Professional Documents
Culture Documents
Untitled
Untitled
سلمى
قصة احلب والقدر
تقديم
هي قصة احلب ..
وقصة القدر ..
وبينهما قصص أخرى .
فصول الرواية
أ
َز َفرت سلمى للمرة المائة بعد ال لف وهي ُتعيد ُمراجعة أاوراق البحث ،ربما للمرة المائة
بعد أال لف كذلك! لم تكن مادة أالدب العربي كغيرها من المواد ،ول ُ
تسليم بحث فيها ك تسليم
أ أ
بحث في غيرها من المواد ،لن أاستاذ تلك المادة لم يكن كغيره من أاساتذة المواد ،على القل
في عينيها
أ
أاو بالحرى في قلبها ..
تب تتناثر ،والكلمات تتبخر حروفا في الهواء ،فال يستقر في فؤادك من كل ذلك
تتطاير ،والك ِ
إل حروف أاربعة َ ،وارِوع بها من حروف!
" أاحمد!"
رب نهاية السنة الثالثة ،أاستاذا تلمع عليه ِغرة الشباب ،عائدا من
كان أا ُول عهدها به ُق َ
بعثة الدك توراة ،حضر كبديل عن أاستاذ أالدب العربي .منذ دخ ل أاول مرة َ ،لفت َن َ
حوه ِ
وخطى ثابتة َوئيدة ،وابتسامة ودودة ،أان
ُالعيون ،كل العيون .فاستطاع بقامة َمديدة ُ ، ،
أ أ ُ
يحاضر ،سكت الجميع كان على رؤوسهم َيبذر انطباعا حسنا في نفوس الطلبة .حتى إذا بدا ِ
َ
الطير .كان أاسلوبه أا ّخاذا ،فيه َف ْورة الشباب بال اندفاع ،و َرصانة ِالعلم بال َت ُح ّجر ،و َولع بالمادة
أاضفى على أاسلوبه في الحديث حرارة وحماسة ،كانتا ك فيلتين بإحكام انتباه الطلبة حوله طيلة
أ
بالم ْع َصم ،فهو أاديب
ِ السوار إحاطة دبال به حاط اساعتين كاملتين ،بال ملل ول تململ .لقد أ
سلمى!
يدر َي حتى باسمها ،أاو ينتبه لوجودها بين أاعداد الطلبة ،وهي منذ مجيئه قد
ِ ناأوا َّنى له أ
أ أ
امتنعت عن المشاركة في أاي من محاضرات مادتها الثيرة .كان يسال أاسئلة َّقل أال تعرف سلمى
آ أ
إجابا ِتها ،لكنها لم تكن َلتجرؤ على رفع يدها ،لنها لم تكن لتتحمل نظراته السرة إذا ما اتجهت
فال َغ ْرو والحال كذلك أان أاسدل َط ْب َعها الهادئ الخجول عليها الستار ..
وقلبه ..
******************
يا هللا!
سبحانك ربي!
**************
وتعريفه
*******************
شهور ِعدة مضت منذ دخل أاحمد في حياتها ،وغلبها على قلبها ،فصارت فيه أاخالط من
مشاعر ل تدري سلمى لها ُك ْنها ،ول تعرف لها َمثيال .غير أانها أاوتيت قدرة على ِك تمان أامور قلبها
أواحالمها ،فما استبان أاحد ما ْاعتراها من تغيير ،ول استراب أاقرب الناس إليها في حالها ،فما
والديها أان الوردة قد اك تملت َحريرتها ،وفاح عبيرها ،ووصلت تلك السن التي تزهردار َبخ َلد ْ
أ
فيها الحالم ،أاحالم القلوب .أاحكمت سلمى ِالغطاء على َوجيب قلبها ،حتى عن صفاء رفيقة
الدرب وزميلة العمر ،التي كانت تجلس إلى جانبها في كل المحاضرات ،يستوي عندها
أ أ
الداخلون والخارجون ،دون أان تدرك أان لذلك الستاذ الوحد مكانة في قلب صاحبتها .
أ
أاما حين َتخلو بنفسها ،فكانما كانت نفسها تنقسم ِش َّق ْين ِ ،ش ٌق َي ِهيم في أاودية َالهوى ،
وشق يكاد يذوب حياء مما َي ْع َت ِمل في داخلها ،وتجيش في صدرها مشاعر أارق م ن نسيم
جسر سلمى على مفاتحة أاحدا بما الصباح تارة ،أواعتى من عاصفات الرياح تارات أاخرى .لذا لم َت ُ
اعترى قلبها .كانت تخشى مشاعرها بقدر ما ل تم ِلك لها َدفعا َ ،وتحار فيها بقدر ما تستيقن
وجودها .ف أرات َالتك ُّتم عليها سبيال ،حتى ترى هي النور من تلقاء نفسها حين يجيء أاوانها ،إذا
ما هللا ك تب لها أاوانا .
************************
وكذلك كانت سلمى َت ُبث همها إلى هللا تعالى ،وتدعوه أال َ
يفسد عليها قلبها ،ول ينشغل
بما لم ُيك تب لها .فما تفعل بالتقلب في أاعطاف َالهوى إذا لم يتوج ميثاقا ينسكب عليها
َر َحمات؟ وفيم ِيخف القلب للقلب إذا لم يك تب لهما المتزاج السرمدي على تقوى من هللا
و ِرضوان؟ وما أاك ثر ما كانت تردد في السحر دعوة العز بن عبد السالم ،لسيف الدين ُق ُطز ،لما
ْ
ه اج به الشوق إلى حبيبته ُج َّل َنار " :اللهم إن في قلب هذا العبد الصالح ُمضغة َت ُهفو إلى ِإل ِفها
أ
في غير معصية لك ،فاتم نعمتك عليه ،واجمع شمله َبا َم ِتك التي ُيحبها ،على م ا تحب
وترضى ،على سنة نبيك محمد صلى هللا عليه وسلم" .
*******************
أاهذا هو الحب؟
عاد أاحمد َي ِنطق السم ببطء ،وهو يق أرا أاوراق البحث ُالم َق َّدم له للمرة الثانية .لقد َص ّحح
أ
العديد من البحاث قبل أان يصل لهذا ،كان فيهم الرديء والمتوسط والجيد ،لكن هذا كان
مختلفا ،تماما كصاحبته! إن كاتبته ل َر ْيب طالبة َنجيبة ،ولول أانه يصحح أاوراق الطلبة َّ
لظن
أانها أاستاذة شابة أاو زميلة في القسم .ابتسم أاحمد في َقرارة نفسه َلنجاح َمسعاه ،فهو ما طلب
أ َ
منهم ذاك البحث إل ليتعرف على أاصحاب المواهب َّالدفينة ،ويال ُحسن ما َعرف! إن السلوب
الذي ُك تبت به ِت ُلكم أالوراق ُ
ليدل على أان سلمى تلك كاتبة من ِطراز فريد ،بل لعلها شاعرة .إنه
ليحاول أان يتذكر وجوه من يعرف من الطلبة ممن يك ِثر المشاركة في محاضراته ،فال يكاد يتبين
بينهم اسم سلمى .
سلمى؟!
******************
تطلعت سلمى لساعة يدها من َط ْرف َخ ِفي ،وهي تتظاهر بالنهماك في قراءة ك تاب في
مك تبة الكلية ،ثم أاتبعتها بنظرة خاطفة لهاتفها المحمول ،وهي تتوقع اتصال من صفاء بعد
أاحمد!
خجلها من الس َو ْيعات أالخيرة قبل المحاضرة ،وغلب ُفكان أان َح َسمت سلمى أامرها في ُّ
تعف َيها من مرافقتها لتلك المحاضرة ، ن االلقاء على شوقها لسماع الثناء ،أفالحت على صفاء أ
ِ ِ
أ أ
متعللة بانها لم ُت ْنه قراءة النص المطلوب للمحاضرة التالية .وللوهلة الولى ،ل م تدر صفاء أايهما
تصدق :أان سلمى مستعدة لتفويت إحدى أاحب المحاضرات إلى كل الطلبة ،أاو أان سلمى قد
أ يفوتها تحضير نص ما حتى الدقائق أالخيرة؟! وفي كلتا َ
الح ْيرتين ،كان رجاء سلمى ك فيال بان
تستسلم صفاء ،دون مزيد من التحقيق .
يولهما َ ،ي ْع َجب مما أا َّلف بينهما على َت ُ
باي ِنهما .كانت صفاء
ُ َ
ومن يعرف طباع الفتاتين وم
أ
يتيمة الب ،من أاسرة َرقيقة الحال ،أاخذت أامها على عاتقها عبء تنشئتها بعد وفاة ُم ِعيلهم
أ
الوحيد .فنشات صفاء ل تعرف لها أاحدا في الدنيا إل أاما َت ِك ُّد لتريحها ،وتشقى لتسعدها ،
وتجوع لتشبعها ،فكانت أامها لها بمثابة كل أاحد وكل شيء في هذا العالم .غير أان والدة صفاء
أ
لم تكن قد أاكملت سوى التعليم الساسي ،فلم تجد لها موردا للرزق إل َّالد ِني من المهن ،
آ أ
والم ْم َت َهن من العمال ،ومن ثم الت على نفسها أان ت ّعلم ابنتها حتى الشهادة الجامعية ،مهما
ُ
لقت من َع َن ٍت في سبيل ذلك ،لتكون لها سالحا في وجه نائبات َّالد ْهر ِ ،ود ْرعا يحميها من
تقلباته .
هم لها سوى تحصيل وحفظت صفاء عن أامها رسالتها في الحياة ،أفا َّكبت على ُك تبها ول َّ
ولمها ما أار َادتا .وها هي ذي َ أ
قار َبت على شهادات النجاح ،ودليل كونها "متعلمة" ،فكان لها
أ
إنهاء تعليمها ،وليس لها من العلم سوى أاوراق مزخرفة ،مذيلة باختام ُالم َد َراء ،تشهد لها بما
ماني صفاء في هذه الحياة ،زوج طيب ميسور ،يرفع عن مرت به من سنوات التعليم! وغاية أا ِّ
أامها عبئها ،ويس ِكنهما في مسكن أافضل أواحسن ،بعدما ذاقتاه من ذل َالف َاقة ِ ،وق َصر ذات
اليد .ولئن كان لصفاء ما يشفع لها فهو ما ُط ِب َعت عليه من حب غير مشروط ،وع رفان صادق
حسن إلى أامها وإليها .
بالجميل ،لمن ُي ِ
وقد أاحبت صفاء في سلمى تلك الروح ُالمرهفة في غير َت َع ٍال ،وشكرت لها مساعدتها في
ك ثير من المواد الصعبة عليها .و أرات سلمى في صفاء ِصدقا في المودة ،ووفاء في الصحبة ،
وفوق هذا وذاك كانت تلك النفحة الربانية التي أالفت بين قلبيهما ..
سلمى وصفاء!
***************************
تناولت سلمى هاتفها بلهفة عندما ظهر اسم صفاء على الشاشة ..
**********************
وقفت سلمى أامام مك تب أاساتذة قسم اللغة العربية ،وهي تقدم رجال وتؤخر أاخرى .
أ آ
"ليتني لم أاتخلف عن محاضرة اليوم ،إذن لكان أاعطاني درجتي كالخرين وانتهى المر .ليتني
أ أ
تغلبت على خجلي ،إذن لكنت في مامن من كل هذا الحرج .ثم ماذا لو كانت الغرفة مالى
أ
بالساتذة؟ يا إلهي!"
أ
وبينما هي كذلك ُ ،فتح باب المك تب ،وخرج بعض الطلبة الذين كانوا يناقشون الستاذ أاحمد
فيما ك تبوه ،فتالقت عيونهما ..
وعرفها ..
******************
-تبدو اليوم ساهما على غير العادة يا أاحمد ،هل َج َّد جديد في الكلية يا بني؟
( -ينتبه من ُشروده) ل ..أابدا يا أاماه ..كل شيء على خير ما يرام .كنت أاركز انتباهي على
الطريق فحسب .
-اعذرني يا بني لشغل وقتك باصطحابي للسوق وعندك من المهام ما يك فيك ،ولكن أاباك
أ
ل يعود إل في وقت متاخر ..
-عالم العتذار يا أامي الحبيبة؟ (يبتسم) تعلمين كم أاحب الخروج معك يا أاماه أوانت
تمتعين سمعي بدعواتك العطرة .
( -تبتسم) أاسعد هللا قلبك يا بني ،ول حرمني ابتسامتك الغالية ..
ولم تدرك والدته في تلك اللحظة أان ابتسامته إنما كانت تخفي خلفها ..
******************
سلمى!
أاتكون هي هي؟
آ
أاهي من رسمتها في امالي أواحالمي ..
أ منذ ُ
بلغت السن التي تزهر فيها تلك الحالم ..
أاحالم القلوب؟
إن الكلمات لتنسكب منها على الورق ،فإذا به يذوب من رقتها وحالوتها ،وما كالمها حين
أ
تتكلم باقل روعة .أاي أاديبة انطوت عليها تلك الفتاة الخجول؟ بل أاي عقل ناضج متفتح حواه
أ
ذلك ال أراس المستور؟ إننا لنكاد نتشارك الهتمامات كلها ،أواسماء الدباء ،وعنواين الك تب ..
أ
لكانما كنا معا طوال تلك السنوات ..
أ
لكانني عرفتها قبل أان أاراها ..
أ
لكان قلبي رسمها في مخيلتي قبل أان تشهدها عيني ..
سلمى!
*****************
-ما لن نحتاجه اليوم سنحتاجه غدا! ثم إن سلمى صارت َعروسا ومعظم المقتنيات لها ( .ل يرد
عليها ُ ،فت ْر ِدف مدافعة) لقد كان أاغلبها بنصف الثمن! ( َيت ِمتم بكلمات ُم َبهمة ،فتقول غاضبة)
َ
وتذهب للصالة! إنك تعاملني كطفلة كنت مسرفة هكذا فال تتركني بعد ذلك أاتسوق لوحدي
إذا ُ
أافسدها التدليل!
أ
( -يرفع أراسه ،وقد كان منحنيا على ال كياس يرتبها في صندوق السيارة) أاحسنت يا فاطمة!
-هذا بالضبط التعبير الذي كنت أابحث عنه منذ عشرين سنة!
( -تضرب ك تفه برفق غاضب ،ثم تستدير وتتجه إلى السيارة ،فتجلس في ِالمقعد الخلفي بدل
أ
المامي)!
أ أ
( -ينهي ترتيب ال كياس ،فيغلق الصندوق ثم يتجه إلى زوجته ،مستمتعا بمداعبتها) ا ِ
غضبت يا
فاطمة؟
كنت أامازحك!
-قد ُ
أ
عدت أا ّ ِفرق بين ِمزاحك ِوجدك! فانت في جدك مازح ،وفي مزاحك جاد!
( -تنظر إليه معاتبة) ما ُ
آ
-أانا اسف! (يلوح لها بمفاتيح سيارته) ما أرايك أان تريني مهارتك في القيادة طالما الطريق هادئ
هنا؟
( -يبتسم لها ابتسامة حانية) ل يا فاطمة! إنني أاسامحك أواسامح أاكياسك َ
المت َو ّ ِرمة كذلك على
شرط!
-وما هو؟
( -تضغط الفرامل بقوة وهي تشهق) بسم هللا الرحمن الرحيم! أاسيارة هذه أام صاروخ!
-كنت أاتشهد ،أوادعو هللا أان يحفظ سلمى إذا لم نعد للبيت الليلة!
( -تزيد سرعة السيارة) ل تقلق ،فالطريق منبسط أامامن َ ( ..ت ْب ُتر عبارتها مع صوت النفجار
المفاجئ ،ثم تنحرف السيارة بسرعة)
****************************
أ
-انظر يا أاحمد! كانهم تعرضوا لحادث!
يوقف سيارته قريبا من سيارة الحاج عادل) فلتنتظري هنا يا أاماه ،
-ل حول ول قوة إل باهلل! ( ِ
أ أ
وسانزل أانا لرى الوضع .
( -يخرج من سيارته متوجها للحاج عادل والحاجة فاطمة) السالم عليكم يا عماه ،هل أانتم
بخير؟
( -الحاج عادل) نحن بخير والحمد هلل ،ولكن أاحد إطارات سيارتنا انفجر .
نوص ُل ُكم لمنزلكم ،ثم ُنص ِلح السيارة فيما بعد (تحين من الحاجة فاطمة
-إذن تفضلوا معنا ِ
نظرة إلى السيدة الجالسة داخل سيارته) ليس معي سوى والدتي في السيارة ،وهي ترحب
بذلك.
-جزاك هللا خيرا يا بني ،إنك وهللا لرجل كريم ذو ُم ُرو َءة (ينظر لزوجته) هيا يا فاطمة .
-أاعتذر يا أاماه إذ َع َرضت ذلك قبل استئذانك ،ولكنني أاعلم أانك مسارعة في الخير.
آ
-معك حق يا بني ( ،تنزل من السيارة) افتح لي الصندوق لخذ أاكياسي في ِح ْجري ،وضع
أاكياسهم هم في الصندوق .
( -يصافحه) أوانا الحاج عادل ،سررت بالتعرف إلى شاب مثلك يا أاحمد!
********************
دق جرس الباب في منزل سلمى ،فسارعت تفتحه ،و لما أرات والدتها تنفست ُّ
الص َع َداء ،غير
أ
أانها فوجئت بامها تدفعها ِبرفق إلى الداخل وهي ترسم حول أراسها دائرة :
( -تدفعها ناحية َّالد َرج في عجلة) أاحمد ،أاستاذك في الكلية .
أ
( -تتسمر مكانها ك تمثال من رخام) أاحمد؟ مدرس الدب العربي؟!
( -يتناهى لسمعهم صوت الحاج عادل مع الضيوف) هيا يا سلمى ،أاسرعي!
****************
أ
أاغلقت سلمى باب غرفتها وهي تلهث ،ثم وضعت أاذنها على الباب علها تتبين الصوات في صالة
الستقبال .لم يكن عسيرا عليها أان تتبين نبرة أاحمد الرنانة .أاو لعله لم يكن عسيرا على أاذنها
أ
هي ،أاليست الذن تعشق قبل العين أاحيانا؟
سارعت سلمى لدولبها ،أواخرجت عباءة استقبال ،وراحت تبدل مالبسها في َعجل ،وهي ل
تكاد تصدق ما هي فيه!
أ
الستاذ أاحمد في بيتنا!
كيف؟!
أايعقل ..
أايعقل أانه..
يخطبني؟!
جاء ِ
بهذه السرعة؟
مستحيل!!
مستحيل!!
**************
ّ
جلست سلمى إلى جانب والدتها وبصرها ل يكاد يفارق موضع قدميها ،فتولت والدتها
التحيات والتعريفات نيابة عنها ،إذ لم تكن المسكينة لتقدر على أاك ثر من أان تغمغم بكالم
أ
مبهم ،ل يكاد يفارق شفتيها ،حتى يقع في منتصف الطريق ،قبل أان يبلغ أايا من السماع .
ثم ساد صمت قصير بعد أان خفت زوبعة التعارف والسالم ،ربما لم يزد على ثوان ،
قبل أان تلتقط الحاجة فاطمة َط َرف الكالم مرة ثانية ،فتدير حوارا مع والدة أاحمد .كان ذلك
*************************
كان الحاج عادل أاسبق من أاي من سلمى أواحمد في َت َل ُّقف اإلشارة من َزوجته ،التي كانت
بدورها أاسبق في تسديد النظرة الختامية لزوجها قبل والدة أاحمد لبنها ،فالتفت الحاج عادل
إلى أاحمد مكررا شكره ..
أ
-سبحان هللا! تامل تقدير هللا أان تتعطل بنا سيارتنا في ذات الطريق والوقت الذي مررتم
فيه ،حتى نتعرف إلى أاستاذ ابنتنا ..
-الشرف لنا يا عماه ُ ،جزيتم خيرا فقد أاحسنتم ضيافتنا .
-وكيف سلمى في دراستها يا أاستاذ أاحمد؟
-أاقل ما يمكن أان يقال هو أانها ممتازة .فلها أاسلوب لو لم تكن طالبة لظننته أاسلوب
أاستاذة ..
( -تندفع الحاجة فاطمة في َزهو) طبعا ،طبعا ،لقد و ِرثت هذا عن أابيها فله مك تبة عارمة
يعك ف فيها أاغلب وقته ..
ِ
( -مقاطعا وهو ينظر لبنته نظرة فخر) بل سلمى -ما شاء هللا -متعلمة نجيبة ،تكاد
تفوقني في قراءاتي ..
-هل تك تبين أاشعارا أاو خواطر يا سلمى؟
أ
وللمرة الولى في حياتها ر ّن اسمها في قلبها بدل أان يرن في أاذنيها ،كم بدا الوقع مختلفا
حين صدر عنه هو بالذات .وعلى َّالرغم من َع َفوية السؤال ،فقد ْارُت َّج على سلمى واحتبس لسانها
أ
في حلقها ،فهو لم يوجه لها سؤال صريحا منذ جمعهما المجلس .وكانما أاشفقت أامها مما
اعتراه ا ،فسارعت تقول بابتسامة عريضة :
-سلمى تك تب كل شيء!
أ أ
( -رفع حاجبيه كانما ليظهر اإلعجاب مجاراة لندفاع والدتها) إذا كان المر هكذا فلسوف
يسرني أان أاطلع عليها .بل إن لي صديق ي أراس تحرير مجلة أادبية ،وهي بعد في أاعدادها
بدات بالتحيات .وبين تحيات الولوج وتحيات الخروج ، واختتمت الجلسة بالتحيات كما أ ُ
وقفت سلمى كمن هو في ُح ُلم بين النوم واليقظة ،فال هو قادر على تصديق الحلم في المنام ،
أ ول ه و يق در أان ّ
يكذبه ف ي الواقع .واستاذنت بعد انصراف الضيوف لتبدل مالبسها قبل ِ
َالعشاء ،في محاولة لتخلو بنفسها ..وإلى قلبها .
**************
والديها ،فقد جلس الحاج عادل مستغرقا في خاطر ما ،في حين أارسلت أواما ما كان من أامر ْ
الحاجة فاطمة نفسها على َس ِج َّي ِتها ،تفكر بصوت مسموع ،وهي ُت ِعد مائدة َالعشاء :
أ
" أا أرايته يا أابا أاحمد؟! شاب يمال العين بهجة ،والقلب سرورا ،ووالدته سيدة في قمة التهذيب
والهدوء والوقار ، "..ثم سك تت قليال َع َّل زوجها يشاركها خواطره ّ ،
فلما ل ْم يرد التفتت إليه ..
-أابا سلمى؟
( -ينظر إليها كمن انتبه من حلم) َهه؟ نعم يا فاطمة؟
-أالم تسمع ما قلت؟
أ أ
يت كيف كان ينظر لسلمى؟ ( -كانما لم يسمع سؤالها) هل را ِ
أ
وكان الحاج عادل وفر عليها عناء البحث عن مدخل ،فسارعت ترد عليه ،قبل أان يستعيد
َدفة الحديث منها:
-قومي نتناول العشاء يا فاطمة ،ودعينا من هذا الحديث ،فبين َغ ْمضة عين وانتباهتها ،
وقلبها ،فلن أاجبرها َ
يغير هللا من حال إلى حال .كالهما ِصهر كريم ،والخيار لسلمى ِ ِّ
على ما أاريد ،ولن أاعارضها فيما هي تريد .
ابتسمت الحاجة فاطمة ،ونهضت تقبل أراسه ،فما أارادت هي أاك ثر مما سمعت ،وما كان
ليسعدها أاحمد أاو يسوؤها قاسم ،إل بقدر ما يسعد قلب ابنتها الوحيدة .
وما َد َرت أام سلمى أان سلمى في ذلك الوقت كانت هي تبحث عن قلبها ..
أ أ
تحلقت السرة الصغيرة حول المظروف النيق ،الذي وصل لسلمى منذ دقائق معدودة .
وراحت سلمى َت ُفرك ك ّفيها في َت َر ُّقب بينما والدها يفتح الظرف بعناية ،في حين كانت الحاجة
الكل متلهفا .وانشق المظروف أاخيرا عن المجلة
فاطمة تتململ من بطء زوجها حين يكون ُ
أ أ
الدبية ،التي وعد أاحمد بالك تابة لرئيسها لتنشر سلمى فيها .وسارع الب يقلب الصفحات بحثا
عن اسم ابنته ،حتى إذا وصلوا للصفحة المنشودة تعالت صيحات الفرح ،واحتضنت الحاجة
فاطمة سلمى طويال ،في حين كان الحاج عادل يمتع ناظريه ،فخورا باسم ابنته مك توبا بالخط
العريض وسط الصفحة " :بقلم :سلمى عادل بهاء الدين" .
أ
وكانت الحاجة فاطمة أاول من َت َن َّبه إلى الرسالة المطوية بعناية داخل المظروف النيق ،
أ
فناولتها لسلمى .كانت رسالة ثناء من رئيس التحرير ُ ،يشيد فيه باسلوب سلمى ،ويؤكد على
أ
تزكية أاستاذها وصديقه العزيز أاحمد .أاما سلمى ،فقد كانت ُجل سعادتها نابعة من علمها بان
أاحمد لبد قارئ ما ك َتب ْته .وكذا قلب ُالمحب ،يختلف الناس أاجمعون في عين صاحبه عن
الحبيب ُالمجتبى .
*******************
صعدت سلمى لغرفتها برسالة التزكية ،وقلبها يموج في بحور من السعادة .أالقت بنفسها
َ
أ ضرج خداها ُ على فراشها الصغير ،وخبئت وجهها في وسادتها ،وقد َت َّ
بالحمرة ،كانهما وردتان
بديعتان .وطاف بخاطرها طيف العروس ،فضحك قلبها سرورا .لقد أرات من معاملة أاستاذها
يقوي أاملها فيما َو َقر في قلبها من أان أاحمد ُي ِك ّن لها أاك ثر مما َي ُكن أاستاذ
وحفاوته بها ،ما ّ الشاب َ
أ
لطالبة ،تماما كما أانها ُت ِك ّن له أاك ثر مما تكن طالبة لستاذ .
