Professional Documents
Culture Documents
الدور الجديد لصندوق النقد الدولي في ظل الازمات المالية و الاقتصادية
الدور الجديد لصندوق النقد الدولي في ظل الازمات المالية و الاقتصادية
عز وجل أن يرحمهما برحمتهإلى أغلى مافقدت أبي وأمي ،أسأل هللا ّ
الواسعة ،وأن يسكنهما فسيح جناته وأن يجمعني بهما في مقعد صدق عند
مليك مقتدر.
إلى زوجي ،وأوالدي ،وإخوتي ،وأخواتي.
شكر وعرفان
الحمد والشكر كله هلل على توفيقه ،حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ،ملء السموات
واألرض ،وملء ما بينهما وملء ما شاء بعد.
إن شكر هللا يستوجب في إثره شكر أستاذي المشرف :أ.د لخضر مرغاد الذي شرفني
وتفضل علي بقبوله اإلشراف على أطروحتي ،ولم يبخل علي بتوجيهاته القيمة ونصائحه
السديدة .والشكر موصول إلى أعضاء لجنة المناقشة على تفضلهم بقبول المشاركة في
مناقشة هذا البحث وتقييمه.
كما أتوجه بجزيل الشكر إلى الصديقة العزيزة الدكتورة ليلى شيخة ،والزميلين:
الدكتور اسماعيل جوامع و الدكتور ميلود بوعبيد على مساندتهم ودعمهم المعنوي.
:الملخص
لهذا عمدت على إجراء تحليل.هدفت هذه الدراسة إلى تقييم دور صندوق النقد الدولي في مجال إدارة األزمات المالية ومنعها
متعمق ألدوار صندوق النقد الدولي في العديد من األزمات المالية التي أثرت على العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم في أماكن
، وقد كان هناك اهتمام خاص بتدخل صندوق النقد الدولي في أزمة المديونية في الثمانينيات.مثل أمريكا الالتينية وآسيا وأوروبا
بالتركيز على8002 والركود االقتصادي العالمي لعام، وأزمة الديون السيادية األوروبية، وأزمة األرجنتين،واألزمة المالية اآلسيوية
وتحديد المجاالت، ومناقشة وتقييم اإلصالحات والتغييرات األخيرة التي أحدثها الصندوق8002 الدور الجديد الذي أنيط به عقب أزمة
.التي ال تزال بحاجة إلى التحسين واقتراح الحلول
توصلت هذه الدراسة إلى أنه على الرغم من اإلصالحات الواسعة التي أنجزها صندوق النقد الدولي منذ األزمة العالمية فهناك
فال يزال ينظر إليه باعتباره.حاجة إلى المزيد من اإلصالحات الجذرية ليتمكن من الحفاظ على االستقرار االقتصادي والمالي العالمي
أ.م. بسبب هيمنة الو،متحيزا ضد االقتصادات النامية فهو يعمل لصالح االقتصادات الرأسمالية المتقدمة على حساب األولى
كما أن مشروطيته المكثفة والمفرطة التدخل من شأنها أن تقوض من دوره في.واالقتصادات المتقدمة األخرى على حوكمة الصندوق
.مساعدة البلدان للحد من التعرض لألزمات وتسوية ما يقع منها في المستقبل
ليصبح مؤسسة عالمية تتسم بالعدالة وتراعي،تقترح هذه الدراسة ضرورة إجراء إصالح جذري ورسم مسار جديد للصندوق
تختلف تماما عن الرؤى الوضعية، وهذا يتطلب رؤية جديدة أكثر عدالة وأكثر تعاونا.مصالح بلدان العالم أجمع بشقيه المتقدم والنامي
.التي فشلت في إقامة نظام اقتصادي عالمي يتسم بالعدالة والكفاءة واالستقرار
; دور جديد ; عدالة ; تعاون8002 صندوق النقد الدولي ; أزمة:الكلمات المفتاحية
Abstract :
This study aimed to assess the role of the IMF in the management and prevention of
financial crises. This study entailed an in-depth analysis of the roles of International Monetary
Fund (IMF) in several financial crises that have affected numerous countries across the globe
in places such as Latin America, Asia, and Europe. Specific attention was on the IMF's
intervention on the Debt Crisis of the 1980s , the Asian Financial Crisis, the Argentina Crisis,
the European sovereign debt crisis, and the 2008 Global Economic Recession. Focusing on
the new role assigned to it following the 2008 crisis, and relaunch the debate by assessing
the recent reforms and changes, identifying areas where progress is still needed and
proposing solutions
Our findings suggest that, while much reforms has been accomplished by the Fund
since the global crisis, there is still a need for further reforms to maintain global economic
and financial stability, where continue to perceive the IMF as biased against developing
economies, it works for advanced capitalist economies at the expense of developing
countries, because of the dominance of the United States and other developed economies in
the governance of the Fund. And its extensive conditionality undermining its role in assisting
countries to reduce vulnerability to crises and to settlement of future crises.
This study suggests the need for radical reform and a new path for the IMF, to become
a global institution that is fair and taking into account the interests of developed and
developing countries. It will require that a new vision of fairer and more cooperative, this
vision is quite different from other visions (capitalism & socialism) that failed to establish a just,
efficient and stable global economic system.
key words : International Monetary Fund; The 2008 crisis; New role; Justice; cooperation
الفهرس العام
الفصل األول :اإلطار المفاهيمي والفكري ألزمات النظام االقتصادي الرأسمالي
فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
شكر..... .....................................................................................................
اإلهداء ..... ..................................................................................................
ملخص الدراسة..... ...........................................................................................
فهرس الموضوعاتi ........................................................................................
فهرس الجداول v ...........................................................................................
فهرس األشكال vi ..........................................................................................
000 المقدمة
إشكالية الدراسة000 ...........................................................................................
فرضيات الدراسة 000..........................................................................................
أهمية الدراسة005 ...............................................................................................
أهداف الدراسة005..............................................................................................
منهج الدراسة006................................................................................................
هيكل الدراسة007................................................................................................
الدراسات السابقة 007 .........................................................................................
الفصل األول
000 اإلطار المفاهيمي والفكري ألزمات النظام االقتصادي الرأسمالي
المبحث األول :التأصيل التاريخي لتطور النظام االقتصادي الرأسمالي 000 ...................................
المطلب األول :أسس النظام الرأسمالي وثوابته000. ................................................................
المطلب الثاني :المراحل التاريخية لتطور النظام االقتصادي الرأسمالي018. ..................................
المطلب الثالث :المرجعية الفكرية للنظام االقتصادي الرأسمالي030. ............................................
المبحث الثاني :اإلطار المفاهيمي لألزمات المالية واالقتصادية 040 ...........................................
المطلب األول :ماهية األزمات المالية واالقتصادية 040 ..........................................................
المطلب الثاني :أسباب األزمات المالية 049 ..........................................................................
المطلب الثالث :آثار األزمات المالية وعدوى انتقالها 056 ........................................................
المطلب الرابع :النماذج المفسرة لألزمات المالية وإمكانية التنبؤ بها062 . .....................................
المبحث الثالث :التحليل الفكري ألزمات النظام االقتصادي الرأسمالي 072.....................................
المطلب األول :أهم التفسيرات الوضعية ألزمات النظام الرأسمالي 072 .......................................
المطلب الثاني :تفسير أزمات النظام الرأسمالي في الفكر االقتصادي اإلسالمي 081 .........................
خالصة الفصل األول 087 ...............................................................................................
الفصل الثاني
089 أشهر أزمات النظام االقتصادي الرأسمالي
المبحث األول :أولى أزمات النظام االقتصادي الرأسمالي089 ...................................................
المطلب األول :أزمات القرنين السابع عشر والثامن عشر089. .................................................
المطلب الثاني :أزمات القرن التاسع عشر092. ....................................................................
المبحث الثاني :أزمات القرن العشرين 094 .......................................................................
المطلب األول :أزمة الكساد الكبير (094 ........................................................ )0100-0181
المطلب الثاني :األزمات في مرحلة بريتون وودز (104 .......................................)0190-0190
المطلب الثالث :أزمات عقد السبعينيات106 ........................................................................
المطلب الرابع :أزمات عقد الثمانينيات 114 ........................................................................
i
الفصل األول :اإلطار المفاهيمي والفكري ألزمات النظام االقتصادي الرأسمالي
الفصل الثالث
060 األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
المبحث األول :نشأة وتطور األزمة المالية واالقتصادية العالمية 060 ..... ....................................
المطلب األول :أزمة الرهن العقاري األمريكي وبداية األزمة المالية العالمية 060 ..... ......................
المطلب الثاني :تحول األزمة األمريكية إلى أزمة مالية واقتصادية عالمية098 ................................
المبحث الثاني :تحليل أسباب األزمة المالية واالقتصادية العالمية 011 ........................................
المطلب األول :الخلل في النظام المالي األمريكي099 ..............................................................
واالقتصادي المالي بالنظام المرتبطة األسباب الثاني: المطلب
العالمي020 ...............................................
المبحث الثالث :اآلثار المترتبة عن األزمة المالية واالقتصادية العالمية 021 ................................
المطلب األول :آثار األزمة على القطاع العقاري والمصرفي ،وقطاع األسر010 .............................
المطلب الثاني :آثار األزمة على االستثمار واإلنتاج الصناعي019 ..............................................
المطلب الثالث :آثار األزمة على نمو االقتصاد العالمي800 .......................................................
المطلب الرابع :آثار األزمة على أسعار السلع األولية والتجارة العالمية808 ...................................
المطلب الخامس :آثار األزمة المالية العالمية على معدالت البطالة والتضخم806 .............................
المطلب السادس :أثر األزمة على النظام النقدي الدولي801.........................................................
المبحث الرابع :اإلجراءات المتخذة للتصدي لألزمة المالية العالمية806 .......................................
المطلب األول :اإلجراءات المتخذة على المستوى القطري809 ..................................................
المطلب الثاني :اإلجراءات المتخذة على المستوى الدولي882 ....................................................
خالصة الفصل الثالث 812 ..............................................................................................
الفصل الرابع
802 .صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
المبحث األول :التعريف بصندوق النقد الدولي801 ...............................................................
المطلب األول :نشأة صندوق النقد الدولي وأهدافه801 .............................................................
المطلب الثاني :المرجعية الفكرية لصندوق النقد الدولي890 ....................................................
المطلب الثالث :إدارة وتنظيم صندوق النقد الدولي898 ...........................................................
المطلب الرابع :موارد صندوق النقد الدولي المالية899 ...........................................................
المطلب الخامس :المهام الرئيسية لصندوق النقد الدولي891 .....................................................
المبحث الثاني :تطور دور صندوق النقد الدولي في معالجة األزمات المالية واالقتصادية 822 ..........
المطلب األول :دور الصندوق في معالجة أزمات عقد السبعينيات806 ..........................................
المطلب الثاني :دور الصندوق في معالجة أزمات الثمانينيات802 ................................................
المطلب الثالث :دور صندوق النقد الدولي في معالجة أزمات عقد التسعينيات862 ............................
المطلب الرابع:دور صندوق النقد الدولي في معالجة أزمات العقد األول من القرن الواحد
والعشرين820 .............................................................................................................
ii
الفصل األول :اإلطار المفاهيمي والفكري ألزمات النظام االقتصادي الرأسمالي
المبحث الثالث :دور صندوق النقد الدولي في مواجهة األزمة المالية العالمية 822 .........................
