You are on page 1of 310

‫‪311‬‬ ‫‪1‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪2‬‬

‫سلمى‬
‫قصة احلب والقدر‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪3‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪4‬‬

‫تقديم‬
‫هي قصة احلب ‪..‬‬
‫وقصة القدر ‪..‬‬
‫وبينهما قصص أخرى ‪.‬‬

‫هدى عبد الرمحن النمر ‪,,,‬‬


‫‪http://hmisk.wordpress.com‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪5‬‬

‫فصول الرواية‬

‫الفصل األول ‪7 ...................................................................................................‬‬

‫الفصل الثاني ‪61 ..............................................................................................‬‬

‫الفصل الثالث ‪83 ................................................................................................‬‬

‫الفصل الرابع ‪61 .................................................................................................‬‬

‫الفصل الخامس ‪25 ..............................................................................................‬‬

‫الفصل السادس ‪16 ..............................................................................................‬‬

‫الفصل السابع ‪36 ................................................................................................‬‬

‫الفصل الثامن ‪38 ................................................................................................‬‬

‫الفصل التاسع ‪83 ................................................................................................‬‬

‫الفصل العاشر ‪668 ..............................................................................................‬‬

‫الفصل الحادي عشر ‪656 .......................................................................................‬‬

‫الفصل الثاني عشر ‪685 ........................................................................................‬‬

‫الفصل الثالث عشر ‪663 ........................................................................................‬‬

‫الفصل الرابع عشر ‪615 ..........................................................................................‬‬

‫الفصل الخامس عشر‪636 .......................................................................................‬‬

‫الفصل السادس عشر ‪632 ......................................................................................‬‬

‫الفصل السابع عشر ‪688 ........................................................................................‬‬

‫الفصل الثامن عشر ‪568 .........................................................................................‬‬

‫الفصل التاسع عشر ‪552 ........................................................................................‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪6‬‬

‫الفصل العُشْرون ‪586 ............................................................................................‬‬

‫الفصل الحادي والعشرون ‪587 ..................................................................................‬‬

‫الفصل الثاني والعُشرون ‪566 ..................................................................................‬‬

‫الفصل الثالث والعشرون ‪516 ...................................................................................‬‬

‫الفصل الرابع والعشرون ‪518 ....................................................................................‬‬

‫الفصل الخامس والعشرون ‪536 .................................................................................‬‬

‫الفصل السادس والعشرون ‪587 .................................................................................‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪7‬‬

‫أ‬
‫َز َفرت سلمى للمرة المائة بعد ال لف وهي ُتعيد ُمراجعة أاوراق البحث ‪ ،‬ربما للمرة المائة‬
‫بعد أال لف كذلك! لم تكن مادة أالدب العربي كغيرها من المواد ‪ ،‬ول ُ‬
‫تسليم بحث فيها ك تسليم‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫بحث في غيرها من المواد ‪ ،‬لن أاستاذ تلك المادة لم يكن كغيره من أاساتذة المواد ‪ ،‬على القل‬
‫في عينيها‬
‫أ‬
‫أاو بالحرى في قلبها ‪..‬‬

‫من كان يدري يا سلمى؟‬

‫من كان يدري؟‬


‫ثالث سنوات مضت في كلية آالداب ‪ ،‬وسلمى ُت ِبحر في عوالمها من أالدب واللغة ‪َ ،‬‬
‫وتنهل من‬
‫الدراسة التي لطالما َح ُلمت بالتخصص فيها ‪.‬‬

‫لكن ‪ ..‬من كان يدري يا سلمى؟‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫جمعت فكرك وقلبك في‬
‫نك في تلك السنة بالذات ‪ ،‬وفي الوقت الذي ا ِ‬ ‫من كان يدري ا ِ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ويتجرا على غزو قلبك؟ فإذا بالوراق‬ ‫دراسة لطالما حلمت بها ‪ ،‬أانه سيظهر في حياتك؟ بل‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪8‬‬

‫تب تتناثر ‪ ،‬والكلمات تتبخر حروفا في الهواء ‪ ،‬فال يستقر في فؤادك من كل ذلك‬
‫تتطاير ‪ ،‬والك ِ‬
‫إل حروف أاربعة ‪َ ،‬وارِوع بها من حروف!‬

‫" أاحمد!"‬

‫رب نهاية السنة الثالثة ‪ ،‬أاستاذا تلمع عليه ِغرة الشباب ‪ ،‬عائدا من‬
‫كان أا ُول عهدها به ُق َ‬
‫بعثة الدك توراة ‪ ،‬حضر كبديل عن أاستاذ أالدب العربي ‪ .‬منذ دخ ل أاول مرة ‪َ ،‬لفت َن َ‬
‫حوه‬ ‫ِ‬
‫وخطى ثابتة َوئيدة ‪ ،‬وابتسامة ودودة ‪ ،‬أان‬
‫ُالعيون ‪ ،‬كل العيون ‪ .‬فاستطاع بقامة َمديدة ‪ُ ، ،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬
‫يحاضر ‪ ،‬سكت الجميع كان على رؤوسهم‬ ‫َيبذر انطباعا حسنا في نفوس الطلبة ‪ .‬حتى إذا بدا ِ‬
‫َ‬
‫الطير ‪ .‬كان أاسلوبه أا ّخاذا ‪ ،‬فيه َف ْورة الشباب بال اندفاع ‪ ،‬و َرصانة ِالعلم بال َت ُح ّجر ‪ ،‬و َولع بالمادة‬
‫أاضفى على أاسلوبه في الحديث حرارة وحماسة ‪ ،‬كانتا ك فيلتين بإحكام انتباه الطلبة حوله طيلة‬
‫أ‬
‫بالم ْع َصم ‪ ،‬فهو أاديب‬
‫ِ‬ ‫السوار‬ ‫إحاطة‬ ‫دب‬‫ال‬ ‫به‬ ‫حاط‬ ‫ا‬‫ساعتين كاملتين ‪ ،‬بال ملل ول تململ ‪ .‬لقد أ‬

‫وسكانته ‪ ،‬فال هو ُتمثال من الرخام ‪ ،‬ول هو ُشعلة من‬


‫الكالم ‪َ ،‬ع ُّف اللسان ‪ُ ،‬م َهذب في حركاته َ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ولخريره على السماع أاجمل إيقاع ‪ .‬وتوالت السابيع‬ ‫النار ‪ ،‬بل جدول ماء يتدفق في ُت َؤ َدة ‪َ ،‬‬
‫آ‬ ‫َ ترى أ‬
‫يعلمهم ‪ ،‬ويوجههم ‪ُ ،‬وي َف ّتح أامامهم أابواب العلم وافاق المعرفة ‪،‬‬
‫والستاذ الشاب ما برح ّ‬
‫ِ‬ ‫ت ‪،‬‬
‫وما دار َبخ َلده َلو ْهلة أانه كذلك قد فتح أاكمام الهوى في قلبها ‪..‬‬

‫سلمى!‬

‫يدر َي حتى باسمها ‪ ،‬أاو ينتبه لوجودها بين أاعداد الطلبة ‪ ،‬وهي منذ مجيئه قد‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫ا‬‫أوا َّنى له أ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫امتنعت عن المشاركة في أاي من محاضرات مادتها الثيرة ‪ .‬كان يسال أاسئلة َّقل أال تعرف سلمى‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫إجابا ِتها ‪ ،‬لكنها لم تكن َلتجرؤ على رفع يدها ‪ ،‬لنها لم تكن لتتحمل نظراته السرة إذا ما اتجهت‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪9‬‬
‫أ‬
‫إليها ‪ .‬كان زمالؤها وزميالتها حولها يتجاوبون مع الستاذ الرائع ‪ ،‬دون أان يكون لديهم َح َرج مما‬
‫تتحرج منه ‪ ،‬فلم يكن في قلوبهم ما كان في قلبها ‪..‬‬
‫آواه من القلوب َ‬
‫وخبايها!‬
‫أ‬ ‫أ أ‬
‫واطر سلمى ‪ ،‬التي ل تتجاوز َد َّف َت ْي يومياتها ‪ ،‬ل لفى نفسه‬
‫فقط لو اتيح لحمد الطالع على خ ِ‬
‫ُم َتربعا على أاسطرها منذ أا َم ٍد بعيد ‪ .‬لقد كان بالضبط تجسيدا لفارس أاحالمها ‪ ،‬الذي ما َف ِت َئت‬
‫أ‬
‫الس َّن التي ُت ْز ِهر فيها تلك الحالم ‪..‬‬
‫تتخيله منذ َب َلغت ِ‬
‫أاحالم القلوب ‪..‬‬
‫أ‬
‫ولكن أا ّنى لفارس الحالم أان يع َلم ببطولته ‪ ،‬وهي حبيسة أاحالمها؟‬

‫يجاوز أاسماعها هي؟‬


‫ِ‬ ‫ل‬ ‫تاف‬ ‫ُ‬
‫اله‬ ‫كان‬ ‫إذا‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬ ‫َّ‬
‫ي‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫وع‬ ‫كرة‬ ‫أانى له أان يسمع َخ َفقات قلب يهتف باسمه ُ‬
‫ب‬

‫فال َغ ْرو والحال كذلك أان أاسدل َط ْب َعها الهادئ الخجول عليها الستار ‪..‬‬

‫وحال دون قلبها ‪..‬‬

‫وقلبه ‪..‬‬

‫حتى حين ‪.‬‬

‫******************‬

‫يا هللا!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪11‬‬

‫سبحانك مقلب القلوب!‬

‫أاي ُم ْض َغة هذه التي اسمها القلب؟‬

‫كيف َت َّقلب بنا في سويعات ‪..‬‬

‫ول تكاد تستقر على حال‬

‫فإذا الحب ُكره ‪ ،‬وإذا ُالبغض ود؟‬

‫وإذا الوفاء غدر ‪ ،‬وإذا الغرام غير صاحب عهد؟‬

‫ثم تقلب بنا في سويعات أاخرى ‪..‬‬

‫فإذا اإلعجاب َك َل ٌف ‪ ،‬وإذا الحب غرام؟‬

‫وإذا النتظار لهفة ‪ ،‬وإذا الغياب عذاب؟‬

‫وإذا الشوق لوعة ‪ ،‬وإذا الفراق َبالء؟‬

‫سبحانك ربي!‬

‫سبحانك مقلب القلوب‬

‫**************‬

‫أواي شيء ذاك الذي اسمه الحب؟‬

‫ذاك الذي نتوقف لنتساءل ك ثيرا عن معناه‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪11‬‬

‫وتعريفه‬

‫ُوك ْن ِهه ‪..‬‬


‫أ‬
‫حتى إذا خفق القلب تلك الخفقة الولى ‪..‬‬

‫صار كل ما فات هباء َمنثورا ‪..‬‬

‫ولم يبق إل تلك الخفقة وذلك الشعور ‪..‬‬

‫ل يحيط بسره وصف ‪..‬‬

‫ول يقدر على تحديده تعريف ‪..‬‬

‫لكن القلب ل يخطئه إذا ما وقع فيه ‪..‬‬

‫ول يخطئ ذلك الشعور ُالم ْبهر ‪..‬‬

‫ول تلك النار اللهيبة ‪..‬‬

‫ول ذلك َالو َهج ‪..‬‬

‫َو َهج الحب ‪..‬‬

‫كل الحب ‪.‬‬

‫*******************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪12‬‬

‫شهور ِعدة مضت منذ دخل أاحمد في حياتها ‪ ،‬وغلبها على قلبها ‪ ،‬فصارت فيه أاخالط من‬
‫مشاعر ل تدري سلمى لها ُك ْنها ‪ ،‬ول تعرف لها َمثيال ‪ .‬غير أانها أاوتيت قدرة على ِك تمان أامور قلبها‬
‫أواحالمها ‪ ،‬فما استبان أاحد ما ْاعتراها من تغيير ‪ ،‬ول استراب أاقرب الناس إليها في حالها ‪ ،‬فما‬
‫والديها أان الوردة قد اك تملت َحريرتها ‪ ،‬وفاح عبيرها ‪ ،‬ووصلت تلك السن التي تزهر‬‫دار َبخ َلد ْ‬
‫أ‬
‫فيها الحالم ‪ ،‬أاحالم القلوب ‪ .‬أاحكمت سلمى ِالغطاء على َوجيب قلبها ‪ ،‬حتى عن صفاء رفيقة‬
‫الدرب وزميلة العمر ‪ ،‬التي كانت تجلس إلى جانبها في كل المحاضرات ‪ ،‬يستوي عندها‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الداخلون والخارجون ‪ ،‬دون أان تدرك أان لذلك الستاذ الوحد مكانة في قلب صاحبتها ‪.‬‬

‫لقد كانت تلك دنياها ل يشاركها فيه أاحد ‪..‬‬

‫وعالمها ل يزاحمها فيه سواها ‪.‬‬

‫أ‬
‫أاما حين َتخلو بنفسها ‪ ،‬فكانما كانت نفسها تنقسم ِش َّق ْين ‪ِ ،‬ش ٌق َي ِهيم في أاودية َالهوى ‪،‬‬
‫وشق يكاد يذوب حياء مما َي ْع َت ِمل في داخلها ‪ ،‬وتجيش في صدرها مشاعر أارق م ن نسيم‬
‫جسر سلمى على مفاتحة أاحدا بما‬ ‫الصباح تارة ‪ ،‬أواعتى من عاصفات الرياح تارات أاخرى ‪ .‬لذا لم َت ُ‬
‫اعترى قلبها ‪ .‬كانت تخشى مشاعرها بقدر ما ل تم ِلك لها َدفعا ‪َ ،‬وتحار فيها بقدر ما تستيقن‬
‫وجودها ‪ .‬ف أرات َالتك ُّتم عليها سبيال ‪ ،‬حتى ترى هي النور من تلقاء نفسها حين يجيء أاوانها ‪ ،‬إذا‬
‫ما هللا ك تب لها أاوانا ‪.‬‬

‫ولكن ل َم َفر ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪13‬‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫فهل يرتوي الظمان من جداول الحالم؟‬

‫أاو يك تفي المشتاق بعناق الخيال؟‬


‫أ‬
‫الخ ْفقة الولى‬
‫فكذلك عند َ‬

‫َي َّت ِقد َ‬


‫الج َوى‬

‫َوت َل ُّذ َّالنجوى‬

‫ولبد ممن يصغي لحديث القلب ‪..‬‬


‫أ‬ ‫آ‬
‫كما تصغي الشطان لحكايات المواج ‪..‬‬

‫فالتفت القلب المؤمن يرجو رفيقا ‪ ،‬ويدعو أانيسا ‪..‬‬


‫أ‬
‫فما وجد خيرا ممن َو ِسع َس ْمعه الصوات ‪..‬‬
‫ووسع حلمه َ‬
‫الخطايا‬ ‫ِ‬
‫أ‬
‫ووسعت قدرته ال كوان‬

‫ووسع كل شيء رحمة وعلما ‪.‬‬

‫************************‬
‫وكذلك كانت سلمى َت ُبث همها إلى هللا تعالى ‪ ،‬وتدعوه أال َ‬
‫يفسد عليها قلبها ‪ ،‬ول ينشغل‬
‫بما لم ُيك تب لها ‪ .‬فما تفعل بالتقلب في أاعطاف َالهوى إذا لم يتوج ميثاقا ينسكب عليها‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪14‬‬

‫َر َحمات؟ وفيم ِيخف القلب للقلب إذا لم يك تب لهما المتزاج السرمدي على تقوى من هللا‬
‫و ِرضوان؟ وما أاك ثر ما كانت تردد في السحر دعوة العز بن عبد السالم ‪ ،‬لسيف الدين ُق ُطز ‪ ،‬لما‬
‫ْ‬
‫ه اج به الشوق إلى حبيبته ُج َّل َنار ‪" :‬اللهم إن في قلب هذا العبد الصالح ُمضغة َت ُهفو إلى ِإل ِفها‬
‫أ‬
‫في غير معصية لك ‪ ،‬فاتم نعمتك عليه ‪ ،‬واجمع شمله َبا َم ِتك التي ُيحبها ‪ ،‬على م ا تحب‬
‫وترضى ‪ ،‬على سنة نبيك محمد صلى هللا عليه وسلم" ‪.‬‬

‫*******************‬

‫ليتني أاعرف ‪..‬‬

‫ليتني أاعرف ما الذي َح َّل بقلبي؟‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫ِل َم أالتفت في كل مكان ‪ ،‬أوانظر في كل ُالعيون ‪ ،‬أواتامل كل ال ْو ُجه ‪..‬‬
‫فال أارى عينين سوى عينيه ‪ ،‬ول يتراءى لي في الوجوه ُ‬
‫غير وجهه ‪..‬‬

‫ول يحتويني مكان إل أرايته فيه؟‬

‫حتى لو غاب عن نظري ‪ ..‬ل َي َنفك يرتسم في خيالي‬

‫وكل أاحالمي ‪..‬‬


‫ِ‬
‫ّ‬

‫أاهذا هو الحب؟‬

‫لست أادري ‪..‬‬

‫لست أادري ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪15‬‬

‫إنها مشاعر ل َع ْهد لي بها من َقبل ‪..‬‬


‫أاحيانا ُتح ِكم علي قبضتها حتى لتكاد َت ُ‬
‫خنقني ‪..‬‬
‫أ‬
‫أواحيانا أاخرى ‪ ..‬تحوطني بحنان حتى ل كاد أارجوها أان تبقى ‪..‬‬
‫أ‬
‫رب إني أاسالك أوانت مقلب القلوب ‪..‬‬

‫أوانت العليم بخبايا أالنفس وذوات الصدور‬


‫أ أ‬
‫سالك أان ت أراف بحالي ول تجمع علي َ‬
‫الح ْيرات ‪..‬‬ ‫ا‬

‫فإن يكن َق َدري ‪..‬‬

‫فطمئن قلبي ‪..‬‬


‫ِ‬

‫وإن يكن غير ذلك ‪..‬‬

‫فاصرفه عني ‪..‬‬

‫واصرفني عنه ‪..‬‬

‫واقدر لي الخير حيث كان ‪..‬‬

‫ثم ارضني به ‪..‬‬

‫يا مقلب القلوب ‪ ..‬يا رحمن ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪16‬‬

‫"سلمى عادل بهاء الدين!"‬

‫عاد أاحمد َي ِنطق السم ببطء ‪ ،‬وهو يق أرا أاوراق البحث ُالم َق َّدم له للمرة الثانية ‪ .‬لقد َص ّحح‬
‫أ‬
‫العديد من البحاث قبل أان يصل لهذا ‪ ،‬كان فيهم الرديء والمتوسط والجيد ‪ ،‬لكن هذا كان‬
‫مختلفا ‪ ،‬تماما كصاحبته! إن كاتبته ل َر ْيب طالبة َنجيبة ‪ ،‬ولول أانه يصحح أاوراق الطلبة َّ‬
‫لظن‬
‫أانها أاستاذة شابة أاو زميلة في القسم ‪ .‬ابتسم أاحمد في َقرارة نفسه َلنجاح َمسعاه ‪ ،‬فهو ما طلب‬
‫أ‬ ‫َ‬
‫منهم ذاك البحث إل ليتعرف على أاصحاب المواهب َّالدفينة ‪ ،‬ويال ُحسن ما َعرف! إن السلوب‬
‫الذي ُك تبت به ِت ُلكم أالوراق ُ‬
‫ليدل على أان سلمى تلك كاتبة من ِطراز فريد ‪ ،‬بل لعلها شاعرة ‪ .‬إنه‬
‫ليحاول أان يتذكر وجوه من يعرف من الطلبة ممن يك ِثر المشاركة في محاضراته ‪ ،‬فال يكاد يتبين‬
‫بينهم اسم سلمى ‪.‬‬

‫سلمى؟!‬

‫******************‬

‫تطلعت سلمى لساعة يدها من َط ْرف َخ ِفي ‪ ،‬وهي تتظاهر بالنهماك في قراءة ك تاب في‬
‫مك تبة الكلية ‪ ،‬ثم أاتبعتها بنظرة خاطفة لهاتفها المحمول ‪ ،‬وهي تتوقع اتصال من صفاء بعد‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪17‬‬
‫أ أ‬
‫ناءة النوم أاسبوعا كامال ‪ ،‬لن الستاذ أاحمد كان‬
‫انتهاء المحاضرة ‪ .‬تلك المحاضرة التي َس َل َبتها َه َ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫سيشيد فيها باسماء البحاث الممتازة ‪ .‬كانت أابحاثها في مصاف الممتازة فيما سبق من ِس ِن ّي‬ ‫ُ‬
‫سيشيد بها ‪ ،‬وياله من جديد! حاولت ِمرارا‬‫الدراسة ‪ ،‬لكن ما َج ّد هذا العام أان " أاحمد" هو من ُ‬
‫أان ُتعد ردا ثابت َ ْ‬
‫الجاش ‪ ،‬لكنها ما إن تتخيل الموقف ‪ ،‬حتى تتورد وجنتاها ِ‬
‫وينعقد ِلسانها ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫آ‬
‫وتتهيب من بين الف النظرات ُالم َّعلقة عليها نظرَته هو ‪..‬‬‫ّ‬

‫أاحمد!‬

‫خجلها من‬ ‫الس َو ْيعات أالخيرة قبل المحاضرة ‪ ،‬وغلب ُ‬‫فكان أان َح َسمت سلمى أامرها في ُّ‬
‫تعف َيها من مرافقتها لتلك المحاضرة ‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ا‬‫اللقاء على شوقها لسماع الثناء ‪ ،‬أفالحت على صفاء أ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫متعللة بانها لم ُت ْنه قراءة النص المطلوب للمحاضرة التالية ‪ .‬وللوهلة الولى ‪ ،‬ل م تدر صفاء أايهما‬
‫تصدق ‪ :‬أان سلمى مستعدة لتفويت إحدى أاحب المحاضرات إلى كل الطلبة ‪ ،‬أاو أان سلمى قد‬
‫أ‬ ‫يفوتها تحضير نص ما حتى الدقائق أالخيرة؟! وفي كلتا َ‬
‫الح ْيرتين ‪ ،‬كان رجاء سلمى ك فيال بان‬
‫تستسلم صفاء ‪ ،‬دون مزيد من التحقيق ‪.‬‬
‫يولهما ‪َ ،‬ي ْع َجب مما أا َّلف بينهما على َت ُ‬
‫باي ِنهما ‪ .‬كانت صفاء‬
‫ُ َ‬
‫ومن يعرف طباع الفتاتين وم‬
‫أ‬
‫يتيمة الب ‪ ،‬من أاسرة َرقيقة الحال ‪ ،‬أاخذت أامها على عاتقها عبء تنشئتها بعد وفاة ُم ِعيلهم‬
‫أ‬
‫الوحيد ‪ .‬فنشات صفاء ل تعرف لها أاحدا في الدنيا إل أاما َت ِك ُّد لتريحها ‪ ،‬وتشقى لتسعدها ‪،‬‬
‫وتجوع لتشبعها ‪ ،‬فكانت أامها لها بمثابة كل أاحد وكل شيء في هذا العالم ‪ .‬غير أان والدة صفاء‬
‫أ‬
‫لم تكن قد أاكملت سوى التعليم الساسي ‪ ،‬فلم تجد لها موردا للرزق إل َّالد ِني من المهن ‪،‬‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫والم ْم َت َهن من العمال ‪ ،‬ومن ثم الت على نفسها أان ت ّعلم ابنتها حتى الشهادة الجامعية ‪ ،‬مهما‬
‫ُ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪18‬‬

‫لقت من َع َن ٍت في سبيل ذلك ‪ ،‬لتكون لها سالحا في وجه نائبات َّالد ْهر ‪ِ ،‬ود ْرعا يحميها من‬
‫تقلباته ‪.‬‬

‫هم لها سوى تحصيل‬ ‫وحفظت صفاء عن أامها رسالتها في الحياة ‪ ،‬أفا َّكبت على ُك تبها ول َّ‬
‫ولمها ما أار َادتا ‪ .‬وها هي ذي َ‬ ‫أ‬
‫قار َبت على‬ ‫شهادات النجاح ‪ ،‬ودليل كونها "متعلمة" ‪ ،‬فكان لها‬
‫أ‬
‫إنهاء تعليمها ‪ ،‬وليس لها من العلم سوى أاوراق مزخرفة ‪ ،‬مذيلة باختام ُالم َد َراء ‪ ،‬تشهد لها بما‬
‫ماني صفاء في هذه الحياة ‪ ،‬زوج طيب ميسور ‪ ،‬يرفع عن‬ ‫مرت به من سنوات التعليم! وغاية أا ِّ‬
‫أامها عبئها ‪ ،‬ويس ِكنهما في مسكن أافضل أواحسن ‪ ،‬بعدما ذاقتاه من ذل َالف َاقة ‪ِ ،‬وق َصر ذات‬
‫اليد ‪ .‬ولئن كان لصفاء ما يشفع لها فهو ما ُط ِب َعت عليه من حب غير مشروط ‪ ،‬وع رفان صادق‬
‫حسن إلى أامها وإليها ‪.‬‬
‫بالجميل ‪ ،‬لمن ُي ِ‬
‫وقد أاحبت صفاء في سلمى تلك الروح ُالمرهفة في غير َت َع ٍال ‪ ،‬وشكرت لها مساعدتها في‬
‫ك ثير من المواد الصعبة عليها ‪ .‬و أرات سلمى في صفاء ِصدقا في المودة ‪ ،‬ووفاء في الصحبة ‪،‬‬
‫وفوق هذا وذاك كانت تلك النفحة الربانية التي أالفت بين قلبيهما ‪..‬‬

‫سلمى وصفاء!‬

‫***************************‬

‫تناولت سلمى هاتفها بلهفة عندما ظهر اسم صفاء على الشاشة ‪..‬‬

‫‪ -‬هاه! خبريني ‪..‬‬


‫تسلمين أاول؟‬
‫‪ -‬أال ّ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪ -‬وعليكم السالم! كم كان التقدير؟‬


‫‪ُ ( -‬ت ْمعن في إغاظتها) لكنني لم أا أ‬
‫بدا بالسالم لتردي علي!‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬صفااااء!‬
‫‪ -‬طيب! طيب! ماذا تتوقعين غير "المتياز" المعهودة؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬في شيء من خيبة المل) فقط؟‬
‫‪( -‬في دهشة) فقط؟!‬
‫أ‬
‫‪ -‬لقد قصدت ‪ ..‬أاعني ‪ ..‬الستاذ ‪..‬‬
‫آ‬
‫‪ -‬اه ‪ ،‬كدت أانسى ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬ماذا؟ هل َّعلق الستاذ على البحث؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬بل إنه يطلب رؤيتك في مك تب القسم لنك كنت متغيبة اليوم!‬
‫‪( -‬غير مصدقة) لبد أانك تمزحين!‬
‫أ‬
‫‪ -‬إن شئت أال تصدقيني فالمر عائد إليك!‬
‫‪... -‬‬
‫‪ -‬سلمى؟‬
‫‪( -‬تشرد ببصرها دون أان تنتبه لنداء صفاء) ‪..‬‬
‫‪ -‬سلمى؟! نداء من كوكب أالرض إلى سلمى عادل ‪َّ ..‬‬
‫حول!‬

‫ولم تدر صفاء في تلك اللحظة كم كانت ُدعابتها صادقة ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪21‬‬

‫كل الصدق ‪..‬‬


‫أ‬
‫فسلمى لم تكن في ذلك الوقت على كوكب الرض ‪..‬‬

‫ول على أاي كوكب من كواكب المجموعة الشمسية ‪..‬‬

‫لقد كانت في عالم ل ُي َعرف له اسم ‪..‬‬

‫ول يدرك له ُك ْنه ‪..‬‬


‫أ‬
‫لكن ال كيد أان من دخله ‪..‬‬
‫أ‬
‫لم يعد على كوكب الرض‬

‫ول عاد ينتمي لهذا العالم!‬

‫**********************‬

‫وقفت سلمى أامام مك تب أاساتذة قسم اللغة العربية ‪ ،‬وهي تقدم رجال وتؤخر أاخرى ‪.‬‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫"ليتني لم أاتخلف عن محاضرة اليوم ‪ ،‬إذن لكان أاعطاني درجتي كالخرين وانتهى المر ‪ .‬ليتني‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫تغلبت على خجلي ‪ ،‬إذن لكنت في مامن من كل هذا الحرج ‪ .‬ثم ماذا لو كانت الغرفة مالى‬
‫أ‬
‫بالساتذة؟ يا إلهي!"‬
‫أ‬
‫وبينما هي كذلك ‪ُ ،‬فتح باب المك تب ‪ ،‬وخرج بعض الطلبة الذين كانوا يناقشون الستاذ أاحمد‬
‫فيما ك تبوه ‪ ،‬فتالقت عيونهما ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪21‬‬
‫أ‬
‫وللمرة الولى أابصرها ‪..‬‬

‫وعرفها ‪..‬‬

‫كما عرفته ‪..‬‬

‫وتخاطبت العيون خطاب الرجل للم أراة‬


‫أ‬
‫قبل أان يتحادث اللسانان حديث الستاذ والتلميذة!‬

‫******************‬

‫‪ -‬تبدو اليوم ساهما على غير العادة يا أاحمد ‪ ،‬هل َج َّد جديد في الكلية يا بني؟‬
‫‪( -‬ينتبه من ُشروده) ل ‪ ..‬أابدا يا أاماه ‪ ..‬كل شيء على خير ما يرام ‪ .‬كنت أاركز انتباهي على‬
‫الطريق فحسب ‪.‬‬
‫‪ -‬اعذرني يا بني لشغل وقتك باصطحابي للسوق وعندك من المهام ما يك فيك ‪ ،‬ولكن أاباك‬
‫أ‬
‫ل يعود إل في وقت متاخر ‪..‬‬
‫‪ -‬عالم العتذار يا أامي الحبيبة؟ (يبتسم) تعلمين كم أاحب الخروج معك يا أاماه أوانت‬
‫تمتعين سمعي بدعواتك العطرة ‪.‬‬
‫‪( -‬تبتسم) أاسعد هللا قلبك يا بني ‪ ،‬ول حرمني ابتسامتك الغالية ‪..‬‬

‫ولم تدرك والدته في تلك اللحظة أان ابتسامته إنما كانت تخفي خلفها ‪..‬‬

‫قلبا حائرا ‪ ..‬كحيرة سلمى!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪22‬‬

‫******************‬

‫سلمى!‬

‫كيف لم أانتبه لها قبال؟‬

‫أاي جوهرة كنت أادرسها طوال العام دون أان أانتبه؟‬

‫أاتكون هي هي؟‬
‫آ‬
‫أاهي من رسمتها في امالي أواحالمي ‪..‬‬
‫أ‬ ‫منذ ُ‬
‫بلغت السن التي تزهر فيها تلك الحالم ‪..‬‬

‫أاحالم القلوب؟‬

‫إن الكلمات لتنسكب منها على الورق ‪ ،‬فإذا به يذوب من رقتها وحالوتها ‪ ،‬وما كالمها حين‬
‫أ‬
‫تتكلم باقل روعة ‪ .‬أاي أاديبة انطوت عليها تلك الفتاة الخجول؟ بل أاي عقل ناضج متفتح حواه‬
‫أ‬
‫ذلك ال أراس المستور؟ إننا لنكاد نتشارك الهتمامات كلها ‪ ،‬أواسماء الدباء ‪ ،‬وعنواين الك تب ‪..‬‬
‫أ‬
‫لكانما كنا معا طوال تلك السنوات ‪..‬‬
‫أ‬
‫لكانني عرفتها قبل أان أاراها ‪..‬‬
‫أ‬
‫لكان قلبي رسمها في مخيلتي قبل أان تشهدها عيني ‪..‬‬

‫سلمى!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪23‬‬

‫وما أادراك ما سلمى!‬

‫*****************‬

‫" كل هذه مشتروات يا فاطمة! "‬


‫ْ أ‬ ‫أ‬
‫َت ْم َت َم الحاج عادل بغيظ وهو يضع ال كياس ِتل َو ال كياس في صندوق السيارة ‪ .‬غير أان تمتمته‬
‫أ‬ ‫ْ‬
‫بلغت َس ْمع الحاجة فاطمة ‪ ،‬فقالت وهي تعاونه في نقل ال كياس إلى السيارة ‪:‬‬

‫‪ -‬إنك تبالغ يا أابا سلمى!‬


‫أ‬
‫كياسك المنتفخة!‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬قولي هذا ل‬
‫أ‬
‫‪ -‬وما ذنبي إن كانت هذه الطلبات الساسية؟!‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬كل هذا الطلبات الساسية لسرة من ثالثة أافراد يا فاطمة؟َ! لو أاعلم أانك ستشترين كل هذا ‪،‬‬
‫لوج ْه ُت دعوة إلى أاهالي الصومال ليشاركونا!‬
‫َّ‬
‫أ‬
‫‪( -‬تنظر ل كياسها في شئ من التردد) ليس إلى هذه الدرجة! ربما ‪ ..‬ربما قليال فقط ‪..‬‬

‫اتق هللا يا فاطمة!‬


‫‪( -‬مستنكرا) قليال؟! ِ‬
‫يسمعك يحسبني ارتكبت ذنبا أاو إثما ُم ِبينا!‬
‫َ‬ ‫‪ -‬من‬

‫‪ -‬أاوليس اإلسراف ذنبا؟!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪ -‬ما لن نحتاجه اليوم سنحتاجه غدا! ثم إن سلمى صارت َعروسا ومعظم المقتنيات لها ‪( .‬ل يرد‬
‫عليها ‪ُ ،‬فت ْر ِدف مدافعة) لقد كان أاغلبها بنصف الثمن! ( َيت ِمتم بكلمات ُم َبهمة ‪ ،‬فتقول غاضبة)‬
‫َ‬
‫وتذهب للصالة! إنك تعاملني كطفلة‬ ‫كنت مسرفة هكذا فال تتركني بعد ذلك أاتسوق لوحدي‬
‫إذا ُ‬
‫أافسدها التدليل!‬
‫أ‬
‫‪( -‬يرفع أراسه ‪ ،‬وقد كان منحنيا على ال كياس يرتبها في صندوق السيارة) أاحسنت يا فاطمة!‬

‫‪( -‬تنظر إليه مندهشة وتحسبه قد سامحها) أاحقا؟‬

‫‪ -‬هذا بالضبط التعبير الذي كنت أابحث عنه منذ عشرين سنة!‬

‫‪( -‬تضرب ك تفه برفق غاضب ‪ ،‬ثم تستدير وتتجه إلى السيارة ‪ ،‬فتجلس في ِالمقعد الخلفي بدل‬
‫أ‬
‫المامي)!‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬ينهي ترتيب ال كياس ‪ ،‬فيغلق الصندوق ثم يتجه إلى زوجته ‪ ،‬مستمتعا بمداعبتها) ا ِ‬
‫غضبت يا‬
‫فاطمة؟‬

‫‪( -‬ل ترد)!‬

‫كنت أامازحك!‬
‫‪ -‬قد ُ‬
‫أ‬
‫عدت أا ّ ِفرق بين ِمزاحك ِوجدك! فانت في جدك مازح ‪ ،‬وفي مزاحك جاد!‬
‫‪( -‬تنظر إليه معاتبة) ما ُ‬
‫آ‬
‫‪ -‬أانا اسف! (يلوح لها بمفاتيح سيارته) ما أرايك أان تريني مهارتك في القيادة طالما الطريق هادئ‬
‫هنا؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪25‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تخرج من السيارة على الفور‪ ،‬وتاخذ منه المفاتيح مسرورة) أاحقا ستسمح لي؟ (يبدو عليها‬
‫القلق) لكنني مازالت حديثة عهد بدروس القيادة ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬ل تقلقي ‪ .‬ساجلس بجانبك أواوجهك ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تجلس في ِمقعد السائق َوت ُهم بإدارة المفتاح غير أانها تتوقف فجاة)‬
‫أ‬
‫‪ -‬ما المر يا فاطمة؟‬

‫لست غاضبا مني يا أابا سلمى؟‬


‫‪( -‬تنظر إليه برجاء) أا َ‬

‫‪( -‬يبتسم لها ابتسامة حانية) ل يا فاطمة! إنني أاسامحك أواسامح أاكياسك َ‬
‫المت َو ّ ِرمة كذلك على‬
‫شرط!‬

‫‪ -‬وما هو؟‬

‫نت كذلك!‬ ‫أ‬ ‫أ‬


‫‪ -‬ان تسامحيني ا ِ‬
‫‪( -‬تبتسم عالمة السماح والرضا ‪ ،‬ثم تدير المفتاح في السيارة)‬
‫آ‬
‫حسنت ‪ ،‬والن اضغطي على دواسة البنزين برف ‪َ (...‬ي ُبتر عبارته مع النطالقة العنيفة‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬جيد ‪ ،‬أا‬
‫للسيارة ‪ ،‬فيصيح) برفق ‪ ،‬برفق يا فاطمة!‬

‫‪( -‬تضغط الفرامل بقوة وهي تشهق) بسم هللا الرحمن الرحيم! أاسيارة هذه أام صاروخ!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪26‬‬

‫يدك أانت يا فاطمة ‪ ،‬قذيفة ِمدفع م ن الحجم العائلي!‬


‫‪َ ( -‬ي ِزفر في توتر) بل هي سيارة! وف ي ِ‬
‫آ‬
‫(تضحك) والن مرة ثانية يا فاطمة ‪ ،‬برفق ‪ ..‬برفق ‪(..‬السيارة واقفة) ما بك يا فاطمة؟ اضغطي‬
‫على دواسة البنزين!‬

‫بالفعل أاضغط عليها برفق!‬


‫‪ -‬ولكنني ِ‬
‫قلت "اضغطي" يا فاطمة و ليس "المسي" ( أ‬
‫تبدا السيارة في التقدم ببطء)‬ ‫‪( -‬ينظر لموضع قدمها) ُ‬
‫نعم ‪ ،‬هكذا ‪ ..‬على بركة هللا ‪( .‬يرفع يديه ‪ ،‬ويهمهم)‬

‫‪ -‬بم تدعو يا أابا سلمى؟‬

‫‪ -‬كنت أاتشهد ‪ ،‬أوادعو هللا أان يحفظ سلمى إذا لم نعد للبيت الليلة!‬

‫‪ -‬هكذا إذن! سترى! (تضغط على دواسة البنزين بقوة قليال)‬

‫‪ -‬برفق يا فاطمة ‪ ،‬ل تتعجلي‪..‬‬

‫‪( -‬تزيد سرعة السيارة) ل تقلق ‪ ،‬فالطريق منبسط أامامن ‪َ ( ..‬ت ْب ُتر عبارتها مع صوت النفجار‬
‫المفاجئ ‪ ،‬ثم تنحرف السيارة بسرعة)‬

‫‪( -‬يصيح بها) الفرامل ‪ ،‬اضغطي على الفرامل يا فاطمة!‬

‫‪( -‬في َه َلع) أاين هي؟ أاين الفرامل؟ (تضغط بقوة)‬


‫أ‬
‫‪ -‬ل ‪ ،‬ل هذا البنزين! اضغطي على الخرى!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪27‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تضغط باقصى قوة على الدواسة الخرى ‪ ،‬فتقف السيارة َبم ْيل ُم ْحد ِث ًة َص ِريرا عاليا) رباه! ما‬
‫الذي ُ‬
‫فعلته؟! (ينزلن من السيارة)‬
‫عد ِنيا لمعا ُفيريه لها) لم تكن َ‬
‫غلطت ِك! إنه‬ ‫‪( -‬يفحص اإلطار الذي انفجر ‪ ،‬ثم يمسك شيائ َم ِ‬
‫ِ‬
‫مسمار كبير في ُع ْرض الطريق!‬

‫‪( -‬تضع يدها على صدرها) الحمد هلل!‬


‫َ‬
‫‪ -‬حقا ‪ ،‬الحمد هلل الذي ل َطف بنا‪.‬‬

‫‪ -‬إنما قصدت الحمد هلل أانها لم تكن غلطتي!‬


‫أ‬
‫(ينظر إليها مندهشا ‪ ،‬وتنظر إليه هي الخرى متوقعة أان يرد عليها ‪ ،‬ثم يضحكان معا ‪ .‬بعد قليل‬
‫تتراءى لهما من بعيد أانوار سيارة قادمة ‪ ،‬فيضيء الحاج عادل أانوار السيارة الخلفية ‪ ،‬التي‬
‫ُت ِومض إشارة الخطر)‬

‫****************************‬
‫أ‬
‫‪ -‬انظر يا أاحمد! كانهم تعرضوا لحادث!‬

‫يوقف سيارته قريبا من سيارة الحاج عادل) فلتنتظري هنا يا أاماه ‪،‬‬
‫‪ -‬ل حول ول قوة إل باهلل! ( ِ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫وسانزل أانا لرى الوضع ‪.‬‬

‫‪( -‬يخرج من سيارته متوجها للحاج عادل والحاجة فاطمة) السالم عليكم يا عماه ‪ ،‬هل أانتم‬
‫بخير؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪( -‬الحاج عادل) نحن بخير والحمد هلل ‪ ،‬ولكن أاحد إطارات سيارتنا انفجر ‪.‬‬

‫نوص ُل ُكم لمنزلكم ‪ ،‬ثم ُنص ِلح السيارة فيما بعد (تحين من الحاجة فاطمة‬
‫‪ -‬إذن تفضلوا معنا ِ‬
‫نظرة إلى السيدة الجالسة داخل سيارته) ليس معي سوى والدتي في السيارة ‪ ،‬وهي ترحب‬
‫بذلك‪.‬‬

‫‪ -‬جزاك هللا خيرا يا بني ‪ ،‬إنك وهللا لرجل كريم ذو ُم ُرو َءة (ينظر لزوجته) هيا يا فاطمة ‪.‬‬

‫‪( -‬يبدو عليها التردد) والمشتروات؟ هل سنتركها في صندوق السيارة هكذا؟‬

‫‪( -‬ينظر إليها معاتبا ‪ ،‬ويهمس في َغ ْيظ) أاهذا وقته يا فاطمة؟!‬


‫أ‬
‫‪( -‬يتدخل احمد متفهما) إنها محقة يا عماه ‪ ،‬هناك ُمتسع في سيارتي ‪ ،‬لحظة واحدة (يسرع‬
‫أ‬
‫أاحمد يحادث والدته في حين يتجه الحاج عادل والحاجة فاطمة لسيارتهما إلحضار ال كياس)‬

‫‪ -‬أاعتذر يا أاماه إذ َع َرضت ذلك قبل استئذانك ‪ ،‬ولكنني أاعلم أانك مسارعة في الخير‪.‬‬
‫آ‬
‫‪ -‬معك حق يا بني ‪( ،‬تنزل من السيارة) افتح لي الصندوق لخذ أاكياسي في ِح ْجري ‪ ،‬وضع‬
‫أاكياسهم هم في الصندوق ‪.‬‬

‫‪ -‬أاواثقة أانك ستكونين مرتاحة يا أاماه؟‬


‫أ‬
‫‪ -‬ل تقلق يا بني الحبيب ‪ ،‬إنها ليست أاكياسا ك ثيرة (تاخذ أام أاحمد أاكياسها وتجلس في ِالمقعد‬
‫الخلفي) ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪29‬‬

‫نت يا فاطمة مع‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬


‫‪( -‬يضعان ال كياس امام سيارة احمد) حسنا ‪ ،‬سارتبها انا مع الشاب ‪ ،‬واجلسي ا ِ‬
‫أ‬
‫السيدة في المقعد الخلفي (تذهب الحاجة فاطمة ‪ ،‬وياتي أاحمد لمعاونته) نعتذر لما سببناه من‬
‫إزعاج لكم يا بني ‪.‬‬

‫‪ -‬ل إزعاج على اإلطالق يا عماه ‪.‬‬

‫‪ -‬جزاك هللا خيرا يا ‪..‬‬

‫‪( -‬يبتسم له) أاحمد ‪ ،‬اسمي أاحمد ‪.‬‬

‫‪( -‬يصافحه) أوانا الحاج عادل ‪ ،‬سررت بالتعرف إلى شاب مثلك يا أاحمد!‬

‫********************‬
‫دق جرس الباب في منزل سلمى ‪ ،‬فسارعت تفتحه ‪ ،‬و لما أرات والدتها تنفست ُّ‬
‫الص َع َداء ‪ ،‬غير‬
‫أ‬
‫أانها فوجئت بامها تدفعها ِبرفق إلى الداخل وهي ترسم حول أراسها دائرة ‪:‬‬

‫‪ -‬بسرعة اصعدي وار ِتد حجابك ‪ ،‬معنا ضيوف ‪.‬‬

‫‪( -‬تهمس متعجبة) ضيوف؟ من؟‬

‫‪( -‬تدفعها ناحية َّالد َرج في عجلة) أاحمد ‪ ،‬أاستاذك في الكلية ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تتسمر مكانها ك تمثال من رخام) أاحمد؟ مدرس الدب العربي؟!‬

‫‪( -‬يتناهى لسمعهم صوت الحاج عادل مع الضيوف) هيا يا سلمى ‪ ،‬أاسرعي!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪31‬‬

‫****************‬
‫أ‬
‫أاغلقت سلمى باب غرفتها وهي تلهث ‪ ،‬ثم وضعت أاذنها على الباب علها تتبين الصوات في صالة‬
‫الستقبال ‪ .‬لم يكن عسيرا عليها أان تتبين نبرة أاحمد الرنانة ‪ .‬أاو لعله لم يكن عسيرا على أاذنها‬
‫أ‬
‫هي ‪ ،‬أاليست الذن تعشق قبل العين أاحيانا؟‬

‫سارعت سلمى لدولبها ‪ ،‬أواخرجت عباءة استقبال‪ ،‬وراحت تبدل مالبسها في َعجل ‪ ،‬وهي ل‬
‫تكاد تصدق ما هي فيه!‬
‫أ‬
‫الستاذ أاحمد في بيتنا!‬

‫في الدور السفلي!‬

‫كيف؟!‬

‫أايعقل ‪..‬‬

‫أايعقل أانه‪..‬‬

‫يخطبني؟!‬
‫جاء ِ‬
‫بهذه السرعة؟‬

‫مستحيل!!‬

‫مستحيل!!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪31‬‬
‫ْ أ‬
‫سيل الفكار والدتها تفتح باب الغرفة وهي تهمس‪:‬‬ ‫َق َطع عليها‬
‫أ‬
‫‪ -‬لماذا تاخرت يا سلمى؟ إننا ننتظرك!‬
‫عدل حجابها وهي تهمس بدورها) لماذا جاء؟‬ ‫‪ُ ( -‬ت ّ‬
‫ِ‬
‫أ‬
‫‪ -‬لن أاباك دعاه ‪ ..‬هيا أاسرعي!‬
‫‪ -‬ولماذا دعاه؟‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تاخذ بيد سلمى) دعي التحقيق جانبا وتعالي الن ‪.‬‬
‫‪( -‬تحاول تخليص يدها من قبضة أامها) انتظري يا أاماه ول تتعجليني ‪ ،‬لست جاهزة بعد!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تتاملها) ماذا ينقص أاك ثر من هذا! هيا ‪ ،‬ل تماطلي ‪.‬‬

‫ولم تدرك والدتها أانها حقا لم تكن جاهزة‬

‫أوان قلبها هو الذي كان يماطل ل هي!‬

‫**************‬
‫ّ‬
‫جلست سلمى إلى جانب والدتها وبصرها ل يكاد يفارق موضع قدميها ‪ ،‬فتولت والدتها‬
‫التحيات والتعريفات نيابة عنها ‪ ،‬إذ لم تكن المسكينة لتقدر على أاك ثر من أان تغمغم بكالم‬
‫أ‬
‫مبهم ‪ ،‬ل يكاد يفارق شفتيها ‪ ،‬حتى يقع في منتصف الطريق ‪ ،‬قبل أان يبلغ أايا من السماع ‪.‬‬

‫ثم ساد صمت قصير بعد أان خفت زوبعة التعارف والسالم ‪ ،‬ربما لم يزد على ثوان ‪،‬‬
‫قبل أان تلتقط الحاجة فاطمة َط َرف الكالم مرة ثانية ‪ ،‬فتدير حوارا مع والدة أاحمد ‪ .‬كان ذلك‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪32‬‬
‫أ‬
‫النوع من ِالحوارات الذي تتولى الوالدات ِعبء الضطالع به في أاوقات ارتباك البناء ‪ ،‬فيتكلمن‬
‫أ‬
‫دون أان يقلن شيائ ‪ ،‬ويك ِث ْرن عبرات المجاملة والترحاب ‪ ،‬حتى َت ُثقل على السماع ‪ .‬ثم يختمنه‬
‫المغلف بشيء م ن التهديد ‪ ،‬أاو بك ثير من التهديد المصحوب‬ ‫بنظرة يود ْعنها معاني الرجاء َّ‬
‫ِ‬
‫أ‬
‫بالرجاء ‪ ،‬إذا لم يحاول أاحد البناء التقاط طرف الحديث ‪ ،‬قبل أان َي ِهو َي في ِوديان الصمت مرة‬
‫أاخرى ‪.‬‬
‫أ‬
‫ذلك النوع من الصمت الذي َت ُم ُّجه السماع ‪..‬‬

‫ُوت ْه َرع إليه القلوب ‪..‬‬

‫قلوب المحبين ‪.‬‬

‫*************************‬

‫كان الحاج عادل أاسبق من أاي من سلمى أواحمد في َت َل ُّقف اإلشارة من َزوجته ‪ ،‬التي كانت‬
‫بدورها أاسبق في تسديد النظرة الختامية لزوجها قبل والدة أاحمد لبنها ‪ ،‬فالتفت الحاج عادل‬
‫إلى أاحمد مكررا شكره ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬سبحان هللا! تامل تقدير هللا أان تتعطل بنا سيارتنا في ذات الطريق والوقت الذي مررتم‬
‫فيه ‪ ،‬حتى نتعرف إلى أاستاذ ابنتنا ‪..‬‬
‫‪ -‬الشرف لنا يا عماه ‪ُ ،‬جزيتم خيرا فقد أاحسنتم ضيافتنا ‪.‬‬
‫‪ -‬وكيف سلمى في دراستها يا أاستاذ أاحمد؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪33‬‬
‫أ‬
‫والدها فيما يشبه العتاب ‪ ،‬وقد تصاعد الدم إلى‬ ‫للمرة الولى رفعت سلمى ناظريها إلى ِ‬
‫أ‬
‫وجنتيها حتى كادتا تنفجران ِبح ْم ِلهما ‪ ،‬واشتد َوجيب قلبها ‪ ،‬كانه َقرع طبول حرب على َو ْشك‬
‫الندلع ‪ .‬وما َخ ِفي على أاحمد ما ُتكابده ‪ ،‬فما زاد على أان ابتسم وهو ُي ّ‬
‫حول بصره إلى والدها ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪ -‬أاقل ما يمكن أان يقال هو أانها ممتازة ‪ .‬فلها أاسلوب لو لم تكن طالبة لظننته أاسلوب‬
‫أاستاذة ‪..‬‬
‫‪( -‬تندفع الحاجة فاطمة في َزهو) طبعا ‪ ،‬طبعا ‪ ،‬لقد و ِرثت هذا عن أابيها فله مك تبة عارمة‬
‫يعك ف فيها أاغلب وقته ‪..‬‬
‫ِ‬
‫‪( -‬مقاطعا وهو ينظر لبنته نظرة فخر) بل سلمى ‪ -‬ما شاء هللا ‪ -‬متعلمة نجيبة ‪ ،‬تكاد‬
‫تفوقني في قراءاتي ‪..‬‬
‫‪ -‬هل تك تبين أاشعارا أاو خواطر يا سلمى؟‬
‫أ‬
‫وللمرة الولى في حياتها ر ّن اسمها في قلبها بدل أان يرن في أاذنيها ‪ ،‬كم بدا الوقع مختلفا‬
‫حين صدر عنه هو بالذات ‪ .‬وعلى َّالرغم من َع َفوية السؤال ‪ ،‬فقد ْارُت َّج على سلمى واحتبس لسانها‬
‫أ‬
‫في حلقها ‪ ،‬فهو لم يوجه لها سؤال صريحا منذ جمعهما المجلس ‪ .‬وكانما أاشفقت أامها مما‬
‫اعتراه ا ‪ ،‬فسارعت تقول بابتسامة عريضة ‪:‬‬

‫‪ -‬سلمى تك تب كل شيء!‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬رفع حاجبيه كانما ليظهر اإلعجاب مجاراة لندفاع والدتها) إذا كان المر هكذا فلسوف‬
‫يسرني أان أاطلع عليها ‪ .‬بل إن لي صديق ي أراس تحرير مجلة أادبية ‪ ،‬وهي بعد في أاعدادها‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪34‬‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫الولى فليس لها ِصيت ذائع حتى الن ‪ ،‬لكن لو أاحبت سلمى أان تنشر فيها كبداية‪،‬‬
‫فلسوف يسرني أان أازودكم بالعنوان ‪.‬‬
‫‪( -‬يومئ شاكرا) سيكون هذا كرما منك يا أاستاذ أاحمد ‪.‬‬
‫‪( -‬يومئ لوالدته) وإذ ذاك فنحن نشكر لكم كرم ضيافتكم ‪ ،‬لكن لبد لنا من النصراف‬
‫آ‬
‫الن ‪( .‬ينهضان)‬
‫‪ -‬أال تبقون حتى َالعشاء؟‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫تسلم على أا ّم سلمى شاكرة) جزاكم هللا خيرا ‪ ،‬لكننا تاخرنا أواطلنا عليكم ‪ ،‬في وقت اخر‬
‫‪ّ ( -‬‬

‫بإذن هللا تعالى ‪.‬‬

‫بدات بالتحيات ‪ .‬وبين تحيات الولوج وتحيات الخروج ‪،‬‬ ‫واختتمت الجلسة بالتحيات كما أ‬ ‫ُ‬

‫وقفت سلمى كمن هو في ُح ُلم بين النوم واليقظة ‪ ،‬فال هو قادر على تصديق الحلم في المنام ‪،‬‬
‫أ‬ ‫ول ه و يق در أان ّ‬
‫يكذبه ف ي الواقع ‪ .‬واستاذنت بعد انصراف الضيوف لتبدل مالبسها قبل‬ ‫ِ‬
‫َالعشاء ‪ ،‬في محاولة لتخلو بنفسها ‪ ..‬وإلى قلبها ‪.‬‬

‫**************‬

‫والديها ‪ ،‬فقد جلس الحاج عادل مستغرقا في خاطر ما ‪ ،‬في حين أارسلت‬ ‫أواما ما كان من أامر ْ‬
‫الحاجة فاطمة نفسها على َس ِج َّي ِتها ‪ ،‬تفكر بصوت مسموع ‪ ،‬وهي ُت ِعد مائدة َالعشاء ‪:‬‬
‫أ‬
‫" أا أرايته يا أابا أاحمد؟! شاب يمال العين بهجة ‪ ،‬والقلب سرورا ‪ ،‬ووالدته سيدة في قمة التهذيب‬
‫والهدوء والوقار‪ ، "..‬ثم سك تت قليال َع َّل زوجها يشاركها خواطره ‪ّ ،‬‬
‫فلما ل ْم يرد التفتت إليه ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪ -‬أابا سلمى؟‬
‫‪( -‬ينظر إليها كمن انتبه من حلم) َهه؟ نعم يا فاطمة؟‬
‫‪ -‬أالم تسمع ما قلت؟‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫يت كيف كان ينظر لسلمى؟‬ ‫‪( -‬كانما لم يسمع سؤالها) هل را ِ‬
‫أ‬
‫وكان الحاج عادل وفر عليها عناء البحث عن مدخل ‪ ،‬فسارعت ترد عليه ‪ ،‬قبل أان يستعيد‬
‫َدفة الحديث منها‪:‬‬

‫‪ -‬ابنتنا صارت عروسا يا أابا سلمى ‪..‬‬


‫أ‬
‫أاطرق الحاج عادل ساك تا ‪ ،‬فما كان له أان ينكر ما استشعره بقلب الب ‪ .‬ولكنه لطالما‬
‫أ‬
‫طوى قلبه على أامنية ‪َ ،‬ع َّز عليه أان يا َتي من ُي َع ِّكر َص َفوها ‪ .‬ذلك أان الحاج عادل كان يرجو أان‬
‫أ‬
‫تتزوج سلمى بعد تخرجها من قاسم ابن أاخيه ‪ .‬وقد كان قاسم بحق َز ْين شباب السرة َخلقا‬
‫وخ ُلقا ‪ .‬وزاد على ذلك أانه صار رجال وهو بعد في ُب ْك َرة الشباب ‪ ،‬إذ ُت ِّوف َي والده وهو في‬ ‫ُ‬
‫أ‬
‫العشرين ‪ ،‬فقام بمكانه خير ِقيام ما استطاع ‪ ،‬وكان لمه أواخواته خير ُمعيل ومعين من‬
‫وقتها ‪ .‬وما كان الحاج عادل ليرى هدية أا َثمن من من ابنته ُوق َّرة ْعينه سلمى ‪ ،‬ليسبغها على‬
‫أ‬
‫ابن أاخيه الثير عنده‪.‬‬
‫يعت ِمل في صدره ‪ ،‬وق أرات على جبينه ُ‬
‫وكان زوجته استشفت ما َ‬‫أ‬
‫طرق ما يجول في ِفكره‬‫ِ‬ ‫الم‬
‫‪ ،‬فجلست إلى جانبه ووضعت يدها الحانية علي يديه وهي تقول ‪َ " :‬ه ِ ّون عليك يا أابا سلمى ‪،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫فإني لعلم كم ترجو أان تكون سلمى لقاسم ‪ ،‬ووهللا إنه لك فء كريم ‪ ، "..‬وسك تت كانما لم‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪36‬‬
‫أ‬
‫تجرؤ على النطق بما قال قلبها ‪ .‬لقد كانت بقلب الزوجة تؤيد زوجها ‪ ،‬ولكنها بقلب الم أرات‬
‫حصل من درجة‬‫في أاحمد ‪ّ -‬لما ظهر‪ِ -‬صهرا ل َي ِقل ك فاءة عن قاسم ‪ ،‬بل لربما كان يفوقه بما َّ‬
‫علمية مرموقة ‪ .‬فقد كان قاسم يشتغل بتجارة الستيراد والتصدير ‪ ،‬ولم يكن صاحب شهادة‬
‫علمية ذات َو َجاهة ‪ ،‬ألن تفكيره انصب على رعاية أامه أواخواته ‪ّ ،‬‬
‫وسد ُث ْغرة َّالنقص الناجمة‬
‫ِ‬
‫أ‬
‫عن وفاة الب المفاجئة ‪ .‬فكان لقاسم هموم أواولويات ‪ ،‬أراى التفرغ للدراسة والتفوق العلمي‬
‫إلى جانبها َت َرفا لم يكن له أان يقدر عليه ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫وكان زوجها فهم عنها ما دار َبخ َلدها ‪ ،‬وجمع إلى ذلك شعو َره بان قلب ابنته مال لغير‬
‫الخ ْوض في أامر هو َب ُ‬
‫عد في ضمير الغيب ‪َ ،‬فر َّبت على يدي‬ ‫من اختاره لها ‪ ،‬ف أراى أان يترك َ‬

‫زوجته ‪ ،‬وقال مبتسما ‪:‬‬

‫‪ -‬قومي نتناول العشاء يا فاطمة ‪ ،‬ودعينا من هذا الحديث ‪ ،‬فبين َغ ْمضة عين وانتباهتها ‪،‬‬
‫وقلبها ‪ ،‬فلن أاجبرها‬ ‫َ‬
‫يغير هللا من حال إلى حال ‪ .‬كالهما ِصهر كريم ‪ ،‬والخيار لسلمى ِ‬ ‫ِّ‬
‫على ما أاريد ‪ ،‬ولن أاعارضها فيما هي تريد ‪.‬‬

‫ابتسمت الحاجة فاطمة ‪ ،‬ونهضت تقبل أراسه ‪ ،‬فما أارادت هي أاك ثر مما سمعت ‪ ،‬وما كان‬
‫ليسعدها أاحمد أاو يسوؤها قاسم ‪ ،‬إل بقدر ما يسعد قلب ابنتها الوحيدة ‪.‬‬

‫وما َد َرت أام سلمى أان سلمى في ذلك الوقت كانت هي تبحث عن قلبها ‪..‬‬

‫فإذا هو تارة يخفق حتى ليكاد يقفز خارج صدرها ‪..‬‬

‫وإذا هو تارة هادئ ساكن حتى لتشك أانه في موضعه ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪37‬‬

‫وكذلكم المحبون ‪..‬‬

‫بين وجيب قلب وخفقان هوى ‪..‬‬

‫وابتسامة ولهان ودمعة َج َوى ‪..‬‬

‫وما يكون في النهاية لقلبين أان يجتمعا ‪..‬‬

‫إل أان يشاء هللا رب العالمين ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪38‬‬

‫أ‬ ‫أ‬
‫تحلقت السرة الصغيرة حول المظروف النيق ‪ ،‬الذي وصل لسلمى منذ دقائق معدودة ‪.‬‬
‫وراحت سلمى َت ُفرك ك ّفيها في َت َر ُّقب بينما والدها يفتح الظرف بعناية ‪ ،‬في حين كانت الحاجة‬
‫الكل متلهفا ‪ .‬وانشق المظروف أاخيرا عن المجلة‬
‫فاطمة تتململ من بطء زوجها حين يكون ُ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الدبية ‪ ،‬التي وعد أاحمد بالك تابة لرئيسها لتنشر سلمى فيها ‪ .‬وسارع الب يقلب الصفحات بحثا‬
‫عن اسم ابنته ‪ ،‬حتى إذا وصلوا للصفحة المنشودة تعالت صيحات الفرح ‪ ،‬واحتضنت الحاجة‬
‫فاطمة سلمى طويال ‪ ،‬في حين كان الحاج عادل يمتع ناظريه ‪ ،‬فخورا باسم ابنته مك توبا بالخط‬
‫العريض وسط الصفحة ‪" :‬بقلم ‪ :‬سلمى عادل بهاء الدين" ‪.‬‬
‫أ‬
‫وكانت الحاجة فاطمة أاول من َت َن َّبه إلى الرسالة المطوية بعناية داخل المظروف النيق ‪،‬‬
‫أ‬
‫فناولتها لسلمى ‪ .‬كانت رسالة ثناء من رئيس التحرير ‪ُ ،‬يشيد فيه باسلوب سلمى ‪ ،‬ويؤكد على‬
‫أ‬
‫تزكية أاستاذها وصديقه العزيز أاحمد ‪ .‬أاما سلمى ‪ ،‬فقد كانت ُجل سعادتها نابعة من علمها بان‬
‫أاحمد لبد قارئ ما ك َتب ْته ‪ .‬وكذا قلب ُالمحب ‪ ،‬يختلف الناس أاجمعون في عين صاحبه عن‬
‫الحبيب ُالمجتبى ‪.‬‬

‫*******************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪39‬‬

‫صعدت سلمى لغرفتها برسالة التزكية ‪ ،‬وقلبها يموج في بحور من السعادة ‪ .‬أالقت بنفسها‬
‫َ‬
‫أ‬ ‫ضرج خداها ُ‬ ‫على فراشها الصغير ‪ ،‬وخبئت وجهها في وسادتها ‪ ،‬وقد َت َّ‬
‫بالحمرة ‪ ،‬كانهما وردتان‬
‫بديعتان ‪ .‬وطاف بخاطرها طيف العروس ‪ ،‬فضحك قلبها سرورا ‪ .‬لقد أرات من معاملة أاستاذها‬
‫يقوي أاملها فيما َو َقر في قلبها من أان أاحمد ُي ِك ّن لها أاك ثر مما َي ُكن أاستاذ‬
‫وحفاوته بها ‪ ،‬ما ّ‬ ‫الشاب َ‬
‫أ‬
‫لطالبة ‪ ،‬تماما كما أانها ُت ِك ّن له أاك ثر مما تكن طالبة لستاذ ‪.‬‬

‫أاحقا يرى فيها أاحمد شريكة العمر؟‬

‫أاحقا سيكون لها أان تقاسمه قلبها ويقاسمها عالمه؟‬


‫آ‬
‫اه يا أاحمد!‬
‫أ‬
‫متى ياتي اليوم الذي تطرق فيه الباب؟‬

‫تدخله وحيدا ‪..‬‬

‫ثم تخرج منه ‪..‬‬

‫أوانا معك ‪..‬‬

‫يدا بيد!‬

‫تحت سمع وبصر العالم أاجمع!‬

‫وما دار بخاطرها ولو للحظة‬

‫أان انتظارها‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪41‬‬

‫سيطول ‪..‬‬

‫ويطول ‪..‬‬

‫ويطول!‬

‫*********************‬

‫انتهى أاحمد من ترتيب أاوراق طلبة السنة الرابعة في صندوق سيارته ‪ ،‬وانطلق متجها‬
‫أ‬
‫ليبدا َحملة تصحيح أاوراق البحث النهائي ‪ .‬حانت منه نظرة إلى ِالمقعد المجاور ‪ ،‬فالفى‬ ‫للمنزل ‪ ،‬أ‬
‫أ‬
‫عليه أاعدادا من ِالمجلة الدبية ‪ ،‬فابتسم إذ تذكر مقال سلمى المنشور فيها ‪ .‬لقد ق أراه مرارا َوتكرارا‬
‫ُ‬
‫حتى كاد يحفظ أاك ثره ‪ .‬هلل َد ُّرها تلك الشابة! لقد َم َلكت عليه ل َّبه ‪ ،‬وهو الذي كان غارقا في‬
‫الدراسة حتى أاذنيه ‪ ،‬فلم يطرق طارق الحب قلبه ‪ ،‬ول هو أاجاب النداء حتى عرفها ‪ .‬صبرا يا‬
‫ْ‬
‫أاحمد! شهران وتنتهي من امتحاناتها ‪ ،‬وتنتهي أانت من أامور التصحيح ‪ ،‬ثم تتقدم ِلخطبتها رسميا‬
‫‪..‬‬
‫أ‬
‫نعم سا ْخ ِطبها ‪..‬‬

‫وستصير سلمى عروسي ‪..‬‬

‫وزوجتي ‪..‬‬

‫وحليلتي ‪.‬‬

‫*****************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪41‬‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫ولم يخطر له على بال ما ستحمله له تلك الوراق من مفاجات ‪..‬‬
‫ول بالرياح التي َ‬
‫ست ُهب ‪..‬‬

‫بما ل تشتهي سفنه ‪..‬‬

‫ول سفنها ‪.‬‬

‫*******************‬
‫أ‬
‫وقد اعتادت أاسرة أاحمد "طقوس" تلك الفترة من كل عام دراسي ‪ ،‬فاخته الوسطى أاروى‬
‫َ‬
‫تعتني بالصغيرة رؤى ‪َ ،‬لت ُحد من ل ِهوها في أانحاء المنزل ‪ ،‬ف ي حين تمتنع أاخته الكبرى هالة ع ن‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫زيارتهم باولدها الربعة ‪ ،‬لئال َت ُعم الفوضى في الجواء ‪ .‬وتتولى والدتهم شؤون أاحمد وترتيب‬
‫الضياع أاو التلف ‪.‬‬
‫غرفته ‪ِ ،‬حرصا على أاوراق الطلبة من َّ‬

‫الشيء الوحيد الذي َج َّد ع لى طقوس أالسرة تلك العام ‪ ،‬ول م يكن أابدا في ُ‬
‫الحسبان ‪ ،‬هو‬
‫إصابة وال د أاحمد بمرض القلب ‪ ،‬فكانت صحته قد َر َّقت مع ِك َبر سنه ‪ ،‬ففاجئه هذا المرض‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ُلي ِلزمه الفراش في أاغلب الحيان ‪ .‬وقد جاهد الوالد ليبقي على جو ال ْنس والمرح في المنزل ‪،‬‬
‫أ‬
‫فكان يمضي ك ثيرا من وقته في مداعبة رؤى ‪ ،‬ويتبسط لحفاده ‪ ،‬ويقص عليهم َقصص البحارة‬
‫والسندباد ‪ ،‬باعتبار أانه كان ك َ‬
‫ثير َّالترحال بحرا في شبابه ‪.‬‬
‫َ‬
‫الوحيدان اللذان ل ِحظا َمسحة حزن دفين َج ِل َّية في عينيه هما زوجته أواحمد ‪ .‬وق د كان‬
‫أاحمد منذ صغره َيلحظ تلك النظرة ‪ ،‬لما تميز به من َرهافة الشعور ودقة المالحظة ‪ ،‬غير أانه‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫كلما حاول أان يسال أامه عن سر والده ‪ ،‬امتنعت عن اإلجابة ‪ ،‬لنه أامر خاص بوالده ليس لها‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪42‬‬
‫أ‬
‫فشيه إل أان يفعل هو ‪ .‬ول م َي ْج ُسر أاحمد على مفاتحة والده في ذلك المر ‪َ ،‬خشية أان يثير‬ ‫أان ُت َ‬
‫لديه ُشجونا يتحاشاها ‪ .‬لكن تدهور صحته وشعو َره ُبد ُن ِ ّو أا َجله ‪ ،‬زادا والد أاحمد شعورا بالذنب ‪،‬‬
‫أ‬
‫وبدا ذلك السر المحبوس يجاهد للخالص‪.‬‬

