You are on page 1of 10

‫(خاص) (جوان‪ )2021 ،‬ص‪249-238‬‬

‫ّ‬ ‫األول‬
‫اجمللد‪ :‬التّاسع‪ ،‬الع ــدد‪ّ :‬‬ ‫جملـة املوروث‬

‫املنهج التداويل يف خطبة "أكثم بن صيفي عند "كسرى"‪.‬‬


‫‪The pragmatic approach toThe sermon of Aktham Ben-Saifie is at a Kissra‬‬
‫* حسني بوفناز‬
‫جامعة أحممد بوقرة‪ ،‬بومرداس‪( ،‬اجلزائر)‪h.boufenaz@univ-boumerdes.dz ،‬‬
‫خمرب املمارسات الثقافية والتعليمية والتعلمية يف اجلزائر املركز اجلامعي عبد هللا مرسلي‪ ،‬تيبازة‬
‫د‪ .‬سامية عليوات‬
‫جامعة أكلي حمند أوحلاج‪ ،‬البويرة‪(،‬اجلزائر)‪samiaaliouat2@gmail.com ،‬‬

‫اتريخ النشر‪2021/06/01:‬‬ ‫اتريخ القبول‪2021/03/30 :‬‬ ‫اتريخ االستالم‪2020/08/20 :‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫الّت تشتغل على اخلطاب واستنطاق مقاصده ومعانيه؛ إنه ‪-‬‬ ‫تسعى هذه الدراسة إىل تقدمي أحد أهم وأبرز املناهج اللسانية املعاصرة ي‬
‫حتديدا‪ -‬املنهج التداويل مبا يوفره من نظرايت وإجراءات واسرتاتيجيات منهجية سامهت يف إثراء آليات الدرس اللساين املعاصر يف حتليل اخلطاب‪،‬‬
‫الّت عرفتها الدراسات اللسانية ابنتقاهلا من لسانيات الوضع إىل لسانيات االستعمال وربط النص بظروفه املقامية‪.‬‬
‫وخاصة بعد النقلة النوعية ي‬
‫كلمات مفتاحية‪ :‬اللسانيات املعاصرة‪ ،‬حتليل اخلطاب‪ ،‬املنهج التداويل‪ ،‬املقصدية‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪This study seeks to present one of the most important and prominent contemporary Linguistique‬‬
‫‪approaches that work on speech and spread its purposes and its meaning; It is precisely the pragmatic‬‬
‫‪approach, with its systematic theories, procedures and strategies that contributed to enriching the‬‬
‫‪mechanisms of the contemporary Linguistique lesson in the analysis of the discourse, In particular, after‬‬
‫‪the qualitative shift that the Linguistic studies have defined as its transition from the status tongue to the‬‬
‫‪language-use and linking the text to its Denominator circumstances.‬‬
‫‪Key words: Contemporary Linguistique, speech analysis, The pragmatic approach, intentionat.‬‬
‫__________________________________________‬
‫*املؤلف املرسل‪ :‬حسني بوفناز‪ ،‬اإلمييل‪h.boufenaz@univ-boumerdes.dz :‬‬

‫‪ .1‬مقدمة‪:‬‬
‫إ ين الليسانيات التداولية اجتاه لغوي ظهر وازدهر على ساحة الدرس اللساين احلديث واملعاصر؛ يهتم بدراسة اللغة أثناء‬
‫لعل هذا ما جعله أكثر دقة وضبطا‪ ،‬حيث يدرس اللغة أثناء استعماهلا يف املقامات املختلفة‪ ،‬وحبسب أغراض‬ ‫االستعمال‪ ،‬و ي‬
‫املتكلمني وأحوال املخاطبني من منطلق كون اللغة فضاء يتفاعل فيه املتخاطبون ونشاط ميارس ضمن جمموعة من املعطيات‬
‫السياقية املختلفة واملتنوعة ‪.‬‬
‫ألجل ذلك وظفت التداولية عدة مفاهيم و إجراءات بغية حتليل اخلطاابت والنصوص قصد استكشاف مقاصدها‪،‬‬
‫مستعينتا يف توسيع رؤاها وحتاليلها ابلعديد من احلقول املعرفية واملناهج اإلنسانية املختلفة‪.‬‬
‫على هذا األساس ميكننا إبراز معامل اإلشكاليية املطروحة هلذه الدراسة يف التيساؤل اجلوهري اآليت‪ :‬ما مدى فاعلية املنهج‬
‫التداويل يف حتليل اخلطاب واستنطاق معانيه ومقاصده ؟‬
‫‪238‬‬
‫املنهج التداويل يف خطبة "أكثم بن صيفي" عند "كسرى"‪.‬‬

