You are on page 1of 104

‫تأليف‪ :‬عارف الخطيب‬

‫األميرة والمرآة‬

‫قصص لألطفال‬
‫الحقوق كافة‬
‫مـحــــفــــوظـة‬
‫التـحــاد الـكـتـّاب الــعـرب‬

‫‪Email : aru@net.sy‬‬ ‫البريد االلكتروني‪:‬‬


‫االنتــرنيت ‪Enternet : unecriv@net.sy:‬‬

‫‪‬‬

‫‪-2-‬‬
‫تأليف‪ :‬عارف الخطيب‬

‫األميرة والمرآة‬
‫‪ -‬قــصص لألطفــــال ‪-‬‬

‫من منشورات اتحاد الكتاب العرب‬


‫‪9111‬‬

‫‪3‬‬
-4-
‫النقطـــة الصغـــيرة‬
‫األول‪..‬‬
‫الصف َّ‬
‫ِّ‬ ‫سام ٌر تلميذ صغير‪ ،‬في‬
‫ويكتب جيداً‪ ..‬لوال النقطة!‬
‫ُ‬ ‫جيداً‪،‬‬
‫يقرأ ِّ‬
‫يراها صغيرة‪ ،‬ليس لها فائدة‪.‬‬
‫فال يهت ُّم بها‪ ،‬عندما يكتب‬
‫وينساها كثيراً‪ ،‬فتنقص درجته في اإلمالء‬
‫يعجب سامر‪ ،‬وال يعرف السبب!‬ ‫ُ‬
‫المعلمة‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫يأخذ دفتره‪ ،‬ويسأل‬
‫أين أخطأت؟!‬
‫ُ‬
‫المعلمة‪ ،‬وتمدُّ إصبعها‪ ،‬وتقول‪:‬‬‫ِّ‬ ‫فتبتسم‬
‫‪-‬هذه الغين‪ ..‬لم تضع لها نقطة‬
‫وهذه الخاء‪ ..‬لم تضع لها نقطة‬
‫وهذه‪ ،‬وهذه‪..‬‬
‫يزعل سامر‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫‪-‬من أجل نقطة صغيرة‪ ،‬تنقصين الدرجة؟!‬

‫‪5‬‬
‫‪-‬النقطة الصغيرة‪ ،‬لها فائدة كبيرة‬
‫‪-‬كيف؟!‬
‫‪-‬هل تعرف الحروف؟‬
‫‪-‬أعرفها جيدا ً‬
‫المعلمة‪:‬‬‫ِّ‬ ‫قالت‬
‫‪-‬اكتب لنا‪ :‬حا ًء وخاء‬
‫كتب سامر على السبورة‪ :‬ح خ‬
‫المعلمة‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫قالت‬
‫ما الفرق بين الحاء والخاء؟‬
‫سامر الحرفين‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫تأمل‬
‫‪-‬الخاء لها نقطة‪ ،‬والحاء ليس لها نقطة‬
‫قالت المعلمة‪:‬‬
‫حرف العين‪ ،‬وحرف الغين‬ ‫َ‬ ‫‪-‬اكتبْ‬
‫كتب سامر على السبورة‪ :‬ع غ‬
‫‪-‬ما الفرق بينهما؟‬
‫‪-‬الغين لها نقطة‪ ،‬والعين بال نقطة‬
‫قالت المعلمة‪:‬‬
‫ت اآلن قي َمةَ النقطة؟‬ ‫فهم َ‬ ‫‪-‬هل ْ‬
‫ً‬
‫ظ َّل سامر صامتا‪ ،‬فقالت له المعلمة‪:‬‬
‫‪-‬اقرأ ما كتبْتُ لكم على السبورة‬
‫أخذ سامر يقرأ‪:‬‬
‫‪-6-‬‬
‫ماما تغسل‬
‫ركض الخروف أمام خالي‬
‫ت رباب الخبزَ في الصحن‬ ‫وض َع ْ‬
‫المعلمة‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫قالت‬
‫اخرجي يا ندى‪ ،‬واقرئي ما كتب سامر‬
‫ت تقرأ‪ ،‬بصوت‬‫دفتر سامر‪ ،‬وبدأ َ ْ‬
‫َ‬ ‫ت ندى‪،‬‬ ‫أمس َك ْ‬
‫مرتفع‪:‬‬
‫ماما تعسل‬
‫الحروف أمام حالي‬
‫ُ‬ ‫ركض‬
‫الحبر في الصحن‬ ‫َ‬ ‫رباب‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫وضعَ ْ‬
‫ضحك التالميذ‪ ،‬وضحك سامر‬
‫هدأ التالميذ جميعاً‪ ،‬وظل سامر يضحك‪..‬‬
‫المعلمة‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫قالت‬
‫‪-‬هل تنسى النقطة بعد اآلن؟‬
‫قال سامر‪:‬‬
‫ت الخبزَ حبراً‪،‬‬‫‪-‬كيف أنساها‪ ،‬وقد جعلَ ِّ‬
‫والخروف حروفاً!‬ ‫َ‬
‫‪‬‬

‫‪7‬‬
‫الــــذئب والكــــالب‬
‫ت األغنا ُم‪ ،‬تسو ُم في المرعى‪ ،‬وادعة آمنة‪،‬‬ ‫كان ِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫ال تخاف من الذئاب‪ ،‬إذ كان يحرسها‪ ،‬ثالثة من‬
‫الكالب‪..‬‬
‫الطيب‪ ،‬يجلس في ظل ظليل‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وكان الراعي‬
‫ً‬
‫تحت شجرةٍ وارفة‪ ،‬يعزف ألحانا ً شجية‪ ،‬تهفو لها‬
‫األغصان‪ ،‬وتهي ُم بها األنسام‪..‬‬
‫ذئب مخاتل‪ ،‬يرصد ُ‬ ‫ٌ‬ ‫وفي هذه األثناء‪ ،‬كان‬
‫األغنام خلسة"‪ ،‬ويلتفت إلى الكالب‪ ،‬فال يجرؤ على‬ ‫َ‬
‫االقتراب‪..‬‬
‫وفجأة‪..‬‬
‫الكالب تقتتل‪ ،‬وقد انشغل بعضها‬ ‫َ‬ ‫أبصر‬
‫َ‬
‫ببعض‪..‬‬
‫الذئب مسروراً‪ ،‬وقال في نفسه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ضحك‬
‫‪-‬اآلن أمكنَتْني الفرصة!‬
‫الذئب من القطيع‪ ،‬فشاهد نعجة قاصية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫واقترب‬

‫‪-8-‬‬
‫وأنشب أنيابه فيها‪..‬‬
‫َ‬ ‫فوثب عليها سريعاً‪،‬‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ت النعجة‪ ،‬تثغو وتستغيث‪..‬‬ ‫أخذ ِّ‬
‫الكالب‪ ،‬الثغا َء األليم‪ ،‬فكفوا عن القتال‪،‬‬
‫ُ‬ ‫سمع‬
‫ً‬
‫الخصام والخالف‪ ،‬وانطلقوا جميعا إلى‬ ‫َ‬ ‫وتركوا‬
‫الذئب‪ ،‬وحينما رآهم مقبلين‪ ،‬طار فؤاده ذعراً‪ ،‬فأفلَ َ‬
‫ت‬
‫النعجة‪ ،‬وانس َّل هارباً‪ ،‬ال يلوي على شيء‪..‬‬

‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫عــــطاء الســـــماء‬
‫وقف الفال ُح‪ ،‬على طرف حقله‪ ،‬يرنو إلى سنابل‬
‫القمح‪ ،‬وهي تمي ُل وتلمع‪ ،‬كأمواجٍ من ذهب‪ ،‬فانتشى‬
‫إعجابا ً بنفسه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫اي الخشنتان‪ ،‬لما كان هذا القمح الوافر!‬ ‫‪-‬لوال كف َ‬
‫العالء‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫ت السما ُء في‬ ‫فابتسم ِّ‬
‫قالت إحدى السنابل‪:‬‬
‫‪-‬نحن أ َ ْولى بالفضل‪ ،‬كنا حبوبا يابسة‪ ،‬مدفونة‬
‫ً‬
‫صنا الغذاء‪ ،‬وشق ْفنا التراب‪،‬‬ ‫في التراب‪ ،‬فامتص ْ‬
‫ت كلُّ‬‫وصرنا ننمو‪ ،‬شيئا ً فشيئاً‪ ،‬حتى كبرنا‪ ،‬وأنبت َ ْ‬
‫حبةٍ‪ ،‬سنبلةً فيها مئةُ حبة!‬
‫ت السما ُء في العالء‪..‬‬‫وابتسم ِّ‬
‫قالت األرض‪:‬‬
‫البذور صغيرةً‪،‬‬‫َ‬ ‫‪-‬أنا صاحبة الفضل‪ ،‬احتض ْنتُ‬
‫وأرضعتها حتى صارت كبيرة‪ ،‬فلوال ترابي‪ ،‬لما‬
‫نبت قم ٌح‪ ،‬وال شبع فالح!‬ ‫َ‬

‫‪- 91 -‬‬
‫ت السما ُء في العالء‪.‬‬ ‫وابتسم ِّ‬
‫ت السنة التالية‪ ،‬شديدة مجدبة‪ ،‬فانقطع‬ ‫ُ‬ ‫وجاء ِّ‬
‫ت‬
‫الحر‪ ،‬وانتشر الجفاف‪ ..‬حزن ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫المطر‪ ،‬واشتدَّ‬
‫ت شفاهها الظامئة‪..‬‬ ‫س ْ‬ ‫األرض القاحلة‪ ،‬ويب َ‬ ‫ُ‬
‫أن‬‫ت البذور‪ ،‬في ظلمة التراب‪ ،‬وخافت ْ‬ ‫حزن ِّ‬
‫تموت أحالمها‪ ،‬وال ترى النور‪.‬‬
‫حزن الفال ُح على جهده الضائع‪ ،‬وأشفق على‬
‫عيال ِّه البائسين‪.‬‬
‫لت‬ ‫س ْ‬
‫ت السما ُء الرحيمة على الجميع‪ ،‬فأر َ‬ ‫وحزن ِّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إلى األرض‪ ،‬سحبا سخية‪ ،‬تحمل األمطار‬
‫واألفراح‪..‬‬

‫‪‬‬

‫‪99‬‬
‫البحــــر‬
‫ت السحابةُ‪ ،‬مثقلةً بالمياه‪..‬‬ ‫سار ِ‬
‫قطرها الغزير‪..‬‬
‫ت َ‬ ‫ت فوق البحر‪ ،‬وسكبَ ْ‬ ‫وقفَ ْ‬
‫البحر‪ ،‬واحتضن القطرات‬ ‫ُ‬ ‫فرح‬
‫ت البحر‬ ‫ت القطراتُ ‪ ،‬وعانق ِّ‬ ‫فرح ِّ‬
‫البحر‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫قال‬
‫‪-‬ما أحلى اللقاء!‬
‫قالت القطرات‪:‬‬
‫أمر الفراق!‬ ‫‪-‬ما َّ‬
‫ت السحابة للبحر‪:‬‬ ‫قال ِّ‬
‫لتعرف فضلي‬‫َ‬ ‫منحتك مائي‪،‬‬
‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬ال تمنِّي علي بفضلك ‪.‬‬
‫وتنكر فضلي؟!‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬أتأخذ ُ مائي‪،‬‬
‫ماؤك مني ‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬ال يصد ُق ادعا َء َك أحد‬
‫‪- 92 -‬‬
‫قطراتك‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬اسألي‬
‫قالت القطرات بصوت واحد‪:‬‬
‫‪-‬البحر وطننا‪ ..‬منه خرجنا‪ ،‬وإليه نعود‬
‫ت السحابةُ من الحياء‪ ،‬وانسح َب ْ‬
‫ت مبتعدة ً‬ ‫صمت ِّ‬
‫في السماء‪..‬‬

‫‪‬‬

‫‪93‬‬
‫الصخـــرة‬
‫كــان بيتنا على حدود القرية‪ ،‬قريبا ً من سفح‬
‫الجبل‪ ..‬لم نعرف بيتا ً غيره‪ ،‬فأحسسنا بالغربة‬
‫والملل‪ ..‬ذات يوم‪ ..‬عاد والدي من المدرسة‪ ،‬فسألته‪:‬‬
‫‪-‬لماذا ال يزورنا أه ُل القري ِّة ونزورهم؟‬
‫قال أبي‪:‬‬
‫‪-‬ألنهم بخالء‪.‬‬
‫وقالت أ ُ ِّمي‪:‬‬
‫‪-‬ألننا غرباء ‪.‬‬
‫‪-‬عند المساء‪ ،‬قال والدي‪:‬‬
‫‪-‬هيا نذهبْ إلى الجبل ‪.‬‬
‫خرجنا نطير فرحاً‪:‬‬
‫تسلقنا الصخور العالية‪ ..‬قط ْفنا األزهار الجبلية‪..‬‬
‫نال منا التعب‪..‬‬
‫شاهد والدي‪ ،‬صخرة كبيرة‪ ،‬يغمرها الظ ُّل‪ ،‬فقال‬
‫لنا‪:‬‬

‫‪- 94 -‬‬
‫مكان نستري ُح فيه ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬هذا أفض ُل‬
‫قعدْنا على الصخرة الملساء‪ ،‬نشرب الشاي‬
‫مسرورين‪..‬‬
‫‪-‬لم نهجر الصخرة بعد ذلك‪..‬‬
‫كنا نزورها كل يوم ‪.‬‬
‫نأخذ طعامنا‪ ،‬ونأكله فوقها ‪.‬‬
‫نلعب حولها‪ ،‬ونبني بيوتا ً صغيرة‪.‬‬
‫نقبع عليها صامتين‪ ،‬ونسمع من أُمنا الحكايات‪.‬‬
‫ثم نتركها في الليل‪ ،‬لنأتيها في النهار ‪.‬‬
‫‪-‬في آخر العام الدراسي‪..‬‬
‫ُّ‬
‫ذهبنا إلى الصخرة‪ ،‬وقعدْنا كلنا عليها‪..‬‬
‫التقط لنا والدي عدة صور‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫يوم ترون فيه الصخرة ‪.‬‬ ‫آخر ٍ‬‫‪-‬هذا ُ‬
‫‪-‬لماذا يا أبي؟‬
‫‪-‬سننتقل إلى قرية بعيدة ‪.‬‬
‫مكثْتُ واجمة صامتة‪ ،‬لم ألعبْ ولم أفرح‪..‬‬
‫وحينما نهض أهلي‪ ،‬ليرجعوا إلى البيت‪،‬‬
‫أخرجتُ من جيبي‪ ،‬قطعة من الطباشير‪ ،‬وكتبْتُ على‬ ‫ْ‬
‫الصخرة‪:‬‬
‫‪-‬وداعا ً يا صخرتنا الحبيبة!‬
‫‪-‬في الصباح الباكر‪..‬‬
‫‪95‬‬
‫أحضر والدي سيارة‪ ،‬حملنا عليها متاعنا‪ ،‬ثم‬
‫ركبنا فيها‪ ،‬وسارت بنا‪ ،‬تُبعد ُنا شيئا ً فشيئاً‪ ..‬وعندما‬
‫التفت نحو الصخرة وبكيت‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫بلغنا أعلى الجبل‪،‬‬
‫‪‬‬

‫‪- 96 -‬‬
‫النهـــر الصغـــير‬
‫النهر الصغير‪ ،‬يجري ضاحكا ً مسروراً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كــان‬
‫الخصب‪ ،‬ويحمل في راحتيه‬ ‫َ‬ ‫خطواته‬ ‫في‬ ‫يزرع‬
‫العطاء‪ ..‬يركض بين األعشاب‪ ،‬ويشدو بأغانيه‬
‫الرطاب‪ ،‬فتتناثر حوله فرحا ً أخضر‪..‬‬ ‫ِّ‬
‫يسقي األزهار الذابلة‪ ،‬فتضيء ثغورها باسمة‪.‬‬
‫ويروي األشجار الظامئة‪ ،‬فترقص أغصانها حبورا ً‬
‫ويعانق األرض الميتة‪ ،‬فتعود إليها الحياة‪.‬‬
‫ويواصل النهر الكريم‪ ،‬رحلةَ الفرحِّ والعطاء‪ ،‬ال‬
‫يمن على أحد‪ ،‬وال ينتظر جزاء‪..‬‬ ‫ُّ‬
‫وكان على جانبه‪ ،‬صخرة صلبة‪ ،‬قاسية القلب‪،‬‬
‫فاغتاظت من كثرة جوده‪ ،‬وخاطبته مؤنبة‪:‬‬
‫تهدر مياه ََك عبثاً؟!‬
‫ُ‬ ‫‪-‬لماذا‬
‫‪-‬أنا ال أهدر مياهي عبثاً‪ ،‬بل أبعث الحياة‬
‫والفرح‪ ،‬في األرض والشجر‪ ،‬و‪..‬‬
‫‪-‬وماذا تجني من ذلك؟!‬