يدا بيد!
أان انتظارها
سيطول ..
ويطول ..
ويطول!
*********************
انتهى أاحمد من ترتيب أاوراق طلبة السنة الرابعة في صندوق سيارته ،وانطلق متجها
أ
ليبدا َحملة تصحيح أاوراق البحث النهائي .حانت منه نظرة إلى ِالمقعد المجاور ،فالفى للمنزل ،أ
أ
عليه أاعدادا من ِالمجلة الدبية ،فابتسم إذ تذكر مقال سلمى المنشور فيها .لقد ق أراه مرارا َوتكرارا
ُ
حتى كاد يحفظ أاك ثره .هلل َد ُّرها تلك الشابة! لقد َم َلكت عليه ل َّبه ،وهو الذي كان غارقا في
الدراسة حتى أاذنيه ،فلم يطرق طارق الحب قلبه ،ول هو أاجاب النداء حتى عرفها .صبرا يا
ْ
أاحمد! شهران وتنتهي من امتحاناتها ،وتنتهي أانت من أامور التصحيح ،ثم تتقدم ِلخطبتها رسميا
..
أ
نعم سا ْخ ِطبها ..
وزوجتي ..
وحليلتي .
*****************
*******************
أ
وقد اعتادت أاسرة أاحمد "طقوس" تلك الفترة من كل عام دراسي ،فاخته الوسطى أاروى
َ
تعتني بالصغيرة رؤى َ ،لت ُحد من ل ِهوها في أانحاء المنزل ،ف ي حين تمتنع أاخته الكبرى هالة ع ن
أ أ أ
زيارتهم باولدها الربعة ،لئال َت ُعم الفوضى في الجواء .وتتولى والدتهم شؤون أاحمد وترتيب
الضياع أاو التلف .
غرفته ِ ،حرصا على أاوراق الطلبة من َّ
الشيء الوحيد الذي َج َّد ع لى طقوس أالسرة تلك العام ،ول م يكن أابدا في ُ
الحسبان ،هو
إصابة وال د أاحمد بمرض القلب ،فكانت صحته قد َر َّقت مع ِك َبر سنه ،ففاجئه هذا المرض
أ أ
ُلي ِلزمه الفراش في أاغلب الحيان .وقد جاهد الوالد ليبقي على جو ال ْنس والمرح في المنزل ،
أ
فكان يمضي ك ثيرا من وقته في مداعبة رؤى ،ويتبسط لحفاده ،ويقص عليهم َقصص البحارة
والسندباد ،باعتبار أانه كان ك َ
ثير َّالترحال بحرا في شبابه .
َ
الوحيدان اللذان ل ِحظا َمسحة حزن دفين َج ِل َّية في عينيه هما زوجته أواحمد .وق د كان
أاحمد منذ صغره َيلحظ تلك النظرة ،لما تميز به من َرهافة الشعور ودقة المالحظة ،غير أانه
أ أ
كلما حاول أان يسال أامه عن سر والده ،امتنعت عن اإلجابة ،لنه أامر خاص بوالده ليس لها
**********************
تنهد أاحمد للمرة العاشرة و هو يصحح أاوراق الطلبة ،التي لم يكن أاغلبها يتميز عن
أ ُ أ
خطاء اإلمالئية ُ ،م َط َّع َم ًة بشئ من الخطاء َّالن ْحوية ،
نفس ال ِ َك َر ِاريس التالميذ في شيء .
مجموعة كلها في َب ْو َت َقة من الخط السيء ،أكانما الورق لطفل يتعلم اإلمساك بالقلم! " َو ً
اها عليك ً
أ
الضاد! " قالها أاحمد في نفسه ،ث م أا ْت َبعها بابيات من قصيدة البارودي الشهيرة :
يا ابنة َّ
ونادي ُت َق ْو ِمي ْ
فاح َت َس ْب ُت حيا ِتي همت َح َصا ِتي ** ْ َر َج ْع ُت ْلنفسي َّ
فات ُ ِ
أانا البحر في أاحشائه الدر كامن ** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
أ
قطع عليه َت َرُّن َمه بالبيات طرق َحنون على الباب ،فتبسم أاحمد ونهض يفتح باب الغرفة قائال :
"تفضلي يا أاماه" .وكم كانت دهشته إذ أراى والده ،فبادر يقدم له كرسيا ليجلس ،وجلس هو
ُقبالته .
(في قلق) لو أان سؤالي أازعجك يا أابي فإنني أاعتذر .. -
(ينهض من كرسيه فزعا َ ،وي ِهب َلي ْس ُند أاباه الذي َتهاوى في ِمقعده) أاب ي! أاب ي! (يصيح -
مناديا) أامي ..أاروى!
*************************
وقف أاحمد أامام باب الغرفة التي َيرقد فيها والده في َجناح العناية المركزة ،وقد حمل رؤى
تنشج وتبكي ،وإلى جانبها ابنتها أاروى ،تشاطرها أ
النائمة بين ذراعيه ،في حين جلست امه ِ
البكاء .
أ آ أ
( -تنظر لحمد بعينين دامعتين) أالم يقل الطبيب أال نعرضه لمفاجات أاو َص َدمات لنه لن
يحتمل؟! ماذا قلت له يا أاحمد؟! ماذا فعلت؟!
ْ
( -ينظر لوالدته بعينين ِملؤهما الندم) صديقيني يا أاماه ،إنني لم ..
ثم َبتر عبارت ه إذ أادرك أا ْن ل اتهام ول دفاع سيرد ما ح دث وانقضى ،أوانه لم يبق إل الدعاء
أ
والتسليم .وإذ ذاك ،خرج الطبيب المناوب من الغرفة ،فسارعت نحوه السرة ،وكلهم
يستنطقه اإلجابة السحرية لذلك السؤال الخالد :
خفض الطبيب بصره في أاسى ،ليتحاشى تلك النظرات المعلقة به تعلق الطفل التائه
بتالبيب أامه ،وغمغم في مواساة " :لقد بذلنا ما في ُو ْس ِعنا والشفاء بيد هللا وحده ،فعليكم
بالدعاء" .انهمرت الدموع من عيني والدة أاحمد وهي تسترجع َ ،وت ِبعتها ابنتها بنشيج متقطع ،
أ
حوقال .فبادر الطبيب كانما يطمئنهم أانه لزال على قيد الحياة " :إنه أ َّ أ
في حين نكس احمد راسه ُم ِ
يطلب مقالبة ابنه أاحمد على انفراد" .فتبادل ثالثتهم نظرة قلقة ،ثم ناول أاحمد رؤى بحرص إلى
َ
أاروى ،ودلف إلى حيث يرقد والده ..
لربما تمكنتا من سماع تلك الشهقة التي ترددت في جنبات الغرفة ..
كان أاحمد يجمع حاجياته في صناديق استعداد لنقلها لبيته الجديد .كان يعمل بحركات
أ أ ُ أ آ
وينقل الشياء بتثاقل ،كانما يداه ُم َك َّبلتان بالغالل .كانت وفاة والده منذ عدة أاشهر ل الية ،
أ
تزال صدمة للعائلة با ْس ِرها ،لكن السر ال ذي باح له به ،كان صاعقة نزلت على أاحمد بالذات ،
أ
فاصابت أاحالمه في مقتل ،وقطعت عليه أاماني الزواج بمن أاحبها أواحبته .
أ
طرقت والدته الباب بحنان شابه انكسار مكلوم ،فاذن لها بالدخول في نبرة حملت نفس
آ
الرنين ،ووقف كالهما يحدق في الخر برهة ،وف ي العيون رسول عن القلب حين تعجز
بط ِوية قلبه ،ولم يعد يرى من نفع في الكشف عنها ،بعد أان حيل بينه
الكلمات .لم تكن تعلم َ
وبين سلمى بسور ،ظاهره الوفاء وباطنه العذاب .كانت تحسب أان منبع حزنه ُ
وفاة والده ،وفي
ذلك ك ثير من الصحة ،وإن لم يكن كلها .
آ
( -تغمغم) سامحنا يا بني إذ تجري استعدادات ُالعرس في جو الكابة هذا ..
( -ي ِه ز أراسه وهو مستمر في تغليف الصناديق) ما باليد حيلة يا أاماه .إنها وصية أابي .
أ أ
ولكان وقع الكلمة َّفجر دموعها التي ّلما ْترقا بعد ،فجلست على كرسي قريب ،وهي تجهد لتك تم
صوت بكاءها .ولم يحتمل أاحمد م أراى أامه على تلك الحال ،فنهض واحتواها بحنان صامت ،
إذ لم يكن من الكلمات ما يمكن أان يقال ،أاو يك في إذا قيل .
**************
سبحان هللا!
سبحانك ربي!
أاي رحمة أواي مودة تلكما اللتين تجمعان قلبين َطوال سنوات ل يعلم عددها إل هللا ..
وك تب له البقاء
******************
أ
ترك أاحمد والدته ترسل دموعها على صدره الحاني ،وفي قلبه هو كذلك من الحزان ما
أ
هللا به عليم .وتتابعت َّالز َفرات تتردد في صدره َت ْترى ،فامسكها َك َّلها في َت َج ُّلد ،ل يقدر عليه إل
أ أ
من َس ّلم لمر هللا ،أواحنى قلبه لما جرى به تقدير العليم الخبير ،وإن خفيت ِالحكمة والسباب
حتى حين .
عاد أاحمد بذاكرته ليوم أامس ،اليوم الذي طالما َّمنى نفسه به ،والباب الذي طالما رجا
أان يطرقه ،فيدخله َفردا ويخرج منه اثنين .فإذا اليوم غير اليوم ،وإذا الباب ليس الباب ،وإذا
به يتقدم للزواج من صفاء ،صديقة سلمى ورفيقة دربها! وإذ ّمر بمخيلته وقع الخبر على تلك
أالخيرة ،شرع َع ْقله يفكر فيما يقول لها ،وكيف يشرح لها ما حصل ْ ،
فالريب أان دعوة حفل
الزفاف وصلتها ،ولريب أانها مثله َمكلومة الفؤاد ..
*******************
أاغلقت سلمى باب غرفتها على نفسها َ ،ر ْغم علمها أبانها وحيدة في المنزل ُ ،
فوالدها لن
أ
يعود من عمله قبل ساعة على القل ،ووالدتها ذهبت لزيارة جارتهم .وللمرة العاشرة راحت
تحدق ببطاقة الدعوة لحفل ّ ِالزفاف التي وصلتها من صفاء ،ويداها ترتجفان في عصبية .فلما
أ
أايقنت أان البطاقة لن تخرج عن صمتها ،قذفت بها على الرض ،أوالقت بنفسها على فراشها ،
وتفجرت دموعها كعين ماء صغيرة تبلل وسادتها ،وهي َت ُزفر َزف َرات حارة َ ،ي َخال سامعها معها
تهشم قلبها وتناثر قطعا صغيرة بين ضلوعها .قصورها أان روحها َ
ست ْز َهق من عنف َش ْهقاتها .لقد َّ
التي بنتها في سنوات ُ ،د َّكت َد َّكا في دقائق ،وصارت ً
هباء تذروه الرياح .
مستحيل!
ل يمكن!
صفاء!
صفاء!
صفاء الخائنة!
*********************
ْ أ
وخ ُلقه ا م ا َي ْر َبا به ا ع ن هذا الوصف .وإنها لتعلم ِعلم
ل! إنه ا لتعرف من ُن ْبل صفاء ُ
أ
اليقين ،أان لو كانت صفاء تدري بمشاعرها ،لرفضت أاحمد لجلها ،على حاجتها الماسة لزوج
آ
يستنقذها أوا َّمها من ضيق العيش ،ولثرتها به إبقاء لمودتهما .
بل هو!
نعم هو!
صرخت بها سلمى في أاعماقها ،ودموعها تنهمر ُبحرقة ،لتحفر أاخدودين على خديها الملتهبين ..
*****************
من أاحمد!
******************
آ
إلى النسة الكريمة "سلمى" ,,,
أ أ أ لقي ُت من َع َنت حتى ك ُ
مامك ،و ِل ْتعلمي
تبت هذه الرسالة اخيرا ،لبرئ نفسي ا ِ يشهد هللا كم ْ
بالخ َبر ،ويعلم هللا ما كنت أاريد أان
علمت من صفاء أانك عرفت أاخيرا َ
أاني لم َا ُخ ْنك بالغيب .قد ُ
تعلمي ع لى هذا النحو لئال تذهب بك الظنون بعيدا ،غير أانني كنت أابحث عن طريق مناسب
ْ
أا ِّبلغك به .فها هي ذي ُحجتي بين يديك ،ول َت ْحكمي في أامري بحكم اإلنسانة التي عهدتها ،
عاقلة متفهمة "...
بدا بتصحيحها .ويشاء هللا أان أان يدخل أابي تسلمت أاوراق أابحاثكم أل أ
"قبل بضعة أاشهر ّ ،
أ أ
في نفس اللحظة التي جلست فيها إلى مك تبي ،والوراق بين يدي .فاخذ يقلب كراسات اإلجابة
أ
واحدة تلو الخرى وهو يحادثني ،فوهللا ما هي إن وقعت عيناه على اسم صفاء ،حتى انتزع
الورقة انتزاعا ،وقد اتسعت حدقتاه كمن َم َّسته صاعقة ،ثم ش ِهق َش ْهقة عظيمة َ ،وه َوى إلى
أ
الرض ،وقد كان – رحمه هللا – مريضا بالقلب .نقلناه إلى المستشفى فورا ،ولكن الطبيب
أ
سن في مثل حالته ،أواوصانا بالدعاء والمل في قال إن الصدمة كانت أاقوى من أان يحتملها ُم ّ
رحمة هللا .ثم طلب أابي رؤيتي منفردا ،فدخلت عليه ،و أرايت ِغشاوة الموت تك تنفه ،وقد
وخ َف َت بريق الحياة في عينيه .جلست بجانبه أارتجف َه َلعا عليه ،أوا َكب ْبت على
َش َحب وجهه َ ،
يديه أاقبلها ،ثم َسكنت بإشارة منه .ومضى أابي – رحمه هللا -يروي لي قصة صفاء :
صديق والدي المقرب ،بل كان َي ُع ُّده أاخا في هللا ،وقد دعم والدي في والد صفاء َ "كان ُ
أ
مشروعه ،أواعانه على ُالم ِض ّ ِي ُق ُد َم ًا والتصدي لحيتان المال ،لنه كان أاك ثر ُي ْسرا من والدي
أ
حينها ،دون أان يقبل على معونته لخيه أاي مقابل أاو مردود .ثم تفرقت بهما السبل بعد زواج
كل منهما ،ومع ذلك اتصلت بينهما أاسباب ِالود على بعدهما ،حتى جاء يوم انقطعت فيه
أاخبار والد صفاء ،وتوقفت رسائله تماما ،بعد أان كان قد سافر بزوجته إلى خارج البالد لعمل
مشروع ضخم ،أاودع فيه ُج َّل ثروته .أارسل أابي إليه الرسائل تلو الرسائل ،وح اول التصال
"وما إن انتهى أابي من قصته ،حتى استعبر وبكى ،وصار ْين ِشج وهو يحدثني عن مناقب
أ صديقه وحبيبه في هللا َ .
وط ِفق يسالني عن معيشة صفاء ووالدتها ،فلم يكن لي بذلك من علم
إل أانهما كانتا في َض ْي ٍق من العيش .فاشتد بكاؤه وهو يتضرع إلى هللا أان يسامحه على تقصيره ،
أ
ومضى يستحلفني باهلل وياخذ ع لي العهود والمواثيق أان أا ِف َي بنذره .ووهللا ما َب َدرت مني بادرة
غضب وثار ،أواقسم َلي ُم َّوتن ساخطا ع لي ،فال يبارك هللا لي بعدها أابدا . لمر َاجعته ،إل ِ
ومض ى هكذا تارة يتوعدني ،وتارات يرجوني أال أاخيب رجاءه ،وه و الذي أافنى عمره أوابلى
علي َي ٌد ل ُت ْجحد .وكذلك راح يتوسل إلي أال أاخيبه أامام أاخيه شبابه ليصنع مني رجال ،وحق ا ألبي ّ
حين يلقاه ،بل وجمع أامي أواخواتي واستحلفهن ل تمضي ِالع َّدة إل ويقام حفل ّ ِالزفاف!
حمته أانت كما َر ْح ُمته أ
ْ َ ْ أ أ
وجدت
ِ ولما ، نا ا ِ ِ لر ، إلي متوسال يبكي وهو خير ال "ولو را ِيته في النزع
وتادية أامانته ،حتى إن لم يكن ما اختاره أابي هو َ أ اضة في إيثاري َ َغ َض َ
اختيار طاعته والوفاء بنذره
لك في حملت الذي نا قلبي .وهللا وحده يعلم مبلغ ما أاعانيه أوانا أاك تب إليك هذه الكلمات ،أ
وا
ِ ِ
قلبي مثل الذي حملته لي أاو يزيد .غير أاننا أاردنا أواراد هللا غير ما أاردنا ،فما إلرادتنا أامام إرادة
هللا من بقاء .ول أاملك إل أان أادعو لك هللا مخلصا صادقا أان يرزقك الزوج الصالح ،الذي ُي ُ
كرمك
أ
ويقدر جوهرك النادر الثمين .وهللا وحده العليم باننا ما طوينا خبيائ ِتنا إل على م ا يحب
ويرضى ،وهو وحده تعالى الك فيل بتضميد جراحنا ،وإنه من يتق هللا ُي ْع ِظم له أاجرا ،فلنصبر
ولنحتسب .
أاحمد" .
لم تستطع سلمى النوم تلك الليلة ،أواخذت تتقلب في فراشها وهي تبكي بكاء مريرا ،
أ أ أ حتى أ
بدات الساعة تشير لقرب الثلث الخير من الليل ،فالقت عنها ِالغطاء ونهضت ترجو النس
أ
بمناجاة رب العالمين ،ليخفف عنها م ا اشتد عليها من َك ْرب .توضات سلمى ،ووقفت تصلي ،
كحبات ُ
الج َمان .وراحت تدعو ، خد ْيها َ وتق أرا الق آران بصوتها ّ
الندي الهادئ ،ودموعها تتحدر على َّ
وتسكب دموعها بين يدي بارئها ِ ،نعم المولى ونعم النصير ،إنه قريب سميع مجيب .ومضت
على هذه الحال تشكو بثها وحزنها إلى هللا ،وتدعوه أان يلهمها الصبر والرضا بما قضى .
*************
أ
قد جرت المقادير بان يكون أاحمد
زوجا لغيرها
الس ْخط"
"فمن رضي فله ّ ِالرضا ومن َس ِخط فله ُّ
**********************
بل لعل صفاء أاحوج منها إلى زوج كريم السجايا مثله
**************************
ولبثت هكذا تتنقل من خاطر رباني إلى آاخر ،حتى سكنت نفسها أ
وهدات عواطفها المتالطمة
َه ْو ًنا ما .
**********************
والصبر الجميل
ول أانين
الصمت صوت المؤذن َّالرخيم ،وعال أاذان الفجر ينساب من بين أانفاس الصباح َ شق
َ حر قلبها ويسكن َر ْوعها ،وتسللت أاشعة القمر خارجة في ُت ََّ أ
لتفسح لخيوط
ِ ، ةد ؤ فيطفئ ، ولى ال
الشمس الذهبية مكانا ،وسكن الكون في خشوع ،والمخلوقات ّكل يسبح بحمد هللا . .
أ
سيارة العرس مزدانة بالورود والزهار ..
وصفاء..
جلست والدة أاحمد إلى جانبه ،أواختاه أاروى ورؤى في ِالمقعد الخلفي .وكعادته منذ
آ آ
بدات تجهيزات ذلك الزفاف ،كان أاحمد يقود ساهما ،ويحرك السيارة بصورة الية ،تلك ال لية أ
للذبح ،ول يزال حتىالتي لم تفارقه منذ ليلة المكاشفة بينه وبين والده ،أكانما كان قلبه يساق ْ
أ
اللحظة الخيرة يرجو معجزة تق ِلب الموازين .
لم َي ْخ َف على والدته ما اعترى ابنها من تغيير ،فظنته في البداية صدمة ِفقدان أابيه ،
وكانت تعلم معارضة أاحمد إلقامة أافراح في مثل هكذا ظروف ،لول إصرار والده – رحمه هللا . -
قلبها ّلما ك ُثر شروده وطال صمته .فكلما وجدت البسمة سبيلها إلى وجههغير أان الشك داخل َ
م ن ِضحكة أاو أاصوات طفولية مرحة تصدرها رؤى ،التي ل تعي بعد معنى أان يغيب من
أ
السرة عضو غيابا ل إياب منه ،ويضاف إليها عضو جديد ل رجعة عنه ،ل تلبث تلك البسمة أان
تتالشى ،إذا ُذكر اسم صفاء ،أاو أاشير لتجهيزات الحفل .
آ
اه يا ولدي الحبيب! أاتكون في قلبك أاخرى؟
-طبعا يا أاخي ( ،تطبع أاروى على خده ُقبلة قبل أان تنزل) هيا يا رؤى ( ،تمتنع وتصيح
مطالبة بحقها في تقبيل أاخيها ،فترفعها أاروى قريبا من أاحمد ،فتطبع على خده قبلة
مبللة وهي تضحك)
أ
يقبل رؤى الصغيرة) هذه أاجمل هدايا حصلت عليها اليوم! (ينظر لروى ( -يضحك) هللا! ( ّ
شاكرا) انتظريني مع رؤى ريثما أاتحدث مع أامي ،ثم نذهب معا.
خرجت أاروى ورؤى من السيارة ،ووقفتا غير بعيد في انتظار والدتهما .لدقائق َ ،ع َّم السكون
جو السيارة إل من صوت المحرك الدائر ،ثم لم تلبث الوالدة أان أاخرجت من حقيبتها مصحفا
صغيرا ،ذا حواف ُم َذ َّه َبة ،وقد بدا من حالته أان صاحبه كان ممن يداومون على تالوته .نظرت
والدة أاحمد إلى المصحف بين يديها طويال ،ثم قالت أاخيرا :
**********************
َ
َدلفت أاروى إلى جانب أاخيها
من بيتها
جلست والدة صفاء تنتظر في الصالة ،وقد تركت صفاء مع سلمى في غرفتها ،في حين
تولى والداها اإلشراف على ما بقي من تجهيزات الحفل .تلفتت السيدة لمياء حولها ،قبل أان ُتمد
يدها إلى حقيبتها فتخرج منها مظروفا ،ثم فتحته أواخرجت منه ورقة َطبع عليها الزمن بصمته .
أ
كانت تلك رسالة ك تبتها حين اشتد عليها المرض ذات مرة ،واستشعرت دنو الجل ،تشرح فيها
لصفاء ما خفي عليها من أامر والدها .فلم تكن قد زادت على أان أاخبرتها أان والدها توفي إلى رحمة
هللا وهي طفلة ،أوانه كان محسنا كريم السجايا .و أرات أال تخبرها بما كانوا عليه من َس َعة لئال
أ أ أ
تو ِرثها ًّهما على ما صاروا إليه من َض ْيق ،ولنها تعلم بان قصة والدها كان خليقة بان تثير
شجونها هي وتحزن ابنتها .
لكنها لم تعد بحاجتها اليوم ،فقد تحققت دعوة والدها ورجاؤها هي في ِصهر كريم ،ولذا
أ
ستمزق الرسالة وتتركها قصة لم تك تمل .ولكنها قبل أان تمزقها أاعادت قراءتها ..للمرة الخيرة :
خفيت عنك من قصة والدك ،ل" أاك تب إليك يا ابنتي أوانا أاشعر بدنو أاجلي ،ألنب َئك بما أا ُ
ِ
أ لشيء إل أل كون قد ُص ُد ُقتك في أالمر كله ،ولتدركي كم ُ
كنت محقة إذ ُ
قلت لك حين سا ِلت ِني عن
آ أ سر ُعزوفي عن الزواج ،إن أاباك قد ملك ّ
علي قلبي وماله ،حتى لم يعد فيه متسع لخر في
أ أ
حياتي .إن ذكراه حاضرة في قلبي حتى لكاننا افترقنا بالمس فحسب .
"والدك كان من ِخيرة الرجال يا صفاء .كان ذا همة عالية وروح َو ّثابة ،ل تع رف الكسل
أ
ول الخمول ،وكان ودودا َعطوفا ،يا ِسر الناس بحسن خلقه .فلم يكن ِبدعا أان َحظي بالترقية
في عمله أاسرع من أاي زمالئه ،واستطاع بحمد هللا أان يفتتح عمال خاصا به في أاشهر معدودات .
واش ِه ُد هللا يا ابنتي أانني ما أرايته أاجود منه منذ َفتح هللا عليه في عمله ،فكان حريصا على فعل
الخير والصدقات .وما كان يخشى في سخائه على مستقبلنا ،فقد كان دوما يتمثل حديث
تعرف في أاحد أاسفاره
ص مال من صدقة" .ثم حدث أان َّ
المصطفى عليه الصالة والسالم " :ما َن َق َ
أ
إلى سيد كريم ،أاحبه والدك كاخ في هللا ِل َما أراى فيه من َامارات التدين ُون ْبل ِالخصال .وكان
ذلك السيد يعمل في تجارة القماش إلى جانب أانشطة دعوية وخيرية ،أاشرك فيها والدك ،
الذي ِقبل بكل حماسة – كما عهدي به دوما رحمه هللا تعالى.
