Professional Documents
Culture Documents
Story 03
Story 03
األميرة والمرآة
قصص لألطفال
الحقوق كافة
مـحــــفــــوظـة
التـحــاد الـكـتـّاب الــعـرب
-2-
تأليف :عارف الخطيب
األميرة والمرآة
-قــصص لألطفــــال -
3
-4-
النقطـــة الصغـــيرة
األول..
الصف َّ
ِّ سام ٌر تلميذ صغير ،في
ويكتب جيداً ..لوال النقطة!
ُ جيداً،
يقرأ ِّ
يراها صغيرة ،ليس لها فائدة.
فال يهت ُّم بها ،عندما يكتب
وينساها كثيراً ،فتنقص درجته في اإلمالء
يعجب سامر ،وال يعرف السبب! ُ
المعلمة:
ِّ يأخذ دفتره ،ويسأل
أين أخطأت؟!
ُ
المعلمة ،وتمدُّ إصبعها ،وتقول:ِّ فتبتسم
-هذه الغين ..لم تضع لها نقطة
وهذه الخاء ..لم تضع لها نقطة
وهذه ،وهذه..
يزعل سامر ،ويقول:
-من أجل نقطة صغيرة ،تنقصين الدرجة؟!
5
-النقطة الصغيرة ،لها فائدة كبيرة
-كيف؟!
-هل تعرف الحروف؟
-أعرفها جيدا ً
المعلمة:ِّ قالت
-اكتب لنا :حا ًء وخاء
كتب سامر على السبورة :ح خ
المعلمة: ِّ قالت
ما الفرق بين الحاء والخاء؟
سامر الحرفين ،ثم قال: ٌ تأمل
-الخاء لها نقطة ،والحاء ليس لها نقطة
قالت المعلمة:
حرف العين ،وحرف الغين َ -اكتبْ
كتب سامر على السبورة :ع غ
-ما الفرق بينهما؟
-الغين لها نقطة ،والعين بال نقطة
قالت المعلمة:
ت اآلن قي َمةَ النقطة؟ فهم َ -هل ْ
ً
ظ َّل سامر صامتا ،فقالت له المعلمة:
-اقرأ ما كتبْتُ لكم على السبورة
أخذ سامر يقرأ:
-6-
ماما تغسل
ركض الخروف أمام خالي
ت رباب الخبزَ في الصحن وض َع ْ
المعلمة:
ِّ قالت
اخرجي يا ندى ،واقرئي ما كتب سامر
ت تقرأ ،بصوتدفتر سامر ،وبدأ َ ْ
َ ت ندى، أمس َك ْ
مرتفع:
ماما تعسل
الحروف أمام حالي
ُ ركض
الحبر في الصحن َ رباب
ُ توضعَ ْ
ضحك التالميذ ،وضحك سامر
هدأ التالميذ جميعاً ،وظل سامر يضحك..
المعلمة:
ِّ قالت
-هل تنسى النقطة بعد اآلن؟
قال سامر:
ت الخبزَ حبراً،-كيف أنساها ،وقد جعلَ ِّ
والخروف حروفاً! َ
7
الــــذئب والكــــالب
ت األغنا ُم ،تسو ُم في المرعى ،وادعة آمنة، كان ِ
ٌ ْ
ال تخاف من الذئاب ،إذ كان يحرسها ،ثالثة من
الكالب..
الطيب ،يجلس في ظل ظليل، ِّ وكان الراعي
ً
تحت شجرةٍ وارفة ،يعزف ألحانا ً شجية ،تهفو لها
األغصان ،وتهي ُم بها األنسام..
ذئب مخاتل ،يرصد ُ ٌ وفي هذه األثناء ،كان
األغنام خلسة" ،ويلتفت إلى الكالب ،فال يجرؤ على َ
االقتراب..
وفجأة..
الكالب تقتتل ،وقد انشغل بعضها َ أبصر
َ
ببعض..
الذئب مسروراً ،وقال في نفسه: ُ ضحك
-اآلن أمكنَتْني الفرصة!
الذئب من القطيع ،فشاهد نعجة قاصية، ُ واقترب
-8-
وأنشب أنيابه فيها..
َ فوثب عليها سريعاً،
َ
ُ
ت النعجة ،تثغو وتستغيث.. أخذ ِّ
الكالب ،الثغا َء األليم ،فكفوا عن القتال،
ُ سمع
ً
الخصام والخالف ،وانطلقوا جميعا إلى َ وتركوا
الذئب ،وحينما رآهم مقبلين ،طار فؤاده ذعراً ،فأفلَ َ
ت
النعجة ،وانس َّل هارباً ،ال يلوي على شيء..
1
عــــطاء الســـــماء
وقف الفال ُح ،على طرف حقله ،يرنو إلى سنابل
القمح ،وهي تمي ُل وتلمع ،كأمواجٍ من ذهب ،فانتشى
إعجابا ً بنفسه ،وقال:
اي الخشنتان ،لما كان هذا القمح الوافر! -لوال كف َ
العالء..
ِّ ت السما ُء في فابتسم ِّ
قالت إحدى السنابل:
-نحن أ َ ْولى بالفضل ،كنا حبوبا يابسة ،مدفونة
ً
صنا الغذاء ،وشق ْفنا التراب، في التراب ،فامتص ْ
ت كلُّوصرنا ننمو ،شيئا ً فشيئاً ،حتى كبرنا ،وأنبت َ ْ
حبةٍ ،سنبلةً فيها مئةُ حبة!
ت السما ُء في العالء..وابتسم ِّ
قالت األرض:
البذور صغيرةً،َ -أنا صاحبة الفضل ،احتض ْنتُ
وأرضعتها حتى صارت كبيرة ،فلوال ترابي ،لما
نبت قم ٌح ،وال شبع فالح! َ
- 91 -
ت السما ُء في العالء. وابتسم ِّ
ت السنة التالية ،شديدة مجدبة ،فانقطع ُ وجاء ِّ
ت
الحر ،وانتشر الجفاف ..حزن ِّ ُّ المطر ،واشتدَّ
ت شفاهها الظامئة.. س ْ األرض القاحلة ،ويب َ ُ
أنت البذور ،في ظلمة التراب ،وخافت ْ حزن ِّ
تموت أحالمها ،وال ترى النور.
حزن الفال ُح على جهده الضائع ،وأشفق على
عيال ِّه البائسين.
لت س ْ
ت السما ُء الرحيمة على الجميع ،فأر َ وحزن ِّ
ً ً
إلى األرض ،سحبا سخية ،تحمل األمطار
واألفراح..
99
البحــــر
ت السحابةُ ،مثقلةً بالمياه.. سار ِ
قطرها الغزير..
ت َ ت فوق البحر ،وسكبَ ْ وقفَ ْ
البحر ،واحتضن القطرات ُ فرح
ت البحر ت القطراتُ ،وعانق ِّ فرح ِّ
البحر:
ِّ قال
-ما أحلى اللقاء!
قالت القطرات:
أمر الفراق! -ما َّ
ت السحابة للبحر: قال ِّ
لتعرف فضليَ منحتك مائي،
َ -
-ال تمنِّي علي بفضلك .
وتنكر فضلي؟! ُ -أتأخذ ُ مائي،
ماؤك مني . ِّ -
-ال يصد ُق ادعا َء َك أحد
- 92 -
قطراتك
ِّ -اسألي
قالت القطرات بصوت واحد:
-البحر وطننا ..منه خرجنا ،وإليه نعود
ت السحابةُ من الحياء ،وانسح َب ْ
ت مبتعدة ً صمت ِّ
في السماء..
93
الصخـــرة
كــان بيتنا على حدود القرية ،قريبا ً من سفح
الجبل ..لم نعرف بيتا ً غيره ،فأحسسنا بالغربة
والملل ..ذات يوم ..عاد والدي من المدرسة ،فسألته:
-لماذا ال يزورنا أه ُل القري ِّة ونزورهم؟
قال أبي:
-ألنهم بخالء.
وقالت أ ُ ِّمي:
-ألننا غرباء .
-عند المساء ،قال والدي:
-هيا نذهبْ إلى الجبل .
خرجنا نطير فرحاً:
تسلقنا الصخور العالية ..قط ْفنا األزهار الجبلية..
نال منا التعب..
شاهد والدي ،صخرة كبيرة ،يغمرها الظ ُّل ،فقال
لنا:
- 94 -
مكان نستري ُح فيه .
ٍ -هذا أفض ُل
قعدْنا على الصخرة الملساء ،نشرب الشاي
مسرورين..
-لم نهجر الصخرة بعد ذلك..
كنا نزورها كل يوم .
نأخذ طعامنا ،ونأكله فوقها .
نلعب حولها ،ونبني بيوتا ً صغيرة.
نقبع عليها صامتين ،ونسمع من أُمنا الحكايات.
ثم نتركها في الليل ،لنأتيها في النهار .
-في آخر العام الدراسي..
ُّ
ذهبنا إلى الصخرة ،وقعدْنا كلنا عليها..
التقط لنا والدي عدة صور ،وقال:
يوم ترون فيه الصخرة . آخر ٍ-هذا ُ
-لماذا يا أبي؟
-سننتقل إلى قرية بعيدة .
مكثْتُ واجمة صامتة ،لم ألعبْ ولم أفرح..
وحينما نهض أهلي ،ليرجعوا إلى البيت،
أخرجتُ من جيبي ،قطعة من الطباشير ،وكتبْتُ على ْ
الصخرة:
-وداعا ً يا صخرتنا الحبيبة!
-في الصباح الباكر..
95
أحضر والدي سيارة ،حملنا عليها متاعنا ،ثم
ركبنا فيها ،وسارت بنا ،تُبعد ُنا شيئا ً فشيئاً ..وعندما
التفت نحو الصخرة وبكيت.. ُّ بلغنا أعلى الجبل،
- 96 -
النهـــر الصغـــير
النهر الصغير ،يجري ضاحكا ً مسروراً، ُ كــان
الخصب ،ويحمل في راحتيه َ خطواته في يزرع
العطاء ..يركض بين األعشاب ،ويشدو بأغانيه
الرطاب ،فتتناثر حوله فرحا ً أخضر.. ِّ
يسقي األزهار الذابلة ،فتضيء ثغورها باسمة.
ويروي األشجار الظامئة ،فترقص أغصانها حبورا ً
ويعانق األرض الميتة ،فتعود إليها الحياة.
ويواصل النهر الكريم ،رحلةَ الفرحِّ والعطاء ،ال
يمن على أحد ،وال ينتظر جزاء.. ُّ
وكان على جانبه ،صخرة صلبة ،قاسية القلب،
فاغتاظت من كثرة جوده ،وخاطبته مؤنبة:
تهدر مياه ََك عبثاً؟!
ُ -لماذا
-أنا ال أهدر مياهي عبثاً ،بل أبعث الحياة
والفرح ،في األرض والشجر ،و..
-وماذا تجني من ذلك؟!
97
-أجني سعادة كبيرة ،عندما أنفع اآلخرين
-ال أرى في ذلك أي ِّ سعادة!