‫‪97‬‬
‫‪-‬أجني سعادة كبيرة‪ ،‬عندما أنفع اآلخرين‬
‫‪-‬ال أرى في ذلك أي ِّ سعادة!‬
‫ت لذة َ العطاء ‪.‬‬‫ت مرة‪ ،‬لعر ْف ِّ‬ ‫‪-‬لو أعط ْي ِّ‬
‫قالت الصخرة‪:‬‬
‫احتفظ بمياهك‪ ،‬فهي قليلة‪ ،‬وتنقص باستمرار‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬وما نفع مياهي‪ ،‬إذا حبستها على نفسي‪،‬‬
‫وحرمتُ غيري؟!‬ ‫ْ‬
‫ت تموت ‪.‬‬ ‫مياهك‪ ،‬وإذا نفدَ ْ‬
‫َ‬ ‫حياتك في‬‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫قال النهر‪:‬‬
‫‪-‬في موتي‪ ،‬حياة ٌ لغيري ‪.‬‬
‫‪-‬ال أعل ُم أحدا ً يموتُ ليحيا غيره!‬
‫اإلنسان يموتُ شهيداً‪ ،‬ليحيا أبناء وطنه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫قالت الصخرة ساخرة‪:‬‬
‫يك بعد موتكُ ‪ ،‬النهر الشهيد!‬ ‫‪-‬سأُسم َ‬
‫‪-‬هذا االسم‪ ،‬شرف عظيم‪.‬‬
‫ت عن‬‫لم تج ِّد الصخرة ُ فائدة في الحوار‪ ،‬فأمس َك ْ‬
‫الكالم‪.‬‬
‫**‬
‫َّت حرارة ُ الصيف‪ ،‬واشتد ظمأ ُ األرض‬ ‫اشتد ْ‬
‫والشجر والورد‪ ،‬و‪..‬‬

‫‪- 98 -‬‬
‫ت مياهه‪ ،‬تنقص‬ ‫ازداد النهر عطاء‪ ،‬فأخذَ ْ‬
‫وتغيض‪ ،‬يوما ً بعد يوم‪ ،‬حتى لم يبقَ في قعره‪ ،‬سوى‬
‫قدر يسير‪ ،‬ال يقوى على المسير‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫صار النهر عاجزا عن العطاء‪ ،‬فانتابه حزن‬
‫كبير‪ ،‬ونضب في قلبه الفرح‪ ،‬ويبس على شفتيه‬
‫جف النهر الصغير‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الغناء‪ ..‬وبعد بضعة أيام‪،‬‬
‫ت إليه الصخرةُ‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫فنظر ْ‬
‫َ‬
‫مت أيها النهر‪ ،‬ولم تسمع لي نصيحة!‬ ‫‪-‬لقد َّ‬
‫قالت األرض‪:‬‬
‫يمت‪ ،‬ميا ُههُ مخزونة في صدري‪.‬‬ ‫‪-‬النهر لم ْ‬
‫وقالت األشجار‪:‬‬
‫يمت‪ ،‬مياهه تجري في عروقي‬ ‫‪-‬النهر لم ْ‬
‫وقالت الورود‪:‬‬
‫‪-‬النهر لم يمت‪ ،‬مياهه ممزوجة بعطري‪.‬‬
‫قالت الصخرة مدهوشة‪:‬‬
‫النهر الشهيد ُ حياً‪ ،‬في قلوب الذين منحهم‬‫ُ‬ ‫لقد ظ َّل‬
‫الحياة!‬
‫***‬
‫غزير األمطار‪،‬‬
‫َ‬ ‫كثير السيو ِّل‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأقبل الشتاء‪،‬‬
‫النهر الصغير بالمياه‪ ،‬وعادت إليه الحياة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فامتأل‬
‫وعادت رحلةُ الفرح والعطاء‪ ،‬فانطلق النهر الكريم‪،‬‬
‫‪91‬‬
‫ضاحكا ً مسروراً‪ ،‬يحمل في قلبه الحب‪ ،‬وفي راحتيه‬
‫العطاء‪..‬‬
‫‪‬‬

‫‪- 21 -‬‬
29
‫القلـــم والممحــاة‬
‫كان داخل المقلمة‪ ،‬ممحاة صغيرة‪ ،‬وقل ُم‬
‫رصاص جميل‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫قال الممحاة‪:‬‬
‫حالك يا صديقي؟‬ ‫َ‬ ‫‪-‬كيف‬
‫صديقك!‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬لستُ‬
‫‪-‬لماذا؟‬
‫أكرهك‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬ألنني‬
‫ولم تكرهني؟‬ ‫‪َ -‬‬
‫قال القلم‪:‬‬
‫ألنك تمحين ما أكتب‪.‬‬ ‫‪ِّ -‬‬
‫‪-‬أنا ال أمحو إال األخطاء ‪.‬‬
‫شأنك أنتِّ؟!‬ ‫ِّ‬ ‫‪-‬وما‬
‫‪-‬أنا ممحاة‪ ،‬وهذا عملي ‪.‬‬
‫‪-‬هذا ليس عمالً!‬

‫‪- 22 -‬‬
‫عملك ‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪-‬عملي نافع‪ ،‬مثل‬
‫ت مخطئة ومغرورة ‪.‬‬ ‫‪-‬أن ِّ‬
‫‪-‬لماذا؟‬
‫يكتب أفض ُل مم ْن يمحو‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬ألن َم ْن‬
‫قالت الممحاة‪:‬‬
‫‪-‬إزالةُ الخطأ تعاد ُل كتابةَ الصواب ‪.‬‬
‫أطرق القلم لحظة‪ ،‬ثم رفع رأسه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ت يا عزيزتي!‬ ‫‪-‬صد ْق ِّ‬
‫زلت تكرهني؟‬ ‫َ‬ ‫‪-‬أما‬
‫‪-‬لن أكره َم ْن يمحو أخطائي‬
‫أمحو ما كان صوابا ً ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪-‬وأنا لن‬
‫قال القلم‪:‬‬
‫أراك تصغرين يوما ً بعد يوم!‬ ‫ِّ‬ ‫‪-‬ولكنني‬
‫محوتُ‬
‫ْ‬ ‫‪-‬ألنني أضحي بشيءٍ من جسمي كلما‬
‫خطأ ‪.‬‬
‫قال القلم محزوناً‪:‬‬
‫أقصر مما كنت!‬ ‫ُ‬ ‫أحس أنني‬ ‫ُّ‬ ‫‪-‬وأنا‬
‫قالت الممحاة تواسيه‪:‬‬
‫‪-‬ال نستطيع إفادة َ اآلخرين‪ ،‬إال إذا قدمنا تضحية‬
‫من أجلهم‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫قال القلم مسروراً‪:‬‬
‫أعظمك يا صديقتي‪ ،‬وما أجمل كالمك!‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬ما‬
‫ت الممحاة‪ ،‬وفرح القلم‪ ،‬وعاشا صديقين‬ ‫فرح ِّ‬
‫‪‬‬ ‫يفترقان وال يختلفان‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫حميمين‪ ،‬ال‬

‫‪- 24 -‬‬
‫صبي الصهـــيوني‬
‫ال َّ‬
‫اشتريْتُ كرة ٌ جميلة‪ ،‬ورج ْعتُ إلى البيت فرحاً‪..‬‬
‫ي صهيوني‪.‬‬ ‫ت الكرة ُ من يدي‪ ،‬فالتقطها صب ًّ‬ ‫أفلت ِّ‬
‫قلت له‪:‬‬
‫‪-‬أعطني كرتي‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫‪-‬لن تأخذَ شيئاً‪.‬‬
‫قلت له‪:‬‬
‫حق غيرك!‬‫أن تأخذَ َّ‬ ‫‪-‬ال يجوز ْ‬
‫ضحك ساخراً‪..‬‬ ‫َ‬
‫سيغضب والدي‪ ،‬إذا فقدْتُ كرتي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ضحك ساخراً‪..‬‬
‫سأشكوك إلى والدك!‬
‫َ‬
‫ضحك ساخراً‪..‬‬ ‫َ‬
‫سأفضحك بين األوالد!‬
‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫‪25‬‬
‫ضحك ساخراً‪..‬‬
‫َّ‬
‫ليرق قلبُهُ‪،‬‬ ‫وأذرف الدموع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫شر ْعتُ أبكي‪،‬‬
‫ويعطيني كرتي‪ ،‬ولكنَّهُ لم يفعل‪ ،‬بل صار يضحك‬
‫مسحتُ دموعي‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫أكثر‪ ..‬امتأل صدري غضباً‪..‬‬
‫وأطب ْقتُ كفي بشدة‪ ،‬وضر ْبتُهُ على فك ِّه‪ ،‬فانطرح‬
‫أرضاً‪ ،‬وانفجر يبكي‪ ..‬أخ ْذتُ كرتي‪ ،‬ومضيْتُ إلى‬
‫البيت‪ ،‬وقلبي مملوء باإلباء العربي!‬
‫‪‬‬

‫‪- 26 -‬‬
‫المطــــر‬
‫األكرش‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ي‬‫في حديق ِّة القصر الكبير‪ ،‬قعد الثر ُّ‬
‫على مقعد وثير‪ ..‬وضع كلبه بين ساقيه‪ ،‬وأخذ يسر ُح‬
‫ويرشف القهوة َ مسروراً‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫له شعره‪،‬‬
‫المطر غزيراً‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ونزل‬
‫ثياب الغني‪ ،‬فجعل‬ ‫ُ‬ ‫شعر الكلب‪ ،‬وابتل ْ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫تلبد‬
‫يصرخ مغتاظا‪ً:‬‬
‫المطر اللعين!‬
‫ُ‬ ‫قف أيُّها‬ ‫‪ْ -‬‬
‫المطر لم يقف‪..‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ولكن‬
‫ت قطراته الضاحكة‪ ،‬ترقص على‬ ‫وظل ْ‬
‫واألرض تض ُّمها إلى صدرها‪ ،‬كأنها أ ٌّمُ‬ ‫ُ‬ ‫األرض‪..‬‬
‫زمن طويل‪ ،‬والمطر لم يهطل‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫رؤوم‪ ،‬فقد مضى‬
‫تقدر على‬ ‫ُ‬ ‫األرض المعطاء‪ ،‬ألنها ال‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫وحزن ِّ‬
‫ْ‬
‫وكثرت‬ ‫وجف ترابها ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ماؤها‪،‬‬ ‫نضب‬
‫َ‬ ‫العطاء‪ .‬لقد‬
‫ت األرض‪ ،‬شفاها ً ظامئة‪ ،‬ترتقب‬ ‫أخاديدها‪ ،‬وصار ِّ‬
‫المطر‪ .‬ولكن المطر لم يهطل‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫والعشب لم ينبت‬
‫ت الضروع‪.‬‬ ‫وجاعت األغنام‪ ،‬وجف ِّ‬
‫وطلب األطفا ُل الحليب‪ ،‬وليس من مجيب‪.‬‬
‫وأصاب الهزا ُل الحمالن‪ ،‬وأصبح الموتُ‬ ‫َ‬
‫يفترسها‪ ،‬فيرمقها الرعاة ُ بأبصارهم‪ ،‬وال يدرون ماذا‬
‫يفعلون‪.‬‬
‫فالمطر لم يهطل!‬ ‫ُ‬
‫والعشب لم ينبت!‬
‫ُ‬
‫وذهب الفالحون إلى الحقول‪..‬‬
‫وقفوا على أطرافها‪ ،‬يتأملونها محزونين‪..‬‬
‫فالمطر لم يهطل!‬
‫والزرع لم ينبت!‬
‫والبذار قد يموت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والتعب قد يضيع‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ويبقى العيالُ‪ ،‬بغير غذاء‪.‬‬
‫ماذا يعملون؟!‬
‫الكفوف واألبصار‪،‬‬
‫َ‬ ‫اتجهوا إلى السماء‪ ،‬ورفعوا‬
‫يدعون بخشوع‪ ،‬ليهطل المطر‪..‬‬
‫وانتثر المطر‪ ،‬كأنهُ الد َُّرر‪..‬‬
‫األرض‪ ،‬للخصب والثمر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫واهتز ِّ‬
‫وأمطر الفرح‪..‬‬

‫‪- 28 -‬‬
‫ورقص الرعاة‪ ،‬وابتلوا بالمطر ‪.‬‬
‫يا فرحةَ الفالح‪ ،‬يا فرحةَ الشجر ‪.‬‬
‫يا فرحةَ التراب‪ ،‬يعانق المطر ‪.‬‬
‫ي‪ ،‬في شرفة قصره‪ ،‬كأنه تمثال‬ ‫وانتصب الثر ُّ‬
‫من حجر‪ ،‬يسائل نفسه مدهوشاً‪:‬‬
‫‪-‬لماذا يهطل المطر؟!‬

‫‪‬‬

‫‪21‬‬
‫الصخــــور‬
‫كنت أنا وصديقي أسامة‪ ،‬نطوف في أرجاء‬
‫تداعب وجوهَنا األنسا ُم وترقص‬ ‫ُ‬ ‫َك ْرمنا الحبيب‪،‬‬
‫الشمس من خالل الغصون‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫أمامنا الظاللُ‪ ،‬وتغمزنا‬
‫كنا نسير فرحين‪ ،‬نحني ظهورنا تحت عناقيد العنب‬
‫ونشق طريقنا بين األغصان المثقلة‬ ‫ُّ‬ ‫المتدلية‪،‬‬
‫بالثمار‪..‬‬
‫وصلنا إلى آخر الكرم‪ ،‬وقعدْنا في الظل‪ ،‬عند‬ ‫ْ‬
‫ت قديمة‪ ..‬هذه‬ ‫الحجارة المرصوفة‪ ،‬نستعيد ُ ذكريا ٍ‬
‫الحجارة المكسورة‪ ،‬كانت ‪-‬فيما مضى‪ -‬صخورا ً‬
‫أرض بائرة‪ ،‬فتكت ُم‬ ‫ٍ‬ ‫تربض على صدر‬ ‫ُ‬ ‫كبيرة‪،‬‬
‫حزن‬
‫ٍ‬ ‫األرض في‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫وتحجب كنوزها‪ ،‬فعاش ِّ‬
‫ُ‬ ‫أنفاسها‪،‬‬
‫وهم مقيم‪ ،‬ألنها تملكُ الخير‪ ،‬وتعجز عن‬ ‫ٍ‬ ‫دائم‪،‬‬
‫العطاء!‬
‫ع يعال ُج‬‫األرض‪ ،‬وشر َ‬ ‫َ‬ ‫وعندما اشترى والدي‬
‫ت‬ ‫سخر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صخورها‪ ،‬بالمعول والمطرقة والعَتَلة‪ ،‬و‪..‬‬
‫الصخور الصلبة‪ ،‬وقالت في نفسها‪- :‬يا للعجب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫منه‬

‫‪- 31 -‬‬
‫رجل ضعيف نحيف‪ ،‬يبتغي قهر الصخور! انهمك‬
‫ت رحى الحرب‪ ،‬بينه وبين‬ ‫ودار ْ‬
‫َ‬ ‫والدي في العمل‪،‬‬
‫الصخور‪ ..‬وكان وحيدا ً في المعركة‪ ،‬يقاوم صخورا ً‬
‫ثبت والدي في‬ ‫كثيرة‪ ،‬تحت ُّل أرضه‪ ،‬وتأبى الرحيل‪َ ..‬‬
‫والدم‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫المعركة‪ ،‬وبذ َل العرقَ‬
‫والصخور تجرحه‬‫ُ‬ ‫الشمس تكويه بحرارتها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يضعف وال‬‫ُ‬ ‫ال‬ ‫عزم‪،‬‬ ‫فيما‬ ‫ماض‬
‫ٍ‬ ‫وهو‬ ‫بشظاياها‪،‬‬
‫تنكسر عزيمته‪.‬‬
‫ْ‬ ‫الصخور‪ ،‬ولم‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫يتراجع‪ ..‬انكسر ِّ‬
‫أزور والدي‪ ،‬كلما انصر ْفتُ‬ ‫ُ‬ ‫في تلك األيام‪ ،‬كنتُ‬
‫من المدرسة‪ ،‬حامالً إليه طعاماً‪ ،‬ال يأكله إال الفقراء‪،‬‬
‫نظرتُ إلى والدي‪ ،‬وهو يأك ُل الخبزَ‬ ‫ْ‬ ‫وذات مرة‪،‬‬
‫األسمر‪ ،‬والبصل‪ ،‬وقلت له محزونا‪ً:‬‬ ‫َ‬
‫‪-‬لماذا نحن فقراء؟!‬
‫مد والدي يده‪ ،‬ومسح بكف ِّه على رأسي‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫الفقر عنكم يا بني!‬ ‫َ‬ ‫‪-‬سأطرد ُ‬
‫‪-‬بأي شيء ستطرده؟‬
‫‪-‬بيدي هاتين‬
‫‪-‬متى؟‬
‫‪-‬عندما أخر ُج كنوزَ األرض‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قلت بائساً‪:‬‬
‫‪-‬أرضنا ال تحوي كنوزا ً بل صخوراً!‬

