‪ ،‬ولهذا تكون مناقشة موضوع‬
‫تمر عبر إعادة تحديد المفهوم‪ ،‬وتجليه خلفياته التاريخية والنظرية‪،‬‬
‫الحداثة عملية نقدية مهمة ألنها ّ‬
‫ورصد بعض امتداداته في الخطاب العربي المعاصر‪.‬‬
‫ومن هنا جاء موضوع بحثنا بعنوان " أهم القضايا النقدية التي عالجها عبد اهلل محمد‬
‫الغذامي في كتابه ‪ :‬الموقف من الحداثة ومسائل أخرى " ‪.‬‬
‫فكان من أهم أسباب اختياري لهذا الموضوع أو الكتاب كونه أحد األبواب التي أنشئت‬
‫حولها بحوث عديدة‪ ،‬إال أنها لم تغلق بعد وما زالت تطرح للنقاش‪ ،‬كما أنها لقيت ذلك المجال‬
‫الرحب الذي ال يقبل التجاوز فهو رمز لالستمرار والتجديد‪ ،‬كذلك كونه المجال الذي غير من‬
‫الطليعة الثابتة لمادة األدب‪ ،‬وجعل منها أكثر اتساعا‪ ،‬إذ أصبح يضم الفلسفة والفكر وحتى العلوم‬
‫تتحجج بكل‬
‫ّ‬ ‫الطبيعية‪ ،‬ولعل السبب الذاتي لهذا االختيار يتصدر كل األسباب أال وهو الرغبة التي‬
‫ما بوسعه أن يقرّبها من أهدافها ‪.‬‬
‫وعليه فقد حاولت في بحثي هذا رصد المسار النقدي لموضوع الحداثة وضبط القضايا النقدية‬
‫من خالل قراءة وتحليل كتاب " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى " للناقد السعودي عبد اهلل محمد‬
‫الغذامي‪ ،‬ويسعى الغذامي من خالل كتابه هذا إلى تحديد مفهوم الحداثة الشعرية التي تعد الحداثة‬
‫موصولة بالتراث وأخذه بتالبيبه‪ ،‬تصب معه في مصب واحد هو الثقافة العربية والحضارة اإلسالمية‪.‬‬

‫‌أ‬
‫مقدمة‬

‫وأخي ار البحث عن مدى انعكاس الجانب النظري على التطبيقي وعن مدى صالحية تطبيق‬
‫المنهج على نصوصنا العربي ‪.‬‬
‫هذه األسباب وأخرى دفعت بي إلى اختيار عبد اهلل محمد الغذامي كنموذج جدير بان‬
‫يصور لنا أو باألحرى يجيبنا من خالل التغلغل في تنظيره وتطبيقه عن تساؤالت طرحت وفرضت‬
‫نفسها والتي يمكن أن تصاغ على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪ -‬ما هي أهم القضايا النقدية التي عالجها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة‬
‫ومسائل أخرى " ؟ ‪.‬‬
‫وفيه حاولت طرح أهم قضية نقدية في الكتاب والتي عرف بها الغذامي وهي الحداثة حيث‬
‫تناولت بالدراسة أهم القضايا النقدية في كتاب " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى " ‪.‬‬
‫كما يسعى البحث إلى جملة من األهداف أهمها ‪ :‬ضبط القضية النقدية عند الغذامي‪،‬‬
‫واإلطالع على المرجعية التي استقى منها أفكاره وتوجيهاته النقدية‪ ،‬لذا فإن البحث الذي بين أيدينا‬
‫جاء مقس ما إلى فصلين أحدهما نظري والثاني تطبيقي مسبوقين بمقدمة وضحت فيها أسباب‬
‫اختياري للموضوع مع بيان أهميته‪ ،‬ثم الخطة المتبعة والمنهج المتبع ‪.‬‬
‫ففي الفصل األول تناولت " الحداثة مصطلح ومفهوم " ونشأتها عند كل من الغرب‬
‫والعرب‪ ،‬وتحديد مبادئها وأهم روادها ‪.‬‬
‫وفي الفصل الثاني تطرقت إلى أهم القضايا التي عالجها الغذامي في " كتابه الموقف من‬
‫الحداثة ومسائل أخرى " ‪.‬‬
‫ثم أنهيت البحث بخاتمة تحدثت فيها عن أهم النتائج التي توصلت إليها‪ ،‬أما فيما يخص‬
‫المنهج الذي اعتمدته في معالجة هذا الموضوع فإني استندت إلى المنهج الوصفي كونه يتناسب‬
‫مع طبيعة الموضوع ‪.‬‬

