You are on page 1of 21

‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫مالمح الصعلوك في المية العرب‬


‫‪The Features of the Wretch in Lamiyyat Alarab‬‬
‫‪Prof. Dr. Abdulrahman bin Ahmad Alsabt‬‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبد الرمحن بن أمحد السبت‬
‫‪Professor in the Department of Arabic Language, College of‬‬ ‫األستاذ يف قسم اللغة العربية بكلية الرتبية بالزلفي ‪ -‬بجامعة املجمعة‬
‫‪Education in Zulfi, Majmaah University‬‬
‫‪Email: a.alsabet@mu.edu.sa‬‬
‫الربيد الشبكي‪a.alsabet@mu.edu.sa :‬‬
‫‪https://doi.org/10.56760/JBUZ1179‬‬

‫‪Abstract‬‬ ‫ملخص البحث‬


‫‪This study, entitled "The Features of the Wretch in‬‬ ‫يسعى هذا البحث املوسوم بـ‪" :‬مالمح الصعلوك يف المية‬
‫‪Lamiyyat Alarab", seeks to reveal some of the moral‬‬
‫‪and congenital features of the Wretch in the poem‬‬
‫العرب" إىل الكشف عن بعض املالمح اخلُلقية واخلَ ْلقية‬
‫‪"Lamiyyat Alarab" by Alshanfari.‬‬ ‫للصعلوك يف قصيدة "المية العرب" للشنفرى‪.‬‬
‫‪Various characteristics of the Wretch were identi-‬‬ ‫جاءت سامت متنوعة للصعلوك من خالل وصف الشنفرى‬
‫‪fied when Alshanfari describes himself, thinks well‬‬ ‫نفسه‪ ،‬واعتداده بتلك السامت اخلُ ُلقية التي تتعلق بطبيعته‬
‫‪of moral traits that relate to his own nature, and dis-‬‬
‫اخلاصة‪ ،‬ومتيزه بفضائل األمور وحماسن األخالق‪ ،‬إذ أبانت‬
‫‪tinguishes him with virtues and good manners. The‬‬
‫‪study points out the characteristics of: alienation,‬‬ ‫والتفرد يف حياة الصعلوك‬
‫ُّ‬ ‫الدراسة عن سامت‪ :‬الغربة والعزلة‬
‫‪isolation, and exclusivity in the Wretch's own life. In‬‬ ‫اخلاصة‪ ،‬كام وصف الشنفرى نفسه بـ‪ :‬الشجاعة‪ ،‬والصرب وقوة‬
‫‪fact, Alshanfari describes himself as: courageous, pa-‬‬ ‫والغم‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫اهلم‬
‫وعزة النفس‪ ،‬والعفة‪ ،‬والزهد‪ ،‬وكثرة ِّ‬ ‫التحمل‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫‪tient, resistant, self-esteemed, virtuous, ascetic, wor-‬‬
‫والتواضع‪ ،‬واحللم‪ ،‬واحلزم‪ ،‬واالعتداد بالرأي‪ ،‬والرت ُّفع عن‬
‫‪ried, humble, modest, firm, respectful of opinion, and‬‬
‫‪refraining from gossip.‬‬ ‫النميمة‪.‬‬
‫‪The study approaches the congenital features that‬‬ ‫وحتدث البحث عن السامت اخلَ ْلقية التي ختتص بالشكل واهليئة‬
‫‪pertain to the shape and appearance of the Wretch‬‬ ‫واملظهر اخلاص بالصعلوك املتمثلة يف حياة الشنفرى‪ ،‬وكشفت‬
‫‪represented in the life of Alshanfari, which are also‬‬ ‫عنها دراسة الالمية‪ ،‬ومن هاته السامت‪ :‬نحافة اجلسم‪ ،‬وعدم‬
‫‪revealed by the study of Lamiyyat Alarab. Some of‬‬
‫‪these features are: thinness of the body, lack of inter-‬‬
‫االهتامم باملظهر‪ ،‬ورسعة العدو الذي ال ُيارى‪.‬‬
‫‪est in appearance, and the incomparable fast running.‬‬ ‫واتَّضح يل هناية البحث الرتكيز الواضح من الشنفرى يف حياته‬
‫‪The study concludes that Alshanfari, in his wretch-‬‬ ‫مع الصعلكة عىل اخلصائص اخلُلقية‪ ،‬وهي األهم يف اجلانب‬
‫‪ed life, focuses on moral characteristics as the most‬‬ ‫اإلنساين‪ ،‬وهبا يقاس املرء يف هذه الدنيا‪ ،‬إذ العربة باملخرب ال‬
‫‪important human aspect by which one is evaluated,‬‬
‫باملظهر‪.‬‬
‫‪since it is not the appearance, it is the essence.‬‬
‫‪key words:‬‬ ‫الكلامت املفتاحية‪:‬‬
‫‪Features - Wretch - Shape - Morals - Alshanfari -‬‬ ‫مالمح ‪ -‬الصعاليك ‪ -‬الشكل ‪ -‬األخالق ‪ -‬الشنفرى ‪ -‬المية‬
‫‪Lamiyyat Alarab.‬‬ ‫العرب‪.‬‬

‫الكريــم وتراكيبــه‪ ،‬فقــد نــزل بلســان عــريب مبــن‪ ،‬كــا‬ ‫مقدمة‬


‫ـذب النفــوس‪ ،‬ويســمو باألخــاق‪،‬‬ ‫أن هــذا الشــعر هيـ ِّ‬
‫َّ‬ ‫احلمــد هلل وحــده‪ ،‬والصــاة والســام عــى َمــ ْن ال‬
‫ـذر مــن رذائلهــا‪.‬‬‫ويرشــد إىل فضائــل األمــور‪ ،‬وحيـ ِّ‬ ‫ـرا‬ ‫نبــي بعــده‪ ،‬وعــى آلــه وصحبــه وس ـ َّلم تسـ ً‬
‫ـليم كثـ ً‬
‫وللشــعراء الصعاليك ســات يف أشــعارهم‪ ،‬يشــركون‬ ‫إىل يــوم الديــن‪ ،‬أمــا بعــد‪:‬‬
‫يف بعضهــا مــع شــعراء آخريــن‪ ،‬وينفــردون يف جــزء‬ ‫ـإن الشــعر العــريب القديــم تـ ٌ‬
‫ـراث نفخــر بــه‪ ،‬ونعتـ ُّـز‬ ‫فـ َّ‬
‫آخــر يف اخلصائــص واملالمــح التــي حتدَّ ثــوا عنهــا يف‬ ‫بلغتــه‪ ،‬فهــو وســيلة مــن وســائل َف ْهــم ألفــاظ القــرآن‬

‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬ ‫‪128‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫•موســوعة الشــعراء الصعاليــك‪ ،‬د‪.‬حســن جعفــر‬ ‫نظــرا لعيشــهم يف‬


‫معانيهــم‪ ،‬ووصفــوا أنفســهم هبــا؛ ً‬
‫نــور الديــن‪ ،‬وهــي مشــاهبة إىل حــدٍّ كبري للدراســة‬ ‫جمتمــع منعــزل يف الصحــراء‪ ،‬فــكان ذلــك مــن أهــم‬
‫الســابقة‪.‬‬ ‫األســباب التــي جعلتنــي أبحــث عنهــا للوقــوف‬
‫فــا جــاء يف هاتــن الدراســتني عــام يف أوصــاف‬ ‫عــى أهــم الســات اخلَ ْلقيــة أو اخلُ ُلقيــة‪ ،‬ولذلــك‬
‫الصعاليــك‪ ،‬ومل يــرد ممــا ذكــره الشــنفرى يف الميتــه‬ ‫اخــرت قصيــدة مــن عيــون الشــعر العــريب عامــة‪،‬‬
‫إال القليــل‪ ،‬أمــا دراســتي فهــي اســتقصائية للصفــات‬ ‫وشــعر الصعاليــك خاصــة‪ ،‬وهــي "الميــة العــرب"‬
‫اخل ْلقيــة واخل ُلقيــة ممــا ذكــره الشــنفرى يف الميتــه‪ ،‬مــع‬ ‫للشــنفرى‪ ،‬للوقــوف عــى تلــك اخلصائـص‪ ,‬واحلديــث‬
‫حتليــل تلــك الســات‪ ،‬وربطهــا باجلانــب اللغــوي‬ ‫عنهــا بــا تســمح بــه حــدود الدراســة‪ ،‬معتمــدً ا عــى‬
‫الــذي جــاء يف أثنــاء وصــف الشــاعر نفســه هبــا‪.‬‬ ‫النســخة التــي أثبتهــا الزخمــري يف كتابــه املوســوم بـــ‪:‬‬
‫ــمت البحــث إىل‪ :‬مقدمــة‪ ،‬ثــم متهيــد خمتــر‬ ‫وقس ُ‬ ‫َّ‬ ‫"أعجــب العجــب يف رشح الميــة العــرب"‪.‬‬
‫عــن‪ :‬الصعاليــك‪ ،‬والميــة العــرب‪ ،‬والشــنفرى‪.‬‬ ‫وبعــد قــراءة القصيــدة والتم ُّعــن يف أهــم ســات‬
‫ثــم جــاء املبحــث األول‪ :‬وفيــه حديــث عــن أهــم‬ ‫الصعاليــك فيهــا اخــرت املنهــج الوصفــي التحليــي‬
‫املالمــح اخلُ ُلقيــة للصعلــوك الشــنفرى يف الميــة‬ ‫للدراســة‪ ،‬فهــو األنســب لتحليــل الســات التــي‬
‫والتفــرد‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫العــرب‪ ،‬وتتم َّثــل يف‪ :‬الغربــة والعزلــة‬ ‫اتَّصــف هبــا الشــنفرى يف الميتــه‪ ،‬إ ْذ مل أجــد دراســة‬
‫التحمــل‪ ،‬وعـ َّـزة النفــس‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫والشــجاعة‪ ،‬والصــر وقــوة‬ ‫مســتقلة عــن املالمــح اخلُ ُلقيــة أو اخلَ ْلقيــة للصعلــوك يف‬
‫والغــم‪ ،‬والتواضــع‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫اهلــم‬
‫ِّ‬ ‫والعفــة‪ ،‬والزهــد‪ ،‬وكثــرة‬ ‫الالميــة‪ ،‬ولكننــي وجــدت إشــارات رسيعــة لبعــض‬
‫واحللــم‪ ،‬واحلــزم‪ ،‬واالعتــداد بالــرأي‪ ،‬والرت ُّفــع عــن‬ ‫صفــات الصعاليــك‪ ،‬وهــي تعــدُّ مــن الدراســات‬
‫النميمــة‪.‬‬ ‫الســابقة هلــذا البحــث‪ ،‬وهــي عــى النحــو اآليت‪:‬‬
‫ـت فيــه عــن أهــم املالمــح‬ ‫أمــا املبحــث الثــاين‪ ،‬فتحدثـ ُ‬ ‫•بلــوغ األرب يف رشح الميــة العــرب‪ ،‬الزخمــري‬
‫اخلَ ْلقيــة للشــنفرى يف الميتــه‪ ،‬وتتم َّثــل يف‪ :‬النحافــة‪،‬‬ ‫وآخــرون‪ ،‬مجــع وحتقيــق‪ :‬حممــد عبداحلكيــم‬
‫وعــدم االهتــام باملظهــر‪ ،‬والرسعــة‪.‬‬ ‫القــايض‪ ،‬وحممــد عبدالــرزاق عرفــان‪ ،‬إ ْذ جــاء‬
‫ثم جاءت اخلامتة‪ ،‬وفيها أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬ ‫يف متهيــد الكتــاب ذكْــر لبعــض القيــم العربيــة‪،‬‬
‫ثم فهرس املصادر واملراجع‪.‬‬ ‫ودراســتي ســتكون مســتفيضة بشــكل أوســع‪،‬‬
‫واهلل أســأل العــون والتوفيــق والســداد‪ ،‬إنــه ســميع‬ ‫باللــق‪ ،‬وأخــرى‬ ‫ومقســمة إىل ســات تتعلــق ُ‬ ‫َّ‬
‫جميــب‪.‬‬ ‫للهيئــة والشــكل‪ ،‬وسأدرســها دراســة حتليليــة‬
‫متهيد‪:‬‬ ‫وصفيــة لتلــك اخلصائــص‪ ،‬مــع إشــارات إىل أهــم‬
‫‪ -1‬الصعاليك‪:‬‬ ‫األســاليب اللغويــة التــي اعتمــد عليهــا الشــنفرى‬
‫الصعلــوك يف اللغــة‪" :‬الفقــر الــذي ال مــال لــه‪ ،‬زاد‬ ‫يف إبــراز مالمــح الصعاليــك مــن خــال وصــف‬
‫األزهــري‪ :‬وال اعتــاد" (ابــن منظــور‪1410 ،‬هـــ‪ ،‬مادة‬ ‫نفســه يف قصيدتــه‪.‬‬
‫صعلــك‪ ،)455 /10 ،‬قــال األعشــى‪( :‬األعشــى‪،‬‬ ‫•شــعر الصعاليــك منهجــه وخصائصــه‪،‬‬
‫‪1407‬هـ‪:)35 ،‬‬ ‫د‪ .‬عبداحلليــم حنفــي‪ ،‬الــذي ذكــر بعــض صفــات‬
‫الصعاليــك أثنــاء احلديــث عــن موضوعــات‬
‫ٍ‬
‫بوجــه عــام‪.‬‬ ‫شــعرهم‬

‫‪129‬‬ ‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫‪ -2‬المية العرب‪:‬‬ ‫شبتُها‬ ‫ِ‬


‫أحوال الفتى َقدْ َ ِ‬ ‫عىل ِّ‬
‫كل‬
‫تتبــوأ قصيــدة "الميــة العــرب" مكانــة كبــرة يف الشــعر‬ ‫غنِ ًّيا وصعلوكًا و َما ْ‬
‫إن أ َق ُاتا‬ ‫ ‬
‫العــريب‪ ،‬وهــي تزاحــم املعلقــات يف املنزلــة‪ ،‬ويعــود‬ ‫"والتصعلــك‪ :‬الفقــر‪ ،‬وصعاليــك العــرب‪ :‬ذؤباهنــا"‪.‬‬
‫الفضــل يف ذلــك إىل مــا فيهــا مــن جــودة فنيــة‪ ،‬وطرافة‬ ‫(ابــن منظــور‪1410 ،‬ه‪ ،‬مــادة صعلــك‪.)456 /10 ،‬‬
‫ـورة فيهــا مــن حيــاة فئــة جمتمعيــة خاصــة‬
‫املشــاهد املصـ َّ‬ ‫قال حاتم الطائي (الطائي‪1406 ،‬هـ‪ ،‬ص‪:)24‬‬
‫بالصعاليــك‪ ،‬باإلضافــة إىل مــا فيهــا مــن مــادة لغويــة‬ ‫ُعنينا زمان ًا بالتَّصع ُل ِك ِ‬
‫والغنى‬
‫وفــرة أغــرت العلــاء باخلــوض يف إعراهبــا ورشحهــا‪.‬‬
‫(احللــواين‪1403 ،‬هـ‪.)6 ،‬‬
‫هر‬ ‫وك ًُّل َس َقانا ُه َ‬
‫بكأسيهام الدَّ ُ‬ ‫ ‬