آ
وح َدث أا ّن ذلك الصديق -ل يحضرني اسمه الن بعد مرور كل هذه السنوات َرغم ك ثرة
" َ
تردده علينا -وقع ذات مرة في ضائ قة مالية ،وكادت تجارته تف ِلس وهو ُ
بعد في بداية حياته ّ
"ولست أادري من أاين ظهر ذلك الثعلب الماكر الذي قلب حياتنا شقاء .فقد أاقنع أاباك
بمستندات مزورة عن مشروع ضخم للتعريف باإلسالم ،أوانه ينوي إنشاء مسجد ومدرسة
حيلة ذلك الشيطان – أاشكوه إلى هللا تعالى – حتى أاقام الدنيا أواقعدها بحثا عنه ،لكنه اختفى
بمال أابيك كما لو كان سرابا أاو نسجا من خيال .حينها لم يتحمل أابوك – رحمه هللا – هول
أ
كنت وقتها لتزالين طفلة في نحو الثانية منالصدمة ،فاصيب بشلل جعله طريح الفراش ِ .
أ آ أ
العمر ،وإني لذكر كيف قضى والدك اخر أايامه ،يمليني الرسائل تلو الرسائل لخيه ف ي هللا
ذاك ،ليستنقذنا من غائلة الديون ُوك ْربة الفقر ،لكن دون مجيب ،ول حول ول قوة إل باهلل .
واشتد المرض على أابيك باشتداد الكربة ،وهو – رحمه هللا – ل ينفك عن الدعاء بلسانه بعد أان
أ
فقد القدرة على تحريك أاي جزء من جسده .كان يدعو لنا ،ولخيه في هللا ،بل حتى ذلك
آ آ
المحتال ،كان يدعو له بالتوبة لئال يؤذي اخرين كما اذاه " ..
أ
"ثم توفي أابوك إلى رحمة هللا تعالى بعد ذلك الحادث ال ليم بشهر واحد .لم يتبق معي
سره ،جزاه هللا خيرا ورفع َقدره الح ِل ّي التي كان أابوك يهديها لي أايام ُ
ي عليك ،إل ُ
ِ به نفق امن مال أ
ِ
ف ي عليين .انتظرت صديق والدك ذاك عدة أاشهر ،لكن دون جدوى .وفي النهاية ّفوضت
أامري إلى هللا َ ،وع َزمت أان أاشق طريقنا في الحياة بعون هللا وحده ،فكان من أامرنا ما تعلمين .
َ ُ أ
قت بابيك ،فإنني أا ِكل أامرك إلى هللا وهذه يا ابنتي ِمحنة ْعمر سردتها لك في سطور .ولئن الح
أ
تعالى ،أواثق أانه حسبنا ونعم الوكيل .ستجدين في صندوق صغير ،مخبا تحت فراشي ،بقية
ستبق َيها امن ُحل ّي اشتراها لي والدك يوم خطبني ،فعز علي أان أابيعها مع ما بعت ،آواثرت أان أ
ِ ِ
عسى أان تظل ذكرى أاو تنفعك بعد رحيلي ,,,
******************
أاخرجت سلمى طرحة العروس من ُمغلفها بعناية ،وراحت تسويها على سريرها ،وهي
تبتسم .لقد كان أاحمد هو من اشترى ثياب العروس كلها وانتقاها بنفسه! ل م تكن تعلم أان له
مثل ذلك الذوق الرفيع ،لكن ذلك لم يكن بمستغرب عليه ،وهو صاحب الحس الرهيف ،
أ
حس الديب والفنان ..
أاحمد ..
ابتسمت سلمى وهي تسمع صدى اسمه يتردد في قلبها ،وجاهدت لتمسك َع َبراتها ،فقد
حدثت نفسها مرار وتكرارا أانها لن تلتفت إل لصفاء .إنها نقطة التحول في حياة صديقة عمرها ،
ّ
بغض النظر عمن سيصحبها من تلك النقطة .يك في أانها صفاء ..
*****************
سبحان هللا!
آ
سبحان هللا يا ابن ادم!
إنما هي أارزاق
أواعطيات ..
وإن كان أاتيح لسلمى أان ترى فيم حرمت هي أواعطي غيرها
"ليعلموا أان هللا على كل شيء قدير أوان هللا قد أاحاط بكل شيء علما"
بالتسليم والرضا
"إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أاك ثر الناس ل يعلمون"
سبحانه
*********************
طافت تلك الخواطر بقلب سلمى ،فاحتضنت صفاء بقوة ،ثم أابعدتها عنها بحيث تتالقى
عيونهما ..
( -تمسح دموعها وتنظر لها في حنان) "ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء" يا صفاء .
-قد قالت لي أامي مثل ذلك .وقالت إنها لبد بركة دعوة والدي ،رحمه هللا تعالى .
-هي كذلك يا صفاء .أاليس هللا ل يضيع أاجر من أاحسن عمال؟
-بلى ..
-فاحمدي هللا واشكري فضله يا صفاء ،ذلك أادنى أان تدوم النعمة.
-الحمد هلل رب العالمين .
آ
والن ك فك في دمعك وابتسمي ،وإل أ
نت والدتك .
ِ زح ا -
( -تك فك ف دموعها) لن تتخيلي يا سلمى كيف كان حالنا ّلما جاء أاحمد ووالدته!
( -تبتسم) ..
( -تضحك) كنت أاجرى كالمجنونة أوانا أاحاول ترتيب وضع المنزل ،في حين سارعت أامي
ترتدي عباءتها وقد كانت بثياب النوم ..
أ
-حقا ..مفاجاة ...
( -ت ِهز ك تفيها) ل أالومه ،ليس لدينا هاتف فلم يكن بإمكانه تنبيهنا قبلها .لكن انتظري
آ
حتى أاخبرك ما قال (تنهض من على الكرسي أامام المراة ،وتقلد جلسة أاحمد على السرير
بحركة مسرحية) لو ترين الوقار الذي تحدث به يا سلمى ،كان مختلفا تماما عن ذلك
أ
الستاذ في الكلية ،كان ..كان ..
( -تبتسم وهي تتخيل نظراته الحانية) أاميرا؟!
-أامير أواي أامير يا سلمى! كالذين نق أرا عنهم في روايات الفرسان! بل حتى والدته على قلة
تصوري يا سلمى لم أاشعر في وجودهما بالخجل
كالمها كانت نظراتها تفيض رقة ورحمة ّ .
الذي تخيلته من منظر شقتنا المتواضع ...
( -تقاطعها في اهتمام) وكيف ..كيف تقدم أاحمد إليك؟
-كانت والدته هي المبتدئة بالحديث إلى والدتي ،عن أامنية والده أان يراه مستقرا في بيت
بدا أاحمد الكالم ( ..تضع يدها على جبهتها كمن يحاول التذكر) لقد قال الزوجية ،ثم أ
كالما ك ثيرا ..لكنني ل أاتذكر (تنظر في سقف الحجرة كانما تستلهمه العبارات) رباه! ماذا
قال بالضبط؟؟ ..المهم ..المهم أانه َختم ُخطبته بتلك الجملة الرائعة (تعقد ك فيها أامامها
آ
كالحالمة) " :إنني أاطلب يد كريمتك النسة صفاء للزواج على سنة هللا ورسوله" ..
أاتصدقين يا سلمى؟
وكيف ل تصدق؟
وهي التي توقعتها مرارا وتكرارا ،لكن بإحالل اسم "سلمى" محل "صفاء" .
لو تدرين يا صفاء َك َّم الخناجر التي تطعن قلبي مع كل كلمة تتفوهين بها
أ
لكن ..ل باس عليك ..
*******************
أ أ
لم تزد سلمى على أان ابتسمت ابتسامة هادئة ،أوامسكت عن الرد باية كلمة ،لنها كانت تعلم
يقينا أانها لو همست بحرف فستنفجر باكية .أاما صفاء فكانت محلقة في عالم ل تشعر بسعادته إل
صاحبته ..
سجدة شكر
*************************
أاوقف أاحمد سيارته أامام منزل سلمى ،وطلب من أاروى الذهاب إلعالمهم بوصوله .
فنزلت أاروى من السيارة ،وترك ته غارقا في خواطره .تحسس بيده المصحف الذي وضعه في
جيب سترته الداخلية ،لعل السكينة تغمر قلبه المضطرب .يالمشيئة هللا وتقديره تعالى! لقد
أ أ أ
ليخطبها ،فإذا به ياتيه بعد بضعة أاشهر ليتزوج صديقتها!
ِ سلمى بيت تي يا نوى ان
أ
أاوقف أاحمد محرك السيارة ،ث م نزل ووقف مستندا إليها ينتظر العروس ،وإذا باخته أاروى
تعود ومن خلفها والد سلمى ..
أ
( -ينظر لخته مستفهما)؟
-إنهم يدعونك للداخل ريثما تتم صفاء زينتها .
( -ينظر في قلق لوالد سلمى ُالم ِقبل) ل ،ل داعي ..
( -يمد يده إليه مصافحا) أاهال وسهال بالعريس ،وزوج صفاء العزيزة ،تعال يا بني!
(يحاول أاحمد المتناع) ل يصح أان نتركك واقفا هنا ،والدة صفاء ووالدة سلمى تنتظرانك
في الداخل ..
وما كاد أاحمد يدخل بيتهم ،حتى َع َلت حناجر الم أراتين بزغاريد الفرح ،وشرعت الحاجة
فاطمة تنثر عليه شيائ من الورد الذي أاعدته للعروسين .وقف أاحمد بينهم وقد عاله الرتباك ،
أ
وفي الدور العلوي كانت سلمى تضع اللمسات الخيرة على زينة صفاء ،وهي ل تكاد تم ِلك يديها
المرتجفتين من التوتر ،لما َّ
صكت سمعها تلك الزغاريد ..
( -تعينها على ضبط الطرحة البيضاء فوق الحجاب) وبهذا انتهينا .
آ أ
( -تتامل نفسها في المراة بشيء من اإلحباط) لست أادري ..كان الثوب يبدو جميال وهو
َّ
معلق على الشماعة ..
آ
( -تستعجلها وهي تدفعها نحو الباب) لكنه الن يبدو بشعا وقبيحا! نعم ،أاعرف! هذه المرة
أ
ال لف التي تكررين فيها هذه الجملة ..
( -تطرق الحاجة فاطمة الباب وتفتحه قليال بقدر ما تطل ب أراسها) هيا يا بن ا( ..تقطع حديثها
حين تقع عيناها على صفاء) ما شاء هللا ،تبارك هللا! ياللجمال!
( -في راحة عظيمة) حقا؟ شكرا لك يا خالتي!
( -تمسك يدها) هيا ابنتي ،والدتك أواحمد ينتظران في الصالة .
( -تتراجع سلمى التي كانت ستصحبها) أاحمد؟!
-بلى!
أ أ
( -تسترد َرباطة جاشها) إذن اذهبي أانت يا صفاء معهما ،وسالحقك مع والدي ..
أ
( -تلتفت لسلمى وتاخذ بيدها في رجاء) لكنني أاريدك أان تكوني معي .
( -تبحث عن مخرج) لكنني مازلت لم أاصلح ِهندامي ..ول م أارتد حجابي بعد ..اسبقيني
وسالحق بك مع ّ أ
والدي .
أ أ
( -تتدخل الحاجة فاطمة لتنهي المسالة) ل ب اس ،هيا يا صفاء فهم ينتظرونك ،
وسنلحقكم سريعا إن شاء هللا .
أ
( -تحتضن سلمى) سانتظرك يا أاختاه ..
( -تقبلها وهي تبكي) لن يطول انتظارك إن شاء هللا يا حبيبتي ..
أواخيرا خرجت صفاء من الغرفة مع الحاجة فاطمة ،تارك ْتين سلمى وحدها .
********************
وبخروجها كذلك
خرج أاحمد
من حياتها
أ
إلى البد!
الص َع َداء إذ أراى صفاء تنزل الدرج بصحبة والدة سلمى ،ل سلمى نفسها .وفي ذات
تنفس أاحمد ُّ
أ
الوقت كان يشعر بقلبه يشاطر قلبها تلك الفكار .
( -يتابع قراءة الصحيفة في هدوء) على أاحدنا أان يكون مستعدا إلخماد النيران!
َ ( -ي ِغيظها رده) ل أادري كيف ا ِص ُ
بت في عقلي ُ
وقبلت الزواج بك!
-تماما مثل ما ُط ِم َس على قلبي واخترُت ِك زوجة َ ( ،ت ِهم أان ترد عليه غاضبة ،فيستدرك) ولم أاندم
على ذلك أابدا!
( َي ِهم بالرد ،فيسمعان صوت سلمى تدير المفاتيح في الباب ،فيعودان للتشاغ ل بما في
أايديهما ،تدخل سلمى فتسلم عليهما و تقبلهما في حنان ،فيردان السالم والتحية ،ثم ينتظران
حتى تصعد غرفتها لتبدل مالبسها)
-حسنا ،أاعدي لنا بعض الشاي يا فاطمة ريثما أاذهب أواحادثها .
( -مستنكرا) أان ا ا ِعد الشاي؟؟ ماذا تقولين يا فاطمة؟ أاعدي أانت الشاي أوانا من سيحادثها!
-أوانا أابوها!
آ
( -تصعد َّالد َرج متجهة لغرفة ابنتها غير ا ِب َهة باعتراضه) وإن يك ن! هذه أامور ل يصلح لها الرجال!
(يغمغم زوجها بكلمات غاضبة ويعود لقراءة الصحيفة)
********************
أ آ
جلست سلمى ساهمة أامام المراة في غرفتها .مضى على زواج صفاء باحمد قرابة الشهرين .
أ أ
ذلك الزواج الذي خلف بداخلها فراغا عميقا ،جاهدت لتماله بانشطة أواشغال تنسيها َح َّر ما
تلقى .فعك فت على ك تاباتها ،واشتركت في أانشطة ترفيهية للصغار في المسجد القريب ،
أ
وصارت تواظب على صالة الجماعة ِ ،لما تجده من النس في بيت هللا تعالى .وقد وافقها والدها
غياب صفاء عن حياتها بعد صحبة سببه ُ على ما تفعل ِلما لمسا فيها من شرود حزين ،ظنوا َ
دامت سنين .حتى إذا أرايا أان الوقت قد حان لنقطة تحول مماثلة في حياة ابنتهما ،قررا
مفاتحتها في مخططاتهما ُالم َعدة َس َلفا ،منذ كانت طالبة في الكلية .
طرقت الحاجة فاطمة الباب طرقا خفيفا ،انتزع – على ِخ َّفته – سلمى م ن شرودها
انتزاعا ،فابتسمت وهي ترى أامها َت ُطل طلتها المعهودة ب أراسها من الباب .
-فمن يكون؟
ْ أ
ست ِرس َلة كانها تلقي ُخطبة َع ْصماء) هو َز ْين شبابنا ،ودرة أاسرتنا ومفخرة العائلة،
( -تندفع ُم َ
وليس مثله من ُي َرد!
-فيم تفكرين يا سلمى؟ إنك تعرفين أان ليس في بنات العائلة من هي أاحق أواجدر به منك ..
*********************
ولطالما حاول والدها مساعدتهم ،غير أان قاسما و ِرث عن أابيه عزة نفس ُصلبة عنيدة ،
أتابى أان يكون لها عند أاحد َف ْضل ولو كان من ذوي القربى َ ،وت ُعف عما في أايدي َ
الخلق ولو كان
أ َع َّمه ،طالما كان هو قادرا على َ
الكد بنفسه وال كل من عمل يده .ولم يكن شيء ليجرح كرامته
وكبرياءه ،أاك ثر من أان تشعر أامه أاو إحدى أاخواته بنقص ل يستطيع َملء فراغه ،أاو أان
يستشعرن الفارق بينهن وبين أاسرتها ،التي كانت أاك ثر يسرا بفضل هللا .فاجتهد في السعي
واستطاع قاسم أان يحصل على وظيفة في شركة مرموقة لالستيراد والتصدير ،حيث
قامت ِخبراته الحياتية ومهاراته المتعددة مقام الشهادات الحكومية ،ول يخفى كذلك ما كان
أ أ
لدعوات والدته في السحار ،وتضرعه هو هلل أان ييسر له المور ،من عظيم الفضل في توفيقه
إن لم يكن لذلك كل الفضل .ومنذ صارت أاسرته شغله الشاغل َ ،ق َّلت زياراته لبيتها .وما وقع
ناظرها عليه في السويعات القليلة التي كان ُي ِل ُّم فيها بهم ،إل أراته قد جمع بهاء الطلعة ،ونبل
السجايا ،مع ما َي ِشع من وجهه من نور رباني .ول ينزل قاسم ُم ْن َزل ،ول يجلس مجلسا ،إل
وح َّف ُته َد َعوات أامه أواخواته الثالث ،أواسهبت والدته في وصف حسن خلقه وتدينه .وما شعرت َ
حصلت من شهادات علمية أاك ثر منه ،بل كانت تراه رجال سلمى في يوم أانها تفوقه درجة بما ّ
صنع حياته بدل أان تصنعه ،بما استمسك به من طاعة هللا و ِب ّ ِر كل من حوله .
أ أ
فلم يكن قاسم إذن بالذي ُي َرد كما قالت أامها ،وما وزنت المر بعقلها إل أراته ُك فا كريما .
غير أانها ل تكاد تعرضه على قلبها ،حتى تشعر بشئ من النفور ،فقلبها لم يعرف له ساكنا من
قبل إل ..
أاحمد!
********************
ول ُي ِ
فيدك انتظاره
-ك فى يا صفاء ،ل تك ثري على زوجك! قد تجولنا ك ثيرا اليوم .
أ أ
-ل باس يا أاماه ،تفضال أانتما واسبقاني .تفقدا تصاميم الثاث حتى أاوقف السيارة ،ثم أالحق
بكما إن شاء هللا .
شكرته صفاء في سعادة ،ثم أاخذت بيد أامها ،ودخلت معها إلى المحل العاشر من محالت
أ أ
الثاث! سار أاحمد بسيارته قليال ،حتى إذا وجد ُف ْر َجة مناسبة ،تقدم أواوقف سيارته ،ثم أاطفا
المحرك ،واستند ب أراسه إلى مقعد الكرسي ،وتنهد طويال .
*********************
جت أاخيرا
هاقد تزو َ
********************
إن صفاء في عبارة موجزة دوما "على سجيتها" ،ولكن ذلك ل ينفي أان سجية صفاء
أ أ
محبوبة .أاك ثر الشياء بساطة تدخل في قلبها فرحة عظيمة ،فهي ل تقدر الشياء إل بحجم ما
تحمل من عاطفة ،وهي كذلك فياضة في عواطفها ُت ْغ ِد ُقها على من تحبهم بصدق وبكرم .وبقدر
ما حمل قلبها من عواطف بقدر ما خال أراسها من أاي تفكير جاد ،فهي تسمع له و تنبهر بحديثه،
أ
كما ينبهر الطفل بحجارة من الحجار الكريمة ،تعجبه أالوانها وزخارفها ،ول يرى فيها أابعد ذلك.
أ
ولربما ك تب الخاطرة أاو القصيدة فاطلعها عليها بعد إلحاح ،ثم ل تلبث أان توجه إليه تلك
أ
النظرة الحائرة البسيطة! لم تكن تفهم إل يسيرا مما ك تب ،لكنها كانت تؤمن بروعته لنه ك اتبه!
أ
وك ثيرا ما حاول أان ياخذها إلى عالمه ،غير أانه كان دوما يصيبها بالصداع! فما كان لها
صبر على الك تاب ،ول طاقة على احتمال صمته المفكر ،أاو تفكيره الصامت .ولربما حاول أان
-المخطئة؟
أ
-أاعلم أانني أاثقلت عليك في موضوع تاثيث شقة أامي ،أانا التي تعتذر إليك .
**********************
وقف أاحمد ساك تا أيتامل َ
صفاء المطرقة أامامه ..
والحليلة .
*********************
وضع أاحمد يده بحنان على ك تف صفاء وهمس قريبا منها " :لو أانك حقا تحبينني يا صفاء ،فال
علي أان أا َ
سعدك ،ما استطعت إلى ذلك تعودي لمثل هذا الكالم ،إنك زوجتي ومن حقك َّ
سبيال "
ْ
نظرت إليه صفاء نظرتها الممتنة ،ممزوجة بمزيد من المتنان!
يدا بيد.
**************************
-أاهال يا صفاء!
-واضح! حتى أانك لم تتذكريني بمكالمة واحدة منذ ما يزيد على شهرين!
أ
-صدقيني يا سلمى ،لم يكن يشغلني سوى موضوع أامي الحبيبة َ ،ف َرغنا بحمد هللا من تاثيث
أ
شقتها كاملة السبوع الماضي فحسب .
-الحمد هلل رب العالمين .أانا في قمة السعادة يا سلمى ،أاحمد إنسان رائع وزوج محب ،غير أان
أاك ثر ما يغيظني فيه ،أاننا ما دخلنا نقاشا إل خرج منتصرا ،بسبب حالوة لسانه ُ
وح ْسن بيانه ،
حتى أانني ك ثيرا ما أاتمنى لو كنت هنا َلت ُر ِ ّدي عليه! (تضحك)
ْ
َ ( -تذ ِوي ابتسامتها تماما ول ترد) ....
-سلمى؟ ما بك؟
أ
( -في شرود) ل أابدا ،ل شيء ،أانا سعيدة لجلك .
-زفافك؟! ممن؟
*******************
توقعت أال يحسن معاملة زوجته لمجرد أانها لم تكن اختيار قلبه؟
ِ أام أانك
أ
نك هذه الفكار!
ل يا سلمى! انفضي ع ِ
لقد ُق ِّدر لكل منكما أان يسلك طريقا مختلفا
ول تلتفتي!
*****************
!! -
أ
( -تتناول الهاتف ثانية دون أان تلحظ ما ْاع َتراه) خبر عظيم! أاليس كذلك؟ ساخبر أامي ..
والفستان ..ينبغي أان ننتقي فستانا مالئما ...
*****************
سلمى؟؟!!!
سلمى ستتزوج؟؟
آ
كان يعلم في قرارة نفسه أان ذلك اليوم ات
عده أابدا!
ل قرب من َب ِ
استيقظ من أاحالمك يا أاحمد!
سلمى ذهبت!
ذهبت يا أاحمد!
ولن تعود!
ك ف عن اللتفات خلفك!
مضي َت في طريقك
فقد ْ
********************
ولكن ..
من يدري؟
مشت الحاجة فاطمة على أاطراف أاصابعها نحو غرفة سلمى ،ثم فتحت الباب برفق ،أواطلت
أ
وج ّدة منتظرة .
امتال شعيرات بيضاء ،تنبئ عن عروس قادمة َ ، ب أراسها ،الذي
(في إشفاق) لقد سهرنا أامس ك ثيرا في ترتيب الحقائب ،كان ينبغي أان تنامي أاك ثر. -
قطع عليهما الحديث صوت جرس الباب ،فنزلت الحاجة فاطمة لتجيب الطارق ،وكم
كانت دهشتها إذ أرات ميسون نفسها واقفة أامامها .حيتها ميسون بابتسامة شاحبة ،فحيتها
الحاجة فاطمة ودعتها للدخول ،وهي في ريب من منظرها ،وعينيها المتورمتين .وإن إل دقائق
حتى كانت سلمى مجتمعة بزميلتها ميسون ،ولم َي ْخ َف على سلمى ما بدا على وجهها من
اضطراب ،فلما استقر بهما المجلس ،بادرتها سلمى :
( -تربت على َك ِت ِفها) هدئي من روعك يا ميسون .أال تقصين علي أاول ما دعاك لتفكري هذا
التفكير؟
أ
( -تمسح دموعها ،ثم ُت ْر ِدف بعد صمت كسير) في البداية مرت الشهور الولى بيننا على خير ما
أ
يرام ،ثم لحظت أان حازم يزداد عصبية بمرور الوقت .كنت أاساله عما يقلقه فكان يراوغ في
الجواب ،حتى عرفت أاخيرا أانه لم يسدد بعد بقية أاقساط تكاليف حفل زفافنا ،غير أان راتبه ل
حازما ل يحب اللجوء لوالديه ،ويفضل العتماد على نفسه ،ولذلك يك في ،أوانت تعلمين أان ً
حاول تحصيل وظيفة أاخرى ،أ
وبدانا مرحلة التقشف لتوفير النفقات .
مرت أاربعة أاشهر تقريبا على تلك الحال الفظيعة ،وكالنا يزداد عصبية ،وينفجر في وجه
آ أ أ
الخر لتفه السباب ،وفي النهاية لم أاعد قادرة على الحتمال فواجهته مباشرة .حاولت إقناعه
أ أ
لوالد ْينا لدفع الديون ،إل أانه ثار في وجهي .فهددته حينها بانني ساخرج بحثا ع ن
باللجوء َ
أ
وظيفة ،ولكنه سخر مني لنني تركت الجامعة ،فما كان مني إل أان صرخت بوجهه أانه لو كان
أ أ
تحدر دموعها وتسكت لحظة لتلتقط أانفاسها
است ْج َداء الناس ..ف ..ف ( َت َّ
رجال حقا لما الجانا إلى ِ
المتسارعة) صفعني! ..تصوري يا سلمى! صفعني على وجهي ،وخرج من البيت ثائرا! وم ن يومها
تخاصمنا ،فال نتكلم إل ِل َماما ،ول نرد على بعضنا إل بجفاء .كان يحاول مصالحتي في البداية ،
أ أ
إل أانني كنت أاصده بقوة ،أوا ِنفر منه ،لنني كنت جد غاضبة .ثم صارت معاملته لي فجا ًة باردة
فشعرت أان ه يخفي عني ولمبالية ،ولم يعد يحاول مصالحتي ،أاو يبدي أاي مشاعر تجاهي َ ،
شيائ .في البداية لم أاتوصل لشيء ،حتى استيقظت من النوم ذات ليلة -وقد صار ينام في غرفة
المعيشة منذ اختلفنا – ولم أا ِج ْده نائما في مكانه .بحثت عنه بهدوء ،فلمحت نور غرفة
مضاء .اختلست النظر من ثقب المفتاح ،فوجدته جالسا إلى جهازه والساعة تشير المك تب ً
للثانية والنصف صباحا ،فرابني أامره .في صباح اليوم التالي ،بعد أان خرج هو للعمل ُ ،
ذهبت
وفتحت جهازه ( ..تتوقف مرة أاخرى لتلتقط أانفاسها الالهثة) فوجدته يخزن مجموعة كبيرة من ..