‫‪39‬‬
‫قال والدي باسماً‪:‬‬
‫‪-‬الكنوز مدفونة تحت الصخور‪.‬‬
‫في أحد تلك األيام‪ ،‬صحبْتُ صديقي أسامة‪،‬‬
‫وذهبنا إلى والدي‪ ،‬وحينما اقتربنا منه‪ ،‬سلَّمنا عليه‪،‬‬
‫ب بنا مسروراً‪ ،‬وقطراتُ العرق‪،‬‬ ‫فرفع رأسه‪ ،‬ور َّح َ‬
‫ت اللؤلؤ‪..‬‬‫تلم ُع على جبينه‪ ،‬مثل حبا ِّ‬
‫أرض بال ظل!‬ ‫ٍ‬ ‫لقد كان يعمل في‬
‫مسح عرقه بكم ِّه‪ ،‬وألقى المعول من يده‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫‪-‬لِّنسترحْ قليالً‪ ..‬لم يبق سوى هذه الصخرة‪.‬‬
‫سأله صديقي‪:‬‬
‫‪-‬ماذا ستفعل بها؟‬
‫‪-‬سأحط ُم رأسها العنيد‪ ،‬كالصخور األخرى‪.‬‬
‫ت صخورا ً غيرها؟‬ ‫حطم َ‬
‫ْ‬ ‫‪-‬هل‬
‫ضحك والدي‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫‪-‬انظر إلى تخوم األرض‪.‬‬
‫نظر أسامة إلى حيث أشار والدي‪ ،‬فشاهد سياجا ً‬
‫كبيراً‪ ،‬من حجارة مكسورة‪..‬‬
‫فتح عينيه مدهوشاً‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫‪-‬هل كانت هذه الحجارة كلُّها في األرض؟!‬
‫األرض مغروسة بالصخور‪ ،‬ولكنهُ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫‪-‬كان ِّ‬

‫‪- 32 -‬‬
‫والدي إلى الصخرة‪ ،‬يأتيها‬ ‫غرس ال يثمر! ونهض‬ ‫ٌ‬
‫هناك‪ ،‬تارة يحفر تحتها‬ ‫من هنا‪ ،‬ويأتيها من‬
‫فيتطاير‬
‫ُ‬ ‫عليها بالمطرقة‪،‬‬ ‫بالمعول‪ ،‬وتارة ينهال‬
‫أطرافها‪ ،‬ويصغر رأسها‬ ‫الشرر منها‪ ،‬وتنكسر‬ ‫ُ‬
‫الكبير‪ ،‬شيئا ً فشيئا‪ً..‬‬
‫رأس الصخرة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وبعد جهد جاهد‪ ،‬اقتلع والدي‬
‫وجعل يدفعه بيديه‪ ،‬ويدحرجه نحو طرف األرض‪،‬‬
‫فبادرتُ أنا وصديقي إلى مساعدته‪ ،‬وأخ ْذنا ننقل‬ ‫ْ‬
‫حطام الصخرة‪..‬‬ ‫َ‬
‫وحينما فرغنا من العمل‪ ،‬وقف والدي مرفوع‬
‫الهامة‪ ،‬يرنو إلى أرضه الحبيبة‪،‬‬
‫مزهوا ً بانتصاره العظيم‪.‬‬
‫تومضان سرورا ً‪ ،‬وعرقه يومض‬ ‫ِّ‬ ‫كانت عيناه‬
‫ت الصخور‪..‬‬ ‫واندحر ِّ‬
‫َ‬ ‫ت األرض‪،‬‬ ‫فرحاً‪ .‬لقد تحرر ِّ‬
‫امتألْتُ إعجابا ً بوالدي‪ ،‬فقد كان أقوى من‬
‫الصخر‪ ،‬وبعد ذلك‪ ..‬حرث والدي األرض‪ ،‬وحفر‬
‫ع فيها غراسا ً صغيرة‪ ،‬وأصبح‬ ‫فيها حفرا ً كثيرة‪ ،‬أود َ‬
‫الغراس تنمو‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫يعتني بها ويرعاها‪ ،‬فصار ِّ‬
‫وتترعرع‪ ،‬وبعد بضعة سنين‪ ،‬ازدانت أرضنا‬
‫وبدأت تجود بالثمار‪ ،‬فأخ ْذنا نمأل منها‬ ‫ْ‬ ‫باألشجار‪،‬‬
‫السال َل الكبيرة‪ ،‬ونبيعها في المدينة‪ ،‬ونشتري بثمنها‬
‫ما نحتاج ونريد‪ ..‬لقد وفى والدي بوعده‪ ،‬فاستخرج‬
‫كنوز األرض‪ ،‬وطرد الفقر بيديه‪ ،‬و‪..‬‬
‫‪33‬‬
‫تعالى صوت والدي‪ ،‬يدعونا إليه‪..‬‬
‫أسر ْعتُ أنا وصديقي‪ ،‬وجلسنا معه‪ ،‬في ٍ‬
‫ظل‬
‫ظليل‪ ،‬نأكل مما قطف لنا‪ ،‬من ثمار حلوة يانعة‪..‬‬
‫قلت مسروراً‪:‬‬
‫ب والتين!‬
‫ثمار العن ِّ‬
‫أطيب َ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬ما‬
‫كف والدي الخشنة‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫نظر أسامة‪ ،‬إلى ِّ‬
‫ثمار العمل!‬ ‫أطيب َ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬ما‬
‫قال والدي‪:‬‬
‫ت هذه الثمار مدفونة تحت‬ ‫‪-‬لوال العمل‪ ،‬لظل ْ‬
‫الصخور!‬

‫‪‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫األمـــــيرة والــمرآة‬
‫كان في قديم الزمان‪ ،‬أميرة ٌ شريرة‪ ،‬قبيحةُ‬
‫الناس وتنهرهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫الم ْنظر‪ ،‬خبيثة ال َم ْخبر‪ ،‬تكرهُ‬
‫ْ‬
‫وتسخر منهم وتحقرهم‪ ،‬فكرهها ك ُّل َمن عرفها‪،‬‬
‫وخافها خدمها وحشمها‪ ،‬بسبب عجرفتها‪ ،‬وسوء‬
‫الناس‬
‫َ‬ ‫أعوان وعيون‪ ،‬يخالطون‬ ‫ٌ‬ ‫خلقها‪ ..‬وكان لها‬
‫متنكرين‪ ،‬ثم يرجعون إليها‪ ،‬بأخبارهم وأسرارهم‪،‬‬
‫يلتهب قلبها حقداً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وحينما تسمع ما يتناقلونه عنها‪،‬‬
‫ويتطاير غيظها شرراً‪ ،‬فال يجرؤ أحد ٌ‪ ،‬على‬
‫االقتراب منها‪ ،‬أو النظر إلى وجهها‪..‬‬
‫وفي إحدى األمسيات‪ ،‬كانت جالسة‪ ،‬في شرفة‬
‫ت وصيفاتها‪،‬‬ ‫قصرها‪ ،‬ومرآتها في حجرها‪ ،‬فنادَ ْ‬
‫ومثلنَ بين يديها مطرقات‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫فهرعْنَ إليها مذعوراتٍ‪،‬‬
‫ينتظرنَ عقابا ً أو توبيخاً‪.‬‬
‫ْ‬
‫ت األميرة ُ المغرورة‪ ،‬ترنو إليهن بازدراء‪،‬‬ ‫ع ِّ‬
‫شر َ‬
‫شمخت بأنفها‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ثم‬
‫‪-‬أصحي ٌح ما يقوله عني الناس؟‬
‫‪35‬‬
‫‪-‬ماذا يقولون؟‬
‫‪-‬يقولون‪ :‬أنف األميرة كبير‪ ،‬لكثرةِّ ما تشمخ به!‬
‫يعيب صاحبه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬األنف الكبير‪ ،‬ال‬
‫تلو ُح به‬
‫ت سوطها‪ِّ ،‬‬ ‫ت األميرة ُ‪ ،‬ورف َع ْ‬ ‫غض َب ِّ‬
‫مهدِّدةً‪ .‬وتقول‪:‬‬
‫الناس‪ ،‬على ما يقولون؟!‬ ‫َ‬ ‫‪-‬أتواف ْقنَ‬
‫وقلنَ في نفوسهن‪:‬‬ ‫ط‪ْ .‬‬ ‫ت الوصيفاتُ السو َ‬ ‫رمقَ ِّ‬
‫شكلك ما يكون‪.‬‬‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫وليكن‬ ‫أخالقك‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬حسِّني‬
‫قالت األميرة حانقة‪:‬‬
‫لكن ساكتات؟!‬ ‫‪-‬ما َّ‬
‫صغير يا سيدتي!‬ ‫ٌ‬ ‫أنفك‬
‫‪ِّ -‬‬
‫‪-‬ال تكذبْنَ !‬
‫‪-‬اسألي المرآة‪ ،‬فهي ال تكذب‪.‬‬
‫ُ‬
‫تحملق إلى‬ ‫ت‬‫ع ْ‬‫ت األميرة ُ المرآة‪ ،‬وشر َ‬ ‫تناولَ ِّ‬
‫أنفها‪ ،‬فقالت لها المرآة‪:‬‬
‫كبير‪ ،‬لكثرة ما تشخمين به‪.‬‬ ‫أنفك ٌ‬ ‫‪ِّ -‬‬
‫ت المرآة‪،‬‬ ‫وأظلم وجهها‪ ،‬فقلبَ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ت األميرةُ‪،‬‬ ‫اغتاظ ِّ‬
‫ت رأسها‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫ت واجمة‪ ،‬ثم رف َع ْ‬ ‫وصمت َ ْ‬
‫الناس أن لساني سليط‪ ،‬وطويل‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬ويزعم‬
‫كالسوط!‬

‫‪- 36 -‬‬
‫‪-‬إنهم يكذبون!‬
‫‪-‬وكيف أعرف الحقيقة؟‬
‫‪ -‬اسألي المرآة‪ ،‬تعرفي الحقيقة‪.‬‬
‫ت األميرة مرآتها‪ ،‬وقر َبتْها من وجهها‪ ،‬ثم‬ ‫رفع ِّ‬
‫ت تنظر إليه‪..‬‬ ‫ت لسانها‪ ،‬وجعلَ ْ‬ ‫دل َع ْ‬
‫قالت لها المرآة‪:‬‬
‫لسانك سليط‪ ،‬وطويل كالسوط‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪-‬‬
‫ت األميرة ُ لسانها‪ ،‬وقالت وهي تتمي َُّز‬ ‫أرجع ِّ‬
‫غيظاً‪:‬‬
‫الناس أنني شبْتُ وكبرت!‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬ويزعم‬
‫ت صبيةً يا سيدتي!‬ ‫‪-‬ما زل ِّ‬
‫‪ْ -‬قلنَ الحقيقة‪ ،‬وال تخ ْفنَ‬
‫لك الحقيقة‪.‬‬ ‫‪-‬المرآة تقول ِّ‬
‫ت األميرة ُ المرآة‪ ،‬وصارت تتأ َّم ُل وجهها‬ ‫رفع ِّ‬
‫تخف المرآة ُ منها‪ ،‬بل قالت لها‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫وشعرها‪ ..‬لم‬
‫وشعرك أشيب‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وجهك أعجف‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪-‬‬
‫ت بها‬ ‫ت األميرة ُ على المرآة‪ ،‬وضربَ ْ‬ ‫غضب ِّ‬
‫ت‪..‬‬ ‫وتبعثر ْ‬
‫َ‬ ‫رت‬ ‫األرض‪ ،‬فتكس ْ‬
‫ت قصرها‪ ،‬وهي‬ ‫ت األميرة ُ مسرعة‪ ،‬ودخلَ ْ‬ ‫وقام ِّ‬
‫تصرخ‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫‪-‬المرآة كاذبة‪ ،‬المرآة كاذبة!‬
‫ْ‬
‫وأخذت تجمع أشال َء‬ ‫َت إحدى الوصيفات‪،‬‬ ‫انحن ْ‬
‫ت إليها‬ ‫نظر ْ‬
‫َ‬ ‫َت من جمعها‪،‬‬ ‫المرآة‪ ،‬وحينما فرغ ْ‬
‫محزونه‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ت المرآةُ‪ ،‬ولم ْ‬
‫تقل إال الحقيقة!‬ ‫‪-‬لقد مات ِّ‬

‫‪‬‬

‫‪- 38 -‬‬
31
‫األقــــوال واألفعـــال‬
‫كان جماعةٌ من األصدقاء‪ ،‬يتنزهون في‬
‫الحقول‪ ..‬شاهدوا نارا ً تشتعل‪ ،‬قرب شجرة كبيرة‪.‬‬
‫وقفوا جميعاً‪ ،‬ينظرون إليها‪..‬‬
‫قال إياد‪:‬‬
‫‪-‬يجب أن نطفئ هذه النار ‪.‬‬
‫وقال باسم‪:‬‬
‫‪-‬إطفاؤها عم ٌل نافع ‪.‬‬
‫وقال ماهر‪:‬‬
‫ث الهواء ‪.‬‬ ‫ت‪ ،‬فالنار تلو ُ‬ ‫‪-‬صد ْق َ‬
‫وقال أحمد‪:‬‬
‫‪-‬ودخانها يؤذي النبات‪.‬‬
‫وقال سامر‪:‬‬
‫‪-‬ويؤذي اإلنسان والحيوان ‪.‬‬
‫وقال عامر‪:‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫‪-‬إذا لم نطفئها‪ ،‬فستحرق األشجار ‪.‬‬
‫وقال خالد‪:‬‬
‫‪-‬وقد تصل إلى حقول القمح ‪.‬‬
‫وقال نضال‪:‬‬
‫تعب الفالحين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ت المحصو َل‪ ،‬ضاع‬ ‫‪-‬وإذا حرق ِّ‬
‫مر فال ٌح‬‫وحينما كان األصدقاء‪ ،‬يقولون‪ ،‬ويقولون‪َّ ..‬‬
‫شاب‪ ،‬ورأى النار‪ ،‬فهرع إليها مسرعاً‪ ،‬وألقى عليها‬
‫ت ألسنتها الطويلة‪ ،‬ولم يبقَ سوى‬ ‫التراب‪ ،‬فاختفَ ْ‬
‫أنفاسها السوداء‪ ،‬تنفذ من بين التراب‪ ،‬فداسها الشابُّ‬
‫بقدمه‪ ،‬وتاب َع سيره‪،‬‬
‫ولم يفتح فمه‪ ..‬نظر األصدقا ُء إليه معجبين‪ ،‬وحينما‬
‫غاب من أنظارهم‪ ،‬أطرقوا رؤوسهم صامتين‪..‬‬

‫‪49‬‬
‫البيت المتــين‬
‫ت الرياح‪،‬‬ ‫أقبل الشتا ُء‪ ،‬فاسود ِّ‬
‫ت السما ُء‪ ،‬وهاج ِّ‬
‫أن يبني لنفسه بيتا ً‬
‫األرنب الصغير‪ ،‬وعزم ْ‬ ‫ُ‬ ‫فخاف‬
‫متيناً‪ ،‬يقي ِّه شر العواصف‪.‬‬
‫بدأ َ ينق ُل الحجارة َ الصلبة‪ ،‬ويرصف بعضها فوق‬
‫بعض‪ ..‬وبعد أيام‪ ،‬أصبح البيتُ جاهزاً‪ ،‬ففرح‬
‫األرنب كثيراً‪ ،‬وأخذ يغني‪ ،‬ثم صار يرقص‪..‬‬
‫سألَتْهُ الري ُح‪:‬‬
‫األرنب الصغير؟!‬
‫ُ‬ ‫‪-‬لماذا ترقص أيها‬
‫ي‪ ،‬يتحدى الريح‪.‬‬ ‫‪-‬ألن بيتي قو ٌّ‬

‫ت؟‬‫‪-‬وكيف عر ْف َ‬
‫‪-‬لقد بنيته من أقسى الحجارة‪.‬‬
‫ونظر ْ‬
‫ت إلى البيت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ت الري ُح من غروره‪،‬‬‫ضحك ِّ‬
‫ت بين حجارته‬ ‫َ‬
‫ت أصابعها الرقيقة‪ ،‬فدخل ْ‬ ‫ثم مد ْ‬

‫‪- 42 -‬‬
‫بسهولة‪ ..‬قالت ساخرة‪:‬‬
‫بيتك قوية!‬ ‫‪-‬حجارة َ‬
‫‪-‬طبعاً‪ ..‬طبعاً‪.‬‬
‫‪-‬ولكن ال يربط بينها شيء!‬
‫بقولك هذا؟‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬ماذا تعنين‬
‫ليست متالصقةً وال‬ ‫ْ‬ ‫أن حجارته‬ ‫‪-‬أعني َّ‬
‫متالحمة‪.‬‬
‫‪-‬هذا ال يهم‪.‬‬
‫‪-‬أرى أنه سيتِّهدَّ ُم سريعاً‪.‬‬
‫تك!‬‫‪ْ -‬فلتختبري قو ِّ‬
‫ت‬‫فانهار ْ‬
‫َ‬ ‫البيت‪،‬‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫ت الري ُح‪ ،‬ودفع ِّ‬ ‫اغتاظ ِّ‬
‫حجارته‪..‬‬
‫قال األرنب مدهوشاً‪:‬‬
‫هدمتِّ ِّه‪ ،‬وحجارته كالحديد؟!‬ ‫‪-‬كيف ْ‬
‫‪-‬الحجارة المتينة‪ ،‬ال تصنع ‪-‬وحدها ‪-‬بيتا ً متيناً‪.‬‬
‫نظر األرنب بازدراء‪ ،‬إلى حجارة بيته المبعثرة‬
‫المتفرقة‪ ،‬ثم خاطبها قائالً‪:‬‬
‫أضعفك إذا‬
‫ِّ‬ ‫صالبتك بعد اليوم‪ ،‬فما‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬لن تغرني‬
‫لم تتماسكي!!‬

