Professional Documents
Culture Documents
ث).
(ح َد َ
1ابن منظور :لسان العرب ،دار المعارف ،القاهرة ،مصر ،ط، 1مادة َ
5
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
ففي معجم العين الذي يعتبر أول معجم ظهر في القرن الثاني للهجرة فيقال :
ث وشابة َح َدثت في السن،
صار فالنا أحدوثة ،أي كثروا فيه األحاديث َ ،شاب َحد َ
الجديد من
الحديث َ :
الحديث نفسه ،و َ
والحدث من احداث الدهر شبه النازلة ،واألحدوثة َ :
الحدث اإلبداء (. )1
األشياء ،و َ
وفي القرن نفسه وضع محمد بن أحمد األزهري معجمه " تهذيب اللغة " " ،قال
اإلحياني رجل حدث وحدث إذا كان حسن الحديث ،ويقال أحدث الرجل سيفه وحادثه إذا
(. )2
اجاله "
نالحظ أن معنى الحداثة في المعجمين لم يخرج عن معنى الجديد ،ونبذ القديم ،
وفي معنى آخر للحداثة :حدثَان الشيء ،بالكسرة أوله وهو مصدر حدث يحدث حدوثا
. ()3
وحدثانا
كما ورد في معجم الوسيط لمجمع اللغة العربية مادة َح َدث " :الحدثَان ،يقال
َح َدثَان ال َشَباب وحدثَان األمر ،أوله وابتداؤه " ( )4استخدم هذا المعنى بكثرة كناية عن سن
الشباب وأول العمر ،يقال فالن في َح َداثَة سنه أي في مرحلة شبابه ،وتقول العرب " :
()5
ورجال اح َداث السن وحدثَانها وح َدثَاؤ َها ..ويقال " :هؤالء قوم حدثَان َ ،جمع َح َدث "
فالح َداثة " سن الشباب " (. )6
َ
1الخليل بن أحمد الفراهيدي ،كتاب العين ،تح :مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي،دار الرشيد،د.ط ،1662،ص.111
2محمد بن أحمد األزهري :تهذيب اللغة ،مطابع سجل العرب ،القاهرة ،د.ط ،د.ت ،ص(.405،409مادة ح د ث)
3ابن منظور :لسان العرب ( ،مادة ح د ث) .
ث ) ،ص.190
(ح َد َ
4شوقي ضيف وآخرون :المعجم الوسيط ،مكتبة الشروق الدولية ،مصر،ط، 2004 ،4مادة َ
5ابن منظور :لسان العرب مادة حدث .
ث ) ،ص.131
(ح َد َ
6شوقي ضيف وآخرون :المعجم الوجيز ،و ازرة التربية والتعليم ،مصر،دط، 1664 ،مادة َ
6
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
تلك هي بعض الدالالت المعجمية لكلمة حداثة التي وردت في المعاجم القديمة،
والتي لم تخرج من معانيها السابقة المعاجم العربية الحديثة في العصر الحديث ،أي معنى
معجمي جديد ،حيث يمكن إنجاز تلك الدالالت كما يلي :
الحداثة نقيض القدم ،وتعني الحدة والحداثة أول األمر وابتداؤه ،والحداثة كناية
عن أول العمر وسن الشباب ،والحديث الجديد من األشياء ،والحديث هو الخبر ،وحوادث
وأحداث الدهر نوائبه .
أما في اللغة الفرنسية فكلمة حداثة modernitéفمشتقة من الجذر modeوهي
الصفة والشكل ،أو هو ما يبتدئ به الشيء ،فاللفظ العربية ترتبط بما له أكثرمن داللة عما
يقع أنه يحدث ،فالشكل ليس هو المهم ليس هو الصورة التي تبرز ،فإن ما يحدث يتثبت
بواقعيته وراهنيته (. )1
كما أن الصفة حديث moderneأقدم تاريخيا من اللفظ الحداثة modernitéإذ
تقابل كلمة حديث في اللغة الالتينية modernusوالتي ظهرت في أواخر القرن الخامس
عشر في نفس القرن الذي استعملت فيه اللغة االنجليزية كلمة حديث ،والتي كانت في
بادئ االمر لتناقض القديم أو تنظر إليه على أنه تجاوزه الزمن ،ومنها اشتقت كلمة
modeالتي تعني اآلن أو مؤخ ار أي حديثا ومنذ عهد قريب .
" أي يطلق لفظ حديث على كل ما هو ينتمي إلى الزمن الحاضر ،وقد استعملت
بهدف التمييز بين الماضي الروماني الوثني ،والحاضر المسيحي الذي لم يكن قد مضى
زمن طويل على االعتراف به رسميا ،وقد ازداد استعمال لفظ حديث في ما بعد
للداللة على االنفتاح والحرية الفكرية،أو بمعنى عامي للداللة على الخفية والتغيير ألجل
. ()2
التغيير"
1صفدي مطاع :نقد العقل الغربي ،الحداثة وما بعد الحداثة ،مركز اإلنماء القومي ،بيروت ،لبنان ،دط ،1660،ص 223
2أندريه الالند :موسوعة الالند الفلسفية ،تح:خليل احمد خليل ،منشورات عويدات ،بيروت ،لبنان ،ط،2001 ، 2ص.122
7
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
ما نخلص إليه في تحديد األصل اللغوي لمصطلح الحداثة ،أنه مجسد أوال في
بداية استعماله للداللة على صفة الحديث ثم تطور هذا المصطلح فيما بعد ليحمل بعدا
زمنيا يكشف عن تحقيب أو تصنيف تاريخي معين ،تقوم بمقتضاه األزمنة والعصور في
تسلسلها ،وعلنا نكشف عن هذا في المدلول االصطالحي .
ب .اصطالحا :
لقد تعددت تعريفات الحداثة باختالف النقاد ومنظري األدب ،وهذا ما يؤكد على
أنه من الصعوبة بما كان ضبط مفهوم محدد للحداثة ،لذا ال يمكن اختصارها في مذهب
محدد ،أو في مدرسة بعينها ،أو حتى في مجرد قوانين جامعة تتيح لمتتبعيها إدراك
مضمونها في سياق كلي بعيدا عن كل نظرة تجزيئية .
لقد تبلور مصطلح الحداثة في الغرب والتي عرفها الشاعر الفرنسي
"بودلير "Boudelaireالذي يعتبر األب الروحي للحداثة حيث يقول ":ما أعنيه بالحداثة
هو العابر والهارب والعرضي ،إنها نصف الفن الذي يكون نصفه اآلخر هو األبدي
. ()1
الثابت "
لقد عاش يبحث عن الجمال الكامن في كل شيء ليعبر عنه إسهاما منه في
العصر الحديث واحتفاال به ،وكان يؤكد على ضرورة التعبير عن روح العصر ،ولم يهرب
مطلقا من سرية الحياة المعاصرة .
يقول " جان بودريار" ":ليست الحداثة مفهوما سوسيولوجيا أو مفهوما سياسيا أو
مفهوما تاريخيا يحصر المعنى ،وانما هي صيغة مميزة للحضارة تعارض صيغة التقليد...
ومع ذلك تظل الحداثة موضوعا عاما يتضمن في داللته إجماال اإلشارة إلى التطور
. ()2
التاريخي بأكمله والى التبدل في الذهنية "
1خيرة حمر العين :جدل الحداثة في نقد الشعر العربي ،اتحاد الكتاب العرب ،دمشق ـسوريا ،د ط ، 1669،ص. 31
2عبد الغني بارة :إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي المعاصر(مقاربة حوارية في األصول المعرفية)،الهيئة المصرية
العامة ،مصر ،د.ط ، 2005 ،ص.15
8
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
لذا فهذا التبدل الذهني وتلك الثورة المضادة ال تقف عند حد معين بل هي دائمة
ومستمرة ،فالعقائد والقيم واألفكار ال يجوز أن تقوم على ثوابت مستقرة ،وانما هي متغيرة
ومتبدلة في صفة مستمرة ،لذا فإن من أبرز سمات الحداثة هي الثورة األبدية في كل
عصر .
هناك أيضا الشاعر الفرنسي الثالث وهو أيضا من رواد الحداثة في الشعر ،فهو
"ماالرميه " mallarmeالذي امتاز شعره بالغموض الذي يعتبر من أهم عناصر شعر
تفكير في الالمفكر فيه فإنها شعريا بحث عما لم
ا الحداثة ،يقول " :إذا كانت الحداثة
. ()1
يحدث "
هناك أيضا الشاعر األمريكي " آدغار آالن بو " edgarallanpoeالذي يعتبر
من مؤسسي الشعر الحديث إلى جانب الشاعر البريطاني" توماس اليوت"thomas eliot
وهو من أهم شعراء الحداثة في الغرب وأكثرهم تأثي ار على شعراء الحداثة العرب ،ولم
تقتصر رؤيته الحداثية على شعره بل امتدت إلى مقاالته النقدية ،وتبدو مالمح الحداثة
واضحة في الكتابات النظرية واإلبداعية إلليوت وذلك من خالل تمرده على العالم
الحديث ،وكذا التوفيق بين الشعر واألسطورة ،فهي الوحيدة القادرة على حمل تناقضات
. ()2
هذا العالم
لقد دعا إلى عدم التقيد بالوزن والقافية والى توظيف األسطورة وكل ذلك من اهم
سمات الحداثة في الشعر .
1خيرة حمر العين :جدل الحداثة في نقد الشعر العربي ،ص . 35
2بشير تاوريرت :الشعرية والحداثة بين أفق النقد األدبي ،وأفق النظرية الشعرية ،دار رسالن للطباعة والنشر والتوزيع ،دمشق،
سوريا ،ط ،2001 ، 1ص.12
9
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
يرى الفيلسوف " بول روبير" " :الذي يحمل لنا كل الدالالت والمعاني الخاصة
بالحداثة فيربطها مرة ببعث الطبيعة وتجديد خليتها ،ويربط كذلك المصطلح تارة أخرى
بالفنون ،غير أنه مما الشك فيه أن روبير يقصد بالحداثة التجديد واإلبداع فهو يقول " :
الحداثة هي عودة الربيع والطبيعة بحلة جديدة هذه السيمفونية الكبيرة يسميها الشعراء
. ()1
القدماء بالحداثة "
كما عرف " آالن تورين " " :لقد صارت كل مجتماعت مخترقة باألشكال الحديثة
لإلنتاج واالستهالك واالتصال ( )...قارب الحداثة يحملنا جميعا يبقى فقط أن نعرف هل
. ()2
نحن مالحون أم مسافرون يحملون أمتعة "
وبتعبير " محمد أركون " " :نحن غاطسون ومنغمسون في المناخ الذي خلقته
. ()3
الحداثة ( )...وبالطبع هناك درجات من االنغماس في الحداثة "
لذا فالحداثة ليست كيانا ثقافيا أو تاريخيا بل هي نتاج تراكم تاريخي يبني فيه
اإلنسان نفسه من جديد وبصورة دائمة ،وذلك بتصحيح أخطائه وتسخير العقل في سبيل
. ()4
إعادة بعث وجوده الواعي
لذا فالحداثة هي ثورة على الفكر الذي يجعل اإلنسان جزءا منفعال من الطبيعة
ليكون هو الفاعل والمحرك والمنشط للفعل الثقافي والحضاري ،ومنه تصبح الحداثة
ممتلكة القدرة الكافية على تصحيح مسارها ونقد ذاتها .
1سعيد بن زرقة:الحداثة في الشعر العربي_أدونيس أنموذجا_ أبحاث للترجمة و النشر والتوزيع ،بيروت ،لبنان ط ،2004 ،1ص.30
2آالن تورين :نقد الحداثة ،تر أنور مغيث ،المجلس األعلى للثقافة ،مصر ،القاهر،دط، 1661 ،ص . 210
3محمد أركون :اإلسالم والحداثة ،التبيين ،ع ،3الجمعية الثقافية الجاحظية ،الجزائر ،دط ، 1660 ،ص. 221
4محمد محفوظ :اإلسالم والغرب وحوار المستقبل ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،لبنان ، ،ط ،1661 ،1ص.33
01
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
أما الروائي الفرنسي" فلوبير " flaubertفيرتبط مفهوم الحداثة عنده بالزمن وفعل
الكتابة ،فيقول " :الحداثة هي التعصب للحاضر ضد الماضي " بمعنى أن الوعي
الحداثي ليس تشبعا لسلطة ماضوية وحنينا إلى األصل تليد وحقبة ذهنية بل هو تمجيد
. ()1
للحاضر وانفتاح على اآلتي "
لذا قد تكون القطيعة مع الماضي من أهم خصائص الحداثة في األدب ،وذلك
لرغبة المبدعين وانما في كتابة ما هو جديد وغير مألوف ،وهذا ما عبر عنه فلوبير حين
قال " :إن ما يثيرني لكوني جميال ما يروق لي أن أفعله هو كتاب يدور حول الشيء،
()2
كتاب حال من االرتباطات الخارجية متماسك بذاته من خالل القوة الداخلية ألسلوبه "
كذلك يرى بعضهم أن الحداثة أتت بتجديد جمال اقتحام وعدم تواصل ،وفي مجال
النقد االدبي يعرف للناقد الفرنسي " روالن بارت "rolond barthesالحداثة " :بأنها
" ،ويقر بأن الحداثة ال تقدم ()3
انفجار معرفي لم يتوصل اإلنسان إلى السيطرة عليه "
اعمال معصومة وكاملة ،ومع ذلك فيجب التمسك بها والدفاع عنها ينبغي ان نتخذ موقفنا
من الحداثة وندافع عنها في مجموعها راضين بما تنطوي عليه من نقائض ال يكون في
. ()4
استطاعتنا تقديرها بالضبط "
كما يعرف "روالن بارت" " :الحداثة واعتبرها زلزاال حضاريا عنيفا وانقالبا ثقافيا
شامال لم يتوصل اإلنسان المعاصر إلى السيطرة عليه إذ هي موقف عام وشامل
ومعارض للثقافات التقليدية الشاملة السائدة .
1محمد الشيكر :هايد غرو سؤال الحداثة ،إفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،المغرب ،دط ، 2009 ،ص.12
2مالكوم براديري ،وجيمس مكفارلن ،حركة الحداثة ،تر:عيسى سمعان ،منشورات و ازرة الثقافة ،دمشق ،سوريا ،ج ، 1دط،
،1661ص.21-20
3زعربان علي رضا النحوي :تقويم نظرية الحداثة ،دار النحوي للنشر والتوزيع ،الرياض ،السعودية ،ط ،1662، 1ص.35
4روالن بارت :درس السيميولوجيا ،تر :عبد السالم بن عبد العالي ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،المغرب ،ط،1663 ،3
ص.44
00
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
فالحداثة تدعو إلى إعادة النظر في كثير من األشياء والتحرر من القيود ،فهي
عملية تقدمية حتى ولو كان المخاض عسي ار ،فهي تنشد عصر جديد اقترن بالتطور
. ()1
والتقدم وتحرر اإلنسان ،فالحداثة هي رؤية فلسفية وثقافية جديدة للعالم
لذا فالحداثة هنا تدعوا إلى التغير المستمر في كل شيء ألن الشيء ثابت عندهم
في الحياة ،فالحداثة إ ذ لم تكن انفجار فهي زلزلة عظيمة تدمر كل شيء إنها زلزلة
النفوس اليائسة وهي تبحث عن أمنها وأمانها ،ف ـ " ما لكوم برابري وجيمس ماكفارلن "
يقوالن ":إننا نعتقد بأن هذا الفن الجديد جاء نتيجة لهذا النوع من الهزات الكاسحة أو
فالحداثة تعتبر انفجار رهيب للطاقات الكامنة التي ()2
أنها جوهرة كاسحة في حد ذاته "
لم تستطيع الفلسفات السابقة كلها إنماء توجيهها وهو انفجار لم يستطيع اإلنسان السيطرة
عليه .
هذه بعض تعريفات من كل مما ورد على السنة أهل الحداثة من الغربيين على
اختالف مشاربهم واتجاهاتهم وتعريفاتهم للحداثة ،إذ يؤكد الحداثيون الغربيون على أن
أخص مفاهيم الحداثة هو الثورة على كل ما هو قديم وثابت ،والنفور من كل ما هو سائد
من أمور العقيدة والفكر والقيم واللغة والشؤون السياسية واألدبية والفنية ،فهي إذن ثورة
على الواقع بكل ما فيه من ضوابط وهذا ما تدل عليه الحداثة في جميع مراحلها .
لقد اختلف الباحثون والمفكرون في تعريف لمصطلح " الحداثة " وكان لظروف
نشأة هذا المصطلح في الغرب وشموليته وغموضه تأثير على وضعيته في االدب العربي،
إذ لم يصل النقاد العرب إلى اتفاق على تحديد تعريف دقيق له ،ومعظم من تناولوها من
النقاد العرب أجمعوا على أن الحداثة تتعارض مع التقليد والتراث واألصالة ،ليحموا منها
ثورة تسعى إلى التغيير والتجديد والتحديث المستمر يتجاوز القديم واحداث قطيعته.
1زعربان علي رضا النحوي :تقويم نظرية الحداثة ،مرجع سابق ،ص . 11
2مالكوم براديري وجيمس ماكفارلن :الحداثة ،تر:مؤيد حسين فوزي ،دار المحبة للنشر والتوزيع ،دمشق ،دط ،2006 ،ص.16
01
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
ومن أتباع الحداثة العرب الحداثي السوري " يوسف الخال" باعتباره األب الروحي
لرواد مجلة شعر إلى الحداثة عبر الغرب الليبرالي ،فيعرفها بقوله " :الحداثة في الشعر
إبداع وخروج على ما سلف ،وهي ال ترتبط بزمن ،فما نعتبره اليوم حديثا يصبح في يوم
طر على نظرتنا إلى أشياء فانعكس في
من األيام قديما ،وكل ما في األمر جديدا ما أ
تعبير غير مألوف " (. )1
فالحداثة لدى يوسف الخال تعتبر هنا ال صلة لها بالقديم ،بمعنى أن الحداثة عنده
منحازة إلى التجاوز والى اإلبداع والجديد المختلف عما ألفناه وعرفناه " ،فهي قديم يتجدد
،فيوسف ()2
مع الحياة ،فنحن ال نجدد ألننا قررنا أن نجدد بل ألن الحياة تتجدد فينا "
الخال يدعو إلى التجيد في الشعر وعدم الوقوف في وجه تيار الحداثة .
أما " أدونيس " فيعرف الحداثة عامة فيقول " :الحداثة رؤيا جديدة وهي جوهريا
رؤيا تساؤل واحتجاج ،تساؤل حول الممكن واحتجاج على السائد ،فلحظة الحداثة هي
لحظة التوتر أي التناقض والتصادم بين البنى السائدة في المجتمع ،وما تتطلبه حركته
ويقول أيضا " :الحداثة ()3
العميقة التغيرية من البنى التي تستجيب لها وتتالءم معها "
. ()4
هي الخروج من النمطية والرغبة الدائمة في خلق المغاير "
إن الحداثة لدى " أدونيس" تعتبر مفهوما متبدال متحركا كحركة ثورية تغيرية ذات
طابع تغييري جذري ال مهادن ينفصل عن القديم كليا ،وال يتقاطع معه ،وعليه من شروط
الحداثي أن يخالف السائد والمألوف ،ويثور على الثابت من مبادئ وأخالق وغيرها ..
1يوسف الخال :الحداثة في الشعر ،دار الطليعة للطباعة و النشر ،بيروت ،لبنان ،ط،1611، 1ص . 15
2المرجع نفسه :ص . 63
3عبد اهلل محمد الغذامي :تهافت النقد وقراءة التنميط والقصر ،مجلة نزوة ،تصدر عن مؤسسة عمان للصحافة والنشر
واإلعالن ،عمان ،ع ،32دط ،2006 ،ص6
4جمال شحيد ،وليد قصاب :خطاب الحداثة في األدب ،مرجعية األدب الحداثي ،دار الفكر ،دمشق ،ط، 2005 ،1ص . 49
01
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
ويقول الناقد " عبد السالم المسدي" عن الحداثة " :هكذا أصبحت الحداثة تعاني
اشكاال تصوريا متعددا لوجهات وعلى هذا االساس يتعذر على النقاد تناول موضوع
الحداثة من موقع التنظير ما لم يفك التعاضل االصطالحي الحائم حول اللفظ والتشابك
. ()1
المفهومي الراكن في مطاف المدلول "
ويقترن مفهوم الحداثة عنده بمفهوم الزمن ،وهو ما يعني أن الحداثة ال ترتبط
بعصر دون آخر ،والزمن زمنان ،زمن مطلق ،وزمن آني ،ولكل محوره ،يقول أيضا :
" الحداثة هي رؤية واعية إلقامة عالقات دائمة التجدد بين الظرف اإلنساني وبين
الجوهري الموروث ،وذلك من أجل استمرار العالقة اإلبداعية لإلنسان مع لغته التي
سيكون صا نعا لها من خالل ما يضيفه إليها بديال من المتغيرات المنقرضة ،كما ان اللغة
.وعليه فالحداثة هنا ()2
صانعة له من خالل هيمنتها عليه بواسطة الثوابت الجوهرية "
تسعى إلى صقل الموروث ،لتعزر الجوهري منه فترفعه إلى الزماني ،بعد أن تزيح كل ما
هو وقتي .