‫**********************‬

‫تنهد أاحمد للمرة العاشرة و هو يصحح أاوراق الطلبة ‪ ،‬التي لم يكن أاغلبها يتميز عن‬
‫أ‬ ‫ُ أ‬
‫خطاء اإلمالئية ‪ُ ،‬م َط َّع َم ًة بشئ من الخطاء َّالن ْحوية ‪،‬‬
‫نفس ال ِ‬ ‫َك َر ِاريس التالميذ في شيء ‪.‬‬
‫مجموعة كلها في َب ْو َت َقة من الخط السيء ‪ ،‬أكانما الورق لطفل يتعلم اإلمساك بالقلم! " َو ً‬
‫اها عليك‬ ‫ً‬
‫أ‬
‫الضاد! " قالها أاحمد في نفسه ‪ ،‬ث م أا ْت َبعها بابيات من قصيدة البارودي الشهيرة ‪:‬‬
‫يا ابنة َّ‬

‫ونادي ُت َق ْو ِمي ْ‬
‫فاح َت َس ْب ُت حيا ِتي‬ ‫همت َح َصا ِتي ** ْ‬ ‫َر َج ْع ُت ْلنفسي َّ‬
‫فات ُ‬ ‫ِ‬
‫أانا البحر في أاحشائه الدر كامن ** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي‬
‫أ‬
‫قطع عليه َت َرُّن َمه بالبيات طرق َحنون على الباب ‪ ،‬فتبسم أاحمد ونهض يفتح باب الغرفة قائال ‪:‬‬
‫"تفضلي يا أاماه" ‪ .‬وكم كانت دهشته إذ أراى والده ‪ ،‬فبادر يقدم له كرسيا ليجلس ‪ ،‬وجلس هو‬
‫ُقبالته ‪.‬‬

‫‪ -‬لقد أاسعدتنا بزيارتك يا أابت ‪..‬‬


‫أ‬
‫ابتسم والده في إعزاز وهو ينظر لولده الشاب النابه وقد صار أاستاذا ‪ ،‬أواطال النظر إليه كانما‬
‫أ‬ ‫يحفر مالمحه جيدا في ذاكرته ‪ ،‬ثم تناول أاحد أالوراق ُالم َّ‬
‫كدسة يتشاغل بالتقليب فيها ‪ ،‬كانما‬
‫يبحث عن مدخل مناسب لما يود أان يقول ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪ -‬كيف هو مستوى الطلبة يا أاحمد؟‬


‫‪( -‬يبتسم) متوعك قليال!‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ابتسم أابوه وهز أراسه متفهما ‪ ،‬ثم عاد إلطراقه ‪ ،‬كانما تردد فيما جاء يتحدث بشانه ‪ .‬فالتقط‬
‫أاحمد َط َرف َح ْيرته ‪ ،‬وبادره بما شعر أانه َي َود أان َيبوح به ‪..‬‬
‫أ‬
‫أاتسمح لي أان أاسالك سؤال يا أابت؟ ولك أال تجيب إن أرايت فيه تطفال مني ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫(يضع أاوراق البحث الول من يده ‪ ،‬ويتناول أاخرى يقلبها ‪ ،‬كانما يحاول أان يبدو‬ ‫‪-‬‬
‫متشاغال) تفضل يا بني ‪.‬‬
‫أ أ أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫سال عن سر نظرة الحزن‬ ‫(يتامله َم ِل ّيا في قلق من َردة ِفعله ‪ ،‬ثم يسال بحذر) هل لي ان ا‬ ‫‪-‬‬
‫كاهالك ‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫التي أاراها في عينيك يا أابي؟ أكان ‪ ..‬أكانك تحمل َه ّما ناء ِبث َ‬
‫ق‬
‫ِ ِ‬
‫(يسكت فترة ‪ ،‬ثم يضع البحث الثاني ‪ ،‬ليتناول الثالث ويعود لتقليبها كسابقاتها ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫متحاشيا نظرات ولده) ‪..‬‬

‫(في قلق) لو أان سؤالي أازعجك يا أابي فإنني أاعتذر ‪..‬‬ ‫‪-‬‬

‫غمض عينيه ويرفع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬


‫طرقا) ل يا ولدي ‪ .‬لقد اصبت ك ِبد الحقيقة ‪( ..‬ي ِ‬ ‫(يتنهد وهو ل يزال م ِ‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫أراسه ‪ ،‬كمن يسترجع أامرا طال عليه َال َمد َفن ِس َيه) إنه َد ْين قديم ‪ ،‬أاخفقت في تاديته ‪،‬‬
‫أ‬
‫فلست أادري كيف أاجيب حين اسال عنه يوم ِّالدين ‪..‬‬

‫(مستغربا) َد ْين؟‬ ‫‪-‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪44‬‬
‫أ‬
‫(يفتح عينيه ببطء كمن يتالم مما أراى في خياله) نعم يا ولدي ‪( ..‬يقع بصره على ورقة‬ ‫‪-‬‬
‫ليحدق في السم المك توب‬‫البحث التالية أامامه فيتسمر للحظة ‪ ،‬ثم يختطف الورقة ّ‬
‫ِ‬
‫ويعجز عن النطق إذ أ‬
‫يبدا جسده في‬ ‫عليها) إنها هي ‪ ..‬هي ‪( ..‬ترتعش يداه بقوة ‪َ ،‬‬
‫الرتجاف)‬

‫(ينهض من كرسيه فزعا ‪َ ،‬وي ِهب َلي ْس ُند أاباه الذي َتهاوى في ِمقعده) أاب ي! أاب ي! (يصيح‬ ‫‪-‬‬
‫مناديا) أامي ‪ ..‬أاروى!‬

‫*************************‬

‫وقف أاحمد أامام باب الغرفة التي َيرقد فيها والده في َجناح العناية المركزة ‪ ،‬وقد حمل رؤى‬
‫تنشج وتبكي ‪ ،‬وإلى جانبها ابنتها أاروى ‪ ،‬تشاطرها‬ ‫أ‬
‫النائمة بين ذراعيه ‪ ،‬في حين جلست امه ِ‬
‫البكاء ‪.‬‬
‫أ‬ ‫آ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تنظر لحمد بعينين دامعتين) أالم يقل الطبيب أال نعرضه لمفاجات أاو َص َدمات لنه لن‬
‫يحتمل؟! ماذا قلت له يا أاحمد؟! ماذا فعلت؟!‬
‫ْ‬
‫‪( -‬ينظر لوالدته بعينين ِملؤهما الندم) صديقيني يا أاماه ‪ ،‬إنني لم ‪..‬‬

‫ثم َبتر عبارت ه إذ أادرك أا ْن ل اتهام ول دفاع سيرد ما ح دث وانقضى ‪ ،‬أوانه لم يبق إل الدعاء‬
‫أ‬
‫والتسليم ‪ .‬وإذ ذاك ‪ ،‬خرج الطبيب المناوب من الغرفة ‪ ،‬فسارعت نحوه السرة ‪ ،‬وكلهم‬
‫يستنطقه اإلجابة السحرية لذلك السؤال الخالد ‪:‬‬

‫‪ -‬هل سيكون بخير؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪45‬‬

‫خفض الطبيب بصره في أاسى ‪ ،‬ليتحاشى تلك النظرات المعلقة به تعلق الطفل التائه‬
‫بتالبيب أامه ‪ ،‬وغمغم في مواساة ‪" :‬لقد بذلنا ما في ُو ْس ِعنا والشفاء بيد هللا وحده ‪ ،‬فعليكم‬
‫بالدعاء" ‪ .‬انهمرت الدموع من عيني والدة أاحمد وهي تسترجع ‪َ ،‬وت ِبعتها ابنتها بنشيج متقطع ‪،‬‬
‫أ‬
‫حوقال ‪ .‬فبادر الطبيب كانما يطمئنهم أانه لزال على قيد الحياة ‪" :‬إنه‬ ‫أ‬ ‫َّ أ‬
‫في حين نكس احمد راسه ُم ِ‬
‫يطلب مقالبة ابنه أاحمد على انفراد" ‪ .‬فتبادل ثالثتهم نظرة قلقة ‪ ،‬ثم ناول أاحمد رؤى بحرص إلى‬
‫َ‬
‫أاروى ‪ ،‬ودلف إلى حيث يرقد والده ‪..‬‬

‫ولول أان أامه أواخته كانتا غارقتين في البكاء ‪..‬‬

‫لربما تمكنتا من سماع تلك الشهقة التي ترددت في جنبات الغرفة ‪..‬‬

‫شهقة محتضر مودع ‪..‬‬

‫ومحب ُملتاع ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪46‬‬

‫كان أاحمد يجمع حاجياته في صناديق استعداد لنقلها لبيته الجديد ‪ .‬كان يعمل بحركات‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫ُ أ‬ ‫آ‬
‫وينقل الشياء بتثاقل ‪ ،‬كانما يداه ُم َك َّبلتان بالغالل ‪ .‬كانت وفاة والده منذ عدة أاشهر ل‬ ‫الية ‪،‬‬
‫أ‬
‫تزال صدمة للعائلة با ْس ِرها ‪ ،‬لكن السر ال ذي باح له به ‪ ،‬كان صاعقة نزلت على أاحمد بالذات ‪،‬‬
‫أ‬
‫فاصابت أاحالمه في مقتل ‪ ،‬وقطعت عليه أاماني الزواج بمن أاحبها أواحبته ‪.‬‬
‫أ‬
‫طرقت والدته الباب بحنان شابه انكسار مكلوم ‪ ،‬فاذن لها بالدخول في نبرة حملت نفس‬
‫آ‬
‫الرنين‪ ،‬ووقف كالهما يحدق في الخر برهة ‪ ،‬وف ي العيون رسول عن القلب حين تعجز‬
‫بط ِوية قلبه ‪ ،‬ولم يعد يرى من نفع في الكشف عنها ‪ ،‬بعد أان حيل بينه‬
‫الكلمات ‪ .‬لم تكن تعلم َ‬
‫وبين سلمى بسور ‪ ،‬ظاهره الوفاء وباطنه العذاب ‪ .‬كانت تحسب أان منبع حزنه ُ‬
‫وفاة والده ‪ ،‬وفي‬
‫ذلك ك ثير من الصحة ‪ ،‬وإن لم يكن كلها ‪.‬‬
‫آ‬
‫‪( -‬تغمغم) سامحنا يا بني إذ تجري استعدادات ُالعرس في جو الكابة هذا ‪..‬‬
‫‪( -‬ي ِه ز أراسه وهو مستمر في تغليف الصناديق) ما باليد حيلة يا أاماه ‪ .‬إنها وصية أابي ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ولكان وقع الكلمة َّفجر دموعها التي ّلما ْترقا بعد ‪ ،‬فجلست على كرسي قريب ‪ ،‬وهي تجهد لتك تم‬
‫صوت بكاءها ‪ .‬ولم يحتمل أاحمد م أراى أامه على تلك الحال ‪ ،‬فنهض واحتواها بحنان صامت ‪،‬‬
‫إذ لم يكن من الكلمات ما يمكن أان يقال ‪ ،‬أاو يك في إذا قيل ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪47‬‬

‫**************‬

‫سبحان هللا!‬

‫سبحانك ربي!‬

‫سبحان الخالق َالو َّهاب‬

‫أاي رحمة أواي مودة تلكما اللتين تجمعان قلبين َطوال سنوات ل يعلم عددها إل هللا ‪..‬‬

‫فتتوالد عنها قلوب صغيرة ‪..‬‬


‫ُ‬
‫وتكبر تلك الصغيرة ‪..‬‬
‫ويكبران معها ‪ْ ،‬‬
‫ويه َرمان ‪..‬‬ ‫ُ‬

‫ول يزالن متحابين ‪..‬‬

‫بل ينصهران في بوتقة ل مثيل لها‬

‫إل في ظالل ذلك الرباط المقدس‬

‫وفي أامان الميثاق الغليظ‬


‫آ‬
‫حتى إذا فارق أاحدهما الخر‬
‫أ‬
‫فكانما ُمزق القلب الكبير‬
‫لكن دون أان يعود لذلك الصغير الذي أ‬
‫بداه‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪48‬‬

‫بل يظل ما امتدت به الحياة‬

‫وك تب له البقاء‬

‫يشعر أانه ممزق‬

‫أوانه فقد ِبضعة منه‬

‫ل بديل له عنها ‪.‬‬

‫******************‬
‫أ‬
‫ترك أاحمد والدته ترسل دموعها على صدره الحاني ‪ ،‬وفي قلبه هو كذلك من الحزان ما‬
‫أ‬
‫هللا به عليم ‪ .‬وتتابعت َّالز َفرات تتردد في صدره َت ْترى ‪ ،‬فامسكها َك َّلها في َت َج ُّلد ‪ ،‬ل يقدر عليه إل‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫من َس ّلم لمر هللا ‪ ،‬أواحنى قلبه لما جرى به تقدير العليم الخبير ‪ ،‬وإن خفيت ِالحكمة والسباب‬
‫حتى حين ‪.‬‬

‫عاد أاحمد بذاكرته ليوم أامس ‪ ،‬اليوم الذي طالما َّمنى نفسه به ‪ ،‬والباب الذي طالما رجا‬
‫أان يطرقه ‪ ،‬فيدخله َفردا ويخرج منه اثنين ‪ .‬فإذا اليوم غير اليوم ‪ ،‬وإذا الباب ليس الباب ‪ ،‬وإذا‬
‫به يتقدم للزواج من صفاء ‪ ،‬صديقة سلمى ورفيقة دربها! وإذ ّمر بمخيلته وقع الخبر على تلك‬
‫أالخيرة ‪ ،‬شرع َع ْقله يفكر فيما يقول لها ‪ ،‬وكيف يشرح لها ما حصل ‪ْ ،‬‬
‫فالريب أان دعوة حفل‬
‫الزفاف وصلتها ‪ ،‬ولريب أانها مثله َمكلومة الفؤاد ‪..‬‬

‫لبد أان يعترف لها بكل شيء ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪49‬‬

‫كل شيء ‪.‬‬

‫*******************‬
‫أاغلقت سلمى باب غرفتها على نفسها ‪َ ،‬ر ْغم علمها أبانها وحيدة في المنزل ‪ُ ،‬‬
‫فوالدها لن‬
‫أ‬
‫يعود من عمله قبل ساعة على القل‪ ،‬ووالدتها ذهبت لزيارة جارتهم ‪ .‬وللمرة العاشرة راحت‬
‫تحدق ببطاقة الدعوة لحفل ّ ِالزفاف التي وصلتها من صفاء ‪ ،‬ويداها ترتجفان في عصبية ‪ .‬فلما‬
‫أ‬
‫أايقنت أان البطاقة لن تخرج عن صمتها ‪ ،‬قذفت بها على الرض ‪ ،‬أوالقت بنفسها على فراشها ‪،‬‬
‫وتفجرت دموعها كعين ماء صغيرة تبلل وسادتها ‪ ،‬وهي َت ُزفر َزف َرات حارة ‪َ ،‬ي َخال سامعها معها‬
‫تهشم قلبها وتناثر قطعا صغيرة بين ضلوعها ‪ .‬قصورها‬ ‫أان روحها َ‬
‫ست ْز َهق من عنف َش ْهقاتها ‪ .‬لقد َّ‬
‫التي بنتها في سنوات ‪ُ ،‬د َّكت َد َّكا في دقائق ‪ ،‬وصارت ً‬
‫هباء تذروه الرياح ‪.‬‬

‫أاكان يعبث بها طوال تلك المدة؟‬

‫أاكان إعجابا بطالبة نا ِب َهة أاك ثر منه ُحبا لزوجة مستقبلية؟‬

‫مستحيل!‬

‫ل يمكن!‬

‫فكيف تكون صفاء هي ملكة قلبه إذن وبينهما ُب ْع ُد المشرقين؟‬

‫ظفر بفارس أاحالمها هي؟‬


‫ما الذي يميز صفاء عنها َلت َ‬

‫ما الذي تملكه صفاء وتفتقر هي إليه؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪51‬‬

‫صفاء!‬

‫صفاء!‬

‫صفاء الخائنة!‬

‫*********************‬
‫ْ‬ ‫أ‬
‫وخ ُلقه ا م ا َي ْر َبا به ا ع ن هذا الوصف ‪ .‬وإنها لتعلم ِعلم‬
‫ل! إنه ا لتعرف من ُن ْبل صفاء ُ‬
‫أ‬
‫اليقين ‪ ،‬أان لو كانت صفاء تدري بمشاعرها ‪ ،‬لرفضت أاحمد لجلها ‪ ،‬على حاجتها الماسة لزوج‬
‫آ‬
‫يستنقذها أوا َّمها من ضيق العيش ‪ ،‬ولثرتها به إبقاء لمودتهما ‪.‬‬

‫بل هو!‬

‫نعم هو!‬

‫هو الخائن العابث!‬

‫" أايها الغادر! "‬

‫صرخت بها سلمى في أاعماقها ‪ ،‬ودموعها تنهمر ُبحرقة ‪ ،‬لتحفر أاخدودين على خديها الملتهبين ‪..‬‬

‫" لماذ يا أاحمد؟ "‬

‫" لماذا؟ "‬

‫*****************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪51‬‬

‫خافتة ‪ ،‬انطلقت من جهازها ‪ ،‬معلنة وصول‬ ‫ٌ‬


‫انتزع سلمى من بحيرتها الصغيرة صافرة ِ‬
‫رسالة إلى بريدها اإللك تروني ‪َ .‬ج َفلت في البداية ‪ ،‬ثم عادت تدفن أراسها في وسادتها ‪ ،‬غير أان‬
‫خاطرا دفعها لتنهض مسرعة ‪ ،‬راجية أان تكون منه ‪ .‬وقد كانت ‪..‬‬
‫ً‬
‫رسالة منه ‪..‬‬

‫من أاحمد!‬

‫******************‬
‫آ‬
‫إلى النسة الكريمة "سلمى" ‪,,,‬‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫لقي ُت من َع َنت حتى ك ُ‬
‫مامك ‪ ،‬و ِل ْتعلمي‬
‫تبت هذه الرسالة اخيرا ‪ ،‬لبرئ نفسي ا ِ‬ ‫يشهد هللا كم ْ‬
‫بالخ َبر ‪ ،‬ويعلم هللا ما كنت أاريد أان‬
‫علمت من صفاء أانك عرفت أاخيرا َ‬
‫أاني لم َا ُخ ْنك بالغيب ‪ .‬قد ُ‬
‫تعلمي ع لى هذا النحو لئال تذهب بك الظنون بعيدا ‪ ،‬غير أانني كنت أابحث عن طريق مناسب‬
‫ْ‬
‫أا ِّبلغك به ‪ .‬فها هي ذي ُحجتي بين يديك ‪ ،‬ول َت ْحكمي في أامري بحكم اإلنسانة التي عهدتها ‪،‬‬
‫عاقلة متفهمة ‪"...‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪52‬‬

‫بدا بتصحيحها ‪ .‬ويشاء هللا أان أان يدخل أابي‬ ‫تسلمت أاوراق أابحاثكم أل أ‬
‫"قبل بضعة أاشهر ‪ّ ،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫في نفس اللحظة التي جلست فيها إلى مك تبي ‪ ،‬والوراق بين يدي ‪ .‬فاخذ يقلب كراسات اإلجابة‬
‫أ‬
‫واحدة تلو الخرى وهو يحادثني ‪ ،‬فوهللا ما هي إن وقعت عيناه على اسم صفاء ‪ ،‬حتى انتزع‬
‫الورقة انتزاعا ‪ ،‬وقد اتسعت حدقتاه كمن َم َّسته صاعقة ‪ ،‬ثم ش ِهق َش ْهقة عظيمة ‪َ ،‬وه َوى إلى‬
‫أ‬
‫الرض ‪ ،‬وقد كان – رحمه هللا – مريضا بالقلب ‪ .‬نقلناه إلى المستشفى فورا ‪ ،‬ولكن الطبيب‬
‫أ‬
‫سن في مثل حالته ‪ ،‬أواوصانا بالدعاء والمل في‬ ‫قال إن الصدمة كانت أاقوى من أان يحتملها ُم ّ‬
‫رحمة هللا ‪ .‬ثم طلب أابي رؤيتي منفردا ‪ ،‬فدخلت عليه ‪ ،‬و أرايت ِغشاوة الموت تك تنفه ‪ ،‬وقد‬
‫وخ َف َت بريق الحياة في عينيه ‪ .‬جلست بجانبه أارتجف َه َلعا عليه ‪ ،‬أوا َكب ْبت على‬
‫َش َحب وجهه ‪َ ،‬‬

‫يديه أاقبلها ‪ ،‬ثم َسكنت بإشارة منه ‪ .‬ومضى أابي – رحمه هللا ‪ -‬يروي لي قصة صفاء ‪:‬‬

‫صديق والدي المقرب ‪ ،‬بل كان َي ُع ُّده أاخا في هللا ‪ ،‬وقد دعم والدي في‬ ‫والد صفاء َ‬ ‫"كان ُ‬
‫أ‬
‫مشروعه ‪ ،‬أواعانه على ُالم ِض ّ ِي ُق ُد َم ًا والتصدي لحيتان المال ‪ ،‬لنه كان أاك ثر ُي ْسرا من والدي‬
‫أ‬
‫حينها ‪ ،‬دون أان يقبل على معونته لخيه أاي مقابل أاو مردود ‪ .‬ثم تفرقت بهما السبل بعد زواج‬
‫كل منهما ‪ ،‬ومع ذلك اتصلت بينهما أاسباب ِالود على بعدهما ‪ ،‬حتى جاء يوم انقطعت فيه‬
‫أاخبار والد صفاء ‪ ،‬وتوقفت رسائله تماما ‪ ،‬بعد أان كان قد سافر بزوجته إلى خارج البالد لعمل‬
‫مشروع ضخم ‪ ،‬أاودع فيه ُج َّل ثروته ‪ .‬أارسل أابي إليه الرسائل تلو الرسائل ‪ ،‬وح اول التصال‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪53‬‬
‫آ‬
‫به ‪ ،‬لكن دون جدوى ‪ .‬ثم وصلت أاخيرا اخر رسالة تلقاها والدي من والد صفاء ‪ ،‬يقول فيها إنه‬
‫آ‬ ‫ْ‬
‫خسر ثروته بعد انهيار المشروع بكامله ‪ ،‬وإنه أاصيب بالشلل إثر تلك الصدمة وهو الن على‬ ‫ِ‬
‫فراش الموت ‪ ،‬ولم يبق له سبب في الدنيا إل زوجته الشابة ‪ ،‬وابنة اسمها صفاء عمرها سنتان ‪،‬‬
‫وهو يتركهما أامانة في عنق والدي ‪ ،‬إذ ل معارف ل ه غيره ‪ ،‬ويستحلفه باهلل أان يستوصي بهما‬
‫خيرا ‪.‬‬
‫أ‬
‫"غير أان الرسالة وصلت متاخرة إلى أابي بعد أان كان والد صفاء قد انتقل خاللها إلى‬
‫ْ‬ ‫آ‬ ‫أ‬
‫الرفيق العلى ‪ ،‬وانتقلت زوجته بابنتهما إلى مسكن اخر أاك ثر تواضعا أواقل ُكل َفة ‪ ،‬دون أان تترك‬
‫أ‬
‫ورائها عنوانا ول أاثرا ‪ ،‬بعد أان قطعت الرجاء في َنجدة صديق زوجها ‪ ،‬ولم تعلم بتاخر الرسالة‬
‫العامين ‪ ،‬ولكن دون أادنى نتيجة ‪ .‬فنذر هلل‬
‫عنه ‪ .‬اجتهد والدي في َّالت َق ِ ّصي عنهما مدة زادت على ْ‬
‫إن أا ْم َك َنه من العثور عليهما قبل موته ‪ ،‬أان يزوج ابنته صفاء من ابنه الوحيد – أانا ‪ ،‬وهذا ما‬
‫كان ‪.‬‬

‫"وما إن انتهى أابي من قصته ‪ ،‬حتى استعبر وبكى ‪ ،‬وصار ْين ِشج وهو يحدثني عن مناقب‬
‫أ‬ ‫صديقه وحبيبه في هللا ‪َ .‬‬
‫وط ِفق يسالني عن معيشة صفاء ووالدتها ‪ ،‬فلم يكن لي بذلك من علم‬
‫إل أانهما كانتا في َض ْي ٍق من العيش ‪ .‬فاشتد بكاؤه وهو يتضرع إلى هللا أان يسامحه على تقصيره ‪،‬‬
‫أ‬
‫ومضى يستحلفني باهلل وياخذ ع لي العهود والمواثيق أان أا ِف َي بنذره ‪ .‬ووهللا ما َب َدرت مني بادرة‬
‫غضب وثار ‪ ،‬أواقسم َلي ُم َّوتن ساخطا ع لي ‪ ،‬فال يبارك هللا لي بعدها أابدا ‪.‬‬ ‫لمر َاجعته ‪ ،‬إل ِ‬
‫ومض ى هكذا تارة يتوعدني ‪ ،‬وتارات يرجوني أال أاخيب رجاءه ‪ ،‬وه و الذي أافنى عمره أوابلى‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪54‬‬

‫علي َي ٌد ل ُت ْجحد ‪ .‬وكذلك راح يتوسل إلي أال أاخيبه أامام أاخيه‬ ‫شبابه ليصنع مني رجال ‪ ،‬وحق ا ألبي ّ‬
‫حين يلقاه ‪ ،‬بل وجمع أامي أواخواتي واستحلفهن ل تمضي ِالع َّدة إل ويقام حفل ّ ِالزفاف!‬
‫حمته أانت كما َر ْح ُمته أ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ أ‬ ‫أ‬
‫وجدت‬
‫ِ‬ ‫ولما‬ ‫‪،‬‬ ‫نا‬ ‫ا‬ ‫ِ ِ‬ ‫لر‬ ‫‪،‬‬ ‫إلي‬ ‫متوسال‬ ‫يبكي‬ ‫وهو‬ ‫خير‬ ‫ال‬ ‫"ولو را ِيته في النزع‬
‫وتادية أامانته ‪ ،‬حتى إن لم يكن ما اختاره أابي هو َ‬ ‫أ‬ ‫اضة في إيثاري َ‬ ‫َغ َض َ‬
‫اختيار‬ ‫طاعته والوفاء بنذره‬
‫لك في‬ ‫حملت‬ ‫الذي‬ ‫نا‬ ‫قلبي ‪ .‬وهللا وحده يعلم مبلغ ما أاعانيه أوانا أاك تب إليك هذه الكلمات ‪ ،‬أ‬
‫وا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قلبي مثل الذي حملته لي أاو يزيد ‪ .‬غير أاننا أاردنا أواراد هللا غير ما أاردنا ‪ ،‬فما إلرادتنا أامام إرادة‬
‫هللا من بقاء ‪ .‬ول أاملك إل أان أادعو لك هللا مخلصا صادقا أان يرزقك الزوج الصالح ‪ ،‬الذي ُي ُ‬
‫كرمك‬
‫أ‬
‫ويقدر جوهرك النادر الثمين ‪ .‬وهللا وحده العليم باننا ما طوينا خبيائ ِتنا إل على م ا يحب‬
‫ويرضى ‪ ،‬وهو وحده تعالى الك فيل بتضميد جراحنا ‪ ،‬وإنه من يتق هللا ُي ْع ِظم له أاجرا ‪ ،‬فلنصبر‬
‫ولنحتسب ‪.‬‬

‫وإن العين لتدمع‬

‫وإن القلب ليحزن‬

‫ول نقول إل ما ُيرضى ربنا‬

‫حسبنا هللا ونعم الوكيل ‪.‬‬

‫والسالم عليكم و رحمة هللا و بركاته‪,,,‬‬

‫أاحمد" ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪55‬‬

‫لم تستطع سلمى النوم تلك الليلة ‪ ،‬أواخذت تتقلب في فراشها وهي تبكي بكاء مريرا ‪،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫حتى أ‬
‫بدات الساعة تشير لقرب الثلث الخير من الليل ‪ ،‬فالقت عنها ِالغطاء ونهضت ترجو النس‬
‫أ‬
‫بمناجاة رب العالمين ‪ ،‬ليخفف عنها م ا اشتد عليها من َك ْرب ‪ .‬توضات سلمى ‪ ،‬ووقفت تصلي ‪،‬‬
‫كحبات ُ‬
‫الج َمان ‪ .‬وراحت تدعو ‪،‬‬ ‫خد ْيها َ‬ ‫وتق أرا الق آران بصوتها ّ‬
‫الندي الهادئ ‪ ،‬ودموعها تتحدر على َّ‬

‫وتسكب دموعها بين يدي بارئها ‪ِ ،‬نعم المولى ونعم النصير ‪ ،‬إنه قريب سميع مجيب ‪ .‬ومضت‬
‫على هذه الحال تشكو بثها وحزنها إلى هللا ‪ ،‬وتدعوه أان يلهمها الصبر والرضا بما قضى ‪.‬‬

‫*************‬
‫أ‬
‫قد جرت المقادير بان يكون أاحمد‬

‫أاحمد فارس أاحالمها هي‬

‫زوجا لغيرها‬

‫أوان تكون صفاء‬


‫رفيقة ِ ّ‬
‫الصبا وصديقة العمر‬

‫هي َض َّرة أاحالمها‬

‫وقد أارادت ‪ ،‬وقد أاراد‬

‫أواراد هللا غير ما أارادا‬

‫فليس إل التسليم والرضا‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪56‬‬

‫الس ْخط"‬
‫"فمن رضي فله ّ ِالرضا ومن َس ِخط فله ُّ‬

‫قد ذهب أاحمد إلى غير َر ْج َعة‬


‫أ‬
‫ولم َي ُعد ل ًّي منهما على صاحبه من سبيل‬

‫فما أارادته إل بالحالل‬

‫وما تمنته إل تحت َك َنف الرباط المقدس‬


‫آ‬
‫فلما انفصم الرباط وا َل لغيرها‬

‫ُضرب بينهما بسور له باب ‪..‬‬


‫أ‬
‫ليس لحدهما أان يفتحه ‪..‬‬
‫أ‬
‫إلى البد ‪.‬‬

‫**********************‬

‫وما يدريها أال يكون في فراقهما خير لهما؟‬

‫بل لعل صفاء أاحوج منها إلى زوج كريم السجايا مثله‬

‫وما تدري هي وما يدري هو‬

‫لكن هللا يدري وهو عالم الغيوب‬


‫أ‬
‫ومقسم الرزاق يقسمها بحكمته كيف يشاء‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪57‬‬

‫فلعل هللا يرزقها خيرا مما تمنت ‪..‬‬

‫وإن كان غير ما تمنت ‪.‬‬

‫**************************‬
‫ولبثت هكذا تتنقل من خاطر رباني إلى آاخر ‪ ،‬حتى سكنت نفسها أ‬
‫وهدات عواطفها المتالطمة‬
‫َه ْو ًنا ما ‪.‬‬

‫ثم أا ْب َر َمت سلمى أامرها!‬

‫لسوف تحضر حفل ِزفافهما!‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫تكسر قلبها في يوم سعادتها لنانية جوفاء‬
‫إنها كالخت لصفاء ‪ ،‬ولن ِ‬
‫فحزنها لن يعيد ما ك تب هللا أانه ليس من نصيبها‬

‫ول سيمنع عنها ما َق َّدر هللا أان يكون نصيبها‬

‫ستحضر ُع ْر َسهما ‪..‬‬

‫وستشهد بعينيها صفاء وهي َت ْر ِفل في الثوب الذي تمنته لنفسها‬

‫وقد تشابكت يدها مع فارس أاحالمها هي‬

‫الح ُلم الذي َح َم ُلته َو ِليدا ‪..‬‬


‫ستحضره َلت ِئد بيديها ُ‬
‫ْ‬
‫ف َس َقط قبل أان يك تمل َخلقا َس ِويا‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪58‬‬

‫ستحضره َلت ْسطر ِ‬


‫بيدها فصل النهاية ‪..‬‬

‫ُوت ْس ِدل الستار على قلبها َالم ْكلوم ‪.‬‬

‫**********************‬

‫لك هللا سلمى!‬


‫ِ‬
‫إنها ستستعين باهلل وستصبر‬

‫وستواصل حياتها كما َّقدر هللا لها أان تكون‬


‫أ‬
‫ولسوف يتالم قلبها ولربما تدمع عيناها حين تذكره‬

‫ولكنها سوف تتحمل وتجهد أان تنساه‬

‫وتدعو هللا أان يربط على قلبها ويثبتها في مصابها‬

‫وما تم ِلك غير التسليم‬

‫والصبر الجميل‬

‫صبر بال شكوى‬

‫ول أانين‬

‫إل لرب العالمين ‪.‬‬

‫كان أا ْم ُر هللا َق َد ًرا َم ْق ُدورا "‬


‫" َو َ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪59‬‬

‫الصمت صوت المؤذن َّالرخيم ‪ ،‬وعال أاذان الفجر ينساب من بين أانفاس الصباح‬ ‫َ‬ ‫شق‬
‫َ‬ ‫حر قلبها ويسكن َر ْوعها ‪ ،‬وتسللت أاشعة القمر خارجة في ُت َ‬‫َّ‬ ‫أ‬
‫لتفسح لخيوط‬
‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬‫د‬ ‫ؤ‬ ‫فيطفئ‬ ‫‪،‬‬ ‫ولى‬ ‫ال‬
‫الشمس الذهبية مكانا ‪ ،‬وسكن الكون في خشوع ‪ ،‬والمخلوقات ّكل يسبح بحمد هللا ‪. .‬‬

‫َف َص ْب ٌر َج ِم ٌيل ‪..‬‬


‫المس َت َعان ‪.‬‬
‫َوهللا ْ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪61‬‬

‫أ‬
‫سيارة العرس مزدانة بالورود والزهار ‪..‬‬

‫إنه يوم ِزفاف أاحمد‬

‫وصفاء‪..‬‬

‫جلست والدة أاحمد إلى جانبه ‪ ،‬أواختاه أاروى ورؤى في ِالمقعد الخلفي ‪ .‬وكعادته منذ‬
‫آ‬ ‫آ‬
‫بدات تجهيزات ذلك الزفاف ‪ ،‬كان أاحمد يقود ساهما ‪ ،‬ويحرك السيارة بصورة الية ‪ ،‬تلك ال لية‬ ‫أ‬

‫للذبح ‪ ،‬ول يزال حتى‬‫التي لم تفارقه منذ ليلة المكاشفة بينه وبين والده ‪ ،‬أكانما كان قلبه يساق ْ‬
‫أ‬
‫اللحظة الخيرة يرجو معجزة تق ِلب الموازين ‪.‬‬

‫لم َي ْخ َف على والدته ما اعترى ابنها من تغيير ‪ ،‬فظنته في البداية صدمة ِفقدان أابيه ‪،‬‬
‫وكانت تعلم معارضة أاحمد إلقامة أافراح في مثل هكذا ظروف ‪ ،‬لول إصرار والده – رحمه هللا ‪. -‬‬
‫قلبها ّلما ك ُثر شروده وطال صمته ‪ .‬فكلما وجدت البسمة سبيلها إلى وجهه‬‫غير أان الشك داخل َ‬
‫م ن ِضحكة أاو أاصوات طفولية مرحة تصدرها رؤى ‪ ،‬التي ل تعي بعد معنى أان يغيب من‬
‫أ‬
‫السرة عضو غيابا ل إياب منه ‪ ،‬ويضاف إليها عضو جديد ل رجعة عنه ‪ ،‬ل تلبث تلك البسمة أان‬
‫تتالشى ‪ ،‬إذا ُذكر اسم صفاء ‪ ،‬أاو أاشير لتجهيزات الحفل ‪.‬‬
‫آ‬
‫اه يا ولدي الحبيب! أاتكون في قلبك أاخرى؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪61‬‬

‫فتلك إذن وهللا مصيبة أاخرى!‬

‫أواحسن هللا عزاءك مرتين!‬


‫ّ‬
‫تلمح لبنها من قريب أاو بعيد بما استشعرت ‪ ،‬ول أال َّحت على استبانة ما اختار‬
‫غير أانها لم ِّ‬
‫أان يك ُتمه ‪ .‬فلئن كان في حديث القلب بعض العزاء ‪ ،‬ففي ك ثير من الصمت والتناسي دواء أاي‬
‫أ َأ‬
‫تنكا جرحه ‪ ،‬أاو تزيد َمصابه ‪ .‬فخير ل ه وللكل أان يستعين باهلل‬ ‫دواء ‪ .‬وإنها لن تفيد إل ان‬
‫وليقض َي هللا أامرا كان مفعول ‪.‬‬ ‫أ‬
‫ويصبر ‪ ،‬فقد الزمه والده في عنقه يمينا ما له ُبد من إنفاذه ‪ِ ،‬‬
‫*****************‬
‫أ‬
‫أاخيرا أاوقف أاحمد سيارته الفا ِرهة أامام قاعة الحفل ‪ ،‬والتفت لروى ورؤى في المقعد الخلفي ‪:‬‬
‫أ‬
‫تكر ْمن بالنزول والنتظار في القاعة ‪ ،‬وساذهب مع أامي لصطحاب صفاء‬
‫‪ -‬هيا يا وردتاي! َّ‬
‫أوامها ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬انتظري يا أاروى (تلتفت لحمد) خذ أاروى معك أوانا سابقى مع رؤى ‪..‬‬
‫‪ -‬لكن يا أاماه‪..‬‬
‫‪ -‬سامحني يا بني ‪ ،‬لكنني لست بعد في حالة تسمح لي باصطناع البهجة أاك ثر من هذا ‪،‬‬
‫آ‬
‫فدعني هنا عسى أال أاثير جوا من الكابة بينكم ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬كما تشائين يا أاماه ‪( ..‬تنظر إليه نظرة ذات مغزى ‪ ،‬فيلتفت لختيه) هل تتركا ِننا فقط‬
‫بضع دقائق على انفراد؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪ -‬طبعا يا أاخي ‪( ،‬تطبع أاروى على خده ُقبلة قبل أان تنزل) هيا يا رؤى ‪( ،‬تمتنع وتصيح‬
‫مطالبة بحقها في تقبيل أاخيها ‪ ،‬فترفعها أاروى قريبا من أاحمد ‪ ،‬فتطبع على خده قبلة‬
‫مبللة وهي تضحك)‬
‫أ‬
‫يقبل رؤى الصغيرة) هذه أاجمل هدايا حصلت عليها اليوم! (ينظر لروى‬ ‫‪( -‬يضحك) هللا! ( ّ‬
‫شاكرا) انتظريني مع رؤى ريثما أاتحدث مع أامي ‪ ،‬ثم نذهب معا‪.‬‬

‫خرجت أاروى ورؤى من السيارة ‪ ،‬ووقفتا غير بعيد في انتظار والدتهما ‪ .‬لدقائق ‪َ ،‬ع َّم السكون‬
‫جو السيارة إل من صوت المحرك الدائر ‪ ،‬ثم لم تلبث الوالدة أان أاخرجت من حقيبتها مصحفا‬
‫صغيرا ‪ ،‬ذا حواف ُم َذ َّه َبة ‪ ،‬وقد بدا من حالته أان صاحبه كان ممن يداومون على تالوته ‪ .‬نظرت‬
‫والدة أاحمد إلى المصحف بين يديها طويال ‪ ،‬ثم قالت أاخيرا ‪:‬‬

‫‪ -‬هذا المصحف أاهداه ّ‬


‫إلي والدك ليلة ِزفافنا ‪ ،‬ولم يفارقني منذ ذلك الحين ‪ُ ( .‬تمد يدها‬
‫أ‬
‫بالمصحف إلى أاحمد) ولست أاجد عندي هدية أاغلى ول أاحب إلى قلبي ‪ ،‬لهديها لك في‬
‫مثل هذا اليوم ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬ينظر إلى المصحف بتاثر)‬
‫تردف وهي تنظر في عيني أاحمد) وإني ل أاقول لك إل ما قاله لي والدك يوم أاعطانيه ‪:‬‬ ‫‪ِ ( -‬‬
‫" ّإنه ِشفاء ِل َما في ّ‬
‫الصدور" ‪.‬‬
‫آ‬
‫لثوان ظل كل منهما ينظر في عيني الخر ‪ ،‬والمصحف بينهما ‪.‬‬

‫نظرات كانت ك فيلة بكشف خبايا القلوب‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪63‬‬

‫فقد أادركت أان شكها في محله‬

‫أوان قلب ابنها بيد أاخرى‬

‫وقد عرف أانها عرفت‬

‫وعرفت أانه فهم عنها‬

‫فمد يده وتناول المصحف شاكرا‬

‫وقبل يدها ‪..‬‬


‫هللا فيه ً‬
‫خيرا ك ثيرا" ‪..‬‬ ‫فانحنت على أاذنه هامسة ‪َ " :‬وع َسى أا ْن َت ْك َرهوا شيائ َوي َ‬
‫جع َل ُ‬

‫ولم َت ِزد ‪.‬‬

‫**********************‬
‫َ‬
‫َدلفت أاروى إلى جانب أاخيها‬

‫أوادار المحرك متجها إلى بيتها‬

‫من بيتها سيصطحب صفاء أوامها‬


‫أ‬
‫من بيت ملكة القلب ورفيقة الحالم‬

‫من بيتها‬

‫بيت سلمى ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪64‬‬

‫جلست والدة صفاء تنتظر في الصالة ‪ ،‬وقد تركت صفاء مع سلمى في غرفتها ‪ ،‬في حين‬
‫تولى والداها اإلشراف على ما بقي من تجهيزات الحفل ‪ .‬تلفتت السيدة لمياء حولها ‪ ،‬قبل أان ُتمد‬
‫يدها إلى حقيبتها فتخرج منها مظروفا ‪ ،‬ثم فتحته أواخرجت منه ورقة َطبع عليها الزمن بصمته ‪.‬‬
‫أ‬
‫كانت تلك رسالة ك تبتها حين اشتد عليها المرض ذات مرة ‪ ،‬واستشعرت دنو الجل ‪ ،‬تشرح فيها‬
‫لصفاء ما خفي عليها من أامر والدها ‪ .‬فلم تكن قد زادت على أان أاخبرتها أان والدها توفي إلى رحمة‬
‫هللا وهي طفلة ‪ ،‬أوانه كان محسنا كريم السجايا ‪ .‬و أرات أال تخبرها بما كانوا عليه من َس َعة لئال‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫تو ِرثها ًّهما على ما صاروا إليه من َض ْيق ‪ ،‬ولنها تعلم بان قصة والدها كان خليقة بان تثير‬
‫شجونها هي وتحزن ابنتها ‪.‬‬

‫لكنها لم تعد بحاجتها اليوم ‪ ،‬فقد تحققت دعوة والدها ورجاؤها هي في ِصهر كريم ‪ ،‬ولذا‬
‫أ‬
‫ستمزق الرسالة وتتركها قصة لم تك تمل ‪ .‬ولكنها قبل أان تمزقها أاعادت قراءتها ‪ ..‬للمرة الخيرة ‪:‬‬

‫خفيت عنك من قصة والدك ‪ ،‬ل‬‫" أاك تب إليك يا ابنتي أوانا أاشعر بدنو أاجلي ‪ ،‬ألنب َئك بما أا ُ‬
‫ِ‬
‫أ‬ ‫لشيء إل أل كون قد ُص ُد ُقتك في أالمر كله ‪ ،‬ولتدركي كم ُ‬
‫كنت محقة إذ ُ‬
‫قلت لك حين سا ِلت ِني عن‬
‫آ‬ ‫أ‬ ‫سر ُعزوفي عن الزواج ‪ ،‬إن أاباك قد ملك ّ‬
‫علي قلبي وماله ‪ ،‬حتى لم يعد فيه متسع لخر في‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫حياتي ‪ .‬إن ذكراه حاضرة في قلبي حتى لكاننا افترقنا بالمس فحسب ‪.‬‬

‫"والدك كان من ِخيرة الرجال يا صفاء ‪ .‬كان ذا همة عالية وروح َو ّثابة ‪ ،‬ل تع رف الكسل‬
‫أ‬
‫ول الخمول ‪ ،‬وكان ودودا َعطوفا ‪ ،‬يا ِسر الناس بحسن خلقه ‪ .‬فلم يكن ِبدعا أان َحظي بالترقية‬
‫في عمله أاسرع من أاي زمالئه ‪ ،‬واستطاع بحمد هللا أان يفتتح عمال خاصا به في أاشهر معدودات ‪.‬‬
‫واش ِه ُد هللا يا ابنتي أانني ما أرايته أاجود منه منذ َفتح هللا عليه في عمله ‪ ،‬فكان حريصا على فعل‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪65‬‬

‫الخير والصدقات ‪ .‬وما كان يخشى في سخائه على مستقبلنا ‪ ،‬فقد كان دوما يتمثل حديث‬
‫تعرف في أاحد أاسفاره‬
‫ص مال من صدقة" ‪ .‬ثم حدث أان َّ‬
‫المصطفى عليه الصالة والسالم ‪" :‬ما َن َق َ‬
‫أ‬
‫إلى سيد كريم ‪ ،‬أاحبه والدك كاخ في هللا ِل َما أراى فيه من َامارات التدين ُون ْبل ِالخصال ‪ .‬وكان‬
‫ذلك السيد يعمل في تجارة القماش إلى جانب أانشطة دعوية وخيرية ‪ ،‬أاشرك فيها والدك ‪،‬‬
‫الذي ِقبل بكل حماسة – كما عهدي به دوما رحمه هللا تعالى‪.‬‬
‫آ‬
‫وح َدث أا ّن ذلك الصديق ‪ -‬ل يحضرني اسمه الن بعد مرور كل هذه السنوات َرغم ك ثرة‬
‫" َ‬
‫تردده علينا ‪ -‬وقع ذات مرة في ضائ قة مالية ‪ ،‬وكادت تجارته تف ِلس وهو ُ‬
‫بعد في بداية حياته‬ ‫ّ‬

‫شعره ِبم َّنة ‪ ،‬فكان‬ ‫أ‬


‫الزوجية ‪ ،‬فوقف والدك إلى جانبه من طريق خفي لئال يوقعه في حرج او ُي ِ‬
‫وعماله ليشتروا من أاقمشته ‪ ،‬ثم يتصدق بها إذ ل م تكن لنا بها‬ ‫يدفع لمن يعرف من زبائنه ّ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫حاجة ‪ .‬ومرت اليام ‪ ،‬وع اد لذلك السيد ازدهاره ‪َ ،‬فع َزم على السفر بزوجته لداء العمرة شكرا‬
‫هلل ‪ ،‬أواحسب أانهما ظال يتراسالن فترة قبل أان تنقطع أاخباره ‪ .‬أاما أابوك فقد جمعت طيبة قلبه‬
‫المتناهية حوله الطامعين والمحتالين ‪ ،‬ولكم كنت أاحدثه بمخاوفي من ك ثرة تبرعه للجان‬
‫أ‬
‫ِوجهات تدعي الخيرية ول ُتعرف لها هوية ‪ ،‬غير أانه ‪ -‬رحمه هللا – كان يؤمن بان صدقته في‬
‫يمين الرحمن كما أاخبر المصطفى عليه الصالة والسالم ‪ ،‬فما يبالي بعدها لمن دفعها ‪ .‬ورغم‬
‫اختالفي معه في رؤيته ‪ ،‬إل أان سماحته كانت تغلب على حذري ‪ ،‬وتلك مشيئة هللا ليقضي أامرا‬
‫كان مفعول ‪.‬‬

‫"ولست أادري من أاين ظهر ذلك الثعلب الماكر الذي قلب حياتنا شقاء ‪ .‬فقد أاقنع أاباك‬
‫بمستندات مزورة عن مشروع ضخم للتعريف باإلسالم ‪ ،‬أوانه ينوي إنشاء مسجد ومدرسة‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪66‬‬
‫آ‬
‫للمسلمين الجدد ‪ ،‬في ِمنطقة في مجاهل إفريقيا ‪ .‬ولزالت ل أافهم حتى الن ‪ ،‬كيف استطاع أان‬
‫يوقع على أاوراق ‪ ،‬دفع أابوك ثمنها ُج َّل ثروته ‪ .‬وما أافاق والدك على‬
‫يحتال على أابيك حتى جعله ّ‬

‫حيلة ذلك الشيطان – أاشكوه إلى هللا تعالى – حتى أاقام الدنيا أواقعدها بحثا عنه ‪ ،‬لكنه اختفى‬
‫بمال أابيك كما لو كان سرابا أاو نسجا من خيال ‪ .‬حينها لم يتحمل أابوك – رحمه هللا – هول‬
‫أ‬
‫كنت وقتها لتزالين طفلة في نحو الثانية من‬‫الصدمة ‪ ،‬فاصيب بشلل جعله طريح الفراش ‪ِ .‬‬
‫أ‬ ‫آ‬ ‫أ‬
‫العمر ‪ ،‬وإني لذكر كيف قضى والدك اخر أايامه ‪ ،‬يمليني الرسائل تلو الرسائل لخيه ف ي هللا‬
‫ذاك ‪ ،‬ليستنقذنا من غائلة الديون ُوك ْربة الفقر ‪ ،‬لكن دون مجيب ‪ ،‬ول حول ول قوة إل باهلل ‪.‬‬
‫واشتد المرض على أابيك باشتداد الكربة ‪ ،‬وهو – رحمه هللا – ل ينفك عن الدعاء بلسانه بعد أان‬
‫أ‬
‫فقد القدرة على تحريك أاي جزء من جسده ‪ .‬كان يدعو لنا ‪ ،‬ولخيه في هللا ‪ ،‬بل حتى ذلك‬
‫آ‬ ‫آ‬
‫المحتال ‪ ،‬كان يدعو له بالتوبة لئال يؤذي اخرين كما اذاه ‪" ..‬‬
‫أ‬
‫"ثم توفي أابوك إلى رحمة هللا تعالى بعد ذلك الحادث ال ليم بشهر واحد ‪ .‬لم يتبق معي‬
‫سره ‪ ،‬جزاه هللا خيرا ورفع َقدره‬ ‫الح ِل ّي التي كان أابوك يهديها لي أايام ُ‬
‫ي‬ ‫عليك ‪ ،‬إل ُ‬
‫ِ‬ ‫به‬ ‫نفق‬ ‫ا‬‫من مال أ‬
‫ِ‬
‫ف ي عليين ‪ .‬انتظرت صديق والدك ذاك عدة أاشهر ‪ ،‬لكن دون جدوى ‪ .‬وفي النهاية ّفوضت‬
‫أامري إلى هللا ‪َ ،‬وع َزمت أان أاشق طريقنا في الحياة بعون هللا وحده ‪ ،‬فكان من أامرنا ما تعلمين ‪.‬‬
‫َ ُ أ‬
‫قت بابيك ‪ ،‬فإنني أا ِكل أامرك إلى هللا‬ ‫وهذه يا ابنتي ِمحنة ْعمر سردتها لك في سطور ‪ .‬ولئن الح‬
‫أ‬
‫تعالى ‪ ،‬أواثق أانه حسبنا ونعم الوكيل ‪ .‬ستجدين في صندوق صغير ‪ ،‬مخبا تحت فراشي ‪ ،‬بقية‬
‫ستبق َيها‬ ‫ا‬‫من ُحل ّي اشتراها لي والدك يوم خطبني ‪ ،‬فعز علي أان أابيعها مع ما بعت ‪ ،‬آواثرت أان أ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عسى أان تظل ذكرى أاو تنفعك بعد رحيلي ‪,,,‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪67‬‬

‫والدتك المحبة" ‪.‬‬

‫******************‬

‫أاخرجت سلمى طرحة العروس من ُمغلفها بعناية ‪ ،‬وراحت تسويها على سريرها ‪ ،‬وهي‬
‫تبتسم ‪ .‬لقد كان أاحمد هو من اشترى ثياب العروس كلها وانتقاها بنفسه! ل م تكن تعلم أان له‬
‫مثل ذلك الذوق الرفيع ‪ ،‬لكن ذلك لم يكن بمستغرب عليه ‪ ،‬وهو صاحب الحس الرهيف ‪،‬‬
‫أ‬
‫حس الديب والفنان ‪..‬‬

‫أاحمد ‪..‬‬

‫ابتسمت سلمى وهي تسمع صدى اسمه يتردد في قلبها ‪ ،‬وجاهدت لتمسك َع َبراتها ‪ ،‬فقد‬
‫حدثت نفسها مرار وتكرارا أانها لن تلتفت إل لصفاء ‪ .‬إنها نقطة التحول في حياة صديقة عمرها ‪،‬‬
‫ّ‬

‫بغض النظر عمن سيصحبها من تلك النقطة ‪ .‬يك في أانها صفاء ‪..‬‬

‫‪ -‬انظري ما أاجملها يا صفاء!‬


‫‪... -‬‬
‫‪ -‬إنها من المخمل الناعم ‪ ،‬حقا رائعة!‬
‫‪... -‬‬
‫آ‬
‫‪( -‬تلفت لصفاء مستغربة) صفاء؟ (ترى انعكاس وجه صفاء الجالسة أامام امراة في ثوبها‬
‫أ‬
‫البيض البديع ‪ ،‬فإذا بها تبكي!) ما بك يا صفاء؟ (تحتضنها في تفهم) لبد أانها دموع‬
‫الفرح!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪68‬‬

‫‪( -‬تبعد يديها وهي تهز أراسها نفيا) ل!‬


‫‪( -‬مندهشة) ل تقولي لي إنها دموع حزن!‬
‫‪( -‬تنظر لسلمى طويال) بل هي دموع الذنب يا سلمى!‬

‫لثوان سك تت سلمى وقد بهتها الرد ‪..‬‬

‫أاتكون صفاء قد علمت بما بينها وبين أاحمد؟‬


‫أ‬
‫أاو تكون قد اك تشفت أانه يتزوجها إنفاذا لوصية أابيه ل بامر قلبه؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬تتناول منديال لتجفف دموعها) سامحيني يا سلمى ‪ ،‬لكن لبد أان أاقولها وإل سانفجر في‬
‫داخلي ‪.‬‬
‫‪( -‬تجلس إلى جانبها وترتبت على شعرها) تعلمين أانك تستطعين مصارحتي بما شئت يا‬
‫صفاء ‪..‬‬
‫آ‬
‫‪( -‬تطرق طويال قبل أان تقول بشفتين مرتجفتين) إنني أاشعر أانني اخذ ما ليس حقي يا‬
‫سلمى!‬
‫‪!! -‬‬
‫كنت أانت‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬
‫‪ -‬اعلم انني ل استحقه يا سلمى! (ترمي نفسها في احضان سلمى وهي تبكي) لو ِ‬
‫مكاني لتفهمت ‪ ،‬لكن ليس أانا! ليس أانا!‬

‫*****************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪69‬‬

‫سبحان هللا!‬
‫آ‬
‫سبحان هللا يا ابن ادم!‬

‫أاحيانا تحرم "ما تستحق"‬

‫وتعطى "ما ل تستحق"‬


‫أ‬
‫فتسخط عند الولى ول تحمد عند الثانية‬

‫وما تعلم أانك ما حرمت عن استحقاق‬

‫ول أاعطيت عن جدارة‬

‫إنما هي أارزاق‬

‫أواعطيات ‪..‬‬

‫من لدن حكيم خبير ‪..‬‬

‫وإن كان أاتيح لسلمى أان ترى فيم حرمت هي أواعطي غيرها‬

‫فاهلل – سبحانه وتعالى – أابدا حكيم خبير‬

‫قد تخفى الحكمة وقد تظهر‬

‫وليس في ذلك من فضل إل أان يشاء هللا‬

‫لكن بها تتميز القلوب الصادقة من غيرها‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪71‬‬

‫"ليعلموا أان هللا على كل شيء قدير أوان هللا قد أاحاط بكل شيء علما"‬

‫فمقاييس العطايا والحرمان بمعيار البشر ليست كالمعيار العلوي‬

‫وليس للبشر أان يحيطوا بإدراكهم المحدود ماهية تلك المعايير‬

‫لكنهم أاعطوا في المقابل طاقات قلبية إيمانية ل محدودة‬

‫بالتسليم والرضا‬

‫عن يقين ورضا‬

‫"إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أاك ثر الناس ل يعلمون"‬

‫سبحانه‬

‫"وهو خير الرازقين"‬

‫*********************‬

‫طافت تلك الخواطر بقلب سلمى ‪ ،‬فاحتضنت صفاء بقوة ‪ ،‬ثم أابعدتها عنها بحيث تتالقى‬
‫عيونهما ‪..‬‬

‫‪ -‬إنني دونه في كل شيء يا سلمى! هو أاستاذ ومثقف أواديب ‪..‬‬


‫‪... -‬‬
‫‪ -‬إنك أاقرب إليه منه إلي يا سلمى! أانا ل أاستحق شخصا مثله!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪( -‬تمسح دموعها وتنظر لها في حنان) "ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء" يا صفاء ‪.‬‬
‫‪ -‬قد قالت لي أامي مثل ذلك ‪ .‬وقالت إنها لبد بركة دعوة والدي ‪ ،‬رحمه هللا تعالى ‪.‬‬
‫‪ -‬هي كذلك يا صفاء ‪ .‬أاليس هللا ل يضيع أاجر من أاحسن عمال؟‬
‫‪ -‬بلى ‪..‬‬
‫‪ -‬فاحمدي هللا واشكري فضله يا صفاء ‪ ،‬ذلك أادنى أان تدوم النعمة‪.‬‬
‫‪ -‬الحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬
‫آ‬
‫والن ك فك في دمعك وابتسمي ‪ ،‬وإل أ‬
‫نت والدتك ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ز‬‫ح‬ ‫ا‬ ‫‪-‬‬
‫‪( -‬تك فك ف دموعها) لن تتخيلي يا سلمى كيف كان حالنا ّلما جاء أاحمد ووالدته!‬
‫‪( -‬تبتسم) ‪..‬‬
‫‪( -‬تضحك) كنت أاجرى كالمجنونة أوانا أاحاول ترتيب وضع المنزل ‪ ،‬في حين سارعت أامي‬
‫ترتدي عباءتها وقد كانت بثياب النوم ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬حقا ‪ ..‬مفاجاة ‪...‬‬
‫‪( -‬ت ِهز ك تفيها) ل أالومه ‪ ،‬ليس لدينا هاتف فلم يكن بإمكانه تنبيهنا قبلها ‪ .‬لكن انتظري‬
‫آ‬
‫حتى أاخبرك ما قال (تنهض من على الكرسي أامام المراة ‪ ،‬وتقلد جلسة أاحمد على السرير‬
‫بحركة مسرحية) لو ترين الوقار الذي تحدث به يا سلمى ‪ ،‬كان مختلفا تماما عن ذلك‬
‫أ‬
‫الستاذ في الكلية ‪ ،‬كان ‪ ..‬كان ‪..‬‬
‫‪( -‬تبتسم وهي تتخيل نظراته الحانية) أاميرا؟!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪ -‬أامير أواي أامير يا سلمى! كالذين نق أرا عنهم في روايات الفرسان! بل حتى والدته على قلة‬
‫تصوري يا سلمى لم أاشعر في وجودهما بالخجل‬
‫كالمها كانت نظراتها تفيض رقة ورحمة ‪ّ .‬‬
‫الذي تخيلته من منظر شقتنا المتواضع ‪...‬‬
‫‪( -‬تقاطعها في اهتمام) وكيف ‪ ..‬كيف تقدم أاحمد إليك؟‬
‫‪ -‬كانت والدته هي المبتدئة بالحديث إلى والدتي ‪ ،‬عن أامنية والده أان يراه مستقرا في بيت‬
‫بدا أاحمد الكالم ‪( ..‬تضع يدها على جبهتها كمن يحاول التذكر) لقد قال‬ ‫الزوجية ‪ ،‬ثم أ‬

‫كالما ك ثيرا ‪ ..‬لكنني ل أاتذكر (تنظر في سقف الحجرة كانما تستلهمه العبارات) رباه! ماذا‬
‫قال بالضبط؟؟ ‪ ..‬المهم ‪ ..‬المهم أانه َختم ُخطبته بتلك الجملة الرائعة (تعقد ك فيها أامامها‬
‫آ‬
‫كالحالمة) ‪" :‬إنني أاطلب يد كريمتك النسة صفاء للزواج على سنة هللا ورسوله" ‪..‬‬
‫أاتصدقين يا سلمى؟‬

‫وكيف ل تصدق؟‬

‫وهي التي توقعتها مرارا وتكرارا ‪ ،‬لكن بإحالل اسم "سلمى" محل "صفاء" ‪.‬‬

‫لو تدرين يا صفاء َك َّم الخناجر التي تطعن قلبي مع كل كلمة تتفوهين بها‬
‫أ‬
‫لكن ‪ ..‬ل باس عليك ‪..‬‬

‫إنه يومك ولن أافسده عليك ‪..‬‬


‫أ‬
‫عسى هللا ‪ ..‬أان ياجرني في مصيبتي ‪ ..‬ويرزقني خيرا منها ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪73‬‬

‫*******************‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫لم تزد سلمى على أان ابتسمت ابتسامة هادئة ‪ ،‬أوامسكت عن الرد باية كلمة ‪ ،‬لنها كانت تعلم‬
‫يقينا أانها لو همست بحرف فستنفجر باكية ‪ .‬أاما صفاء فكانت محلقة في عالم ل تشعر بسعادته إل‬
‫صاحبته ‪..‬‬

‫‪ -‬لكنني لم أاتوقع أان يق أرا أاحمد أافكاري بتلك السرعة ‪..‬‬


‫‪ -‬؟!‬
‫‪ -‬في نفس اللحظة التي تقدم فيها ووافقنا ‪ ،‬داخلني القلق بخصوص والدتي ‪ ،‬إذ ل م أاكن‬
‫أاتخيل النفصال عنها ‪ ،‬فبادرني إلى ذلك وعرض عليها أان تقيم معنا ‪ ..‬تخيلي!‬
‫‪( -‬تغمغم) حقا؟!‬
‫أ‬
‫‪ -‬بل والروع ‪ ،‬أان أامي لما امتنعت عن ذلك احتراما لخصوصيتنا واستقاللنا ‪ ،‬عرضت‬
‫والدته عليها أان تقيم معهم في منزلهم الكبير!‬
‫‪( -‬تتسع عيناها في دهشة) أاحقا ْ‬
‫فعلت؟ وماذا كان رد والدتك؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬لقد امتنعت وقالت إنها راضية بعلمها أانني ساكون سعيدة ‪ ،‬وذلك غاية ما تتمنى ‪.‬‬
‫تكلف أاحدا عناء استضافتها َرغم نظراتي المتوسلة ‪( ..‬تطرق وقد تورد خداها)‬
‫أواصرت أال ّ‬
‫ِ‬
‫لكن أاحمد كان غاية في الشهامة ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تبتلع ريقها وتغمغم) بالتاكيد!‬
‫‪ -‬لقد أاصر بدوره أان يشتري لها شقة قريبة ويؤثثها على حسابه ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪74‬‬

‫‪ -‬وهل وافقت والدتك عندها؟‬


‫‪ -‬حاولت أان تمتنع لكنني حسمت الموقف!‬
‫‪ -‬كيف؟‬
‫‪ -‬قلت لهم إن ذلك سيكون َمهري ول أاريد سواه!‬
‫‪( -‬تنظر لها بشيء من الذهول)‬
‫إلي نظرتك تلك ‪ ،‬لكن صدقيني إذ أاقول لك يا سلمى إنني لم أاقدم‬ ‫‪( -‬تضحك) كلهم نظروا ّ‬
‫حلمت به ‪( ..‬تدمع عيناها) ل أاستطيع أان‬ ‫أاية تنازلت ‪ .‬ذلك المهر هو أاغلى أواثمن مهر ُ‬
‫أ أ أ‬
‫بدا في تاثيث شقة أامي الحبيبة! إنني لم أاسعد بتقدم أاحمد ‪ ،‬إل بقدر ما أرايت‬ ‫أاصبر حتى ا‬
‫آ‬
‫السعادة تتراقص في عيني أامي! ا ٍه يا سلمى ‪ ..‬لقد ُحرمنا مثل ذلك َّالر َغد طويال ‪ ..‬لكنني‬
‫كنت واثقة أان هللا الكريم لن يضيع تضحيات أامي ودعاء أابي‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تنظر إليها في تاثر) صفاء العزيزة‪..‬‬
‫‪( -‬ترفع إليها عينين راجيتين) سلمى؟ هل لك أان تتركيني وحدي بضع دقائق فحسب‪..‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تنظر لها بدهشة ‪ ،‬ثم تنهض) نعم ‪ ،‬بالتاكيد ‪ .‬سانتظر خارج الغرفة ‪ .‬نادني حالما تنهين‬
‫ما تودين عمله ‪.‬‬
‫َ‬ ‫أ‬
‫خرجت سلمى أواغلقت الباب ‪ ،‬فنهضت صفاء وتناولت الحجاب البيض ول َّفته بعناية حتى غطى‬
‫شعرها الطويل ‪ ،‬ثم َخ َّرت ساجدة ‪..‬‬

‫سجدة شكر‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪75‬‬

‫هلل العلي العظيم‬

‫ذي الفضل العظيم‬

‫وسبحان هللا الوهاب‬


‫أ‬
‫مقلب القلوب ومقسم الرزاق‬

‫وإن انقلبت الموازين حتى حين ‪.‬‬

‫*************************‬

‫أاوقف أاحمد سيارته أامام منزل سلمى ‪ ،‬وطلب من أاروى الذهاب إلعالمهم بوصوله ‪.‬‬
‫فنزلت أاروى من السيارة ‪ ،‬وترك ته غارقا في خواطره ‪ .‬تحسس بيده المصحف الذي وضعه في‬
‫جيب سترته الداخلية ‪ ،‬لعل السكينة تغمر قلبه المضطرب ‪ .‬يالمشيئة هللا وتقديره تعالى! لقد‬
‫أ‬ ‫أ أ‬
‫ليخطبها ‪ ،‬فإذا به ياتيه بعد بضعة أاشهر ليتزوج صديقتها!‬
‫ِ‬ ‫سلمى‬ ‫بيت‬ ‫تي‬ ‫يا‬ ‫نوى ان‬
‫أ‬
‫أاوقف أاحمد محرك السيارة ‪ ،‬ث م نزل ووقف مستندا إليها ينتظر العروس ‪ ،‬وإذا باخته أاروى‬
‫تعود ومن خلفها والد سلمى ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬ينظر لخته مستفهما)؟‬
‫‪ -‬إنهم يدعونك للداخل ريثما تتم صفاء زينتها ‪.‬‬
‫‪( -‬ينظر في قلق لوالد سلمى ُالم ِقبل) ل ‪ ،‬ل داعي ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪76‬‬

‫‪( -‬يمد يده إليه مصافحا) أاهال وسهال بالعريس ‪ ،‬وزوج صفاء العزيزة ‪ ،‬تعال يا بني!‬
‫(يحاول أاحمد المتناع) ل يصح أان نتركك واقفا هنا ‪ ،‬والدة صفاء ووالدة سلمى تنتظرانك‬
‫في الداخل ‪..‬‬

‫وما كاد أاحمد يدخل بيتهم ‪ ،‬حتى َع َلت حناجر الم أراتين بزغاريد الفرح ‪ ،‬وشرعت الحاجة‬
‫فاطمة تنثر عليه شيائ من الورد الذي أاعدته للعروسين ‪ .‬وقف أاحمد بينهم وقد عاله الرتباك ‪،‬‬
‫أ‬
‫وفي الدور العلوي كانت سلمى تضع اللمسات الخيرة على زينة صفاء ‪ ،‬وهي ل تكاد تم ِلك يديها‬
‫المرتجفتين من التوتر ‪ ،‬لما َّ‬
‫صكت سمعها تلك الزغاريد ‪..‬‬

‫‪( -‬تعينها على ضبط الطرحة البيضاء فوق الحجاب) وبهذا انتهينا ‪.‬‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تتامل نفسها في المراة بشيء من اإلحباط) لست أادري ‪ ..‬كان الثوب يبدو جميال وهو‬
‫َّ‬
‫معلق على الشماعة ‪..‬‬
‫آ‬
‫‪( -‬تستعجلها وهي تدفعها نحو الباب) لكنه الن يبدو بشعا وقبيحا! نعم ‪ ،‬أاعرف! هذه المرة‬
‫أ‬
‫ال لف التي تكررين فيها هذه الجملة ‪..‬‬
‫‪( -‬تطرق الحاجة فاطمة الباب وتفتحه قليال بقدر ما تطل ب أراسها) هيا يا بن ا‪( ..‬تقطع حديثها‬
‫حين تقع عيناها على صفاء) ما شاء هللا ‪ ،‬تبارك هللا! ياللجمال!‬
‫‪( -‬في راحة عظيمة) حقا؟ شكرا لك يا خالتي!‬
‫‪( -‬تمسك يدها) هيا ابنتي ‪ ،‬والدتك أواحمد ينتظران في الصالة ‪.‬‬
‫‪( -‬تتراجع سلمى التي كانت ستصحبها) أاحمد؟!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪77‬‬

‫‪ -‬بلى!‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تسترد َرباطة جاشها) إذن اذهبي أانت يا صفاء معهما ‪ ،‬وسالحقك مع والدي ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تلتفت لسلمى وتاخذ بيدها في رجاء) لكنني أاريدك أان تكوني معي ‪.‬‬
‫‪( -‬تبحث عن مخرج) لكنني مازلت لم أاصلح ِهندامي ‪ ..‬ول م أارتد حجابي بعد ‪ ..‬اسبقيني‬
‫وسالحق بك مع ّ‬ ‫أ‬
‫والدي ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تتدخل الحاجة فاطمة لتنهي المسالة) ل ب اس ‪ ،‬هيا يا صفاء فهم ينتظرونك ‪،‬‬
‫وسنلحقكم سريعا إن شاء هللا ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تحتضن سلمى) سانتظرك يا أاختاه ‪..‬‬
‫‪( -‬تقبلها وهي تبكي) لن يطول انتظارك إن شاء هللا يا حبيبتي ‪..‬‬