‫وتعــدُّ الالميــة مــن عيــون الشــعر العــريب‪ ،‬إ ْذ عدَّ هــا‬ ‫فالصعلكــة يف مفهومهــا اللغــوي‪ :‬الفقــر الــذي جيـ ِّـرد‬ ‫َّ‬
‫اخلالديــان مــن أجــود أشــعار العــرب‪( .‬اخلالديــان‪،‬‬ ‫اإلنســان مــن مالــه‪ ،‬ويغلــق أبــواب احليــاة أمامــه‪،‬‬
‫درة المعــة يف األدب‬ ‫‪1965‬م‪ ،)15 /2 ،‬فهــي َّ‬ ‫ـا بــن أصحــاب الغنــى‬ ‫ـورا ضامـ ًـرا هزيـ ً‬ ‫وجيعلــه مقهـ ً‬
‫العــريب ك ِّلــه‪ ،‬وقــد تكــون هنــاك قصائــد نالــت‬ ‫الذيــن أختمهــم املــال‪( .‬خليــف‪1978 ،‬م‪.)23-22 ،‬‬
‫شــهر ًة بســبب ارتباطهــا بأحــداث معينــة‪ ،‬ولكــن‬ ‫ويرتبــط بالصعلكــة ألفــاظ أخــرى‪ ،‬أشــهرها‪ :‬لــص‪،‬‬
‫ال توجــد قصيــدة تنافــس الالميــة يف موضوعهــا‬ ‫وذئــب‪ ،‬وفاتــك‪ ،‬وخليــع‪ ،‬وبعضهــا ألصــق بالصعلكة‬
‫بالــذات‪ ،‬ويف مقدرهتــا الفنيــة مــن الناحيــة‬ ‫مــن بعــض‪ ،‬وأقرهبــا إىل املدلــول العــريف للصعلكــة‬
‫التصويريــة والتعبــر عــن حيــاة الصعلكــة‪ ،‬ووصــف‬ ‫هــو‪ :‬اللــص‪ ،‬وهــذه األلفــاظ أشــبه مــا تكــون‬
‫بيئتهــم التــي اختاروهــا للعيــش فيهــا وممارســة‬ ‫بأســاليب ســلوكية ينتهجهــا أهــل الصعلكــة‪( .‬حفنــي‪،‬‬
‫أنشــطتهم وغاراهتــم (حفنــي‪1981 ،‬م‪.)84 ،‬‬ ‫‪1987‬م‪.)26 -20 ،‬‬
‫وهــذه الالميــة "تنطــق بلســان الباديــة األوىل‪ ،‬وحيــاة‬ ‫ـذاذ‬ ‫أمــا يف االصطــاح األديب فإهنــم‪ :‬جمموعــة مــن شـ َّ‬
‫التــرد والعنفــوان"‪( .‬جلنــة مــن األســاتذة باألقطــار‬ ‫العــرب الذيــن امتهنــوا الســلب والنهــب‪ ،‬وســهروا‬
‫وســاها بعضهــم‪" :‬نشــيد‬ ‫َّ‬ ‫العربيــة‪1969 ،‬م‪،)72 ،‬‬ ‫لياليهــم عــى اإلغــارة والغــزو وقطــع الطريــق‪ ،‬ثــم‬
‫الصحــراء"‪( .‬الميــة العــرب "نشــيد الصحــراء"‪،)30 ،‬‬ ‫يلــوذون بالفــرار معتمديــن عــى رسعتهــم‪ ،‬ومعرفتهــم‬
‫وجــاءت القصيــدة يف ( ‪ ) 68‬بي ًتــا عــى بحــر الطويــل‪،‬‬ ‫بطــرق الصحــراء‪ ،‬ومســالك اجلبــال وشــعاهبا‪.‬‬
‫ـتمرت‬
‫ْ‬ ‫واختلفــوا حــول نســبتها للشــنفرى بعــد أن اسـ‬ ‫(خليــف‪1978 ،‬م‪ ،)28-24 ،‬يقــول عمــرو بــن‬
‫شــك نحــو قــرن قبــل اإلســام‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫نســبتها لــه دون‬ ‫َّبراقــة (األصفهــاين‪1422 ،‬هـــ‪ ،‬مــج ‪ ،11‬ج ‪/21‬‬
‫وثالثــة قــرون بعــده‪ ،‬ثــم جــاء ابــن دريــد الــذي‬ ‫‪:)183 -182‬‬
‫ش ـكَّك يف نســبتها للشــنفرى ونســبها خللــف األمحــر‪.‬‬ ‫تقول سليمى‪ :‬ال تعرض ٍ‬
‫لتلفة‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُ‬
‫(حفنــي‪1981 ،‬م‪ ،)87 -86 ،‬ومــع ذلــك جــاءت‬ ‫نائم‬
‫ليل الصعاليك ُ‬ ‫وليلك عن ِ‬ ‫ ‬
‫مطابقــة لشــخصيته وعقليتــه وظروفــه املحيطــة بــه‪،‬‬ ‫الليل من ج َّل ِ‬
‫ماله‬ ‫وكيف ينا ُم َ َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫فتــراءى شــخصيته كأهنــا ماثلــة أمامــك ممــا يؤيــد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أبيض صار ُم‬ ‫لح ُ‬ ‫ُحسا ٌم كلون امل ِ‬ ‫ ‬
‫نســبتها إليــه‪ ،‬ويكفــي َّ‬
‫أن القــايل يف كتابــه‪" :‬األمــايل"‪،‬‬
‫ِ‬
‫والزخمــري يف كتابــه‪" :‬أعجــب العجــب يف رشح‬ ‫َ‬
‫عاليك نو ُمهم‬ ‫َأ َل ْ َت ْع َلمي َأ َّن َّ‬
‫الص‬
‫ثور املســامل ُ‬ ‫ٌ‬
‫قليل‪ ،‬إذا نــا َم الدَّ ُ‬ ‫ ‬
‫الميــة العــرب"‪ ،‬والنويــري يف كتابه‪" :‬هنايــة األرب" ال‬

‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬ ‫‪130‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫صغــرا يف بنــي ســامان عندمــا أرسوه وهــو‬ ‫ً‬ ‫نشــأ‬ ‫يبدون شـكًّا يف نســبتها لــه‪( .‬حفنــي‪1987 ،‬م‪.)173 ،‬‬
‫طفــل صغــر‪ ،‬ويف أحــد األيــام قــال البنــة الــذي نشــأ‬ ‫وقــد اعتنــى بالالميــة كثري مــن الن َّقــاد واألدبــاء العرب‬
‫عنــده‪ :‬اغســي رأيس يــا أخيــة‪ ،‬وهــو ال يشـ ُّ‬
‫ـك يف أهنــا‬ ‫منــذ القــدم‪ ،‬وأبرزهــم‪ :‬املــرد‪ ،‬وثعلــب‪ ،‬وابــن دريــد‪،‬‬
‫أختــه‪ ،‬ولكنهــا لطمتــه‪ ،‬وملــا ســأل عــن األمــر أخــروه‬ ‫والتربيــزي‪ ،‬والزخمــري‪ ،‬والعكــري‪ ،‬وابــن زاكــور‬
‫باخلــر‪ ،‬فرتكهــم إىل بنــي َف ْهــم‪ ،‬وعندهــا حلــف أن‬ ‫املغــريب‪ ،‬وترمجــت إىل عــدة لغــات‪ ،‬منهــا‪ :‬الفرنســية‪،‬‬
‫يقتــل مــن بنــي ســامان مئــة رجــل‪ ،‬فــكان ُيغــر‬ ‫واألملانيــة‪ ،‬واإلنجليزيــة‪ ،‬واليونانيــة‪ ،‬واإليطاليــة‪ ،‬كــا‬
‫عليهــم وقــد بلــغ عــدد القتــى منهــم تســعة وتســعني‬ ‫ُعنــي هبــا كثــر مــن املســترشقني وح َّققوهــا (الميــة‬
‫فرتصــدوا لــه وقتلــوه‪ ،‬ثــم بعــد ذلــك رفــس‬ ‫رجــا‪َّ ،‬‬ ‫العــرب "نشــيد الصحــراء‪ ،)45-44 ،‬فهــي مــن أروع‬
‫أحدهــم مججمتــه فــات بســببها‪( .‬األصفهــاين‪،‬‬ ‫األشــعار يف العــر اجلاهــي‪ ،‬وهــي قصيــدة يتغنَّــى‬
‫‪1422‬هـــ‪ ،)199 -185 /21 ،‬ويصنِّفــه صاحــب‬ ‫إن عمــر بــن‬ ‫هبــا املتأ ِّدبــون وأهــل احلكمــة‪ ،‬ويقــال َّ‬
‫اللســان ضمــن "أغربــة العــرب" (ابــن منظــور‪،‬‬ ‫حيــث النــاس عــى‬ ‫ُّ‬ ‫اخلطــاب ‪ -‬ريض اهلل عنــه ‪ -‬كان‬
‫‪1410‬هـــ‪ ،‬مــادة غــرب‪.)646 /1 ،‬‬ ‫تع ُّلمهــا‪ ،‬و ُين َْســب إليــه أنــه قــال يف فضلهــا‪" :‬ع ِّلمــوا‬
‫املبحث األول‪:‬‬‫أوالدكــم قصيــدة الشــنفرى‪ ،‬فإهنــا تعلمهــم مــكارم‬
‫اخل ُلقية للصعاليك يف المية العرب‬ ‫املالمح ُ‬ ‫األخــاق"‪( ،‬القــايض‪1989 ،‬م‪ ،‬ص‪.)51‬‬
‫يتصــف جمتمــع الصعاليــك بالعديــد مــن املالمــح‬ ‫ألن قافيتهــا (الم)‪،‬‬ ‫وســميت بـ"الميــة العــرب"؛ َّ‬ ‫ِّ‬
‫تتجــى يف حياهتــم اخلاصــة املتم ِّثلــة يف‬
‫َّ‬ ‫وقائلهــا عــريب حتكــي مجلــة مــن صفاتــه ومالحمــه‪،‬‬
‫اخلُ ُلقيــة التــي‬
‫حيــاة الصحــراء يف قســوهتا ومــا متنحــه مــن طبائــع‬ ‫وخصائــص جمتمعــه الصعاليــك‪ ،‬وهنــاك الميــة‬
‫وخصــال ألهلهــا‪ ،‬وتتمثــل بعضهــا يف الميــة العــرب‬ ‫أخــرى تقابلهــا وأطلــق عليهــا "الميــة العجــم"‬
‫للشــنفرى‪ ،‬وهــو أحــد األعــام املشــهورين يف جمتمــع‬ ‫للطغرائــي‪ ،‬وبــن إنشــاء القصيدتــن مــدة تصــل إىل‬
‫الصعاليــك الذيــن عاشــوا يف العــر اجلاهــي‪،‬‬ ‫نصــف قــرن‪( .‬الشــنفرى‪1985 ،‬م‪.)47 -46 ،‬‬
‫وبــرزت يف هــذه الالميــة العديــد مــن األخــاق‬ ‫‪ -3‬الشنفرى‪:‬‬
‫أي إنســان‪،‬‬ ‫اختلفــت الروايــات حــول اســمه‪ ،‬فذكــر الزخمــري الفاضلــة‪ ،‬والقيــم النبيلــة التــي يفخــر هبــا ُّ‬
‫أنــه (الشــنفرى) واكتفــى‪ ،‬أمــا املــرد فتتبــع نســبه فهــي تعــي شــأنه‪ ،‬وترفــع مكانتــه‪ ،‬وتعطــي مالمــح‬
‫فقــال‪ :‬الشــنفرى بــن األوس بــن احلجــر بــن األزد عــن حياتــه اخلاصــة‪ ،‬وأهــم هــذه املالمــح مــا يــأيت‪:‬‬
‫والتفرد‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫بــن الغــوث بــن نبــت بــن زيــد بــن كهــان بــن ســبأ‪ ،‬أوال‪ :‬الغربة والعزلة‬
‫ـزل يف الصحراء‪،‬‬ ‫قــال أبــو العبــاس‪ :‬الشــنفرى البعــر الضخــم‪ ،‬وقيــل‪ :‬يعيــش الصعلــوك حياته اخلاصــة منعـ ً‬
‫ٍ‬ ‫العظيــم الشــفتني (الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪.)11 ،‬‬
‫ـم ْت بــه‪ ،‬فبقــي‬ ‫إ ْذ إنــه خــرج مــن جمتمعــه لظــروف ألــ َّ‬
‫إن الشــنفرى اســم لــه أو لقــب‪ ،‬ثــم وحيــدً ا يف تلــك الــراري ليــس فيهــا مــا يؤانســه‬ ‫ومنهــم مــن قــال‪َّ :‬‬
‫قــال‪ :‬واســمه‪ :‬عامــر بــن عمــرو األزدي (البجــاوي‪ ،‬وجيالســه غــر الســيف أو الرمــح أو الذئــب‪ ،‬ومــا‬
‫د‪.‬ت‪ ،‬هامــش*‪ ،)379 /‬وقيــل إنــه‪ :‬ثابــت بــن شــاهبها مــن وحــوش ضاريــة‪ ،‬وحيوانــات فاتكــة‪ ،‬أو‬
‫يفضــل العيــش‬ ‫ـي نفســه هبــا‪ ،‬فهــو بذلــك ِّ‬ ‫أوس األزدي امللقــب بالشــنفرى (صفــدي وآخــرون‪ ،‬أســلحة يسـ ِّ‬
‫يف هــذا املجتمــع اجلديــد الــذي ألفــه وآنــس بــه عــى‬ ‫‪1974‬م‪.)61 ،‬‬

‫‪131‬‬ ‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫عن األَ َذى‬ ‫األرض َمن َْأى لِلكري ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫وف‬ ‫جمتمعــه األول؛ لســات معينــة وجدهــا بــن أهلــه ِ‬
‫َعز ُل‬
‫القىل ُمت َّ‬ ‫َوفِ ْيـها َلِ ْن َخ َ‬
‫ــاف ِ‬ ‫اجلــدد تناســب وضعــه‪ ،‬ويأنــس هبــا‪ ،‬ويــرى فيهــا ‬
‫األرض ِض ٌيق َع َل ا ْم ِر ٍئ‬‫ِ‬ ‫عمر َك َما ِف‬ ‫اجلانــب النفــي واالجتامعــي الــذي يرتــاح للعيــش‬
‫َل ُ‬
‫اه ًبا َو ْه َو َي ْع ِق ُل‬
‫اغبا َأو ر ِ‬‫ِ‬
‫سى َر ً ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ ‬ ‫فيــه‪.‬‬
‫ويبـ ِّـن الشــنفرى الغربــة التــي عاشــها‪ ،‬والعزلــة التــي‬
‫ففــي تقديــم اجلــار واملجــرور يف البيتــن (يف األرض)‬
‫أن رحــل عــن قومــه‪ ،‬فهــو َمــ ْن خــرج‬ ‫أصابتــه بعــد ْ‬
‫ـول عــن مــكان إقامتــه‪ ،‬واالبتعــاد‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫التح‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫دلي‬
‫وعزتــه وشــموخ أنفــه‪ ،‬وليــس عــى‬ ‫عنهــم بإرادتــه ّ‬
‫عــن أرضــه األم هلــو يف الشــأن الــذي يرومــه الشــاعر‬
‫عــادة أغلــب الصعاليــك الذيــن ختلعهــم قبائلهــم‪،‬‬
‫أن قولــه "امــرؤ" إســقاط آخــر‬ ‫ويريــد توكيــده‪ ،‬كــا َّ‬ ‫ٍ‬
‫لعــار اقرتفــوه‪،‬‬ ‫لعيــب حلــق هبــم‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫وتتــرأ منهــم؛‬
‫يريــد بــه نفســه ( أبــو محــدة‪1402 ،‬هـــ‪ ،‬ص‪ ،)19‬كــا‬ ‫ٍ‬
‫كثــر مــن أبيــات‬ ‫وحتــدَّ ث الشــاعر عــن ذلــك يف‬
‫أن يف ذلــك إشــارة إىل ســعة املعمــورة وأن اإلنســان‬ ‫َّ‬
‫الميتــه‪ ،‬يقــول‪( :‬الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)11 ،‬‬
‫ليــس حمكو ًمــا للعيــش يف بيئــة غــر مرحيــة لــه‪ ،‬أو يف‬
‫جمتمــع ال هينــأ لــه فيــه بالــه‪ ،‬وال يطيــب لــه فيــه عيــش‬ ‫دور َمطِ ِّيكُم‬ ‫أقيموا َبني ُأ ِّمي ُص َ‬
‫أو مرقــد‪ ،‬فقــد ُجبلــت النفــس البرشيــة عــى احلركــة‬ ‫َف ِّإن إِىل َقو ٍم ِسواكُم ألَ ْم َي ُل‬ ‫ ‬
‫ـن معيــي‪،‬‬ ‫يم ِّثــل هــذا البيــت مطلــع القصيــدة‪ ،‬وفاحتــة هلــا‪ ،‬وهــو والتنقــل وعــدم االســتقرار؛ بح ًثــا عــن مأمـ ٍ‬
‫عنــوان كبــر‪ ،‬وبوابــة واســعة للدخــول يف عاملهــا ونفــي‪ ،‬واجتامعــي‪.‬‬
‫(الميــة العــرب "نشــيد الصحــراء‪ ،)58 ،‬ويبــن فيــه ويف البيتــن بعــض الســات اإلجيابيــة للصعلــوك‬
‫رأ منهــم‬ ‫الشــاعر سياســته يف احليــاة‪ ،‬ومــا خي ِّطــط لــه يف األيــام الــذي يرغــب باخلــروج عــن قومــه‪ ،‬ويتــ َّ‬
‫القادمــة‪ ،‬فهــو يدعــو قومــه بصيغــة األمــر (أقيمــوا)؛ بأرسهــم "وال يســتطيع ذلــك إال َمـ ْن كان عــى درجــة‬
‫تــأوالت‬ ‫بغيــة االســتعداد لقتــال العــدو‪ ،‬والتأهــب لذلــك عاليــة مــن الثقــة بالنفــس‪ ،‬والصــر عــى ُّ‬
‫اللقــاء‪ ،‬واألخــذ بنصيحتــه‪ ،‬فهــو العليــم بأرسارهــا‪ ،‬النــاس وإشــاعاهتم"( أبــو محــدة‪1402 ،‬هـــ‪ ،‬ص‪،)19‬‬
‫الفطــن خلفاياهــا‪ ،‬أمــا هــو فإنــه قــد اختــذ قــراره فكأنــه يتم َّثــل بالصفــات العاليــة‪ ،‬وهــي‪ :‬الكــرم‪،‬‬
‫بالــراءة مــن قومــه واعتزاهلــم‪ ،‬مؤ ِّكــدً ا ذلك بـــاملجيء واالبتعــاد عــن األذى‪ ،‬وجتنّــب البغــض والكراهيــة‬
‫ــ"أن" املضافــة إىل يــاء املتكلــم (أبو محــدة‪1402 ،‬هـ‪ ،‬مــن اآلخريــن‪ ،‬ويف البيــت حكمــة اتســمت بســهولة‬ ‫بـ َّ‬
‫أن الكريــم يبتعــد‬ ‫ص‪ ،)13‬وهــو هبــذه السياســة يــأيت بصيغــة أســلوب لفظهــا‪ ،‬ووضــوح معناهــا‪ ،‬وهــي‪َّ :‬‬
‫وذلــم إىل مــكان بعيــد‪ ،‬فاعتزاهلــم‬ ‫ـأن جمتمعــه اجلديد عــن أذى النــاس ِّ‬ ‫التفضيــل (أميــل)؛ إلحاطــة قومــه بـ َّ‬
‫حتمــل أذيتهــم‪ ،‬وواضــح تأثــر حيــاة‬ ‫والتوجــه إليهم‪ .‬أفضــل مــن ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫فضــل اختيارهــم‬ ‫أفضــل منهــم‪ ،‬وقــد َّ‬
‫التــرد والفقــر وطبيعــة حيــاة الصعلكــة القائمــة‬ ‫ُّ‬ ‫ـم‬
‫وهــذا اخلــروج الــذي حتــدَّ ث عنــه‪ ،‬وعــى ضوئــه تـ َّ‬
‫اختيــار جمتمــع جديــد بديــا عــن جمتمعــه األول مل يأت عــى التن ُّقــل وعــدم االســتقرار‪ ،‬وأثــر ذلــك يف‬
‫جزا ًفــا‪ ،‬أو دون تأمــل وتفكــر‪ ،‬وإنــا لــه ســبب رئيــس صياغــة حكمتــه التــي جــاءت نتيجــة خالصــة جتربتــه‬
‫دعــاه إىل اختــاذ ذلــك القــرار‪ ،‬وقــد ب َّينــه يف األبيــات اإلنســانية يف هــذه احليــاة‪( .‬إســاعيل‪2014 ،‬م‪،)62 ،‬‬
‫التــي تلــت البيــت الســابق‪ ،‬فقــال (الزخمــري‪ ،‬وهــذا معنــى طرقــه شــعراء آخــرون‪ ،‬يقــول معــن بــن‬
‫أوس املــزين (املــزين‪1977 ،‬م‪:)94 ،‬‬ ‫‪1399‬هـــ‪:)16 -15 ،‬‬

‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬ ‫‪132‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫جمتمعــه القديــم‪ ،‬وكانــت ســب ًبا مــن أســباب تركــه‬ ‫ٌ‬


‫واصل‬ ‫َ‬
‫حبالك‬ ‫إن ر َّث ْت‬ ‫ويف الن ِ‬
‫َّاس ْ‬
‫هلــم‪.‬‬ ‫متحو ُل‬ ‫دار ِ‬
‫القىل‬ ‫األرض عن ِ‬
‫ِ‬ ‫ويف‬ ‫ ‬
‫ّ‬
‫ومــن األســباب التــي دعتــه للغربــة والعزلــة تلــك‬ ‫أن األرض ال تضيــق بــه ذر ًعــا‪،‬‬ ‫يب يــرى َّ‬
‫فالشــاعر األ ُّ‬
‫اجلنايــات التــي اقرتفهــا مــن غاراتــه يف الصعلكــة‪،‬‬ ‫وإنــا يتنقــل فيهــا حيــث شــاء‪ ،‬وقــد أ َّكــد هــذا املعنــى‬
‫فأصبــح بســببها طريــدً ا مبعــدً ا يف الصحــراء‪ ،‬خيشــى‬ ‫عمــرو بــن األهتــم بقولــه (األهتــم‪1404 ،‬هـــ‪:)95 ،‬‬
‫عــى نفســه ممــن أغــار عليهــم‪ ،‬فهــم يتنافســون‬
‫ضاقت بال ٌد بأهلها‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫لعمرك ما‬
‫للقبــض عليــه‪ ،‬واالنتقــام منــه‪ ،‬يقــول‪( :‬الزخمــري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تضيـق‬
‫ُ‬ ‫الرجــال‬ ‫َ‬
‫أخـالق‬ ‫ولك َّن‬ ‫ ‬
‫‪1399‬هـــ‪:)55 ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أمــا أصحابــه اجلــدد الذيــن ســيتخذهم جلســاء يف‬
‫ل َم ُه‬‫اس َن َ ْ‬
‫َطريدُ جنَا َيات َت َي َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتغربــه عــن جمتمعــه األم‪،‬‬ ‫جمتمعــه اجلديــد بعــد عزلتــه ُّ‬
‫يــر ُت ُه لَ ِّيا ُح َّ‬
‫ــم َّأو ُل‬ ‫َعق َ‬ ‫ ‬
‫فقــد أوضحهم يف قولــه (الزخمرشي‪1399 ،‬هـــ‪:)17 ،‬‬
‫فهــو هبــذه األعــال التــي قــام هبــا ينبغــي أن يكــون‬
‫ـة دائمــة‪ ،‬وحـ ٍ‬ ‫"يف يقظـ ٍ‬ ‫لون‪ِ :‬سيدٌ َعم َّل ٌس‬
‫َكم َأ ْه َ‬ ‫ِْ‬
‫ول ُد ْون ْ‬
‫ـذر شــديد‪ ،‬فلــه أعــداء كثــرون‬
‫لول و َع ْـرفـا ُء َجيـ َْأ ُل‬
‫ـط ُز ْه ٌ‬‫و َأ ْر َق ُ‬ ‫ ‬
‫يرت َّبصــون بــه جلنايــات جناهــا‪ ،‬وهــم يتعقبونــه‬
‫فضلــه الشــاعر عــى بنظراهتــم؛ بغيــة الظفــر بــه والقضــاء عليــه" (نــور‬ ‫يتضــح املجتمــع اجلديــد الــذي َّ‬
‫جمتمــع قبيلتــه‪ ،‬وهــو خليــط مــن احليوانــات املفرتســة الديــن‪1428 ،‬هـــ‪.)230 ،‬‬
‫أن الشــنفرى مل يكــرث باالغــراب عــن‬ ‫ويظهــر َّ‬ ‫املوحشــة‪ ،‬وخاصــة الذئــب الرسيــع‪ ،‬والنمــر األرقــط‪،‬‬
‫وقــرارا ناج ًعــا؛‬
‫ً‬ ‫والضبــع الطويلــة العــرف‪ ،‬وهــو بذلــك ال يريــد جمتمعــه؛ بــل جعلــه ســمة حســنة‪،‬‬
‫فبــن أن االغــراب عــن األهــل‪ ،‬وقطــع املفــاوز يف‬ ‫َّ‬ ‫حقيقــة املجالســة واملؤانســة هبــا‪ ،‬ولكنــه يرمــز إىل‬
‫قــوي يصبــو إليــه‪ ،‬وهيــدف إىل أن يكــون طلــب الصيــد ســبب للغنــى‪ ،‬وال يدركــه َم ـ ْن قـ َّـر يف‬ ‫ٍّ‬ ‫جمتمــع‬
‫جمتمعــه كذلــك حتــى وإن اختــذ البيــد ســكنًا لــه‪ .‬جمتمعــه‪ ،‬وركــن إىل بيتــه‪ ،‬وجلــس بــن أهلــه‪ ،‬يقــول‪:‬‬
‫ـزل متفـ ِّـر ًدا (الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)58 ،‬‬ ‫أمــا عــن ســبب تفضيلــه للعيــش منعـ ً‬
‫يف هــذا املجتمــع املوحــش الغريــب مــع جنــس ليــس و ُأ ِ‬
‫عد ُم أحيانًا و َأ ْغنَى وإنَّام‬
‫مــن جنســه‪ ،‬فقــد أبــان عنــه يف قولــه (الزخمــري‪،‬‬
‫الغنَى ذو ال ُب ْعدَ ِة ِّ‬
‫املتبذ ُل‬ ‫ين َُال ِ‬
‫َ‬ ‫ ‬
‫‪1399‬هـ‪:)18 ،‬‬
‫فقــر الغنــى يف االبتعــاد (ال ُب ْعــدة)‪ ،‬وهــو غنــى‬
‫ذائع‬
‫الرس ٌ‬ ‫مستودع ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األهل ال‬ ‫ُه ُم‬
‫ِّ‬
‫الــذل‬ ‫النفــس‪ ،‬والقناعــة فيــا لديــه‪ ،‬وليــس يف‬
‫ــان بِ َم َج َّـر َي ُ‬ ‫جل ِ‬
‫واملهانــة‪ ،‬والركــون‪ ،‬والدعــة‪.‬‬
‫ْـذل‬ ‫لدهيم وال ا َ‬
‫ْ‬ ‫ ‬

‫فهــذا املجتمــع اجلديــد لــه خصائــص ال توجــد يف ويف اغرتابــه وعزلتــه وحــد ٌة وانفــرا ٌد عــن جمتمعــه‬
‫جمتمعــه القديــم‪ ،‬فأهلــه يكتمــون األرسار‪ ،‬وحيفظوهنــا الســابق‪ ،‬ويصــور حالتــه يف الصحــراء التــي تشــبه‬
‫عــن االنتشــار‪ ،‬وال يذيعوهنــا لآلخريــن‪ ،‬وال يعاقبــون الــرس وهــو يقطعهــا عــى قدميــه وحيــدً ا منفــر ًدا‪،‬‬
‫اجلــاين فيخذلونــه‪ ،‬وقــد اعتمــد عــى أســلوب النفــي‪ ،‬يقــول (الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)67 ،‬‬
‫ليظهــر نجــاح اختيــاره هلــذا املجتمــع اجلديــد الــذي‬
‫نفــى عنــه مجلــة مــن الســلبيات التــي طغــت عــى‬

‫‪133‬‬ ‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫الصحــراء وحيــدً ا‪ ،‬ســاحه الشــجاعة‪ ،‬ورباطــه القوة‪،‬‬ ‫س َق ْف ٍر ق َط ْع ُت ُه‬


‫الت ِ‬ ‫وخ ْر ٍق ك َظ ِ‬
‫هر ُّ‬ ‫َ‬
‫ليس ُي ْع َم ُل‬ ‫عام َل ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫وعدَّ تــه نفســه األبيــة‪ ،‬يقــول يف الميتــه (الزخمــري‪،‬‬ ‫تني‪َ ،‬ظ ْهر ُه َ‬ ‫ ‬
‫اعتمــد الشــاعر يف تصويــر غربتــه وحيــدً ا عىل التشــبيه‪1399 ،‬هـــ‪:)19 ،‬‬
‫ِ‬
‫يب باس ٌل َ‬
‫غري أنَّني‬ ‫فقــد قطــع هــذه الصحــراء الواســعة املقفــرة التي تشــبه وك ٌُّل أ ٌّ‬
‫ِ‬
‫ول ال َّطرائد َأ ْب َس ُل‬
‫عرض ْت ُأ َ‬
‫إذا َ‬ ‫ظهــر الــرس بانبســاطها واســتوائها عــى قدميــه‪ ،‬ممــا ‬
‫حيكــي قــوة بأســه‪ ،‬وجت ُّلــده يف التغلــب عــى الصعــاب‪ ،‬فهــذه الوحــوش التــي يعيــش بينهــا يف الصحــراء‬
‫وعــدم خوفــه مــن البيــد املوحشــة املليئــة بالوحــوش عــى بســالتها وقوهتــا واشــراك اجلميــع هبــذه الصفــة‬
‫"وكل" التــي تفيــد العمــوم‪ ،‬إال أنــه‬ ‫ٌّ‬ ‫ـودت عــى العيــش معــه؛ بل بدليــل قولــه‬ ‫املفرتســة التــي ألفتــه‪ ،‬وتعـ َّ‬
‫إن الوعــول آلفتــه ومل تعــد هتــرب عندمــا تــراه؛ ألنــه أكثــر شــجاعة منهــا وأقــوى! وهــذا مــن املبالغــة يف‬ ‫َّ‬
‫"أصبــح جــز ًءا مــن بيئــة الوحــوش‪ ،‬وإن كان أخطــر االعتــداد بقوتــه‪ ،‬ولكنهــا رســالة لآلخريــن ســواء‬
‫وحوشــها" (الشــنفرى‪1411 ،‬هـــ‪ ،‬إحالــة رقــم ‪ ،69‬ألفــراد جمتمعــه الذيــن رحــل عنهــم واســتبدهلم بقــوم‬
‫ص‪ ،:)73‬يقــول (الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪ :)69 -68 ،‬آخريــن‪ ،‬أم إىل أعدائــه الذيــن يرتبصــون بــه الدوائــر‪،‬‬
‫ويتمنــون إمســاكه والفتــك بــه‪.‬‬ ‫كأنا‬
‫الص ْح ُم َح ْويل َّ‬ ‫ت َُرو ُد األَ َر ِاوي ُّ‬
‫ـور شــجاعته بالرفقــة التــي انتقاهــا يف صحبته‪،‬‬ ‫ويصـ ِّ‬ ‫عــذ َارى عليــه َّن ا ُملـــال ُء ا ُملذ َّي ُ‬
‫ــل‬ ‫َ‬ ‫ ‬
‫وهــم‪ :‬القلــب الشــجاع‪ ،‬والســيف املصلــت‪ ،‬والقوس‬ ‫ِ‬
‫باآلصال َح ْو ِل َ‬
‫كأنَّني‬ ‫وير ُكدْ َن‬
‫ْ‬
‫الكيح أ ْع َق ُل الصفــراء الطويلــة القويــة‪ ،‬يقــول‪( :‬الزخمــري‪،‬‬ ‫َحي ِ‬ ‫ِمن العص ِم أد َف ينْت ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ْ ْ َ‬
‫‪1399‬هـ‪:)25 -22 ،‬‬
‫هــذه حيــاة الشــنفرى اجلديــدة التــي اختارهــا لنفســه‪،‬‬
‫ليس جاز ًيا‬ ‫ِ‬
‫وإن َك َفان َف ْقدَ َم ْن َ‬ ‫ِّ‬ ‫ليكــون وحيــدً ا غري ًبــا بــن أنــاس ليســوا مــن جنســه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحـ ُْسنَـى وال يف قـ ُْربه متعـ َّل ُل‬ ‫ِ‬ ‫ولكنــه فضلهــم عــى بنــي جلدتــه؛ حفا ًظــا عــى ‬
‫ٍ‬
‫أصحاب ‪ُ :‬ف َؤا ٌد ُم َش َّي ٌع‬ ‫كرامتــه‪ ،‬وبح ًثــا عــن مأمــن نفــي واجتامعــي لــه! ثالث ُة‬
‫وص ْفرا ُء َع ْي َط ُل‬ ‫وأبيض إِ ْص ٌ‬
‫ليت َ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫ثانيا‪ :‬الشجاعة‪:‬‬
‫ِ‬
‫س ا ُملتُون ت َِزينُها‬ ‫ِ‬
‫ُوف م َن ا ُمل ْل ِ‬ ‫اتصــف الرجــل العــريب بالشــجاعة منــذ القــدم‪َ ،‬هت ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َر َصـائ ُع َقـدْ ن ْي َط ْت إِليها َوم ْ َم ُل‬ ‫وتغنَّــى فيهــا كثــر مــن شــعراء العــر اجلاهــي‪ ،‬وكان ‬
‫للصعاليــك فيهــا جــوالت وصــوالت‪ ،‬أظهــروا فيهــا‬
‫َأنا‬ ‫هم َحن َّْت ك َّ‬ ‫الس ُ‬‫إِ َذا َز َّل َعن َْها َّ‬
‫ُـــر ُّن وتُعــ ِْو ُل‬
‫ــل ت ِ‬ ‫ـج َ‬‫ُم َر َّزأ ٌة َع ْ‬ ‫وفــر‪ ،‬يغــزون ‬ ‫ٍّ‬ ‫كــر‬
‫شــجاعتهم‪ ،‬وقــوة بأســهم‪ ،‬بــن ٍّ‬
‫يف أماكــن متفرقــة‪ ،‬ويلجــؤون إىل مغاراهتــم يف جبــال‬
‫اســتخدم الشــاعر أســلوب التوكيــد يف إثبــات‬
‫وعــرة‪ ،‬وصحــراء قاحلــة‪ ،‬وشــعاب متعرجــة‪ ،‬آخذيــن‬
‫شــجاعته وانتقائــه ألصحابــه الثالثــة بقولــه‪( :‬وإين)؛‬
‫غنيمتهــم ممــا يســدُّ رمــق جوعهــم وحاجتهــم اليوميــة‬
‫إلثبــات هــذه الصفــة أمــام أعدائــه‪ ،‬أو قومــه الذيــن‬
‫مــن أهــل الغنــى واملــال الوفــر‪.‬‬
‫تركهــم واســتبدهلم هبــذه الصحبــة اجلديــدة‪ ،‬ويف‬
‫وحتــدث الشــنفرى عــن شــجاعته‪ ،‬وقــوة بأســه‪،‬‬
‫ذلــك بيــان لوجاهــة القــرار الــذي اختــذه بح ِّقهــم‬
‫وإقدامــه يف أبيــات متفرقــة يف الميتــه‪ ،‬فقــد عــاش يف‬
‫عندمــا تركهــم ومــال إىل قــوم آخريــن باختيــار صحبــة‬

‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬ ‫‪134‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫‪1987‬م‪.)226 -222 ،‬‬ ‫احليوانــات الضاريــة الكاحلــة الوجــوه‪ ،‬فهــو ليــس‬