ونجد أيضا الناقد " عبد العزيز حمودة " يقول " :إن الحداثة بمعناها العربي
،ويعرفها آخر " :الحداثة ()3
والغربي على السواء تتجه إلى التدمير عمدا للنظام القديم "
ليست اختيا ار قوليا يطأ العبارة وينتهي عند ملفوظها بل هو نمط الحياة ،وتصور ومجتمع
لذا فاألمر الذي يؤكد ارتباط داللة الحداثة ()4
وثقافة تقنية تكتسح اإلنسان والطبيعة "
بحداثة الحياة نفسها .
1المسدي عبد السالم :النقد والحداثة ،دار الطليعة والنشر ،بيروت ،لبنان ،ط ، 1613 ،1ص . 1
2جمال شحيد ،وليد قصاب :خطاب الحداثة في األدب ،مرجع سابق ،ص . 14
3عبد العزيز حمودة :المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك ،سلسلة عالم المعرفة ،الكويت ،دط، 1661 ،ص.25
4محمد بنيس :حداثة السؤال بخصوص الحداثة العربية في الشعر والثقافة ،المركز الثقافي العربي،لبنان،المغرب ،ط، 2
، 1661ص.106
01
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
يقول الناقد المصري " غالي شكري" " :مفهوم الحداثة عند شعرائنا الجدد مفهوم
حضاري ،وهو تصور جديد للكون واإلنسان والمجتمع ،والتصور الحديث وليد ثورة العالم
لذا فالحداثة عند غالي ()1
الحديث في كافة مستوياتها االجتماعية والتكنولوجية والفكرية "
شكري هي ما كان مواكبا للحضارة العربية .
يصف الناقد " شكري محمد عياد " " :الواقع الذي يعيشه الحداثي العربي إذ له
حضوران ،حضور في ثقافته العربية " فهو يحارب التخلف والجمود في النظم والمؤسسات
،كما يحطم التقاليد اللغوية والفنية ،ويمارس أقصى ما يستطيع من حرية في التشكيل
" ،وهذا حضور بارز ()2
معب ار عن شهرة اإلبداع وغرام االكتشاف في كل تجربة جديدة "
ومتميز وان كان يعاني من عدم الفهم ،اما الحضور الثاني فهو حضور في الثقافة الغربية
،وهو حضور غير مهم وغير بارز ،وفيه نجد الحداثي العربي يقف ضد الثقافة التجارية
. ()3
الرأسمالية ،او يجب ان يقف ضدها "
ويرى " كمال ابو ديب " أيضا " :الحداثة انقطاع معرفي ذلك أن مصادرها
المعرفية ال تكمن في المصادر المعرفية للتراث ،في كتب ابن خلدون االربعة أو في اللغة
المؤسساتية والفكر الديني ،كون اللغة مركز الوجود ،وكون السلطة السياسية مدار النشاط
الفني ،كون الفن محاكاة للعالم الخارجي ،والحداثة انقطاع ألن مصادرها المعرفية هي
اللغة البكر والفكر العلماني ،وكون اإلنسان هو مركز الوجود ،وكون الشعب الخاضع
للسلطة مدار النشاط الفني ،وكون مصدر المعرفة اليقينية ،إذا كان ثمة معرفة يقينية
. ()4
وكون الفن خلقا لواقع جديد " ...
1غالي شكري :شعرنا الحديث إلى أين ،دار الشروق األولى ،ط ،1661 ،3ص.14
2شكري محمد عياد :المذاهب األدبية و النقدية عن العرب والغربيين ،سلسلة عالم المعرفة،المجلس الوطني للثقافة والفنون
واآلداب ،الكويت،دط ، 1663 ،ص.11
3المرجع نفسه :ص . 11
4زعربان علي رضا النحوي :تقويم نظرية الحداثة ،مرجع سابق ،ص.25
05
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
لذا فالحداثة إذا كانت عنده انقطاعا معرفيا ،ففي اإلسالم اتصال معرفي اتصال
االزمان واألجيال ،اتصال الشعوب واتصال األرحام ،واتصال أمة اإلسالم أمة واحدة
مدى الدهر .
أما الحداثة عند " عبد اهلل محمد الغذامي " .." :من عالمات تحضر االمة أن
يكون لديها أدب تتجدد روحه مع تجدد نسمات الصباح ،فكما ان النسمة التي تهب اليوم
ليست هي النسمة التي هبت باألمس ،وذلك كي نثبت أن عقول األمة ما زالت معطاة ،
. ()1
وأن معين إبداعها لم ينضب ولم يشح مكنونة "
ولشدة تمسك " عبد اهلل الغدامي " بالحداثة نجده يدافع بكل قوة عن الحداثيين
وينعتهم بحاملي الثقافة بينما يهاجم أصحاب الفكر األصيل ويطلق عليهم لفظ العموديين
. ()3
،ويقول أيضا " :من شرط أن يكون فوق السائد والمألوف " ()2
او التقليديين "
كذلك يحاول " عبد اهلل الغدامي " ":تحديد مفهوم الحداثة انطالقا من اإلبداع ومن
ثنائية " الثابت والمتغير" واعتمادا على موروثنا ،فالحداثة معادلة إبداعية بين الثابت
والمتغير ،أي بين الزماني والوقتي ،فهي تسعى دوما إلى صقل الموروث ،لتعزز الجوهري
منه فترفعه إلى الزماني ،بعد أن تزيح كل ما هو وقتي ،ألنه متغير ومرحلي ،وهو
ضرورة طرفية تزول بزوال ظرفها ،وتصبح طو ار بينهم في نمو الموروث لكنه ال يكبل
. ()4
الموروث أو يقيده "
1عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ط1412 ،2هـ ، 1661 ،ص . 16
2عبد اهلل محمد الغذامي :تشريح النص ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،بيروت ،لبنان ،ط ،2009 ،2ص. 11
3ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص . 24 ،23 ،10
4عبد اهلل محمد الغذامي :تشريح النص ،مرجع سابق ،ص . 13
06
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
1أدونيس :الثابت و المتحول(بحث في اإلتباع و اإلبداع عند العرب) ،دار العودة ،بيروت ،ج ،1ط ،1664 ، 1ص.16
2محمد التونجي :المعجم المفصل في األدب ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط ،1666 ،2ص . 346
3جهاد فاضل :أسئلة النقد وحوارات مع النقاد ،الدار العربية للكتاب ،دط ،دت ،ص . 264
4المرجع نفسه :ص . 119
5محمد زكي العشماوي ،أعالم األدب العربي الحديث و اتجاهاتهم الفنية ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية ،د.ط،2002 ،
ص.203
07
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
1عدنان علي رضا النحوي :الحداثة في منظور ايماني ،دار النحو للنشر والتوزيع ،المملكة العربية السعودية،ط1410 ، 3ه-
1616م ،ص. 25
08
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
فنشأت الحداثة على أيدي شعراء فرنسا " شارل بودلير" و"رامبو"و"مالرميا " وذلك
مع بداية الرمزية ونهاية الرومانسية سنة 1130في باريس ،ويرى بعضهم أنها بدأت بعد
، 1110ويرى " كيرمود" أنها انطلقت مع السنوات العشر االولى في القرن العشرين
. ()1
وآخرون بدايتها بين 1614-1610
ويحدد "ـ لورانس" بداية الحداثة لحركة أوروبية أدبية وفنية كبرى سنة , 1615حيث
شهدت نهاية العالم القديم عالم ما قبل (ح ع (، IIوترتضى "فرجينيا وولف" عام 1610
,بينما يختار "أز ار باوند" عام ,1612وهو العام الذي تم فيه تدشين النزعة التصويرية
إحدى أهم حركات الحداثة في انجلت ار ،ويرى "هاري ليفين" أن مد الحداثة كان ما بين
. ()2
عامي ( (1924 ,1622ويفضل ريتشارد إيلمان عام 1600لبداية عنفوان الحركة
ويرى أيضا " محمد بنيس " " :تعد الحداثة غربية التصور والتحقق ،لفعلها صفة
الشمول بدءا من أبسط المنتوجات حتى سمات الحساسية ،فإن الغرب لم يتوقف منذ
. ()3
اللحظات االولى يحاكمها أو يبدلها "
ويعتبر بع ضهم أن بداية الحداثة في فرنسا ،وفي ذلك يقول الناقد " جمال شحيد " :
" انطلقت فترة الحداثة _والحق يقال_ من رحم الثورة الفرنسية التي ركزت بالرغم من
فترتها اليعقوبية الدموية على سيادة العقل والتعقل والعقالنية ،وهي مقوالت انتشرت في
عصر األنوار األوروبي ،وأنسلت مجموعة من المفاهيم (إلغاء الحكم السياسي المطلق،
واعالن حقوق اإلنسان ،وحرية الفرد ،وفصل الدين عن الدولة (العلمانية أو الدنيوية)،
والنهضة واإلصالح ،وترسيخ دولة القانون ،إطالق المجتمع المدني ،دمقرطة الثقافة
والعلوم والمجتمع وترسيخ روح المواطنة ،مع ما تحمل من واجبات وحقوق ،وتركيز على
1جمال شحيد ،وليد قصاب :خطاب الحداثة في األدب ،مرجع سابق ،ص . 12
2نور الدين أفاية:الحداثة و التواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة ،نموذج هبرماس ،إفريقيا الشرق ،ط ،1661، ،2ص.106
3المرجع نفسه :ص . 106
11
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
الجمعية البولونية " دورش" ،عشر أطروحات جديدة لـ " مبدأ الحداثة " ،وكان ذلك إعالنا
. ()1
تبشيريا بعهد فنـي جديد
لقد عاش العالم الغربي فترة ظالم دامس عرفت بالقرون الوسطى والعصور
الظالمية مر فيها الغرب بأحلك أيامه وأسوئها حيث عم الجهل نتيجة سيطرة رجال
الكنيسة ،وكانت الحداثة صورة تجلى من خاللها حلم العالم الغربي في البحث عن عالم
مثالي ،ولقد قطع العالم الغربي للحداثة صلتها بالدين والكنيسة وتمردت عليه.
وقد ظهر ذلك جليا منذ ما عرف بعصر النهضة في القرن الخامس عشر
الميالدي عندما اانسلخ المجتمع الغربي عن الكنيسة وثار على سلطاتها الروحية التي كان
بالنسبة لهم كابوسا مخيفا " :فالكنيسة كانت المفسر الوحيد للدين و المعرفة ،تتدخل في
صياغة كل شيء ،وقد تعدت سلطة الكنيسة المجتمع ،فهي سلطة على الملوك و األمراء
الدين وافقوا على هذا التسلط نتيجة لما حبتهم به الكنيسة ،فحكمهم للمجتمع مستمد من
. ()2
السلطة اإللهية ..فالكنيسة هي اإلله أو من يمثله على األرض "
لذا لقد كان لظهور العلم واألفكار التنويرية أثر كبير في تخليص أوربا من ظالمها
،فاستطاع الغرب من خاللها تجاوز الخرافات التي فرضتها الكنيسة ،لتدخل أوربا عص ار
جديدا عرف بالحداثة .
كذلك معلوم أن " أوروبا لقد شهدت بين القرنين 11_11جملة من التحوالت
الجذرية في ميدان الثقافة و مجال العمران البشري و االقتصاد و السياسة ،و معلوم أيضا
أن هذه التحوالت الشاملة بلغت ذروتها مع الثورة الصناعية في انجلت ار و الثورة الفرنسية
()3
سنة " 1616
1يورغن هابرماس:القول الفلسفي للحداثة،تر فاطمة الجيوشي ،منشورات و ازرة الثقافة السورية دمشق ،ط،1665 ،1ص11،11
2سعودي البختاوي:الحداثة في مشروع العقاد النقدي من خالل تطبيقاته على شعر شوقي( مذكرة ماجستير) ،مسيلة ،الجزائر
2002،
3محمد الشيكر :هايدغر وسؤال الحداثة ،مرجع سابق ،ص . 31
10
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
ومنه فإن الحداثة كما تشير المصادر الغربية انها حركة نقدية مناهضة لتقاليد
الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وامتدت ونشأت الحداثة في أوربا بشكل متزامن وعفوي،
وغزت معظم أقطارها في كل من إيطاليا وفرنسا انجلت ار ألمانيا والواليات المتحدة
األمريكية ،ثم امتدت إلى االتحاد السوفيتي ،وفي هذا الجو ترعرت الحداثة ونمت وقويت
من خالل حملها للدالالت التاريخية والتي كانت معيار في تحديد صفة الحديث .
ب : .الحداثة عند العرب :
أما الحداثة العربية فيقول الواقع التاريخي أنها كانت فرعا من فروع الحداثة
الغربية ،ولقد كان لألحداث التي سبقت ومهدت لها خصوصا الحرب األهلية االسبانية
التي انتهت بانتصار الفاشية سنة ،1636فكان لها صدى قوي في مصر بالذات ،حيث
كانت مهيأة بموقعها ألن تكون مهدا وهدفا مباش ار من أهداف المحور ,خاصة وأن في
مصر جاليات كثيرة العدد وعظيمة الثراء ,وكان بينهم عدد كبير من اليهود من جنسيات
مختلفة ،فكان طبيعيا أن يتجمعوا وأن يتدارسوا موقفهم وأن يحاولوا القيام بعمل ثقافي
إعالمي يضم شملهم ويقرب بين أفكارهم ويجتذب إلى التعاطف معهم ممن يمكن اجتذابه
من المثقفين الوطنيين" (. )1
كذلك يبدو ان البحث في نشأة الحداثة عند العرب وجذورها اوغل قدما من البحث
عنه عند الغرب ،فيرى النقاد ان الحداثة تعود إلى القرن السابع للهجرة أي أنها بدأت
بوادر اتجاه شعري جديد تمثل في بشار بن برد ،ابن هرمة والعتابي وأبي نواس ومسلم
. ()2
بن الوليد وأبي تمام وابن المعتز والشريف الرضى وآخرون
1شكري محمد عياد :المذاهب األدبية والنقدية عند العرب والغربيين ،مرجع سابق ،ص. 11
2أدونيس :زمن الشعر ،دار العودة ،بيروت ،ط ، 1611 ،2ص 21
11
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
وامتدت بعدها إلى طه حسين وجماعة الديوان ،و أبولو و المهجر ،فكان أبو
نواس أول من هدم نظام القصيدة القديم و أطاح بالمقدمة الطللية واضعا بدلها المقدمة
الخمرية ،وكذلك فعل أبو تمام برفضه للقديم و سعيه وراء التجديد ،وعلى الرغم من اعماله
لقيت أكثر رواجا فقد كان أكثرها رفضا من طرف انصار القديم ،فكان شعر أبي تمام
على األخص الثورة األكثر جذرية على صعيد اللغة الشعرية بالمعنى الجمالي الخالص
()1
لذا نستنتج من خالل ما سبق يبدوا لنا الناقد قد سعى من خالل أعماله إلى إرساء
مبادئ اإلبداع و الفرادة متجاو از بذلك ما استحدثه أبو نواس من خالل مقدمته الخمرية
فقيل عنه " :هكذا اتخذت الحداثة عند أبي تمام بعدا آخر هو ما يمكن أن نسميه بعد
الخلق ألعلى مثال فهو لم يهدف إلى المطابقة بين الحياة والشعر ،بل هدف إلى خلق
عالم آخر يتجاوز العالم الواقعي ،لقد اشتركا في رفض تقليد القديم لكن كل منهما سلك
. ()2
في إبداعه مسلكا خاصا "
هذا في مجال الشعر ،أما في مجال النقد ،فالحداثة العربية أقرب إلينا منها في
الشعر ،فيؤكد الدارسون أنها بدأت مع طه حسين كفكرة رأى من خاللها أنه إذا أردنا أن
نتفوق أو أن نلحق ركب الحضارة علينا أوال أن نمد بأبصارنا خلف البحار أي إلى بالد
الغرب ،ونقلدهم و نرسم على منوالهم .
يرى أيضا " محمد بنيس " ":عادة ما يضع مؤرخوا الشعر العربي الحديث نهاية
. ()3
األربعينيات أو أواسط الخمسينيات بداية للحداثة "
1أدونيس:الثابت و المتحول(بحث في اإلتباع و اإلبداع عند العرب)،صدمة الحداثة،ج،3دار العودة ،بيروت ،دط ،دت ،ص.16
2المرجع نفسه :ص . 16
3محمد بنيس :حداثة السؤال بخصوص الحداثة العربية في الشعر والثقافة ،ص.15
11
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
كذلك يعتبر " يوسف الخال" " :من اوائل من دعا إلى الحداثة في العالم العربي
بعد مجيئه من أمريكا ،إذ كان من أعضاء تجمع شعر ،وكان ينطلق من تقسيم العالم
إلى قسمين :عالم الحديث في العرب ذو حداثة وتقدم ،وعالم قديم في بالد العرب ذو
رجعية وتأخر ...فالبد للعالم العربي أن يتخذ العالم الغربي له بعد ان يمحو الحواجز
. ()1
بينهما "
وبظهور النهضة األدبية الفكرية في العصر الحديث ظهر "طه حسين" في نهاية
الربع األول من القرن العشرين ،وكأنه سهم اقترع عذرية الخمول التي يحتمي بها الفكر
العربي ،ومن ذلك الوقت تفجرت مواقف متباينة أفضت إلى ظهور قراءات متضادة لفكرة
ورؤيته ودوره في الثقافة العربية الحديثة.
وانتظم حوله من الزمن ضربان من القراءة :قراءة أولى اعتبرته مهددا لمنظومة
القيم الدينية والفكرية واألدبية الموروثة وقرأته ضمن سياق ثقافي له مقوالته المستقرة الثابتة
التي احتجبت وراء تصورات دينية وفكرية محددة ،لم تكن قادرة على تجديد ذاتها طبقا
لمقتضيات التحديث العام الذي شهده العصر.
وقراءة ثانية مضادة تماما أدرجت "طه حسين "ضمن مشروع التحديث "الحداثة"
واعتبرته ممثال لحركة التنوير في الثقافة العربية وقراءته في ضوء المقوالت التي شاعت
في أوروبا إبان القرنين الثامن والتاسع ،وهي الحقبة التي عرفت بعصر التنوير،
. ()2
وباعتبارها ثمرة الفكر العقلي التجريبي ضد الكنيسة منذ بداية عصر النهضة
1عبد اهلل إبراهيم :الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة تداخل األنساق والمفاهيم ورهانات العولمة ،مرجع سابق،ص .14
2المرجع نفسه :ص . 14
3المرجع نفسه :ص. 14
4عبد العزيز شرف :طه حسين و زوال المجتمع التقليدي،مجلة مستقبل الثقافة،الهيئة المصرية العامة للكتاب،مصر،دط،1611،ص.149
15
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
ربما كان الدافع األول في محاولة التغيير سواء تعلق األمر بالشعر أو النقد يعود
إلى مقتضيات العصر ،وتغير الحياة ،وبالتالي تغير الكيفية التي نرى بها األشياء ،لقد
" حاولوا التجديد مسايرة لروح العصر ،و مجاراة للحياة الجديدة ألنهم و جدوا المجال
ضيقا عليهم و األبواب موصدة في وجوههم و أينما ولوا وجوههم نحو االبتكار وجدوا
. ()1
القدماء قد عبدوا الطريق و أوضحوا المعالم "
لذا نستنتج من خالل هذا القول بأن الحداثة العربية تخطو خطوة إلى االمام
واألخرى إلى الوراء بين مؤيد للتجديد ومعارض لهذه الفكرة ،لذا بناء على هذا فغن
هناك وجه شبه بين الحداثة كمفهوم معاصر عند الغرب وبينها عند العرب .