‫وحىت يتضح أثر "املنهج التداويل" يف تفتيت اخلطاب واستنطاق مقاصده وغاايته (الصريح منها والضمين)‪ ،‬آثران إجناز‬
‫دراسة تطبيقية حتليلية لـ (خطبة أكثم بن صيفي عند كسرى)‪ ،1‬قصد قياس مدى فعالية إجراءات املنهج التداويل‪ ،‬وذلك‬
‫الّت قامت عليها اللسانيات التداولية يف منظومة البحث اللغوي‬
‫انطالقا من نظرية "الفعل الكالمي" ابعتبارها أحد أهم األسس ي‬
‫املعاصر‪.‬‬
‫‪ .2‬التداولية‪ :‬النشأة واملفهوم‬
‫بعدما كانت التداولية تنعت قبل عقود بسلة املهمالت‪ ،‬أصبحت حقال معرفيا خصبا ومتجددا‪ ،‬ال حدود حتده‪ ،‬وال‬
‫حواجز متنعه من اقتحام حقول أخرى‪ .‬و ميكن احلديث عن حمطتني رئيسيتني كان هلما الدور البارز يف ميالد ما يعرف ابملنهج‬
‫التداويل‪.2‬‬
‫فبداايت التداولية تعود إىل ‪ 1938‬حني حتدث (شارلز موريس‪ )Charles Morris -‬عن "السيميائية" يف أبعادها‬
‫الثالثة؛ البعد الرتكييب‪ ،‬والبعد السيميائي الداليل‪ ،‬وأخريا البعد التداويل‪ .‬يقول (موريس‪« :)Morris -‬إن التداولية جزء من‬
‫السيميائية الّت تعاجل العالقة بني العالمات ومستعملي هذه العالمات»‪.3‬‬
‫حيث مييز (موريس‪ )Morris -‬بني ثالثة اختصاصات تعاجل اللغة وهي‪" :‬علم الرتاكيب"؛ ويعىن بدراسة العالقات‬
‫الشكلية بعضها ببعض‪ ،‬و"علم الداللة"؛ ويدرس عالقة العالمات ابألشياء الّت تدل عليها أو حتيل إليها‪ ،‬و"التداولية"؛ ا يلّت هتتم‬
‫بدراسة عالقة العالمات مبفسريها وتدرس كل ما له عالقة ابللغة سواء أكان يعىن بشكل اخلطاب من لغة أو إمياء أم بدالئلها أم‬
‫ابلداللة وعالقتها ابألشياء واحلسيات اخلارجية أم ابلعالمات واإلشارات‪ ،‬واستنتاجات الكالم أم ابلفهم الضمين دون احلديث‬
‫لتتم عملية التبليغ على أحسن وجه‪.4‬‬
‫يأما مرحلة اخلمسينات فكانت حامسة يف صياغة معامل التداولية خاصة مع إلقاء (ج‪.‬أوسنت‪ )J. Austin-‬حملاضراته‬
‫جبامعة "هارفارد" حول فلسفة (وليام جيمس‪ ،)William James-‬حيث بلور يف هذه املرحلة مبحثا حموراي تناقلته الدراسات‬
‫التداولية الالحقة‪ ،‬خاصة (ج‪.‬سورل‪ ،)J. Searle-‬مداره حول أفعال الكالم؛ وكيف أ ين كل منطوق لغوي هو إجناز حلدث‬
‫معني‪ .‬عالوة على حماضرات (أوسنت‪ )Austin-‬كانت جهود (بول غرايس‪ )Paul Grice-‬هي األخرى مؤثرة‬ ‫اجتماعي ي‬
‫وحامسة‪ ،‬حيث بلور مقاله "‪ "Logic and conversation‬أو ما يعرف بـ "نظرية احملادثة"‪ ،‬أوضح من خالهلا أ ين أتويل‬
‫ملفوظ ما يعتمد على عاملني‪ :‬معىن اجلملة املتلفظ هبا من جهة‪ ،‬وسياق التلفظ بنوعيه الداخلي واخلارجي ممثال يف املقامات الّت‬
‫ينجز فيها اخلطاب من جهة اثنية‪ ،‬وإىل هذين العاملني أضاف (غرايس‪ )Grice-‬ما مسياه "مبدأ التعاون"‪.‬‬
‫ولقد عرف مصطلح "التداولية" مدلوالت عديدة لسعة جماهلا يف املنظومة الفكرية احلديثة‪ ،‬فعدت «ملتقى ملصادر وأفكار‬
‫وأتمالت خمتلفة يصعب حصرها»‪.5‬‬
‫يقول (دومينيك مانقونو‪ )Dominique Maingueneau-‬يف هذا الصدد‪« :‬إنه من الصعب احلديث عن التداولية‪،‬‬
‫أل ين هذا التعبري يغطيه العديد من التيارات من علوم خمتلفة تتقاسم عددا من األفكار(‪ ،)...‬واللسانيون ليسوا وحدهم املعنيني‬
‫ابلتداولية بل تعين الكثري من علماء االجتماع إىل املناطقة وتتجاوز اهتماماهتا مبجموع األحباث املتعلقة ابملعىن والتواصل وتطغى‬
‫على موضوع اخلطاب لتصبح نظرية عامة للنشاط اإلنساين»‪ .6‬وهذا ما أكده (فان ديك‪ )Van Dijk-‬يف قوله‪« :‬هذا العلم‬

‫‪239‬‬
‫حسني بوفناز‪ ،‬د‪ .‬سامية عليوات‬

‫الذي بدأ تطوره على حنو صحيح منذ السنوات العشرين األخرية‪ ،‬له خاصية التداخل مع عدة ختصصات أخرى وقـد حفزته‬
‫علوم الفلسفة واللغة واألنثروبولوجيا‪ ،‬بل علم النفس‬
‫واالجتماع أيضا»‪.7‬‬
‫عرفها (إيليوار‪-‬‬
‫ختصصه فقد ي‬ ‫هكذا اكتسبت التيداولية عددا من التيعريفات‪ ،‬حسب اهتمام الباحث نفسه وجمال ي‬
‫‪ )Eluerd‬أبهنا‪ :‬إطار معريف جيمع جمموعة من املقارابت تشرتك عند معاجلتها للقضااي اللغوية يف االهتمام بثالثة معطيات ملا هلا‬
‫من دور فعال يف توجيه التبادل الكالمي وهي‪:‬‬
‫‪ ‬املتكلمني ) ِ‬
‫املخاطب واملخاطب)‬
‫‪ ‬السياق ) املقام(‬
‫‪ ‬االستعماالت العادية للكالم ؛ أي االستعمال اليومي والعادي للغة يف الواقع‪.8‬‬
‫فاملقاربة التداولية هي تلك املنهجية الّت تدرس اجلانب الوظيفي والتداويل والسياقي للخطاب‪ ،‬كما تدرس جممل العالقات‬
‫املوجودة بني املتكلم واملخاطب‪ ،‬ضمن سياق حمدد‪ ،‬قصد إجناز فعل اجتماعي حم يدد‪.‬‬
‫تصور رائد التداولية (أوسنت‪ )Austin-‬هي‪« :‬جزء من علم أعم هو دراسة التعامل اللغوي من حيث هو جزء من‬ ‫ويف ي‬
‫التعامل االجتماعي»‪ ،9‬ويف هذا السياق ينتقل ابللغة من مستواها اللغوي إىل املستوى االجتماعي‪ ،‬يف نطاق التأثري والتأثر؛ أي‬
‫أ ين جمال التداولية هو التفاعـل والتواصل بـني املتخاطبني وكل قول يتلفظ به هدفه إجرائي وأتثريي‪.‬‬
‫صلب أحاديثهم وخطاابهتم‪ ،‬كما يعىن من‬ ‫ختصص لسايني يدرس كيفية استخدام الناس لألدلية الليغوية يف ُ‬
‫وهي هبذا « ي‬
‫جهة أخرى بكيفية أتويلهم لتلك اخلطاابت واألحاديث»‪.10‬‬
‫إ ين أهم ما ركزت عليه األحباث التداولية يف جمال فهم النص‪/‬اخلطاب هو النظر إيل األداء الكالمي ضمن السياق ‪-‬‬
‫الداخلي واخلارجي‪-‬؛ إذ مل يعد ذلك األداء متعلقا بفهم اللغة بوصفها موضوعا مستقال عن املمارسة‪ ،‬بل بتميزها وتفسريها وفقا‬
‫الّت‬
‫لتحديد االستعمال اللساين؛ أي اعتبار اخلطاب «إنتاج لغوي منظور إليه يف عالقته بظروفه املقامية وابلوظيفة التواصلية ي‬
‫يؤذيها يف هذه الظروف»‪.11‬‬
‫معني إلقناع‬
‫متلق قصد الفهم والتفاهم على حنو ي‬ ‫فالتواصل مبين على التبادل الكالمي بني متكلم يوجه كالمه حنو ٍ‬
‫املخاطب والتأثري يف موقفه من خالل توجيهه وجهة ما يبتغيها املتكلم ويسعى إليها‪ .‬وعُ يدت كذلك «أل يهنا تبحث يف معرفة‬
‫مقاصد املتكلم‪ ،‬وأغراض كالمه؛ فاملعىن ال يستقى من البنية وحدها وهي اجلانب اللغوي منه‪ ،‬بل من اجلانب السياقي أيضا»‪.12‬‬
‫يهتم هبا املنظرون للتيداولية يف« املرسل‪ ،‬وقصده‪ ،‬ونواايه‪ ،‬واملتل يقي‪ ،‬والرسالة‪،‬‬
‫وعليه ميكن حتديد أهم العناصر الّت ُ‬
‫والسياق‪ ،‬مث أفعال اللغة»‪ ،13‬كما يتضح أ ين التداولية أصبحت تعىن بتحليل العالقة بني النص ومستعملي اللغة فهي تدرس‬
‫ظل مستبعدا من قبل اللسانيني الذين ريكـزوا فـي دراسـاهتم اللغوية على‬
‫اجلانب احلي للغة أي اجلانب التواصلي أل ين هذا اجلانب ي‬
‫علم الرتاكيب" ‪ "Syntaxe‬وعلم الداللة "‪ ،"Semantique‬فالليغة ال ميكن أن تنعزل عن استخدامها وتنحصر يف علمي‬
‫النحو واملعاين بل إ ين االتصال يلعب دورا فاعال إذا أردان أن نفهم حقيقة اللغة‪.14‬‬