‫وكــا أثبــت الشــاعر لنفســه صفــة الشــجاعة‪ ،‬فقــد‬ ‫ـار يف‬‫ـوء وعـ ٍ‬ ‫باملبغــض أهلــه‪ ،‬وال املنحــرف عنهــم بسـ ٍ‬
‫نفــى عنهــا ضدَّ هــا‪ ،‬كصفــة‪ :‬اجلبــن‪ ،‬واخلــوف‪ ،‬يقــول‪:‬‬ ‫وحشــا ســينضم إىل غابــة‬ ‫خلقــه فيخلعــوه‪ ،‬وليــس ً‬
‫(الزخمرشي‪1399 ،‬هـ‪:)28 -27 ،‬‬ ‫الوحــوش‪ ،‬وإنــا هــو يلفــت يف هــذه األبيــات إىل‬
‫ِ‬
‫بعرسه‬ ‫رب‬ ‫ٍ‬ ‫مــا يميــزه عــن قومــه‪ ،‬وأســباب هــذا التميــز‪ :‬أهنــم‬
‫وال ُج َّبأ أك َْهى ُم ٍّ‬
‫ُيطالِ ُعها يف َش ْأ ِنه َ‬
‫كيف ي ْف َع ُل‬ ‫ ‬ ‫ال يــردون اجلميــل لصاحبــه‪ ،‬وال جيــد يف جوارهــم‬
‫عوضــا عــن‬ ‫أنســا وراحــة‪ ،‬فذكــر األشــياء الثالثــة؛ ً‬ ‫ً‬
‫وال َخ ِر ٍق َه ْي ٍق َّ‬
‫كـأن فؤا َد ُه‬
‫احليوانــات املفرتســة التــي ذكرهــا ســاب ًقا (النمــر‪/‬‬
‫يظل به ا ُملكَّـا ُء َي ْعلو و َي ْس ُف ُل‬
‫ُّ‬ ‫ ‬
‫الذئــب‪ /‬الضبــع)؛ ألن اجلــوار مهــا كان غــر مؤنــس‪،‬‬
‫اعتمــد الشــاعر عــى أســلوب النفــي يف إثبــات قوتــه‬ ‫فكأنــه يستشــعر الوحشــة يف بيئــة الغــاب‪ ،‬ويشــتاق إىل‬
‫وشــجاعته‪ ،‬فنفــى عــن نفســه اجلبــن (وال ج َّبــأ)‪،‬‬ ‫ـر‬‫املجتمــع البــري‪ ،‬ويســتوحش لفقدهــم‪ ،‬ومــا يصـ ِّ‬
‫وكذلــك اخلــوف (وال خــرق)‪ ،‬كــا نفــى عنهــا ســوء‬ ‫حتمــل فراقهــم‪ ،‬والعيــش يف هــذا املجتمــع‬ ‫نفســه عــى ُّ‬
‫اخللــق (أكهــى)‪ ،‬وكذلــك الكســل (مــرب بعرســه)‪،‬‬ ‫اجلديــد َّإل هــذه األشــياء الثالثــة‪ ،‬فهــو يعيــش حتدِّ ًيــا‬
‫فهــذه مجلــة مــن الصفــات الســيئة التــي نفاهــا عــن‬ ‫للذمــم وبــن‬ ‫نفســ ًّيا مــا بــن ح ِّبــه لألهــل والوفــاء ِّ‬
‫نفســه‪ ،‬ليثبــت ضدَّ هــا‪ ،‬وهــي تــدور حــول حقــل‪:‬‬ ‫التحــول عنهــم إىل آخريــن‪ ،‬ومــا سيســببه هــذا‬ ‫ُّ‬ ‫إرادة‬
‫(الشــجاعة‪ ،‬والقــوة‪ ،‬واالعتــداد بالنفــس)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ـول مــن حتــدٍّ جديــد مــع نفســه ومــع أفــراد قومــه‬ ‫التحـ ُّ‬
‫ويف موضــع آخــر مــن الالميــة‪ ،‬يتغنَّــى الشــنفرى‬ ‫اجلــدد‪ ،‬فتتعاظــم بذلــك شــخصية الشــاعر‪ ،‬فيضــع‬
‫أن أ َّم قســطل (احلــرب) حتــزن‬ ‫ويبــن َّ‬
‫ِّ‬ ‫بشــجاعته‪،‬‬ ‫ـا يتخ َّطــى مجيــع احلواجــز املاثلــة أمامــه‪ ،‬بــا‬ ‫نفســه بطـ ً‬
‫ملفارقتــه إياهــا‪ ،‬ولكنــه يعــود ويتســاءل قائــا‪ :‬مل َ احلزن‬ ‫يف ذلــك قيــود الغابــة التــي فــرض نفســه للعيــش فيهــا‬
‫فرحــت بــه طويــا‪ ،‬وأســعدها مــن قبــل يف‬ ‫ْ‬ ‫وقــد‬ ‫بــن وحــوش الصحــراء عــى مــا يف كيانــه مــن تنــازع‬
‫صوالتــه وجوالتــه؟! يقــول يف الميتــه‪( :‬الزخمــري‪،‬‬ ‫ـب اإلنســان وهــو األمــر الطبيعــي عنــد البــر‪،‬‬ ‫بــن حـ ِّ‬
‫‪1399‬هـــ‪:)54 ،‬‬ ‫ـب األهــل اجلــدد بدليــل اإلتيــان بكلمتــي‪:‬‬ ‫وبــن حـ ِّ‬
‫َفإِ ْن َت ْبت َِئ ْس بِ َّ‬
‫الشنْ َف َرى ُأ ُّم َق ْس َط ٍل‬ ‫"الرصائــع‪ /‬املحمــل"‪ ،‬ومهــا زينتــان خارجيتــان‬
‫َلا ا ْغ َت َب َط ْت بِ َّ‬
‫الشنْ َف َرى َق ْب ُل َأ ْط َو ُل‬ ‫ ‬ ‫للقــوس وليســا مــن تركيبتــه الداخليــة‪ ،‬فهــا أقــرب‬
‫إىل الســات البرشيــة منهــا يف دنيــا احليوانــات املفرتســة‬
‫ـور حــزن أم قســطل (احلــرب) عــى فراقهــا‬ ‫فهــو يصـ ِّ‬
‫(أبــو محــدة‪1402 ،‬هـــ‪ ،)32 -28 ،‬ويعــدُّ الشــنفرى‬
‫لــه‪ ،‬و َي ْظهــر مجــال تصويــر الشــاعر باســتخدامه‬
‫مــن أكثــر الشــعراء الصعاليــك افتتانًــا بالصــوت‬
‫األســلوب الكنائــي يف قولــه (أم قســطل)‪ ،‬فالقســطل‬
‫املنبعــث مــن القــوس والســهام‪ ،‬وباحلديــث عــن‬
‫َّ‬
‫وألن املعركــة تثــره فقــد جعلهــا أ ًّمــا لــه‪،‬‬ ‫هــو الغبــار‪،‬‬
‫لوهنــا وصوهتــا أثنــاء الرمــي‪( .‬نــور الديــن‪1428 ،‬هـ‪،‬‬
‫فانطلــق بصورتــه مــن ذلــك‪ ،‬ويظهــر يف هــذا البيــت‬
‫‪ ،)201‬ومهــا وســيلتان ال يســتغني عنهــا الصعلــوك‬
‫"استشــعار الشــاعر خلــو دوره مــن عــى مــرح‬
‫الرتصــد هلــم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫يف هجامتــه عــى أعدائــه وخاصــة أثنــاء‬
‫إن نقطــة الضعف‬ ‫احليــاة‪ ،‬وكأنــه ينعى إىل نفســه نفســه‪َّ .‬‬
‫وهــي مــن األســلحة البعيــدة املــدى التــي حت ِّقــق‬
‫باملــوت تــراءى أمــام ناظريــه يف هــذه املقابلــة مــا بــن‬
‫أهدافــه‪ ،‬وتــأيت نتائجهــا وفــق مــراده‪( .‬حفنــي‪،‬‬

‫‪135‬‬ ‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫التحمل‪:‬‬‫ُّ‬ ‫ثالثا‪ :‬الصرب وقوة‬ ‫حــال احلــرب وهــي تنــدب غيــاب أيب فوارســها عنهــا‬
‫التحمــل؛‬ ‫ُّ‬ ‫يتَّصــف الصعلــوك باجللــد والصــر وقــوة‬ ‫وبــن حــال احلــرب والشــنفرى يصــول وجيــول" (أبــو‬
‫ألنــه اختــار لنفســه حيــاة التــرد والتن ُّقــل‪ ،‬فهــو‬ ‫محــدة‪1402 ،‬هـــ‪.)63 ،‬‬
‫يعــود نفســه عــى شــظف احليــاة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫يف حاجــة إىل أن‬ ‫توصــل إليهــا‪ ،‬وذلــك‬ ‫كــا يبـ ِّـن مــدى الشــجاعة التــي َّ‬
‫والتــرد يف‬
‫ُّ‬ ‫وتقلبــات املنــاخ‪ ،‬والصــر عــى اجلــوع‪،‬‬ ‫صــور نفســه يف تلــك الليلــة البــاردة التــي‬ ‫َّ‬ ‫عندمــا‬
‫مفــازات الصحــراء (نــور الديــن‪1428 ،‬هـــ‪.)221 ،‬‬ ‫اصطــى فيهــا صاحــب القــوس بقوســه مــن شــدَّ ة‬
‫وقــد اتَّســم الشــنفرى بقــوة الصــر‪ ،‬والقــدرة عــى‬ ‫الــرد‪ ،‬والشــنفرى يطــأ عــى األرض املظلمــة التــي‬
‫حتمــل املشــاق يف هــذه احليــاة‪ ،‬وق ّلــة الشــكوى عنــد‬ ‫ـذ ‪ -‬وأصحابــه الذيــن‬ ‫هطلــت عليهــا األمطــار ‪ -‬حينئـ ٍ‬
‫ِّ‬
‫حتمــل‬
‫يصــور قدرتــه عــى ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫حــدوث املصائــب لــه‪،‬‬ ‫معــه أصاهبــم اجلــوع والــرد واخلــوف والرعــدة‪،‬‬
‫العطــش الــذي يصيبــه أثنــاء دخولــه بســوامه إىل‬ ‫وكلــا اشــتدت الظــروف عليــه كان أدعــى إلبــراز‬
‫املرعــى البعيــد لتنــال منــه‪ ،‬فيقــول‪( :‬الزخمــري‪،‬‬ ‫بطولتــه‪ ،‬وجتــاوزه العقبــات والصعــاب‪ ،‬فيهجــم عــى‬
‫‪1399‬هـــ‪:)26 ،‬‬ ‫أعدائــه فيقتلهــم‪ ،‬وتصبــح نســاءهم أيامــى‪ ،‬وأوالدهم‬
‫و َلس ُت بِ ِمه ٍ‬
‫ياف ُي َع ِّش َس َوا َم ُه‬ ‫يتامــى‪ ،‬ثــم يعــود يف نفــس الليلــة املظلمــة كــا بــدأ يف‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ُم َدَّ َع ًة ُس ْق َب ُانا َو ْه َي ُ َّب ُل‬ ‫ ‬ ‫جميئــه‪ ،‬وهــذا دليــل عــى رسعتــه وقدرتــه عــى حتقيــق‬
‫يصور شــجاعته‬ ‫انتصاراتــه بأقــل جهــد وأرسع وقــت‪ِّ ،‬‬
‫ـوة حتملــه‪ ،‬ومــدى صــره عــى‬ ‫ويمتــدح الشــنفرى قـ َّ‬ ‫قائــا‪( :‬الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)61 -59 ،‬‬
‫اجلــوع الطويــل حتــى ينتفــي عنــه هــذا اجلــوع‪ ،‬إ َّمــا‬
‫ربا‬ ‫نحـس َي ْصـ َطـيل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بإماتتــه باإلطالــة‪ ،‬وإ َّمــا بنســيانه باإلعــراض عنــه‪،‬‬ ‫القـوس ُّ‬‫َ‬ ‫وليـلة‬
‫يقــول يف الميتــه (الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)32 ،‬‬ ‫وأقـ ُطـعـَ ُه الـاليت هبــا يتن َّب ُـل‬ ‫ ‬

‫يم ِم َط َال اجلو ِع حتَّى ُأ ِمي َت ُه‬ ‫ِ‬ ‫وص ْحبتِي‬ ‫ش ُ‬ ‫ش و َب ْغ ٍ‬ ‫دعس ُت عىل َغ ْط ٍ‬ ‫ْ‬
‫ُأد ُ‬
‫وو ْج ٌر وأ ْفك ُُل‬ ‫ِ‬
‫وإرز ٌير َ‬
‫ـار ْ‬ ‫ُسـ َع ٌ‬ ‫ ‬
‫الذك َْر َص ْف ًحا َفأ ْذ َه ُل‬
‫وأض ُب عنْ ُه ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ ‬
‫فالشــاعر يف هــذا البيــت "يرســم صــورة رائعــة لذلــك‬ ‫ـت إِ ْلـدَ ًة‬ ‫وأيـتم ُ‬
‫ْ‬ ‫فــأ َّي ْم ُت نِســْوانــًا‬
‫اجلــوع النبيــل الــذي يشــعر بــه الصعلــوك‪ ،‬ولكــ َّن‬ ‫والليل ُ‬
‫أليل‬ ‫ُ‬ ‫وعُدْ ُت كام أ ْبد ْأ ُت‬ ‫ ‬
‫نفســه األبيــة تأبــى عليــه أن هيينهــا مــن أجلــه فــا جيــد‬ ‫أن الشــاعر نجــح يف دالالت‬ ‫يف األبيــات الســابقة نــرى َّ‬
‫أمامــه ســوى الصــر والقناعــة" (خليــف‪1978 ،‬م‪،‬‬ ‫األلفــاظ التــي اختارهــا‪ ،‬واعتــاده عــى أســلوب‬
‫‪ ،)31‬وخاصــة أنــه اســتخدم الفعــل املضــارع (أديــم)‬ ‫التقديــم والتأخــر‪ ،‬والتنكــر والتعريــف يف رســم‬
‫الــدال عــى االســتمرار؛ ليثبــت رباطــة جأشــه‪ ،‬وقــوة‬ ‫الصــورة التــي يريــد إبرازهــا وتعميقهــا يف ذهــن‬
‫حتملــه‪ ،‬واســتمراره يف ترويــض اجلــوع حتــى يفنيــه‪،‬‬ ‫املتلقــي‪ ،‬وجــودة املوســيقى الداخليــة التــي أضفاهــا‬
‫ويصبــح ضمــن عــداد املنتهــن الذيــن ال وجــود هلــم؛‬ ‫تكــرار حــريف الســن والصــاد‪ ،‬ومــا يوحيــه صفريمهــا‬
‫ـى بــه‪.‬‬ ‫كنايــة عــن قــوة البــأس الــذي يمتلكــه‪ ،‬ويتحـ َّ‬ ‫عنــد التلفــظ هبــا ليشــعران بحركــة الريــح الشــديدة‬
‫حتملــه للعطــش‬ ‫ويــأيت الشــاعر بتحــدٍّ جديــد‪ ،‬فمــع ُّ‬ ‫وصفريهــا أثنــاء غارتــه يف هــذه الليلــة‪( .‬أبــو محــدة‪،‬‬
‫ـور يف‬ ‫الــوارد ســاب ًقا يف قولــه‪" :‬ولســت بمهيــاف"‪ ،‬يصـ ِّ‬ ‫‪1402‬هـــ‪ ،‬ص‪.)72‬‬

‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬ ‫‪136‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫هــذا البيــت شــدَّ ة اجلــوع الــذي يصيبــه لكنــه يظهــر يقــول يف الالميــة (الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)58 ،‬‬
‫ف‬ ‫وقمــة حتملــه‪ ،‬فهــو الســبيل ملقاومتــه‪ ،‬ويصــل َف َل َج ِز ٌع ِم ْن َخ َّل ٍة ُم ِّ‬
‫تكش ٌ‬ ‫َج َلــده‪َّ ،‬‬
‫وال م ِرح َ ْت َت ِ‬
‫الغنَى َأ َ َ‬
‫ت َّي ُل‬ ‫ـف حــدَّ ة اجلوع‪،‬‬‫األمــر بــه إىل أنــه يربــط بطنــه حتــى ختـ َّ‬
‫َ ٌ‬
‫وقــد كان صــى اهلل عليــه وســلم يفعــل ذلــك‪ ،‬وأحيا ًنــا‬
‫حتملــه أثنــاء تصويــره لنفســه‪،‬‬ ‫وقــوة ُّ‬
‫َّ‬ ‫ويبــن جلــده‬ ‫ِّ‬ ‫يربطهــا باحلجــارة‪ ،‬يقــول الشــنفرى (الزخمــري‪،‬‬
‫وهــو ســائر يف أحــد األيــام التــي اتســمت بشــدَّ ة احلــر‬
‫‪1399‬هـ‪:)36 ،‬‬
‫والتــي أســالت لعابــه مــن شــدَّ ة العطــش‪ ،‬وتق َّلبــت‬
‫حل َوايا كام ا ْن َط َو ْت‬ ‫و َأ ْطوي عىل اخلَ ْم ِ‬
‫صا َ‬
‫فيــه األفاعــي يف األرض مــن شــدَّ ة احلــر‪ ،‬وقــد أقــام‬
‫ماري ُت َغ ُار و ُت ْفت َُل وجهــه لذلــك‪ ،‬ومل يكــن هنــاك ســاتر يقيــه مــن هــذه‬ ‫ٍّ‬ ‫ُخ ُيوط ُة‬
‫املمــزق مــن الــرد‪ ،‬فــإذا‬ ‫َّ‬ ‫الشــمس امللتهبــة َّإل ثوبــه‬ ‫جــاء الشــاعر بالتشــبيه يف بيــان قــوة صــره وجلــده‪،‬‬
‫طــرت شــعر رأســه املتل ِّبــد املتَّســخ‬ ‫ه َّبــت الريــح َّ‬ ‫للحر‬
‫فيشــبه نفســه باحليــة‪ ،‬وذلــك يف الــروز والظهــور ِّ‬
‫يــرح ومل يدهــن‪ ،‬يصــور ذلــك‬ ‫الــذي مل يغســل ومل َّ‬ ‫والقـ ِّـر دون أن يلبــس حــذاء‪ ،‬مبينًــا أنــه مــوىل الصــر‬
‫املوقــف قائــا‪( :‬الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)66 -65 ،‬‬ ‫القائــم بــه‪ ،‬واملســتويل عليــه‪ ،‬فكأنــه ألبســه قلبــه يف‬
‫وب ُلوا ُب ُه‬ ‫الشـعـ َْرى َي ُذ ُ‬ ‫ـو ٍم ِم َن َّ‬
‫َو َي ْ‬
‫صــورة فنيــة رائعــة‪ ،‬وذلــك يف قولــه‪( :‬الزخمــري‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأفاعيه ِ ْف َر ْمضـائه َتت ََم ْلمـ َُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫‪1399‬هـ‪:)57 ،‬‬
‫ِ‬
‫ن ََص ْب ُت َلــ ُه َو ْجـهي َو َل ك َّن ُدو َن ُه‬ ‫فإما تَريني كَابن َِة الرم ِل َض ِ‬
‫اح ًيا‬ ‫ْ َّ ْ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ِ‬
‫ت إِ َّل األَ ْ َتم ُّي ا ُمل َر ْع َب ُل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ــل ِر َّقــة َأحــْ َفـى َو َل أ َتنَ َّع ُ‬
‫َو َل س ْ َ‬ ‫ ‬ ‫ــل‬ ‫َع َ‬
‫ٍ‬
‫طي ْت‬ ‫يح َّ َ‬ ‫الر ُ‬
‫َو َضاف إذا ه َّب ْت ل ُه ِّ‬ ‫َـاب َب َّز ُه‬
‫أجت ُ‬‫الص ْ ِب ْ‬
‫ـول َّ‬‫فـَإِ ِّن َل َ‬
‫ُرج ُل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫حل ْز ُم َأ ْن َع ُل‬ ‫َع َل ِم ْث ِل َق ْل ِ‬
‫لبـائدَ ع ْن أعطـافه مـا ت َّ‬ ‫ ‬ ‫السم ِع وا َ‬
‫ب ِّ‬
‫ـال شــاعر فطــري‪ ،‬ال يرتاجــع أمــام‬ ‫فهــو عــى أيــة حـ ٍ‬ ‫وهــو بذلــك يســتحرض صــورة جمتمعــه الــذي‬
‫الصــور احلقيقيــة‪ ،‬فهــو يصــف َشــعره وأوســاخه‬ ‫ويوجــه خطابــه البنــة عمــه وخيربهــا بأنــه‬ ‫ِّ‬ ‫تركــه‪،‬‬
‫را ذلــك‬‫وهيئتــه الرثــة كــا جــاءت يف أبياتــه‪ ،‬معتــ ً‬ ‫وعــزة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫قــوة‬
‫صابــرا‪ ،‬فهــو يف موقــف َّ‬ ‫ً‬ ‫ال زال قو ًّيــا‬
‫ـور جلــده‬‫ســمة واقعيــة حلالــه التــي يفخــر هبــا‪ ،‬ويصـ ِّ‬ ‫وليــس يف موقــف ضعــف وإشــفاق‪ ،‬وبذلــك‬
‫وصــره يف الصحــراء القاحلــة بصورتــه البدويــة‬ ‫تأزمــه النفــي وحــواره الباطنــي القائــم عــى‬ ‫يظهــر ُّ‬
‫القاطنــة يف الصحــراء‪.‬‬ ‫مقارنــة مــا بــن حالتــه اجلديــدة‪ ،‬وغربتــه النفســية‬
‫ويدعــو الشــنفرى إىل الصــر‪ ،‬فهــو منهــج يف حياتــه‬ ‫يف الصحــراء بــن وحــوش ضاريــة مفرتســة‪،‬‬
‫قائــا‪( :‬الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)50 ،‬‬ ‫وأيامــه الفائتــة مــع جمتمعــه الســابق بمعايــره‬
‫وقواعــده اخللقيــة‪( .‬أبــو محــدة‪1402 ،‬هـــ‪.)68 ،‬‬
‫َت ُث َّم ْار َع َوى َب ْعدُ ْ‬
‫وار َع َو ْت‬ ‫َشكَا َ‬
‫وشك ْ‬
‫كو َأ ْ َ‬
‫ج ُل‬ ‫وينفــي صفــة اجلــزع عنــه عندمــا يصيبــه الفقــر‪ ،‬فهــو‬
‫إن َل ْ َينْ َف ِع َّ‬
‫الش ُ‬ ‫رب ْ‬ ‫َو َل َّ‬
‫لص ُ‬
‫هيمــه غنــى أو فقــر‪ ،‬فنفســه عزيــزة أبيــة‪ ،‬تُعنــى‬ ‫ال ُّ‬
‫جــاءت احلكمــة يف الشــطر الثــاين‪ ،‬وهــي الدعــوة إىل‬
‫عوز‬
‫باألمــور الكبــرة‪ ،‬وال يشــتكي وال يتــأمل َّ إن أصابــه ٌ‬
‫الصــر ْ‬
‫إن مل تنفــع الشــكوى‪.‬‬
‫ـود عــى اجللــد والصــر والقــوة‪،‬‬ ‫أو حاجــة‪ ،‬فهــو تعـ َّ‬
‫َّ‬
‫تتجــى يف عــدَّ ة صــور عنــد‬ ‫هــذه ســمة الصــر‬