وفي هذا المضمار يقول " محمود أمين العالم " " :إن التصورات والمفاهيم األساسية لهذا
الفكر النقدي هي صدى لتصورات ومفاهيم نقدية أوروبية ،وأن مختلف االتجاهات في
نقدنا العربي المعاصر هي صدى لتيارات نقدية أوروبية ووراء هذه التيارات مفاهيم
. ()2
ابستمولوجية وايديولوجية "
وفي موضوع آخر يصرح " أدونيس " أن " الحداثة في المجتمع العربي ال تزال
شيئا مجلوبا من الخارج ،إنها حداثة تتبنى الشيء المحدث ،وال تتبنى العقل أو المنهج
الذي أحدثه ،فالحداثة موقفا ونظرة قبل أن تكون نتاجا " (. )3
إذن فيرى محمود أمين العالم كممثل للمتقدمين وأدونيس كنموذج للمتأخرين أن
الحداثة تدخل ضمن األشياء المجلوبة من الغرب وكذلك نعتقد نحن ،فما وصلنا عنها
يوحي لنا بأنها غريبة عنا ،وان عربت لفظا تبقى كمعنى بعيدة عن قناعتنا " فكلمتي
. ()4
حديث وحداثة استعارة من اآلخر االجنبي شأن كلمات وأشياء أخرى كثيرة
1الشين عبد الفتاح :الخصومات البالغية والنقدية في صنعة أبي تمام ،دار المعرفة ،القاهرة ،دط ، 1612 ،ص.11
2عبد اهلل إبراهيم :الثقافات العربية وللمرجعيات المستعارة تداخل األنساق والمفاهيم ورهانات العولمة ،ص.13
3أدونيس :الشعرية العربية ،دار اآلداب ،بيروت ،ط ،1615 ،1ص. 14
4أدونيس :النص القرآني وآفاق الكتابة ،دار اآلداب ،بيروت ،ط ،1663 ،1ص.103
16
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
ومن هنا فحداثة العرب حداثة ارتبطت بالحياة الراهنة ،فكانت استجابة لها ،وهو ما
قضى بموتها وهي من مهدها او بعابرة اخرى لم تنشأ نتيجة فكر معين او فلسفة بل كانت
تجديدا اقتضاه عدم جدوى الوسائل التقليدية لذا فحداثتنا اليوم بالنسبة للحداثة العربية هي حداثة
تلقيناها من اآلخر (الغرب) .
وحاولنا ان نؤقلمها مع مناخنا الفكري ،وهذا هو سبب عدم وضوح المصطلح وغموضه،
وان ادعى بعضهم انه أصبح ملكا لنا ،لكنه في الحقيقة ال يمكن أن يفرغ مما يحمله في فكر
وثقافة وحضارة وفلسفة كانت سببا في ظهوره " ال يمكن الربط بين النقد العربي والنقد الغربي في
إطار التصور القائم على اعتبار النقد علما يجوز تطبيقه على الظواهر االدبية كافة في مختلف
. ()1
البيئات الحضارية "
والجدير بالذكر أن هناك بعض النقاد أروا ان الحداثة لها بذور في النقد واألدب القديم
في العصر األموي والعباسي خاصة في شعر " أبي تمام " و " ابي نواس" و " ابن الرومي"
بحيث حاولوا الخروج عن البناء الفني القديم للقصيدة العربية ،التي كانت تبدأ بالوقوف على
األطالل ،حيث شد هؤالء عن هذه البداية ،و" أبو نواس " مثال نهج منهجا فنيا يختلف عن نهج
الشعراء القدامى ،وذلك ألنه لم يقتصر فيه على زلزلة البناء الفني القديم والثورة عليه أحيانا
()2
. ولكن تعدى ذلك إلى تطويره وتحديده في معظم قصائده "
لذا من خالل هذا القول إذا كان " أبو نواس " من الشعراء الذين وضعوا بذور هذا
االتجاه التجديدي فقد جاء شعراء آخرون من بعده ،لذا هذا هو حال الحداثة في العالم العربي
جاءت من الغرب عن طريق الذين عرفوا حداثة وفكر ،وعاشوا مع الحداثيين والثوريين الغربيين
وترجموا ما عندهم وطبقوه على واقعهم ،ونادوا بتحديث األفكار والمبادئ أي تغيير العقائد
والشرائح ،كما فعل اسيادهم ومعلموهم وقدوتهم هناك ،فشكلت الحداثة زلزاال عنيفا أثارت البلبلة
واالضطراب في أفكار بعض الناس في العالم العربي .
1سمير سعيد حجازي :النقد العربي و أوھام رواد الحداثة ،مؤسسة طيبة للنشر و التوزيع ،القاھرة،ط ، 2005 ،1ص .250
2عثمان موافي :دراسات في النقد العربي ،دار المعرفة الجامعية ،القاهرة ،ط، 1661، 2ص.239
17
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
18
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
وعلى هذا فالفكر الفلسفي في المناخ الكالسيكي الغربي قد أسس حداثته بمحاولة
إعادة االعتبـار إلى العقل واثباته من ناحـية ،وباستبعاد الالعقل بجميع مظاهره من جهة
أخرى ،باعتباره منبع الفساد والتشويش والخراب )(...وعلى هذا فالعقل مفتاح الحقيقة
واألسطورة مخبؤها ،وبالعقل يستطيع المرء أن يسيطر على ما تخفيه األسطورة ،وأن
. ()1
يكشف وظائفها لفهم مقاصدها "
" فالحداثة بهذا تأسست على إعطاء أهمية خاصة للعقل ،إذ أصبح مبدأ لكل
نشاط علمي ومرجعا لكل معرفة ،و من شأنه أن يحدد عالقته الشائكة بذاته؛ أو ما يعرف
بالوجود الداخلي ،أو ما يحيط به ،أو ما يعرف بالوجود الخارجي ،فهيغل رأى أن من شأن
إعمال اإلنسان الحديث ألول مرة في تاريخ البشرية ،النظر في اآلفاق وفي نفسه ،إن
. ()2
عمل هو على إزالة غربة الذات في الطبيعة وغربة الطبيعة في الذات "
وكما يتصور ماكس فيبر ،فإن الحداثة ترتبط بالعقالنية في صورة تالزم واضح
ودائم كرسه الفكر الغربي إلى الحد الذي يجعله ارتباطا داخليا بديهيا؛ بالنظر إلى تاريخ
أوربا الحديث الذي استقلت فيه الفنون والمنظومة األخالقية والقانونية ،مناهج العلم
ونظرياته من قيود الدين وسيطرته ،والتي مثلت في نظر المثقفين الغربيين عائقا حال
دون التقدم المرجو ،وهو ما أدى إلى ثقافة دنيوية ،فالمعقولية هي قبل كل شيء ،حقل
فيه تنتظم معارفنا وتتحد تدخالت اإلنسان لفهم الطبيعة والحياة فهما يقترب من حقيقة
. ()3
واقعها
وترتب عن القول بالعقالنية كأساس للحداثة الغربية عقلنة جميع مناحي الحياة،
سواء باستيعاب معطيات الماضي وتجاوزها ،أو التأقلم مع معطيات الحاضر ،والتهيؤ
الستقبال التطورات الجديدة.
1فتحي التريكي ،ورشيدة التريكي :فلسفة الحداثة ،مركز اإلنماء القومي ،بيروت ،لبنان ، 1662 ،ص . 96
2محمد الشيخ :فلسفة الحداثة في فكر هيغل ،الشبكة العربية لألبحاث والنشر ،بيروت ،لبنان ،ط ،2001 ،1ص.25
3فتحي التريكي ،ورشيدة التريكي :فلسفة الحداثة ،ص . 21
19
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
1محمد سبيال :الحداثة وما بعد الحداثة ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،المغرب ،ط ، 2000 ،1ص . 93
2عثمان أمين :ديكارت ،مكتبة األنجلو مصرية ،القاهرة ،مصر ،دط ، 1696 ،ص21
11
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
ومن خالل ذلك تشكل المفهوم الفلسفي لإلنسان كذات في الفكر الغربي الحديث
بكل ما فيه من نزعات ال عقلية ومن هوى ،وبكل ما تسعى إليه من نفع واستحواذ ،إذ
أصبح العقل مجب ار على االنحياز إلى الذات ليستمد منها اليقين ،وفي الوقت نفسه تطلب
منه ليمنحها التبرير الذي يحتاج إليه لعقلنة أفعالها وأعمالها و مختلف ممارساتها التي
تقوم بها باسم العقل افتراء عليه ،وليرفع عنها بذلك كل قيد من دين أو أخالق .وبذلك وقع
للفلسفة تغيير عميق األثر ،تم بموجبه توجيه الفكر الغربي " وجهة جديدة نحو تحقيق
غايات ذاتية أنانية ،كان الفكر الفلسفي الغربي الحديث يصبوا للتخلص من استبداد
الكنيسة ،وسيطرة الباباوات وطغيانهم باسم الدين ،فاختلط بذلك العقل والالعقل ،سواء
أكان ذلك على المستوى النظري المحض ،أم كان ذلك على المستوى العلمي التطبيقي،
ليمتد هذا الخلط بعد ذلك إلى األخالق والسياسة واالقتصاد واالجتماع دون حدود تحده أو
. ()1
قيود تقيده "
و بما أن الذاتية هي األساس الفلسفي للحداثة ،حيث أصبح اإلنسان بمقتضاها
مقياسا لكل شيء ،فإنه يمكن القول بأنه أعيد اكتشاف بروتاغوراس ( 411-410ق م)
في المصدر اليوناني لتأكيد هذه النزعة اإلنسانية النسبية ،لتؤدي بذلك هذه النزعة إلى
انحياز العقل إلى الذات .فالذاتية بهذا تصبح مالزمة لإلرادة والرغبة في المعرفة ،الشيء
الذي يعني اقتحام كل الميادين دون تردد ،وكل تمظهرات الحياة وتعابيرها لمعرفتها عن
حقيقتها ،وقد ترتب عن اإليمان بمبدأ الذاتية كوجه آخر للحداثة-بعد العقالنية -أن أصبح
الوجود قابال للمعرفة ،من أبسط الظواهر إلى أعقدها ،وأعلن اإلنسان بموجب هذه المعرفة
سيادته تقدي ار ال توصيفا " ،فثمرة انتصار الحداثة هي تحرير الروح واستقاللية الذات
. ()2
البشرية ،وتقابل اإلنسان مع نفسه كذات واعية ،سيدة ،مريدة وفعالة "
1سالم القمودي :اإلنسان ليس عقال ،مؤسسة االنتشار العربي ،بيروت ،لبنان ،دط ، 2001ص. 15
2علي حرب :الماهية والعالقة ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،لبنان ،ط، 1661، 1ص . 214
10
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
لذا فمنذ نهاية القرن الثامن عشر لم يهتم خطاب الحداثة في الغرب إال بموضوع
واحد رغم تعدد التسميات؛ وهو اإلنسان وفاعليته .
ج : -الحرية :la liberté
إن القول بالحرية كأساس للحداثة ال يقل قيمة عن القول بأساسي العقالنية
والذاتية ،إذ يمكن القول بأن الحداثة هي الحرية ،فكما نظرت الحداثة إلى العالم نظرة
ملؤها العقل واعتبار الذات ،فقد عمدت كذلك إلى جعل اإلرادة البشرية أساس بناء
المجتمع و الدولة الحديثة ،فالحرية في الفكر الحداثي هي جوهر الكائن البشري ،وغاية
وجوده ،وهي شرط لتحقيق الكمال والخلق الذاتي ،واألكثر من ذلك هي الشرط الضروري
للحصول على مشروعية الفعل األخالقي ،واالجتماعي ،والسياسي ،واالقتصادي...الخ.
وأول من حقق مبدأ الحرية فالسفة الحداثة وروادها ،ابتداء بديكارت حينما ربط
كنه الفكر باإلرادة ،وأوسطه تحقق مع ليبنتز ( ) 1119-1949الذي عمم مبدأ اإلرادة
هذه ،وجعل من كل كائن مريد ،ومنتهاه مع كانط الذي جعل من اإلنسان الكائن الحر
بامتياز ،وجعل من الحرية مقدرة اإلنسان على التشريع لنفسه ،وذلك من دون سند خارجي
هذه األفكار وغيرها كانت بمثابة البذور األولى لنشأة المشروع ()1
أو عون موضوعي
الحداثي الغربي ،والذي كانت الحرية صلبه ونواته ،ونشأ بذلك المجتمع الحديث ،الذي هو
مجتمع الطبقات المفتوحة ال الطوائف المغلقة.
فحداثة الحرية هي التي تقوم على االعتراف باآلخر كإرادة حرة لها حق االختالف
والتواصل ،وبالتعبير السياسي واالجتماعي الحرية هي بمثابة الفضاء الذي يتحقق في
إطاره التفاهم واالعتبار المتبادل ،فتعزز الثقة بين الحاكم والمحكوم ،وتزول أسباب الظلم
والعبودية ،ومنه استثمار الكل مقدرات الخلق واإلبداع والتطور .فالحرية بهذا هي ركن
أساسي في النظرة الجديدة للتحديث.
1محمد الشيخ :فلسفة الحداثة في فكر هيغل ،مرجع سابق ،ص . 29
11
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
والحرية ليست مسألة نظرية تثار في األذهان من أجل البحث فيها فلسفيا بأبعاد
ميتافيزيقية ،كما كان سائدا في عصور ما قبل الحداثة ،بل الحرية مسألة عملية تطبيقية
تتجسد في مختلف مفاصل المجتمع ،الذي ابتغى من الحداثة سبيال لحياته " فالوعي
بالحرية ال يجري في عالم الفكر المجرد ،بل في مؤسسات وتنظيمات ترافق الثقافة
المظهرة لفكرة الحرية وتتفاعل معها ،وهكذا تتألف حضارة الحرية من ثقافة الحرية ،ومن
مؤسسات الحرية ،وتتطور على الدوام من جيل إلى جيل ،ال بتأثير التفاعل بين نشاط
الثقافة وايقاع المؤسسات فقط ،بل بتأثير التحوالت داخل الثقافة ،وداخل المؤسسات
. ()1
أيضا"
وأبرز مظهر تجلت فيه الحرية كأساس للحداثة كان في المجال السياسي،
وتحديدا في الفعل الديمقراطي ،فالديمقراطية كنظرية أو كممارسة تعد نتاجا للمشروع
السياسي الحداثي" إذ ال يمكن التفكير في العمل الديمقراطي خارج األرضية الفلسفية
والسياسية الحداثية المؤطرة لهذا العمل ،وتفي مراجعة كيفيات تشكل التجربة الديمقراطية
في تاريخ الفكر والممارسة السياسية في الغرب لنتأكد من المواكبة الحاصلة ضمن هذا
التاريخ ،بين المرجعية الفلسفية والحداثية وتجلياتها في الفضاء السياسي واالجتماعي
. ()2
والثقافي كفضاء ديمقراطي"
فالنظام السياسي الديمقراطي يرتبط بفكرة الحرية ،وال يمكن لهذا النظام أن يكتسب
مشروعيته ما لم يتأسس على مبادئ االقتراع العام ،والسيادة الشعبية ،والسلطة الشرعية.
واجماال يمكن القول بان الفكر الحداثي في تحديد موضعه للمقومات إنما هي
بداية النهاية أي نهاية عصر وبداية عصر آخر ،أي نهاية المعارك التي خاضها الفكر
الغربي ولمدة قرون ضد كل ما هو مناف للمعقولية والجدة ،فالفكر الحداثي الغربي في
1ناصيف نصار :باب الحرية ،إنبثاق الوجود بالفعل ،دار الطليعة لطباعة والنشر ،بيروت ،لبنان ،ط ، 2003 ، 1ص . 11
2كمال عبد اللطيف :األسئلة الغائبة في الديمقراطيات العربية ،سؤال المرجعية وأسئلة المجال ،فكر 2ونقد،الرباط،المغرب،
العدد ، 41دط ،أفريل ، 2002ص.10
11
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
بحثه عن المحركات التي من شانها ان تحرك وعيه الحديث ويتجاوز بها وعيه القديم،
وتحقق له التالؤم مع ذاته وواقعه .
رابعا :رواد الحداثة :
أ : -رواد الحداثة عند الغرب :
-شارل بودلير 1191 – 1121م وهو أديب فرنسي أيضا نادى بالفوضى الجنسية
والفكرية واألخالقية ،ووصفها بالسادية أي مذهب التلذذ بتعذيب اآلخرين ،له ديوان
شعر باسم أزهار الشر مترجم للعربية من قبل الشاعر إبراهيم ناجي ،ويعد شارل
بودلير مؤسس الحداثة في العالم الغربي مؤسسها من الناحية الفنية ،فهو أستاذ
الحداثيين في كل مكان ،والذي كان عميدا لرمزية بغداد غار والخطوة االولى للحداثة
. ()1
فقد نادى بالفوضى في الحس والفكر واألخالق
لذا لقد قام المذهب الرمزي الذي أراده بودلير على تغيير وظيفة اللغة الوضعية
بإبجاد عالقات لغوية جديدة تشير إلى مواضع لم تعدها من قبل ،وكان يطمح أيضا إلى
تغيير وظيفة الحواس عن طريق اللغة الشعرية ،ولذا ال يستطيع القارئ أو السامع أن يجد
كذلك هناك بالناقد رامبو الذي دعا إلى ()2
المعنى الواضح المعهود في الشعر الرمزي
الحداثة ويعتبر رائدا لها ،والذي ال يقل شأنا عن بودلير ،لقد دعا رامبو إلى الهدم العقالني
لكل الحواس ،وأشكال الحب والعذاب،والى أن يكون الشعر رؤية ما ال يرى وسماع ما ال
يسمع ،وفي رأيه ان الشاعر البد أن يتمرد على التراث وعلى الماضي ،ويقطع أي صلة
. ()3
مع المبادئ األخالقية والدينية ...
-غوستاف فلوبير 1110 – 1121م فهو أديب فرنسي وشاعر حداثي دعا أيضا
للحداثة.
وعلى آثار بودلير ورامبو جاء ماال راميه وبول فاليري وغيرهما ،ووصلت الحداثة
في الغرب إلى شكلها النهائي على يد األمريكي اليهودي عزراباوند واالنجليزي توماس
اليوت .
-ماال راميه 1161 – 1142م وهو شاعر فرنسي ويعد أيضا من رموز المذهب
الرمزي ولقد دعا أيضا للحداثة .
وبهؤالء جميعا تأثرت الموجات األولى من الحداثيين العرب مثل السياب ونازل
وهناك ايضا بإجمال مجموعة ()1
المالئكة والبياتي وخليل حاوي وأدونيس ...وغيرهم
من الرواد أهمهم هنري لوفيفري وجان بودريار اوحين جراندال وروالن بارت ورومان
ياكوسبون ..وغيهم كثر .
:رواد الحداثة عند العرب : ب-
-يوسف الخال 1611-1620هو الشاعر النصراني وهو سوري األصل رائد الحداثة
األولى في العالم العربي ،وهو رئيس تحرير مجلة الحداثية التي تدعو إلى الحداثة
وقد مات منتح ار أثناء الحرب األهلية اللبنانية حيث يقول " :الحداثة في الشعر إبداع
وخروج _على ما سلف _ الشاعر الحق هو الفذ والمتمرد والجريء ..والشاعر يتمرد
ويثور ،لكن إلى أي أحد يبقى أن يأكل ويشرب ويعاشر ويشارك فال وجود خارج
. ()2
المجتمع "
1إحسان عباس :فن الشعر ،دار الثقافة ،بيروت ،ط ، 1615 ،5ص . 94
2يوسف الخال :الحداثة في الشعر ،مرجع سابق ،ص . 19 ، 15 ،15
15
الحداثة مصطلح ومفهوم الفصل األول
ويقول أيضا ":أنما هي نتاج عقلية حديثة تبدلت نظرتها إلى األشياء تبدال جذريا
. ()1
وحقيقيا انعكس في تغيير جديد "
-أدونيس ( علي أحمد سعيد) 1641-1630شاعر حداثي نصراني سوري ،ويعد
الرائد والمروج األول للحداثة في البالد العربية ،وقد هاجم التاريخ اإلسالمي ،والدين
واألخالق في رسالته الجامعية التي قدمها لنيل درجة الدكتوراه في جامعة " القديس
يوسف" في لبنان وهي بعنوان الثابت والمتحول ،بحيث في االتباع واإلبداع عند العرب
،ودعا إلى محاربة وهدم اإلسالم واللغة العربية .
ويقول في كتابه الثابت والمتحول ":هكذا تولدت الحداثة تاريخيا من التفاعل
والتصادم بين موقفين وعقليتين في مناخ تغير ،ونشأت ظروف وأوضاع جديدة ،ومن هنا
. ()2
وصف عدد من مؤسسي الحداثة الشعرية بالخروخ "
-لذا يعتبر أدونيس المنظر الفكري للحداثيين العرب .
-عبد العزيز المقالح وهو كاتب وشاعر يماني ،وهو اآلن مدير لجامعة صنعاء وذو
فكر يساري .
-محمد عابد الجابري 1639هو أحد كبار منظر ورائد للحداثة فهو يدعو إلى إعادة
النظر في التراث .