‫‪43‬‬


- 44 -
‫وردتـــــــان‬
‫كان في غرفة سلمى وردتان‪ :‬إحداهما صناعيةٌ‪،‬‬
‫تغمر ساقها‬
‫ُ‬ ‫في زهري ٍة أنيقة‪ ،‬والثانية وردة طبيعية‪،‬‬
‫كأس من زجاج‪..‬‬ ‫ماء ٍ‬ ‫في ِّ‬
‫ت كل‬ ‫ت صديقاتُ سلمى لزيارتها‪ ،‬فأخذَ ْ‬ ‫وجا َء ْ‬
‫الكأس‪ ،‬وتش ُّم الوردة‪ ،‬ثم تقول‬
‫َ‬ ‫واحدةٍ منهن‪ ،‬ترفع‬
‫منتشية‪:‬‬
‫أطيب رائحتها!!‬
‫َ‬ ‫‪-‬ما أجمل هذه الوردة‪ ،‬وما‬
‫ت الزائراتُ ‪ ،‬أصبحت الغرفة خالية‪،‬‬ ‫وحينما انصرف ِّ‬
‫ت الوردة ُ الصناعية‪ ،‬مملوءة ً بالغيظ‬ ‫بينما ظل ِّ‬
‫نظر‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫تلفت‬ ‫َ‬
‫تسمع كلمة مدح‪ ،‬ولم‬ ‫ْ‬ ‫والحسد‪ ،‬ألنها لم‬
‫ت نحلة جميلة‪ ،‬من النافذة المفتوحة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أحد! ودخلَ ْ‬
‫ت الوردة ُ الصناعية‪ ،‬أن تجذبها إليها‪ ،‬لتغي َ‬
‫ظ‬ ‫فأراد ٍ‬
‫ت تنادي‪:‬‬‫ع ْ‬ ‫الوردة َ الطبيعية‪ ،‬فشر َ‬
‫إلي أيتها النحلة‬ ‫تعالي ّ‬
‫لن تجدي مثل جمالي‬
‫منظري رائع‬
‫‪45‬‬
‫ألواني حمراء‬
‫أوراقي ناعمة‬
‫أعيش بال غذاء‬
‫وأحيا بال ماء‬
‫وأبقى ناضرة‪ ،‬ال أعرف الذبول‪.‬‬
‫ت الوردة ُ الصناعية‪ ،‬تباهي بجمالها‪ ،‬وتفخر‬ ‫ظل ِّ‬
‫بير صامتة‪ ،‬ال‬ ‫بنفسها‪ ،‬والوردة الطبيعية‪ ،‬تنف ُح الع َ‬
‫ْ‬
‫طارت إليها‬ ‫تنبس بكلمة‪ ..‬وعلى الرغم من ذلك‪،‬‬
‫ت الوردة ُ‬ ‫النحلةُ‪ ،‬وعانقَتْها مسرورة‪ ،‬فغضبَ ِّ‬
‫الصناعية‪ ،‬وخاطبتها مدهوشة‪:‬‬
‫جذبك إلى تلك الوردة؟!‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬ما الذي‬
‫‪-‬جذبني إليها عطرها وجمالها‪.‬‬
‫ت ذلك‪ ،‬ولم تسمعي منها كلمة‬ ‫‪-‬وكيف عرف ِّ‬
‫واحدة؟!‬
‫قالت النحلة‪:‬‬
‫‪-‬الشي ُء الجمي ُل ال يحتاج إلى دعاية وكالم‪.‬‬
‫***‬
‫ت بها الوردة ُ‬ ‫ت الوردة ُ الطبيعية‪ ،‬شمت َ ْ‬ ‫حينما ذبل ِّ‬
‫الصناعية‪ ،‬وقالت ساخرة‪:‬‬
‫ت سريعاً!‬ ‫أراك قد ْ‬
‫ذبل ِّ‬ ‫‪ِّ -‬‬
‫‪-‬إذا فار ْقتُ أرضي‪ ،‬ال أعيش إال قليالً‪.‬‬
‫‪- 46 -‬‬
‫‪-‬أما أنا فأعيش عمرا ً طويالً‪.‬‬
‫‪-‬طو ُل العمر‪ ،‬ال يدعو إلى الفخر ‪.‬‬
‫‪-‬وبأي شيء نفخر؟‬
‫‪-‬بما نعطيه لآلخرين‪.‬‬
‫عمرك القصير؟!‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫أعطيت في‬ ‫‪-‬وماذا‬
‫ت‬
‫ت أن ِّ‬ ‫‪-‬أعطيْتُ الرحيق والعطر‪ ،‬فهل أعطي ِّ‬
‫عمرك الطويل؟‬
‫ِّ‬ ‫شيئا ً في‬
‫ت‪،‬‬ ‫تفك ُر فيما سمعَ ْ‬
‫ت الوردة الصناعية‪ِّ ،‬‬ ‫أطرق ِّ‬
‫ت رأسها‪ ،‬لتعتذر إلى‬ ‫فأدركت صوابه‪ ،‬وحينما رف َع ْ‬ ‫ْ‬
‫ً‬
‫ماتت‪ ،‬تاركة من بعدها‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الوردة الطبيعية‪ ،‬وجدَتْها قد‬
‫رائحة عطرة ال تموت!‬

‫‪‬‬

‫‪47‬‬
‫الـمجـــنون‬
‫انصرفنا من المدرسة‪ ،‬وعدنا إلى بيوتنا‬
‫فرحين‪ ..‬كنا مجموعة من األطفال‪ ،‬نتحادث‬
‫ونضحك ونقفز‪ .‬وفي الطريق‪ ،‬شاهدْنا مجنوناً‪،‬‬
‫َ‬
‫أشعث الشعر‪ ،‬يرتدي‬ ‫أسمر البشرة‪،‬‬
‫َ‬ ‫قصير القامة‪،‬‬
‫َ‬
‫ثوبا ً بالياً‪ ،‬يكشف عن صدره‪..‬‬
‫تحلقنا حوله‪ ،‬ننظر إليه بفضول‪ ،‬ونسخر من‬
‫مظهره‪ ،‬بعبارات جارحة‪:‬‬
‫‪-‬انظروا إلى لعابه كيف يسيل!‬
‫‪-‬ما أبش َع منظره!‬
‫‪-‬إنه يسير حافياً!‬
‫‪-‬ما أكرهَ رائحته!‬
‫‪ُّ -‬‬
‫أظن أنه لم يغتسل في حياته!‬
‫انفجرنا ضاحكين‪..‬‬
‫المجنون صامتاً‪ ،‬يرمقنا مدهوشاً‪ْ ..‬‬
‫أقبلنا‬ ‫ُ‬ ‫وظل‬
‫عليه‪ ،‬نغيظه ونؤذيه‪..‬‬
‫‪- 48 -‬‬
‫نأتيه من بين يديه‪ ،‬ونأتيه من خلفه‪ ..‬هذا يشدُّ‬
‫وذاك ينتر ثوبه‪ ،‬وآخر يدفع ظهره‪ ،‬وهو‬ ‫َ‬ ‫شعرهُ‪،‬‬
‫َ‬
‫يلتفت ذات اليمين‪ ،‬وذات الشمال‪ ،‬وال يدري ماذا‬
‫يفعل‪..‬‬
‫نكتف بذلك‪ ،‬بل أخ ْذنا نقذفه بالحصى‪ ،‬فهرول‬ ‫ِّ‬ ‫لم‬
‫وراءنا‪ ،‬يصرخ متألماً‪..‬‬
‫هربنا من وجهه‪ ،‬نركض أمامه‪ ،‬ونلتفت إليه‪..‬‬ ‫ْ‬
‫وحينما وقف‪ ،‬عاودناهُ ثانية‪ ،‬فرماه طفلٌ‪ ،‬بحجر‬
‫سهُ‪ ،‬وأسال دمه‪ ،‬فقعد خائفاً‪ ،‬يمسح‬ ‫كبير‪ ،‬شج رأ َ‬
‫الجرح بكف ِّه‪ ،‬ويتأم ُل يدَهُ الملطخة بالدماء‪ ،‬ثم يرفع‬
‫بصره إلى السماء‪..‬‬
‫كففنا عن إيذائه‪ ،‬ووقفنا نتأملُهُ صامتين‪..‬‬
‫عجوز‪ ،‬فقيرة طيبة‪ ،‬وخاطبَتْنا معاتبة‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫جاءت‬
‫‪-‬لماذا تضربونه يا أبنائي؟!‬
‫‪-‬إنه مجنون!‬
‫إنسان مثلكم‪ ،‬يأْل ُم كما تألمون‪.‬‬‫ٌ‬ ‫‪-‬ولكنهُ‬
‫‪-‬أال ترينَ ش َكلهُ القبيح؟!‬
‫يعيب صاحبه‪ ،‬وإنَّما‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬يا أبنائي‪ ..‬الشكل القبي ُح ال‬
‫فعله القبيح‪.‬‬
‫نكسنا رؤوسنا خجالً‪ ،‬ولم ننبس بكلمة واحدة‪..‬‬
‫ت العجوز على المجنون‪ ،‬تمسح له وجهه‬ ‫وانحن ِّ‬

‫‪41‬‬
‫وجرحه‪ ،‬ثم قبلتْهُ بين عينيه‪ ،‬وسحبَتْهُ من يده‪ ،‬فمشى‬
‫معها طائعاً‪ ،‬مثل َح َم ٍل وديع‪..‬‬
‫ألكشف‬
‫َ‬ ‫وسرتُ وراءها‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫تر ْكتُ رفاقي واجمين‪،‬‬
‫ت نحوي‪ ،‬فرأيتُ في عينيها الدموع‪..‬‬ ‫استدار ْ‬ ‫َ‬ ‫سرها‪..‬‬
‫قلت مستغرباً‪:‬‬
‫‪-‬أتبكينَ على هذا المجنون؟!‬
‫بحنان بالغ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫قالت‬
‫‪-‬إنه ابني!‬
‫‪-‬ال أكاد ُ أصد ُق!‬
‫لماذا؟‬
‫‪-‬إنه‪ ..‬مجنون!‬
‫قالت العجوز‪:‬‬
‫ُ‬
‫المجنون بال أم؟!‬ ‫‪-‬وهل يولد ُ‬
‫قلت متعجباً‪:‬‬
‫‪-‬لماذا لم تعاقبينا على ما فعلنا؟!‬
‫العقاب يا بني؟!‪ .‬ما زلتم صغاراً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ولم‬
‫‪َ -‬‬
‫قلت نادما ً حزيناً‪:‬‬
‫إليك‪ ،‬فهل تقبلين اعتذاري؟‬ ‫‪-‬إنني أعتذر ِّ‬
‫ت رأسي‪ ،‬براحتها‬ ‫ت العجو ُز يدها‪ ،‬ومس َح ْ‬ ‫مد ِّ‬
‫الحانية‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫‪- 51 -‬‬
‫أعذرك وأسامحك‪.‬‬
‫َ‬ ‫تحزن يا صغيري‪ ،‬إنني‬‫ْ‬ ‫‪-‬ال‬
‫ت األ ُّم الرؤوم‪ ،‬تسحب ابنها الحبيب إلى‬ ‫ومض ِّ‬
‫قلبها‪ ،‬وظللتُ واقفا ً في مكاني‪ ،‬أرنو إليهما راحما‪ً،‬‬
‫وأقول في نفسي‪:‬‬
‫الدروس التي نأخذها خارج جدران‬
‫َ‬ ‫أكثر‬
‫َ‬ ‫‪-‬ما‬
‫المدرسة!‬
‫‪‬‬

‫‪59‬‬
‫لمــاذا بكــى مـــازن‬
‫اللعب‪ ،‬وعاد إلى البيت‬‫َ‬ ‫ٌ‬
‫مازن‬ ‫ح ّل الظالم‪ ..‬ترك‬
‫بعذر‪ ،‬يقدمهُ لوالديه‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫خائفاً‪ ،‬يفكر‬
‫قال فرحاً‪:‬‬
‫‪-‬لن ينجيني إال الكذب!‬
‫أنظار األسرة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ت إليه‬ ‫وحينما دخل البيت‪ ،‬تطلعَ ْ‬
‫بصبر فارغ‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫فقد كان الجمي ُع ينتظرونه‪،‬‬
‫قال األب‪:‬‬
‫كنت يا مازن؟!‬‫‪-‬أين َ‬
‫أكتب وظائفي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬كنتُ عند صديقي‪،‬‬
‫معك دفاتر!‬ ‫‪-‬ولكنني ال أرى َ‬
‫خجل مازن‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫‪-‬كنت أزور جدتي‪ ،‬فهي مريضة ‪.‬‬
‫ت من عندنا منذ قليل!‬ ‫‪-‬جدتك خر َج ْ‬
‫ازداد مازن خجالً‪ ،‬وقال متلعثماً‪:‬‬

‫‪- 52 -‬‬
‫‪-‬كنت‪ ..‬كنت‪ ..‬خارج البيت!‬
‫انفجر الجميع ضاحكين‪..‬‬
‫اب باكياً!‬
‫وانفجر الكذ ُ‬

‫‪‬‬

‫‪53‬‬
‫القــارب والبحــر‬
‫القارب‪ ،‬يتهادى مختاالً‪ ،‬فوق البحر‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫ْ‬
‫الواسع‪ ،‬وما لبث أن شمخ بأنفه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫‪-‬ما أعظمني قارباً!‬
‫البحر الكبير‪ ،‬فينقلني حيثما أريد‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫أمتطي‬
‫يعصي لي أمراً‪.‬‬
‫قال البحر‪:‬‬

‫تعترف بفضلي ‪.‬‬


‫َ‬ ‫‪-‬يسعدني ْ‬
‫أن‬
‫ألنك مس َّخ ٌر لحملي‪.‬‬
‫‪-‬ليس لك أي فض ٍل‪َ ،‬‬
‫وتنكر اآلن‬
‫ُ‬ ‫عمر َك على ظهري‪،‬‬
‫َ‬ ‫‪-‬أتقضي‬
‫فضلي؟!‬
‫‪- 54 -‬‬
‫ُ‬
‫تحادث َم ْن فوقك‪.‬‬ ‫وأنت‬
‫َ‬ ‫صوتك‪،‬‬
‫َ‬ ‫اخفض‬
‫ْ‬ ‫‪-‬‬
‫أنك فوقي‪ ،‬ولم يرف ْع َك غيري؟!‬‫‪-‬أتزع ُم َ‬
‫‪-‬ما رفعني إال منزلتي وقدري ‪.‬‬
‫قال البحر غاضباً‪:‬‬
‫بنفسك‪ ،‬وما يكون ألح ٍد ْ‬
‫أن يتكب َر‬ ‫َ‬ ‫لمعجب‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬إنك‬
‫على ظهري‬

‫قال القارب‪:‬‬
‫ت أم أبيت‪.‬‬‫ظهرك‪ ،‬شئْ َ‬
‫َ‬ ‫‪-‬سأظ ُّل على‬
‫وقذف‬
‫َ‬ ‫البحر وثار‪ ،‬فصار مو ُجهُ كالجبال‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هاج‬
‫مكسور‬
‫َ‬ ‫القارب المغرور‪ ،‬فانطرح على اليابسة‪،‬‬ ‫َ‬
‫اإلحساس‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫األضالعِّ‪ ،‬فاقدَ‬
‫وحينما صحا من إغمائه‪ ،‬حاول أن يتحر َك‪ ،‬فلم‬
‫يج ْد قدرة!‬
‫ْ‬
‫ولكن دون فائدة‪..‬‬ ‫المحاولةَ‪،‬‬
‫أعادَ ِّ‬
‫تهت‪ ،‬وأصبح هيكالً من‬ ‫شعر أن حياته قد ان ْ‬
‫أخشاب‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫قال نادماً‪:‬‬

‫‪-‬لقد أهلكني الجحود ُ والغرور ‪.‬‬


‫ونظر إلى البحر األزرق‪ ،‬واألمواج الراكضة‪،‬‬
‫الشوق والحنين‪ ،‬وقال محزوناً‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فعاودَهُ‬
‫‪-‬ما أعظمك أيها البحر!‬

