Professional Documents
Culture Documents
ينبغي أن يسأل المعلم نفسه ،كيف يستطيع تسخير معطيات البيئة لتكون مساعدة له على تطبيق المناهج ،والى
أي حد ينسجم ما يطرحه المنهاج مع البيئة المحلية.
مقدمة:
توجه التربية اهتماما في الوقت الحاضر إلى تنمية االتجاهات والمهارات العملية والقدرات لدى األفراد في
اتجاه ايجابي لتحقيق األهداف التربوية.
وتسمى التربية في الوقت الحاضر إلى تعريف األفراد بمقومات بيئتهم الطبيعية واالجتماعية والتي يعتمدون
عليها في حياتهم ورفاهيتهم .بل وتتخطى إلى أبعد من ذلك الفرد إلى المجتمع الذي تسعى إلى تطويره وإنمائه
وتحقيق رخائه ،ولقد تعددت اآلراء التربوية والنظريات التي تعالج الوسائل والطرائق المختلفة التي ينبغي أن
تنشدها المدرسة من أجل تحقيق األهداف ،وما بهمنا هنا بصدد موضوعنا هو مدى استغالل المناهج
والبرامج لمعطيات البيئة ومكوناتها ،وطريقة تسخيرها من أجل تطبيق المناهج بكيفية وظيفية.
فما هي إذن المناهج ؟ وماهي البيئة؟ وماهي المشكالت البيئية التي ينبغي على المناهج أن تساهم في حلها؟
وفي المقابل ما مدى استفادة المناهج من معطيات البيئة؟
التحليل:
.1الناهج في اللغة معناه الطريق الواضح ،في األصيل الالتيني ، Cuniculonومعناها المسلك الذي يؤدي
إلى الهدف المقصود بأسرع ما يمكن.
والمنهاج هو مخطط بيداغوجي أوسع بكثير من البرنامج التعليمي وأشمل ،فإذا كان البرنامج يعني في
مفهومه الضيق مجموعة المواد الدراسية في مرحلة معينة من المراحل الدراسية ،فان المناهج أخذ يشمل
النواحي العاطفية والخبرات الثقافية واالجتماعية التي تكسبها المدرسة للتالميذ ،ال عن طريق المواد التي
تقدمها فحسب ،بل عن طريق الوسائل والطرائق ،وأوجه النشاط المختلفة التي يقوم بها التالميذ.
دينو Dodinâtفي كتابه Des fins aux objectifsأن المنهاج يحتوي باإلضافة إلى برامج و يرى ًلويس ً
ً
للغايات ً Les finsالمقصودة من التربية.وتجسد ألنشطة التعليم والتعلم التي يتضمنها للمواد على تحديد
برنامج المضامين ويشمل أخيرا على تعليمات دقيقة حول الطريقة التي بواسطتها سوف نقوم التعليم والتلميذ.
وتعرف المناهج بأنها مجموعة الخبرات العقلية والجسمية والفنية واالجتماعية التي تقدمها المدرسة الى
التالميذ ،ومن خالل تفاعلهم مع هذه الخبرات تتحقق أهداف التربية الشاملة ،ومن المعلوم أن البيئة تساهم
بدور فعال في اكتساب هذه الخبرات كما أنها تنتظر من المناهج التعليمية على الخصوص تربية الفرد
للتخفيف من مشكالتها المتعددة.
وقبل أن نتحدث عن بعض مشكالت البيئة المحلية التي ينبغي أن يعالجها المنهاج نبدأ أوال بتوضيح مفهوم
البيئة.
يرتبط مدلول البيئة بنوع ونمط العالقة بينها وبين مستخدمها ،فمثال يعتبر البيت بيئة ،والمدرسة بيئة والحي
أو القرية بيئة والوطن ،والكرة األرضية بيئة ،ومعنى ذلك أن بيئة اإلنسان تكبر وتتسع مع نموه واتساع
خبراته ،بل أن شخصية اإلنسان ومسلكه واتجاهاته وقيمه التي يؤمن بها تحددها أنماط التفاعل مع مكونات
بيئته المختلفة.