‫أواخيرا خرجت صفاء من الغرفة مع الحاجة فاطمة ‪ ،‬تارك ْتين سلمى وحدها ‪.‬‬

‫********************‬

‫لقد خرجت صفاء من غرفتها‬

‫وبخروجها كذلك‬

‫خرج أاحمد‬

‫من حياتها‬
‫أ‬
‫إلى البد!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪78‬‬

‫الص َع َداء إذ أراى صفاء تنزل الدرج بصحبة والدة سلمى ‪ ،‬ل سلمى نفسها ‪ .‬وفي ذات‬
‫تنفس أاحمد ُّ‬
‫أ‬
‫الوقت كان يشعر بقلبه يشاطر قلبها تلك الفكار ‪.‬‬

‫ها هو ذا يدخل بيت سلمى ‪..‬‬

‫ويخرج بصفاء ‪..‬‬

‫تطرب لها أاذناه ‪..‬‬


‫وتتعالى زغاريد َ‬

‫ويبتئس لها قلبه ‪..‬‬

‫وها هي ذي العروس تدنو ‪..‬‬

‫وهو يرى صفاء بعينيه ‪..‬‬


‫أ‬
‫ويابى قلبه إل أان يرى سلمى ‪..‬‬

‫وقبل أان يخرج مع صفاء ووالدتها ‪..‬‬

‫حانت منه التفاتة خاطفة لغرفة سلمى ‪..‬‬

‫ولول الباب الفاصل بينهما ‪..‬‬


‫آ‬
‫لراها واقفة خلفه ‪ ..‬خلف الباب ‪..‬‬

‫تتسمع وقع أاقدامه وهو يمضي بعيدا عنها ‪..‬‬

‫تصحبه دموعها وتباريحها ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪79‬‬

‫ومضى كل منهما ‪..‬‬

‫وفي قلبيهما ‪..‬‬

‫ما هللا به عليم ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪ -‬هذه المرة العاشرة التي تتطلعين فيها إلى الساعة يا فاطمة!‬


‫‪ -‬أتا ْ‬
‫خرت سلمى ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬يبتسم) بل ُي َخيل إليك ذلك ‪ ،‬لنك تنتظرين رجوعها منذ خرجت!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تنظر لزوجها الحاج عادل بغيظ) أانت هكذا دائما بارد العصاب!‬

‫‪( -‬يتابع قراءة الصحيفة في هدوء) على أاحدنا أان يكون مستعدا إلخماد النيران!‬
‫‪َ ( -‬ي ِغيظها رده) ل أادري كيف ا ِص ُ‬
‫بت في عقلي ُ‬
‫وقبلت الزواج بك!‬

‫‪ -‬تماما مثل ما ُط ِم َس على قلبي واخترُت ِك زوجة ‪َ ( ،‬ت ِهم أان ترد عليه غاضبة ‪ ،‬فيستدرك) ولم أاندم‬
‫على ذلك أابدا!‬

‫‪( -‬تبتسم في رضا ‪ ،‬لكن تتصنع الغضب) أانت تجاملني!‬

‫‪ -‬تعلمين أانني ما أاقول إل حقا!‬

‫‪( -‬تضحك مسرورة)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪ -‬تكونين أاجمل حين تضحكين يا فاطمة!‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬يحمر وجهها) كانك نسيت أانني جاوزت الربعين!‬
‫أ‬
‫لت على عهدي بك كانك في العشرين!!!‬
‫‪-‬لز ِ‬
‫‪( -‬تضحك في رضا) يا لك من رجل! وتدعي أانك ل تقول إل حقا!! (يسود بينهما الصمت قبل أان‬
‫تقطعه الحاجة فاطمة) أاتعلم يا أابا سلمى أانني في البداية حزنت لخبر زواج أاحمد من صفاء؟‬
‫آ‬
‫وعجبت كيف اثر صفاء على ابنتنا!‬
‫‪( -‬ينظر إليها متفكرا) أوانا كذلك في البداية ّ‬
‫تحيرت من اختياره ‪ ،‬فالشاب وقور ورزين وواسع‬
‫الثقافة ‪ ،‬في حين أان صفاء خالف هذا كله ‪ ،‬ومع ذلك سبحان مقلب القلوب ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬لكن قاسما وهللا لجدر بها ‪ ،‬إذ َّقدرها حق قدرها ‪ ،‬ولم يتطلع لغيرها طوال هذه السنوات ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬ويبدو أان سلمى لم َت ُكن ُت ِك ُّن لستاذها من المشاعر ما كنا نظن ‪..‬‬

‫تومئ ب أراسها) تماما كما قلت لك ‪ ،‬إنها ابنتي أوانا أاعرفها!‬


‫‪ِ (-‬‬
‫قلت ذلك؟!‬ ‫أ‬
‫نت ِ‬‫‪-‬ا ِ‬
‫‪ -‬نعم أانا!‬

‫( َي ِهم بالرد ‪ ،‬فيسمعان صوت سلمى تدير المفاتيح في الباب ‪ ،‬فيعودان للتشاغ ل بما في‬
‫أايديهما ‪ ،‬تدخل سلمى فتسلم عليهما و تقبلهما في حنان ‪ ،‬فيردان السالم والتحية ‪ ،‬ثم ينتظران‬
‫حتى تصعد غرفتها لتبدل مالبسها)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪82‬‬

‫‪ -‬حسنا ‪ ،‬أاعدي لنا بعض الشاي يا فاطمة ريثما أاذهب أواحادثها ‪.‬‬

‫‪( -‬تنهض) ل! بل أانا من سيحادثها ‪َ .‬ا ِع ّد أانت الشاي!‬

‫‪( -‬مستنكرا) أان ا ا ِعد الشاي؟؟ ماذا تقولين يا فاطمة؟ أاعدي أانت الشاي أوانا من سيحادثها!‬

‫‪ -‬ل ‪ ،‬بل أانا! أانا أامها!‬

‫‪ -‬أوانا أابوها!‬
‫آ‬
‫‪( -‬تصعد َّالد َرج متجهة لغرفة ابنتها غير ا ِب َهة باعتراضه) وإن يك ن! هذه أامور ل يصلح لها الرجال!‬
‫(يغمغم زوجها بكلمات غاضبة ويعود لقراءة الصحيفة)‬

‫********************‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫جلست سلمى ساهمة أامام المراة في غرفتها ‪ .‬مضى على زواج صفاء باحمد قرابة الشهرين ‪.‬‬
‫أ أ‬
‫ذلك الزواج الذي خلف بداخلها فراغا عميقا ‪ ،‬جاهدت لتماله بانشطة أواشغال تنسيها َح َّر ما‬
‫تلقى ‪ .‬فعك فت على ك تاباتها ‪ ،‬واشتركت في أانشطة ترفيهية للصغار في المسجد القريب ‪،‬‬
‫أ‬
‫وصارت تواظب على صالة الجماعة ‪ِ ،‬لما تجده من النس في بيت هللا تعالى ‪ .‬وقد وافقها والدها‬
‫غياب صفاء عن حياتها بعد صحبة‬ ‫سببه ُ‬ ‫على ما تفعل ِلما لمسا فيها من شرود حزين ‪ ،‬ظنوا َ‬
‫دامت سنين ‪ .‬حتى إذا أرايا أان الوقت قد حان لنقطة تحول مماثلة في حياة ابنتهما ‪ ،‬قررا‬
‫مفاتحتها في مخططاتهما ُالم َعدة َس َلفا ‪ ،‬منذ كانت طالبة في الكلية ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪83‬‬

‫طرقت الحاجة فاطمة الباب طرقا خفيفا ‪ ،‬انتزع – على ِخ َّفته – سلمى م ن شرودها‬
‫انتزاعا‪ ،‬فابتسمت وهي ترى أامها َت ُطل طلتها المعهودة ب أراسها من الباب ‪.‬‬

‫‪( -‬مبتسمة) أاتسمحين لي بالدخول؟‬

‫‪ -‬طبعا ‪ ،‬تفضلي يا أاماه ‪.‬‬

‫‪ -‬ما قولك لو قلت لك عندي أاخبار ستفاجئك!‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تبتسم ابتسامة فاترة) تفضلي يا أاماه ‪ ،‬أواعدك أان أاتظاهر بانني تفاجات!!‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تتظاهر بانها لم تتاثر بفتورها وتتابع في حماسة) أاعلم أانك تشتاقين لصفاء بعد سفرها ‪..‬‬

‫‪( -‬تطرق ول تجيب)‬

‫‪ -‬لكنها سنة الحياة ‪..‬‬

‫‪( -‬تغمغم) ومشيئة هللا!‬


‫أ‬
‫‪( -‬تبتسم في مكر إذ قاربت الهدف) أانا سعيدة بانك تتفقين معي ‪..‬‬

‫‪( -‬تنتبه) أاتفق معك فيم يا أاماه؟‬


‫أ‬
‫‪ -‬في أانك ‪ ..‬لبد ‪ ..‬أاعني أان تفكري في هذا المر كذلك ‪..‬‬
‫أ أ‬
‫‪ -‬تعنين الزواج؟ أالم نتفق أان نترك الكالم في هذا المر لوانه؟‬

‫‪( -‬تقاطعها وهي تبتسم في ثقة) أوانا عند وعدي!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪84‬‬

‫‪( -‬في شيء من الدهشة) أاتعنين أان هناك ‪...‬‬

‫‪( -‬تومئ في سعادة) نعم! أاعني ذلك َح ْر ِفيا!‬

‫‪ -‬فمن يكون؟‬
‫ْ‬ ‫أ‬
‫ست ِرس َلة كانها تلقي ُخطبة َع ْصماء) هو َز ْين شبابنا ‪ ،‬ودرة أاسرتنا ومفخرة العائلة‪،‬‬
‫‪( -‬تندفع ُم َ‬
‫وليس مثله من ُي َرد!‬

‫‪( -‬تبتسم دون أان ترد)!‬

‫تزف ر في ضيق) ما بك يا سلمى؟! إنه ابن عمك قاسم!‬


‫‪ِ (-‬‬
‫‪ -‬قاسم؟!‬
‫أ‬
‫‪ -‬كانك لم تعرفيه من وصفي السديد البليغ؟ (في شيء من الزهو) لقد أامضينا الليلة أانا أوابوك‬
‫ُن ِع ُّده ونتراجعه ‪ ،‬حتى حفظته!‬

‫‪( -‬تضحك من حماسة أامها) بلى! قد دار في َخ َلدي أانه هو!‬


‫أ‬
‫‪( -‬في سعادة) إذن فانت موافقة!‬

‫‪( -‬مترددة) لم أاقل إنني موافقة!‬

‫‪( -‬في خيبة أامل) أاترفضينه يا سلمى؟‬

‫‪ -‬ل ‪ ،‬لست أارفضه يا أامي ‪ ،‬ولكن ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪( -‬في قلق) ولكن ماذا؟‬


‫أ‬
‫‪ -‬أاتمهلينني لفكر قليال؟‬

‫‪ -‬فيم تفكرين يا سلمى؟ إنك تعرفين أان ليس في بنات العائلة من هي أاحق أواجدر به منك ‪..‬‬

‫‪ -‬رجاء يا أاماه ‪..‬‬

‫‪( -‬تنظر إليها غير مقتنعة) ‪ ..‬حسنا ‪ ..‬كما تشائين ‪!..‬‬

‫*********************‬

‫لك هللا يا سلمى!‬


‫ِ‬
‫أ‬
‫إنه ل َيخفى عليها أامر ابن عمها قاسم ‪ ،‬فقد َد َرجا معا في طفولتهما كاخ أواخته ‪ .‬ولما ُر ِزئت‬
‫أ‬
‫السرتان بوفاة عمها وقاسم َب ْع ُد في المرحلة الثانوية ‪ ،‬ترك الدراسة وانصرف ُليعيل أاسرته ‪،‬‬
‫آ‬
‫حيث لم يكن لها ُمعيل غيره ‪ .‬وكانت أاسرة عمها متوسطة الحال ‪ ،‬فاثر تعليم أاخواته الثالث‬
‫وإحسان تربيتهن على نفسه ‪ ،‬خاصة أوان والدته لم تكن لتقدر على العمل لرقة صحتها ‪.‬‬

‫ولطالما حاول والدها مساعدتهم ‪ ،‬غير أان قاسما و ِرث عن أابيه عزة نفس ُصلبة عنيدة ‪،‬‬
‫أتابى أان يكون لها عند أاحد َف ْضل ولو كان من ذوي القربى ‪َ ،‬وت ُعف عما في أايدي َ‬
‫الخلق ولو كان‬
‫أ‬ ‫َع َّمه ‪ ،‬طالما كان هو قادرا على َ‬
‫الكد بنفسه وال كل من عمل يده ‪ .‬ولم يكن شيء ليجرح كرامته‬
‫وكبرياءه ‪ ،‬أاك ثر من أان تشعر أامه أاو إحدى أاخواته بنقص ل يستطيع َملء فراغه ‪ ،‬أاو أان‬
‫يستشعرن الفارق بينهن وبين أاسرتها ‪ ،‬التي كانت أاك ثر يسرا بفضل هللا ‪ .‬فاجتهد في السعي‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪86‬‬
‫آ‬
‫والعمل كل اجتهاد ‪ ،‬ل َي ِض ُّن بشئ من صحته ووقته ‪ ،‬ول ُيم ُّن به عليهن ‪ .‬والى على نفسه أال‬
‫َت ُمد أاسرته يدها إلى أاحد ما دام فيه َن َفس يتردد ‪.‬‬

‫واستطاع قاسم أان يحصل على وظيفة في شركة مرموقة لالستيراد والتصدير ‪ ،‬حيث‬
‫قامت ِخبراته الحياتية ومهاراته المتعددة مقام الشهادات الحكومية ‪ ،‬ول يخفى كذلك ما كان‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫لدعوات والدته في السحار ‪ ،‬وتضرعه هو هلل أان ييسر له المور ‪ ،‬من عظيم الفضل في توفيقه‬
‫إن لم يكن لذلك كل الفضل ‪ .‬ومنذ صارت أاسرته شغله الشاغل ‪َ ،‬ق َّلت زياراته لبيتها ‪ .‬وما وقع‬
‫ناظرها عليه في السويعات القليلة التي كان ُي ِل ُّم فيها بهم ‪ ،‬إل أراته قد جمع بهاء الطلعة ‪ ،‬ونبل‬
‫السجايا ‪ ،‬مع ما َي ِشع من وجهه من نور رباني ‪ .‬ول ينزل قاسم ُم ْن َزل ‪ ،‬ول يجلس مجلسا ‪ ،‬إل‬
‫وح َّف ُته َد َعوات أامه أواخواته الثالث ‪ ،‬أواسهبت والدته في وصف حسن خلقه وتدينه ‪ .‬وما شعرت‬ ‫َ‬
‫حصلت من شهادات علمية أاك ثر منه ‪ ،‬بل كانت تراه رجال‬ ‫سلمى في يوم أانها تفوقه درجة بما ّ‬
‫صنع حياته بدل أان تصنعه ‪ ،‬بما استمسك به من طاعة هللا و ِب ّ ِر كل من حوله ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫فلم يكن قاسم إذن بالذي ُي َرد كما قالت أامها ‪ ،‬وما وزنت المر بعقلها إل أراته ُك فا كريما ‪.‬‬
‫غير أانها ل تكاد تعرضه على قلبها ‪ ،‬حتى تشعر بشئ من النفور ‪ ،‬فقلبها لم يعرف له ساكنا من‬
‫قبل إل ‪..‬‬

‫أاحمد!‬

‫********************‬

‫ويحك يا سلمى! أال زلت تفكرين فيه؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪87‬‬

‫سكنته قلبك قد أاسكن ب َيته ام أراة أاخرى‬ ‫أ‬


‫فإن الذي ا ِ‬

‫وليس َي ُض ُّره زواجك‬

‫ول ُي ِ‬
‫فيدك انتظاره‬

‫وقاسم ليس بالذي ُي َرد‬


‫دينهم ُ‬
‫وخلقهم‬ ‫بل هو من الذين ُيرَتضى ُ‬
‫أ‬
‫ويك فيه وساما ُّبره بامه أواخواته‬

‫والتضحية في سبيلهم عن طيب خاطر واحتساب أاجر‬

‫وهو مفخرة العائلة عن حق وزين رجالها‬

‫ففيم نفورك منه يا سلمى؟‬


‫أ‬
‫قلبك عائ قا ‪ ،‬فإنك لتدركين أانه على خطا‬
‫لئن كان ِ‬
‫وقد عرفت أاصل الداء ‪ ،‬أوا ْن ليس له دواء ‪..‬‬

‫إل النسيان ‪..‬‬

‫أاو التناسي ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪88‬‬

‫وما هي إل دقائق ‪..‬‬

‫حتى شق سكون المنزل ُزغرودة طويلة ‪..‬‬

‫أاطلقتها الحاجة فاطمة ‪..‬‬

‫أواسمعت ِح َّدت ها م ن ك ان ب ه صمم!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪89‬‬

‫‪ -‬أارجوك! فقط دقيقة واحدة يا أاحمد!‬

‫‪ -‬ك فى يا صفاء ‪ ،‬ل تك ثري على زوجك! قد تجولنا ك ثيرا اليوم ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬ل باس يا أاماه ‪ ،‬تفضال أانتما واسبقاني ‪ .‬تفقدا تصاميم الثاث حتى أاوقف السيارة ‪ ،‬ثم أالحق‬
‫بكما إن شاء هللا ‪.‬‬

‫شكرته صفاء في سعادة ‪ ،‬ثم أاخذت بيد أامها ‪ ،‬ودخلت معها إلى المحل العاشر من محالت‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الثاث! سار أاحمد بسيارته قليال ‪ ،‬حتى إذا وجد ُف ْر َجة مناسبة ‪ ،‬تقدم أواوقف سيارته ‪ ،‬ثم أاطفا‬
‫المحرك ‪ ،‬واستند ب أراسه إلى مقعد الكرسي ‪ ،‬وتنهد طويال ‪.‬‬

‫*********************‬

‫ِإ ٍيه يا أاحمد!‬

‫جت أاخيرا‬
‫هاقد تزو َ‬

‫وها هي ذي زوجتك تجلس إلى جانبك‬

‫وتتجاذب معك أاطراف الحديث‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪91‬‬

‫ولكنه زواج غير الزواج!‬

‫وزوجة غير الزوجة!‬

‫وحديث غير الحديث!‬


‫َ‬
‫حان ْت منه نظرة إلى المقعد الخلفي في السيارة ‪ ،‬فابتسم ‪..‬‬

‫"لقد َن ِس َيت حقيبتها كالمعتاد" ‪.‬‬

‫********************‬

‫ل أاستطيع أان أاكرهها!‬

‫إن صفاء في عبارة موجزة دوما "على سجيتها" ‪ ،‬ولكن ذلك ل ينفي أان سجية صفاء‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫محبوبة ‪ .‬أاك ثر الشياء بساطة تدخل في قلبها فرحة عظيمة ‪ ،‬فهي ل تقدر الشياء إل بحجم ما‬
‫تحمل من عاطفة‪ ،‬وهي كذلك فياضة في عواطفها ُت ْغ ِد ُقها على من تحبهم بصدق وبكرم ‪ .‬وبقدر‬
‫ما حمل قلبها من عواطف بقدر ما خال أراسها من أاي تفكير جاد‪ ،‬فهي تسمع له و تنبهر بحديثه‪،‬‬
‫أ‬
‫كما ينبهر الطفل بحجارة من الحجار الكريمة‪ ،‬تعجبه أالوانها وزخارفها ‪ ،‬ول يرى فيها أابعد ذلك‪.‬‬
‫أ‬
‫ولربما ك تب الخاطرة أاو القصيدة فاطلعها عليها بعد إلحاح ‪ ،‬ثم ل تلبث أان توجه إليه تلك‬
‫أ‬
‫النظرة الحائرة البسيطة! لم تكن تفهم إل يسيرا مما ك تب ‪ ،‬لكنها كانت تؤمن بروعته لنه ك اتبه!‬
‫أ‬
‫وك ثيرا ما حاول أان ياخذها إلى عالمه ‪ ،‬غير أانه كان دوما يصيبها بالصداع! فما كان لها‬
‫صبر على الك تاب ‪ ،‬ول طاقة على احتمال صمته المفكر ‪ ،‬أاو تفكيره الصامت ‪ .‬ولربما حاول أان‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪91‬‬
‫يجد لهما اهتماما مشتركا ‪ ،‬أاو دعاها لتشاركه مشاهدة برنامج ممتع ‪ ،‬فال تلبث سويعات حتى أ‬
‫تبدا‬
‫في الحديث معه بال انقطاع ‪ ،‬وصفاء تتحدث وتنصت لنفسها ‪ ،‬فال تنتبه إن أاثقلت عليه طالما‬
‫لم تثقل على نفسها!‬

‫عالمها ‪ ،‬وجده خاويا إل من التفكير في اللحظة ‪ ،‬أوامها! كان‬


‫ولما حاول هو مشارك تها َ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ينبغي عليه أان يضع أامها في المقام الول ‪ ،‬فهو لم ير في حياته مثل تعلق صفاء بامها ‪ ،‬حتى إنه‬
‫ليعتقد أان حياة صفاء معلقة بوالدتها ‪ .‬وقد كان لصفاء تلك الميزة التي قد تغفر لها كل ما سواها ‪:‬‬
‫ْ‬
‫عرفانها بالجميل ‪ .‬فما تتحدث معه عن أامها إل ُوتس ِهب ُوتط ِنب في وصف أافضالها وتضحياتها ‪.‬‬
‫ول يخرج هو معها في مصلحة يقضيها لها ‪ ،‬إل وتختتم الجولة بنظرة امتنان ‪ ،‬لم يكن أاحمد‬
‫بطبيعته ليقدر على تجاهلها ‪ ،‬أاو عدم الستجابة لها‪.‬‬
‫أ‬
‫لم تكن صفاء اختيار قلبه ولكنه ل يملك أان يكرهها ‪ .‬ولو شاء لوجد فيها ما ُي َس ِ ّو ُغ له‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫كرهها ‪ ،‬بل ويشوه صورتها في عينيه ‪ .‬لكن لم يكن له أان يكرهها ‪ ،‬لنها جاءت بامر هللا ‪ ،‬وكانت‬
‫أ‬
‫حظه وكان حظها َب َقدر هللا ‪ ،‬فليس له أان يعترض ‪ ،‬لنه حينها لن يعترض على صفاء ‪ ،‬ولكن‬
‫على قدر هللا تعالى ‪ ،‬الذي تجري المقادير بحكمته ورحمته وعدله ‪ ،‬وإن َخ ِفي عنا كل ذلك ‪.‬‬
‫ويوق ُن أان "في الصبر على ما َت ْك َره َخي ًرا ك ثيرا" ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وكذلك قلب المؤمن يسلم بما قضى هللا ‪ِ ،‬‬
‫**********************‬
‫انتفض أاحمد ل إر ً‬
‫اديا حين سمع َطرقا رقيقا على النافذة ‪ ،‬وإذا بصفاء واقفة إلى جانب السيارة ‪.‬‬
‫فتح أاحمد الباب ونزل معتذرا ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪92‬‬
‫‪ -‬أتا َ‬
‫خرت علينا يا أاحمد!‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫‪( -‬يفتح الباب الخلفي ليتناول لها حقيبتها) أانا اسف ‪ ،‬لحظات لحضر الحقيبة ‪ ،‬و‪( ..‬يلتفت إليها‬
‫آ‬
‫ليناولها الحقيبة ‪ ،‬فإذا عيناها تدمعان) أاتبكين يا صفاء؟ إنني حقا اسف ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تاخذ الحقيبة منه وهي مطرقة) أانت من يعتذر ‪ ،‬مع أانني أانا المخطئة!‬

‫‪ -‬المخطئة؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬أاعلم أانني أاثقلت عليك في موضوع تاثيث شقة أامي ‪ ،‬أانا التي تعتذر إليك ‪.‬‬

‫**********************‬
‫وقف أاحمد ساك تا أيتامل َ‬
‫صفاء المطرقة أامامه ‪..‬‬

‫لم تكن تلك وقفة سلمى ‪..‬‬

‫لكن ‪ ..‬كان فيها لمسة صفاء!‬

‫التي – وإن اختلفت عمن أاحبها – كان لها طابعها‪..‬‬

‫طابع الزوجة ‪..‬‬

‫والحليلة ‪.‬‬

‫*********************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪93‬‬

‫وضع أاحمد يده بحنان على ك تف صفاء وهمس قريبا منها ‪ " :‬لو أانك حقا تحبينني يا صفاء ‪ ،‬فال‬
‫علي أان أا َ‬
‫سعدك ‪ ،‬ما استطعت إلى ذلك‬ ‫تعودي لمثل هذا الكالم ‪ ،‬إنك زوجتي ومن حقك َّ‬
‫سبيال "‬
‫ْ‬
‫نظرت إليه صفاء نظرتها الممتنة ‪ ،‬ممزوجة بمزيد من المتنان!‬

‫فابتسم لها أاحمد‬

‫ومشى إلى جانبها‬

‫يدا بيد‪.‬‬

‫**************************‬

‫‪ -‬أاهال يا صفاء!‬

‫‪ -‬سلمى؟! غير معقول! كيف حالك؟ اشتقت إليك!‬

‫‪ -‬واضح! حتى أانك لم تتذكريني بمكالمة واحدة منذ ما يزيد على شهرين!‬
‫أ‬
‫‪ -‬صدقيني يا سلمى ‪ ،‬لم يكن يشغلني سوى موضوع أامي الحبيبة ‪َ ،‬ف َرغنا بحمد هللا من تاثيث‬
‫أ‬
‫شقتها كاملة السبوع الماضي فحسب ‪.‬‬

‫‪ -‬الحمد هلل ‪ ،‬مبارك لكم يا صفاء!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪94‬‬

‫‪ -‬الحمد هلل رب العالمين ‪ .‬أانا في قمة السعادة يا سلمى ‪ ،‬أاحمد إنسان رائع وزوج محب ‪ ،‬غير أان‬
‫أاك ثر ما يغيظني فيه ‪ ،‬أاننا ما دخلنا نقاشا إل خرج منتصرا ‪ ،‬بسبب حالوة لسانه ُ‬
‫وح ْسن بيانه ‪،‬‬
‫حتى أانني ك ثيرا ما أاتمنى لو كنت هنا َلت ُر ِ ّدي عليه! (تضحك)‬
‫ْ‬
‫‪َ ( -‬تذ ِوي ابتسامتها تماما ول ترد) ‪....‬‬

‫‪ -‬سلمى؟ ما بك؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬في شرود) ل أابدا ‪ ،‬ل شيء ‪ ،‬أانا سعيدة لجلك ‪.‬‬

‫‪ -‬العقبى لك يا سلمى إن شاء هللا!‬


‫أ‬
‫‪( -‬في شيء من الحماس المصطنع) وهذا ما اتصلت لجله ‪ ،‬أاردت أان أادعوك لحفل زفافي‬
‫أ‬
‫السبوع القادم ‪..‬‬

‫‪ -‬زفافك؟! ممن؟‬

‫‪ -‬قاسم ‪ ..‬ابن عمي ‪..‬‬

‫*******************‬

‫وضعت سلمى سماعة الهاتف أواطرقت طويال‬

‫اضطربت يا سلمى حين ُذكر اسمه؟‬


‫ِ‬ ‫لماذا‬
‫أاتشعرين َ‬
‫بالغ ْي َرة؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪95‬‬

‫توقعت أال يحسن معاملة زوجته لمجرد أانها لم تكن اختيار قلبه؟‬
‫ِ‬ ‫أام أانك‬
‫أ‬
‫نك هذه الفكار!‬
‫ل يا سلمى! انفضي ع ِ‬
‫لقد ُق ِّدر لكل منكما أان يسلك طريقا مختلفا‬

‫وقد مضى هو في طريقه‬

‫فامضي أانت كذلك في طريقك‬

‫ول تلتفتي!‬

‫فما لطريقيكما من تقاطع!‬

‫*****************‬

‫‪ " -‬أاحمد ‪ ،‬أاحمد ‪ ،‬أاحمد!"‬

‫فتح أاحمد باب الحمام مذعورا ‪" :‬ما بك يا صفاء!"‬


‫‪( -‬تتقافز حوله في فرح) عندي َ‬
‫لك خبر سعيد!‬
‫أ‬
‫‪( -‬معاتبا) لقد أافزعتني! أاهذه نبرة الخبار السعيدة؟!‬
‫‪( -‬مازالت تتقافز حوله كالطفلة) لن أا َ‬
‫خبرك حتى ُ‬
‫ترج َوني!‬
‫أ‬
‫‪( -‬يبتسم) ل ن أاستطيع أان أا ُرج َوك ‪ ،‬أوانا بالكاد أار ِاك أوانت تتقافزين كالرنب هكذا!‬

‫‪( -‬تك ف عن قفزها وتصفق بيديها في َج َذل) سلمى ستتزوج!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪96‬‬

‫‪( -‬يحدق فيها فاغرا فاه)!!‬

‫‪ -‬من ابن عمها قاسم!!‬

‫‪!! -‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تتناول الهاتف ثانية دون أان تلحظ ما ْاع َتراه) خبر عظيم! أاليس كذلك؟ ساخبر أامي ‪..‬‬
‫والفستان ‪ ..‬ينبغي أان ننتقي فستانا مالئما ‪...‬‬

‫*****************‬

‫دخل أاحمد غرفته أواغلق عليه الباب وقد أاذهلته الصدمة!‬

‫سلمى؟؟!!!‬

‫سلمى ستتزوج؟؟‬
‫آ‬
‫كان يعلم في قرارة نفسه أان ذلك اليوم ات‬

‫ولكنه لم يكن يتوقعه بتلك السرعة‬

‫كان يشعر ‪..‬‬

‫أانها لزالت قريبة ‪..‬‬

‫وإن كان هو بعيدا عنها ‪..‬‬

‫ولكن ها هي ذي اليوم ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪97‬‬

‫تبتعد عنه ُب ْعدا ‪..‬‬

‫عده أابدا!‬
‫ل قرب من َب ِ‬
‫استيقظ من أاحالمك يا أاحمد!‬

‫سلمى ذهبت!‬

‫ذهبت يا أاحمد!‬

‫ولن تعود!‬

‫ك ف عن اللتفات خلفك!‬

‫مضي َت في طريقك‬
‫فقد ْ‬

‫وها هي سلمى تمضي في طريقها‬

‫وما لطريقيكما من تقاطع!!!‬

‫********************‬

‫ولكن ‪..‬‬

‫من يدري؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪98‬‬

‫مشت الحاجة فاطمة على أاطراف أاصابعها نحو غرفة سلمى ‪ ،‬ثم فتحت الباب برفق ‪ ،‬أواطلت‬
‫أ‬
‫وج ّدة منتظرة ‪.‬‬
‫امتال شعيرات بيضاء ‪ ،‬تنبئ عن عروس قادمة ‪َ ،‬‬ ‫ب أراسها ‪ ،‬الذي‬

‫أالم تنامي يا سلمى؟‬ ‫‪-‬‬

‫بلى ‪ ،‬نمت قليال يا أامي ‪ ،‬واستيقظت للصالة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫(في إشفاق) لقد سهرنا أامس ك ثيرا في ترتيب الحقائب ‪ ،‬كان ينبغي أان تنامي أاك ثر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫(تبتسم) ل تشغلي بالك يا أامي الحبيبة!‬ ‫‪-‬‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫صليت أانا وساذهب ل ِعد‬
‫ُ‬ ‫وبماذا أاشغل بالي إذن إذا َخال منك! (تضحكان) حسنا ‪ ،‬لقد‬ ‫‪-‬‬
‫َالغداء ‪ .‬جهزي نفسك لنخرج بعد صالة العصر إن شاء هللا ‪ ،‬لنقل حقائبك إلى شقتك الجديدة ‪.‬‬
‫(تحين منها التفاتة إلى المك تب فترى قائمة دونت عليها أاسماء) ما هذا؟‬

‫‪ -‬قائمة بصديقاتي اللواتي أاردت دعوتهن ‪ ،‬لئال أانسى!‬


‫أ‬
‫‪( -‬تتناول القائمة وتتاملها) أارى ثالثة أاسماء لم تشطب بعد ‪.‬‬
‫أ‬ ‫آ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬ساتصل بمنال وروان الن ‪ ،‬لكن ميسون ل ترد على الهاتف منذ المس ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬ميسون؟! أاليست هي التي تزوجت منذ سنتين ‪ ،‬ودعتنا لحفل عرسها "السطوري" ذاك؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪99‬‬

‫‪( -‬تبتسم) بلى ‪.‬‬

‫قطع عليهما الحديث صوت جرس الباب ‪ ،‬فنزلت الحاجة فاطمة لتجيب الطارق ‪ ،‬وكم‬
‫كانت دهشتها إذ أرات ميسون نفسها واقفة أامامها ‪ .‬حيتها ميسون بابتسامة شاحبة ‪ ،‬فحيتها‬
‫الحاجة فاطمة ودعتها للدخول ‪ ،‬وهي في ريب من منظرها ‪ ،‬وعينيها المتورمتين ‪ .‬وإن إل دقائق‬
‫حتى كانت سلمى مجتمعة بزميلتها ميسون ‪ ،‬ولم َي ْخ َف على سلمى ما بدا على وجهها من‬
‫اضطراب ‪ ،‬فلما استقر بهما المجلس ‪ ،‬بادرتها سلمى ‪:‬‬

‫‪ -‬كيف حالك يا ميسون؟‬

‫‪ -‬أانا بخير ‪..‬‬

‫‪( -‬في تعاطف) تبدين شاحبة ‪..‬‬


‫أ‬ ‫آ‬
‫‪( -‬تنظر إليها مطول ثم تنفجر باكية) سامحيني يا سلمى إذ اتيك فجاة محملة بالمشاكل ‪ ،‬لكن‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الرض ضاقت علي بما َر ُح َبت ‪ ،‬وما هداني تفكيري إل إليك ‪ ،‬لستشيرك فما وقعت فيه ‪..‬‬
‫(يغلبها البكاء)‬
‫أ‬
‫‪( -‬تربت على ك تفها) هوني عليك يا ميسون ‪ ،‬أانا معك وساساعدك ما استطعت ‪..‬‬

‫‪ -‬سلمى ‪ ..‬إنني أافكر في الطالق من حازم!‬

‫‪( -‬تنظر لها مستنكرة)!!‬

‫‪ -‬لم أاعد أاستطيع العيش مع حازم أاك ثر من هذا!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪111‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬مندهشة) أالم يكن هو الذي تركت الدراسة لجله ‪ ،‬أواصررت على الزواج منه رغم معارضة‬
‫الجميع؟‬

‫‪ -‬اك تشفت أانني كنت حمقاء!‬


‫أ‬
‫‪ -‬أال ترين أان اك تشافك جاء متاخرا يا ميسون؟!‬

‫‪ -‬ل يهمني ‪ ،‬ل أاريده ‪ ،‬ل أاريده! (تبكي)‬

‫‪( -‬تربت على َك ِت ِفها) هدئي من روعك يا ميسون ‪ .‬أال تقصين علي أاول ما دعاك لتفكري هذا‬
‫التفكير؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬تمسح دموعها ‪ ،‬ثم ُت ْر ِدف بعد صمت كسير) في البداية مرت الشهور الولى بيننا على خير ما‬
‫أ‬
‫يرام ‪ ،‬ثم لحظت أان حازم يزداد عصبية بمرور الوقت ‪ .‬كنت أاساله عما يقلقه فكان يراوغ في‬
‫الجواب ‪ ،‬حتى عرفت أاخيرا أانه لم يسدد بعد بقية أاقساط تكاليف حفل زفافنا ‪ ،‬غير أان راتبه ل‬
‫حازما ل يحب اللجوء لوالديه ‪ ،‬ويفضل العتماد على نفسه ‪ ،‬ولذلك‬ ‫يك في ‪ ،‬أوانت تعلمين أان ً‬
‫حاول تحصيل وظيفة أاخرى ‪ ،‬أ‬
‫وبدانا مرحلة التقشف لتوفير النفقات ‪.‬‬

‫مرت أاربعة أاشهر تقريبا على تلك الحال الفظيعة ‪ ،‬وكالنا يزداد عصبية ‪ ،‬وينفجر في وجه‬
‫آ أ أ‬
‫الخر لتفه السباب ‪ ،‬وفي النهاية لم أاعد قادرة على الحتمال فواجهته مباشرة ‪ .‬حاولت إقناعه‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫لوالد ْينا لدفع الديون ‪ ،‬إل أانه ثار في وجهي ‪ .‬فهددته حينها بانني ساخرج بحثا ع ن‬
‫باللجوء َ‬
‫أ‬
‫وظيفة ‪ ،‬ولكنه سخر مني لنني تركت الجامعة ‪ ،‬فما كان مني إل أان صرخت بوجهه أانه لو كان‬
‫أ أ‬
‫تحدر دموعها وتسكت لحظة لتلتقط أانفاسها‬
‫است ْج َداء الناس ‪ ..‬ف ‪ ..‬ف ( َت َّ‬
‫رجال حقا لما الجانا إلى ِ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪111‬‬

‫المتسارعة) صفعني! ‪ ..‬تصوري يا سلمى! صفعني على وجهي ‪ ،‬وخرج من البيت ثائرا! وم ن يومها‬
‫تخاصمنا ‪ ،‬فال نتكلم إل ِل َماما ‪ ،‬ول نرد على بعضنا إل بجفاء ‪ .‬كان يحاول مصالحتي في البداية ‪،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫إل أانني كنت أاصده بقوة ‪ ،‬أوا ِنفر منه ‪ ،‬لنني كنت جد غاضبة ‪ .‬ثم صارت معاملته لي فجا ًة باردة‬
‫فشعرت أان ه يخفي عني‬ ‫ولمبالية ‪ ،‬ولم يعد يحاول مصالحتي ‪ ،‬أاو يبدي أاي مشاعر تجاهي ‪َ ،‬‬
‫شيائ‪ .‬في البداية لم أاتوصل لشيء ‪ ،‬حتى استيقظت من النوم ذات ليلة ‪ -‬وقد صار ينام في غرفة‬
‫المعيشة منذ اختلفنا – ولم أا ِج ْده نائما في مكانه ‪ .‬بحثت عنه بهدوء ‪ ،‬فلمحت نور غرفة‬
‫مضاء ‪ .‬اختلست النظر من ثقب المفتاح ‪ ،‬فوجدته جالسا إلى جهازه والساعة تشير‬ ‫المك تب ً‬
‫للثانية والنصف صباحا ‪ ،‬فرابني أامره ‪ .‬في صباح اليوم التالي ‪ ،‬بعد أان خرج هو للعمل ‪ُ ،‬‬
‫ذهبت‬
‫وفتحت جهازه ‪( ..‬تتوقف مرة أاخرى لتلتقط أانفاسها الالهثة) فوجدته يخزن مجموعة كبيرة من ‪..‬‬
‫ُ‬
‫من صور النساء ‪ ..‬المكشوفات!!‬

‫(تشهق سلمى في ارتياع) معقول؟!‬ ‫‪-‬‬


‫أ‬
‫‪( -‬تبكي) نعم ‪ ،‬أرايتها با ّم عيني ‪ ،‬وودت لو أان عيني َع ِم َيتا قبل أان تراها ‪ .‬ساعتها أادركت أانه‬
‫أ‬
‫يدمن تلك المواقع اإلباحية ‪ ،‬وتاكدت من ذلك لما اطلعت على المواقع التي يتصفحها ‪.‬‬ ‫صار ِ‬
‫أ‬
‫شعرت بالشلل يجتاح أاوصالي كلها حتى تفكيري ‪ .‬ولم أاشعر بنفسي إل أوانا أاستقل سيارة الجرة‬
‫إلى بيتكم ‪.‬‬

‫يت؟‬ ‫ا‬
‫ر‬‫إذن فهو ل يعرف بما أ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫ل!‬ ‫‪-‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪112‬‬

‫ول أانك عندي؟‬ ‫‪-‬‬

‫ل!‬ ‫‪-‬‬

‫(تُت َ ْم ِتم) هذا أافضل ‪..‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪( -‬تنظر لسلمى برجاء) ماذا أافعل يا سلمى؟ أارجوك انصحيني ‪ ،‬أانا مشوشة وحائرة! أاهذا‬
‫أ‬
‫الذي ضحيت لجله ‪ ،‬ووقفت إلى جانبه في وجه الجميع ‪ ،‬أواولهم والداي ‪( ..‬تتقاطر الدموع على‬
‫خديها)‬

‫تبك يا ميسون ‪ ،‬مازال هناك أامل بإذن هللا!‬


‫(تربت عليها سلمى في حنان) ل ِ‬ ‫‪-‬‬

‫(تنظر إليها غير مصدقة) أامل؟ عن أاي أامل تتحدثين؟‬ ‫‪-‬‬

‫ما أرايك لو أاحكي لك قصة يا ميسون؟‬ ‫‪-‬‬

‫(ترفع إليها عينها متعجبة) أالها عالقة بمشكلتي؟‬ ‫‪-‬‬

‫(مبتسمة) بل وثيقة الصلة بها!‬ ‫‪-‬‬

‫(تمسح دموعها التي تناثرت على خديها) ما هي؟‬ ‫‪-‬‬


‫آ‬
‫‪ -‬قصتنا تحكي عن فتاة جميلة مدللة من أاسرة ميسورة ‪ ،‬التقت بزميل من قسم اخر في‬
‫أ‬
‫الكلية يكبرها بسنتين ‪ -‬من أاسرة ميسورة كذلك ‪ -‬ووقعا في الحب من أاول نظرة! ولن تلك‬
‫الفتاة كانت طالبة جامعية ‪ ،‬فقد ظنت أانها َن ِض َجت بما فيه الك فاية لتصبح زوجة ‪ .‬والحق أانها‬
‫كانت فتاة لطيفة ‪ ،‬إل أانها مدللة كل التدليل ‪ ،‬ل ترى الحياة إل باللون الوردي ‪ ،‬ول تعرف من‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪113‬‬
‫أ‬
‫الزواج إل الثوب البيض ولقب العروس وشهر العسل ‪ .‬فركبت أراسها ‪ ،‬أواصرت على الزواج منه‬
‫أ‬
‫َرغم نصائح الصديقات وتحذيرات الهل ‪ ،‬ليس بهدف منعها م ن الزواج ولكن بهدف إعدادها‬
‫أ‬
‫له ‪ ،‬غير أان صاحبتنا أاصرت في عناد الطفال على ترك الدراسة والزواج منه في الحال‪...‬‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تطاطئ أراسها في خجل) يك في يا سلمى ‪ ،‬أاعرف نهاية القصة (تبكي) الن فقط أادركت‬
‫أ‬
‫كم كنت حمقاء وغبية ‪ ..‬كنت فعال سعيدة بالثوب البيض واهتمام الجميع بي ‪ ..‬لكنني ‪..‬‬
‫اك تشفت ‪ ..‬أان ‪..‬‬

‫أان تكوني عروسا أاسهل من أان تكوني زوجة ‪ ،‬أاليس كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪...‬‬ ‫‪-‬‬

‫لك إن ما تقدمين عليه مسؤولية عظيمة ‪ ،‬وليس مغامرة ممتعة كما كنت ترين!‬ ‫ُ‬
‫قلت ِ‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬كنت أاحسب أانني وصلت لسن الزواج بعدما صرت في الجامعة ‪ ،‬بل أاعرف ك ثيرات ممن‬
‫تزوجن وهن أاصغر مني سنا ‪.‬‬

‫‪ -‬ليس الزواج بالسن فحسب يا ميسون ‪ ،‬ولكن بمدى أاهلية واستعداد كل فرد أان يشرك‬
‫آ‬
‫غيره في حياته ‪ ،‬ويصير مسؤول عن نفسه وشريكه في ان معا ‪ .‬وليس الزواج لعبة يتشارك فيها‬
‫طفالن ‪ ،‬بل حياة يتقاسمها اثنان راشدان ‪ ،‬مدركان لما هما مقدمان عليه ‪ .‬إنها أامانة عظيمة‬
‫ومسؤولية كبرى يا ميسون ‪ .‬ذلك يعني مزيدا من اإليثار ‪ ،‬مزيدا من التفهم ‪ ،‬مزيدا من النضج‬
‫والتفتح ‪.‬‬

‫لم أادرك ذلك إل بعد ما مررت به ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪114‬‬
‫َ‬ ‫ثم كان إصرارك على ذلك " الع رس أالسطوري" ‪ ،‬وك ل مظاهر الترف ّ‬
‫المكلفة والمبال غ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫فيها!‬
‫أ‬
‫لم أاكن أاريد أان أاظهر باقل من صديقاتي!‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬وهل ستشاركك تلك الصديقات َ‬
‫دفع النفقات؟ ومذ متى كانت المظاهر وكالم الناس هو ما‬
‫حكم تصرفاتنا يا ميسون؟ أالم يقل الحبيب المصطفى عليه الصالة والسالم ‪ " :‬أايسرهن َم ُؤونة‬
‫َي ُ‬

‫أاعظمهن بركة"؟ صحيح أانها ليلة ُالع ْمر ‪ ،‬وصحيح أان أاسرتيكما ميسورتان ‪ ،‬لكن اإلسراف إسراف‬
‫أ‬
‫‪ ،‬واإلسراف ل ياتي بخير يا ميسون ‪ ،‬وإل لما ُن ِهينها عنه ‪ ،‬و۞هللا ل يحب المسرفين۞ ‪.‬‬

‫والدي نصيبه ‪ ،‬ولكني‬ ‫‪ -‬لم أاكن أاعلم أانه سيجر وراءه كل تلك ّالت ِبعات ّ‬
‫المرة‪ ،‬لقد دفع ِ‬
‫حازما لم يوافق أان "يتبرع" والده بدفع نصيبه ‪ ،‬بل أاصر أان يدفعه باجتهاده‬
‫فوجئت أان ً‬

‫الشخصي!‬

‫أالم تكوني أانت من أايده في مب أدا الستقاللية الفارغ ذاك؟‬ ‫‪-‬‬


‫أ‬
‫‪ -‬كان يزيده رجولة في نظري أاول المر ‪ ،‬حين يرفض العتماد على والديه ويصر أان ي ت ك ف ل‬
‫أ‬
‫تنك ُس أراسها في أاسف) ليتني لم أاؤيده في تلك الفكار البلهاء!‬
‫هو بنفسه ‪ ..‬ولكن ‪ّ ( ..‬‬
‫ِ‬
‫مبدا العتماد على الذات ‪ .‬ولكن ل معنى لختيار تسلق‬ ‫‪ -‬إنني أاتفق معك يا ميسون في أ‬
‫أ‬
‫الجبل حين يكون من السهل عبور السهل المنبسط ‪ ،‬طالما يؤدي الثنان لنفس الطريق ‪ ،‬وما‬
‫ُخ ِّير المصطفى – عليه الصالة والسالم ‪ -‬بين أامرين إل اختار أا ْي َسرهما ما لم يكن إثما ‪ .‬فليس‬
‫إصراره على التك فل بذلك المبلغ الباهظ ‪ -‬وراتبه ل يك في كما ِ‬
‫قلت ‪ -‬هو ما سيحقق له الستقالل‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪115‬‬

‫والرجولة ‪ ،‬بل الحكمة أان يستعين بوالديه في هذه ‪ ،‬ثم يتفرغ لستقالله بعدها ‪ .‬لكنكما‬
‫وتخلقان بهذا مسؤولية أاثقل من أان تتك فال بها وحدكما ‪.‬‬
‫تحمالن نفسيكما فوق طاقتيكما ‪ُ ،‬‬
‫ّ‬
‫أ‬
‫فهمت هذا متاخرا يا سلمى ‪ .‬ولكنه يرى أانه صار رجال ل طفال ما زال يحتاج والدين‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫َي ْر َع َيا ِنه!‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ أ أ‬
‫نت يا ميسون لن زوجك لم يقدر تضحيتك لجله؟‬
‫الم تتالمي ا ِ‬ ‫‪-‬‬

‫بلى ‪..‬‬ ‫‪-‬‬


‫أ‬
‫‪ -‬فكذلك المر مع الوالدين يا ميسون ‪ .‬ت خيلي معي شقاء والديك طوال تلك السنين‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫وكدهما ‪ِ ،‬ل َم ْن كل ذلك؟ أاليس لجلك؟ لجل أان يوفرا لك كل ما تحتاجين؟‬

‫بلى ‪..‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬فكيف بك حين تك فرين كل تلك النعم السابغة ‪ ،‬وتصرين على النفراد بنفسك بعيدا‬
‫عنهما ‪ ،‬أ‬
‫لتبداي حياتك "من الصفر"؟‬

‫!!!‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬إنك حينها تمارسين أاقسى أانواع العقوق معهما يا ميسون ‪ ،‬تحرمينهما من الدور الذي‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫اجتمعا عليه لجلك ‪ ،‬وترمين بكل َك َّدهما وراء ظهرك كانك تقولين ‪" :‬لم أاعد أاحتاجكما"! أاهكذا‬
‫أ‬
‫يكافائن بعد كل ما لقياه من َع َن ٍت في الجمع والدخار لجلك أانت؟‬
‫َ‬

‫(مندهشة) لم أافكر في ذلك أابدا من هذا المنظور!‬ ‫‪-‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪116‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬ولن َت ِعيه حقا إل حين تصيرين أاما ويصير هو أابا ‪ ،‬يجد ويجتهد ليوفر لبنائه أافضل‬
‫نت‬ ‫العيش أوا ْل َي َنه ‪ ،‬ثم حين يكبرون ‪ ،‬يرفضون ما أافنى ُع ُمره في جمعه ألجلهم ‪َ .‬وت َ أ‬
‫رينهم ا ِ‬
‫يمضون ليتزوجون على هواهم ‪ ،‬دون أان يعبئوا برضاك أاو ُقبولك ‪ ،‬أاو يسمعوا لنصائحك أوانت‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫– حينها ‪ -‬الدرى بما يصلحهم ‪ ،‬بل والحرص عليه منهم ‪.‬‬
‫(تطرق دامعة) يا ّ‬
‫والدي الحبيبين!‬ ‫‪-‬‬

‫مبدا ظالم يا ميسون ‪ ،‬ول أاراه إل ينتقص من رجولة من‬


‫مبدا الرجولة بهذا التصور أ‬ ‫‪ -‬إن أ‬

‫يدعيه ‪ ،‬حين يرى َف ْضل أابويه الذي يهديانه له بكل الحب " تبرعا" مهينا ‪ ،‬ويرفضه بكل قسوة‬
‫أ‬
‫معتبرا إي اه ذل ‪ ،‬أاو صدقة ل يليق به قبولها! لقد تاكدت من هذا أوانا أارى مدى الفرحة في عيون‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫دي ‪ ،‬والجهد الصادق المحب الذي يبذلنه لجل تجهيزي ‪ ،‬أافاسلبهما فرحتهما بكل قسوة‬ ‫وال ّ‬
‫لمجرد أانني أاريد أان أاستقل؟ لمجرد أانني أاترفع عن "صدقاتهما"؟ وليس ذلك من الستقالل ول‬
‫من العزة في شيء ‪ ،‬ويستوي في ذلك البن و البنة ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫(تدمع عيناها) كم أاخطا كالنا في حق والديه ‪ ،‬و ما أارى ما نحن فيه إل بسبب ذلك ال لم‬ ‫‪-‬‬
‫الذي سببناه لهما ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫(في رفق) ل تياسي يا ميسون ‪ ،‬مازال بإمكاننا إصالح المور‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كيف وقد أادمن تلك ال ‪..‬؟‬ ‫‪-‬‬


‫أ‬
‫(تقاطعها برفق) إن أاردت الحق وقد جئتني طلبا للنصيحة ‪ ،‬فانت تشاركينه الذنب ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫(تشهق) أانا؟‬ ‫‪-‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪117‬‬
‫آ‬
‫يوق ُعها أاحد الزوجين بالخر ‪.‬‬ ‫أ‬
‫بإعراضك عنه وإمعانك في َهجره ‪ ،‬وتلك اقسى عقوبة ِ‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫لقد صفعني أواخطا في حقي!!‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫لنك بادرته بالنتقاص من رجولته ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫لنه َه ِزء بي ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫لنك لم تحسني عرض المر من البداية ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫(في غضب) ما بك يا سلمى؟ أانت معي أام معه؟‬ ‫‪-‬‬

‫(تضحك) ل معك ول معه يا ميسون ‪ ،‬أانا معكما معا ‪ ،‬مع بقاء بيتكما ‪ ،‬واستقرار‬ ‫‪-‬‬
‫مملك تكما يا ميسون ‪.‬‬

‫مملك تنا؟‬ ‫‪-‬‬


‫بالتاكيد يا عزيزتي ‪ ،‬أال تعلمين أانه منذ اليوم الذي دخلتما فيه َ‬ ‫أ‬
‫مملك تكما ‪ ،‬لم يعد هناك‬ ‫‪-‬‬
‫حد فاصل بين " أانا" و" أانت" ‪ ،‬وإنما ينبغي أان يتالحما ليصيرا " نحن "!‬

‫(تغمغم غير مقتنعة) لكل منا شخصيته المختلفة ‪..‬‬ ‫‪-‬‬


‫‪ -‬صحيح ‪ ،‬ولكن ولكنكما آتالفتما على اختالفكما َ‬
‫يوم َّوقعتما الميثاق الغليظ ‪ ،‬فلم َي ُعد‬
‫أ‬
‫المر انفرادا ‪ ،‬بل َش ِر َكة ومودة ورحمة ‪.‬‬

‫تزفر في أاسى) إنني لم أاجد أا ّيا من المعاني التي قلتها يا سلمى ‪.‬‬
‫‪ِ ( -‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪118‬‬
‫أ‬
‫لنه زواج ُبني على قواعد خاطئة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫إن تهدم الساس تهدم البناء كله ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫إل في الزواج ‪ .‬أاحيانا في اإلمكان التغاضي عن الساس ‪ ،‬والسعي في َت َدارك البناء ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫فماذا أافعل إذن؟‬ ‫‪-‬‬


‫أ‬
‫‪ -‬ينبغي أان تقتنعي أاول يا ميسون أان عصبية زوجك إنما كانت لجلك ‪ .‬ففضال عن تكاليف‬
‫أ‬ ‫آ‬ ‫أ‬
‫العرس السطوري ‪ ،‬ل زال هناك اإلنفاق على بيته أواسرته الممثلة فيك الن ‪ ،‬ثم البناء بعد‬
‫ذلك ‪ ،‬خاصة أوانه يعلم أانك من أاسرة ميسورة ولن تستطيعي الصبر طويال على تلك الحال من‬
‫التقشف ‪.‬‬

‫كان يغنينا عن كل تلك المعاناة استعانته بوالده ‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫أ‬
‫حينها سنعود للنقطة التي تحدثنا عنها قبال ‪ ،‬وتاييدك له فيها ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫لقد اقتنعت أانا ‪ ،‬فكيف أاقنعه هو ‪ ،‬ومسالة رجولته تلك حساسة عنده!‬ ‫‪-‬‬

‫دركت ذلك أال تتفوهي بتلك العبارة القاسية!‬ ‫أ‬


‫(في عتاب رفيق) قد كان ينبغي طالما ا ِ‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫(يظهر عليها الندم) أاعلم أانني أاخطات ‪ ،‬لكنني كنت غاضبة جدا ‪ ،‬ومرهقة من كل ذلك‬ ‫‪-‬‬
‫الت ق تي ر والحساب في كل صغيرة وكبيرة ‪.‬‬
‫أ‬ ‫تربت على ظهرها في تعاطف) أا أ‬
‫‪ّ ( -‬‬
‫تلق لها بال ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫لم‬ ‫التي‬ ‫الصغيرة‬ ‫شياء‬ ‫ال‬ ‫اكم‬
‫ر‬ ‫تت‬ ‫يف‬ ‫ك‬ ‫يت‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫ِ‬
‫أ‬
‫لتؤدي لهذا النفجار؟ لذلك حاول والداك تاخير الزواج ‪ ،‬حتى يشتد عودك ‪ ،‬وينضج فكرك عن‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪119‬‬

‫الزواج والشراكة وتحمل المسؤولية ‪ .‬وكذلك حاول والده إقناعه بالعدول عن عناده في تحمل‬
‫مبلغ كبير كهذا ‪ ،‬يفوق راتبه لعشر سنوات قادمة!‬
‫آ‬
‫فما العمل الن؟‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الخطوة الولى أان تعودي لمنزلك و ت ت زيني له كاحسن ما يكون التزين‪..‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬

‫(تقاطعها مستنكرة) أاتزين له؟!‬ ‫‪-‬‬

‫(تومئ مؤكدة) بل وتتفنني في إعداد جو صلح شاعري!‬ ‫‪-‬‬

‫(بابتسامة شبه ساخرة) ما شاء هللا! ثم؟‬ ‫‪-‬‬

‫ثم تتخيري أالفاظك بدقة شديدة ‪ ،‬فتبدئي أاول بالعتذار ‪..‬‬ ‫‪-‬‬

‫(معترضة) ولماذا أابدا أانا بالعتذار؟! هو من ينبغي أان يبادر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لحظت ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لقد حاول فصدد ِته ‪ ،‬ثم إنه ل يزال نادما لو‬ ‫‪-‬‬

‫أاشك في ذلك يا سلمى ‪..‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬بل إن إدمانه تلك الصور ما هو إل لسد الفراغ الذي َخ َّل ْفته بهجرك له ‪ ،‬وبروده في‬
‫أ‬
‫معاملتك إنما هو دليل على مدى وطاة بعدك عنه ونفورك منه عليه ‪ ،‬ولكن كبريائه تمنعه من‬
‫أان َ‬
‫يظهر هو بمظهر غير المرغوب فيه ‪.‬‬

‫أايمكن أان يكون لهذه الدرجة؟‬ ‫‪-‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪111‬‬
‫أ‬ ‫لهذه الدرجة وزيادة ‪ ،‬أالم تكوني أ‬
‫وحسن خلقه؟‬
‫ِ‬ ‫طبعه‬ ‫رقة‬ ‫في‬ ‫شعار‬ ‫ال‬ ‫تنشد‬ ‫التي‬ ‫نت‬ ‫ا‬ ‫‪-‬‬

‫كان هذا في البداية ‪..‬‬ ‫‪-‬‬


‫أ‬
‫لنه كان يجاهد في موازنة ِالحمل ‪ ،‬وإذا بك ترمينه كله عليه ‪ ،‬ثم ُتو ِل َينه ظهرك ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أاتحسبين أاننا لو تصافينا فسيعود إلي؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬بإذن هللا يا ميسون ‪ .‬أالم تقولي إنه يصلي الفجر في المسجد ويحافظ على صالة الجماعة‬
‫آ‬
‫ويحسن تجويد القران؟‬

‫بلى!‬ ‫‪-‬‬

‫وهل ما يزال يصلي في جماعة؟‬ ‫‪-‬‬

‫لم يعد منتظما فيها ‪ ،‬أاحيانا يؤديها في البيت ‪ ،‬ولكنه ما زال محافظا على صالة الفجر في‬ ‫‪-‬‬
‫جماعة ‪( ..‬في شئ من التعجب المستنكر) ويقوم الليل كذلك!‬

‫‪( -‬في تعاطف) فذاك أاولى أان تشفقي عليه يا ميسون ‪ ،‬ل أان تسخري منه ‪ .‬أال ترين م دى‬
‫والن ذلك ُ‬ ‫آ‬ ‫َ‬
‫الج ْرم العظيم الذي‬ ‫الك ْرب الذي نزل به؟! زوجته خاصمته ‪ ،‬والديون تراكمت عليه ‪،‬‬
‫سقط في َبرا ِث ِنه ‪ ،‬ول يجد منه ِف َكاكا ‪ ،‬فال راحة روحية ‪ ،‬ول راحة مادية ‪ ،‬ول راحة زوجية ‪ .‬ل‬
‫عيبا ِنه ‪ ،‬ب ل هما من َّ‬
‫سيردانه بإذن‬ ‫ريب أان ضميره يعذبه على ذنبه ذاك ‪ .‬وقيامه وصالته ل َي َ‬
‫هللا ‪ .‬أالم يقل الحبيب الصطفى "إن المؤمن خلق مفتونا َّتوابا َن ِس َّي ا فإن ُذ ِّكر َذ َكر"؟ وذلك‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪111‬‬

‫الشاب الذي قالوا إن ه يصلي ولكنه يفعل كذا وكذا ‪ ،‬فرد عليهم المصطفى ‪ ،‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪" :‬ستنهاه صالته" ‪.‬‬

‫(تطرق مفكرة وقد بدا عليها الندم) ‪. .‬‬ ‫‪-‬‬

‫خذي بيده أواعينيه على الدنيا يا ميسون ‪ ،‬ول تعيني الدنيا عليه فإنك راعية في بيتك كما‬ ‫‪-‬‬
‫هو راع ‪ ،‬ومسؤولة عنه كما هو مسؤول عنك ‪ .‬كوني له خير المتاع في هذه الدنيا ‪ .‬ابدئي بالتودد‬
‫إليه بصدق ‪ ،‬ثم أاقنعيه بالستعانة بوالديه ‪ ،‬واحفظي له في ذات الوقت ماء وجهه ‪ ،‬بحسن‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫َت َخ ُّيرك لال لفاظ ‪ ،‬التي هي ِالم َحك في مثل هذه المور ‪َ .‬فب َدل أان تق ولي له "است عن بوالدك لنك‬
‫أ‬
‫لن تقدر وحدك" ‪ ،‬قولي له " أاعلم أانك تجتهد لجلي أوانا أاثق بك ‪ ،‬ولكنني أاريد اختصار الطريق‬
‫أ‬
‫على كلينا لنتفرغ لما هو أاهم" ‪ .‬عززي ثقته بنفسه بثقتك أانت فيه ‪ ،‬لن العالم كله لو وقف ضده‬
‫فسيصمد ‪ .‬ولو كنت أانت ضده والعالم كله معه ‪ ،‬فسيهوي ‪ .‬أاتعلمين لماذا؟‬
‫ُ‬ ‫قفت أانت معه‬
‫وو ِ‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫لنك صرت عالمه يا ميسون ‪ ،‬وهو عالمك ‪ .‬لقد صار عالمك الن أا ْر َح َب ي ا ميسون بتشاركك‬
‫معه ‪ ،‬فال تضييقيه أانت بتفكير طفولي معاند ‪ ،‬بل زيديه سعة أواريحية ‪ ،‬بمزيد من التفهم ‪،‬‬
‫وشيء من الصبر ‪ ،‬وك ثير من الحب ‪.‬‬
‫َ‬
‫جت كربي يا سلمى ‪ ،‬وجزاك عني خيرا ‪ .‬لقد‬ ‫‪( -‬تنظر لسلمى منشرحة) فرج هللا ك ْربك كما َّفر ِ‬
‫صرت أاحب حازما أاك ثر من ذي قبل ‪ ،‬بعد أان جئتك أوانا له كارهة ‪( .‬يبدو عليها التردد) ولكن‬
‫ماذا لو فاتحني في موضوع الصور؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬ساترك لك أانت التفكير فيما تقولين بعقلك وقلبك معا ‪ .‬عودي إلى بيتك يا ميسون ‪،‬‬
‫وصلي ركعتين ‪ ،‬وادعي هللا أان يفرج غمك ‪ ،‬ويلهمك رشدك ‪ ،‬ويشرح لك صدرك ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪112‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تاخذ بيدي سلمى شاكرة) جزاك هللا عني خيرا يا سلمى ‪ .‬ل ن أانسى لك وقفتك إلى‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫جانبي ‪ ،‬ساعود أواصلي ‪ ،‬وسادعو هللا ‪ ،‬وساتفكر في كل ما قلته لي ‪ ،‬وبإذن هللا ستنصلح‬
‫أاحوالنا ‪ ..‬أاليس كذلك؟‬
‫أ‬
‫(تشد على يديها مؤكدة) بلى ‪ ،‬أوانا واثقة بذلك بإذن هللا تعالى يا حبيبتي ‪ ،‬وسادعو لك‬ ‫‪-‬‬
‫من كل قلبي ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪113‬‬

‫أ‬ ‫ُ ُ‬
‫ثاقلة ‪َ ،‬ي ُج ُّر َق َدما بعد قدم ‪ ،‬كانما يجر جبال بعد جبل ‪،‬‬ ‫صعد حازم الدرج في خطوات ُم َت ِ‬
‫أ‬
‫الس َّلم ‪،‬‬
‫فجاة النور الذي كان يضيء له ُّ‬ ‫وقد َن َّكس أراسه كمن يحمل ما ل طاقة له به ‪ .‬انقطع‬
‫فتو َّقف مكانه ُب ْر َهة ‪ ،‬ورفع أراسه ‪ ،‬وراح ُي َح ِّدق في الظالم َّالد ِامس أامامه ‪ّ .‬مد يده َي َت َح َّس ُس َ‬
‫مفتاح‬ ‫َ‬
‫النور ‪َ ،‬وه َّم أان يضغطه ليضيء مرة أاخرى ‪ ،‬إل أانه توقف وهز أراسه وهو يبتسم َه ِازائ! أانى ينتفع‬
‫ْ‬ ‫أ‬
‫العمى بالنور؟ أوانى يبصر من ُط ِمس على قلبه؟ تماما كما ل َيط َعم َالم ْزكوم شذى الورود ‪.‬‬

‫يا ليته كان يستطيع أان يضغط زرا لينير الظالم الدامس بداخله ‪ ،‬لينير له سبيل الهدى‬
‫والرشاد ‪ ،‬كما ينير له طريق صعوده ‪ ،‬يا ليت! أابعد حازم يده عن مفتاح النور ‪ ،‬وعاد يصعد‬
‫أ‬
‫الدرج في الظالم ‪ .‬وكانما امتدت يد الظالم الحانية لتربت عليه ‪ ،‬ف اندفعت من عينه دمعة‬
‫ضيعها ولو في الظالم ‪،‬‬ ‫حارة ‪ ،‬كاد أان ُي ْت ِبعها با ْخ َر َيات ‪ ،‬لول َب ِق ٍية من ماء الوجه َع َّز عليه أان ُي ِّ‬
‫آ‬
‫فاستسلمت الدموع إلرادته في ُخ ُنوع ‪ ،‬وانسحبت من َما ِقيه ‪ ،‬تاركة أاختها اليتيمة َت َت َح َّدر على‬
‫خده ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫الش َرك َّ‬
‫أاحاط به الظالم كما يحيط َّ‬
‫بالط ْير َالمذ ُعور ‪ .‬فلم َت ْج ِر الرياح بما لم تشتهي ُس ُفنه‬
‫فحسب ‪ ،‬بل َع َص َفت بسفينته كلها َفق َل ْبتها ‪ .‬لقد صارت حياته مع ميسون جحيما ل ُيطاق! لم‬
‫يعد يشتاق للعودة للمنزل ‪ ،‬ول عاد َلك ِّده ذاك ول لحياته تلك معنى ‪ .‬دارت ب أراسه خواطر‬
‫هينة له حين تهتز صورته‬‫الطالق ‪ ،‬إنه الحل أالمثل لكليهما ‪ ،‬لكنها ستكون فضيحة ُم َج ْل ِج َلة ُوم َ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪114‬‬
‫أامام أاسرته ‪ .‬كان والده على حق ‪ ،‬حينما حاول إقناعه بتحمل أاعباء القسط عنه ‪ .‬إنه ُ‬
‫ليذكر َ‬
‫يوم‬
‫آ‬
‫والده ‪ -‬أاول ما راه ‪ -‬يراجع معه نصيبه‬‫دخل على والديه وهما يرتبان لحفل زفافه ‪ ،‬وكيف ْان َبرى ُ‬
‫ْ‬
‫خمد َجذ َوة الحماس في صوت والده ‪ ،‬بإعالنه أانه "صار رجال يستطيع‬ ‫ُ‬
‫من التكاليف ‪ ،‬وإذا به ي ِ‬
‫ْ‬
‫الوقوف على قدميه"! وإنه َليذ ُكر كيف َح َّد َق به والده في ذهول ‪ ،‬كمن َم َّس ت ْ ُه صاعقة من السماء‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ ،‬وكيف س الته والدته مستنكرة " أاتستغني عنا يا حازم؟؟!!" لقد ح اول يومها أان ياخذ المر‬
‫َه َزل ‪ ،‬وراح َي ُسوق تبريرات َو ِاهية تتستر خلف معاني "الرجولة" و"القوة" و"إثبات الذات"‬
‫الك ِسيرة في ّ‬
‫عيني والديه ‪ .‬وإنه ليذكر‬ ‫و"الستقالل" ‪ ،‬والتي لم يفلح أاي منها في محو تلك النظرة َ‬
‫أ‬
‫يعتبان عليه ‪ .‬وإن‬‫ليلة الزفاف وكيف كان والداه يتجنبان النظر إلى عينيه مباشرة ‪ ،‬كانما لزال ِ‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫كان ُي َع ِّلل نفسه بانهما لبد سيتقبالن قراره عاجال أاو اجال ‪ ،‬غير أانه كان يشعر أان "قراره" إنما‬
‫كان لهما بمثابة طعنة من الخلف ‪ ،‬ل يمكن أان َت ْص ُدر عن رجل فهم معنى الرجولة ‪ .‬نعم! إنه ل‬
‫يجد َح َرجا في العتراف بهذا اليوم ‪ .‬لقد خسر كل شيء ‪ ،‬ولم يعد ُي ِض ُيره أان يضيف تلك الحقيقة‬
‫ليخسره!‬‫الخسران! لم يعد هناك المزيد َ‬‫التي حاول تناسيها إلى َرصيده من ُ‬