‫‪‬‬

‫‪- 56 -‬‬
57
‫الديــك والفجـــــر‬
‫فأمسك دي َكهُ األحمر‪،‬‬
‫َ‬ ‫حمدان باكراً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫استيقظ‬
‫ً‬
‫وربط ساقيه جيدا‪ ،‬ثم ألقاهُ في السلة‪ ،‬ومضى إلى‬
‫المدينة‪..‬‬
‫وقف حمدان‪ ،‬في سوق المدينة‪ ،‬والديكُ أمامه‬
‫مر به رجلٌ‪،‬‬ ‫في السلَّة‪ ،‬ينتظر َم ْن يشتريه‪ ..‬وكلما َّ‬
‫الديك بناظريه‪ ،‬وجسهُ بيدي ِّه‪ ،‬ثم يساو ُم في‬ ‫َ‬ ‫فحص‬
‫َ‬
‫يتفق مع حمدان‪ ،‬وينصرف مبتعداً‪..‬‬ ‫الثمن‪ ،‬فال ُ‬
‫قال الديك في نفسه‪:‬‬
‫‪-‬إذا ً ستبيعني يا حمدان‪:‬‬
‫وتملم َل في السلة‪ ،‬يحاو ُل الخرو َج‪ ،‬فلم يقدر‪..‬‬
‫قال غاضباً‪..‬‬
‫‪-‬كيف يمدحون المدينةَ ولم أج ْد فيها إال األسر؟!‬
‫وتذك َر القريةَ والحرية‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يصبر أه ُل قريتي على فراقي‪ ،‬فأنا أُوقظهم‬ ‫َ‬ ‫‪-‬لن‬
‫كل صباح‪ ،‬و‪..‬‬
‫أقبل رج ٌل من قرية حمدان‪ ،‬فسلم عليه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫‪- 58 -‬‬
‫‪-‬ماذا تعمل هنا؟‬
‫أن أبي َع هذا الديك ‪.‬‬ ‫‪-‬أريد ُ ْ‬
‫‪-‬أنا أشتريه‪.‬‬
‫ديك حمدان‪ ،‬وعاد به إلى‬ ‫َ‬ ‫اشترى الرجلُ‪،‬‬
‫القرية‪..‬‬
‫قال الديك مسرورا‪ً:‬‬
‫أعرف أن القريةَ سترجعني‪ ،‬ألُطل َع لها‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬كنتُ‬
‫دهش الديكُ عجبا‪ً..‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الفجر‪ .‬وحينما دخل الرج ُل القرية‪،‬‬
‫الناس‪ ،‬وطل َع الفجر!‬ ‫ُ‬ ‫لقد استيقظ‬
‫ً‬
‫سأل الديك دجاجة في الطريق‪:‬‬
‫الفجر‪ ،‬في هذا اليوم؟!‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬كيف طل َع‬
‫‪-‬كما يطل ُع كل يوم‬
‫عن القرية!‬ ‫‪-‬ولكنني كنتُ غائبا ً ِّ‬
‫الديوك غيرك ‪.‬‬‫ِّ‬ ‫‪-‬في القرية مئاتُ‬
‫قال الديك خجالً‪:‬‬
‫‪-‬كنتُ أعتقد ُ انهُ ال يوجد ُ غيري‬
‫ت الدجاجة‪:‬‬ ‫قال ِّ‬
‫‪ -‬هكذا يعتقد كل مغرور ‪.‬‬
‫وفي آخر الليل‪ ،‬خرج ديكُ حمدان‪ ،‬وأصغى‬
‫الديوك‪ ،‬يتعالى من كل‬ ‫ِّ‬ ‫منصتا ً فسمع صيا َح‬
‫األرجاء‪ ،‬فصفقَ بجناحي ِّه‪ ،‬ومد عنقه‪ ،‬وصاح عاليا‪ً،‬‬
‫الفجر‬
‫ُ‬ ‫فاتحدَ صوتُهُ بأصوات الديوك‪ ..‬وبزغ‬
‫‪51‬‬
‫الجميل‪..‬‬
‫‪‬‬

‫‪- 61 -‬‬
‫الــمــباراة‬
‫أسامة تلميذ ٌ في الصف الرابع‬ ‫ُ‬
‫وأخته أسما ُء تلميذة ً في الصف الثالث‬
‫ي ومجتهد ‪.‬‬ ‫أسامةُ ذك ٌّ‬
‫أسما ُء ذكيةٌ ومجتهدة ‪.‬‬
‫أسامة يحبُّ أخته‪ ،‬وينافسها في كل شيء‪.‬‬ ‫ْ‬
‫كل شيء ‪.‬‬
‫وأسما َء تحبُّ أخاها‪ ،‬وتنافسه في ِّ‬
‫يتباريان في اإلمالء‬
‫ِّ‬ ‫تارة ً‬
‫وتارة ً يتباريان في الرسم‪.‬‬
‫يتباريان في التعبير ‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وتارة‬
‫و‪..‬‬
‫يفوز أسامةُ‪ ،‬فتهنئهُ أسماء ‪.‬‬ ‫مرة ً ُ‬
‫تفوز أسما ُء‪ ،‬فيهنئها أسامة‪.‬‬ ‫ومرة ً ُ‬
‫تعجب بهما‪ ،‬وتشجعهما‬
‫ُ‬ ‫وكانت أ ُّمهما المعلمةُ‪،‬‬
‫على هذا التنافس البريء‪..‬‬

‫‪69‬‬
‫وفي هذا الصباح‪ ،‬استيقظ أفراد ُ األسرة ‪،‬‬
‫وشرعوا يستعدون للذهاب إلى المدرسة‪ ،‬فقالت‬
‫أسما ُء ألخيها‪:‬‬
‫أنتظرك بعد‬‫َ‬ ‫ارتداء ثيابك‪ ،‬ولن‬
‫ِّ‬ ‫أنت بطي ٌء في‬ ‫‪َ -‬‬
‫اليوم ‪.‬‬
‫منك في ارتداء الثياب ‪.‬‬ ‫‪-‬أنا أسرعُ ِّ‬
‫وأنتظرك‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪-‬دائما ً أنتهي َ‬
‫قبلك‬
‫لك‪ ،‬أنني أسرعُ منك ‪.‬‬ ‫أثبت ِّ‬
‫َ‬ ‫‪-‬أستطي ُع أن‬
‫‪-‬كيف؟!‬
‫‪-‬نجري مباراة ً في ارتداء لباسنا المدرسي‪.‬‬
‫أعجب االقترا ُح أسما َء‪ ،‬فقالت متحمسة‪:‬‬ ‫َ‬
‫‪-‬أنا موافقة‬
‫‪-‬و َم ِّن الحكم؟‬
‫ت إلى ساعتها‪ ،‬ثم‬ ‫فنظر ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت األ ُّم للمباراة‪،‬‬ ‫وتحمس ِّ‬
‫رفعت رأسها‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫ْ‬
‫‪-‬أنا أحك ُم بينكما‪.‬‬
‫ت أسما ُء لباسها المدرسي ‪.‬‬ ‫جلبَ ْ‬
‫وجلب أسامةُ لباسه المدرسي ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ت األ ُّم‪:‬‬ ‫يلمس ثيابه‪ ،‬قال ِّ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ُ‬
‫مد أسامة يدَهُ‪ ،‬وقبل ْ‬
‫‪-‬أبع ْد يدَ َك‪ ،‬حتى أُعلنَ بد َء المباراة ‪.‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫مر ال َح َك ْم‬‫رفع أسامةُ يده‪ ،‬مطيعا ً أ َ َ‬
‫ت أسما ُء‪ ،‬وأمامها لباسها ‪.‬‬ ‫وقفَ ْ‬
‫ووقف أسامةُ‪ ،‬وأمامه لباسه ‪.‬‬ ‫َ‬
‫االثنان إلى‬
‫ِّ‬ ‫ت األم َب ْد َء المباراة‪ ،‬فسار َ‬
‫ع‬ ‫ُ‬ ‫أعلن ِّ‬
‫ثيابهما‪ ،‬يلبسانها بخف ٍة ونشاط‪..‬‬
‫وعندما لبس أسامةُ صدارة المدرسي‪ ،‬أدخل‬
‫الزر األو َل‪ ،‬في العروة الثانية‪ ،‬وتابع التزرير‪ ،‬حتى‬
‫بلغ الزر األخير‪ ،‬فلم يج ْد له عروة‪ ،‬ورأى صداره‪،‬‬
‫طويالً من جانب‪ ،‬قصيرا ً من اآلخر!‬
‫األزرار‪ ،‬وعندما‬
‫َ‬ ‫أدرك خطأَهُ سريعاً‪ ،‬وأخذ يفك‬ ‫َ‬
‫فرغ منها‪ ،‬بدأ يزرها ثانية‪ ،‬ولكنه في هذه المرة‪،‬‬
‫ص َّح ِّة البداية‪ ،‬فوصل إلى نهاي ٍة صحيحة‪،‬‬ ‫تأكدَ من ِّ‬
‫ورأى طرفي الصدار متساويين‪.‬‬
‫تنظران إليه‬
‫ِّ‬ ‫وحينما رفع رأسه‪ ،‬وجد أُمهُ وأخته‪،‬‬
‫وتبسمان‪..‬‬
‫قالت أسماء‪:‬‬
‫ت المباراة!‬ ‫خسر َ‬ ‫ْ‬ ‫لقد‬
‫قالت األ ُ ُّم‪:‬‬
‫أخوك ربح درسا ً نافعاً‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫درس تقصدين؟‬ ‫أي ٍ‬
‫األول ‪.‬‬
‫الزر َّ‬ ‫الدرس الذي تعلمه من ِّ‬
‫‪63‬‬
‫كالم األُم‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ران في‬
‫األخوان صامتين‪ ،‬يفك ِّ‬
‫ِّ‬ ‫أطرق‬
‫وعندما فهما ما تعنيه‪ ،‬أشرق الفر ُح على الوجوه‪،‬‬
‫وانطلق الجمي ًع إلى المدرسة مسرورين‪ ،‬فقد أخذوا‬
‫أن تفتح المدرسةُ أبوابها!‬
‫درسا ً قبل ْ‬

‫‪‬‬

‫‪- 64 -‬‬
‫ســـــحابتان‬
‫مطر‪ ،‬وسحابةُ‬ ‫ٍ‬ ‫سحابتان‪ :‬سحابةُ‬
‫ِّ‬ ‫كان هناك‬
‫دخان‪ ..‬كانت سحابة المطر‪ ،‬تطوف في أرجاء‬ ‫ُ‬
‫ت حزينةً‪،‬‬ ‫عت نداءا ٍ‬ ‫السماء‪ ،‬فرحة مسرورة‪ ،‬فس َم ْ‬
‫وتطلب المطر‪..‬‬
‫ُ‬ ‫تصعد ُ من األرض‪ ،‬تستغيث بها‪،‬‬
‫ت ندا َء الفالحين البائسين‪ ،‬وندا َء الحقول‬ ‫سم َع ْ‬
‫الظامئة‪.‬‬
‫األشجار الذابلة‪ ،‬وندا َء األنهار‬‫ِّ‬ ‫ت ندا َء‬ ‫سمعَ ْ‬
‫الناضبة‪.‬‬
‫ت كثيرة ً وحزينة‪..‬‬ ‫ت نداءا ٍ‬ ‫سم َع ْ‬
‫ت إلى األرض‪،‬‬ ‫ت السحابة الرحيمة‪ ،‬ونزلَ ْ‬ ‫حزن ِّ‬
‫تحم ُل الفر َح والمطر‪.‬‬
‫الدخان‪ ،‬وهي‬
‫ِّ‬ ‫ت في طريقها‪ ،‬سحابةَ‬ ‫صادفَ ْ‬
‫تصعد إلى السماء‪ ،‬فسألتها قائلة‪:‬‬
‫ت ذاهبة؟‬‫‪-‬إلى أين أن ِّ‬
‫‪-‬أنا ذاهبة إلى السماء ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫أرسلك إليها؟‬
‫ِّ‬ ‫‪َ -‬م ْن‬
‫الناس أرسلوني ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬أال تعرفينَ أن دخان َِّك يلوثها؟‬
‫يعنيك‬
‫ِّ‬ ‫أمر ال‬
‫‪-‬هذا ٌ‬
‫قالت سحابة المطر‪:‬‬
‫أدعك تلوثينه ‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬السما ُء وطني‪ ،‬ولن‬
‫‪-‬أنا حرةٌ‪ ،‬أفع ُل ما أشاء ‪.‬‬
‫ت حرةً‪ ،‬عندما تؤذين غيرك ‪.‬‬ ‫‪-‬لس ِّ‬
‫ت سحابةُ الدخان‪،‬‬ ‫وطال بينهما الجدال‪ ،‬وظل ْ‬
‫ت سحابةُ المطر‪ ،‬وصب ْ‬
‫َّت‬ ‫متشبثةً بالعناد‪ ،‬فغض َب ْ‬
‫ماءها الغزير‪ ،‬على سحابة الدخان‪..‬‬
‫المطر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فانتصر‬
‫َ‬ ‫المطر والدخان‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتعارك‬
‫وتالشى الدخان‪..‬‬
‫المطر إلى األرض‪ ،‬ولكنه كان مطرا ً‬ ‫ْ‬ ‫ونزل‬
‫أسود!‬
‫الناس إليه‪ ،‬وقالوا مستنكرين‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫نظر‬
‫‪-‬مطر أسود!‪ ..‬ما أبشعه!!‬
‫قال المطر‪ ،‬وهو محزون‪:‬‬
‫‪-‬ال تلوموني‪ ،‬ولوموا أنفسكم‪.‬‬

‫‪- 66 -‬‬
‫الســــاعة الذهبيــــة‬
‫وسار‬ ‫انصرف التالميذ ُ من المدرسة‪،‬‬ ‫َ‬
‫الصديقان‪ ،‬أحمد ُ وغزوان‪ ،‬في طريق واحد‪..‬‬ ‫ِّ‬
‫قال غزوان‪:‬‬
‫لندرس معا ً‬
‫َ‬ ‫اليوم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫‪-‬تعا َل إل َّ‬
‫‪-‬متى أجيء؟‬
‫في الساعة الرابعة ‪.‬‬
‫الصديقان‪ ،‬فذهب ك ُّل واح ٍد إلى بيته‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫وافترق‬
‫ُ‬
‫غزوان‪ ،‬صديقة‬ ‫وفي الموعد المحددِّ‪ ،‬استقبل‬
‫أحمد‪ ،‬وأخذ يحدثهُ‪ ،‬عن زمالء المدرسة‪ ،‬فيغتاب‬
‫سلوك ذاك‪..‬‬
‫َ‬ ‫ويعيب‬
‫ُ‬ ‫هذا‪،‬‬
‫قال أحمد‪ ،‬محاوالً إنها َء الحديث‪:‬‬
‫‪-‬أال نبدأ ُ بالدراسة؟‬
‫‪-‬الوقتُ أمامنا طويل‪.‬‬
‫‪-‬الوقتُ من ذهب‪ ،‬وعلينا أن ننفقه فيما يفيد‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪-‬ألم يعجب َْك حديثي؟!‬
‫سكت أحمد ُ خجالً‪..‬‬ ‫َ‬
‫ث عن إخوته‪،‬‬ ‫غزوان الكالم‪ ،‬فتحد َ‬ ‫ُ‬ ‫وتابع‬
‫وألعابهم‪ ،‬وخالفاتهم‪ ،‬و‪..‬‬
‫شعر أحمد بالصداع‪ ،‬وألقى نظرة على ساعته‪،‬‬
‫فوجدها تشير إلى الخامسة‪ ،‬فرفع رأسه‪ ،‬وقال‬
‫غاضباً‪:‬‬
‫‪-‬أتدري ماذا أض ْعتُ عندك؟‬
‫ت؟‬
‫‪-‬ماذا أض ْع َ‬
‫ً‬
‫‪-‬أض ْعتُ ساعة ذهبية!‬
‫عن‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫يبحث‬ ‫غزوان‪ ،‬ونهض مسرعاً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ئ‬
‫فوج َ‬
‫الساعة‪ ،‬فوق المكتب‪ ،‬وبين الدفاتر‪ ،‬و‪..‬‬
‫أحمد ُ يراقبه صامتاً‪..‬‬
‫غزوان على شيء‪ ،‬فقال يائساً‪:‬‬‫ُ‬ ‫يعثر‬
‫لم ْ‬
‫‪-‬لم أج ِّد الساعة‬
‫‪-‬لن تجدها‪ ،‬مهما بحثت‬
‫غزوان إلى صديقه‪ ،‬فرأى ساعته في‬ ‫ُ‬ ‫ونظر‬
‫معصمه!‬
‫قال ساخراً‪:‬‬
‫‪-‬أهذه ساعتك الضائعة!؟‬