ُ
من صور النساء ..المكشوفات!!
يت؟ ا
رإذن فهو ل يعرف بما أ -
ِ
ل! -
ل! -
( -تنظر لسلمى برجاء) ماذا أافعل يا سلمى؟ أارجوك انصحيني ،أانا مشوشة وحائرة! أاهذا
أ
الذي ضحيت لجله ،ووقفت إلى جانبه في وجه الجميع ،أواولهم والداي ( ..تتقاطر الدموع على
خديها)
أان تكوني عروسا أاسهل من أان تكوني زوجة ،أاليس كذلك؟ -
... -
لك إن ما تقدمين عليه مسؤولية عظيمة ،وليس مغامرة ممتعة كما كنت ترين! ُ
قلت ِ -
-كنت أاحسب أانني وصلت لسن الزواج بعدما صرت في الجامعة ،بل أاعرف ك ثيرات ممن
تزوجن وهن أاصغر مني سنا .
-ليس الزواج بالسن فحسب يا ميسون ،ولكن بمدى أاهلية واستعداد كل فرد أان يشرك
آ
غيره في حياته ،ويصير مسؤول عن نفسه وشريكه في ان معا .وليس الزواج لعبة يتشارك فيها
طفالن ،بل حياة يتقاسمها اثنان راشدان ،مدركان لما هما مقدمان عليه .إنها أامانة عظيمة
ومسؤولية كبرى يا ميسون .ذلك يعني مزيدا من اإليثار ،مزيدا من التفهم ،مزيدا من النضج
والتفتح .
أاعظمهن بركة"؟ صحيح أانها ليلة ُالع ْمر ،وصحيح أان أاسرتيكما ميسورتان ،لكن اإلسراف إسراف
أ
،واإلسراف ل ياتي بخير يا ميسون ،وإل لما ُن ِهينها عنه ،و۞هللا ل يحب المسرفين۞ .
والدي نصيبه ،ولكني -لم أاكن أاعلم أانه سيجر وراءه كل تلك ّالت ِبعات ّ
المرة ،لقد دفع ِ
حازما لم يوافق أان "يتبرع" والده بدفع نصيبه ،بل أاصر أان يدفعه باجتهاده
فوجئت أان ً
الشخصي!
والرجولة ،بل الحكمة أان يستعين بوالديه في هذه ،ثم يتفرغ لستقالله بعدها .لكنكما
وتخلقان بهذا مسؤولية أاثقل من أان تتك فال بها وحدكما .
تحمالن نفسيكما فوق طاقتيكما ُ ،
ّ
أ
فهمت هذا متاخرا يا سلمى .ولكنه يرى أانه صار رجال ل طفال ما زال يحتاج والدين
ُ -
َي ْر َع َيا ِنه!
أ أ أ أ أ
نت يا ميسون لن زوجك لم يقدر تضحيتك لجله؟
الم تتالمي ا ِ -
-فكيف بك حين تك فرين كل تلك النعم السابغة ،وتصرين على النفراد بنفسك بعيدا
عنهما ،أ
لتبداي حياتك "من الصفر"؟
!!! -
-إنك حينها تمارسين أاقسى أانواع العقوق معهما يا ميسون ،تحرمينهما من الدور الذي
أ أ
اجتمعا عليه لجلك ،وترمين بكل َك َّدهما وراء ظهرك كانك تقولين " :لم أاعد أاحتاجكما"! أاهكذا
أ
يكافائن بعد كل ما لقياه من َع َن ٍت في الجمع والدخار لجلك أانت؟
َ
يدعيه ،حين يرى َف ْضل أابويه الذي يهديانه له بكل الحب " تبرعا" مهينا ،ويرفضه بكل قسوة
أ
معتبرا إي اه ذل ،أاو صدقة ل يليق به قبولها! لقد تاكدت من هذا أوانا أارى مدى الفرحة في عيون
أ أ
دي ،والجهد الصادق المحب الذي يبذلنه لجل تجهيزي ،أافاسلبهما فرحتهما بكل قسوة وال ّ
لمجرد أانني أاريد أان أاستقل؟ لمجرد أانني أاترفع عن "صدقاتهما"؟ وليس ذلك من الستقالل ول
من العزة في شيء ،ويستوي في ذلك البن و البنة .
أ أ
(تدمع عيناها) كم أاخطا كالنا في حق والديه ،و ما أارى ما نحن فيه إل بسبب ذلك ال لم -
الذي سببناه لهما .
أ أ
(في رفق) ل تياسي يا ميسون ،مازال بإمكاننا إصالح المور. -
(تضحك) ل معك ول معه يا ميسون ،أانا معكما معا ،مع بقاء بيتكما ،واستقرار -
مملك تكما يا ميسون .
تزفر في أاسى) إنني لم أاجد أا ّيا من المعاني التي قلتها يا سلمى .
ِ ( -
الزواج والشراكة وتحمل المسؤولية .وكذلك حاول والده إقناعه بالعدول عن عناده في تحمل
مبلغ كبير كهذا ،يفوق راتبه لعشر سنوات قادمة!
آ
فما العمل الن؟ -
أ أ
الخطوة الولى أان تعودي لمنزلك و ت ت زيني له كاحسن ما يكون التزين..
ُ -
ثم تتخيري أالفاظك بدقة شديدة ،فتبدئي أاول بالعتذار .. -
(معترضة) ولماذا أابدا أانا بالعتذار؟! هو من ينبغي أان يبادر . -
لحظت .
ِ لقد حاول فصدد ِته ،ثم إنه ل يزال نادما لو -
-بل إن إدمانه تلك الصور ما هو إل لسد الفراغ الذي َخ َّل ْفته بهجرك له ،وبروده في
أ
معاملتك إنما هو دليل على مدى وطاة بعدك عنه ونفورك منه عليه ،ولكن كبريائه تمنعه من
أان َ
يظهر هو بمظهر غير المرغوب فيه .
-بإذن هللا يا ميسون .أالم تقولي إنه يصلي الفجر في المسجد ويحافظ على صالة الجماعة
آ
ويحسن تجويد القران؟
بلى! -
لم يعد منتظما فيها ،أاحيانا يؤديها في البيت ،ولكنه ما زال محافظا على صالة الفجر في -
جماعة ( ..في شئ من التعجب المستنكر) ويقوم الليل كذلك!
( -في تعاطف) فذاك أاولى أان تشفقي عليه يا ميسون ،ل أان تسخري منه .أال ترين م دى
والن ذلك ُ آ َ
الج ْرم العظيم الذي الك ْرب الذي نزل به؟! زوجته خاصمته ،والديون تراكمت عليه ،
سقط في َبرا ِث ِنه ،ول يجد منه ِف َكاكا ،فال راحة روحية ،ول راحة مادية ،ول راحة زوجية .ل
عيبا ِنه ،ب ل هما من َّ
سيردانه بإذن ريب أان ضميره يعذبه على ذنبه ذاك .وقيامه وصالته ل َي َ
هللا .أالم يقل الحبيب الصطفى "إن المؤمن خلق مفتونا َّتوابا َن ِس َّي ا فإن ُذ ِّكر َذ َكر"؟ وذلك
الشاب الذي قالوا إن ه يصلي ولكنه يفعل كذا وكذا ،فرد عليهم المصطفى ،عليه الصالة
والسالم " :ستنهاه صالته" .
خذي بيده أواعينيه على الدنيا يا ميسون ،ول تعيني الدنيا عليه فإنك راعية في بيتك كما -
هو راع ،ومسؤولة عنه كما هو مسؤول عنك .كوني له خير المتاع في هذه الدنيا .ابدئي بالتودد
إليه بصدق ،ثم أاقنعيه بالستعانة بوالديه ،واحفظي له في ذات الوقت ماء وجهه ،بحسن
أ أ أ
َت َخ ُّيرك لال لفاظ ،التي هي ِالم َحك في مثل هذه المور َ .فب َدل أان تق ولي له "است عن بوالدك لنك
أ
لن تقدر وحدك" ،قولي له " أاعلم أانك تجتهد لجلي أوانا أاثق بك ،ولكنني أاريد اختصار الطريق
أ
على كلينا لنتفرغ لما هو أاهم" .عززي ثقته بنفسه بثقتك أانت فيه ،لن العالم كله لو وقف ضده
فسيصمد .ولو كنت أانت ضده والعالم كله معه ،فسيهوي .أاتعلمين لماذا؟
ُ قفت أانت معه
وو ِ
آ أ
لنك صرت عالمه يا ميسون ،وهو عالمك .لقد صار عالمك الن أا ْر َح َب ي ا ميسون بتشاركك
معه ،فال تضييقيه أانت بتفكير طفولي معاند ،بل زيديه سعة أواريحية ،بمزيد من التفهم ،
وشيء من الصبر ،وك ثير من الحب .
َ
جت كربي يا سلمى ،وجزاك عني خيرا .لقد ( -تنظر لسلمى منشرحة) فرج هللا ك ْربك كما َّفر ِ
صرت أاحب حازما أاك ثر من ذي قبل ،بعد أان جئتك أوانا له كارهة ( .يبدو عليها التردد) ولكن
ماذا لو فاتحني في موضوع الصور؟
أ
-ساترك لك أانت التفكير فيما تقولين بعقلك وقلبك معا .عودي إلى بيتك يا ميسون ،
وصلي ركعتين ،وادعي هللا أان يفرج غمك ،ويلهمك رشدك ،ويشرح لك صدرك .
أ ُ ُ
ثاقلة َ ،ي ُج ُّر َق َدما بعد قدم ،كانما يجر جبال بعد جبل ، صعد حازم الدرج في خطوات ُم َت ِ
أ
الس َّلم ،
فجاة النور الذي كان يضيء له ُّ وقد َن َّكس أراسه كمن يحمل ما ل طاقة له به .انقطع
فتو َّقف مكانه ُب ْر َهة ،ورفع أراسه ،وراح ُي َح ِّدق في الظالم َّالد ِامس أامامه ّ .مد يده َي َت َح َّس ُس َ
مفتاح َ
النور َ ،وه َّم أان يضغطه ليضيء مرة أاخرى ،إل أانه توقف وهز أراسه وهو يبتسم َه ِازائ! أانى ينتفع
ْ أ
العمى بالنور؟ أوانى يبصر من ُط ِمس على قلبه؟ تماما كما ل َيط َعم َالم ْزكوم شذى الورود .
يا ليته كان يستطيع أان يضغط زرا لينير الظالم الدامس بداخله ،لينير له سبيل الهدى
والرشاد ،كما ينير له طريق صعوده ،يا ليت! أابعد حازم يده عن مفتاح النور ،وعاد يصعد
أ
الدرج في الظالم .وكانما امتدت يد الظالم الحانية لتربت عليه ،ف اندفعت من عينه دمعة
ضيعها ولو في الظالم ، حارة ،كاد أان ُي ْت ِبعها با ْخ َر َيات ،لول َب ِق ٍية من ماء الوجه َع َّز عليه أان ُي ِّ
آ
فاستسلمت الدموع إلرادته في ُخ ُنوع ،وانسحبت من َما ِقيه ،تاركة أاختها اليتيمة َت َت َح َّدر على
خده .
ْ الش َرك َّ
أاحاط به الظالم كما يحيط َّ
بالط ْير َالمذ ُعور .فلم َت ْج ِر الرياح بما لم تشتهي ُس ُفنه
فحسب ،بل َع َص َفت بسفينته كلها َفق َل ْبتها .لقد صارت حياته مع ميسون جحيما ل ُيطاق! لم
يعد يشتاق للعودة للمنزل ،ول عاد َلك ِّده ذاك ول لحياته تلك معنى .دارت ب أراسه خواطر
هينة له حين تهتز صورتهالطالق ،إنه الحل أالمثل لكليهما ،لكنها ستكون فضيحة ُم َج ْل ِج َلة ُوم َ
لقد كان في ِغنى عن كل هذه الحركات الزائ فة ،التي انتقصت رجولته أامام ميسون بدل
طرية ُالعود ،ولن تتحمل أان ُت َعززها .وكانت والدته على حق حين َّنبهته أان ميسون لزالت َّ
وح ُلما معا واتفقا أان َ
يتص َّديا أاسلوب "طوبة فوق طوبة " و"البدء من الصفر" ذاك .لقد تواعدا َ
مام ُه أا ُ
حالمهما َالغ َّضة الرقيقة .وما في للجميع يدا بيد ،غير أان الواقع كان أاقوى من أان َت ْصمد أا َ
ِ
أالحالم عيب لو أانها َ
تصاحب ب أراي َر ِشيد ونظرة ُم َتب ِ ّصرة وحكم َصا ِئب .
يا حازم! أاتخاف زوجتك ،ول تخاف هللا المطلع عليك بالفعل؟ قد كان لك في اللجوء إل ى هللا
مل ،وحبل ل ينقطع ،فما ِز َّدت بفعلتك على أان قطعت الحبل ،الذي به تحيا! يص أ
ب ِص ُ ٍ
ا َ
آ
َق ُصر ْت عنه أاسباب المال ،وتقطعت بينه و بين زوجته ِحبال ِالو َصال ،والن َك َتم بيديه
أ آ
اخر ما تبقى له من أانفاس المل .لم تكن البداية إل نظرة ،نظ رة واحدة فحسب ليغيظ
أ
ميسون ،ويرضي فضول خبيثا تسلل إليه فجاة في ساعة فراغ ،فانتهى بإدم ان ل يملك منه
َ أ
مثله لن المريض إنما يصبر على ِفرارا .كان كالمريض يجبر نفسه على َت ُج ّ ِر ِع دواء ُمر ،ولم يكن
المرارة لما يرجوه من العافية ،أاما هو فالعافية قد فارقت جسده وروحه مع أاول نظرة إلى تلك
َ
الصور .كان الندم بداخله يمنعه استشعار أاي لذة في تلك المشاهد ُالم َق ّ ِز َزة التي يختلس لحظات
َْ
حين َي ْع َلم أان الخالق تعالى ُم َّط ِل ٌع عليه ،ول يحرك هذا مع
ِ في ، عليها ليتفرج ق ل بعيدا ع ن الخ
ذلك َا َن َفة فيه ،أان يراه خالقه على غير ما خلقه له .حاول ك ثيرا أان يترك تلك المواقع والصور ،
أ أ
ولكن شيائ ما كان يعيده إليها باي وسيلة .أاكان الفراغ الروحي؟ أاكان الياس والعجز أامام ما َح َّل
الخ ُطوب؟ أاكان َض ْع َف إيمانه الذي ُج ِرح عند أاول حافة حادة بدل أان َي ْص ِمد لو كان
بساحته من ُ
ِ
أاقوى؟ بل لعلها كل تلك مجتمعة ،مضافا إليها شريكة ُع ُمر أادارت له ظهرها ،وترك ته وحيدا
وسط تلك َالم ْع َم َعة .
أ
وط َف َرت منعض على شفتيه َ متالم ،ثم َّ توقف حازم ُب ْر َهة و أاسند أراسه إلى الجدار في أاسى
عينه دمعة تلتها أاخواتها مسرعات ،أكانما َ
يخش ْين أان َي ْك َب َح ُه َّن هذه المرة كذلك ،إل أانه َ
ترك ُه َّن
ين على جوانب َخ ِّده دونما اعتراض .كم ود لو يصرخ من أاعماقه صرخة ،ت ت زلزل لها يجر َين َويله َ
ِ ِ
أ
الرض تحت أاقدامه ،أاو يضرب الجدار بقبضتيه ضربة َي ِخ ُّر لها َه َّدا ،غير أان صرخته احتبست
آ
في حلقه ،وقبضتيه تراختا إلى جانبه ،ودموعه سالت ِم ْد َرا ًرا في صمت َم ِرير .وكذلكم الكابة
إذا َع ُظ َم ْت ،صارت خرساء .
*********************
*********************
عاد حازم يجر قدميه جرا حتى وقف أامام باب الشقة َ ،فا ْل َفى مظروفا ً
ملقى أامام الباب ،
أ
انحنى والتقطه ،ثم َز َفر في ضيق .إنه إنذار بحلول موعد دفع بقية القساط َ .ح َشر المظروف في
جيبه بعنف ،ثم دفع المفتاح في الباب بقوة حتى كاد يكسره ،ودخل المنزل .كان الجو را ِكدا
َ َ أ َّ َ
جرت العادة ُمؤخرا ،فقد صارت ميسون ت َتخ َّي ُر ا ِ
وقات عودته فتنام بمفردها ،وتغلق عليها كما ِ
باب الغرفة .وكان هو قد نقل حاجياته إلى غرفة المعيشة منذ تخاصما .دخل حازم أواغلق الباب
أ يوق َظها َ ،
فيتع َّكر ُر ُك ُود الجو بالنظرات الباردة التي يتبادلنها َ .ه َّم بان يتجه بهدوء غاضب ،لئال ِ
إلى غرفته – مجازا -لتبديل مالبسه ،حين استوقفه نور خافت صادر من ناحية الصالة ،
أ
وح ِفيف ثوب على الرض ،فتعجب ومشى بهدوء إلى الصالة َ .ت َس َّمر حازم في مكانه ،وتحول َ
َع َج ُبه ِإلعجاب لما أراى .
أ
اختلس ْت ميس ون النظ ر إل ى ح ازم و ه و ياك ل الكعك ة الت ي أاع دتها خصيص ا ل ه ،ك ان يب دو
ُم ْن َشرحا تماما .لق د ك ان لتل ك ال ْم ِس َية الص غيرة ُمفع ُول الس حر علي ه .ابتس مت ميس ون ف ي ق رارة
نفسها ،ودعت هللا أان يعينها لتنتقل للجزء الثاني من الخطة .
-حازم؟
-نعم يا ميسون؟
-هناك شيء ..كنت أاود محادثتك فيه ..
آ
-كلي اذان صاغية لك يا حبيبتي .
أ أ
َ ( -ت ْر ُس ُم على وجهها َا َم َارات الندم ليزداد تعاطف حازم معه ا) لق د أاخط ات خط ا عظيم ا ح ين
اتهمتك في رجولتك يا حازم .
( -في رفق) لقد اتفقنا أان ندع الماضي وراء ظهورنا.
أ أ
-أارجوك دعني أاكمل يا حازم ،لقد أاخطات فعال في حقك وحق نفسي ،لنك ..
( -ينظر إليها باهتمام)...
أ
-لن ك ف ي نظ ري رج ل رائ ع ي ا ح ازم! (يب دو علي ه ش ئ م ن الض طراب) أوان ا أاث ق ب ك ،أواث ق
أ
أاننا سنتخطى الزمة طالما أاننا معا.
-وكي ف ب ك إذن ل و ِكب ر أاولدن ا ،بع دما أانفقن ا نح ن م ن ُع ْمرن ا ف ي العم ل والدخ ار لت وفير
أ
معيش ة كريم ة ومس تقبل أارغ د له م ،ف إذا به م يرفض ون ك ل م ا جمعن اه لجله م ،ب دعوى
أ
سيست ِق ُّلون بانفسهم ،أوانهم ل يحتاجوننا بعد ذلك؟ أانهم َ
لت ف ّي الرغب ة ف ي إص الح ه ذا الوض ع المائ ل .غ دا ب إذن هللا س نزور َ
شع ا( -يومئ ب أراسه) لقد أ
ِ
والدي لنعتذر منهما ،ثم نزور والديك بعد ذلك . ّ
نت تطلبين مني السماح؟ َرحم اك رب ي! ك م كن ت أاعم ى إذ ِ ا( -تتحدر على خده دمعة كبيرة) أ
أ
وح ِسبت جاهال أانني ساجد في الح رام م ا افتقدت ه ف ي الح الل! لم أاقدر قيمة ما حللته لي َ ،
اغفر لي ربي ،أواعني أان أارد الجميل لهذه اإلنسانة الرائعة .
( -تبتسم وتدمع عيناها) قد رددته يا حازم برضاك وابتسامتك واعتذارك ،رددت ه مض اعفا ،
صدقني .جزاك هللا خيرا .
لك علي عهد هللا أال أاعود إليها!
ِ -
( -في سعادة غامرة) أاحقا يا حازم؟
-وهللا الذي فرج كربنا هذا ،وجعل لن ا مخرج ا م ن حي ث ل نحتس ب ،ل أاجعل ه – تع الى -
بع د ذل ك أاب دا أاه ون الن اظرين إل ي ،ول أاك ون مم ن إذا َخ َل ْوا بمح ارم هللا انتهكوه ا ُ .ت ْب ُت
إليك يا رب!
-بارك هللا فيك يا حازم .الحمد هلل الذي أالف بين قلبينا بعدما لقينا .
( -يتهاوى على ِمقعد قريب ،ويسند أراسه إلى راحتيه وهو َي ْن ِش ْج)
أ
( -تجلس إلى جانبه في تعاطف متالم) أاتبكي يا حازم؟!
ويعصي ويتجبر
فقيرا..
محتاجا..
أواطعمنا وسقانا
آ
وك فانا واوانا
ويكشف السوء
عاد حازم والماء يتق اطر من ه ،ليج د ميس ون ق د أاع دت المك ان ولبس ت ث وب الص الة ،فب دت
أاجم ل أواغل ى ف ي عيني ه .ولم ا أرات ه ميس ون مق بال ،أافس حت ل ه مبتس مة ،أواش ارت إلي ه أان
للد َّفة من جديد .
يتخذ مكانه ،إماما ،وقائدا َّ
ول عن أاصحابها
آ أ
۞ وما تكون في شان وما َت ْتلو منه من قران ول تعملون من عمل إل كنا عليكم شهودا إذ
ون فيه وما َي ْع ُز ُب عن ربك من ِم ْث َقال ذرة في أالرض ول في السماء ول أا ُ
صغر من ذلك ُتف ُ
يض َ ِ
كبر إل في ك تاب مبين ۞ (يونس )61 : ول أا ُ
-اشتقت ِ
إليك ك ثيرا يا سلمى!
-بهذه السرعة يا أاماه؟ لم يمض على زواجي سوى ِبضعة أاشهر فحسب!
وهللا إن المنزل موحش من دونك يا ابنتي! -
أاليس أابي معك ُي ْؤ ِنس ِو ْح َدتك؟ -
(تنظر إلى زوجها ِب َط ْرف عينها وهو يق أرا جريدة الصباح) بل يؤنس وحدة الجرائد! -
(تضحك) إنك تظلمينه يا أامي! ل ريب عندي أانه ل يدخر جهدا في إسعادك . -
( -تس كت قل يال ،ث م تق ول ف ي ص وت خف يض عل ى اس تحياء) ف ي الواق ع ،لق د ذهبن ا أام س
لنتعشى في مطعم .
-هكذا إذن؟!
وكاننا عدنا لتلك أاليام َ
الخ َوالي ،حين كنت عروسا شابة .
أ
( -في نبرة مسرورة) شعرت
-ول زلت جميلة كما كنت في شبابك يا أاماه!
-قد قال لي أابوك نفسك الكالم!
( -تضحك مسرورة)
( -تض حك وق د فهم ت م ا ي دور َبخ َل َدها) ل تش غلي بال ك ي ا أام اه ،أان ت كالب در ف ي ص فحة
السماء ،وستظلين كذلك في عيون من يحبونك ،وثقي أان أابي ل يرى سواك!
آ آ
( -في اطمئنان) الحمد هلل ،كن ت واثق ة ولكنن ي الن ازددت يقين ا .والن خبرين ي أان ت ع ن
قاسم ،كيف هو معك؟
-أا ِكرم به من زوج يا أاماه .
إنها لم ِتع َّدها َسلفا ،بل جاءتها َع ْفوا ،فال ريب أانها كانت نابعة من قلبها .وهي ُمذ عرف ت قاس م
زوجا لم تر منه إل خي را .ك ان مبل غ علمه ا ب ه ك ابن ع م أان ه ش اب ب ار ح ريص عل ى الطاع ة ومس ارع
في المعروف .لكنها ما كادت تعرفه زوجا حتى أاسرها بك ريم معاش رته .وم ا ك ان لي دور َبخ َل دها أان
أ أ
يك ون قاس م ش ِاعريا! فل م يك ن ي دخر جه دا ف ي مفاجاته ا ب انواع اله دايا وباق ات ال ورود ،ول ك ان
يس َت ْن ِك ف أان ي ردد عل ى أاس ماعها م ا َر َّق وراق م ن عب ارات َالمحب ة ،الت ي مهم ا كرره ا ،تظ ل دوم ا
أ
تحمل رنة الصدق ،فتقع على السماع وقع قطرات الندى على أاجفان الورود .
ُ أ
وزادها به إعجابا انه كان يعطي عطاء من ل ينتظر مقابال ول يريد ُشكورا ،ومازال عه دها ب ه ِ
ينف ق
أ
أايام اإلجازات من كل أاسبوع ف ي ش راء اله دايا لم ه أواخوات ه أوابن ائهن ،حت ى ص ارت س لمى تحف ظ
أ
تواريخ ميالدهم جميع ا ،واله دايا المفض لة لك ل م نهم َ .ش َّد م ا ك ان قاس م متعلق ا باس رته ب ارا به ا
يقصر معها أاو يشعرها باإلهمال .حتى بعد الزواج ،وهو على َف ْرط هذا الحب والتفاني ل يكاد ِ ّ
******************
أ
لم يكن قاسم يوما "حبها الول" ،ول كان أابدا فارس أاحالمها ،ول كان إطالقا اختيار قلبها
ولكن ..
أاتحبه؟
*********************
من؟!
********************
قاسم ..