-صالح عبد الصبور 1611-1631من رواد الحداثة المصرية .
-محمود درويش 1642عضو الحزب الشيوعي االسرائيلي فهو فلسطيني نصراني
ورئيسا لتحرير نشرة الشؤون الفلسطينية .
-جابر عصفور 1644أستاذ النقد األدبي وهو من مؤسسي مجلة " فصول" الحداثية ،
فحداثته هي دعوة إلى الحرية .
-خليل حاوي نصراني حداثي شارك في تنظيم تجميع الحداثيين وانشاء مجلة شعر ،
وعنه يقول يوسف الخال :هو بالتأكيد واحد من سنة الحداثة وأعطى الكثير لهذه
الحداثة .
-عبد اهلل الغدامي 1649فهو مولع بحب الحداثيين الغربيين وبخاصة الفرنسيين يكثر
النقل عنهم في كتبه ،يعرف الحداثة " :إن الحداثة تسعى إلى صقل الموروث لتفرز
. ()1
الجوهري منه فترفعه إلى الزمان بعد أن تزيح كل ما هو وقتي "
-غالي شكري 1635حداثي نصراني هو من أشد الحداثيين سخرية باألنظمة العربية
وتمرد على األوضاع السياسية والدينية يعرف الحداثة " :بانها تطور جديد ونظرة
. ()2
جديدة إلى الكون واإلنسان والمجتمع "
-وهناك أيضا حداثيين نذكر منهم على سبيل المثال :عبد الوهاب البياتي ،أحمد مطر،
وسميح القاسم ،محمد أركون الحداثي الجزائري سعيد السريحي ،عبد اهلل الصيخان،
محمد التبيتي ،وهؤالء منهم الشعراء ومنهم النقاد والكاتبون .
1عبد اهلل محمد الغدامي:تشريح النص،مقاربات لنصوص شعرية معاصرة ،دار الطليعة ،بيروت ،لبنان ،ط ،1611 ،1ص. 10
2غالي شكري :شعر الحديث إلى أين ،ص . 1
17
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
تمهيد:
يعتبر النقد األدبي شكل من أشكال المعرفة العلمية هدفه اإلضاءة وتفسير شرط انتاج
اآلثار األدبية ومهمة الناقد في ظل هذا التعريف أن يق أر األثر قراءة لغوية وفنية من خالل
االستعانة بالمفاهيم وفروع علم اللسانيات فالنقد األدبي يجعل من اآلثار مجاال لبحوثه كما
أنه يحاول التمسك بتطبيق مناهج العلوم اإلنسانية لذا فالنقد األدبي في عصرنا الحديث قد
تطور كما لم يسبق له أن تطور من قبل(.)1
لذا ف قد حاول النقد األدبي في تاريخه أن يعقد أحالفا مع فروع عدة من العلوم
اإلنسانية ،كعلم النفس وعلم االجتماع ،واذا كان قد وجد في هذين النوعين وغيرهما من
العلوم اإلنسانية جا ار صالحا ألن يكون حليفا ،واألولى أن يجد ذلك في فرع من فروع العلم
تجمعه به قرابة هو " علم اللسان" (.)2
إذن فالنقد األدبي أولى بعلم اللسانيات من غيره من العلوم وعلم اللسانيات كذلك أولى
بالنقد األدبي من غيره من العلوم والتقريب بينهما هدف صحيح تسعى إليه جماعة من
الشباب والكهول من علماء اللسانيات ومن المشتغلين بالنقد األدبي في العالم كله ،ويأتي
عبد اهلل محمد الغذامي على طليعتهم (.)3
وليس من السهل على أية مقاربة نقدية اإلحاطة بمشروع الغذامي النقدي ،ويعزى
ذلك إلى عديد األسب اب ،منها ما يتعلق بالمشروع نفسه ومنها ما يتعلق بالناقد في حد ذاته،
فالمشرع ظل يتنامى من النقد األلسني إلى النقد الثقافي ويتجدد من الداخل في كل يظن أنه
أصابه اإلفالس وأوشك على البوار ،هذا فضال عن اتساع رقعته وتجاوز التنظير والتطبيق
في معظم ما انجز الناقد حتى أبحا صنوان ال يفترقان" (.)4
1عبد السالم المسدي :األدب وخطاب النقد ،دار الكتاب الجديد المتحد ،بيروت ،لبنان ،ط ،1مارس ،4002ص .8
2محمود الريبعي :النقد والحداثة ،مجلة فصول النقد األدبي ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،مصر ،مج ،5ع (،1د ط)،ديسمبر
،1882ص .442
3المرجع نفسه :ص .442
4عمر زرفاوي :الغذامي ومشروع النقد األلسني :مجلة حوليات التراث ،جامعة مستغانم ،جزائر،ع( ،2د ط)،4002 ،ص .152
93
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
بدأ الدكتور عبد اهلل الغذامي نشاطه الفكري بزلزال عنيف هو كتابة الخطيئة والتكفير،
ويعتبر كتاب اليوم "الموقف من الحداثة ومسائل أخرى" من توابعه بهذا المنظور ،ولكن
مبحث الموقف من الحداثة" من بين مباحث الكتاب يرتفع بدرجة التابع ،ألن له هو اآلخر
توابعه من ردود الفعل ومحاوالت االجابة عنها فكأنها زلزال داخل زلزال ،ولعل هذا المدخل
يصلح تشبيها تمثيليا كما تقول بالغتنا العربية القديمة للرؤية كما نراها في اإلبداع النقدي
للناقد الغذامي (.)1
لذا فإن أول ما يجعل القارئ يلفت النظر إليه في كتابه هو أن فصول في هذا الكتاب
كانت في األصل أبحاثا مستقلة ،كتبت متفرقة إلغراض خاصة ثم جمعت على هيئة
محاضرات ومقاالت كونت رؤية نقدية في المقالة األولى من كتابه " الموقف من الحداثة"
الذي يستعرض لنا االختالف البارز في الثقافة األدبية العربية ،والذي يشكل أبجديات
الخارطة الثقافية التي تسود المملكة في الوقت الحاضر ،ووجد في األمر صعوبة لذلك ففي
المملكة من هو عمودي ،ومن هو حداثي ومن هو األلسني كما أن فيها االنطباعي ،و ال
بأس في هذا االختالف ألنه ضرورة وجود ،ولكن البأس كل البأس في أن هذه المالمح
األربعة البارزة على الساحة ت فقد العنصر المهم لضرورة البقاء وهو التعايش ،فبعض
العموديين يبذلون قصارى جهدهم في تصفية من عاداهم ويرمون بعض الحداثين بالتنكر
للتراث ،وهي تهمة واردة في حق البعض وال يمكن التسليم لهم بها على االطالق ،فكثير من
شعراء الحداثة بريئون منها (.)2
لذا بما أن الدكتور "الغذامي" محسوب على األلسنية التي دخلت المملكة أخي ار فهو
يمتدحها وعنها يصدر ،التي يرى أنها تتميز بمنهجية التفكير واالنفتاح على اآلخرين ،لكن
أتباعها قلة مقابل الكثرة السائدة من االنطباعيين الذين تحفظ المؤلف عليهم ألنهم ال
1مختار أبو غالي :قراءة نقدية في كتاب الموقف من الحداثة ،مجلة العربي ،و ازرة الثقافة واإلعالم ،الكويت ،ع( ،.254د،ط)،
نوفمبر ،1884ص .105
2المرجع نفسه :ص 105
04
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
يصدرون عن أسس علمية وال منهجية في ممارستهم ،ويتكئون على مقوالت فكرية اجتماعية ،مما
يدخل بعضهم في مظلة ( علم المضمون) و فوق كل هذا تضيق صدورهم بالرأي اآلخر مع
الحوار الخالق فعالية ثقافة دونها تصاب الحركة بالعفن (.)1
أوال :الموقف من الحداثة:
باعتبار الحداثة مصطلح بالغ العراقة والجدة ومن المصطلحات المتداولة لدى النقاد والتي
تمثلت في صراع بين القدماء والمحدثين لذا يعمل الحداثيون على ضرورة تغير التراث بمبادئه
وعقائده وقيمه إلى مبادئ وقيم حديثة ومعاصرة وينادون بحتمية التحول عن القديم والماضي إلي
الحديث والمستقبل لذا فالحداثة هنا تشير _تراثيا_ إلى الصراع بين القدماء والمحدثين ،ذلك
الصراع الذي بدأ مع القرن الثاني للهجرة عندما كان المحدث قرين البدعة ،وكانت البدعة قرينة
تغير جذري ،يفرض إعادة النظر في الموروث من التصورات األدبية و االجتماعية والدينية وكان
ذلك على أساس من وعي متغير بواقع متحول من ناحية وعلى أساس من حوار مع تراث آخر
يعاد انتاجه لصالح هذا الوعي المتغير من ناحية ثانية بالقدر نفسه يشير المصطلح إلى صراع
جديد معاصر بين قدماء ومحدثين ،حول التغيرات الجذرية التي وقعت_،والزالت تقع_ في القصيدة
العربية المعاصرة منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية(.)2
ترتبط الحداثة بصورة عامة باالنزياح المتسارع في المعارف وأنماط االنتاج والعالقات على
نحو سيتتبع صراعا مع المعتقدات ،أي المعارف القديمة التي تحولت بفعل ثباتها الى معتقدات،
ومع القيم التي تفرزها أنماط االنتاج والعالقات السائدة (.)3
ولعل أحد أهم األسباب التي أججت الصراع بين القديم والجديد ما جاء به المجددون من
أفك ار ،كفكرة أن الحداثة جاءت بمشروعها لتخليص اإلنسان من أوهامه وتحريره من قيوده وتفسير
الكون تفسير عقالنيا واعيا .
1مختار أبو غالي :قراءة نقدية في كتاب الموقف من الحداثة ،ص 104
2جابر عصفور :معنى الحداثة في الشعر المعاصر ،مجلة فصول النقد األدبي ،مج ،2ع( 2د،ط)( ،د.ت) ،ص 55
3خالد سعيد :المالمح الفكرية للحداثة ،مجلة فصول النقد األدبي ،الهيئة المصرية للكتاب ،مصر ،مج ،2ع( 2د،ط) ،جوان
،1882ص .45
04
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
وأن الحداثة ترى أن مثل هذا المشروع ال يتم إال باالهتمام بالتجربة االنسانية كما
هي في لحظتها اآلنية ،فهي ترى أن اللحظة المعاشة والتجربة الحالية هي الحقيقة التي يجب
التعامل معها ضمن كامل التاريخ (.)1
أما المعارضون للجديد فهم يأبون على أنفسهم التحلي بهذه الميزة اإلنسانية
ويحاربونها حتى أنهم صاروا يحاربون أنفسهم مما أوقعهم في تناقض غريب مع الحياة التي
يحيونها والعلم الذي يدعون حمله (.)2
فهم يرون أن الحداثة نفسها تنطوي على جانب تدميري هو نواتها ومن هنا جاء
التقابل الضدي بين الثابت والمتحول (.)3
وفي هذه المقالة التي تعد المبحث الرئيسي في الكتاب قام"الغذامي" بمتابعة حقيقة
لموقف معارضي التجديد التي تناولها في ثالث جوانب أساسية.
-1-1الموقف النقدي:
يرى الغذامي أنه لم يتحقق ألي معارض وجود نظرية أدبية ذات أسس علمية موثقة
بالعلم ،ألن معارضي التجديد ليس سبب قصور في محصولها العلمي وانما ألن ذلك
استحالة عقلية فمعارضة التجديد هي معارضة لناموس الحياة إذ ان طبع الحياة التجدد
الدائم ،ورفض هذا التجدد هو رفض للحياة نفسها (.)4
ويمكن القول إن مدافعة الشاعر عن الحداثة و االختالف إنما نتيجة لغياب الحوار
الثقافي و االختالف في وسط الناقد الثقافي ،فإراده لنماذج استحسن فيها المحافظون إبداع
المجددين هو ارتداد للتوفيق بين التجديد ومعارضيه عبر صفحات التراث العربي (.)5
1ميحان البازغي ،وسعد الرويبلي :دليل الناقد األدبي الدار البيضاء ،المغرب ،ط ،4004 ،5ص .445
2ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .18
3ميحان البازغي ،و سعيد الوربيلي ،دليل الناقد األدبي الدار البيضاء ،ص .455
4ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص 40-18
5عمر زرفاوي :الغذامي ومشروع النقد األلسني ،ص .145
04
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
من األمثلة التي أوردها الغذامي لهذه النماذج هي شواهد من األدب العربي القديم ،
كالذي حكاه الطوسي ،عن أنه ق أر أرجوزة ألبي تمام ،وعلي ابن األعرابي محمد بن زياد،
يقول في مطلعها:
فظن أني جاهل من ج ـ ـ ـ ـ ـ ـهله وعـاذل عذلته ف ـ ـ ـي عذله
فطلب منه أن يكتبها له ألنها في رأيه أحسن ما سمع ،فلما أخبره أنها ألبي تمام قال:
"خرق خرق" هذه واحدة والثانية هي قصة األصمعي الذي تناقض مع نفسه عن بيتين
أنشدهما إياه اسحاق الموصلي يقول فيهما:
فيروى الصدى ويشفى الغليل هل إلى نظرة إليك سبيل
وكثيـ ـ ـر ممن تحـ ـ ـ ـ ـ ـب القل ـ ـ ـيل إن ما قل منك يكثر عندي
فقال األصمعي عنهما :لمن تنشدني فقال الموصلي :لبعض األعراب فقال األصمعي
هذا واهلل "هو الديباج الخسرواني" وحين قال الموصلي " :إنهما لليلتهما" فقال األصمعي":
أفسدتهما" وكذلك كان موقف العقاد من قصيدة للسياب قال عندها " هذا ما كنا نبغي" ولما
علما بأنها للسياب أزور " العقاد" وقال لمن أنشدها :قال " قاتلك اهلل" (.)1
كما تحدث الناقد على قضية الوزن وربطها بالشعر الحر ،وعن مهاجمة المجددين
والمحدثين على أساسها ،وفي ذلك يرى أن معارضي الشعر اليوم ينطلقون في معارضتهم
من مواقف عاطفية ال تستند إلى أي حجة أو برهان علمي وهم فئتان:
-4فئة طيبة القلب طيبة النية صاروا يخافون على اللغة العربية ،فصاروا يكدسون عليها
أطمار التاريخ كي يحفظوها من غوائل االيام.
-4فئة مغرورة:تظن أن التمسك بالقديم هو العلم وأن المجددين جاهلون وعاجزون ،وحجتهم
أنهم يرددون أن موجة الجديد خطر على العربية،وتنكر لها وتهديد لمستقبلها (.)2
1ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .44-41
2المصدر نفسه :ص 42-45
09
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
لذا إن قضية الوزن في الشعر قضية واسعة مفتوحة ليس لها حصر على الرغم من
تقعيد الخليل بن احمد لها إن أعنف تعريف للشعر هو تعريف قدامة بن جعفر بأنه " قول
موزون و مقفى" وهو تعريف جامد ومجحف في حق الشعر والذي أنكره كل ذي عقل نقدي،
()1
. ومن هؤالء " ابن خلدون والفاربي"
وأنه لمن العسير تبني تعريف شامل للشعر مهما أوتي صاحبه من الحكمة والمعرفة،
ألن الشعر كالهواء فالشعر الحر هنا يعتمد التفعيلة الخليلية ويلتزم بها وما عداه فقد خرج من
دائرة هذه الميزة ،فقيل فيه الشعر المنثور وقصيدة النثر(.)2
كما تعرض الناقد لبعض صور التحرر في الشعر العربي من تعدد األوزان في
الواحدة و ورود أيضا أوزان شعرية ،غير أن أوزان الخليل المتعارف عليها ،وعدم االلت ازم
بالعدد الثابت التفعيالت في البحر ،كما أن الشعر جاء عند العرب على تفعيلة واحدة كما
أورد الناقد قصيدة لعروة بن الورد تؤكد لنا أن الشعر الحر كشكل عروضي وجد منذ الجاهلية
فيقول في مطلع القصيدة:
يا هند بنت أبي ذراع
أخلفتني ظنى
ووترتني عشقي
ونكحت راعي تله
يثمرها
والدهر فائته بما
()3
يبقى
1ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .44-45
2المصدر نفسه :ص .48
3المصدر نفسه :ص .51
00
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
كما أنها وردت في كتب األدب على شكل قصيدة عمودية بل إن هناك من الشعر
ليس مطردا على نهج الخليل سواء ببحور أو غيرها كقصيدة أمية بن أبي الصلت ،يقول في
مطلعها:
(عيني بكى بالمسبالت أبا الحارث ال تذخري على زمعه)
(أبكى عقيل بن األسود أسد البأس ليوم الهياج والدفعة )
كل هذه األمثلة وغيرها مما أورده الناقد في كتابه ،ليثبت ان الشعراء واألدب كانوا
ينظرون إلى الوزن نظرة متحررة لم تجنح بهم إلى تقديس الشكل واهمال الجوهر فكانوا بذلك
على مستوى النظرة اإلبداعية للشعر فالوزن سمة للشعر و ليس جوهره (.)1
ومن أغاليط المناوئين للحداثة قولهم :إن الشعر الحر من صنائع االستعمار ،فهل
من دعوة إلزاحة أسماء كشوقي وحافظ ومطران والعقاد و شكري واألخطل الصغير
والرصافي والشابي وشعراء المهجر ألنهم من بالد حكمها المستعمرون ،بل إن حركة الشعر
الحر تزامنت مع فترة التحرر واالستقالل ،كما ان للشعر الحر اسهاما فعليا في توعية
الشعوب فالتنكر للشعر الحر بشبهة االستعمار رد فعل عاطفي ساذج (.)2
-2-1قصور المعرفة لدى مناوئ التجديد:
هي عدم فهمهم للجديد وقد أشار الصولي عن ذلك في كتابه عن أبي تمام وحدد
سببين من أسباب النفور من الجديد:
أ -عدم قدرتهم على فهم الجديد ،ذلك أنهم متشبعين بأشعار األوائل لكثرة روايته ووجود أئمة
قد ماشوها لهم راضو معانيها فهم يستحسنون جيدها ويعيبون ردئيها أما شعر المحدثين فلم
يذلل لهم فصعب امره وقصروا فيه فجهلوه وعادوه كما قيل أيضا :اإلنسان عدو ما جهل.
ب -استجالب الشهرة عن طريق معاداة الرواد والطعن عليهم.
1ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .54
2المصدر نفسه :ص 52-54
04
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
ومن مظاهر قصورهم وخلطهم بين األصناف المتباينة في الشعر الحديث فهم ال
يفرقون بين الشعر الحر والشعر المرسل والمنثور وقصيدة النثر وما موقفهم من الشعر
الحديث إال أنه مخالف للمعهود مما ألفوه من شعر توارثوه عمن سبقهم (.)1
والقضية في مجملها قضية حضارية لذا في الغالب األعم فإن معارضي التجديد
يقتصرون على دراسة العلوم القديمة ويكتفون بها كما ان محاربة الجديد في الفنون ترتبط
بجمود الذهن ونقص اإلطالع واالنفتاح على المعارف الحديثة (.)2
لذا فإن الشعر في حقيقته تمرد لغوي مهذب وخروج على النظام المقرر لنهج
االستعمال اللغوي العادي وهو الخيال ال الحقيقة لذلك فإن أحد الفالسفة لما قيل له " :فالن
يكذب في شعره ،قال :يراد من الشاعر حسن الكالم ،أما الصدق فيراد من األنبياء" وهذا رأي
()3
. أخذ به األصمعي وأبو العالء المعري
-3-1عدم فهم وظيفة اللغة في الشعر:
اللغة في اعتقادهم في الشعر مجرد نظم فني للكلمات والجمل حسب أنواع تفعيالت
البحر العروضي ،فهم يشترطون أن تكون اللغة مطابقة لكل المواصفات النحوية والبالغية
المتعارف عليها وهذا ضد اللغة واإلبداع ،وما الشعر في جوهره إال " صياغة خاصة للغة
والشاعر المبدع هو الذي يحسن قولبة اللغة على نهج ابداعي متميز ،حيث يرتفع عن
مستوى التراكيب الجاهزة ويتجاوز القوالب المعدة سلفا واال أصبح ناظما ال شاع ار ()4وقد
أدرك هذه الحقيقة أبو عثمان الجاحظ حينما عرف الشعر على أنه صياغة وضرب من
النسيج وجنس من التصوير".