‫‪240‬‬
‫املنهج التداويل يف خطبة "أكثم بن صيفي" عند "كسرى"‪.‬‬

‫ذلك أ ين «حتليل اخلطاب ابلضرورة حتليل للغة يف االستعمال‪ ،‬لذلك ال ميكن أن حنصره يف الوصف اجملرد لألشكال‬
‫اللغوية بعيدا عن األغراض والوظائف الّت وضعت هذه األشكال لتحقيقها بني الناس‪ ،‬وإذا كان بعض اللسانيني مهتمني‬
‫بتحديد اخلصائص الشكلية للغة‪ ،‬فإن ُحملل اخلطاب ملزم ابلبحث يف ما تستعمل تلك اللغة من أجله»‪.15‬‬
‫وهذا ما أشار إليه (ميخائيل ابختني ‪ )Mikhail Bakhtine‬حني قال‪« :‬إن دراسة اخلطاب يف حد ذاته‪ ،‬بدون معرفة‬
‫حنو أي شيء يتطلع خارجه‪ ،‬هي يف مثل عبثية دراسة عذاب أخالقي بعيدا عن الواقع الذي يوجد مثبتا عليه والذي حيدده»‪.16‬‬
‫وهذا يعىن أ ين التداوليات هي ذلك العلم الذي يدرس املعىن‪ ،‬مع الرتكيز على العالقة بني العالمات ومستعمليها والسياق‬
‫الذي ينجز ضمنه اخلطاب ومراعاة كل ما حييط به من أحوال وما خيضع له من مقاصد املتكلمني‪ ،‬أكثر من اهتمامها ابحلقيقة‪،‬‬
‫أو ابلرتكيب‪.‬‬
‫فمعتقدات املتكليم ومقاصده‪ ،‬وشخصيته وتكوينه الثيقايف ومن يشارك يف احلدث اخلطايب‪ ،‬واملعرفة املشرتكة بني املتخاطبني‬
‫والوقائع اخلارجية ومن بينها الظيروف املكانية والزمانية‪ ،‬والعالقات االجتماعية بني األطراف هي أهم ما تركز عليه التيداولية‪،17‬‬
‫وذلك قصد حتقيق الفهم والتفاهم‪ ،‬ومن مثي اإلقناع والتأثري‪.‬‬
‫وقد عُ يدت التداولية علما له مبادئه‪ ،‬واجتاهاته‪ ،‬ويعتمد على آليات يقوم عليها‪ ،‬منها النظرية احلجاجية‪ ،‬واالستلزام‬
‫احلواري‪ ،‬ونظرية أفعال الكالم‪...‬اخل‪ ،‬هذه األخرية أثران أن تكون ‪-‬مثلما سبق وأشران‪ -‬هي اجلانب التطبيقي يف دراستنا؛ حيث‬
‫كان الباعث للرتكيز عليها حتديدا هو‪ :‬أ ين كل اتصال لغوي يقتضي فعال كالميا‪ ،‬ومن مث فاللغة ليست أداة أو وسيلة للتخاطب‬
‫والتفاهم والتواصل فحسب‪ ،‬وإيّنا اللغة وسيلتنا للتأثري يف العامل وتغيري السلوك اإلنساين من خالل مواقف كلية على رأي‬
‫(أوسنت‪.)Austin-‬‬
‫‪ .3‬نظرية الفعل الكالمي‬
‫ابلرجوع إىل ما كتبه كل من الفيلسوف (أوسنت ‪ )Austin‬مؤسس هذه النظرية وتلميذه (سورل ‪ )Searle‬الذي‬
‫طورها من بعده جند أن "الفعل الكالمي" عندمها يعين ‪:‬التصرف أو العمل االجتماعي أو املؤسسايت الذي ينجزه اإلنسان‬
‫ابلكالم ومن هنا فالفعل الكالمي يراد به اإلجناز الذي يؤديه املتكلم مبجرد تلفظه مبلفوظات معيينة‪ ،‬وهو مفهوم نظري حديث‬
‫النشأة‪ ،‬وهو ذو طباع اجتماعي يتحقق مبجرد التلفظ به من أجل إجناح عملية التواصل‪.18‬‬
‫وهذا يعين أ ين « االستعمال اللغوي ليس إبراز منطوق لغوي فقط‪ ،‬بل إجناز حدث اجتماعي مع يني أيضا يف الوقت‬
‫نفسه»‪.19‬‬
‫وقد بدأ (أوسنت) أحباثه انطالقا من إنكاره من أن تكون الوظيفة الوحيدة للعبارات اإلخبارية هي وصف حال الواقع‬
‫وصفا يكون إما صادقا أو كاذاب وأطلق عليه املغالطة الوصفية أو اإلهبام الوصفي‪ ،‬حيث مييز (أوسنت) تبعا لذلك بني نوعني من‬
‫األفعال‪ :‬األوىل إخبارية؛ أي خترب عن واقع العامل اخلارجي‪ ،‬وتكون صادقة أو كاذبة‪ ،‬يأما الثانية فهي إجنازية؛ ميزهتا أ ين تل يفظها‬
‫ينتج عنه إجناز احلدث أو الواقع الذي تصفه‪ ،‬حيث تستخدم إلجناز فعل ما كالنهي واالعتذار والتهنئة والرتحيب والنصح‪...‬اخل‬
‫وال تتحقق ‪-‬حسب أوسنت‪ -‬إجنازية هذه العبارات إالي عرب جمموعة من الشروط مسيا النوع األول منها بشروط املالئمة‪ ،‬يف‬
‫‪20‬‬
‫فأمـا شروط املالئمة فيمكن حصرها يف‪:‬‬
‫حني مسيا النـوع الثاين ابلشروط القياسية‪ ،‬ي‬
‫‪ ‬أن يتوفر هلا إجراء عريف مقبول‪ ،‬وأن يكون له أتثريه العريف أيضا مثل الزواج والطالق‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫حسني بوفناز‪ ،‬د‪ .‬سامية عليوات‬