ومفهوم البيئة هنا يشمل اإلطار الذي يعيش فيه اإلنسان ،ويحصل منه على مقومات حياته من غداء وكساء
ودواء ومأوى ،ويمارس فيه عالقاته مع أقرانه من بني البشر يؤثر في البيئة ويتأثر بها ،تعرف التربية البيئية
بأنها عبارة عن برنامج تعليمي يهدف إلى توضيح عالقة اإلنسان وتفاعله مع بيئته الطبيعية ،وما بها من
موارد لتحقيق اكتساب التالميذ خبرات تعليمية تتضمن الحقائق والمفاهيم واالتجاهات البيئية ومواردها
الطبيعية ،فهي على هذا األساس جهد تعليمي موجه نحو التعرف وتكوين المدركات لفهم العالقات المعقدة بين
اإلنسان وبيئته بأبعادها االجتماعية والثقافية واالقتصادية والبيولوجية والطبيعية حتى يكون واعيا بمشكالتها،
وقادرا على اتخاذ القرار نحو صيانتها واإلسهام في حل مشكالتها ،وبالتالي حل مشكالته.
ويشير هذا التعريف إلى ضرورة اإلدراك والفهم لطبيعة المشكالت البيئية المحيطة باإلنسان والتي تثير
اهتماماته ،كما يشير إلى ضرورة تكوين اتجاهات عقلية وقيم للمحافظة على البيئة بما يؤدي إلى اكتسابه
للسلوك االيجابي نحو المشكالت التي تنجم عن تفاعله مع بيئته،وال يتأتى ذلك إال عن طريق تحديثات في
طرائق التدريس ،بحيث تجعل التلميذ ايجابيا ونشيطا وقادرا على جمع المعلومات وتحليلها واالستنتاج منها
والخروج بتعميمات ومبادئ عامة من خاللها ،ومن هنا كانت ضرورة وأهمية ربط المناهج الدراسية
بمشكالت ومعطيات البيئة ليصبح ما يتعلمه التلميذ وظيفيا ،وتظهر فائدته في تفسير واقع حياته وإمكانية
التنبؤ بمستقبله.
ومن هذا المنطق الذي يشير إليه هذا التعريف تعتبر التربية البيئية حركة تجديد وتطوير للعملية التعليمية
يكون من شأنها أن يتمكن التالميذ من الحقائق والمفاهيم المتعددة.
مشكالت البيئة:
فمنذ عشرون سنة أو أكثر بدأت حملة جادة من المفكرين المهتمين بشؤون البيئة وعلومها ،تتصدى لمشكالت
البيئة ،وقامت بدراسات عديدة في محاولة منها إليجاد حلول لهذه المشكالت التي تشعبت مع تنوع البنيات
ومع تنوع نشاط اإلنسان الذي يتجه دائما للبيئة إلشباع العديد من رغباته ،واحتياجاته ومع ذلك كان البد من
التركيز على المشكالت األكثر إلحاحا ،فانصبت الجهود على مشكلة التلوث التي كانت وال تزال من
المسببات الرئيسية لقلق اإلنسان والتي انعكس أثرها في مشكالت اجتماعية واقتصادية ،كما اتجهت جهود
هؤالء العلماء لمالحقة مشكلة الغداء ،ومشكلة االنفجار السكاني والتي لها آثارها السلبية على جميع جوانب
الحياة البشرية ،واتجهت جهود أخرى إلى مشكلة الطاقة ،وهي من المشكالت البيئية التي لها خطرها وخاصة
على المجتمعات المتقدمة والنامية في نفس الوقت.
وانعقد في السبعينات مؤتمر في السويد باستوكهل ٌم أكتوبر ٌ 1972للدعوة إلى العمل نحو إيجاد وعي بيئي
لدى كل فرد في المجتمع الدولي يؤدي به إلى المشاركة في حماية البيئة ورعايتها حتى تتضح الرؤية التي
يجب أن يكون التعامل مع البيئة من خاللها ،فالبيئة للجميع ،ورعايتها تهم الجميع ،ومشكالتها تؤثر على
الجميع ،وقد برز اتجاه يهتم بالتوعية البيئية التي ينبغي أن تنبثق من التربية ،وهو ما يعرف بالتربية البيئية،
وقد أفرز هذا االتجاه برامج للتوعية بالبيئة والوعي بكل مكوناتها ومصادرها المختلفة ،كما استوعب رجال
التربية هذا الهدف من خالل عملية جريئة مؤداها تطعيم المناهج في مراحل التعليم المختلفة بها ،وتترك في
نفوسهم أثرها وتشكل سلوكهم وعالقتهم وتصرفاتهم بما يتناسب وإيجاد حلول للمشكالت البيئية واالجتماعية
والذاتية ،ولهذا تعتبر تنمية وتكوين االتجاهات من األمور الهامة واألساسية في التربية.