ت لذة َ العطاء .ت مرة ،لعر ْف ِّ -لو أعط ْي ِّ
قالت الصخرة:
احتفظ بمياهك ،فهي قليلة ،وتنقص باستمرار. ْ -
-وما نفع مياهي ،إذا حبستها على نفسي،
وحرمتُ غيري؟! ْ
ت تموت . مياهك ،وإذا نفدَ ْ
َ حياتك فيَ -
قال النهر:
-في موتي ،حياة ٌ لغيري .
-ال أعل ُم أحدا ً يموتُ ليحيا غيره!
اإلنسان يموتُ شهيداً ،ليحيا أبناء وطنه. ُ -
قالت الصخرة ساخرة:
يك بعد موتكُ ،النهر الشهيد! -سأُسم َ
-هذا االسم ،شرف عظيم.
ت عنلم تج ِّد الصخرة ُ فائدة في الحوار ،فأمس َك ْ
الكالم.
**
َّت حرارة ُ الصيف ،واشتد ظمأ ُ األرض اشتد ْ
والشجر والورد ،و..
- 98 -
ت مياهه ،تنقص ازداد النهر عطاء ،فأخذَ ْ
وتغيض ،يوما ً بعد يوم ،حتى لم يبقَ في قعره ،سوى
قدر يسير ،ال يقوى على المسير.. ٍ
ً
صار النهر عاجزا عن العطاء ،فانتابه حزن
كبير ،ونضب في قلبه الفرح ،ويبس على شفتيه
جف النهر الصغير، َّ الغناء ..وبعد بضعة أيام،
ت إليه الصخرةُ ،وقالت: فنظر ْ
َ
مت أيها النهر ،ولم تسمع لي نصيحة! -لقد َّ
قالت األرض:
يمت ،ميا ُههُ مخزونة في صدري. -النهر لم ْ
وقالت األشجار:
يمت ،مياهه تجري في عروقي -النهر لم ْ
وقالت الورود:
-النهر لم يمت ،مياهه ممزوجة بعطري.
قالت الصخرة مدهوشة:
النهر الشهيد ُ حياً ،في قلوب الذين منحهمُ لقد ظ َّل
الحياة!
***
غزير األمطار،
َ كثير السيو ِّل،
َ وأقبل الشتاء،
النهر الصغير بالمياه ،وعادت إليه الحياة، ُ فامتأل
وعادت رحلةُ الفرح والعطاء ،فانطلق النهر الكريم،
91
ضاحكا ً مسروراً ،يحمل في قلبه الحب ،وفي راحتيه
العطاء..
- 21 -
29
القلـــم والممحــاة
كان داخل المقلمة ،ممحاة صغيرة ،وقل ُم
رصاص جميل.. ٍ
قال الممحاة:
حالك يا صديقي؟ َ -كيف
صديقك!
ِّ -لستُ
-لماذا؟
أكرهك.
ِّ -ألنني
ولم تكرهني؟ َ -
قال القلم:
ألنك تمحين ما أكتب. ِّ -
-أنا ال أمحو إال األخطاء .
شأنك أنتِّ؟! ِّ -وما
-أنا ممحاة ،وهذا عملي .
-هذا ليس عمالً!
- 22 -
عملك .
َ -عملي نافع ،مثل
ت مخطئة ومغرورة . -أن ِّ
-لماذا؟
يكتب أفض ُل مم ْن يمحو ُ -ألن َم ْن
قالت الممحاة:
-إزالةُ الخطأ تعاد ُل كتابةَ الصواب .
أطرق القلم لحظة ،ثم رفع رأسه ،وقال:
ت يا عزيزتي! -صد ْق ِّ
زلت تكرهني؟ َ -أما
-لن أكره َم ْن يمحو أخطائي
أمحو ما كان صوابا ً . َ -وأنا لن
قال القلم:
أراك تصغرين يوما ً بعد يوم! ِّ -ولكنني
محوتُ
ْ -ألنني أضحي بشيءٍ من جسمي كلما
خطأ .
قال القلم محزوناً:
أقصر مما كنت! ُ أحس أنني ُّ -وأنا
قالت الممحاة تواسيه:
-ال نستطيع إفادة َ اآلخرين ،إال إذا قدمنا تضحية
من أجلهم.
23
قال القلم مسروراً:
أعظمك يا صديقتي ،وما أجمل كالمك!
ِّ -ما
ت الممحاة ،وفرح القلم ،وعاشا صديقين فرح ِّ
يفترقان وال يختلفان..
ِّ حميمين ،ال
- 24 -
صبي الصهـــيوني
ال َّ
اشتريْتُ كرة ٌ جميلة ،ورج ْعتُ إلى البيت فرحاً..
ي صهيوني. ت الكرة ُ من يدي ،فالتقطها صب ًّ أفلت ِّ
قلت له:
-أعطني كرتي.
قال:
-لن تأخذَ شيئاً.
قلت له:
حق غيرك!أن تأخذَ َّ -ال يجوز ْ
ضحك ساخراً.. َ
سيغضب والدي ،إذا فقدْتُ كرتي.
ُ -
ضحك ساخراً..
سأشكوك إلى والدك!
َ
ضحك ساخراً.. َ
سأفضحك بين األوالد!
َ -
25
ضحك ساخراً..
َّ
ليرق قلبُهُ، وأذرف الدموع،
ُ شر ْعتُ أبكي،
ويعطيني كرتي ،ولكنَّهُ لم يفعل ،بل صار يضحك
مسحتُ دموعي، ْ أكثر ..امتأل صدري غضباً..
وأطب ْقتُ كفي بشدة ،وضر ْبتُهُ على فك ِّه ،فانطرح
أرضاً ،وانفجر يبكي ..أخ ْذتُ كرتي ،ومضيْتُ إلى
البيت ،وقلبي مملوء باإلباء العربي!
- 26 -
المطــــر
األكرش،
ُ يفي حديق ِّة القصر الكبير ،قعد الثر ُّ
على مقعد وثير ..وضع كلبه بين ساقيه ،وأخذ يسر ُح
ويرشف القهوة َ مسروراً.. ُ له شعره،
المطر غزيراً.. ُ ونزل
ثياب الغني ،فجعل ُ شعر الكلب ،وابتل ْ
ت ُ تلبد
يصرخ مغتاظاً:
المطر اللعين!
ُ قف أيُّها ْ -
المطر لم يقف.. َ َّ
ولكن
ت قطراته الضاحكة ،ترقص على وظل ْ
واألرض تض ُّمها إلى صدرها ،كأنها أ ٌّمُ ُ األرض..
زمن طويل ،والمطر لم يهطل. ٌ رؤوم ،فقد مضى
تقدر على ُ األرض المعطاء ،ألنها ال ُ ت
وحزن ِّ
ْ
وكثرت وجف ترابها ، َّ ماؤها، نضب
َ العطاء .لقد
ت األرض ،شفاها ً ظامئة ،ترتقب أخاديدها ،وصار ِّ
المطر .ولكن المطر لم يهطل.
27
والعشب لم ينبت
ت الضروع. وجاعت األغنام ،وجف ِّ
وطلب األطفا ُل الحليب ،وليس من مجيب.
وأصاب الهزا ُل الحمالن ،وأصبح الموتُ َ
يفترسها ،فيرمقها الرعاة ُ بأبصارهم ،وال يدرون ماذا
يفعلون.
فالمطر لم يهطل! ُ
والعشب لم ينبت!
ُ
وذهب الفالحون إلى الحقول..
وقفوا على أطرافها ،يتأملونها محزونين..
فالمطر لم يهطل!
والزرع لم ينبت!
والبذار قد يموت.
ُ والتعب قد يضيع، ُ
ويبقى العيالُ ،بغير غذاء.
ماذا يعملون؟!
الكفوف واألبصار،
َ اتجهوا إلى السماء ،ورفعوا
يدعون بخشوع ،ليهطل المطر..
وانتثر المطر ،كأنهُ الد َُّرر..
األرض ،للخصب والثمر. ُ تواهتز ِّ
وأمطر الفرح..
- 28 -
ورقص الرعاة ،وابتلوا بالمطر .
يا فرحةَ الفالح ،يا فرحةَ الشجر .
يا فرحةَ التراب ،يعانق المطر .
ي ،في شرفة قصره ،كأنه تمثال وانتصب الثر ُّ
من حجر ،يسائل نفسه مدهوشاً:
-لماذا يهطل المطر؟!
21
الصخــــور
كنت أنا وصديقي أسامة ،نطوف في أرجاء
تداعب وجوهَنا األنسا ُم وترقص ُ َك ْرمنا الحبيب،
الشمس من خالل الغصون.. ُ أمامنا الظاللُ ،وتغمزنا
كنا نسير فرحين ،نحني ظهورنا تحت عناقيد العنب
ونشق طريقنا بين األغصان المثقلة ُّ المتدلية،
بالثمار..
وصلنا إلى آخر الكرم ،وقعدْنا في الظل ،عند ْ
ت قديمة ..هذه الحجارة المرصوفة ،نستعيد ُ ذكريا ٍ
الحجارة المكسورة ،كانت -فيما مضى -صخورا ً
أرض بائرة ،فتكت ُم ٍ تربض على صدر ُ كبيرة،
حزن
ٍ األرض في
ُ ت
وتحجب كنوزها ،فعاش ِّ
ُ أنفاسها،
وهم مقيم ،ألنها تملكُ الخير ،وتعجز عن ٍ دائم،
العطاء!
ع يعال ُجاألرض ،وشر َ َ وعندما اشترى والدي
ت سخر ْ
َ َ
صخورها ،بالمعول والمطرقة والعَتَلة ،و..
الصخور الصلبة ،وقالت في نفسها- :يا للعجب. ُ منه
- 31 -
رجل ضعيف نحيف ،يبتغي قهر الصخور! انهمك
ت رحى الحرب ،بينه وبين ودار ْ
َ والدي في العمل،
الصخور ..وكان وحيدا ً في المعركة ،يقاوم صخورا ً
ثبت والدي في كثيرة ،تحت ُّل أرضه ،وتأبى الرحيلَ ..
والدم.
ِّ المعركة ،وبذ َل العرقَ
والصخور تجرحهُ الشمس تكويه بحرارتها، ُ
يضعف والُ ال عزم، فيما ماض
ٍ وهو بشظاياها،
تنكسر عزيمته.
ْ الصخور ،ولم
ُ تيتراجع ..انكسر ِّ
أزور والدي ،كلما انصر ْفتُ ُ في تلك األيام ،كنتُ
من المدرسة ،حامالً إليه طعاماً ،ال يأكله إال الفقراء،
نظرتُ إلى والدي ،وهو يأك ُل الخبزَ ْ وذات مرة،
األسمر ،والبصل ،وقلت له محزوناً: َ
-لماذا نحن فقراء؟!
