Professional Documents
Culture Documents
• قد يتضح للقاضي عند تطبيقه للقانون األجنبي المعين بموجب قاعـدة التنازع الوطنية أنه يتضمن
مقتضيات تتعارض مع المبادئ والمثل الجوهرية في مجتمعه ،ومن ثمة يرفض تطبيقه ،فإذا كان
من الطبيعي ضرورة تقبل بعض المؤسسات القانونية التي تعترف بها القوانين األجنبية ،والتي
تأمر قاعدة اإلسناد بتطبيقها ،فإنه مع ذلك توجد حدود للرضوخ لهذا األمر ،فالدفع بالنظام العام
هو وسيلة استثنائية واحتياطية تسمح للقاضي الوطني باستبعاد القانون األجنبي الذي عينتـه قاعدة
اإلسناد الوطنية لحكم المنازعة الخاصة الدولية الصطدامه باألسس الجوهرية لنظام المجتمع.
• وهذه الفكرة لم تكن في واقع األمر غريبة عن القانون الدولي الخاص ،ألنها وجدت منذ العصور
الوسطى عندما فرق الفقيه األلماني Bartoleما بين األحوال المستهجنة واألحوال المستحسنة،
بحيث ال يكون لألولى أي أثر خارج إقليم البلد الذي أصدرها ،أما الثانية فإنها تمتد خارج اإلقليم
وتصاحب الشخص أينما حل وارتحل .وكذلك تحدث الفقيه الفرنسي Boulierعما أسماه
بالقوانين غير المألوفة أو غير العادلة والتي اليمتد تطبيقها خارج حدود اإلقليم ،غير أن أول من
وضح فكرة النظام العام كما هي مقصودة هنا هو الفقيه األلماني Savinyوذلك عندما تحدث عن
فكرة االشتراك القانوني.
• ومن خالل ما سبق يتضح بأن الدفع بالنظام العام هو وسيلة لحماية المجتمع من تطبيق بـعـض
الـقـوانين األجنبية أمام محاكمها لكونها مخالفة لألسس القـانـونـيـة الـرئيسية السائدة في المجتمع،
وذلك بالرغم من أن هذا القانون األجنبي قد تبت له االختصاص أصال بموجب قاعدة اإلسناد
الوطنية بحكم المسألة المطروحة
• البد من اإلشارة أوال أن الدفع بالنظام العام ما هو إال وسيلة استثنائية ال يتم اللجوء إليها إال في
حدود ضيقة ،وإذا اتضح فعال بأن األسس الجوهرية التي يقوم عليها المجتمع في بلد القاضي
مهددة .ولذلك فإنه ال يجب أن تتخذ في كل وقت وحين ذريعة لتعطيل تطبيق أحكام قاعدة اإلسناد
الوطنية التي حددت القانون المناسب لحكم المنازعة المطروحة
• ماهي غايات و اهداف اللجوء الى هذه الوسيلة ؟
• فقد يكون الهدف هو استبعاد كافة القوانين االجنبية التي ال تقرر حلوال عادلة أو تكون مخالفة للحد
األدنى من مبادئ القانون الطبيعي .كالقوانين التي تحرم الشخص من التمتع بحقوق معنية ألسباب
عرقية أو عنصرية أو القوانين التي تسمح بالمس بحرية األفراد و آدميتهم كقوانين االسترقاق ،
على الرغم من أن تحديد ما قد يعتبر عادال أو غير عادل تظل مسألة نسبية ،فمحكمة النقض
الفرنسية قـررت في إحدى قراراتهـا بتاريخ 25ماي 1948بأن «مبادئ العدالة العالمية تعتبر
حسب المنظور الفرنسي ذات قيمة دولية مطلقة»
• ويسعى الدفع بالنظام العام كذلك إلى حماية المبادئ ،التي وإن كانت التكتسي ،صبغة دولية
مطلقة ،فإنها تشكل مع ذلك األسس السياسية أو اإلجتماعية للحضارة الوطنية .فعدم االعتراف
بالبنوة الطبيعية يعد من األسس الجوهرية التي تقوم عليها المجتمعات اإلسالمية ،ولذلك يتعين
استبعاد كل القوانين التي تعترف بها
وقد تتمثل إحـدى غـايـات هـذه الـوسيـلـة فـي حمـايـة السياسة التشريعية الوطنية ومن ثمة تستبعـد مـن التطبيق ،كـل •
القـوانـين األجنبيـة التي تتعارض معها
وهناك مـن يـرى بأن التعارض مع مبادئ العـدالـة الـدولية أو المبادئ المتعارف عليها في األمم المتحضرة قد يكون •
معيارا لتدخل فكرة النظام العام وبالتالي استبعاد القانون األجنبي .أو إذا كان يتعارض مع مبادئ القانون الطبيعي أو
يهدر الحقوق الطبيعية لإلنسان –
فاستبعاد تطبيق القانون األجنبي النتفاء «االشتراك القانوني » حسب تعبير سافيني بينه وبين القانون الوطني قد يرجع •
لسببين :
استحالة تطبيق القانون األجنبي بسبب عدم المالءمة L'inopportunitéألنه يتضمن مؤسسات تتعارض مع •
األسس القانونية الرئيسية السائدة في دولة القاضي والمستمدة من الشعور العام للجماعة الوطنية .كأن يكون متضمنا
قواعد تجيز اإلعتراف بأبناء الزنا أو يجيز زواج المتعة أو غير ذلك.