أ
أاحبته لنه لم َي َدع لها مجال إل لذاك
آ
ما ع ِل َم ْت إل الن كم إنه يحبها حبا َم َلك عليه جوانحه
********************
أ أ
وشد ما كان يؤلمها حبه في ك ثير من الحيان ،وقد مضى على زواجهما أاشهر عديدة ،لنها كان ت َ
أ
تش عر أانه ا مهم ا أاحبت ه ،فه ي إنم ا ت رد معروف ه وإحس انه .لك ن قل ب النث ى فيه ا ،ك ان ل ي زال
أ أ
معلق ا بامني ة ،ل م تف ِل ح ي د الي ام ف ي طيه ا ف ي م دارج النس يان .فل م تك ن تمل ك أان تق ارن ب ين
َ ْ آ
الخط ب الحين والخر ،بين زوجها وفارس أاحالمها ،ولو لم تعرف ذاك الفارس قب ل قاس م له ان
..
أواحبته ..
أواحبها ..
أ
حتى إذا تعاهد القلبان وحلقا معا على أاجنحة الحالم ..
******************
وواحد منما فحسب ُك ِتب له أان يكون َقدرها وتكون قدره من الحب ..
************************
فح ّت َام تظلين ُمو َّزعة الخواطر وقد ُن ِقض العهد القديم يا سلمى؟
َ
***********************
آ
جل س قاس م وس لمى يتن اولن العش اء ،وقاس م ل ينف ك ب ين الح ين والخ ر ينظ ر إليه ا م ن م ؤخر
أ
عينيه ،كمن يخفي مفاجاة ..
-مالك يا قاسم؟
( -متصنعا الندهاش) أانا؟
جوهري في الدين؟
فتيها مفك رة) أاعتق د أان ذل ك للتنبي ه عل ى أاهميت ه ُالقص وى ف ي ِإرس اء َدع ائم البي ت
َ ( -ت ز ُّم ش ْ
ِ
الح َس ن – ف ي أراي ي -ه و م ا ُي ديم الحي اة الهانئ ة ،ويعينه ا عل ى الص مود
الخ ُلق َ
المس لم ،ف ُ
شيائ ،إن حوى ال أراس أافكارا َي ْق ُصر الفعل عن تجسيدها حقيقة .
أ
( -ياخذ يدها فينهضان معا) سلمى؟
-نعم يا قاسم؟
( -يحتضنها) أاشهد هللا أانني أاحبك ك ثيرا يا سلماي .
( -تهمس وقد أاسندت أراسها إلى صدره) أوانا كذلك ..أاحبك يا قاسم .
*****************
وذاك الذي المحب فيه من سمو إلى سمو ومن ِرفعة إلى رفعة
أوادق من الشعرة
****************************
آ
( -تبتس م وه ي ترف ع نظره ا إلي ه) والن ي ا أاس تاذ ،ه ل أازال ت ه ذه الخطب ة َالع ْص َماء م ا ف ي
واجس؟ َ
نفسك من ه ِ
( -يقبلها على وجنتها) كما يزيل مسحوق الغسيل البقع من الثياب!
-إذن إياك أان تعود لذلك وإل لن أاغسلها لك مجددا!
( -يض حك) هك ذا إذن! (يض رب جبهت ه بك ف ه كم ن نس ي ش يائ)! نس يت أان أاخب رك ع ن
أ
المفاجاة!
أ
-أاي مفاجاة؟
-لقد دعوتهم للغداء عندنا غدا!
-من؟
-صديقتك وزوجها!
-صفاء ..أواحمد؟
خ رج قاس م لص الة ِالعش اء ،وت رك س لمى غارق ة ف ي أافك ار وخ واطر ش تى .عص رت س لمى ك فيه ا
أ
الرقيقتين وهي تضغط على شفتيها في غيظ متالم .
أاحمد ..
********************
تقابله؟
وجها لوجه؟
وبالء عظيم!
*********************
قاسم!
ّ أ
تصعب المور علي يا قاسم؟
لماذا ِ
لماذا تمنحني حبا خالصا ل أاستطيع مبادلتك إياه؟!
أانني ..
خائنة!
استطعت
ِ تمت أامره ما
وك ِ
وعاهدت فبرر ِت بعهدك قدر جهدك
ِ
فكيف تكونين خائنة وما تملكينه قد اتقيت هللا فيه
***************
ل م تتمال ك س لمى أان تق اطرت دموعه ا ف ي ُح ْر َق ة .كان ت الحي رة ت دق جوان ب أراس ها ،كم ا ت دق
ْ آ
ِالمطرقة ا ِنية َالف َّخار .
إنن ا ل نس تطيع أان نل وم الم ريض بالس كر عل ى تفكي ره ف ي الحل وى ورغبت ه فيه ا ،ف إن ض بط نفس ه
ْ
وشهوته ِل ِعل ِمه بما يترت ب عل ى اتباعه ا م ن َض َرر أافل ح وف از ونف ع نفس ه .وإن اتب ع ش هواته ورغبات ه
آ
دون تفكير ،كان اتيا بما ُيالم عليه حينها .
إن قلوبن ا ب ين إص بعين م ن أاص ابع ال رحمن يقلبه ا كي ف يش اء ،وق د يمي ل قل ب الواح د من ا إل ى
شخص أاو مكان أاو شيء ،ول يس المي ل ف ي ح د ذات ه حرام ا م ا ل م يك ن مص روفا إل ى ح رام ،فإنم ا
تصريف تل ك المش اعر ،ه و ال ذي يس مو بص احبه إل ى الس ماوات الع ال ،أاو يه وي ب ه إل ى مس تنقع
آ
اسن .
صبرا يا سلمى!
صبرا!
أ
فإن المودة و الرحمة من الرحمن لك فيلتان بإرساء سفينتك على بر المان
ويعلم أانك ما َط ْوي ِت قلبك ول َنش ِرته إل على ما يحب ويرضى .
*******************
سبحانك ربي!
أ
قد كنت أاتوخى مكالمة صفاء في أاوقات عمله لتجنب محادثته
آ
جنب ِك َل ْينا أالم سماع صوت الخر
أوا َ
ودقات قلبه
أ
فإذا به ياتي وجها لوجه!
.....
ليتني أادري!
******************
أ
ل يا سلمى! انفضي عنك هذه الفكار
أ
وساجتهد أان أاصرف حديثي كله لصفاء
أوا َ
تجنب النظر إليه ما َو ِس َعني!
*********************
****************
أ
-السالم عليكم! منزل الستاذ قاسم عبد الرحمن؟
****************
أاحمد!
وقع ما تخشاه!
سمعت الصوت الذي لطالما كان وقعه كالنغم العذب على أاذنيها ..
ْ
فإذا َالعذب عذاب ..
إلهي ..
ثبتني!
***************
( -يتناهى لسمعه وقع أانفاس لهثة فيدرك أانها هي ،وإذ ذاك يسكت لحظة ،ث م ي ردف ف ي
نبرة جاهد أان يجعلها طبيعية) أاعتذر عن اإلزعاج ..
َ ( -ت ِهم أان ترد ولكن لسانها جف في حلقها فال يستجيب) ...
أ
-فقط ..إنني ..أاردت العتذار عن عدم قبول دعوتكم الكريمة ،لن صفاء متعبة اليوم ..
أ
اسم صديقة عمرها لسانها ُالم ْح َت ِبس) صفاء؟! هل هي بخير؟
وكانما َح َّرر ُ ( -
هنيهة واحدة!
واتباع حياء
وإكرام زوج
رباط مقدس
ولول ٍ
َّ
وحرمها عليه
********************
( -يسارع لقطع الصمت) أاعتذر عن اإلزعاج ،وشكرا على الدعوة .في أامان هللا ..
... -في ..أامان هللا ..
***********************
وضعت سلمى سماعة الهاتف ،أواغرقت وجهها في وسادة قريبة ،وانفجرت تبكي!
وتبكي!
وتبكي!
َ
شعرت بكل ذ َّر ِ
ات التوتر تغادرها مع دموعها المتفجرة من عينيها
فقامت ..
**********************
يسمي هللا ،وقد حمل في يدي ه علب ة ش يكولتة كبي رة عل ى ش كل قل ب، دخل قاسم المنزل وهو ّ
وباق ة ورد حم راء .ابتس م لنفس ه وه و يتخي ل وق ع الهدي ة عل ى س لمى ،وه و ال ذي أاوهمه ا أان ه
سيش تري حاجي ات للض يوف الق ادمين! ابتس م وه و يغمغ م لنفس ه " أان ت عبق ري ي ا قاس م!" مش ى
آ
وهم أان يفاجئها لول أان ما راه َس َّم َره في مكانه!
على أاطراف أاصابعه بهدوء نحو الصالة الكبيرة َّ ،
ابتسامتها الصافية..
الصادقة ..
الوفية .
-سلمى!
( -تبتسم في حياء)
( -يقت رب منه ا) تب ارك ال رحمن! تب ارك هللا أاحس ن الخ القين! (يتطل ع لله دايا ف ي ي ده ،ث م
أ
يتطلع لسلمى ،فيرم ي الباق ة والعلب ة عل ى مقع د قري ب) لق د أاطف ا ن ورك بري ق تل ك اله دايا
المغلفة!
( -تحتضنه في سعادة) إنما النور منك أانت يا زوجي الحبيب!
( -بعد لحظات صمت جميل) ولكن كيف ستقابلين الضيوف هكذا؟
( -ترفع إليه عينيها الواسعتين وتبتسم مسرورة) لقد اعتذروا .
-لن يحضروا إذن؟
( -تومئ ب أراسها)
-خسارة! (ينظر إليها متعجبا) أاراك منشرحة لهذا!!
( -تضحك وهي تدير له ظهرها) إنما أانا منشرحة لوجود الضيف الذي انتظرته بفارغ الصبر!
( -ينظر حوله دون أان َي ْف ِطن لمرماها) ومن هو؟
-إنه ضيف عزيز!
.. -
-كنت أاعرفه منذ زمن!
ومودة ورحمة
ل ينعم بهم
جمع بينهما
تاج الحالل
ورباط مقدس
أ أ
وقف قاسم يتامل المائدة المعدة بكل عناية ،وبدا عليه شيء من السف وهو يقول لسلمى :
-خطرت لي فكرة!
-وما ذاك؟
أ
-نغلف الفائض كله ،ونذهب به إلى إحدى ُدور اليتام .
أ أ أ
( -تتامل الطعام كانما تزن المر في أراسها) فكرة رائعة حقا ،لكن أاتعرف دارا معينا؟
أ
-ساتصل بالدليل ،أاو نبحث على النترنت عن ُّالدور في ِمنطقتنا .
أ أ
( -في حماسة) عظيم َ ،ت َو َّل أانت البحث ،أوانا ساغلف الطباق في الحال ( .تتوجه من فورها
إلى المطبخ إلحضار أاوراق التغليف)
-وما المقولة؟
فس ّوف هواك لعلك َت َ " -إذا هممت بخير فبادر هواك ل َ
ظفر" يغلبك ،وإذا هممت بشر َ ِ
( -يردد المقولة في إعجاب ،ثم يعلق) حسنا ،لقد اقتنعت .هيا! فلنبادر إذن .
********************
-على العكس يا أاماه ،لقد كان وجودك عونا لكلينا فجزاك هللا عنا خيرا .أارجو حقا لو تبقين
معنا مدة أاطول.
-ينبغي علي أان َافي بوعدي لجارتنا ،لقد وعدتها أان أاساعدها في تطريز ثوب زفاف ابنتها حالما
تتحسن صفاء ،وها هي ذي صفاء قد تعافت بحمد هللا .
أ
نت معنا يا أاماه فانا حاضر. أ أ أ
حببت ان ارسل من يعينها وتبقي ا ِ
أ
-إن ا ِ
( -تنظر إليه ممتنة) إنك دوما حاضر يا ولدي فجزاك هللا عنا خيرا .ولكن ل يساعد الجارة مثل
جارتها ،ثم إنني أاحتسب مساعدتي لها من شكر النعمة .
-شكر النعمة؟
( -مبتسمة وهي ترتب ثيابها) أان هللا أانعم علينا بزوج حنون كريم ذي خلق مثلك يا ولدي ،أوان
هللا ّ
من على صفاء بالشفاء .
ابتسم أاحمد لوالدة صفاء التي انشغلت بجمع حاجياتها استعدادا للمغادرة ،ثم ذهب
أ
ينتظرها في الصالة ،أوالقى بجسده على إحدى الرائك في تهالك .لقد كان أاسبوعا َع ِصيبا مرضت
فيه صفاء ،حتى اضطرت أامها لإلقامة معهم للعناية بشؤونها ،خاصة أوان أاحمد قد طلب
ِإجازات ك ثيرة من قبل للعناية بها ،ولم يعد بإمكانه طلب المزيد .
أ
هلل َد ُّرها أام صفاء! ل تفتا تسارع في عمل الخير حيثما وجدت لذلك سبيال .لطالما قصت
حت عيناها على الدنيا لترى والدتها – رغم فقرهم – ل ترد سائال أاو محتاجا .
تفت ْ
عليه صفاء كيف َّ
أ
مك ُنها من إجابة محتاج إل أاجابته بما
المسالة والحاجة ،فعاهدت هللا ل ُي ّ
ِ لقد جربت ُ
والدتها ذل
استطاعت قل أاو ك ثر.
***************
بهذه العبارة استقبلته صفاء َغداة أاحد أايام عودته من عمله ،وهي تتقافز حوله وتصفق
بيديها في َج َذل ،كعادتها كلما َ
است َخ َّفها خبر سعيد .وكعادتها كذلك ،راحت صفاء تتكلم عن
أ
خططها وتصوراتها ،دون أان تنتبه لحمد الذي تجمد في مكانه ك تمثال من العاج! في تلك
الليلة ،لم يجد النوم إلى عينيه سبيال .
أ
فحتى تلك اللحظة التي ُز َّف فيها إليه النبا الذي ينتظره كل زوج وكل زوجة ،كان أاحمد
َ
يشعر أانه يعيش حلما .كان حلما جميال ،ولكنه كان فيه كالنائم يسير في نومه ،يستشعر ل َّذة
أ
الح ُلم وهو في حقيقة المر ل َي ِعي شيائ منه .نعم ،كان يشعر أانه يعيش حلما سيفيق منه يوما ُ
ما ،على الوجه الذي تمنى ك ثيرا أان يستيقظ ليراه َما ِثال أامامه .لقد َش َرخ زواج سلمى من قاسم
ذلك الحلم ،لكنه لم َي ْك ِس ْره .أاما تلك العبارة َ ،فه َّش َم ْته تهشيما َ ،ون َثرت َشظاياه في جوانب
ويس ُقط في أاعماقه ُم َض َّر ً
جا بدمائه! ينزف من كل جانب ْ ، قلبه ،فإذا به ِ
"ستصير أابا يا أاحمد"
************************
أ
فتح أاحمد عينيه َب ْغ َتة عندما سمع َح ِفيف ثوب على الرض ،وظهرت والدة صفاء وقد ارتدت
عباءتها وحملت حقيبتها .تناول أاحمد مفاتيح سيارته ونهض قائال :
-تفضلي يا أاماه.
( -مترددا) ولكن صفاء قد تتضايق لو ترك تك تذهبين وحدك يا أامي .
أ
قلت لها إنني ساغضب منها لو تضايقت منك ،أاو ضايقتك ( -تنظر له في حنان) لن َ
تفعل ،لو َ
يا ولدي!
أ أ
وصلك إلى باب كنت ُم ِص َّرة يا اماه فانتظريني ،ساطلب سيارة ا ْجرة ُلت ِ
( -يبتسم) حسنا إذا ِ
المنزل ( .يتجه من فوره إلى الهاتف ،ويطلب سيارة أاجرة ،ووالدة صفاء تنظر له في ِإ ْك َبار شاكر)
أ أ
ون دقائق يا أام اه ،ساخرج معك لحمل عنك ُ ُ
( -يضع السماعة) ستصل السيارة في غض ِ
الحقيبة .
**************************
ر ّن جرس الهاتف طويال في منزل أاحمد قبل أان تفتح صفاء عينيها في تثاقل ،ثم ترفع سماعة
ناعس :
الهاتف بجانبها وتقول في صوت ِ
-السالم عليكم..
-صفاء؟
( -يبعث صوت صديقتها فيها شيائ من النشاط) سلمى؟! سلمى! اشتقت إليك يا سلمى ،اشتقت
إليك ك ثيرا .
ِ
-أوانا أاك ثر يا حبيبتي .كيف حالك؟ هل تحسنت صحتك؟ صوتك ل يزال متعبا .
أ
-لقد صرت أافضل بحمد هللا .سامحيني يا سلمى على عدم إجابة دعوتكم بالمس .
أ
-ل تعتذري يا صفاء ،بل انا من تعتذر لتقصيرها ِ
معك .
رسلتها إلي تقولين إنك مقصرة؟ إنني لزلت أا ُشم َعبيرها في أ َ
-ا َب ْع َد باقة الورد الضخمة التي ا ِ
الغرفة ،أاشكرك من كل قلبي يا سلمى.
أ أ
-هذا أاقل القليل لجلك يا صفائي العزيزة ،ولجل الطفل العزيز كذلك! (تضحكان) كيف حاله
آ
الن؟
( -يضحك)
( -تبتسم) الحمد هلل إذ استطعت إضحاكك ،لقد مر أاسبوع ظننت فيه من شدة عبوسك ،أانك
ل تضحك بعدها أابدا.
عليك . قلقا كنت إنما ، صفاء يا عابسا كنا( -في عتاب رقيق) أانا عابس؟! لم أ
ِ
علي أام عليه؟
( -تضع يدها على بطنها المتكور) ّ
( -ينهض ضاحكا) لقد اشتريت عصيرا طازجا اليوم ،ستشعرين بالنشاط حين تشربينه .دقائق
أواعود .
( -يعود فيجلس إلى جانبها ويربت على شعرها في حنان) أاضايقك مني شئ يا صفاء؟
(يبتسم لها ابتسامة حنونا ،ثم ينهض ويخرج من الغرفة متوجها إلى المطبخ)
أاخرج أاحمد علبة العصير من الثالجة ووقف يصب بعضا منه في كوب ،والخواطر َت ُص ُّب في
أراسه َص َّبا .
َرَّنت عبارة صفاء في أاذنيه مرات عديدة ،ومع كل رنة كان شعور الذنب يتضاعف في داخله .لقد
أ
كان يحسب أا ّن من كانت في بساطة صفاء ليس لها أان تسال مثل ذلك السؤال "العميق" ..
***********************
لقد انتبه لتوه ،أانه هو لم يفكر في صفاء بصورة أاعمق من زوجة فرضت عليه َ ،فو َجب
عليه إسعادها ومعاشرتها بالمعروف .لكنه لم يفكر فيها كشريكة تعيش معه وتمتزج ب ِكيانه ،
فيصيران ِكيانا واحدا يتقلب في َا ْع َطاف المودة ،أواكناف الرحمة .
أ أ
وعاد بذاكرته إلى اليام التي سبقت مرض صفاء ،وكيف ذهبا لنتقاء حاجيات الطفال
وإعداد غرفة للقادم ُالم ْرَت َق ْب .لقد كانت تلك الغرفة الصغيرة هي أاول شئ أاعداه معا ،وحدهما .
فالمنزل كان من تنسيق والدته أواخواته ،وبيت والدة صفاء كان باختيار صفاء أوامها .أاما هو
أ
وهي ،فقد بنيا معا قصر َص ِغ ِير ِهما وحدهما ،بنياه بتوافق لربما قل أان يتوافر ،لو كان لحدهما
شخصية " أاقوى" فتطغى .بل إنه ليشعر أان كليهما كان وقتها شخصا واحدا يصنع القرار .فكلما
أرات صفاء شيائ أاعجبها ،كانت على الفور تلتفت إليه بنظرتها المترددة ،فإن وجدت في عينيه
اإلعجاب من عينيها َكو َرقة َخريف .وكذلك ما َب ِر َحت َت َت َّبع َن َظراته هو أاينما ذهبا ،فمتى ما أرات في
وح ِم َّية مناصرة ،ومتى ما وجدت غير ذلك عينيه بادرة إعجاب سارعت تبدي إعجابا متحمسا َ
أ
َق َنعت بما َظ ِفرت به واك تفت .كانت تقيس جودة الشياء بعينيه ،فكان لها قائد َّالد َّفة بال
أ أ
الح َسن حسن لن أاحمد يستحسنه ،والقبيح قبيح لن أاحمد َي ْس َت ْق ِبحه! ُمنازع ،و َ
ِ
أ
ابتسم أاحمد لنفسه وهو يتفكر في مدى ثقة صفاء به .بل إنها تذهب لبعد من ذلك ،
بالك ِّل َية يقودها كيف يشاء ،وهي مطمئنة إلى أانه ل يقودها إل لخير .وإنه إذ لتسليم ز َمامها ل ه ُ
ِ
آ
يتفهم الن تلك الروح الكبيرة ،يدرك كم كان مخطائ إذ يراها َت َب ِع َّية َت ُنبع من بساطتها .بل إنه
لم ينتبه َقبال إلى مدى اعتزازه بثقتها تلك ،وشئ من الزهو يتسلل إليه ،أان يكون القائد
الموثوق به ،كل الثقة .فلم تكن به حاجة لتذكيرها بدوره إذا كانت هي تقيمه له ،ول كان له
أ
أان "يفرض" أرايه طالما لم تستاثر بالساحة دونه ،بل كان يرى ُالمروءة في أان يتنازل لها بدوره ،
حتى ينتهي بهما المطاف ْ
واقفين معا فيها ،في ساحة صنع القرار .ولعل رفقه الدائم بها لم يكن
نابعا فقط من شخصه ،بل من رفقها هي معه ،فما تزداد هي رقة بين يديه حتى يلين هو أاك ثر
َ
ِلئال َي ِ
كسرها .
********************
سبحانك ربي!
آ
أاي كلمة تلك المكونة من حرفين ومع ذلك عليها مدار الحياة الدنيا والخرة؟
يب َاله َوى وطيش َّالن ْز َوة؟ أاهذه قوة الحب حقا؟ أام حرارة َّ
الش ْه َوة وله ُ
ِ
***********************
**************
كال!
ما كذب حين قال إنه يحبها .صحيح أانه لم يجد فيها ما ُي ِّنفره منها ُوي َب ِّغ ُضها إليه .ولكن ما الذي
يمنع أان يكون لها محبا؟ فالحب قوة أاعظم من أان ُت ْق َصر على شخص واحد ،والقلب أاكبر من أان
يحتله فرد واحد .قد تتنوع درجات الحب ومنازل القلب ،لكنها ل تتوحد إل حين تكون هلل ،
وهللا وهبنا مضغة لو َت َع َّهدناها َوف ِه ْمنا ُك ْنهها ،لوجدنا خيرا ك ثيرا .
أ أ
لم تكن صفاء حبه الول ،ولكن ما يمنعها أان تكون الثاني؟ وإن كان الحب الول أاو
الثاني أاو حتى العاشر ،فكله سيسمى حبا! لكن حبا واحدا ،حبا واحدا فقط سكيتب له الخروج
من سويداء القلب إلى نور الحياة َ ،م ْصحوبا ببركة الرحمن َوم ْش ُفوعا بسكينة ،لن يستشعرها إل
ْ
إن كان َخل َق ًا َس ِو َّيا .
*****************
أافاق أاحمد من خواطره على صوت الساعة تدق معلنة الرابعة عصرا ،فحمل الكوب في
أ
وهدا تالطم المواج في أاعماقه َه ْو ًنا
صينية ،واتجه إلى غرفة صفاء ،وقد استقر البحر الهائج ،أ
ما .طرق باب الغرفة في هدوء ،ولما دخل ،أالفى صفاء قد راحت في نوم عميق من جديد .
وضع أاحمد الصينية بهدوء فوق المنضدة الصغيرة في الغرفة ،أواسدل الستائر ،ثم أالقى نظرة
طويلة على صفاء ،أواخيرا خرج من الغرفة أواغلق بابها بحذر لئال يوقظها .
***************
كانت الساعة تشير إلى الحادية َع ْشرة ليال حين أانهى أاحمد تصحيح أاور ِاق طالبه ،
أ أ
فتثاءب في إرهاق ،وراح ُي َن ِ ّسق الوراق وفق ترتيب الدرجات ،ويتاكد من إعداد ُشروح دروس
أ
السبوع الجديد .وبينما هو يرتب أاوراقه ،استوقفته كراسة إجابة مدفونة بين أاوراق قديمة .لم
َت َس َّمر أاحمد عندما وقعت عيناه على السم ،وراح يقلب صفحات الكراسة بال وعي .غير أانه
توقف عن التقليب حينما لمح أابيات شعر اقتبستها سلمى من الرواية التي كانت تحللها :
أ
" المس ليس إل حلما
***************
أاطبق أاحمد الكراسة فور قراءته لهذه أالبيات ،وقلبه يدق بعنف ُ .
وخ ِّي َل إليه أانه سمع صوت
أ
سلمى يق أرا له البيات ،أاو أانه أراى َط ْيفها في الغرفة التي َك َّل َلها الظالم ،إل من نور مصباحه
الضئيل .لم يشعر أاحمد بنفسه إل وهو ينهض ،والكراسة في يده ،متوجها إلى المطبخ .وهناك
أ
بحث عن علبة كبريت حتى وجدها ،فاخذ عود ثقاب ،وبيد مرتعشة أاشعله ،ثم أامسك باليد
أ
الخرى أاوراق سلمى ،وقربها من أالسنة اللهب!
****************
ثم رماها!
حلما جميال
إلى حاضره
إلى زوجته
بل ب ِكيانه
بقلبه
محفوظة من كل تشويه
****************
قلبه
وذكرى جميلة
أ
ويكون الغد حافال بالمل
-ممتاز يا قاسم!
أ
تطل ع الم دير ف ي حماس ة إل ى المخط ط ال ذي قدم ه قاس م ،وراح يم ر باص ابعه عل ى ش نبه
الك ّ ِث ،قبل أان يبتسم مرة أاخرى ،ويرفع بصره إلى قاسم :
َ
أ
-ل و س ارت الم ور كم ا ف ي المخط ط ،فس يعني ه ذا توس عا كبي ر ف ي مجالن ا .ول ري ب ،
سيكون لك من الترقية أاوفر الحظ والنصيب .