فالتعريف يدل على أن مفهوم اللغة هي صورة للمعاني ال من حيث وجودها في
األعيان ،وانما من حيث رؤيتها في االذهان ،وعليه تصبح اللغة صورة لموقف اإلنسان من
الحياة وبه يتم االتحاد الكامل بين اللغة والشعر(.)1
ثم انتقل المؤلف للنظر في اللغة الشاعرية من زاويتين :األولى تكمن في تعامل
الشاعر مع اللغة وهو ما ال يمكن أن يكون إمالئيا إذ إن اللغة سلطانا على الشاعر وهو
سلطان يهيمن عليه أحيانا ويدفعه إلى القول ،أما الثانية وهي زاوية تتعلق بفلسفة النقد
ومفهومه من حيث النظرة الكلية إلى القضايا األدبية أو النظرة الجزئية إليها فلغة الشعر عالم
متكامل ال يمكن تفتيته إلى أجزاء وال يمكن الفصل بين ما هو لغة وما هو شعر لذلك
يستحيل النظر الجزئي إلى اللغة ومحاسبة الشاعر على المفردة اللغوية النحوية (.)2
ومن الواضح أن النقاد العرب األوائل قد أدركوا حقيقة التالحم الكامل بين الرمز
والمرموز اليه في الشعر وهو ما عناه الجرجاني في نظرية النظم (.)3
ثانــيا :العالقة بين النص والمؤلف (موت المؤلف).
تتبدي كثير من األسئلة التي يثيرها هذا المفهوم بوصفه امتدادا لمصطلح النقدي شاع
في النقد الغربي ومن هذه األسئلة :هل استوعب النقد العربي الحديث ووعينا النقدي مفهوم
"موت المؤلف" بوصفه مدخال واسعا للتعامل العلمي مع النص؟ وكيف تعامل الغذامي مع
هذا المفهوم النقدي؟
حرص الغذامي في مطالع اتجاهه النقدي على تبني الكشف عن هذا المفهوم وتقريبه
في ثقافتنا المحلية ولذ فقد كان " موت المؤلف" هاجسه األول منذ صدور كتاب " الخطيئة
والتكفير" إذ عرض له نظريا و أجراه ممارسة و أضاف اليه في كتاب " الموقف من
الحداثة" (.)4
وفي هذا المقالة تطرق الناقد الى احد اهم القضايا التي اثارت جدال واسعا بين عدد
كبير من االدباء وعلى رأسهم محي الدين محسب وعالي القريشي أال وهي مسألة العالقة
بين النص بمنشئه ،فالناقد هنا يرى أن خير وسيلة للنظر في حركة النص األدبي هي
االنطالق من مصدره اللغوي كما يشخصه "جاكبسون" في نظرية االتصال التي جاء بها
وحددها بستة عناصر تعطي وظائف اللغة كافة بما فيها الوظيفة األدبية :فالقول يحدث من
(مرسل) يرسل (رسالة) إلى (مرسل إليه) (.)1
ولكي يكون ذلك عمليا يحتاج إلى ثالثة أشياء هي :السياق والشفرة ووسيلة
االتصال ،والذي يهمنا هنا هو(الوظيفة األدبية) وذلك حين يصبح القول أدبا ،وهو تحول
فني يحدث للقول ،ينقله من االستعمال النفعي إلى األثر الجمالي ،فالرسالة كقول لغوي،
تتجه من باعثها إلى متلقيها وغايتها نقل الفكرة إلى المتلقي ،أما في حال القول األدبي فإن
الرسالة تنحرف عن خطها ،ويتحول القول اللغوي من رسالة إلى نص وال يعود هدفها نقل
األفكار أو المعاني ،بل تصبح الرسالة غاية في ذاتها ،وهو ما اصطلح عليه الناقد
بالشاعرية (.)2
لذا لقد استند الناقد الغذامي في بيانه هذا إلى نظرية تشومسكي عن االكتساب
الفطري للغة وهي التي تؤسس القدرة على تمثيل االبداع بينما نوعية االكتساب تحدد الجنس
األدبي شعر أو قصة ومن هنا تأتي عالقة المؤلف بالنص بحيث يلتقط الشعوريا أجمل
سياقات اللغة فيحولها من حدس جمالي إلى كلمات شاعرة ويتحول الحدث حينها إلى لغة
والتاريخ إلى قصيدة أو قصة والنص بعد إنشائه يستقل لوجود خاص به ويستطيع ان يكون
ح ار تاما عن صاحبه ومن هنا نعلنه موت المؤلف (.)3
1محمد عزام :تحليل الخطاب األدبي على ضوء المناهج النقدية الحداثية ،منشورات اتحاد الكتاب العرب ،دمشق( ،د.ط)، 4005 ،
ص .115
2المرجع نفسه :ص .115
3ينظر عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص86-87
04
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
لـكن السـؤال الـمشروع هنا هـو :هـل يمكن تطبيق هذا المفهوم على القرآن الكريم؟
لذا تعود فكرة موت المؤلف إلى جذور فلسفية وفكرية ترتبط بالظروف الموضوعية
التي عاشتها أوربا بعد ثورتها على الكنيسة فقد أعلن الفيلسوف نيتشة " "Nietzsheمقولة موت
االله ووجدت هذه المقولة صدى واسعا في أوساط النقاد األوربيين الذين يتوقون إلى تدمير
االتجاه الغيبي في تفسير النصوص وافساح الطريق امام ظهور االنسان بكل مقدراته البشرية
التي يدركها العقل وما عدا ذلك فهو ميت وتبعه النقاد العرب من المحدثين دون المام
بجذورها الغربية و الرؤى الفلسفية التي صاحبت نشوء الحداثة في أوربا (.)1
ولقد انتقلت فكرة موت اإلله إلى النقد األدبي فتبناه النقاد الغربيون وعلى رأسهم روالن
بارت " "Roland Borthesالذي أعلن " موت المؤلف" وتبعه النقاد العرب من المحدثين دون
اإللمام بجذورها الغربية والرؤى الفلسفية التي صاحبت نشوء الحداثة في أوربا (.)2
أما فكرة الموت عند الغذامي فهي ال تعني اإللغاء بقدر ما تعني نوم المؤلف على حد
قوله " إن موت المؤلف هنا ال يعني اإلزالة واإلفناء ولكنه يعني تمرحل القراءة موضوعيا من
حالة اإلستقبال ثم إلى التفاعل وانتاج النص ،وهذا يتحقق موضوعيا بغياب المؤلف فإذا ما
تم انتاج النص بواسطة القارئ أو لنقل_ إعادة انتاجه من باب تلطيف العبارة_ فإنه من
()3
ومعناها هنا الممكن حينئذ أن يعود المؤلف إلى النص ضيفا كما يقول " روالن بارت"
ان الموت هو ارجاء وتعليق للعالقة بين الكاتب ونصه كما اختار "الغذامي" نصوصا شعرية
في أكثر من موقع إليضاح هذا المفهوم النقدي المنقول ( موت المؤلف) كل ذلك حتى
يتمكن من تبييئ المفهوم وكانت انطالقته مع البيت الذي يقول في المتنبي
ويسهر الخلق جراها ويختصم أنام ملء جفوني عن شواردها
1عبد الخالق العف :موت المؤلف منهج اجرائي ؟ أم اشكالية عقائدية ،مجلة الجامعة اإلسالمية ،سلسلة الدراسة اإلنسانية ،مج،14
ع ،4جوان ،4008ص .55
2المرجع نفسه :ص 55
3عبد اهلل محمد الغذامي :ثقافة األسئلة ،دار سعاد الصباح :الكويت ،ط ،1885 ،4ص .405-402
03
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
فقد منح الغذامي هذا البيت اشارات نقدية مهمة إذ كانت اإلشارة إليه في كتابين
سابقين حين يرى في اإلشارة النقدية األولى أن الشاعر يعلن عن (نوم المؤلف) باعتباره
صورة من صور موت المؤلف أي تعطيل حيوية دوره والنص يصبح آنذاك أث ار معلقا واشارة
حرة" (.)1
وهذا هو النص ومعه القارئ يسهر ويخاصم جاريا وراء الشاردة التي ال يلحق بها
والشوارد هنا هي الكلمات ،كما ينص البيت السابق لهذا البيت ( وأسمعت كلماتي من به
صمم) وفي اعتماد النص على نفسه ( ال على صاحبه أو نية المؤلف) كان المتنبي يقول(
ابن جني أعلم بشعري مني) وهذا تعليق لدور المؤلف واسناد الدور إلى القارئ ليفسر النص
ويفك شفرته (.)2
ثم يستدرك الناقد على وظيفة المؤلف التي تحتفظ بجانب جمالي مهم في استقامة
تفسير النص فيتحدث عن الحركة األولية من المبدع إلى اللغة وهي حركة وجود أما الحركة
الثانية من حركة مستقبلية نحو السياق األدبي وهي حركة هوية ومصير وهذا يعني أن إتقان
السياق الشعري للجنس االدبي مهم ألي نص أدبي وهو مهم للقارئ والمبدع على حد سواء
وينقسم السياق إلى :سياق أكبر وهو لغة الجنس األدبي التي تكونت من خالل نمو رصيد
هذا الجنس في الموروث األدبي ،ويقابله السياق األصغر وهو مجموع النتاج األدبي لذلك
األديب (.)3
ويتوقف الفهم الصحيح للنص على مدى معرفة هذين السياقين وعلى التميز بين
مصطلحي اإليحاء واإلسقاط فاإلسقاط هو أي معنى يجلبه القارئ إلى النص بدعوة توافقه
مع ما في ذهنه ،لذا فهو ذو تغير نظري حيث يتغير حسب تطور ثقافة المعرفية التي ركن
اليها فمثال يفسر"البكاء على األطالل" الوارد في قصائد امرئ القيس على أنه رمز لعقم
الرجولة وبناءا على مفاهيم علم النفس الفرويدي المتعلقة بإسقاطات األحالم والفن لما في
العقل الباطن ولما في اإلنسان الطفو لي أما االيحاء فهو الداللة الحرة لإلشارة بناء على ما
تؤسسه سائر االشارات في النص (.)1
وهكذا تحددت القيمة الفعلية وهي النص والقارئ اللذان بهما يتحقق فعالية القراءة و
تتحقق معه فكرة غياب المؤلف وال يتم استحضاره إال في عملية التفسير ،ويتحول بذلك
النص إلى نوع من اإلشارة الحرة التي يفسرها القارئ تبعا لرؤاه ال تبعا لنوايا المؤلف ،زمن
هنا تكتمل العناصر األدبية الثالث ( النص +المبدع +القارئ) ووجودها بعناصرها أساسي
لصحة القراءة والتفسير اإلشاري (.)2
ثــالثــا :الداللة األدبية في النص:
لقد اعتمد الناقد المنهج البنيوي البعيد عن تأثر ذات االنسان الفاعلة والتي هي
حصيلة التفاعل العام والشامل مع الوجود بذلك أصبح المنظور البنيوي للوجود ال عالقة له
بكينونة اإلنسان التاريخية واالجتماعية بل العالقات اللغوية الشكلية التي تعتمد المنهج
()3
الجمالي المجرد لألشياء و بالتالي تتشكل داللتها ذاتيا دون فعل اإلنسان
وفي تناوله لهذا الموضوع الذي جاء ردا على مقالة عالي القرشي الذي أنكر على
الغذامي وجود علم المضمون ،تدرج الناقد عبر اجزاء نصه ليؤسس للمجتمع البنيوي المتبع،
ففي رأيه ان تحول الخطاب اللغوي إلى نص جمالي أو باألحرى تحول القول إلى بيان
يستلزم انحراف الرسالة اللغوية من وظيفتها األساسية إلى وظيفة جديدة على اعتبار حركة
عناصر االتصال الستة (مرسل ومرسل إليه ورسالة وشفرة وسياق ووسيلة اتصال) ( )4وعليه
فإنه تصبح للغة وظيفتين احداهما نفعية واألخرى جمالية وتتم الوظيفة األولى يشترط فيها
1ابراهيم محمود خليل :النقد األدبي الحديث ،من المحاكاة إلى التفكيك ،ص .448
2ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .84
3عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل :الغذامي الناقد ،ص 480
4ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .84
44
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
أما الداللة الضمنية فهي تتحرك على مستويين أحدهما سماه جاكبسون المجاورة
()1
فاختيار كلمة ما يتحدد حسب عالقاتها داخل النص األدبي فإذا كانت والثاني االختيار
عالقات االختيار ذات طبيعة ايحائية فهي تقوم على إمكان االستبدال على محور عمودي
فكل كلمة في أية مجلة هي اختيار حدث من سلسلة عمودية من الكلمات التي تصح ان
تحل محلها إما للتشابه النحوي وهذه عالقات مخزونة في ذاكرة اللغة وتتداخل في حالة
االبداع وفي حالة التلقي (.)2
أما المستوى الثاني فهو أفقي ويقوم على عالقات التأليف التي تعتمد التجاوز بين
الوحدات حيث تكون صلة تآلف تبادلية أو صلة تنافر مما يجعل التأليف ممكنا أو غير
ممكنا ،ولهذا فإن الكلمة تؤسس وظيفتها بعالقات وبمجاورتها مع ما سبقها ،وما لحقها من
كلمات ،وهذه العالقات هي عالقات حضور في الجملة على عكس عالقات االختيار فهي
()3
. عالقات غياب
كما نجد الناقد استعمل مصطلح استعارة النص والذي يعني عنده تحول النص من
شكله الداللي إلى العادي الخطابي إلى شكله الجمالي الفني ،وهو تطور االستعارة الجملة،
وذلك أن االستعارة في الجملة تعتمد على التشبيه في تكوينها وتعتمد على القرينة في فك
رموزها فإن الداللة الضمنية تعتمد على القرينة في استنباط مكوناتها (.)4
كما تحدث أيضا الناقد عن مصطلحي اإليحاء واإلسقاط ،فاالسقاط ال يؤدي إلى تعدد
المدلوالت وال يفتح النص على جمالياته المتعددة ،ألنه انعكاس لثقافة خارجية ليست من ذات
النص ،وهو حادث وطارئ على النص يسقط عليه ،وال ينبع منه بينما يكون االيحاء فتحا
للنص على حوار مع اللغة ،فهو انبثاق ينبع من النص يرتكز على قرائن داخلية تكونها
عناصر النص من خالل سياقها الداخلي ،وهذا يعني انه يسمح بمساءلة الخطاب واستنطاقها
1ابراهيم محمود خليل :النقد األدبي الحديث ،من المحاكاة إلى التفكيك ،ص .488
2محمد عزام :تحليل الخطاب األدبي ،ص .118
3المرجع نفسه :ص .118
4ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .88
49
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
واستقرائه للوصول إلى الدالالت المحتملة وفي األخير يشير الناقد إلى أن العالم الداللي
ليتش قد استنبط سبعة أنواع للمعاني ،واحد منها يمثل الداللة الصريحة بينما الستة األخرى
هي أنواع الداللة الضمنية (.)1
إن مطلع على كتابات الغذام ي يالحظ ان تناوله للقضايا النقدية ال يتبنى فيها منهجا
محددا وثابتا بل تراه يعرف بثالثة مناهج نقدية دفعة واحدة البنيوية والسوسيولوجية
والتشريحية وكأنه يريد أن يسوغ لنفسه منهجا جامعا أو لعله لم يميز بينها كمناهج نقدية
مستقلة عن بعضها لذا نجده يقتبس في آن واحد من جاكبسون اللغوي ومن روالن بارت
البنيوي ومن ليتش التشريحي على الرغم من اختالف مناهجهم النقدية (.)2
رابــعا :هل القارئ منتج للنص أم مستهلك له
إن النص بالغ األهمية والقيمة ذلك ما يفتأ الغذامي يؤكده وهي أهمية ترجع – عنده-
إلى األثر الذي يحثه النص أو يوقعه ،فالنص ال يكتب إال من أجل األثر والنص هو األثر
والشعر برمته أو هو بكل نصوصه أثر ال معنى ،و تحدد قيمة النص من الشعر ال في ما
يقوله ولكن في ما يوحى به أو في ما يستخدمه من جمالية ترتفع باللغة عن المعتاد
والمألوف (.)3
ويعرف الغذامي النص على أنه " بنية ذات نظام و أنه بنية لغوية مفتوحة البداية
ومعلقة النهاية وأنه بنية شمولية لبنى داخلية من حرف إلى الكلمة إلى الجملة إلى السياق
إلى النص ثم إلى النصوص األخرى "...وباإلجمال فإن النص ":تشكل لغوي ينم عن غير
ما يقول ويبطن أكثر مما يظهر " (.)4
كما أنه قد ركز الناقد في هذا المقال على العالقة بين القارئ والنص فبعد أن أشار
إلى حركتي التجلي للنص في االختيار والتأليف وأن االبداع يكمن في التأليف وأن اإلبداع
يكمن في التأليف ال في االختيار تحدث عن أهمية القراءة على أنها فعالية خطيرة تمتد
لتشمل النص كله فهي التي تقرر مصيره وهي التي توجده أوال ،وهي التي تنعشه أو نفقده
نظارته" (.)1
وكذا فقد ظل ينظر إلى القراءة على أنها هي التي تحدد شفرة النص هي التي تق أر
حاضر النص وتق أر منه النص الغائب وهي التي تبحث في النص عن أثره وتتأمل عالئق
مكوناته باختصار فإن القراءة الصحيحة هي التي تفكك النص وتنقضه لتعيد بناءه
وباختصار أشد فإن القراءة التي يميل إليها الناقد هي تلك التي تقوم على أسس نظرية
مفتوحة األبعاد وقوية الركائز والجذور(.)2
بما أن النص وجود مبهم ال يتحقق إال بالقارئ فإن أهمية القارئ تبرز خطورة القراءة
كفعالية أساسية لوجود أدب ما ،وكتقرير مصير بالنسبة للنص إذ يتحدد مصير النص حسب
استقبال القارئ له (.)3
يختلف مفهوم القراءة باختالف النقاد وتطور المفهوم ذاته وقد تتعدد القراءات لدى
الغذامي ،وقد تختلف هذه القراءات الختالف مرجعياتها وقد يورد من بينها أنماط القراءة لدى
تودروف مقسمة كالتالي:
أ .قـ ـراءة الشرح
ب.ق ـراءة إسقاط
()4
ت .ق ـراءة شاعرية ""Poetics
وبتعبير آخر هي التي يتجاوز فيها تحليل الشفرة إلى تعبئة فراغات ،والتواصل من
خالل ما تم تفسيره وتذوقه وادراكه إلى ما هو مضمر في النص(.)1
ويرى الناقد أن الشاعرية سواء أكانت منحى في النص أو في قراءته ،فإنها تفضي
إلى تميز النص من الشعر عن النص من الالشعر وهي التي تفضي إلى معرفة أسرار هذا
النص واستكشاف عوالمه وهذا فعل ال يمكن ان يقال عنه انه سيميولوجي خالص إنما هو
مسلك مفتوح على ذلك كله وذلك هو المسلك الذي يؤثره " الغذامي" ويقول عنه في العبارة"
ولذا فإني أسمي منهجي بالنصوصية أو النقد األلسني (.)2
إن فعالية القراءة تجعلها ذات سلطة على النص وتمنحها قيمة خطيرة وهذا يوقع في
مشاكل تأتي من جرأة القراءة على النصوص فقد يكونون غير مؤهلين ألداء هذا الدور وعليه
ما هي العالقة بين القراءة كتذوق والقراءة كعلم؟ وهل القارئ األدب متذوق أم عالم؟ وما هي
()3
. صلة ذلك بالقراءة الشاعرية؟
وجواب عن هذه األسئلة هو ال يختلف فيه اثنان فالقراءة األدبية قراءة تذوقية
انطباعية بالدرجة األولى والحكم على النص هو حق طبيعي أولى للذوق األدبي السليم
وعالقة المنهج النقدي هي عالقة مصادقة فالجميل يتقرر من خالل التلقي المباشر ويقرره
القارئ المدرب أدبيا على القراءة التذوقية (.)4
ولعل ما جاء به بيتيت " "Pettitهو الحل األفضل إذ قال بمبدأ ( التوازن االنعكاسي)
ا لذي يقوم على حتمية التوازن بين البنية والذوق الجمالي ولكي تكون البنية خاصية أسلوبية
()5
. البد أن تكون انعكاسا للحس الحدسي الذي نشأ عند القارئ نتيجة استقباله لها
1ابراهيم محمود خليل :النقد األدبي الحديث ،من المحاكاة إلى التفكيك ،ص .488
2عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل :الغذامي الناقد ،ص 208
3محمد عزام :تحليل الخطاب األدبي ،ص .144
4ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .108
5محمد عزام :تحليل الخطاب األدبي ،ص .144
44
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
ومن هنا تأتي الشاعرية التي هي اتحاد الذوق السليم مع المعرفة المكتسبة لبرهنة
الجميل وتعليل الذوق (.)1
ومهما يكن فإن القراءة الشاعرية تبدو أمام الغذامي كأجمل ما قدمه العصر من
إنجاز أدبي نقدي فهي تصلح لقراءة كل النصوص وال يتمرد عليها أي نص وهي من ناحية
ثانية ترسم مجاال تاما للتركيز عند النص وتفتح من جهة ثالثة بابها للدور اإلبداعي للقارئ