‫‪ ‬أن يشتمل اإلجراء العريف على التلفظ بكلمات حمددة من قبل أشخاص حمددين يف ظروف حمددة‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون األشخاص احملددون مؤهلني لتنفيذ اإلجراء‪.‬‬
‫‪ ‬أن يتم تنفيذ اإلجراء العريف على حنو صحيح من قبل مجيع املشاركني فيه‪ ،‬على أن يكون هذا التنفيذ صحيحا وكامال‪.‬‬
‫هذا فيما خيص شروط املالئمة‪ ،‬يأما فيما يتعلق ابلنوع الثاين من شروط حتقق الفعل اإلجنازي للعبارات اللغوية ‪-‬الشروط‬
‫القياسية‪ -‬فقد خلصها (أوسنت) يف ثالث نقاط أساسية هي‪:‬‬
‫‪ ‬صدق املشارك يف اإلجراء يف أفكاره‪.‬‬
‫‪ ‬صدق املشارك يف اإلجراء يف مشاعره‪ ،‬ونواايه‪.‬‬
‫‪ ‬التزام املشارك يف اإلجراء مبا يلزم نفسه به‬

‫مثي الحظ (أوسنت) بعد ذلك أنيه ميكن تقدير فعل وفق الشروط املذكورة يف العبارات اإلخبارية (الوصفية)‪ ،‬لتصري إجنازية‬
‫هي األخرى؛ وعليه فكل العبارات امللفوظة إجنازية على نوعني‪ :‬األوىل "إجنازية مباشرة"‪ ،‬فعلها ظاهر كاألمر‪ ،‬النهي‪،‬‬
‫الدعاء‪...‬اخل‪ ،‬يأما الثانية فهي "إجنازية غري مباشرة‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫وانطالقا من مفهوم (أوسنت) للقوة اإلجنازبة‪ ،‬فقد مييز بني مخسة أنواع لألفعال الكالمية كاآليت‪:‬‬
‫‪ ‬األفعال احلكمية‪ :‬ومن أمثلتها‪ :‬حكم‪ ،‬وعد‪ ،‬وصف‪...‬اخل‬
‫‪ ‬األفعال التنفيذية‪ :‬وتقوم على إصدار قرار لصاحل أو ضد‪ ،‬مثل‪ :‬ي‬
‫عني‪ ،‬أعلن‪ ،‬أمر‪ ،‬الطرد‪...‬اخل‬
‫‪ ‬األفعال الوعدية‪ :‬وهي أفعال تلزم املتكلم‪ :‬وعد‪ ،‬متىن‪ ،‬التزم بعقد‪ ،‬متىن‪...‬اخل‬
‫‪ ‬األفعال العرضية‪ :‬عرض مفاهيم حنو‪ :‬أكد‪ ،‬أنكر‪ ،‬أجاب‪ ،‬وهب‪...‬اخل‬
‫رحب‪...‬اخل‬ ‫‪ ‬أفعال السلوكات‪ :‬وهي ردود أفعال؛ تعبريات جتاه سلوك مثل‪ :‬اعتذر‪ ،‬هنيأ‪ ،‬ي‬
‫حّي‪ ،‬ي‬
‫وبعد (أوسنت) جاء تلميذه (سورل) الذي طيور نظرية "األفعال الكالمية" الّت جاء هبا (أوسنت)‪ ،‬حيث قـام (سورل)‬
‫‪22‬‬
‫الّت إذا حتققت يف الفعل الكالمي يتحقق إجنازه يف الواقع‪ ،‬وهذه الشروط هي‪:‬‬
‫بتطوير شروط املالئمة عند (أوسنت)‪ ،‬و ي‬
‫‪ ‬شرط احملتوى القضوي‪ :‬وهي الّت حتدد أوصاف املضمون ي‬
‫املعرب عنه بقول خمصوص‪ ،‬من خالل قضية تقوم على متحدث‬
‫عنه أو مرجع‪ ،‬ومتحدث به أو خرب‪.‬‬
‫‪ ‬الشرط التّمهيدي‪ :‬وهي ذات صلة مبقام التٌواصل‪ ،‬ومبا يعرفه املتكلم عن قدرات واعتقادات املستمع‪ ،‬وعن طبيعة العالقات‬
‫القائمة بينهما (موقع قوة‪ ،‬السلطة املناسبة‪...‬اخل)‪.‬‬
‫‪ ‬شرط الصدق (اإلخالص)‪ :‬وهي الّت حتدد احلال االعتقادي الذي ينبغي أن يقوم ابملتكلم املؤدي هلذا الفعل التكليمي‪ ،‬فال‬
‫يقول املتكلم غري ما يعتقد وأالي يزعم القدرة على فعل ما ال يستطيع‪.‬‬
‫‪ ‬الشرط اجلوهري (األساسي)‪ :‬ي‬
‫ويعني هذا الشرط الغرض التواصلي من الفعل التكليمي‪ ،‬هذا الغرض الذي يلزم املتكلم‬
‫بواجبات معيينة‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫املنهج التداويل يف خطبة "أكثم بن صيفي" عند "كسرى"‪.‬‬