‫لقد كان في ِغنى عن كل هذه الحركات الزائ فة ‪ ،‬التي انتقصت رجولته أامام ميسون بدل‬
‫طرية ُالعود ‪ ،‬ولن تتحمل‬ ‫أان ُت َعززها ‪ .‬وكانت والدته على حق حين َّنبهته أان ميسون لزالت َّ‬
‫وح ُلما معا واتفقا أان َ‬
‫يتص َّديا‬ ‫أاسلوب "طوبة فوق طوبة " و"البدء من الصفر" ذاك ‪ .‬لقد تواعدا َ‬
‫مام ُه أا ُ‬
‫حالمهما َالغ َّضة الرقيقة ‪ .‬وما في‬ ‫للجميع يدا بيد ‪ ،‬غير أان الواقع كان أاقوى من أان َت ْصمد أا َ‬
‫ِ‬
‫أالحالم عيب لو أانها َ‬
‫تصاحب ب أراي َر ِشيد ونظرة ُم َتب ِ ّصرة وحكم َصا ِئب ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪115‬‬
‫أ‬
‫قد أاخطا بحقها ‪ ،‬إنه ل ينكر ذلك ‪ .‬لكنها َا ْج َر َمت بحقه إذ َه َجرته‪ ،‬أواعرضت عن اعتذاراته‬
‫‪ .‬غير أانه عاد فظلمها وظلم نفسه ِبف ْع ِلته تلك ‪ .‬أاكان يحسب َّاللذة التي ُح ِرمها بالحالل ُت َع َّوض‬
‫حسرات ‪،‬‬ ‫بالحرام؟ قد خاب إذن و خسر ‪ .‬ما جر على نفسه إل مزيدا من الويالت ‪ ،‬ونظرة ُ‬
‫تعق ُبها َ‬ ‫ٍ‬
‫يستعمل ما أانعم هللا به عليه ‪ ،‬فيما َح َّرمه‬ ‫ن‬ ‫ا‬‫َول َّذة تجر ورائها ويالت ‪ .‬يا ليت عينيه ُفق َئتا قبل أ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وان ْت في طلب الطالق ‪ .‬ويل لك‬ ‫عليه ‪ .‬إنه ما يشك لحظة أان ميسون لو عرفت بفعلته تلك لما َت َ‬

‫يا حازم! أاتخاف زوجتك ‪ ،‬ول تخاف هللا المطلع عليك بالفعل؟ قد كان لك في اللجوء إل ى هللا‬
‫مل ‪ ،‬وحبل ل ينقطع ‪ ،‬فما ِز َّدت بفعلتك على أان قطعت الحبل ‪ ،‬الذي به تحيا!‬ ‫يص أ‬
‫ب ِص ُ ٍ‬
‫ا‬ ‫َ‬
‫آ‬
‫َق ُصر ْت عنه أاسباب المال ‪ ،‬وتقطعت بينه و بين زوجته ِحبال ِالو َصال ‪ ،‬والن َك َتم بيديه‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫اخر ما تبقى له من أانفاس المل‪ .‬لم تكن البداية إل نظرة ‪ ،‬نظ رة واحدة فحسب ليغيظ‬
‫أ‬
‫ميسون ‪ ،‬ويرضي فضول خبيثا تسلل إليه فجاة في ساعة فراغ ‪ ،‬فانتهى بإدم ان ل يملك منه‬
‫َ أ‬
‫مثله لن المريض إنما يصبر على‬ ‫ِفرارا ‪ .‬كان كالمريض يجبر نفسه على َت ُج ّ ِر ِع دواء ُمر ‪ ،‬ولم يكن‬
‫المرارة لما يرجوه من العافية ‪ ،‬أاما هو فالعافية قد فارقت جسده وروحه مع أاول نظرة إلى تلك‬
‫َ‬
‫الصور ‪ .‬كان الندم بداخله يمنعه استشعار أاي لذة في تلك المشاهد ُالم َق ّ ِز َزة التي يختلس لحظات‬
‫َْ‬
‫حين َي ْع َلم أان الخالق تعالى ُم َّط ِل ٌع عليه ‪ ،‬ول يحرك هذا مع‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫‪،‬‬ ‫عليها‬ ‫ليتفرج‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫بعيدا ع ن الخ‬
‫ذلك َا َن َفة فيه ‪ ،‬أان يراه خالقه على غير ما خلقه له ‪ .‬حاول ك ثيرا أان يترك تلك المواقع والصور ‪،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ولكن شيائ ما كان يعيده إليها باي وسيلة ‪ .‬أاكان الفراغ الروحي؟ أاكان الياس والعجز أامام ما َح َّل‬
‫الخ ُطوب؟ أاكان َض ْع َف إيمانه الذي ُج ِرح عند أاول حافة حادة بدل أان َي ْص ِمد لو كان‬
‫بساحته من ُ‬
‫ِ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪116‬‬

‫أاقوى؟ بل لعلها كل تلك مجتمعة ‪ ،‬مضافا إليها شريكة ُع ُمر أادارت له ظهرها ‪ ،‬وترك ته وحيدا‬
‫وسط تلك َالم ْع َم َعة ‪.‬‬
‫أ‬
‫وط َف َرت من‬‫عض على شفتيه َ‬ ‫متالم ‪ ،‬ثم َّ‬ ‫توقف حازم ُب ْر َهة و أاسند أراسه إلى الجدار في أاسى‬
‫عينه دمعة تلتها أاخواتها مسرعات ‪ ،‬أكانما َ‬
‫يخش ْين أان َي ْك َب َح ُه َّن هذه المرة كذلك ‪ ،‬إل أانه َ‬
‫ترك ُه َّن‬
‫ين على جوانب َخ ِّده دونما اعتراض ‪ .‬كم ود لو يصرخ من أاعماقه صرخة ‪ ،‬ت ت زلزل لها‬ ‫يجر َين َويله َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ‬
‫الرض تحت أاقدامه ‪ ،‬أاو يضرب الجدار بقبضتيه ضربة َي ِخ ُّر لها َه َّدا ‪ ،‬غير أان صرخته احتبست‬
‫آ‬
‫في حلقه ‪ ،‬وقبضتيه تراختا إلى جانبه ‪ ،‬ودموعه سالت ِم ْد َرا ًرا في صمت َم ِرير ‪ .‬وكذلكم الكابة‬
‫إذا َع ُظ َم ْت ‪ ،‬صارت خرساء ‪.‬‬

‫*********************‬

‫بك أاستج ير وم ن ُيج ير سواكا ** َفا ِج ر ض عيف ا َيحتم ي ِبح َم اكا‬

‫ض قُ واك ا‬ ‫ع‬ ‫َ‬


‫بب‬ ‫ي‬ ‫ومعصيت‬ ‫نبي‬ ‫ذ‬‫إني ضع يف أاستعين عل ى ق ُوى ** َ‬
‫ِ‬
‫آ‬
‫أاذنب ت يارب ي واذتن ي ذن وب ** م ال ه ا م ن غ اف ر إلك ا‬

‫دنياي غ رتني وع ف وك غرن ي ** م ا حيلت ي ف ي ه ذه أاو ذاك ا‬


‫أ‬
‫يا ُمنبت الزه ار عاط رة الشذا ** هذا الش ذا الف ّواح َنف ْ ُح شذاك ا‬
‫أ‬
‫يا مرس ل الطيار َتص َدح في ُّالرب ا ** صدح اته ا تسبيح ة ُلعالك ا‬

‫لو أان قل بي شك ل م يك م ؤمنا ** بكريم ع فوك م ا غ وى وعصاك ا‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪117‬‬

‫وبدات بالقل ب البصي ر أاراك ا‬


‫شاوتي ** أ‬
‫واليوم ياربي م سحت ِغ َ‬

‫ياغاف ر الذن ب العظي م وقاب ًال ** ل ل ت وب قل ب تائ ب ناج اك ا‬

‫أاترده وت رد ص ادق ت وبت ي ** ح اش اك ت رف ض تائب ا ح اش اكا‬

‫يارب ج ت ئتك نادم ًا أابك ي عل ى ** م ا ق َّدمت ه ي َداي ل أاتباك ى‬

‫أاخشى من َالع رض الرهيب عليك ي ا ** ربي أواخش ى منك إذ أالق اك ا‬

‫يارب ع دت إل ى ِرح اب ك تائب ًا ** م ست س لم ًا مستمسك ًا بع ُ راك ا‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫إني أاويت لك ل ماوى ف ي الح ياة ** فم ا أراي ت أاع ز م ن م اواك ا‬

‫وتلمست نفسي السبيل إلى النج اة ** فلم تجد منجى س وى منج اك ا‬


‫وبحثت عن سر السع ادة ج ً‬
‫اهدا ** فوجدت هذا الس ر ف ي تق واك ا‬

‫فليرض ع ني الناس أاو فل َيسخ َطوا ** أانا لم أاعد أاسع ى لغير رض اك ا‬

‫أادع وك يارب ي لتق بل ت وبت ي ** وت عينن ي ُوت م ِ دن ي ب ه داك ا‬


‫فاقبل دع ائي واستجب َلرج َاوتي ** ماخاب ً‬
‫يوما م ن دع ا ورج اك ا‬

‫*********************‬
‫عاد حازم يجر قدميه جرا حتى وقف أامام باب الشقة ‪َ ،‬فا ْل َفى مظروفا ً‬
‫ملقى أامام الباب ‪،‬‬
‫أ‬
‫انحنى والتقطه ‪ ،‬ثم َز َفر في ضيق ‪ .‬إنه إنذار بحلول موعد دفع بقية القساط ‪َ .‬ح َشر المظروف في‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪118‬‬

‫جيبه بعنف ‪ ،‬ثم دفع المفتاح في الباب بقوة حتى كاد يكسره ‪ ،‬ودخل المنزل ‪ .‬كان الجو را ِكدا‬
‫َ َ أ‬ ‫َّ َ‬
‫جرت العادة ُمؤخرا ‪ ،‬فقد صارت ميسون ت َتخ َّي ُر ا ِ‬
‫وقات عودته فتنام بمفردها ‪ ،‬وتغلق عليها‬ ‫كما ِ‬
‫باب الغرفة ‪ .‬وكان هو قد نقل حاجياته إلى غرفة المعيشة منذ تخاصما ‪ .‬دخل حازم أواغلق الباب‬
‫أ‬ ‫يوق َظها ‪َ ،‬‬
‫فيتع َّكر ُر ُك ُود الجو بالنظرات الباردة التي يتبادلنها ‪َ .‬ه َّم بان يتجه‬ ‫بهدوء غاضب ‪ ،‬لئال ِ‬
‫إلى غرفته – مجازا ‪ -‬لتبديل مالبسه ‪ ،‬حين استوقفه نور خافت صادر من ناحية الصالة ‪،‬‬
‫أ‬
‫وح ِفيف ثوب على الرض ‪ ،‬فتعجب ومشى بهدوء إلى الصالة ‪َ .‬ت َس َّمر حازم في مكانه ‪ ،‬وتحول‬ ‫َ‬
‫َع َج ُبه ِإلعجاب لما أراى ‪.‬‬

‫وح َو ُّافها مزينة بالورود البيضاء ‪ ،‬وعليها شمع تان‬


‫كانت المائدة ُم َع َّدة لشخصين ‪َ ،‬‬
‫الخافت جوا شاعريا دافائ ‪ ،‬ضرب على أاوتار قلبه ‪ ،‬فذابت في لحظات‬ ‫أ‬
‫مضاءتان ‪ ،‬اضفى نورهما ِ‬
‫الحورية‬‫أاكوام الجليد التي تراكمت عليه ‪ .‬وتبخرت كل أالفكار السوداء من أراسه ‪ّ ،‬لما أراى تلك ُ‬
‫آ‬
‫تقف أامامه كوردة بديعة ‪ ،‬أاور ُاقها ا ِخ َذ ٌة في َّالت َف ُّتح ‪ .‬كانت ميسون ترتدي ثوبا حريريا أاحمر‪ ،‬مزينا‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫بال لئ ُت ْض ِفي عليه وعليها جاذبية وسحرا ‪ ،‬وقد َص َّف َفت شعرها بطريقة ‪ ،‬جعلتها أاشبه باميرة‬
‫أ‬
‫خرجت من َثنايا إحدى الساطير ‪.‬‬
‫أ‬
‫َت ْم َتم حازم ماخوذا ‪" :‬ميسون!"‬
‫أ‬
‫لم تملك ميسون حينها أان ابتسمت في سرور ‪ّ ،‬لما أراته وقد أاخذت المفاجاة منه كل‬
‫ْ‬
‫َم ْا َخذ ‪ ،‬وخفضت أراسها في حياء العروس يوم َجل َوتها ‪ ،‬و قلبها يرقص ط ربا من نظراته‬
‫أ‬
‫َالم ْش ُد َوهة ‪ .‬اقترب منها حازم خطوة في هدوء شديد ‪ ،‬كانما يخشى أان يكدر أاي صوت صفو ذلك‬
‫أ‬
‫الهدوء ال َّخاذ ‪ ،‬أاو َت ْج ِفل منه الحورية وتطير عنه بعيدا ‪ .‬رفعت ميسون إليه عينيها ‪ ،‬ونظرت إليه‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪119‬‬
‫ُ‬
‫نظرة حانية رقيقة ‪ ،‬أاخذت بمجامع ل ِّبه ‪ ،‬حتى ُخ ِّيل إليه أان عينيها استحالتا بحرا ‪ ،‬يغوص هو‬
‫في أاعماقه ‪.‬‬
‫َّ ُ َ آ‬ ‫آ‬
‫لك من الم ‪.‬‬ ‫(في همس رقيق) أانا اسفة يا حازم لما سببته‬ ‫‪-‬‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫(كانما أايقظه صوتها الحاني من سبات عميق) اسفة؟!‬ ‫‪-‬‬
‫ُ ً‬
‫صرت ِعبائ عليك ‪ .‬أارجوك‬ ‫عليك ك ثيرا ‪ ،‬وبدل أان أا َ‬
‫عين َك‬ ‫(تدمع عيناها) لقد َق َس ْو ُت َ‬ ‫‪-‬‬
‫سامحني ‪.‬‬
‫ُ‬
‫صفعت مثل‬ ‫‪( -‬يقترب منها ‪ ،‬ثم يضع ك فه على خدها برفق) بل أانا من ينبغي أان يعتذر إذ‬
‫هذا الخد الحبيب ‪ ،‬وددت لو أان يدي ُق ِط َعت ‪ ،‬قبل أان تمتد إليك بسوء يا ميسون‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تاخذ بك فه بين راحتيها ‪ ،‬وتنظر إليه بحنان) ل تقل هذا يا حازم ‪َ ،‬س َّلمك هللا من كل‬
‫است ْف َز ْزُتك ‪.‬‬
‫سوء و مكروه ‪ ،‬قد كان خطئي إذ َ‬
‫أ‬
‫بل اللوم كله علي أانا إذ لم أادرك رقة اإلنسانة التي استامنني هللا عليها ‪ .‬أانا من يرجو‬ ‫‪-‬‬
‫السماح منك يا ميسون‪.‬‬
‫أ‬
‫(بابتسامة عذبة) ِل َن ْرم الماضي باخطائه وراء ظهورنا يا حازم ‪ ،‬ودعنا ل نفكر في أاي شيء‬ ‫‪-‬‬
‫الليلة سوى هذه اللحظة ‪ ،‬هذه اللحظة فقط ‪.‬‬
‫ليس أا َّ‬
‫حب إلي من ذلك يا حبيبة قلبي!‬ ‫(يبتسم في انشراح) َ‬ ‫‪-‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪121‬‬

‫أ‬
‫اختلس ْت ميس ون النظ ر إل ى ح ازم و ه و ياك ل الكعك ة الت ي أاع دتها خصيص ا ل ه ‪ ،‬ك ان يب دو‬
‫ُم ْن َشرحا تماما ‪ .‬لق د ك ان لتل ك ال ْم ِس َية الص غيرة ُمفع ُول الس حر علي ه ‪ .‬ابتس مت ميس ون ف ي ق رارة‬
‫نفسها ‪ ،‬ودعت هللا أان يعينها لتنتقل للجزء الثاني من الخطة ‪.‬‬

‫‪ -‬حازم؟‬
‫‪ -‬نعم يا ميسون؟‬
‫‪ -‬هناك شيء ‪ ..‬كنت أاود محادثتك فيه ‪..‬‬
‫آ‬
‫‪ -‬كلي اذان صاغية لك يا حبيبتي ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪َ ( -‬ت ْر ُس ُم على وجهها َا َم َارات الندم ليزداد تعاطف حازم معه ا) لق د أاخط ات خط ا عظيم ا ح ين‬
‫اتهمتك في رجولتك يا حازم ‪.‬‬
‫‪( -‬في رفق) لقد اتفقنا أان ندع الماضي وراء ظهورنا‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬أارجوك دعني أاكمل يا حازم ‪ ،‬لقد أاخطات فعال في حقك وحق نفسي ‪ ،‬لنك ‪..‬‬
‫‪( -‬ينظر إليها باهتمام)‪...‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬لن ك ف ي نظ ري رج ل رائ ع ي ا ح ازم! (يب دو علي ه ش ئ م ن الض طراب) أوان ا أاث ق ب ك ‪ ،‬أواث ق‬
‫أ‬
‫أاننا سنتخطى الزمة طالما أاننا معا‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪121‬‬
‫أ‬
‫ساهما كانما أاشعره كالمها بالذنب) ‪...‬‬‫‪( -‬يطرق ِ‬
‫واج ًدا علي يا حازم؟‬ ‫أ‬
‫‪ -‬الزلت ِ‬
‫أ‬
‫‪( -‬يرف ع إليه ا عين ين دامعت ين ف ي ت اثر) ب ل أان ت ه ي الرائع ة ي ا ميس ون ‪ ،‬كي ف أاج د علي ك‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫أوانت حبي الول والخير!‬
‫‪( -‬تبتسم مسرورة) إذن فقد سامحتني؟‬
‫سامحت ْك ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬إذا سامحتني فقد‬
‫ْ‬
‫‪ُ ( -‬تط ِرق قليال ُوت َح ِ ّول نظرها عنه) ولكن ‪ ..‬أانا ‪..‬‬
‫‪ -‬ولكن ماذا يا ميسون؟‬
‫‪( -‬تنظر في عينيه مباشرة) أاود لو أاصارحك يا حازم ‪ ،‬لكن أاخشى أان تغضب عل ي إن خ انني‬
‫التعبير ‪.‬‬
‫‪( -‬مبتسما) لك علي عهد أال أاغضب ‪.‬‬
‫‪ -‬أوان تتفهم؟‬
‫‪ -‬و أان أاتفهم‪.‬‬
‫‪( -‬يبدو عليها التردد) الحقيقة أان ك ‪ -‬أاعن ي أانن ي ش ريك تك ف ي تحم ل المس ؤولية ‪ ،‬ول يطي ب‬
‫خاطري برؤيتك تدفع ثمن خطئي وحدك!‬
‫‪ -‬أادفع ثمن خطئك؟‬
‫الش َقاق بيننا‪.‬‬ ‫‪ -‬ذلك العرس أالسطوري الفارغ ‪ ،‬الذي َا ْو َر َثنا الشقاء ‪َّ ،‬‬
‫وسب َب ِ ّ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪122‬‬
‫ُ‬
‫‪( -‬ي ِ‬
‫طرق ول يرد)‬
‫أ‬
‫‪ -‬إنما أاقول ذلك لنني َا ِغ ُير عليك يا حازم!‬
‫(متعجبا) تغيرين علي؟ ممن؟‬ ‫‪-‬‬
‫(تبدي شيائ من الغضب ُالمصطنع) من تلك الديون! صرت أاشعر أانها َض َّرتي!‬ ‫‪-‬‬
‫(يحدق فيها مندهشا ثم يضحك) أاما إن ِغيرَت ُك ُّن ‪َ -‬م ْع َش َر النساء ‪ -‬لعجيبة!‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫(تجاري ه ف ي َض ِح ِكه وق د اطمان ت لقترابه ا م ن اله دف) يس هل علي ك ق ول ه ذا ‪ ،‬فان ت‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫المنش غل ط وال الوق ت بالعم ل ل دفعها ‪ ،‬وحت ى ح ين تك ون خالي ا تفك ر فيه ا ‪ ،‬كان ك‬
‫تزوجتها علي!‬
‫‪( -‬يضحك) ‪..‬‬
‫‪( -‬تتظاهر ِ‬
‫بالجد) ك ف عن الضحك يا حازم ‪ ،‬إنني جادة!‬
‫‪( -‬يمسك عن الضحك بصعوبة ‪ ،‬ثم يبتسم لها) هل ترين إذن أان أاطلقها؟‬
‫‪ -‬طالقا بائنا ل َر ْج َعة فيه!‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫‪( -‬يطرق قليال) لقد أ‬
‫بدات فعال في هذا يا ميسون ‪ ،‬بالمس انتهيت من دفع القسط الول ‪.‬‬
‫أ‬ ‫َ‬
‫ترسم على وجهها ا َمار ِ‬
‫ات السى) وبقي الك ثير بعد يا ح ازم ‪ ،‬مت ى إذن نف رغ لبعض نا؟ مت ى‬ ‫‪ُ ( -‬‬
‫أ‬
‫نبدا العيش حقيقة؟‬
‫‪( -‬ينظر إليها َم ِل ّيا) أاتريدين أان أاقترض من والدي ثمن السداد يا ميسون؟‬
‫‪ -‬ولم ل يا حبيبي؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪123‬‬

‫بمظهر العاجز المحتاج؟‬ ‫مامه‬ ‫ا‬‫ظهر أ‬


‫‪ -‬أوا َ‬
‫ِ‬
‫‪( -‬ف ي حماس ة) وهللا ل أاح د س واك ينظ ر إليه ا م ن ه ذا المنظ ور! وم ا العي ب ف ي أان يحت اج‬
‫أ‬
‫البن اء لوال َد ْيهم وه م بع ض م نهم؟ ث م م ن ق ال إن الس تعانة بالوال دين عج ز أاو انتق اص‬
‫للرجولة؟ ل ريب أان من قالها إما ولد عاق أاو والد عقيم!‬
‫‪( -‬ينظر إليها متعجبا) وكيف ذلك؟‬
‫ْ‬
‫‪ -‬دعني أا ْس َال َك سؤال ‪ :‬لماذا َت ِج ُّد َوت ْك َدح في العمل؟‬
‫‪ -‬لنسدد الدين ‪.‬‬
‫‪ -‬ثم؟‬
‫‪ -‬نعيش ِع َ‬
‫يشة كريمة‪.‬‬
‫من نحن؟‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬ ‫أ أ‬
‫نت ‪ ،‬ثم الولد بإذن هللا ‪.‬‬ ‫انا وا ِ‬ ‫‪-‬‬
‫والدي سينفقان علي ول أاحتاجك؟!‬
‫علي وقلت إن ّ‬‫جئت أارفض إنفاقك ّ‬ ‫فكيف بك لو ُ‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬
‫عليك ‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫باإلنفاق‬ ‫رعا‬ ‫ش‬ ‫م‬‫ز‬ ‫ل‬ ‫لكنني م‬ ‫‪-‬‬
‫ْ‬
‫ولو لم تكن ُملزما ‪ ،‬أاكان يرضيك هذا الوضع؟‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬ل طبعا ‪ ،‬أانا زوجك والمسؤول عنك وعن طلباتك! وإل ففيم وجودي إذن؟!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪124‬‬

‫‪ -‬وكي ف ب ك إذن ل و ِكب ر أاولدن ا ‪ ،‬بع دما أانفقن ا نح ن م ن ُع ْمرن ا ف ي العم ل والدخ ار لت وفير‬
‫أ‬
‫معيش ة كريم ة ومس تقبل أارغ د له م ‪ ،‬ف إذا به م يرفض ون ك ل م ا جمعن اه لجله م ‪ ،‬ب دعوى‬
‫أ‬
‫سيست ِق ُّلون بانفسهم ‪ ،‬أوانهم ل يحتاجوننا بعد ذلك؟‬ ‫أانهم َ‬

‫‪( -‬يطرق ساك تا وقد أادرك المغزى) ‪..‬‬


‫‪ -‬صدقني يا حبيبي ‪ ،‬ل يمكن أان ينظ ر وال داك إلي ك عل ى أان ك ع اجز أاو "نص ف رج ل"‪ ،‬ب ل‬
‫تصور فرحتهما وهما يقفان إلى جانب َف َل َذ ِة َك ِب ِدهما الذي َش ِقيا ُلي ْس ِعداه ‪.‬‬
‫‪... -‬‬
‫‪ -‬وتخي ل كي ف سين زاح عن ا ه م ثقي ل َج ا ِث ٌم عل ى أانفاس نا َي ْح ِس ُبها علين ا ‪ ،‬لنتف رغ لحياتن ا‬
‫الش ِر َهة م ن ُس َو ْي َعات ُع ْمرن ا؟ أال تعي د‬ ‫ومسؤولياتنا أالخرى ‪ .‬أاما ترى كيف أتاكل هذه َّ‬
‫الض َّرة َّ‬
‫أ‬
‫التفكير في المر يا حازم؟‬
‫‪ -‬الحقيقة ‪..‬‬
‫‪( -‬تنظر إليه َبت َر ُّقب)‪..‬‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬الحقيقة انني كنت افكر في هذا المر ‪ ،‬ولكن ِ‬
‫كالمك زادني اقتناعا يا ميسون ‪.‬‬
‫غير مصدقة) أاحقا ما تقول؟‬ ‫‪ُ ( -‬‬

‫لت ف ّي الرغب ة ف ي إص الح ه ذا الوض ع المائ ل ‪ .‬غ دا ب إذن هللا س نزور‬ ‫َ‬
‫شع‬ ‫ا‬‫‪( -‬يومئ ب أراسه) لقد أ‬
‫ِ‬
‫والدي لنعتذر منهما ‪ ،‬ثم نزور والديك بعد ذلك ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪( -‬في فرحة غامرة) كم أانت رائع يا حازم! كم أاحبك!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪125‬‬

‫‪( -‬يضحك) أوانا كذلك!‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تنهض واقفة في حماسة ‪،‬وتاخذ بيده) لزال لك عندي مفاجاة!‬
‫‪ُ -‬‬
‫غير كل هذا؟‬
‫‪( -‬تخرج منديال فتربطه حول عينيه) ضع هذه أاول!‬
‫‪( -‬يبتسم) اللهم ُ‬
‫الطف بنا!‬
‫أ‬
‫وتوق ُف ه‬
‫ِ‬ ‫غير‪،‬‬ ‫ص‬ ‫الون‬ ‫ص‬ ‫ى‬ ‫إل‬ ‫الن‬ ‫يص‬ ‫(‬ ‫‪.‬‬ ‫رك‬ ‫يس‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫إل‬ ‫رى‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ول‬ ‫ي‬ ‫اتبعن‬ ‫)‬ ‫وده‬ ‫وتق‬ ‫ده‬ ‫بي‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫تا‬ ‫‪( -‬‬
‫أ‬
‫ميسون أامام أاحد الدراج) حسنا ‪ ،‬ق ف هن ا! (تف تح ال درج ث م ترف ع المن ديل ع ن عيني ه) م ا‬
‫أرايك؟‬
‫‪( -‬ينظر فإذا في ُّالد ْر ِج مصحفان كبيران) هذان ُم ْص َحفان!‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫‪( -‬على استحياء) أاريد أان أاتعل م من ك تجوي د الق ران ‪ ،‬وب إذن هللا ساس تيقظ مع ك من ذ الي وم‬
‫لصالة الفجر‪ ،‬ونقوم الليل معا‪ .‬أاريد أان أاتعلم منك يا حازم ‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪( -‬ينظر إليها َم ْب ُهوتا ‪ ،‬ثم ُيط ِرق ُوي َت ْم ِتم) تتعلمين مني أانا؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬تاخذ بيده) نعم يا حازم ‪ ،‬لنعبد هللا ونرضيه معا هنا ‪ ،‬لنظل معا هناك ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬يتامله ا ُبره ة ‪ ،‬ث م ين ِزع ي ده م ن ي دها ‪ُ ،‬ويو ِليه ا ظه َره ُمطرق ا ف ي ُح زن) نرض ي هللا مع ا ي ا‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫ميس ون؟ (ت دمع عين اه ف ي ت اثر) أان ا اخ ر م ن يص لح أان يك ون زوج ا لم ن كان ت ف ي مث ل‬
‫براءتك يا ميسون ‪ .‬إنك ‪ ..‬إنك ل تدركين ‪..‬ما الذي ُ‬
‫فعلته‪..‬‬
‫‪( -‬تنظر إليه في إشفاق) حازم ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪126‬‬

‫‪ -‬أانا ‪ ..‬أانا ‪ ..‬لقد ‪..‬‬


‫أ‬
‫‪( -‬تقترب منه وتقف أامامه ‪ ،‬ثم تاخذ بيده وتنظر إليه مباشرة) ل َت ْثريب عليك ي ا ح ازم ‪ ،‬ق د‬
‫سامحتك ‪ ،‬وصار كل ذلك من صفحات الماضي ‪.‬‬
‫‪( -‬يحول نظره عنها) أانت ل تفهمين ما أاعني يا ميسون‪.‬‬
‫‪َ ( -‬ت ُش ُّد على يديه في حنان وتنظر إليه في ثبات) بل أافهمه تماما يا حازم ‪ ،‬أاك ثر مما تتخيل!‬
‫أ‬
‫‪( -‬ينظر إليها غيرمصدق) أاتعرفين ‪ ..‬أاتعرفين بامرها؟ تلك ال ‪..‬؟!‬
‫‪( -‬تومئ ب أراسها)‬
‫‪ -‬الصور؟!‬
‫‪ُ ( -‬ت ومئ ً‬
‫ثانية)‬ ‫ِ‬
‫وفعلت كل هذا أوانت تعلمين؟‬‫ِ‬ ‫‪-‬‬
‫‪( -‬تومئ ب أراسها مبتسمة)‬
‫واعتذرت لي أوانت تعلمين؟‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬
‫‪( -‬تومئ ب أراسها ‪ ،‬وابتسامتها تتسع)‬
‫‪( -‬ينظر إليها غير مصدق ‪ ،‬فتبتسم له في براءتها المعهودة)‬
‫‪( -‬حائرا) أالست غاضبة مني يا ميسون؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪127‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬ب ل أاش فق علي ك ي ا حبيب ي ‪ ،‬لنن ي أاعل م طيبت ك واس تقامتك ك ذلك ‪ ،‬أواعل م م دى الن دم‬
‫الذي َيك َت ِن ُف َك بالفعل ‪ ،‬وقد كنت السبب بإعراض ي عن ك ‪ ،‬حت ى ترك ت ك فريس ة لك ل ه ذه‬
‫الك ُربات ‪ ،‬أواعنتها عليك بدل أان أاعينك عليها‪.‬‬
‫ُ‬
‫أ‬
‫‪( -‬ينظر إليها في امتنان متاثر) ميسون!‬
‫الض ْعف ‪ ،‬سامحني يا حازم!‬ ‫فكرت في مدى ما أاعاني ‪ ،‬ونسيت أانك تعاني ِ ّ‬ ‫‪ -‬كنت أانانية إذ ُ‬

‫نت تطلبين مني السماح؟ َرحم اك رب ي! ك م كن ت أاعم ى إذ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫‪( -‬تتحدر على خده دمعة كبيرة) أ‬
‫أ‬
‫وح ِسبت جاهال أانني ساجد في الح رام م ا افتقدت ه ف ي الح الل!‬ ‫لم أاقدر قيمة ما حللته لي ‪َ ،‬‬
‫اغفر لي ربي ‪ ،‬أواعني أان أارد الجميل لهذه اإلنسانة الرائعة ‪.‬‬
‫‪( -‬تبتسم وتدمع عيناها) قد رددته يا حازم برضاك وابتسامتك واعتذارك ‪ ،‬رددت ه مض اعفا ‪،‬‬
‫صدقني ‪ .‬جزاك هللا خيرا ‪.‬‬
‫لك علي عهد هللا أال أاعود إليها!‬
‫‪ِ -‬‬
‫‪( -‬في سعادة غامرة) أاحقا يا حازم؟‬
‫‪ -‬وهللا الذي فرج كربنا هذا ‪ ،‬وجعل لن ا مخرج ا م ن حي ث ل نحتس ب ‪ ،‬ل أاجعل ه – تع الى ‪-‬‬
‫بع د ذل ك أاب دا أاه ون الن اظرين إل ي ‪ ،‬ول أاك ون مم ن إذا َخ َل ْوا بمح ارم هللا انتهكوه ا ‪ُ .‬ت ْب ُت‬
‫إليك يا رب!‬
‫‪ -‬بارك هللا فيك يا حازم ‪ .‬الحمد هلل الذي أالف بين قلبينا بعدما لقينا ‪.‬‬
‫‪( -‬يتهاوى على ِمقعد قريب ‪ ،‬ويسند أراسه إلى راحتيه وهو َي ْن ِش ْج)‬
‫أ‬
‫‪( -‬تجلس إلى جانبه في تعاطف متالم) أاتبكي يا حازم؟!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪128‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫أ‬
‫رف ع ح ازم إليه ا عين ين ‪ ،‬ارس لت نظراتهم ا ق ْش َعريرة ف ي جس دها ‪ .‬لق د كان ت نظ ر ٍ‬
‫ات تح ار ف ي‬
‫وصفها الكلمات البليغة ‪ ،‬والمفردات المنتقاة ‪.‬‬

‫إنها نظرات اإلنسان ‪..‬‬

‫العبد الذليل ‪..‬‬

‫الذي يتشامخ ويتكبر‬

‫ويعصي ويتجبر‬

‫ولكن ما إن َت ِحل بساحته النائبات‬


‫أ‬
‫معدنه ويعود لصله‬
‫حتى يتكشف عن ِ‬
‫ضعيفا‪..‬‬

‫فقيرا‪..‬‬

‫محتاجا‪..‬‬

‫إلى بارئه ‪..‬‬

‫إلى خالقه ‪..‬‬

‫إلى موله ‪..‬‬

‫العظيم ‪ ..‬الحليم ‪ ..‬الودود ‪ ..‬الرؤوف ‪ ..‬الرحيم‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪129‬‬
‫َّ‬
‫من علينا فهدانا‬

‫أواطعمنا وسقانا‬
‫آ‬
‫وك فانا واوانا‬

‫هللا ‪ ..‬الذي خيره إلينا نازل‬

‫وشرنا إليه صاعد‬

‫ومع كل ذلك ‪..‬‬

‫يجيب المضطر إذا دعاه‬

‫ويكشف السوء‬

‫ويقبل التوبة عن عباده‬

‫ويعفو عن السيائت ‪.‬‬

‫سبحان من إذا وعد أاوفى‬

‫وإذا توعد عفا ‪..‬‬

‫سبحانك ربي ما أاعظمك!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪131‬‬
‫أ‬
‫م دت ميس ون ي دها ترب ت عل ى ي دي ح ازم ‪ ،‬وقال ت بص وت ه امس ‪ ،‬كانم ا تخش ى أان تعك ر‬
‫صفو تلك الدمعات الخاشعات التي تحدرت من عيونهما معا ‪:‬‬

‫‪ -‬ما أرايك أان نقوم ونصلي معا ركعتين شكرا هلل؟‬


‫أ أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬يمسح دمعه) نعم ‪ ،‬هيا (ينهض) ساذهب لتوضا ‪.‬‬

‫عاد حازم والماء يتق اطر من ه ‪ ،‬ليج د ميس ون ق د أاع دت المك ان ولبس ت ث وب الص الة ‪ ،‬فب دت‬
‫أاجم ل أواغل ى ف ي عيني ه ‪ .‬ولم ا أرات ه ميس ون مق بال ‪ ،‬أافس حت ل ه مبتس مة ‪ ،‬أواش ارت إلي ه أان‬
‫للد َّفة من جديد ‪.‬‬
‫يتخذ مكانه ‪ ،‬إماما ‪ ،‬وقائدا َّ‬

‫صمت خاشع حتى َد َّوى ُ‬


‫صوت التكبير في هدوء ُم َج ِلجل‬ ‫وإن هي إل ُس َو ْي َعات ٍ‬
‫ولو َا َص ْغنا السمع لربما سمعنا صوت تكبيرات أاخرى‬

‫تناثرت هنا وهناك‬

‫ل نعلم شيائ عنها‬

‫ول عن أاصحابها‬

‫ولكن هللا يعلم‬

‫وهو حسبهم وكافيهم ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪131‬‬

‫آ‬ ‫أ‬
‫۞ وما تكون في شان وما َت ْتلو منه من قران ول تعملون من عمل إل كنا عليكم شهودا إذ‬
‫ون فيه وما َي ْع ُز ُب عن ربك من ِم ْث َقال ذرة في أالرض ول في السماء ول أا ُ‬
‫صغر من ذلك‬ ‫ُتف ُ‬
‫يض َ‬ ‫ِ‬
‫كبر إل في ك تاب مبين ۞ (يونس ‪)61 :‬‬ ‫ول أا ُ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪132‬‬

‫‪ -‬اشتقت ِ‬
‫إليك ك ثيرا يا سلمى!‬
‫‪ -‬بهذه السرعة يا أاماه؟ لم يمض على زواجي سوى ِبضعة أاشهر فحسب!‬
‫وهللا إن المنزل موحش من دونك يا ابنتي!‬ ‫‪-‬‬
‫أاليس أابي معك ُي ْؤ ِنس ِو ْح َدتك؟‬ ‫‪-‬‬
‫(تنظر إلى زوجها ِب َط ْرف عينها وهو يق أرا جريدة الصباح) بل يؤنس وحدة الجرائد!‬ ‫‪-‬‬
‫(تضحك) إنك تظلمينه يا أامي! ل ريب عندي أانه ل يدخر جهدا في إسعادك ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪( -‬تس كت قل يال ‪ ،‬ث م تق ول ف ي ص وت خف يض عل ى اس تحياء) ف ي الواق ع ‪ ،‬لق د ذهبن ا أام س‬
‫لنتعشى في مطعم ‪.‬‬
‫‪ -‬هكذا إذن؟!‬
‫وكاننا عدنا لتلك أاليام َ‬
‫الخ َوالي ‪ ،‬حين كنت عروسا شابة ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬في نبرة مسرورة) شعرت‬
‫‪ -‬ول زلت جميلة كما كنت في شبابك يا أاماه!‬
‫‪ -‬قد قال لي أابوك نفسك الكالم!‬
‫‪( -‬تضحك مسرورة)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪133‬‬

‫‪ -‬لول أان أافسدت علينا تلك اللئيمة جلستنا!‬


‫‪ -‬من يا أامي؟‬
‫‪ -‬فتاة شقراء فارعة الطول ‪ ،‬رشيقة َالق ّد ‪ ،‬تلبس ثيابا قصيرة تكشف ع ن س اقيها ‪ ،‬م رت م ن‬
‫أامامنا ‪ ،‬ثم جلست عند طاولة قريبة (تعض على شفتيها غيظا) وهللا لقد جال بخ اطري أان‬
‫أ‬
‫أاقوم ‪ ،‬فاكسر طبقي على ا ِ ّم أراسها المتعالي ذاك!!‬
‫‪( -‬تضحك) أاتغارين يا أامي؟‬
‫‪ -‬أان ا؟! أان ا أاغ ار؟! مع اذ هللا! وم م أاغ ار؟ ق د كن ت ف ي ش بابي أاجم ل أواك ث ر رش اقة! ب ل أواك ث ر‬
‫المت َك ِ ّس رة! لكنن ي‬
‫احتشاما واحتراما ‪ .‬إنما ‪ ..‬إنما ضايقتني نظراتها المائعة تل ك ‪ ،‬وجلس تها َ‬
‫ل أاغار!‬
‫‪ -‬نعم ‪ ،‬نعم ‪ ،‬صحيح!‬
‫أ‬
‫‪ -‬نع م ص حيح! إن أاب اك من ذ عرفن ي ل م تم ال عيني ه ام أراة أاخ رى! (تلتف ت لزوجه ا ث م تهم س‬
‫بدات في الظهور ‪..‬‬‫لسلمى) أال ترين أان وزني قد ازداد قليال؟ وبعض التجاعيد أ‬

‫‪( -‬تض حك وق د فهم ت م ا ي دور َبخ َل َدها) ل تش غلي بال ك ي ا أام اه ‪ ،‬أان ت كالب در ف ي ص فحة‬
‫السماء ‪ ،‬وستظلين كذلك في عيون من يحبونك ‪ ،‬وثقي أان أابي ل يرى سواك!‬
‫آ‬ ‫آ‬
‫‪( -‬في اطمئنان) الحمد هلل ‪ ،‬كن ت واثق ة ولكنن ي الن ازددت يقين ا ‪ .‬والن خبرين ي أان ت ع ن‬
‫قاسم ‪ ،‬كيف هو معك؟‬
‫‪ -‬أا ِكرم به من زوج يا أاماه ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪134‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬أال م أاق ل ل ك إن ه ‪( ..‬يقاطعه ا رن ين ج رس الب اب) ل ري ب أانه ا جارتن ا أام حس ان ‪ ،‬س اعاود‬
‫التصال بك لحقا يا سلمى ‪.‬‬
‫‪ -‬خذي وقتك يا أامي ‪ّ ،‬‬
‫وقبلي لي والدي ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬سافعل لو تذكرت!‬
‫‪ -‬أامي!‬
‫‪( -‬تضحك) طيب ‪ ،‬طيب ‪ ،‬حاضرين يا عروسة! أاتركك في حفظ هللا تعالى يا حبيبتي ‪.‬‬
‫‪ -‬في حفظ هللا تعالى يا أامي الحبيبة ‪.‬‬
‫**************************‬

‫وشر َدت للحظات ‪..‬‬


‫وضعت سلمى سماعة الهاتف ‪َ ،‬‬

‫" أا ِكرم به من زوج" ‪..‬‬

‫رَّنت تلك العبارة في أاذنيها مرارا‬

‫أاحقا كانت تقصدها؟‬

‫إنها لم ِتع َّدها َسلفا ‪ ،‬بل جاءتها َع ْفوا ‪ ،‬فال ريب أانها كانت نابعة من قلبها ‪ .‬وهي ُمذ عرف ت قاس م‬
‫زوجا لم تر منه إل خي را ‪ .‬ك ان مبل غ علمه ا ب ه ك ابن ع م أان ه ش اب ب ار ح ريص عل ى الطاع ة ومس ارع‬
‫في المعروف ‪ .‬لكنها ما كادت تعرفه زوجا حتى أاسرها بك ريم معاش رته ‪ .‬وم ا ك ان لي دور َبخ َل دها أان‬
‫أ أ‬
‫يك ون قاس م ش ِاعريا! فل م يك ن ي دخر جه دا ف ي مفاجاته ا ب انواع اله دايا وباق ات ال ورود ‪ ،‬ول ك ان‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪135‬‬

‫يس َت ْن ِك ف أان ي ردد عل ى أاس ماعها م ا َر َّق وراق م ن عب ارات َالمحب ة ‪ ،‬الت ي مهم ا كرره ا ‪ ،‬تظ ل دوم ا‬
‫أ‬
‫تحمل رنة الصدق ‪ ،‬فتقع على السماع وقع قطرات الندى على أاجفان الورود ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أ‬
‫وزادها به إعجابا انه كان يعطي عطاء من ل ينتظر مقابال ول يريد ُشكورا ‪ ،‬ومازال عه دها ب ه ِ‬
‫ينف ق‬
‫أ‬
‫أايام اإلجازات من كل أاسبوع ف ي ش راء اله دايا لم ه أواخوات ه أوابن ائهن ‪ ،‬حت ى ص ارت س لمى تحف ظ‬
‫أ‬
‫تواريخ ميالدهم جميع ا ‪ ،‬واله دايا المفض لة لك ل م نهم ‪َ .‬ش َّد م ا ك ان قاس م متعلق ا باس رته ب ارا به ا‬
‫يقصر معها أاو يشعرها باإلهمال ‪.‬‬‫حتى بعد الزواج ‪ ،‬وهو على َف ْرط هذا الحب والتفاني ل يكاد ِ ّ‬

‫******************‬
‫أ‬
‫لم يكن قاسم يوما "حبها الول" ‪ ،‬ول كان أابدا فارس أاحالمها ‪ ،‬ول كان إطالقا اختيار قلبها‬

‫ومع ذلك ‪..‬‬

‫تنفر منه‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬


‫ل تملك ان تكرهه او تبغضه او ِ‬
‫لقد أاسرها بكريم سجاياه‬

‫ولطالما استعبد اإلحسان إنسان ‪..‬‬

‫ولكن ‪..‬‬

‫أاتحبه؟‬

‫أاتحبه كما أاحبت أاحمد؟‬

‫*********************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪136‬‬

‫أالزلت تحبين أاحمد يا سلمى؟‬

‫أام أانك تحبين قاسما؟‬


‫أ‬
‫أاهي ِك فة ميزان تتارجح بين اثنين؟‬

‫حولك أوانت ل تشعرين؟‬


‫ِ‬ ‫خيوطه‬ ‫نسج‬ ‫م‬‫ه‬‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫هو‬ ‫م‬ ‫ا‬‫أ‬

‫من تحبين يا سلمى؟‬

‫من يم ِلك عليك قلبك يا سلمى؟‬

‫من؟!‬

‫********************‬

‫لم تجد ُبدا من حبه ‪..‬‬

‫قاسم ‪..‬‬
‫أ‬
‫أاحبته لنه لم َي َدع لها مجال إل لذاك‬
‫آ‬
‫ما ع ِل َم ْت إل الن كم إنه يحبها حبا َم َلك عليه جوانحه‬

‫منذ كانا طفلين صغيرين‬

‫صباهما نسيتها هي‬


‫بل كان يحدثها عن ذكريات ومواقف في ِ‬
‫لكنه لم ينسها‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪137‬‬
‫أ‬
‫لنها كانت تذكره بها!‬

‫********************‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫وشد ما كان يؤلمها حبه في ك ثير من الحيان ‪ ،‬وقد مضى على زواجهما أاشهر عديدة ‪ ،‬لنها كان ت‬ ‫َ‬
‫أ‬
‫تش عر أانه ا مهم ا أاحبت ه ‪ ،‬فه ي إنم ا ت رد معروف ه وإحس انه ‪ .‬لك ن قل ب النث ى فيه ا ‪ ،‬ك ان ل ي زال‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫معلق ا بامني ة ‪ ،‬ل م تف ِل ح ي د الي ام ف ي طيه ا ف ي م دارج النس يان ‪ .‬فل م تك ن تمل ك أان تق ارن ب ين‬
‫َ ْ‬ ‫آ‬
‫الخط ب‬ ‫الحين والخر ‪ ،‬بين زوجها وفارس أاحالمها ‪ ،‬ولو لم تعرف ذاك الفارس قب ل قاس م له ان‬
‫‪..‬‬

‫لكنها عرفته ‪..‬‬

‫أواحبته ‪..‬‬

‫أواحبها ‪..‬‬
‫أ‬
‫حتى إذا تعاهد القلبان وحلقا معا على أاجنحة الحالم ‪..‬‬

‫أاو كادا ‪..‬‬


‫أ‬
‫إذا بها زوجة من كانت َلت ُعده أاخاها أاك ثر منه فارسا لحالمها ‪.‬‬

‫******************‬

‫ولكنها مقارنة خاسرة!‬


‫آ‬
‫فهي ل تعني تفوق أاحدهما على الخر ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪138‬‬

‫إل بقدر ما تعني اختالفهما ‪..‬‬

‫نعم ‪ ،‬كانا مختلفين ‪..‬‬


‫آ‬
‫فليس يفترض بهما أان يكونا ِن َّد ْين ليتفوق أاحدهما على الخر ‪..‬‬

‫وواحد منما فحسب ُك ِتب له أان يكون َقدرها وتكون قدره من الحب ‪..‬‬

‫ذلك الحب ‪..‬‬

‫صاحب الميثاق الغليظ‬

‫والر َحمات ُالمهداة ‪.‬‬


‫َّ‬

‫************************‬

‫َه ْب أان ِخصاله حببتني فيه ‪..‬‬

‫أوانه لم يكن َخيار قلبي ول فارس أاحالمي‬

‫لكنه زوجي وحليلي‬


‫وإن يكن الحب في قلبي آالن غير ذاك الذي أ‬
‫بدا أاول مرة‬

‫فإني أاجتهد في تقوى هللا فيما أاملك ‪..‬‬

‫أواستعين باهلل على ما ل أاملك ‪.‬‬

‫وهل القلوب إل بين يدي بارئها يقلبها كيف يشاء؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪139‬‬

‫وهل أاملك إل التسليم والرضا بما قضى العليم الخبير؟‬

‫فح ّت َام تظلين ُمو َّزعة الخواطر وقد ُن ِقض العهد القديم يا سلمى؟‬
‫َ‬

‫وحل محله ميثاق غليظ ‪..‬‬

‫جمع اثنين ‪..‬‬


‫وفرق آا ْ‬
‫خري؟‬

‫وما الحب شقاء ول ينبغي له أان يكون ‪..‬‬

‫وإنما نحن نشقى ونسعد ‪..‬‬

‫ونضحك ونبكي ‪..‬‬

‫لمن شاء منا السعادة والضحك ‪..‬‬


‫أاو أاراد الشقاوة ُ‬
‫والبكا ‪.‬‬

‫***********************‬
‫آ‬
‫جل س قاس م وس لمى يتن اولن العش اء ‪ ،‬وقاس م ل ينف ك ب ين الح ين والخ ر ينظ ر إليه ا م ن م ؤخر‬
‫أ‬
‫عينيه ‪ ،‬كمن يخفي مفاجاة ‪..‬‬

‫‪ -‬مالك يا قاسم؟‬
‫‪( -‬متصنعا الندهاش) أانا؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪141‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تبتسم) ل تتظاهر بالبراءة! إنك ل تك ف عن تلك البتسامة الماكرة ‪ ،‬كانك تخفي شيائ!‬
‫أ‬
‫‪ -‬ل حول ول قوة إل باهلل! أاتصفينني بالماكر أوانا ل أاحمل إل الخبار السعيدة!‬
‫‪ -‬هل ولدت أاختك هالة أاخيرا؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬ل ‪ ،‬ليس بعد ‪ ،‬ربما في غضون السبوع القادن إن شاء هللا ‪.‬‬
‫‪ -‬إذن ماذا؟‬
‫‪ -‬خمني!‬
‫‪( -‬تفكر مليا) ل أاعرف!‬
‫‪ -‬صديقتك حامل!‬
‫‪( -‬تلتفت إليه مندهشة) صديقتي حامل؟ أاتعني صفاء؟‬
‫‪( -‬يومئ ب أراسه مبتسما)‬
‫‪ -‬وكيف ‪ ..‬كيف عرفت أانت؟‬
‫‪ -‬قابلتها وزوجها اليوم في المجم ع التج اري ‪ ،‬أوان ا أاش تري هدي ة لهال ة ‪ ،‬وه ي تعت ذر ل ك ع ن‬
‫انقطاع اتصالتها ‪ ،‬بسبب انشغالها بمرض والدتها ‪.‬‬
‫آ‬
‫‪( -‬تغمغم مندهشة) صفاء حامل ووالدتها مريض ة! لعل ه م ر ش هران أاو يزي د من ذ اخ ر محادث ة‬
‫بيننا ‪ ،‬كم أانا مقصرة ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪141‬‬
‫أ آ‬
‫‪ -‬ستش كرينني حينم ا أاخب رك أانن ي ‪( ..‬كم ن ت ذكر ش يائ فج اة) اه ‪ ،‬ك دت أانس ى! (ي نهض‬
‫ليتن اول كيس ا ترك ه عن د الم دخل ‪ ،‬وس لمى تتبع ه ببص رها ‪ ،‬فيخ رج من ه ك تاب ا ‪ ،‬ث م يع ود‬
‫ويناولها إياه مبتسما)‬
‫أ‬
‫‪( -‬تق أرا عن وان الك ت اب) "رس ائل الح زان ف ي فلس فة الح ب والجم ال" (يش رق وجهه ا‬
‫بابتسامة) كم أانت رائع يا قاسم!‬
‫‪ -‬أاحقا أاعجبك الك تاب؟‬
‫‪ -‬مصطفى صادق الرافعي من أادبائي المفضلين!‬
‫أ‬
‫‪( -‬يتاملها مليا ثم يغمغم) أاحمد هو الذي اقترحه لي!‬
‫‪( -‬مندهشة) أاحمد؟‬
‫‪ -‬كانا – هو وزجته ‪ -‬عند قسم الك تب والمجالت عندما قابلتهما ‪..‬‬
‫‪( -‬تمرر يدها على غالف الك تاب ول ترد)‬
‫آ‬
‫‪ -‬الحق أانني كنت أاريد أان أاهديك ك تابا يعجبك ‪ ،‬فلما راني محتارا اقترح علي ه ذا الك ت اب ‪،‬‬
‫ويبدو أان اقتراحه جاء في محله ‪.‬‬
‫‪( -‬تض ع ي دها عل ى ي ده وتبتس م ف ي محب ة) أاردت أان ته ِد َيني ك تاب ا ي ا قاس م؟ ك م أان ت رائ ع!‬
‫أاشكرك ‪.‬‬
‫‪( -‬يه ز ك تفي ه ويبتس م ابتس امة الح زين) وه ل فعل ت ش يائ ‪ ،‬الله م إل أانن ي دفع ت ثمن ه‬
‫فحسب!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪142‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬ما المر يا قاسم؟‬
‫‪َ ( -‬ي ِهم بالنهوض) ل ‪ ،‬ل شيء يا سلمى ‪..‬‬
‫‪( -‬تشد على يديه ليظل جالسا) بل هناك شيء!‬
‫‪( -‬يطرق ساك تا هنيهة) ل أادري يا سلمى ‪ ..‬لكنني ‪ ..‬ل أاملك أان ‪( ..‬يقف مترددا)‬
‫‪( -‬في ترقب قلق) ماذا يا قاسم؟‬
‫‪( -‬يزف ر ف ي ض يق وه و يح ول وجه ه عنه ا) أاش عر أاحيان ا أان ك ظلم ِت بزواج ك من ي ‪ ،‬أوان ِك‬
‫كنت تستحقين زوجا أافضل يا سلمى!‬
‫‪( -‬تنظر إليه مستنكرة) أا َّنى لك تلك الفكرة الظالمة يا قاسم؟!‬
‫أ‬
‫‪ -‬لنك متعلمة مثقفة ‪ ،‬أاما أانا ‪( ..‬يطرق ساك تا)‬
‫‪ -‬لم اذا ل ُت ْكم ل؟ أالس ت – م ا ش اء هللا ‪ -‬م دير الف رع ال ذي تعم ل ب ه أوان ت أاص غر س نا م ن‬
‫معظم مرؤوسيك؟‬
‫‪ -‬لكنني لم أاحصل على شهادة جامعية كبقيتهم!‬
‫‪( -‬تقترب منه وتضع ك فها على ك فه في حنان َمشوب ب العطف) ي ا حبيب ي ي ا قاس م! أاتحس بني‬
‫أ‬
‫أاراك جاهال لمجرد أانك ل تحمل الشهادات المذيلة بالختام؟!‬
‫‪ -‬ول أانا حتى مثلك قارئ واسع الط الع! أال م تك وني ت رددين ونح ن ص غار أان ك تتمن ين زوج ا‬
‫أ‬
‫"متعلما مثقفا واسع الفق"؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪143‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تبتس م ف ي تع اطف) كان ت كلم ات ق أراته ا ف اعجبني رنينه ا حين ذاك ي ا قاس م! (تنظ ر إلي ه‬
‫أ‬
‫جادة) ولكن سعة الفق والثقافة ل تقاس أابدا بعدد م ا ل دى الف رد م ن ش هادات ي ا قاس م ‪،‬‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫خاص ة ف ي ه ذا ال زمن ال ذي ص ارت الف اق في ه ُم َف َّت َح ة الب واب م ن ك ل الجه ات ‪ ،‬ول م تع د‬
‫أ‬
‫الشهادات هي َالم َعبر الوحد لحياة عامرة باإلنجازات ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫منك؟‬
‫نت ل ترينني اقل ِ‬ ‫‪ -‬إذن ا ِ‬
‫‪( -‬تنظر إليه بتعجب وتضرب ك فا بك ف) ما ينقضي َع َجبي اليوم من ك وم ن أافك ارك ي ا قاس م!‬
‫خبرني أانت ‪ :‬ماذا قال الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬إذا جاءكم من ‪" ...‬‬
‫وخ ُل َقه َفزِ ّوجوه" ‪.‬‬
‫رض ْون دينه ُ‬ ‫َ‬
‫‪ُ ( -‬ي ِتم الحديث الشريف) " َمن ت َ ِ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬أافلم تكن مسالة العلم والثقافة من الهمية بمكان ‪ ،‬بحي ث ل م يش ر الرس ول علي ه الص الة‬
‫آ‬
‫والس الم إل ى أاهميته ا ف ي الحي اة الزوجي ة؟ َرغ م م ا ف ي دينن ا الحني ف م ن اي ات أواحادي ث‬
‫تحض على طلب العلم الديني والدنيوي؟‬
‫‪( -‬مبتسما) أاهذا اختبار ثقافي أام ماذا؟‬
‫‪( -‬تضرب ك فه برفق) ل تجب عن السؤال بسؤال!‬
‫‪( -‬يط رق مفك را ‪ ،‬ث م يرف ع أراس ه وق د ْاف َت َّر ثغ ره ع ن ابتس امة مش رقة) بل ى! ق د أاش ار إليه ا –‬
‫عليه الصالة و السالم – في قوله "ترضون دينه" ‪َ :‬فمن َف ِهم ال دين ح ق َالف ْه م ففي ه الح ب‬
‫آ‬
‫والح رص عل ى المث ابرة والطم وح ‪.‬‬‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬ ‫الكس‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫عي‬ ‫والس‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫العل‬ ‫ب‬ ‫وطل‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ال‬ ‫واحترام‬
‫أ‬
‫والخل ق يش مل حت ى أاص غر الش ياء م ن المحافظ ة عل ى النظ ام والترتي ب ‪ ،‬وت ُّزين الزوج ة‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪144‬‬
‫آ‬
‫لزوجه ا ورف ق ال زوج بزوجت ه ‪ ،‬والح رص عل ى حق وق الخ رين ‪ ،‬والتغاض ي ع ن ش يء م ن‬
‫حقوق الذات أاحيانا ‪ .‬والك ثير الك ثير تضمنته تلك العبارة البليغة!‬
‫‪ -‬أاحسنت يا قاسم ‪ ،‬قد أاجبت عن سؤالك بنفسك!‬
‫الخ ُل ق" َرغ م أان ه َ‬
‫متض َّمن ب ل‬ ‫‪ -‬ولم اذا ك رر الرس ول الك ريم ‪ ،‬علي ه الص الة والس الم ‪ُ " ،‬‬

‫جوهري في الدين؟‬
‫فتيها مفك رة) أاعتق د أان ذل ك للتنبي ه عل ى أاهميت ه ُالقص وى ف ي ِإرس اء َدع ائم البي ت‬
‫‪َ ( -‬ت ز ُّم ش ْ‬
‫ِ‬
‫الح َس ن – ف ي أراي ي‪ -‬ه و م ا ُي ديم الحي اة الهانئ ة ‪ ،‬ويعينه ا عل ى الص مود‬
‫الخ ُلق َ‬
‫المس لم ‪ ،‬ف ُ‬

‫في وجه ُالم ِّنغصات ‪.‬‬


‫‪ُ ( -‬يحك ذقنه بيده) كنت أافكر في ذلك من منظور مختلف ‪ ،‬لكنني أاتفق معك ‪.‬‬
‫‪ -‬وما منظورك؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬كنت أاستشعر في كلمة "الخلق" في حياة الزوجين وصية لهما ‪ ،‬بان يكون كل منهما عل ى‬
‫اس تعداد ليغي ر مم ا َد َرج علي ه م ن أاخ الق ‪ ،‬إن ل م تك ن كم ا ينبغ ي أاو ك ان فيه ا م ا ي ؤذي‬
‫أ‬
‫ش ريكه ‪ .‬ف ال َي ُق ل أاح دهما أاو كالهم ا "ه ذه طب اعي ول أاس تطيع تغييره ا" ‪ ،‬لن الحي اة‬
‫الزوجية الحقة – في نظ ري ‪ -‬تكيي ف وتع ديل ‪ ،‬ليحص ل أاكب ر ق در م ن التواف ق والس تقرار‬
‫أ‬
‫السري ‪.‬‬
‫‪( -‬تنظر إليه بإكبار) ما شاء هللا! ما شاء هللا!‬
‫‪( -‬يبتسم) خففي من انبهارك وإل أاصابني الغرور!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تعقد يديها تحت ذقنها وتتامله بإعجاب دون أان ترد)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪145‬‬

‫‪ -‬حسنا ‪ ،‬حسنا! لقد أاشعرتني بالذنب فالبد أان أاعترف!‬


‫‪ -‬تعترف بماذا؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬إنن ي ل م أاؤل ف ه ذه المع اني م ن أراس ي ‪ ،‬ولكنن ي نش ات عليه ا ف ي َك َن ف وال داي ‪ .‬وتفتح ت‬
‫عيناي على أافعالهما ‪ ،‬قبل أان أاق أراها أاقوال ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫معدن المرء يتبين بافعاله ل باقواله؟ وإن قراءة أالف ك ت اب ل تغن ي‬ ‫أ‬
‫‪ -‬ارايت إذن يا قاسم ان ِ‬
‫أ‬

‫شيائ ‪ ،‬إن حوى ال أراس أافكارا َي ْق ُصر الفعل عن تجسيدها حقيقة ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬ياخذ يدها فينهضان معا) سلمى؟‬
‫‪ -‬نعم يا قاسم؟‬
‫‪( -‬يحتضنها) أاشهد هللا أانني أاحبك ك ثيرا يا سلماي ‪.‬‬
‫‪( -‬تهمس وقد أاسندت أراسها إلى صدره) أوانا كذلك ‪ ..‬أاحبك يا قاسم ‪.‬‬
‫*****************‬

‫سبحان هللا ‪..‬‬

‫أاي فرق ذاك بين حب هو كله شهوة وقلق وتوجس وشقاء‬

‫وسالما ‪ ،‬وعلى النفس أا َم َنة وسكينة‬


‫وبين ذاك الذي ينزل على القلب َب َردا َ‬
‫أ‬
‫ذاك الذي ينحدر فيه المرء من سمو اإلنسانية إلى َد ْرك البدائية الولى ‪..‬‬

‫فال يرى إل نزوة طائشة ورغبة جائعة ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪146‬‬

‫وذاك الذي المحب فيه من سمو إلى سمو ومن ِرفعة إلى رفعة‬

‫وبين حليل وحليلة وخليل وخليلة ‪..‬‬

‫نوعان من الحب ‪..‬‬

‫ذاك الذي يزرع َق ْسرا في غير أارضه ‪..‬‬


‫أ أ‬
‫وتلفظه ‪..‬‬
‫فتاباه الرض ِ‬
‫فيفسدها ‪..‬‬ ‫فيها‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ينش‬ ‫و‬ ‫ا‬‫أ‬
‫ِ‬
‫وذاك الذي تتلقفه أارضه بشوق ‪..‬‬

‫وتضمه بحب ‪..‬‬

‫وترعاه بمودة ‪..‬‬

‫وتحوطه برحمة ‪..‬‬

‫فيزهر أازاهير ما أراى مثلها سوى المحبون ‪..‬‬

‫أاؤلئك المحبون ‪..‬‬

‫وبين ذينك الثنين ‪..‬‬

‫ُب ْعد َالمشرقين‬

‫وفارق أا َح ُّد من السيف‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪147‬‬

‫أوادق من الشعرة‬

‫وميثاق غليظ ‪.‬‬

‫****************************‬
‫آ‬
‫‪( -‬تبتس م وه ي ترف ع نظره ا إلي ه) والن ي ا أاس تاذ ‪ ،‬ه ل أازال ت ه ذه الخطب ة َالع ْص َماء م ا ف ي‬
‫واجس؟‬ ‫َ‬
‫نفسك من ه ِ‬
‫‪( -‬يقبلها على وجنتها) كما يزيل مسحوق الغسيل البقع من الثياب!‬
‫‪ -‬إذن إياك أان تعود لذلك وإل لن أاغسلها لك مجددا!‬
‫‪( -‬يض حك) هك ذا إذن! (يض رب جبهت ه بك ف ه كم ن نس ي ش يائ)! نس يت أان أاخب رك ع ن‬
‫أ‬
‫المفاجاة!‬
‫أ‬
‫‪ -‬أاي مفاجاة؟‬
‫‪ -‬لقد دعوتهم للغداء عندنا غدا!‬
‫‪ -‬من؟‬
‫‪ -‬صديقتك وزوجها!‬
‫‪ -‬صفاء ‪ ..‬أواحمد؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪148‬‬

‫خ رج قاس م لص الة ِالعش اء ‪ ،‬وت رك س لمى غارق ة ف ي أافك ار وخ واطر ش تى ‪ .‬عص رت س لمى ك فيه ا‬
‫أ‬
‫الرقيقتين وهي تضغط على شفتيها في غيظ متالم ‪.‬‬

‫أاحمد ‪..‬‬

‫ويلي منك يا أاحمد!‬

‫لماذا؟ لماذا ل تنمحي من وجودي؟‬

‫لماذا تطاردني في كل وقت و حين؟‬

‫دفنت ذكراك ظهر من َي ْن ِب ُشها؟‬


‫لماذا كلما ُ‬

‫غرقت اسمك في أاعماق قلبي عاد ليطفو على السطح من جديد؟‬


‫لماذا كلما أا ُ‬

‫********************‬

‫تقابله؟‬

‫وجها لوجه؟‬

‫أوامام زوجته وزوجها؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪149‬‬
‫ْ‬
‫إن ذلك َلخط ٌب جليل!‬

‫وبالء عظيم!‬

‫قد يحسن هو إخفاء عواطفه‬

‫أاما هي فتماسكها قد يخونها‬

‫وقلقها لربما كشف عن خبيئة نفسها‬

‫*********************‬

‫ولكن كل ذلك يهون أامامه ‪..‬‬

‫قاسم!‬
‫ّ أ‬
‫تصعب المور علي يا قاسم؟‬
‫لماذا ِ‬
‫لماذا تمنحني حبا خالصا ل أاستطيع مبادلتك إياه؟!‬

‫حبك الجارف هذا يشعرني ‪..‬‬

‫أانني ‪..‬‬

‫خائنة!‬

‫أاحقا ُخ ِنته يا سلمى؟!‬

‫ربطت على جرحك النازف بيديك‬


‫قد ِ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪151‬‬

‫استطعت‬
‫ِ‬ ‫تمت أامره ما‬
‫وك ِ‬
‫وعاهدت فبرر ِت بعهدك قدر جهدك‬
‫ِ‬
‫فكيف تكونين خائنة وما تملكينه قد اتقيت هللا فيه‬

‫وما ل تملكينه ‪..‬‬


‫أ‬
‫فانت منه في ِح ّل ‪..‬‬

‫أاليس كذلك يا سلمى؟؟‬

‫***************‬

‫ل م تتمال ك س لمى أان تق اطرت دموعه ا ف ي ُح ْر َق ة ‪ .‬كان ت الحي رة ت دق جوان ب أراس ها ‪ ،‬كم ا ت دق‬
‫ْ آ‬
‫ِالمطرقة ا ِنية َالف َّخار ‪.‬‬

‫لك هللا يا سلمى!‬


‫حبت ُ‬
‫تالحقها دوما ‪ ،‬وهي تحاول جاهدة صرفها ونسيانها ‪.‬‬ ‫كانت ذكرى من أا ْ‬

‫إنن ا ل نس تطيع أان نل وم الم ريض بالس كر عل ى تفكي ره ف ي الحل وى ورغبت ه فيه ا ‪ ،‬ف إن ض بط نفس ه‬
‫ْ‬
‫وشهوته ِل ِعل ِمه بما يترت ب عل ى اتباعه ا م ن َض َرر أافل ح وف از ونف ع نفس ه ‪ .‬وإن اتب ع ش هواته ورغبات ه‬
‫آ‬
‫دون تفكير ‪ ،‬كان اتيا بما ُيالم عليه حينها ‪.‬‬

‫فكذلك الميل القلبي أاو الحب يا سلمى ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪151‬‬

‫إن قلوبن ا ب ين إص بعين م ن أاص ابع ال رحمن يقلبه ا كي ف يش اء ‪ ،‬وق د يمي ل قل ب الواح د من ا إل ى‬
‫شخص أاو مكان أاو شيء ‪ ،‬ول يس المي ل ف ي ح د ذات ه حرام ا م ا ل م يك ن مص روفا إل ى ح رام ‪ ،‬فإنم ا‬
‫تصريف تل ك المش اعر ‪ ،‬ه و ال ذي يس مو بص احبه إل ى الس ماوات الع ال ‪ ،‬أاو يه وي ب ه إل ى مس تنقع‬
‫آ‬
‫اسن ‪.‬‬