فتحفظ للنص قيمته الفنية الجمالية المطلقة وتتحول بالقارئ من مستهلك للنص إلى صانع
للـنص ومنتج له (.)2
ومن البديهي أن يختلف قارئ عن آخر باختالف الظروف والمعطيات والمواهب
والمكتسبات والزمان والمكان ولكن المتفق عليه أن للزمن أيضا بصماته في اإلنسان
فالظروف التي يعيشها القراء في هذا العصر غير الظروف التي عاشها قراء العصور
السابقة وهذا العصر هو عصر القراءة وقد مهد لهذا العصر انتقال السلطة من يد المؤلف
إلى يد القارئ وأصبح القارئ هو الذي يتحكم في معنى النص(.)3
إن النص األدبي ليس عمال معزوال ال يقف عارضا لنفسه ومعناه على القارئ و
كأنما القارئ ليس سوى مستهلك للنتاج األدبي بل األمر على عكس ذلك فالنصوص األدبية
ال تتجه إلى الخواء كما أنها لم تأت من الفراغ والقراءة لم تعد فعالية سلبية ال تتجاوز التلقي
اآللي من قبل القارئ وكأنما هو وعاء ال دور له سوى استيعاب ما يصب فيه إن القارئ
الح قيقي لم يعد يقبل هذا الدور السلبي بل أصبح يمثل حصيلة ثقافية واجتماعية ونفسية
()4
تتالقى مع كاتب هو مثلها في مزاج تكونية الحضاري والنص هو ملتقى هاتين الثقافتين
1ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .108
2نبيلة ابراهيم :القارئ في النص ،مجلة فصول النقد األدبي ،مج ،2ع( ،5د.ط) ،جوان ،1882ص .101
3عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل :الغذامي الناقد ،ص .210
4خليل موسى :آليات القراءة في الشعر العربي المعاصر ،ص .185
44
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
ولكي يتحقق عصر القارئ يشير به "بارت" فانه يفتح لهذا العصر مجال النص بان
يعرض نوعين من النصوص هما (النص القرائي) وهو للق ارءة فقط وقارئه ال يضيف اليه
شيئا بينما النص الكتابي الذي يدعو اليه بارت يمثل (الحضور االبدي) وقارئه ليس مستهلكا
()1
للنص وانما هو منتج له والقراءة فيها إعادة كتابة له والقارئ فيه ال يق أر وانما يفسر ويكتب
على أي فإن النص وقراءته هما هاجس الذي ظل يشغل بال الغذامي ويؤرقه فاألدب
كله نص وقارئ واذا كان النص في مجمل ما قد قاله وفي تفاصليه ال شأن له إال بقراءته،
()2
فقد شاء الغذامي أن يكون للنص في ذلك القارئ الذي يمده بكل أساليب الحياة
خـامـسا :أزمة اإلبــداع والنقد :
يعتقد الكثير من المعاصرين ومنهم نقاد أكاديميون رصينون ،نظروا في خريطتنا
العربية القديمة نظرة بانورامية والحظوا بعين ثاقبة أنه كان يستحيل على النشاط النقدي
العربي القديم ان يتقدم خطوة إلى األمام ليصبح نقدا منظما بعد أن كان النشاط مجموعة من
النظرات التركيبية التعميمية ومجموعة من األحكام االنطباعية المتناثرة لوال وعي أجيال من
النقاد الكبار بالمفارقات الكبرى التي جدت في حياة الناس وهي هنا مفارقات على المستوى
األدبي والثقافي ولوال وعيهم أيضا بأن النقد لم يواكب األدب مواكبة تعكس تلك المتغيرات
التي حدثت في الخطاب الشعري على وجه الخصوص(.)3
والغذامي بدوره أحد أبرز النقاد المعاصرين الذين يعون هذه المفارقات الكبرى في
حياتنا الثقافية المعاصرة ،ويمثل تماما ما يعاش حاليا من أزمة حقيقية على مستوى الثقافي
والفلسفي وبالتالي على المستوى النقدي والسؤال الذي يمكن أن يطرح وهو ما يشكل صلب
الموضوع ،وهو أيهما يعاني أزمة؟ اإلبداع أم الثقافة أو أنه يتوجه إلى مقولة تجمع هذين
()4
. القطبين كأن يطرح التساؤل :هل هناك أزمة إبداع ثقافي؟
لذا فإنه قبل اإلجابة عن هذا السؤال البد من تحديد ما يقصد بـ " اإلبداع" أوال وما يقصد
بـ "أزمة اإلبداع" ثانيا يتلون معنى كلمة " اإلبداع" بلون الحقل االيديولوجي الذي تستعمل فيه،
ففي الحقل الديني الميتافيزيقي ،تعني كلمة "إبداع" الخلق من عدم أي اختراع شيء ال على
مثال سبق وهو لهذا المعنى خاص باإلله ،ال يقال إال عنه (.)1
والحديث عن "أزمة اإلبداع" ال بد أن ينصرف إلى الجانبين معا :الجد واألصالة أو
االكتشاف والقابلية للتحقق هذا من وجهة ،ومن وجهة أخرى فإذا فهمنا األزمة على أنها حالة
من التوقف والتدهور تصيب كائنا ما ،ماديا كان أم فكريا لذا فإن "أزمة اإلبداع" أصبح حالة من
التوقف والتدهور على صعيد الجدة واألصالة أي حالة مت التكرار واالجترار الرديئتين(.)2
أما عن وجود "أزمة إبداع ثقافي" بمعنى فلسفة المرحلة فهذا صحيح في نظر الغذامي،
ذلك أن العالم الغربي لم يمر بفترة تاريخية ضائعة الهوية الفكرية وليس له فلسفة تميز ثقافته،
وهذا يؤدي بالضرورة إلى أن ثقافتنا ستكون اعتباطية ذات شكل تراكمي يعتمد على االجتهاد
الفردي ومن هنا فإن الثقافة أيضا هي أزمة بالنسبة للغذامي(.)3
ومن جهة أخرى فإن الناقد يشيد بما لإلبداع الشعري وما يشهده من تحقق إبداعي مميز
فهاهو ذا يقيم مضمونا تصوريا من المقارنة بين الشاعر أحمد شوقي الذي يمثل الثالثين سنة
األولى من القرن ( )4394-4344لقد كان مبدعا متمي از لما قدم من إضافات للموروث أما
الشاعر محمود درويش كممثل للثالثين األخيرة من هذا القرن وهما يمثالن حالتين من حاالت
اإلبداع يقومان كشاهد يستضاء به بلغة واحدة وعلى الرغم من كل عوامل االتفاق والتماثل
بينهما فإنه يوجد بينهما من االختالف بين تجربتهما ،ما يحول التمايز بينهما إلى قوة ذات سمة
تجاوزيه خارقة (.)4
1محمد عبده الجابري :أزمة اإلبداع في الفكر العربي المعاصر ،مجلة فصول النقد األدبي ،مج ،2ع ،2ص .108
2المرجع نفسه :ص 108
3ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .155
4المصدر نفسه :ص .152
44
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
لذا فإن االبداع الشعري نما في األربعين سنة ( ما بين )4344 -4394نمو جعل
شاعر الثالثنيات ساحقا في قدمة إذا ما قيس بشاعر السبعينيات ( وما بعدها) لقد كان
بمقدور محمود درويش أن يبكي بيروت كما بكى أحد أسالفه األندلس يقول:
فال يغر بطيب العيش إنسان لكل شيء إذا ما تـم نقصان
وهو أسلوب يتقنه شوقي ،لقد أثبت ذلك في بكائه على دمشق:
ودم ـ ـع ال يكف ـ ـ ـ ـ ـ ـكف يا دمشق سالم من صبــا بردي أرق
ولكن درويش لم يفعل مثلهما على الرغم من تشابه الجراح ألن أداة اإلبداع عنده قد
نمت وتطورت عنهما (.)1
لذا فإن األزمة ليست في اإلبداع األدبي ولكنها في الثقافة وفي الفلسقة وهي في النقد
باعتباره النقد فلسفة ،حيث اعتبر النقد الوسيط بين النص والقارئ وهي التي تبناه نقاد
الخمسينيات ،ومازال بعضها في الساحة يمارسها وهذا انحرف بالنقد من مستواه الفلسفي إلى
المستوى التعليمي وهو ما جعل النقد في المراحل الماضية اجت ار ار كالميا لمقوالت خارجة عن
روح اإلبداع وحقائقه الجوهرية الكلية (.)2
لذا من خالل هذا السقوط يبرز النقد األلسني كما يراه الغذامي ليعود الخطاب النقدي
ويخرجه من هامشياته ومن قصوره الذي لم تستطيع حركات نقدية حديثة أن تجنبه إياه(.)3
ســادسـا :محمود أمين العالم :هذا األلسني المتورط :
يعتبر محمود أمين العالم أحد الرواد النقاد العرب المتميزين باهتماماتهم المتفتحة على
الحركة الثقافية العالمية والمنظرين األساسيين للنقد األدبي االجتماعي في العالم العربي حيث
سعى باستمرار إلى الدفع بالمسار الثقافي العربي نحو آفاق تساءل الحداثة والممكن المعرفي
وتعمل على ربط القيم الجمالية واألعمال الفنية بالسياقات االجتماعية و التاريخية لكن من
1ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .155-152
2المصدر نفسه :ص 154-155
3عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل :الغذامي الناقد ،ص .151
44
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
منظور يعمل على تجاوز المنظور و الرؤية اآللية النعكاس الواقع االجتماعي في النصوص
األدبية (.)1
كما تعد آراء محمود أمين العالم في مجال الدراسات النقدية العربية إسهاما جادا في
بحث المناهج النقدية العربية الجديدة وحاولت تأطير تصور جديد للممارسة التطبيقية للنقد
من منظور سوسيولوجي يتقاطع مع اإلرث البنيوي التكويني وسوسيولوجيا النص وفي كتابه
بعنوان" ثالثية الرفض والهزيمة" الصادرة سنة 4344والذي تناول فيه بالدراسة النقدية ثالثية
صنع اهلل ابراهيم (تلك الرائحة ،نجمة أغسطس ،اللجنة) مستندا إلى الخلفية الفلسفية التي
وفرتها المادية الجدلية من جهة ومستفيدا من مصطلحية النقد البنيوي و البنيوي التكويني في
جانب دراسة من جهة أخرى لذا يعتبر ايضا العالم أحد النقد اإليديولوجي في الخمسينات(.)2
لقد تعرض الغذامي لدعاوي محمود أمين العالم في كتابه " ثالثية الرفض والهزيمة"
وقد جاء ذلك في ست مقاالت والمقاالت توضح أبعاد النقد األلسني و ما يقابله من مناهج
والسيما االجتماعي وهذه المقاالت هي:
-4-4من نقد اللحظة إلى نقد اللحظة:
باعتبار النقد األدبي مجال التخصص الدقيق للناقد الغذامي ،فإن المنهج ينعكس في هذا
()3
يقول :ولقد جاءت هذه المقاالت استجابة ألسئلة المجال بشكل حيوي وفعال إلى أبعد حد ممكن
علي منذ صار مشروعي الثقافي مرتبطا بمنهجية نقدية واضحة المعالم ،وتقوم هذه المنهجية
تتوارد َ
على ( النقد األلسني) أو ( النصوصية) معتمدا بذلك على ما يعرف بنقد ما بعد البنيوية وهو
عندي نقد يأخذ من البنيوية ومن السوسيولوجية منظومة من المفاهيم النظرية واإلجرائية تدخل كلها
تحت مظلة الوعي اللغوي بشروط النص وتجلياته التكوينية والداللية (.)4
1عمر عيالن :النقد العربي الجديد ( مقاربة في نقد النقد) ،منشورات االختالف ،الدار العربية للعلوم ناشرون ،الجزائر ،ط(،1د.ت)،
ص188
2المرجع نفسه :ص 180
3عبد الرحمن بن اسماعيل السماعيل :الغذامي الناقد ،ص .44
4عبد اهلل محمد الغذامي :ثقافة األسئلة ،ص.10
44
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
تناول الغذامي مصطلح "نقد اللحظة" على أنه نقد حيث المناسبة والظروف اآلني ولم
يكن نقدا منهجيا يعتمد على أي نظرية نصوصية ،وانما كان يعني بالمعاني الظاهرة للنص
مهما كانت ساذجة أو بسيطة وقد استدل على ذلك بقول الناقد محمود امين العالم حينما قال
()1
قد طغت على كثير من تطبيقاتها العناية بالداللة عن مرحلة الخمسينيات بأنها
والمضمون نتيجة لبعض المالبسات ،بل اللحظات التاريخية والسياسية واالجتماعية التي
كانت تحتدم بها تلك المرحلة (.)2
كما يرى الغذامي ان العالم في قوله هذا يركز بصورة اساسية على نقد المنهج البنيوي
الذي يعده قاصار عن تمثيل االبعاد الحقيقية للصنيع االدبي ،ويقلص التجربة االدبية في
مجالي االبداع والنقد الى مجرد نموذج واحد منغلق وهو امر غير ممكن في نظره-العالم –
ويقدم بهذا الشأن اربع مالحظات تؤشر على محدودية النمط البنيوي اذا اعتمد بمفرده في
()3
. الدراسات النقدية
أ -أن النموذج البنيوي ينبغي الى أن يفرض على االعمال االدبية نسقا او نموذجا مسبقا هو
المعيار الذهبي لألدبية األدب ،والذي يتناقص مع االبداعية في العمل األدبي ،وهذه
االبداعية ال سبيل إلى تحديدها في شكل نموذجي مطلق.
ب -ان هذا المعيار النموذجي لن يستطيع التمييز والمفاضلة بين األعمال األدبية كما أن
المعياري يساوي بين األعمال األدبية مهما كانت قيمتها اإلبداعية.
ت -أن النموذج البنيوي المعتمد نظ ار العتماده على النسق األلسني ،يخضع التعبير
االبداعي لقواعد البنية اللغوية أساسا ،كما أنه يهمل خصوصيات األجناس األدبية.
1ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .115
2محمود أمين العالم :ثالثية الرفض والهزيمة ،دار المستقبل العربي ،بيروت ،ط ،1885 ،1ص 10
3المرجع نفسه :ص .12
49
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
ث -إهمال الدراسة األدبية للداللة الكامنة في النص سواء في بعدها التاريخي األدبي أو في
سياقها التاريخي االجتماعي والتركيز على الدراسة النصية الداخلية وحدها بل حتى في اطار
هذه الدراسة ستقف بالضرورة عند الحدود الوصفية الشكالنية(.)1
هذه المعطيات المنهجية في نظر أمين العالم هي المبرر الذي أدى إلى القصور
المنهجي للبني وية في مجال النقد األدبي الذي صار بحثا جزئيا موضعيا وصفيا في مطابقة
النصوص مع نموذج محدد سلفا (.)2
كما يرى الغذامي أن محمود أمين العالم ال يأخذ من اتجاهات النقد األلسني إال ما
سماه بالهيكلية ويقصد به البنيوية في هذا خلط ألن الهيكلة تقابل الشكلية""Formalisme
بينما البنيوية ترجمة " "Structuralismeوهاتان مدرستان متمايزتان وان جاءتا معا تحت
مظلة األلسنية كما أن البنيوية تعمد إلى فحص النص من خالل أبنية الصياغة كوحدات
فنية تقوم كعناصر متمايزة تشتبك مع بعضها في عالقات وهذه العالقات هي ما يؤسس قيمة
هذه الوحدات وتشكل بالتالي داللتها الكلية ،أما الشكلية فتعني بالخصائص الجمالية ألسلوب
النص وهذا يتكامل مع اتجاه البنيوي (.)3
وال ريب أن هذا الخلط لدى أمين العالم بين هاتين المدرستين هو ما أدى به إلى
الظن بأن البنيوية تعني بالشكل فقط وتغفل الداللة والمعنى في العمل األدبي اإلنساني عامة
والدليل على ذلك أنه فقد نص في حديثه هذا على أسماء رواد البنيوية مثل ليفي شتراوس
وروالن بارت ولوال هذا التصريح بهذه األسماء خاصة لظننا أن العالم يتكلم عن الشكلية
وليس عن البنيوية وروالن بارت هو صاحب فكرة الداللتين المتالزمتين في النص األدبي
وهما الداللة الصريحة والداللة الضمنية ومعنى ذلك أن كل داللة صريحة تتكون من ثالثة
عناصر الدال والمدلول والداللة ،وكذلك هو الحال بالنسبة للداللة الضمنية (.)4
كما استعان الناقد بفكرة السياق عند جاكبسون والتي تقوم على أساس " المرجع"
والسياق في األدب يمثل وضع الحاالت التي جاء القول ليعبر عنها والمرجع في السياق هو
الوظيفة اإلرجاعية وهي قدرة االشارة على التذكير بشيء غير ذاتها (.)1
فهدف الغذامي بحسبنا أنه حاول أن يفند ما نسبه أمين العالم من تهمة مربوطة باسم
روالن بارت باعتبار ان الموروث الفكري لبارت يؤكد على اهتمامه بالدالالت الكلية ذات
الطبيعية الشمولية في اللغة وفي المجتمع بإضافة إلى جاكبسون وروالن بارت نجد ليفي
شتراوس الذي كان شديد االهتمام بدالالت األشياء وكان يعالج قضاياه معالجة بنيوية تعتمد
على النوى األساسية التي تفرز تشكيالت نموذجية في تجلياتها اللغوية وفي فعلها
الحضاري(.)2
لذا تعتبر أن البنيوية منهج يسعى إلى توحيد العلوم في نظام للتصور الشامل كحل
لمشكلة العالقة بين الذات اإلنسانية وتصوراتها الخاصة وبين األنظمة التعبيرية مع عوالمهم
الموضوعية لذا فهو هنا ينفي تهمة إغفال الداللة عن البنيوية ويسقط دعوى األستاذ
العالم(.)3
1ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .112
2المصدر نفسه .118 :
3المصدر نفسه :ص .118-118
4عمر عيالن :مقارنة في نقد النقد ،ص .185
44
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
وقد تحدث العالم في كتابه ثالثية الرفض والهزيمة على فكرة النموذج الواحد التي ترى
األعمال األدبية كافة نسقا نموذجيا محددا تخضع له بناءا وتفسي ار حسب ما فيها من انماط
لغوية يقوم الدارس برصدها رصدا إحصائيا شامال (.)1
ان االعتراض الذي لقيه أمين العالم من قبل الغذامي هي حول زعمه أن هذه الفكرة
هي مفهوم بنيوي وال شك أن األستاذ العالم يخلط هنا بين البنيوية وبين ما يسمى باألسلوبية
الوصفية وهذه األخيرة هي ممارسة نقدية وقع فيها بعض األسلوبين الذين اعتمدوا على نظام
الرصد اإلحصائي لكل أبنية النص وعلى رأسهم جاكبسون (.)2
ولقد تصدى النقاد األلسنيون لنهج جاكبسون الوصفي منتقدين القتصار عليه مسلمة
مسبقة أن األبنية تفسر سر اإلبداع ،مما يعني أن األبنية ال تسبق اإلبداع وليست سببا له
ولكنـها نتـيجة له (.)3
وللخروج من هذه االشكالية على حد قول الغذامي هو ما ذكره " بيتيت" في مبدأ
التوازن االنعكاسي وهو مبدأ يقوم على حتمية التوازن بين الذوق الجمالي وبين البنية أي أن
البنية لكي تكون خاصية أسلوبية ال بد أن تكون انعكاسا للحس الذي نشأ عند القارئ كنتيجة
الستقباله لها ،هذا المبدأ يؤسس القراءة على أنها أصل ينطلق منه التحليل ،هذا الموقف
الذي أخذ به " ليفي شتراوس" أستاذ البنيوية في فرنسا حين قال " إن هدف البنيوي أن
يكشف لماذا األعمال األدبية تأسرنا" أي أن األسر يقع أوال ثم تتبعه عملية اكتشاف أسباب
هذا األسر (.)4
1ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .141
2المصدر نفسه :ص .141
3المصدر نفسه :ص .145-144
4المصدر نفسه :ص .145
44
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
وليس من أحد في مدارس النقد األدبي كلها بأبعد من " روالن بارت" عن تهمة
النموذج الواحد ،ويكفي ذلك أن من مبادئه األساسية مبدأ إلغاء المعنى الواحد ألن النص
عنده ذو طبيعة جماعية وكلما زادت جماعية النص تضاءلت فيه صفة النص المكتوب قبل
القراءة أي أن القراءة هي التي تصنع النص وبالقراءة تتحقق المعاني بواسطة أثر نظامها(.)1
لذا ففي ختام هذه المقالة نجد أن الغذامي قد تصدى ألمين العالم الذي اتهم البنيوية
ممثلة بليفي شتراوس وروالن بارت أنها تعمد إلى النموذج الواحد من خالل ما حدده فنسنت
ليتش بمنطلقات البنيوية وهي كالتالي:
أ -تسعى البنيوية إلى استكشاف البنى الداخلية الالشعورية الظاهرية.
