You are on page 1of 4

‫مقدمة‬

‫مقدمة‬

‫إن اإلنسان ال يستطيع أن يعيش متجردا من حقوقه اليت كفلها اهلل عز و جل له منذ بدء اخللق‪،‬‬
‫و هذه احلقوق منها ما هو مشرتك بينه و بني من يعيش بينهم‪ ،‬و منها ما يستقل هبا كاحلق يف محاية‬
‫احلياة الشخصية‪ ،‬فهو أحد احلقوق املالزمة حلياة األفراد و املتصلة بشخصيتهم‪ ،‬فإمجاال معناه أن يعيش‬
‫اإلنسان حياته دون تدخل خارجي‪.1‬‬

‫وقد عنت التشريعات القدمية بإقرار احلق يف محاية احلياة الشخصية هبدف صيانة الفرد يف مسكنه‬
‫ومحاية أس راره وكذا التش ريعات الس ماوية كاليهودية و املسيحية اليت عرفت ه دا احلق من خالل ما‬
‫ج اء يف الس فر التك وين عن د اليهودي ة‪ ،‬أم ا يف التش ريع اإلس المي فق د ج اءت تل ك اآلي ات القرآني ة‬
‫مؤكدة على تقديس هذا احلق و جعله حقا حيرم مساسه‪ ،2‬فقد ذكر القرآن الكرمي قداسة اإلنسان و‬
‫كرامته يف قوله‪ ":‬و لقد كرمنا بين آدم و محلناهم يف الرب و البحر و رزقناهم من الطيبات وفضلناهم‬
‫على كث ري ممن خلقن ا تفض يال "‪ ،3‬كم ا ج اء النهي عن التجس س و التلص ص و أخ ذ األخب ار و تتب ع‬
‫الع ورات و األخط اء يف قول ه تع اىل‪ .... ":‬وال جتسس وا و ال يغتب بعض كم بعض ا أحيب أح دكم أن‬
‫يأكل حلم أخيه ميتا فكرهتموه"‪.4‬‬

‫بي د أن التط ور احلاص ل يف الع امل نتيج ة التع دد الس كاين و إنتش ار املعلوم ات إض افة إىل التط ور‬
‫العلمي و التكنولوجي جعل من فكرة احلق يف حرمة احلياة اخلاصة ال تقتصر على محاية املسكن فقط‬
‫بل تعداها إىل جوانب أخرى‪ ،‬و بالتايل أصبح جمال دراسة العديد من الفقهاء و رجال القانون و كذا‬

‫‪1‬جالد سليم ‪ ،‬احلق يف اخلصوصية بني الضمانات و الضوابط يف التشريع اجلزائري و الفقه اإلسالمي‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستري‬
‫يف الشريعة والقانون‪ ،‬ختصص حقوق اإلنسان‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية و احلضارة اإلسالمية ‪ ،‬قسم العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة وهران‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص‪.04‬‬
‫‪2‬خلف اهلل زهرة ‪ ،‬احلماية اجلنائية عن إنتهاك حرمة احلق يف احلياة اخلاصة‪ ،‬مذكرة مقدمة ضمن متطلبات نيل شهادة املاسرت يف‬
‫احلقوق‪ ،‬ختصص علم اإلجرام‪ ،‬كلية احلقوق و العلوم السياسية‪ ،‬جامعة الدكتور موالي الطاهر‪ ،‬سعيدة‪،2017 ،‬ص‪02.‬‬
‫سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.70‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬


‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫املؤمترات و التشريعات املقارنة‪ ،‬مبا فيها التشريع اجلزائري الرامية إىل إجياد حلول و طرق حلماية هدا‬
‫احلق‪.1‬‬

‫أهمية الموضوع‪ :‬تتجلى أمهية املوضوع من خالل املكانة اليت حيتلها ضمن شخصية اإلنسان‪،‬‬
‫و العالقة اليت تربطه باحلقوق الشخصية و احلريات املعنوية‪ ،‬لذلك كان لزاما اإلعرتاف به و محايته‪،‬‬
‫إضافة إىل الطبيعة املزدوجة اليت يتمتع هبا جلمعه بني اجلانب املادي و املعنوي للشخصية‪ ،‬و اخلصائص‬
‫اليت ينفرد هبا عن باقي احلقوق األخرى‪.‬‬