المطلب األول :إستراتيجية صندوق النقد الدولي للخروج من األزمة810 .......................................
المطلب الثاني :جهود صندوق النقد الدولي في مساعدة بلدانه األعضاء لمواجهة األزمة
العالمية000 .................................................................................................................
المطلب الثالث :انعكاسات األزمة على عمل صندوق النقد الدولي ودوره الجديد009 ..........................
خالصة الفصل الرابع141 ...............................................................................................
الفصل الخامس
090 .رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي (مقترح الدراسة)
المبحث األول :نحو صندوق نقد دولي اسالمي أكثر تعاونا وعدال096 .........................................
المطلب األول :أهداف الصندوق096 ..................................................................................
المطلب الثاني :نظام الحوكمة والتصويت في الصندوق008 ......................................................
المطلب الثالث :موارد الصندوق000 ..................................................................................
المطلب الرابع :مهام وأدوار الصندوق009 ...........................................................................
المبحث الثاني :الواقع االقتصادي للبلدان اإلسالمية ومكانتها في النظام االقتصادي
العالمي160 .................................................................................................................
المطلب األول :نظرة على اقتصادات البلدان اإلسالمية060 ......................................................
المطلب الثاني :وضع البلدان اإلسالمية في صندوق النقد الدولي090 ..........................................
المبحث الثالث :اإلجراءات الواجب اتخاذها لتعزيز مكانة البلدان اإلسالمية في االقتصاد العالمي112 ....
المطلب األول :اإلجراءات الواجب اتخاذها على المستوى الوطني096 ........................................
المطلب الثاني :تحقيق التكامل االقتصادي اإلسالمي020 .........................................................
خالصة الفصل الخامس021 ...........................................................................................
الخاتمة العامة010 ......................................................................................................
المراجع.... . ................................................................................................
المالحق..... .................................................................................................
iii
الفصل األول :اإلطار المفاهيمي والفكري ألزمات النظام االقتصادي الرأسمالي
فهرس الجداول
الموضوع الرقم
الصفحة
00تواريخ خروج بعض البلدان الرأسمالية من قاعدة الذهب012 ..............................................
08الديون الخارجية للبلدان النامية (000 .........................................................)0110-0160
01خدمة الديون الخارجية (000 ..................................................................)0120-0190
04خدمة الدين إلى الصادرات غي عدد من البلدان النامية 006 ........................................0128
02هبوط أسعار األسهم وتدهور العمالت في البلدان اآلسيوية الخمس(جويلية-0119
فيفري002..........................................................................................................)0112
06احتياطات النقد األجنبي لدى البنك المركزي الروسي (جويلية-0119
جوان098 ..........................................................................................................)0112
01نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي اإلجمالي للبلدان األوروبية المتأزمة(000 .....)8000-8002
02حجم اصدارات السندات المالية المضمونة برهون عقارية (060 .........................)8006-8000
02تطورات أسعار السلع األولية(809 .............................................................)8001-8002
00معدل البطالة في البلدان المتقدمة (809 .......................................................)8009-8009
00معدالت التضخم في البلدان المتقدمة والبلدان الناشئة (802 .................................)8009-8009
08الحساب الجاري األمريكي خالل الفترة (800.................................................)8009-8000
01اإلجراءات المتخذة من قبل سلطات بعض البلدان العربية لمواجهة األزمة889 ...........................
04المشاركون في اتفاقات ) (GABومبالغ القروض899 ........................................................
02أدوات الصندوق االقراضية غير الميسرة800 .................................................................
06أدوات الصندوق االقراضية بشروط غير ميسرة809 ........................................................
01برامج صندوق النقد الدولي في ظل األزمة اآلسيوية890 ....................................................
02سلوك صندوق النقد الدولي اتجاه األزمة الروسية والبرازيلية892 .........................................
02جهود صندوق النقد الدولي في منطقة اليورو(ايرلندا ،البرتغال ،قبرص)829 ...........................
80قروض صندوق النقد الدولي المقدمة بموجب تسهيالت تمويلية ميسرة (000 ..........)8009-8002
80مجموعة البلدان العشرة صاحبة أكبر الحصص في الصندوق وقوتها التصويتية000 ...................
88الناتج المحلي اإلجمالي بالسعر الجاري وفقا لتعادل القوة الشرائية (060 ...............)8000-8001
81متوسط الناتج المحلي اإلجمالي للفرد بالسعر الجاري وفقا لتعادل القوة الشرائية (060..)8000-8001
84حصص البلدان اإلسالمية في صندوق النقد الدولي وقوتها التصويتية099 ................................
iv
الفصل األول :اإلطار المفاهيمي والفكري ألزمات النظام االقتصادي الرأسمالي
فهرس األشكال
الموضوع الرقم
الصفحة
00مراحل الدورة االقتصادية099 ...................................................................................
08تطور مؤشر 001 ...............................................................)0129-0120( S&P500
01تدفق رؤوس األموال األجنبية إلى المكسيك(000 ............................................)0119-0110
04احتياطات المكسيك من النقد األجنبي(ديسمبر-0110ديسمبر008 ..................................)0119
02الناتج المحلي اإلجمالي ومعدل التضخم في المكسيك(000 .................................)0112-0110
06مؤشرات االقتصاد الكلي في األرجنتين(008 ................................................)8006-0110
01نسبة ملكية المنازل في الواليات المتحدة األمريكية (060 .................................)8000-0190
02تطور معدل الفائدة للبنك االحتياطي الفدرالي األمريكي (066 ...........................)8002-0110
02القروض العقارية المنزلية في الواليات المتحدة األمريكية069 .............................................
00عدد المنازل المتعلقة بإجراءات الحجز في الواليات المتحدة األمريكية(061 ..........)8002-8006
00موازين الحساب الجاري نسبة مئوية الى الناتج المحلي اإلجمالي العالمي(029 .......)8006-0119
08تطور تدفقات رأس المال العالمية (026 .......................................................)8000-0120
01نمو المشتقات المالية (029 .....................................................................)8009-8009
04عدد البنوك المفلسة في الواليات المتحدة سنويا016 ...........................................................
02تراجع االستثمار في االقتصادات المتقدمة (012 ...........................................)8009-8002
06اإلنتاج الصناعي011 ............................................................................................
01معدالت النمو في العالم (800 .................................................................)8009-8009
02تطور حجم التجارة الخارجية في االقتصادات المتقدمة (800 ............................)8009-8009
02تطور حجم التجارة الخارجية في االقتصادات الناشئة والنامية (806 ...................)8009-8009
80رصيد الموازنة العامة األمريكية خالل الفترة (800.........................................)8006-8000
80حجم الدين العام األمريكي خالل الفترة (808...............................................)8006-80000
88نصيب العمالت الرئيسية من إجمالي الحيازات الرسمية لالحتياطات الدولية809.........................
81تطور حجم التزامات االقراض التي تعهد بها صندوق النقد الدولي (860 ..............)0110-0190
84التزامات اإلقراض التي تعهد بها صندوق النقد الدولي (009 .............................)8009-8009
82المساعدة الفنية المقدمة حسب الموضوع (000 ............................................)8009-8000
86المساعدة الفنية المقدمة للبلدان األعضاء حسب فئة الدخل(009 ...........................)8009-8000
81تمويل أنشطة تنمية القدرات (080 .............................................................)8009-8000
v
الفصل األول :اإلطار المفاهيمي والفكري ألزمات النظام االقتصادي الرأسمالي
فهرس األشكال
الصفحة الرقم
vi
المقدمة
i
المقدمة
المقدمة
تعرضت العديد من بلدان العالم في ظل النظام االقتصادي الرأسمالي إلى أزمات مالية
واقتصادية خانقة هددت أركان هذا النظام القائم على آليات السوق وتحجيم دور الدولة.
فالتاريخ االقتصادي يشير إلى أن االقتصاد الرأسمالي عرف خالل مراحل تطوره عددا من
األزمات المالية الكبرى ،كانت البداية في هولندا عام 0609بما عرف بفقاعة الخزامى ،التي
اعتبرها المؤرخون أول أزمة مالية في النظام االقتصادي الرأسمالي كنتيجة الستفحال
ظاهرة المجازفة .ثم انفجرت األزمات الواحدة تلو األخرى في العديد من البلدان األوروبية
خالل الفترة الممتدة من القرن السابع عشر وحتى أواخر القرن التاسع عشر ،وذلك يرجع إلى
كون أوروبا في تلك الفترة تمثل مركزا لالقتصاد الرأسمالي العالمي ،حيث شهدت عددا من
األزمات المالية ،كان أشهرها أزمة 0290التي أصابت بلدانا أوروبية وانتقلت إلى الواليات
المتحدة األمريكية ،وتسببت في وقوع كساد استمر لفترة طويلة.
وبعد الحرب العالمية األولى ،بدأت تظهر الواليات المتحدة األمريكية كقوة اقتصادية
جديدة بسبب ضعف األطراف األوروبية المتحاربة ،وعرف االقتصاد األمريكي في فترة
العشرينيات من القرن العشرين ازدهارا كبيرا ،حيث زادت معدالت النمو والتوظيف
واالستثمار واألرباح ،ووصل معدل البطالة إلى أدنى مستوياته حتى شهر أكتوبر من عام
،0181عندما انهارت بورصة نيويورك ،ثم توالت االنهيارات المالية والنقدية الدولية
وتسببت في دخول العالم الرأسمالي في حالة كساد كبير ،نجم عنها اضطرابات في العالقات
االقتصادية الدولية حيث لجأت العديد من البلدان إلى فرض القيود وإقامة الحواجز على
التجارة الخارجية ،وتنافست فيما بينها في تخفيض قيمة عمالتها ،ما أحدث أضرار بالغة
على مستوى التجارة الدولية ،وحركة رؤوس األموال الدولية ومعدالت النمو والتوظيف
ومستويات المعيشة في العديد من هذه البلدان ،فضال عن نشوب الحرب العالمية الثانية التي
أحدثت دمارا هائال وزادت من حدة هذه الخسائر واالضطرابات.
وعندما الحت بوادر انتهاء الحرب العالمية الثانية في األفق ،وبدا واضحا انتصار
الرأسمالية األمريكية انعقد مؤتمر بالواليات المتحدة األمريكية بهدف تصميم نظام نقدي دولي
جديد يصحح الفوضى االقتصادية التي حدثت في الفترة بين الحربين العالميتين ،ويحول دون
تكرار األخ طاء التي وقعت في تلك الفترة ،ويعالج الدمار الذي تسببت فيه الحرب .وسرعان
ما أثمرت مباحثات هذا المؤتمر نظاما نقديا دوليا جديدا ،أطلق عليه نظام بريتون وودز ،وتم
إنشاء صندوق النقد الدولي إلدارة هذا النظام واإلشراف عليه ،والعمل على استقراره.
وهكذا جاء صندوق النقد الدولي -ومؤسسات دولية أخرى -إلدارة النظام االقتصادي
الدولي لفترة ما بعد الحرب العالمية .بدأ صندوق النقد الدولي عمله بمساعدة البلدان
األوروبية التي دمرتها الحرب ،ثم انتقل ليساعد البلدان المستقلة وكذا بلدان االتحاد السوفيتي
السابق على االنتقال إلى اقتصاد السوق وتقليص دور الدولة واالنفتاح على األسواق
الخارجية ،ومن ثم مساعدتها على االندماج في النظام االقتصادي الرأسمالي العالمي،
وأصبح الداعي الرئيسي إلى ضرورة اعتناق جميع بلدان العالم اقتصاد السوق على الطريقة
األمريكية باعتباره النموذج األمثل لتعزيز النمو االقتصادي وتوفير فرص العمل ورفع
مستويات المعيشة.