‫‪137‬‬ ‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫رئ‬‫األرض ِض ٌيق عىل ا ْم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الصعلــوك الشــنفرى مــن خــال مــا تقــدَّ م مــن َل َع ْم ُر َك َما يف‬
‫اغ ًبا ْأو َراه ًبا َو ُه َو ي ْع ِق ُل‬ ‫سى ر ِ‬
‫ََ َ‬ ‫را عــى اجلــوع والفقــر‪ ،‬أو ‬ ‫أبيــات‪ ،‬ســواء أكان صــ ً‬
‫بســبب حــرارة الشــمس امللتهبــة‪ ،‬أو بســبب املتاعــب وهــو معنــى يتوافــق مــع قــول املتلمــس ( املتلمــس‪،‬‬
‫‪1390‬هـــ‪:)211 -208 ،‬‬ ‫يتعــرض هلــا وهــو ســائر يف الصحــراء‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫التــي‬
‫ف ُي َسا ُم ِبه‬ ‫ولن يقيم َع َل خس ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫رابعا‪ :‬عزَّة النفس‪:‬‬
‫األهل والوتَدُ‬ ‫ِ‬ ‫عري‬ ‫ِ‬ ‫َّإل َّ‬
‫األذلن‪ُ :‬‬ ‫يب بعــزة النفــس‪ ،‬وابتعــاده ‬ ‫يب األ ُّ‬
‫اتَّصــف الرجــل العــر ُّ‬
‫مربوط بر َّم ِته‬
‫ٌ‬ ‫ف‬ ‫الــذل واهلــوان‪ ،‬ويتم َّثــل الشــنفرى يف الميتــه ه َذا َع َل اخلس ِ‬ ‫ِّ‬ ‫عــن‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫يـرثِـي ل ُه أحدُ‬ ‫ــم ْ‬ ‫وذا ُيشــ َُّج َف َ‬ ‫ويفضلهــا عــى العيشــة الدنيئــة ‬ ‫ِّ‬ ‫هبــذه اخلصلــة‪،‬‬
‫ذل وهــوان مــن اآلخريــن‪ ،‬يقــول‬ ‫التــي يلحقهــا ٌّ‬
‫فاإلنســان لــه كرامتــه يف األصــل‪ ،‬ومكانتــه يف األرض‪،‬‬
‫(الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)15 ،‬‬
‫فهــو مســتخلف فيهــا‪ ،‬ولكــن إذا جــاء مــن ين ِّكــد عليه‬
‫حياتــه‪ ،‬ويتســبب لــه يف مشــكالت اجتامعية‪ ،‬ونفســية‪،‬‬ ‫ض َمن َْأى لِلكري ِم َع ِن األَ َذى‬ ‫َو ِ ْف األَ ْر ِ‬

‫أرضــا أخــرى يعيــش فيهــا‬ ‫َعزل واقتصاديــة فعليــه أن خيتــار ً‬


‫اف ِ‬
‫الق َل ُمت َّ ُ‬ ‫َوفِ ْي َها َلِ ْن َخ َ‬ ‫ ‬
‫أن اإلنســان بــكل أمــن وطمأنينــة وســكون وراحــة‪ ،‬ولــن تضيــق‬ ‫يتكــئ الشــاعر يف بيتــه عــى حكمــة‪ ،‬وهــي َّ‬
‫الكريــم جيتنــب األذى ويبتعــد عنــه؛ طم ًعــا يف بــه تلــك األرض مهــا كانــت أمــوره؛ بــل ســتضفي‬
‫النجــاة‪ ،‬وحف ًظــا لكرامتــه‪ ،‬ومــا تتم َّتــع بــه نفســه مــن عليــه حيــاة خاصــة يعيــش فيهــا بكرامتــه اإلنســانية‬
‫عـ َّـزة وإبــاء‪ ،‬ولــن تضيــق بــه املعمــورة‪ ،‬فهــي رحبــة التــي منحهــا لــه إلــه الكــون بعيــدً ا عــن الترصفــات‬
‫للحــر األيب أن ينتقــل بــن أرجائهــا‪ ،‬البرشيــة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫واســعة تتيــح‬
‫أن العزلــة ملــن خــاف احلقــد والبغــض وخاصــة وتصــل عـ َّـزة نفســه إىل أنــه ال يرجتــي أحــدً ا يف حياتــه‪،‬‬ ‫كــا َّ‬
‫ـتف الــرب للخــروج‬ ‫مــن أقربائــه خــر لــه مــن اهلــوان والــذل والعيــش ولــو وصــل بــه األمــر إىل أن يسـ َّ‬
‫بينهــم‪ ،‬ولعـ َّـل يف تقديــم اجلــار واملجــرور "يف األرض" مــن الــذل واهلــوان الــذي يريــد جمتمعــه أن يفرضــه‬
‫إشــارة إىل ســعي الشــاعر وتنقلــه بــن أمكنــة خمتلفــة‪ ،‬عليــه‪( ،‬الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)33 ،‬‬
‫األرض َك ْي َل َي َرى َل ُه‬ ‫ِ‬ ‫أن كريــم و َأست ُّ‬
‫َف ت ُْر َب‬ ‫وعــدم قــراره يف مــكان واحــد‪ ،‬وهــو يــرى َّ‬
‫امرؤ ُم َت َط ِّو ُل‬
‫ول ٌ‬ ‫َع َل ِم َن ال َّط ِ‬
‫َّ‬ ‫النفــس جيــد مــن التق ُّلــب يف األرض‪ ،‬والســعي فيهــا ‬
‫مــا ُي ْبعــده عــن احتــال الضيــم أو حلــاق األذى بــه‪،‬‬
‫(أســتف)؛‬
‫ُّ‬ ‫جــاء الشــاعر يف بيتــه بالفعــل املضــارع‬
‫وأن َم ـ ْن خــاف ُب ْغــض النــاس الذيــن مــن حولــه فلــه‬ ‫َّ‬
‫ليبــن عــن حالتــه املســتمرة‪ ،‬وطبعــه يف احليــاة التــي‬
‫أن التحــدُّ ث‬ ‫أن يعتزهلــم ويبتعــد عنهــم‪ ،‬وال خيفــى َّ‬
‫مســتمر بأنفتــه‬ ‫ٌ‬ ‫ال يغريهــا مهــا ك َّلفــه األمــر‪ ،‬فهــو‬
‫عــن كريــم النفــس هنــا هــو بمثابــة احلديــث عــن‬
‫أن يم ـ َّن عليــه‬ ‫وعزتــه وكرامتــه‪ ،‬ال يريــد ْ‬ ‫وشــموخه‪َّ ،‬‬
‫الــذات‪ ،‬فالشــاعر يقصــد نفســه‪ ،‬وهــو أداة فنيــة‬
‫أحــدٌ بتقديــم طعــام لــه‪ ،‬ولــو وصــل بــه اجلــوع إىل أن‬
‫رائعــة يف تطويــر النــص‪ ،‬وتنميتــه مــن الداخــل (أبــو‬
‫يســتف الــراب! "وإذا كان اجلــوع أقســى مــا يص ُّبــه‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫محــدة‪1402 ،‬هـــ‪ ،)17 ،‬ويع ّلــل فعلــه ذلــك بقولــه‬
‫فــإن هنــاك‬ ‫َّ‬ ‫ســياط عــى جســد الفقــر‬ ‫الفقــر مــن‬
‫(الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)16 ،‬‬
‫تقــل قســوة عــن ســياط اجلــوع‪،‬‬ ‫ســيا ًطا أخــرى ال ُّ‬

‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬ ‫‪138‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫بــن أفــراد جمتمعــه‪ ،‬ينبغــي عــى اآلخريــن تقديرهــا‬ ‫ولكنهــا ســياط نفســية يصبهــا الفقــر عــى نفــس‬
‫ـط مــن كرامتــه‪ ،‬ويق ِّلــل‬
‫واحرتامهــا‪ ،‬واالبتعــاد عـ َّـا حيـ ُّ‬ ‫الفقــر" (خليــف ‪1978‬م‪ ،)31 ،‬فهنــاك مــن يرت َّقــب‬
‫مــن شــأنه‪.‬‬ ‫ـذل الشــاعر نفســه ويتقـ َّـرب إليهــم؛‬ ‫لــه‪ ،‬ويتمنــى أن يـ َّ‬
‫خامسا‪ِ :‬‬
‫الع َّفـة‪:‬‬ ‫كــي حيتقــروا إنســانيته وكرامتــه وأنفتــه‪ ،‬وهيبطــوا‬
‫يب هبــذه الصفــة منــذ القــدم‪،‬‬ ‫بمكانتــه إىل مــا دون اإلنســانية‪ ،‬ولكــن هيهــات هلــم!‬
‫يفخــر الشــاعر العــر ُّ‬
‫ويتع َّفــف عــا قــد يلحــق بــه مــن نقائــص‪ ،‬فيحــرص‬ ‫فهــو رجــل عصامــي صبــور‪ ،‬مســتعدٌ ألن يلتهــم‬
‫العــرض‪ ،‬ســواء أكان لنفســه أم جلريانــه‪،‬‬ ‫عــى حفــظ ِ‬ ‫تــراب األرض وال أن يمــدَّ يــده إلنســان حقــر يذ ّلــه‪،‬‬
‫فعنــرة الــذي عــاش يف العــر اجلاهــي يقــول‬ ‫ويمنــن عليــه‪( .‬الصياصنــة‪1415 ،‬هـــ‪.)99 ،‬‬
‫(عنــرة‪1417 ،‬هـــ‪:)308 ،‬‬ ‫العــزة‬
‫َّ‬ ‫أمــا عــن الســبب الرئيــس الــذي دعــاه هلــذه‬
‫واألنفــة‪ ،‬والشــموخ والكربيــاء فهــو عــدم قبولــه‬
‫ِ‬
‫جارت‬ ‫وأغض َط ْر ِف َما َبدَ ْت َيل‬
‫ُّ‬
‫للــذل والعيــب والعــار‪ ،‬يقــول‪( :‬الزخمــري‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حتَّى ُيواري َجارت َم ْأ َ‬
‫واها‬ ‫ ‬
‫‪1399‬هـــ‪:)36 ،‬‬
‫وكان للصعاليــك نصيــب كبــر مــن هــذه اخلصلــة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ِ ْ‬
‫ب‬ ‫ولك َّن َن ْف ًسا ُم َّر ًة ال تُق ُ‬
‫ـي اجتامعــي أصيــل‪ ،‬وفاخــروا‬ ‫احلميــدة‪ ،‬فتميــزوا برقـ ٍّ‬
‫هبــذه ِ‬ ‫الذأ ِم َّإل َر ْي َث َم َأ َت َّو ُل‬
‫َع َل َّ‬ ‫ ‬
‫القيــم يف شــعرهم‪ ،‬ووصفــوا أنفســهم بالتحــي‬
‫معبيــن عــن جمتمــع مثــايل نبيــل‪.‬‬ ‫ويف وصــف النفــس باملــرة إحيــاء‪ ،‬وهــو أهنــا "أصلــب‬
‫هبــا‪ِّ ،‬‬
‫والشــاعر الشــنفرى يتم َّثــل بالعفــة والــرف يف‬ ‫أن تطيــق الصــر عــى الــذأم‪ ،‬أو أن تســكت‬ ‫عــو ًدا مــن ْ‬
‫والتجمــل‬ ‫الميتــه‪ ،‬وينفــي عــن نفســه مغازلــة النســاء‪،‬‬ ‫عــى باطــل" (أبــو محــدة‪1402 ،‬هـــ‪ ،)44 ،‬وهــذه‬
‫ُّ‬
‫أمامهــن صبــاح مســاء؛ لــرف مهتــه‪ ،‬يقــول‪:‬‬ ‫ـوي‪ ،‬ففطرتــه جمبولــة عــى مكانــة‬ ‫جب ّلــة اإلنســان السـ ّ‬
‫(الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)28 ،‬‬ ‫تليــق بإنســانيته‪ ،‬وال خيــرج عنهــا إىل مــا دوهنــا إال‬
‫إنســان هزيــل ارتــى املهانــة لنفســه‪ ،‬وجلــب هلــا‬
‫الف دار َّي ٍة ُمت ِّ‬
‫َغز ٍل‬ ‫وال َخ ٍ‬
‫ِ‬ ‫التعاســة واالحتقــار‪.‬‬
‫تكح ُل‬
‫وح و َي ْغدُ و داهنًا َي َّ‬ ‫َي ُر ُ‬ ‫ ‬
‫ولــو كانــت نفســه تقبــل ذلــك حلصــل عــى مــا يريــد‬
‫أن الشــنفرى حريــص عــى الوصــول إىل قمــة‬ ‫ـأي وســيلة يقــدر عليهــا بطـ ٍ‬
‫ـرق كــا َّ‬ ‫ـأكل ومــرب بـ ِّ‬ ‫مــن مـ ٍ‬
‫مرشوعــة أو غــر مرشوعــة‪ ،‬لكـ َّن أخالقــه تأبــى العــار الع َّفــة والقناعــة يف أخالقــه‪ ،‬فليســت العفــة فيــا‬
‫يتع َّلــق بشــؤون املــرأة وحســب‪ ،‬وإنــا تــأيت يف أمــور‬ ‫والشــنار! (الزخمــري‪1399 ،‬هـ‪:)34 ،‬‬
‫كثــرة‪ ،‬فهــا هــو ينفــي عــن نفســه اجلشــع يف الطعــام‪،‬‬
‫لف َم ْش ٌب‬ ‫تناب َّ‬
‫الذأ ِم مل ُي َ‬ ‫اج ُ‬‫ولوال ْ‬
‫والرسعــة يف مــدِّ اليــد إليــه‪ ،‬ومزامحــة النــاس عــى‬ ‫لدي ْ‬ ‫ِ‬
‫ومأك َُل‬ ‫اش به َّإل َّ‬‫ُي َع ُ‬ ‫ ‬
‫األكل ومســابقتهم عليــه حتــى وإن كان ينافســهم‬
‫هــذه عــزة النفــس لإلنســان اجلاهــي الصعلــوك ويســبقهم يف صيــد الطرائــد‪ ،‬وجيعــل ذلــك مــن بــاب‬
‫التفضــل عليهــم‪ ،‬فيتحــدث عــن خلقــه وأدبــه يف‬ ‫ُّ‬ ‫تتجــى يف قمــة شــموخها‪ ،‬وعظمتهــا‪ ،‬وهــي رســالة‬
‫بــأن لإلنســان مهــا كان وضعــه الطعــام قائــا‪( :‬الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)21 -20 ،‬‬ ‫مــن مئــات الســنني َّ‬
‫يف املجتمــع فــإن لــه منزلــة خاصــة‪ ،‬ومكانــة يســتحقها‬

‫‪139‬‬ ‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫اد َل ْ أ ُك ْن‬‫الز ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫وإن مدَّ ِ‬