مد والدي يده ،ومسح بكف ِّه على رأسي ،وقال:
الفقر عنكم يا بني! َ -سأطرد ُ
-بأي شيء ستطرده؟
-بيدي هاتين
-متى؟
-عندما أخر ُج كنوزَ األرض. ُ
قلت بائساً:
-أرضنا ال تحوي كنوزا ً بل صخوراً!
39
قال والدي باسماً:
-الكنوز مدفونة تحت الصخور.
في أحد تلك األيام ،صحبْتُ صديقي أسامة،
وذهبنا إلى والدي ،وحينما اقتربنا منه ،سلَّمنا عليه،
ب بنا مسروراً ،وقطراتُ العرق، فرفع رأسه ،ور َّح َ
ت اللؤلؤ..تلم ُع على جبينه ،مثل حبا ِّ
أرض بال ظل! ٍ لقد كان يعمل في
مسح عرقه بكم ِّه ،وألقى المعول من يده ،وقال:
-لِّنسترحْ قليالً ..لم يبق سوى هذه الصخرة.
سأله صديقي:
-ماذا ستفعل بها؟
-سأحط ُم رأسها العنيد ،كالصخور األخرى.
ت صخورا ً غيرها؟ حطم َ
ْ -هل
ضحك والدي ،وقال له:
-انظر إلى تخوم األرض.
نظر أسامة إلى حيث أشار والدي ،فشاهد سياجا ً
كبيراً ،من حجارة مكسورة..
فتح عينيه مدهوشاً ،وقال:
-هل كانت هذه الحجارة كلُّها في األرض؟!
األرض مغروسة بالصخور ،ولكنهُ ُ ت-كان ِّ
- 32 -
والدي إلى الصخرة ،يأتيها غرس ال يثمر! ونهض ٌ
هناك ،تارة يحفر تحتها من هنا ،ويأتيها من
فيتطاير
ُ عليها بالمطرقة، بالمعول ،وتارة ينهال
أطرافها ،ويصغر رأسها الشرر منها ،وتنكسر ُ
الكبير ،شيئا ً فشيئاً..
رأس الصخرة، َ وبعد جهد جاهد ،اقتلع والدي
وجعل يدفعه بيديه ،ويدحرجه نحو طرف األرض،
فبادرتُ أنا وصديقي إلى مساعدته ،وأخ ْذنا ننقل ْ
حطام الصخرة.. َ
وحينما فرغنا من العمل ،وقف والدي مرفوع
الهامة ،يرنو إلى أرضه الحبيبة،
مزهوا ً بانتصاره العظيم.
تومضان سرورا ً ،وعرقه يومض ِّ كانت عيناه
ت الصخور.. واندحر ِّ
َ ت األرض، فرحاً .لقد تحرر ِّ
امتألْتُ إعجابا ً بوالدي ،فقد كان أقوى من
الصخر ،وبعد ذلك ..حرث والدي األرض ،وحفر
ع فيها غراسا ً صغيرة ،وأصبح فيها حفرا ً كثيرة ،أود َ
الغراس تنمو
ُ ت
يعتني بها ويرعاها ،فصار ِّ
وتترعرع ،وبعد بضعة سنين ،ازدانت أرضنا
وبدأت تجود بالثمار ،فأخ ْذنا نمأل منها ْ باألشجار،
السال َل الكبيرة ،ونبيعها في المدينة ،ونشتري بثمنها
ما نحتاج ونريد ..لقد وفى والدي بوعده ،فاستخرج
كنوز األرض ،وطرد الفقر بيديه ،و..
33
تعالى صوت والدي ،يدعونا إليه..
أسر ْعتُ أنا وصديقي ،وجلسنا معه ،في ٍ
ظل
ظليل ،نأكل مما قطف لنا ،من ثمار حلوة يانعة..
قلت مسروراً:
ب والتين!
ثمار العن ِّ
أطيب َ َ -ما
كف والدي الخشنة ،وقال: نظر أسامة ،إلى ِّ
ثمار العمل! أطيب َ َ -ما
قال والدي:
ت هذه الثمار مدفونة تحت -لوال العمل ،لظل ْ
الصخور!
- 34 -
األمـــــيرة والــمرآة
كان في قديم الزمان ،أميرة ٌ شريرة ،قبيحةُ
الناس وتنهرهم،
َ الم ْنظر ،خبيثة ال َم ْخبر ،تكرهُ
ْ
وتسخر منهم وتحقرهم ،فكرهها ك ُّل َمن عرفها،
وخافها خدمها وحشمها ،بسبب عجرفتها ،وسوء
الناس
َ أعوان وعيون ،يخالطون ٌ خلقها ..وكان لها
متنكرين ،ثم يرجعون إليها ،بأخبارهم وأسرارهم،
يلتهب قلبها حقداً،
ُ وحينما تسمع ما يتناقلونه عنها،
ويتطاير غيظها شرراً ،فال يجرؤ أحد ٌ ،على
االقتراب منها ،أو النظر إلى وجهها..
وفي إحدى األمسيات ،كانت جالسة ،في شرفة
ت وصيفاتها، قصرها ،ومرآتها في حجرها ،فنادَ ْ
ومثلنَ بين يديها مطرقات، ْ فهرعْنَ إليها مذعوراتٍ،
ينتظرنَ عقابا ً أو توبيخاً.
ْ
ت األميرة ُ المغرورة ،ترنو إليهن بازدراء، ع ِّ
شر َ
شمخت بأنفها ،وقالت: ْ ثم
-أصحي ٌح ما يقوله عني الناس؟
35
-ماذا يقولون؟
-يقولون :أنف األميرة كبير ،لكثرةِّ ما تشمخ به!
يعيب صاحبه. ُ -األنف الكبير ،ال
تلو ُح به
ت سوطهاِّ ، ت األميرة ُ ،ورف َع ْ غض َب ِّ
مهدِّدةً .وتقول:
الناس ،على ما يقولون؟! َ -أتواف ْقنَ
وقلنَ في نفوسهن: طْ . ت الوصيفاتُ السو َ رمقَ ِّ
شكلك ما يكون.ِّ ْ
وليكن أخالقك،
ِّ -حسِّني
قالت األميرة حانقة:
لكن ساكتات؟! -ما َّ
صغير يا سيدتي! ٌ أنفك
ِّ -
-ال تكذبْنَ !
-اسألي المرآة ،فهي ال تكذب.
ُ
تحملق إلى تع ْت األميرة ُ المرآة ،وشر َ تناولَ ِّ
أنفها ،فقالت لها المرآة:
كبير ،لكثرة ما تشخمين به. أنفك ٌ ِّ -
ت المرآة، وأظلم وجهها ،فقلبَ ِّ َ ت األميرةُ، اغتاظ ِّ
ت رأسها ،وقالت: ت واجمة ،ثم رف َع ْ وصمت َ ْ
الناس أن لساني سليط ،وطويل ُ -ويزعم
كالسوط!
- 36 -
-إنهم يكذبون!
-وكيف أعرف الحقيقة؟
-اسألي المرآة ،تعرفي الحقيقة.
ت األميرة مرآتها ،وقر َبتْها من وجهها ،ثم رفع ِّ
ت تنظر إليه.. ت لسانها ،وجعلَ ْ دل َع ْ
قالت لها المرآة:
لسانك سليط ،وطويل كالسوط. ِّ -
ت األميرة ُ لسانها ،وقالت وهي تتمي َُّز أرجع ِّ
غيظاً:
الناس أنني شبْتُ وكبرت! ُ -ويزعم
ت صبيةً يا سيدتي! -ما زل ِّ
ْ -قلنَ الحقيقة ،وال تخ ْفنَ
لك الحقيقة. -المرآة تقول ِّ
ت األميرة ُ المرآة ،وصارت تتأ َّم ُل وجهها رفع ِّ
تخف المرآة ُ منها ،بل قالت لها: ِّ وشعرها ..لم
وشعرك أشيب.
ِّ وجهك أعجف، ِّ -
ت بها ت األميرة ُ على المرآة ،وضربَ ْ غضب ِّ
ت.. وتبعثر ْ
َ رت األرض ،فتكس ْ
ت قصرها ،وهي ت األميرة ُ مسرعة ،ودخلَ ْ وقام ِّ
تصرخ:
37
-المرآة كاذبة ،المرآة كاذبة!
ْ
وأخذت تجمع أشال َء َت إحدى الوصيفات، انحن ْ
ت إليها نظر ْ
َ َت من جمعها، المرآة ،وحينما فرغ ْ
محزونه ،وقالت:
ت المرآةُ ،ولم ْ
تقل إال الحقيقة! -لقد مات ِّ
- 38 -
31
األقــــوال واألفعـــال
كان جماعةٌ من األصدقاء ،يتنزهون في
الحقول ..شاهدوا نارا ً تشتعل ،قرب شجرة كبيرة.
وقفوا جميعاً ،ينظرون إليها..
قال إياد:
-يجب أن نطفئ هذه النار .
وقال باسم:
-إطفاؤها عم ٌل نافع .
وقال ماهر:
ث الهواء . ت ،فالنار تلو ُ -صد ْق َ
وقال أحمد:
-ودخانها يؤذي النبات.
وقال سامر:
-ويؤذي اإلنسان والحيوان .
وقال عامر:
- 41 -
-إذا لم نطفئها ،فستحرق األشجار .
وقال خالد:
-وقد تصل إلى حقول القمح .
وقال نضال:
تعب الفالحين. ُ ت المحصو َل ،ضاع -وإذا حرق ِّ
مر فال ٌحوحينما كان األصدقاء ،يقولون ،ويقولونَّ ..
شاب ،ورأى النار ،فهرع إليها مسرعاً ،وألقى عليها
ت ألسنتها الطويلة ،ولم يبقَ سوى التراب ،فاختفَ ْ
أنفاسها السوداء ،تنفذ من بين التراب ،فداسها الشابُّ
بقدمه ،وتاب َع سيره،
ولم يفتح فمه ..نظر األصدقا ُء إليه معجبين ،وحينما
غاب من أنظارهم ،أطرقوا رؤوسهم صامتين..
49
البيت المتــين
ت الرياح، أقبل الشتا ُء ،فاسود ِّ
ت السما ُء ،وهاج ِّ
أن يبني لنفسه بيتا ً
األرنب الصغير ،وعزم ْ ُ فخاف
متيناً ،يقي ِّه شر العواصف.
بدأ َ ينق ُل الحجارة َ الصلبة ،ويرصف بعضها فوق
بعض ..وبعد أيام ،أصبح البيتُ جاهزاً ،ففرح
األرنب كثيراً ،وأخذ يغني ،ثم صار يرقص..
سألَتْهُ الري ُح:
األرنب الصغير؟!
ُ -لماذا ترقص أيها
ي ،يتحدى الريح. -ألن بيتي قو ٌّ
ت؟-وكيف عر ْف َ
-لقد بنيته من أقسى الحجارة.
ونظر ْ
ت إلى البيت، َ ت الري ُح من غروره،ضحك ِّ
ت بين حجارته َ
ت أصابعها الرقيقة ،فدخل ْ ثم مد ْ
- 42 -
بسهولة ..قالت ساخرة:
بيتك قوية! -حجارة َ
-طبعاً ..طبعاً.