دراسة البيئة وانعكاساتها في المناهج:
لقد اهتم المربون منذ فترة طويلة بالتأكيد على دراسة البيئة كوسيلة لتحقيق أهداف التربية ،وتضمنت المناهج
وخاصة في العلوم والمواد االجتماعية موضوعات عديدة عن البيئة ،وقد استخدم هؤالء المربون البيئة
كمعمل ومختبر إلجراء الدراسة ،وتعددت صور أنماط المناهج التي بنيت تبعا لهذه الفكرة ،وخرج الطالب
من بين جدران المدرسة إلى البيئة الواسعة المحيطة بها ،واستخدموها كمصدر ومنطلق للدراسة ،وهذا وادعا
بناة المناهج ومخططيها إلى االرتكاز على دراسة البيئة المحلية ،واستخدامها كوعاء يحتوي على الحقائق
والمعلومات التي يسعي المربون إلى إمداد الطالب بها،وذلك في دراسة ظاهرة معينة من ظاهرة البيئة
كدراسة حيوان أو نبات أو وسيلة مواصالت أو مرفق خدمات ...حيث يزور التالميذ مواقع هذه الظاهرة
لدراستها وتحميل ما يتعلق بها من حقائق ومعلومات بدال من دراستها بطريقة جافة تلقينية وتجريدية داخل
الفصولW.
وإذا أردنا تحقيق أهداف التربية من خالل المناهج فإننا مطالبون بأن تتحول الدراسة ً دراسة البيئة ً من خالل
المناهج لمختلف المواد لمساعدة التالميذ على اكتساب االتجاهات االيجابية نحو البيئة ،وليصبح دور هذه
المناهج فعاال ،ولتكون التربية كما قال ج.ديوي ً :التربية هي الحياة ً بل أنها كذلك من أجل الحياة وبالحياة.
فالتربية البيئية في األخير تتم من خالل دراسة البيئة هي التي يمكن أن تحقق تنميته لدراسة البيئة على أن
تتضح هذه األهداف في ذهن التلميذ وتتوافر لديه الوسائل واألدوات التي تساعده على تحقيق تلك األهداف.
لقد حدد ومؤتمر تلبيس عام 1977نقال عن تقرير نهائي لليونسكو عن هذا المؤتمر حدد أهداف التربية
البيئية فيما يلي:
الوعي بالبيئة:
-اكتساب خبرات متنوعة تتصل بالبيئة ومشكالتها.
-مساعدة التالميذ على تطوير اهتمامهم بالبيئة ،وحفزهم على اإلسهام الفعال في تحسينها وحمايتها.
-اكتساب المهارات للتعرف على المشكالت البيئية واإلسهام الفعال على مختلف المستويات في العمل على
حل مشكالت البيئة.
دور المعلم:
ينبغي أن تتنوع طرائق وأساليب التدريس لتنفيذ المناهج،وأن تتميز بأساليب ال تعطي أهمية كبيرة للحقائق،
وأن تضع التالميذ في مواقف ومشكالت تتحداهم بحيث تكون هذه المشكالت في مستوى التالميذ ،كما ينبغي
أن تحقق ايجابيتهم نحو التعلم على بصيرة بأمور بيئتهم للوصول إلى قرار وموقف.
وهذه الطرائق ينبغي أن يتطور في ضوئها دور المعلم والتلميذ معا ،فيصبح دور المعلم هو الموجه والمرشد
وليس الملقن ،وأن يثير اهتمامات طالبه نحو بيئتهم ،وعليه أن يناقش خطط ومشكالت الموضوع البيئي الذي
سيتصدى لتدريسه لهم ،وينظم عمله في مجموعات عمل بحسب ميولهم وقدراتهم واستعداداتهم ،وعليه أن
ينظم الزيارات الميدانية والدراسات العقلية ،ويعد المطبوعات وأدوات الدراسة من خرائط وجداول وأجهزة
بسيطة ،ويشجع مجموعات التالميذ على بذل الجهد ،والبحث وأن يحاول ربط العمل بالبيئة المحلية وبالبيئات
األخرى األكثر اتساعا.