‫ـتمرا يف‬‫إحالــة رقــم‪ ،27‬ص‪ ،)64‬وال زال الشــاعر مسـ ً‬ ‫األيدي إىل َّ‬ ‫ْ ُ‬
‫ِ‬
‫جل هــذه الطريقــة يف حياتــه بتصويــر حالتــه املعيشــية عــن‬ ‫أجش ُع ال َقو ِم َأ ْع ُ‬ ‫هم إ ْذ َ‬ ‫بِأ ْع َجل ْ‬ ‫ ‬
‫طريــق الفعــل املضــارع (وأغــدو)؛ ليبــن للقــارئ َّ‬
‫أن‬ ‫اك َّإل َب ْسـط ٌة عـَ ْن َت َف ّضـ ٍُل‬‫و َمــا َذ َ‬
‫َفض ُل هــذا مســلكه يف طلــب قوتــه اليومــي‪ ،‬ويكفيــه الزهيــد‬ ‫َـان األَ ْف َ‬
‫ضـل ا ُملت ِّ‬ ‫يـهم وك َ‬ ‫َع َل ْ‬ ‫ ‬
‫منــه دون طمــع أو تبذيــر فيــه‪.‬‬
‫وجــاء الشــاعر باالحــراس يف بيتــه الثــاين "ومــا‬
‫اهلم والغم‪:‬‬ ‫أن ســبب عــدم سابعا‪ :‬كثرة ِّ‬ ‫يتوهــم املتلقــي َّ‬ ‫ذاك َّإل ‪ "...‬حتــى ال َّ‬
‫ألن طبيعــة حياهتــم‬ ‫مــه يف األكل واســتعجاله فيــه ناتــج عــن خوفــه وهــي ســمة ال تفــارق الصعاليــك؛ َّ‬
‫تقدُّ‬
‫التفــرد والتن ُّقــل يف الــراري وعــدم االســتقرار‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫مــن املنافــس اآلخــر مــن الوحــوش الضاريــة العابســة‬
‫اجلبــن واملقطبــة احلواجــب‪ ،‬وإنــا ذلــك ناتــج عــن فعيشــتهم يف جمتمــع غــر جمتمعهــم الرئيــس‪ ،‬وإنــا‬
‫ــل منــه عــى أهلــه اجلــدد‪ ،‬وكأنــه يضــع قانونًــا هــم عائشــون مــا بــن طيــور‪ ،‬ووحــوش يف صحــراء‬ ‫تفض ٍ‬ ‫ُّ‬
‫أن أقــرب النفــوس إىل القلــق‬ ‫ـأن "األفضـ َـل املتفضـ ُـل"‪ ،‬قاحلــة‪ ،‬ومــن املعــروف َّ‬ ‫هلــم عندمــا أحاطهــم علـ ًـا بـ َّ‬
‫متك ًئــا يف قانونــه عــى مجــال اللغــة يف تقديــم خــر كان واهلمــوم هــي النفــوس القويــة يف تفكريهــا وآماهلــا؛‬
‫ألن هــذه القــوة تفتــح أمــام صاحبهــا أبوا ًبــا كثــرة‬ ‫َّ‬ ‫عــى اســمها‪( .‬أبــو محــدة‪1402 ،‬هـــ‪.)27 ،‬‬
‫مــن اإلدراك‪ ،‬وأبوا ًبــا كثــرة مــن اآلمــال واألهــداف‪،‬‬
‫سادسا‪ :‬الزهد‪:‬‬
‫ـس‬ ‫وأبوا ًبــا أخــرى مــن اإلحســاس بأشــياء قــد ال حيـ ُّ‬
‫الزهــد مــن اخلصــال احلميــدة‪ ،‬وهــي صفــة ظاهــرة‬
‫هبــا أصحــاب النفــوس الضعيفــة‪( .‬حفنــي‪1987 ،‬م‪،‬‬
‫يف جمتمــع الصعاليــك‪ ،‬وتنبــئ عــن طبيعــة حياهتــم‬
‫يصــور الشــنفرى كثــرة مهومــه بقولــه‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪،)291‬‬
‫االجتامعيــة‪ ،‬وأحواهلــم املعيشــية املتواضعــة‪ ،‬فهــم مل‬
‫(الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:) 56 ،‬‬
‫حيرتفــوا الصعلكــة بح ًثــا عــن ثــراء‪ ،‬أو طم ًعــا يف مــال‬
‫هو ٍم َما ت ََز ُال َت ُعو ُد ُه‬
‫ف ُُ‬ ‫وحكمــت وإِ ْل ُ‬
‫ْ‬ ‫أو جــاه‪ ،‬وإنــا هــي حاجــة أملــت هبــم‪،‬‬
‫الر ْب ِع أو ِه َي أ ْث َق ُل‬ ‫ى‬ ‫م‬ ‫َح‬‫ك‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ ‬
‫َ ً ُ َّ ِّ‬ ‫عليهــم قســاوة أفــراد جمتمعاهتــم بســلوك هــذا‬
‫أصدَ ْر ُتا ُث َّم َّإنا‬ ‫العمــل‪ ،‬واللجــوء إىل هــذه املهنــة التــي ســلكوها يف إذا َو َر َد ْت ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وب َفتَـأيت م ْن ُ َت ْي ُت وم ْن َع ُل‬ ‫َت ُث ُ‬ ‫ ‬ ‫حياهتــم‪ ،‬وأصبحــت مصــدر عيشــتهم‪.‬‬
‫أن هــذه اهلمــوم تأتيــه فري ّدهــا ويفرجهــا عــن‬ ‫ويبـ ِّـن الشــنفرى زهــده يف الطعــام عندمــا يغــدو إىل يبــن َّ‬
‫القــوت الزهيــد بقوله‪( :‬الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪ :)37 ،‬نفســه‪ ،‬وهيوهنــا عليــه‪ ،‬ولكنهــا ترجــع وتعــود أعظــم‬
‫مــن األول‪ ،‬فكأنــه بذلــك ألفهــا واعتــاد عليهــا‪،‬‬ ‫هيد ك ََم َغدَ ا‬ ‫الز ِ‬
‫وت َّ‬ ‫و َأ ْغدُ و َع َل ال ُق ِ‬
‫محــى الربــع التــي تأتيــه يو ًمــا ثــم ترتكــه‬ ‫ف َأ ْط َح ُل كاعتيــاده عــى َّ‬ ‫أزل َ َتا َدا ُه ال َّتن َِائ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ ‬
‫وصــف الشــاعر نفســه بالزهــد معتمــدً ا عــى التشــبيه‪ ،‬وتعــود إليــه يف اليــوم الرابــع (الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪،‬‬
‫رضرا‬
‫أن اهلمــوم أشــدُّ منهــا‪ ،‬وأكثــر ً‬ ‫بذئــب نحيــل اجلســم قــد أثقلــه ‪ ،)56‬ثــم يبــن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫فهــو يشــ ّبه نفســه‬
‫حتملهــا‬ ‫َّ‬ ‫وإن‬ ‫فهــو‬ ‫املريــرة‪،‬‬ ‫احلمــى‬ ‫هــذه‬ ‫مــن‬ ‫عليــه‬ ‫اجلــوع‪ ،‬وهــو يتنقــل بــن الصحــاري؛ بح ًثــا عــن لقمــة‬
‫كل مــكان وجهــة! وجــاء‬ ‫العيــش التــي تقــوم صلبــه‪ ،‬وتســاعده عــى مواجهــة ودفعهــا‪ ،‬فإهنــا هتامجــه مــن ِّ‬
‫ِّ‬
‫مجــال‪ ،‬وذلــك يف قولــه‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ظروفــه املعيشــية الصعبــة‪( .‬الشــنفرى‪1411 ،‬هـــ‪ ،‬بإحيــاءات أعطــت الصــورة‬

‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬ ‫‪140‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫بيــده أو بلســانه كــردة فعــل مبــارشة عــى مــا حصــل‬ ‫بــأن الشــاعر أصبــح‬ ‫َّ‬ ‫"إلــف" فهــي لفظــة توحــي‬
‫لــه‪ ،‬ولكــن احللــم واألنــاة يظهــران يف هــذه املواقــف‪،‬‬ ‫ألي ًفــا للهمــوم ومعتــا ًدا عليهــا‪ ،‬ويف قولــه‪" :‬مــا تــزال"‬
‫فيكبــح احلليــم مجــاح غضبــه‪ ،‬ويغفــر لآلخــر هفوتــه‬ ‫يوحــي باســتمرار اهلمــوم وتر ُّددهــا عليــه‪ ،‬وقولــه‪" :‬إذا‬
‫وزلتــه‪ ،‬وكان األحنــف بــن قيــس مــرب املثــل‬ ‫ـدل عــى شــدِّ ة الــراع احلاصــل‬ ‫وردت أصدرهتــا" يـ ُّ‬
‫بذلــك عنــد العــرب‪ ،‬قــال فيــه أبــو متــام ( أبــو متــام‪،‬‬ ‫بينــه وبــن اهلمــوم‪ ،‬وقولــه "مــن حتيــت ومــن عــل"‬
‫‪1425‬هـــ‪:)78 /2 ،‬‬ ‫كل فــوج؛‬ ‫بــأن اهلمــوم أغرقتــه وجاءتــه مــن ِّ‬ ‫يوحــي َّ‬
‫ِ‬
‫سامحة حات ٍم‬ ‫ٍ‬
‫عمرو يف‬ ‫إ ْقدا ُم‬ ‫إن لفظــة "حتيــت" توحــي بالتصــاق اهلمــوم واألمل‬ ‫بــل َّ‬
‫ِ‬
‫ِإياس‬ ‫أحنف يف ذكاء‬
‫َ‬ ‫يف حل ِم‬ ‫ ‬ ‫تنفك عنــه‪ ،‬وقولــه ُ‬
‫"عل"‬ ‫بجســده فهــي ال تبارحــه وال ُّ‬
‫كأن اهلمــوم مظ َّلــة لــه‪ ،‬تأتيــه مــن الفضــاء الواســع‬ ‫َّ‬
‫أن الســفهاء واجلهــاء ال يســتخفون‬ ‫ويبــن الشــنفرى َّ‬
‫أن يف التنكــر يف قولــه‪" :‬مهــوم" مــا‬ ‫فتنــزل عليــه‪ ،‬كــا َّ‬
‫أن يأخــذ ح َّقــه بنفســه‪،‬‬ ‫بحلمــه‪ ،‬فهــو حليــم قــادر عــى ْ‬
‫يفيــد التعظيــم والتهويــل‪ (.‬حفنــي‪1987 ،‬م‪.)293 ،‬‬
‫وهــذا غايــة اخللــق عندمــا يعفــو عنــد مقدرتــه‪:‬‬
‫(الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)59 ،‬‬ ‫ثامنا‪ :‬التواضع وعدم التكرب‪:‬‬

‫هال ِح ْل ِمي َو َل ُأ َرى‬ ‫دهي األَ ْج ُ‬ ‫التواضــع صفــة ألهــل النفــوس الكبــرة‪ ،‬ومــا ارتفــع و َل ت َْز ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫إنســان يف علمــه ومكانتــه االجتامعيــة إال زاد تواضعــه‪،‬‬
‫اب األَ َق ِ‬
‫اويل ُأنْم ُل‬ ‫ول بِ َأ ْع َق ِ‬ ‫َس ُؤ ً‬ ‫ ‬
‫وعــا بــن قومــه‪ ،‬ونــال احرتامهــم وتقديرهــم‪،‬‬
‫والشــاعر اجلاهــي ‪ -‬الشــنفرى ‪ -‬يتم َّثــل هبــذه الصفــة فهــو يتكــئ عــى أســلوب النفــي يف إثبــات صفــة‬
‫أن اآلخريــن ال جيهلوهنــا‪،‬‬ ‫رغــم صعلكتــه‪ ،‬وهــو ممــا يزيــد مــن مكانــة الرجــل‪ ،‬احللــم عنــده‪ ،‬مبينًــا َّ‬
‫ويرفــع مــن قــدره واحرتامــه عنــد اآلخريــن وخاصــة ويدركــون حقيقتهــا واتصافــه هبــا‪ ،‬وهــذا مــن بــاب‬
‫طائفتــه وجمتمعــه اخلــاص بــه‪ ،‬أمــا الكــر فهــو صفــة الفخــر‪ ،‬واالعتــداد بالنفــس‪ ،‬ومــا تتمتَّــع بــه مــن‬
‫ذميمــة ينــأى هبــا الكريــم عــن نفســه‪ ،‬ويصبــح صفــات إجيابيــة‪.‬‬
‫منبــو ًذا عنــد اآلخريــن‪ ،‬يقــول الشــنفرى يف الميتــه‪ :‬عارشا‪ :‬احلزم‪:‬‬
‫تعــر عــن قــوة الشــخصية‪ ،‬واألنفــة واإلبــاء‪،‬‬ ‫صفــة ِّ‬ ‫(الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)58 ،‬‬
‫وال يملكهــا إال الواثــق بنفســه مــن الرجــال‪ ،‬الذيــن‬ ‫ف‬ ‫فال َج ِز ٌع ِم ْن َخ َّل ٍة ُم َتك َِّش ٌ‬
‫ُي ْقدمــون وال حيجمــون‪ ،‬وممــن يتصفــون باألفعــال‬ ‫ول م ِرح َ ْت َت ِ‬
‫الغنَى َأ َت َّي ُل‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫ ‬
‫أكثــر مــن األقــوال‪ ،‬وهــي تعني‪ :‬ضبــط الرجــل ألمره‪،‬‬
‫فقــد اتــكأ عــى أســلوب النفــي‪ ،‬لينفــي عــن نفســه‬
‫وأخــذه بالثقــة يف الوقــت املناســب لــه‪ ،‬والشــنفرى يف‬
‫الكــر‪ ،‬ويعلــو بنفســه بتواضعــه مــع اآلخريــن‪.‬‬
‫الميتــه يبــن أنــه حــازم يف أمــوره‪ ،‬جاعــا هــذه الصفة‬
‫حــذاء يلبســها‪ ،‬كنايــة عــن متكنــه منهــا‪ ،‬وتل ُّبســه إياها‪،‬‬ ‫تاسعا‪ :‬احللم واألناة‪:‬‬
‫احللــم ســ ّيد األخــاق‪ ،‬ويكــون أبلــغ وأقــوى يقــول (الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)57 ،‬‬
‫قــادرا عــى اإلمســاك‬ ‫ً‬ ‫تأثــرا عندمــا يكــون اإلنســان‬ ‫ً‬
‫تاب َب َّز ُه‬‫الص ِرب َأ ْج ُ‬
‫َفإِ ِّن َلوىل َّ‬
‫َع َل ِ‬ ‫ـيطرا عــى ردود أفعالــه‪ ،‬وخاصــة إذا‬ ‫بترصفاتــه‪ ،‬ومسـ ً‬
‫واحلز َم أن َع ُل‬
‫ْ‬ ‫السم ِع‬
‫ِّ‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ث‬ ‫م‬
‫وأخــذ حقــه‬‫كان يســتطيع إنــزال العقــاب باآلخريــن‪ْ ،‬‬
‫يفخــر الشــاعر بنفســه بأنــه القائــم عــى الصــر‪،‬‬

‫‪141‬‬ ‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫تفــرق بــن األحبــة‪ ،‬وبــن أفــراد املجتمــع‬ ‫جســيمة‪ِّ ،‬‬ ‫املتــرف فيــه كيفــا يشــاء‪ ،‬كــا أنــه حيتــذي احلــزم‪،‬‬
‫الواحــد‪ ،‬فتهــدم كيانــه‪ ،‬وتشــتت أركانــه‪ ،‬وقــد أدرك‬ ‫فهــو ملــك هــذه األشــياء‪ ،‬وقاهرهــا‪ ،‬واملتصــف هبــا‬
‫هــذا اجلاهــي أثرهــا منــذ القــدم‪ ،‬فرتفــع عنهــا‪ ،‬ونـ َّـزه‬ ‫(الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪.)58 ،‬‬
‫نفســه منهــا‪ ،‬ملــا ملــس فيهــا مــن خطــر كبــر يف التفرقة‪،‬‬ ‫احلادي عرش‪ :‬االعتداد بالرأي‪:‬‬
‫وإثــارة البغضــاء والكراهيــة يف املجتمــع‪ ،‬وإحــداث‬ ‫يصعــب عــى املــرء أن يكــون صاحــب قــرار رسيــع‪،‬‬
‫ضغينــة بــن أفــراده‪ ،‬يقــول يف الميتــه‪( :‬الزخمــري‪،‬‬ ‫ورأي ســديد‪ ،‬إ ْذ حتتــاج بعــض األمــور إىل تــؤدة وأنــاة‪،‬‬
‫‪1399‬هـ‪:)59 ،‬‬ ‫ـرو يف األمــر‪ ،‬ثــم اختــاذ قــرار مناســب‬ ‫وإعــال فكــر وتـ ٍّ‬
‫هال ِح ْل ِمي َو َل ُأ َرى‬ ‫و َل ت َْز ِ‬
‫دهي األَ ْج ُ‬ ‫َ‬ ‫ـت يف الــرأي دون تــر ُّدد‪ ،‬والشــنفرى‬ ‫ملــا هــو فيــه‪ ،‬والبـ ِّ‬
‫ِ‬
‫اويل ُأنْم ُل‬ ‫ول بِ َأ ْع َق ِ‬
‫اب األَ َق ِ‬ ‫َس ُؤ ً‬ ‫ ‬ ‫يف الميتــه ينفــي عــن نفســه اجلبــن واالهنــزام‪ ،‬كــا‬
‫اتــكأ الشــنفرى عــى أســلوب النفــي‪ ،‬فبــن أنــه ال‬ ‫ينفــي عنهــا ســوء الطبــاع واخللــق الــيء الــذي ينتــج‬
‫يتع َّقــب الــكالم‪ ،‬وال ينقلــه للنــاس؛ هبــدف إثــارة‬ ‫عنــه حــدَّ ًة يف الطبــاع‪ ،‬ورسعــ ًة يف الغضــب‪ ،‬ويفخــر‬
‫ـدم عــى‬ ‫برسعــة اختــاذه للــرأي‪ ،‬واعتــداده بــه‪ ،‬فهــو ي ْقـ ِ‬
‫الفتــن بينهــم‪ ،‬فهــذه جريــرة كبــرة عنــده‪ ،‬أدرك‬ ‫ُ‬
‫خطورهتــا فنــأى بنفســه عنهــا‪.‬‬ ‫األمــر‪ ،‬أو حيجــم عنــه برأيــه اخلــاص دون تأثــر مــن‬
‫اآلخريــن‪ ،‬يقــول (الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)27 ،‬‬
‫املبحث الثاين‪:‬‬
‫اخل ْلقية للصعاليك يف المية العرب‬‫املالمح َ‬ ‫ول ُج َّبأٍ أك َْهى ُم َر ٍّب بِ ُع ْر ِس ِه‬
‫َ‬
‫تتصــف بعــض املجتمعــات بخصائــص معينــة يف‬ ‫ُي َطالِ ُعها ِ ْف َش ْأنِ ِه َ‬
‫كيف َي ْف َع ُل‬
‫ويبــن رسعــة اختــاذه الــرأي يف موضــع آخــر مــن البنيــة اجلســانية‪ ،‬واألوصــاف اجلســدية‪ ،‬واملالمــح‬
‫البــت فيــه‪ ،‬الشــخصية‪ ،‬وكان للصعاليــك بعــض الصفــات التــي‬ ‫ِّ‬ ‫يتحــر ويــر َّدد يف‬
‫َّ‬ ‫الالميــة‪ ،‬بينــا غــره‬
‫تظهــر يف اخلَ ْلــق والشــكل واملظهــر‪ ،‬فهــي أوصــاف‬ ‫يقــول (الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)30 ،‬‬
‫تتع َّلــق يف أجســادهم‪ ،‬ومــا يتضــح عــى مالحمهــم‬ ‫و َل ْس ُت بِ ِم ْح ِ‬
‫يار ال َّظال ِم إِ َذا ا ْنت ََح ْت‬
‫يف يمء َهوج ُل مــن ســات وخصائــص جســانية‪ ،‬ومــن أبــرز تلــك‬ ‫ِ ِ‬
‫ُهدَ ى اهل َ ْو َج ِل الع ِّس َ ْ َ ُ ْ َ‬
‫املالمــح الــواردة يف الميــة العــرب مــا يــأيت‪:‬‬
‫وهــذا دال عــى حذقــه وكياســته ووقوفــه عــى عواقب‬
‫األمــور‪ ،‬والتمييــز بــن حســنها ورديئهــا‪ ،‬وقــد يكــون أوال‪ :‬الرسعة‪:‬‬
‫أن اختــاذ قــراره بالرحيــل عــن مت ّيــز الصعاليــك بالرسعــة يف اجلــري‪ ،‬فأكثــر مــا يلفــت‬ ‫تلميحــا إىل َّ‬ ‫يف ذلــك‬
‫ً‬
‫قومــه مل يكــن نتيجــة خلــق يسء اقرتفــه كــا قــد خيطــر يف تكوينهــم اجلســاين هــو رسعــة العــدو اخلارقــة التــي‬
‫ببــال أحــد‪ ،‬أو قلــة حيلــة فيــه‪ ،‬وإنــا هــو نتيجــة رأي متيــزوا هبــا عــن غريهــم‪ ،‬ويطلــق عليهــم أحيا ًنــا اســم‬
‫خــاص بــه‪ ،‬وقناعــة شــخصية منــه‪ ،‬وهــو القــادر عــى "العدَّ ائــن"‪( ،‬األصفهاين‪1422 ،‬هـــ‪.)139 /11 ،‬‬
‫مقارعــة التحديــات ومواجهــة عواقبهــا بقــوة رأيــه‪ ،‬والشــاعر الشــنفرى اشــتهر هبــذه الصفــة‪ ،‬فهــو‬
‫يشــق هلــم غبــار يف العــدو‬
‫ُّ‬ ‫مــن العدَّ ائــن الذيــن ال‬ ‫واعتــداده بــه‪.‬‬
‫والرسعــة‪ ،‬وكان يــرب بــه املثــل فيقــال‪" :‬أعــدى‬
‫الثاين عرش‪ :‬الرت ُّفع عن النميمة‪:‬‬
‫مــن الشــنفرى" (امليــداين‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،54 /2 ،‬والزخمرشي‪،‬‬
‫النميمــة صفــة ذميمــة‪ ،‬وعاقبتهــا وخيمــة‪ ،‬وأرضارهــا‬

‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬ ‫‪142‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫ذلــك فهــي تــرب ُســؤره لســبقه إليــه‪.‬‬ ‫‪1399‬هـــ‪ ،)11 ،‬وقــد وصفــه رفيقــه يف الصعلكة تأبط‬
‫ومــن شــواهد رسعــة الشــنفرى يف الالميــة قولــه‪:‬‬ ‫رشا حــن يعــدو بأنــه "قــد طــار"‪( ،‬امليــداين‪ ،‬د‪.‬ت‪/2 ،‬‬
‫ًّ‬
‫(الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:) ،‬‬ ‫‪ ،)55‬وهــو القائــل‪( :‬الشــنفرى‪1411 ،‬هـــ‪ ،‬ص‪:)42‬‬
‫ل ْق ُت ُأ ْو َل ُه بِ ُأ ْخ َرا ُه ُموفِ ًيا‬
‫َو َأ ْ َ‬ ‫ألــف عـجـاجـتي‬ ‫َّ‬ ‫زعيــم ْ‬
‫أن‬ ‫ٌ‬ ‫وإن‬
‫ِّ‬
‫َع َل ُقن ٍَّة ُأ ْق ِعي ِم َر ًارا و َأ ْمثِ ُل‬ ‫مان أو بردِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عىل ذي ك َساء م ْن َس َل َ ُ ْ‬
‫أي أننــي أقطــع األرض الواســعة ملح ًقــا رجــي‬ ‫داء َأ ْب ِغي َس َات ْم‬ ‫وأميش لدى العص ِ‬
‫َ ْ‬
‫ِ‬
‫والسد باألخــرى‪ ،‬وذلــك بســبب الرسعــة عــى رأس جبــل‪،‬‬ ‫بني أرفا َغ َّ‬ ‫وأسـلك خـ ًَّل َ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬
‫ـرارا‬
‫ـرارا‪ ،‬وأنتصــب مـ ً‬ ‫ومــن األبيــات الدالــة عــى رسعــة الشــنفرى يف الميتــه يف حــال كــوين أجلــس مقع ًيــا مـ ً‬
‫قائــا‪ ،‬فيقعــي إذا خــاف أن يفطــن لــه أحــد‬ ‫أخــرى ً‬ ‫قولــه‪( :‬الزخمــري‪1399 ،‬هـ‪:)31 ،‬‬
‫املــارة فيعلــم بمكانــه‪ ،‬وينتصــب إذا أمــن مــن ذلــك‬
‫َاس ِمي‬ ‫ان َل َقى من ِ‬
‫إ َذا األَ ْم َع ُز ُّ‬
‫الص َّو ُ‬
‫إن أمكنتــه‬ ‫ليــرف عــى َمــ ْن حتتــه لريصــده للغــارة ْ‬ ‫َت َطاير ِمنْه َق ِ‬
‫اد ٌح ُو ُم َف َّل ُل‬ ‫َ ُ‬
‫فرصــة انتهزها‪...‬وهــذا مــا ب َّينــه يف األبيــات التــي‬
‫فهــذه الصــورة حتكــي رسعتــه البليغــة عندمــا تــرب تلــت البيــت الســابق‪.‬‬
‫قدمــه احلجــارة الصلبــة فيتطايــر منــه الــرر‪ ،‬كنايــة‬
‫ثانيا‪ :‬النحافة‪:‬‬
‫عــن رسعــة العــدو‪ ،‬ور ْبــط هــذا املنظــر بالليــل‬
‫يتصــف الصعلــوك بنحافــة اجلســم‪ ،‬ونحولــة اجلســد‪،‬‬
‫يعمــق‬ ‫ـا أمــام األعــن ِّ‬ ‫بدليــل رؤيــة ذلــك الــرر ماثـ ً‬
‫وســبب ذلــك‪ :‬املعيشــة التــي ارتبــط هبــا يف الصحــراء‪،‬‬
‫اإلحســاس بروعــة الصــورة ومجاهلــا (أبــو محــدة‪،‬‬
‫فــا مــأكل وال مــرب إال مــا قـ َّـل أو نــدر‪ ،‬كــا أنــه‬
‫أن شــدة رضبــه األرض ف َّللــت‬ ‫‪1402‬هـــ‪ ،)41 ،‬كــا َّ‬
‫ال يقـ ُّـر لــه قــرار يف أرض واحــدة؛ بــل إنــه يتنقــل بــن‬
‫تلــك احلجــارة وكرسهتــا! ويف ذلــك إشــارة إىل وعــورة‬
‫تلــك الصحــاري املتنوعــة‪ ،‬و َمــ ْن أكثــر مــن املــي‬
‫األرايض التــي يرتادهــا‪ ،‬ومــع ذلــك مل تؤثــر عــى‬
‫والركــض باإلضافــة إىل شــدَّ ة اجلــوع الــذي يتعـ َّـرض‬
‫رسعتــه‪.‬‬
‫ً‬
‫هزيــا‪،‬‬ ‫فــإن جســمه ســيصبح نحي ًفــا‬ ‫لــه الصعلــوك َّ‬
‫أيضــا ‪ -‬يف مباراتــه الطريفــة مــع‬ ‫ويبــن رسعتــه ‪ً -‬‬ ‫ِّ‬
‫يبــن لنــا شــدَّ ة نحافــة جســمه يف هــذه‬ ‫والشــنفرى ِّ‬
‫طائــر القطــا يف الــورود إىل املــاء‪ ،‬فيســبقها إليــه‬
‫الالميــة عندمــا قــال‪( :‬الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)54 ،‬‬
‫لرسعتــه‪ ،‬ثــم تــأيت بعــده فتــرب ســؤره‪ ،‬وذلــك يف‬
‫وص ُه‬ ‫ص‬ ‫ُ‬
‫ف‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫َ‬
‫َأ‬‫ك‬ ‫ا‬ ‫وض‬
‫ً‬ ‫ْح‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫و َأ ْع ِ‬
‫د‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫قولــه‪( :‬الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)51 -50 ،‬‬
‫ب َف ْه َي ُم َّث ُل‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫اه‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫اب‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫ك‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ َ َ‬ ‫َوت َْش ُب َأ ْس ِ‬
‫آري ال َق َطا ال ُكدْ ُر َب ْعدَ َما‬ ‫َ‬
‫س ْت َقربا َأحنَاؤها َتتَص ْلص ُل فهــو يصــف نفســه وحالتــه اهلزيلــة‪ ،‬وجســمه النحيل‪،‬‬
‫َ َ‬ ‫ًَ ْ‬ ‫ََ‬
‫يتوســد ذراعــه‬ ‫متك ًئــا بذلــك عــى التشــبيه‪ ،‬ويبــن أنــه َّ‬
‫ه ْت وا ْبتَدَ ْرنَـا َو َأ ْسـدَ َل ْت‬ ‫ـت َو َ َّ‬
‫ه ْم ُ‬ ‫ََ‬
‫يبــق فيــه إال العظــم‬ ‫اهلزيــل الــذي ذهــب حلمــه‪ ،‬ومل َ‬
‫ــار ٌط ُمتَمـ َِّه ُـل‬ ‫ـمـ ََر ِمنِّي َف ِ‬ ‫َو َش ّ‬ ‫ ‬
‫حتــى إن مفاصلهــا تشــبه مكعبــات بســطها العــب‬ ‫َّ‬
‫واختــار القطــا مــن بــن ســائر الطيــور األخــرى فهــي منتصبــة ثابتــة!‬
‫أن ســبب صعوبــة اســتوائه عــى األرض هــو‬ ‫لرسعتهــا‪ ،‬إ ْذ إهنــا أرسع الطيــور ورو ًدا إىل املــاء‪ ،‬ومــع ويبــن َّ‬

‫‪143‬‬ ‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫ـودوا عليــه‬ ‫ـار مــن مــن النــاس أوصلهــم إىل هــذا احلــال‪ ،‬فتعـ َّ‬ ‫نحولــة جســمه‪ ،‬وشــدَّ ة هزالــه‪ ،‬إذ تنبــو بــه فقـ ٌ‬
‫ظهــره اليابســة (الصياصنــة‪1415 ،‬هـــ‪ ،)79 ،‬وذلــك منــذ زمــن بعيــد‪.‬‬
‫عندمــا ألــف األرض وافرتشــها مــع مــا هــو فيــه مــن خامتة البحث‪:‬‬
‫إن عظامــه ترفــع جســده هدفــت الدِّ راســة إىل الكشــف عــن مالمــح الصعلــوك‬ ‫اجلهــد وســوء احلــال؛ بــل َّ‬
‫عــن األرض عندمــا ينــام عليهــا‪ ،‬وذلــك يف قولــه‪ :‬اخلَ ْلقيــة واخلُلقيــة يف قصيــدة "الميــة العــرب"‬
‫للشــنفرى‪ ،‬وذلــك يف وصــف الشــاعر نفســه هبــا‪،‬‬ ‫(الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)53 ،‬‬
‫وخرجــت الدراســة بالنتائــج اآلتيــة‪:‬‬ ‫اشها‬ ‫األرض ِعنْدَ ا ْفرت ِ‬
‫ِ‬ ‫ف َو ْج َه‬ ‫وآ َل ُ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫الـــخلقية‬ ‫•مــن أهــم الســات واخلصائــص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِ َأ ْهدَ َأ ُتنْبِيه َسنَاس ُن ُق َّح ُل‬
‫للصعلــوك يف الميــة العــرب‪ :‬الغربــة والعزلــة‬ ‫هــذا هــو جســد الصعلــوك النحيل‪ ،‬يصــوره الشــنفرى‬
‫عــن املجتمــع‪ ،‬والعيــش بعيــدً ا عنــه يف الصحــراء‬ ‫بعدمــا أعيتــه عصــا الرتحــال‪ ،‬وتن َّقــل بــن الفيــايف؛‬
‫املوحشــة بــن الوحــوش والســباع‪ ،‬واالتصــاف‬ ‫بح ًثــا عــن لقمــة يســدُّ هبــا جــوع جســمه النحيــف‪،‬‬
‫التحمــل‬
‫ُّ‬ ‫بالشــجاعة والقــوة‪ ،‬والصــر وقــوة‬ ‫الــذي مل يبــق بــه إال عظامــه الظاهــرة للعيــان!‬
‫واجللــد يف هــذه احليــاة الصحراويــة الشــاقة‪،‬‬
‫ثالثا‪ :‬عدم االهتامم باملظهر‪:‬‬
‫الــذل مــن أحــد‬ ‫َّ‬ ‫وعــزة النفــس التــي ال تقبــل‬ ‫َّ‬
‫مل يعتــن الصعاليــك بمظهرهــم اخلارجــي؛ ألهنــم‬
‫التفضــل عليهــا‪ ،‬والعفــة‪ ،‬والزهــد والقناعــة‬ ‫ُّ‬ ‫وال‬
‫يعيشــون يف صحــراء قاحلــة جمدبــة‪ ،‬فــا يتو َّفــر‬
‫اهلــم‬
‫ِّ‬ ‫بالقليــل مــن الطعــام والــراب‪ ،‬وكثــرة‬
‫لدهيــم املــاء حتــى يغســلوا جســدهم‪ ،‬ويعتنــوا بنظافــة‬
‫ـم الــذي يالحقــه وال يــكاد يربحــه يف حياتــه‪،‬‬ ‫والغـ ِّ‬
‫شــعرهم‪ ،‬وترسحيــه‪ ،‬ودهنــه‪.‬‬
‫والتواضــع عنــد اآلخريــن وعــدم التكــر‪ ،‬واحللــم‬
‫ويبــن الشــنفرى يف الميتــه حالتــه الرثــة‪ ،‬فهــو ال‬ ‫ِّ‬
‫واألنــاة وعــدم االنتقــام واحلقــد‪ ،‬واحلــزم يف‬
‫ـرح شــعره‪ ،‬وإذا ه َّبــت الريــح فإهنــا تطــره متلبــدً ا‬ ‫يـ ِّ‬
‫األمــور إذا دعــت احلاجــة إىل ذلــك‪ ،‬واالعتــداد‬
‫يمســه الدهن‪.‬‬ ‫رجلــه‪ ،‬ومل ّ‬ ‫دون تفـ ُّـرق‪ ،‬والســبب أنــه مل ُي ِّ‬
‫بالــرأي وقوتــه وعــدم أخــذه مــن ضعفــاء القــوم‬
‫ومــن شــدَّ ة وســخ رأســه أنــه أصبــح مثــل العبــس‬
‫وممــن ال يملكــون رأ ًيــا وحز ًمــا‪ ،‬والرت ُّفــع عــن‬
‫مصــورا‬
‫ً‬ ‫(وهــو مــا يتع َّلــق بأذنــاب اإلبــل)‪ ،‬يقــول‬
‫النميمــة والبعــد عنهــا ملــا فيهــا مــن أثــر كبــر يف‬
‫ذلــك‪ ،‬متكئــا يف تصويــره عــى واقعــه‪ ،‬ومــا يشــاهده‬
‫التفرقــة بــن النــاس‪ ،‬وقــد مت َّثــل الشــنفرى بجميع‬
‫يف حياتــه اليوميــة‪( :‬الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪:)66 ،‬‬
‫هــذه الصفــات‪ ،‬ومــدح نفســه باالتصــاف هبــا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫•مــن أهــم املالمــح اخلَ ْلقيــة للصعاليــك يف الميــة‬ ‫يح َط َّـي ْت‬ ‫َو َضاف إ َذا َه َّب ْت َل ُه ِّ‬
‫الر ُ‬
‫ُرجـ َُل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫العــرب‪ ،‬ووصــف هبــا الشــنفرى نفســه‪ :‬نحافتــه‬ ‫لبـائدَ َع ْن أ ْع َطـافه َمـا ت ّ‬
‫ِ‬
‫وضمــوره حتــى يــكاد اجلســم يكــون عظـ ًـا بــا‬ ‫ـس الدُّ ِ‬
‫هـن وال َف ْ ِل َع ْهدُ ُه‬ ‫َبعيدٌ بِ َم ِّ‬
‫يتوســده عنــد نومــه فريفعــه عــن األرض‪،‬‬ ‫حلــم َّ‬ ‫الغ ْس ِل ُم ْ ِو ُل‬ ‫اف ِمن ِ‬ ‫َله َعبس َع ٍ‬ ‫ ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ٌ‬
‫وكذلــك عــدم االهتــام باملظهــر والشــكل‪ ،‬ســواء‬
‫فاهليئــة الرثــة‪ ،‬والشــكل اخلارجــي للصعلــوك مل يكــن‬
‫والشــعر الــذي ال‬ ‫أكان يف اللبــس‪ ،‬أم اجلســم‪َّ ،‬‬
‫ذا اهتــام كبــر يم ِّثلــه‪ ،‬أو يعنــي لــه شــي ًئا؛ بــل َّ‬
‫إن‬
‫يعــرف الغســل والدهــن‪ ،‬ممــا يعكــس ســوء‬
‫احليــاة اخلشــنة‪ ،‬وســوء الفقــر الــذي الزم هــذه الفئــة‬

‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬ ‫‪144‬‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫ابنــا هاشــم‪1965 ،‬م‪ ،‬كتــاب األشــباه والنظائــر مــن‬ ‫حالتهــم املعيشــية‪ ،‬وبحثهــم عــن تأمــن لقمــة‬
‫أشــعار املتقدمــن واجلاهليــن واملخرضمــن‪ ،‬ح ّققــه‬ ‫عيشــهم اليوميــة بعيــدً ا عــن تــرف احليــاة وزينتها‪،‬‬
‫وع ّلــق عليــه د‪ .‬الســيد حممــد يوســف‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بــروت‪،‬‬ ‫وكذلــك رسعــة العــدو التــي ال يســتطيع أحــد‬
‫لبنــان‪ ،‬دار الشــآم للــراث‪.‬‬‫أن يبارهيــم هبــا‪ ،‬وخاصــة الشــنفرى الــذي كان‬
‫يــرب بــه املثــل يف العــدو‪ ،‬ممــا جعلهــا وســيلتهم ‪.9‬خليــف‪ ،‬يوســف‪1978 ،‬م‪ ،‬الشــعراء الصعاليــك‬
‫يف العــر اجلاهــي‪ ،‬الطبعــة الثالثــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬دار‬ ‫األوىل للهــرب مــن خصومهــم أثنــاء اللقــاء‪.‬‬
‫املعــارف‪.‬‬ ‫ثبت مصادر البحث ومراجعه‬
‫‪.1‬ابــن منظــور‪ ،‬مجــال الديــن حممــد بــن مكــرم‪.10 ،‬الزخمــري‪1399 ،‬هـــ‪ ،‬أعجــب العجــب يف رشح‬
‫‪1410‬هـــ= ‪1990‬م‪ ،‬لســان العــرب‪ ،‬الطبعــة الثالثــة‪ ،‬الميــة العــرب (جمموعــة الرســائل الكامليــة رقــم‪،)11‬‬
‫الطبعــة الثانيــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬مكتبــة املعــارف‪.‬‬ ‫بــروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬دار صــادر‪.‬‬
‫‪.2‬أبــو محــدة‪ ،‬حممــد عــي‪1402 ،‬هـــ= ‪1982‬م‪ ،‬يف ‪ .11‬شــداد‪ ،‬عنــرة‪1417 ،‬هـــ= ‪1996‬م‪ ،‬ديــوان‬
‫التــذوق اجلــايل لالميــة العــرب (للشــنفرى)‪ ،‬الطبعــة عنــرة‪ ،‬حتقيــق‪ :‬حممــد ســعيد مولــوي‪ ،‬الطبعــة الثالثــة‪،‬‬
‫الريــاض‪ ،‬اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬دار عــامل‬ ‫األوىل‪ ،‬عــان‪ ،‬األردن‪ ،‬مكتبــة األقــى‪.‬‬
‫‪.3‬إســاعيل‪ ،‬بشــار ســعدي‪2014 ،‬م‪2015 /‬م‪ ،‬شعر الكتــب للطباعــة والنــر والتوزيــع‪.‬‬
‫الصعاليــك اجلاهليــن يف الدراســات األدبيــة والنقديــة ‪.12‬الشــنتمري‪ ،‬أبــو احلجــاج يوســف‪1425 ،‬هـــ=‬
‫القديمــة واحلديثــة‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬عــان‪ ،‬األردن‪ ،‬دار ‪2004‬م‪ ،‬رشح ديــوان أيب متــام‪ ،‬دراســة وحتقيــق‬
‫إبراهيــم نــادن‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬منشــورات وزارة‬ ‫جمــدالوي للنــر والتوزيــع‪.‬‬
‫‪.4‬األصفهــاين‪ ،‬أبــو الفــرج‪1422 ،‬هـــ= ‪2002‬م‪ ،‬األوقــاف والشــؤون اإلســامية‪.‬‬
‫كتــاب األغــاين‪ ،‬رشحــه وكتــب هوامشــه األســتاذ ‪.13‬الشــنفرى‪1411 ،‬هـــ= ‪1991‬م‪ ،‬ديوان الشــنفرى‬
‫ســمري جابــر‪ ،‬الطبعــة الرابعــة‪ ،‬بــروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬دار "عمــرو بــن مالــك نحــو ‪ 70‬ق‪.‬هـــ"‪ ،‬مجعــه وح ّققــه‬
‫ورشحــه د‪ .‬إميــل بديــع يعقــوب‪ ،‬الطبعــة األوىل‪،‬‬ ‫الكتــب العلميــة‪.‬‬
‫‪.5‬التربيــزي‪ ،‬أبــو زكريــا حييــى بــن عــي الشــيباين‪ ،‬بــروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬دار الكتــاب العــريب‪.‬‬
‫د‪.‬ت‪ ،‬رشح املفضليــات‪( ،‬القســم األول) حتقيــق ‪.14‬صــري‪ ،‬حممــد‪1942 ،‬م‪ ،‬الشــوامخ "الشــعر‬
‫عــي حممــد البجــاوي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار هنضــة مــر للطبــع اجلاهــي‪ :‬خصائصــه وأعالمــه"‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتــب‬
‫العلميــة‪.‬‬ ‫والنــر‪.‬‬
‫‪.15‬صفــدي‪ ،‬مطــاع‪ ،‬وإيليــا حــاوي‪1974 ،‬م‪،‬‬ ‫‪.6‬حفنــي‪ ،‬عبداحلليــم‪1981 ،‬م‪ ،‬الميــة العــرب‬
‫موســوعة الشــعر العــريب (‪ )1‬الشــعر اجلاهــي‪ ،‬أرشف‬ ‫للشــنفرى‪ ،‬اجلامميــز‪ ،‬مكتبــة اآلداب ومطبعتهــا‪.‬‬
‫عليهــا د‪.‬خليــل حــاوي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بــروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬رشكــة‬ ‫‪.7‬حفنــي‪ ،‬عبداحلليــم‪1987 ،‬م‪ ،‬شــعر الصعاليــك‬
‫خيــاط للكتــب والنــر‪.‬‬ ‫منهجــه وخصائصــه‪ ،‬اهليئــة املرصيــة العامــة للكتــاب‪.‬‬
‫‪.8‬اخلالديــان‪ ،‬أبــو بكــر حممــد‪ ،‬وأبــو عثــان ســعيد ‪.16‬الصياصنــة‪ ،‬مصطفــى عيــد‪1415 ،‬هـــ=‪1995‬م‪،‬‬

‫‪145‬‬ ‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬


‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية ‪،‬العدد (‪ )٢٧‬ذو القعدة ‪ ١٤٤٣‬هـ ‪ -‬يونيو ‪ ٢٠٢٢‬م‬

‫الشــنفرى األزدي أمــر الشــعراء الصعاليــك‪ ،‬الطبعــة املوجــز يف األدب العــريب وتارخيــه ( األدب اجلاهــي )‪،‬‬
‫د‪ .‬ط‪ ،‬لبنــان‪ ،‬دار املعــارف‪.‬‬ ‫األوىل‪ ،‬الريــاض‪ ،‬دار املعــراج الدوليــة للنــر‪.‬‬
‫‪.17‬الضبعــي‪ ،‬املتلمــس‪1390 ،‬هـــ= ‪1970‬م‪.26 ،‬امليــداين‪ ،‬أبــو الفضــل أمحــد بن حممــد النيســابوري‬
‫ديــوان املتلمــس الضبعــي‪ ،‬ح َّققــه ورشحــه وع َّلــق امليــداين‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬األمثــال‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬بــروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬دار‬
‫عليــه حســن كامــل الصــريف‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬معهــد الكتــب العلميــة‪.‬‬
‫‪.27‬نــور الديــن‪ ،‬حســن جعفــر‪1428 ،‬هـــ= ‪2007‬م‪،‬‬ ‫املخطوطــات العربيــة‪.‬‬
‫‪.18‬الطائــي‪ ،‬حاتــم‪1406 ،‬هـــ= ‪1986‬م‪ ،‬ديــوان موســوعة الشــعراء الصعاليــك (الصعلكــة والشــعر‬
‫حاتــم الطائــي‪ ،‬رشحــه وقــدَّ م لــه‪ :‬أمحــد رشــاد‪ ،‬الصعلوكــي يف امليــزان)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بــروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬رشــاد‬
‫الطبعــة األوىل‪ ،‬بــروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬دار الكتــب العلميــة‪ .‬بــرس للطباعــة والنــر والتوزيــع‪.‬‬
‫‪References‬‬ ‫‪.19‬عبداجلابــر‪ ،‬ســعود حممــود (دراســة وحتقيــق)‪،‬‬
‫‪1404‬هـــ= ‪1984‬م‪ ،‬شــعر الزبرقــان بــن بــدر وعمرو ‪1. Ibn Manzoor, Jamaluddin Mohammad‬‬
‫بــن األهتــم‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬بــروت‪ ،‬مؤسســة ‪bin Makram, 1410 AH = 1990 AD, Lisanul‬‬
‫‪Arab, third edition, Beirut, Lebanon, Dar‬‬ ‫الرســالة‪.‬‬
‫‪Sader.‬‬
‫‪.20‬العكــري‪ ،‬أبــو البقــاء عبــداهلل بــن احلســن‪،‬‬
‫‪2. Abu Hamda, Mohammad Ali, 1402 AH‬‬
‫‪1403‬هـــ= ‪1983‬م‪ ،‬رشح الميــة العــرب‪ ،‬الطبعــة ‪= 1982 AD, In the Aesthetic Appreciation‬‬
‫األوىل‪ ،‬بــروت‪ ،‬منشــورات دار اآلفــاق اجلديــدة‪of Lamiyyat Alarab (by Alshanfari), first .‬‬
‫‪edition, Amman, Jordan, Al-Aqsa Library.‬‬
‫‪.21‬القــايض‪ ،‬حممــد عبداحلكيــم‪ ،‬وآخــرون‪1989 ،‬م‪،‬‬
‫بلــوغ األرب يف رشح الميــة العــرب‪ ،‬الطبعــة األوىل‪3. Ismail, Bashar Saadi, 2014 AD / 2015 ،‬‬
‫‪AD, The Poetry of Pre-Islamic Wretches‬‬
‫القاهــرة‪ ،‬دار احلديــث‪.‬‬
‫‪in Ancient and Modern Literary and Crit-‬‬
‫‪.22‬قيــس‪ ،‬ميمــون‪ ،‬ديــوان األعشــى الكبــر‪ical Studies, first edition, Amman, Jordan, ،‬‬
‫‪1407‬هـــ= ‪1987‬م‪ ،‬رشحــه وقــدم لــه مهــدي حممــد ‪Dar Majdalawi for Publishing and Distri-‬‬
‫‪bution.‬‬ ‫نــارص الديــن‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬بــروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬دار‬
‫‪4. Alasfahani, Abul Faraj, 1422 AH = 2002‬‬ ‫الكتــب العلميــة‪.‬‬
‫‪AD, Book of Songs, explanation and an-‬‬
‫‪.23‬القيــي‪ ،‬نــورى محــودي‪ ،‬وحاتــم صالــح ‪notations by Professor Samir Jaber, fourth‬‬
‫الضامــن‪1977 ،‬م‪ ،‬ديــوان معــن بــن أوس املــزين‪edition, Beirut, Lebanon, Dar Al-Kotob ،‬‬
‫‪Al-Ilmiyah.‬‬ ‫الطبعــة األوىل‪ ،‬بغــداد‪ ،‬مطبعــة دار اجلاحــظ‪.‬‬
‫‪.24‬الميــة العــرب‪ :‬نشــيد الصحــراء لشــاعر األزد ‪5. Altabrizi, Abu Zakaria Yahya bin Ali‬‬
‫(الشــنفرى)‪1985 ،‬م‪ ،‬بــروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬منشــورات دار ‪Al-Shaibani, n.d., Explanation of the Fa-‬‬
‫‪vorites, (Section One), verified by Ali Mo-‬‬
‫مكتبــة احليــاة‪.‬‬
‫‪hammad Albajawi, n,d., Nahdet Misr Pub-‬‬
‫‪lishing House.‬‬ ‫‪.25‬جلنــة مــن األســاتذة باألقطــار العربيــة‪1969 ،‬م‪،‬‬

‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬ ‫‪146‬‬


‫ م‬٢٠٢٢ ‫ يونيو‬- ‫ هـ‬١٤٤٣ ‫) ذو القعدة‬٢٧( ‫العدد‬، ‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية‬

Dr. Emile Badi' Yacoub, first edition, Bei- 6. Hefni, Abdulhalim, 1981 AD, Lamiyyat
rut, Lebanon, Dar Al-Kitab Al-Arabi. Alarab by Alshanfari, Jamamis, Arts Li-
14. Sabri, Mohammad, 1942 AD, Al-Sha- brary and Press.
wamikh, "Pre-Islamic Poetry: Its Charac- 7. Hefni, Abdulhalim, 1987 AD, The Poet-
teristics and Scholars", n.ed, Dar Al-Kutub ry of the Wretches, Its Approach and Char-
Al-Ilmiyyah. acteristics, The General Egyptian Book
15. Safadi, Mutaa, and Elia Hawi, 1974 Authority.
AD, Encyclopedia of Arabic Poetry (1) 8. Alkhalidian, Abu Bakr Mohammad, and
Pre-Islamic Poetry, supervised by Dr. Khal-Abu Othman Saeed Ibna Hashim, 1965
il Hawi, n.ed, Beirut, Lebanon, Khayat AD, The Book of Alashbah and Alnazha'er
Books and Publishing Company. from the Poems of the Predecessors, the
16. Alsayasenah, Mustafa Eid, 1415 AH Pre-Islamic and the Veterans, verified and
= 1995 AD, Alshanfari Alazdi, Prince of commented on by Dr. Alsayyed. Moham-
Wretched Poets, first edition, Riyadh, Dar mad Youssof, n.ed., Beirut, Lebanon, Dar
Almi'raj for Publishing. Al-Sham for Heritage.

17. Aldhab’e, Almutalmis, 1390 AH = 9. Khulaif, Youssef, 1978 AD, Wretching


1970 AD, Diwan Almutalmis Aldhab’e, Poets in the Pre-Islamic era, third edition,
verified, explained and commented on by Cairo, Dar El Maaref Liberary.
Hassan Kamel Alsairafi, n,ed, Cairo, Insti- 10. Alzamakhshari, 1399 A.H., “The Most
tute of Arabic Manuscripts. Amazing Astonishment in the Explanation
18. Alta’i, Hatem, 1406 AH = 1986 AD, of Lameyyat Alarab” (Kamaliyyah Letters
Diwan Hatim Alta’i, explained and pref- Collection No. 11), second edition, Cairo,
aced by: Ahmad Rashad, first edition, Bei- Al-Maaref Library.
rut, Lebanon, Dar Al-Kotob Al-Ilmiyya. 11. Shaddad, Antarah, 1417 AH = 1996
19. Abdul Jaber, Saud Mahmoud (Study AD, Diwan Antara, verified by: Moham-
and Verification), 1404 AH = 1984 AD, mad Saeed Mawlawi, third edition, Ri-
Poetry of Alzabarqan bin Badr and Amr yadh, Saudi Arabia, Dar Alam Al-Kutub
bin Alahtam, first edition, Beirut, Al-Resa- for Printing, Publishing and Distribution.
lah Foundation. 12. Alshantamari, Abul-Hajjaj Yousof,
20. Al'akbri, Abul Baqaa Abdullah bin Al- 1425 AH = 2004 AD, Explanation of Di-
hussein, 1403 AH = 1983 AD, Explanation wan Abi Tammam, verified by Ibrahim Na-
of Lamiyyat Alarab, first edition, Beirut, den, first edition, Publications of the Min-
New Horizons publications. istry of Endowments and Islamic Affairs.

21. Alqadi, Mohammad Abdulhakim, et 13. Alshanfari, 1411 AH = 1991 AD, Di-
al., 1989 AD, Achieving the goals in ex- wan Alshanfari "Amr bin Malik about 70
plaining Lamiyyat Alarab, first edition, BH", compiled, verified and explained by

147 ‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬


‫ م‬٢٠٢٢ ‫ يونيو‬- ‫ هـ‬١٤٤٣ ‫) ذو القعدة‬٢٧( ‫العدد‬، ‫مجلة العلوم اإلنسانية و اإلدارية‬

Cairo, Dar al-Hadith.


22. Qais, Maymoon, Diwan Ala'sha Alka-
beer, 1407 AH = 1987 AD, explained and
prefaced by Mahdi Mohammad Nasir-
uldin, first edition, Beirut, Lebanon, Dar
Al-Kotob Al-Ilmiyah.
23. Alqaisi, Nouri Hamoudi, and Hatem
Salih Aldhamin, 1977 AD, Diwan Ma'an
bin Aws Almuzni, first edition, Baghdad,
Dar Al-Jahiz Press.
24. Lamiyyat Alarab: The Anthem of the
Desert by the poet of Alazd (Al-Shanfari),
1985 AD, Beirut, Lebanon, Al-Hayat Li-
brary Publications.
25. A Group of Professors in Arab Coun-
tries, 1969 AD, Synopsis in Arabic Liter-
ature and its History (Pre-Islamic Litera-
ture), n.ed, Lebanon, Dar Al Maaref.
26. Almaidani, Abulfadhl Ahmad bin
Mohammad Alnaisaburi Amaidani, n.d.,
Alamthal, n.ed., Beirut, Lebanon, Dar
Al-Kotob Al-Ilmiyah.
27. Nouruldin, Hassan Ja'afar, 1428 AH
= 2007 AD, Encyclopedia of Wrenching
poets (Evaluating Wretchness and Wretch-
ing poetry), n.ed, Beirut, Lebanon, Rashad
Press for Printing, Publishing and Distri-
bution.

‫مالمح الصعلوك يف المية العرب‬ 148

You might also like