-ولكن ال يربط بينها شيء!
بقولك هذا؟
ِّ -ماذا تعنين
ليست متالصقةً وال ْ أن حجارته -أعني َّ
متالحمة.
-هذا ال يهم.
-أرى أنه سيتِّهدَّ ُم سريعاً.
تك!ْ -فلتختبري قو ِّ
تفانهار ْ
َ البيت،
َ ت
ت الري ُح ،ودفع ِّ اغتاظ ِّ
حجارته..
قال األرنب مدهوشاً:
هدمتِّ ِّه ،وحجارته كالحديد؟! -كيف ْ
-الحجارة المتينة ،ال تصنع -وحدها -بيتا ً متيناً.
نظر األرنب بازدراء ،إلى حجارة بيته المبعثرة
المتفرقة ،ثم خاطبها قائالً:
أضعفك إذا
ِّ صالبتك بعد اليوم ،فما
ِّ -لن تغرني
لم تتماسكي!!
43
- 44 -
وردتـــــــان
كان في غرفة سلمى وردتان :إحداهما صناعيةٌ،
تغمر ساقها
ُ في زهري ٍة أنيقة ،والثانية وردة طبيعية،
كأس من زجاج.. ماء ٍ في ِّ
ت كل ت صديقاتُ سلمى لزيارتها ،فأخذَ ْ وجا َء ْ
الكأس ،وتش ُّم الوردة ،ثم تقول
َ واحدةٍ منهن ،ترفع
منتشية:
أطيب رائحتها!!
َ -ما أجمل هذه الوردة ،وما
ت الزائراتُ ،أصبحت الغرفة خالية، وحينما انصرف ِّ
ت الوردة ُ الصناعية ،مملوءة ً بالغيظ بينما ظل ِّ
نظر
َ ْ
تلفت َ
تسمع كلمة مدح ،ولم ْ والحسد ،ألنها لم
ت نحلة جميلة ،من النافذة المفتوحة، ٌ أحد! ودخلَ ْ
ت الوردة ُ الصناعية ،أن تجذبها إليها ،لتغي َ
ظ فأراد ٍ
ت تنادي:ع ْ الوردة َ الطبيعية ،فشر َ
إلي أيتها النحلة تعالي ّ
لن تجدي مثل جمالي
منظري رائع
45
ألواني حمراء
أوراقي ناعمة
أعيش بال غذاء
وأحيا بال ماء
وأبقى ناضرة ،ال أعرف الذبول.
ت الوردة ُ الصناعية ،تباهي بجمالها ،وتفخر ظل ِّ
بير صامتة ،ال بنفسها ،والوردة الطبيعية ،تنف ُح الع َ
ْ
طارت إليها تنبس بكلمة ..وعلى الرغم من ذلك،
ت الوردة ُ النحلةُ ،وعانقَتْها مسرورة ،فغضبَ ِّ
الصناعية ،وخاطبتها مدهوشة:
جذبك إلى تلك الوردة؟!
ِّ -ما الذي
-جذبني إليها عطرها وجمالها.
ت ذلك ،ولم تسمعي منها كلمة -وكيف عرف ِّ
واحدة؟!
قالت النحلة:
-الشي ُء الجمي ُل ال يحتاج إلى دعاية وكالم.
***
ت بها الوردة ُ ت الوردة ُ الطبيعية ،شمت َ ْ حينما ذبل ِّ
الصناعية ،وقالت ساخرة:
ت سريعاً! أراك قد ْ
ذبل ِّ ِّ -
-إذا فار ْقتُ أرضي ،ال أعيش إال قليالً.
- 46 -
-أما أنا فأعيش عمرا ً طويالً.
-طو ُل العمر ،ال يدعو إلى الفخر .
-وبأي شيء نفخر؟
-بما نعطيه لآلخرين.
عمرك القصير؟! ِّ ْ
أعطيت في -وماذا
ت
ت أن ِّ -أعطيْتُ الرحيق والعطر ،فهل أعطي ِّ
عمرك الطويل؟
ِّ شيئا ً في
ت، تفك ُر فيما سمعَ ْ
ت الوردة الصناعيةِّ ، أطرق ِّ
ت رأسها ،لتعتذر إلى فأدركت صوابه ،وحينما رف َع ْ ْ
ً
ماتت ،تاركة من بعدها، ْ الوردة الطبيعية ،وجدَتْها قد
رائحة عطرة ال تموت!
47
الـمجـــنون
انصرفنا من المدرسة ،وعدنا إلى بيوتنا
فرحين ..كنا مجموعة من األطفال ،نتحادث
ونضحك ونقفز .وفي الطريق ،شاهدْنا مجنوناً،
َ
أشعث الشعر ،يرتدي أسمر البشرة،
َ قصير القامة،
َ
ثوبا ً بالياً ،يكشف عن صدره..
تحلقنا حوله ،ننظر إليه بفضول ،ونسخر من
مظهره ،بعبارات جارحة:
-انظروا إلى لعابه كيف يسيل!
-ما أبش َع منظره!
-إنه يسير حافياً!
-ما أكرهَ رائحته!
ُّ -
أظن أنه لم يغتسل في حياته!
انفجرنا ضاحكين..
المجنون صامتاً ،يرمقنا مدهوشاًْ ..
أقبلنا ُ وظل
عليه ،نغيظه ونؤذيه..
- 48 -
نأتيه من بين يديه ،ونأتيه من خلفه ..هذا يشدُّ
وذاك ينتر ثوبه ،وآخر يدفع ظهره ،وهو َ شعرهُ،
َ
يلتفت ذات اليمين ،وذات الشمال ،وال يدري ماذا
يفعل..
نكتف بذلك ،بل أخ ْذنا نقذفه بالحصى ،فهرول ِّ لم
وراءنا ،يصرخ متألماً..
هربنا من وجهه ،نركض أمامه ،ونلتفت إليه.. ْ
وحينما وقف ،عاودناهُ ثانية ،فرماه طفلٌ ،بحجر
سهُ ،وأسال دمه ،فقعد خائفاً ،يمسح كبير ،شج رأ َ
الجرح بكف ِّه ،ويتأم ُل يدَهُ الملطخة بالدماء ،ثم يرفع
بصره إلى السماء..
كففنا عن إيذائه ،ووقفنا نتأملُهُ صامتين..
عجوز ،فقيرة طيبة ،وخاطبَتْنا معاتبة: ٌ ْ
جاءت
-لماذا تضربونه يا أبنائي؟!
-إنه مجنون!
إنسان مثلكم ،يأْل ُم كما تألمون.ٌ -ولكنهُ
-أال ترينَ ش َكلهُ القبيح؟!
يعيب صاحبه ،وإنَّما ُ -يا أبنائي ..الشكل القبي ُح ال
فعله القبيح.
نكسنا رؤوسنا خجالً ،ولم ننبس بكلمة واحدة..
ت العجوز على المجنون ،تمسح له وجهه وانحن ِّ
41
وجرحه ،ثم قبلتْهُ بين عينيه ،وسحبَتْهُ من يده ،فمشى
معها طائعاً ،مثل َح َم ٍل وديع..
ألكشف
َ وسرتُ وراءها، ْ تر ْكتُ رفاقي واجمين،
ت نحوي ،فرأيتُ في عينيها الدموع.. استدار ْ َ سرها..
قلت مستغرباً:
-أتبكينَ على هذا المجنون؟!
بحنان بالغ: ٍ قالت
-إنه ابني!
-ال أكاد ُ أصد ُق!
لماذا؟
-إنه ..مجنون!
قالت العجوز:
ُ
المجنون بال أم؟! -وهل يولد ُ
قلت متعجباً:
-لماذا لم تعاقبينا على ما فعلنا؟!
العقاب يا بني؟! .ما زلتم صغاراً. ُ ولم
َ -
قلت نادما ً حزيناً:
إليك ،فهل تقبلين اعتذاري؟ -إنني أعتذر ِّ
ت رأسي ،براحتها ت العجو ُز يدها ،ومس َح ْ مد ِّ
الحانية ،وقالت:
- 51 -
أعذرك وأسامحك.
َ تحزن يا صغيري ،إننيْ -ال
ت األ ُّم الرؤوم ،تسحب ابنها الحبيب إلى ومض ِّ
قلبها ،وظللتُ واقفا ً في مكاني ،أرنو إليهما راحماً،
وأقول في نفسي:
الدروس التي نأخذها خارج جدران
َ أكثر
َ -ما
المدرسة!
59
لمــاذا بكــى مـــازن
اللعب ،وعاد إلى البيتَ ٌ
مازن ح ّل الظالم ..ترك
بعذر ،يقدمهُ لوالديه.. ٍ خائفاً ،يفكر
قال فرحاً:
-لن ينجيني إال الكذب!
أنظار األسرة،
ُ ت إليه وحينما دخل البيت ،تطلعَ ْ
بصبر فارغ.. ٍ فقد كان الجمي ُع ينتظرونه،
قال األب:
كنت يا مازن؟!-أين َ
أكتب وظائفي. ُ -كنتُ عند صديقي،
معك دفاتر! -ولكنني ال أرى َ
خجل مازن ،وقال:
-كنت أزور جدتي ،فهي مريضة .
ت من عندنا منذ قليل! -جدتك خر َج ْ
ازداد مازن خجالً ،وقال متلعثماً:
- 52 -
-كنت ..كنت ..خارج البيت!
انفجر الجميع ضاحكين..
اب باكياً!
وانفجر الكذ ُ
53
القــارب والبحــر
القارب ،يتهادى مختاالً ،فوق البحر
ُ كان
ْ
الواسع ،وما لبث أن شمخ بأنفه ،وقال:
-ما أعظمني قارباً!
البحر الكبير ،فينقلني حيثما أريد ،وال
َ أمتطي
يعصي لي أمراً.
قال البحر:
قال القارب:
ت أم أبيت.ظهرك ،شئْ َ
َ -سأظ ُّل على
وقذف
َ البحر وثار ،فصار مو ُجهُ كالجبال، ُ هاج
مكسور
َ القارب المغرور ،فانطرح على اليابسة، َ
اإلحساس..
ِّ األضالعِّ ،فاقدَ
وحينما صحا من إغمائه ،حاول أن يتحر َك ،فلم
يج ْد قدرة!
ْ
ولكن دون فائدة.. المحاولةَ،
أعادَ ِّ
تهت ،وأصبح هيكالً من شعر أن حياته قد ان ْ
أخشاب.
55
قال نادماً:
- 56 -
57
الديــك والفجـــــر
فأمسك دي َكهُ األحمر،
َ حمدان باكراً،
ُ استيقظ
ً
وربط ساقيه جيدا ،ثم ألقاهُ في السلة ،ومضى إلى
المدينة..