1
المقدمة
وفي خضم هذه المرحلة من مراحل تطور النظام االقتصادي الرأسمالي ،التي يطلق
عليها مرحلة عولمة الرأسمالية ،ازداد معدل تكرار األزمات المالية واالقتصادية ،وأصبحت
أكثر حدة ،وأسرع انتشارا مما كانت عليه من قبل ،فال يكاد يخلو عقد دون وقوع أزمة مالية
في بلد ما ،التي سرعان ما تنتقل إلى بلدان أخرى نامية ومتقدمة كنتيجة لالنفتاح المالي
والتجاري في ظل العولمة .وهو ما شكل تهديدا قويا على استقرار النظام المالي العالمي
واستقرار االقتصاد العالمي ككل.
وعلى اعتبار أن صندوق النقد الدولي هو المؤسسة الدولية المسؤولة على ضمان
االستقرار المالي واالقتصادي العالمي ،فلقد انطلقت العديد من الدعوات المطالبة بإصالحه
وإعادة بناء نظام نقدي ومالي عالمي جديد عقب كل أزمة مالية منذ عقد السبعينيات ،ولكن
سرعان ما يخف حماس هذه الدعوات عندما تبدأ االقتصادات المتضررة بالتعافي ويعاود
االستقرار من جديد ،حتى جاءت األزمة المالية العالمية 8002التي تحولت إلى أسوأ اختالل
اقتصادي عالمي منذ الكساد الكبير .0181حيث تعرض صندوق النقد الدولي من جديد إلى
موجة من االنتقادات ،وعاودت المطالبة بإجراء إصالحات جذرية وشاملة له.
استجابة لتلك الدعوات ،عقدت قمم لزعماء مجموعة العشرين خالل فترة األزمة،
إلعادة صياغة اإلطار االقتصادي والمالي العالمي .وقد أفرزت هذه القمم عن التزامات مهمة
من بلدان هذه المجموعة بتوثيق تعاونها في مجال السياسات ،وتدعيم تنظيم القطاع المالي
لعالج التجاوزات التي أدت إلى هذه األزمة ،وأعطت صالحيات جديدة لصندوق النقد
الدولي ،وأحدثت إصالحات واسعة على آلية عمله ونظام حوكمته لتجعله أكثر كفاءة وفعالية
من أجل بناء اقتصاد عالمي مستقر ومزدهر .غير أن ما حدث ال يمكن اعتباره تغيير جذري
أو محاولة إقامة نظام نقدي ومالي عالمي جديد ،إنما هو مجرد مراجعة وإعادة ترتيب قواعد
النظام القائم من معسكر رأسمالي (مجموعة العشرين) ،وصياغتها بما يخدم مصالح بلدان
هذه المجموعة.
أما البلدان النامية والتي تشكل األغلبية الساحقة من بلدان العالم ،والتي كانت من أشد
المتضررين من األزمة ،كانت مستبعدة من المجموعة ،ولم يكن لها أي دور في صنع
القرارات الدولية المتعلقة بالنظام النقدي والمالي العالمي ،وإصالح المؤسسات المشرفة عليه.
وفي الحقيقة هذا هو واقع األمر منذ عقود طويلة ،فجميع اإلجراءات والمحاوالت الهامة
إلقامة نظام نقدي ومالي عالمي جديد أو مراجعته خالل العقود الماضية كانت تأتي من
األطراف الفاعلة والمسيطرة على النظام وآلياته ،وطوال القرن الماضي كانت مجموعة
البلدان الصناعية الكبرى هي الطرف الفاعل الوحيد والمسيطر على النظام الذي وظفته بما
يكفل مصالح النظام االقتصادي الرأسمالي العالمي .ولكن بدخول األلفية الثالثة ،برزت
أطراف فاعلة جديدة هي بلدان األسواق الصاعدة التي حققت نجاحات مثيرة وأصبحت بعد
األزمة المالية العالمية 8002من الفاعلين األساسيين إلى جانب البلدان الصناعية الكبرى،
وعليه ستعمل هذا البلدان معا لتحقيق مصالحها المشتركة .ورغم أن للبلدان النامية مصالح
مختلفة ،إال أنه سيتم إخضاعها للقواعد الجديدة التي صاغتها البلدان المسيطرة ،وإلى شروط
عمل االقتصاد الرأسمالي العالمي ،بمساعدة المؤسسات الدولية وخاصة صندوق النقد
الدولي ،من خالل برامجه وسياساته التي يفرضها على البلدان األعضاء التي تلجأ إليه.
من هذا المنطلق ،يمكن القول أنه ال يمكن تصور أن األطراف الفاعلة والمسيطرة على
النظام النقدي والمالي العالمي ستعمل على إقامة نظام جديد يخدم مصالح البلدان النامية ،أو
2
المقدمة
ستسمح لهذه األخيرة بالسيطرة على آليات هذا النظام ومؤسساته .لهذا على البلدان النامية،
والسيما البلدا ن اإلسالمية العمل على كسر وتجاوز ما هو مفروض عليها ،من خالل التعاون
فيما بينها للنهوض باقتصاداتها وتنميتها ،ومن ثم تشكيل قوة اقتصادية عالمية قادرة على
إقامة نظام عالمي جديد أكثر عدال وتعاونا ،يراعي مصالح االقتصاد العالمي بكافة أطرافه،
ويرتكز على أصول الدين اإلسالمي ويعتمد عليها ،ويجعل من مؤسسات هذا النظام بما فيها
صندوق النقد الدولي في خدمة اإلنسانية جمعاء (بلدان العالم جميعا) ،من خالل مساهمته في
بناء اقتصاد عالمي مستقر يضمن الرخاء للجميع.
إشكالية الدراسة
لقد كانت المهمة الرئيسية لصندوق النقد الدولي بحسب اتفاقية تأسيسه ،هي العمل على
ضمان ثبات أسعر الصرف ومساعدة بلدانه األعضاء التي تواجه مشكالت في موازين
مدفوعاتها .ولكن خالل العقود الخمسة الماضية طرأت تغيرات هائلة على النظام النقدي
والمالي العالمي ،وواجه العالم أزمات مالية حادة ومستجدات جديدة دفعت بصندوق النقد
الدولي إلى ارتياد ساحات جديدة والى االضطالع بأدوار جديدة لم تكن مدرجة في الوظائف
األصلية المحددة في ميثاق تأسيسه.
وقد كان التحدي األول الذي واجه صندوق النقد الدولي هو أزمة نظام بريتون وودز
وانهياره عام 0190ما أثار تساؤالت حول أهمية مؤسسة كان الغرض منها إدارة نظام لم
يعد موجودا ،لكن الصندوق تمكن من التكيف ،واستمر في البقاء كجزء ضروري من النظام
النقدي الدولي ،خاصة في النصف األول من ثمانينيات القرن العشرين ،عندما انفجرت أزمة
المديونية العالمية ،وهددت أركان النظام المالي العالمي ،حيث لعب الصندوق دورا قياديا في
إدارتها.
ومع انقضاء أزمة المديونية العالمية في أواخر عقد الثمانينيات ،أثيرت التساؤالت
مجددا حول أهمية صندوق النقد الدولي ،لكن تخلي بلدان االتحاد السوفيتي(السابق) عن
االشتراكية في ، 0110وسعيها إلى إقامة الرأسمالية بدال منها ،استطاع الصندوق أن يرسم
مسار ا جديدا له من خالل مساعدة هذه البلدان وغيرها من البلدان النامية على االندماج في
النظام االقتصادي الرأسمالي العالمي ،وأصبح بذلك من أهم صناع العولمة وأقوى المدافعين
عنها .ولكن لم ينته عقد التسعينيات حتى بدأت سلبيات العولمة تطفو على السطح في شكل
أزمات مالية ،بدأت في بالد نامية مثل المكسيك ،ثم دول جنوب شرق آسيا ،ثم روسيا،
البرازيل ،وانعكست تداعياتها على البلدان الصناعية .استجابة لهذه األزمات جاءت محاوالت
هامة لتحديث صندوق النقد الدولي وتغيير دوره بطريقة تمكنه من مجابهة مثل هذه األزمات،
وتحد من تعرض بلدانه األعضاء لها.
ولكن ،في مطلع األلفية الثالثة واجه االقتصاد العالمي أسوأ وأعنف أزمة مالية
واقتصادية عالمية منذ الكساد الكبير هي أزمة 8002التي انفجرت في الواليات المتحدة
األمريكية ،ثم انتشرت بسرعة فائقة في كل ركن من أركان العالم .وعلى خلفية ما كشفت عنه
هذه األزمة من قصور في جوانب عديدة للنظام المالي العالمي ومؤسساته ،اجتمع قادة
مجموعة العشرين لتنسيق إجراءات التصدي لألزمة ،وإعادة النظر في هذا النظام ومؤسساته
خاصة صندوق النقد الدولي ،الذي وجد نفسه في جدول أعمال اجتماعات المجموعة ،التي
سلمته زمام القيادة الستعادة االستقرار المالي العالمي ،وأكدت على ضرورة إحداث تغييرات
3
المقدمة
وإصالحات عليه لتقويته وتعزيز قدرته على أداء دوره الجديد في النظام المالي العالمي لما
بعد األزمة.
في ضوء المعطيات السابقة يمكن طرح تساؤل حول األدوار التي اضطلع بها صندوق
النقد الدولي في ظل األزمات المالية واالقتصادية العالمية .والتساؤل األهم يطرح حول
الدور الجديد الذي أنيط به عقب األزمة المالية العالمية .8002
واعتمادا على هذه اإلشكالية يمكن طرح التساؤالت الفرعية التالية:
ما هي األسباب الحقيقية وراء األزمات المالية واالقتصادية؟ -
لماذا تعاود األزمات وتتكرر في ظل النظام االقتصادي الرأسمالي؟ -
ما هي األسباب المفجرة لألزمة المالية العالمية 8002؟ وكيف انتقلت من الواليات -
المتحدة األمريكية إلى مختلف أنحاء العالم؟
ما هي التغييرات واإلصالحات التي أحدثها صندوق النقد الدولي في مجاالت عمله -
المختلفة عقب أزمة 8002؟ وهل ستمكنه من النجاح في مجال إدارة األزمات المالية
ومنعها في المستقبل؟
ما هو البديل عن صندوق النقد الدولي القادر على إقامة نظام اقتصادي عالمي يتسم -
بالعدالة والكفاءة واالستقرار؟
فرضيات الدراسة
تعتمد الدراسة في معالجتها لإلشكالية على الفرضيات التالية:
-قواعد وأسس النظام االقتصادي الرأسمالي هي التي تؤدي به إلى عدم االستقرار
المالي وتقوده دائما إلى الوقوع في األزمات.
-بقاء النظام االقتصادي الرأسمالي إلى يومنا هذا ألن الحكومات هي التي تقوم بإنقاذه.
-لن يتمكن صندوق النقد الدولي من النجاح في أداء دوره الجديد بفعالية ،ومن ث ّم
ستعاود األزمات وتتكرر في المستقبل.