• استحالة تطبيق القانون األجنبي العتبارات تتعلق بالمؤسسات القانونيـة في هذا القانون ،كما لو تضمـن نـظـمـا
قـانـونـيـة مرتبطة بالمسألة محل النزاع ويجهلها قانون القاضي .وهذا ما يطلق عليه الفقه بوجود استحالة تقنية
ومن كل هذا يتضح بأن الدفع بالنظام العام يجد مجاله وإطاره في انتفاء االشتراك القانوني أي •
عدم توفر حد أدنى من التقارب في المبادئ واألسس القانونية التي يتضمنها قانون القاضي
والقانون األجنبي بخصوص النزاع المطروح.
يترتب على إعمال وسيلة الدفع بالنظام العام أثران : •
تاأثر سلبي :يتمثـل فـي استبعاد أحكام القانـون استبعادا كليا أو جزئيا •
أثر إيجابي :يتمثل في ثبوت االختصاص لقانون القاضي ،وذلك لسد الفراغ التشريعي الناجم عن •
استبعاد الـقـانـون األجنبي
بعض التطبيقات للدفع بالنظام العام
• نشرت مجلة المحاكم المغربية ،التي تصدر عن هيئة المحامين بالدار البيضاء في العدد المزدوج ،78-77
ص 103حكما للغرفة الشرعية بمحكمة االستئناف بالدار البيضاء ،يحمل رقم ،1381بتاريخ 6يوليوز
،1994في الملف عدد 107 93/2.تتلخص وقائع النازلة التي صدر في شأنها في أن رجال ينتسب إلى
الجنسية اإليطالية ،متزوج من امرأة كانت تحمل الجنسية اإلسبانية ،ونتيجة زواجها منه باتت تنتمي مثله
إلى الجنسية اإليطالية؛ غير أن الزوج اعتنق الديانة اإلسالمية ،واقترح على زوجته أن تفعل مثل ما فعل،
إال أنها رفضت ،ومن ثم أقام دعوى ،لدى المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ،يطلب فيها فسخ الزواج
الرابط بينه وبين زوجته ،اعتقادا منه بأن العالقة الزوجية التي تربطه بالمدعى عليها ،والزواج الذي ربطه
بها هو واج فاسد ،منذ اعتناقه اإلسالم ...وأنه ال تربطهما أية عالقة زوجية صحيحة منذ فاتح نونبر
"1991أي تاريخ اعتناقه الدين اإلسالمي ،وهيالدعوى التي نظرت فيها المحكمة االبتدائية المذكورة،
وأصدرت فيها الحكم رقم ،724المؤرخ في فاتح أبريل ،1993الذي طعن فيه المدعي أمام محكمة
االستئناف التي أصدرت بشأنه القرار المشار اليه
مفهوم األثر المخفف للنظام العام.
• ظهرت فكرة األثر المخفف للنظام العام في الفقه األوربي ،ولقيت اهتماما كبيرا من طرف الفقه
الفرنسي ،والذي دعم هذه الفكرة بمعية القضاء الفرنسي بعدة مبررات.
مضمون فكرة األثر المخفف للنظام العام. •
• يميز االتجاه الغالب في الفقه والقضاء في فرنسا في مجال إعمال الدفع بالنظام العام بين مرحلة
إنشاء حق داخل دولة القاضي ،ومرحلة االحتجاج في هذا البلد بآثار حق أكتسب في الخارج .ففي
المرحلة األولى يبحث القاضي إذا كان إنشاء الحـق فـي بلـده يتعارض مع النظام العام فيها أم ال،
فينتج النظام العام هنا كامل آثاره ،فإذا كان القانون األجنبي يمنع أمر ما خالفا ً للنظام العام في
قانون القاضي ،أو على العكس من ذلك إذا كان القانون األجنبي يجيز إنشاء حق خالفا ً للنظام
العام في قانون القاضي ،ففي هاتين الحالتين يستبعد القانون األجنبي ويحل محله قانون القاضي
فيحكم هذا األخير العالقة القانونية بدالً من األول .
• بمعنى ان النظام العام ينتج كامل آثاره اإليجابية والسلبية في مرحلة إنشاء الحقوق .مثال إذا
عرضت على القاضي المغربي دعوى طالق رفعها زوج مسلم على زوجته ،وتبين أن القانون
الواجب التطبيق على هذا النزاع بموجب قواعد إلسناد في القانون المغربي هو قانون دولة ال
يجيز قانونها الطالق ،وهو ما يتعارض مع النظام العام في المغرب ،وبالتالي يستبعد تطبيق
القانون األجنبي و يطبق مكانه القانون المغربي الذي يجيز الطالق في هذه الحالة.