وقف حمدان ،في سوق المدينة ،والديكُ أمامه
مر به رجلٌ، في السلَّة ،ينتظر َم ْن يشتريه ..وكلما َّ
الديك بناظريه ،وجسهُ بيدي ِّه ،ثم يساو ُم في َ فحص
َ
يتفق مع حمدان ،وينصرف مبتعداً.. الثمن ،فال ُ
قال الديك في نفسه:
-إذا ً ستبيعني يا حمدان:
وتملم َل في السلة ،يحاو ُل الخرو َج ،فلم يقدر..
قال غاضباً..
-كيف يمدحون المدينةَ ولم أج ْد فيها إال األسر؟!
وتذك َر القريةَ والحرية ،فقال:
يصبر أه ُل قريتي على فراقي ،فأنا أُوقظهم َ -لن
كل صباح ،و..
أقبل رج ٌل من قرية حمدان ،فسلم عليه ،وقال:
- 58 -
-ماذا تعمل هنا؟
أن أبي َع هذا الديك . -أريد ُ ْ
-أنا أشتريه.
ديك حمدان ،وعاد به إلى َ اشترى الرجلُ،
القرية..
قال الديك مسروراً:
أعرف أن القريةَ سترجعني ،ألُطل َع لها ُ -كنتُ
دهش الديكُ عجباً..
َ َ
الفجر .وحينما دخل الرج ُل القرية،
الناس ،وطل َع الفجر! ُ لقد استيقظ
ً
سأل الديك دجاجة في الطريق:
الفجر ،في هذا اليوم؟! ُ -كيف طل َع
-كما يطل ُع كل يوم
عن القرية! -ولكنني كنتُ غائبا ً ِّ
الديوك غيرك .ِّ -في القرية مئاتُ
قال الديك خجالً:
-كنتُ أعتقد ُ انهُ ال يوجد ُ غيري
ت الدجاجة: قال ِّ
-هكذا يعتقد كل مغرور .
وفي آخر الليل ،خرج ديكُ حمدان ،وأصغى
الديوك ،يتعالى من كل ِّ منصتا ً فسمع صيا َح
األرجاء ،فصفقَ بجناحي ِّه ،ومد عنقه ،وصاح عالياً،
الفجر
ُ فاتحدَ صوتُهُ بأصوات الديوك ..وبزغ
51
الجميل..
- 61 -
الــمــباراة
أسامة تلميذ ٌ في الصف الرابع ُ
وأخته أسما ُء تلميذة ً في الصف الثالث
ي ومجتهد . أسامةُ ذك ٌّ
أسما ُء ذكيةٌ ومجتهدة .
أسامة يحبُّ أخته ،وينافسها في كل شيء. ْ
كل شيء .
وأسما َء تحبُّ أخاها ،وتنافسه في ِّ
يتباريان في اإلمالء
ِّ تارة ً
وتارة ً يتباريان في الرسم.
يتباريان في التعبير .
ِّ وتارة
و..
يفوز أسامةُ ،فتهنئهُ أسماء . مرة ً ُ
تفوز أسما ُء ،فيهنئها أسامة. ومرة ً ُ
تعجب بهما ،وتشجعهما
ُ وكانت أ ُّمهما المعلمةُ،
على هذا التنافس البريء..
69
وفي هذا الصباح ،استيقظ أفراد ُ األسرة ،
وشرعوا يستعدون للذهاب إلى المدرسة ،فقالت
أسما ُء ألخيها:
أنتظرك بعدَ ارتداء ثيابك ،ولن
ِّ أنت بطي ٌء في َ -
اليوم .
منك في ارتداء الثياب . -أنا أسرعُ ِّ
وأنتظرك.
َ -دائما ً أنتهي َ
قبلك
لك ،أنني أسرعُ منك . أثبت ِّ
َ -أستطي ُع أن
-كيف؟!
-نجري مباراة ً في ارتداء لباسنا المدرسي.
أعجب االقترا ُح أسما َء ،فقالت متحمسة: َ
-أنا موافقة
-و َم ِّن الحكم؟
ت إلى ساعتها ،ثم فنظر ْ
َ ُ
ت األ ُّم للمباراة، وتحمس ِّ
رفعت رأسها ،وقالت: ْ
-أنا أحك ُم بينكما.
ت أسما ُء لباسها المدرسي . جلبَ ْ
وجلب أسامةُ لباسه المدرسي . َ
ْ
ت األ ُّم: يلمس ثيابه ،قال ِّ
َ أن ُ
مد أسامة يدَهُ ،وقبل ْ
-أبع ْد يدَ َك ،حتى أُعلنَ بد َء المباراة .
- 62 -
مر ال َح َك ْمرفع أسامةُ يده ،مطيعا ً أ َ َ
ت أسما ُء ،وأمامها لباسها . وقفَ ْ
ووقف أسامةُ ،وأمامه لباسه . َ
االثنان إلى
ِّ ت األم َب ْد َء المباراة ،فسار َ
ع ُ أعلن ِّ
ثيابهما ،يلبسانها بخف ٍة ونشاط..
وعندما لبس أسامةُ صدارة المدرسي ،أدخل
الزر األو َل ،في العروة الثانية ،وتابع التزرير ،حتى
بلغ الزر األخير ،فلم يج ْد له عروة ،ورأى صداره،
طويالً من جانب ،قصيرا ً من اآلخر!
األزرار ،وعندما
َ أدرك خطأَهُ سريعاً ،وأخذ يفك َ
فرغ منها ،بدأ يزرها ثانية ،ولكنه في هذه المرة،
ص َّح ِّة البداية ،فوصل إلى نهاي ٍة صحيحة، تأكدَ من ِّ
ورأى طرفي الصدار متساويين.
تنظران إليه
ِّ وحينما رفع رأسه ،وجد أُمهُ وأخته،
وتبسمان..
قالت أسماء:
ت المباراة! خسر َ ْ لقد
قالت األ ُ ُّم:
أخوك ربح درسا ً نافعاً. ِّ
درس تقصدين؟ أي ٍ
األول .
الزر َّ الدرس الذي تعلمه من ِّ
63
كالم األُم،
ِّ ران في
األخوان صامتين ،يفك ِّ
ِّ أطرق
وعندما فهما ما تعنيه ،أشرق الفر ُح على الوجوه،
وانطلق الجمي ًع إلى المدرسة مسرورين ،فقد أخذوا
أن تفتح المدرسةُ أبوابها!
درسا ً قبل ْ
- 64 -
ســـــحابتان
مطر ،وسحابةُ ٍ سحابتان :سحابةُ
ِّ كان هناك
دخان ..كانت سحابة المطر ،تطوف في أرجاء ُ
ت حزينةً، عت نداءا ٍ السماء ،فرحة مسرورة ،فس َم ْ
وتطلب المطر..
ُ تصعد ُ من األرض ،تستغيث بها،
ت ندا َء الفالحين البائسين ،وندا َء الحقول سم َع ْ
الظامئة.
األشجار الذابلة ،وندا َء األنهارِّ ت ندا َء سمعَ ْ
الناضبة.
ت كثيرة ً وحزينة.. ت نداءا ٍ سم َع ْ
ت إلى األرض، ت السحابة الرحيمة ،ونزلَ ْ حزن ِّ
تحم ُل الفر َح والمطر.
الدخان ،وهي
ِّ ت في طريقها ،سحابةَ صادفَ ْ
تصعد إلى السماء ،فسألتها قائلة:
ت ذاهبة؟-إلى أين أن ِّ
-أنا ذاهبة إلى السماء .
65
أرسلك إليها؟
ِّ َ -م ْن
الناس أرسلوني . ُ -
-أال تعرفينَ أن دخان َِّك يلوثها؟
يعنيك
ِّ أمر ال
-هذا ٌ
قالت سحابة المطر:
أدعك تلوثينه .
ِّ -السما ُء وطني ،ولن
-أنا حرةٌ ،أفع ُل ما أشاء .
ت حرةً ،عندما تؤذين غيرك . -لس ِّ
ت سحابةُ الدخان، وطال بينهما الجدال ،وظل ْ
ت سحابةُ المطر ،وصب ْ
َّت متشبثةً بالعناد ،فغض َب ْ
ماءها الغزير ،على سحابة الدخان..
المطر،
ُ فانتصر
َ المطر والدخان، ُ وتعارك
وتالشى الدخان..
المطر إلى األرض ،ولكنه كان مطرا ً ْ ونزل
أسود!
الناس إليه ،وقالوا مستنكرين: ُ نظر
-مطر أسود! ..ما أبشعه!!
قال المطر ،وهو محزون:
-ال تلوموني ،ولوموا أنفسكم.
- 66 -
الســــاعة الذهبيــــة
وسار انصرف التالميذ ُ من المدرسة، َ
الصديقان ،أحمد ُ وغزوان ،في طريق واحد.. ِّ
قال غزوان:
لندرس معا ً
َ اليوم،
َ ي
-تعا َل إل َّ
-متى أجيء؟
في الساعة الرابعة .
الصديقان ،فذهب ك ُّل واح ٍد إلى بيته..
ِّ وافترق
ُ
غزوان ،صديقة وفي الموعد المحددِّ ،استقبل
أحمد ،وأخذ يحدثهُ ،عن زمالء المدرسة ،فيغتاب
سلوك ذاك..
َ ويعيب
ُ هذا،
قال أحمد ،محاوالً إنها َء الحديث:
-أال نبدأ ُ بالدراسة؟
-الوقتُ أمامنا طويل.
-الوقتُ من ذهب ،وعلينا أن ننفقه فيما يفيد.
67
-ألم يعجب َْك حديثي؟!
سكت أحمد ُ خجالً.. َ
ث عن إخوته، غزوان الكالم ،فتحد َ ُ وتابع
وألعابهم ،وخالفاتهم ،و..
شعر أحمد بالصداع ،وألقى نظرة على ساعته،
فوجدها تشير إلى الخامسة ،فرفع رأسه ،وقال
غاضباً:
-أتدري ماذا أض ْعتُ عندك؟
ت؟
-ماذا أض ْع َ
ً
-أض ْعتُ ساعة ذهبية!
عن
ِّ ُ
يبحث غزوان ،ونهض مسرعاً، ُ ئ
فوج َ
الساعة ،فوق المكتب ،وبين الدفاتر ،و..
أحمد ُ يراقبه صامتاً..
غزوان على شيء ،فقال يائساً:ُ يعثر
لم ْ
-لم أج ِّد الساعة
-لن تجدها ،مهما بحثت
غزوان إلى صديقه ،فرأى ساعته في ُ ونظر
معصمه!
قال ساخراً:
-أهذه ساعتك الضائعة!؟
- 68 -
الساعة الضائعة غير هذه .
-وهل هي من ذهب؟
-نعم ،إنها من ذهب .
ُ
اللغز وانقطع الكالم ،وساد الصمت ،وظل
ع ساعةً ذهبية.
غامضاً ..أحمد لم يكذبْ ،فقد أضا َ
وغزوان لن يجدَها ،مهما بحث عنها!
-ما الساعة الذهبية التي أضاعها أحمد؟!
أطرق غزوان ،يفك ُر حائراً..
فكروا معه قليالً ،فقد تصلون قبله إلى الجواب.