أهمية الدراسة
تستمد هذه الدراسة أهميتها من الموقع الهام والقوي الذي يحتله صندوق النقد الدولي
في الساحة الدولية باعتباره مؤسسة دولية مهمتها األساسية –نظريا -حماية االستقرار
االقتصادي والمالي العالمي عن طريق مساعدة بلدانه األعضاء على الحد من التعرض
لألزمات المالية واالقتصادية ،وتقديم الدعم المالي لها للوقاية منها أو عالجها في حالة عدم
التمكن من تفاديها .ولكن الواقع ،يشير إلى أن هذه األزمات أصبحت أكثر تواتر وحدة،
وأسرع انتشارا ،مما يستدعي تقييم وتحليل دور هذه المؤسسة في هذا المجال ،خاصة عقب
األزمة المالية العالمية 8002التي أدت إلى حدوث اختالالت مالية واقتصادية كبيرة في
االقتصاد األمريكي -القائد األول للنظام االقتصادي الرأسمالي -لتطال بعد ذلك وبسرعة
كبيرة جميع بلدان العالم المتقدمة والنامية على حد سواء.
أهداف الدراسة
4
المقدمة
المنهج الوصفي والتحليلي ،الذي يقوم على توصيف دقيق للظاهرة محل الدراسة من
خالل إدراج المفاهيم األساسية لألزمات المالية واالقتصادية وأنواعها ،وتبيان عالقتها
بالدورة االقتصادية ،وعرض أهم المؤشرات والنماذج التي وضعت للتنبؤ بها واستراتيجيات
عالجها .وتحليل أثار األزمات المالية واالقتصادية على اقتصادات البلدان المتقدمة والصاعدة
والبلدان النامية .ثم تحليل دور صندوق النقد الدولي في إدارة هذه األزمات ،وتقديم قراءة
موضوعية ألدائه.
المنهج التاريخي ،من خالل عرض تطور النظام االقتصادي الرأسمالي من القرن
السادس عشر وحتى القرن الحادي والعشرين ،وكذا اكبر وأشهر األزمات المالية التي ميزت
العالم في ظل هذا النظام.
هيكل الدراسة
لإلحاطة بجميع جوانب الموضوع ،صمم هيكل هذه الدراسة على النحو التالي:
يتناول الفصل األول اإلطار المفاهيمي والفكري ألزمات النظام االقتصادي الرأسمالي،
التي نالت حظا وافرا من اهتمام الباحثين والخبراء االقتصاديين الذين حاولوا تشخيصها
لكشف أسبابها واقتراح العالج لها وإيجاد مؤشرات ونماذج للتنبؤ بها قبل وقوعها .باإلضافة
إلى التطرق إلى أهم التفسيرات النظرية التي قدمتها مختلف المدارس االقتصادية الفكرية
الوضعية ،من المدرسة الكالسيكية إلى المدرسة الليبرالية الجديدة مرورا بالكينزية ،إلى
جانب التطرق إلى تفسير مدرسة االقتصاد اإلسالمي لهذه األزمات .وقد اهتم الفصل الثاني
باستعراض وتحليل كبرى األزمات المالية واالقتصادية التي مرت على العالم في ظل النظام
االقتصادي الرأسمالي ،وكان لها تأثير كبير وعميق على اقتصادات البلدان المختلفة .في حين
تناول الفصل الثالث األزمة المالية واالقتصادية العالمية 8002من خالل التطرق إلى كيفية
نشأتها وظروف تطورها ،واألسباب الحقيقية الكامنة وراءها ،وكذا انعكاساتها وطرق
احتوائها ومعالجتها .وعني الفصل الرابع بتسليط الضوء على إدارة صندوق النقد الدولي
لألزمات المالية واال قتصادية التي شهدها العالم ،انطالقا من أزمة نظام بريتون وودز وحتى
أزمة الديون السيادية األوروبية .إلى جانب إيضاح األدوار الجديدة التي يقوم بها الصندوق
في ظل كل أزمة وتقييم دوره من خالل الكشف عن اخفاقاته وكذا نجاحاته .وجاء الفصل
الخامس كمحاولة لتقديم نموذج جديد لصندوق النقد الدولي يكون أكثر عدال وأكثر تعاونا .مع
التطرق إلى وضع البلدان اإلسالمية في النظام االقتصادي العالمي وما عليها فعله لتقوية
وتعزيز مكانتها في هذا النظام ومؤسساته لتحقيق هذا النموذج.
الدراسات السابقة
هناك العديد من األبحاث والدراسات التي اهتمت بمختلف جوانب موضوع األزمات
المالية واالقتصادية العالمية .ومن أهم ما تم االطالع عليه:
1. Owen Evans and others, "Macroprudential Indicators of
Financial System Soundness", Occasional paper192,
International Monetary Fund, Washington, (April, 2000):
6
المقدمة
قامت هذه الدراسة بوضع مجموعة من المؤشرات أطلق عليها اسم "مؤشرات الحيطة
الكلية" ،من أجل التعرف على العالمات المبكرة التي تساعد على منع حدوث األزمات
المالية والتنبؤ بها قبل حدوثها ،حتى يستطيع صناع السياسات التعامل معها بشكل سريع
ومناسب،كما تساعد على تقييم مدى قابلية القطاع المالي للتأثر باألزمات المالية واالقتصادية،
وهي تشمل جانبين هما مؤشرات الحيطة الجزئية لتقييم سالمة مؤسسات القطاع المالي كل
على حدا ،ومؤشرات االقتصاد الكلي المرتبطة بسالمة النظام المالي .وبحسب هذه الدراسة
يمكن لهذه المؤشرات أن تعمل كأداة لإلنذار المبكر.
2. Eliane Nehme El Ahmer, "Libéralisation Financière et
Fragilisation dans les Pays Emergent : Cas la Crise
Asiatique", Thèse Doctorat, Université Panthéon-Assas,
Paris II, Droit-Economie- Sciences Sociales, Sciences de
Gestion,(2003) :
اهت مت هذه الدراسة باألزمات المالية التي مست البلدان الصاعدة ،وركزت على األزمة
اآلسيوية وتوصلت إلى أن أهم سمة من سمات أزمات عقد تسعينيات القرن العشرين هي أن
جذورها تعود إلى التحرير السريع لحساب رأس المال في البلدان المتأزمة الذي تزامن مع
ركود اقتصادي في البلدان المتقدمة في بداية العقد .كما توصلت إلى أن الصدمات المحلية
أصبحت في ظل نظام مالي متكامل تنتقل بسرعة إلى بلدان أخرى من خالل العدوى بين
األسواق المالية.
3. Takatoshi ITO," Asian Currency Crisis and the
International Monetary Fund,10 years later", Asian
Economic Policy Review, Japan Center for Economic
Research, (2007):
تناولت الورقة نظرة عامة على أزمة العمالت اآلسيوية في كل من تايالند ،وأندونيسيا،
وكوريا الجنوبية في ،0112-0119مع التركيز على دور صندوق النقد الدولي ،وكيف
أعدته هذه األزمة لألزمات المستقبلية .كما تناولت الورقة أسباب األزمات وبرامج صندوق
النقد الدولي في بلدان مثل روسيا والبرازيل األرجنتين وتوصلت إلى أن الصندوق كان أكثر
ليونة في منهجه تجاه هذه البلدان التي عانت من األزمة بعد األزمة اآلسيوية .وبينت أنه بعد
هذه األزمات تم تهميش دور صندوق النقد الدولي في عالج األزمات ،بسبب لجوء العديد من
البلدان وخاصة اآلسيوية للتأمين الذاتي وتجنب االقتراض مجددا من الصندوق.
4. International Monetary Fund, "Initial Lessons of the
Crisis", Prepared by the Research, Monetary and Capital
Markets, and Strategy, Policy and Review
Departements,(Fabruary6,2009):
هدفت الدراسة إلى استخالص الدروس األولية من األزمة المالية العالمية ،8002
وتوصلت إلى أن هناك إخفاقات وأوجه قصور على مستوى ثالثة أصعدة ،هي :الرقابة
7
المقدمة
والتنظيم المالي الذي لم يكن معدا لتحديد تركز المخاطر الناتجة عن االبتكار المالي ،سياسات
االقتصاد الكلي لم تأخذ بعين االعتبار تزايد المخاطر النظامية في النظام المالي وفي أسواق
المساكن بالتحديد ،وإخفاق على مستوى البنيان المالي وصندوق النقد الدولي الذي لم يتمكن
من التنبؤ باألزمة ،كما أدى تجزأ نظم الرقابة الدولية إلى عدم القدرة على رؤية المخاطر
والروابط المتنامية .وأكدت الدراسة ضرورة توسيع حدود التنظيم ودرجة اإلشراف على
المؤسسات المالية ،كما يجب على البنوك المركزية اعتماد نظرة أعم تجاه السالمة
االحترازية الكلية ،كما يتعين تعزيز التعاون بين المؤسسات المالية الدولية :صندوق النقد
الدولي ،بنك التسويات الدولية ،منتدى االستقرار المالي ،لتوفير نظام لإلنذار المبكر وتعزيز
االستقرار المالي.
. 5ذهبية لطرش" ،دور صندوق النقد الدولي في مواجهة األزمة المالية واالقتصادية
العالمية" ،ورقة بحثية مقدمة في الملتقى العلمي الدولي حول األزمة المالية واالقتصادية
الدولية والحوكمة العالمية ،جامعة فرحات عباس ،سطيف ( ،أكتوبر :)8002ركزت هذه
الورقة على دور صندوق النقد الدولي في أزمة .8002وتوصلت إلى أن دوره برز منذ
ظهور البوادر األولى لأل زمة ،وتجلى ذلك من خالل سعيه إلحداث جملة من اإلصالحات
اإلدارية وآليات عمله وأدواته التمويلية لتكييفها مع متطلبات السيولة العالمية ودعمه لخطط
اإلنقاذ المالي التي اعتمدتها الكثير من البلدان ،إال أنه البد من تبني إصالحات حقيقية في
نظام حوكمته لتفعيل دوره وإقامة وإرساء قواعد سليمة للنظام النقدي الدولي.
.6مها رياض عبد هللا" ،تقويم أداء صندوق النقد الدولي في األزمة المالية العالمية"،
ورقة بحثية مقدمة في المؤتمر العلمي الدولي حول األزمة المالية واالقتصادية العالمية
المعاصرة من منظور اقتصادي إسالمي ،جامعة العلوم اإلسالمية العالمية ،ع ّمان،
(ديسمبر :)8000قدمت هذه الورقة وصفا لواقع صندوق النقد الدولي ودوره في إدارة
وعرفت باألزمة المالية العالمية ،ودور صندوق النقد الدولي في هذهّ االقتصاد الدولي،
األزمة من منظور اقتصادي وضعي وإسالمي .وتوصلت إلى أن تعامالت وأنشطة الصندوق
ال تنسجم في معظمها مع معطيات ومبادئ الشريعة اإلسالمية ،وأنه على البلدان اإلسالمية
االنتباه لذلك والعمل على حث الصندوق للخالص منها.
.1محمد رمضاني" ،أثر السياسات اإلشرافية لصندوق النقد الدولي على تكيف السياسات
النقدية للدول النامية" ،أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية ،جامعة أبو بكر بلقايد،
تلمسان :)8008(،قامت هذه الدراسة بتحديد أخطاء السياسة النقدية المسؤولة عن إحداث
األزمات المالية (أزمة الديون ،أزمة عملة ،أزمة السيولة) ،وذلك بدراسة حالة ثالث بلدان
نامية هي :الجزائر ،األرجنتين ،تركيا .كما قامت الدراسة بتحليل أداء السياسات النقدية لهذه
البلدان الثالث التي طبقت وصفات صندوق النقد الدولي باستخدام نموذج البرمجة المالية.