‫ابإلضافة إىل ذلك فإ ين (سورل) سرعان ما أعاد اقرتاح مخسة أصناف لألفعال الكالمية‪ ،‬حيث جاءت تقسيماته على‬
‫‪23‬‬
‫النحو اآليت‪:‬‬
‫‪ ‬اإلخبارايت‪ :‬و ي‬
‫الّت يكون اهلدف منها تطويع املتكلم‪ ،‬وجيب أن تتطابق الكلمات مع العامل‪ ،‬واحلالة النفسية هي اليقني‬
‫ابحملتوى (الصدق)‪ ،‬مهما كانت درجة القوة‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬سيأيت غدا‪ ..‬اخل‪.‬‬
‫‪ ‬الطلبيات‪ :‬ويكون اهلدف منها جعل املخاطب يقوم أبمر ما‪ ،‬وجيب أن يطابق العامل الكلمات وتكون احلالة النفسية ترتاوح‬
‫بني اللني واإللزام‪.‬‬
‫‪ ‬الوعدايت‪ :‬ويكون اهلدف منها جعل املتكلم ملتزما إبجناز عمل‪ ،‬وجيب أن يطابق العامل الكلمات‪ ،‬واحلالة النفسية الواجبة‬
‫هي صدق النية‪.‬‬
‫‪ ‬االفصاحيات ‪ :‬يكون اهلدف منها هو التعبري عن احلالة النفسية‪ ،‬بشرط أن يكون مثة نية صادقة‪ ،‬وليس هلذا الصنف اجتاه‬
‫مطابقة‪ ،‬ومن أمثلتها أفعال الشكر والتهنئة واالعتذار‪ ،‬والتعزية‪...‬اخل‬
‫‪ ‬اإلجنازايت‪ :‬يكون اهلدف منها إحداث واقعة؛ وحيث يكون التوافق بني الكلمات والعامل مباشرا‪ ،‬حبيث يطابق احملتوى‬
‫القضوي العامل مبجرد اإلنشاء الناجح للفعل الكالمي‪ ،‬مثل أعلن‪ ،‬أصرح‪...‬اخل‪.‬‬
‫كما مل ِحيد (سورل) عن أستاذه (أوسنت) يف تفرقته بني نوعني من األفعال الكالمية‪ :‬مباشرة وغري مباشرة؛ فاألوىل أن‬
‫الّت ختالف فيها قوهتا اإلجنازية مراد املتكلم؛ إذ‬
‫يكون القول مطابقا لقصد املتكلم بصورة حرفية واتمة‪ ،‬يف حني أ ين الثانية هي ي‬
‫تتعلق ابملعىن املفهوم من وراء اللفظ‪.‬‬
‫‪ .4‬اإلطار التطبيقي‬
‫جال ملوُكها‪ ،‬وأفضل ِ‬ ‫ِ‬
‫أع ُّمها نف ًعا»‪.24‬‬
‫امللوك َ‬ ‫َ‬ ‫أفضل األشياء أعاليها‪ ،‬وأعلى ال ِّر ِ ُ‬
‫َ‬ ‫منوذج‪« :1‬إِ َّن‬

‫يفتتح "أكثم" خطبته إبخبار ملك الفرس "كسرى" أ ين أفضل األشياء وأمسى األماكن ذراها وقممها العالية ملا تتمتع به‬
‫من مشوخ ورحابة وحرية‪ ،‬وأ ين أشرف الرجال وأعالهم منزلة وشرفا هم امللوك‪ ،‬غري أ ين هؤالء امللوك صنفان‪ :‬صنف ظامل ُمتجرب‪،‬‬
‫وصنف عادل انفع لرعيته‪ .‬وقد اشتملت العبارة بناء على ذلك على فعلني لغويني إجنازيني مها‪:‬‬
‫‪ ‬فعل لغوي مباشر‪ :‬ويتمثل يف فعل اإلخبار‪.‬‬
‫‪ ‬فعل لغوي غري مباشر‪ :‬وهو نصح وتوجيه غري مباشر من (أكثم بن صيفي) لـ ـ(كسرى) بوجوب االتصاف بصفة امللوك‬
‫الشرفاء وما يتبع هذا الشرف من عدل ونفع للرعية وعدم التجرب والتسليط واستعباد للرعية‪.‬‬
‫ِ‬
‫وخري األزمنة أَ ْخ َ‬
‫صبُها»‪.25‬‬ ‫منوذج‪َ « :2‬‬
‫يف هذه العبارة فعل كالمي مباشر هو اإلخبار عن شخص (أكثم) دائما‪ ،‬خمربا (كسرى)‬
‫أب ين أفضل األزمنة والعصور أكثرها خصوبة خبريات أرضها وعدل ملوكها وأنفعهم ألهلهم وحرصهم على ازدهار أرضهم‪.‬‬
‫وإذا كانت القوة اإلجنازية املباشرة هلذه العبارة هي اإلخبار‪ ،‬فإهنا انطوت كذلك على قوة إجنازية مستلزمة‪ ،‬وهذه القوة هي‬
‫التوجيه الضمين لـ(كسرى) أبن جيعل عصره وزمنه خصبا يذكره به الناس ويتفاخرون بفرتة ملكه وحكمه‪ ،‬ليُظهر مللك الفرس أ ين‬

‫‪243‬‬
‫حسني بوفناز‪ ،‬د‪ .‬سامية عليوات‬

‫يف العرب من يفهم يف أمور احلكم‪ ،‬واحلياة‪ ،‬وأهنم ميلكون عقوال كبرية‪ ،‬وبصائر انفذة‪ ،‬وميكنه أن يستفيد منهم ومن بصريهتم يف‬
‫احلياة‪ .‬وابلتايل فإ ين بنية الفعل الكالمي يف هذه العبارة‪:‬‬
‫‪ ‬اإلخبار (هو القوة اإلجنازية احلرفية)‬
‫‪ ‬التوجيه (وهو القوة اإلجنازية املستلزمة)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َم ْه َواةٌ »‪.26‬‬ ‫َص َدقُها (‪ِّ )...‬‬
‫الصد ُق َم ْن َجاةٌ‪ ،‬وال َكذ ُ‬ ‫وأفضل اخلُطَباء أ ْ‬
‫َ‬ ‫منوذج‪« :3‬‬