‫‪- 68 -‬‬
‫الساعة الضائعة غير هذه ‪.‬‬
‫‪-‬وهل هي من ذهب؟‬
‫‪-‬نعم‪ ،‬إنها من ذهب ‪.‬‬
‫ُ‬
‫اللغز‬ ‫وانقطع الكالم‪ ،‬وساد الصمت‪ ،‬وظل‬
‫ع ساعةً ذهبية‪.‬‬
‫غامضاً‪ ..‬أحمد لم يكذبْ ‪ ،‬فقد أضا َ‬
‫وغزوان لن يجدَها‪ ،‬مهما بحث عنها!‬
‫‪-‬ما الساعة الذهبية التي أضاعها أحمد؟!‬
‫أطرق غزوان‪ ،‬يفك ُر حائراً‪..‬‬
‫فكروا معه قليالً‪ ،‬فقد تصلون قبله إلى الجواب‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪61‬‬
‫المعلمـــة الصغــــيرة‬
‫جرس الدرس‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫رن‬
‫ت التلميذاتُ إلى الصف‪ ،‬وجلسْنَ في‬ ‫ع ِّ‬‫أسر َ‬
‫المعل َمة‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫قدوم‬
‫َ‬ ‫ينتظرنَ‬
‫ْ‬ ‫المقاعد هادئاتٍ‪،‬‬
‫تناهز الخمسين من‬ ‫ُ‬ ‫معلمة الصف‪،‬‬‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫كانت‬
‫عمرها‪ ،‬ولكنها ال تزال حازمة‪ ،‬ال تتغاضى عن‬
‫الشغب‪ ،‬وال تسام ُح في التقصير‪ ،‬شعارها الجدُّ‬
‫والنظام‪ ،‬في الدراسة‪ ،‬وفي الدوام‪ ،‬كأنها ساعة‬
‫عاقلة‪.‬‬
‫ت اليوم؟!‬ ‫‪-‬لماذا تأخ َر ِّ‬
‫قالت تلميذة‪:‬‬
‫‪-‬المعلماتُ مجتمعاتٌ في اإلدارة‬
‫‪-‬متى ينتهي االجتماع؟‬
‫‪-‬ال ندري!‬
‫ت تتملم ُل في‬‫ت ليلى الصغيرة‪ ،‬وبدأ َ ْ‬ ‫فر َح ْ‬
‫تستقر‬
‫ُّ‬ ‫ذات اليمين وذات الشمال‪ ،‬وال‬ ‫مقعدها‪ ،‬تمي ُل َ‬
‫‪- 71 -‬‬
‫على حال‪ ..‬إنها طفلة شقراء مرحة‪ ،‬ماهرة في‬
‫التمثيل‪ ،‬وتقليد اآلخرين‪ ،‬فنالت محبةَ زميالتها‪ ،‬بما‬
‫لديها من دعابة ومزاح‪.‬‬
‫ت ليلى الفرصة‪ ،‬وغادرت مقعدها‪..‬‬ ‫انتهزَ ْ‬
‫المعلمة‪ ،‬على المنصة القريبة‬
‫ِّ‬ ‫ت في مكان‬ ‫وقفَ ْ‬
‫ت على عينيها نظارة‪ ،‬مثل‬ ‫من السبورة‪ ..‬وض َع ْ‬
‫ْ‬
‫تنحنحت‪،‬‬ ‫ً‬
‫َت ظهرها قليال‪ ،‬ثم‬ ‫نظارة معلمتها‪ ،‬وحن ْ‬
‫المعلمة‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫تقلد‬
‫وقالت ِّ‬

‫تذكرني بدرسنا السابق؟‬ ‫‪-‬بناتي الطالبات!‪َ ..‬م ْن ِّ‬


‫ت عدة ُ‬ ‫العيون والقلوب‪ ،‬وارتف َع ْ‬
‫ُ‬ ‫ت إليها‬ ‫انجذ َب ْ‬
‫ت المعلمة الصغيرة‪ ،‬شفتها السفلى‪ ،‬ثم‬ ‫أصابع‪ ..‬قلبَ ِّ‬
‫ت رأسها وقالت بصوت راعش‪:‬‬ ‫هز ْ‬
‫‪-‬أريد ُ أصاب َع أكثر‪ ..‬كيف نأخذ درسا ً جديداً‪ ،‬وقد‬
‫نسينا درسنا القديم؟!‬
‫كانت التلميذات ينصتْنَ لها مسرورات‪،‬‬
‫واإلعجاب ظاهر على الوجوه والعيون‪.‬‬
‫وفجأة‪..‬‬
‫الذعر الوجوه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ت عنها العيون‪ ،‬وكسا‬ ‫تحولَ ْ‬
‫الكفوف األفواه‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫وغط ِّ‬
‫معلمتها‪،‬‬ ‫ْ‬
‫فأبصرت ِّ‬ ‫ت ليلى‪ ،‬لتكشف األمر‪،‬‬ ‫التفت َ ْ‬

‫‪79‬‬
‫ذات النظارة‪ ،‬واقفة في الباب!‬ ‫َ‬
‫واحمر وجهها خجالً‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫انعقد لسانها حيرة‪،‬‬
‫ت رأسها‪ ،‬ال تدري ماذا تفعل‪..‬‬ ‫فأطرقَ ْ‬
‫ت ضحكاتٌ‬ ‫ت ثقيل‪ ،‬ثم أفلت َ ْ‬ ‫ت لحظاتُ صم ٍ‬ ‫مر ْ‬
‫محبوسة‪ ،‬من هنا وهناك‪..‬‬
‫معلمتها خلسة‪،‬‬
‫ت إلى ِّ‬ ‫ونظر ْ‬
‫َ‬ ‫ت ليلى رأسها‪،‬‬ ‫رفعَ ْ‬
‫فرأتها تبتسم!‬
‫كانت ابتسامتها شمسا ً مشرقة‪ ،‬أضاءت نفسها‬
‫غيوم الخوف والحزن‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ت عنها‬ ‫المظلمة‪ ،‬وقش َع ْ‬
‫عادت إليها شجاعتها‪ ،‬وقالت معتذرة‪:‬‬
‫‪-‬أنا آسفة!‬
‫‪-‬ال داعي إلى األسف يا بنتي!‬
‫‪-‬سامحيني على مافعلت‪.‬‬
‫عليك‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬لستُ عاتبةً‬
‫‪-‬هل أذهب إلى مقعدي؟‬
‫المعلمة‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ت‬
‫قال ِّ‬
‫‪-‬لن تذهبي إال بشرط‪.‬‬
‫‪-‬ما هو؟‬
‫‪-‬أن تنضمي إلى فرقة التمثيل في المدرسة‬
‫قالت ليلى فرحة‪:‬‬

‫‪- 72 -‬‬
‫‪-‬موافقة!‬
‫المعلمة‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ت‬‫ضح َك ِّ‬
‫المعلمة‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬اذهبي اآلن إلى مقعدك‪ ،‬أيتها‬
‫ت ليلى إلى مقعدها‪ ،‬وهي تكاد ال‬ ‫ع ْ‬ ‫الصغيرة! أسر َ‬
‫المعلمة‬
‫ِّ‬ ‫أن‬ ‫تامة‪،‬‬ ‫ثقة‬ ‫على‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫أصب‬ ‫أنها‬ ‫تصدق‪ ،‬غير‬
‫هي أُمها الثانية!‬

‫‪‬‬

‫‪73‬‬
‫الــــورد والعوســــج‬
‫ت صغير‪ ،‬على‬ ‫عاشت شجيراتُ الورد‪ ،‬أمام بي ٍ‬
‫طرف القرية‪ ،‬وكانت صاحبة البيت العجوز‪ ،‬تحب‬
‫وردَها كثيراً‪ ،‬وتوليه كل عناية‪ ،‬وتسقيه كل يوم‪،‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬لم يكن الورد سعيداً‪..‬‬
‫‪-‬لماذا؟‬
‫‪-‬ألن األوالدَ يقطفون منه خلسة‪ ،‬والحيوانات‬
‫تدوس فوقه‪ ،‬وتتلف بعضه‪.‬‬
‫عاش الورد في حزن وخوف‬
‫ت إلى الحل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫العجوز في أمره‪ ،‬فاهتدَ ْ‬ ‫ت‬
‫فكر ِّ‬
‫سج حول الورد‪..‬‬ ‫و‬
‫َْ َ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫أشجار‬ ‫س ْ‬
‫ت‬ ‫وغر َ‬
‫وعندما كبر العوسج‪ ،‬أحاط بالورد الجميل‪،‬‬
‫شاهرا ً أشواكه الحادة‪ ،‬كأنه صف من الجنود‬
‫المسلحين‪..‬‬
‫حاول األوالد ُ اختراقه‪ ،‬فأدمى أناملهم‪،‬‬
‫وانصرفوا يائسين‪..‬‬

‫‪- 74 -‬‬
‫ت الحيواناتُ أفواهها‪ ،‬فوخزها شوكه‪،‬‬ ‫ومد ِّ‬
‫ت غاضبة‪.‬‬ ‫وارتد ْ‬
‫فرح الورد ُ بحياته اآلمنة‪ ،‬فمأل المكانَ عطرا ً‬
‫وسحراً‪..‬‬
‫ت وردة ٌ صغيرة‪،‬‬ ‫وذات صباح مشرق‪ ،‬تفت َح ْ‬
‫فرأت دنيا جميلة‪..‬‬‫ْ‬
‫ت‬‫ع ْ‬
‫ت وجهها األحمر بقطرات الندى‪ ،‬وشر َ‬ ‫غسلَ ْ‬
‫تميل مختالة‪ ،‬وترنو حولها‪ ،‬فرأت قربها‪ ،‬شجرة‬
‫عوسج‪..‬‬
‫ت من شكلها‪ ،‬وخاطبَتْها ساخرة‪:‬‬ ‫نفر ْ‬
‫َ‬
‫‪-‬ما اسمك أيتها الشجرة الغريبة؟‬
‫‪-‬أنا شجرة العوسج‪.‬‬
‫راب التي تحملينها؟!‬
‫الح ُ‬ ‫‪-‬ما هذه ِّ‬
‫‪-‬هذه أشواكي ‪.‬‬
‫شكلك بهذه األشواك!‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬ما أقبح‬
‫‪-‬ال أستطيع تغيير شكلي‪ ،‬يا صغيرتي الجميلة!‬
‫فلم تعيشينَ قرب الورد‬ ‫‪-‬إذا كان شكلك قبيحاً‪َ ،‬‬
‫الجميل!؟‬
‫قالت شجيرة الورد‪ ،‬وقد نفذ صبرها‪:‬‬
‫‪-‬تعيش قرب الورد الجميل‪ ،‬لتحمي جماله من‬
‫األذى ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪-‬بأي شيءٍ تحميه؟!‬
‫‪-‬تحميه بهذه األشواك‪ ،‬التي تسخرين منها ‪.‬‬
‫‪-‬الورد ال يعتدي عليه أحد ‪.‬‬
‫وانقطع الحوار فجأة‪ ،‬حينما مد ولد ٌ يده‪ ،‬ولوى‬
‫عنق الوردة ليقطفها‪ ،‬فبدأت ترتجف مذعورة‪..‬‬
‫ت العوسجةُ الولدَ‪ ،‬وطعنته بأشواكها الحادةِّ‪،‬‬ ‫هاج َم ِّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فأبعدَ يدَهُ مسرعا‪ ،‬وانصرف متألما‪ ،‬يفرك ساعده‪،‬‬
‫وينفخ عليه‪..‬‬
‫قالت شجيرة الورد‪:‬‬
‫لك أيتها العوسجةُ الطيبة!‬
‫‪-‬شكرا ً ِّ‬
‫ت إلى شجرة‬ ‫واعتذر ْ‬
‫َ‬ ‫ت الوردة ُ الصغيرة‪،‬‬ ‫خجلَ ِّ‬
‫العوسج‪ ،‬فسامحتها العوسجة‪ ،‬وقالت لها‪:‬‬
‫شكلك الجميل‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ع أحدا ً يعتدي على‬‫‪-‬لن أد َ‬
‫قالت الوردة الصغيرة‪:‬‬
‫‪-‬وأنا لن أنكر ‪-‬بعد اليوم‪ -‬فعلَ ِّك الجميل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪- 76 -‬‬
‫النقطـــتان‬
‫نقطتان‪ ،‬فوق صفح ٍة بيضاء‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫الت َقتْ‬
‫وبعد أن تبادلتا التحية‪ ،‬قالت إحداهما لألخرى‪:‬‬
‫‪-‬ما أجم َل هذه الصفحة!‬
‫‪-‬تعالي‪ ،‬لنسير عليها ‪.‬‬
‫ئ خطوطا ً ‪.‬‬‫‪-‬إذا سرنا عليها‪ ،‬ستمتل ُ‬
‫‪-‬وما الضرر في ذلك؟‬
‫‪-‬نفسد ُ الصفحةَ‪ ،‬فال تصل ُح لشيء ‪.‬‬
‫‪-‬اطمئني يا صديقتي‪ ..‬سنرسم خطوطا ً لها‬
‫معنى‪.‬‬
‫‪-‬ماذا تقصدين؟‬
‫‪-‬اتبعيني‪ ،‬وسترين ‪.‬‬
‫‪-‬أنا متعبة اآلن ‪.‬‬
‫‪-‬انتظريني إذاً‪ ،‬حتى أعود ‪.‬‬
‫سأنتظرك‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬‬

‫‪77‬‬
‫ت النقطةُ الصغيرة‪ ،‬فوق الورقة البيضاء‪،‬‬ ‫سار ِّ‬
‫راسمة وراءها‪ ،‬خطا ً أزرق‪ ،‬ينحني تارة‪ ،‬ويستقيم‬
‫أخرى‪..‬‬
‫كانت خطواتها قصيرة‪ ،‬وطريقها طويلة‪،‬‬
‫ت‬ ‫فأعياها المسير‪ ،‬ولكنها لم ترجع يائسة‪ ،‬بل ظل ْ‬
‫غت طرف الورقة‪،‬‬ ‫ت عليه‪ ،‬حتى بلَ ْ‬ ‫ماضية فيما عز َم ْ‬
‫ت راجعة‪ ،‬ترسم خطا ً‬ ‫ت نحو األسفل‪ ،‬ثم انعطفَ ْ‬ ‫فاتج َه ْ‬
‫ت تحث الخطا‪،‬‬‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫جديداً‪ ،‬يبعد عن الخط السابق‪ ،‬وظل ْ‬
‫ت منه‪،‬‬ ‫ت إلى المكان األو ِّل‪ ،‬الذي انطلقَ ْ‬ ‫حتى وصلَ ْ‬
‫ت صديقتها في انتظارها‪..‬‬ ‫فوجدَ ْ‬
‫قالت لها‪ ،‬وهي تلهث‪:‬‬
‫‪-‬انظري ما صن ْعتُ على الورقة!‬
‫أن‬‫ت صديقتها‪ ،‬الشكل المرسوم‪ ،‬وما لبثت ْ‬ ‫تأملَ ْ‬
‫قالت‪:‬‬
‫‪-‬هذه خارطةُ الوطن العربي!‬
‫‪-‬هل أفسدْتُ بها الصفحة؟‬
‫ت يا صديقتي‪ ،‬فاستريحي حتى أكم َل‬ ‫‪-‬لقد أحس ْن ِّ‬
‫العمل‪.‬‬
‫‪-‬ماذا ستفعلين؟‬
‫‪-‬سأرس ُم الحدودَ‪ ،‬بين الدول العربية‬
‫أن تفعلي!‬ ‫اك ْ‬ ‫‪-‬إي ِّ‬

‫‪- 78 -‬‬
‫‪-‬لماذا؟‬
‫‪-‬لن نض َع حدودا ً بين األشقاء ‪.‬‬
‫ت‪ ،‬ثم قالت مسرورة‪:‬‬ ‫ت النقطةُ فيما سمعَ ْ‬ ‫فكر ِّ‬
‫‪-‬ما أعظمك يا صديقي!‬
‫هتاف‬
‫ٌ‬ ‫النقطتان النظرات‪ ،‬وارتفع منهما‬
‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫تبادلَ ِّ‬
‫واحد!‬
‫‪-‬لن نرسم الحدود‪.‬‬
‫‪-‬لن نرسم الحدود ‪.‬‬
‫النقطتان‪ ،‬وتعانقتا طويالً‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫ت‬
‫فر َح ِّ‬
‫شعرتا بسعادة كبيرة‪ ،‬وكرهتا العودة إلى‬
‫النقطتان الصغيرتان‪ ،‬نقطةً‬
‫ِّ‬ ‫االنفصال لقد صارت‬
‫واحدة ً كبيرة‪:‬‬

‫‪..‬‬

‫‪71‬‬
‫ــو َخــــة‬
‫َخ ْ‬
‫غزوان طف ٌل صغير‪ ،‬في الرابعة من عمره‪ ،‬فيه‬
‫ت أمه‪..‬‬‫صفة ذميمة‪ ،‬كثيرا ً ما أغضبَ ْ‬
‫‪-‬أتريدونَ معرفةَ هذ ِّه الصفة؟‬
‫لن أبو َح لكم بها‪ ،‬بعد قليل تكشفونها‪ ،‬عندما‬
‫تعرفون‪ ،‬ما فعل غزوان اليوم‪ ،‬فقد كان جالساً‪،‬‬
‫يقلب صفحاته‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كتاب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بجانب المدفأة‪ ،‬وبين يديه‬
‫ويتفر ُج على صوره الملونة‪..‬‬
‫ً‬
‫شاهدَ صورة َ خوخةٍ‪ ،‬نظر إليها طويال‪ ،‬ثم حمل‬
‫كتابه‪ ،‬وذهب إلى أُم ِّه‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪-‬ما هذه؟‬
‫‪-‬خوخة‪.‬‬
‫‪-‬كيف طعمها؟‬
‫ب لذيذ‪.‬‬
‫‪-‬طي ٌ‬
‫قال غزوان‪:‬‬
‫‪- 81 -‬‬
‫‪-‬أريد ُ خوخة‬
‫‪-‬في الشتاء‪ ،‬ال يوجد خو ٌخ يا حبيبي‬
‫‪-‬أريد خوخة‪.‬‬
‫لك خوخا ً كثيراً‪.‬‬ ‫عندما يأتي الصيف‪ ،‬سأشتري َ‬
‫‪-‬أريد خوخة‬
‫طتْها ابنها‪ ،‬وقالت‪:‬‬‫ت األ ُ ُّم برتقالةً‪ ،‬أع َ‬
‫جل َب ِّ‬
‫أطيب من الخوخة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬هذه البرتقالة‪،‬‬
‫ُ‬
‫أك َل غزوان البرتقالة‪ ،‬ثم ركض إلى أ ِّم ِّه‪ ،‬وقال‬
‫لها‪:‬‬
‫‪-‬أريد خوخة‬
‫ت له أُمهُ‪ ،‬تفاحة حمراء‪ ،‬أعطتْه إياها‪،‬‬ ‫جل َب ْ‬
‫وقالت‪:‬‬
‫أطيب من الخوخة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬هذه التفاحة‪،‬‬
‫ُ‬
‫أكل غزوان التفاحة‪ ،‬ثم ركض إلى أ ِّم ِّه‪ ،‬وقال‬
‫لها‪:‬‬
‫‪-‬أريد خوخة‪.‬‬
‫ت له أُمهُ‪ ،‬موزة ً صفراء‪ ،‬أعطتْهُ إياها‪،‬‬ ‫جلبَ ْ‬
‫وقالت‪:‬‬
‫ب من الخوخة‪.‬‬ ‫‪-‬هذه الموزة‪ ،‬أطي ُ‬
‫أكل غزوان الموزة‪ ،‬ولحس فمه بلسانه‪ ،‬ثم‬