‫اإلهتم ام املتزاي د هبذا املوض وع س واء على املس توى ال دويل أو ال داخلي‪ ،‬و النص وص القانوني ة‬
‫اجلديدة و التعديالت اهلامة اليت جاءت جلها مرتبطة به‪.‬‬

‫و مل يقف عند هذا احلد بل إعترب محاية احلق يف احلياة الشخصية من الواجبات املفروضة على‬
‫املواطن‪ ،‬حيث ألزم األفراد مبوجب أحكام الدستور على ضرورة احملافظة على احلياة اخلاصة لألفراد و‬
‫ذلك بسرتها و حفظها عند ممارستهم و متتعهم حبقوقهم األخرى‪.‬‬

‫تأثره الشديد باإلنعكاسات اليت أفرزها التطور العلمي لوسائل النشر و اإلعالم ‪ ،‬و ظهور تقنية‬
‫املعلومات‪ ،‬و ما صاحب كل هذا التطور من هتديد خطري للعديد من عناصره كاملكاملات اهلاتفية‪ ،‬مما‬
‫ساهم يف إثارته بشكل حاد و بصورة خاصة إلجياد محاية تتوافق مع موع اإلنتهاك و دلرجة اخلطورة‪.‬‬

‫أسباب اختيار الموضوع‪:‬‬

‫األس&&باب الذاتي&&ة‪&:‬إهتمامي الشخصي و ميويل و رغبيت هلدا املوضوع‪ ،‬من خالل ما الحظته و‬
‫وقفت عليه من اعتداء أو مساس خطري حبرمة احلياة الشخصية لألفراد‪.‬‬

‫‪ 1‬محفوظي& إبتسام‪ ،‬رداد يسرى‪ ،‬محاية احلق يف اخلصوصية يف التشريع اجلنائي‪ ،‬مذكرة مكملة ملتطلبات نيل شهادة املاسرت يف‬
‫القانون‪ ،‬كلية احلقوق و العلوم السياسية‪ ،‬جامعة ‪ 08‬ماي ‪ ،1945‬قاملة‪ ،2019 ،‬ص‪.01‬‬
‫‪2‬‬
‫مقدمة‬

‫ه ذا املوض وع ح ديث الدراس ة‪ ،‬و ذل ك لتزامن ه م ع ظه ور الوس ائل العلمي ة‪ ،‬و ق د إرتأين ا أن‬
‫نساهم جبزء يسري يف إثراء الثقافة القانونية يف هذا اجملال‪.‬‬

‫الرغب ة يف معرف ة م دى مس اس بعض إج راءات التح ري و التحقي ق باحلي اة الشخص ية لألف راد و‬
‫الضمانات اليت قررها املشرع يف سبيل محايتها‪.‬‬

‫األسباب& الموضوعية‪ :‬حماولة معرفة ما إذا كانت األحكام اليت وضعها املشرع اجلزائري كافة‬
‫لصد هذه اجلرمية املاسة باإلنسان‪.‬‬

‫معرف ة مص ري خصوص يات الف رد ال يت ب اتت معلق ة بني حري ة ممارس ته احقوق ه و حريات ه و بني‬
‫خوفه من إطالع الغري عليها‪.‬‬

‫تعرض احلياة اخلاصة لألفراد إىل كثري من اإلعتداءات و اإلنتهاكات يف اآلونة األخرية‪.‬‬

‫أهداف الموضوع‪ :‬إن الغاية من هذا املوضوع هي البحث عن محاية قانونية حلرمة حياة الفرد‬
‫اخلاصة‪ ،‬مادامت مهمة القانون هي محاية الفرد فإن محاية الفرد ال تقتصر على كيانه املادي بل متتد‬
‫لتشمل كيانه املعنوي من جهة‪ ،‬و من جهة أخرى ال بد من اإلعرتاف حبقوق جديدة ملواجهة التغريات‬
‫اإلجتماعية و اإلقتصادية و السياسية‪.‬‬