‫إ ين (أكثم بن صيفي) ُخيرب ههنا املخاطب ابلرتفع واالستعالء عن الكذب واخلداع والنفاق فما على هذا ينبغي أن يكون‬
‫سيد القوم‪ ،‬بل أفضل اخلطباء وامللوك من يصدق يف قوله وفعله‪.‬‬
‫ففي هذه العبارة أمر وهني‪ ،‬أمر ابإلقبال على الصدق يف الكالم‪ ،‬وفيها هني عن الوقوع يف خمالب الكذب والنفاق‪ ،‬وعليه‬
‫فقد احتوت هذه العبارة على فعل مباشر يقابله يف الطرف اآلخر فعلني اجنازيني مستلزمني عن الفعل املباشر‪ ،‬لتأيت بناء على‬
‫ذلك بنية الفعل الكالمي هلذه العبارة على النحو اآليت‪:‬‬
‫‪ ‬الفعل املباشر‪ :‬اإلخبار‬
‫‪ ‬القوة اإلجنازية األوىل لفعل اإلخبار‪ :‬هي الرتغيب ابلصدق يف الكالم‪.‬‬
‫‪ ‬القوة اإلجنازية الثانية لفعل اإلخبار‪ :‬هي الرتفع واالستعالء عن الكذب والنفاق يف الكالم‪.‬‬
‫تاح ال َف ْق ِر‪ ،‬وخريُ األموِر َّ‬
‫الصبُ»‪.27‬‬ ‫ِ‬
‫والع ْج ُز م ْف ُ‬
‫الرأي اهلوى‪َ ،‬‬
‫منوذج‪« :4‬آفَةُ َّ‬
‫يف هذه العبارة فعلني ضمنيني أو لِنقل معنيني مستلزمني عن الفعل املباشر (فعل اإلخبار)‪ ،‬يأما الفعل الكالمي األول‬
‫املستلزم عن فعل اإلخبار يف هذا احلديث فهو التنبيه والتحذير من آفة إتباع هوى النفس بدل العقل واحلزم يف اختاذ القرارات‪،‬‬
‫بينما جاء الفعل الكالمي الثاين املستلزم عن الفعل املباشر يف صورة الرتغيب ابلصرب والدعوة إليه ابعتباره مفتاح الفرج وقت‬
‫الشدائد واحملن‪.‬‬
‫إذا الغرض اإلجنازي الذي يريد (أكثم) حتقيقه من هذا احلديث هو التنبيه من مزالق اهلوى‬
‫الّت ع يد الصرب أمهها وأنفعها‪ ،‬وهي وال شك أهم ممييزات الفرد العريب املسلم‪ ،‬وا يلّت جيب‬ ‫من جهة والتحلي ابلصفات احلميدة ي‬
‫على ابقي األمم واحلضارات التحليي والعمل هبا‪.‬‬
‫غاص ِ‬ ‫اد َّ ِ‬
‫صالح فَس ِ‬ ‫الر ِعيَّ ِة ٌ ِ ِ‬ ‫منوذج‪« :5‬إِصالح فَس ِ‬
‫ابملاء»‪.28‬‬ ‫ت بِطَانَـتُه كان كال ِّ‬
‫س َد ْ‬
‫الراعي‪َ ،‬من فَ َ‬ ‫خري من إ ِ َ‬ ‫اد َّ‬ ‫ُ َ‬
‫خيرب (أكثم) ملك الفرس (كسرى) يف هذه العبارة أ ين إصالح فساد الرعية ورعايتهم ومناقشة أحواهلم أهم بكثري من حماولة‬
‫إصالح حال الراعي ‪ ،‬ويريد (أكثم) هاهنا ابلصالح مستوى املعيشة واإلنفاق ونشر حماسن األخالق؛ وذلك من منطلق كون‬
‫صالح الرعية هو يف األصل صالح وفالح للراعي‪ .‬وقد اشتملت العبارة على فعلني لغويني اجنازيني مها‪:‬‬
‫‪ ‬فعل لغوي مباشر‪ :‬اإلخبار‪.‬‬
‫‪ ‬فعل لغوي غري مباشر‪ :‬وهو النصح واإلرشاد‪.‬‬
‫عوان من مل يـر ِاء ابلن ِ‬
‫البيء‪ ،‬خري األ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َّصيحة»‪.29‬‬ ‫َ َُ‬ ‫أمري هبا ‪َ ،‬ش ُّر امللوك َمن َخافَهُ َِ ُ ُ‬
‫منوذج‪َ « :6‬ش ُّر البالد بال ٌد ال َ‬
‫‪244‬‬
‫املنهج التداويل يف خطبة "أكثم بن صيفي" عند "كسرى"‪.‬‬

‫الّت‬
‫يف هذا النص فعل كالمي مباشر هو اإلخبار عن نتيجة وحال البالد دون أمري‪ ،‬فأسوأ البلدان ‪-‬حسب أكثم‪ -‬هي ي‬
‫ال يوجد فيها ملك حيكمها وابلتايل غياب القانون وانتشار الفوضى يف البالد‪ ،‬وأ ين أسوأ هؤالء امللوك الظاملون من ال أيمن يف‬
‫الشدة هم من يصدقوك النصيحة دون نفاق أو خداع‪.‬‬ ‫حكمهم األبرايء والبسطاء‪ ،‬ويضيف (أكثم) أ ين أفضل األصحاب وقت ي‬
‫وميكن إجياز أهم األخبار الواردة يف هذه العبارة يف‪:‬‬
‫أمري هبا‪.‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫‪َ ‬ش ُّر البالد بال ٌد ال َ‬
‫‪َ ‬ش ُّر ِ‬
‫امللوك َمن َخافَهُ َِ‬
‫البيءُ‪.‬‬
‫األعوان من مل يـر ِاء ابلن ِ‬
‫َّصيحة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َ َُ‬ ‫‪ ‬خريُ‬
‫فإذا كانت القوة اإلجنازية املباشرة هلذا احلديث هي اإلخبار‪ ،‬فإهنا تنطوي يف الوقت نفسه على قوة إجنازية مستلزمة هي‬
‫النصح والتنبيه‪ .‬وبذلك اشتمل النص على فعلني لغويني إجنازيني مها‪:‬‬
‫‪ ‬فعل لغوي مباشر‪ :‬اإلخبار‪.‬‬
‫‪ ‬فعل لغوي غري مباشر‪ :‬وهو النصح والتنبيه‪.‬‬
‫اد ما بَـلَّغَك املَ َح َّل»‪.30‬‬‫يكفيك ِمن َّ‬
‫الز َ‬ ‫َ‬ ‫منوذج‪« :7‬‬