‫صبرا يا سلمى!‬

‫صبرا!‬
‫أ‬
‫فإن المودة و الرحمة من الرحمن لك فيلتان بإرساء سفينتك على بر المان‬

‫وإن هللا ل يضيع قلبا يجاهد فيه‬

‫نعم يا سلمى ‪..‬‬

‫إن هللا معك وغير خاذلك‬

‫ويعلم أانك ما َط ْوي ِت قلبك ول َنش ِرته إل على ما يحب ويرضى ‪.‬‬

‫*******************‬

‫سبحانك ربي!‬
‫أ‬
‫قد كنت أاتوخى مكالمة صفاء في أاوقات عمله لتجنب محادثته‬
‫آ‬
‫جنب ِك َل ْينا أالم سماع صوت الخر‬
‫أوا َ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪152‬‬

‫ودقات قلبه‬
‫أ‬
‫فإذا به ياتي وجها لوجه!‬

‫ثم فيم هذا البكاء الحار؟‬

‫أاهي خشية اللقاء؟‬

‫أام حسرة الفراق؟‬

‫أام أالم الوهم؟‬

‫‪.....‬‬

‫ليتني أادري!‬

‫******************‬
‫أ‬
‫ل يا سلمى! انفضي عنك هذه الفكار‬

‫قد مضى الذي كان‬

‫وكان الذي مضى‬


‫آ‬ ‫أ آ‬
‫نت الن فيما هو ا ْت‬
‫وا ِ‬
‫فاجتهدي أان تحسني فيما َبقي‬

‫ول تلفتي لما مضى‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪153‬‬

‫ول تجزعي لما هو بعد في ضمير الغيب‬


‫أ‬
‫للخ ُطوب‬
‫سا َت َج َّلد لمقابلته كما َي َت َج َّلد ُالم ْب َتلى ُ‬

‫أ‬
‫وساجتهد أان أاصرف حديثي كله لصفاء‬
‫أوا َ‬
‫تجنب النظر إليه ما َو ِس َعني!‬

‫*********************‬

‫وجاء اليوم الموعود!‬

‫الساعة تشير إلى الثانية والنصف ظهرا!‬


‫أ‬
‫َف َر َك ْت س لمى َك َّف ْيه ا ف ي ت وتر ‪ ،‬وتاك دت م ن إع داد المائ دة للم رة العاش رة ‪ .‬لق د خ رج قاس م‬
‫لش راء بع ض الحاجي ات ‪ ،‬وتركه ا فريس ة القل ق والت وتر ‪ .‬همس ت س لمى لنفس ها ف ي غ يظ ‪" :‬ليتن ي‬
‫أ‬ ‫ْ‬
‫وافقت على الخروج معه!" ‪ ،‬وعادت َتذ َر ُع الصالة جيئة َوذهابا ‪ ،‬حتى انتزعه ا م ن خواطره ا فج اة‬
‫رنين جرس الهاتف ‪ .‬أاس رعت س لمى لت رد ‪ ،‬ث م َت َس َّمرت أام ام اله اتف ‪ ،‬ونظ رت إلي ه ِبر ِي َب ة! م اذا ل و‬
‫ك ان ه و المتص ل؟ هم ت أان تنص رف ول ت رد ‪ ،‬ولك ن م اذا ل و كان ت ص فاء؟ ربم ا س يغيرون‬
‫الميعاد؟ وبحركة عصبية اتجهت للهاتف ورفعت السماعة بيد مرتجفة ‪..‬‬

‫****************‬
‫أ‬
‫‪ -‬السالم عليكم! منزل الستاذ قاسم عبد الرحمن؟‬
‫****************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪154‬‬

‫لقد كان هو ‪..‬‬

‫أاحمد!‬

‫وقع ما تخشاه!‬

‫سمعت الصوت الذي لطالما كان وقعه كالنغم العذب على أاذنيها ‪..‬‬
‫ْ‬
‫فإذا َالعذب عذاب ‪..‬‬

‫وإذا الصمت عتاب ‪..‬‬

‫وإذا بين القلبين حجاب ‪..‬‬

‫إلهي ‪..‬‬

‫ثبتني!‬

‫***************‬

‫‪( -‬يتناهى لسمعه وقع أانفاس لهثة فيدرك أانها هي ‪ ،‬وإذ ذاك يسكت لحظة ‪ ،‬ث م ي ردف ف ي‬
‫نبرة جاهد أان يجعلها طبيعية) أاعتذر عن اإلزعاج ‪..‬‬
‫‪َ ( -‬ت ِهم أان ترد ولكن لسانها جف في حلقها فال يستجيب) ‪...‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬فقط ‪..‬إنني ‪ ..‬أاردت العتذار عن عدم قبول دعوتكم الكريمة ‪ ،‬لن صفاء متعبة اليوم ‪..‬‬
‫أ‬
‫اسم صديقة عمرها لسانها ُالم ْح َت ِبس) صفاء؟! هل هي بخير؟‬
‫وكانما َح َّرر ُ‬ ‫‪( -‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪155‬‬
‫أ‬
‫‪ُ ( -‬ب ِهت أاحمد أاول المر ‪ ،‬ولم يكن قد سمع صوتها منذ زواجه فغمغم بغير تفكير) سلمى؟!‬
‫‪( -‬س ك تت س لمى ف ي ُو ُج وم وق د َت َو َّرد خ داها ‪ ،‬وتح درت حب ات الع رق الب اردة عل ى جبينه ا‬
‫الملتهب)‬
‫أ‬
‫‪( -‬يستدرك) إنها ‪ ..‬إنها بخير ‪ ،‬لكنها متاعب الحمل الول مع فقر دم شديد ‪ ..‬س تكون بخي ر‬
‫بك ‪ ..‬بكم ‪ ..‬حالما تتحسن ‪ ..‬حالتها ‪..‬‬
‫إن شاء هللا وستتصل ِ‬
‫‪( -‬تسكت طويال بحثا عن الكلمة المناسبة ‪ ،‬ثم تغمغم) ب ‪ ..‬بلغها سالمي ‪ ..‬لو سمحت ‪.‬‬
‫‪ -‬أافعل إن شاء هللا ‪..‬‬
‫****************‬

‫إن كانت إل هنيهة!‬

‫هنيهة واحدة!‬

‫هي من عمر الدهر ل تعني شيائ‬

‫ولكنها في عمر المحبين تعني كل شيء‬

‫إن كانت إل هنيهة!‬

‫َه َّم القلب فيها بالنجوى‬

‫و َر َّق القلب فيها للذكرى‬

‫وإن كانت إل هنيهة‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪156‬‬

‫لول مخافة هللا‬

‫واتباع حياء‬

‫وإكرام زوج‬

‫لكادت أان َت ُهم به ‪..‬‬

‫وإن كانت إل هنيهة‬

‫المتناج َي ْين فيها ل َي ْخ ُل َوان‬ ‫ن‬‫ا‬‫لول أ‬


‫ِ‬
‫إل كان الرقيب ثالثهما‬

‫رباط مقدس‬
‫ولول ٍ‬

‫حل له أاخرى غيرها‬


‫أا َّ‬

‫َّ‬
‫وحرمها عليه‬

‫لكاد أان َي ِهم بها!‬

‫********************‬

‫‪( -‬يسارع لقطع الصمت) أاعتذر عن اإلزعاج ‪ ،‬وشكرا على الدعوة ‪ .‬في أامان هللا ‪..‬‬
‫‪ ... -‬في ‪ ..‬أامان هللا ‪..‬‬
‫***********************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪157‬‬

‫وضعت سلمى سماعة الهاتف ‪ ،‬أواغرقت وجهها في وسادة قريبة ‪ ،‬وانفجرت تبكي!‬

‫وتبكي!‬

‫وتبكي!‬
‫َ‬
‫شعرت بكل ذ َّر ِ‬
‫ات التوتر تغادرها مع دموعها المتفجرة من عينيها‬

‫َشد َّما أاراحها اعتذاره عن عدم الحضور!‬

‫وشد ما أاشقاها سماع صوته بعد أان قاربت على نسيانه‬


‫آ‬
‫وس َّرها أواقلقها في ان معا أان حبها‬
‫َ‬

‫لم يزل على قلبه سلطانا‬

‫نحى إلى أاجل غير مسمى‪..‬‬


‫وإن َت َّ‬

‫ومن أاعمق أاعماقها دعت سلمى هللا مخلصة أان يعينها‬

‫على حفظ قدسية الحب و طهارته كما َغ َرسه في قلبها‬

‫ويحميها من الوحول التي تدنسه باسمه‬

‫وليست منه في شيء‪.‬‬

‫وما مضت بضع دقائق ‪..‬‬

‫حتى كانت قد استردت هدوئها ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪158‬‬

‫فقامت ‪..‬‬

‫لتتزين لزوجها ‪.‬‬

‫**********************‬

‫يسمي هللا ‪ ،‬وقد حمل في يدي ه علب ة ش يكولتة كبي رة عل ى ش كل قل ب‪،‬‬ ‫دخل قاسم المنزل وهو ّ‬
‫وباق ة ورد حم راء ‪ .‬ابتس م لنفس ه وه و يتخي ل وق ع الهدي ة عل ى س لمى ‪ ،‬وه و ال ذي أاوهمه ا أان ه‬
‫سيش تري حاجي ات للض يوف الق ادمين! ابتس م وه و يغمغ م لنفس ه " أان ت عبق ري ي ا قاس م!" مش ى‬
‫آ‬
‫وهم أان يفاجئها لول أان ما راه َس َّم َره في مكانه!‬
‫على أاطراف أاصابعه بهدوء نحو الصالة الكبيرة ‪َّ ،‬‬

‫وقف قاسم مشدوها يحدق في ذلك المالك ‪..‬‬

‫كانت سلمى واقفة ترتدي ثوب العروس ‪..‬‬


‫أ‬
‫وقد انسدل شعرها السود الناعم فبدا كوسادة حريرية ‪..‬‬

‫استندت إليها أراسها ‪..‬‬


‫وزادها نورا و ً‬
‫بهاء‬

‫ابتسامتها الصافية‪..‬‬

‫الصادقة ‪..‬‬

‫الوفية ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪159‬‬
‫أ‬
‫غمغم قاسم ماخوذا ‪:‬‬

‫‪ -‬سلمى!‬
‫‪( -‬تبتسم في حياء)‬
‫‪( -‬يقت رب منه ا) تب ارك ال رحمن! تب ارك هللا أاحس ن الخ القين! (يتطل ع لله دايا ف ي ي ده ‪ ،‬ث م‬
‫أ‬
‫يتطلع لسلمى ‪ ،‬فيرم ي الباق ة والعلب ة عل ى مقع د قري ب) لق د أاطف ا ن ورك بري ق تل ك اله دايا‬
‫المغلفة!‬
‫‪( -‬تحتضنه في سعادة) إنما النور منك أانت يا زوجي الحبيب!‬
‫‪( -‬بعد لحظات صمت جميل) ولكن كيف ستقابلين الضيوف هكذا؟‬
‫‪( -‬ترفع إليه عينيها الواسعتين وتبتسم مسرورة) لقد اعتذروا ‪.‬‬
‫‪ -‬لن يحضروا إذن؟‬
‫‪( -‬تومئ ب أراسها)‬
‫‪ -‬خسارة! (ينظر إليها متعجبا) أاراك منشرحة لهذا!!‬
‫‪( -‬تضحك وهي تدير له ظهرها) إنما أانا منشرحة لوجود الضيف الذي انتظرته بفارغ الصبر!‬
‫‪( -‬ينظر حوله دون أان َي ْف ِطن لمرماها) ومن هو؟‬
‫‪ -‬إنه ضيف عزيز!‬
‫‪.. -‬‬
‫‪ -‬كنت أاعرفه منذ زمن!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪161‬‬

‫‪( -‬مستنكرا) تعرفينه؟‬


‫‪ -‬أوا ُ‬
‫حببته يوما ما!‬
‫‪ -‬سلمى!‬
‫‪ -‬واك تشفت أانني لزلت أاحبه فدعوته للحضور!‬
‫‪( -‬تكاد الغيرة تقتله) وهللا ل َه ِ ّش َمن أراسه لو َو ِط َئت قدماه بيتي!‬
‫‪( -‬تضحك من قلبها) إنه هنا بالفعل!‬
‫‪( -‬مستنكرا) هنا؟ أاين؟ أاين هو؟! (يلتفت حوله)‬
‫‪( -‬تبتسم وتنظر إليه) انظر خلفك تجده!‬
‫آ‬
‫‪( -‬يلتف ت فيق ع بص ره عل ى انعك اس ص ورته ف ي الم راة المعلق ة خلف ه ‪ ،‬ف يفطن لحيلته ا ‪،‬‬
‫آ‬
‫الص َع َداء) الن فهمت! سامحك هللا يا سلمى! كدت تقتلينني َك َمدا!‬
‫ويتنفس ُّ‬

‫‪( -‬تضحك) أوانت الذي كنت فخورا بعبقريتك منذ دقائق!‬


‫أ‬
‫‪ -‬هكذا إذن! ساريك من العبقري فينا!‬
‫********************‬

‫وغلفت حنايا المنزل ضحكات صافية‬

‫وخال الحليالن لبعضهما‬

‫وعين الرقيب تظللهما‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪161‬‬

‫ورباط الحالل المقدس‬

‫يسبغ عليهما سكينة َوا َمنا‬

‫ومودة ورحمة‬

‫ل ينعم بهم‬

‫إل قلبان مثلهما‬

‫جمع بينهما‬

‫تاج الحالل‬

‫ورباط مقدس‬

‫وميثاق غليظ ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪162‬‬

‫أ‬ ‫أ‬
‫وقف قاسم يتامل المائدة المعدة بكل عناية ‪ ،‬وبدا عليه شيء من السف وهو يقول لسلمى ‪:‬‬

‫عددت يا سلماي!‬ ‫أ‬ ‫أ‬


‫‪ -‬كم من اصناف ا ِ‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫‪ -‬والن ماذا نفعل بكل هذا؟ هذا طعام يومين على القل!‬

‫‪( -‬يحك ذقنه بيديه مفكرا) ‪...‬‬

‫‪ -‬ما أرايك لو نرسل بعضا منه لجارنا المسن؟‬


‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬يهز راسه نفيا) لقد مررت عليه عند خروجي لرى إن كان يحتاج اغراضا من السوق ‪ ،‬لكنه خرج‬
‫أ‬
‫مع أاولده أواحفاده في زيارتهم السبوعية له ‪.‬‬
‫آ‬
‫‪ -‬هكذا إذن ‪ .‬ما العمل الن؟‬

‫‪ -‬خطرت لي فكرة!‬

‫‪ -‬فكرة عبقرية أاخرى؟!‬

‫‪( -‬يبتسم لدعابتها) عبقرية وخيرية!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪163‬‬

‫‪ -‬وما ذاك؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬نغلف الفائض كله ‪ ،‬ونذهب به إلى إحدى ُدور اليتام ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تتامل الطعام كانما تزن المر في أراسها) فكرة رائعة حقا ‪ ،‬لكن أاتعرف دارا معينا؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬ساتصل بالدليل ‪ ،‬أاو نبحث على النترنت عن ُّالدور في ِمنطقتنا ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬في حماسة) عظيم ‪َ ،‬ت َو َّل أانت البحث ‪ ،‬أوانا ساغلف الطباق في الحال ‪( .‬تتوجه من فورها‬
‫إلى المطبخ إلحضار أاوراق التغليف)‬

‫‪( -‬مندهشا) أالن نتناول نحن َالغداء أاول؟‬

‫‪( -‬تلتفت إليه) أال تستطيع الصبر حتى ننهي هذا؟‬

‫‪ -‬بلى ‪ ،‬ولكن فيم العجلة؟‬

‫‪( -‬تبتسم) ذكرت مقولة ق أراتها لبن المقفع!‬

‫‪ -‬ابن المقفع؟ صاحب ك تاب "كليلة ِودمنة"؟‬

‫‪( -‬تتسع ابتسامتها) بلى ‪ ،‬هو ذاك ‪.‬‬

‫‪ -‬وما المقولة؟‬
‫فس ّوف هواك لعلك َت َ‬ ‫‪ " -‬إذا هممت بخير فبادر هواك ل َ‬
‫ظفر"‬ ‫يغلبك ‪ ،‬وإذا هممت بشر َ ِ‬
‫‪( -‬يردد المقولة في إعجاب ‪ ،‬ثم يعلق) حسنا ‪ ،‬لقد اقتنعت ‪ .‬هيا! فلنبادر إذن ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪164‬‬
‫أ‬
‫وما مضت نصف الساعة ‪ ،‬حتى كان قاسم وسلمى راكبين في سيارة عامرة باصناف‬
‫أ‬ ‫َّ‬
‫الطعام ‪ ،‬في طريقهما لدار أايتام قريبة ‪َ ،‬دلهم عليها دليل الهاتف ‪ .‬ولم تدر سلمى بايها تسعد ‪:‬‬
‫بإلغاء الزيارة الثقيلة على قلبها ‪ ،‬أاو بزوجها المسارع في الخير ‪ ،‬أاو بالثواب الجزيل الذي‬
‫أ‬
‫ستشاركه فيه ‪ .‬وإذ ذاك ‪ ،‬خطر لها قول هللا تعالى ‪ ،‬كانما هو رد على خواطرها ‪" :‬قل بفضل هللا‬
‫وبرحمته ‪ ،‬فبذلك فليفرحوا ‪ ،‬هو خير مما يجمعون" ‪.‬‬

‫********************‬

‫نك تريدين المغادرة يا أاماه؟‬ ‫أ‬ ‫أأ‬


‫‪ -‬اانت واثقة ا ِ‬
‫‪( -‬تومئ ب أراسها وهي ترتب حقيبتها) تمام الثقة يا بني ‪ ،‬لقد تحسنت حال صفاء ك ثيرا بحمد هللا ‪،‬‬
‫ثم إنني أاثقلت عليك بوجودي َوت ُرددي بين غرفتي وغرفة صفاء ‪ ،‬حتى َ‬
‫صرت تنام في الصالة!‬

‫‪ -‬على العكس يا أاماه ‪ ،‬لقد كان وجودك عونا لكلينا فجزاك هللا عنا خيرا ‪ .‬أارجو حقا لو تبقين‬
‫معنا مدة أاطول‪.‬‬

‫‪ -‬ينبغي علي أان َافي بوعدي لجارتنا ‪ ،‬لقد وعدتها أان أاساعدها في تطريز ثوب زفاف ابنتها حالما‬
‫تتحسن صفاء ‪ ،‬وها هي ذي صفاء قد تعافت بحمد هللا ‪.‬‬
‫أ‬
‫نت معنا يا أاماه فانا حاضر‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬
‫حببت ان ارسل من يعينها وتبقي ا ِ‬
‫أ‬
‫‪ -‬إن ا ِ‬
‫‪( -‬تنظر إليه ممتنة) إنك دوما حاضر يا ولدي فجزاك هللا عنا خيرا ‪ .‬ولكن ل يساعد الجارة مثل‬
‫جارتها ‪ ،‬ثم إنني أاحتسب مساعدتي لها من شكر النعمة ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪165‬‬

‫‪ -‬شكر النعمة؟‬

‫‪( -‬مبتسمة وهي ترتب ثيابها) أان هللا أانعم علينا بزوج حنون كريم ذي خلق مثلك يا ولدي ‪ ،‬أوان‬
‫هللا ّ‬
‫من على صفاء بالشفاء ‪.‬‬

‫ابتسم أاحمد لوالدة صفاء التي انشغلت بجمع حاجياتها استعدادا للمغادرة ‪ ،‬ثم ذهب‬
‫أ‬
‫ينتظرها في الصالة ‪ ،‬أوالقى بجسده على إحدى الرائك في تهالك ‪ .‬لقد كان أاسبوعا َع ِصيبا مرضت‬
‫فيه صفاء ‪ ،‬حتى اضطرت أامها لإلقامة معهم للعناية بشؤونها ‪ ،‬خاصة أوان أاحمد قد طلب‬
‫ِإجازات ك ثيرة من قبل للعناية بها ‪ ،‬ولم يعد بإمكانه طلب المزيد ‪.‬‬
‫أ‬
‫هلل َد ُّرها أام صفاء! ل تفتا تسارع في عمل الخير حيثما وجدت لذلك سبيال ‪ .‬لطالما قصت‬
‫حت عيناها على الدنيا لترى والدتها – رغم فقرهم – ل ترد سائال أاو محتاجا ‪.‬‬
‫تفت ْ‬
‫عليه صفاء كيف َّ‬
‫أ‬
‫مك ُنها من إجابة محتاج إل أاجابته بما‬
‫المسالة والحاجة ‪ ،‬فعاهدت هللا ل ُي ّ‬
‫ِ‬ ‫لقد جربت ُ‬
‫والدتها ذل‬
‫استطاعت قل أاو ك ثر‪.‬‬

‫أاغمض أاحمد عينيه في إرهاق‬

‫ورجعت به ذاكرته إلى بضعة شهور َخ َل ْت ‪..‬‬

‫***************‬

‫" أاحمد ‪ ..‬ستصير أابا ‪ ،‬ستصير أابا"‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪166‬‬

‫بهذه العبارة استقبلته صفاء َغداة أاحد أايام عودته من عمله ‪ ،‬وهي تتقافز حوله وتصفق‬
‫بيديها في َج َذل ‪ ،‬كعادتها كلما َ‬
‫است َخ َّفها خبر سعيد ‪ .‬وكعادتها كذلك ‪ ،‬راحت صفاء تتكلم عن‬
‫أ‬
‫خططها وتصوراتها ‪ ،‬دون أان تنتبه لحمد الذي تجمد في مكانه ك تمثال من العاج! في تلك‬
‫الليلة ‪ ،‬لم يجد النوم إلى عينيه سبيال ‪.‬‬
‫أ‬
‫فحتى تلك اللحظة التي ُز َّف فيها إليه النبا الذي ينتظره كل زوج وكل زوجة ‪ ،‬كان أاحمد‬
‫َ‬
‫يشعر أانه يعيش حلما ‪ .‬كان حلما جميال ‪ ،‬ولكنه كان فيه كالنائم يسير في نومه ‪ ،‬يستشعر ل َّذة‬
‫أ‬
‫الح ُلم وهو في حقيقة المر ل َي ِعي شيائ منه ‪ .‬نعم ‪ ،‬كان يشعر أانه يعيش حلما سيفيق منه يوما‬ ‫ُ‬
‫ما ‪ ،‬على الوجه الذي تمنى ك ثيرا أان يستيقظ ليراه َما ِثال أامامه ‪ .‬لقد َش َرخ زواج سلمى من قاسم‬
‫ذلك الحلم ‪ ،‬لكنه لم َي ْك ِس ْره ‪ .‬أاما تلك العبارة ‪َ ،‬فه َّش َم ْته تهشيما ‪َ ،‬ون َثرت َشظاياه في جوانب‬
‫ويس ُقط في أاعماقه ُم َض َّر ً‬
‫جا بدمائه!‬ ‫ينزف من كل جانب ‪ْ ،‬‬ ‫قلبه ‪ ،‬فإذا به ِ‬
‫"ستصير أابا يا أاحمد"‬

‫"ستصير أابا يا أاحمد"‬

‫"ستصير أابا يا أاحمد"‬

‫************************‬
‫أ‬
‫فتح أاحمد عينيه َب ْغ َتة عندما سمع َح ِفيف ثوب على الرض ‪ ،‬وظهرت والدة صفاء وقد ارتدت‬
‫عباءتها وحملت حقيبتها ‪ .‬تناول أاحمد مفاتيح سيارته ونهض قائال ‪:‬‬

‫‪ -‬تفضلي يا أاماه‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪167‬‬

‫‪ -‬إلى أاين يا بني؟‬

‫‪( -‬مندهشا) ل ِوص ُلك إلى منزلك بالطبع ‪.‬‬

‫‪ -‬أال تظل مع صفاء يا بني؟‬


‫أ‬
‫‪ -‬هي نائمة على كل حال ‪ ،‬ولن نتاخر بإذن هللا ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫‪ -‬ل يا بني ‪َ ،‬‬
‫ابق معها وجزاك هللا خيرا ‪ .‬ل تقلقا بشاني ‪ ،‬ساكون بخير بعون هللا ‪.‬‬

‫‪( -‬مترددا) ولكن صفاء قد تتضايق لو ترك تك تذهبين وحدك يا أامي ‪.‬‬
‫أ‬
‫قلت لها إنني ساغضب منها لو تضايقت منك ‪ ،‬أاو ضايقتك‬ ‫‪( -‬تنظر له في حنان) لن َ‬
‫تفعل ‪ ،‬لو َ‬
‫يا ولدي!‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫وصلك إلى باب‬ ‫كنت ُم ِص َّرة يا اماه فانتظريني ‪ ،‬ساطلب سيارة ا ْجرة ُلت ِ‬
‫‪( -‬يبتسم) حسنا إذا ِ‬
‫المنزل ‪( .‬يتجه من فوره إلى الهاتف ‪ ،‬ويطلب سيارة أاجرة ‪ ،‬ووالدة صفاء تنظر له في ِإ ْك َبار شاكر)‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ون دقائق يا أام اه ‪ ،‬ساخرج معك لحمل عنك‬ ‫ُ ُ‬
‫‪( -‬يضع السماعة) ستصل السيارة في غض ِ‬
‫الحقيبة ‪.‬‬

‫**************************‬

‫ر ّن جرس الهاتف طويال في منزل أاحمد قبل أان تفتح صفاء عينيها في تثاقل ‪ ،‬ثم ترفع سماعة‬
‫ناعس ‪:‬‬
‫الهاتف بجانبها وتقول في صوت ِ‬
‫‪ -‬السالم عليكم‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪168‬‬

‫‪ -‬صفاء؟‬

‫‪( -‬يبعث صوت صديقتها فيها شيائ من النشاط) سلمى؟! سلمى! اشتقت إليك يا سلمى ‪ ،‬اشتقت‬
‫إليك ك ثيرا ‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪ -‬أوانا أاك ثر يا حبيبتي ‪ .‬كيف حالك؟ هل تحسنت صحتك؟ صوتك ل يزال متعبا ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬لقد صرت أافضل بحمد هللا ‪ .‬سامحيني يا سلمى على عدم إجابة دعوتكم بالمس ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬ل تعتذري يا صفاء ‪ ،‬بل انا من تعتذر لتقصيرها ِ‬
‫معك ‪.‬‬

‫رسلتها إلي تقولين إنك مقصرة؟ إنني لزلت أا ُشم َعبيرها في‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬ا َب ْع َد باقة الورد الضخمة التي ا ِ‬
‫الغرفة ‪ ،‬أاشكرك من كل قلبي يا سلمى‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬هذا أاقل القليل لجلك يا صفائي العزيزة ‪ ،‬ولجل الطفل العزيز كذلك! (تضحكان) كيف حاله‬
‫آ‬
‫الن؟‬

‫يكبر باستمرار! (يدق جرس الباب فتغمغم) لقد عاد أاحمد!‬


‫‪( -‬تضع يدها على بطنها المنتفخ) إنه ُ‬
‫أ‬
‫‪ -‬حسنا إذن ‪ ،‬ساعاود التصال لحقا‪.‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬بل أانا ساحادثك بعد قليل إن شاء هللا ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬سانتظرك إذن ‪ ،‬في حفظ هللا تعالى ‪.‬‬

‫‪ -‬في حفظ هللا ‪ ،‬مع السالمة ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪169‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬يطرق الباب طرقا خفيفا ‪ ،‬ثم يدخل وصفاء تضع السماعة) ا ِ‬
‫كنت تتحدثين في الهاتف يا‬
‫صفاء؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬كانت سلمى تطمان علي ‪.‬‬
‫آ‬
‫‪( -‬يتجاهل السم ويجلس إلى جانب زوجته) وكيف تشعرين الن يا صفاء؟‬

‫‪ -‬قوية كالحصان بحمد هللا!‬


‫أ‬
‫‪( -‬يتامل وجهها الشاحب ‪ ،‬فيمازحها) لعلك تعنين ُالم ْهر الوليد!‬

‫تبدا معي حروبك ُّالل َغ ِوية يا أاحمد ‪ ،‬أايا كان ما‬


‫‪( -‬تسند أراسها إلى الوسادة في إرهاق) أارجوك! ل أ‬
‫ِ‬
‫تقوله فهو الصواب ‪.‬‬

‫‪( -‬يضحك)‬

‫‪( -‬تبتسم) الحمد هلل إذ استطعت إضحاكك ‪ ،‬لقد مر أاسبوع ظننت فيه من شدة عبوسك ‪ ،‬أانك‬
‫ل تضحك بعدها أابدا‪.‬‬

‫عليك ‪.‬‬ ‫قلقا‬ ‫كنت‬ ‫إنما‬ ‫‪،‬‬ ‫صفاء‬ ‫يا‬ ‫عابسا‬ ‫كن‬‫ا‬‫‪( -‬في عتاب رقيق) أانا عابس؟! لم أ‬
‫ِ‬
‫علي أام عليه؟‬
‫‪( -‬تضع يدها على بطنها المتكور) ّ‬

‫عليك أانت يا صفاء!‬


‫‪( -‬ينظر لها مبتسما) بل ِ‬
‫‪( -‬في سعادة) حقا يا أاحمد؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪171‬‬
‫آ‬ ‫أ أ‬ ‫أ‬
‫نت التي في يدي الن ‪ ،‬وعصفور في اليد خير من َع َش ٍرة‬
‫‪( -‬مبتسما) بالتاكيد يا صفاء ‪ ،‬لنك ا ِ‬
‫على الشجرة!‬
‫َ‬
‫‪( -‬تدير له ظهرها وتضع ِالم َخ َّدة فوق أراسها) يال ِمزاحك الثقيل!‬

‫‪( -‬ينهض ضاحكا) لقد اشتريت عصيرا طازجا اليوم ‪ ،‬ستشعرين بالنشاط حين تشربينه ‪ .‬دقائق‬
‫أواعود ‪.‬‬

‫‪( -‬ترفع المخدة من على أراسها) أاحمد؟‬

‫‪( -‬يدير لها وجهه) نعم يا صفاء؟‬

‫‪ -‬أاحقا تحبني يا أاحمد؟‬

‫‪( -‬يلتفت إليها بجسده كله) أاتشكين في ذلك يا صفاء؟‬

‫‪ -‬ل ‪ ،‬ولكن ‪(..‬تسكت في تردد)‬

‫‪( -‬يعود فيجلس إلى جانبها ويربت على شعرها في حنان) أاضايقك مني شئ يا صفاء؟‬

‫‪ -‬ل يا أاحمد ‪ ،‬ولكنك ‪ ..‬نادرا ما تقولها مباشرة!‬

‫‪( -‬ينظر إليها مندهشا ‪ ،‬ثم يبتسم وينحني ليهمس في أاذنها)‬

‫‪( -‬تبتسم وتقبله في سعادة)‬

‫(يبتسم لها ابتسامة حنونا ‪ ،‬ثم ينهض ويخرج من الغرفة متوجها إلى المطبخ)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪171‬‬

‫أاخرج أاحمد علبة العصير من الثالجة ووقف يصب بعضا منه في كوب ‪ ،‬والخواطر َت ُص ُّب في‬
‫أراسه َص َّبا ‪.‬‬

‫" أاتحبني يا أاحمد؟"‬

‫َرَّنت عبارة صفاء في أاذنيه مرات عديدة ‪ ،‬ومع كل رنة كان شعور الذنب يتضاعف في داخله ‪ .‬لقد‬
‫أ‬
‫كان يحسب أا ّن من كانت في بساطة صفاء ليس لها أان تسال مثل ذلك السؤال "العميق" ‪..‬‬

‫لم يخطر بباله قط أانها قد تفكر في ذلك السؤال ‪..‬‬

‫***********************‬

‫أاحقا صفاء "بسيطة" كما يراها؟‬

‫لقد انتبه لتوه ‪ ،‬أانه هو لم يفكر في صفاء بصورة أاعمق من زوجة فرضت عليه ‪َ ،‬فو َجب‬
‫عليه إسعادها ومعاشرتها بالمعروف ‪ .‬لكنه لم يفكر فيها كشريكة تعيش معه وتمتزج ب ِكيانه ‪،‬‬
‫فيصيران ِكيانا واحدا يتقلب في َا ْع َطاف المودة ‪ ،‬أواكناف الرحمة ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫وعاد بذاكرته إلى اليام التي سبقت مرض صفاء ‪ ،‬وكيف ذهبا لنتقاء حاجيات الطفال‬
‫وإعداد غرفة للقادم ُالم ْرَت َق ْب ‪ .‬لقد كانت تلك الغرفة الصغيرة هي أاول شئ أاعداه معا ‪ ،‬وحدهما ‪.‬‬
‫فالمنزل كان من تنسيق والدته أواخواته ‪ ،‬وبيت والدة صفاء كان باختيار صفاء أوامها ‪ .‬أاما هو‬
‫أ‬
‫وهي ‪ ،‬فقد بنيا معا قصر َص ِغ ِير ِهما وحدهما ‪ ،‬بنياه بتوافق لربما قل أان يتوافر ‪ ،‬لو كان لحدهما‬
‫شخصية " أاقوى" فتطغى ‪ .‬بل إنه ليشعر أان كليهما كان وقتها شخصا واحدا يصنع القرار ‪ .‬فكلما‬
‫أرات صفاء شيائ أاعجبها ‪ ،‬كانت على الفور تلتفت إليه بنظرتها المترددة ‪ ،‬فإن وجدت في عينيه‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪172‬‬
‫الظ ْف ُر أوايم هللا! وإن وجدت عنده شيائ من التردد يماثل ما عندها ‪َ ،‬ت َ‬
‫ساق َط‬ ‫استحسانا فهو َّ‬

‫اإلعجاب من عينيها َكو َرقة َخريف ‪ .‬وكذلك ما َب ِر َحت َت َت َّبع َن َظراته هو أاينما ذهبا ‪ ،‬فمتى ما أرات في‬
‫وح ِم َّية مناصرة ‪ ،‬ومتى ما وجدت غير ذلك‬ ‫عينيه بادرة إعجاب سارعت تبدي إعجابا متحمسا َ‬
‫أ‬
‫َق َنعت بما َظ ِفرت به واك تفت ‪ .‬كانت تقيس جودة الشياء بعينيه ‪ ،‬فكان لها قائد َّالد َّفة بال‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الح َسن حسن لن أاحمد يستحسنه ‪ ،‬والقبيح قبيح لن أاحمد َي ْس َت ْق ِبحه!‬ ‫ُمنازع‪ ،‬و َ‬
‫ِ‬
‫أ‬
‫ابتسم أاحمد لنفسه وهو يتفكر في مدى ثقة صفاء به ‪ .‬بل إنها تذهب لبعد من ذلك ‪،‬‬
‫بالك ِّل َية يقودها كيف يشاء ‪ ،‬وهي مطمئنة إلى أانه ل يقودها إل لخير‪ .‬وإنه إذ‬ ‫لتسليم ز َمامها ل ه ُ‬
‫ِ‬
‫آ‬
‫يتفهم الن تلك الروح الكبيرة ‪ ،‬يدرك كم كان مخطائ إذ يراها َت َب ِع َّية َت ُنبع من بساطتها ‪ .‬بل إنه‬
‫لم ينتبه َقبال إلى مدى اعتزازه بثقتها تلك ‪ ،‬وشئ من الزهو يتسلل إليه ‪ ،‬أان يكون القائد‬
‫الموثوق به ‪ ،‬كل الثقة ‪ .‬فلم تكن به حاجة لتذكيرها بدوره إذا كانت هي تقيمه له ‪ ،‬ول كان له‬
‫أ‬
‫أان "يفرض" أرايه طالما لم تستاثر بالساحة دونه ‪ ،‬بل كان يرى ُالمروءة في أان يتنازل لها بدوره ‪،‬‬
‫حتى ينتهي بهما المطاف ْ‬
‫واقفين معا فيها ‪ ،‬في ساحة صنع القرار ‪ .‬ولعل رفقه الدائم بها لم يكن‬
‫نابعا فقط من شخصه ‪ ،‬بل من رفقها هي معه ‪ ،‬فما تزداد هي رقة بين يديه حتى يلين هو أاك ثر‬
‫َ‬
‫ِلئال َي ِ‬
‫كسرها ‪.‬‬

‫وكذلكم كان بناء ذلك القصر الجميل‬

‫وما َج َّم َله في عينيه‬

‫إل تفكره في تلك اللمسات‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪173‬‬

‫التي ك ثيرا ما نغفلها في ِغ َمار أاعباء الحياة‬

‫ثم نتعجب حين ل نجد للحياة معنى بعدها!‬


‫آ‬
‫وإنه إذ يتفكر الن في كل ذلك ‪ ،‬يدرك لماذا همس في أاذنها بحبها‬

‫دون أان يكون كاذبا في ذلك ‪.‬‬

‫********************‬

‫سبحانك ربي!‬
‫آ‬
‫أاي كلمة تلك المكونة من حرفين ومع ذلك عليها مدار الحياة الدنيا والخرة؟‬

‫ما هي تلك القوة العظمى التي نسميها "الحب"؟‬

‫أاهي نظرة فابتسامة فسالم فكالم فموعد فلقاء؟‬

‫تمايل مع ِرياح ُاله َيام َوت َق ُّلب في أاكناف الغرام؟‬


‫أاهي ُ‬
‫آ‬ ‫أاهي َخا ِئنة أالعين؟ أام ُم ْخ َت َل ُ‬
‫سات ُالق َبل تحت ُج ْ‬
‫ظالم الثام؟‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬ ‫الظالم‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫ن‬

‫يب َاله َوى وطيش َّالن ْز َوة؟‬ ‫أاهذه قوة الحب حقا؟ أام حرارة َّ‬
‫الش ْه َوة وله ُ‬
‫ِ‬
‫***********************‬

‫أام قوة الحب هي قوة الخير والبر والتقوى واإلحسان؟‬

‫هي قوة العفو في مواجهة اإلساءة ‪ ،‬ابتغاء وجه ذي الجالل و اإلكرام‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪174‬‬
‫أ‬
‫هي قوة الصبر في وجه ُالم ْغ َر َيات و الهواء رجاء النعيم الذي ل يزول‬
‫أ‬
‫هي قوة المودة والرحمة حين َت ْع ِصف النانية والذاتية َبم ْر َكب الشريكين‬

‫هي قوة العدل في الغضب و الرضا‬

‫هي قوة الشكر حين العطاء ‪ ،‬والصبر حين المنع‬


‫آ‬
‫هي القوة التي بها يحتمل المؤمن سجن الدنيا ‪ ،‬ويحيا بها في جنة الخرة‬
‫َ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫هي قوة تسمو فوق ُحظوظ النفس ‪ ،‬وتقلبات الهوى ‪ ،‬وخ ِ‬
‫طاطيف الفتن‬

‫هي قوة تجمعت في حرفين ‪..‬‬

‫من أاخذهما بحقهما فاز وظفر‪..‬‬

‫ومن فعل غير ذلك‪..‬‬

‫يلوم َّن إل نفسه ‪.‬‬


‫فال َ‬

‫**************‬

‫كال!‬

‫ما كذب حين قال إنه يحبها ‪ .‬صحيح أانه لم يجد فيها ما ُي ِّنفره منها ُوي َب ِّغ ُضها إليه ‪ .‬ولكن ما الذي‬
‫يمنع أان يكون لها محبا؟ فالحب قوة أاعظم من أان ُت ْق َصر على شخص واحد ‪ ،‬والقلب أاكبر من أان‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪175‬‬

‫يحتله فرد واحد ‪ .‬قد تتنوع درجات الحب ومنازل القلب ‪ ،‬لكنها ل تتوحد إل حين تكون هلل ‪،‬‬
‫وهللا وهبنا مضغة لو َت َع َّهدناها َوف ِه ْمنا ُك ْنهها ‪ ،‬لوجدنا خيرا ك ثيرا ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫لم تكن صفاء حبه الول ‪ ،‬ولكن ما يمنعها أان تكون الثاني؟ وإن كان الحب الول أاو‬
‫الثاني أاو حتى العاشر ‪ ،‬فكله سيسمى حبا! لكن حبا واحدا ‪ ،‬حبا واحدا فقط سكيتب له الخروج‬
‫من سويداء القلب إلى نور الحياة ‪َ ،‬م ْصحوبا ببركة الرحمن َوم ْش ُفوعا بسكينة ‪ ،‬لن يستشعرها إل‬
‫ْ‬
‫إن كان َخل َق ًا َس ِو َّيا ‪.‬‬

‫*****************‬

‫أافاق أاحمد من خواطره على صوت الساعة تدق معلنة الرابعة عصرا ‪ ،‬فحمل الكوب في‬
‫أ‬
‫وهدا تالطم المواج في أاعماقه َه ْو ًنا‬
‫صينية ‪ ،‬واتجه إلى غرفة صفاء ‪ ،‬وقد استقر البحر الهائج ‪ ،‬أ‬

‫ما ‪ .‬طرق باب الغرفة في هدوء ‪ ،‬ولما دخل ‪ ،‬أالفى صفاء قد راحت في نوم عميق من جديد ‪.‬‬
‫وضع أاحمد الصينية بهدوء فوق المنضدة الصغيرة في الغرفة ‪ ،‬أواسدل الستائر ‪ ،‬ثم أالقى نظرة‬
‫طويلة على صفاء ‪ ،‬أواخيرا خرج من الغرفة أواغلق بابها بحذر لئال يوقظها ‪.‬‬

‫***************‬

‫كانت الساعة تشير إلى الحادية َع ْشرة ليال حين أانهى أاحمد تصحيح أاور ِاق طالبه ‪،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫فتثاءب في إرهاق ‪ ،‬وراح ُي َن ِ ّسق الوراق وفق ترتيب الدرجات ‪ ،‬ويتاكد من إعداد ُشروح دروس‬
‫أ‬
‫السبوع الجديد ‪ .‬وبينما هو يرتب أاوراقه ‪ ،‬استوقفته كراسة إجابة مدفونة بين أاوراق قديمة ‪ .‬لم‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪176‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫يكن في الكراسة ما يشد انتباهه ‪ ،‬سوى أانها برزت فجاة ‪ ،‬كانما تدعوه لتناولها َوف ِتحها‪،‬‬
‫فاستجاب لدعوتها وتناولها ‪ .‬وعلى الغالف ق أرا اسم الطالبة ‪:‬‬

‫"سلمى عادل بهاء الدين"!‬

‫َت َس َّمر أاحمد عندما وقعت عيناه على السم ‪ ،‬وراح يقلب صفحات الكراسة بال وعي ‪ .‬غير أانه‬
‫توقف عن التقليب حينما لمح أابيات شعر اقتبستها سلمى من الرواية التي كانت تحللها ‪:‬‬
‫أ‬
‫" المس ليس إل حلما‬

‫والغد ليس إل خيال‬

‫أاما اليوم إذا ِعشناه كما ينبغي‬


‫أ‬
‫فإنه يجعل من المس حلما سعيدا‬
‫أ‬
‫ويجعل من الغد خيال حافال بالمل ‪" ...‬‬

‫***************‬
‫أاطبق أاحمد الكراسة فور قراءته لهذه أالبيات ‪ ،‬وقلبه يدق بعنف ‪ُ .‬‬
‫وخ ِّي َل إليه أانه سمع صوت‬
‫أ‬
‫سلمى يق أرا له البيات ‪ ،‬أاو أانه أراى َط ْيفها في الغرفة التي َك َّل َلها الظالم ‪ ،‬إل من نور مصباحه‬
‫الضئيل ‪ .‬لم يشعر أاحمد بنفسه إل وهو ينهض ‪ ،‬والكراسة في يده ‪ ،‬متوجها إلى المطبخ ‪ .‬وهناك‬
‫أ‬
‫بحث عن علبة كبريت حتى وجدها ‪ ،‬فاخذ عود ثقاب ‪ ،‬وبيد مرتعشة أاشعله ‪ ،‬ثم أامسك باليد‬
‫أ‬
‫الخرى أاوراق سلمى ‪ ،‬وقربها من أالسنة اللهب!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪177‬‬
‫أ‬
‫واشتعلت النار في الوراق!‬

‫وراحت تلتهمها َبن َهم وبال رحمة‬


‫أ‬
‫أواحس أاحمد كانما النار تلتهم قلبه هو َوت ْكويه‬

‫ولكن ‪ ..‬كان لبد له من ذلك!‬

‫كان لبد له أان يضع حدا لنزيف قلبه الدائم‬


‫أ‬
‫لبد أان يك ف عن التفكير في حلم المس‬
‫َ‬
‫وتهيؤ خيال ُم ْرت ِعش ٍ‬
‫لغد مهزوز المعالم‬
‫الك ّي في ْ‬
‫العمر مرة‬ ‫ََ‬
‫ول ْن يحتمل نار َ‬
‫ِ‬
‫خير لقلبه من أان يحتمل أالم النزف في اليوم أالف مرة!‬

‫****************‬

‫احترقت الكراسة كلها‬

‫وتالشت "سلمى" من يديه!‬

‫فلم يتبق إل قصاصة ورق صغيرة‬

‫رفعها إلى فمه ليقبلها ‪..‬‬

‫غير أانه توقف‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪178‬‬

‫وحدق فيها بعينين دامعتين‬

‫ثم رماها!‬

‫وابتسم ابتسامة المودع‬

‫لقد كانت سلمى حلما!‬

‫حلما جميال‬

‫عاش دقائ قه وتفاصيله ما عاش‬


‫آ آ أ‬
‫والن ان الوان أان يلتفت إلى يومه‬

‫إلى حاضره‬

‫إلى زوجته‬

‫وإلى الوليد القادم‬

‫ليس بجسده وحسن خلقه فقط‬

‫بل ب ِكيانه‬

‫بقلبه‬

‫قلبه الذي ستظل فيه سلمى ذكرى جميلة‬


‫ِ‬
‫من ذكريات الماضي البعيد‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪179‬‬

‫محفوظة من كل تشويه‬

‫ُم َن َّزهة عن أاي َد َنس‬

‫****************‬

‫قلبه‬

‫الذي صفاء فيه هي الحاضر الذي سيعيشه كما ينبغي‬

‫ليكون ذلك الماضي حلما سعيدا‬

‫وذكرى جميلة‬
‫أ‬
‫ويكون الغد حافال بالمل‬

‫بإذن هللا ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪181‬‬

‫‪ -‬ممتاز يا قاسم!‬
‫أ‬
‫تطل ع الم دير ف ي حماس ة إل ى المخط ط ال ذي قدم ه قاس م ‪ ،‬وراح يم ر باص ابعه عل ى ش نبه‬
‫الك ّ ِث ‪ ،‬قبل أان يبتسم مرة أاخرى ‪ ،‬ويرفع بصره إلى قاسم ‪:‬‬
‫َ‬

‫أ‬
‫‪ -‬ل و س ارت الم ور كم ا ف ي المخط ط ‪ ،‬فس يعني ه ذا توس عا كبي ر ف ي مجالن ا ‪ .‬ول ري ب ‪،‬‬
‫سيكون لك من الترقية أاوفر الحظ والنصيب ‪.‬‬
‫فبوسعي أان أا أ‬
‫بدا التنفيذ حال!‬ ‫‪ -‬لوتكرمتم بالموافقة ‪ُ ،‬‬

‫‪ -‬عظيم ‪ ،‬عظيم! هذا ما توقعته منك ‪ ،‬أايك فيك أاسبوعان يا قاسم حتى نرى نتائج أاولية؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬يفكر متامال المخطط) أاسبوعان؟!‬
‫‪ -‬فقط حتى نرى نتائج أاولية ‪ ،‬وعندها نستطيع طلب مزيد من التمويل‪.‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬ل باس إذن ‪ .‬إن شاء هللا في غضون أاسبوعين ستكون النتائج كما المخطط بعون هللا!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪181‬‬

‫‪( -‬ي نهض مص افحا قاس م) إن ش اء هللا ‪ ،‬أاحس نت ص نعا ي ا قاس م وب التوفيق! نح ن فخ ورون‬
‫بهمتك!‬
‫‪( -‬يصافحه بحرارة) أاشكركم ك ثيرا ‪.‬‬

‫خرج قاسم من مك تب مديره وهو يكاد يطير فرحا ‪ ،‬لقد ُمنح اإلذن للبدء في مشروعه ‪،‬‬
‫وهو واثق بإذن هللا أانه سيحقق نجاحا هائال ‪ .‬نزل هذا الخاطر َب َردا على قلبه ‪ ،‬الذي َغ َّشته‬
‫أ‬ ‫آ أ‬
‫سحابة من الحزن في الونة الخيرة ‪ .‬لقد مضى على زواجه بسلمى سنة ولم يرزقا باطفال ‪،‬‬
‫أ‬
‫وما كان ليشغل بذلك باله ‪ ،‬لول تاثير ذلك على سلمى ‪ .‬لكنه على يقين أان ما سره سيسرها ‪.‬‬
‫أواعظم من ذلك أان الترقية القريبة بإذن هللا ستعني زيادة في دخله ‪ ،‬كان يرجو منذ زمن أان‬
‫آ أ‬
‫تتوافر له ‪ ،‬ليستعين بها في ُح ُل ْمين راوداه زمنا ‪ ،‬وقد ان الوان لتحقيقهما‪.‬‬

‫*****************‬

‫‪( -‬في سعادة) يا لها من فرصة يا قاسم!‬


‫‪ -‬ويا له من مرتب يا سلمى!‬
‫‪( -‬تبتسم) ما شاء هللا! منذ متى صارت نظرتك مادية يا قاسم؟‬
‫‪( -‬يرفع حاجبيه ويفخم صوته) المال دوما يا سلمى َع َصب الماضي والحاضر والمستقبل ‪.‬‬
‫‪ -‬المال ليس كل شيء!‬
‫أ‬
‫‪ -‬ولكنه شيء من الشياء التي تقوم عليها الحياة!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪182‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تتامله مليا) إل ترم بالضبط يا قاسم؟ كان وراءك سرا؟!‬
‫‪( -‬متظاهرا بالندهاش) أانا؟!‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬بل أانا! هيا خبرني!‬
‫‪( -‬مداعبا) وكم تدفعين مقابل إفشاء هذا السر؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬ول ِم ّليما واحدا ‪ ،‬لنني أاعلم أانك تتحرق شوقا لتخبرني على أاية حال!‬
‫‪( -‬يضرب المنضدة بك فه) هذا ليس عدل ‪ ،‬إنك تفسدين علي متعة رجاءك َوت َم ُّن ِعي!‬
‫أ‬
‫‪( -‬مبتسمة في هدوء) إذا أاحببت ‪ ،‬ساتظاهر بذلك!‬
‫‪ -‬لن تظلي على هدوءك ذاك ‪ ،‬حينما تعرفين السر وراء ماديتي المفاجئة! أات ذكرين ي ا س لمى‬
‫ذلك الحي القديم ‪ ،‬الذي لعبنا فيه مرة ونحن صغار؟‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪ -‬ذاك الذي َ‬
‫وجرحت ركبتك؟‬ ‫وقعت فيه على الرض ونحن نجري‪،‬‬
‫بلى ‪ ،‬هو ذاك‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬
‫ما له؟‬ ‫‪-‬‬
‫أال ت ذكرين أانن ا تمنين ا ل و ك ان ف ي ذل ك الح ي مس جد َي ْع ُم ره ب ذكر هللا ‪ ،‬ويح ي أارض ه الب ائرة‬ ‫‪-‬‬
‫بخطوات المصلين؟‬ ‫الخربة ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫(في َت َر ُّقب) بلى تمنينا‪..‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬فإنني لزلت أاحتفظ بهذه المنية إلى اليوم ‪ ،‬أوانوي بإذن هللا تحقيقها ‪ .‬ولكن أان ى لن ا فع ل‬
‫الخي ر للغي ر ‪ ،‬إذا كن ا ل ن رى إل مواض ع أاق دامنا فق ط ي ا س لمى؟ إذا كن ا ف ي َس َعة بفض ل‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪183‬‬
‫أ‬
‫هللا ‪ ،‬ول نحتاج المال لنفسنا ‪ ،‬فوج وه اإلنف اق ف ي الخي ر ك ثي رة ‪ ،‬وكله ا م ن أاب واب الجن ة‬
‫إن شاء هللا ‪.‬‬
‫‪( -‬تسند خديها إلى ك فيها وهي تستمع له مبتسمة) وبعد؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬يبتسم في اعتداد لنه اجتذب انتباهها ‪ ،‬ثم يردف مكمال) أال م نك ن نح ب فيم ا نح ب م ن‬
‫الس َير سيرة سيدنا عثمان بن عفان؟ فتى قريش الوسيم َالم ْيسور ‪ ،‬الذي َس َّخر ماله إلرض اء‬
‫الس َرف – م ن أان يك ون أاح د العش رة المبش رين‬ ‫هللا ورس وله ‪ ،‬ول م يمنع ه َّالت َرف – ل َّ‬
‫بالجن ة ‪ ،‬ول أا ْن َق ص م ن متان ة دين ه وص البته ف ي الح ق؟ أال يس ه و م ن ق ص علين ا وال دي‬
‫قصته ونحن صغار ‪ ،‬أانه "اشترى الجنة من النبي صلى هللا عليه وس لم م رتين ‪ :‬ح ين حف ر‬
‫بئ ر روم ة ‪ ،‬وح ين جه ز ج يش ُالعس رة "‪ .‬لق د اخت ار س يدنا عثم ان – رض ي هللا عن ه –‬
‫الجهاد بالم ال طريق ا للجن ة ‪ ،‬ف المهم أان يك ون الم ال هن ا (يش ير بك ف ه) ول يس هن ا (يش ير‬
‫أ‬
‫لقلبه) ‪ ،‬وإن ما هذا كله فضل هللا استامننا عليه ‪ ،‬أواب اح لن ا التمت ع ب ه وإمت اع غيرن ا معن ا ‪،‬‬
‫ف ي غي ر إس راف ول تقتي ر‪ .‬ب ل إن م ن واج ب ك ل مس لم ق ادر ف ي ه ذا ال زمن ‪ ،‬أان يس عى‬
‫أ‬
‫لزيادة موارد دخله أوامواله ‪ ،‬فما أاحوج المة للقادرين الميسورين المستعدين لإلنفاق في‬
‫سبيل هللا ‪ .‬سلعة هللا غالية يا سلمى!‬
‫‪( -‬تتراجع في كرسيها مبهورة) غلبتني يا قاسم فما أادري ما أاقول لك!‬
‫آ‬
‫سمعت هو ات!‬
‫ِ‬ ‫‪( -‬في زهو) فما ِ‬
‫بالك لو‬
‫‪( -‬تنظر إليه مندهشة)!!‬
‫‪ -‬خمني ما أاول ما كنت أانوي فعله حال فوزي بإذن هللا ‪ ،‬بخالف بناء المسجد؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪184‬‬

‫‪( -‬بلهفة) قل لي ‪ ،‬قلي لي!‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬ياخذ بيدها َوي ُشد عليها في سعادة) سنسافر لداء العمرة بإذن هللا!‬
‫‪( -‬تضحك في سعادة وتحتضنه) قاسم! أانت رائع!‬
‫‪( -‬يحتضنها بدوره ضاحكا) أالم أاقل لك؟‬
‫‪( -‬تقبله) أانت أاروع زوج في العالم أاجمع!‬
‫أ‬
‫‪ -‬لن لدي أاروع زوجة في العالم أاجمع! (يفرك يديه في سرور) إذن حض ري نفس ك ب إذن هللا‬
‫أ‬
‫بع د أاس بوعين للس فر ‪ ،‬لنن ي م وقن ب الفوز بع ون هللا تع الى ‪ ،‬ب ل إنن ي أاك اد أارى التص ميم‬
‫آ‬
‫ماثال أامامي الن!‬
‫****************‬

‫وكذا مضى قاسم في تحقيق حلمين عزيزين‬


‫أ‬
‫بعد أان حقق حلمه الول‬
‫حلم قلبه المؤمن ّ‬
‫الخير‬

‫ذاك الحلم الذي رافقه ُبكرة َوعشيا‬


‫أ‬
‫منذ تلك السن التي تزهر فيها الحالم‬

‫أاحالم القلوب ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪185‬‬

‫بدا قاسم العمل على المشروع ‪ ،‬فكان يك ثر السهر في الش ركة ‪ ،‬ول ين ام‬ ‫مضى أاسبوع منذ أ‬

‫نحن عل ى أاوراق ه ‪ .‬ولربم ا‬


‫ٍ‬ ‫م‬‫م ن اللي ل إل قل يال ‪ .‬وف ي المن زل ه و ب ين ج الس أام ام جه ازه ‪ ،‬أاو ُ‬
‫أ‬
‫استيقظت س لمى ووجدت ه ق د ن ام عل ى مك تب ه ‪ ،‬فتغل ق الجه از وتطف ئ الن وار ‪ ،‬وت دثره بالغط اء ‪،‬‬
‫فيبتسم لها شاكرا وعيناه نص ف مغمض تين ‪ ،‬ث م يع ود لنوم ه ‪ .‬وتظ ل ك ذلك حت ى ي َّؤذن ب الفجر ‪،‬‬
‫فتوقظ زوجها ليصلي في المسجد وتصلي هي في البيت ‪ ،‬وبعدها ينامان قليال حتى ميعاد عمله ‪،‬‬
‫ثم تستيقظ معه لتعد له حقيبة الغداء ‪ ،‬أاو "كرة الغداء ُالم ْك َت َّظة" كما كان يحلو ل ه أان يس ِّم َيها ‪،‬‬
‫مداعبة لها ‪ .‬ولول أانها كانت تذكره بطعامه و شرابه ‪ ،‬لنسي نفسه وسط أاعباءه ‪.‬‬

‫****************‬

‫‪( -‬سلمى تتناول حقيبة يدها متجهة إلى الباب) أانا ذاهبة ‪.‬‬
‫‪( -‬يرفع إليها أراسه مندهشا) إلى أاين؟‬
‫أ‬
‫نسيت بهذه السرعة؟ ساذهب لشراء حاجيات المنزل كما أاخبرتك ‪.‬‬ ‫‪ -‬أا َ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪186‬‬
‫آ‬
‫‪( -‬يغلق جهازه) ساتي معك‪.‬‬
‫‪( -‬في فرح) حقا؟ ( ُت ِردف في شيء من التردد) وعملك؟‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬يغمز لها) ل باس ‪ ،‬كل شيء يمكن تاجيله إل سويعات أاختلسها مع سلماي!‬
‫‪( -‬تطرق مبتسمة وقد احمرت وجنتاها)‬
‫‪( -‬يجذبها من يدها) هيا هيا ‪ ،‬وإل لن نخرج اليوم!‬
‫******************‬

‫‪ -‬انتهينا!‬
‫‪ -‬أاخيرا! الحمد هلل! كم كانت عملية مرهقة!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تنظر إليه في إشفاق) كان من الفضل أان تستغل هذا الوقت في الراحة يا قاسم ‪.‬‬
‫أ أ‬
‫‪ -‬ل تشغلي بالك ‪ ،‬قد كنت أامزح ‪َ ( ...‬ي ْب ُتر ِعبارته َب ْغ َتة ‪ ،‬وتتغير تعابير وجهه كانه يتالم)‬
‫‪( -‬في هلع) قاسم! ما بك؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬يتظ اهر بان ه عل ى م ا ي رام) ل ‪ ،‬ل ش يء ‪ ..‬أال ن ت ذهبي إللق اء نظ رة عل ى قس م الك ت ب‬
‫والمجالت؟‬
‫‪( -‬تنظر إليه في تردد) ولكن ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬متظاهرا بالمرح) هيا يا سلمى! أام تريدين أان نبيت الليلة على أاحد الرفف؟!‬
‫‪( -‬تنظر إليه في شك ‪ ،‬ثم تحزم أامرها) حسنا ‪ ،‬دقائق أواعود ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪187‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬خ ذي وقت ك! (يراقبه ا حت ى تختف ي ع ن ناظري ه ‪ ،‬فيس تند إل ى أاح د العم دة ‪ ،‬وه و يمس ك‬
‫أ‬
‫بقميصه عند موضع القلب) ل إله إل هللا! لقد عاودني هذا ال لم من جديد!‬
‫**********************‬

‫جالت سلمى ببصرها بين المجالت بسرعة ‪ ،‬وتوقفت عن د إح دى المطبوع ات الثقافي ة ‪ ،‬فانحن ت‬
‫لتلقطها ‪ ،‬وإذا بها ترتطم بسيدة كانت تمر خلفها ‪.‬‬
‫آ‬
‫‪ -‬اسفة ‪.‬‬
‫‪( -‬تلتفت إليها السيدة) ل عليك ‪( .‬تحدقان ببعضهما) سلمى!‬
‫‪ -‬صفاء! (تتعانقان وتسلمان على بعضهما) كيف حالك يا صفاء؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬تضع يدها على بطنها وقد انتفخ في شهره الخير ‪ ،‬وتبتسم) نحن بخير والحمد هلل!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تتامله ا ملي ا وق د تك ور بطنه ا أامامه ا) ص حيح! كي ف نس ُيت ْك؟ ك ان ينبغ ي أان أاق ول كي ف‬
‫حالكما!‬
‫‪( -‬تضحك)‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تتاملها في تعاطف) كيف صحتك الن يا صفاء؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬تبتس م ف ي وه ن) بخي ر والحم د هلل ‪ ،‬ل ول فق ر ال دم أواش ياء أاخ رى َي ْر ِطن به ا الطب اء ‪ ،‬ل‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫أاذك ر أاس مائها غي ر أانن ي أاعرفه ا بالمه ا! انظ ري ِل َك ِّم الدوي ة ف ي حقيبت ي (تم د ي دها لتريه ا‬
‫الحقيبة فال تجدها) الحقيبة! ويلي! حقيبتي! أاين هي؟ (تتلفتان حولهما) ل بد أانني أاض عتها‬
‫للمرة الثالثة اليوم ‪ ،‬لقد أاصبحت ُم َش َّت ًتة مؤخرا!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪188‬‬
‫آ‬
‫حاولي أان تتذكري أاين فتحتها اخر مرة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫أاجل ‪ ،‬صحيح! لعلي نسيتها عند قسم ال لبان ‪ ،‬ساذهب إلحضارها!‬ ‫‪-‬‬
‫آ‬
‫ساتي معك ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫ل ‪ ،‬انتظريني هنا ‪ ،‬لن أاتاخر (تغادر مسرعة قدر استطاعتها)‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫تنهدت سلمى وهي ترقب ص فاء حت ى اختف ت ع ن ناظريه ا ‪ ،‬ث م اس تدارت لتاخ ذ المطبوع ة ‪ ،‬وإذا‬
‫بها تتراجع في دهشة حين تلقاه أامامها ‪...‬‬

‫أاحمد!!!‬

‫**************‬

‫تالقت عيونهما لثوان ثم خفض كل منهما بصره ‪ ،‬وقد عالهما الرتب اك ‪ ،‬أواط رق ك ل منهم ا ل‬
‫يجد ما يقوله ‪ .‬أاخذ عقل سلمى يعمل بسرعة الص اروخ ‪ :‬م اذا ل و ع ادت ص فاء و أرات وقفتهم ا تل ك؟‬
‫إنها ل تدري بما كان بينهما ‪ ،‬بل ماذا لو جاء قاسم وهي تعلم من غيرته ما تعل م؟ جمع ت س لمى‬
‫ِشتات نفسها ‪ ،‬وبذلت أاقصى جهدها لتقول ‪:‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬لق د ‪ ..‬ذهب ت ص فاء م ن تل ك الناحي ة ‪ ..‬أوان ا ‪ ..‬س الحق بزوج ي ‪ ،‬بلغه ا س المي رج اء‬
‫أ‬
‫وساتصل لحقا ‪..‬‬
‫‪( -‬يغمغم في ارتباك) ‪ ..‬أافعل إن شاء هللا‪..‬‬
‫ودون كلمة أاخرى‬

‫مضى كل منهما في طريق ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪189‬‬
‫آ‬
‫عكس الخر!‬

‫*****************‬

‫تتخ َّط ى الجم وع ببص رها ‪،‬‬


‫الخطى وه ي تله ث م ن َف ْرط النفع ال ‪ ،‬ومض ت َ‬ ‫سارعت سلمى ُ‬

‫فح َم دت هللا أان ه ل م‬


‫حتى أا َلف ت زوجه ا عن د إح دى ص فوف دف ع الحس اب مش غول م ع المحاس ب ‪َ ،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫يلح ظ تاخره ا ‪ ،‬وس ارعت تنض م إلي ه ‪ .‬أالق ى قاس م نظ رة خاطف ة عل ى ي ديها فال فاهما خ اويتين ‪،‬‬
‫أ‬
‫فس الها ‪ " :‬أال م تج دي م ا يعجب ك؟" انتبه ت س لمى إل ى أانه ا نس يت المطبوع ة ف ي غم رة انفعاله ا ‪،‬‬
‫أ‬
‫وحم دت هللا أان قاس ما ك ان مولي ا إياه ا ظه ره ‪ ،‬وإل ل أراى التغي ر ال ذي اعتراه ا ‪ ،‬واك تف ت ب ان‬
‫غمغمت ‪" :‬ل"‪.‬‬

‫يا له من يوم!‬

‫***************‬
‫أ‬
‫استيقظت سلمى في اليوم التالي ‪ ،‬و أراسها يكاد ينفجر من الصداع لنها ل م ت نم تل ك الليل ة‬
‫جيدا ‪ .‬كان نومها متقطعا وملي ائ ب الكوابيس ‪ ،‬نظ رت للمنب ه بجواره ا ف إذا الس اعة تش ير للتاس عة!‬
‫نهضت من الفراش دفعة واحدة ‪ ،‬ونظرت لناحية قاسم!‬

‫لقد ذهب!‬

‫شفتها في غيظ!‬
‫عضت سلمى على ِ‬

‫ذهب دون غدائه ‪ ،‬ودون أان تودع!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪191‬‬

‫لك من زوجة وفية!‬


‫يا ِ‬
‫أ‬
‫نك أرايت أاحمد؟‬ ‫َ ُ ُّ‬
‫اكل هذا ِ‬
‫ل‬

‫******************‬
‫آ‬
‫اه يا أاحمد!‬

‫لماذا ل تنمحي ذكراك من قلبي؟‬

‫لماذا تضطرب كل ذرة في ِكياني ‪ ،‬حين أاسمع باسمك ‪ ،‬أاو أاراك؟‬

‫إنني سعيدة مع قاسم‬

‫إنه ِن ْعم الزوج ‪ ،‬ولم يقصر معي أابدا‬


‫أ‬
‫فلماذا ل يزال لحمد مكان في قلبي؟‬

‫أام أانني ‪ ..‬ل أاحب قاسما؟!!‬

‫إنني سعيدة معه ‪ ،‬أواكون مطمئنة بصحبته‬

‫فماذا غير هذا أاريد؟‬

‫أال يعد هذا حبا؟‬

‫*****************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪191‬‬

‫استعاذت سلمى باهلل من خواطر نفسها ووساوس الشيطان ‪َ ،‬وه َّمت بالنهوض لتصلي‪ ،‬فالمست‬
‫أاناملها ورقة ُخ ِّب ئ َت تحت ِمخدتها ‪ ،‬فتحتها فإذا بها من قاسم ‪:‬‬

‫" سلماي ‪,,,‬‬


‫أ‬
‫وجدتك نائمة كالمالك في الصباح فلم أاشا إزعاجك‬

‫خاصة أوانك تسهرين معي كل ليلة‬

‫ارتاحي يا حبيبتي ول ترهقي نفسك‬


‫أ‬
‫أاما عن كرة الغداء ‪ ،‬فساستغني عنها مع وعد بالتعويض عند رجوعي ‪..‬‬

‫زوجك المحب ‪" ,,,‬‬

‫وقد َذ َّيل الورقة مكان اسمه برسم وجه يبتسم في بالهة! فلم تملك سلمى نفسها م ن الض حك ف ي‬
‫البداية ‪ ،‬ثم انقلب ضحكها ً‬
‫بكاءا!‬

‫ذلك هو قاسم الذي كنت تشكين في حبك له منذ قليل!‬


‫ِ‬
‫ما أاروعك يا قاسم!‬

‫ما أاروعك يا زوجي الحبيب!‬

‫******************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪192‬‬
‫أ‬
‫قامت س لمى تتوض ا وتص لي ‪ ،‬وت دعو هللا أان يلهمه ا رش دها ‪َ ،‬وي ِق َيه ا ش ر نفس ها ‪ُ ،‬وي ِعي ذها‬
‫م ن وس اوس الش يطان ‪َ ،‬ويه ِد َيها لم ا يح ب ويرض ى ‪ .‬وم ا ك ادت ت تم دعائه ا وص التها حت ى ش عرت‬
‫براحة عظيمة ‪ ،‬فقامت نشيطة ‪ ،‬أواعدت لنفسها فنجان ا م ن الش اي ‪ ،‬وجلس ت إل ى جهازه ا تتفق د‬
‫بري دها اإللك ترون ي ‪ .‬م رت لحظ ات التحمي ل بطيئ ة ‪ ،‬وه ي ُ‬
‫ترش ف الش اي ف ي ه دوء ‪ ،‬حت ى إذا‬
‫ظهرت الصفحة أامامها تسمرت عيناها عند أاول رسالة ‪ ،‬وحدقت فيها بذهول!‬

‫كانت منه!‬

‫من أاحمد!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪193‬‬

‫"لماذا يا أاحمد؟"‬
‫أ‬
‫للمرة العشرين راح أاحمد يكرر ذلك السؤال ‪ ،‬وهو جالس أامام جهازه المطفا وقد أاسند أراسه إلى‬
‫ك فيه أواغمض عينيه في ندم ‪.‬‬