‫‌ب‬
‫مقدمة‬

‫وقد اعتمدت على بعض المصادر والمراجع العربية التي كانت دليلي في الكشف عن‬
‫بعض الحقائق واإلجابة على بعض األسئلة منها ‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الغني بار ‪ :‬إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي المعاصر ‪.‬‬
‫‪ -‬يوسف الخال ‪ :‬الحداثة في الشعر‪.‬‬
‫‪ -‬أدونيس ‪ :‬زمن الشعر ثم تشريح النص ‪ ،‬دون أن أنسى المدونة أو الكتاب األصل‬
‫والمصدر " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى " وغيرها من المصادر والمراجع التي‬
‫ال يمكنني ذكرها كلها ‪.‬‬
‫ولعل من أبرز الصعوبات التي واجهتني عند كتابة البحث وقد أفدت منها مع ذلك هي‬
‫وفرة المادة العلمية لدرجة يصعب ضبطها وتصنيفها وفق ما يخدم البحث‪ ،‬ولكن رغم هذه العوائق‬
‫والعراقيل إال أنه تم بعون اهلل إنجاز هذا العمل المتواضع‪ ،‬الذي نأمل أن يكون قد ساهم ولو بالقليل‬
‫في تحليل بعض الجوانب من فكر عبد اهلل محمد الغذامي ‪.‬‬
‫وفي األخير ال يسعني إال أن أتقدم بجزيل الشكر والعرفان لألستاذ المشرف تيس ناصر‬
‫عز وج ّل أن يجعله ذخ ار وعونا‬
‫محمد الحسن ‪ ،‬ونسال اهلل أن يجازيه خير الجزاء وأني أدعوا اهلل ّ‬
‫لكل طالب علم ‪.‬‬

‫‌ج‬
‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬
‫جامعة محمد بوضياف بالمسيلة‬

‫كلية ‪ :‬اآلداب واللغات‬


‫قســـم ‪ :‬اللغة واألدب العربي‬

‫الرقم التسلسلي ‪................... :‬‬


‫رقم التسجيل ‪:‬م أ ع ‪4172/731/‬‬

‫أهم القضايا النقدية التي عالجــها عبد اهلل محمد الغذامي‬


‫في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى"‬

‫مذكــــــرة مكــــملة لنيـــل شهادة الماســــتر‬


‫تخصص ‪ :‬نقـد أدبي حديث‬ ‫فرع ‪ :‬أدب عربي‬ ‫الميدان ‪ :‬لغة وأدب عربي‬
‫إشراف الدكتور ‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة ‪:‬‬
‫تيس ناصر محمد الحسني‬ ‫‪ -‬خديجة الوافي‬

‫تاريخ المناقشة ‪......6552/51/51. :‬‬


‫أعضاء لجنة المناقشة ‪:‬‬
‫‪ -‬أ‪ .‬حياة بوخلط ‪ ..................................................‬رئيسا‬
‫‪ -‬د‪ .‬تيس ناصر محمد الحسني ‪ ....................................‬مشرفا‬
‫‪ -‬أ‪ .‬عبد الحفيظ جوبر ‪ ............................................‬ممتحنا‬
‫السنة الجامعية ‪6552/6551 :‬‬

You might also like