‫‪89‬‬
‫ركض إلى أمه‪ ،‬وقال لها‪:‬‬
‫‪-‬أريد خوخة‪.‬‬
‫ت األُم به ذَ ْرعاً‪ ،‬وقالت غاضبة‪:‬‬ ‫ضاقَ ِّ‬
‫‪-‬ال يوجد خوخ‪ ..‬ال يوجد خوخ!‬
‫‪-‬أريد خوخة‪.‬‬
‫ت عن إرضاء‬ ‫ت األ ُ ُّم في أمرها‪ ،‬وعجزَ ْ‬ ‫حار ِّ‬
‫ابنها‪ ،‬فتركته يبكي‪ ،‬وذهبت إلى عملها‪ ..‬بعد وقت‬
‫يسير‪ ..‬انقطع البكاء!‬
‫ت غزوان‪،‬‬ ‫ت األ ُّم‪ ،‬لتعرف األمر‪ ،‬فوجدَ ْ‬ ‫هرع ِّ‬
‫يغط في النوم‪..‬‬ ‫ُّ‬
‫ت به‬ ‫ت األ ُ ُّم الصعداء‪ ،‬وجاءت بغطاء‪َّ ،‬‬
‫فغط ْ‬ ‫س ِّ‬ ‫تنف َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ابنها‪ ،‬ثم وقفت على رأسه‪ ،‬ترنو إليه بحنان‪ ،‬فس َم ْعتهُ‬
‫يقول‪ ،‬وهو نائم‪:‬‬
‫‪-‬أريد خوخة‪ ..‬خوخة!‬

‫‪‬‬

‫‪- 82 -‬‬
‫إبــرة الطــبيب‬
‫رس المدرسة‪ ،‬وانطلقَ التالميذ ُ إلى‬ ‫رن ج ُ‬ ‫ّ‬
‫الباحة‪ ،‬يركضون ويلعبون‪ ،‬يضحكون ويصرخون‪..‬‬
‫ب كتبَهُ‪ ،‬وأصواتُ‬ ‫الصف‪ ،‬يرتِّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫وظل أحمد ُ في‬
‫زمالئه‪ ،‬تمأل ُ أذنيه‪..‬‬
‫وفجأة‪.‬‬
‫ت الحركةُ واألصوات!‬ ‫انقطعَ ِّ‬
‫قال أحمد مدهوشاً‪:‬‬
‫أمر عجيب‪ ..‬ماذا حدث؟!‬ ‫‪ٌ -‬‬
‫ليعرف السبب‪..‬‬
‫َ‬ ‫خرج مسرعاً‪،‬‬
‫شاهد التالميذَ مجتمعين‪ ،‬يمدُّون عيونهم إلى باب‬
‫اإلدارة‪..‬‬
‫انضم أحمد ُ إليهم‪ ،‬ينظر حيثما ينظرون‪.‬‬
‫رأى رجالً غريباً‪ ،‬يلبس ردا ًء أبيض ‪.‬‬
‫‪َ -‬م ْن هذا؟‬
‫طبيب من المدينة ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬‬
‫‪83‬‬
‫ولم جاء إلى مدرستنا؟!‬ ‫‪َ -‬‬
‫ليضرب التالميذَ باإلبر‬
‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬لماذا؟‬
‫‪-‬يقولون إنها لقاح ضد المرض ‪.‬‬
‫‪-‬أي مرض؟‬
‫‪-‬ال نعرف اسمه‪.‬‬
‫يجه ُز‬
‫الطبيب‪ ،‬فرآه ِّ‬
‫َ‬ ‫يراقب‬
‫ُ‬ ‫ت أحمد ُ‪ ،‬وأخذ‬ ‫ص َم َ‬
‫اإلبرة ‪.‬‬
‫خاف أحمد من وخزها‪ ،‬وأضمر في نفسه أمراً‪.‬‬
‫صف المعل ُم التالميذَ‪ .‬وجعلوا يتقدمون إلى‬
‫الطبيب‪ ،‬واحدا ً إثر آخر‪..‬‬
‫كان أحمد مختبئاً‪ ،‬يحبس أنفاسه‪ ،‬ويسترق‬
‫السم َع‪ ،‬فال يصلُهُ إال أصواتٌ خافتة‪ ،‬وكلماتٌ‬
‫غامضة‪.‬‬
‫مكث صامتا ً يترقب‪..‬‬
‫ت األصوات‪ ،‬و‪ ..‬أخر َج‬ ‫وأفلت التالميذُ‪ ،‬وتعال ِّ‬
‫َ‬
‫سهُ‪ ،‬ونظر مستطلعاً‪ ..‬لقد انصرف الطبيب‪،‬‬ ‫أحمد ُ رأ َ‬
‫وانتهى ك ُّل شيء‪.‬‬
‫نهض أحمد فرحاً‪ ،‬يقول في نفسه‪:‬‬
‫يدر بي أحد!‬
‫‪-‬لم ِّ‬
‫واختلط برفاقه‪ ،‬يستمع إلى حوارهم‪..‬‬
‫‪- 84 -‬‬
‫‪-‬كنتُ خائفا ً من اإلبرة‬
‫ولم الخوف؟!‪ ..‬إنها مث ُل وخزةِّ الشوكة‬ ‫‪َ -‬‬
‫‪-‬هل تؤلمك اآلن؟‬
‫غير دقيقة ‪.‬‬
‫‪-‬لم أتأل ْم َ‬
‫‪-‬ظن ْنتُ أنه سيأخذ ثمن اإلبرة ‪.‬‬
‫‪-‬ليس معنا قرش واحد!‬
‫‪-‬أخذناها مجانا ً وانتهينا ‪.‬‬
‫‪-‬وماذا ستفيدنا؟‬
‫‪-‬إنها تقي أجسامنا من المرض ‪.‬‬
‫سمع أحمد هذا الكالم‪ ،‬فخجل من جبنه‪ ،‬وندم‬
‫الندم ال يفيد‪ ،‬فبعد أيام‪ ،‬أصابه‬
‫َ‬ ‫على هروبه‪ ،‬ولكن‬
‫المرض‪ ،‬فانقطع عن المدرسة‪ ،‬ولبث في البيت‪..‬‬
‫قال والده‪ ،‬وهو يلمس جبينه‪:‬‬
‫ينتفع باللقاح اللعين!‬
‫ْ‬ ‫‪-‬لم‬
‫وقالت والدته‪ ،‬وهي محزونة‪:‬‬
‫أن نأخذَهُ إلى الطبيب‪.‬‬ ‫‪-‬يجب ْ‬
‫‪-‬ال أملكُ إال عشرين ليرة ‪.‬‬
‫‪-‬وأنا معي ثالث عشرة ليرة ‪.‬‬
‫وقالت أخته الصغيرة‪:‬‬
‫‪-‬وأنا معي خمس ليرات ‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫قال األب‪:‬‬
‫‪-‬ال حو َل وال قوة إال بالله‪.‬‬
‫وقال أحمد في سره‪:‬‬
‫‪-‬لقد تعل ْمتُ درسا ً لن أنساه‪..‬‬
‫األلم القليل قد يُنت ُج راحةً كبيرة ‪.‬‬
‫والمعل ُم هذه المرة هو‪ :‬إبرة الطبيب!‬
‫ِّ‬

‫‪‬‬

‫‪- 86 -‬‬
‫شــــجرة اللـــوز‬
‫حفر والدي حفرة ً صغيرة‪..‬‬
‫َ‬ ‫أمامَ بيتنا الجميل‪،‬‬
‫أخر َج لوزة ً يابسة‪ ،‬رفعها بإصبعيه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫‪-‬ما هذه يا أحمد؟‬
‫‪-‬لوزة صغيرة ‪.‬‬
‫تنس ذلك ‪.‬‬ ‫‪-‬ال َ‬
‫‪-‬لن أنسى أبداً‪.‬‬
‫وردم‬
‫َ‬ ‫وضع والدي اللوزة‪ ،‬في قَ ْعر الحفرة‪،‬‬
‫فوقها التراب‪..‬‬
‫ت اللوزة في التراب؟!‬ ‫لم وض ْع َ‬ ‫‪َ -‬‬
‫‪-‬لنحص َل على لوز كثير‪.‬‬
‫‪ِّ -‬م ْن أين؟‬
‫‪ِّ -‬م ْن هذ ِّه اللوزة‪.‬‬
‫‪-‬كيف؟!‬
‫‪-‬اسأ ِّل األرض ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪-‬لم أفهم!‬
‫‪-‬ستفهم فيما بعد‪.‬‬
‫***‬
‫ت شهور‪..‬‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬
‫التراب‪ ،‬وظهر رأس أخضر‪ ،‬أخذَ يكبر‬ ‫ُ‬ ‫انشق‬
‫ويكبر‪ ،‬حتى صار شجيرة ً صغيرة‪ ،‬طريةَ‬
‫األغصان‪ ،‬ناعمةَ األوراق‪.‬‬
‫ودار الزمان‪..‬‬ ‫َ‬
‫لوز كبيرة‪.‬‬‫ت الشجيرة ُ الصغيرة‪ ،‬شجرة َ ٍ‬ ‫وأصبح ِّ‬
‫زارها الربي ُع‪ ،‬وزيَّنَها باألزهار‪.‬‬
‫ما أجمل اللوزة!‬
‫نلعب في ظاللها ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أنا وإخوتي‬
‫تمتص رحيقَ أزهارها ‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫والنح ُل‬
‫والطير تغرد ُ على أغصانها ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وبيتنا يزداد ُ جماالً بجمالها‬
‫***‬
‫وفي أواخر الصيف‪ ،‬قطفنا منها لوزا ً كثيراً‪،‬‬
‫أكلنا منه طوا َل فص ِّل الشتاء‪..‬‬ ‫ْ‬
‫وتذك ْرتُ اللوزة َ الصغيرة‪ ،‬التي طمرها والدي‬
‫في األرض‪ ،‬منذ بضع سنوات‪ ،‬فسألته حينذاك‪:‬‬

‫‪- 88 -‬‬
‫ت اللوزة َ في التراب؟!‬ ‫لم وض ْع َ‬ ‫‪َ -‬‬
‫لوز كثير‬ ‫‪-‬لنحص َل على ٍ‬
‫‪ِّ -‬م ْن أين؟‬
‫‪ِّ -‬م ْن هذه اللوزة‬
‫‪-‬كيف؟!‬
‫‪-‬اسأ ِّل األرض ‪.‬‬
‫ولكنني اآلن‪ ..‬لن أسأ َل األرض‪ ،‬فقد عر ْفتُ كل‬
‫حصلتُ على جواب‪..‬‬‫ْ‬ ‫األرض‪ ،‬لما‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫لوسألتُ‬ ‫شيء‪،‬‬
‫تعرف الكالم‪ .‬فما‬
‫ُ‬ ‫تعرف العطا َء‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫األرض‬
‫ُ‬
‫أكرمك أيتها األرض!‬‫ِّ‬
‫أعطيناك لوزة ً صغيرة‪ ،‬فأعطيتنا شجرة ً كبيرة‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ولوزا ً كثيراً‪..‬‬

‫‪‬‬

‫‪81‬‬
‫الثلـــــج‬
‫تربَّ َع الثل ُج على قم ِّة الجبل‪ ،‬وألقى نظرة ً إلى‬
‫ضحك مغروراً‪ ،‬وقال‪:‬‬‫َ‬ ‫األراضي الواطئة‪ ،‬ثم‬
‫‪-‬أنا فوق الجميع‪:‬‬
‫نادَتْهُ َربْوة ٌ قريبة‪:‬‬
‫‪-‬أيُّها الثل ُج العظيم‪ ،‬إنني ظامئة فأغثْني ‪.‬‬
‫‪-‬لن أغادر القمة‪ ،‬فابحثي عن غيري ‪.‬‬
‫بذور صغيرة‪ ،‬ستموتُ من العطش ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬في جوفي‬
‫‪ْ -‬فل ْ‬
‫تمت‬
‫ت سيموتُ الربيع‪.‬‬ ‫‪-‬إذا مات َ ْ‬
‫يمت ‪.‬‬‫‪ْ -‬فل ْ‬
‫ب‪:‬‬‫النهر الطي ُ‬
‫ُ‬ ‫ت الربوة ُ كثيراً‪ ،‬فقال لها‬ ‫حزن ِّ‬
‫‪-‬ال تحزني أيتها الربوة الصغيرة‪ ،‬سأمنحك‬
‫آخر قطرة‪.‬‬
‫مياهي‪ ،‬حتى ِّ‬
‫ترشف من النهر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ت الربوةُ‪ ،‬وبدأ َ ْ‬
‫ت‬ ‫فر َح ْ‬

‫‪- 11 -‬‬
‫وتُرض ُع بذورها الصغيرة‪.‬‬
‫بعد أيام‪..‬‬
‫فذهب إلى‬
‫َ‬ ‫يجف ويموتُ ‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ت مياهُ النهر‪ ،‬وكاد‬ ‫قل ْ‬
‫الثلج‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ت مياهي‪ ،‬فجئْتُ‬ ‫‪-‬أيها الثل ُج الجليل‪ ،‬لقد شح ْ‬
‫ع ْونك ‪.‬‬ ‫طالبا ً َ‬
‫مني؟!‬‫تطلب ال َع ْونَ ِّ‬‫ُ‬ ‫ولم‬
‫‪َ -‬‬
‫‪-‬ألن َك قريبي‬
‫‪-‬كيف؟!‬
‫أنت ما ٌء‪ ،‬وأنا ماء‬ ‫‪َ -‬‬
‫أشبهك‪ ،‬وال تشبهني‪ ،‬فابتع ْد عني‪ .‬انصرف‬ ‫َ‬ ‫‪-‬ال‬
‫النهر يائسا ً حزيناً‪..‬‬ ‫ُ‬
‫ت من غرور‬ ‫الشمس حوارهما‪ ،‬فغضبَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫سمعَ ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫وزفرت زفرة حارة‪ ،‬ثم سلطت أشعتها‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الثلج‪،‬‬
‫يذوب شيئا ً فشيئاً‪ ،‬ليرج َع‬
‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫فأخ‬ ‫الثلج‪،‬‬ ‫على‬ ‫الحامية‬
‫ما ًء‪ ،‬كما كان‪ ،‬فقال مدهوشاً‪:‬‬
‫‪-‬يا للعجب‪ ..‬إنني أتحو ُل إلى ماء!‬
‫استمر الثل ُج يسيل‪ ،‬قطرات تتبعها قطرات‪ ،‬كأنها‬
‫دموع غزيرة‪ ،‬يذرفها الثلج‪ ،‬وهو ينسحب من القمة‪،‬‬
‫وينزل رويدا ً رويداً‪ ..‬وحينما وصل إلى األراضي‬
‫الواطئة‪ ،‬سا َح في كل اتجاه‪ ،‬هائما ً على وجهه‪ ،‬ال‬

‫‪19‬‬
‫ب‪ ،‬واستنجدَ‬ ‫يستقر‪ ،‬فهرع إلى النهر الطي ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫يدري أين‬
‫به ليؤويه‪ ،‬فقال النهر‪:‬‬
‫بك يا عزيزي‪:‬‬ ‫‪-‬أهالً َ‬
‫وسرعان ما احتضنه بين ضفتي ِّه‪ ،‬فاتحدَ ما ُء‬
‫النهر‪ ،‬وما ُء الثلج‪..‬‬
‫النهر دفاقا ً غزيراً‪.‬‬‫ُ‬ ‫وسار‬
‫يجود ُ بمائ ِّه‪ ،‬وهو طروب‪.‬‬
‫ت الربوةُ‪ ،‬وارتوى السهل‪.‬‬ ‫فارتو ِّ‬
‫ت سوقها‬‫البذور‪ ،‬واستطالَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫ونَ َم ِّ‬
‫ت إلى النور‪.‬‬ ‫جوف األرض‪ ،‬وخر َج ْ‬ ‫َ‬ ‫ع ْ‬
‫ت‬ ‫ثم ودَّ َ‬
‫ألوان وعطور‪..‬‬‫ٍ‬ ‫فو ِّلدَ الربيع‪ ..‬جنَّة‬ ‫ُ‬