‫لماذا تفجر البركان الخامد لما أرا ُيتها؟‬


‫لماذا هاجت كل الذكريات ُّ‬
‫والش ُجون؟‬
‫أ‬
‫ولماذا ُن َكا َت كل ِالجراح التي جاهدت طويال لتضميدها؟‬
‫لماذا أا َ‬
‫رسلت لها ذلك "الطعم"؟‬

‫أاي خير ستحمله شباك أالقيتها في مستنقع را ِكد؟‬

‫ويلك يا أاحمد!‬
‫َ‬
‫عاهدت هللا على محو كل مضى؟‬ ‫أالم تكن قد‬

‫أالم يكن قلبك قد استقر في الحاضر وغادر أاسوار الماضي بعد طول جهاد؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪194‬‬

‫قمت أانقاض الماضي؟‬


‫مت بنيان الحاضر ‪ ،‬أوا َ‬
‫فلماذا بفكرة طائشة غير َمدروسة ‪َ ،‬ه َد َ‬

‫لماذا يا أاحمد؟‬

‫لماذا؟‬

‫**************************‬
‫أ‬
‫وكذلكم المؤمن ‪ ،‬تتخطفه الفتن ‪ ،‬فيندم ويتوب ويعاهد ‪ .‬ثم هو فجاة ُي ْن َسى العهد ومرارة‬
‫الذنب وحالوة التوبة ‪ ،‬فيعود فيعاوده الندم ‪ ،‬ثم يرجع فيتوب ويعاهد ‪ .‬وما يزال المؤمن بخير‬
‫ما تعاهد قلبه بالتوبة واإلنابة ‪ ،‬وما بقي شعور الذنب حيا في قلبه ‪ ،‬يمنعه التلذذ بالمعصية ‪،‬‬
‫آ أ‬
‫ويفسد عليه َنشوة الذنب ‪ .‬فإنه لحقيق عندئذ أان يطمئن اخر المر إلى راحة التوبة ‪ ،‬وسعادة‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الصبر على الطاعة ‪ ،‬وطمانينة الصبر عن المعصية ‪ .‬وكذلكم مدح هللا الوابين ‪.‬‬

‫****************************‬

‫رن الهاتف على مك تب أاحمد فانتزعه من خواطره انتراعا ‪:‬‬

‫‪ -‬السالم عليكم ‪..‬‬

‫‪... -‬‬

‫‪ -‬والدة صفاء؟ ل حول و ل قوة إل باهلل!‬

‫‪... -‬‬

‫‪ -‬متى كان ذلك؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪195‬‬

‫‪... -‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬ساكون هناك على الفور ‪ ،‬هال أاعطيتني عنوان المستشفى؟‬

‫‪... -‬‬
‫آ‬
‫أاغلق أاحمد السماعة وقد بدا عليه الوجوم ‪ .‬والدة صفاء في المستشفى! ماذا يفعل الن؟ لبد أان‬
‫أ أ‬ ‫أ‬
‫يذهب إليها ‪ ،‬ولكنه ل يستطيع إخبار صفاء ‪ ،‬فهي سريعة التاثر لسيما إذا تعلق المر بامها ‪،‬‬
‫أ‬
‫وحملها غير مستقر وهي في شهرها الخير‪..‬‬

‫‪( -‬تقطع عليه تفكيره) فيم تفكر؟‬

‫لك أال َت ْن َس ِّلي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ََ‬


‫‪( -‬يلتفت إلى زوجته التي تك َّور بطنها امامها وقد باغتته مفاجئتها) كم مرة قلت ِ‬
‫باغتيني هكذا يا صفاء؟‬ ‫ُ‬
‫خلفي وت ِ‬
‫أ‬
‫‪( -‬تتراجع مندهشة من عبوسه) إنما أاردت أان تكون مفاجاة!‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫لك هذا ك ثيرا من قبل ‪.‬‬
‫‪ -‬ل احب هذا النوع من المفاجات ‪ ،‬وقلت ِ‬
‫آ‬ ‫آ‬
‫‪( -‬تقطب جبينها ‪ ،‬إذ تراه جادا في عتابها) اسفة ‪ ،‬حقا اسفة ‪ ،‬لم أاكن أاعلم أانك ستغضب‬
‫هكذا!‬

‫‪( -‬يحتضنها معتذرا) بل أانا من يعتذر يا صفاء ‪ ،‬لست غاضبا منك ولكن ‪ ..‬ولكن أامورا مهمة‬
‫آ‬
‫َج َّدت في العمل ‪ ،‬ويتوجب علي الخروج الن ‪.‬‬
‫آ‬
‫‪ -‬الن يا أاحمد؟ أالن نتغدى معا؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪196‬‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫‪ -‬اسف يا حبيبتي ‪ ،‬ل أاستطيع ‪ ،‬ل تنتظريني فربما أاتاخر‪.‬‬

‫‪ -‬ولكن ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬يرتدي حذائه ‪ ،‬وياخذ مفاتيح سيارته) إنه أامر عاجل يا صفاء ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬إلى متى ستتاخر؟‬

‫‪ -‬ربما حتى ِالعشاء ‪.‬‬

‫‪ -‬هذا ك ثير!‬

‫لك هدية أاثناء عودتي؟‬ ‫أ أ‬


‫وعدتك ان اشتري ِ‬
‫ِ‬ ‫‪( -‬يقبلها خارجا) وإذا‬
‫أ‬
‫‪( -‬تبتسم مسرورة) سانتظرك حتى َالغد! (يضحك وهو خارج ‪ ،‬فتسرع ورائه)‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬سانتظر الهدية لكن إياك أان تتاخر إلى الغد!‬

‫******************‬
‫أ‬
‫مضى أاحمد يقود سيارته ‪ ،‬وباله مشغول بامر والدة صفاء ‪..‬‬
‫آ‬
‫أوامر اخر‬

‫تلك الرسالة التي أارسلها‬

‫لسلمى!‬

‫****************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪197‬‬

‫لماذا فعلتها يا أاحمد؟‬


‫ْ‬
‫أالم تكن قد أاخذت على نفسك العهود والمواثيق أان ُتطبق على تلك الذكرى قلبك‬

‫فال تفتحه بعدها أابدا؟‬


‫أ‬
‫أاتريد اختبارها ‪ ،‬فارسلت لها رسالة "بريئة" في ظاهرها؟‬
‫أ‬
‫فماذا إن ردت على رسالتك "الضمنية" باختها؟‬
‫َه ْب أانها ْ‬
‫فعلت ذلك ‪..‬‬

‫واستمرت تلك المراسالت "البريئة" بينكما‬

‫في ظاهرها ذكر هللا‬

‫وفي باطنها ما هللا وحده به عليم!‬

‫َه ْب أانها تجاوبت معك‬

‫أاذلك يطفئ حر قلبك؟‬

‫*************************‬

‫أاولم تطفئه منذ زمن يا أاحمد؟‬

‫أواخذت على نفسك العهد أان تلتفت لحاضرك‬

‫لزوجتك‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪198‬‬

‫وطفلتك؟‬

‫فلماذا يا أاحمد؟‬

‫لماذا استسلمت لفكرة شيطانية عبثت بقلبك؟‬

‫بك هلل‬‫قل‬ ‫َ‬


‫مت‬‫ل‬‫قد َس َّ‬
‫ِ‬
‫وقد ربط هللا عليه‬
‫وهدا إلى ما أاحله هللا ْ‬
‫لك‬ ‫فسكن أ‬

‫أ‬
‫فال تستسلم لوهام الشيطان ‪ ،‬ول تترك قلبك له يتالعب به‬

‫هي لها زوجها وحليلها‬


‫أوانت َ‬
‫لك زوجتك وحليلتك‬

‫وعما قريب طفلتك‬

‫أاهكذا تشكر فضل هللا عليك؟‬

‫ل وهللا لئن َم َّد هللا في عمري وعدت للمنزل‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫لمحون تلك الرسالة وعنوان بريدها إلى البد‬

‫ول أاعودن لمثلها أابدا!‬

‫***************************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪199‬‬

‫‪ -‬كيف تجدينك اليوم يا أاماه؟‬

‫‪( -‬بصوت مرتعش) أانا بخير وعافية بحمد هللا تعالى الذي أاحاطني وابنتي برجل مثلك ‪ ،‬يعوضنا‬
‫سنين الحرمان والفاقة التي ِعشناها ‪( .‬ترفع يديها ‪ ،‬وعيناها تدمعان) يا رب لك الحمد إذ‬
‫أ‬
‫استجبت دعائي ‪ ،‬وطمانت قلبي على ابنتي قبل أان أافارق الدنيا ‪.‬‬

‫‪( -‬يحاول تغيير الموضوع) السيدة جارتكم – جزاها هللا خيرا‪ -‬هي التي اتصلت باإلسعاف عندما‬
‫أاغمي عليك ‪ ،‬وهي التي اتصلت بي في المنزل لتبلغني ‪.‬‬

‫‪ -‬إنها جارة طيبة ‪ ،‬جزاها هللا خيرا ‪( .‬يطرق أاحمد ساك تا قليال إذ يراها تلتقط أانفاسها بصعوبة ‪،‬‬
‫طرف َخفي) هل لك يا بني أان تحضر تلك الحقيبة الصغيرة؟‬ ‫في حين أانها تنظر إليه من ْ‬

‫‪( -‬يلتفت إلى حيث أاشارت) الحقيبة السوداء؟ (تومئ بعينها ‪ ،‬فينهض إلحضارها)‬

‫‪ -‬افتحها يا ولدي ‪.‬‬

‫‪( -‬يفتحها ‪ ،‬فيجد فيها فيها قطع حلي معدودة ‪ ،‬يبدو من تصميمها أانها قديمة) ما هذا يا أاماه؟‬
‫الحل ُّي التي اشتراها لي والد صفاء يوم خطبتنا ‪( .‬تدمع عيناها ‪َ ،‬‬
‫وتشخص إلى السقف‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬هذه ُ ِ‬
‫ببصرها) رحمه هللا ‪ ،‬كان مثلك يا ولدي ‪َ ،‬ب َّ ًرا رحيما حنونا كريما ‪ .‬صحيح أاننا مررنا بضائ قات‬
‫الح ِل ّ ِي شيائ ‪ ،‬غير أان قلبي لم يطاوعني على بيع أاي‬
‫عت من هذا ُ‬ ‫ك ثيرة ‪ ،‬كان يمكن َح ُّلها لو ب ُ‬
‫ِ‬
‫آ‬
‫قطعة منه ‪ ،‬فاحتفظت به حتى الن ‪.‬‬

‫‪ -‬أاتريدين أان أا ِعط َيه لصفاء؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪211‬‬

‫‪ -‬كال يا بني ‪ ،‬فإنه لن ينفع صفاء ‪ ،‬إل أان يهيج ذكرى والدها ‪ ،‬وذكرى الشقاء الذي عاشته في‬
‫طفولتها ‪ ،‬ثم إنه ليس بجمال الحلي الذي تشتريه لها ‪..‬‬

‫‪( -‬يغمغم) إنما جماله فيما يحمله من معنى يا أاماه ‪.‬‬


‫أ‬
‫‪ -‬أاعلم يا بني ‪ ،‬ولذلك أاريد أان أاحفظه وديعة ‪ ،‬لضمن أال يضيع أابدا ‪.‬‬

‫‪ -‬أاتريدين أان أافتح لك حسابا في البنك و أاودعه فيها؟‬

‫‪( -‬تبتسم) بل اخترت أان أاحفظه عند من ل تضيع عنده الودائع ‪ .‬تصدق بثمنه عني وعن زوجي يا‬
‫بني ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫منك ‪.‬‬
‫فيك يا اماه وتقبل ِ‬
‫‪( -‬ينظر إليها متاثرا ‪ ،‬ثم ينهض ويقبل يدها) بارك هللا ِ‬
‫أ‬
‫‪( -‬تربت على ك تفه بيدها المعروقة) اجلس يا نبيل الخالق وكريم الشمائل ‪ ،‬مازال لدي شيء‬
‫أ‬
‫لحدثك به ‪( ..‬تقطع حديثها لتلقط شيائ من أانفاسها الالهثة)‬
‫آ‬
‫‪ -‬أال نؤجله لوقت اخر تتحسن فيه صحتك يا أاماه؟‬
‫آ‬ ‫آ‬
‫‪ -‬ما أارى الوقت الخر سيجيء يا بني ‪ ،‬فاسمع مني الن ‪.‬‬

‫‪( -‬يقرب كرسيه من سريرها) تفضلي يا أاماه ‪.‬‬


‫أ‬
‫‪ -‬لقد زارتني والدتك – جزاها هللا خيرا – بالمس ‪ ،‬ودار بيننا حديث مكاشفة ‪ ،‬لربما لو دار َقبال‬
‫لغير الك ثير مما حصل ‪..‬‬
‫‪َ (-‬‬
‫يتج َّهم وجهه في ترقب ‪ ،‬ول يرد)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪211‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬الحق أانني أانا التي أالححت عليها ‪( .‬تسعل قليال) لقد صارحتني والدتك بان زوجها هو صديق‬
‫أ‬
‫زوجي ‪ ،‬الذي راسله مرارا وتكرارا يساله العون قبل وفاته ‪ ،‬وقد أادركت هي ذلك يوم إمضاء َعقد‬
‫الزواج ‪ ،‬لما ق أرات اسم صفاء كامال ‪. .‬‬

‫‪... -‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تغمض عينيها فترة ‪ ،‬كانما ترتب الكالم المبعثر في أراسها) لقد كان زوجي على حق في ثقته‬
‫أ‬
‫بصديقه أواخيه في هللا ‪ ،‬كما كان يسمي والدك ‪ .‬فكان ك ثيرا ما يقول لي ساهاتف أاخي في هللا ‪،‬‬
‫أ‬
‫ساراسل أاخي في هللا ‪ ،‬سنزور أاخي في هللا ‪ .‬وما أرايته من نبل سجاياك ‪ ،‬لهو خير دليل على‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الصل الكريم الذي نشات فيه ‪.‬‬

‫‪... -‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬غير أان والدتك قد سمعت طرفا من حديثك الخير مع والدك قبيل وفاته ‪ ،‬أوانت تحاول‬
‫أ‬
‫مراجعة والدك في شان زواجك بابنتي صفاء ‪...‬‬

‫‪َ ( -‬ي ِهم بقول شيء ولكنها تشير له بالصبر)‬

‫‪( -‬تبتسم له) إنني ل أاتهمك يا ولدي ‪ ،‬بل اصبر حتى أافضي لك بمكنون قلبي ‪ .‬لقد أادركت‬
‫أ‬
‫والدتك بقلبها حينذاك أان قلبك قد تربعت على عرشه فتاة أاخرى ‪ ،‬وقد تاكد ذلك لديها حين‬
‫كنت – كما ْ‬
‫قالت لي ‪ -‬دائما حزينا شارد‬ ‫كانت تراقبك في أاليام التي سبقت التجهيز لزواجكم إذ َ‬
‫فتيقنت حينها أانك ستتزوج‬
‫ْ‬ ‫الس َحر بالتثبيت والهداية ‪،‬‬
‫الذهن ‪ .‬وكانت تراك تك ثر من الدعاء في َّ‬
‫سكنتها قلبك ‪( .‬تسكت قليال لتلقط أانفاسها ‪ ،‬ثم تمد يدها المعروقة لتمسك‬
‫فتاة غير تلك التي أا َ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪212‬‬

‫سمعت في البداية ‪ ،‬ولم أادر َاا َس ُّر‬


‫ُ‬ ‫يد أاحمد ‪ ،‬وتنظر إليه بعينين دامعتين) إنني لم أاصدق ما‬
‫بوفاء صديق زوجي أام أاحزن إلجبارك على الزواج من صفاء؟ وإنك وإن أاحسنت معاملتها فإنك ‪..‬‬
‫أ‬ ‫لم تخترها ‪ .‬ولوهلة َ‬
‫داخلني شيء من الحزن على صفاء التي تزوجت رجال ‪( ..‬تسكت قليال كانما‬
‫تبحث عن الكلمة) ل يحب ‪ ..‬لم يخترها ‪ ،‬غير أانني – لو لم تخبرني والدتك – لما دار ذلك َبخ َلدي‬
‫َ‬
‫تحملت‬ ‫أابدا ‪ ،‬فقد عاملتها أاحسن المعاملة ‪ ،‬أوانزلتها أافضل منزلة ‪ ،‬أواكرمتها غاية اإلكرام ‪ .‬لقد‬
‫كل ذلك في صبر جميل ‪ ،‬ووفيت بعهدك في غير َم ٍّن و ل أاذى ‪ ،‬وإن هللا يعلم أانه وإن كانت‬
‫يدي قد َق ُص َرت عن المتداد إليك بعون أاو رد لإلحسان ‪ ،‬فإن لساني لم َي ْف ُتر عن الدعاء لك في‬
‫أ‬
‫كل حين منذ اليوم الذي دخلت فيه حياتنا ‪ ،‬أانا وصفاء ‪ ،‬فاعدت إليها السرور أواطلقت ضحكات‬
‫أ‬
‫الحياة في جنباتها ‪ .‬إنني أاوقن يا بني أانك هدية هللا إلينا ‪( ..‬يغلبها التاثر فتبكي)‬

‫‪( -‬يشد على يدها فترة بقوة وهو مطرق ‪ ،‬ثم يرفع إليها عينين دامعتين) وكلماتك يا أاماه هي هدية‬
‫أ‬
‫هللا إلي ‪ .‬لم أاكن أاحسب أان وجودي في حياتكما كان له كل ذلك الثر وكل تلك المسرة ‪ ،‬فإن‬
‫أ‬
‫كان ذلك صدقا ‪ ،‬فلله وحده الحمد والمنة والنعمة والفضل أان ثبتني أواعانني ‪ ،‬ل َفي بالعهد على‬
‫أ‬
‫ما يحب ويرضى ‪( .‬يسكت قليال ليمسح دمعه) صفاء في قلبي يا أاماه ‪ ،‬وثقي أانني ساحفظها‬
‫أوارعاها ‪ ،‬كما يليق بزوجة استحللتها بميثاق غليظ ‪( .‬يسكت برهة) إنني لم أاخترها ‪ ،‬ولكن ذلك‬
‫ل يعني أانني ل أاحبها ‪ ،‬إن بيننا ما هو أاقوى يا أاماه ‪ ،‬مودة ورحمة ‪.‬‬
‫‪( -‬تتنهد مرتاحة وهي تنظر إليه في امتنان) آالن يا أاحمد اطم أان قلبي على صفاء ‪ ،‬أ‬
‫وهدات‬
‫أ‬
‫هواجس نفسي ‪ .‬إن هللا وحده الذي أاوجد إنسانا في نبلك وتدينك ‪ ،‬لهو القادر على مكافاتك‬
‫ومجازاتك أاحسن الجزاء أواوفره ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪213‬‬

‫كانت الساعة تشير للسابعة مساء حين انطلق أاحمد بسيارته عائدا للمنزل وفي ذهنه‬
‫خواطر شتى ‪ .‬لقد استجاب هللا دعاءه ‪ ،‬وتوكل على هللا فكان هللا حسبه ونعم الوكيل ‪ .‬إنه يتذكر‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫يوم زواجه بصفاء كانه كان بالمس فحسب ‪ ،‬ويتذكر كيف ارتدى حلته وقلبه مكلل بالحزان‬
‫مثقل بالهموم ‪.‬‬

‫لكن اليوم ‪ ..‬اليوم‬

‫صارت سلمى ذكرى‬

‫تمر على قلبه دون أان تؤلمه‬

‫لقد خمد البركان الثائر بعد طول جهاد‬


‫َّ‬
‫وما كانت تلك الرسالة إل َزلة‬

‫ل شهوة و ل رغبة ول ‪ ..‬أانين قلب مكلوم‬

‫قد كان ذلك فيما مضى‬

‫قد استغفر منها ‪ ،‬وليس يعود لمثلها بإذن هللا‬


‫آ‬
‫إن صفاء ‪ ..‬هي التي تشغل باله الن‬
‫آ‬
‫فما يجمعه بها روابط َوا َو ِاصر من نوع اخر‬

‫من نوع متين راسخ البنيان‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪214‬‬
‫أ‬
‫ل َت ُّهده العواصف ول َت َعبث به الهواء‬

‫إن بينه وبينها ميثاقا غليظ‬

‫ورباطا مقدس‬

‫ومودة ورحمة‬

‫وفي أاحشائها تصدح أانغام حياة جديدة‬

‫ليس له أان يستمع لمثلها فيطرب لها قلبه‬

‫إل تحت ظل ظليل‬

‫من رضا الرحمن وبرك ته‬

‫***********************‬

‫هلل َد ُّرها والدة صفاء!‬


‫آ‬
‫فلئن كان هو قد صبر ‪ ،‬فهي قد صبرت ‪ ،‬صبرا من نوع اخر‬
‫صبر أالم التي تعلم أان في قلب زوج ابنتها َ‬
‫غير ابنتها‬
‫قد َم َلك يمينها َوم َل ْ‬
‫كت يمينه‬

‫ولكن َم َّل َك ته قلبها وما َّمل َكها قلبه‬

‫ومع ذلك َق َّدرت الموقف‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪215‬‬

‫وسمعت لقلبه ووعت عنه‬

‫فبارئه ك فيل بالمسح على جراح ذلك القلب الذي طالما تقلب بين يديه‬
‫آ‬
‫مسبحا بفضله وراجيا عونه أاطراف الليل واناء النهار‬

‫******************‬

‫وإنه لم يعهد والدة صفاء إل في َص ِّفه دوما‬

‫وما َش َك ْت إليها صفاء شيائ وكانت محقة أاو مخطئة‬


‫إل أاخذت أامها َص َّفه ‪َ ،‬‬
‫ونهت ابنتها عن إغضابه‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ول تتركها حتى تاخذ بيدها وتاتي بها إليه معتذرة‬

‫فيصفح عنها قبل أان تتفوه بكلمة العتذار‬


‫ُ‬

‫ويسترض َيها قبل أان ُت ِ ّصوب إليه نظرة عتاب‬


‫ِ‬
‫ولو أانها تراه قد أاعطاهما‬

‫فإنه قد أاخذ منهما بقدر ما أاعطى وربما زيادة‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫ففرحة العطاء ليست باقل من فرحة الخذ‬

‫ولئن كانت تراه ذا فضل عليهم‬

‫فاهلل هو صاحب الفضل عليه وعليهم‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪216‬‬
‫من عليه أفاسكن قلبه َّ‬
‫وضمد جراحه‬ ‫َّ‬

‫وجعله سببا إلسعاد قلبين ذاقا من ُص ُنوف الشقاء أالوانا شتى‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫فاما القلب الول فقلب أامها‬

‫أواما الثاني فقلبها ‪..‬‬

‫صفاء!‬

‫صفاء التي دخلت حياته على غير توقع منه‬

‫أواصبح في يوم وليلة ليجدها ماثلة أامامه باسم زوجته‬

‫وتناديه زوجها!‬

‫ولو أانه أاسلم لقلبه ِالعنان‬


‫أ‬
‫واستسلم لحلم المس الذي مضى‬
‫أ‬
‫وعاش في خيالت غد نسجته الوهام‬

‫لما كان للتزواج بين رو َح ْيهما من سبيل‬


‫َ‬
‫وإن كان ل َي ْع َلم أانه ل سلطان له على قلبه‬

‫مقلب القلوب‬
‫فإنما هو بيد الرحمن ِ‬
‫أ‬
‫فلجا إليه‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪217‬‬

‫وبسط على بابه شكواه‬

‫أوارسل عنده دموعه مدرارا‬

‫فما ضاعت الشكوى وما خاب الرجاء‬

‫لقد َن َّور الرحمن بصيرته‬

‫ف أراى في الحياة التي ُر ِس َمت له‬

‫جوانب أاحبها‬

‫وجوانب إن لم يحبها فلم يجد فيها ما يحمله على كرهها‬


‫أ‬
‫وثالثة إن كان كرهها ففي الولى والثانية عنها َغناء‬

‫******************************‬

‫لقد مرت عليه لحظات في بداية زواجه ظن أان الحياة مع ِمثل صفاء مستحيلة‬

‫وما كان يعرف صفاء حتى يعرف مثلها!‬

‫وكذلك الوهم حين يضرب الشيطان على أاوتاره‬

‫فتصم أانغامه أاذن المتوهم‬

‫فيتوهم أان وهمه هو الحقيقة‬

‫أوان الحقيقة هي الوهم!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪218‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ولو لجا إلى من بيده ملكوت السماوات والرض‬

‫ومن َي ْخ ُنس الشيطان عند ذكره‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫لو لجا إليه واسترشده لرشده‬

‫وما يحجب هداه عمن يستهديه جل وعال‬


‫۞ َا َّمن ُيج ُ ْ َّ‬
‫السوء۞‬ ‫يب ُالمضط َر إذا دعاه َوي ِ‬
‫كشف ُّ‬ ‫ِ‬
‫************************‬

‫كانت ُاله َّوة الفكرية بينهما تبدو ِ‬


‫للعيان سحيقة‬

‫َفرَتقها تواضع أاحمد واحترام صفاء‬


‫لقد ْ‬
‫عرفت حدها فلم تزد عليه‬

‫وما أتاخذه منه بيد ترده له بيد أاخرى‬

‫بامتنان وتفان في المحبة والخدمة‬

‫وقد أادرك هو أان ما به من نعمة ِفم َن هللا‬

‫كر النعمة بذل الفضل َلخلق هللا في غير َم ِّن ول أاذى‬ ‫ُ‬
‫ومن ش ِ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الخلق من الهل والقربين فالبذل أاولى‬
‫وإن كان َ‬
‫أ‬
‫والك ف عن الذى أاوجب‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪219‬‬
‫َ ْ‬
‫ولئن لم تستجب له صفاء في نواح ‪ ،‬ففي غيرها ما يشفع لها ‪ .‬وإنه ل َيذكر حين قام يصلي‬
‫أ‬
‫من الليل ‪ ،‬فقامت ورائه تصلي معه وتاتم به ‪ .‬وكانت من بعدها ه ي التي توقظه ليقوم من‬
‫متاخرا ول يستطيع الستيقاظ ‪ .‬وإنه ليذكر كيف روى لها الحديث‪َ " :‬ر ِح َم ُ‬ ‫أ‬
‫هللا‬ ‫الليل ‪ ،‬حين ينام‬
‫َر ُج ًال َق َام ِم َن الليل َف َص َّلى ُث َّم َا ْي َق َظ ْام َ َرا َت ُه َف َص َّل ْت َفإ ْن َا َب ْت َن َض َح في َو ْجه ِها ْال َم َاء‪ ،‬و َر ِح َم ُ‬
‫هللا ْام َ َرا ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الليل َف َصل َت َو َا ْي َق َظ ْت َز ْو َج َها َف َص َّلى َف ِإ ْن َابى َن َض َح ْت في َو ْج ِه ِه ال َم َاء"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫َق َام ْت ِم َ‬

‫فما كان منها إل أان طبقته في الليلة التالية بحذافيره!‬

‫واستيقظ فزعا ليجد نفسه مبلال بالماء البارد‬

‫من أراسه إلى أاخمص قدميه!!‬

‫وكانت النتيجة أان قضى أاسبوعا بعدها مريضا!‬

‫***********************‬
‫آ‬
‫وإنه ليذكر كيف كانت تسارع إذا دعاها ‪ ،‬ليق أرا معها في القران ‪ .‬وكان يعلمها قواعد التجويد‪،‬‬
‫ويعيد عليها القاعدة الواحدة أاك ثر من مرة حتى تحفظها ‪ .‬ولربما ُت ْنساها بعد كل هذا ‪ ،‬فترفع إليه‬
‫عيني تلميذ يخشى عقاب معلمه ‪ ،‬فال يزيد على أان يبتسم لها ُم َط ْم ِئنا ‪ ،‬ويذكرها بما ا ْن َسته ‪ .‬وإنه‬
‫ْ‬
‫أ‬
‫ليذكر ذلك السبوع "الهادئ" الذي قللت فيه صفاء من ثرثرتها ‪ ،‬حتى ارتاب في أامرها ‪ .‬وكلما‬
‫دخل عليها الغرفة أاخفت شيائ كان في يدها ‪ ،‬وما كانت لتجيب مهما رجاها ‪ .‬فإذا بها بعد انتهاء‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫حف َظ ْت‬ ‫النبا ّ‬
‫السار ‪ :‬لقد ِ‬ ‫السبوع ُت ْقبل عليه في سعادة ‪َ ،‬بق ْفزاتها الرَن ِب َّية المعهودة َلت ِز َّف إليه‬
‫سورة الكهف كاملة! يومها ‪ ،‬أاعد لها حفلة صغيرة شارك تهم فيها أامها ‪ .‬واشترى لها ميدالية ذهبية‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪211‬‬
‫ُْ‬
‫غامرة ‪ ،‬وهو أوامها‬
‫ِ‬ ‫سعادة‬ ‫في‬ ‫وهناك‬ ‫هنا‬ ‫تتقافز‬ ‫احت‬
‫ر‬ ‫حتى‬ ‫‪،‬‬ ‫إياها‬ ‫بسها‬‫ل‬ ‫صغيرة ‪ ،‬فما كاد ي‬
‫يضحكان في سرور ‪.‬‬

‫**************‬

‫لقد كانت تلك لقطات من حياته ‪..‬‬

‫لقطات مختلفة من أاوقات ُمتبا ِي َنة‬

‫ولكنها حين ُت ْجمع جنبا إلى جنب‬


‫ُت ّ‬
‫كون صورة جميلة‬
‫ِ‬
‫صورة تبعث الدفء في النفس‬

‫والحب في القلب‬

‫من ذا الذي يمكن أان ينكر أان أاسرة َج َمعت هذه اللقطات‬

‫ليس الحب عنصرا أاساسيا فيها؟‬

‫ومن أاسس بنيانه على تقوى من هللا‬

‫فإن هللا لمتك فل بحفظه من النهيار‬


‫أ‬
‫فذلكم هو الحب الذي قامت عليه تلك السرة‬
‫أ‬
‫تلك السرة التي جمعت قلبين مختلفين‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪211‬‬

‫كادا يكونا متنافرين‬

‫فربطهما معا بشريط حريري‬

‫ُك ِتب عليه بماء الذهب‬

‫۞إن هللا مع الذين اتقوا والذين هم محسنون۞‬

‫**********************‬

‫في تلك الليلة‬

‫فارقت الحياة الدنيا من بين العديد الذين فارقوها‬

‫سيدة في أاواخر الثمانينات‬

‫لم تخترع الذرة‬

‫ول حازت جائزة نوبل‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫ولن ينشر نعيها على الصفحة الولى أاو حتى الخيرة‬

‫في الصحف العالمية أاو حتى المحلية‬

‫غير أانها حفرت اسمها في قلوب من عرفوها‬

‫وخ َّلفت ورائها أالسنة تلهج بالدعاء لها ‪ ،‬وتترحم عليها‬


‫َ‬

‫وكان لسان حالها يقول ‪:‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪212‬‬

‫آ‬ ‫َ‬
‫والناس َح ْولك يضحكون ُس رورا‬
‫ُ‬ ‫َول ْدتك أا ُّم َك يا اب َن ا َد َم با ِكيا ***‬

‫ضاح ًكا َمسرو ًرا‬ ‫َ‬ ‫نفس َك أان َ‬


‫تكون إذا َبك ْوا *** في ي ِوم م و ِت َك ِ‬
‫ْ ْ‬
‫فاع َمل ِل ِ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪213‬‬

‫ح دقت س لمى بالرس الة ف ي َ‬


‫وج ل ‪ ،‬ث م نقل ت بص رها إل ى خان ة العن وان ‪ ،‬ف إذا عنوانه ا‬
‫آ‬
‫"اإلعج از العلم ي ف ي الق ران الك ريم"! فتح ت س لمى الرس الة وق أراته ا ‪ ،‬ث م تنه دت ف ي ش يء م ن‬
‫أ‬
‫الرتي اح ‪ .‬ل م يك ن فيه ا م ا توقع ت! أالق ت نظ رة عل ى خان ة العن واين فالف ت عنوانه ا مندس ا وس ط‬
‫أاخرى ك ثيرة ‪.‬‬
‫أاتراه أا َ‬
‫رسلها لي سهوا؟‬

‫ولماذا ل يزال يحتفظ بعنواني حتى الساعة؟‬

‫ولماذا اختار هذا التوقيت بالذات بعد لقائنا أامس؟‬

‫أاتراه ما يزال ‪...‬‬

‫يحبني؟‬

‫بم َت ْه ِرفين يا سلمى؟ إنها رسالة عادية تماما!‬

‫ولكن ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪214‬‬

‫ولكن دلل ِتها ‪ ..‬غير عادية‬

‫َا َاتجاهلها؟‬

‫لربما كان يختبر ردة فعلي ‪..‬‬

‫فيحسب سكوتي رضا ويرسل غيرها!‬

‫وهللا وحده العليم بما سيكون فيها!‬


‫ولئن رددت عليه ‪َّ ..‬‬
‫فرب رد يجر وراءه ردودا‬

‫واليوم رسالة دينية‬

‫وغدا علمية‬

‫وبعد غد قلبية!‬

‫***************‬

‫ما هذا يا سلمى؟!‬

‫أاتشكين في نواياه و أانت تعلمين من سجاياه ما تعلمين؟‬

‫فلماذا إذا يضع نفسه موضع ّ ِالر ِي َبة؟‬


‫آ‬
‫أواي ِر َيبة في أان يرسل رسالة عن اإلعجاز العلمي في القران؟‬

‫ليست الرسالة ذاتها ولكن دللتها‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪215‬‬

‫واليوم تلميح وغدا تصريح‬


‫ثم كيف بنا ونحن الذين نق أرا قوله تعالى ۞ َي ْع َل ُم خا ِئ َن َة أال ْعين وما ُت ْخفي ُّ‬
‫الصدور۞‬ ‫ِ‬
‫أ‬
‫وكيف بنا ونحن نحف ظ ق ول المص طفى "ل َي ْبل غ العب د أان يك ون م ن المتق ين حت ى َي َد َع م ا ل ب اس‬
‫أ‬
‫به مخافة ما به باس"؟‬

‫لماذا يا أاحمد؟‬

‫وقو َي عليك شيطانك؟‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫أا َ‬


‫خانك َت َج ُّلدك في لحظة َض ْ‬
‫ِ‬
‫فإنها اليوم ِه َنة‬

‫وغدا ِه َنة‬
‫ُوت ْجمع الهنة إلى الهنة فإذا هي ِه َن ْ‬
‫ات‬

‫وإذا مستصغر الشرر قد أاشعل نارا عظيمة!‬

‫**********************‬
‫أ‬
‫ساقف بجانبك يا أاحمد!‬

‫ولن ا ِعين الشيطان عليك‬


‫أ‬ ‫َ أ‬
‫وس َا ْر َب ا بك عن هذا َالم ْن َحى كما أاربا بنفسي‬

‫فوهللا ليس هذا مما يغني عن أاحدنا شيائ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪216‬‬

‫قد ُك تب ما سيكون ‪ ،‬وكان ما ُك ِتب‬

‫وكل هذا اللتفاف لن يغني عن أاي منا أاي شيء‬

‫ولكنه سيجر علينا أاشياء نحن في غنى عنها‬

‫*****************‬

‫وفي الحال قامت سلمى بنسخ العنواين المهمة في بريدها ‪ ،‬ثم طلبت حذف حسابها عل ى‬
‫ذل ك العن وان بالكام ل ‪ .‬مض ت لحظ ات التحمي ل بطيئ ة وه ي تترق ب ‪ ،‬حت ى إذا ظه رت أامامه ا‬
‫آ‬
‫رس الة تفي د ح ذف حس ابها بالكام ل ‪ ،‬تنفس ت ال ُّص َع َداء! ستنش ئ حساب ا اخ ر ل يع رف أاحم د‬
‫عنوانه ‪ ،‬فتقطع الشك باليقين ‪ ،‬وتدع ما َي ِر ُيبها إلى ما ل َيريبها ‪.‬‬

‫******************‬
‫أ‬
‫م ر الس بوعان المرتقب ان أاخي را ‪ ،‬بع د أان ب دا لم ن ينتظ رون مروره ا أانه ا أاب دا جام دة ل‬
‫تتحرك ‪ .‬وتجمعت أاسرة قاسم ووالدا سلمى ف ي ش قة س لمى ‪ ،‬وق د أاع دوا حف ال ص غيرا مستبش رين‬
‫أ‬
‫ب ان قاس م لب د س يفوز بع ون هللا ‪ .‬م ر الوق ت س ريعا ب الجمع الس عيد ‪ ،‬فم ا انتبه وا إل عل ى ص وت‬
‫ج رس الب اب ‪ .‬تس ابق الجمي ع واحتش دوا أام ام م دخل الب اب ‪ ،‬وم ا دخ ل قاس م حت ى أاح اطوه‬
‫بالتصفيق والتهاني الحارة ‪ ،‬تهلل وجه قاسم ‪ ،‬وقال ضاحكا ‪:‬‬

‫‪ -‬ما شاء هللا! إنني حتى لم أاعلن خبر نجاحي بعد!‬

‫‪( -‬هويدا) لكنك فزت بالترقية حقا ‪ ،‬أاليس كذلك يا أاخي؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪217‬‬

‫‪( -‬يحك ذقنه بيده متظاهرا بالتردد) الحقيقة أانني ‪..‬‬


‫أ‬
‫‪( -‬سلمى) هيا يا قاسم ‪ ،‬ل تتالعب باعصابنا!‬

‫‪( -‬مستمرا في تظاهره) لست أادري كيف أاقولها لكم ‪..‬‬

‫‪( -‬يبدو على والد سلمى الستنكار) هل رفضوا مشروعك يا ولدي؟‬

‫‪( -‬سلمى) مستحيل!‬

‫‪( -‬هويدا) لبد أانك تمزح!‬

‫‪( -‬تنفرج أاساريره ضاحكا من ردة فعلهم) إنني فعال أامزح!‬


‫أ آ‬
‫‪( -‬سلمى) إذن فانت الن ‪..‬‬

‫‪ -‬مدير الفرع الجديد!‬

‫‪( -‬تحتضنه) مبروك يا قاسم!‬

‫‪( -‬تحتضن هويدا والدتها في فرح) الحمد هلل الذي حقق رجاءنا!‬
‫أ‬
‫‪( -‬يحتضنه الحاج عادل) مبارك لك يا ولدي ‪ ،‬أانت حقا زين السرة ومفخرتها ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تحتضنه والدته) أاس ال هللا أان يوس ع علي ك م ن فض له ‪ ،‬ويب ارك ل ك ف ي ك ل خط وة تخطوه ا ‪،‬‬
‫ويطيل عمرك في طاعته ‪ ،‬يا قرة عيني وثمرة فؤادي ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪218‬‬

‫‪( -‬ت دمع عين اه) إنن ي ع اجز ع ن ش كركم جميع ا ي ا أاحب ائي ‪ .‬وسع ادتي بنج احي ل تض اهي أاب دا‬
‫سعادتي بالبسمة المرتسمة على وجوهكم جميعا ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬الحاجة فاطمة) هيا ‪ ،‬سارع وبدل ثيابك ‪ ،‬لن قائمة السهرة لزلت طويال ‪.‬‬

‫‪( -‬تجذبه سلمى من يده) نعم ‪ ،‬هيا أاسرع ‪.‬‬

‫*******************‬

‫‪ -‬وهذه البدلة التي جهزتها لك! ما أرايك؟‬

‫‪ -‬بديعة! رائعة! تماما ككل شيء تعدينه!‬


‫أ‬
‫‪( -‬تقبله قبلة خفيفة) ل تتاخر علينا ‪َ ( .‬ت ِهم بالخروج)‬

‫‪ -‬سلمى؟‬

‫‪( -‬تلتفت إليه) نعم يا حبيبي؟‬

‫طوقها قاسم بذراعيه ‪ ،‬واحتضنها طويال ‪ ،‬دون أان يقول شيائ ‪ .‬وهي كذلك لم تقل ش يائ ‪.‬‬
‫أ‬
‫ول م يك ن ينتظ ر م ن أاح دهما أان ي تكلم ‪ ،‬ف اي كلم ات ق د تص مد أام ام تل ك الرحم ة ‪ ،‬الت ي أاودعه ا‬
‫الرحمن في قلوب عباده؟ أواي كالم يمكن أان يقال لم يقله ذلك الدفء وتلك المودة؟‬

‫‪( -‬طرق على الباب من الخارج) قاسم؟ هل انتهيت؟‬


‫أ‬
‫‪( -‬تبتعد عنه سلمى ‪ ،‬وتسارع نحو الباب وهي تبتسم له) سننتظرك ‪ ،‬سانتظرك ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪219‬‬

‫جلس قاسم على حافة السرير مطرقا ‪..‬‬

‫بل متفكرا ‪..‬‬


‫أ‬
‫كان قلبه عامرا باخالط من مشاعر شتى‬

‫كان سعيدا‬

‫ومطمئنا‬

‫وممتنا ‪..‬‬
‫أ‬
‫سرت في جسده رعشة عند الخاطر الخير‬

‫ودمعت عيناه‬

‫ولم يشعر بنفسه إل وهو َي ِخر ساجدا‬

‫والدموع تتقاطر من عينيه‬

‫وصدى ُهتاف يتردد في جنبات صدره‬

‫"الحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أان هدانا هللا"‬

‫"الحمد هلل رب العالمين"‬

‫*****************‬

‫كم سجد سجدته تلك في عتمة الليل الساجي‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪221‬‬

‫والكل نيام‬

‫كم رفع يديه يلهج بالدعاء قلبا ولسانا‬


‫أ‬
‫في َغ َبش السحار‬

‫كان يدعو لنفسه‬

‫ولوالديه‬

‫وإخوته‬

‫و ‪ ..‬سلمى!‬

‫******************‬
‫أ‬
‫منذ بلغ تلك السن التي تزهر فيها الحالم‬

‫أاحالم القلوب‬

‫وقلبه يهفو ‪ ..‬إليها‬

‫كان َب ْعد يافعا َف ِت ّيا‬

‫وشابا في ربيع العمر حييا‬

‫وهي طالبة جامعية‬

‫أواديبة واعدة‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪221‬‬
‫أ‬
‫وشابة كازاهير الورد َت ُفتحا َون ِد َّيا‬

‫فلم يجسر أان يفاتح أاحدا بما طوى عليه قلبه‬


‫أ‬
‫إذ كان يعلم أان مثلها يمكن أان يكون محط النظار‬

‫ولعلها ترزق بمن هو خير منه ثقافة وعلما‬

‫ولئن كانت من نصيبه فليس يمنعها عنه شيء‬

‫فليكاشف من هو بخبايا الصدور عليم‬


‫أ‬
‫وفي تقسيم الرزاق حكيم‬

‫وكم غلبته دموعه َو ْجدا وشوقا‬

‫إلى اليوم الذي يجمعه فيه بابنة عمه‬

‫رفيقة صباه‬

‫ومليكة قلبه‬

‫وكم زار بيتهم فخفض عنها بصره‬

‫وقلبه يتبعها أاينما ذهبت‬

‫حتى إذا انفض الجمع‬


‫أ‬
‫خال باخته هويدا أاكبر أاخواته أواقربهم لسلمى‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪222‬‬
‫أ‬
‫وراح يسالها في حذر عما تحدثتا فيه‬

‫عله يتسقط من حنايا الكالم خبايا الصدور‬

‫ويستبين دلئل الحب في قلبها‬

‫أاوليس اللسان على الفؤاد دليال؟‬

‫وتخرجت سلمى سالمة له‬

‫خالصة لقلبه لم يتقدم لها أاحد‬


‫أ‬
‫فتقدم لها والرض ل تكاد تسعه من الفرحة‬

‫وقلبه يسجد شكرا أان أاجاب الرحمن دعوته‬

‫وحفظ له حبيبته‬
‫أ‬
‫وكان ذلك حلمه الول ‪..‬‬

‫حلم قلبه المؤمن‬

‫المحب هلل‬

‫وما درى أاحد بما كان بينه وبين هللا‬

‫ول سمع أاحد دعوات تصعد للسماء كل ليلة‬

‫لكن الرحمن درى وسمع‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪223‬‬

‫وشاء وقدر‬

‫واستجاب الدعاء‬

‫********************‬

‫وتظل الحكمة خافية‬


‫أ‬
‫وتظل القدار تجري كيفما يشاء العليم الخبير‬

‫ويظل أامر هللا قدرا مقدورا‬

‫فمن رضي فله الرضى‬

‫ومن سخط فله السخط‬

‫******************‬

‫ها أانت ذا يا قاسم ‪..‬‬

‫تمضي في طريقك ‪..‬‬

‫تحقق حلما بعد حلم ‪..‬‬

‫في مرضاة هللا وركاب الدين‬

‫ظل ُلك المعروف ‪ ،‬ويرفعك الدعاء‬


‫ي ّ‬
‫ِ‬

‫َوي ُح ُّف َك اإلحسان من أاهل اإلحسان‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪224‬‬
‫ولكن هللا يشاء ‪ّ ،‬‬
‫ويقدر كيفما يشاء‬

‫وتظل لك نية سعيك المباركة‬

‫وإن انقطع بك السعي حتى حين ‪.‬‬

‫*****************‬
‫أ‬
‫‪( -‬تنظر هويدا إلى ساعة الحائط) تاخر قاسم!‬

‫‪( -‬يبتسم الحاج عادل) لعل المسكين غفا من التعب!‬

‫‪( -‬الحاجة فاطمة) ما كان ينبغي أان نعجل بالحتفال وقت رجوعه ‪.‬‬

‫‪( -‬تنهض سلمى) ليس من عادة قاسم النوم في هذا الوقت ‪ ،‬دقائق أواناديه ‪.‬‬

‫طرقت سلمى الباب طرقا خفيفا ‪ ،‬فلم لم يج ب أاح د ‪ ،‬فتح ت الب اب َه ْون ا م ا ‪ ،‬وه ي تهم س باس م‬
‫قاسم ‪ ،‬وما كاد بصرها يقع على أارض الغرفة ‪ ،‬حتى أاطلقت صرخة ارتاع لها الجميع!‬

‫كان قاسم ممدا على سجادة الصالة ‪..‬‬

‫وهو واضع يده على موضع القلب ‪..‬‬


‫أ‬
‫وقد ارتسمت على وجه تعابير ال لم ‪..‬‬
‫أ‬
‫كل ال لم ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪225‬‬

‫تطلعت الحاجة فاطمة ف ي قل ق إل ى الح اج ع ادل ‪ ،‬وه ي تح وط س لمى الباكي ة ب ين ذراعيه ا ‪،‬‬
‫ف ي ح ين كان ت هال ة تح ادث هوي دا عل ى اله اتف ‪ ،‬فلم ا أانه ت الح ديث ‪ ،‬التفت ت نحوه ا الحاج ة‬
‫فاطمة ‪:‬‬
‫آ‬
‫‪ -‬كيف أام قاسم الن؟‬
‫‪ -‬ستكون بخير إن شاء ‪ ،‬وهويدا تعتن ي به ا ‪( .‬تجل س إل ى جان ب س لمى م ن الناحي ة أالخ رى‬
‫وتربت على ك تفها) هوني عليك يا سلمى ‪ ،‬بإذن هللا تعالى لن يكون إل بخير حال ‪..‬‬
‫‪( -‬يؤيدها الحاج عادل) نعم بإذن هللا ‪ ،‬إنما هو إجهاد العمل المتواصل ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬ترف ع إل يهم عين ين منتفخت ين م ن البك اء) لم اذا ه و ف ي العناي ة المرك زة إذن ل و ك ان الم ر‬
‫مجرد إرهاق ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تهدئها الحاجة فاطمة) اصبري يا سلمى ‪ .‬عما قليل ياتي الطبيب ليطمئننا ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تقاطعها في توتر خ ائ ف) ل أاح د يري د أان ي اتي ‪ ،‬كله م اختف وا ب ه وترك وني هن ا أاك ت وي بن ار‬
‫الح ْيرة ‪ ،‬أاكاد أافقد صوابي ‪...‬‬
‫َ‬

‫‪( -‬يقاطعها والدها في نبرة تفاؤل) هو ذا الطبيب قادم! ( َي ُهبون جميعا نحوه)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪226‬‬
‫آ‬
‫‪( -‬يقت رب الطبي ب ‪ ،‬ويح اول البتس ام ُم َط ْم ِئن ا) الحم د هلل ه و بخي ر الن ‪ ،‬اس تطعنا بفض ل‬
‫هللا تدارك حالته هذه المرة ‪..‬‬
‫‪( -‬ته وي س لمى جالس ة ‪ ،‬وه ي ترتج ف) الحم د هلل ‪ ،‬الحم د هلل ‪( ..‬تبت ر عبارته ا وتنظ ر إل ى‬
‫الطبيب َب ْغتة) ماذا تعني "هذه المرة "؟‬
‫‪َ ( -‬ي ِز ُّم الطبيب شفتيه في تعاطف ‪ ،‬ويبدو مترددا) الحقيق ة أان ه ‪ ..‬م ن الواض ح أان زوج ك ق د‬
‫أارهق نفسه ك ثيرا ‪ ،‬بما يفوق قدرة جسمه على الحتمال ‪..‬‬
‫‪( -‬تقاطعه هالة في قلق) أارجوك خبرنا مباشرة أايها الطبيب!‬
‫‪( -‬يتردد وهو ُي َن ِّقل بصره بينهم) ‪ ...‬زوجك لديه ثقب ف ي القل ب! (تش هق س لمى ف ي ارتي اع ‪،‬‬
‫ف ي ح ين تخف ي هال ة وجهه ا بي ديها ‪ ،‬ويظ ل وال دا س لمى مح دقين ف ي الطبي ب ‪ ،‬فيح اول‬
‫آ‬
‫الطبيب تخفيف الصدمة) حالته مستقرة الن ‪..‬‬
‫‪َ ( -‬ت ُه ُّب سلمى واقفة وتنظر للطبيب برجاء) أاريد أان أاراه!‬
‫‪ -‬ل أاستطيع السماح لكم بذلك ‪ ،‬إنه في العناية المركزة و ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تت دخل هال ة بنظ رة برج اء) اس مح له ا ه ي عل ى الق ل أايه ا الطبي ب ‪ ،‬س نتحمل نح ن أال م‬
‫أ‬
‫النتظار ‪( ..‬تاخذ بيد سلمى الباكية ‪ ،‬وتتطلعان للطبيب راجيتين)‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫‪َ ( -‬ي ِرق لهم ا الطبي ب ‪ ،‬فيش ير لس لمى) حس نا ساس مح لزوجت ه فحس ب بال دخول الن حت ى‬
‫يفي ق ‪( .‬يش ير لس لمى أان تتبع ه ‪ ،‬فتمض ي ورائ ه ‪ ،‬ف ي ح ين تتهال ك هال ة عل ى كرس ي‬
‫النتظ ار ‪ ،‬وتخف ي وجهه ا بي دها ‪ ،‬وإل ى جانبه ا الحاج ة فاطم ة تواس يها ‪ ،‬والح اج ع ادل‬
‫واقف مكانه يسترجع هللا)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪227‬‬
‫آ‬
‫ثرت سلمى مكانك يا هال ة ‪ ..‬ك م أاش كرك‬
‫‪( -‬تجلس إلى جانبها ‪ ،‬وتحتضنها في تعاطف) لقد ا ِ‬
‫‪..‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬ترفع إليها عينين دامعتين) لست باق ل منه ا قلق ا عل ى قاس م ‪ ،‬لكنن ي ل م أاش ا أان أاض اعف‬
‫آ‬
‫همها ‪ ..‬رباه كيف أابلغ أامي الن؟‬
‫‪( -‬تتطل ع الحاج ة فاطم ة لزوجه ا ‪ ،‬فيجي ب) فلنص بر حت ى يس تيقظ قاس م أاول ‪ ،‬ث م لك ل‬
‫حادث حديث ‪.‬‬
‫***************‬

‫كانت الساعة تشير إلى السادسة ص باحا ‪ ،‬وق د انهمك ت الممرض ة أام ل ف ي ترتي ب م الءات َال ِس َّرة‬
‫أ‬
‫حينما دخلت عليها بشرى ‪ ،‬وعلى وجهها عالمات التاثر ‪..‬‬

‫مالك يا بشرى؟ أاهي رئيسة الممرضات مرة أاخرى؟‬


‫‪ِ -‬‬
‫‪ -‬ل ‪ ،‬إنما هي تلك الفتاة الجميلة التي حدثتك عنها ‪.‬‬
‫‪ -‬تعنين تلك التي أاصيب زوجها بالقلب؟ ما لها؟ أامات زوجها؟‬
‫‪( -‬ف ي غض ب) ل والعي اذ به ا! م ا تك ف ين ع ن إط الق ظنون ك هك ذا ُج َزاف ًا! ل و َع ِل م وال داك م ا‬
‫سمياك " أامل"!‬
‫‪( -‬تغمغم متثائبة) هما َس َّمياني ‪ ،‬فما ذنبي أانا؟! ( َت ُفرك عينيها في إرهاق) هاه! ما بها فتاتك‬
‫تلك؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪228‬‬

‫‪ -‬ظلت طوال الليل قائمة تصلي في غرفة زوجها! ل أا ُّمر بها أاثناء الدورية إل وجدتها إما قائمة‬
‫تصلي ‪ ،‬أاو متضرعة تدعو ‪ ،‬حتى أا ْك َبرُتها جدا و َر َّق لها قلبي ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تبتسم وهي تعاود التثاؤب) كان هناك أاحدا ل َي ِرق ل ه قلب ك ي ا بش رى! (ت رى بش رى تنظ ر‬
‫لها مستنكرة ‪ ،‬فتغمغم في تعاطف لتجاريها) حقا! ياللمسكينة!‬
‫أ‬
‫(تتناول م الءة ‪ ،‬وتش رع ف ي ترتي ب أاح د الس رة ‪ ،‬ث م ُت ِردف) ب ل وهللا نح ن المس اكين! ل و‬ ‫‪-‬‬
‫لقلت إنها َو ِل َّي ة من أاول ي اء هللا!‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫را ِيتها كما را ُيتها ‪ ،‬ووجهها يشرق نورا ‪ِ ،‬‬
‫أ‬
‫(كانما هزتها الخاطرة ‪ ،‬فتتوقف عنعملها برهة وتغمغم) سبحان هللا!‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫ما المر؟‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫أاتذكرين ذلك المليونير الذي نزل باحد أافخم الغرف السبوع الماضي؟‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬أاجل أاذكره ‪ .‬مسكين! لم يزره أاحد سوى موظف شرك ته ‪ ،‬ليتلقى منه الوامر!‬
‫َّ‬
‫‪ -‬لم ُت ْغ ِن عنه َث َرواته الطائلة شيائ ‪ ،‬فال دفعت عنه َغا ِئلة المرض ‪ ،‬ول أالفت حوله القلوب ‪.‬‬
‫‪( -‬تجلس على طرف السرير ُقبالة زميلتها) صحيح!‬
‫‪ -‬وكم من ُم ْع َدم يموت ‪ ،‬وحوله باكون يبكون لفراقه ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬أاو على القل قلب واحد يح زن علي ه بص دق ‪( .‬كالحالم ة) أابي ع ال دنيا لحظ ى بقل ب ص ادق‬
‫يبكيني بصدق ‪..‬‬
‫‪َ ( -‬ت ِهم بالرد عليها فيقاطعها صوت من الخلف) ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪229‬‬

‫‪ -‬م اذا تفع الن هن ا؟ (تن تفض الممرض تان لص ياح رئيس ة الممرض ات) تثرث ران وق ت العم ل؟‬
‫أ‬
‫حس نا س ننظر ف ي ه ذا الم ر فيم ا بع د ‪ ،‬هي ا تحرك ا إل ى ّ ِ‬
‫مهامكم ا! (تنهض ان وتع ودان‬
‫لعملهما)‬
‫*******************‬

‫‪ -‬لقد أافاق زوجك ‪..‬‬


‫بهذه الكلمات همست الممرضة في أاذن سلمى التي َغ َفت وهي جالسة ‪..‬‬

‫ففتحت عينيها بغتة وتطلعت إليه بلهفة‪..‬‬

‫خرجت الممرضة أواغلقت الباب خلفها ‪..‬‬

‫وتركت سلمى وقاسم ‪..‬‬

‫معا ‪..‬‬
‫آ‬
‫ينظر كل منهما إلى الخر‬

‫نظرات ‪..‬‬

‫حملت أالف معنى ‪..‬‬

‫ومعنى ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪231‬‬

‫فاح ت أارك ان الش قة بعبي ر ال ورود ‪ ،‬الت ي أارس لها زم الء قاس م وم ديروه ف ي الش ركة ‪ ،‬فض ال ع ن‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫السرة والقارب ‪ .‬فقد مضت عدة أايام منذ عودة قاسم لمنزله ‪ ،‬بعد أان أامر له الطبي ب بإج ازة م ن‬
‫العم ل م دة ش هر ‪ .‬أادخل ت س لمى العج ين ف ي الف رن حت ى َي َّ‬
‫تخم ر ‪ ،‬لتع د فط ائر اللح م المفض لة‬
‫أ‬
‫لولد هوي دا ‪ ،‬إذ طلب ت إليه ا س لمى الق دوم لزي ارتهم ‪ِ ،‬ل َم ا تعل م م ن ول ع قاس م بول ديها عب د‬
‫الرحمن وعثمان ‪ ،‬وابنتها الوليدة تسنيم ‪.‬‬

‫ض بطت س لمى ح رارة الف رن ‪ ،‬ث م ُخ ِّي ل إليه ا أانه ا س معت قاس م يناديه ا ‪ ،‬فخرج ت إل ى حي ث‬
‫كرسيه المفض ل ق رب الش باك ‪ ،‬وق د أاس َدل َج ْف َني ه وب دا نائم ا ‪ ،‬فاقترب ت من ه ف ي‬
‫كان جالسا على ِ‬
‫آ أ‬ ‫أ‬
‫ه دوء ‪ ،‬وجلس ت إل ى جانب ه عل ى الرض ‪ .‬ش عر به ا قاس م فف تح عيني ه ‪ ،‬وابتس م لمراه ا كان ه أراى‬
‫مالك ا ‪ .‬أاس ندت أراس ها إل ى ركبتي ه ‪ ،‬فم د ي ده يمس ح عل ى ش عرها ‪ ،‬وع اد ُيس ِدل جفني ه ف ي إره اق‬
‫واضح ‪ .‬مضت لحظات صمت ثقيل ‪ ،‬ثم غمغم قاسم أاخيرا ‪:‬‬

‫‪ -‬سامحيني يا سلمى!‬
‫‪( -‬رفعت إليه أراسها) أاسامحك يا قاسم؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬أاردت أان أاسعدك فاشقيتك من حيث ل أادري ‪ .‬سامحيني ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪231‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تدمع عيناها لكنها تمتنع عن البكاء) إنها إنها فت رة ع ابرة ب إذن هللا‪ ..‬س تمر الزم ة ي ا قاس م‬
‫‪ ،‬ونعود كما كنا ‪..‬‬
‫‪( -‬يغمغم) نعود كما كنا ‪..‬‬
‫‪ -‬نعم يا حبيبي (تعود فتسند أراسها إلى ركبتيه) كما كنا‪..‬‬
‫‪( -‬بعد صمت يسير) أاتعلمين يا سلمى؟‬
‫‪ -‬نعم يا حبيبي؟‬
‫‪ -‬كنت أاتمنى أان أاعتمر معك هذا العام ‪ ..‬ونطوف بالبيت معا ‪ ..‬يدا بيد ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تشد على يديه ‪ ،‬وهي تنظر لعينيه في تاكيد) س نعتمر ب إذن هللا مع ا ي ا قاس م ‪ ،‬ح ين تب أرا‬
‫بفضل هللا تعالى ‪.‬‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬كان ه ف ي واد اخ ر) كن ت تلبس ين الس واد ف ي المستش فى ‪ ،‬ل أاح ب أان أاراك ُم َّت ِش َح ًة‬
‫بالسواد يا سلمى ‪..‬‬
‫‪( -‬تنظر إليه في شيء من القلق) قاسم ‪ ..‬ماذا تقول؟!‬
‫‪ -‬عديني أال تلبسي السواد ثانية ‪..‬‬
‫‪( -‬تحدق به في َو َج ْل)!‬
‫‪( -‬يشد على يديها والعرق يتصبب منه) عديني يا سلمى!‬
‫‪ -‬أاعدك ‪ ،‬أاعدك بكل ما تريد ولكن ل تجهد نفسك بالكالم ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪232‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬يسكت قليال وهو ل زال ممسكا بي دها ‪ ،‬ث م يغمغ م مبتس ما وه و مس دل جفني ه) واري ِ‬
‫دك‬
‫كذلك أان تنجبي طفال يشبهك يا سلمى ‪..‬‬
‫‪( -‬تنظر إليه في فزع هذه المرة) قاسم!‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬كانه لم يسمع نداءها) أوان تقولي له إنني أاحببتك بصدق ‪ ،‬حبا مال علي جوانحي كلها!‬
‫‪!!! -‬‬
‫كنت المالك الذي أانار حياتي‪..‬‬
‫ِ‬ ‫نك‬ ‫‪ -‬أ‬
‫وا‬
‫‪( -‬ل تملك حبس دموعها ‪ ،‬فتخبئ وجهها بيديها ‪ ،‬لتنساب الدموع م ن ب ين أاص ابعها) ك ف ى‬
‫يا قاسم! أاتوسل إليك ك فى! ُك َّف عن الحديث هكذا! إنك تقتلني بكالمك!‬
‫أ‬
‫‪( -‬يف تح عيني ه وينظ ر إليه ا مندهش ا كانم ا أادرك وجوده ا للت و) س لمى؟ ‪ ..‬س لمى! أاتبك ين ي ا‬
‫سلماي؟!‬
‫‪... -‬‬
‫‪( -‬يمس ح عل ى ش عرها) إن كن ت تحب ينني حق ا ‪ ،‬فك ف ي ع ن البك اء ي ا س لمى ‪ .‬دموع ك عن دي‬
‫أاغلى من حياتي ‪..‬‬
‫‪( -‬تمسح دموعها وتطرق في وجوم) ‪...‬‬
‫آ‬
‫‪ -‬أارجوك أال تبتئسي يا سلمى ‪ ..‬أانا اسف ‪..‬‬
‫وتتك َّلف أان تبتسم)‬
‫‪( -‬ترفع إليه عينيها َ‬

‫سدل َجفنيه) أاتعلمين أانك تبدين كالمالك حين تبتسمين يا سلمى؟‬


‫‪( -‬يعود ُفي ِ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪233‬‬

‫‪ -‬حبيبي قاسم ‪..‬‬


‫‪( -‬يعود الصمت بينهما ثم يقول) أاشتهي أان أاشرب مشروبا من عمل ْ‬
‫يديك يا سلمى ‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تفضل؟ ينسون؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬ل باس ‪..‬‬
‫‪( -‬ت نهض س لمى مس رعة ت داري دموعه ا ‪ ،‬ويتبعه ا ه و ببص ره لحظ ة ‪ ،‬ث م يغمغ م والع رق‬
‫َيت َف َّصد من جبينه)‬
‫اللهم ارض عنها أوارضها‬

‫واخلف لها خيرا مني ‪.‬‬

‫*************************‬

‫تس للت دمع ة م ن دم وع س لمى وه ي ل تش عر ‪ ،‬داخ ل فنج ان الينس ون ‪ .‬أواخ ذت تص ب‬


‫السكر ‪ ،‬وهي بالكاد ترى ما تفعل ‪ِ ،‬لغشاوة الدموع عل ى عينيه ا ‪ .‬حت ى إذا انكش فت ُغ َّم ة ال دموع‬
‫أ‬
‫قل يال ‪ ،‬وج دت نفس ها تص ب ِملح ا ب دل الس كر ‪ ،‬فاسرع ت تس كب محتوي ات الفنج ان ف ي‬
‫آ‬
‫ض عل ى ش فتيها ف ي َح َن ق ‪ " :‬غبي ة! غبي ة! غبي ة! " ث م ش رعت ُت ِع د ِفنجان ا اخ ر‬
‫الح وض ‪ ،‬وه ي َت َع ُّ‬
‫على َج َناح السرعة ‪ ،‬حتى إذا فرغت حملت الفنجان أواسرعت إليه ‪. .‬‬

‫إلى قاسم ‪..‬‬

‫لكن ما إن وقع بصرها عليه حتى َج ُمدت في مكانها ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪234‬‬

‫كمن مسته صاعقة من السماء ‪..‬‬

‫أاو هوى في واد سحيق!‬

‫***************************‬

‫كان قاسم جالسا في مكانه ‪..‬‬

‫وقد انحنى أراسه على صدره ‪..‬‬

‫ورفع إصبع السبابة عالمة التوحيد!‬

‫*************************‬

‫طبق ‪ ،‬وتن اثر‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬


‫شهقت سلمى في ارتياع ‪ ،‬وسقط الفنجان من يدها محدثا د ِويا في ذلك الصمت الم ِ‬
‫أ‬
‫طامه على الرض ُّالرخامية ‪ ،‬وانسكب بعضه على ثوبها ‪ ،‬وهي بعد متصلبة في وقفته ا ‪ُ ،‬ت َح ِّدق‬
‫ُح َ‬
‫به!‬

‫قاسم ‪..‬‬
‫اختلجت شفتاها ‪َ ،‬وت َّ‬
‫حجرت الدموع في عينيها ‪..‬‬
‫أ‬
‫جرت قدميها إليه جرا ‪ ،‬كانما تزحزح ُك َتال من الرصاص‬
‫َّ‬

‫ثم َه َوت إلى جانبه ‪..‬‬

‫مدت يدها المرتجفة ‪ ..‬ولمست أاناملها أانامله‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪235‬‬

‫فبعث دفء أانامله شرارة في جسدها البارد‬

‫فانتفضت كمن أاصابه َمس!‬

‫ومع انتفاضها ‪..‬‬

‫تفجرت الدموع المتحجرة ‪..‬‬

‫فانهالت مدارارا‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ياخذ بعضها باعقاب بعض في صمت كسير ‪..‬‬
‫ظلت سلمى ّ‬
‫معل قة َ‬
‫بص َرها به‬ ‫ِ‬

‫وهي ل تكاد تعي ما حولها‬

‫حتى ُخيل إليها أانها ميتة وليست بحية‬

‫أوان الزمن توقف فال يمضى‬

‫والكون َت َس َّمر في مكانه فال يدور ‪..‬‬


‫أ‬
‫رفع ت ي دها تتحس س وجه ه المني ر البش وش ‪ ،‬فالفت ه كم ا عهدت ه دائم ا ‪ ،‬يبتس م ابتس امته‬
‫المطمئنة ‪..‬‬
‫أ‬
‫حتى شعرت بانه َي ِهم أان يقول لها " ابتسمي يا سلماي! "‬

‫أارادت أان تنادي اسمه ‪ ،‬ولكن صوتها احتبس في حلقها ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪236‬‬
‫أ‬
‫تاملته بضع دقائق حتى إذا تيقنت أانه لن يفتح عينيه ويبتسم لها ‪..‬‬

‫أاسندت أراسها إلى ركبتيه في انكسار ‪..‬‬

‫وتركت لدموعها َالعنان ‪..‬‬

‫لتنهمر بال انقطاع ‪.‬‬

‫*******************‬

‫وإن العين لتدمع ‪..‬‬

‫وإن القلب ليحزن ‪..‬‬

‫ول نقول إل ما يرضي ربنا ‪..‬‬

‫إنا هلل وإنا إليه راجعون ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪237‬‬

‫وقف ت س لمى عن د أاول ى درج ات الس لم مطرق ة ف ي وج وم ‪ .‬لق د اس تمهلت وال ديها س اعتين‬
‫آ‬
‫م ن ال زمن لتع ود لش قتها لجم ع بع ض ذكرياته ا ‪ ،‬ووداع ال بعض الخ ر‪ .‬حاول ت أامه ا إقناعه ا‬
‫بالنتظ ار ريثم ا تخ ف ح دة ش جونها ‪ ،‬غي ر أان ش عورا قوي ا ك ان ي دفعها للحض ور بع د الجن ازة‬
‫مباشرة ‪.‬‬

‫أاتراها كانت تنتظر أان تستيقظ من ذلك الكابوس المرعب؟‬

‫أاتراها كانت تتوقع أان تصعد لتجده يترقب مجيئها بلهفة؟‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫سلم بحقيقة فراقه إلى البد ‪ ،‬غير أان الجزاء الباقية كانت ‪..‬‬
‫جزء من قلبها َّ‬

‫تشعر بوجوده وتؤمن بعودته ‪.‬‬

‫**********************‬

‫رفع ت س لمى عين ين دامعت ين ش اردتين ‪ ،‬وراح ت تح دق ف ي الس اللم الرخامي ة الت ي‬
‫آ‬
‫ص عدتها من ذ س نة ويزي د قل يال عروس ا ف ي َا ْوج مج دها ‪ ،‬وه ا ه ي ذي الن تص عدها أارمل ة ف ي قم ة‬
‫أاحزانه ا ‪ .‬س رت ف ي جس مها رجف ة قوي ة ‪ ،‬ث م ص عدت ‪ ..‬وح دها ‪ .‬وراح ت تج ر ق دميها ج را نح و‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪238‬‬