وتوصلت إلى أن توصيات صندوق النقد الدولي ذات النزعة الرأسمالية المندفعة ال تناسب
الوضعية االقتصادية لغالبية البلدان النامية ،وأن على هذه األخيرة القيام بإصالحات مسبقة
لتصحيح أوضاعها والتكيف بشكل جيد.
.2رفيقة صباغ" ،األزمات المالية العالمية وأثرها على الدول النامية" ،أطروحة دكتوراه
في العلوم االقتصادية ،جامعة أبو بكر بلقايد ،تلمسان :)8004( ،اهتمت الدراسة بتحليل أثر
8
المقدمة
أزمة الرهن العقاري األمريكي على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ،بالتطرق لواقع
هذه االقتصادات قب ل وأثناء وبعد أزمة الرهن العقاري األمريكي .وقد توصلت إلى أن هذه
البلدان التي عرفت مؤشراتها االقتصادية خالل الفترة 8002-8008تحسنا ملحوظا سرعان
ما أصبحت في ظل األزمة تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية صعبة منها تزايد معدالت
البطالة ،انخفاض معدل النمو االقتصادي ،تراجع حجم التبادل التجاري ،إلى جانب اآلثار
السلبية على أسواقها المالية وموازين مدفوعاتها ومالياتها العامة.
9. Aleksandra Riedl and others, "The mixed success of EU-
IMF adjustment programs in Europe - why Greece was
different", Focus on european economic integration,
Oesterreichische National bank, Foreign Research
Division, Vienna, Q 4, (2015):
اهتمت هذه الدراسة بمقارنة برامج اإلنقاذ المالي المدعومة بموارد صندوق النقد
الدولي واالتحاد األوروبي في البلدان األوروبية األربعة المتأزمة وهي :اليونان ،البرتغال،
ايرلندا ،واسبانيا ،وكذا المقارنة بينها فيما يتعلق بالظروف االقتصادية والمالية والضريبية.
وتوصلت إلى أن اليونان كان أكثر البلدان تضررا خالل األزمة ،وأن برامج اإلنقاذ المالي
فيها أدت إلى زيادة شدة الركود االقتصادي .في حين كانت البرامج في البلدان الثالثة األخرى
أكثر نجاحا .وأوصت بضرورة إعادة النظر في آليات الدعم واإلنقاذ ،والتركيز على ظروف
كل بلد على حدا عند تصميم برامج التكيف.
10. Mark Kruger and others, "The Role of the Internationam
Monetary Fund in the Post- Crisis World", Staff Discussion
Paper, Bank of Canada, (February, 2016):
هدف هذه الورقة هو تقييم اإلصالحات والتغييرات التي أحدثها صندوق النقد الدولي في
أعقاب األزمة المالية واالقتصادية العالمية ،8002وتحديد المجاالت التي ال تزال تحتاج إلى
تغييرات .وتوصلت الدراسة إلى أن الصندوق سيظل العبا مها في النظام االقتصادي والمالي
في عالم سريع التغير والتطور ،ولكنه يحتاج إلى مزيد من اإلصالحات ألن اقتصادات
األسواق الصاعدة ال تزال ممثلة تمثيال ناقصا في الصندوق ،وأشادت بالتغييرات والتحسينات
التي أجراها على مستوى الرقابة واإلقراض ،وأوضحت بأنها ستزيد من جودة وكفاءة
عمله.
9
الفصل األول
االطارالمفاهيمي
والفكري للنظام
الرأسمالي
1
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
الفصل األول
اإلطار المفاهيمي والفكري ألزمات النظام االقتصادي الرأسمالي
شهدت العديد من بلدان العالم في ظل النظام االقتصادي الرأسمالي الكثير من األزمات
المالية واالقتصادية المتكررة التي كانت آثارها السلبية حادة وخطيرة على اقتصاديات تلك
البلدان ،كما شكل بعضها خطرا وتهديدا صريحا ألركان النظام االقتصادي الرأسمالي ،الذي
بدأ في الظهور في القرن السادس عشر في أوروبا ،ثم استقر وثبت أقدامه بعد الثورة
الصناعية ابتداء من النصف الثاني من القرن الثامن عشر ،وبدأ يفرض نفسه على نحو متسع
في جميع أنحاء العالم بعد ثورة تكنولوجيا المعلومات في أواخر القرن العشرين ،ليصبح هو
النظام االقتصادي العالمي .وهذا ما يدعو إلى ضرورة معرفة أساسه الفكري وأشكال
تطوره ،وأهم ركائزه وطريقة أدائه الستخالص األسباب الرئيسية الكامنة وراء األزمات
المالية واالقتصادية المالزمة له منذ نشأته.
لذا ،يحاول هذا الفصل في مبحثه األول دراسة و تحليل النظام الرأسمالي من حيث
خصائصه وتطوره ،وذلك بالتطرق إلى األسس التي يقوم عليها ،نشأته ،والمراحل التي مر
بها ،إلى جانب استعراضه لتطور الفكر االقتصادي الرأسمالي .ويسعى في مبحثه الثاني إلى
تحديد اإلطار المفاهيمي لألزمات المالية واالقتصادية المالزمة لهذا النظام من خالل تحديد
مختلف المفاهيم المرتبطة بها ،وتشخيص وتحليل األسباب الكامنة وراءها ،إلى جانب
التطرق إلى مختلف الدراسات والنماذج التي وضعت للتنبؤ بها لتجنبها أو على األقل
التخفيف من حدتها .أما في مبحثه الثالث فيتناول التحليل الفكري لهذه األزمات من خالل
استعراض أهم التفسيرات الوضعية ألزمات النظام الرأسمالي في مطلبه األول ،أما المطلب
الثاني فيتناول تفسير الفكر االقتصادي اإلسالمي لها.
المبحث األول :التأصيل التاريخي لتطور النظام االقتصادي الرأسمالي
يهتم هذا المبحث بتحليل وفهم مدلول الرأسمالية ،من خالل عرض أهم الخصائص
والركائز التي يقوم عليها النظام الرأسمالي لفهم طبيعة عمله ،إلى جانب التطرق ألهم
المراحل التاريخية لتطوره ومرجعيته الفكرية.
المطلب األول :أسس النظام الرأسمالي وثوابته
يعرض هذا المطلب تعريفات عديدة لمفكرين واقتصاديين اهتموا بدراسة وتحليل النظام
االقتصادي الرأسمالي إلى جانب عرض أهم الخصائص والركائز التي يقوم عليها لمحاولة
فهم طبيعة عمل هذا النظام.
أوال :مدلول الرأسمالية ،إن أصل مصطلح الرأسمالية ) (Capitalismمأخوذ من اللفظة
الالتينية ) )caputومعناها الرأس للداللة على األموال ومخازن البضائع وكذا المال الذي
يحمل الفوائد .أما لفظة الرأسمالي فقد درج استعمالها منتصف القرن السابع عشر 1،لتدل
على كون المرء رأسماليا ) .(Capitalistوالرأسمالي هو الذي يستعمل مبلغا معينا من المال–
سواء كان ماله الخاص أو قرض– كرأس مال الستثماره في مشروع ،عادة من خالل إنتاج
أو تصنيع شيء ما بغرض تحقيق الربح .وهناك من يرى أنه إذا انتشر هذا السلوك
1
.أسعد ملي" ،العالم الرأسمالي :حيوية ذاتية وأزمات مستمرة" ،مجلة جامعة دمشق ،المجلد ،82العدد ،8008 ،0ص.800.
11
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
الرأسمالي على نحو موسع وبشكل كاف في مجتمع ما ،يتم استخدام مصطلح الرأسمالية
للداللة على نظام اجتماعي منظم ومتكامل رأسماليا 1.واصطالح "الرأسمالية" كنظام أطلقه
ألول مرة المفكر االقتصادي األلماني*) (Werner Sombartواستخدمه بشكل خاص خصوم
2
هذا النظام من أنصار االشتراكية لوصف الواقع الذي ينتقدونه.
و في الحقيقة ،ال يوجد تعريف واحد وموحد للرأسمالية كنظام اقتصادي ،بل هناك
تعاريف متعددة تختلف باختالف األيديولوجية لصاحب التعريف ،بعضها يصدر عن انحياز
أو موقف متخذ سلفا ،وبعضها موضوعي .لعل أهمها مايلي:
بحث ) (Werner Sombartعن أصول الرأسمالية في التطور الذي صاحب الفكر
والسلوك اإلنساني واعتقد أن ثمة مواقف اقتصادية مختلفة تحكم المجتمع في ظروف مختلفة،
وأن الروح البرجوازية وروح المغامرة هي التي خلقت النموذج المالئم لها ،ومن ثم خلقت
المؤسسة االقتصادية .كما ذهب إلى أن "الروح الرأسمالية كانت موجودة أحيانا بصورة
جنينية في الماضي البعيد قبل أن تصبح الممارسات الرأسمالية حقيقة واقعة" .وكان يرى أن
إنسان ما قبل الرأسمالية "إنسانا طبيعيا" ،يعتقد أن هدف النشاط االقتصادي إنما هو سد
حاجاته الطبيعية .ولكن الرأسمالي قام باقتالع جذور اإلنسان الطبيعي بنظرته البدائية
األصلية ،وقلب كل مفاهيم الحياة ،واعتبر تكديس رأس المال الهدف الرئيسي للنشاط
االقتصادي .وبذلك وصل ( )Sombartإلى "أن الرأسمالية تتركز في أن جمع رؤوس
3
األموال وتحقيق األرباح هي الباعث المسيطر للنشاط االقتصادي".
أما ) **)Karl Marxفإنه لم يلتمس سمات الرأسمالية في روح المغامرة ،أو في الدافع
لتحقيق الربح ،ولكنه التمسها في أسلوب معين لإلنتاج ،ولم يشر إلى أسلوب اإلنتاج باعتباره
مجرد مسألة فنية ،ولكنه أشار إلى الطريقة التي تمتلك بها وسائل اإلنتاج ،والعالقات
االجتماعية ال تي تربط بين الناس من خالل صلتهم بعملية اإلنتاج .وعليه لم تكن الرأسمالية
من وجهة نظره نظاما لإلنتاج من أجل السوق -نظام إلنتاج السلعة -ولكنها "نظام أصبحت
قوة العمل في ظله سلعة تشترى وتباع في السوق كأي عنصر آخر من عناصر المبادلة .وهذا
يشترط تركز ملكية وسائل اإلنتاج في أيدي طبقة محدودة من المجتمع ،وظهور طبقة من
4
المعدومين مصدرها الوحيد لكسب عيشها هو بيع قوة العمل".
*
ومن المفكرين الذين أتوا من صلب الثقافة االقتصادية الليبرالية)Adam Smith(:
وكتابه الشهير "ثروة األمم" الذي اعتبر بداية التأسيس للنظام الرأسمالي ،حيث عرض فيه
أطروحاته المتعلقة بالحرية واليد الخفية التي تساهم في دفع الحركة االقتصادية وتشجيع
االستثمار ،في ظل حماية الدولة ولكن بعيدا عن تدخلها المباشر في تنظيم العمل.كما أوضح
1
.روبرت ألبريتن وآخرون ،أطوار التطور الرأسمالي :االزدهارات واألزمات والعولمات ،ترجمة عدنان حسن ،ص ص.91-92.من الموقع:
www.mohamedrabeea.com/books/book1_11200.pdf last visited 22/11/2000
*
:)0190-0260( Werner Sombartمفكر اقتصادي ألماني وأحد أبرز الباحثين في العلوم االجتماعية األوروبية في الربع األول من القرن
العشرين .كان عمله الرئيسي "الرأسمالية الحديثة" عام .0108
2
.حازم الببالوي ،النظام الرأسمالي ومستقبله ،دار الشروق ،مصر ،8000 ،ص.06.