فبوسعي أان أا أ
بدا التنفيذ حال! -لوتكرمتم بالموافقة ُ ،
-عظيم ،عظيم! هذا ما توقعته منك ،أايك فيك أاسبوعان يا قاسم حتى نرى نتائج أاولية؟
أ
( -يفكر متامال المخطط) أاسبوعان؟!
-فقط حتى نرى نتائج أاولية ،وعندها نستطيع طلب مزيد من التمويل.
أ
-ل باس إذن .إن شاء هللا في غضون أاسبوعين ستكون النتائج كما المخطط بعون هللا!
( -ي نهض مص افحا قاس م) إن ش اء هللا ،أاحس نت ص نعا ي ا قاس م وب التوفيق! نح ن فخ ورون
بهمتك!
( -يصافحه بحرارة) أاشكركم ك ثيرا .
خرج قاسم من مك تب مديره وهو يكاد يطير فرحا ،لقد ُمنح اإلذن للبدء في مشروعه ،
وهو واثق بإذن هللا أانه سيحقق نجاحا هائال .نزل هذا الخاطر َب َردا على قلبه ،الذي َغ َّشته
أ آ أ
سحابة من الحزن في الونة الخيرة .لقد مضى على زواجه بسلمى سنة ولم يرزقا باطفال ،
أ
وما كان ليشغل بذلك باله ،لول تاثير ذلك على سلمى .لكنه على يقين أان ما سره سيسرها .
أواعظم من ذلك أان الترقية القريبة بإذن هللا ستعني زيادة في دخله ،كان يرجو منذ زمن أان
آ أ
تتوافر له ،ليستعين بها في ُح ُل ْمين راوداه زمنا ،وقد ان الوان لتحقيقهما.
*****************
بدا قاسم العمل على المشروع ،فكان يك ثر السهر في الش ركة ،ول ين ام مضى أاسبوع منذ أ
****************
( -سلمى تتناول حقيبة يدها متجهة إلى الباب) أانا ذاهبة .
( -يرفع إليها أراسه مندهشا) إلى أاين؟
أ
نسيت بهذه السرعة؟ ساذهب لشراء حاجيات المنزل كما أاخبرتك . -أا َ
-انتهينا!
-أاخيرا! الحمد هلل! كم كانت عملية مرهقة!
أ
( -تنظر إليه في إشفاق) كان من الفضل أان تستغل هذا الوقت في الراحة يا قاسم .
أ أ
-ل تشغلي بالك ،قد كنت أامزح َ ( ...ي ْب ُتر ِعبارته َب ْغ َتة ،وتتغير تعابير وجهه كانه يتالم)
( -في هلع) قاسم! ما بك؟
أ
( -يتظ اهر بان ه عل ى م ا ي رام) ل ،ل ش يء ..أال ن ت ذهبي إللق اء نظ رة عل ى قس م الك ت ب
والمجالت؟
( -تنظر إليه في تردد) ولكن ..
أ
( -متظاهرا بالمرح) هيا يا سلمى! أام تريدين أان نبيت الليلة على أاحد الرفف؟!
( -تنظر إليه في شك ،ثم تحزم أامرها) حسنا ،دقائق أواعود .
جالت سلمى ببصرها بين المجالت بسرعة ،وتوقفت عن د إح دى المطبوع ات الثقافي ة ،فانحن ت
لتلقطها ،وإذا بها ترتطم بسيدة كانت تمر خلفها .
آ
-اسفة .
( -تلتفت إليها السيدة) ل عليك ( .تحدقان ببعضهما) سلمى!
-صفاء! (تتعانقان وتسلمان على بعضهما) كيف حالك يا صفاء؟
أ
( -تضع يدها على بطنها وقد انتفخ في شهره الخير ،وتبتسم) نحن بخير والحمد هلل!
أ
( -تتامله ا ملي ا وق د تك ور بطنه ا أامامه ا) ص حيح! كي ف نس ُيت ْك؟ ك ان ينبغ ي أان أاق ول كي ف
حالكما!
( -تضحك)
آ أ
( -تتاملها في تعاطف) كيف صحتك الن يا صفاء؟
أ
( -تبتس م ف ي وه ن) بخي ر والحم د هلل ،ل ول فق ر ال دم أواش ياء أاخ رى َي ْر ِطن به ا الطب اء ،ل
أ آ
أاذك ر أاس مائها غي ر أانن ي أاعرفه ا بالمه ا! انظ ري ِل َك ِّم الدوي ة ف ي حقيبت ي (تم د ي دها لتريه ا
الحقيبة فال تجدها) الحقيبة! ويلي! حقيبتي! أاين هي؟ (تتلفتان حولهما) ل بد أانني أاض عتها
للمرة الثالثة اليوم ،لقد أاصبحت ُم َش َّت ًتة مؤخرا!
أاحمد!!!
**************
تالقت عيونهما لثوان ثم خفض كل منهما بصره ،وقد عالهما الرتب اك ،أواط رق ك ل منهم ا ل
يجد ما يقوله .أاخذ عقل سلمى يعمل بسرعة الص اروخ :م اذا ل و ع ادت ص فاء و أرات وقفتهم ا تل ك؟
إنها ل تدري بما كان بينهما ،بل ماذا لو جاء قاسم وهي تعلم من غيرته ما تعل م؟ جمع ت س لمى
ِشتات نفسها ،وبذلت أاقصى جهدها لتقول :
أ
-لق د ..ذهب ت ص فاء م ن تل ك الناحي ة ..أوان ا ..س الحق بزوج ي ،بلغه ا س المي رج اء
أ
وساتصل لحقا ..
( -يغمغم في ارتباك) ..أافعل إن شاء هللا..
ودون كلمة أاخرى
*****************
يا له من يوم!
***************
أ
استيقظت سلمى في اليوم التالي ،و أراسها يكاد ينفجر من الصداع لنها ل م ت نم تل ك الليل ة
جيدا .كان نومها متقطعا وملي ائ ب الكوابيس ،نظ رت للمنب ه بجواره ا ف إذا الس اعة تش ير للتاس عة!
نهضت من الفراش دفعة واحدة ،ونظرت لناحية قاسم!
لقد ذهب!
شفتها في غيظ!
عضت سلمى على ِ
******************
آ
اه يا أاحمد!
*****************
استعاذت سلمى باهلل من خواطر نفسها ووساوس الشيطان َ ،وه َّمت بالنهوض لتصلي ،فالمست
أاناملها ورقة ُخ ِّب ئ َت تحت ِمخدتها ،فتحتها فإذا بها من قاسم :
وقد َذ َّيل الورقة مكان اسمه برسم وجه يبتسم في بالهة! فلم تملك سلمى نفسها م ن الض حك ف ي
البداية ،ثم انقلب ضحكها ً
بكاءا!
******************
كانت منه!
من أاحمد!
"لماذا يا أاحمد؟"
أ
للمرة العشرين راح أاحمد يكرر ذلك السؤال ،وهو جالس أامام جهازه المطفا وقد أاسند أراسه إلى
ك فيه أواغمض عينيه في ندم .
ويلك يا أاحمد!
َ
عاهدت هللا على محو كل مضى؟ أالم تكن قد
أالم يكن قلبك قد استقر في الحاضر وغادر أاسوار الماضي بعد طول جهاد؟
لماذا يا أاحمد؟
لماذا؟
**************************
أ
وكذلكم المؤمن ،تتخطفه الفتن ،فيندم ويتوب ويعاهد .ثم هو فجاة ُي ْن َسى العهد ومرارة
الذنب وحالوة التوبة ،فيعود فيعاوده الندم ،ثم يرجع فيتوب ويعاهد .وما يزال المؤمن بخير
ما تعاهد قلبه بالتوبة واإلنابة ،وما بقي شعور الذنب حيا في قلبه ،يمنعه التلذذ بالمعصية ،
آ أ
ويفسد عليه َنشوة الذنب .فإنه لحقيق عندئذ أان يطمئن اخر المر إلى راحة التوبة ،وسعادة
أ أ
الصبر على الطاعة ،وطمانينة الصبر عن المعصية .وكذلكم مدح هللا الوابين .
****************************
... -
... -
... -
أ
-ساكون هناك على الفور ،هال أاعطيتني عنوان المستشفى؟
... -
آ
أاغلق أاحمد السماعة وقد بدا عليه الوجوم .والدة صفاء في المستشفى! ماذا يفعل الن؟ لبد أان
أ أ أ
يذهب إليها ،ولكنه ل يستطيع إخبار صفاء ،فهي سريعة التاثر لسيما إذا تعلق المر بامها ،
أ
وحملها غير مستقر وهي في شهرها الخير..
( -يحتضنها معتذرا) بل أانا من يعتذر يا صفاء ،لست غاضبا منك ولكن ..ولكن أامورا مهمة
آ
َج َّدت في العمل ،ويتوجب علي الخروج الن .
آ
-الن يا أاحمد؟ أالن نتغدى معا؟
-ولكن ..
أ
( -يرتدي حذائه ،وياخذ مفاتيح سيارته) إنه أامر عاجل يا صفاء .
أ
-إلى متى ستتاخر؟
-هذا ك ثير!
******************
أ
مضى أاحمد يقود سيارته ،وباله مشغول بامر والدة صفاء ..
آ
أوامر اخر
لسلمى!
****************
*************************
لزوجتك
وطفلتك؟
فلماذا يا أاحمد؟
أ
فال تستسلم لوهام الشيطان ،ول تترك قلبك له يتالعب به
***************************
( -بصوت مرتعش) أانا بخير وعافية بحمد هللا تعالى الذي أاحاطني وابنتي برجل مثلك ،يعوضنا
سنين الحرمان والفاقة التي ِعشناها ( .ترفع يديها ،وعيناها تدمعان) يا رب لك الحمد إذ
أ
استجبت دعائي ،وطمانت قلبي على ابنتي قبل أان أافارق الدنيا .
( -يحاول تغيير الموضوع) السيدة جارتكم – جزاها هللا خيرا -هي التي اتصلت باإلسعاف عندما
أاغمي عليك ،وهي التي اتصلت بي في المنزل لتبلغني .
-إنها جارة طيبة ،جزاها هللا خيرا ( .يطرق أاحمد ساك تا قليال إذ يراها تلتقط أانفاسها بصعوبة ،
طرف َخفي) هل لك يا بني أان تحضر تلك الحقيبة الصغيرة؟ في حين أانها تنظر إليه من ْ
( -يلتفت إلى حيث أاشارت) الحقيبة السوداء؟ (تومئ بعينها ،فينهض إلحضارها)
( -يفتحها ،فيجد فيها فيها قطع حلي معدودة ،يبدو من تصميمها أانها قديمة) ما هذا يا أاماه؟
الحل ُّي التي اشتراها لي والد صفاء يوم خطبتنا ( .تدمع عيناها َ ،
وتشخص إلى السقف ِ -هذه ُ ِ
ببصرها) رحمه هللا ،كان مثلك يا ولدي َ ،ب َّ ًرا رحيما حنونا كريما .صحيح أاننا مررنا بضائ قات
الح ِل ّ ِي شيائ ،غير أان قلبي لم يطاوعني على بيع أاي
عت من هذا ُ ك ثيرة ،كان يمكن َح ُّلها لو ب ُ
ِ
آ
قطعة منه ،فاحتفظت به حتى الن .
-كال يا بني ،فإنه لن ينفع صفاء ،إل أان يهيج ذكرى والدها ،وذكرى الشقاء الذي عاشته في
طفولتها ،ثم إنه ليس بجمال الحلي الذي تشتريه لها ..
( -تبتسم) بل اخترت أان أاحفظه عند من ل تضيع عنده الودائع .تصدق بثمنه عني وعن زوجي يا
بني .
أ أ
منك .
فيك يا اماه وتقبل ِ
( -ينظر إليها متاثرا ،ثم ينهض ويقبل يدها) بارك هللا ِ
أ
( -تربت على ك تفه بيدها المعروقة) اجلس يا نبيل الخالق وكريم الشمائل ،مازال لدي شيء
أ
لحدثك به ( ..تقطع حديثها لتلقط شيائ من أانفاسها الالهثة)
آ
-أال نؤجله لوقت اخر تتحسن فيه صحتك يا أاماه؟
آ آ
-ما أارى الوقت الخر سيجيء يا بني ،فاسمع مني الن .
... -
أ
( -تغمض عينيها فترة ،كانما ترتب الكالم المبعثر في أراسها) لقد كان زوجي على حق في ثقته
أ
بصديقه أواخيه في هللا ،كما كان يسمي والدك .فكان ك ثيرا ما يقول لي ساهاتف أاخي في هللا ،
أ
ساراسل أاخي في هللا ،سنزور أاخي في هللا .وما أرايته من نبل سجاياك ،لهو خير دليل على
أ أ
الصل الكريم الذي نشات فيه .
... -
أ
-غير أان والدتك قد سمعت طرفا من حديثك الخير مع والدك قبيل وفاته ،أوانت تحاول
أ
مراجعة والدك في شان زواجك بابنتي صفاء ...
( -تبتسم له) إنني ل أاتهمك يا ولدي ،بل اصبر حتى أافضي لك بمكنون قلبي .لقد أادركت
أ
والدتك بقلبها حينذاك أان قلبك قد تربعت على عرشه فتاة أاخرى ،وقد تاكد ذلك لديها حين
كنت – كما ْ
قالت لي -دائما حزينا شارد كانت تراقبك في أاليام التي سبقت التجهيز لزواجكم إذ َ
فتيقنت حينها أانك ستتزوج
ْ الس َحر بالتثبيت والهداية ،
الذهن .وكانت تراك تك ثر من الدعاء في َّ
سكنتها قلبك ( .تسكت قليال لتلقط أانفاسها ،ثم تمد يدها المعروقة لتمسك
فتاة غير تلك التي أا َ
( -يشد على يدها فترة بقوة وهو مطرق ،ثم يرفع إليها عينين دامعتين) وكلماتك يا أاماه هي هدية
أ
هللا إلي .لم أاكن أاحسب أان وجودي في حياتكما كان له كل ذلك الثر وكل تلك المسرة ،فإن
أ
كان ذلك صدقا ،فلله وحده الحمد والمنة والنعمة والفضل أان ثبتني أواعانني ،ل َفي بالعهد على
أ
ما يحب ويرضى ( .يسكت قليال ليمسح دمعه) صفاء في قلبي يا أاماه ،وثقي أانني ساحفظها
أوارعاها ،كما يليق بزوجة استحللتها بميثاق غليظ ( .يسكت برهة) إنني لم أاخترها ،ولكن ذلك
ل يعني أانني ل أاحبها ،إن بيننا ما هو أاقوى يا أاماه ،مودة ورحمة .
( -تتنهد مرتاحة وهي تنظر إليه في امتنان) آالن يا أاحمد اطم أان قلبي على صفاء ،أ
وهدات
أ
هواجس نفسي .إن هللا وحده الذي أاوجد إنسانا في نبلك وتدينك ،لهو القادر على مكافاتك
ومجازاتك أاحسن الجزاء أواوفره .
كانت الساعة تشير للسابعة مساء حين انطلق أاحمد بسيارته عائدا للمنزل وفي ذهنه
خواطر شتى .لقد استجاب هللا دعاءه ،وتوكل على هللا فكان هللا حسبه ونعم الوكيل .إنه يتذكر
أ أ أ
يوم زواجه بصفاء كانه كان بالمس فحسب ،ويتذكر كيف ارتدى حلته وقلبه مكلل بالحزان
مثقل بالهموم .
ورباطا مقدس
ومودة ورحمة
***********************
فبارئه ك فيل بالمسح على جراح ذلك القلب الذي طالما تقلب بين يديه
آ
مسبحا بفضله وراجيا عونه أاطراف الليل واناء النهار
******************
صفاء!
وتناديه زوجها!
مقلب القلوب
فإنما هو بيد الرحمن ِ
أ
فلجا إليه
جوانب أاحبها
******************************
لقد مرت عليه لحظات في بداية زواجه ظن أان الحياة مع ِمثل صفاء مستحيلة
كر النعمة بذل الفضل َلخلق هللا في غير َم ِّن ول أاذى ُ
ومن ش ِ
أ أ
الخلق من الهل والقربين فالبذل أاولى
وإن كان َ
أ
والك ف عن الذى أاوجب
***********************
آ
وإنه ليذكر كيف كانت تسارع إذا دعاها ،ليق أرا معها في القران .وكان يعلمها قواعد التجويد،
ويعيد عليها القاعدة الواحدة أاك ثر من مرة حتى تحفظها .ولربما ُت ْنساها بعد كل هذا ،فترفع إليه
عيني تلميذ يخشى عقاب معلمه ،فال يزيد على أان يبتسم لها ُم َط ْم ِئنا ،ويذكرها بما ا ْن َسته .وإنه
ْ
أ
ليذكر ذلك السبوع "الهادئ" الذي قللت فيه صفاء من ثرثرتها ،حتى ارتاب في أامرها .وكلما
دخل عليها الغرفة أاخفت شيائ كان في يدها ،وما كانت لتجيب مهما رجاها .فإذا بها بعد انتهاء
أ أ أ
حف َظ ْت النبا ّ
السار :لقد ِ السبوع ُت ْقبل عليه في سعادة َ ،بق ْفزاتها الرَن ِب َّية المعهودة َلت ِز َّف إليه
سورة الكهف كاملة! يومها ،أاعد لها حفلة صغيرة شارك تهم فيها أامها .واشترى لها ميدالية ذهبية
**************
والحب في القلب
من ذا الذي يمكن أان ينكر أان أاسرة َج َمعت هذه اللقطات
**********************
آ َ
والناس َح ْولك يضحكون ُس رورا
ُ َول ْدتك أا ُّم َك يا اب َن ا َد َم با ِكيا ***
يحبني؟
ولكن ..
َا َاتجاهلها؟
وغدا علمية
وبعد غد قلبية!
***************
لماذا يا أاحمد؟
وغدا ِه َنة
ُوت ْجمع الهنة إلى الهنة فإذا هي ِه َن ْ
ات
**********************
أ
ساقف بجانبك يا أاحمد!
*****************
وفي الحال قامت سلمى بنسخ العنواين المهمة في بريدها ،ثم طلبت حذف حسابها عل ى
ذل ك العن وان بالكام ل .مض ت لحظ ات التحمي ل بطيئ ة وه ي تترق ب ،حت ى إذا ظه رت أامامه ا
آ
رس الة تفي د ح ذف حس ابها بالكام ل ،تنفس ت ال ُّص َع َداء! ستنش ئ حساب ا اخ ر ل يع رف أاحم د
عنوانه ،فتقطع الشك باليقين ،وتدع ما َي ِر ُيبها إلى ما ل َيريبها .
******************
أ
م ر الس بوعان المرتقب ان أاخي را ،بع د أان ب دا لم ن ينتظ رون مروره ا أانه ا أاب دا جام دة ل
تتحرك .وتجمعت أاسرة قاسم ووالدا سلمى ف ي ش قة س لمى ،وق د أاع دوا حف ال ص غيرا مستبش رين
أ
ب ان قاس م لب د س يفوز بع ون هللا .م ر الوق ت س ريعا ب الجمع الس عيد ،فم ا انتبه وا إل عل ى ص وت
ج رس الب اب .تس ابق الجمي ع واحتش دوا أام ام م دخل الب اب ،وم ا دخ ل قاس م حت ى أاح اطوه
بالتصفيق والتهاني الحارة ،تهلل وجه قاسم ،وقال ضاحكا :
( -تحتضن هويدا والدتها في فرح) الحمد هلل الذي حقق رجاءنا!
أ
( -يحتضنه الحاج عادل) مبارك لك يا ولدي ،أانت حقا زين السرة ومفخرتها .
أ
( -تحتضنه والدته) أاس ال هللا أان يوس ع علي ك م ن فض له ،ويب ارك ل ك ف ي ك ل خط وة تخطوه ا ،
ويطيل عمرك في طاعته ،يا قرة عيني وثمرة فؤادي .
( -ت دمع عين اه) إنن ي ع اجز ع ن ش كركم جميع ا ي ا أاحب ائي .وسع ادتي بنج احي ل تض اهي أاب دا
سعادتي بالبسمة المرتسمة على وجوهكم جميعا .
أ
( -الحاجة فاطمة) هيا ،سارع وبدل ثيابك ،لن قائمة السهرة لزلت طويال .
*******************
-سلمى؟
طوقها قاسم بذراعيه ،واحتضنها طويال ،دون أان يقول شيائ .وهي كذلك لم تقل ش يائ .
أ
ول م يك ن ينتظ ر م ن أاح دهما أان ي تكلم ،ف اي كلم ات ق د تص مد أام ام تل ك الرحم ة ،الت ي أاودعه ا
الرحمن في قلوب عباده؟ أواي كالم يمكن أان يقال لم يقله ذلك الدفء وتلك المودة؟
كان سعيدا
ومطمئنا
وممتنا ..
أ
سرت في جسده رعشة عند الخاطر الخير
ودمعت عيناه
"الحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أان هدانا هللا"
*****************
والكل نيام
ولوالديه
وإخوته
و ..سلمى!
******************
أ
منذ بلغ تلك السن التي تزهر فيها الحالم
أاحالم القلوب
أواديبة واعدة
رفيقة صباه
ومليكة قلبه
وحفظ له حبيبته
أ
وكان ذلك حلمه الول ..
المحب هلل
وشاء وقدر
واستجاب الدعاء
********************
******************
*****************
أ
( -تنظر هويدا إلى ساعة الحائط) تاخر قاسم!
( -الحاجة فاطمة) ما كان ينبغي أان نعجل بالحتفال وقت رجوعه .
( -تنهض سلمى) ليس من عادة قاسم النوم في هذا الوقت ،دقائق أواناديه .
طرقت سلمى الباب طرقا خفيفا ،فلم لم يج ب أاح د ،فتح ت الب اب َه ْون ا م ا ،وه ي تهم س باس م
قاسم ،وما كاد بصرها يقع على أارض الغرفة ،حتى أاطلقت صرخة ارتاع لها الجميع!
تطلعت الحاجة فاطمة ف ي قل ق إل ى الح اج ع ادل ،وه ي تح وط س لمى الباكي ة ب ين ذراعيه ا ،
ف ي ح ين كان ت هال ة تح ادث هوي دا عل ى اله اتف ،فلم ا أانه ت الح ديث ،التفت ت نحوه ا الحاج ة
فاطمة :
آ
-كيف أام قاسم الن؟
-ستكون بخير إن شاء ،وهويدا تعتن ي به ا ( .تجل س إل ى جان ب س لمى م ن الناحي ة أالخ رى
وتربت على ك تفها) هوني عليك يا سلمى ،بإذن هللا تعالى لن يكون إل بخير حال ..
( -يؤيدها الحاج عادل) نعم بإذن هللا ،إنما هو إجهاد العمل المتواصل ..
أ
( -ترف ع إل يهم عين ين منتفخت ين م ن البك اء) لم اذا ه و ف ي العناي ة المرك زة إذن ل و ك ان الم ر
مجرد إرهاق ..
أ
( -تهدئها الحاجة فاطمة) اصبري يا سلمى .عما قليل ياتي الطبيب ليطمئننا ..
أ
( -تقاطعها في توتر خ ائ ف) ل أاح د يري د أان ي اتي ،كله م اختف وا ب ه وترك وني هن ا أاك ت وي بن ار
الح ْيرة ،أاكاد أافقد صوابي ...
َ
( -يقاطعها والدها في نبرة تفاؤل) هو ذا الطبيب قادم! ( َي ُهبون جميعا نحوه)
كانت الساعة تشير إلى السادسة ص باحا ،وق د انهمك ت الممرض ة أام ل ف ي ترتي ب م الءات َال ِس َّرة
أ
حينما دخلت عليها بشرى ،وعلى وجهها عالمات التاثر ..
-ظلت طوال الليل قائمة تصلي في غرفة زوجها! ل أا ُّمر بها أاثناء الدورية إل وجدتها إما قائمة
تصلي ،أاو متضرعة تدعو ،حتى أا ْك َبرُتها جدا و َر َّق لها قلبي ..
أ
( -تبتسم وهي تعاود التثاؤب) كان هناك أاحدا ل َي ِرق ل ه قلب ك ي ا بش رى! (ت رى بش رى تنظ ر
لها مستنكرة ،فتغمغم في تعاطف لتجاريها) حقا! ياللمسكينة!
أ
(تتناول م الءة ،وتش رع ف ي ترتي ب أاح د الس رة ،ث م ُت ِردف) ب ل وهللا نح ن المس اكين! ل و -
لقلت إنها َو ِل َّي ة من أاول ي اء هللا! أ أ
را ِيتها كما را ُيتها ،ووجهها يشرق نورا ِ ،
أ
(كانما هزتها الخاطرة ،فتتوقف عنعملها برهة وتغمغم) سبحان هللا! -
أ
ما المر؟ -
أ أ
أاتذكرين ذلك المليونير الذي نزل باحد أافخم الغرف السبوع الماضي؟ -
أ
-أاجل أاذكره .مسكين! لم يزره أاحد سوى موظف شرك ته ،ليتلقى منه الوامر!
َّ
-لم ُت ْغ ِن عنه َث َرواته الطائلة شيائ ،فال دفعت عنه َغا ِئلة المرض ،ول أالفت حوله القلوب .
( -تجلس على طرف السرير ُقبالة زميلتها) صحيح!
-وكم من ُم ْع َدم يموت ،وحوله باكون يبكون لفراقه .
أ أ
-أاو على القل قلب واحد يح زن علي ه بص دق ( .كالحالم ة) أابي ع ال دنيا لحظ ى بقل ب ص ادق
يبكيني بصدق ..
َ ( -ت ِهم بالرد عليها فيقاطعها صوت من الخلف) ..