‫‪‬‬

‫‪- 12 -‬‬
13
‫العنكــــبوت‬
‫جدار البيت‪،‬‬
‫َ‬ ‫ت النملةُ الصغيرة‪ ،‬تصعد ُ‬ ‫كان ِ‬
‫بيت عنكبوت‪..‬‬ ‫ت َ‬‫َت زاويته‪ ،‬شاهدَ ْ‬ ‫وعندما بلغ ْ‬
‫ت نسجه دقيقاً‪،‬‬ ‫صهُ‪ ،‬فرأ َ ْ‬‫ت منه تتف َّح ُ‬ ‫اقتربَ ْ‬
‫ت العنكبوتُ ‪،‬‬‫وخيوطه واهية‪ ،‬وفي ناحية منه‪ ،‬كمن ِّ‬
‫ساكنةً هادئة‪..‬‬
‫تأملَتْها زمنا ً طويالً‪..‬‬
‫لم تبارحْ مكانها!‬
‫ت النملةُ رأسها‪ ،‬وقالت للعنكبوت‪:‬‬ ‫رفع ِّ‬
‫‪-‬أال تخرجينَ من بيتك؟!‬
‫ولم الخروج؟‬ ‫‪َ -‬‬
‫‪-‬لتعملي كما نعمل‪.‬‬
‫أنا ال أعمل‬
‫قوتك؟!‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬وكيف تكسبين‬
‫‪-‬أكسبه وأنا قاعدة هنا‪.‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫‪-‬كيف؟!‬
‫‪-‬استريحي جانباً‪ ،‬وانظري ما أفعل‪.‬‬
‫لترقب ما سيجري‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ت النملةُ‪،‬‬ ‫مكث ِّ‬
‫بعد حين‪..‬‬
‫وتطير‪ ،‬وهي مسرعة‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫تطن‬ ‫جاءت ذبابةٌ‪،‬‬
‫ت بشبكة العنكبوت‪..‬‬ ‫طائشة‪ ،‬فعلقَ ْ‬
‫ت العنكبوتُ‬ ‫س ِّ‬‫ط الشبكة‪ ..‬أح َّ‬ ‫ت خيو ُ‬ ‫َّ‬
‫اهتز ْ‬
‫ت‬ ‫ت نحوها‪ ،‬وأخذَ ْ‬ ‫ت مكمنها‪ ،‬واندف َع ْ‬ ‫فغادر ْ‬
‫َ‬ ‫بالفريسة‪،‬‬
‫تلفُّها بخيوطٍ تفرزها‪..‬‬
‫تستطع خالصاً‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫لتفلت‪ ،‬فلم‬ ‫َ‬ ‫ت الذبابةُ‬ ‫كافح ِّ‬
‫ت تصرخ‪:‬‬ ‫فجعلَ ْ‬
‫‪-‬ارحميني أيتها العنكبوت!‬
‫تكفنها‬‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬
‫ت العنكبوتُ ساخرةً‪ ،‬وظل ْ‬ ‫ضحك ِّ‬
‫َت حركتها‪..‬‬ ‫بخيوطها‪ ،‬حتى سكن ْ‬
‫تمتص دماءها‪ ،‬حتى‬ ‫ُّ‬ ‫ت فيها أنيابها‪ ،‬وبدأ َ ْ‬
‫ت‬ ‫أنش َب ْ‬
‫صارت جوفا ً فارغاً‪..‬‬
‫ومضت إلى مكمنها‪ ،‬منفوخةَ‬ ‫ْ‬ ‫ألقت بها بعيداً‪،‬‬ ‫ْ‬
‫البطن‪ ،‬تنتظر فريسةً جديدة‪.‬‬
‫ت العنكبوت‪:‬‬ ‫َت النملةُ إليها‪ ،‬فقال ِّ‬ ‫دن ْ‬
‫أكسب قوتي؟‬ ‫ُ‬ ‫ت كيف‬ ‫‪-‬عر ْف ِّ‬
‫‪-‬لقد عر ْفتُ‬
‫‪15‬‬
‫أعجبك؟‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬هل‬
‫‪-‬ال‪.‬‬
‫‪-‬لماذا؟‬
‫‪-‬ألنه ظل ٌم واحتيال‬
‫قوتك؟‬
‫ِّ‬ ‫ت‬‫‪-‬وكيف تكسبين أن ِّ‬
‫قالت النملة‪:‬‬
‫بالجد والعمل‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬أكسبهُ‬
‫ولكن العم َل ٌ‬
‫شاق!‬ ‫‪َّ -‬‬
‫ت‬
‫الشريف‪ ،‬ال يكون إال بالعمل‪ .‬أدار ِّ‬
‫ُ‬ ‫الكسب‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫النملةُ ظهرها‪ ،‬فقالت العنكبوت هازئة‪:‬‬
‫‪-‬أين تسكنين يا عاملتي الصغيرة؟‬
‫قريب من هنا‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬بيتي‬
‫معك؟‬
‫‪-‬أتسمحين لي بالسكن ِّ‬
‫‪-‬ال‪.‬‬
‫‪-‬لماذا؟‬
‫ت النملةُ‪ ،‬وهي تنصرف‪:‬‬ ‫قال ِّ‬
‫النظيف‪ ،‬ال يسكنُهُ العنكبوت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬البيتُ‬
‫‪‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫قلــــب واحــــد‬
‫أمام تالميذه‪ ،‬ينظر إليهم‪ ،‬قبل ْ‬
‫أن‬ ‫وقف المعل ُم‪َ ،‬‬
‫يبدأ َ قصته‪ ،‬فوجد عيونهم معلَّقةً به‪ ،‬وآذانهم مصغيةً‬
‫إليه‪..‬‬
‫المعل ُم‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫قال‬
‫كان بضعةُ أطفا ٍل ِِّ‪ ،‬يلعبون بطائراتهم الورقية‪،‬‬
‫فوق َربْوةٍ خضراء‪ ،‬في جنوب لبنان‪ ..‬كانوا‬
‫يتراكضون فرحين‪ ،‬وطائراتهم الملونة‪ ،‬ترقص فوق‬
‫ت الربيع‪ ،‬تارة ً تجذبهم وترتفع‪،‬‬
‫رؤوسهم‪ ،‬مث َل فراشا ِّ‬
‫وتارة يجذبونها ويهتفون‪:‬‬

‫نحن العصافير‬
‫نجري ونطير‬
‫نحن العصافير‬
‫ظل األطفالُ‪ ،‬يركضون ويمرحون‪ ،‬والفر ُح‬
‫يركض معهم‪ ،‬حيثما يركضون‪ ،‬ويقف معهم‪ ،‬حيثما‬

‫‪17‬‬
‫ت لهم صدرها‬ ‫ت الربوة ُ لفرحهم‪ ،‬وفت َح ْ‬ ‫يقفون‪ ..‬فر َح ِّ‬
‫األخضر‪ .‬وفرح الهوا ُء لفرحهم‪ ،‬فطفق يلعب معهم‬
‫ت‬ ‫ويداعب لهم وجناتهم‪ .‬وفرح ِّ‬ ‫ُ‬ ‫يجاذبهم طائراتهم‪،‬‬
‫السما ُء لفرحهم‪ ،‬فأشرق وجهها‪ ،‬صفا ًء ونقاء‪.‬‬
‫ت ظهرها‬ ‫عجوز كبيرة‪ ،‬فرفعَ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ت بهم‪،‬‬ ‫ومر ْ‬
‫َّ‬
‫وبصرها‪ ،‬ترنو إليهم مسرورة‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫‪-‬ما أجم َل األطفا َل‪ ،‬وهم يفرحون!‬
‫وصمت المعل ُم قليالً‪ ،‬ينظر إلى تالميذه‪ ،‬فوجدهم‬ ‫َ‬
‫كلهم فرحين‪ ،‬كأن لهم قلبا ً واحداً!‬
‫وتابع المعل ُم قصته‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وفجأة‪..‬‬
‫يمر فوقهم‪ ،‬ويبتل ُع‬ ‫سمع األطفالُ‪ ،‬هديرا ً مخيفاً‪ُّ ،‬‬
‫ضحكاتهم‪..‬‬
‫جمدوا في أماكنهم‪ ،‬ورفعوا رؤوسهم إلى‬
‫ت كطائراتهم‪،‬‬ ‫س ْ‬‫ت كبيرةً‪ ،‬لي َ‬ ‫السماء‪ ،‬فشاهدوا طائرا ٍ‬
‫ت العجوز محذَّرة‪ً:‬‬ ‫و‪ ..‬صاح ِّ‬
‫‪-‬انبطحوا يا أبنائي على األرض‪.‬‬
‫طارت قلوبهم‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫انبطح األطفا ُل مذعورين‪ ،‬وقد‬
‫وطارت أفراحهم‪..‬‬
‫ت‬ ‫أرهفوا آذانهم منصتين‪ ..‬سمعوا انفجارا ٍ‬
‫ت‬ ‫األرض‪ ،‬وتص ُّم األسماع‪ ..‬وعاد ِّ‬ ‫َ‬ ‫مرعبة‪ ،‬تر ُّج‬

‫‪- 18 -‬‬
‫تفاخر بوحشيتها‪ ،‬بعد‬
‫ُ‬ ‫الطائراتُ اإلسرائيلية‪ ،‬وهي‬
‫ت عليها‪ ،‬حقدها وحممها‪..‬‬ ‫ت قريتهم‪ ،‬وألقَ ْ‬ ‫ْ‬
‫أن قصفَ ْ‬
‫العجوز محزونة‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫وقف ِّ‬
‫‪-‬انهضوا يا أبنائي‪ ،‬وأسرعوا إلى بيوتكم‪.‬‬
‫نهض األطفالُ‪ ،‬وهم يتلفَّتون‪ ..‬شاهدوا سحبا ً‬
‫سوداً‪ ،‬تتصاعد ُ من قريتهم الوادعة‪ ،‬وتهاج ُم سماءهم‬
‫وصمت‬
‫َ‬ ‫وتعك ُر صفاءها‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫ث نقاءها‪،‬‬ ‫فتلو ُ‬
‫الزرقاء‪ِّ ،‬‬
‫المعل ُم قليالً‪ ،‬ينظر إلى تالميذه‪ ،‬فوجدهم كلهم‬
‫كأن لهم قلبا ً واحداً!‬‫محزونين‪َّ ،‬‬
‫وتابع المعلم قصته‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وهرع األطفال إلى قريتهم‪ ،‬فسمعوا صراخ‬
‫نساء‪ ،‬وبكاء أطفال‪ ،‬وأبصروا بيوتا ً مهدومة‪،‬‬
‫ت‪ ،‬وشاهدوا رجاالً غضاباً‪ ،‬ينقلون‬ ‫ت والها ٍ‬ ‫وأمها ٍ‬
‫قتلى‪ ،‬ويسعفون جرحى‪ ،‬و‪ ..‬التهب األطفال غضبا‪ً،‬‬
‫فنظر بعضهم إلى بعض‪ ،‬وأخذوا يمزقون طائراتهم‪،‬‬
‫ويهتفون غاضبين‪:‬‬
‫ال نري ُد أن نكون عصافير‬
‫نريد أن نكون نسورا‬
‫ت ورقيّة‬ ‫ال نريد طائرا ٍ‬
‫نريد طائرات حقيقيّة‬
‫وانطلق األطفالُ‪ ،‬نسورا ً صغاراً‪ ،‬يساعدون‬

‫‪11‬‬
‫المنكوبين‪ ،‬ورؤوسهم مرفوعة‪ ،‬وأقدامهم ثابتة‪..‬‬
‫قال أحد التالميذ‪:‬‬
‫‪-‬ما أعظم هؤالء األطفال األبطال!‬
‫وقال المعلم‪:‬‬
‫‪-‬وما أعظمكم أنتم يا أبنائي!‬
‫‪-‬لماذا؟!‬
‫‪-‬ألنكم كثيرون‪ .‬وقلبكم واحد ‪.‬‬
‫قال التالميذ مدهوشين‪:‬‬
‫‪-‬كيف؟!‬
‫قال المعلم‪:‬‬
‫‪-‬عند الفرح‪ ..‬فرحتم جميعا ً‬
‫وعند الحزن‪ ..‬حزنتم جميعاً‪.‬‬
‫وعند الغضب‪ ..‬غضبتم جميعاً‪.‬‬
‫و‪..‬‬
‫أطرق المعلم قليالً‪ ،‬ثم رفع رأسه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫العرب مثلكم‪ ،‬يجم ُع َكثْرتَهم‪،‬‬‫ُ‬ ‫‪-‬ما أجمل ْ‬
‫أن يكون‬
‫قلب واحد ٌ كبير!‬
‫ٌ‬

‫‪‬‬
‫‪- 911 -‬‬
‫المحــــــتوى‬
‫‪ .1‬النقطـــة الصغـــيرة ‪5 ..................................... ................................‬‬
‫‪ .2‬الــــذئب والكــــالب ‪8 ..................................... ................................‬‬
‫‪ .3‬عــــطاء الســـــماء ‪11 ................................... ................................‬‬
‫‪ .4‬البحــــر ‪12 ................. ................................ ................................‬‬
‫‪ .5‬الصخـــرة ‪14 ............... ................................ ................................‬‬
‫‪ .6‬النهـــر الصغـــير ‪11 ...................................... ................................‬‬
‫‪ .1‬القلـــم والممحــاة ‪22 ..................................... ................................‬‬
‫‪ .8‬الصَّبي الصهـــيوني ‪25 .................................. ................................‬‬
‫‪ .9‬المطــــر ‪21 ................. ................................ ................................‬‬
‫‪ .11‬الصخــــور ‪31 ............. ................................ ................................‬‬
‫‪ .11‬األمـــــيرة والــمرآة ‪35 ................................... ................................‬‬
‫‪ .12‬األقــــوال واألفعـــال ‪41 .................................. ................................‬‬
‫‪ .13‬البيت المتــين ‪42 .......... ................................ ................................‬‬
‫‪ .14‬وردتـــــــان ‪45 ............ ................................ ................................‬‬
‫‪ .15‬الـمجـــنون ‪48 ............. ................................ ................................‬‬
‫‪ .16‬لمــاذا بكــى مـــازن ‪52 ................................... ................................‬‬
‫‪ .11‬القــارب والبحــر ‪54 ...................................... ................................‬‬
‫‪ .18‬الديــك والفجـــــر ‪58 ..................................... ................................‬‬
‫‪ .19‬الــمــباراة ‪61 .............. ................................ ................................‬‬
‫‪ .21‬ســـــحابتان ‪65 ............ ................................ ................................‬‬
‫‪ .21‬الســــاعة الذهبيــــة ‪61 .................................. ................................‬‬
‫‪ .22‬المعلمـــة الصغــــيرة ‪11 ................................. ................................‬‬
‫‪ .23‬الــــورد والعوســــج ‪14 .................................. ................................‬‬
‫‪ .24‬النقطـــتان ‪11 .............. ................................ ................................‬‬
‫ــو َخــــة ‪81 ............... ................................ ................................‬‬
‫‪َ .25‬خ ْ‬
‫‪ .26‬إبــرة الطــبيب ‪83 ......... ................................ ................................‬‬
‫‪ .21‬شــــجرة اللـــوز ‪81 ....................................... ................................‬‬
‫‪ .28‬الثلـــــج ‪91 ................. ................................ ................................‬‬
‫‪ .29‬العنكــــبوت ‪94 ............. ................................ ................................‬‬
‫‪ .31‬قلــــب واحــــد ‪91 ......... ................................ ................................‬‬

‫‪919‬‬


- 912 -
‫رقم االيداع في مكتبة األسد ‪ -‬الوطنية‬

‫األميرة والمرآة‪ :‬قصص لألطفال‪ /‬تأليف عارف الخطيب‪-‬‬


‫دمشق‪ :‬اتحاد الكتاب العرب‪-9111 ،‬‬
‫‪922‬ص‪24 ،‬سم ‪.‬‬

‫‪ -2‬العنوان‬ ‫‪ 893.19 -9‬خ ط ي أ‬


‫‪ - 3‬الخطيب‬
‫مكتبة األسد‬ ‫ع ‪1999/1/1213-‬‬

‫‪‬‬

‫‪913‬‬
‫هذا الكتاب‬
‫ستبقى القيم اإلنسانية الخالدة جوهر كل كالم أدبي‬
‫سواء كان موجهاً للكبار أو للصغار ويبقى‪...‬‬
‫محك العمل الجمال الذي نصوغ به القيم‪ ،‬والجمال هو‬
‫قيمة من القيم المثلى‪ .‬وقد تخسر القيم الكثير إن لم تكن‬
‫جميلة‪ .‬ثمة كثافة جميلة ومعبرة تعبير ًا واضحاً في قصص‬
‫هذا الكتاب فالعبارات اإلنشائية نادرة‪ ...‬والخطاب فيها‬
‫موجه إلى عقل الطفل وعواطفه معاً‪ ...‬لغة جميلة وسليمة‬
‫تنساب كلماتها عذبة وكأنها صادرة عن جدة حكيمة وحنون‬
‫تجيد القص وتعرف كيف تختار أقاصيصها‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 914 -‬‬

You might also like