‫شقتها ‪ ،‬وكلما صعدت ُخطوة ‪ ،‬ازدادت دموعها انهمارا ‪ .‬وقفت أاخيرا أامام باب الشقة ‪ ،‬أواخرج ت‬
‫المفت اح ‪ ،‬وعبث ا حاول ت إدخ ال المفت اح ف ي ثقب ه َلف ْرط ِغش اوة ال دموع عل ى عينيه ا ‪ .‬ل م يتحم ل‬
‫أ‬
‫المفتاح وطاة أاصابعها وهي تعبث به في عصبية ‪ ،‬فسقط أارض ا ‪ ،‬انحن ت تلتقط ه ‪ ،‬أواخ ذت نفس ا‬
‫عميقا ‪ ،‬ثم عادت تدير المفتاح ‪ ،‬ودخلت ‪ ..‬وحدها ‪ ..‬إلى شقتهما‪.‬‬

‫**********************‬

‫أاوصدت الباب خلفه ا بإحك ام ‪ ،‬ووقف ت بره ة تتس مع ف ي الس كون ‪ .‬ولث وان ُخ ِّي ل إليه ا ِم ن لهفته ا‬
‫وترقبه ا ‪ ،‬أانه ا س معت ص وتا ص ادرا م ن غرف ة الن وم ‪ .‬س ارعت س لمى نح و الغرف ة ودفع ت الب اب‬
‫لهثة ‪..‬‬

‫أوامامها امتدت أارض الغرفة‬

‫خاوية إل من أاثاثها ‪.‬‬

‫********************‬

‫َن َكست أراسها ف ي أاس ى ‪ ،‬واتجه ت ل دولبها تلمل م من ه بع ض ثيابه ا ‪ ،‬وه ي تتحاش ى النظ ر‬
‫اش ‪ .‬فتح ت س لمى دولبه ا ‪ ،‬ووق ع بص رها أاول م ا وق ع عل ى ثوبه ا‬ ‫ٍ‬ ‫تح‬ ‫ا‬ ‫يم‬ ‫ا‬‫إل ى دولب قاس م أ‬
‫أ‬
‫الب يض ‪ ،‬أاح ب أاثوابه ا إل ى قاس م أواول هدي ة من ه له ا‪ .‬م ررت أاص ابعها عل ى الث وب ‪ ،‬وه ي تبتس م‬
‫ابتسامة الحزين ‪ ،‬ثم أاغلقت الدولب ‪ ،‬وجلست على حافة السرير في سكون أاليم ‪.‬‬
‫أ‬
‫تاملت حاجياتها في الغرفة‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪239‬‬

‫عطورها‬

‫فرشاة شعرها‬

‫الدبة البيضاء على السرير‬

‫كل شيء ‪..‬‬

‫كل أاشيائها ‪..‬‬

‫كانت ملكه هو ‪..‬‬

‫قاسم!‬

‫كل هذا إنما كان له ‪..‬‬

‫وله وحده ‪.‬‬


‫آ‬
‫لن تستطيع أان تستعمل أايا من هذه الشياء لنفسها بعد الن‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫لن قاسم لن يكون موجودا ليتاملها وهي تمشط شعرها الطويل‬

‫ول ليثني على ذوقها في اختيار العطور‬

‫ول ليقذفها بتلك الدبة البيضاء ‪ ،‬كلما قالت تعليقا يغيظه‬

‫ل!‬

‫لقد رحل قاسم!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪241‬‬
‫أ‬
‫ومعه رحلت قيمة تلك الشياء!‬
‫أ‬
‫التي كانت بالمس القريب من أا ْن َفس ممتلكاتها أواعزها‬

‫فغادرتها قيمتها ّلما غادر َمن كانت تستمد منه حياتها ‪.‬‬

‫*****************‬
‫أ‬
‫نهض ت س لمى بتثاق ل ‪ ،‬وخرج ت م ن الغرف ة أواغلق ت الب اب خلفه ا ‪ ،‬دون أان تاخ ذ منه ا‬
‫ش يائ ‪ .‬و َرغ م أانه ا اس تمهلت وال ديها س اعتين ‪ ،‬إل أان ه ل م يك د يم ض عل ى وجوده ا بض ع دق ائق ‪،‬‬
‫آ‬
‫حت ى ودت ل و تتص ل بهم ا ليص طحباها بعي دا ‪ .‬ك م اذاه ا ذل ك الس كون ُالم َخ يم أوا َم َّض تها تل ك‬
‫ْ‬
‫الوحدة ُالمطبقة ‪.‬‬

‫سبحانك ربي مقلب القلوب ‪..‬‬

‫وخالق المشاعر اإلنسانية الرهيفة ‪..‬‬

‫كم كانت َتست ِلذ تلك ِالوحدة ‪..‬‬

‫حين تعلم أان قدوم قاسم من عمله َي ُعقبها ‪..‬‬


‫أ‬
‫وتكون قد أاعدت له َحلواه المفضلة مفاجاة له‬

‫كم كانت تحب السكون ‪ ،‬وترجوه أان يطول ‪..‬‬


‫أ‬
‫لتصغي لنفاسه ‪ ،‬وهو ِيغ ُّط في نوم عميق‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪241‬‬

‫دون أان يعكر َص َفو نومه همس‬

‫وما تغير السكون‪..‬‬

‫وما تغيرت الوحدة‪..‬‬

‫ولكنه تغير الحال ‪..‬‬


‫أ‬
‫وتعاقب الحوال‪..‬‬

‫ودوامها من المحال ‪..‬‬


‫آ‬
‫وإلى هللا وحده المال ‪.‬‬

‫*********************‬

‫ودت سلمى ل و تلق ي نظ رة أاخي رة قب ل ذهابه ا عل ى ذل ك الكرس ي ‪ ،‬كرس ي قاس م ‪ .‬إنه ا ت ذكر‬
‫أ‬
‫أاول ي وم أرات ه في ه فل م تتمال ك أان ض حكت من ه ‪ ،‬ك ان عتيق ا و"كالس يكيا" ‪ ،‬مقارن ة بالث اث ذي‬
‫الطراز الح ديث ‪ .‬يومه ا ابتس م قاس م لتعجبه ا ‪ ،‬ونظ ر للكرس ي ب إعز ِاز م ن ه و ب ٍاق عل ى وفائ ه ل ه ‪،‬‬
‫آ‬
‫ول و َس ِخر من ه الخ رون ‪ .‬ك ان ذل ك الكرس ي ه و المفض ل ل دى وال د قاس م ‪ ،‬ال ذي ك ان ك ثي را م ا‬
‫يالعب ه وه و ج الس علي ه ‪ ،‬ويع ده أان يهدي ه إي اه ي وم عرس ه ‪ .‬فك ان الكرس ي بمثاب ة كن ز العائل ة‬
‫العتي ق توارثت ه أاب ا ع ن ج د ‪ .‬ول م يك ن بتص ميمه م ا يش د الن اظرين إلي ه ‪ ،‬ولكنه ا تل ك القيم ة‬
‫المعنوية التي تسبغ على صاحبها رونقا وجمال ومكانة ‪ ،‬ولو كان مجرد كرسي عتيق ‪ .‬يومها َق َّدرت‬
‫أ‬
‫وجود ذلك "النشاز" بين مجموعتها المختارة ‪ ،‬أواحبته ‪ ..‬لن قاسما أاحبه ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪242‬‬
‫أ‬
‫م ررت س لمى ي دها علي ه فالفت ه داف ائ ‪ ،‬كم ا ل و أان قاس ما ك ان يجل س علي ه من ذ دق ائق ‪ .‬وهاج ت‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الذكرى فاهاجته ا ‪ ،‬فجلس ت عل ى الرض أواس ندت أراس ها إل ى الكرس ي ‪ ،‬وترك ت ل دموعها َالعن ان ‪،‬‬
‫فتقاطرت بال انتظام ‪.‬‬

‫وعاد السكون يخيم على المنزل‪..‬‬

‫والوحدة تجتاح ثناياه ‪..‬‬


‫أ‬
‫وخشعت الصوات ‪..‬‬

‫إل من َز َفرات قلب يك توي بنار الفراق‪..‬‬

‫ودقات ساعة َ ِرتيبة ‪..‬‬

‫تدق معلنة أان الزمن سيمضي ‪..‬‬

‫أوان عجلة الحياة ستدور ‪..‬‬

‫أوان العمر سينقضي ل محالة ‪..‬‬


‫آ‬
‫والموت ات ل ريب ‪..‬‬
‫أ‬
‫ليطوي العزاء في جوف الثرى ‪..‬‬

‫فال رجعة بعد ول لقاء ‪..‬‬

‫ويمضي بالمسافر ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪243‬‬
‫آ‬
‫إلى حيث ل عودة ول ماب ‪..‬‬
‫َ‬
‫فالك ِّيس من دان نفسه وعمل لذلك اليوم ‪..‬‬
‫أ‬
‫والحمق من أا ْت َبع نفسه هواها‬
‫أ‬
‫وتمنى على هللا الماني ‪.‬‬

‫ْ‬ ‫وات ُقوا َي ْو َما ُت ْر َج ُعون فيه إلى هللا ُث َّم ُت َو َّفى ُكل َن ْ‬
‫س ما َك َس َب ْت ُوهم ل ُيظ َلمون ۞‬
‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫۞ َّ‬

‫تابنا َي ْن ِطق َع َليكم ب َ‬


‫الحق ‪َّ ،‬إنا ُكنا َن ْس َت ْن ِس ُخ ما ُك ْنتم َت ْع َملون ۞‬ ‫۞ َهذا ِك ُ‬
‫ِ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪244‬‬

‫إشارة حمراء مرة أاخرى! أاوقفت سلمى السيارة ‪ ،‬وراحت تنتظر ‪ .‬كانت عائدة إلى المنزل ‪،‬‬
‫بعد شراء حاجيات طلبتها والدتها ‪َّ .‬ندت منها زفرة حارة ‪ ،‬حين تذكرت كيف كانت تنزل هي‬
‫وقاسم – رحمه هللا ‪ -‬لشرائها ‪ .‬كان الطريق حينها يبدو ممتعا وقصيرا ‪ ،‬بما يتبادلنه من‬
‫أاحاديث في شتى الموضوعات ‪ .‬احتشدت الذكريات في أراس سلمى ‪ ،‬فشعرت بصدرها َينق ِبض‬
‫وبرغبة َع ِار َمة في النفجار باكية ‪ ،‬فما كان منها إل أان أادارت محرك السيارة واتجهت إلى شارع‬
‫جانبي ‪ ،‬لتهرب من الزحام والنتظار ‪ ،‬اللذين يستجلبان تلك الذكريات المؤلمة ‪.‬‬

‫مضت سلمى بسيارتها على غير هدى ‪ ،‬فلم يكن لها بذلك الطريق من عهد ‪ .‬راحت‬
‫ْ‬
‫تسترشد بمن تقابلهم من أاناس ‪ ،‬ولكن قلما يهتدي المرء بمن يرشد بغير ِعلم ‪ ،‬فتاهت أاك ثر في‬
‫آ‬
‫َال ِز َّقة الضيقة ‪ ،‬وشعرت بالندم على تصرفها ‪ .‬ثم لطف هللا بها إذ َت َب َّدى لها منعطف في اخر‬
‫حدق في‬‫الزقاق‪ ،‬وما خرجت سلمى من ذلك المنعطف حتى أاوقفت سيارتها َب ْغ َتة ‪ ،‬ووقفت ُت ّ‬
‫ِ‬
‫الطريق أامامها‪ .‬إنه ذلك المكان!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪245‬‬
‫أ‬
‫كانت الرض َالق ْفر تنبسط أامامها َم َّد البصر ‪ :‬شارع طويل َي ُح ُّفه عن الجانبين أارض ‪ ،‬تبدو‬
‫كالصحراء لشدة َج ْد ِب َها ‪ ،‬إل من بعض حشائش يابسة ‪ ،‬وقد تناثرت منازل ك ثيرة هنا وهناك ‪،‬‬
‫ْين ِبئ مظهرها عن فقر أاهلها وحاجتهم ‪ .‬كانت تلك هي ِالمنطقة التي لعبت فيها سلمى مرة ‪ ،‬مع‬
‫قاسم أواخوا ِته وهم ِصغار ‪ ،‬وكانت تلك هي المنطقة التي تمنى قاسم أان ُيبنى فيها مسجد ‪،‬‬
‫ويع ُم َرها بخطوات َّ‬
‫المشائين إلى‬ ‫ويحي أالرض َالقفر بصوت أالذان ‪ْ ،‬‬ ‫يجمع أالهالي للصالة ‪َ ،‬‬
‫المساجد ‪ ،‬في َع ْت َمة الليل و َو َضح النهار‪ .‬أايكون قاسم قد جاء قبلها إلى هنا؟‬

‫جالت سلمى بعينيها في المكان ‪ ،‬حتى استوقفها بناء ُمتها ِلك يشبه الكوخ ‪ ،‬لم تذكر أانها‬
‫أراته وقتها ‪ .‬أاوقفت محرك السيارة ‪ ،‬ثم َنزلت متوجهة ناحية شبه المنزل ذاك ‪ .‬حتى إذا كانت‬
‫آ‬
‫على َم ْر َمى َح َجر منه ‪ ،‬تناهى إلى سمعها صوت قران ُيتلى بترتيل خاشع ‪ .‬اقتربت سلمى بهدوء ‪،‬‬
‫أ‬
‫فتبينت شيخا قد اشتعل أراسه شيبا ‪ ،‬جالسا على حجر أامام النقاض ‪ .‬وقد بدا من انسجامه‬
‫واستغراقه في القراءة ‪ ،‬أانه جالس على َض َّفة نهر الكوثر في الجنة!‬

‫وقفت سلمى في مكانها حائرة ‪ ،‬أاتعود أادراجها؟ أام تقطع على الشيخ لحظات السالم ‪،‬‬
‫التي َي َت َخ َّط ُفها المرء بين َالف ْينة والفينة ‪ ،‬في زمن َغ َّرت فيه الدنيا بزخرفها الك ثيرين ‪ .‬أانقذها من‬
‫آ‬
‫حيرتها تلك توقف الشيخ تلقائيا ‪ ،‬حين وصل لخر السورة ‪ ،‬فانتهزت سلمى الفرصة ‪ ،‬وضربت‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫حصاة صغيرة بطرف حذائها ‪ ،‬فالتفت الشيخ ‪ ،‬أوا ْج َفل أاول المر لما راها‪.‬‬

‫**********************‬

‫‪َ ( -‬ف ِزعا) بسم هللا الرحمن الرحيم!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪246‬‬
‫آ‬
‫‪( -‬في َت َل ُّطف) سامحني يا عماه ‪ ،‬ولكن ترتيلك للقران جذبني ‪ ،‬وخشيت أان أاقطع عليك‬
‫قراءتك ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬يغلق المصحف) ل ب اس يا ابنتي ‪ ،‬فوجهك ليس بالوجه الذي ياتي ِب َش ّر ‪( .‬ينهض‬
‫أ َ‬ ‫آ‬
‫حللت اهال ون َز ِ‬
‫لت َس ْهال بيننا‪.‬‬ ‫محييا ‪ ،‬ويشير إلى حجر اخر ُم ْن َت ِصب) تفضلي يا ابنتي ‪ِ ،‬‬

‫جلست سلمى على الحجر ‪ ،‬وراحت تحدق في َع َجب ‪ ،‬في ذلك اإلبريق النحاسي ‪ ،‬الذي‬
‫َّ‬
‫وضع فيه الشيخ الماء للشاي ‪ ،‬ثم َدله من غصن صغير معلق بين حجرين ‪ ،‬وتحته ن ار‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫والحطب اليابس ‪ .‬تاملت سلمى ِعيشة الشيخ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫صغيرة ‪ ،‬أاشعلها من بعض العشاب الجافة‬
‫أ‬
‫ال َقر َب إلى البدائية منها إلى البساطة ‪ ،‬وتساءلت في نفسها عما َحاق بذلك الشيخ الجليل ‪،‬‬
‫الذي بدت عليه َمخايل ِنعمة سابقة ‪ ،‬ليصل لتلك الحال من الفقر ُالم ْد ِقع ‪ .‬حانت منها التفاتة‬
‫سريعة لبقايا البناء خلفه ‪ ،‬كانت كافية َلت َس ُّقط معالمه ‪ :‬حبل غسيل قصير ُعلقت عليه ِخ َرق‬
‫بالية ‪ ،‬وكرسي سقط َمسنده ولم يبق إل هيكله ‪ ،‬ثم سرير اختفت أاغلب معالمه ‪ ،‬خلف جدار‬
‫آ‬
‫من الحجارة ا ِي ٍل للسقوط ‪.‬‬

‫ناول الشيخ سلمى كوبا من الشاي ‪ ،‬وابتسم ّلما أراى نظرة التعجب في عينيها ‪ .‬شعرت‬
‫بالح َرج الشديد ‪َ ،‬لت َط ُّف ِلها على الشيخ وموارده الضئيلة ‪ ،‬فغمغمت في خجل‪:‬‬
‫سلمى َ‬

‫‪ -‬سامحني لتطفلي يا عماه ‪ ،‬لكنني ضللت طريقي ‪ ،‬وانتهى بي المطاف هنا‪.‬‬


‫‪( -‬يبتسم) ل ِيضل طريقه من كان هللا وكيله وهاديه يا ابنتي ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪247‬‬

‫‪ -‬و ِن ْع َم باهلل ‪..‬‬


‫أ‬ ‫‪ ( -‬أيتاملها مليا كمن آراها قبال ‪ ،‬ثم ُ‬
‫طرق ‪َ ،‬وي ْن ُكت الرض ُبعود كان معه) لعلك تتساءلين‬‫ِ‬ ‫ي‬
‫أ‬
‫عن معيشتي هذه ‪ ،‬فساخبرك قصتي رجاء أان تعتبرين منها يا ابنتي ‪.‬‬
‫*********************‬
‫كنت فيما مضى موظفا حكوميا ‪ ،‬أاسكن َشقة متواضعة م ع زوجتي ‪ .‬كنا نعيش ِع َ‬
‫يشة‬
‫أ‬
‫الك َفاف ‪ ،‬ل ينقص عن احتياجاتنا الساسية شيء ‪ ،‬ول يزيد شيء ‪ .‬غير أان زوجتي لم تكن قانعة‬
‫َ‬

‫موارد أاخرى للرزق ‪ ،‬لعلنا نزيد دخلنا ‪.‬‬


‫بما نحن فيه ‪ ،‬وكانت دوما ُتح ُّثني على البحث عن َ‬

‫فطرقت أابواب مهن ك ثيرة ‪ ،‬غير أانني لم أاحظ بفرصة ‪ ،‬فليس معي من المؤهالت سوى شهادة‬
‫ُ‬
‫البتدائية‪.‬‬

‫وقد ظللت على حالي تلك حتى شكوت إلى زميل – عفا هللا عنه – م ا أانا فيه من َن َكد‬
‫العيش ‪ ،‬لعدم قدرتي على توفير المستوى الذي تتمناه زوجتي ‪ ،‬والذي أارجوه ألبنائي حين أارزق‬
‫بهم ‪ .‬فما كان منه إل أان أاشار علي – سامحه هللا – بقبول ا ّ ِلر ْش َوة ‪ ،‬التي كانت ُم َت َف ِ ّش َية عندنا ‪.‬‬
‫أ‬
‫في البداية رفضت رفضا قاطعا ‪ ،‬لنني كنت أاسعى لتحسين وضعنا بالحالل ‪ .‬ولكن الشيطان‬
‫أاخذ يوسوس لي ‪ ،‬أوانا أارى أاصحاب َّالر َشاوى يزدادون ِغنى ‪ ،‬دون أان ُيعاقبوا أاو يالموا ‪ -‬في‬
‫الظاهر‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪248‬‬
‫أ‬
‫لم أاستطع ِك تمان الفكرة في صدري ‪ ،‬أاو بالحرى كنت أاحتاج " َلد ْف َعة" تمحو أاثر التردد في‬
‫أ‬
‫نفسي ‪ .‬ففاتحت زوجي – عفا هللا عنها – بالمر ‪ ،‬ولم يخب ظني فيها – وليته خاب!‪( -‬يتهدج‬
‫صوته من الحزن) لقد أايدتني ‪ ،‬بل حرضتني تحريضا ‪ ،‬و َز َّي َنت لي أاننا حين َن ْغ َت ِني ‪ ،‬نستطيع‬
‫الش ْبهة بالصدقة! وتناسينا حينها أان الحالل ل ُيبنى على حرام ‪ ،‬أوان هللا‬
‫بعدها َتطهير أاموالنا من ُّ‬

‫طيب ل يقبل إل طيبا ‪.‬‬

‫في ذلك اليوم ذهبت إلى العمل أوانا أارتجف َف َر َق ًا ‪ ،‬أواعدت سرد كل المبررات التي أا ْم َلتها علي‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫زوجتي ‪ ،‬ونفسي المارة بالسوء ‪ ،‬لزداد اقتناعا بما أانا ُم ِقدم عليه ‪ .‬غير أانني لما جاء العميل‬
‫أ‬
‫الول لم أاستطع أان أاطلب الرشوة ‪ ،‬فلما ذهب ِندمت أانني ضيعت أاولى الفرص ‪َ ،‬وع َزمت أان‬
‫أاكون أاقوى في الثانية! فلما جاء العميل الثاني ‪ ،‬أاخذت أاوراقه ‪ ،‬ثم استجمعت شجاعتي ‪،‬‬
‫وهمست له بالكلمة المفتاحية المتعارف عليها للرشوة ‪ .‬وفتحت له درج مك تبي كما عادة‬
‫ُالم ْرَتشين ‪ ،‬ليضع فيه مبلغا ضعف ثمن الخدم ة ‪ ،‬ولكن ل يحسب ضمنها! وبالفعل وضع‬
‫المبلغ ‪ ،‬دونما أاي اعتراض ‪ ،‬إذ كان ذلك هو المتعارف عليه ‪ ،‬أان مثل تلك المصال ح ل ُت ْق َضى‬
‫إل برشوة ‪ .‬وما ذهب ذلك العميل ‪ ،‬حتى فتحت الدرج بلهفة الكلب الذي يجري نحو عظمة ‪،‬‬
‫أ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬
‫وإن كانت ملقاة في الوحل ‪ ،‬أواخذت الوراق النقدية بين يدي ‪ ،‬و ‪َ ..‬ق َّبلتها من الفرح! لول مرة‬
‫يكون في يدي مثل تلك "الثروة" ‪ .‬أاعماني منظر النقود وزاد َج َشعي ‪ ،‬فما مضى اليوم إل وقد‬
‫جمعت من كل العمالء مزيدا من الحرام ‪ ،‬دون أان يعترض واحد منهم – سامحهم هللا ‪ .‬ليتهم‬
‫اعترضوا ‪ ،‬ليتهم ذكروني باهلل ‪ ،‬أاو ليتهم رفضوا ‪ .‬وكذلك َيسود المنكر حتى يصير ُعرفا ‪ ،‬حين ل‬
‫َن َتناهى عنه ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪249‬‬

‫يومها عدت لزوجتي أاكاد أاطير فرحا ‪ .‬وجلسنا َن ُعد نقودنا تلك الليلة ‪ ،‬وهي تزغرد في سعادة ‪،‬‬
‫يحس َدنا الجيران ‪ .‬وليت َج َش َعنا توقف عند ذلك الحد ‪ ،‬بل رحنا نرسم‬ ‫بصوت خفيض لئال ُ‬
‫خططا لرفع ثمن الرشوة ‪ .‬ولم يمض إل القليل ‪ ،‬حتى صرت معروفا بين زمالئي "بالداهية" ‪،‬‬
‫الس َّذج كما نسميهم ‪ ،‬أاو البريئين كما‬
‫َلن َبهاتي في جمع َّالرشاوى! بل وصار ك ثير من الموظفين ُ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫هي حقيقتهم ‪ ،‬ياتون لياخذوا مني "نصائح" في تحصيل الرشوة ‪( .‬يبكي) ليتني اك تفيت برمي‬
‫آ أ‬
‫نفسي في النار ‪ ،‬ولكنني كنت اخذ بايدي هؤلء المساكين ‪ ،‬أوارميهم معي ‪ .‬كنت أارى في أاعينهم‬
‫ات َ‬
‫الح َمل الوديع الذي ل عهد له ِب ِح َيل‬ ‫نظرات التردد تلك ‪ ،‬التي كانت يوما في ّ‬
‫عيني ‪ ،‬نظر ِ‬
‫الذائب ‪ ،‬نظرات يرتعش فيها بريق خوف من هللا ‪ ،‬لم يكن يلبث أان يتالشى بجهودي "الجبارة"‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫في إقناعهم ‪ ،‬بان هذه طريقة السماك الصغيرة للعيش في عالم الحيتان ‪( .‬يتوقف ليلتقط‬
‫أانفاسه وهو يستغفر)‬

‫‪( -‬تجلس حائرة ل تدري ماذا تقول ‪ ،‬وتنظر إليه بتعاطف شديد)‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬يستانف) إلى أان جاءني يوما شاب ‪ ،‬قد َع َّضه الفقر بانيابه ‪ ،‬حتى بدا ذلك َج ِليا في‬
‫مالمحه ‪ .‬رفضت بالطبع أان أاؤدي ل ه عمال ‪ ،‬حتى يدفع الرشوة ‪ ،‬فما كان منه إل حدق‬
‫ِف ّي بذهول ‪ ،‬ثم راح يعبث في جيبه ‪ .‬وبعد جولت فاشلة في جيوب قميصه وبنطاله ‪،‬‬
‫التفت إلي بنظرات كانت ك فيلة بتذويب جبال من الجليد ‪ ،‬لكنها لم تؤثر ّفي على‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫اإلطالق ‪ .‬أاخذ يرجوني ويستحلفني باهلل ‪ ،‬فامه مريضة وتحتاج الوراق ‪ ،‬وإل قد يفوت‬
‫فان َتهرُته ورميت أاوراقه في وجهه‬
‫أاوان إنقاذها ‪ .‬ولكنني أابيت إل انتزاع الحرام منه انتزاعا ‪َ ،‬‬

‫‪ .‬وفي محاولة يائسة ‪ ،‬أافرغ لي جيبه ‪ ،‬فتساقطت على مك تبي قطع نقدية قليلة العدد‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪251‬‬
‫آ‬
‫والقيمة ‪ .‬فلما راني غير راض ‪ ،‬خلع لي ساعته المتهالكة ورجاني أان أارضى ‪ ،‬فليس يملك‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫أاك ثر من هذا ‪ .‬وكان "قلبي" "رق" حينها ‪ ،‬فاخذت القطع النقدية والساعة ف ي درج‬
‫مك تبي ‪ ،‬ثم أامضيت له أاوراقه ‪ .‬فمد يده وتناولها مني ‪ ،‬ولكنه قبل أان ينصرف ‪ ،‬رماني‬
‫نظرة اإلنسان المظلوم حين يظلمه أاخوه اإلنسان ‪،‬‬ ‫أ أ‬
‫بنظرة ل يمكن ان انساها ما حييت ‪ِ :‬‬
‫أ‬
‫نظرة المستجير باهلل ممن ل َي ُهزه التخويف باهلل ‪ .‬سرت َر ْع َدة في‬
‫وياكل لحمه ِج َهارا ‪ِ ،‬‬
‫جسدي من نظرته تلك ‪ ،‬ولم أاستطع البقاء حتى نهاية العمل ‪ ،‬فغادرت مبكرا ‪.‬‬

‫بالع ِويل! وإذا زوجتي في المستشفى ‪ ،‬بعد أان‬


‫عدت إلى منزلي ‪ ،‬فإذا الجارات يستقبلنني َ‬
‫أ‬
‫أاغمي عليها في إحدى محالت تفصيل المالبس! أاسرعت إلى المستشفى وسالت عنها ‪ ،‬فإذا‬
‫الطبيب يخبرني أانه لبد من عملية جراحية لستئصال الرحم! ِل َثوان حدقت فيه َ‬
‫كالم ْخ ُبول ‪ ،‬ثم‬
‫صرخت في وجهه غير مصدق ‪ " :‬إذن لمن كان كل هذا؟" لم يفهم المسكين معنى صرختي ‪،‬‬
‫وحسبني َا ْه ِذي ‪ .‬أاما أانا فقد مادت بي أالرض ‪َّ ،‬‬
‫وغش َتني سحابة من الذهول ُ‬
‫والوجوم معا‪.‬‬
‫أ‬
‫أابعد كل ما فعلته باسمهم ‪ ..‬لن ياتوا؟!‬

‫لن أاكون أابا؟!‬

‫لن يكون لي أاولد؟!!‬


‫أ‬
‫(يبتسم نادما) ولم أادرك حينها كم أان هللا أراف بهم ‪ ،‬فلم يجعلني لهم أابا ‪ ،‬لن مثلي ل‬
‫يصلح أان يكون كذلك ‪ .‬تمت العملية ‪ ،‬وكلفت مبالغ طائلة ‪ ،‬التهمت نصف الحرام الذي ادخرته‬
‫ولن المصائب َقلما أتاتي ُف َرادى ‪ ،‬أاصيبت زوجتي بعدوى فيروسية إثر العملية ‪ ،‬أفاخذت أا ُدور‬
‫أ‬
‫‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪251‬‬

‫واضطررنا لبيع‬ ‫بها على أالطباء ‪ ،‬أواشتري لها أالدوية حتى التهمت النصف الباقي من الحرام ‪ُّ ،‬‬
‫أالثاث الفاخر الذي اشتريناه ُ‬
‫للمباهاة ‪ ،‬وقد كنا نجلس على الكراسي الخشبية َفت ْك فينا ُوت ْج ِز ْئ ‪،‬‬
‫آ‬
‫لكنه الجشع وحب المظاهر‪ .‬ثم احتاجت زوجتي إلجراء عملية أاخرى ‪ ،‬استنزفت اخر ما تبقى ‪،‬‬
‫أ‬
‫فبعنا الشقة وكل ما نملك ‪ ،‬وليتها ُشفيت بعد كل هذا كما وعدنا الطباء ‪ ،‬بل خرجت ُم ْق َعدة!‬
‫أ‬
‫ترين ‪ ،‬بزوجة ُم ْق َعدة (يشير لداخل النقاض) ‪ِ ،‬وق َط ِع قماش‬ ‫وهكذا انتهى َبي المطاف كما ْ‬
‫بمقدار ما يستر أاجسادنا ‪ .‬وضاعت الشقة التي كنا نتذمر منها ‪ ،‬والمسكن الذي كان يؤوينا‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ويسترنا عن ذل المسالة ‪ ،‬وضاع ت الصحة التي أانفقناها في إغضاب هللا ‪ ،‬وطارت الموال‬
‫الحالل التي كنا َن ْس َت ِقلها ‪ ،‬وقد كانت تصوننا عن التطلع لما في أايدي الناس ‪( ..‬يبتسم في مرارة)‬
‫وها أانا!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تغمغم وقد دمعت عيناها تاثرا) ل إله إل هللا ‪..‬‬
‫‪( -‬يبتسم ابتسامة الحزين) كان ما وقع – بحمد هللا – ك فيال ِب َر ِ ّدنا إلى صوابنا ‪ ،‬وقد كانت‬
‫ض أاصابعها حتى َا ْد َمت ك ثيرا منها ‪ .‬وكان هللا بنا رحيما إذ هدانا‬
‫زوجتي من شدة الندم َت ُع ُّ‬
‫أ‬
‫لهذا المكان ‪ ،‬فاتخذنا منه ملجائ ‪ ،‬وساعدتنا معونات الهالي هنا على الصمود ‪ ،‬حتى‬
‫جاءنا ذلك الشاب – جزاه هللا خيرا ‪.‬‬
‫‪( -‬باهتمام) شاب؟‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬نعم ‪ ،‬شاب م ن أاولئك الذي ترينهم فتذكرين هللا ‪ ،‬وتشعرين بالنس لهم ‪ ،‬وال لفة‬
‫معهم ‪.‬‬
‫‪ -‬متى جاء يا عماه؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪252‬‬

‫‪ -‬منذ خمسة أاشهر تقريبا أاو يزيد ‪.‬‬


‫‪( -‬تغمغم سلمى في نفسها ‪ :‬وقت أان كان قاسم ل زال حيا!) (تنظر إليه في رجاء) وماذا‬
‫فعل معكم يا عماه؟‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬لقد جلس معي كجلستك هذه ‪ ،‬فرويت له قصتي ‪ ،‬فبكى ك ثيرا وتاثر أايما تاثر ‪ ،‬حتى‬
‫أ‬
‫شعرت أانه ولدي الذي لم أانجبه ‪ ،‬أواحمد هللا أان لم يجعل لي ولدا مثله فلم أاكن لستحقه‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ .‬ثم سالته عما جاء يفعله في هكذا مكان ‪ ،‬فاخبرني أانه كان ينوي بناء مسجد في هذه‬
‫أ‬
‫دت بذلك لنني كنت أادعو هللا أان ُنمضي –‬
‫فس ِع ُ‬
‫البقعة (تتسع حدقتا سلمى في ذهول) ‪َ ،‬‬
‫أانا وزوجتي – ما بقي لنا من ْعمر ‪ ،‬في خدمة بيت من بيوت هللا ‪ .‬ورجوته حين يبني‬
‫المسجد أان يجعلني خادما فيه َوق ِّي ًما عليه ‪ ،‬فوعدني بذلك ‪ .‬وها نحن ننتظره أان يفي‬
‫بوعده‪.‬‬
‫‪( -‬تعض على شفتيها في أاسى ‪ ،‬ثم ترفع إليه عينين دامعتين) وما أادراك أانه سيعود ليفي‬
‫بوعده ‪ ..‬لعله ‪...‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬يقاطعها مبتسما في ثقة) لقد زارني أامس و طمانني ‪.‬‬
‫‪( -‬تنظر إليه مصعوقة)!!‬
‫‪( -‬يبتسم) لقد أرايته في المنام ‪ ،‬في مكان لم تقع عينا مخلوق على مثله في الجمال والنقاء‬
‫أ‬
‫‪ ،‬وكانت عليه ثياب ُخ ْضر تفوح منها رائحة ِالمسك ‪ .‬سالته عن وعده ‪ ،‬فقال لي إنه لن‬
‫يرتاح قبل أان ينجزه بإذن هللا ‪ ،‬ولكنه سيرسل من ينوب عنه ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تنظر سلمى إلى الشيخ غير مصدقة) أامتاكد أانه هو؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪253‬‬

‫‪( -‬يومئ ب أراسه) نعم ‪.‬‬


‫‪ -‬وقال إنه يسرسل من ينوب عنه؟‬
‫‪ِ ( -‬‬
‫يومئ مبتسما)‬
‫‪( -‬تبتسم سلمى غير مصدقة وتسيل الدموع على خديها)‬
‫‪ -‬ما بك يا ابنتي؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬تمسح دموعها وقد أرات أال تترك لنفسها َالعنان أامامه) إنما تاثرت بقصتك يا عماه ‪،‬‬
‫آ‬
‫وتقلبات الدنيا مهما اشتدت ‪ ،‬أاهون من عذاب الخرة ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فالحمد هلل على توبتك ‪.‬‬
‫‪ -‬صدقت يا ابنتي ‪.‬‬
‫‪( -‬ت ِهم سلمى بالنهوض) لقد أاثقلت عليك يا عماه ‪ ،‬جزاك هللا خيرا على حسن ضيافتك‬
‫(تمد يدها داخل الحقيبة ‪ ،‬وتخرج بعض النقود ‪ ،‬وتهم بوضعها أامامه) أارجو أان تقبل ‪..‬‬
‫‪( -‬يمنعها) ل يا ابنتي ‪ ،‬الحمد هلل على ما نحن فيه ‪.‬‬
‫‪( -‬تنظر إليه برجاء) أارجوك اقبلها يا عماه‪.‬‬
‫الص َدقة‪.‬‬
‫‪َ ( -‬بحسم) ل يا ابنتي ‪ ،‬الحمد هلل ‪ ،‬نحن في ِغ َنى عن َّ‬

‫‪ -‬إنما هي هدية من ابنتك يا عماه ‪ ،‬فقد أاسديت لي صنيعا هللا وحده العليم به ‪ .‬أاستحلفك‬
‫باهلل الذي ترجو عفوه ‪ ،‬أان تقبل مني ول تردني خائبة!‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬ياخذ النقود متاثرا بيد مرتعشة) لول أانك استحلفتني ‪ ..‬بارك هللا فيك يا ابنتي ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تنهض مغادرة ‪ ،‬ثم تستدير فجاة كمن تذكرت أامرا) ما كان اسم ذلك الشاب يا عمي؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪254‬‬

‫‪( -‬يبتسم) قاسم!‬


‫*******************‬

‫يدخل الشيخ داخل النقاض ‪ ،‬فيبدو سرير متهالك قد انكسرت إحدى أا ِرجله ‪ ،‬ووضع مكانها‬
‫حجر لتثبيته ‪ ،‬ترقد عليه ام أراة ‪ ،‬ل تكاد مالمحها َت ِبين من شحوبها ُوهزا ِلها‪.‬‬

‫‪( -‬يقترب منها في ترفق) كيف حالك اليوم يا فتحية؟‬


‫‪( -‬تفتح عينيها في تهالك) لقد سمعت حديثك معها يا حسين‪.‬‬
‫‪( -‬يجلس على صندوق أامام الفراش)‬
‫‪ -‬أاهي زوجة ذلك الشاب؟‬
‫‪( -‬يومئ ب أراسه)‬
‫حسست بذلك ‪ .‬لماذا لم تخبرها أانك تعرف؟‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬لقد أا‬
‫أ‬
‫‪ -‬شعرت بانها ل تريد الكشف عن نفسها ‪ ،‬فلم أارد التدخل في شؤونها ‪.‬‬
‫‪ -‬ل ريب أان ُفقدان زوج مثله ليس باليسير على شابة مثلها‪.‬‬
‫‪ -‬ول ريب أانها هي من ستنوب عنه ‪ ،‬كما وعدني ‪.‬‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تغمغم) الحمد هلل ‪ .‬كنت أاتمنى أان َيتم البناء لقضي فيه اخر أايامي ‪.‬‬
‫‪( -‬يمد إليها يده بالنقود) لقد تركت لنا هذا ‪.‬‬
‫‪( -‬تنظر إليها ثم ُتشيح بوجهها) أابعدها عني يرحمك هللا ‪.‬‬
‫آ‬
‫‪( -‬في شيء من سخرية مريرة) الن يا فتحية! وقد كنت من قبل ‪...‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪255‬‬

‫لمت أانني‬ ‫‪( -‬تقاطعه باكية) لماذا تصر على تعذيبي بتذكيري بما ُ‬
‫كنت عليه قبال؟ قد ع َ‬
‫ندمت وتبت إلى هللا وليس إليك (تبكي)‬
‫أ‬
‫‪( -‬يقرب الصندوق منها وياخذ بيدها) سامحيني يا فتحية ‪ ،‬وهللا ما قصدت ذلك ‪.‬‬
‫أ‬ ‫َ‬
‫‪( -‬تمسح دموعها وتقول في أاسى) ل ل ْوم عليك ‪ ،‬فانا أالقيت بك إلى َّالت ْه ُلكة ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬يرفع يده داعيا) الحمد هلل على ما نحن فيه من التوبة واإلنابة ‪ ،‬قبل أان ياتي يوم َالع ْرض‬
‫على رب العالمين ‪.‬‬
‫‪ -‬الحمد هلل ‪( .‬تلتفت إليه بعد لحظات صمت) مذا تنوي أان تفعل بها؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬يطرق متفكرا ‪ ،‬ثم تتهلل أاساريره) ساشتري بها دارا!‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬أاجننت يا رجل؟ إنها ل تك في لتاجير شقة ‪ ،‬فضال عن شراء دار باكملها!‬
‫‪( -‬يبتسم ‪ ،‬وتدمع عيناه في خشوع) إنها ل تك في بمعايير الخلق الظالمة ‪ ،‬ولكنها تك في‬
‫أ‬
‫عند هللا َالب ّر الرحيم الكريم ‪ .‬ساشتري لنا بها دارا في الجنة يا فتحية!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تتامله مليا ‪ ،‬ثم تبتسم في َو َهن) جزاك هللا خيرا يا زوجي ‪.‬‬
‫ولكن‪..‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫ما المر؟‬ ‫‪-‬‬
‫لك؟‬ ‫أ‬ ‫‪-‬‬
‫الم نكن نحتاج لشراء الدواء ِ‬
‫آ‬
‫ل تحمل هم هذا الن ‪ ،‬فقد أاخذته قبال ولم أاجد ما كنت أارجو منه ‪ ،‬فلنتوكل على هللا‬ ‫‪-‬‬
‫وهو حسبنا‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪256‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫لكن ينبغي أان ناخذ بالسباب ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬ ‫آ‬ ‫أ‬
‫فإننا ناخذ بها ولكن من طريق اخر‪ .‬غيري أاحوج مني للمال ‪ ،‬فانت معي تقوم على رعايتي‬ ‫‪-‬‬
‫– جزاك هللا خيرا – ‪ ،‬ونجد ما َي ُس ُّد َر َمقنا ‪ ،‬ويستر أاجسادنا ‪ .‬وغيري ل ُم ِعيل لها‬
‫أ‬
‫ولولدها ‪.‬‬
‫(ثم ينهض ُم َغ ْم ِغ َما) كما ترين يا فتحية ‪( .‬يقرب منها الصندوق ‪ ،‬ويضع عليه كوب ماء ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫وطبق زيت ‪ ،‬و ِك ْس َرات ُخبز) هذا الطعام إن شعرت بالجوع ‪ ،‬وساذهب لسرة فالن‬
‫أأ‬ ‫وفالن أاوزع المال ثم أ‬
‫عليك إن شاء هللا ‪( .‬يخرج)‬ ‫ِ‬ ‫خر‬ ‫تا‬ ‫ا‬ ‫لن‬ ‫‪.‬‬ ‫عود‬ ‫ا‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫أ‬
‫(تلبث يسيرا حتى تتاكد أان زوجها غادر) " َر َّب َنا َظ َل ْم َنا َا ُنف َس َنا َو ِإن ل ْم َت ْغ ِف ْر ل َنا َو َت ْر َح ْم َنا‬ ‫‪-‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل َن ُك َون َّن ِم َن ال َخ ِاس ِر َين " ‪.‬‬
‫********************‬

‫‪( -‬يناولها مظروفا) وهذا من جارتنا أام حسان!‬


‫آ‬
‫‪( -‬ترفع أاماماه مظروفا اخر) وهذا من ميسون وحازم ‪( .‬في سعادة) ما شاء هللا ‪ ،‬التبرعات‬
‫تنهال علينا يا أابي منذ أاعلنا عن مشروع بناء المسجد‪.‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬كما قال المصطفى – عليه الصالة والسالم‪ -‬يا سلمى ‪ ،‬الخير في المة إلى يوم الدين ‪،‬‬
‫أ‬
‫ولكن الناس يحتاجون لمن يرشدهم إلى وجوه الخير إلنفاق المال فيها ‪ ،‬ولمن ياتمنونه‬
‫عليها ‪.‬‬
‫آ‬
‫‪( -‬تتناول اخر مظروف) وهذا ممن؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪257‬‬

‫‪( -‬يبتسم) أانا ووالدتك!‬


‫‪( -‬تقبله مسرورة) جزاك هللا خيرا يا أابي ‪.‬‬
‫‪( -‬يخرج من جيبه مظروفا) بقي واحد أاخير ‪( .‬يناولها إياه)‬
‫‪( -‬تنظر بدهشة ُلر َزِم النقود داخله) ما شاء هللا تبارك هللا ‪ ،‬من دفع هذا المبلغ الكبير؟‬
‫‪( -‬يبتسم ابتسامة غامضة) فاعل خير!‬
‫‪ -‬من يا أابي؟ قل لي ‪ ،‬قل لي!‬
‫‪ -‬لقد استحلفني باهلل ثالثا أال أاكشف عن هويته ول اسمه ‪ ،‬وإنما يرجو أان يكون ذلك صدقة‬
‫جارية عن زوجته ُالم َت َو َّفاة – رحمها هللا ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تتامل المظروف متاثرة) رحمها هللا وتقبل عنها ‪.‬‬
‫‪ -‬متى أ‬
‫نبدا المشروع؟‬
‫‪( -‬تنهض في حماسة) فورا!‬
‫********************‬
‫نزلت سلمى من سيارتها ‪ ،‬ووقفت ت أتامل البناء القائم أامامها ‪ ،‬وقد أاوشك َّ‬
‫البناؤون على النتهاء ‪.‬‬
‫مضت أاربعة أاشهر والكل يعمل على َق َدم وساق ‪ :‬سلمى وجيرانها ‪ ،‬وميسون وزوجها ‪ ،‬حتى أاهل‬
‫الحي شاركوهم ‪ ،‬والشيخ حسين هو من يقوم بخدمة العمال والبنائين ‪ .‬اتجهت سلمى إلى حيث‬
‫وقف أابوها ‪ ،‬يناقش كبير المهندسين في النقوش الخارجية ‪ .‬فلما أاتما حديثهما ‪ ،‬استدار والدها‬
‫إليها ‪:‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪258‬‬
‫أ‬
‫جئت يا سلمى!‬ ‫‪ -‬اخيرا ِ‬
‫للعمال ‪ ،‬كما طلبت يا أابي‪.‬‬
‫‪ -‬أاحضرت معي الشاي والغداء ّ‬
‫أ‬
‫‪ -‬حسنا لكنني أا ُّود أرايك في أامر أاول ‪( .‬ياخذها إلى مجموعة صناديق ُر َّصت فوق بعضها)‬
‫‪( -‬تفتح سلمى أاحد الصناديق ثم تهتف مسرورة) مصاحف! (تتناول إحداها) م ا ش اء هللا! ما‬
‫أاجملها يا أابي! متى اشتريتها؟‬
‫‪ -‬لم أاشترها ‪ ،‬إنما جاء بها فاعل خير‪.‬‬
‫‪( -‬تنظر لوالدها متساءلة) أاهو هو؟‬
‫‪( -‬يبتسم) نعمر‪ ،‬هو هو ‪.‬‬
‫‪ -‬أامازال يصر على ِك تمان ُهويته؟‬
‫‪ -‬يا ابنتي ‪ ،‬ليس هنا مجال الستعراض ‪ ،‬إنما كل يداري على َخ ِب َيئته ليلقى هللا بها خالصة‬
‫نقية‪.‬‬
‫‪( -‬تطرق مفكرة) صحيح ‪( .‬تلتفت لوالدها) متى يك تمل البناء تماما؟‬
‫‪ -‬إذا ضاعفنا الهمة ‪ ،‬سيكون مسجد القاسم جاهزا بإذن هللا في غضون أاسبوعين ‪ .‬وسيؤذن‬
‫فيه الشيخ حسين ‪ ،‬إن شاء هللا ‪.‬‬
‫‪( -‬تنظر لوالدها مندهشة) مسجد القاسم؟‬
‫‪( -‬ينظر لها مبتسما)‬
‫‪( -‬تحتضنه مسرورة) اسم رائع! جزاك هللا خيرا يا أابي ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪259‬‬
‫أ‬
‫نك لم تسبقيني إليه!‬‫‪( -‬يحتضنها بدوره) يدهشني ا ِ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تتامل المسجد طويال ثم تقول) ل أادري يا أابي ‪ ،‬لكن لطالما داخلني الشعور بانه ‪ ..‬حقا‬
‫مسجد القاسم ‪ ..‬بحيث ‪ ..‬بحيث لم أافكر حتى ذلك! (تنظر لوالدها مبتسمة في خجل)‬
‫كالم ل معنى له! أاليس كذلك؟!‬
‫‪( -‬يربت على ك تفها مبتسما) بل إنني أافهمك يا ابنتي الحبيبة ‪ .‬الحمد هلل أانه َ‬
‫قارب على‬
‫الك تمال ‪.‬‬
‫‪( -‬تنظر مسرورة ناحية الشيخ حسين ‪ ،‬الذي انهمك في التردد بين العمال يعاونهم) الحمد‬
‫هلل رب العالمين‪.‬‬
‫********************‬
‫أ‬
‫ومضت اليام متالحقة كما تتالحق َن َفحات النسيم العليل ‪ ،‬واك تمل بناء مسجد القاسم ‪.‬‬
‫وص ْوب ‪ ،‬على صوت الشيخ حسين يؤذن بصوت عذب ‪.‬‬ ‫وتقاطر سكان الحي من كل َح َدب َ‬
‫سواسية أامام هللا‬
‫ً‬ ‫وقفت سلمى بين نساء الحي ‪ ،‬مع أامها والحاجة فتحية ‪ ،‬في صفوف متراصة‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫َّ‬
‫وكبر الشيخ حسين‪..‬‬

‫وكبر المسلمون خلفه‪..‬‬


‫أ‬ ‫وارَت َّجت ُ‬
‫الج ْدران كلها في خشوع لصوات التكبير‪..‬‬
‫أ‬ ‫وص َدحت الطيور ُم ِّ‬
‫سبحة َبح ْمد الخالق الذي خشعت له الصوات‪..‬‬ ‫َ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪261‬‬

‫وانحنت له الرقاب‪..‬‬

‫وسجدت له الخالئق‪..‬‬
‫أ‬
‫ُوع ِّم َرت الرض َالق ْفر ‪..‬‬

‫بخطوات المصلين ‪..‬‬


‫ِ‬
‫المشائين للمسجد‪..‬‬

‫"مسجد القاسم"‬

‫في ُظ َلم الليل‪..‬‬

‫أوانفاس الصباح ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪261‬‬

‫‪( -‬تقط ع ورق ة م ن نتيج ة الح ائط) تص ور ي ا أاب ا س لمى! انقض ت عش رة أاش هر من ذ وف اة قاس م‬
‫وعودة سلمى إلينا ‪.‬‬

‫‪ -‬ولكن حزنها لم ِ‬
‫ينقض بعد ‪.‬‬
‫‪( -‬تتنه د) ص حيح ‪ ،‬لق د ص ارت أاه أدا آالن ‪ ،‬خاص ة بع د بن اء المس جد ‪ .‬ولك ن نظ رة الح زن‬
‫الدفين تلك ‪ ،‬أاشعر أانها ل تفارقها ‪.‬‬
‫أ‬
‫مثل قاسم ‪ ،‬لجديرة بان تظل حية في قلوبنا جميعا ‪ُ ( .‬ي َن ِّكس الحاج عادل‬ ‫‪ -‬وإن ذكرى زوج ِ‬
‫أ‬
‫التاثر) يرحمك هللا يا أاخي ‪ ،‬كان ابنك َخير َخ َ‬ ‫أ‬
‫لخير َس َلف ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫من‬ ‫شيء‬ ‫في‬ ‫سه‬ ‫ا‬
‫ر‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫اعة َج ِ ّو الكاب ة ه ذا) ه ون علي ك ي ا أاب ا‬
‫وكانم ا س اءها َإش ُ‬ ‫‪( -‬تنظ ر الحاج ة فاطم ة لزوجه ا ‪،‬‬
‫آ‬
‫سلمى ‪ ،‬إنما واجبنا أان نخفف من حدة الكاب ة ه ذه ل أان نزي دها ‪ .‬ونحتس بهم عن د هللا م ن‬
‫أاهل الجنة برحمته ‪.‬‬
‫‪ -‬ص دقت ي ا فاطم ة ‪ ،‬نحتس بهم عن د هللا م ن أاه ل رض اه ‪( .‬يرف ع يدي ه داعي ا له م بالرحم ة‬
‫والمغف رة ‪ ،‬زوجت ه ت ؤمن عل ى دعائ ه ‪ ،‬حت ى إذا ف َرغ ‪ ،‬حان ت من ه نظ رة إل ى الس اعة)‬
‫أ‬
‫تاخرت سلمى في الستيقاظ اليوم ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪262‬‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫استيقظت قبل الفجر ‪ ،‬فالفيتها جالسة تق أرا في القران ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬لقد أا ِرقت البارحة كذلك ‪.‬‬
‫آ‬ ‫سال هللا أان يبارك لك يا سلمى ‪ّ ،‬‬ ‫أ أ‬
‫ويفرج َك ْربك عاجال غير اجل ‪.‬‬ ‫‪ -‬ا‬
‫آ‬ ‫آ‬
‫‪ -‬ام ين ‪ ،‬ام ين ‪ .‬أاتعل م ي ا أاب ا س لمى أان ‪( ..‬يقط ع ح ديثهم رن ين اله اتف ‪ ،‬فت نهض الحاج ة‬
‫فاطمة لترد عليه)‬
‫‪ -‬السالم عليكم ‪.‬‬
‫‪... -‬‬
‫‪ -‬أاهال ‪ ،‬أاهال يا هالة ‪..‬‬
‫‪... -‬‬
‫‪ -‬اليوم؟ وهللا توقيت ممتاز ‪ ،‬ستسعد سلمى ك ثيرا ‪ ..‬ل ‪ ،‬ل ‪ ،‬سنكون ف ي النتظ ار عل ى أاح َّر‬
‫من َ‬
‫الج ْمر ‪( .‬تضع السماعة ‪ ،‬وهي تبتسم لزوجها) ‪.‬‬
‫‪ -‬من يا فاطمة؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬هالة أاخت قاسم يرحمه هللا ‪ .‬ستاتي هي أواختها أواولدها لزيارتنا اليوم ‪.‬‬
‫‪ -‬عظيم ‪ ،‬عظيم ‪ ،‬ستفرح سلمى ك ثيرا ‪ .‬إلى أاين يا فاطمة؟‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬ساذهب لوقظ سلمى ‪ ،‬لتستعد للقائهم ‪.‬‬
‫‪ -‬دعيها تنم قليال ‪.‬‬
‫‪ -‬بل هكذا أافضل لئال َت ْا َرق ليال ‪( .‬تصعد إلى غرفة سلمى)‬
‫***************************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪263‬‬
‫أ‬
‫‪ " -‬سلمى ‪ .‬سلمى ‪ .‬استيقظي يا حبيبتي ‪ ،‬أاخوات قاسم سياتون لزيارتنا "‬
‫أ‬
‫م ا إن لم س اس م " قاس م " أاذنيه ا حت ى انتفض ت س لمى ‪ ،‬وقال ت لمه ا كالحالم ة ف ي‬
‫اض ْت‬‫ات عم ك " ‪َ .‬غ َ‬ ‫س عادة ‪" :‬ق اسم؟!" اس تدركت أامه ا ف ي ش فقة ‪ " :‬أاخوات ه ي ا حبيبت ي ‪ ،‬بن ُ‬
‫أ‬
‫سرها الخبر ‪ " :‬أاحقا؟ أامهلين ي بض ع دق ائق وس انهض ي ا أام ي " ‪ .‬قبلته ا‬ ‫ابتسامة سلمى قليال ‪ ،‬وإن َّ‬
‫أامها على جبينها ‪ ،‬ثم خرجت أواغلقت الب اب ‪ .‬اس تلقت س لمى ف ي فراش ها ‪ ،‬وق د تن اثرت خص الت‬
‫ش عرها الحري ري ع ن اليم ين وع ن ِ ّ‬
‫الش مال ‪ ،‬وابتس مت ‪ .‬كان ت زي اراتهم تس عدها ك ثي را ‪ ،‬وك ذلك‬
‫كانت تحب كل ما يذكرها به ‪..‬‬

‫قاسم!‬

‫**************************‬

‫كانت الساعة تشير إلى العاشرة ليال ‪ ،‬حين انصرفت أاخوات قاسم أواولدهن ‪ ،‬وانصرفت س لمى‬
‫أ‬
‫مع أامها ترتبان ما بعثره الصغار ‪ .‬رن جرس الهاتف ‪ ،‬فصاح بهما الحاج عادل‪ " :‬أانا سارد " ‪.‬‬

‫‪ -‬السالم عليكم‬
‫‪... -‬‬
‫‪ -‬بالطبع أاذكرك‪..‬‬
‫‪... -‬‬
‫‪ -‬نعم ‪ ،‬لقد تم بناء المسجد ‪ ،‬جزاك هللا خيرا‪.‬‬
‫‪... -‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪264‬‬

‫‪ -‬ل ‪ ،‬ل تقلق ‪ .‬سرك محفوظ ‪.‬‬


‫‪... -‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬يتلتف ت حول ه ليتاك د أال أاح د يس معه) انتظ ر لحظ ة ‪( .‬ياخ ذ اله اتف ‪ ،‬وي دخل حج رة‬
‫آ‬
‫المك تب ‪ ،‬ويغلق الباب عليه) تفضل الن ‪ ،‬نحن في أامان!‬
‫مض ت نص ف س اعة ‪ ،‬والح اج ع ادل يتح دث عل ى اله اتف ‪ ،‬ومالم ح وجه ه تت ردد ب ين ال تجهم‬
‫وال تفهم ‪ .‬أواخي را أانه ى المكالم ة ‪ ،‬ومض ت لحظ ات ص مت وه و يفك ر ‪ ،‬ث م غمغ م بع د ُبره ة ‪:‬‬
‫سبحان هللا! "وكان أامر هللا قدرا مقدورا" ‪.‬‬

‫********************‬

‫كان ت س لمى جالس ة تق أرا ف ي ك ت اب انتقت ه م ن مك تب ة وال دها ‪ ،‬ح ين طرق ت أامه ا الب اب ‪،‬‬
‫طلت ب أراسها إطاللتها المعهودة ‪ ،‬فابتسمت لها سلمى ‪ ،‬ودعتها للدخول ‪.‬‬ ‫أوا َّ‬

‫‪ -‬أاتسمحين لي أان أاحادثك قليال يا حبيبتي؟‬


‫أ‬
‫‪( -‬تنهض وتجلس إلى جانب أامها) بالتاكيد ‪ ،‬تفضلي يا أاماه ‪.‬‬
‫‪( -‬تنظر لسلمى مبتسمة في ارتباك ‪ ،‬أكانما ل تدري كيف أ‬
‫تبدا)‬
‫‪( -‬تض حك وه ي تحتض ن أامه ا) ل تتعب ي نفس ك ف ي البح ث ع ن مقدم ة أايته ا الحبيب ة ‪ ،‬إل ى‬
‫الموضوع مباشرة!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تحتض نها ‪ُ ،‬وت َر ِّب ت عل ى ش عرها المل س الطوي ل) أارحتن ي م ن َه ٍّم كبي ر ي ا ابنت ي! (بع د‬
‫أ‬
‫لحظات صمت) بالمس جاءتنا مكالمة هاتفية مهمة ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪265‬‬

‫‪ -‬ممن؟‬
‫‪( -‬يبدو عليها التردد) من شخص نعرفه!‬
‫‪ -‬أال وهو؟‬
‫‪( -‬يزداد ارتباكها وهي تنظر لسلمى في ترقب) إنه ‪ ..‬إنه ‪ ..‬من معارفنا!‬
‫‪( -‬متعجبة) ما أاك ثر من نعرفهم يا أاماه! كيف لي أان أاخمن؟‬
‫‪ -‬حسنا إنه‪ ..‬إنه ‪..‬‬
‫‪ -‬؟؟‬
‫‪( -‬تعض على شفتيها في قلق) ل أادري ماذا أاقول!‬
‫‪( -‬تنظر لوالدتها ‪َ ،‬وع َج ُبها يزداد) قولي اسمه يا أاماه!‬
‫أ‬ ‫‪ ( -‬أتاخذ َن َف ً‬
‫سا عميقا ‪ ،‬ثم تلقي بالسم كانه قنبلة مندفعة من فوهة مدفع) أاح م د!‬
‫أ‬
‫‪( -‬دون أان يبدو عليها التاثر) أاحمد؟‬
‫‪ -‬نعم ‪ ،‬أاحمد زوج صفاء ‪ ،‬عرف بما حدث لقاسم ‪ ،‬وهو يرسل إليك تعازيه ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تس كت هنيه ة ث م تغمغ م) أاردت أان أاخب ر ص فاء من ذ فت رة ‪ ،‬لك ن ل م أاش ا أان أاش ركها ف ي‬
‫آ‬
‫أاحزاني ‪ .‬كيف حالها الن؟ لعلها أانجبت طفلتها؟‬
‫آ‬
‫‪( -‬يبدو عليها الوجوم) بلى ‪ ..‬أانجبت طفلة ‪ ..‬عمرها الن أاربعة أاشهر ‪.‬‬
‫‪( -‬ف ي ش يء م ن الدهش ة المس رورة) أاربع ة أاش هر؟ ك م مض ى الوق ت س ريعا! ل َم ل ْم تبلغين ي‬
‫أ‬
‫أامس لحادثها أواهنئها؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪266‬‬

‫‪ -‬الحقيقة ‪ ..‬الحقيقة يا ابنتي أان ‪ ..‬أان ‪..‬‬


‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تتامل مالمح أامها في قلق) ما المر يا أاماه؟ إنك تخفين عني شيائ ‪.‬‬
‫‪ -‬الحقيقة ‪..‬إنها‪..‬‬
‫‪ -‬ما بها صفاء يا أامي؟‬
‫‪ -‬لم يكن حملها مستقرا ‪ ..‬أانت تعلمين ‪ ..‬خاصة بعد وفاة والدتها ‪ ..‬لقد ‪..‬‬
‫‪( -‬تضع يدها على قلبها) ل! ل! ل تقوليها يا أامي!‬
‫‪( -‬تسكت في َت َه ُّيب)‪...‬‬
‫‪( -‬تتجمع قطرات الدموع في عينيها) هل ‪ ..‬هل ‪..‬؟؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬تطرق في أاسى) نعم يا ابنتي ‪ ،‬لق د ُت ُوفي ت بع د ال ولدة باي ام! (تش هق س لمى بق وة) كان ت‬
‫المس كينة مريض ة ‪ ،‬ومجه دة ط وال فت رة الحم ل ‪ ،‬ث م زاد َغ َّمه ا َوم َرض ها وف اة أامه ا‬
‫المفاجئة ‪ ،‬فتدهورت صحتها ‪ ..‬ولم تتحمل ‪ ،‬يرحمها هللا!‬
‫‪( -‬في ذهول) يرحمها هللا؟! صفاء؟!‬
‫‪( -‬تضع يدها على يديها الباردتين) استرجعي هللا يا ابنتي ‪ ،‬وادعي لها بالرحمة ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تتطل ع لمه ا لحظ ة غي ر مص دقة ‪ ،‬ث م تلق ي بنفس ها ف ي أاحض انها باكي ة) ص فاء؟ ص فاء؟!‬
‫ص فاء! لق د خ ذلتها! ك ان يج ب أان أاك ون إل ى جانبه ا ‪ ...‬ص فاء! س امحيني ي ا ص فاء! كي ف‬
‫أاهملتها؟! كيف ترك تها؟! (تدفن وجهها في حضن أامها أاك ثر) صفاااااااء!‬
‫‪( -‬تبكي معها وهي تسترجع)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪267‬‬
‫ْ‬
‫(الحاج عادل جالس تبدو عليه أامارات التفكير ‪ ،‬والحاجة فاطمة َتذ َرع الصالة ِجيئة َوذهابا)‬
‫أ‬
‫‪ -‬إلى متى تنوي أان َت ْك ُتم عنها المر؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬إلى أان تلتقط أانفاسها من الصدمة الولى يا فاطمة ‪.‬‬
‫‪ -‬ومتى تنتهي من التقاط أانفاسها في أرايك؟ مضى يومان بكاملهما وهي غارقة في حزنها‪.‬‬
‫‪ -‬ل ت ِل ِ ّحي يا فاطمة ‪ ،‬علينا اختيار الوقت المناسب ‪.‬‬
‫آ‬
‫‪ -‬سبحان هللا! أاما إن أامرك لعجيب! عجلت بإخبارها عن صفاء ‪ ،‬والن تطلب التمهل في م ا‬
‫يفرحها؟‬
‫أ‬ ‫‪( -‬يتنهد) وما أادراك أانه يفرحها وهي ْ‬
‫وسط كل هذه الحزان؟‬
‫‪( -‬تغمغم) لكنها سنة الحياة ‪..‬‬
‫يزف ر ف ي ض يق) س نة الحي اة يمكنه ا أان تنتظ ر! ص برا ي ا فاطم ة ‪ ،‬أال ت رين أان أاعص ابها‬
‫‪ِ ( -‬‬
‫آ‬
‫متوترة الن؟‬
‫‪ -‬ولكن ‪..‬‬
‫‪( -‬يقاطعها بصبر نافد) ك في عن اإللحاح يا فاطمة!‬
‫‪( -‬في عناد) لكنني أامها!‬
‫آ‬
‫‪( -‬في حدة) أوانا أابوها! والن ك فى!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تنهض) إذن ساذهب أواصارحها بنفسي!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪268‬‬

‫‪ -‬تص ارحينني بم اذا ي ا أام ي؟ (تظه ر س لمى واقف ة عل ى الس لم ‪ ،‬وق د أاقلقه ا ح دة نقاش هما ‪،‬‬
‫فيلوذان بالصمت وهما يتطلعان إلى تلك الزهرة الذابل ة ‪ .‬ينظ ر الح اج ع ادل لزوجت ه نظ رة‬
‫أ‬
‫ذات مغ زى ‪ ،‬فتنص رف بحج ة إع داد الش اي ‪ ،‬وياخ ذ الح اج ع ادل س لمى مع ه إل ى غرف ة‬
‫المك تب)‬
‫أ‬
‫‪ -‬تع الي ي ا ابنت ي ‪ ،‬تع الي اجلس ي بج انبي (تجل س) الحقيق ة أانن ا خبان ا عن ك طرف ا مم ا قال ه‬
‫أ‬
‫أاحمد ‪ ،‬حتى تتقبلي نبا وفاة صفاء – رحمها هللا – أاول ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬في نبرة حزينة ‪ ،‬كانما ل يعنيها ما بعد موت صديقتها) وماذا بقي بعد قاسم وصفاء؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬يتاملها متعاطفا) ‪...‬‬
‫‪( -‬تنظر لوالدها مستفهمة) ما ذاك الطرف يا أابي؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬يبدو مترددا كانما يبحث عن العبارة المناسبة ثم يحزم أامره) ‪:‬‬

‫أاحمد يريد أان يتزوجك يا سلمى!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪269‬‬

‫‪( -‬مستنكرة) أاتزوج أاحمد؟‬


‫‪( -‬يزدرد ريقه في تردد) وماذا في ذلك يا ابنتي؟‬
‫‪( -‬تدمع عيناها في غضب) أايفكر في الزواج ‪ ،‬ولم يمض على وفاة صفاء سوى بضعة أاشهر؟‬
‫‪ -‬تمهلي يا ابنتي ول تسيئي الظن بالش اب ‪ ،‬ف وهللا م ا علمت ه إل ص ادقا ف ي حديث ه ‪ .‬الحاص ل‬
‫أانه حاول مرارا التصال ببيتكم حين تدهورت ح ال ص فاء وق ت الوض ع ‪ ،‬غي ر أان أاح دا ل م‬
‫أ‬
‫ي رد ‪ .‬وح ين عرف ت ص فاء م ن ميس ون بنب ا وف اة قاس م ‪ ،‬طلب ْت من ه ك تم ان خبره ا عن ك ‪،‬‬
‫لئال ُتو ِر َثك َغ َّما فوق غم ‪ .‬ولكنها لم تلبث يسيرا حتى توفيت بع د ال ولدة ‪ .‬ف أراى زوجه ا أان‬
‫خف ُح ْزُن ُك أاول ‪ ،‬ثم ‪...‬‬
‫ينتظر حتى تنقضي ِع َّدتك ‪َ ،‬وي َّ‬

‫‪( -‬تقاطعه في سخرية مريرة و دموعها تنهمر) يضرب عصفورين بحجر واحد ‪ ،‬أاليس ك ذلك؟‬
‫ُي ّعزيني ثم ِ‬
‫يخطبني!!‬
‫أ‬
‫‪( -‬ف ي دهش ة) أام ا إن أام رك لعجي ب حق ا ي ا س لمى! تتهم ين الرج ل ُجزاف ا كان ك ل تعرفين ه ‪،‬‬
‫مدرسك في الجامعة!‬ ‫وبخ ُلقه ‪ ،‬أايام كان ّ‬
‫أوانت التي كنت تشيدين به ُ‬
‫ِ‬
‫‪( -‬تلوذ بالصمت ‪ ،‬وتعض على شفتيها في غيظ مكظوم)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪271‬‬
‫ّ‬
‫‪( -‬في رفق) هال صبرت يا بنيتي حتى أانهي حديثي ‪ ،‬ثم تحكمين بما ترين؟ لقد كان ت ص فاء‬
‫ه ي الت ي أاوص ته ب ذلك ‪ ،‬وه ي عل ى ف راش الم وت ‪ .‬ووهللا ي ا ابنت ي ل و س معت نبرت ه‬
‫َ‬
‫الكس يرة ‪ ،‬وق د خنقته ا َالع َب رات وه و يق ص عل ي م ا ح دث ل َر ِح ْم ِت ه ‪ ،‬وتيقن ت ص دقه ‪ .‬لق د‬
‫أ‬
‫ظل ت ص فاء ت ردد وه ي ف ي اللحظ ات الخي رة ‪ ،‬وه ي تحتض ن طفلته ا ‪ " :‬س لمى س ترعاها ‪،‬‬
‫سلمى سترعاها "‪.‬‬
‫‪( -‬تدمع عيناها) صفاء ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬خذي وقتك وفكري في المر ‪.‬‬
‫‪ -‬أاتزوج بعد قاسم؟ أاتزوج على صفاء؟ كيف تريدني أان أافكر في هذا يا أابي؟!‬
‫‪ -‬ما الذي تقولينه يا سلمى أوان ت المؤمن ة العاقل ة؟! إنه ا س نة الحي اة ي ا ابنت ي ‪ .‬ث م أاتحس بين‬
‫لس َّره أان ي راك هك ذا كزه رة ذابل ة؟ أال يس ه و م ن أاوص اك‬ ‫أان لو كان قاس م عل ى قي د الحي اة َ‬
‫بالزواج ‪ ،‬أوان تنجبي طفال يشبهك و ‪...‬‬
‫‪( -‬تقاطعه وهي تخبئ وجهها بيديها) ك فى يا أابي ‪ ،‬أارجوك!‬
‫ْ‬
‫‪( -‬يقترب منها مربتا على ك تفيها) سامحيني يا ابنتي ‪ ،‬لقد َش َططت بعي دا ‪( .‬ف ي َق رارة نفس ه ‪:‬‬
‫َّ‬
‫أوانا الذي كنت أالوم فاطمة على َزل ِت لسانها!)‬
‫‪( -‬تنهض سلمى باكية) أاريد أان أاختلي بنفسي يا أابي ‪ ،‬بعد إذنك! (تخرج س لمى ‪ ،‬ث م ت دخل‬
‫الحاجة فاطمة بعدها غاضبة)‬
‫‪َ -‬وتعيب علي أانني ل أاعرف لكل حال َمقالها!‬
‫‪ -‬أارجوك يا فاطمة ‪ ،‬يك فيني ما أانا فيه من َالغم‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪271‬‬