• أما في الحالة الثانية ،فيتم االحتجاج في دولة القاضي ،بآثار حق نشأ في الخارج مخالف للنظام
العام في بلد القاضي .فيبحث القاضي هنا فقط ما إذا كان التمسك بآثار الحق الذي أكتسب في
الخارج يتعارض مع النظام العام في بلد القاضي.
• فالنظام العام ال يتم إعماله بنفس الدرجة في الحالتين ،فحين يراد إنشاء مركز قانوني ابتداء
داخل دولة القاضي ،ينتج النظام العام كامل آثاره ،أما إذا اريد التمسك في بلد القاضي بآثار حق
نشأ في الخارج ال يعتبر نفاذه حتما ً مخالفا للنظام العام ،فيكون أثر الدفع بالنظام العام مخففا ً
()effet attenue
ماهي مبررات االعتداد بنظرية الدفع بالنظام العام المخفف ؟
• المبرر االول :يبرر البعض األثر المخفف للنظام العام هنا بأن الحق الذي نشأ في الخارج وأريد
التمسك بآثاره في بلد القاضي ال يعتبر نفاذه متعارض مع النظام العام ،وذلك عندما يكون
التعارض بين القانون األجنبي والنظام العام في بلد القاضي في مرحلة إنشاء الحق يرجع
لتعارض اإلجراءات أو الظروف الواجب توافرها إلنشاء الحق مع النظام العام ،فإذا نشأ الحق
في الخارج وفقا ً للظروف واإلجراءات المتطلبة في البلد الذي نشأ فيه ،وأريد التمسك به في بلد
القاضي ،لما وجد أي مبرر يحرك الدفع بالنظام العام.
• المبرر الثاني :ويضيف الفقيه الفرنسي باتيفول ( )BATIFFOLتبريرا لفكرة المخفف للنظام
العام بأن هذا األخير يستند على فكرة الحقوق المكتسبة ،يرى بناء على ذلك بأن االعتراف في
فرنسا بآثار الحق المكتسب في الـخارج يعتبر أقل اصطداما مع المفاهيم الفرنسية بالمقارنة مع
إنشاء الحق نفسه فرنسا.
فيما يتعلق بالبنوة الطبيعية ،قبل تعديل المادة 40 :من القانون المدني الفرنسـي ،كـان ال يجوز •
رفع هذه الدعوى في فرنسا لمخالفتها للنظام العام الفرنسي ،لكن القضاء الفرنسي كان يعترف
بآثار البنوةمتی رفعت دعوى البنوة في الخارج .
-كما أمر القضاء الفرنسي بتنفيذ حكـم أجنبـي بـالتطليق بتراضي الزوجين وفقا ً لما يقضي به •
قانون جنسية الزوج ،وإن هذا النوع من الطالق غير جائز في القانون .
-اعترف القضاء الفرنسي بآثار الزواج الثاني إذا تم صحيحا ً في الخارج ،رغم كون مبدأ •
الزوجة الواحدة يعتبر من النظام العام في فرنسا ومن مبادئ الحضارة الفرنسية.
وهكذا اضطرت المحاكم الفرنسية إلى تلطيف مفهوم النظام العام في مواجهة نظام تعدد •
الزوجات ،فاعترفت بآثاره كلما نشأ خارج فرنسا مراعاة للقانون األجنبي الذي نشأ في ظله،
فاعترفت بحق الزوجة في النفقة وبحقها في الميراث ،وبغيرها من اآلثار.
• ففي قضيـة « » Chemouniوهو يهـودي تونسي كـان قـد تـزوج سنة ،1940ثم بعد ذلك اتخذ زوجة ثانية له سنة
1945بتونس ،ثم انتقل مع عائلته المكونة من الزوجتين واألطفال لالستقرار بفرنسا وهناك تخلى الزوج عن زوجته
الثانية ليعود للعيش فقط مع الزوجة األولى .فطالبتـه الزوجة الثانيـة بالنفقة لهـا وألطفالها ،فحكمت لـهـا مـحـكـمـة «
» La seineسنة 1952بذلك ،و أن نفس المحكمة سترفض لها هذا الحق إثر طلب المراجعة الذي تقدمت به سنة
1955وذلك على أساس أن إعالة الزوجة الثانية غير معترف به في فرنسا وأنه مخالف للنظام العام ،غير أن محكمة
النقض ستنقض هذا القرار بدعوى من األمر يتعلق بزواج ثان أبرم في الخارج (في تونس) حسب قانون األحوال
الشخصية الذي كان ساريا آنذاك .لذلك فإنه ال يجب أن يكون النظام العام عائقا أمام طلب مشروع ،فقضت محكمة
فرساي بالنفقة لصالح الزوجة باعتبار أن النظام الـعـام الـفـرنسي ال يتعارض وتطبيق التزام طبيعي كالنفقة على الزوجة
واألطفال وهو ما تعترف به جميع شرائع األمم .وقد حاول » Chermouniبعد ذلك التملص من هذا الحكم بعد
اكتسابه الجنسية الفرنسية لكنه لم يتوفق في ذلك .فالقضاء الفرنسي يميز فيما يتعلق بالزواج بين اآلثار المادية كالنفقة
مثال واآلثار الشخصية.