61
المعلمـــة الصغــــيرة
جرس الدرس.. ُ ّ
رن
ت التلميذاتُ إلى الصف ،وجلسْنَ في ع ِّأسر َ
المعل َمة..
ِّ قدوم
َ ينتظرنَ
ْ المقاعد هادئاتٍ،
تناهز الخمسين من ُ معلمة الصف،ُ ِّ كانت
عمرها ،ولكنها ال تزال حازمة ،ال تتغاضى عن
الشغب ،وال تسام ُح في التقصير ،شعارها الجدُّ
والنظام ،في الدراسة ،وفي الدوام ،كأنها ساعة
عاقلة.
ت اليوم؟! -لماذا تأخ َر ِّ
قالت تلميذة:
-المعلماتُ مجتمعاتٌ في اإلدارة
-متى ينتهي االجتماع؟
-ال ندري!
ت تتملم ُل فيت ليلى الصغيرة ،وبدأ َ ْ فر َح ْ
تستقر
ُّ ذات اليمين وذات الشمال ،وال مقعدها ،تمي ُل َ
- 71 -
على حال ..إنها طفلة شقراء مرحة ،ماهرة في
التمثيل ،وتقليد اآلخرين ،فنالت محبةَ زميالتها ،بما
لديها من دعابة ومزاح.
ت ليلى الفرصة ،وغادرت مقعدها.. انتهزَ ْ
المعلمة ،على المنصة القريبة
ِّ ت في مكان وقفَ ْ
ت على عينيها نظارة ،مثل من السبورة ..وض َع ْ
ْ
تنحنحت، ً
َت ظهرها قليال ،ثم نظارة معلمتها ،وحن ْ
المعلمة:
ِّ تقلد
وقالت ِّ
79
ذات النظارة ،واقفة في الباب! َ
واحمر وجهها خجالً، َّ انعقد لسانها حيرة،
ت رأسها ،ال تدري ماذا تفعل.. فأطرقَ ْ
ت ضحكاتٌ ت ثقيل ،ثم أفلت َ ْ ت لحظاتُ صم ٍ مر ْ
محبوسة ،من هنا وهناك..
معلمتها خلسة،
ت إلى ِّ ونظر ْ
َ ت ليلى رأسها، رفعَ ْ
فرأتها تبتسم!
كانت ابتسامتها شمسا ً مشرقة ،أضاءت نفسها
غيوم الخوف والحزن.. َ ت عنها المظلمة ،وقش َع ْ
عادت إليها شجاعتها ،وقالت معتذرة:
-أنا آسفة!
-ال داعي إلى األسف يا بنتي!
-سامحيني على مافعلت.
عليك
ِّ -لستُ عاتبةً
-هل أذهب إلى مقعدي؟
المعلمة:
ِّ ت
قال ِّ
-لن تذهبي إال بشرط.
-ما هو؟
-أن تنضمي إلى فرقة التمثيل في المدرسة
قالت ليلى فرحة:
- 72 -
-موافقة!
المعلمة ،وقالت:
ِّ تضح َك ِّ
المعلمة
ِّ -اذهبي اآلن إلى مقعدك ،أيتها
ت ليلى إلى مقعدها ،وهي تكاد ال ع ْ الصغيرة! أسر َ
المعلمة
ِّ أن تامة، ثقة على ْ
ت ح
َ أصب أنها تصدق ،غير
هي أُمها الثانية!
73
الــــورد والعوســــج
ت صغير ،على عاشت شجيراتُ الورد ،أمام بي ٍ
طرف القرية ،وكانت صاحبة البيت العجوز ،تحب
وردَها كثيراً ،وتوليه كل عناية ،وتسقيه كل يوم،
وعلى الرغم من ذلك ،لم يكن الورد سعيداً..
-لماذا؟
-ألن األوالدَ يقطفون منه خلسة ،والحيوانات
تدوس فوقه ،وتتلف بعضه.
عاش الورد في حزن وخوف
ت إلى الحل، ُ
العجوز في أمره ،فاهتدَ ْ ت
فكر ِّ
سج حول الورد.. و
َْ َ ع ال أشجار س ْ
ت وغر َ
وعندما كبر العوسج ،أحاط بالورد الجميل،
شاهرا ً أشواكه الحادة ،كأنه صف من الجنود
المسلحين..
حاول األوالد ُ اختراقه ،فأدمى أناملهم،
وانصرفوا يائسين..
- 74 -
ت الحيواناتُ أفواهها ،فوخزها شوكه، ومد ِّ
ت غاضبة. وارتد ْ
فرح الورد ُ بحياته اآلمنة ،فمأل المكانَ عطرا ً
وسحراً..
ت وردة ٌ صغيرة، وذات صباح مشرق ،تفت َح ْ
فرأت دنيا جميلة..ْ
تع ْ
ت وجهها األحمر بقطرات الندى ،وشر َ غسلَ ْ
تميل مختالة ،وترنو حولها ،فرأت قربها ،شجرة
عوسج..
ت من شكلها ،وخاطبَتْها ساخرة: نفر ْ
َ
-ما اسمك أيتها الشجرة الغريبة؟
-أنا شجرة العوسج.
راب التي تحملينها؟!
الح ُ -ما هذه ِّ
-هذه أشواكي .
شكلك بهذه األشواك!
ِّ -ما أقبح
-ال أستطيع تغيير شكلي ،يا صغيرتي الجميلة!
فلم تعيشينَ قرب الورد -إذا كان شكلك قبيحاًَ ،
الجميل!؟
قالت شجيرة الورد ،وقد نفذ صبرها:
-تعيش قرب الورد الجميل ،لتحمي جماله من
األذى .
75
-بأي شيءٍ تحميه؟!
-تحميه بهذه األشواك ،التي تسخرين منها .
-الورد ال يعتدي عليه أحد .
وانقطع الحوار فجأة ،حينما مد ولد ٌ يده ،ولوى
عنق الوردة ليقطفها ،فبدأت ترتجف مذعورة..
ت العوسجةُ الولدَ ،وطعنته بأشواكها الحادةِّ، هاج َم ِّ
ً ً
فأبعدَ يدَهُ مسرعا ،وانصرف متألما ،يفرك ساعده،
وينفخ عليه..
قالت شجيرة الورد:
لك أيتها العوسجةُ الطيبة!
-شكرا ً ِّ
ت إلى شجرة واعتذر ْ
َ ت الوردة ُ الصغيرة، خجلَ ِّ
العوسج ،فسامحتها العوسجة ،وقالت لها:
شكلك الجميل.
ِّ ع أحدا ً يعتدي على-لن أد َ
قالت الوردة الصغيرة:
-وأنا لن أنكر -بعد اليوم -فعلَ ِّك الجميل.
- 76 -
النقطـــتان
نقطتان ،فوق صفح ٍة بيضاء..
ِّ الت َقتْ
وبعد أن تبادلتا التحية ،قالت إحداهما لألخرى:
-ما أجم َل هذه الصفحة!
-تعالي ،لنسير عليها .
ئ خطوطا ً .-إذا سرنا عليها ،ستمتل ُ
-وما الضرر في ذلك؟
-نفسد ُ الصفحةَ ،فال تصل ُح لشيء .
-اطمئني يا صديقتي ..سنرسم خطوطا ً لها
معنى.
-ماذا تقصدين؟
-اتبعيني ،وسترين .
-أنا متعبة اآلن .
-انتظريني إذاً ،حتى أعود .
سأنتظرك.
ِّ -
77
ت النقطةُ الصغيرة ،فوق الورقة البيضاء، سار ِّ
راسمة وراءها ،خطا ً أزرق ،ينحني تارة ،ويستقيم
أخرى..
كانت خطواتها قصيرة ،وطريقها طويلة،
ت فأعياها المسير ،ولكنها لم ترجع يائسة ،بل ظل ْ
غت طرف الورقة، ت عليه ،حتى بلَ ْ ماضية فيما عز َم ْ
ت راجعة ،ترسم خطا ً ت نحو األسفل ،ثم انعطفَ ْ فاتج َه ْ
ت تحث الخطا،ُّ َّ
جديداً ،يبعد عن الخط السابق ،وظل ْ
ت منه، ت إلى المكان األو ِّل ،الذي انطلقَ ْ حتى وصلَ ْ
ت صديقتها في انتظارها.. فوجدَ ْ
قالت لها ،وهي تلهث:
-انظري ما صن ْعتُ على الورقة!
أنت صديقتها ،الشكل المرسوم ،وما لبثت ْ تأملَ ْ
قالت:
-هذه خارطةُ الوطن العربي!
-هل أفسدْتُ بها الصفحة؟
ت يا صديقتي ،فاستريحي حتى أكم َل -لقد أحس ْن ِّ
العمل.
-ماذا ستفعلين؟
-سأرس ُم الحدودَ ،بين الدول العربية
أن تفعلي! اك ْ -إي ِّ
- 78 -
-لماذا؟
-لن نض َع حدودا ً بين األشقاء .
ت ،ثم قالت مسرورة: ت النقطةُ فيما سمعَ ْ فكر ِّ
-ما أعظمك يا صديقي!
هتاف
ٌ النقطتان النظرات ،وارتفع منهما
ِّ ت تبادلَ ِّ
واحد!
-لن نرسم الحدود.
-لن نرسم الحدود .
النقطتان ،وتعانقتا طويالً..
ِّ ت
فر َح ِّ
شعرتا بسعادة كبيرة ،وكرهتا العودة إلى
النقطتان الصغيرتان ،نقطةً
ِّ االنفصال لقد صارت
واحدة ً كبيرة:
..
71
ــو َخــــة
َخ ْ
غزوان طف ٌل صغير ،في الرابعة من عمره ،فيه
ت أمه..صفة ذميمة ،كثيرا ً ما أغضبَ ْ
-أتريدونَ معرفةَ هذ ِّه الصفة؟
لن أبو َح لكم بها ،بعد قليل تكشفونها ،عندما
تعرفون ،ما فعل غزوان اليوم ،فقد كان جالساً،
يقلب صفحاته،
ُ كتاب،
ٌ بجانب المدفأة ،وبين يديه
ويتفر ُج على صوره الملونة..
ً
شاهدَ صورة َ خوخةٍ ،نظر إليها طويال ،ثم حمل
كتابه ،وذهب إلى أُم ِّه ،وقال:
-ما هذه؟
-خوخة.
-كيف طعمها؟
ب لذيذ.
-طي ٌ
قال غزوان:
- 81 -
-أريد ُ خوخة
-في الشتاء ،ال يوجد خو ٌخ يا حبيبي
-أريد خوخة.
لك خوخا ً كثيراً. عندما يأتي الصيف ،سأشتري َ
-أريد خوخة
طتْها ابنها ،وقالت:ت األ ُ ُّم برتقالةً ،أع َ
جل َب ِّ
أطيب من الخوخة.
ُ -هذه البرتقالة،
ُ
أك َل غزوان البرتقالة ،ثم ركض إلى أ ِّم ِّه ،وقال
لها:
-أريد خوخة
ت له أُمهُ ،تفاحة حمراء ،أعطتْه إياها، جل َب ْ
وقالت:
أطيب من الخوخة.