‫‪ -‬أالم تجلس أامس ُت ِعد ما ستقوله لها؟‬


‫أ‬
‫‪ -‬بلى ‪ ،‬وهللا! غير أانني نسيت فجاة كل شئ من ردود فعلها العجيبة تلك!!‬
‫أ‬
‫‪ -‬أانا ساتفاهم معها ‪َ ( .‬ت ِهم بالخروج فيستوقفها)‬
‫‪ -‬اتركيها فقط يسيرا لتجمع َش َتات أامرها ‪ ،‬ثم اصعدي إليها‪.‬‬
‫‪( -‬يبدو عليها القتناع ‪ ،‬فتجلس إلى جانبه واجمة)‬
‫***********************‬

‫ما الذي دهاك يا سلمى؟‬

‫أالم يكن هذا أاحمد الذي حملت له في قلبك ما تحمله الفتاة لفارس أاحالمها؟‬

‫أالم تكوني تسمعين اسمه يوما ما فتضطربين؟‬

‫ويمر طيفه على خيالك فيبتسم له قلبك؟‬


‫أ‬ ‫ْ‬
‫فلماذا َح َمل ِت عليه فجاة؟‬

‫ولماذا لم يعد اسمه يثير في داخلك تلك المشاعر ‪ ،‬ول ُي ِوقع في أاذنك ذلك الرنين؟‬

‫بل إنك حتى لم تفكري َقط في الزواج منه ‪ ،‬حتى بعد أان علمت بوفاة صفاء ‪..‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫أاهي هيبة الموات التي تجعل لهم معزة أاكبر من الحياء؟‬

‫أام أان قاسما تمكن من قلبك بعد مماته ‪ ،‬ما لم يتمكنه في حياته؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪272‬‬

‫قاسم؟‬

‫لم يكن الذي جمعها به مجرد عاطفة‬

‫بل كان شيائ أاعظم من العاطفة أوابقى من الهوى‬

‫كان يجمعها به ‪..‬‬

‫مودة ورحمة‬

‫وميثاق غليظ‬

‫ُم َّكلل برباط مقدس أاضفى ُالق ْد ِس َّية على كل ما حولهما‬

‫حتى ِذكراه ‪..‬‬

‫ولذلك كانت تتحاشى التصال بصفاء في َقرارة نفسها‪..‬‬

‫لم تكن تريد شفقة أاحمد عليها ول تعاطفه معها‪..‬‬

‫عده ‪..‬‬ ‫َ‬


‫ب‬ ‫من‬ ‫ت‬‫ي‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫نها‬ ‫ا‬‫يحسب أ‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ا‬‫ول أان أيا َسى عليها أ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ‬
‫لنها َس ِعدت مع قاسم ‪..‬‬

‫كما لو كانت ستسعد معه ‪..‬‬


‫آ‬
‫لو كان ُك تب لها انذاك ‪.‬‬

‫********************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪273‬‬

‫أاحمد ‪..‬‬

‫أاكان اضطرابها حين يذكر أامامها اضطراب قلب؟‬

‫أام اضطراب قلق؟‬

‫كانت حقا تحبه‬

‫ولو عاد الزمن بها إلى الوراء لما ارتابت في ذلك‬


‫آ‬
‫لكنها الن ‪..‬‬

‫ل تدري ‪..‬‬
‫أاتراها تلك القدسية التي َت َ‬
‫حفظ الحب النقي من َّ‬
‫الضياع؟‬
‫أاتراهما المودة والرحمة اللذان َي َ‬
‫ضمنان له الخلود؟‬
‫قد َّ‬
‫تمنته بالحالل‪..‬‬

‫يعقد عليها ذلك الرباط‬ ‫حالمها‬ ‫ا‬‫و أراته في أ‬


‫ِ‬
‫آ‬
‫فلما ال الرباط المقدس لغيرها ‪..‬‬

‫تجرد حبها من ُطهره‬


‫َّ‬
‫أ‬
‫ولم يعد يربطه باسباب الحياة شيء‬

‫فمات ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪274‬‬

‫*****************‬

‫أاحقا "مات" ما كان بينهما؟‬

‫إنها تجول في ثنايا قلبها بحثا عن جواب فال تجد‬


‫ذكرى قاسم وصفاء يقفان سدا منيعا بين ْ‬
‫قلبيهما‬
‫أ‬ ‫ّ أ‬
‫يخلد الموات ذكراهم بما يبنون من َح َوا ِئ َل بين الحياء ‪.‬‬
‫وكذا ِ‬

‫*****************‬

‫سبحان هللا!‬

‫سبحانك يا مقلب القلوب‬

‫سبحان من خلق تلك العواطف‬

‫تلك المشاعر الدفيئة التي ل نمسكها ول نلمسها‬

‫لكنها أاحلى أوامتع أوالذ من كل ما نلمسه وندركه بالحواس‬

‫سبحان هللا أاي عضو ذاك هو القلب!‬

‫سبحان من أابدع قطعة اللحم تلك!‬


‫أ‬
‫لتسع كل تلك الحاسيس اإلنسانية والتقلبات العاطفية‪..‬‬

‫وسبحان من جعل لها الجتماع بالحالل منفذا‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪275‬‬

‫وجعل ما سوى ذلك يختلط بمشاعر الندم والقلق والتوجس‬


‫َ‬
‫لينتزع منها لذتها!‬

‫******************‬

‫أاخف ت س لمى وجهه ا بي ديها وش عرت برغب ة عارم ة ف ي البك اء ‪ ،‬غي ر أانه ا ل م تج د م ن ال دمع م ا‬
‫أ‬
‫يك فيها ‪ ،‬فاك تفت َبز ْف رة ح ارة ‪ِ ،‬تبعه ا ط رق عل ى الب اب ‪ .‬دخل ت أامه ا وتاملته ا س اك تة هنيه ة ‪ ،‬ث م‬
‫قالت في أاسى ‪:‬‬

‫وبعد يا سلمى ‪ ..‬لماذا تعذبين نفسك كل هذا العذاب يا ابنتي؟‬ ‫‪ُ -‬‬

‫‪( -‬تحيط وجهها بك فيها) لقد ُش َّل تفكيري يا أامي ‪ ،‬لم أاعد قادرة على التحمل ‪..‬‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫‪ -‬ه ذا طبيع ي ي ا ابنت ي ‪ .‬مض ت ُقراب ة الس نة أوان ت تتظلل ين بس حابة الكاب ة تل ك ‪ ،‬ف انى ل ك‬
‫رؤية النور؟‬
‫‪ -‬ولكن ‪ ..‬قاسم وصفاء ‪..‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬إلى متى يا ابنتي تعيشين بين ذكرى الموات أوانت بعد بين الحياء؟ الموت يا ابنت ي راح ة‬
‫للمؤمن ‪ ،‬ولكن الحياة كذلك أامانة لمن ُم ِنحها ‪ .‬لق د َم د هللا تع الى ف ي عم رك بحكمت ه ‪ ،‬ل‬
‫ُلتمض ي م ا بق ي ل ك تعيش ين بجس دك هن ا وروح ك هن اك ‪ ،‬ب ل لتس تمري ف ي الحي اة َرغ م‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الخطوب ‪َ ،‬وت ُثبتي في وجه النائبات ‪ .‬قد َن َف َذ قض اء هللا ف ي الم وات وس ينفذ ف ي الحي اء ‪،‬‬
‫ُ‬
‫أ‬
‫فاعملي لمثل ذلك اليوم ‪ ،‬بان تعيشي أايامك التي ُك تبت لك ‪ ،‬بما يرضي هللا ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪276‬‬

‫(تتحدر دموعها ويتهدج صوتها) وليت ك ُت ْنعم ين علين ا – أان ا و أاب وك – بش يء م ن ه ذه الش فقة‬
‫ي ا س لمى! إن ك تقتلينن ي ك ل ي وم بمنظ رك الب ائس ه ذا! ك ل بن ات الجي ران ت زوجن أوانج بن ‪ ،‬ول‬
‫وش ْرخ الش باب ‪ .‬لم اذا ي ا س لمى؟‬‫يفت ئن يتح دثن ع ن " أارمل ة الح ي" ‪ ،‬أوان ت بع د ف ي ربي ع العم ر َ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫إلى متى تظلين في تلك القوقعة؟ إنما ُجعلت الحياة لالحياء ‪ ،‬ولالموات ذكراهم ‪ .‬لكن ذكراهم ل‬
‫ينبغي أان تصير الحياة التي تعيشين فيها ‪ ،‬ما بقي لك من عمر ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫فكري في الحياء الذين تؤلمينهم معك كما تفكرين في الم وات ‪ .‬فك ري ف ي ذل ك المس كين ‪،‬‬
‫الذي يقبع بين أاربع جدران ‪ ،‬ول أانيس له سوى طي ف زوج ة رحل ت ‪ ،‬تارك ة ف ي عنق ه أامان ة ‪ ،‬ه ي‬
‫أاعظم من أان يحملها وحده ‪ .‬فكري ف ي تل ك الطفل ة المس كينة ‪ ،‬الت ي تفتح ت عيناه ا عل ى حي اة ل‬
‫تسعد فيها بم أراى أام تحنو عليها ‪( ،‬تزداد دموعها انهمارا) فكري فينا كم ا تفك رين ف يهم ي ا س لمى ‪،‬‬
‫َ‬ ‫أ‬
‫لك ولنا ول ُهم ‪..‬‬
‫فذلك اجدى ِ‬
‫‪( -‬تنظر إليها برجاء وتشد على يديها) سامحيني يا أاماه ‪ ،‬سامحيني ‪ .‬أارج وك ل تب ِك فتزي دينني‬
‫غما فوق غم ‪..‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تك فك ف دموعه ا بص عوبة) لج ل خ اطري أان ا ي ا س لمى ‪ ،‬اقبل ي ول و أان ي اتي لزيارتن ا غ دا‬
‫أ‬
‫لتحاديثه ‪ ،‬ونرى إن كان سينشرح صدرك لالمر أام ل ‪..‬‬
‫‪( -‬في تردد َق ِلق) يزورنا غدا؟! بهذه السرعة؟‬
‫‪( -‬في نبرة متحمسة) خير البر عاجله يا حبيبتي ‪ ،‬ثم إن ذلك أاسرع لقطع الشك باليقين!‬
‫‪... -‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪277‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬كانم ا ت ذكرت س را خطي را) أاتعلم ين ي ا س لمى م ن ص احب التب رع الض خم وص ناديق‬
‫المصاحف؟‬
‫‪( -‬ترفع أراسها في دهشة) أاهو أاحمد؟!‬
‫‪( -‬ت ومئ ف ي س عادة) ه و بنفس ه! لق د س معت ح واره م ع وال دك مص ادفة ‪ ،‬وق د اس َ‬
‫تحلف‬
‫نت بالذات ‪ ،‬لكنني في ِح ّ ٍل من َق َسمه ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫َ أ‬
‫والد ِك ال يخبر احدا ول ا ِ‬
‫‪... -‬‬
‫يت كيف كان وفيا لزوجته حين ن وى ذل ك ص دقة عنه ا؟ ولك ن وف اءه له ا ل م يمنع ه م ن‬ ‫ا‬
‫ر‬‫‪ -‬أا أ‬
‫ِ‬
‫التقدم للزواج بعدها ‪.‬‬
‫‪.... -‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬هيا يا سلمى ‪ ،‬لجل خاطر أامك ‪..‬‬
‫‪... -‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬لجلي أانا يا حبيبتي!‬
‫‪ -‬ولكن ‪..‬‬
‫رجوك ( ّ‬
‫تقبلها)‬ ‫ا‬‫‪ -‬أ‬
‫ِ‬
‫أ‬
‫‪( -‬تنظر لمها ‪ ،‬ثم تومئ ب أراسها وتهم بالرد) ‪...‬‬
‫‪( -‬تقفز خارجة من الغرفة مك تفية باإليمائ ة دون أان تنتظ ر ال رد ‪ ،‬وتن ادي عل ى زوجه ا) ي ا أاب ا‬
‫سلمى! يا أابا سلمى!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪278‬‬

‫‪( -‬يسرع من غرفة المك تب بالدور السفلي فزعا) ماذا جرى لسلمى؟‬
‫‪ -‬وافقت!‬
‫‪( -‬في عتاب غاضب) أافزعتني يا فاطمة سامحك هللا!‬
‫‪( -‬تهبط الدرج َج ْريا وهي تلهث) بسرعة! ه ِ‬
‫ات السماعة! اطلب الرقم (تجري نحو الهاتف)‬
‫‪( -‬يجري ورائها) أاحقا وافقت؟‬
‫أ‬
‫(في زهو) بالتاكيد! ل زال لي سحري الخاص!‬ ‫‪-‬‬
‫علمت أانني كنت محقا حين تزو ُ‬
‫جتك!‬ ‫(يفرقع أاصابعه في سعادة) قد ُ‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫(تدير قرص الهاتف) ساحادثه قبل أان تغير أرايها!‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫بل ساحادثه أانا!‬ ‫‪-‬‬
‫ل! بل أانا!‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬أانا ولي أامرها!‬
‫‪ -‬أوانا ولية أامرها!‬
‫‪ -‬فاطمة!‬
‫‪( -‬تناوله السماعة) حسنا ‪ ،‬خذ ول تغضب (يتناول السماعة وتقف هي ورائه تدعو) يا رب ل‬
‫تخذلني ‪ ،‬يا رب اجعله يرد بسرعة قبل أان تغير أرايها! (تلتفت لباب غرفة سلمى ف ي قل ق ‪،‬‬
‫وتلصق أاذنها بالسماعة مع زوجها)‬
‫ثم يرد أاحمد فتتنفس الصعداء ‪َ ،‬‬
‫************************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪279‬‬
‫أ‬
‫"إنك تعيشين في ذكرى الموتى و أان ت ب ين الحي اء " ‪ ،‬تقلب ت س لمى ف ي فراش ها للم رة العاش رة ‪،‬‬
‫وصدى تلك الجملة ل يتوقف عن التردد في أاذنيها ‪.‬‬

‫أالهذه الدرجة َغ ِر َقت في أاحزانها حتى لم تعد تشعر بغرقها؟‬

‫أالم تحتسب و تصبر قدر استطاعتها؟‬

‫بلى!‬

‫إنها لم تسخط يوما على مشيئة هللا‬

‫يوم أان ُك ِتب لحبها النفصام‬

‫ثم يوم أان ُك ِتب لزوجها أان يسبقها إلى دار السالم‬

‫كانت تؤمن بالقدر خيره وشره‬


‫أ‬
‫وبحكمة هللا وإن َخ ِفيت عليها السباب‬

‫فلماذا؟‬

‫لماذا يا سلمى؟‬

‫************‬

‫قد ُن َس ِّلم بمشيئة هللا ونصبر على تصاريف القدر‬

‫ولكن العين تدمع‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪281‬‬

‫والقلب يحزن‬

‫ول نقول إل ما ُيرضي ربنا‬

‫وكذلكم الفراق‬

‫يظل أالمه مؤلما‬

‫وذكراه محزنة‬

‫وإن اك تسى بالرضى والتسليم‬

‫*****************‬

‫قد استرجعت عند رحيل قاسم‬


‫أ‬
‫وطابت نفسها عنه بانه في حال أاحسن من أاهل الدنيا‬

‫غير أانها لم تزل تذكره‬

‫فتدمع عيناها‬

‫ويحزن قلبها‬

‫****************‬

‫أاحقا استحوذت عليها ذكراه ‪..‬‬

‫حتى صارت جزءا من ِكيانها ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪281‬‬

‫فال تشعر باستحواذها؟‬

‫وكذلك اإلسراف في الحزن‬

‫ل يزال بصاحبه حتى يصير له الداء والدواء‬

‫فال يرى أانه مريض‬


‫ول يشعر أانه ُم َ‬
‫عافى‬

‫كالبركة َّالرا ِكدة‬


‫ويصبح ذلك الحزن الصامت ِ‬
‫َت ْس َت ِثيرها َن َسمات الصباح وعا ِتيات الرياح على َّ‬
‫الس َواء‬

‫صاحبها تالشت ‪ ،‬عادت بين َالف ْي َنة والفينة‬


‫فكلما َح ِس َبها ُ‬

‫تذكره بوجودها‬

‫وتحرمه التمتع برائق المياه ‪.‬‬

‫****************‬
‫غير أان َ‬
‫العمر سيمضي‬
‫أ‬
‫وال َ‬
‫قدار ستجري‬
‫َ‬
‫وعجلة الحياة ستدور‬

‫فيعود كل غائب‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪282‬‬

‫وغائب الموت ل يعود‬

‫وحاضر الحياة في شغل عنها‬

‫بانتظار راحل ل يؤوب ‪.‬‬

‫************************‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫حان ت م ن س لمى التفات ة إل ى المنب ه ‪ ،‬فالف ت ثل ث اللي ل الخي ر ق د اقت رب ‪ ،‬فقام ت تتوض ا‬
‫وته رع لمناج اة ربه ا ‪ ،‬ليكش ف عنه ا م ا َح َّل به ا م ن َك ْرب ‪ ،‬وم ا َن َزل بس احتها م ن ب الء ‪ .‬ومض ت‬
‫تدعو هللا أان يلهمها رشدها َوي ِق َيها شر نفس ها ‪ ،‬ويش رح ص درها لم ا يحب ه تع الى ويرض اه ‪ .‬وم ا زال ت‬
‫تدعو وتصلي ‪ ،‬حتى غلبتها عيناه ا ُق َب ْي ل الفج ر ‪ ،‬فنام ت جالس ة ف ي مص الها ‪ .‬وم ا راعه ا إل نهنه ة‬
‫خافت ة أايقظته ا ‪ ،‬فالتفت ت حوله ا وإذا ب ام أراة تبك ي ‪ ،‬عليه ا ثي اب ِب يض ‪ ،‬وب ين ي ديها ك رة ص غيرة‬
‫ملفوفة ِبعناية ‪ .‬اقتربت منها سلمى ‪ ،‬فإذا بها صفاء!‬

‫‪( -‬مندهشة) صفاء؟! ماذا تفعلين هنا؟‬


‫‪( -‬ترفع إليها عينين باك تين ول تجيب ‪ ،‬ثم تعود لبكائها)‬
‫‪( -‬تقترب منها وتربت عليها في حنان) ما بك يا صفاء؟‬
‫‪( -‬تشير بالكرة الصغيرة في ِح ْجرها ‪ ،‬فإذا هي طفلة رضيعة) ل م أاج د م ن يحمله ا عن ي ‪ ،‬أوان ا‬
‫تعبت من َح ْملها!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تاخذها منها) هاتي ول تبكي يا صفاء ‪ ،‬أانا أاحملها عنك ‪.‬‬
‫‪( -‬تناولها إياها بسعادة) عرفت أانك لن َت ُ‬
‫خذليني يا سلمى!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪283‬‬

‫‪( -‬تحم ل الطفل ة وتتش اغل بمالعبته ا ‪ ،‬ث م تلتف ت ف إذا ص فاء ق د اختف ت) ص فاء؟ ص فاء!‬
‫أاي ن أان ت ي ا ص فاء؟! (تس تدير بحث ا عنه ا ‪ ،‬فترت د مص عوقة ح ين ت رى أاحم د واقف ا خلفه ا‬
‫يبتسم)‬
‫أاح م د؟؟‬

‫********************‬

‫انتفضت سلمى لهثة ‪ ،‬ونظرت حولها ‪ ،‬فإذا هي ل تزال جالس ة مكانه ا ‪ ،‬وص وت الم ؤذن‬
‫أ‬
‫ال َّرخيم يش ق س كون الظ الم ‪ .‬بقي ت س اكنة ف ي مكانه ا ‪ ،‬وخي وط القم ر الخي رة تتس لل عل ى‬
‫وط الش مس َالو ِلي َدة ‪ .‬ش عرت س لمى‬ ‫استحياء ‪ ،‬خارجة من النافذة لتفسح المك ان لزميالته ا ‪ ،‬خي ِ‬
‫أ‬ ‫ب النور َي ْك ِتن ف َ‬
‫قلبه ا ‪ُ ،‬في ِني ر خلجات ه ‪ ،‬وك ان هللا ق د رب ط عل ى قلبه ا َلي َس ع الوف اء الق ديم والح ب‬
‫خيوط الفجر أاواخر الليل أواوائل النهار ‪.‬‬
‫تجمع ُ‬ ‫الجديد ‪ ،‬كما ُ‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪284‬‬

‫آ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وضعت سلمى َ‬


‫اللمسات الخيرة على حجابها ‪ ،‬ووقفت تتامل منظرها في الم راة ‪ .‬كان ت تل بس‬
‫فس تانا َفضفاض ا م ن َالقطيف ة ‪ ،‬ذي ل ون أازرق داك ن ‪ ،‬وحجاب ا أاب يض يكلله ا َكهال ة م ن الن ور ‪،‬‬
‫فب دت مش رقة جميل ة كطلع ة الب در ‪ .‬دخل ت عليه ا أامه ا تس تحثها ‪ ،‬فم ا وق ع بص رها عليه ا حت ى‬
‫أ‬
‫توقف ت بره ة تتامله ا ‪ ،‬ث م احتنض تها ف ي ُحب ور دام ع ‪ .‬ق د ع ادت إليه ا ابنته ا ‪َ ،‬وغ َدت عروس ا م رة‬
‫أاخرى بفضل هللا ‪ .‬دق جرس الباب فشهقت الثنتان في َن َفس واحد ‪:‬‬

‫‪ -‬لقد جاء ‪ ،‬لقد جاء!‬


‫أ‬
‫نت يا أامي وسالحق بك ‪.‬‬ ‫أ‬
‫‪( -‬في تلهف) اسبقيني ا ِ‬
‫أ‬
‫‪( -‬تغادر مسرعة) حسنا ‪ ،‬ل تتاخري!‬
‫أ‬
‫أاس رعت س لمى تتاك د م ن تم ام لباس ها ‪ ،‬ث م س ارعت ته بط ال درج ف ي ِخف ة ‪ ،‬ووقف ت خل ف‬
‫الس تائر الت ي تفص ل المم ر ع ن ص الة ُّ‬
‫الض يوف ‪ ،‬وق د تص اعد ال دم إل ى َو ْ‬
‫جنتيه ا ‪ ،‬فب دتا ك وردتين‬
‫مختلط ة ‪ ،‬فوض عت ي دها عل ى قلبه ا ‪ ،‬ترج وه أال يقف ز م ن‬
‫متفتحت ين ‪ .‬تن اهى إل ى س معها أاص وات َ‬

‫مكانه ‪ ،‬وحركت الستار بمقدار ما ترى بعين واحدة ‪ ،‬وحبست أانفاسها و ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪285‬‬

‫دخل!‬

‫هو نفسه ‪..‬‬

‫هو بعينه ‪..‬‬

‫لفت نحوه العيون ‪..‬‬

‫كل العيون ‪..‬‬

‫أاحمد!‬

‫*****************‬

‫أاسدلت سلمى الستارة بسرعة وهي تلهث من َف ْرط النفعال ‪ .‬ثم سمعت صوته وه و ي دخل‬
‫ُمس ِّلما ‪ " :‬الس الم عل يكم ورحم ة هللا وبركات ه" ‪ ،‬نف س النب رة الرزين ة الهادئ ة ‪ ،‬غي ر أانه ا ه ذه الم رة‬
‫َم ْك ُس َّوة بشيء من حزن دفين ‪ ،‬لم َي ْخ َف عليها وهي قد مرت بمثل ما مر ب ه ‪ .‬ع ادت ت زيح الس تائر‬
‫آ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫فالفته جالسا على مقعد جانبي ‪ ،‬فاستطاعت أان تتامل مالمحه ‪ ،‬وكان اخر عهدها به منذ س نتين‬
‫أ‬
‫ويزيد قليال ‪ .‬ل م يتغير فيه ش يء ‪ ،‬إل بمق دار م ا َح َّن َك ت ه الخط وب والي ام ‪ .‬ك ان كعه دها ب ه ي تكلم‬
‫ف ي ثب ات أا َّخ اذ ‪َ ،‬وي ْخ ُل ب ل َّب م ن يعرف ه بوق اره ورزانت ه ‪ ،‬واطمئن ان نفس ه ال ذي ُي ِش ع ن ورا ف ي‬
‫وجه ه ‪ .‬انتبه ت لتوه ا أان ه يحم ل ب ين ذراعي ه ك رة! ك رة ص غيرة ملفوف ة! دقق ت النظ ر م ا وس عها ‪،‬‬
‫أ‬
‫فالفت الكرة تتحرك! أاتكون تلك "سمية" ابنة صفاء؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪286‬‬

‫أاسدلت الس تارة للم رة الثاني ة ‪ ،‬وقلبه ا يك اد يتوق ف م ن تس ارع دقات ه ‪ .‬وض عت ي ديها عل ى خ ديها‬
‫الملتهبتين ‪ ،‬تماما كما كانت تفعل حين يقع بصره عليها ‪ ،‬أايام كان أاستاذها وكانت طالبته ‪..‬‬
‫أ‬
‫تلك اليام ‪..‬‬

‫أاتراه استيقظ؟‬

‫ذلك الحب النائم؟‬

‫أاتراها ستكون أامها؟‬

‫أا َّم ابنة صفاء؟‬

‫أاحقا ستحل هي بوجودها محل ذكرى صفاء؟‬

‫أاو سيحل هو بوجوده محل غياب قاسم؟‬

‫****************‬

‫قاسم ‪..‬‬
‫أ‬
‫شعرت بطيفه وكانما يدفعها إلى الخروج‬

‫إلى النور الذي لبد لها منه‬

‫طالما ُك تب لها أان تعيش َلتشهده‬

‫وضعت يدها على قلبها المحب العطوف‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪287‬‬
‫قلبها الذي أا َ‬
‫خلص لزوجها في حياته‬ ‫ِ‬
‫أواوفى لذكراه بعد مماته‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫تفس ُح لحمد مكانا‬
‫فشعرت وكان ذكرى قاسم ِ‬
‫بما عهدته منه من إيثار وحب صادق غير مشروط‬

‫ومر بها طيفاهما ‪ ..‬قاسم وصفاء ‪..‬‬

‫فضحك لهما قلبها‬

‫و أرات ابتسامة َالق َدر‬

‫ولطف تدبير العليم الخبير‬

‫وسكن البحر الهائج‬

‫واستقر َالم َركب الصغير‬


‫أ‬
‫على بر المان ‪.‬‬

‫******************‬
‫أ‬
‫سمعت سلمى صوت خطوات قادمة فاجفلت ‪ ،‬وإذا هي أامها قادمة تحمل الرضيعة ‪:‬‬

‫‪( -‬هامسة في غضب) سلمى؟! أامازلت واقفة هنا؟! إنه ينتظرك؟‬


‫‪( -‬على استحياء) ينتظرني أانا؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪288‬‬

‫‪( -‬تقلد نبرتها) ل ‪ ،‬بل ينتظرني أانا! هيا ‪ ،‬أاسرعي قبل أان ُيف ِلت!!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تتامل الطفلة بين َي َد ْي أامها) أاهذه سمية؟‬
‫‪( -‬ترفعها في الهواء تالعبها) بلى ‪ ،‬إنها هي ‪ .‬انظري ما أالطفها!‬
‫أ‬
‫‪( -‬تتاملها في سعادة وحنان) دعيني أاحملها!‬
‫آ‬
‫‪ -‬ل ‪ ،‬ليس الن ‪ ،‬أاسرعي بالذهاب ‪.‬‬
‫‪( -‬تتردد) ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تدفعها برفق) هيا يا سلمى! تحركي! (تحمل الطفلة وتذهب بها إلى الصالة الخ رى) أوان ت‬
‫تعالي معي يا صغيرتي!‬
‫********************‬

‫استنفرت سلمى كل طاقاتها الدافعة‬

‫َوع َّدلت حجابها‬


‫َّ‬
‫وسمت هللا‬

‫أوازاحت الستار‬

‫وخرجت ‪..‬‬

‫إليه!‬

‫********************‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪289‬‬

‫‪( -‬الحاج عادل) وها هي ذي سلمى أاخيرا!‬


‫‪( -‬ينهض أاحمد واقفا في ارتباك ‪ ،‬فتخفض بصرها ً‬
‫حياءا) ‪...‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬يتاملهم ا الح اج ع ادل ‪ ،‬ويع ِّدل نظارت ه مس رورا) يب دو أان فاطم ة تن اديني! ع ن إذنكم ا!‬
‫(يخرج ويظالن وحدهما واقفين)‬
‫‪( -‬مترفقا) أالن تجلسي يا سلمى؟‬
‫‪( -‬تنتبه إلى أانها ظلت واقفة ‪ ،‬فتجلس مغمغمة) شكرا ‪..‬‬
‫‪( -‬مبتسما) ل داعي للشكر ‪ ،‬إنه بيتك يا سلمى!‬
‫‪( -‬تغمغم بكلمات ل تكاد هي تسمعها!)‬
‫‪( -‬تمر لحظات صمت) أاحسن هللا إليك العزاء في زوجك قاسم – يرحمه هللا ‪.. -‬‬
‫‪( -‬تغمغم في حزن) وصفاء كذلك!‬
‫‪ -‬نحتسبهما عند هللا من أاهل الجنة ‪..‬‬
‫‪ -‬إن شاء هللا ‪ ،‬ولكنه أالم الفراق ‪..‬‬
‫*********************‬

‫‪( -‬الح اج ع ادل واق ف خل ف الس تار يتس مع ح ديثهما ‪ ،‬فيقط ب حاجبي ه ‪ ،‬ويه رع إل ى‬
‫زوجته ‪ ،‬فيجدها جالسة تالعب الرضيعة) فاطمة ‪ ،‬يا فاطمة! هاتي الطفلة وتعالي!‬
‫‪( -‬في ارتياع) هل رفضت؟ هل رحل؟‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪291‬‬
‫آ‬ ‫آ‬
‫‪( -‬ف ي اس تياء) ق ومي الن وإل س يحدث ذل ك! ادفع ي الطفل ة لس لمى ‪َ ،‬ع َّله ا تغي ر ج و الكاب ة‬
‫ذلك بينهما ‪.‬‬
‫‪( -‬ت نهض مع ه ‪ ،‬وق د فهم ت مقص ده) نع م فهم ت! (تخ رج الحاج ة فاطم ة إل ى س لمى ‪ ،‬وق د‬
‫رسمت على شفتيها ابتسامة واسعة متصنعة ‪ ،‬فتضع الطفلة في حجرها) خذي ي ا س لمى ‪،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫أابقيها معك ريثما أاعد الغداء ‪ ،‬فابوك ‪ -‬كما تعلمين – ل يحسن هذه المور وحده!‬
‫ي‬ ‫(تع ود لزوجه ا خل ف الس تار قب ل أان يتس نى لس لمى ال رد ‪ ،‬فيس تقبلها الح اج ع ادل ف‬
‫أ‬
‫عتاب ‪ " :‬أاكان لبد من الجملة الخيرة؟ " تشير له أان يسكت ‪ ،‬ويقفان معا يتسمعان الحوار)‬

‫*********************‬

‫‪( -‬سلمى تداعب الطفلة) ما شاء هللا تبارك الرحمن! ما أاجملها (تبتسم لها الطفلة)‬
‫‪( -‬مسرورا) قلما تعتاد سمية أاحدا بهذه السرعة ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تتاملها) إنها تشبه صفاء ك ثيرا ‪.‬‬
‫‪( -‬بعد هنيهة صمت) أانا شاكر لك يا سلمى ‪..‬‬
‫‪ -‬؟؟‬
‫أ‬
‫وافقت على مقابلتي ‪..‬‬
‫ِ‬ ‫نك‬ ‫ل‬ ‫‪-‬‬
‫‪... -‬‬
‫‪ -‬إنني أاعلم جيدا ما لقاسم من مكانة في قلبك ‪ ،‬والقليل الذي عرفته عنه َ‬
‫وخب َ ْرُت ه من لقائي‬
‫معه حببه إلي ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪291‬‬

‫‪.... -‬‬
‫أ‬
‫سعدت معه ‪..‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬ل أاستطيع أان أاعدك أانني ساعوضك عنه ‪ ،‬ول أانك ستسعدين معي كما‬
‫‪.... -‬‬
‫‪ -‬ولكنني أاعدك ‪ -‬صادقا بإذن هللا ‪ -‬أان أاحترم ذكراه ‪..‬‬
‫‪... -‬‬
‫‪ -‬أوان أابذل ما في وسعي إلسعادك ‪ ..‬أوان ‪ ..‬نؤسس معا أاسرتنا على تقوى من هللا ورضوان‪..‬‬
‫‪... -‬‬
‫‪( -‬ينظر لها مترددا ثم يردف هامسا) كما كنا لنفعل قبال ‪( ..‬ترفع إليه بصرها)‬
‫‪.... -‬‬
‫‪ -‬أاتقبلينني زوجا لك على سنة هللا ورسوله يا سلمى؟‬
‫( أاب وها أوامها واقفان في ترق ب ‪ ،‬الح اج ع ادل يع ّدل نظارت ه ف ي قل ق ‪ ،‬والحاج ة فاطم ة تض ع‬
‫يدها على قلبها ‪ ،‬وتحبس أانفاسها ‪ " :‬نعم! نعم! قولي نعم!")‬

‫*********************‬

‫كان ت س لمى مطرق ة وه ي تس مع ص وت أاحم د اله ادئ يترق رق ف ي أاذنيه ا ‪ ،‬كخري ر ج دول الم اء‬
‫الصافي ‪.‬‬

‫ها هو أاحمد ‪..‬‬

‫أاحمد بنفسه ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪292‬‬

‫بشخصه الذي َش َغ َفها ُحبا ‪..‬‬

‫دخل بيتها من بابه ‪..‬‬

‫وجاء يطلبها على م أراى ومشهد من والديها!‬


‫ها هو حبها َّالدفين ُ‬
‫يبزغ للنور بال َح َرج!‬ ‫ِ‬
‫ها هو السؤال الذي طالمت تمنت أان ُي َو َّجه إليها ‪..‬‬

‫منه ‪..‬‬
‫صحيح أانه لم أياتها آالن ذلك الشاب َالغ ّ‬
‫ض ‪ ،‬ول جاءها وحيدا َفردا ‪ ،‬بل صار أابا أارم ال ‪ .‬وص حيح‬
‫يمس ك ي ده ‪ ،‬ليخط وا مع ا أاول ى‬ ‫أ‬ ‫ْ‬
‫انها ل م تع د ه ي تل ك الع روس ُالمز ِه رة للت و ‪ ،‬ول ن تك ون اول م ن ِ‬
‫أ‬

‫خطواتهما ‪ ،‬في عالم لم َي ِلجاه من قبل ‪.‬‬

‫ومع ذلك ‪..‬‬

‫و َرغم ذلك ‪..‬‬

‫استيقظ ذلك الحب الذي دفنته ف ي مك ان م ا ف ي جنب ات قلبه ا ‪ ،‬ونس يت أاو تناس ت مكان ه ‪ ،‬فه ا‬
‫هي ذي تجده اليوم كامال غير منقوص ‪ ،‬وإن كان قد شابته أاخالط من مشاعر أاخرى ‪.‬‬

‫وها هو ذا السؤال الذي َتاقت له ك ثيرا يصافح سمعها بكل الحب‬

‫وكل الود ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪293‬‬

‫وكل الحنان الذي تمنته ‪..‬‬


‫أ‬
‫كما لو كان بالمس القريب ‪.‬‬

‫*******************‬

‫سبحانك ربي ‪..‬‬


‫أ‬
‫تصرف القدار كيف تشاء‬
‫ّ‬
‫فنصدق ذلك ‪..‬‬
‫أ‬
‫بالسنتنا ‪..‬‬

‫لكن تظل قلوبنا في حيرة‬

‫أوانفسنا في ُس ْخط ‪..‬‬

‫فال نرى من ُم َو ِ ّجه َلد َّفة الحياة ‪..‬‬

‫سوى أاحالمنا ‪..‬‬

‫أوامنياتنا ‪..‬‬

‫وخططنا ‪..‬‬
‫فإذا أاردنا ثم كان ما أا َر ْ‬
‫دت ‪..‬‬
‫َ‬
‫ثبت عند المتحان القليل ‪..‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪294‬‬
‫َ‬
‫وس ِخط الك ثير ‪..‬‬

‫ولو ع ِلمنا الغيب ‪..‬‬

‫فقط لو علمناه ‪..‬‬

‫لستك ثرنا من الخير ‪..‬‬

‫وما مسنا السوء ‪..‬‬

‫ولذلك ل نعلمه ‪..‬‬

‫ليتبين الصادق من الكاذب‬

‫وليمتحن هللا المؤمنين ‪..‬‬

‫فمن رضي فله الرضا‬

‫الس ْخط‬
‫سخط فله ُّ‬
‫ومن ِ‬
‫َ‬
‫والقدر سيجري على كل حال ‪..‬‬
‫أ‬
‫يجري عليك أوانت ماجور ‪..‬‬
‫فإما أان َ‬
‫أ‬
‫أاو أان يجري أوانت مازور ‪.‬‬

‫*****************‬

‫" أاتقبلينني زوجا لك؟"‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪295‬‬

‫أاذلك يحتاج سؤال يا أاحمد؟!!‬

‫ك م َّودت س لمى ل و تق ذف بكلم ة " نع م" ‪ُ ،‬لتخ ِرج ك ل النفع الت الت ي تعتم ل داخله ا ‪ ،‬ولك ن‬
‫واخ َت َلج ت ش فتاها دون أان َت ْف َت َّرا ع ن الكلم ة الس حرية! وانتزعه ا‬
‫لسانها احتبس ع َوض ا ع ن ذل ك ‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫أ‬
‫م ن خواطره ا حرك ة بس يطة َن َّدت م ن س مية ف ي حجره ا ‪ ،‬فرفع ت بص رها إلي ه َع ْف وا ‪ ،‬فالف ت ف ي‬
‫عيني ه نظ رة الترق ب الجمي ل! تل ك النظ رة أالثي رة ‪ ،‬الت ي طالم ا ُ‬
‫حلم ت أان ينظ ر به ا إليه ا ‪ ،‬ح ين‬
‫يوجه إليها ذلك السؤال!‬‫ّ‬
‫ِ‬

‫‪( -‬يكرر السؤال في ترفق قلق) أاتقبلين بي يا سلمى؟‬


‫‪( -‬تتنهد ُم َس َارقة ‪ ،‬وقلبها يكاد يقفز من مكانه ليرتمي بين يديه!)‬
‫‪ -‬؟؟‬
‫‪( -‬تستجمع أانفاسها ثم تهمس على استحياء) نعم! أاقبل بك يا أاحمد!‬
‫*****************‬

‫ان دفعت الحاج ة فاطم ة م ن خل ف الس تارة كالس يل الج ِارف ‪ ،‬مطلق ة َزغ رودة طويل ة عالي ة ‪،‬‬
‫أازعجت الطفلة في حجر سلمى فعال صوتها بالبك اء ‪ .‬مس ح الح اج ع ادل دمع ة ك ادت تتح در ‪،‬‬
‫وقال لزوجته مازحا ‪:‬‬

‫" أابكيت الطفلة بصيحتك الطرزانية يا فاطمة!"‬

‫أاخ ذت الحاج ة فاطم ة الطفل ة الباكي ة ‪ ،‬وقال ت وه ي نفس ها تبك ي ‪ " :‬ل علي ك! إنه ا دم وع‬
‫الفرح!"‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪296‬‬

‫أواطلقت زغرودة ثانية أاقوى من سابقتها ثقبت أاذن الطفلة المسكينة بين ذراعيها‬

‫فاشتد بكاؤها‬

‫وانهمرت من عينيها الدموع ‪..‬‬

‫دم وع ال ف رح!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪297‬‬

‫(الحاج ة فاطم ة تحم ل س مية ب ين ذراعيه ا ‪ ،‬وتبح ث ع ن زوجه ا ‪ ،‬حت ى تج ده ق رب إح دى‬


‫القاعات)‬

‫اختفيت يا أابا سلمى؟‬


‫َ‬ ‫‪ -‬أاين‬
‫‪ُ -‬‬
‫كنت مع المدعوين يا فاطمة ‪.‬‬
‫‪ -‬أابحث عنك منذ ساعة ولم أاجدك!‬
‫أ‬
‫‪( -‬يمازحها) شيء طبيعي ‪ ،‬لنك تبحثين في ناحية المدعوات!‬
‫(تناوله الطفلة) خذ حفيدتك وك ف عن ِمزاحك باهلل عليك!‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫(ياخذ الطفلة بحرص) وإلى أاين تذهبين أانت؟‬ ‫‪-‬‬
‫ُّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫المدعوون ينتظرون ‪ ،‬والعروسان جاهزان!‬ ‫ساذهب لطلب إحضار كعكعة الزفاف ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ‬
‫فلتحملي أانت الطفلة أوانا ساذهب!‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬ل! بل أانا من سيذهب!‬
‫‪ -‬بل أانا!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪298‬‬

‫‪ -‬بل أانا! أانا أامها!‬


‫‪ -‬أوانا أابوها!‬
‫‪ -‬ل َي ُهم ‪ ،‬لن يحتاجوا توقيعك إلحضارها! أاريد أان أاراها أاول! (تغادر مسرعة)‬
‫‪( -‬ينظ ر لحفيدت ه الت ي تبتس م ل ه بب راءة) إي اك أان ُ‬
‫تكب ري لتص بحي مثله ا! (ي ذهب عائ دا‬
‫أ‬
‫لناحية المدعوين) هيا تعالي معي لريك قسم الرجال!‬
‫*****************‬

‫‪ -‬يا حاجة ‪ ،‬يا حاجة!‬


‫‪( -‬تلف ت الحاج ة فاطم ة إل ى مص در الهم س متعجب ة ‪ ،‬ف إذا بالش يخ حس ين يط ل ب أراس ه م ن‬
‫خ ارج إح دى الش رفات ‪ ،‬فتس رع إلي ه) الح اج حس ين؟ لم اذا تق ف هن ا؟ أال م نرس ل ل ك‬
‫وللحاجة فتحية بطاقات الدعوة؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬يبتسم) نعم وصلت ‪ ،‬وصلكم هللا بكل خير يا حاجة ‪ .‬لكنني جئ ت لتح دث م ع س لمى‬
‫‪ -‬لو تكرمتم – في أامر ضروري ‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا ‪ ،‬دقائق أواعود ‪( .‬تسرع للداخل)‬
‫‪ ( -‬أتاتي سلمى بعد لحظات في فستانها أالبيض ‪ ،‬وتنزل َد َر َجات ُّ‬
‫الش ْر َفة بع د أان تغل ق الب اب‬ ‫ِ‬
‫خلفها ‪ ،‬وتقف في مواجهة الحاج حسين في الحديقة ‪ ،‬وتبادره مسرورة) أاه ال ي ا عم اه! ك م‬
‫َس ِعدت لحضورك ‪ .‬كيف حالك؟ والخالة فتحية ‪ ،‬كيف حالها؟‬
‫‪( -‬يطرق) لقد َت َغ َم َّدها هللا برحمته منذ أاربعة أايام!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪299‬‬

‫‪ -‬ل إله إل هللا! عمتي فتحية؟! إنا هلل وإنا إليه راجعون ‪.‬‬
‫‪( -‬يبتس م ف ي اطمئن ان) الحم د هلل ال ذي توفاه ا عل ى م ا كان ت ترج و ‪ .‬لق د ُق ِبض ت روحه ا ‪،‬‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫وهي تتلو القران في الثلث الخير ‪ ،‬في مسجد القاسم ‪ .‬الحمد هلل ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تبتسم له متاثرة) ما شاء هللا ‪ ،‬كم أانا سعيدة لجلها‪..‬‬
‫‪ -‬ما من شك ل دي ف ي ص دق مش اعرك ي ا ابنت ي ‪ ،‬ب ارك هللا في ك ‪ ،‬وج ز ِاك خي را عل ى الفرح ة‬
‫التي أادخلتيها علينا ببنائكم المسجد ‪.‬‬
‫‪ -‬الفضل هلل وحده أاول أواخيرا ‪.‬‬
‫‪( -‬يرف ع يدي ه إل ى الس ماء) الحم د هلل رب الع المين ‪( .‬يع ود فينظ ر إليه ا) ق د جئت ك الي وم‬
‫أ‬
‫لتوديعك ‪ ،‬فلعلي ل أار ِاك بعد يومي هذا لنني أاشعر ِب ُد ُن ِ ّو َا َجلي!‬
‫‪ -‬لماذا تقول هذا يا عماه؟‬
‫‪ -‬كلنا إليه راجعون يوما ما يا ابنتي ‪( .‬يمد يده إليه ا بق الدة ذهبي ة) لق د أاوص تني زوجت ي قب ل‬
‫أ‬
‫وفاته ا ‪ ،‬أان أا ِعط َي ك ه ذه الق الدة لتبيعه ا ‪ ،‬وتتص دقي بثمنه ا عنه ا‪( .‬يتام ل الق الدة ف ي‬
‫أ‬
‫إعزاز) إنها هديتي الولى إليها ليلة زفافنا ‪ .‬لم أاكن أاعلم أانها احتفظت بها كل تلك ُالمدة ‪.‬‬
‫‪ -‬لمذا ل تبقيها معك ذكرى يا عماه؟‬
‫أ‬
‫‪ -‬لق د أاوص تني ي ا ابنت ي به ذا ‪ ،‬لنه ا ترج و أان تلقاه ا عن د هللا محفوظ ة ‪ ،‬كم ا َح ِف َظ ْته ا ف ي‬
‫حياتها‪.‬‬
‫أ أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تاخذ سلمى القالدة وتتاملها في تاثر) ساحافظ عليها ‪ ،‬أوانفذ وصيتها بإذن هللا‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪311‬‬

‫‪( -‬يمد يده بساعة قديمة) وهذه كذلك ي ا ابنت ي ‪ .‬إنه ا س اعة ذل ك الفقي ر ال ذي ظلمت ه فنص ره‬
‫هللا ‪ .‬لق د حاول ت لس نوات البح ث ع ن ص احبها دون ج دوى ‪ ،‬فبيعيه ا وتص دقي به ا عن ه‪.‬‬
‫ص حيح أان ل أاح د م ن الخل ق يقب ل ه ذه "الخ ردة" ‪ ،‬لكن ه (يرف ع ي ده إل ى الس ماء) س بحانه‬
‫س يقبلها ‪ ،‬س بحانه الب ر ال رحيم ‪َ ،‬ي ْق َب ُلن ا كي ف كن ا ‪ ،‬ول و ل م نك ن نمل ك ِم ْث َق ال حب ة م ن‬
‫َخ ْر َدل ما طردنا ‪ ،‬كما يطردنا َخ ُلقه الظالمون ‪.‬‬
‫غيرت معرفتي بكم أاشياء ك ثيرة في داخلي ‪.‬‬
‫‪ -‬ل أادري كيف أاشكرك يا عماه ‪ ،‬لقد ْ‬

‫‪ -‬اذكرينا في دعائك يا ابنتي ‪.‬‬


‫‪ -‬لن أانساكما ما حييت يا عماه ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬يتامله ا كم ا يتام ل الب الش فوق ابنت ه ف ي س عادة ي وم زفافه ا) أاستودع ِك هللا إذن ي ا‬
‫ابنتي ‪ ،‬أوارجو لك حياة هانئة مطمئنة في طاعة هللا ‪.‬‬
‫‪ -‬أال توصيني يا عماه قبل أان تذهب؟‬
‫أ‬
‫‪( -‬يتامله ا بره ة ‪ ،‬ث م يبتس م مردف ا) اس تمتعي بم ا أاحل ه هللا دون أان ُت ْف َتن ي ب ه ‪ ،‬وإن أراي ت‬
‫أ‬
‫الدنيا هنا (يشير إلى قلبه) ل هنا (يش ير بي ده) فاح ذري! واس الي هللا الس المة والمعاف ة ف ي‬
‫آ‬
‫ال دين وال دنيا والخ رة ‪ ،‬ف إن خرج ت م ن ال دنيا س المة ال دين ‪ ،‬فم ا فات ك منه ا فل يس‬
‫ِب َضا ِئر ‪ ،‬واتقي هللا واعلمي أانه مع المتقين ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪ -‬جزاك هللا خيرا يا عماه ‪ ،‬ساذكر وصيتك ما حييت إن شاء هللا ‪.‬‬
‫‪( -‬يبتسم لها محييا ‪ ،‬ثم يبتعد حتى يحتويه الظالم ‪ ،‬ويختفي عن ناظريها)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪311‬‬

‫‪( -‬تردد في امتنان) جزاك هللا خي را ي ا عم اه ‪ ،‬وعف ا عم ا أاس لفت (تحف ظ الس اعة والق الدة ف ي‬
‫ْ‬
‫جيب ثوبها ‪ ،‬ثم تعود للداخل ‪ُ ،‬فتل ِفي أاحمد جاء بحثا عنها)‬
‫********************‬

‫يلوح لها بيده) أاخيرا وجدتك! (هامسا) ما أرايك أان نمكث هنا وحدنا قليال يا سلمى؟‬
‫‪ّ ( -‬‬
‫ِ‬
‫‪( -‬هامسة) ونترك المدعوين؟‬
‫‪( -‬ضاحكا) ُي َخ َّيل إلي أانهم راشدون ك فاية ليعرفوا طريقهم من دوننا!‬
‫‪( -‬تلكزه برفق في ذراعه وتبتسم) لم تتغير يا أاحمد!‬
‫أ‬
‫‪( -‬ياخذ بيدها) هيا ‪ ،‬تعالي!‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬انتظر! ساخبر أامي لتبعد عنا العين الفضولية (تذهب دقائق ثم تعود ‪ ،‬فيخرجان معا إل ى‬
‫الشرفة المطلة على الحديقة ‪ ،‬ويغلقان بابها خلفهما)‬
‫********************‬
‫ْ َ‬ ‫أ‬
‫وقف أاحمد وسلمى جنبا إلى جنب ‪ ،‬يتامالن المنظر الساحر أامامهما ‪ .‬ك ان اللي ل َي ُج ر َاذ َيال ه عل ى‬
‫الك ون ف ي ُت َؤ َدة ‪ ،‬و أاش عة القم ر َت ْن َس ِكب عل ى ص فحة المي اه الرائ ق ة ‪ ،‬الت ي تنس اب َرقراق ة م ن‬
‫أ‬
‫النافورة الفضية أامامهما ‪ ،‬والنجوم تتناثر منعكسة عليها ‪ ،‬فتظهر كانها بساط م ن القطيف ة الزرق اء‬
‫تناثرت عليه حب ات اللؤل ؤ َ‬
‫والك ْهرم ان ‪َ .‬ه َج ع الك ون ف ي س الم ُمتن ِاغم ‪ ،‬وس اد ص مت ُم َحب ب ‪ ،‬إل‬
‫وس َك َنت إليه ‪.‬‬
‫وط زوجته ‪ ،‬فتبسمت له َ‬ ‫وخرير المياه ‪ .‬مد أاحمد ذراعه َي ُح ُ‬
‫َ‬
‫من همس الورود ِ‬
‫أ‬
‫‪ -‬أاتعلمين يا سلمى؟ أاشعر كان َط ْي َف ْي ِهما َي ُرق َبا ِننا في رضا ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪312‬‬

‫‪ -‬أوانا كذلك ‪.‬‬


‫أ‬
‫‪ -‬لكان هللا اختارنا لنسعدهما فيما ك تب لهما من عمر ‪.‬‬
‫‪ -‬ولكننا سعدنا معهما بدورنا ‪ ،‬أاليس كذلك؟‬
‫‪ -‬بلى ‪..‬‬
‫‪( -‬بعد لحظات صمت) أاحمد؟‬
‫‪( -‬يلتفت إليها مبتسما)‬
‫‪ -‬أاتذكر تلك الرسالة؟‬
‫‪ -‬أا ُية رسالة؟‬
‫رسلتها إلي بعد لقاءنا مصادفة في السوق ‪.‬‬ ‫‪( -‬ترفع إليه عينيها وتنظر إليه مباشرة) التي أا َ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬يح ول ن اظره عنه ا ‪ ،‬ويتام ل الخض رة المنبس طة أامام ه ‪ ،‬وق د ب دا علي ه ش ئ م ن الت اثر) أال‬
‫َّ‬
‫زلت تحفظين لي تلك ال َّزلة يا سلمى؟ يشهد هللا أانني ِندمت لحظة إرسالها ‪ .‬ق د ك ان خاطر‬
‫س وء م ن الش يطان ‪ .‬ش عرت برغب ة مفاجئ ة ف ي أان أاتص ل ب ك أباي ة وس يلة! لس ت أادري‬
‫كي ف خط رت ل ي تل ك الفك رة الطائش ة ‪ ،‬لكنن ي اش ِهد هللا م ا كن ت أان وي أان أازي د عليه ا‬
‫شيائ ‪ .‬صدقيني يا سلمى ‪.‬‬
‫‪( -‬في ارتياح) أاصدقك يا أاحمد ‪.‬‬
‫‪( -‬في عتاب) أاكنت تشكين بي يا سلمى؟‬
‫‪ -‬أابدا! وإنما أاردت أان أاتثبت ‪ ،‬وليطمئن قلبي ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪313‬‬

‫‪( -‬ضاحكا) ل ز ِ‬
‫الت حاضرة بالجواب الشافي يا سلمى ‪ .‬ولكن ‪( ..‬يسكت قليال)‬
‫‪ -‬ولكن ماذا؟‬
‫‪ -‬إن كن ت ق د تلقي ِت الرس الة ‪ ،‬ووص لك المغ زى فل َم ل ْم ت ردي عل ي؟ (يغمزه ا باس ما) أال م‬
‫تشتاقي إلي؟‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تنظ ر إلي ه ج ادة) لنن ي علم ت أانه ا كان ت ْنز َغ ة م ن الش يطان ‪ ،‬وم ا كن ت لعين ه علي ك ‪،‬‬
‫أ‬ ‫ف أرايت أان أاغلق الباب بإحكام قبل أان ُي َ‬
‫كس ر ُالقف ل (تبتس م) لن ه ل و ُك ِس ر فس نجلس كالن ا‬
‫بعدها في َالعراء!‬
‫واع َجب ي من ك ي ا س لمى وم ن تش بيهاتك! ص رت تف وقين أاس تاذك!‬‫‪( -‬يض حك إعجاب ا) َ‬
‫(يحتنضها مسرورا) الحمد هلل الذي رزقك بصيرة وعقال راجحا ‪ ،‬أواعانك أان تخذليني!‬
‫‪ -‬على العكس يا أاحمد ‪ ،‬قد نصرتك أ‬
‫لوانك تفكرت ‪.‬‬
‫‪( -‬مستمتعا بحوارها) وكيف ذلك؟‬
‫‪ -‬أالم يقل الحبيب المصطفى ‪" :‬انصر أاخاك ظالما أاو مظلوما"؟‬
‫‪ -‬بلى ‪.‬‬
‫‪ -‬فق د نص رتك ظالم ا بك ف ك ع ن ظلم ك ‪ ،‬وم ا كن ت ألعين ك علي ه ‪َ ،‬فن ُب وء كالن ا ُ‬
‫بالخس ران‬
‫المبين ‪.‬‬
‫‪( -‬متفكرا) ظلم؟!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪314‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬تتامله مليا كانما تخشى أان تصارحه ‪ ،‬ثم ُت ِردف وهي تح ول ناظره ا عن ه) أاول يس ظلم ا أان‬
‫يخ ون الم رء م ن أا َكر َم ت َم ْث واه ‪ ،‬وص ار ل ه منه ا ول د ي ا أاحم د؟! أاول يس ظلم ا التخف ي ع ن‬
‫أ‬
‫أاعين الناس ‪ ،‬ونسيان من يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور؟ أاليس هللا تع الى يق ول ‪:‬‬
‫"واعلموا أان هللا يعلم ما في أانفسكم فاحذروه"؟‬
‫‪( -‬ينظر للخضرة المنبسطة أامامه ‪ ،‬ويعض على شفتيه في ندم)‬
‫آ‬
‫‪( -‬تضع ك فها على ك فه) اسفة لو أانني ‪..‬‬
‫‪( -‬يقاطعها وهو يمرر إصبعه على عين ه ‪ ،‬ليمن ع دمع ة م ن التح در) ل ي ا س لمى ‪ ،‬لق د أاص بت‬
‫َك ِبد الحقيقة ول َمفر من اإلقرار ‪..‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬تحوط ذراعها بذراعيها) وهذا مما أاحبه فيك ي ا احم د ‪ ،‬إن ك ل تس تنك ف أان ُت ِق َّر بالخط ا ‪،‬‬
‫ول تغضب من المصارحة ‪..‬‬
‫‪( -‬يبتسم لها ‪ ،‬ثم يقول بعد صمت قصير) أاتعلمين يا سلمى؟‬
‫‪ -‬ماذا؟‬
‫‪ -‬أانك رائعة؟!‬
‫‪( -‬تسكت وتحمر وجنتاها)‬
‫‪ -‬أوانني بعد أاحبك!‬
‫أ‬
‫‪( -‬ترفع إليه عينين جميلتين متال لئتين) لزالت تحبني يا أاحمد؟‬
‫‪ -‬أاضعاف أاضعاف ذي قبل!‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪315‬‬

‫‪ -‬أالم يكن زواجك مني ً‬


‫إمضاء لوصية صفاء؟‬
‫‪ -‬بل كان استجابة لنداء قلبي منذ أاول يوم عرفتك فيه ‪ ،‬وعززت ه وص ية ص فاء ‪( .‬ي دير وجهه ا‬
‫إليها) وإنما هذا السؤال أاوجهه أانا لك أانت يا سلمى!‬
‫‪( -‬تحول بصرها عنها مترددة) لي أانا؟!‬
‫أ‬
‫‪ -‬أانت م ن وق ع عل ى عاتق ك حم ل المان ة الت ي علقته ا ص فاء ف ي عنق ك ‪ ،‬وك ذلك رغب ة قاس م‬
‫أ‬
‫الخيرة في أان تتزوجي بعده ‪.‬‬
‫للخ ْضرة في شرود)‬ ‫‪( -‬تصمت وتطرق ناظرة ُ‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫‪( -‬يتاملها مليا ‪ ،‬ثم يسالها في حذر) أاكان َقبولك الزواج مني لجلهما فقط يا سلمى؟‬
‫‪( -‬تدمع عيناها وتخفي وجهها بيديها) ل أاستطيع يا أاحمد!‬
‫‪( -‬يتراجع قليال مندهشا من ردة فعلها) ل تستطيعين ماذا يا سلمى؟‬
‫‪ -‬أاتريدني أان أاتكلم بما َيسو ُؤ ُهما وذكراهما َب ُ‬
‫عد بيننا؟!‬ ‫ِ‬
‫‪( -‬ي ردد مندهش ا) يس وؤهما؟ (يس كت بره ة ‪ ،‬ث م يلتف ت إليه ا) اس معيني ي ا س لمى ‪ ،‬إن‬
‫ال ذي قض ى عليهم ا الرحي ل عن ا ه و – س بحانه ‪ -‬ال ذي أاودع فين ا ه ذه المش اعر الس امية‬
‫مادامت في الحالل ‪ ،‬فلو كان فيه ا م ا َي ِعي ب لم ا أاوج دها الخ الق فين ا ‪ ،‬ولم ا َك َت ب له ا أان‬
‫تستمر حتى بعد فراق أاحبتنا ‪ ،‬لنستطيع أان نحب من بعدهم ‪ .‬لن تتوقف الحياة عند م ن‬
‫رحل وا ي ا س لمى ‪ ،‬ولكنه ا ستس تمر ‪ ،‬وستس تمر معه ا أاس باب الحي اة ودفء المش اعر‬
‫أ‬
‫اإلنسانية ‪ ،‬فإن َج َّم ِّدتها عند ذكرى من رحلوا ‪ ،‬فكانك َو َا ّدتيها وفيها َب ْع ُد َن َفس يتردد ‪.‬‬
‫‪( -‬تدمع عيناها) أاعلم يا أاحمد ‪ ،‬قد قالت لي أامي كالما مشابها ‪ ،‬ولكنني ‪ ..‬خائ فة ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪316‬‬

‫‪( -‬في حنان) َّمم يا سلمى؟‬


‫‪ -‬كي ف أاخ ون ذك رى م ن ك ان مع ي كريم ا رقيق ا حنون ا ‪ ..‬رج ال! ص حيح أان ه ل م يك ن اختي ار‬
‫أ‬
‫وترك قلبي معلقا بك أوان ا‬ ‫أ‬
‫قلبي ‪ ،‬ول كان "حبي الول" ‪ .‬وكنت اظلمه ك ثيرا بمقارنته بك ‪ِ ،‬‬
‫معه في بداية زواجنا ‪ ،‬لكنه َا َسرني بحسن معاملته وكريم س جاياه وحب ه هلل ‪( .‬تلتف ت إلي ه‬
‫بعينين دامعتين) أاريد أان أاقولها لك يا أاحمد ‪ ،‬لكنها محتبسة في حلقي!‬
‫‪( -‬يبتس م له ا متفهم ا) لري ب عن دي أان ه ك ان كم ا تق ولين ي ا س لمى ‪ ،‬وم ا أانك ر ذل ك ول أاري د‬
‫لك أان تنكريه ‪ ،‬ول أان تخوني ذكراه كما ل أاريد أانا خيانة ذكرى ص فاء ‪ ،‬لك ن أال يس لن ا ف ي‬
‫الحبيب المصطفى أاسوة حسنة؟‬
‫‪ -‬بلى ‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -‬ف إن وفائ ه ص لى هللا علي ه و س لم ‪ ،‬للس يدة خديج ة رض ي هللا عنه ا ‪ ،‬ل م يمنع ه م ن ح ب‬
‫أ‬
‫ريح ب ذلك عل ى الم ال ‪ ،‬ول م يمنع ه أان يق ول له ا إن‬
‫الس يدة عائش ة رض ي هللا عنه ا ‪ ،‬والتص ِ‬
‫كالعق دة ف ي الحب ل ‪ .‬وف ي ذات الوق ت ل م يقل ْل حب ه للس يدة عائش ة م ن وفائ ه‬ ‫حب ه له ا ُ‬
‫ل ذكرى الس يدة خديج ة ‪ ،‬حت ى جع ل الس يدة عائش ة تغ ار منه ا وه ي ُم َّ‬
‫توف اة! الوف اء – ي ا‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫س لمى – لل ر ِاحلين ل يمن ع اس تمرار المحب ة لالحي اء ‪ ،‬ول محب ُة الحي ِاء تق ف ف ي طري ق‬
‫الوفاء للراحلين ‪.‬‬
‫‪( -‬تتفكر في كالمه مقتنعة) نعم ‪ ،‬صدقت‪..‬‬
‫‪( -‬يبتسم وهو يع دل رب اط عنق ه) م ن ن احيتي ‪ ،‬لس ت مس تعجال عل ى س ماعها حت ى تحرريه ا‬
‫أانت من حبسها ‪ .‬وإن رجال يكرمك ويحسن معاملتك هكذا ‪ ،‬لجدير باحترام ذكراه ‪.‬‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪317‬‬

‫‪( -‬تنظر إليه بتساؤل) وصفاء؟‬


‫‪( -‬يبتسم) كما كانت دوما في حياتها يا سلمى ‪ :‬إلى جانبك!‬
‫‪ -‬أاويتسع قلبك لكلينا؟‬
‫‪ -‬إن الذي َم َّن علينا وجمعنا على ما يحب ويرضى ‪ ،‬لهو أاكرم َوا َج ُّل من أان ُي َض ِّيق قلوبنا عن‬
‫التساع للتمتع بما أاحل ‪ ،‬في مرضاته ‪.‬‬
‫‪( -‬تبتسم ‪ ،‬ثم تهمس بعد صمت قصير) أاحبك يا أاحمد!‬
‫‪( -‬ينظر إليها بسرور متفاجائ ‪ ،‬ثم يضمها إليه)‬
‫وتهدا أانفاسها المتسارعة)‬
‫‪( -‬تسكن إليه أ‬

‫الخ الب ‪ ،‬ث م ُي ِردف أاحم د) م ا أراي ِك أان نن زل ونص لي‬


‫‪( -‬يس ك تان قل يال مس تمتعين باله دوء َ‬
‫أ‬
‫في تلك البقعة المختفية عن العين؟ (يشير لمكان خلف ُش َج ْي َرة قصيرة)‬
‫‪ -‬أالم نتفق أان نصلي عندما ندخل منزلنا؟‬
‫آ‬
‫‪ -‬بلى ‪ ،‬لكن هذا شيء اخر ‪ .‬أاري د أان نص لي مع ا ش كرا هلل أان جمعن ا عل ى م ا يح ب ويرض ى ‪،‬‬
‫الخ ُطوب ‪َ ،‬وا ْن َج َز لنا وعده ‪.‬‬
‫أوانه ثبتنا في وجه ُ‬
‫‪َ -‬‬
‫وعده؟‬
‫‪" -‬إنه من يتق ويصبر فإن هللا ل يضيع أاجر المحسنين" ‪.‬‬
‫أ‬
‫‪( -‬في ابتهاج) ساخبر أامي أاننا سنطيل لئال تقلق ‪ ،‬أواعود حال (تدخل)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪318‬‬
‫أ‬
‫ن َزل أاحم د إل ى البقع ة الت ي أاش ار إليه ا ‪ ،‬وظه رت بع ده بقلي ل س لمى ‪ ،‬فاش ار إليه ا م ن مكان ه ‪،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫فسارعت تهبط درج الشرفة بحذائها البيض وثوبها الفضفاض النيق ‪ ،‬فبدت كطي ف م الك يه بط‬
‫أ‬
‫إلى أارض البشر ‪ .‬وقف أاحمد مسرورا يتاملها حتى لحقت به ‪ ،‬ووقفت خلفه ‪.‬‬

‫ون ُس ُكون بديع ‪..‬‬ ‫ساد َ‬


‫الك َ‬

‫حتى الورود َا َ‬
‫مس َكت عن َه ْم ِسها‬

‫والماء َا ْق َلع عن َخ ِريره‬

‫ُّكل منتظر مترقب‬


‫َ‬
‫السكون صوت تكبير قوي هادئ‬ ‫حتى إذا َش َّق‬

‫همست الورود بالتسبيح‬

‫وجرى َالغدير بالتقديس‬


‫وغادرت صغار العصافير أاعشاشها َت َت َّ‬
‫سمع‬

‫لذلك الصوت َّالن ِدي‬


‫آ‬
‫الذي يرتل ا َي الذكر الحكيم‬

‫أوامسكت السحب عن َح ْجب أاشعة القمر‬


‫أفارسلها شاكرا لتغمر في َع ْت َمة الليل َّ‬
‫الس ِاجي‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪319‬‬

‫حبيبين َو َقفا‬

‫بين يدي خالقهما‬

‫فرقهما الصف‬

‫وجمعت بينهما الصالة والمناجاة‬

‫لرب واحد‬
‫وتوجهما إ ْك ُ‬
‫ليل رباط‬ ‫ِ‬
‫رباط َّ‬
‫مقدس‬ ‫ٍ‬

‫أاضفى ُالق ُد ِس َّية على كل ما حوله‬

‫ورفرفت عليهما‬

‫َر َح َمات ميثاق غليظ‬

‫***************‬

‫وبعيدا عنهما كان صوت رتيب‬

‫يدق بانتظام‬

‫صوت دقات ساعة‬


‫أ‬
‫تعلن في تاكيد‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬


‫‪311‬‬ ‫‪311‬‬
‫أان ْ‬
‫العم َر سيمضي‬
‫َ‬
‫والقدر سيجري‬
‫َ‬
‫وعجلة الحياة ستدور‬

‫فمن رضي فله الرضا‬

‫ومن سخط فله السخط ‪.‬‬

‫ر‬ ‫أ‬
‫"وكان امر هللا قدرا مقدو ا"‬

‫(تمت بحمد هللا تعالى)‬

‫بـقـلـم ‪ :‬هـــدى عبد الرمحــن النمـــر‬

You might also like