3
.مورس دوب ،دراسات في تطور الرأسمالية ،ترجمة رؤوف عباس حامد ،دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ،اإلسكندرية ،8000 ،ص.80.
**
:)0220-0202 ( karl Marxفيلسوف ألماني وعالم في االقتصاد السياسي ،ومؤسس االشتراكية العلمية .
4
.المرجع نفسه ،ص.80.
*
:)0910-0980( Adam Smithفيلسوف واقتصادي ليبرالي ،يعد مؤسس علم االقتصاد السياسي وواضع مبادئه األولى في كتابه المشهور
"ثروة األمم" الذي نشر عام .0996وقد قامت على أفكاره ونظرياته أسس "المدرسة الكالسيكية" في االقتصاد.
12
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
فيه أن إتباع نظام السوق الحرة وإتاحة الحرية الكاملة لألفراد في تعامالتهم االقتصادية كفيل
1
بتحقيق النمو والرفاه االقتصادي.
+
ويرى (، )Hyman Minskyأن الرأسمالية أشكال متعددة وليست محصورة في قالب
واحد ال تحيد عنه وأن النموذج الرأسمالي السائد مالي ،أي أن الجانب المالي هو الطاغي
على النموذج الرأسمالي القائم الذي يصفه "برأسمالية المدراء الماليين" ،ويرى أن الرأسمالية
تعود إلى طبيعتها المتحررة في فترة الرخاء ،وعندما تتعرض لالضطرابات ال تجد مسلكا
2
سوى التدخل الحكومي.
أما ( ، )Milton Friedmanفيرى أن النظام الرأسمالي يقتضي ضرورة ترك النشاط
§
االقتصادي بصورة كلية لقوى العرض والطلب في السوق الحرة .وتتلخص فلسفته في أن
نظام السوق الحرة هو أفضل نظام اقتصادي يحقق الكفاءة في اإلنتاج والعدالة في توزيع
الدخل ،وأن الحل الذي يقدمه نظام السوق لمعالجة بعض المشاكل هو الحل األمثل ،وأي حل
آخر خارج هذا النظام سيكون أسوأ .كما أكد على أن دور الدولة هو إقامة العقود وحماية
الحدود وكل شيء آخر يمكن أن يؤدي إلى ربح -حتى المدارس والرعاية الصحية -يجب
3
تركه بالكامل للسوق.
*
ومن مفكري االقتصاد اإلسالمي :يرى المفكر (تقي الدين النبهاني) أن االقتصاد في النظام
الرأسمالي هو الذي يبحث في حاجات اإلنسان ووسائل إشباعها ،وال يبحث إال في الناحية
المادية من حياة اإلنسان .أي أن النظام االقتصادي الرأسمالي ال يعترف بوجود الحاجات
المعنوية واإلنسان في هذا النظام مادي بحت مجرد من الميول الروحية واألفكار األخالقية
والغايات المعنوية 4،وهو ال يبالي بما يجب أن يكون عليه المجتمع من رفعة معنوية ،بل همه
الوحيد المادة .فهو ال يغش حتى تربح تجارته ،وإذا ربحها بالغش يصبح الغش مشروعا ،وإن
5
كان تجويع الفقراء يزيد ثروته فإنه يقوم بتجويعهم.
+
ويرى المفكر اإلسالمي والخبير االقتصادي (يوسف كمال محمد) "أن النظام
االقتصادي انعكاس لعقيدة المجتمع ،وال يمكن عزل أي نظام عن جذوره العقائدية ،حيث
يتشكل هذا النظام ويتحرك في طريق إنمائي ويبتكر أدواته ،هذا األدوات إذن تخدم مجتمعا
رأسماليا أو اشتراكيا أو مجتمعا مسلما ،بصورة مختلفة كما وكيفا باختالف العقيدة التي يؤمن
بها الناس .والرأسمالية تقوم فلسفتها أساسا على مبدأ الحرية والكسب دون قيد واعتبار الربح
1
.كامل وزنة ،آدم سميث قراءة في اقتصاد السوق ،ص.ص .09-00.من الموقع:
https://www.4shared.com/web/preview/pdf/MavKGN4Z last visited 16/11/2017
+
:)0116-0101( Hyman Minskyاقتصادي أمريكي ،وصف أحيانا بأنه اقتصادي من مدرسة الكينزيين الجدد ،ألنه دعا إلى بعض التدخل
الحكومي في األسواق المالية،وعارض بعض سياسات إلغاء القيود المالية في الثمانينيات.
2
.أحمد مهدي بلوافي" ،هايمان مينسكي :ماذا يمكن أن يستفيد االقتصاديون المسلمون من أفكاره؟" ،مجلة جامعة الملك عبد العزيز ،المجلد ،89
العدد ،8000 ،0ص.009.
§
:)8006-0108( Milton Friedmanاقتصادي أمريكي ومؤسس مدرسة شيكاغو(المدرسة النقدية) ،حائز على جائزة نوبل عام 0196لعمله
على "تحليل االستهالك والتاريخ النقدي ومظاهر تعقيد سياسات االستقرار" .وهو مدافع قوي عن الليبرالية وأحد أكثر االقتصاديين تأثيرا في القرن
العشرين.
3
.ميلتون فريدمان ،الرأسمالية والحرية ،ترجمة مروة عبد الفتاح شحاتة ،كلمات عربية للترجمة والنشر ،القاهرة ،8000 ،ص.86.
*
تقي الدين النبهاني ( :)0199-0109فلسطيني ،تحصل على الشهادة العالمية في الشريعة من األزهر عام ،0108من أشهر مؤلفاته النظام
االقتصادي في اإلسالم.
4
.تقي الدين النبهاني ،النظام االقتصادي في اإلسالم ،الطبعة ،6دار األمة للنشر والتوزيع ،بيروت ،8009 ،ص.00.
5
.المرجع نفسه،ص.89.
يوسف كمال محمد ( :)8009-0108مصري ،عمل أستاذًا لالقتصاد اإلسالمي بجامعة عين شمس ،ثم بجامعة اإلسكندرية ،ثم
+
محاضرا بقسم
ً
االقتصاد اإلسالمي بكلية الشريعة بجامعة أم القرى .عين خبيرا اقتصاديا بالمعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،تميز بالجمع بين العلم العصري وبين
العلوم الشرعية
13
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
أهم حوافز اإلنتاج ،والمنفعة واإلشباع غاية لهذا كان من أدواتها الربا ،الضريبة ،واالحتكار،
1
فانتهى المطاف إلى االستغالل وتفاوت الدخول واألزمات".
ولتقديم تعريف موضوعي-بعيد عن التفسيرات األيديولوجية-للنظام االقتصادي
الرأسمالي ،سيتم فيما يلي التطرق ألهم الركائز التي يقوم عليها هذا النظام.
ثانيا :خصائص النظام االقتصادي الرأسمالي وأسسه ،يتسم النظام االقتصادي الرأسمالي
بمجموعة من الخصائص ،ويقوم على ركائز رئيسية يتألف منها كيانه الخاص الذي يميزه
عن األنظمة االقتصادية األخرى ،يمكن استعراضها فيما يلي:
-0خصائص النظام االقتصادي الرأسمالي :من أهم السمات التي تميز النظام االقتصادي
الرأسمالي:
0 -0سيادة النظرة العلمية لألمور بعيدا عن النظرة الدينية :لقد تنحى الدين من حياة
2
أوروبا بعد هزة عنيفة أصابته من العصر الوسيط ،وذاعت النزعة المادية في الفلسفة،
فالمعرفة أساسها مادي ،وال توجد الفكرة إال نتيجة للوجود السابق للمادة ،وبالتالي ال يمكن
استخالص المعرفة إال باستخدام المنهج التجريبي 3.أي أن الوضعيين ال يؤمنون إال
بالمحسوس ،حيث يقول أتباع األنظمة الوضعية "ال موجود إال المحسوس" ومنهم (John
Mill)* Stuartالذي يرى أن المجتمع الديني غير ليبرالي ألنه مجتمع خاضع لنظام حكم
فردي استبدادي ،ونظامه االجتماعي مؤسس على اإلجماع في الرأي وعلى تحريم النقد
والنقاش المفتوح .وبذلك ينتقد ()Millكل دين أو مجتمع متشدد في قوانينه األخالقية والدينية،
ويصرح" :إن التحريم يمس حرية الفرد ألنه يفترض أن الفرد ال يعرف مصلحته" 4.وتأسيسا
على ذلك ،تنظر الرأسمالية لإلنسان على أنه كائن مادي وتتعامل معه بعيدا عن ميوله
5
الروحية واألخالقية ،داعية إلى فصل الدين واألخالق عن االقتصاد.
6
8-0فكرة القانون الطبيعي :يقوم النظام الرأسمالي على فكرتين أساسيتين هما:
-أن الحياة االقتصادية تسير وفقا لقوى طبيعية محددة ،و الواجب هنا هو العمل على
استكشاف قوانينها العامة وقواعدها األساسية التي تصلح لتفسير مختلف الظواهر واألحداث
االقتصادية.
-أن تلك القوانين الطبيعية كفيلة بضمان تحقيق الرخاء االقتصادي ،إذا عملت في جو حر
وأتيح لجميع األفراد التمتع بالحريات :التملك ،االستغالل ،االستهالك .وأي تقييد لتلك
الحريا ت أو تدخل للدولة في الشؤون االقتصادية ،يعني الوقوف في وجه الطبيعة وقوانينها
التي كفلت لإلنسانية رخاءها وحل جميع مشاكلها.
ويقول (" ) Adam Smithلو أزيلت النظم كافة ،سواء ما تعلق منها باإليثار أو الضبط،
فإن نظام الحرية الطبيعية الواضح البسيط يثبت وجوده بمحض إرادته" .ويرى أن الشؤون
االقتصادية شأنها شأن عامة األشياء الطبيعية الموجودة في الكون المحكومة بقوانين طبيعية،
1
.يوسف كمال محمد ،اإلسالم والمذاهب االقتصادية المعاصرة ،الطبعة ،8دار الوفاء ،0110 ،القاهرة ،ص.0.
2
.المرجع نفسه ،ص.09.
.3مجدي محمود شهاب ،أسامة محمد الفولي ،أساسيات االقتصاد السياسي ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،8000 ،ص.090.
*
:) 0290-0206( John Stuart Millفيلسوف ومفكر اقتصادي انجليزي ،يعد أحد أهم أقطاب المدرسة الكالسيكية في االقتصاد .ترك عدة
مؤلفات في الفلسفة واالقتصاد السياسي.
4
.عبد الرحيم بن صمايل السلمي" ،الليبرالية نشأتها ومجاالتها" ،ص .00.من الموقع:
http://www.j4know.com/new_books/301471605301681.pdf last visited 10/07/2010
.5مجدي محمود شهاب ،أسامة محمد الفولي ،مرجع سابق ،ص.090.
6
.محمد باقر الصدر ،اقتصادنا ،الطبعة ،8مؤسسة بوستان ،خرسان0028 ،ه ،ص.899.