ب -تعالج العناصر بناء على عالقاتها وليس على أنها وحدات مستقلة
ج -تركز البنيوية دائما على األنظمة.
د -تسعى إلى إقامة قواعد عامة عن طريق االستنتاج او االستقراء وذلك لتؤسس الخاصية
المطلقة لهذه القواعد (.)2
1ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص .142-145
2المصدر نفسه :ص .142
3محمود أمين العالم :ثالثية الرفض والهزيمة ،ص .40
44
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
()1
التي هي التعبير اإلنسانية مثله مثل ما تقدمه "البيوطيقا الجديدة" أو " علم اإلبداع األدبي"
محاولة الكتشاف القوانين العامة لإلبداع األدبي ولكنها ليست النقد األدبي(.)2
أما النقد األدبي فهو إجراء تطبيقي يستفيد من المباحث النظرية العامة ولكن يسعى
()3
فهو للكشف عن خصوصية اآلثار األدبية ومواطن التفرد والتميز فيها بل أكثر من ذلك
ي كشف ما يناقض هذا العالم وما يضيف عليه أو ما يشكل ظاهرة فريدة جديدة ،فال حدود
لإلبداع األدبي (.)4
فالغاية األساسية للتمييز الذي يقيمه أمين العالم هي فك الخناق على النص وفتح
المجال أمام الناقد ليستفيد من الجوانب النظرية على المستوى اإلجرائي وربط اإلبداع
بالمكونات التاريخية واالجتماعية والفكرية واإلبداعية األدبية التي أنتج في سياقها ولعل هذا
األمر هو الذي يجعله ال يرفض االستفادة من اإلنجازات البنيوية في مجاالت دراسة
النصوص األدبية والكشف عن أبعادها الداللية (.)5
كما يرد الغذامي في التباس المفاهيم عند محمود أمين العالم وذلك في نقطتين:
أ .األولى في تفرقة أمين العالم بين علم األدب والنقد عاكسا تهمة الخلط على االتجاه
أأللسني ذلك ألن الدراسة األدبية ال تقوم كمقابل مغاير للنقد األدبي ألن الدراسة األدبية
صورة من صور القراءة الجادة ذات الشمولية إما ألعمال كاملة أو لفترة معينة إضافة إلى
ذلك فهي ليست مصطلحا بديال عن البيوطبقا ولكنها جزء منها كما أن النقد األدبي ال يقف
كمفهوم مقابل للشاعرية ( البيو طيقا) بحيث تكون هذه األخيرة هي النظرية والنقد هو
الممارسة (.)6
لذا فإن الشاعرية نظرية نصوصية تتبع من النص وتنعكس عليه ،وليست جسدا
غريبا يفرض على األدب من خارجه أو ايديولوجية مذهبية تسقط على النصوص وتسلط
عليها لتفرض عليها فك ار لم يتبع من داخلها ولم يتأسس فيها(.)1
وقد ذكر الغذامي في معرض حديثه مجاالت الشاعرية التي حددها تودوروف في
ثالث عناصر:
-4تحليل أساليب النص أي أن النقد األدبي ممارسة قرائية عملية
-4تسعى الشاعرية إلى استنباط الشفرات المعيارية التي ينطلق منها النص األدبي ،أي
أن الدراسة األدبية ليست مفروضة على النصوص أو مسقطة عليها ولكنها نابعة
منها.
-9تأسيس النظرية التي تقوم على الداللة الضمنية لألعمال األدبية أي انبثاق الكل من
عالقات األجزاء(.)2
إضافة إلى ماسبق نجد ما ذكره أمين العالم حول أن العالقة في النص األدبي تتمحور ما
سماه روالن بارت بالمحتمل النقدي الذي هو فعالية ثقافية قرائية تجمع بين النص والقارئ في
تالقح كلي يجعل لغة النص جماعية وليست فردية معزولة(.)3
ب .الثانية في لوم الناقد محمود أمين العالم النقد األلسني متهما إياه باالقتصار على دراسة
النص األدبي كمعطى في ذاته ساكن ثابت معزول متعال وهو بذلك يخلط بين األلسنية وما
يسمى بالنقد الجديد الذي انتشر في انجلت ار وأمريكا وأبرز رواده ريتشاردز الذي كان يأخذ
بمفهوم النص المغلق ،وفيه كانوا ينظرون للعمل األدبي معزوال عن كاتبه وعن زمنه وعن
جنسه األدبي(.)4
إال أن رواد األلسنية وعلى رأسهم روالن بارت سخروا من هذا االتجاه وقوضوا منطقة
ويشهد على ذلك مقالة لروالن بارت 4344بعنوان (من العمل إلى النص) ولقد لخص
فنسنت ليتش أهم األفكار التي وردت في المقالة منها :أن النص مفتوح ومطلق للخروج
والقارئ ينتج النص في تفاعل متجاوب ال في تقبل استهالكي(.)1
إن الخلط بين المدارس واالتجاهات النقدية هو الذي أحدث االلتباس لدى محمود
أمين العالم مما جعل يحارب األلسنية بأسلحتها وتبنى نظرياتها فيما يحسب أنه يفندها(.)2
-4-1مالحظات على النظرية:
لقد اعتمد الكتاب ثالثية الرفض والهزيمة للناقد محمود أمين العالم على قسمين:
أحدهما مقدمة نظرية ويليها دراسة لثالث روايات لصنع اهلل إبراهيم ومن الغرابة في هذا
األمر أن يكون التظيير معزوال حادا عن التطبيق حيث ال يوجد الفكر النظري في الصفحات
األولى أي أثر على ممارسة المؤلف التطبيقية بعد ذلك(.)3
إن التحديد المنهجي الذي ينطلق منه أمين العالم في دراسته النقدية يستند إلى جملة
من المنطلقات المتراكبة المتصفة بالتداخل واالصطناع أحيانا خاصة فيما يتعلق بالمناهج
التي ذكرها السيما ما دعاه بـ " المنهج أالستخالصي القياسي" الذي يصنف في خانة
()4
. المنهجية اإلجرائية وليس في مجال المنهج
حدد العالم ثالث مفاهيم للنقد األول هو الطابع اإلبداعي للعمل األدبي الذي ال ينبغي
أن تحده أو تقيده معايير نظرية مسبقة أو مطلقة والثاني هو أسبقية الممارسة على النظرية
والمفهوم الثالث هو ما ينبغي أن تتسم به الممارسات النقدية من طابع تركيبي إبداعي يرتفع
()5
. . بها عن حدود التحليلية الخالصة
إن ما ذكره أمين العالم في كالمه السابق يثبت انتماءه إلى الفكر األلسني وتتأكد
األلسنية أمين العالم في قوله"أن الناقد يسقط إيديولوجيا إسقاطا خارجيا على العمل األدبي
الذي يدرسه" (.)1
كما نجده في الصفحة 44من كتابه يشيد بضرورة األخذ بفكرة البيوطيقا أو -كما
سماها – الدراسة األدبية أو علم األدب وكان من قبل قد رفضها واعترض عليها واظهرها
كعيب من عيوب األلسنية فيها خلط وفيها قصور وفيها تعسف وكان يطالب بالتفريق بين
النظرية وبين النقد األدبي ويحاول أن يفصل بينهما ولكنه في موقف آخر نجده يوحد بينهما
وهو موقف األلسنية (.)2
إن المالحظة على كتابات العالم في شقه النظري تعد مجرد إسقاطات إذا ما قورنت
بشقه التطبيقي وتكاد ال توجد صلة فكرية بين صفحات الكتاب األولى وصفحاته التالية ،ذلك
أنه قد طغت االنطباعية على معالجات أمين العالم لروايات صنع اهلل إبراهيم وهي ما حجب
كل بوادر االنفتاح النقدي في صفحات الكتاب األول(.)3
والخالصة التي يمكن الوصول إليها بشأن المقدمة المنهجية التي صدر بها كتاب
أمين العالم هي أنها محاولة واعية للبحث عن جديد منهجي بتلوين اجتماعي تاريخي.
-5-1مالحظات على التطبيق:
تتميز الدراسة التطبيقية التي قام بها الناقد أمين العالم لروايات صنع اهلل إبراهيم
الثالثة ،بطابع االنتقائية وغياب الوضوح والدقة و المنهجية ولذلك كانت محددات الدراسة
النقدية محكومة بانطباعية الناقد بالدرجة األولى حي ث أن مجموع المباحث المقدمة ال تخضع
إلجراء منهجي يمكن رده لتوجه نقدي ثابت (.)4
ولعل هذا التعدد اإلجرائي يعود في أساسه إلى أمرين اثنين أولهما أن مرحلة الفهم في
بنيوية التكوينية ال تقدم خطوات دقيقة للبحث في مكونات النص الداخلية ولذلك فإن الناقد
قام باالجتهاد في البحث عما يراه مناسبا في تغطية هذا الجانب من الدراسة ،وثانيهما أنه
عمل على توظيف ما يتالئم من إجراءات النقد البنيوي للوصول إلى غايته في الربط بين
المكونات النصية والحقيقة االجتماعية الموجودة خارجه(.)1
وقد رسم أمين العالم نهجا لنفسه ذكر أنه سيكون توجها نقديا له في قراءته لروايات
صنع اهلل إبراهيم وذلك في استناده على البنيات الداللية للنصوص وصرح بأشكال تلك
البنيات حيث حددها كما يلي :بنية المكان ،بنية الزمان ،وبينة اللغات واألساليب والتقنيات
وبينة األشخاص وبنية األحداث والبنيات الصياغية الصغرى والبنية الصياغية العامة وبينة
الدالالت الجزئية وبينة الداللة العامة(.)2
انطلق محمود أمين العالم في قراءته لروايتي الرائحة 1611ونجمة أغسطس من
العنوان ،حيث عمل على تحديد أبعاده التركيبية وخصائصه الداللية ،وتتبع تلوينات لفظة
الرائحة أو نجمة أغسطس عبر المقاطع التي وردت فيها في سياق كل زاوية.
ويتضح لنا وعي الناقد "أمين العالم" بأهميته الداللية الرمزية واإلبالغية و للعنوان
حيث يقول بأن العنوان قد يكون المفتاح الرئيسي للبنية الداللية للرواية ،لذلك نجده يتابع
تحليل األبعاد السيميائي ة والرمزية للعنوان والدالالت المجتمعية والواقعية التي يمكن أن يمثلها
أو يحيل عليها في الواقع االجتماعي(.)3
وقد استند أمين العالم للمحددات المتهجية للبنيوية التكوينية بصورة كبيرة في سعيه
للوصول إلى البنية الدالة لرواية تلك الرائحة منطلقا من جملة من المعطيات البنائية لنص
الرواية حيث يتوصل إلى أن االزدواج هو السمة المميزة للمكونات الروائية في كل المستويات
فالبناء الزماني يتمظهر ضمن مسارين الزمن الثاني فهو زمن يتموضع ضمن الزمن األول
الذي تحدده الرواية بعشر أيام هو الزمن الواقعي لحركة سير األحداث ،أما الزمن الثاني
فهو زمن يتموضع ضمن الزمن االول عبر االسترجاع واالستشراق ويتخذ طابع الذكر
والتأمل( .)1أما بنية المكان فهي موزعة على شكلين من أشكال فضاء انتقالي مفتوح وتمثله
مدينة القاهرة وساحاتها وشوارعها وفضاء إقامة مغلق هو فضاء الشقة التي يقيم فيها البطل
السارد وهذا الفضاء المغلق رديف للفضاء السجني ألن البطل ينتظر فيه قدوم العسكري
الذي يتأكد من وجوده كل ليلة(.)2
هذه االزدواجية في البنية الروائية تعكس صدعا اجتماعيا في مستوى الواقع المعيش
وتكشف عن تناقضات جوهرية في مجتمع لم يصل درجة االنسجام بين ما يرفعه من
شعارات وبين ممارسات مناقضة(.)3
وفي دراسة أمين العالم لرواية اللجنة بلغ القسر مبلغا قاتال لكل ما هو إبداعي في النص
حيث جعل هذه الرواية مجرد امتداد سردي للروايتين السابقتين تلك الرائحة ونجمة أغسطس ،وهو
بذلك يفرض على نفسه وعلى الرواية نموذجا خارجيا ألنه جعل الرواية مجرد تواصل حديث أو
تعبير عن بعض هموم المجتمع المصري(.)4
لذلك فهو هنا يغفل منذ البداية على أبنية النص اإلبداعية يلغي البطل على أنها امتداد
للمواقف السالفة الذكر في الروايات السابقة وبذلك راح يسقط حالة المجتمع على الرواية ليحولها
إلى مجرد بيان سياسي عن مصر السبعينات ...أي أنه يفرض الخارج على الداخل دون أن يسعى
()5
على العكس ما قاله في كتابه " :سنبدأ من البنايات إلى فصح الداخل وسر البنيات العشر
الداخلية لتلك النصوص لنصل إلى الخارج أي كشف الخارج فيها" (.)6
فالغذامي يرى أن أمين العالم قد وقع في النقد االنطباعي ألن المحاولة فيه ال تتعدى
سطح الكلمات وال تحاول أبدا الدخول فيها لدرجة أن الكاتب أخذ األحداث مأخذا جزئيا
منفصال ولم يحاول بناءاها بناءا كليا شموليا ليقيم لها داللة روائية شاملة .
وهذا التناول الجزئي هو ما جعل العالم يربط حدثا روائيا بحادث اجتماعي يتماثل
معه بعض التماثل أي أنه يعيد الرواية للماضي ويقيدها ويقتل الزمن فيها مثلما قتل الطاقة
اإلبداعية في تكوينها الفني الذي لم يلتفت إليه( ،)1يقول أمين العالم عن أحداث الرواية "
والحق أن هذه األحداث الثالثة وسياقها االجتماعي العام هي محاولة من جانب المؤلف
الستكمال صورة االنهيار والفساد في الواقع المصري في السبعينات.)2( "..
إن هذا الحكم ظالم ومجحف في حق الرواية فالبر غم من تشابه مضامين األحداث مع
بعض المواقف االجتماعية في مصر إال أن هذا التشابه ال يصنع أدبا وال يصنع فنا ،وليس هذا ما
يسعى اليه الدرس النقدي الحديث ،فالنقد يسعى لتأسيس جماليات النص اإلبداعية التي تجعله
عمال متمي از داخل سياقه الفني مما يؤهله للعالمية ،فينقله من ظرفه التاريخي المحدد إلى ظرف ال
زمني يجعله كلي الداللة ،ويتحول فيه الحدث التاريخي إلى حدث فني قادر على االنفتاح والتنوع
الداللي دون أن يلغي تاريخه(.)3
لذا أين كل هذا من رواية اللجنة؟ إنه موجود فيها وكامن في داخلها ولكنه غاب عن ذهن
أمين العالم والدليل على أنه لو لم تكن هناك معرفة شخصية تربط الناقد أمين العالم بكاتب الرواية
وبظروف مصر في السبعينات لسقطت إذا كل مقوالت أمين العالم عن رواية اللجنة وعلى مفهوم
العالم هذا يكون مصير رواية اللجنة عد ما فلو افترضنا ضياع الروايتين السابقتين وحدث أن نسي
الناس حال مصر السبعينات فإن النتيجة عند تلك هو انعدام الداللة في رواية اللجنة وهذا افتراض
غير صحيح فالنص وجود في عالم يطغى فوق مالبسات العادة والحدث االجتماعي(.)4
1ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى ،ص 125
2محمود أمين العالم :ثالثية الرفض والهزيمة ،ص .141
3ينظر :عبد اهلل محمد الغذامي :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى،ص 122
4المصدر نفسه :ص 128
40
أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى الفصل الثاني
وعلى هذا القول فإن أمين العالم يتعامل مع رواية اللجنة مثلما يتعامل مع مقالة
صحفية ولهذا صار الحدث الروائي فيها مجرد إطار خارجي تستخدمه لكي تقول ما تريد أن
تقوله تقري ار وتقييما صارت مجرد وثيقة تاريخية تشرح حال الناس في مصر في السبعينات
وأصبح مزاياها أنها كتبت بتدقيق علمي وجسارة فكرية ومعاناة خبرة عميقة(.)1
وهذا حكم مجحف فيه نسق الرواية والغاء لها وفيه تحديدا لمدلولها حيث قصره أمين
العالم على الواقع الفعلي لمصر في السبعينات أي أنه جعلها ذات قارئ محدد وفي وطن
محدد وفي أمن محدد ،وهذه جميعها متغيرات ما تلبث أن تزول سريعا(.)2
وفي النهاية يقر الغذامي بأن رواية اللجنة خاصة تحتاج إلى تحليل حقيقي يفحص
تركيباتها الفنية وهي رواية ذات طاقات إبداعية مذهلة ،ويرى أن كتاب ثالثية الرفض
والهزيمة لمحمود أمين العالم فيه طمس لإلبداع ،وطمس األنا المبدع واألنا الناقد.
08
المصادر والمراجع
عبد اهلل إبراهيم :الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة تداخل األنساق والمفاهيم ورهانات .29
العولمة ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،ط. 1999، 1
عثمان أمين :ديكارت ،مكتبة األنجلو مصرية ،القاهرة ،مصر،دط1929 ، .29
عثمان موافي :دراسات في النقد العربي ،دار المعرفة الجامعية،القاهرة،ط1999، 2 .10
عدنان علي رضا النحوي :الحداثة في منظور ايماني ،دار النحو للنشر والتوزيع ، .11
المملكة العربية السعودية ،ط1110 ،1ه1999-م.