-م اذا تفع الن هن ا؟ (تن تفض الممرض تان لص ياح رئيس ة الممرض ات) تثرث ران وق ت العم ل؟
أ
حس نا س ننظر ف ي ه ذا الم ر فيم ا بع د ،هي ا تحرك ا إل ى ّ ِ
مهامكم ا! (تنهض ان وتع ودان
لعملهما)
*******************
معا ..
آ
ينظر كل منهما إلى الخر
نظرات ..
ومعنى .
فاح ت أارك ان الش قة بعبي ر ال ورود ،الت ي أارس لها زم الء قاس م وم ديروه ف ي الش ركة ،فض ال ع ن
أ أ
السرة والقارب .فقد مضت عدة أايام منذ عودة قاسم لمنزله ،بعد أان أامر له الطبي ب بإج ازة م ن
العم ل م دة ش هر .أادخل ت س لمى العج ين ف ي الف رن حت ى َي َّ
تخم ر ،لتع د فط ائر اللح م المفض لة
أ
لولد هوي دا ،إذ طلب ت إليه ا س لمى الق دوم لزي ارتهم ِ ،ل َم ا تعل م م ن ول ع قاس م بول ديها عب د
الرحمن وعثمان ،وابنتها الوليدة تسنيم .
ض بطت س لمى ح رارة الف رن ،ث م ُخ ِّي ل إليه ا أانه ا س معت قاس م يناديه ا ،فخرج ت إل ى حي ث
كرسيه المفض ل ق رب الش باك ،وق د أاس َدل َج ْف َني ه وب دا نائم ا ،فاقترب ت من ه ف ي
كان جالسا على ِ
آ أ أ
ه دوء ،وجلس ت إل ى جانب ه عل ى الرض .ش عر به ا قاس م فف تح عيني ه ،وابتس م لمراه ا كان ه أراى
مالك ا .أاس ندت أراس ها إل ى ركبتي ه ،فم د ي ده يمس ح عل ى ش عرها ،وع اد ُيس ِدل جفني ه ف ي إره اق
واضح .مضت لحظات صمت ثقيل ،ثم غمغم قاسم أاخيرا :
-سامحيني يا سلمى!
( -رفعت إليه أراسها) أاسامحك يا قاسم؟
أ
-أاردت أان أاسعدك فاشقيتك من حيث ل أادري .سامحيني ..
*************************
***************************
*************************
قاسم ..
اختلجت شفتاها َ ،وت َّ
حجرت الدموع في عينيها ..
أ
جرت قدميها إليه جرا ،كانما تزحزح ُك َتال من الرصاص
َّ
فانهالت مدارارا
أ أ
ياخذ بعضها باعقاب بعض في صمت كسير ..
ظلت سلمى ّ
معل قة َ
بص َرها به ِ
*******************
وقف ت س لمى عن د أاول ى درج ات الس لم مطرق ة ف ي وج وم .لق د اس تمهلت وال ديها س اعتين
آ
م ن ال زمن لتع ود لش قتها لجم ع بع ض ذكرياته ا ،ووداع ال بعض الخ ر .حاول ت أامه ا إقناعه ا
بالنتظ ار ريثم ا تخ ف ح دة ش جونها ،غي ر أان ش عورا قوي ا ك ان ي دفعها للحض ور بع د الجن ازة
مباشرة .
**********************
رفع ت س لمى عين ين دامعت ين ش اردتين ،وراح ت تح دق ف ي الس اللم الرخامي ة الت ي
آ
ص عدتها من ذ س نة ويزي د قل يال عروس ا ف ي َا ْوج مج دها ،وه ا ه ي ذي الن تص عدها أارمل ة ف ي قم ة
أاحزانه ا .س رت ف ي جس مها رجف ة قوي ة ،ث م ص عدت ..وح دها .وراح ت تج ر ق دميها ج را نح و
شقتها ،وكلما صعدت ُخطوة ،ازدادت دموعها انهمارا .وقفت أاخيرا أامام باب الشقة ،أواخرج ت
المفت اح ،وعبث ا حاول ت إدخ ال المفت اح ف ي ثقب ه َلف ْرط ِغش اوة ال دموع عل ى عينيه ا .ل م يتحم ل
أ
المفتاح وطاة أاصابعها وهي تعبث به في عصبية ،فسقط أارض ا ،انحن ت تلتقط ه ،أواخ ذت نفس ا
عميقا ،ثم عادت تدير المفتاح ،ودخلت ..وحدها ..إلى شقتهما.
**********************
أاوصدت الباب خلفه ا بإحك ام ،ووقف ت بره ة تتس مع ف ي الس كون .ولث وان ُخ ِّي ل إليه ا ِم ن لهفته ا
وترقبه ا ،أانه ا س معت ص وتا ص ادرا م ن غرف ة الن وم .س ارعت س لمى نح و الغرف ة ودفع ت الب اب
لهثة ..
********************
َن َكست أراسها ف ي أاس ى ،واتجه ت ل دولبها تلمل م من ه بع ض ثيابه ا ،وه ي تتحاش ى النظ ر
اش .فتح ت س لمى دولبه ا ،ووق ع بص رها أاول م ا وق ع عل ى ثوبه ا ٍ تح ا يم اإل ى دولب قاس م أ
أ
الب يض ،أاح ب أاثوابه ا إل ى قاس م أواول هدي ة من ه له ا .م ررت أاص ابعها عل ى الث وب ،وه ي تبتس م
ابتسامة الحزين ،ثم أاغلقت الدولب ،وجلست على حافة السرير في سكون أاليم .
أ
تاملت حاجياتها في الغرفة
عطورها
فرشاة شعرها
قاسم!
ل!
فغادرتها قيمتها ّلما غادر َمن كانت تستمد منه حياتها .
*****************
أ
نهض ت س لمى بتثاق ل ،وخرج ت م ن الغرف ة أواغلق ت الب اب خلفه ا ،دون أان تاخ ذ منه ا
ش يائ .و َرغ م أانه ا اس تمهلت وال ديها س اعتين ،إل أان ه ل م يك د يم ض عل ى وجوده ا بض ع دق ائق ،
آ
حت ى ودت ل و تتص ل بهم ا ليص طحباها بعي دا .ك م اذاه ا ذل ك الس كون ُالم َخ يم أوا َم َّض تها تل ك
ْ
الوحدة ُالمطبقة .
*********************
ودت سلمى ل و تلق ي نظ رة أاخي رة قب ل ذهابه ا عل ى ذل ك الكرس ي ،كرس ي قاس م .إنه ا ت ذكر
أ
أاول ي وم أرات ه في ه فل م تتمال ك أان ض حكت من ه ،ك ان عتيق ا و"كالس يكيا" ،مقارن ة بالث اث ذي
الطراز الح ديث .يومه ا ابتس م قاس م لتعجبه ا ،ونظ ر للكرس ي ب إعز ِاز م ن ه و ب ٍاق عل ى وفائ ه ل ه ،
آ
ول و َس ِخر من ه الخ رون .ك ان ذل ك الكرس ي ه و المفض ل ل دى وال د قاس م ،ال ذي ك ان ك ثي را م ا
يالعب ه وه و ج الس علي ه ،ويع ده أان يهدي ه إي اه ي وم عرس ه .فك ان الكرس ي بمثاب ة كن ز العائل ة
العتي ق توارثت ه أاب ا ع ن ج د .ول م يك ن بتص ميمه م ا يش د الن اظرين إلي ه ،ولكنه ا تل ك القيم ة
المعنوية التي تسبغ على صاحبها رونقا وجمال ومكانة ،ولو كان مجرد كرسي عتيق .يومها َق َّدرت
أ
وجود ذلك "النشاز" بين مجموعتها المختارة ،أواحبته ..لن قاسما أاحبه .
ْ وات ُقوا َي ْو َما ُت ْر َج ُعون فيه إلى هللا ُث َّم ُت َو َّفى ُكل َن ْ
س ما َك َس َب ْت ُوهم ل ُيظ َلمون ۞
ٍ ف ِ ِ
۞ َّ
إشارة حمراء مرة أاخرى! أاوقفت سلمى السيارة ،وراحت تنتظر .كانت عائدة إلى المنزل ،
بعد شراء حاجيات طلبتها والدتها َّ .ندت منها زفرة حارة ،حين تذكرت كيف كانت تنزل هي
وقاسم – رحمه هللا -لشرائها .كان الطريق حينها يبدو ممتعا وقصيرا ،بما يتبادلنه من
أاحاديث في شتى الموضوعات .احتشدت الذكريات في أراس سلمى ،فشعرت بصدرها َينق ِبض
وبرغبة َع ِار َمة في النفجار باكية ،فما كان منها إل أان أادارت محرك السيارة واتجهت إلى شارع
جانبي ،لتهرب من الزحام والنتظار ،اللذين يستجلبان تلك الذكريات المؤلمة .
مضت سلمى بسيارتها على غير هدى ،فلم يكن لها بذلك الطريق من عهد .راحت
ْ
تسترشد بمن تقابلهم من أاناس ،ولكن قلما يهتدي المرء بمن يرشد بغير ِعلم ،فتاهت أاك ثر في
آ
َال ِز َّقة الضيقة ،وشعرت بالندم على تصرفها .ثم لطف هللا بها إذ َت َب َّدى لها منعطف في اخر
حدق فيالزقاق ،وما خرجت سلمى من ذلك المنعطف حتى أاوقفت سيارتها َب ْغ َتة ،ووقفت ُت ّ
ِ
الطريق أامامها .إنه ذلك المكان!
جالت سلمى بعينيها في المكان ،حتى استوقفها بناء ُمتها ِلك يشبه الكوخ ،لم تذكر أانها
أراته وقتها .أاوقفت محرك السيارة ،ثم َنزلت متوجهة ناحية شبه المنزل ذاك .حتى إذا كانت
آ
على َم ْر َمى َح َجر منه ،تناهى إلى سمعها صوت قران ُيتلى بترتيل خاشع .اقتربت سلمى بهدوء ،
أ
فتبينت شيخا قد اشتعل أراسه شيبا ،جالسا على حجر أامام النقاض .وقد بدا من انسجامه
واستغراقه في القراءة ،أانه جالس على َض َّفة نهر الكوثر في الجنة!
وقفت سلمى في مكانها حائرة ،أاتعود أادراجها؟ أام تقطع على الشيخ لحظات السالم ،
التي َي َت َخ َّط ُفها المرء بين َالف ْينة والفينة ،في زمن َغ َّرت فيه الدنيا بزخرفها الك ثيرين .أانقذها من
آ
حيرتها تلك توقف الشيخ تلقائيا ،حين وصل لخر السورة ،فانتهزت سلمى الفرصة ،وضربت
آ أ
حصاة صغيرة بطرف حذائها ،فالتفت الشيخ ،أوا ْج َفل أاول المر لما راها.
**********************
جلست سلمى على الحجر ،وراحت تحدق في َع َجب ،في ذلك اإلبريق النحاسي ،الذي
َّ
وضع فيه الشيخ الماء للشاي ،ثم َدله من غصن صغير معلق بين حجرين ،وتحته ن ار
أ أ
والحطب اليابس .تاملت سلمى ِعيشة الشيخ ، َ صغيرة ،أاشعلها من بعض العشاب الجافة
أ
ال َقر َب إلى البدائية منها إلى البساطة ،وتساءلت في نفسها عما َحاق بذلك الشيخ الجليل ،
الذي بدت عليه َمخايل ِنعمة سابقة ،ليصل لتلك الحال من الفقر ُالم ْد ِقع .حانت منها التفاتة
سريعة لبقايا البناء خلفه ،كانت كافية َلت َس ُّقط معالمه :حبل غسيل قصير ُعلقت عليه ِخ َرق
بالية ،وكرسي سقط َمسنده ولم يبق إل هيكله ،ثم سرير اختفت أاغلب معالمه ،خلف جدار
آ
من الحجارة ا ِي ٍل للسقوط .
ناول الشيخ سلمى كوبا من الشاي ،وابتسم ّلما أراى نظرة التعجب في عينيها .شعرت
بالح َرج الشديد َ ،لت َط ُّف ِلها على الشيخ وموارده الضئيلة ،فغمغمت في خجل:
سلمى َ
فطرقت أابواب مهن ك ثيرة ،غير أانني لم أاحظ بفرصة ،فليس معي من المؤهالت سوى شهادة
ُ
البتدائية.
وقد ظللت على حالي تلك حتى شكوت إلى زميل – عفا هللا عنه – م ا أانا فيه من َن َكد
العيش ،لعدم قدرتي على توفير المستوى الذي تتمناه زوجتي ،والذي أارجوه ألبنائي حين أارزق
بهم .فما كان منه إل أان أاشار علي – سامحه هللا – بقبول ا ّ ِلر ْش َوة ،التي كانت ُم َت َف ِ ّش َية عندنا .
أ
في البداية رفضت رفضا قاطعا ،لنني كنت أاسعى لتحسين وضعنا بالحالل .ولكن الشيطان
أاخذ يوسوس لي ،أوانا أارى أاصحاب َّالر َشاوى يزدادون ِغنى ،دون أان ُيعاقبوا أاو يالموا -في
الظاهر.
في ذلك اليوم ذهبت إلى العمل أوانا أارتجف َف َر َق ًا ،أواعدت سرد كل المبررات التي أا ْم َلتها علي
أ أ
زوجتي ،ونفسي المارة بالسوء ،لزداد اقتناعا بما أانا ُم ِقدم عليه .غير أانني لما جاء العميل
أ
الول لم أاستطع أان أاطلب الرشوة ،فلما ذهب ِندمت أانني ضيعت أاولى الفرص َ ،وع َزمت أان
أاكون أاقوى في الثانية! فلما جاء العميل الثاني ،أاخذت أاوراقه ،ثم استجمعت شجاعتي ،
وهمست له بالكلمة المفتاحية المتعارف عليها للرشوة .وفتحت له درج مك تبي كما عادة
ُالم ْرَتشين ،ليضع فيه مبلغا ضعف ثمن الخدم ة ،ولكن ل يحسب ضمنها! وبالفعل وضع
المبلغ ،دونما أاي اعتراض ،إذ كان ذلك هو المتعارف عليه ،أان مثل تلك المصال ح ل ُت ْق َضى
إل برشوة .وما ذهب ذلك العميل ،حتى فتحت الدرج بلهفة الكلب الذي يجري نحو عظمة ،
أ ْ أ
وإن كانت ملقاة في الوحل ،أواخذت الوراق النقدية بين يدي ،و َ ..ق َّبلتها من الفرح! لول مرة
يكون في يدي مثل تلك "الثروة" .أاعماني منظر النقود وزاد َج َشعي ،فما مضى اليوم إل وقد
جمعت من كل العمالء مزيدا من الحرام ،دون أان يعترض واحد منهم – سامحهم هللا .ليتهم
اعترضوا ،ليتهم ذكروني باهلل ،أاو ليتهم رفضوا .وكذلك َيسود المنكر حتى يصير ُعرفا ،حين ل
َن َتناهى عنه .
يومها عدت لزوجتي أاكاد أاطير فرحا .وجلسنا َن ُعد نقودنا تلك الليلة ،وهي تزغرد في سعادة ،
يحس َدنا الجيران .وليت َج َش َعنا توقف عند ذلك الحد ،بل رحنا نرسم بصوت خفيض لئال ُ
خططا لرفع ثمن الرشوة .ولم يمض إل القليل ،حتى صرت معروفا بين زمالئي "بالداهية" ،
الس َّذج كما نسميهم ،أاو البريئين كما
َلن َبهاتي في جمع َّالرشاوى! بل وصار ك ثير من الموظفين ُ
أ أ
هي حقيقتهم ،ياتون لياخذوا مني "نصائح" في تحصيل الرشوة ( .يبكي) ليتني اك تفيت برمي
آ أ
نفسي في النار ،ولكنني كنت اخذ بايدي هؤلء المساكين ،أوارميهم معي .كنت أارى في أاعينهم
ات َ
الح َمل الوديع الذي ل عهد له ِب ِح َيل نظرات التردد تلك ،التي كانت يوما في ّ
عيني ،نظر ِ
الذائب ،نظرات يرتعش فيها بريق خوف من هللا ،لم يكن يلبث أان يتالشى بجهودي "الجبارة"
أ أ
في إقناعهم ،بان هذه طريقة السماك الصغيرة للعيش في عالم الحيتان ( .يتوقف ليلتقط
أانفاسه وهو يستغفر)
( -تجلس حائرة ل تدري ماذا تقول ،وتنظر إليه بتعاطف شديد)
أ أ
( -يستانف) إلى أان جاءني يوما شاب ،قد َع َّضه الفقر بانيابه ،حتى بدا ذلك َج ِليا في
مالمحه .رفضت بالطبع أان أاؤدي ل ه عمال ،حتى يدفع الرشوة ،فما كان منه إل حدق
ِف ّي بذهول ،ثم راح يعبث في جيبه .وبعد جولت فاشلة في جيوب قميصه وبنطاله ،
التفت إلي بنظرات كانت ك فيلة بتذويب جبال من الجليد ،لكنها لم تؤثر ّفي على
أ أ
اإلطالق .أاخذ يرجوني ويستحلفني باهلل ،فامه مريضة وتحتاج الوراق ،وإل قد يفوت
فان َتهرُته ورميت أاوراقه في وجهه
أاوان إنقاذها .ولكنني أابيت إل انتزاع الحرام منه انتزاعا َ ،
.وفي محاولة يائسة ،أافرغ لي جيبه ،فتساقطت على مك تبي قطع نقدية قليلة العدد
واضطررنا لبيع بها على أالطباء ،أواشتري لها أالدوية حتى التهمت النصف الباقي من الحرام ُّ ،
أالثاث الفاخر الذي اشتريناه ُ
للمباهاة ،وقد كنا نجلس على الكراسي الخشبية َفت ْك فينا ُوت ْج ِز ْئ ،
آ
لكنه الجشع وحب المظاهر .ثم احتاجت زوجتي إلجراء عملية أاخرى ،استنزفت اخر ما تبقى ،
أ
فبعنا الشقة وكل ما نملك ،وليتها ُشفيت بعد كل هذا كما وعدنا الطباء ،بل خرجت ُم ْق َعدة!
أ
ترين ،بزوجة ُم ْق َعدة (يشير لداخل النقاض) ِ ،وق َط ِع قماش وهكذا انتهى َبي المطاف كما ْ
بمقدار ما يستر أاجسادنا .وضاعت الشقة التي كنا نتذمر منها ،والمسكن الذي كان يؤوينا
أ أ
ويسترنا عن ذل المسالة ،وضاع ت الصحة التي أانفقناها في إغضاب هللا ،وطارت الموال
الحالل التي كنا َن ْس َت ِقلها ،وقد كانت تصوننا عن التطلع لما في أايدي الناس ( ..يبتسم في مرارة)
وها أانا!
أ
( -تغمغم وقد دمعت عيناها تاثرا) ل إله إل هللا ..
( -يبتسم ابتسامة الحزين) كان ما وقع – بحمد هللا – ك فيال ِب َر ِ ّدنا إلى صوابنا ،وقد كانت
ض أاصابعها حتى َا ْد َمت ك ثيرا منها .وكان هللا بنا رحيما إذ هدانا
زوجتي من شدة الندم َت ُع ُّ
أ
لهذا المكان ،فاتخذنا منه ملجائ ،وساعدتنا معونات الهالي هنا على الصمود ،حتى
جاءنا ذلك الشاب – جزاه هللا خيرا .
( -باهتمام) شاب؟
أ أ
-نعم ،شاب م ن أاولئك الذي ترينهم فتذكرين هللا ،وتشعرين بالنس لهم ،وال لفة
معهم .
-متى جاء يا عماه؟
-إنما هي هدية من ابنتك يا عماه ،فقد أاسديت لي صنيعا هللا وحده العليم به .أاستحلفك
باهلل الذي ترجو عفوه ،أان تقبل مني ول تردني خائبة!
أ أ
( -ياخذ النقود متاثرا بيد مرتعشة) لول أانك استحلفتني ..بارك هللا فيك يا ابنتي .
أ
( -تنهض مغادرة ،ثم تستدير فجاة كمن تذكرت أامرا) ما كان اسم ذلك الشاب يا عمي؟
يدخل الشيخ داخل النقاض ،فيبدو سرير متهالك قد انكسرت إحدى أا ِرجله ،ووضع مكانها
حجر لتثبيته ،ترقد عليه ام أراة ،ل تكاد مالمحها َت ِبين من شحوبها ُوهزا ِلها.
لمت أانني ( -تقاطعه باكية) لماذا تصر على تعذيبي بتذكيري بما ُ
كنت عليه قبال؟ قد ع َ
ندمت وتبت إلى هللا وليس إليك (تبكي)
أ
( -يقرب الصندوق منها وياخذ بيدها) سامحيني يا فتحية ،وهللا ما قصدت ذلك .
أ َ
( -تمسح دموعها وتقول في أاسى) ل ل ْوم عليك ،فانا أالقيت بك إلى َّالت ْه ُلكة .
أ
( -يرفع يده داعيا) الحمد هلل على ما نحن فيه من التوبة واإلنابة ،قبل أان ياتي يوم َالع ْرض
على رب العالمين .
-الحمد هلل ( .تلتفت إليه بعد لحظات صمت) مذا تنوي أان تفعل بها؟
أ
( -يطرق متفكرا ،ثم تتهلل أاساريره) ساشتري بها دارا!
أ أ
-أاجننت يا رجل؟ إنها ل تك في لتاجير شقة ،فضال عن شراء دار باكملها!
( -يبتسم ،وتدمع عيناه في خشوع) إنها ل تك في بمعايير الخلق الظالمة ،ولكنها تك في
أ
عند هللا َالب ّر الرحيم الكريم .ساشتري لنا بها دارا في الجنة يا فتحية!
أ
( -تتامله مليا ،ثم تبتسم في َو َهن) جزاك هللا خيرا يا زوجي .
ولكن.. -
أ
ما المر؟ -
لك؟ أ -
الم نكن نحتاج لشراء الدواء ِ
آ
ل تحمل هم هذا الن ،فقد أاخذته قبال ولم أاجد ما كنت أارجو منه ،فلنتوكل على هللا -
وهو حسبنا.
وانحنت له الرقاب..
وسجدت له الخالئق..
أ
ُوع ِّم َرت الرض َالق ْفر ..
"مسجد القاسم"
( -تقط ع ورق ة م ن نتيج ة الح ائط) تص ور ي ا أاب ا س لمى! انقض ت عش رة أاش هر من ذ وف اة قاس م
وعودة سلمى إلينا .
-ولكن حزنها لم ِ
ينقض بعد .
( -تتنه د) ص حيح ،لق د ص ارت أاه أدا آالن ،خاص ة بع د بن اء المس جد .ولك ن نظ رة الح زن
الدفين تلك ،أاشعر أانها ل تفارقها .
أ
مثل قاسم ،لجديرة بان تظل حية في قلوبنا جميعا ُ ( .ي َن ِّكس الحاج عادل -وإن ذكرى زوج ِ
أ
التاثر) يرحمك هللا يا أاخي ،كان ابنك َخير َخ َ أ
لخير َس َلف .
ِ ف ل من شيء في سه ا
ر
آ أ
اعة َج ِ ّو الكاب ة ه ذا) ه ون علي ك ي ا أاب ا
وكانم ا س اءها َإش ُ ( -تنظ ر الحاج ة فاطم ة لزوجه ا ،
آ
سلمى ،إنما واجبنا أان نخفف من حدة الكاب ة ه ذه ل أان نزي دها .ونحتس بهم عن د هللا م ن
أاهل الجنة برحمته .
-ص دقت ي ا فاطم ة ،نحتس بهم عن د هللا م ن أاه ل رض اه ( .يرف ع يدي ه داعي ا له م بالرحم ة
والمغف رة ،زوجت ه ت ؤمن عل ى دعائ ه ،حت ى إذا ف َرغ ،حان ت من ه نظ رة إل ى الس اعة)
أ
تاخرت سلمى في الستيقاظ اليوم .
قاسم!
**************************
كانت الساعة تشير إلى العاشرة ليال ،حين انصرفت أاخوات قاسم أواولدهن ،وانصرفت س لمى
أ
مع أامها ترتبان ما بعثره الصغار .رن جرس الهاتف ،فصاح بهما الحاج عادل " :أانا سارد " .
-السالم عليكم
... -
-بالطبع أاذكرك..
... -
-نعم ،لقد تم بناء المسجد ،جزاك هللا خيرا.
... -
********************
كان ت س لمى جالس ة تق أرا ف ي ك ت اب انتقت ه م ن مك تب ة وال دها ،ح ين طرق ت أامه ا الب اب ،
طلت ب أراسها إطاللتها المعهودة ،فابتسمت لها سلمى ،ودعتها للدخول . أوا َّ
-ممن؟
( -يبدو عليها التردد) من شخص نعرفه!
-أال وهو؟
( -يزداد ارتباكها وهي تنظر لسلمى في ترقب) إنه ..إنه ..من معارفنا!
( -متعجبة) ما أاك ثر من نعرفهم يا أاماه! كيف لي أان أاخمن؟
-حسنا إنه ..إنه ..
-؟؟
( -تعض على شفتيها في قلق) ل أادري ماذا أاقول!
( -تنظر لوالدتها َ ،وع َج ُبها يزداد) قولي اسمه يا أاماه!
أ ( -أتاخذ َن َف ً
سا عميقا ،ثم تلقي بالسم كانه قنبلة مندفعة من فوهة مدفع) أاح م د!
أ
( -دون أان يبدو عليها التاثر) أاحمد؟
-نعم ،أاحمد زوج صفاء ،عرف بما حدث لقاسم ،وهو يرسل إليك تعازيه ..
أ
( -تس كت هنيه ة ث م تغمغ م) أاردت أان أاخب ر ص فاء من ذ فت رة ،لك ن ل م أاش ا أان أاش ركها ف ي
آ
أاحزاني .كيف حالها الن؟ لعلها أانجبت طفلتها؟
آ
( -يبدو عليها الوجوم) بلى ..أانجبت طفلة ..عمرها الن أاربعة أاشهر .