‫إ ين هذا الكالم يندرج ضمن صنف اإلخبارايت ملا احتوى عليه من معلومات أفادت املخاطب‪ ،‬غري يأهنا تنطوي يف‬
‫الوقت نفسه على قوة إجنازية مستلزمة حتمل فعلني لغويني غري مباشرين؛ أوالمها‪ :‬متثل يف فعل التوجيه وما تضمنه من نصح‬
‫ابالكتفاء من املؤونة والزاد مبا ي ُسد احلاجة ويكف السؤال الذي يورث الذل واملهانة والضعف‪ .‬يأما اثنيهما فيتضمن فعل النهي‬
‫والتحذير؛ النهي أوال عن الطمع واجلشع الذي يُشوه من صورة الراعي يف عيون رعيته‪ ،‬فال ينال منهم االحرتام والطاعة‪ .‬والتحذير‬
‫اثنيا لِما ميكن أن يرتتب على ذلك من فنت قد تعصف ابستقرار الدولة وأمنها وهيبتها‪ .‬هكذا‪ ،‬نالحظ كيف اشتمل هذا املقطع‬
‫إىل جانب فعل اإلخبار على فعلني لغويني إجنازيني مستلزمني عن فعل اإلخبار‪ ،‬مها على التوايل‪:‬‬
‫‪ ‬فعل لغوي غري مباشر أول‪ :‬النصح‪.‬‬
‫‪ ‬فعل لغوي غري مباشر اثين‪ :‬وهو النهي والتحذير‪.‬‬
‫اخى ََتَلَّف»‪.31‬‬ ‫منوذج‪َ « :8‬من َش َّد َد نَـ َّف ًر‪َ ،‬‬
‫ومن تَـ َر َ‬
‫إذا كانت القوة اإلجنازية املباشرة هلذه العبارة هي التوصية من ابب النصح‪ ،‬فإهنا تنطوي على قوة إجنازية مستلزمة تُفهم‬
‫وتُدرك عن طريق مفهوم املوافقة‪ ،‬وهذه القوة هي الرتغيب يف املعاملة ابحلسىن والتيسري على املعسر‪ ،‬ذلك أ ين الغرض اإلجنازي‬
‫من هذه الوصية من طرف (أكثم) ليس من ابب التوصية والنصح فقط‪ ،‬وإّنا من ابب احلث على معاملة املسلم ألخيه املسلم‬
‫حىت كأ ين‬
‫معاملة يسر وحسن وعفو‪ ،‬ذلك أ ين القسوة تولد النفور والكراهية‪ ،‬يف حني حيقق التودد والتآخي احلب واأللفة واملودة ي‬
‫الذي بينك وبينه كراهية وعداوة كأنيه ويل محيم‪ ،‬وابلتـايل تكون بنية الفعل الكالمي هلذا املقطع على النحو اآليت‪:‬‬
‫‪ ‬القوة اإلجنازية احلرفية‪ :‬هي اإلخبار‪.‬‬
‫‪ ‬القوة اإلجنازية املستلزمة‪ :‬وهي الرتغيب واحلث على املودة والرفق يف املعاملة‪.‬‬
‫‪ .5‬خامتة‪:‬‬

‫‪245‬‬
‫حسني بوفناز‪ ،‬د‪ .‬سامية عليوات‬

‫لقد أفضت الدراسة يف هذا البحث إىل مجلة من النتائج‪ ،‬تتعلق يف جمملها إبجراءات وآليات املنهج التداويل يف حتليل‬
‫اخلطاب‪ ،‬والذي ميكن من خالهلا أن نتجاوز املعىن السطحي املباشر إىل املعىن الضمين املستلزم عن الفعل املباشر العتبارات‬
‫الّت خلصت إليها الدراسة يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫عديدة يفرضها مقام اخلطاب واملشاركني فيه‪...‬اخل‪ ،‬وميكن إجياز أبرز النتائج ي‬
‫‪ ‬إن املنهج التداويل يعد من أجنع املناهج يف حتليل النصوص واخلطاابت وتشرحيها بغية استنطاق الضمين من معانيها؛ ذلك أ ين‬
‫املنهج التداويل ال يقتصر على النظر يف تراكيب اخلطاب ونظامه اللغوي نظرة وصفية بنيوية‪ ،‬بل يتعدى ذلك إىل كل الظروف‬
‫واملالبسات احمليطة واملصاحبة لعملية التواصل‪ ،‬بغية الوقوف على أقرب املعاين له‪ ،‬فاملنهج الوصفي الذي اندى به (فرديناند دي‬
‫سوسري‪ )Ferdinand de Saussure-‬يهتم بدراسة اللغة ‪ ،‬أما املنهج التداويل فهو يهتم بدراسة الكالم‪.‬‬

‫‪ ‬تسعى التداولية إىل اإلجابة عن أسئلة من قبيل ‪ :‬من املتكلم وإىل من نتكلم؟ ماذا نقول حتديدا عندما نتكلم؟ كيف نقول‬
‫كالما ونقصد كالما آخر؟‬
‫‪ ‬إن املنهج التداويل من املناهج اللسانية اجلديدة‪ ،‬وهو مذهب لساين يدرس عالقة النشاط اللغوي مبستعمليه‪ ،‬وطرق وكيفيات‬
‫استخدام العالمات اللغوية بنجاح‪ ،‬والسياقات املقامية املختلفة الّت ينجز ضمنها "اخلطاب"‪ ،‬والبحث عن العوامل الّت جتعل من‬
‫"اخلطاب" رسالة تواصلية واضحة وانجحة‪.‬‬
‫ِ‬
‫املخاطب كفاءة تواصلية ولغوية وحجاجية تتحدد أساسا يف مهارة التحليل‪ ،‬ومهارة‬ ‫‪ ‬جناح اخلطاب التداويل مرهون ابمتالك‬
‫التعبري والعرض املنظم لألفكار‪ ،‬ومهارة فهم اآلخر وحسن توجيهه ومن مثي إقناعه‪ ،‬وهذا ما بدا جليا يف خطبة (أكثم بن صيفي)‪.‬‬
‫‪ ‬إ ين اللسانيات التداولية مبا هي دراسة للغة يف استخدامها وإجنازها الفعلي أي يف سياق استعماهلا‬
‫وتوظيفها تسعى بشكل خاص إىل فهم الضمين من الكالم وأتويله‪ ،‬من خالل الرتكيز على مجلة من العناصر األساسية يف‬
‫العملية التواصلية أمهيها املخا ِطب‪ ،‬واملخاطب‪ ،‬والسياق‪ ،‬واملقصدية الّت يسعى املخاطب الوصول إليها إبدراك سياق الكالم‪،‬‬
‫واالفرتاضات واملعارف املشرتكة بينه وبني منجز اخلطاب‪.‬‬