14
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
فكذلك االقتصاد محكوم بقوانين اقتصادية طبيعية ،ويجب أن تترك هذه القوانين لتعمل ذاتيا
1
دون تدخل يعيقها ،فعملها الذاتي كفيل بأن يحقق أفضل النتائج.
1-0الفردية واألنانية (المصلحة الذاتية) :يعتبر الفرد في نظر الفكر الرأسمالي الوحدة
األساسية التي ترتبط بها كل القيم واألحكام ،وهو رشيد ومنطقي وعقالني في اتخاذ قراراته،
2
أناني يسعى لتحقيق نفعه الخاص ،ومع ذلك فإنه في نفس الوقت يحقق مصلحة المجتمع.
ولعل أشهر عبارة وردت في هذا الخصوص "اليد الخفية" لصاحبها ( )Adam Smithفي
كتابه "ثروة األمم" عندما قال ":ليس بفضل كرم الجزار أو صانع الجعة أو الخباز أن نجد
عشاءنا ،وإنما يتحقق ذلك نتيجة سعيهم لمصالحهم الشخصية ،فنحن في هذا ال نشير إلى
إنسانيتهم بقدر ما نحرك أنانيتهم ...فهؤالء المنتجون وهم يسعون إلى تحقيق األرباح فإنهم
يشبعون حاجة المستهلكين ،وكأنهم مدفوعين بيد خفية لتحقيق المصلحة العامة" 3.ويقول
أيضا " :إن الفرد بسعيه لتحقيق مصالحه الخاصة فهو غالبا ما يحقق مصالح الجماعة بشكل
أكثر فعالية مما يمكن تحقيقه عندما يعمل باسم المصلحة العامة .فأنا لم أصادف خيرا من
4
وراء هؤالء الذين يعلنون العمل من أجل المصلحة العامة".
-8أسس النظام االقتصادي الرأسمالي :يقوم النظام االقتصادي الرأسمالي على األسس
التالية:
0-8الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج :يعطي النظام الرأسمالي الحرية الكاملة في تملك
تخول
وسائل اإلنتاج على اختالف أنواعها ودون أيه حدود تذكر .هذه الملكية الخاصة ّ ِّ
لصاحبها حرية االستعمال واالستغالل والتصرف بالطريقة التي تدر عليه أكبر عائد ممكن.
فاألساس القانوني للنظام الرأسمالي يتمثل في قدسية حق التملك الخاص وحرية العالقات
التعاقدية ويتعين على الدولة حماية هذه القدسية وفرضها 5.إن هذا التقدير الفائق لحق الملكية
6
الخاصة أدى إلى تحقيق نتائج مهمة لالقتصاد الرأسمالي:
-تنشيط الحافز على تنمية الثروة وتراكمها؛
-الحافز على تجميع األموال وزيادة الثروة ينمي روح المخاطرة لدى الفرد للحصول
على مزيد من األموال؛
-الشعور بالملكية الخاصة يدفع الفرد إلى حفظ ثروته ،فيكون دائم الحرص على
صناعته وجميع ممتلكاته لحمايتها من التلف؛
-يؤثر التفكير في زيادة الثرة وتنميتها على االستهالك ،حيث يميل الفرد إلى االعتدال
في االستهالك وتوفير المدخرات بغية تحويلها إلى استثمارات؛
8-8حافز الربح :الهدف األساسي والمباشر لمن يتخذ قرار اإلنتاج في النظام الرأسمالي هو
تحقيق الحد األقصى من الربح .والمنتج (الرأسمالي) في سعيه لتحقيق أقصى ربح – حسب
منظري الرأسمالية -فإنه يحاول أن يقلل تكاليف اإلنتاج إلى أدنى حد وهذا من شأنه أن يؤدي
1
last visited 26/07/2013www.hamaim.com .عبد اللطيف هميم"،األزمة المالية والبديل الثالث (سقوط الرأسمالية)" ،من الموقع:
2
.مجدي محمود شهاب ،أسامة محمد الفولي ،مرجع سابق ،ص.090.
3
.حازم الببالوي ،مرجع سابق
4
.Harry Landreth, David C. Colander, History of economic thought, fourth edition, Houghton Mifflin
Company,Boston, 2002, p.26.
5
.مجدي محمود شهاب ،أسامة محمد الفولي ،مرجع سابق ،ص.090.
6
.الطيب داودي ،مدخل لعلم االقتصاد في الفكر الرأسمالي-االشتراكي-واإلسالمي ،مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع ،األردن،8000 ،
ص.20.
15
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
إلى االستخدام األمثل للموارد .كما أن دافع الربح هو الذي ينمي روح المخاطرة لديه،
1
ويحفزه على تبني االبتكارات والتحسينات والتطوير المستمر في أساليب اإلنتاج.
1-8الحرية االقتصادية :إن الحرية االقتصادية ركيزة من ركائز النظام الرأسمالي إلى
جانب الملكية الخاص ة وحافز الربح .والمقصود بها عدم تدخل الدولة في النشاط االقتصادي،
ووفقا لهذه الركيزة ،األفراد لهم الحرية الكاملة في طرق استثمارهم لألموال ،وفي إنتاجهم
للسلع والخدمات ،وفي تحديد الشروط التي يشترون على أساسها اآلالت أو الموارد أو
العمل 2.وبحسب سميث فإن المنتج(الرأسمالي) أعرف وأدرى باالستخدام األمثل لرأس المال
الذي يمتلكه ،ويرى أن تدخل الدولة في القرارات االقتصادية لألفراد بدافع توجيه رؤوس
األموال إلى أفضل الفروع اإلنتاجية أو أكثرها نفعا ليس له أي مبرر ومن شأنه أن يؤدي إلى
ضرر كبير .ويدعم دفاعه عن الحرية االقتصادية وعدم تدخل الدولة قائال" :إن الدولة بحكم
انتفاء المصلحة الشخصية تتصف باإلسراف والتبذير على عكس األفراد ،فالدولة إن كانت
مخلصة في تدعيم االقتصاد الوطني فما عليها إال أن تحد من إسرافها وتبذيرها وتقتصد في
نفقاتها تاركة لألفراد إدارة نشاطهم االقتصادي بما يتفق ومصالحهم الخاصة التي البد أن
تؤدي في النهاية في إطار مجتمع قائم على الحرية والمنافسة لما فيه خير المجتمع
3
ورفاهيته".
كما أن مبدأ حرية اإلنتاج يقابله مبدأ حرية االستهالك ،بمعنى أن لكل فرد الحرية في
التصرف في دخله وأمواله كما يشاء على حاجاته ورغباته .وعلى هذا األساس تقوم
4
الرأسمالية على ثالث حريات :حرية التملك االستغالل ،االستهالك.
4-8المنافسة :تنبع من قاعدة الحرية ،فطالما يتمتع األفراد بهذه الحرية في الميدان
االقتصادي فإنهم يتنافسون فيما بينهم من أجل تحقيق الكسب المادي بدافع من المصلحة
الذاتية ،فالمنتجون يتنافسون في زيادة اإلنتاج وتحسينه واستخدام الموارد االقتصادية بأفضل
الطرق وأكثرها كفاءة ،والسعي دائما إلى ابتكار أفضل أساليب اإلنتاج وكسب األسواق من
أجل تصريف المنتجات وتحقيق أكبر أرباح ممكنة .والمستهلكون يتنافسون فيما بينهم للفوز
بالسلع التي يحتاجون إليها .هذه المنافسة القائمة على عرض عدد كبير من المنتجين لسلعهم
دون قيود أو شروط وطلب عدد كبير من المستهلكين للسلع دون قيود ،هي األساس األول
للسوق الحرة 5.إن المحافظة على المنافسة الحرة التي تقوم على العرض والطلب ستحقق
6
حسب منظري الرأسمالية العديد من المزايا وااليجابيات أهمها:
-الكفاءة في استخدام الموارد االقتصادية؛
-حرية االختيار الواسعة بالنسبة لالستهالك واإلنتاج واالستثمار ،حيث يمكن للمستهلك
شراء السلع والخدمات التي يرغب بها مما يجعله سيدا في اتخاذ قراراته .أما المستثمر
فيسعى دائما للد خول في المشروعات األكثر ربحية وله الحرية المطلقة في اختيار عوامل
اإلنتاج ألنسب الوظائف والمهن وجهات العمل مما يؤدي إلى الرفع من الكفاءة اإلنتاجية
للمشروعات االقتصادية ،وتعظيم أثر الرفاهية للمستهلكين والمنتجين؛
1
.يوسف كمال محمد ،مرجع سابق ،ص.81.
2
.حسين عمر ،النظريات االقتصادية ،دار الكتاب الحديث ،القاهرة ،سنة النشر غير موجودة ،ص.60.
3
.محمد عمر أبو عبيدة ،عبد الحميد محمد شعبان ،تاريخ الفكر االقتصادي ،الشركة العربية المتحدة للتسويق والتوريدات ،القاهرة،8002 ،
ص.809.
4
.محمد باقر الصدر ،مرجع سابق ،ص.899.
5
.يوسف كمال محمد ،مرجع سابق،ص.00.
6
.الطيب داودي ،مرجع سابق ،ص.20.
16
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
الوسطى كانت الثروة مرتبطة بالهيمنة على األرض الزراعية ال بملكية المال ،واإلنتاج ليس
للسوق وإنما لال ستهالك من قبل المنتج (الفالح القن) ومالك األرض الذي يستخلص الفائض
من المنتجات الزراعية ويستولي عليه بقوة سلطانه كصاحب لألرض .وفي أواخر القرن
الخامس عشر بدأت عالقات السوق تحل محل العالقات اإلقطاعية وأصبح اللوردات هم
أصحاب األرض الزراعية ويعيشون على ريعها الذي يدفعه الفالحون المستأجرون لألرض
والذين يتنافسون في السوق على إيجارها ،وزادت العمالة المأجورة الستغالل األرض
وتحولت األراضي إلى ممتلكات خاصة تباع وتشترى .وأدت المنافسة بين المزارعين إلى
االبتكار واإلبداع للحصول على محاصيل أكبر وأجود .وهكذا أصبحت الزراعة السوقية أو
1
المنضوية ضمن آليات السوق البداية التي مهدت لظهور الرأسمالية.
وبذلك تراكم رأس المال بصورة تدريجية في أيدي التجار الذين يشترون المنتجات
الزراعية من المزارعين ويبيعونها في األسواق .وازداد نفوذهم واشتدت سطوتهم ،فشرعوا
من ث ّم في دعم االكتشافات العلمية التي كانت ضرورية لبناء السفن المتطورة وآلة الحرب
2
المدمرة وذلك للحصول على مزيد من الثروة والسلطة.
كما تميزت هذه المرحلة باالكتشافات الجغرافية ،التي بدأت قبيل انتهاء القرن الخامس
عشر ،حيث تمكن األوروبيون من الوصول إلى الهند والعالم الجديد ،حيث تم اكتشاف العالم
األمريكي عام 0918وكذلك الطريق البحري إلى الهند عام 0912مما أدى إلى نمو التجارة
3
وثراء المشتغلين بها.