( -ف ي ش يء م ن الدهش ة المس رورة) أاربع ة أاش هر؟ ك م مض ى الوق ت س ريعا! ل َم ل ْم تبلغين ي
أ
أامس لحادثها أواهنئها؟
-تص ارحينني بم اذا ي ا أام ي؟ (تظه ر س لمى واقف ة عل ى الس لم ،وق د أاقلقه ا ح دة نقاش هما ،
فيلوذان بالصمت وهما يتطلعان إلى تلك الزهرة الذابل ة .ينظ ر الح اج ع ادل لزوجت ه نظ رة
أ
ذات مغ زى ،فتنص رف بحج ة إع داد الش اي ،وياخ ذ الح اج ع ادل س لمى مع ه إل ى غرف ة
المك تب)
أ
-تع الي ي ا ابنت ي ،تع الي اجلس ي بج انبي (تجل س) الحقيق ة أانن ا خبان ا عن ك طرف ا مم ا قال ه
أ
أاحمد ،حتى تتقبلي نبا وفاة صفاء – رحمها هللا – أاول .
أ
( -في نبرة حزينة ،كانما ل يعنيها ما بعد موت صديقتها) وماذا بقي بعد قاسم وصفاء؟
أ
( -يتاملها متعاطفا) ...
( -تنظر لوالدها مستفهمة) ما ذاك الطرف يا أابي؟
أ
( -يبدو مترددا كانما يبحث عن العبارة المناسبة ثم يحزم أامره) :
( -تقاطعه في سخرية مريرة و دموعها تنهمر) يضرب عصفورين بحجر واحد ،أاليس ك ذلك؟
ُي ّعزيني ثم ِ
يخطبني!!
أ
( -ف ي دهش ة) أام ا إن أام رك لعجي ب حق ا ي ا س لمى! تتهم ين الرج ل ُجزاف ا كان ك ل تعرفين ه ،
مدرسك في الجامعة! وبخ ُلقه ،أايام كان ّ
أوانت التي كنت تشيدين به ُ
ِ
( -تلوذ بالصمت ،وتعض على شفتيها في غيظ مكظوم)
أالم يكن هذا أاحمد الذي حملت له في قلبك ما تحمله الفتاة لفارس أاحالمها؟
ولماذا لم يعد اسمه يثير في داخلك تلك المشاعر ،ول ُي ِوقع في أاذنك ذلك الرنين؟
بل إنك حتى لم تفكري َقط في الزواج منه ،حتى بعد أان علمت بوفاة صفاء ..
أ أ
أاهي هيبة الموات التي تجعل لهم معزة أاكبر من الحياء؟
أام أان قاسما تمكن من قلبك بعد مماته ،ما لم يتمكنه في حياته؟
قاسم؟
مودة ورحمة
وميثاق غليظ
********************
أاحمد ..
ل تدري ..
أاتراها تلك القدسية التي َت َ
حفظ الحب النقي من َّ
الضياع؟
أاتراهما المودة والرحمة اللذان َي َ
ضمنان له الخلود؟
قد َّ
تمنته بالحالل..
فمات .
*****************
*****************
سبحان هللا!
******************
أاخف ت س لمى وجهه ا بي ديها وش عرت برغب ة عارم ة ف ي البك اء ،غي ر أانه ا ل م تج د م ن ال دمع م ا
أ
يك فيها ،فاك تفت َبز ْف رة ح ارة ِ ،تبعه ا ط رق عل ى الب اب .دخل ت أامه ا وتاملته ا س اك تة هنيه ة ،ث م
قالت في أاسى :
وبعد يا سلمى ..لماذا تعذبين نفسك كل هذا العذاب يا ابنتي؟ ُ -
( -تحيط وجهها بك فيها) لقد ُش َّل تفكيري يا أامي ،لم أاعد قادرة على التحمل ..
أ آ
-ه ذا طبيع ي ي ا ابنت ي .مض ت ُقراب ة الس نة أوان ت تتظلل ين بس حابة الكاب ة تل ك ،ف انى ل ك
رؤية النور؟
-ولكن ..قاسم وصفاء ..
أ أ
-إلى متى يا ابنتي تعيشين بين ذكرى الموات أوانت بعد بين الحياء؟ الموت يا ابنت ي راح ة
للمؤمن ،ولكن الحياة كذلك أامانة لمن ُم ِنحها .لق د َم د هللا تع الى ف ي عم رك بحكمت ه ،ل
ُلتمض ي م ا بق ي ل ك تعيش ين بجس دك هن ا وروح ك هن اك ،ب ل لتس تمري ف ي الحي اة َرغ م
أ أ
الخطوب َ ،وت ُثبتي في وجه النائبات .قد َن َف َذ قض اء هللا ف ي الم وات وس ينفذ ف ي الحي اء ،
ُ
أ
فاعملي لمثل ذلك اليوم ،بان تعيشي أايامك التي ُك تبت لك ،بما يرضي هللا .
(تتحدر دموعها ويتهدج صوتها) وليت ك ُت ْنعم ين علين ا – أان ا و أاب وك – بش يء م ن ه ذه الش فقة
ي ا س لمى! إن ك تقتلينن ي ك ل ي وم بمنظ رك الب ائس ه ذا! ك ل بن ات الجي ران ت زوجن أوانج بن ،ول
وش ْرخ الش باب .لم اذا ي ا س لمى؟يفت ئن يتح دثن ع ن " أارمل ة الح ي" ،أوان ت بع د ف ي ربي ع العم ر َ
أ أ
إلى متى تظلين في تلك القوقعة؟ إنما ُجعلت الحياة لالحياء ،ولالموات ذكراهم .لكن ذكراهم ل
ينبغي أان تصير الحياة التي تعيشين فيها ،ما بقي لك من عمر .
أ أ
فكري في الحياء الذين تؤلمينهم معك كما تفكرين في الم وات .فك ري ف ي ذل ك المس كين ،
الذي يقبع بين أاربع جدران ،ول أانيس له سوى طي ف زوج ة رحل ت ،تارك ة ف ي عنق ه أامان ة ،ه ي
أاعظم من أان يحملها وحده .فكري ف ي تل ك الطفل ة المس كينة ،الت ي تفتح ت عيناه ا عل ى حي اة ل
تسعد فيها بم أراى أام تحنو عليها ( ،تزداد دموعها انهمارا) فكري فينا كم ا تفك رين ف يهم ي ا س لمى ،
َ أ
لك ولنا ول ُهم ..
فذلك اجدى ِ
( -تنظر إليها برجاء وتشد على يديها) سامحيني يا أاماه ،سامحيني .أارج وك ل تب ِك فتزي دينني
غما فوق غم ..
أ أ
( -تك فك ف دموعه ا بص عوبة) لج ل خ اطري أان ا ي ا س لمى ،اقبل ي ول و أان ي اتي لزيارتن ا غ دا
أ
لتحاديثه ،ونرى إن كان سينشرح صدرك لالمر أام ل ..
( -في تردد َق ِلق) يزورنا غدا؟! بهذه السرعة؟
( -في نبرة متحمسة) خير البر عاجله يا حبيبتي ،ثم إن ذلك أاسرع لقطع الشك باليقين!
... -
( -يسرع من غرفة المك تب بالدور السفلي فزعا) ماذا جرى لسلمى؟
-وافقت!
( -في عتاب غاضب) أافزعتني يا فاطمة سامحك هللا!
( -تهبط الدرج َج ْريا وهي تلهث) بسرعة! ه ِ
ات السماعة! اطلب الرقم (تجري نحو الهاتف)
( -يجري ورائها) أاحقا وافقت؟
أ
(في زهو) بالتاكيد! ل زال لي سحري الخاص! -
علمت أانني كنت محقا حين تزو ُ
جتك! (يفرقع أاصابعه في سعادة) قد ُ -
أ
(تدير قرص الهاتف) ساحادثه قبل أان تغير أرايها! -
أ
بل ساحادثه أانا! -
ل! بل أانا! -
-أانا ولي أامرها!
-أوانا ولية أامرها!
-فاطمة!
( -تناوله السماعة) حسنا ،خذ ول تغضب (يتناول السماعة وتقف هي ورائه تدعو) يا رب ل
تخذلني ،يا رب اجعله يرد بسرعة قبل أان تغير أرايها! (تلتفت لباب غرفة سلمى ف ي قل ق ،
وتلصق أاذنها بالسماعة مع زوجها)
ثم يرد أاحمد فتتنفس الصعداء َ ،
************************
بلى!
ثم يوم أان ُك ِتب لزوجها أان يسبقها إلى دار السالم
فلماذا؟
لماذا يا سلمى؟
************
والقلب يحزن
وكذلكم الفراق
وذكراه محزنة
*****************
فتدمع عيناها
ويحزن قلبها
****************
تذكره بوجودها
****************
غير أان َ
العمر سيمضي
أ
وال َ
قدار ستجري
َ
وعجلة الحياة ستدور
فيعود كل غائب
************************
أ أ أ
حان ت م ن س لمى التفات ة إل ى المنب ه ،فالف ت ثل ث اللي ل الخي ر ق د اقت رب ،فقام ت تتوض ا
وته رع لمناج اة ربه ا ،ليكش ف عنه ا م ا َح َّل به ا م ن َك ْرب ،وم ا َن َزل بس احتها م ن ب الء .ومض ت
تدعو هللا أان يلهمها رشدها َوي ِق َيها شر نفس ها ،ويش رح ص درها لم ا يحب ه تع الى ويرض اه .وم ا زال ت
تدعو وتصلي ،حتى غلبتها عيناه ا ُق َب ْي ل الفج ر ،فنام ت جالس ة ف ي مص الها .وم ا راعه ا إل نهنه ة
خافت ة أايقظته ا ،فالتفت ت حوله ا وإذا ب ام أراة تبك ي ،عليه ا ثي اب ِب يض ،وب ين ي ديها ك رة ص غيرة
ملفوفة ِبعناية .اقتربت منها سلمى ،فإذا بها صفاء!
( -تحم ل الطفل ة وتتش اغل بمالعبته ا ،ث م تلتف ت ف إذا ص فاء ق د اختف ت) ص فاء؟ ص فاء!
أاي ن أان ت ي ا ص فاء؟! (تس تدير بحث ا عنه ا ،فترت د مص عوقة ح ين ت رى أاحم د واقف ا خلفه ا
يبتسم)
أاح م د؟؟
********************
انتفضت سلمى لهثة ،ونظرت حولها ،فإذا هي ل تزال جالس ة مكانه ا ،وص وت الم ؤذن
أ
ال َّرخيم يش ق س كون الظ الم .بقي ت س اكنة ف ي مكانه ا ،وخي وط القم ر الخي رة تتس لل عل ى
وط الش مس َالو ِلي َدة .ش عرت س لمى استحياء ،خارجة من النافذة لتفسح المك ان لزميالته ا ،خي ِ
أ ب النور َي ْك ِتن ف َ
قلبه ا ُ ،في ِني ر خلجات ه ،وك ان هللا ق د رب ط عل ى قلبه ا َلي َس ع الوف اء الق ديم والح ب
خيوط الفجر أاواخر الليل أواوائل النهار .
تجمع ُ الجديد ،كما ُ
مكانه ،وحركت الستار بمقدار ما ترى بعين واحدة ،وحبست أانفاسها و ..
دخل!
أاحمد!
*****************
أاسدلت سلمى الستارة بسرعة وهي تلهث من َف ْرط النفعال .ثم سمعت صوته وه و ي دخل
ُمس ِّلما " :الس الم عل يكم ورحم ة هللا وبركات ه" ،نف س النب رة الرزين ة الهادئ ة ،غي ر أانه ا ه ذه الم رة
َم ْك ُس َّوة بشيء من حزن دفين ،لم َي ْخ َف عليها وهي قد مرت بمثل ما مر ب ه .ع ادت ت زيح الس تائر
آ أ أ
فالفته جالسا على مقعد جانبي ،فاستطاعت أان تتامل مالمحه ،وكان اخر عهدها به منذ س نتين
أ
ويزيد قليال .ل م يتغير فيه ش يء ،إل بمق دار م ا َح َّن َك ت ه الخط وب والي ام .ك ان كعه دها ب ه ي تكلم
ف ي ثب ات أا َّخ اذ َ ،وي ْخ ُل ب ل َّب م ن يعرف ه بوق اره ورزانت ه ،واطمئن ان نفس ه ال ذي ُي ِش ع ن ورا ف ي
وجه ه .انتبه ت لتوه ا أان ه يحم ل ب ين ذراعي ه ك رة! ك رة ص غيرة ملفوف ة! دقق ت النظ ر م ا وس عها ،
أ
فالفت الكرة تتحرك! أاتكون تلك "سمية" ابنة صفاء؟
أاسدلت الس تارة للم رة الثاني ة ،وقلبه ا يك اد يتوق ف م ن تس ارع دقات ه .وض عت ي ديها عل ى خ ديها
الملتهبتين ،تماما كما كانت تفعل حين يقع بصره عليها ،أايام كان أاستاذها وكانت طالبته ..
أ
تلك اليام ..
أاتراه استيقظ؟
****************
قاسم ..
أ
شعرت بطيفه وكانما يدفعها إلى الخروج
******************
أ
سمعت سلمى صوت خطوات قادمة فاجفلت ،وإذا هي أامها قادمة تحمل الرضيعة :
( -تقلد نبرتها) ل ،بل ينتظرني أانا! هيا ،أاسرعي قبل أان ُيف ِلت!!
أ
( -تتامل الطفلة بين َي َد ْي أامها) أاهذه سمية؟
( -ترفعها في الهواء تالعبها) بلى ،إنها هي .انظري ما أالطفها!
أ
( -تتاملها في سعادة وحنان) دعيني أاحملها!
آ
-ل ،ليس الن ،أاسرعي بالذهاب .
( -تتردد) ..
أ
( -تدفعها برفق) هيا يا سلمى! تحركي! (تحمل الطفلة وتذهب بها إلى الصالة الخ رى) أوان ت
تعالي معي يا صغيرتي!
********************
أوازاحت الستار
وخرجت ..
إليه!
********************
( -الح اج ع ادل واق ف خل ف الس تار يتس مع ح ديثهما ،فيقط ب حاجبي ه ،ويه رع إل ى
زوجته ،فيجدها جالسة تالعب الرضيعة) فاطمة ،يا فاطمة! هاتي الطفلة وتعالي!
( -في ارتياع) هل رفضت؟ هل رحل؟
*********************
( -سلمى تداعب الطفلة) ما شاء هللا تبارك الرحمن! ما أاجملها (تبتسم لها الطفلة)
( -مسرورا) قلما تعتاد سمية أاحدا بهذه السرعة .
أ
( -تتاملها) إنها تشبه صفاء ك ثيرا .
( -بعد هنيهة صمت) أانا شاكر لك يا سلمى ..
-؟؟
أ
وافقت على مقابلتي ..
ِ نك ل -
... -
-إنني أاعلم جيدا ما لقاسم من مكانة في قلبك ،والقليل الذي عرفته عنه َ
وخب َ ْرُت ه من لقائي
معه حببه إلي ..
.... -
أ
سعدت معه ..
ِ -ل أاستطيع أان أاعدك أانني ساعوضك عنه ،ول أانك ستسعدين معي كما
.... -
-ولكنني أاعدك -صادقا بإذن هللا -أان أاحترم ذكراه ..
... -
-أوان أابذل ما في وسعي إلسعادك ..أوان ..نؤسس معا أاسرتنا على تقوى من هللا ورضوان..
... -
( -ينظر لها مترددا ثم يردف هامسا) كما كنا لنفعل قبال ( ..ترفع إليه بصرها)
.... -
-أاتقبلينني زوجا لك على سنة هللا ورسوله يا سلمى؟
( أاب وها أوامها واقفان في ترق ب ،الح اج ع ادل يع ّدل نظارت ه ف ي قل ق ،والحاج ة فاطم ة تض ع
يدها على قلبها ،وتحبس أانفاسها " :نعم! نعم! قولي نعم!")
*********************
كان ت س لمى مطرق ة وه ي تس مع ص وت أاحم د اله ادئ يترق رق ف ي أاذنيه ا ،كخري ر ج دول الم اء
الصافي .
منه ..
صحيح أانه لم أياتها آالن ذلك الشاب َالغ ّ
ض ،ول جاءها وحيدا َفردا ،بل صار أابا أارم ال .وص حيح
يمس ك ي ده ،ليخط وا مع ا أاول ى أ ْ
انها ل م تع د ه ي تل ك الع روس ُالمز ِه رة للت و ،ول ن تك ون اول م ن ِ
أ
استيقظ ذلك الحب الذي دفنته ف ي مك ان م ا ف ي جنب ات قلبه ا ،ونس يت أاو تناس ت مكان ه ،فه ا
هي ذي تجده اليوم كامال غير منقوص ،وإن كان قد شابته أاخالط من مشاعر أاخرى .
*******************
أوامنياتنا ..
وخططنا ..
فإذا أاردنا ثم كان ما أا َر ْ
دت ..
َ
ثبت عند المتحان القليل ..
الس ْخط
سخط فله ُّ
ومن ِ
َ
والقدر سيجري على كل حال ..
أ
يجري عليك أوانت ماجور ..
فإما أان َ
أ
أاو أان يجري أوانت مازور .
*****************
ك م َّودت س لمى ل و تق ذف بكلم ة " نع م" ُ ،لتخ ِرج ك ل النفع الت الت ي تعتم ل داخله ا ،ولك ن
واخ َت َلج ت ش فتاها دون أان َت ْف َت َّرا ع ن الكلم ة الس حرية! وانتزعه ا
لسانها احتبس ع َوض ا ع ن ذل ك ْ ،
ِ
أ
م ن خواطره ا حرك ة بس يطة َن َّدت م ن س مية ف ي حجره ا ،فرفع ت بص رها إلي ه َع ْف وا ،فالف ت ف ي
عيني ه نظ رة الترق ب الجمي ل! تل ك النظ رة أالثي رة ،الت ي طالم ا ُ
حلم ت أان ينظ ر به ا إليه ا ،ح ين
يوجه إليها ذلك السؤال!ّ
ِ
ان دفعت الحاج ة فاطم ة م ن خل ف الس تارة كالس يل الج ِارف ،مطلق ة َزغ رودة طويل ة عالي ة ،
أازعجت الطفلة في حجر سلمى فعال صوتها بالبك اء .مس ح الح اج ع ادل دمع ة ك ادت تتح در ،
وقال لزوجته مازحا :
أاخ ذت الحاج ة فاطم ة الطفل ة الباكي ة ،وقال ت وه ي نفس ها تبك ي " :ل علي ك! إنه ا دم وع
الفرح!"
أواطلقت زغرودة ثانية أاقوى من سابقتها ثقبت أاذن الطفلة المسكينة بين ذراعيها
فاشتد بكاؤها
دم وع ال ف رح!
-ل إله إل هللا! عمتي فتحية؟! إنا هلل وإنا إليه راجعون .
( -يبتس م ف ي اطمئن ان) الحم د هلل ال ذي توفاه ا عل ى م ا كان ت ترج و .لق د ُق ِبض ت روحه ا ،
أ آ
وهي تتلو القران في الثلث الخير ،في مسجد القاسم .الحمد هلل .
أ أ
( -تبتسم له متاثرة) ما شاء هللا ،كم أانا سعيدة لجلها..
-ما من شك ل دي ف ي ص دق مش اعرك ي ا ابنت ي ،ب ارك هللا في ك ،وج ز ِاك خي را عل ى الفرح ة
التي أادخلتيها علينا ببنائكم المسجد .
-الفضل هلل وحده أاول أواخيرا .
( -يرف ع يدي ه إل ى الس ماء) الحم د هلل رب الع المين ( .يع ود فينظ ر إليه ا) ق د جئت ك الي وم
أ
لتوديعك ،فلعلي ل أار ِاك بعد يومي هذا لنني أاشعر ِب ُد ُن ِ ّو َا َجلي!
-لماذا تقول هذا يا عماه؟
-كلنا إليه راجعون يوما ما يا ابنتي ( .يمد يده إليه ا بق الدة ذهبي ة) لق د أاوص تني زوجت ي قب ل
أ
وفاته ا ،أان أا ِعط َي ك ه ذه الق الدة لتبيعه ا ،وتتص دقي بثمنه ا عنه ا( .يتام ل الق الدة ف ي
أ
إعزاز) إنها هديتي الولى إليها ليلة زفافنا .لم أاكن أاعلم أانها احتفظت بها كل تلك ُالمدة .
-لمذا ل تبقيها معك ذكرى يا عماه؟
أ
-لق د أاوص تني ي ا ابنت ي به ذا ،لنه ا ترج و أان تلقاه ا عن د هللا محفوظ ة ،كم ا َح ِف َظ ْته ا ف ي
حياتها.
أ أ أ أ
( -تاخذ سلمى القالدة وتتاملها في تاثر) ساحافظ عليها ،أوانفذ وصيتها بإذن هللا.
( -يمد يده بساعة قديمة) وهذه كذلك ي ا ابنت ي .إنه ا س اعة ذل ك الفقي ر ال ذي ظلمت ه فنص ره
هللا .لق د حاول ت لس نوات البح ث ع ن ص احبها دون ج دوى ،فبيعيه ا وتص دقي به ا عن ه.
ص حيح أان ل أاح د م ن الخل ق يقب ل ه ذه "الخ ردة" ،لكن ه (يرف ع ي ده إل ى الس ماء) س بحانه
س يقبلها ،س بحانه الب ر ال رحيم َ ،ي ْق َب ُلن ا كي ف كن ا ،ول و ل م نك ن نمل ك ِم ْث َق ال حب ة م ن
َخ ْر َدل ما طردنا ،كما يطردنا َخ ُلقه الظالمون .
غيرت معرفتي بكم أاشياء ك ثيرة في داخلي .
-ل أادري كيف أاشكرك يا عماه ،لقد ْ
( -تردد في امتنان) جزاك هللا خي را ي ا عم اه ،وعف ا عم ا أاس لفت (تحف ظ الس اعة والق الدة ف ي
ْ
جيب ثوبها ،ثم تعود للداخل ُ ،فتل ِفي أاحمد جاء بحثا عنها)
********************
يلوح لها بيده) أاخيرا وجدتك! (هامسا) ما أرايك أان نمكث هنا وحدنا قليال يا سلمى؟
ّ ( -
ِ
( -هامسة) ونترك المدعوين؟
( -ضاحكا) ُي َخ َّيل إلي أانهم راشدون ك فاية ليعرفوا طريقهم من دوننا!
( -تلكزه برفق في ذراعه وتبتسم) لم تتغير يا أاحمد!
أ
( -ياخذ بيدها) هيا ،تعالي!
أ أ
-انتظر! ساخبر أامي لتبعد عنا العين الفضولية (تذهب دقائق ثم تعود ،فيخرجان معا إل ى
الشرفة المطلة على الحديقة ،ويغلقان بابها خلفهما)
********************
ْ َ أ
وقف أاحمد وسلمى جنبا إلى جنب ،يتامالن المنظر الساحر أامامهما .ك ان اللي ل َي ُج ر َاذ َيال ه عل ى
الك ون ف ي ُت َؤ َدة ،و أاش عة القم ر َت ْن َس ِكب عل ى ص فحة المي اه الرائ ق ة ،الت ي تنس اب َرقراق ة م ن
أ
النافورة الفضية أامامهما ،والنجوم تتناثر منعكسة عليها ،فتظهر كانها بساط م ن القطيف ة الزرق اء
تناثرت عليه حب ات اللؤل ؤ َ
والك ْهرم ان َ .ه َج ع الك ون ف ي س الم ُمتن ِاغم ،وس اد ص مت ُم َحب ب ،إل
وس َك َنت إليه .
وط زوجته ،فتبسمت له َ وخرير المياه .مد أاحمد ذراعه َي ُح ُ
َ
من همس الورود ِ
أ
-أاتعلمين يا سلمى؟ أاشعر كان َط ْي َف ْي ِهما َي ُرق َبا ِننا في رضا .
( -ضاحكا) ل ز ِ
الت حاضرة بالجواب الشافي يا سلمى .ولكن ( ..يسكت قليال)
-ولكن ماذا؟
-إن كن ت ق د تلقي ِت الرس الة ،ووص لك المغ زى فل َم ل ْم ت ردي عل ي؟ (يغمزه ا باس ما) أال م
تشتاقي إلي؟
أ أ
( -تنظ ر إلي ه ج ادة) لنن ي علم ت أانه ا كان ت ْنز َغ ة م ن الش يطان ،وم ا كن ت لعين ه علي ك ،
أ ف أرايت أان أاغلق الباب بإحكام قبل أان ُي َ
كس ر ُالقف ل (تبتس م) لن ه ل و ُك ِس ر فس نجلس كالن ا
بعدها في َالعراء!
واع َجب ي من ك ي ا س لمى وم ن تش بيهاتك! ص رت تف وقين أاس تاذك!( -يض حك إعجاب ا) َ
(يحتنضها مسرورا) الحمد هلل الذي رزقك بصيرة وعقال راجحا ،أواعانك أان تخذليني!
-على العكس يا أاحمد ،قد نصرتك أ
لوانك تفكرت .
( -مستمتعا بحوارها) وكيف ذلك؟
-أالم يقل الحبيب المصطفى " :انصر أاخاك ظالما أاو مظلوما"؟
-بلى .
-فق د نص رتك ظالم ا بك ف ك ع ن ظلم ك ،وم ا كن ت ألعين ك علي ه َ ،فن ُب وء كالن ا ُ
بالخس ران
المبين .
( -متفكرا) ظلم؟!
حتى الورود َا َ
مس َكت عن َه ْم ِسها
حبيبين َو َقفا
فرقهما الصف
لرب واحد
وتوجهما إ ْك ُ
ليل رباط ِ
رباط َّ
مقدس ٍ
ورفرفت عليهما
***************
يدق بانتظام
ر أ
"وكان امر هللا قدرا مقدو ا"