علي حرب :الماهية والعالقة ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،لبنان ،ط1999، 1 .12
عمر عيالن :النقد العربي الجديد ( مقاربة في نقد النقد) ،منشورات االختالف ،الدار .11
العربية للعلوم ناشرون ،الجزائر ،ط(،1د.ت)
غالي شكري :شعرنا الحديث إلى أين ،دار الشروق األولى ،ط. 1991 ،1 .11
فتحي التريكي ،ورشيدة التريكي :فلسفة الحداثة ،مركز اإلنماء القومي ،بيروت ،لبنان، .15
دط1992 ،
الشين عبد الفتاح :الخصومات البالغية والنقدية في صنعة أبي تمام ،دار المعرفة، .12
القاهرة ،دط1992 ،
مالكوم براديري وجيمس ماكفارلن :الحداثة ،تر:مؤيد حسين فوزي ،دار المحبة للنشر .11
والتوزيع ،دمشق ،دط2009 ،
مالكوم براديري ،وجيمس مكفارلن ،حركة الحداثة ،تر:عيسى سمعان ،منشورات و ازرة .19
الثقافة ،دمشق ،سوريا ،ج ، 1دط1999 ،
محمد أركون :اإلسالم والحداثة ،التبيين ،ع ،1الجمعية الثقافية الجاحظية ،الجزائر ،دط، .19
1990 ،
محمد الشيخ :فلسفة الحداثة في فكر هيغل ،الشبكة العربية لألبحاث والنشر ،بيروت، .10
لبنان ،ط2009 ،1
محمد بن أحمد األزهري :تهذيب اللغة ،مطابع سجل العرب ،القاهرة ،د.ط ،د.ت .11
محمد بنيس :حداثة السؤال بخصوص الحداثة العربية في الشعر والثقافة ،المركز الثقافي .12
العربي ،ط. 1999 ، 2
محمد زكي العشماوي ،أعالم األدب العربي الحديث و اتجاهاتهم الفنية ،دار المعرفة .11
الجامعية ،اإلسكندرية ،د.ط . 2002،
محمد سبيال:الحداثة وما بعد الحداثة ،دار توبقال للنشر،الدار البيضاء،المغرب،ط. 2000 ،1 .11
08
المصادر والمراجع
محمد عزام :تحليل الخطاب األدبي على ضوء المناهج النقدية الحداثية ،منشورات اتحاد .15
الكتاب العرب ،دمشق ،د.ط . 2001 ،
محمد محفوظ :اإلسالم والغرب وحوار المستقبل ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،لبنان، .12
ط. 1999 ،1
محمود الغشيري:االتجاهات األدبية والنقدية الحديثة -دليل القارئ العام ،ميريت للنشر .11
والمعلومات ،القاهرة ،ط. 2001 ،2
محمود أمين العالم :ثالثية الرفض والهزيمة ،دار المستقبل العربي ،بيروت ،ط1995 ،1 .19
المسدي عبد السالم :النقد والحداثة ،دار الطليعة والنشر ،بيروت ،لبنان ،ط. 1991 ،1 .19
ميحان البازغي ،وسعد الرويلي :دليل الناقد األدبي الدار البيضاء ،المغرب ،ط2002 ،2 .50
ناصيف نصار :باب الحرية ،إنبثاق الوجود بالفعل ،دار الطليعة لطباعة والنشر ،بيروت، .51
لبنان ،ط. 2001 ، 1
نور الدين أفاية:الحداثة و التواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة ،نموذج هبرماس ،إفريقيا .52
. الشرق ،ط1999، 2
هيد جر ليفي شتراوس ،ميشل فوكو :فلسفة موت اإلنسان في الخطاب الفلسفي .51
المعاصر ،تر :عبد الرزاق الداوي ،دار الطليعة ،بيروت (د.ط)( ،د.ت )
يورغن هابرماس:القول الفلسفي للحداثة،تر فاطمة الجيوشي ،منشورات و ازرة الثقافة .51
السورية دمشق ،ط1995 ،1
يوسف الخال:الحداثة في الشعر،دار الطليعة للطباعة و النشر،بيروت،لبنان،ط.1919 ،1 .55
المذكـــــرات :
سعودي البختاوي:الحداثة في مشروع العقاد النقدي من خالل تطبيقاته على شعر أحمد .52
شوقـــي ( رسالة ماجستير) ،جامعة مسيلة ،الجزائر2002،
المجـــــــالت :
.1جابر عصفور :معنى الحداثة في الشعر المعاصر ،مجلة فصول النقد األدبي ،مج ،1ع1
(د،ط)( ،د.ت )
.2خالد سعيد :المالمح الفكرية للحداثة ،مجلة فصول النقد األدبي ،الهيئة المصرية للكتاب،
. مصر ،مج ،1ع ، 1د ط ،جوان 1991
.1عبد الخالق العف :موت المؤلف منهج اجرائي ؟ أم اشكالية عقائدية ،مجلة الجامعة
اإلسالمية ،سلسلة الدراسة اإلنسانية ،مج ،12ع ،2دط ،جوان . 2009
08
المصادر والمراجع
.1عبد العزيز شرف :طه حسين و زوال المجتمع التقليدي،مجلة مستقبل الثقافة،الهيئة المصرية
العامة للكتاب،مصر ،دط. 1911 ،
.5عبد اهلل محمد الغدامي :تهافت النقد وقراءة التنميط والقصر ،مجلة نزوة ،تصدر عن مؤسسة
عمان للصحافة والنشر واإلعالن،عمان،ع ، 12دط2009 ،
.2عمر زرفاوي :الغذامي ومشروع النقد األلسني :مجلة حوليات التراث ،جامعة مستغانم،
جزائر،ع ،1د ط. 2001 ،
األسئلة الغائبة في الديمقراطيات العربية ،سؤال المرجعية وأسئلة .1كمال عبد اللطيف:
المجال ،فكر 2ونقد،الرباط ،المغرب ،العدد ، 19أفريل. 2002
.9محمد الشيكر:هايد غرو سؤال الحداثة،إفريقيا الشرق،الدار البيضاء ،المغرب ،دط2002 ،
.9محمد عبده الجابري :أزمة اإلبداع في الفكر العربي المعاصر ،مجلة فصول النقد األدبي ،مج
،1ع ، 1دط ،دت .
.10محمود الريبعي :النقد والحداثة ،مجلة فصول النقد األدبي ،الهيئة المصرية العامة للكتاب،
مصر ،مج ،5ع ،1د ط ،ديسمبر . 1991
.11مختار أبو غالي :قراءة نقدية في كتاب الموقف من الحداثة ،مجلة العربي ،و ازرة الثقافة
واإلعالم ،الكويت ،ع ، 152دط ،نوفمبر . 1992
.12نبيلة ابراهيم :القارئ في النص ،مجلة فصول النقد األدبي ،مج ،1ع ،1د.ط ،جوان ،1991
المعاجم والقواميس :
ث). .1ابن منظور :لسان العرب ،دار المعارف ،القاهرة ،مصر ،ط، 1مادة ( َح َد َ
ث) . .2شوقي ضيف وآخرون :المعجم الوجيز ،و ازرة التربية والتعليم ،مصر، 1991 ،مادة ( َح َد َ
ث .1شوقي ضيف وآخرون:المعجم الوسيط ،مكتبة الشروق الدولية ،مصر،2001،ط،1مادة( َح َد َ
.1محمد التونجي :المعجم المفصل في األدب ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط1999 ،2
08
ملخص
يعتبر كتاب " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى" كتابا يشمل أهم المواضيع في مختلف
المجاالت التي تهدف الدراسة فيه إلى تحديد موقف الناقد " عبد اهلل محمد الغذامي" من الحداثة
ومرجعياتها كما يحتوي هذا البحث على مقدمة وفصلين وخاتمة ونظ ار لما يتميز به مؤلف الغذامي
من موسوعة نقدية التي تخص الحداثة من حيث تحديد مفاهيم متعددة لها وتحديد نشأتها ومبادئها
وأنصارها وهذا ما حاول البحث إب ارزه في الفصل األول.
أما الفصل الثاني فهو فصل تطبيقي الذي درس أهم القضايا النقدية للكتاب فيعد جوهر
الموضوع يهدف إلى الكشف عن اإلسهام الفعلي للناقد في تأسيس نظرية الغائبة للنقد العربي
الحديث كما أن تطرقت إلى نقاش حول موقف من الحداثة وعالقة بين النص والمؤلف والى دراسة
الداللة األدبية في النص وأيضا إذا كان القارئ منتج للنص أم مستهلك له واحتوى أيضا على أزمة
اإلبداع والنقد انطالقا إلى آراء ناقد محمود أمين العالم الذي يوضح أبعاد النقد األلسني.
Résumé
Il Est Très Important Dont Le Livre Qui Nous Raconte Et Décrire
Des Problèmes Et Les Etudes Dans Tout Les Evènement Dans Nolie Tre
Du Professeur (Abdellah El Gheddami ) Ce Livre A Eté Partage A Des
Etapes Ouverture Description Par Etapes Et Conclusion Et Il Nous Précise
Les Description Et Les Natures Des Connaissance Et Les Guides Même
Leurs Intellectuels Dans Le 1er Etape .
Le 2ém Etape Il Nous Des Cirier Les Etudes En Pratique Et Les
Profondes Affaues Et Les Objets Dont Nous Puisons A Les Etudient
Profondément Et Bien Que Nous A Bien Faciliter La Tache D'entier Aux
Ressources Des Livre Et Du Productens En Ce Qui Nous Oblige A
Etudier Au Niveau Littérature Arabe Et A Bien Soleiller C'est-A-Dire
L'écrivain En Revenant Aux Avis Du Grand Ecrivain Mahmoud Amine
98
إهــــــــــداء
أهدي ثمرة بحثي هذا إلى من قال فيهما عز من قائل :
ُ
« َوقل َّر ِّب ا ْر َح ْم ُه َما َك َما َرَّب َيا ِّني َص ِّغ ًيرا «
إلى ينبوع الحنان ورمز الامان أغنية الدهر وعطر الياسمين " أمي الحنونة"
إلى الذي غرس في بذرة العلم والعمل ورسم لي طريق النجاح بدعمه
املعنوي واملادي " أبي الكريم" ّ
أمد هللا في عمره ...
إلى قرة أعيننا أخوتي وأخواتي :فطيمة ،نصيرة ،مسعودة ،هاجر ..
إلى الكتكوت الصغير وأغلى غنسان على قلبي إلى حبي الكبير إلى " مهدي"
إلى أعز واغلى إنسان على قلبي خطيبي " معمري ياسين "
إلى أسيرات قلبي ورفيقات دربي والالتي لم أنساهن ..
إلى " خديجة ،يمينة ،إيمان ،كلثوم ،حنان " ...
إلى زميالتي اللواتي عشت معهن أحلى أيام الجامعة وإلاقامة الجامعية
حسوني رمضان ... 30على كا من ساندني ودعمني
أهديهم عملي " :عبلة ،سمية ،مونيا ،أمال ،فطيمة ،امال منى
إلى كل من يقول أشهد ان ال إله إال هللا وأشهد أن محمد رسول هللا
أهدي عملي إلى كل من وسعته ذاكرتي وقلبي
أهدي عملي إلى أمة إلاسالم ..إلى مواطن العروبة ...إلى بلدي الجزائر
..
لكم أهدي ثمرة عملي املتواضع
خديجة الوافي
شـــــــــكر وعرفــــان
ََ َ َ
قال تعالى َ « :و ِّإ ْذ َتأ َّذ َن َرُّب ُك ْم ل ِّئن َش َك ْرُت ْم َل ِّز َيد َّن ُك ْم ۖ «
بعد الثناء والحمد هلل الذي وفقني إلعداد هذا البحث
ال يسعني إال أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان وخالص التقدير ..
إلى ألاستاذ الفاضل الدكتور :تيس ناصر محمد الحسن
على ما غمرني به من نصائح وتوجيهات علمية ومنهجية ومتابعة وإشراف
منذ أن كان البحث فكرة إلى أن رأى النور .
وما ملست فيه من نبل ألاخالق ورفعة الشمائل التي عهدته عليها منذ
إشرافه علي في الليسانس فأخذت عليه رفعة الخلق والتواضع ..
كما ال يفوتني أن أتوجه بالشكر والامتنان إلى أعضاء اللجنة العلمية
الذين تشرفت بقبولهم مناقشة هذا العمل العلمي
فلهم أسمى آيات الشكر والتقدير والاحترام ..
كما أدين بالشكر إلى كل من سقط اسمه سهوا في هذا املقام
وقدم لي يد العون من قريب أو من بعيد في هذا البحث املتواضع ...
كما ال أنس ى زمالء الدفعة كل باسمه
خالصة القول وبناء على ما تم عرضه يمكن القول أن النقد المعاصر اليوم يحمل
في طياته _بمعنى ما من المعاني _ مجموعة من العلوم المهتمة بدراسة بينة أو شكل األثر
ولذا ال يسعنا إال أن نقول إن البحث في مجال الحداثة استدعى العودة إلى جذورها التي
أنجبتها لذا من خالل هذا يمكن أن نقف على أهم النتائج التي توصل إليها هذا البحث وهي:
مفهوم الحداثة ونشأتها والتي واكبت نشأتها أهم التحوالت الكبرى التي عرفتها
المجتمعات وتعدد مفاهيم الحداثة التي أثارت جدال كبي ار في تعريفها.
ومن وحي هذه الفكرة يظهر لنا الغذامي بكتابه الموسوم " الموقف من الحداثة
ومسائل أخرى" الذي لم يدع نظرية جديدة في الكتابة إال وقدمها للقارئ تقديما جيدا ،كما
دعى فيه إلى البدء بالنظرية وتسليح القارئ لها ليكون القارئ حكما وناقدا لما فيه من تطبيق
وتصور ،مما يجعل كتابه هذا دعوة إلى االقتراب من النقد األلسني ،وبالرغم من كل هذه
األدلة إال أنه ال يخلو من بعض المزالق النقدية والتي يمكن أن نلخصها كالتالي:
إن هذا الكتاب ( موقف من الحداثة) كسائر كتب الغذامي ال يدور حول موضوع
واحد متكامل ي جعل نصوصه تنصهر في مضمون متماسك إنما يحتوي مجموعة من مقاالت
بعضها صحفي وبعضها منقول من كتب آخر صدر للمؤلف.
إن المحاوالت التي ي سعى الناقد من خاللها إلى التوفيق بين مناهج النقد السيما
البنيوية والسيميائية والتفكيك ال يخلو من مزالق ،إذ كيف يمكن أن يشتق مشروع نقدي من
ائتالف أنظار أخرى فيها بينها من التباين واالختالف أكثر مما بينها من االنسجام واالتفاق.
ينطلق الغذامي في دعوته للنقد الجديد األلسني من منظور تراثي وكأنه يبحث في
التراث عن شرعية االتجاه نحو الحديث عما تؤديه فكرته في صراعه مع أنصار النقد
التقليدي ومعارضي التجديد.
77
خاتمة
كذلك تحدث الناقد عن قضية الوزن وربطها بالشعر وعن مهاجمة المجددين
والمحدثين لها.
كما تطرق الناقد في كتابه هذا إلى أحد أهم قضايا التي أثارت جدال واسعا بين النص
وبمنشئه وهي عالقة بين النص والمؤلف....الخ
هذه جملة من النتائج التي خرجنا بها في هذا البحث العلمي والتي نرجو أن نكون قد
وفقنا في خوضها وأننا وضعنا لبنة جديدة في صرح النقد العربي المعاصر الذي مازال
يستحق منا الكثير من االجتهاد و الدراسة ،فإن أصبنا فما توفيقنا إلى من اهلل وذلك ما
نرجو وان أخطأنا فحسبنا أننا اجتهدنا .
77
فهر سالموضوعات
الصفحة الموضوع
شكر وعرفان
مقدمة .......................................................................أ،بـ،ج
الفصل األول :الحداثة " مصطلح ومفهوم"
أوال :مفهوم الحداثة 5 ..........................................................
أ .لغة 5..................................................................
ب.اصطالحا 6...........................................................
ثانيا :نشأة الحداثة86............................................................
أ.الحداثة عند الغرب86.....................................................
ب .الحداثة عند العرب22.................................................
ثالثا :مبادئ الحداثة26...........................................................
أ .العقالنية26..............................................................
ب .الذاتية03...............................................................
ج .الحرية02...............................................................
رابعا :رواد الحداثة03.............................................................
أ.رواد الحداثة عند الغرب03.................................................
ب .رواد الحداثة عند العرب05.............................................
الفصل الثاني :أهم القضايا النقدية التي عالجــها الغذامي في كتابه " الموقف من
الحداثة ومسائل أخرى"
تمهيد03.........................................................................
أوال :الموقف من الحداثة38......................................................
-8.8الموقف النقدي32...................................................
-2.8قصور المعرفة لدى مناوئي التجديد35................................
68
فهر سالموضوعات
68
مقدمة
ال يخفى على أي باحث في أي حقل من حقول المعرفة الدور الكبير الذي تؤديه
المصطلحات في بناء العلوم والمعارف ،والتي يرتبط تطورها وازدهارها بمدى توفر ودقة وعدم
اضطراب المصطلحات الخاصة بها .
كما تعد الحداثة من اهم المصطلحات التي أثارت جدال واسعا ليس في النقد االدبي العربي
فقط ولكن في الفكر العربي عموما ،نظ ار لتعدد مفاهيمها وغ ازرة تعريفاتها ،ذلك ألنها مصطلحات
تتضمن الكثير من االلتباس والتعقيد ،ولكونها ايضا من المصطلحات القليلة التي استوعبتها أغلب
العلوم اإلنسانية ،وان لم نقل جميعها -فهو مصطلح شامل يعبر عن رغبة الكائن البشري في
استكشاف المجاهيل والغوص في المستقبل البعيد و ركوب التطور المستمر الذي ال تحده نهاية.
فالحداثة تسعى دائما وراء التجديد والتغيير حيث أحدثت ثورة داخلية في المفاهيم وفي بنية
النظم الثابتة ،فهي الرؤية التي تعيد صياغة العالم على نحو جديد ،ولهذا تكون مناقشة موضوع
تمر عبر إعادة تحديد المفهوم ،وتجليه خلفياته التاريخية والنظرية،
الحداثة عملية نقدية مهمة ألنها ّ
ورصد بعض امتداداته في الخطاب العربي المعاصر.
ومن هنا جاء موضوع بحثنا بعنوان " أهم القضايا النقدية التي عالجها عبد اهلل محمد
الغذامي في كتابه :الموقف من الحداثة ومسائل أخرى " .
فكان من أهم أسباب اختياري لهذا الموضوع أو الكتاب كونه أحد األبواب التي أنشئت
حولها بحوث عديدة ،إال أنها لم تغلق بعد وما زالت تطرح للنقاش ،كما أنها لقيت ذلك المجال
الرحب الذي ال يقبل التجاوز فهو رمز لالستمرار والتجديد ،كذلك كونه المجال الذي غير من
الطليعة الثابتة لمادة األدب ،وجعل منها أكثر اتساعا ،إذ أصبح يضم الفلسفة والفكر وحتى العلوم
تتحجج بكل
ّ الطبيعية ،ولعل السبب الذاتي لهذا االختيار يتصدر كل األسباب أال وهو الرغبة التي
ما بوسعه أن يقرّبها من أهدافها .
وعليه فقد حاولت في بحثي هذا رصد المسار النقدي لموضوع الحداثة وضبط القضايا النقدية
من خالل قراءة وتحليل كتاب " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى " للناقد السعودي عبد اهلل محمد
الغذامي ،ويسعى الغذامي من خالل كتابه هذا إلى تحديد مفهوم الحداثة الشعرية التي تعد الحداثة
موصولة بالتراث وأخذه بتالبيبه ،تصب معه في مصب واحد هو الثقافة العربية والحضارة اإلسالمية.
أ
مقدمة
وأخي ار البحث عن مدى انعكاس الجانب النظري على التطبيقي وعن مدى صالحية تطبيق
المنهج على نصوصنا العربي .
هذه األسباب وأخرى دفعت بي إلى اختيار عبد اهلل محمد الغذامي كنموذج جدير بان
يصور لنا أو باألحرى يجيبنا من خالل التغلغل في تنظيره وتطبيقه عن تساؤالت طرحت وفرضت
نفسها والتي يمكن أن تصاغ على النحو التالي :
-ما هي أهم القضايا النقدية التي عالجها الغذامي في كتابه " الموقف من الحداثة
ومسائل أخرى " ؟ .
وفيه حاولت طرح أهم قضية نقدية في الكتاب والتي عرف بها الغذامي وهي الحداثة حيث
تناولت بالدراسة أهم القضايا النقدية في كتاب " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى " .
كما يسعى البحث إلى جملة من األهداف أهمها :ضبط القضية النقدية عند الغذامي،
واإلطالع على المرجعية التي استقى منها أفكاره وتوجيهاته النقدية ،لذا فإن البحث الذي بين أيدينا
جاء مقس ما إلى فصلين أحدهما نظري والثاني تطبيقي مسبوقين بمقدمة وضحت فيها أسباب
اختياري للموضوع مع بيان أهميته ،ثم الخطة المتبعة والمنهج المتبع .
ففي الفصل األول تناولت " الحداثة مصطلح ومفهوم " ونشأتها عند كل من الغرب
والعرب ،وتحديد مبادئها وأهم روادها .
وفي الفصل الثاني تطرقت إلى أهم القضايا التي عالجها الغذامي في " كتابه الموقف من
الحداثة ومسائل أخرى " .
ثم أنهيت البحث بخاتمة تحدثت فيها عن أهم النتائج التي توصلت إليها ،أما فيما يخص
المنهج الذي اعتمدته في معالجة هذا الموضوع فإني استندت إلى المنهج الوصفي كونه يتناسب
مع طبيعة الموضوع .
ب
مقدمة
وقد اعتمدت على بعض المصادر والمراجع العربية التي كانت دليلي في الكشف عن
بعض الحقائق واإلجابة على بعض األسئلة منها :
-عبد الغني بار :إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي المعاصر .
-يوسف الخال :الحداثة في الشعر.
-أدونيس :زمن الشعر ثم تشريح النص ،دون أن أنسى المدونة أو الكتاب األصل
والمصدر " الموقف من الحداثة ومسائل أخرى " وغيرها من المصادر والمراجع التي
ال يمكنني ذكرها كلها .
ولعل من أبرز الصعوبات التي واجهتني عند كتابة البحث وقد أفدت منها مع ذلك هي
وفرة المادة العلمية لدرجة يصعب ضبطها وتصنيفها وفق ما يخدم البحث ،ولكن رغم هذه العوائق
والعراقيل إال أنه تم بعون اهلل إنجاز هذا العمل المتواضع ،الذي نأمل أن يكون قد ساهم ولو بالقليل
في تحليل بعض الجوانب من فكر عبد اهلل محمد الغذامي .
وفي األخير ال يسعني إال أن أتقدم بجزيل الشكر والعرفان لألستاذ المشرف تيس ناصر
عز وج ّل أن يجعله ذخ ار وعونا
محمد الحسن ،ونسال اهلل أن يجازيه خير الجزاء وأني أدعوا اهلل ّ
لكل طالب علم .
ج
وزارة التعليم العالي و البحث العلمي
جامعة محمد بوضياف بالمسيلة