ُ -هذه التفاحة،
ُ
أكل غزوان التفاحة ،ثم ركض إلى أ ِّم ِّه ،وقال
لها:
-أريد خوخة.
ت له أُمهُ ،موزة ً صفراء ،أعطتْهُ إياها، جلبَ ْ
وقالت:
ب من الخوخة. -هذه الموزة ،أطي ُ
أكل غزوان الموزة ،ولحس فمه بلسانه ،ثم
89
ركض إلى أمه ،وقال لها:
-أريد خوخة.
ت األُم به ذَ ْرعاً ،وقالت غاضبة: ضاقَ ِّ
-ال يوجد خوخ ..ال يوجد خوخ!
-أريد خوخة.
ت عن إرضاء ت األ ُ ُّم في أمرها ،وعجزَ ْ حار ِّ
ابنها ،فتركته يبكي ،وذهبت إلى عملها ..بعد وقت
يسير ..انقطع البكاء!
ت غزوان، ت األ ُّم ،لتعرف األمر ،فوجدَ ْ هرع ِّ
يغط في النوم.. ُّ
ت به ت األ ُ ُّم الصعداء ،وجاءت بغطاءَّ ،
فغط ْ س ِّ تنف َ
ْ َ
ابنها ،ثم وقفت على رأسه ،ترنو إليه بحنان ،فس َم ْعتهُ
يقول ،وهو نائم:
-أريد خوخة ..خوخة!
- 82 -
إبــرة الطــبيب
رس المدرسة ،وانطلقَ التالميذ ُ إلى رن ج ُ ّ
الباحة ،يركضون ويلعبون ،يضحكون ويصرخون..
ب كتبَهُ ،وأصواتُ الصف ،يرتِّ ُ
ِّ وظل أحمد ُ في
زمالئه ،تمأل ُ أذنيه..
وفجأة.
ت الحركةُ واألصوات! انقطعَ ِّ
قال أحمد مدهوشاً:
أمر عجيب ..ماذا حدث؟! ٌ -
ليعرف السبب..
َ خرج مسرعاً،
شاهد التالميذَ مجتمعين ،يمدُّون عيونهم إلى باب
اإلدارة..
انضم أحمد ُ إليهم ،ينظر حيثما ينظرون.
رأى رجالً غريباً ،يلبس ردا ًء أبيض .
َ -م ْن هذا؟
طبيب من المدينة . ٌ -
83
ولم جاء إلى مدرستنا؟! َ -
ليضرب التالميذَ باإلبر
َ -
-لماذا؟
-يقولون إنها لقاح ضد المرض .
-أي مرض؟
-ال نعرف اسمه.
يجه ُز
الطبيب ،فرآه ِّ
َ يراقب
ُ ت أحمد ُ ،وأخذ ص َم َ
اإلبرة .
خاف أحمد من وخزها ،وأضمر في نفسه أمراً.
صف المعل ُم التالميذَ .وجعلوا يتقدمون إلى
الطبيب ،واحدا ً إثر آخر..
كان أحمد مختبئاً ،يحبس أنفاسه ،ويسترق
السم َع ،فال يصلُهُ إال أصواتٌ خافتة ،وكلماتٌ
غامضة.
مكث صامتا ً يترقب..
ت األصوات ،و ..أخر َج وأفلت التالميذُ ،وتعال ِّ
َ
سهُ ،ونظر مستطلعاً ..لقد انصرف الطبيب، أحمد ُ رأ َ
وانتهى ك ُّل شيء.
نهض أحمد فرحاً ،يقول في نفسه:
يدر بي أحد!
-لم ِّ
واختلط برفاقه ،يستمع إلى حوارهم..
- 84 -
-كنتُ خائفا ً من اإلبرة
ولم الخوف؟! ..إنها مث ُل وخزةِّ الشوكة َ -
-هل تؤلمك اآلن؟
غير دقيقة .
-لم أتأل ْم َ
-ظن ْنتُ أنه سيأخذ ثمن اإلبرة .
-ليس معنا قرش واحد!
-أخذناها مجانا ً وانتهينا .
-وماذا ستفيدنا؟
-إنها تقي أجسامنا من المرض .
سمع أحمد هذا الكالم ،فخجل من جبنه ،وندم
الندم ال يفيد ،فبعد أيام ،أصابه
َ على هروبه ،ولكن
المرض ،فانقطع عن المدرسة ،ولبث في البيت..
قال والده ،وهو يلمس جبينه:
ينتفع باللقاح اللعين!
ْ -لم
وقالت والدته ،وهي محزونة:
أن نأخذَهُ إلى الطبيب. -يجب ْ
-ال أملكُ إال عشرين ليرة .
-وأنا معي ثالث عشرة ليرة .
وقالت أخته الصغيرة:
-وأنا معي خمس ليرات .
85
قال األب:
-ال حو َل وال قوة إال بالله.
وقال أحمد في سره:
-لقد تعل ْمتُ درسا ً لن أنساه..
األلم القليل قد يُنت ُج راحةً كبيرة .
والمعل ُم هذه المرة هو :إبرة الطبيب!
ِّ
- 86 -
شــــجرة اللـــوز
حفر والدي حفرة ً صغيرة..
َ أمامَ بيتنا الجميل،
أخر َج لوزة ً يابسة ،رفعها بإصبعيه ،وقال:
-ما هذه يا أحمد؟
-لوزة صغيرة .
تنس ذلك . -ال َ
-لن أنسى أبداً.
وردم
َ وضع والدي اللوزة ،في قَ ْعر الحفرة،
فوقها التراب..
ت اللوزة في التراب؟! لم وض ْع َ َ -
-لنحص َل على لوز كثير.
ِّ -م ْن أين؟
ِّ -م ْن هذ ِّه اللوزة.
-كيف؟!
-اسأ ِّل األرض .
87
-لم أفهم!
-ستفهم فيما بعد.
***
ت شهور.. ض ْ م َ
التراب ،وظهر رأس أخضر ،أخذَ يكبر ُ انشق
ويكبر ،حتى صار شجيرة ً صغيرة ،طريةَ
األغصان ،ناعمةَ األوراق.
ودار الزمان.. َ
لوز كبيرة.ت الشجيرة ُ الصغيرة ،شجرة َ ٍ وأصبح ِّ
زارها الربي ُع ،وزيَّنَها باألزهار.
ما أجمل اللوزة!
نلعب في ظاللها .
ُ أنا وإخوتي
تمتص رحيقَ أزهارها . ُّ والنح ُل
والطير تغرد ُ على أغصانها . ُ
وبيتنا يزداد ُ جماالً بجمالها
***
وفي أواخر الصيف ،قطفنا منها لوزا ً كثيراً،
أكلنا منه طوا َل فص ِّل الشتاء.. ْ
وتذك ْرتُ اللوزة َ الصغيرة ،التي طمرها والدي
في األرض ،منذ بضع سنوات ،فسألته حينذاك:
- 88 -
ت اللوزة َ في التراب؟! لم وض ْع َ َ -
لوز كثير -لنحص َل على ٍ
ِّ -م ْن أين؟
ِّ -م ْن هذه اللوزة
-كيف؟!
-اسأ ِّل األرض .
ولكنني اآلن ..لن أسأ َل األرض ،فقد عر ْفتُ كل
حصلتُ على جواب..ْ األرض ،لما
َ ْ
لوسألتُ شيء،
تعرف الكالم .فما
ُ تعرف العطا َء ،وال
ُ األرض
ُ
أكرمك أيتها األرض!ِّ
أعطيناك لوزة ً صغيرة ،فأعطيتنا شجرة ً كبيرة، ِّ
ولوزا ً كثيراً..
81
الثلـــــج
تربَّ َع الثل ُج على قم ِّة الجبل ،وألقى نظرة ً إلى
ضحك مغروراً ،وقال:َ األراضي الواطئة ،ثم
-أنا فوق الجميع:
نادَتْهُ َربْوة ٌ قريبة:
-أيُّها الثل ُج العظيم ،إنني ظامئة فأغثْني .
-لن أغادر القمة ،فابحثي عن غيري .
بذور صغيرة ،ستموتُ من العطش . ٌ -في جوفي
ْ -فل ْ
تمت
ت سيموتُ الربيع. -إذا مات َ ْ
يمت .ْ -فل ْ
ب:النهر الطي ُ
ُ ت الربوة ُ كثيراً ،فقال لها حزن ِّ
-ال تحزني أيتها الربوة الصغيرة ،سأمنحك
آخر قطرة.
مياهي ،حتى ِّ
ترشف من النهر، ُ ت الربوةُ ،وبدأ َ ْ
ت فر َح ْ
- 11 -
وتُرض ُع بذورها الصغيرة.
بعد أيام..
فذهب إلى
َ يجف ويموتُ ، ُّ ت مياهُ النهر ،وكاد قل ْ
الثلج ،وقال:
ت مياهي ،فجئْتُ -أيها الثل ُج الجليل ،لقد شح ْ
ع ْونك . طالبا ً َ
مني؟!تطلب ال َع ْونَ ُِّ ولم
َ -
-ألن َك قريبي
-كيف؟!
أنت ما ٌء ،وأنا ماء َ -
أشبهك ،وال تشبهني ،فابتع ْد عني .انصرف َ -ال
النهر يائسا ً حزيناً.. ُ
ت من غرور الشمس حوارهما ،فغضبَ ْ ُ ت
سمعَ ِّ
ْ َ
وزفرت زفرة حارة ،ثم سلطت أشعتها ً ْ َ الثلج،
يذوب شيئا ً فشيئاً ،ليرج َع
ُ ذ فأخ الثلج، على الحامية
ما ًء ،كما كان ،فقال مدهوشاً:
-يا للعجب ..إنني أتحو ُل إلى ماء!
استمر الثل ُج يسيل ،قطرات تتبعها قطرات ،كأنها
دموع غزيرة ،يذرفها الثلج ،وهو ينسحب من القمة،
وينزل رويدا ً رويداً ..وحينما وصل إلى األراضي
الواطئة ،سا َح في كل اتجاه ،هائما ً على وجهه ،ال
19
ب ،واستنجدَ يستقر ،فهرع إلى النهر الطي ِّ ُّ يدري أين
به ليؤويه ،فقال النهر:
بك يا عزيزي: -أهالً َ
وسرعان ما احتضنه بين ضفتي ِّه ،فاتحدَ ما ُء
النهر ،وما ُء الثلج..
النهر دفاقا ً غزيراً.ُ وسار
يجود ُ بمائ ِّه ،وهو طروب.