ويقتضي دور المعلم كذلك تكييف المناهج لمعطيات البيئة ،ويبسطها ويختصر بعض المعلومات والمفردات
وتطبيق المناسب منها حتى ال تعزل المدرسة عن البيئة وال يقتصر دوره على العناية بالنواحي العقلية فقط
وإهمال النواحي الجسمية والفنية واالجتماعية.
كما أن وجود كتاب مدرسي معين ال يعني وفقا لالتجاهات التربوية الحديثة ،التزام المعلم الحرفي بمحتواه،
فهو مطالب بالعكس بتدريس ما يراه مناسبا للموقف التعليمي ومستوى التالميذ وميولهم وحاجاتهم في حدود
اإلطار الهام للمقرر.
ويمكن للمعلم أن يتجاوز بعض الصعوبات التي تتحدى الكتاب المدرسي عن طريق توثيق الصلة بالبيئة
المحلية أو اإلقليمية ،وكذلك عن طريق القيام ببعض الزيارات والراحالت من أجل الوقوف سير المصالح
اإلدارية وزيارة المآثر التاريخية والمرافق االجتماعية التي تكون محورا من محاور المنهاج.
وخالل هذه الزيارات تتاح الفرصة لتالميذ القرية أن يتعرفوا على المرافق االجتماعية واالقتصادية
والسياحية في المدينة ،وعلى العكس يمكن لتالميذ المدينة أو الحاضرة أن ينتهزوا فرصة المرحلة ،ليتمكنوا
من التعرف على البادية وأسواقها وتقاليدها ومواسم الفالحة فيها ..ومن خالل هذه األنشطة التي تتم خارج
المدرسة ينمي التالميذ خبراتهم العلمية والثقافية ،ويجددون نشاطهم الفكري ويتغلبون على رتابة الدراسة في
القسم.
كما أن هذه الزيارات المختلفة تجعل المعلم يتعرف على األنشطة التي تناسب التلميذ ،فيعرف كيف يقدم مادة
حية ذات معنى.
هذا فضال عن كونها تساعده على تطوير البرامج وطرائق التدريس ،وان استخدم مصادر البيئة من طرف
المعلم يعد من انشغاالت المدرسة الحديثة التي تلح على ضرورة استغالل المعلم إلمكانيات البيئة قصد إثراء
خبرات تالميذها.
إن المدرسة تستغل اآلثار التاريخية في البيئة لتبعث في الماضي الحياة وتجعله ذا معنى في ذاكرة التالميذ،
وتستغل المتنزهات لتجعل األطفال يتذوقون جمال الطبيعة ،وينمي المعلم لدى الطفل الجمال وحب الطبيعة
وتقديرها.
ويمكن للمعلم أن يوجه عنايته أيضا لجوانب البيئة الصناعية واالقتصادية وذلك عن طريق تنظيم زيارات
للمؤسسات الصناعية أو على األقل عرض صور واضحة تتالءم مع مواضيع المنهاج فيتعرف التالميذ على
المعامل ودورها االقتصادي ويتكون عندهم التقدير للعمل واحترام العاملين وبالتالي حب التنمية الصناعية في
بلدهم.
خاتمة:
لقد بينا فيما سبق توضيحا لمفهوم المنهاج ولمفهوم البيئة ودور المعلم في التعامل مع المنهاج وإخضاعه
لشروط البيئة المحلية وتسخير معطياتها لتكون في خدمة التلميذ ،وبالتالي تقريب المدرسة من الواقع المعشي.
وأخيرا فان العلم القادر على تسخير معطيات البيئة المحلية لتطبيق المنهاج يشترط فيه أن يكون مؤهال
ليتمكن من تسخير تلك اإلمكانيات في االتجاه الصحيح ،دون أن يخل باألسس األساسية في المنهاج أو يحذف
منه نصوصه أو بعض موضوعاته الهامة.
وال نريد أن نختم هذا الموضوع Wدون أن نشير إلى أهمية أنشطة التعاونية المدرسية ودورها في تقويم
المناهج الجامدة ،وكذا في استغالل البيئة المحلية ،مما يولد كثيرا من الحيوية في النشاط التعليمي والتربوي
داخل المدرسة ،ولهذا ينبغي تنوير أذهان المعلمين بأهمية النشاط التعاوني واستغالله أحسن استغالل
ومحاولة إدماجه في العملية التعليمية داخل القسم في جميع الوحدات والدروس.