‫‪ ‬إ ين (أكثم) يف هذه اخلطبة يعرض من واقع جتاربه وفطنته البالغة جمموعة من األخبار والنصائح الّت من شأهنا بناء اجملتمع بناء‬
‫سليما حمكما على أساس سليم جمت معا يتسم ابإلجيابية يف التصرف والسلوك بعيدا عن السلبيات ‪ ،‬وقد تضمنت تلك األخبار‬
‫والنصائج جمموعة من األفعال اإلجنازية الضمنية املستلزمة عن املعىن احلريف املباشر تراوحت بني النهي والتحذير والنصح واإلرشاد‬
‫والرتغيب والتوجيه‪...‬اخل‪.‬‬
‫‪ ‬إ ين (أكثم) مبا يُقدم من أخبار ومعلومات يهدف إىل إيصال مجلة من املقاصد واألهداف الّت ال يسمح سياق الكالم‬
‫واخللفية املسبقة عن املخاطب ومكانته ابلتعبري عنها صراحة وبشكل مباشر حفظا ملاء وجه املتخاطبني ‪-‬كما يرى‬
‫ليفنسون‪ -Levinson.‬وابلتايل ضمان جناح العملية التواصلية واستمرارها وحتقيق أهدافها اإلقناعية الّت على أساسها انبىن‬
‫اخلطاب‪.‬‬

‫‪ .6‬قائمة اإلحاالت‪:‬‬

‫‪246‬‬
‫املنهج التداويل يف خطبة "أكثم بن صيفي" عند "كسرى"‪.‬‬

‫‪ 1‬أمحد اهلامشي‪ ،‬جواهر األدب يف أدبيات وإنشاء لغة العرب‪ ،‬دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪( ،1‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،)2008 ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪ 2‬جواد ختام‪ ،‬التداولية أصوهلا واجتاهاهتا‪ ،‬دار كنوز املعرفة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪( ،1‬عمان‪2016 ،‬م)‪ ،‬ص‪ ،20‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 3‬فرانسواز أرمينكو‪ ،‬املقاربة التداولية‪ ،‬ترمجة سعيد علوش‪ ،‬مركز االنتماء القومي‪( ،‬الرابط‪ ،‬املغرب‪1986 ،‬م)‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪ 4‬خولة طالب اإلبراهيمي‪ ،‬مبادئ يف اللسانيات‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬ط‪( ،1‬اجلزائر ‪2000 ،‬م)‪ ،‬ص‪.185‬‬
‫‪ 5‬خليفة بوجادي‪ ،‬يف اللسانيات التداولية‪ ،‬مع حماولة أتصيلية يف الدرس لعريب القدمي‪ ،‬بيت احلكمة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪( ،1‬سطيف‪ ،‬اجلزائر‪2009 ،‬م)‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪ 6‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.64-63‬‬
‫‪ 7‬فان ديك‪ ،‬علم النص‪ ،‬مدخل متداخل االختصاصات‪ ،‬ترمجة سعيد حسن حبريي‪ ،‬دار القاهرة للكتاب‪ ،‬ط‪( 1‬القاهرة‪2001 ،‬م)‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫‪ 8‬خولة طالب اإلبراهيمي‪ ،‬مبادئ يف اللسانيات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.177-176‬‬
‫‪ 9‬راضية خفيف بوبكري‪ ،‬التداولية وحتليل اخلطاب األديب مقاربة نظرية‪ ،‬جملة املوقف األديب‪ ،‬احتاد الكتاب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬العدد‪2004 ،399 ،‬م‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪ 10‬اجلياليل دالش‪ ،‬مدخل إىل اللسانيات التداولية لطلبة معاهد اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬ترمجة حممد حيياتن‪( ،‬اجلزائر‪1992 ،‬م)‪ ،‬ص‪.01‬‬
‫‪ 11‬أمحد املتوكل‪ ،‬قضااي اللغة العربية يف اللسانيات الوظيفية‪ ،‬بنية اخلطاب من اجلملة إىل النص‪ ،‬دار األمان للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪( ،1‬الرابط‪ ،‬املغرب‪2001 ،‬م)‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ 12‬خليفة بوجادي‪ ،‬يف اللسانيات التداولية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ 13‬بوقره نعمان‪ ،‬التصور التداويل للخطاب اللساين عند ابن خلدون‪ ،‬جملة الرافد‪( ،‬يناير ‪2006،‬م)‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪ 14‬ميجان الرويلي وسعد البازعي‪ ،‬دليل الناقد األديب‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪( ،3‬الدار البيضاء ‪2002 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.169‬‬
‫‪ 15‬جيالن براون‪ ،‬جورج يول‪ ،‬حتليل اخلطاب‪ ،‬ترمجة محد لطفي الزليطين‪ ،‬ومنري الرتيكي‪( ،‬جامعة امللك سعود‪ ،‬الرايض‪1997،‬م)‪ ،‬ص‪.01‬‬
‫‪ - 16‬ميخائيل ابختني‪ ،‬اخلطاب الروائي‪ ،‬ترمجة حممد برادة‪ ،‬دار الفكر للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪( ،1‬القاهرة‪1998 ،‬م)‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪ 17‬عبد احلميد مصطفى‪ ،‬دراسات يف اللسانيات العربية‪ ،‬دار احلامد‪ ،‬ط‪( ،1‬عمان‪ ،‬األردن ‪2004 ،‬م)‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫‪ 18‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪ ،‬دراسة تداولية لظاهرة األفعال الكالمية يف الرتاث الليساين العريب‪ ،‬دار الطليعة للطباعة و النشر‪ ،‬ط‪( ،1‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪2005‬م)‪ ،‬ص ‪.11-10‬‬
‫‪ 19‬فان ديك‪ ،‬علم النيص‪ ،‬مدخل متداخل االختصاصات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ 20‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪ 21‬خليفة بوجادي‪ ،‬يف اللسانيات التداولية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪ 22‬طه عبد الرمحن‪ ،‬اللسان وامليزان أو التكوثر العقلي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪( ،1‬املغرب‪1998 ،‬م) ص‪ ،261‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 23‬فيليب بالنشيه‪ ،‬التٌداولية من أوسنت إىل غوفمان‪ ،‬ترمجة صابر احلباشة‪ ،‬دار احلوار للنشر والتٌوزيع‪ ،‬ط‪( ،1‬سوراي‪2007 ،‬م)‪ ،‬ص‪ ،66‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 24‬أمحد اهلامشي‪ ،‬جواهر األدب يف أدبيات وإنشاء لغة العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪ 25‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪ 26‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪ 27‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪ 28‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪ 29‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.133-132‬‬
‫‪ 30‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.133‬‬
‫‪ 31‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.133‬‬

‫‪247‬‬

You might also like