‫حتديد مضمون احلق يف احلياة اخلاصة يف القانون اجلزائري برسم نطاقه يف ظل تعدد املظاهر املكونة له‪.‬‬

‫إبراز طبيعة احلماية اليت رصدها املشرع اجلزائري للحق يف احلياة اخلاصة للتصدي للتهديدات‬
‫اليت فرضها التقدم العلمي و التكنولوجي لوسائل اإلعالم و اإلتصال يف األماكن العامة و اخلاصة‪ ،‬و‬
‫التجسس على املكاملات‪.‬‬

‫تقدير مدى كفالة اإلستثناءات اليت إستحدثها قانون اإلجراءات اجلزائية لتقيد احلياة اخلاصة يف‬
‫مكافحة اجلرمية و محاية الصاحل العام و تفحص مدى شرعيتها يف احملافظة عليه‪ ،‬خاصة أنه من احلقوق‬
‫الدستورية اليت تطرح اجلدل القانوين حول مدى خضوعها للوسائل التقنية و التكنولوجية احلديثة يف‬
‫مسائل التحقيق القضاين و اإلثبات اجلنائي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫مقدمة‬

‫كم ا يكمن اهلدف من حبث موض وع محاي ة احلق يف احلي اة الشخص ية يف الق انون اجلزائ ري يف‬
‫حتدي د ال دافع الرئيس ي وراء التب اين يف املواق ف يف العدي د من احملاور املكون ة ل ه‪ ،‬بداي ة باجلدل ح ول‬
‫إستقالله القانوين‪ ،‬وكذا اإلختالف حول تعريفه بعدم اإلمجاع على تعريف جامع مانع له‪.‬‬

‫إستقراء النصوص القانونية اليت تقررت حلماية احلريات األساسية و احلقوق املالزمة للشخصية‬
‫بشكل عام‪ ،‬إلبراز الضمانات اليت تضمن كفالة احلق يف احلياة الشخصية و حتديد طبيعتها‪.‬‬

‫المنهج المتب& & &&ع‪ :‬إعتم دنا يف ه ذه الدراس ة على املنهج التحليلي كمنهج أساس ي‪ ،‬و ذل ك‬
‫بإستقراء النصوص القانونية املكرسة للحق يف محاية احلياة الشخصية‪ ،‬مستعينني يف ذلك باملنهج املقارن‬
‫يف بعض احلاالت لدراسة الفوارق بني القانون اجلزائري و القانون املصري و الفرنسي‪.‬‬

‫صياغة اإلشكالية‪ :‬هل حتظى احلياة الشخصية باحلماية الالزمة يف القانون اجلزائري ؟‬

‫و ما مدى كفاية هده احلماية يف ظل التهديدات و املخاطر اليت أفرزها التطور العلمي‪ ،‬و التمتع‬
‫باحلقوق و احلريات األخرى و مكافحة اجلرمية؟‬

‫الخطة‪:‬قد مت دراسة موضوع احلماية القانونية للحياة الشخصية يف القانون اجلزائري وفق خطة‬
‫منهجية مقسمة إىل فصلني على النحو التايل‪:‬‬

‫تناولنا يف الفصل األول اإلطار املفاهيمي للحق يف محاية احلياة الشخصية‪ ،‬و قسمته إىل مبحثني‬
‫األول تعرضت فيه إىل ماهية احلق يف محاية احلياة الشخصية ‪ ،‬أما املبحث الثاين عاجلت فيه مظاهر احلق‬
‫يف محاية احلياة الشخصية و خصائصه‪.‬‬

‫أما الفصل الثاين فقد خصصته لدراسة صور احلماية القانونية للحياة الشخصية‪ ،‬و قد قسمت‬
‫هدا الفص ل إىل مبحثني األول تعرضت فيه إىل احلماية املدنية للحق يف احلياة الشخصية‪ ،‬أما املبحث‬
‫الثاين تناولنا فيه احلماية اجلنائية للحق يف احلياة الشخصية‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like