ت الربوةُ ،وارتوى السهل. فارتو ِّ
ت سوقهاالبذور ،واستطالَ ْ
ُ ت
ونَ َم ِّ
ت إلى النور. جوف األرض ،وخر َج ْ َ ع ْ
ت ثم ودَّ َ
ألوان وعطور..ٍ فو ِّلدَ الربيع ..جنَّة ُ
- 12 -
13
العنكــــبوت
جدار البيت،
َ ت النملةُ الصغيرة ،تصعد ُ كان ِ
بيت عنكبوت.. ت ََت زاويته ،شاهدَ ْ وعندما بلغ ْ
ت نسجه دقيقاً، صهُ ،فرأ َ ْت منه تتف َّح ُ اقتربَ ْ
ت العنكبوتُ ،وخيوطه واهية ،وفي ناحية منه ،كمن ِّ
ساكنةً هادئة..
تأملَتْها زمنا ً طويالً..
لم تبارحْ مكانها!
ت النملةُ رأسها ،وقالت للعنكبوت: رفع ِّ
-أال تخرجينَ من بيتك؟!
ولم الخروج؟ َ -
-لتعملي كما نعمل.
أنا ال أعمل
قوتك؟!
ِّ -وكيف تكسبين
-أكسبه وأنا قاعدة هنا.
- 14 -
-كيف؟!
-استريحي جانباً ،وانظري ما أفعل.
لترقب ما سيجري.. َ ت النملةُ، مكث ِّ
بعد حين..
وتطير ،وهي مسرعة ُ ُّ
تطن جاءت ذبابةٌ،
ت بشبكة العنكبوت.. طائشة ،فعلقَ ْ
ت العنكبوتُ س ِّط الشبكة ..أح َّ ت خيو ُ َّ
اهتز ْ
ت ت نحوها ،وأخذَ ْ ت مكمنها ،واندف َع ْ فغادر ْ
َ بالفريسة،
تلفُّها بخيوطٍ تفرزها..
تستطع خالصاً، ْ لتفلت ،فلم َ ت الذبابةُ كافح ِّ
ت تصرخ: فجعلَ ْ
-ارحميني أيتها العنكبوت!
تكفنهاِّ ت َّ
ت العنكبوتُ ساخرةً ،وظل ْ ضحك ِّ
َت حركتها.. بخيوطها ،حتى سكن ْ
تمتص دماءها ،حتى ُّ ت فيها أنيابها ،وبدأ َ ْ
ت أنش َب ْ
صارت جوفا ً فارغاً..
ومضت إلى مكمنها ،منفوخةَ ْ ألقت بها بعيداً، ْ
البطن ،تنتظر فريسةً جديدة.
ت العنكبوت: َت النملةُ إليها ،فقال ِّ دن ْ
أكسب قوتي؟ ُ ت كيف -عر ْف ِّ
-لقد عر ْفتُ
15
أعجبك؟
ِّ -هل
-ال.
-لماذا؟
-ألنه ظل ٌم واحتيال
قوتك؟
ِّ ت-وكيف تكسبين أن ِّ
قالت النملة:
بالجد والعمل.
ِّ -أكسبهُ
ولكن العم َل ٌ
شاق! َّ -
ت
الشريف ،ال يكون إال بالعمل .أدار ِّ
ُ الكسب
ُ -
النملةُ ظهرها ،فقالت العنكبوت هازئة:
-أين تسكنين يا عاملتي الصغيرة؟
قريب من هنا ٌ -بيتي
معك؟
-أتسمحين لي بالسكن ِّ
-ال.
-لماذا؟
ت النملةُ ،وهي تنصرف: قال ِّ
النظيف ،ال يسكنُهُ العنكبوت.
ُ -البيتُ
- 16 -
قلــــب واحــــد
أمام تالميذه ،ينظر إليهم ،قبل ْ
أن وقف المعل ُمَ ،
يبدأ َ قصته ،فوجد عيونهم معلَّقةً به ،وآذانهم مصغيةً
إليه..
المعل ُم:
ِّ قال
كان بضعةُ أطفا ٍل ِِّ ،يلعبون بطائراتهم الورقية،
فوق َربْوةٍ خضراء ،في جنوب لبنان ..كانوا
يتراكضون فرحين ،وطائراتهم الملونة ،ترقص فوق
ت الربيع ،تارة ً تجذبهم وترتفع،
رؤوسهم ،مث َل فراشا ِّ
وتارة يجذبونها ويهتفون:
نحن العصافير
نجري ونطير
نحن العصافير
ظل األطفالُ ،يركضون ويمرحون ،والفر ُح
يركض معهم ،حيثما يركضون ،ويقف معهم ،حيثما
17
ت لهم صدرها ت الربوة ُ لفرحهم ،وفت َح ْ يقفون ..فر َح ِّ
األخضر .وفرح الهوا ُء لفرحهم ،فطفق يلعب معهم
ت ويداعب لهم وجناتهم .وفرح ِّ ُ يجاذبهم طائراتهم،
السما ُء لفرحهم ،فأشرق وجهها ،صفا ًء ونقاء.
ت ظهرها عجوز كبيرة ،فرفعَ ْ ٌ ت بهم، ومر ْ
َّ
وبصرها ،ترنو إليهم مسرورة ،وتقول:
-ما أجم َل األطفا َل ،وهم يفرحون!
وصمت المعل ُم قليالً ،ينظر إلى تالميذه ،فوجدهم َ
كلهم فرحين ،كأن لهم قلبا ً واحداً!
وتابع المعل ُم قصته ،فقال:
وفجأة..
يمر فوقهم ،ويبتل ُع سمع األطفالُ ،هديرا ً مخيفاًُّ ،
ضحكاتهم..
جمدوا في أماكنهم ،ورفعوا رؤوسهم إلى
ت كطائراتهم، س ْت كبيرةً ،لي َ السماء ،فشاهدوا طائرا ٍ
ت العجوز محذَّرةً: و ..صاح ِّ
-انبطحوا يا أبنائي على األرض.
طارت قلوبهم، ْ انبطح األطفا ُل مذعورين ،وقد
وطارت أفراحهم..
ت أرهفوا آذانهم منصتين ..سمعوا انفجارا ٍ
ت األرض ،وتص ُّم األسماع ..وعاد ِّ َ مرعبة ،تر ُّج
- 18 -
تفاخر بوحشيتها ،بعد
ُ الطائراتُ اإلسرائيلية ،وهي
ت عليها ،حقدها وحممها.. ت قريتهم ،وألقَ ْ ْ
أن قصفَ ْ
العجوز محزونة ،وقالت: ُ ت
وقف ِّ
-انهضوا يا أبنائي ،وأسرعوا إلى بيوتكم.
نهض األطفالُ ،وهم يتلفَّتون ..شاهدوا سحبا ً
سوداً ،تتصاعد ُ من قريتهم الوادعة ،وتهاج ُم سماءهم
وصمت
َ وتعك ُر صفاءها..
ِّ ث نقاءها، فتلو ُ
الزرقاءِّ ،
المعل ُم قليالً ،ينظر إلى تالميذه ،فوجدهم كلهم
كأن لهم قلبا ً واحداً!محزونينَّ ،
وتابع المعلم قصته ،فقال:
وهرع األطفال إلى قريتهم ،فسمعوا صراخ
نساء ،وبكاء أطفال ،وأبصروا بيوتا ً مهدومة،
ت ،وشاهدوا رجاالً غضاباً ،ينقلون ت والها ٍ وأمها ٍ
قتلى ،ويسعفون جرحى ،و ..التهب األطفال غضباً،
فنظر بعضهم إلى بعض ،وأخذوا يمزقون طائراتهم،
ويهتفون غاضبين:
ال نري ُد أن نكون عصافير
نريد أن نكون نسورا
ت ورقيّة ال نريد طائرا ٍ
نريد طائرات حقيقيّة
وانطلق األطفالُ ،نسورا ً صغاراً ،يساعدون
11
المنكوبين ،ورؤوسهم مرفوعة ،وأقدامهم ثابتة..
قال أحد التالميذ:
-ما أعظم هؤالء األطفال األبطال!
وقال المعلم:
-وما أعظمكم أنتم يا أبنائي!
-لماذا؟!
-ألنكم كثيرون .وقلبكم واحد .
قال التالميذ مدهوشين:
-كيف؟!
قال المعلم:
-عند الفرح ..فرحتم جميعا ً
وعند الحزن ..حزنتم جميعاً.
وعند الغضب ..غضبتم جميعاً.
و..
أطرق المعلم قليالً ،ثم رفع رأسه ،وقال:
العرب مثلكم ،يجم ُع َكثْرتَهم،ُ -ما أجمل ْ
أن يكون
قلب واحد ٌ كبير!
ٌ
- 911 -
المحــــــتوى
.1النقطـــة الصغـــيرة 5 ..................................... ................................
.2الــــذئب والكــــالب 8 ..................................... ................................
.3عــــطاء الســـــماء 11 ................................... ................................
.4البحــــر 12 ................. ................................ ................................
.5الصخـــرة 14 ............... ................................ ................................
.6النهـــر الصغـــير 11 ...................................... ................................
.1القلـــم والممحــاة 22 ..................................... ................................
.8الصَّبي الصهـــيوني 25 .................................. ................................
.9المطــــر 21 ................. ................................ ................................
.11الصخــــور 31 ............. ................................ ................................
.11األمـــــيرة والــمرآة 35 ................................... ................................
.12األقــــوال واألفعـــال 41 .................................. ................................
.13البيت المتــين 42 .......... ................................ ................................
.14وردتـــــــان 45 ............ ................................ ................................
.15الـمجـــنون 48 ............. ................................ ................................
.16لمــاذا بكــى مـــازن 52 ................................... ................................
.11القــارب والبحــر 54 ...................................... ................................
.18الديــك والفجـــــر 58 ..................................... ................................
.19الــمــباراة 61 .............. ................................ ................................
.21ســـــحابتان 65 ............ ................................ ................................
.21الســــاعة الذهبيــــة 61 .................................. ................................
.22المعلمـــة الصغــــيرة 11 ................................. ................................
.23الــــورد والعوســــج 14 .................................. ................................
.24النقطـــتان 11 .............. ................................ ................................
ــو َخــــة 81 ............... ................................ ................................
َ .25خ ْ
.26إبــرة الطــبيب 83 ......... ................................ ................................
.21شــــجرة اللـــوز 81 ....................................... ................................
.28الثلـــــج 91 ................. ................................ ................................
.29العنكــــبوت 94 ............. ................................ ................................
.31قلــــب واحــــد 91 ......... ................................ ................................
919
- 912 -
رقم االيداع في مكتبة األسد -الوطنية
913
هذا الكتاب
ستبقى القيم اإلنسانية الخالدة جوهر كل كالم أدبي
سواء كان موجهاً للكبار أو للصغار ويبقى...
محك العمل الجمال الذي نصوغ به القيم ،والجمال هو
قيمة من القيم المثلى .وقد تخسر القيم الكثير إن لم تكن
جميلة .ثمة كثافة جميلة ومعبرة تعبير ًا واضحاً في قصص
هذا الكتاب فالعبارات اإلنشائية نادرة ...والخطاب فيها
موجه إلى عقل الطفل وعواطفه معاً ...لغة جميلة وسليمة
تنساب كلماتها عذبة وكأنها صادرة عن جدة حكيمة وحنون
تجيد القص وتعرف كيف تختار أقاصيصها.