وقد كان نشوء المدن األوروبية الحديثة أحد أسباب نمو الرأسمالية وتطورها ،فقد تمت
الوحدة الفرنسية في الفترة الممتدة بين ()0920-0920؛ وفي بريطانيا خالل الفترة(-0920
)0001؛ أما في إسبانيا قامت سلطة الملوك الكاثوليك في عام 0961؛ وقد أدى ذلك إلى
اضمحالل سلطة األمراء اإلقطاعيين والتغلب على سيطرة الكنيسة على جميع شؤون الحياة،
واستطاعت عزلها خارج نظام الحكم .ولكن هذه الدول احتاجت لمؤسسات لتسيير شؤون
الدولة كما احتاجت إلى جيوش لحمايتها والدفاع عن أراضيها ،فكانت بحاجة إلى أموال
كبيرة لتجسيد هذه المهمة 4.فتكاتفت مع التجار الذين وفروا لها األموال ،وكانت هي-الدولة
5
الحديثة -أداة قوية لحماية مصالحهم وتنميتها.
كما كانت النهضة الفكرية والعلمية واإلصالح الديني في أوروبا من أهم األحداث التي
أثرت في التطور السياسي واالقتصادي األوروبي وساهمت في نمو الرأسمالية ،ولقد كان
التصال الغرب بالعالم العربي اإلسالمي من خالل الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر
واستمرت حتى القرن الرابع عشر ،وقبل ذلك في صقلية وإسبانيا أثرا واضحا في الحركة
العلمية والفكرية لعصر النهضة التي شهدتها أوروبا على مشارف عصورها الحديثة .فقد
قامت تلك الحركة على ترجمت مؤلفات الفالسفة العرب والتراث اليوناني القديم الذي حفظه
العرب باللغة العربية وزادوا عليه شروحهم الخاصة ،كما كان العالم العربي آنذاك مكتبة
عظيمة تضم التراث العالمي وإبداعات العصر الفريدة التي أنتجتها الحضارة العربية
واإلسالمية في مختلف مجاالت العلوم :علم الجبر والهندسة ،الطب والصيدلة ،علم الفلك
1
.جيمس فولتشر ،مقدمة قصيرة عن الرأسمالية ،ترجمة رفعت السيد علي ،دار الشروق ،القاهرة ،8000 ،ص ،00.ص ص.90-90.
2
.أيوب أبو دية ،علماء النهضة األوروبية ،دار الفارابي ،لبنان ،8000 ،ص.81.
3
.مدحت القريشي ،تطور الفكر االقتصادي ،الطبعة ،8دار وائل للنشر والتوزيع ،األردن ،8000 ،ص.28.
4
.الطيب داودي ،مرجع سابق ،ص ص.800-809.
5
.مدحت القريشي ،مرجع سابق،ص.20.
18
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
والفيزياء وغيرها .وتمت دراسة كل هذه العلوم بعقل متحرر من الدين وقيود الكنيسة ،وكانت
هذه االستقاللية من األسباب الرئيسية التي شجعت العلم على التطور بهدف تحقيق طموحات
التوسع التجاري عبر تطوير تكنولوجيا السفن واإلبحار ،فضال عن تطوير وسائل المالحة
وتكنولوجيا اإلنتاج المختلفة ،ومما الشك فيه أن ذلك كله ساهم في ازدهار األعمال الحرفية
1
والصناعات اليدوية وحركة رأس المال والتجارة.
ثانيا :المرحلة من منتصف القرن السادس عشر حتى الربع األخير من القرن الثامن عشر،
لقد ساهمت التطورات السابقة (نشوء الدول الحديثة ،وانهيار النظام اإلقطاعي ،النهضة
األوروبية والكشوف الجغرافية) في بروز وتعزيز الرأسمالية التجارية في الحياة االقتصادية
األوروبية وانتشارها نتيجة الدور الحاكم الذي لعبته التجارة ،والتجار الذين لعبوا دورا فاعال
في تشجيع وتبني االكتشافات الجغرافية وتراكم رأس المال التجاري نتيجة تجارتهم بالسلع
الثمينة مع شعوب البحر المتوسط في الهند والصين .وهكذا سيطر رأس المال التجاري على
أسواق العالم وتزايدت المبادالت التجارية في هذه المرحلة بهدف توفير المعادن النفيسة ،فقد
كان الغرب في أمس الحاجة إلى الثروة في ذلك الوقت لمواجهة التوسع االستعماري
2
ومتطلباته الكبيرة.
وقد استطاعت الرأسمالية التجارية بشركاتها العمالقة ومن خالل ما كونته من
إمبراطوريات واسعة أن تكدس أرباحا ضخمة مكنت من تحقيق موازين تجارية مواتية(ذات
فائض) للدول األوروبية .وقد كانت تلك األرباح والثروات الهائلة التي كونها التجار أحد
المصادر الهامة للتراكم المبدئي لرأس المال في مرحلة الثورة الصناعية 3،حيث كان التجار
األغنياء الذين تراكمت لديهم رؤوس أموال ضخمة يبحثون عن مشروعات صناعية
استثمارية جديدة من أجل تحقيق مزيد من الثروة بتصدير هذه المشروعات .وأدت التطورات
العلمية واالختراعات الفنية إلى خروج اآللة التي تعمل بالبخار إلى الوجود ،مما أدى إلى
تحقق المشروعات الصناعية التي كان أصحاب رؤوس األموال يبحثون عنها كمجاالت
4
جديدة لالستثمار.
ثالثا :المرحلة الممتدة من الربع األخير من القرن الثامن عشر إلى أواخر القرن التاسع
عشر ،تعرف هذه المرحلة بالرأسمالية الصناعية ،حيث تطور اإلنتاج الصناعي ابتداء من
الربع األخير من القرن الثامن عشر ،فترة إعالن الثورة الصناعية في انجلترا ،والتي تعني
"االنتقال من الصناعة اليدوية إلى الصناعة اآللية عن طريق تحوالت كيفية في فنون اإلنتاج
وطرق تنظيمه باالنتقال إلى نظام المصانع القائم على التقسيم الفني للعمل" مما أدى إلى
بلورة عالقات اإلنتاج في المجتمع الرأسمالي ،أين يتركز اإلنتاج الصناعي في عدد من
المصانع التي يمتلكها أصحاب رؤوس األموال ،وتجمع كل منها عددا كبيرا من العمال
يقومون باإلنتاج .وأدى نظام المصانع إلى زيادة نفوذ أصحاب رؤوس األموال وسيطرتهم
على معظم عوامل اإلنتاج .كما أدى هذا التحول إلى خلق طبقة جديدة وهي طبقة المديرين
إلدارة المشروعات فبدأت المشاريع في التوسع من أجل زيادة األرباح 5.كما غلب على هذه
1
.محمد عمر أبو عبيدة ،عبد الحميد محمد شعبان ،مرجع سابق ،ص 89.؛ أيوب أبو دية ،مرجع سابق ،ص.01 ،08 ،00 ،89.
2
.هيفاء عبد الرحمان التكريتي ،آليات العولمة االقتصادية وآثارها المستقبلية في االقتصاد العربي ،دار حامد للنشر والتوزيع ،األردن ،8000 ،ص
ص.96-90.
3
.غازي الصوراني ،مرجع سابق.
4
.أشرف حافظ ،الرأسمالية وأزمة الفكر العربي ،دار كنوز المعرفة ،األردن ،8001 ،ص ص.98-90.
5
.رابح بوقرة ،عبد هللا دخبابة ،الوقائع االقتصادية من التاريخ القديم إلى بداية القرن الواحد والعشرين ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية،8009 ،
ص ص.20-29.
19
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
المرحلة مذهب حرية التجارة وحياد المالية العامة على الفكر االقتصادي ،بحيث كان تدخل
الدولة محدودا في المجاالت االقتصادية .فالدولة بشكل عام دولة حارسة تؤمن الدفاع األمن
1
والعدالة ،والسوق هو الذي يقوم بالدور االقتصادي الرئيسي.
وقد لعبت"ثورة المواصالت" -النقل البحري والسكك الحديدية -وما أتاحته من اتصال
بأبعد المناطق دورا خطيرا في فتح هذه المناطق وغزوها بالمنتجات الصناعية الجديدة .كما
شهدت هذه المرحلة أيضا بداية تنظيم االقتصاد العالمي ألول مرة في التاريخ ،حيث كان
المبدأ األساسي هو التقسيم الدولي للعمل بين مجموعة صغيرة من البلدان الرأسمالية
الصناعية في جانب ،والبلدان األخرى (المستعمرات في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية)
والتي كانت تعيش في مرحلة سابقة عن الرأسمالية في جانب آخر ،فأصبحت مصدرا للمواد
الخام التي تحتاجها المجموعة األولى في صناعاتها ،وسوقا للمنتجات الصناعية التي ال
تستطيع إنتاجها بنفسها .وانتقلت رؤوس األموال بحرية بين الدول في النطاق الذي يوفره
الغطاء الذهبي الذي ازداد دوره في تنظيم العالقات االقتصادية بين البلدان بدءا من عام
0290وأصبح النظام النقدي المعمول به بعد أن زالت الصفة النقدية عن الفضة 2.وهكذا
انكشف اتجاه واضح إلى تدويل الحياة االقتصادية وزاد اعتماد الصناعة على الخارج ،فقد
أصبحت السوق المحلية أضيق من أن تفي باحتياجات تنمية اإلنتاج فكان البد من إدخال
السوق الخارجية لتصبح امتدادا للسوق الداخلية .ومن ث ّم أخذت الرأسمالية على عاتقها عن
طريق الصناعة اآللية إخراج عملية اإلنتاج من حدود البلد الواحد إلى العالم كله 3.والواقع أن
الرأسمالية منذ بدايتها ،وهي تسعى لنقل أسلوب إنتاجها إلى خارج حدودها في نفس الوقت
الذي كانت تسعى إلى مصادر المواد األولية وأسواق لتصريف منتجاتها في الخارج .وذلك
4
ألجل إدماج العالم كله في سوق رأسمالية عالمية واحدة.
رابعا :المرحلة الممتدة من أواخر القرن التاسع عشر إلى نهاية الحرب العالمية الثانية،
أخذت الرأسمالية المالية في الظهور في بداية هذه المرحلة -نهاية القرن التاسع عشر ،-حيث
تزايد نشاط البنوك وتقديمها لالئتمان الكبير لكبار الرأسماليين الصناعيين ،وهكذا نشأت
الصلة الوثيقة بين البنوك والصناعة ،وتطورت العمليات لتكون النتيجة هي خضوع الرأس
مال الصناعي للبنك واندماجه مع رأس المال المصرفي ليشكال ما يسمى رأس المال المالي.
وجرى ال تحول من سيطرة رأس المال بوجه عام إلى سيطرة رأس المال المالي ،أي رأس
المال الموجود تحت تصرف البنوك والذي يستخدمه رجال الصناعة .وهكذا كان رأس المال
المالي المتركز بأيدي فئة قليلة يحصل على أرباحه من تأسيس المشروعات اإلنتاجية
وإقراض رجال الصناعة .ولكنه فيما بعد أخذ يكتسب طابعا ريعيا حيث صارت الرأسمالية
المالية تحصل على أرباحها من توظيف رأس المال ال على استثماره ،أي تحصل على
األرباح من األوراق المالية المتداولة في األسواق المالية ال على ربح المشروعات
5
اإلنتاجية.
1
.حازم الببالوي ،النظام االقتصادي الدولي المعاصر ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،8000 ،ص.6.
2
.غازي الصوراني ،مرجع سابق؛ جيمس فولتشر ،مرجع سايق ،ص ص.080-088.
3
.فؤاد مرسي ،الرأسمالية تجدد نفسها ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،0110 ،ص ص.11-12.
4
.المرجع نفسه ،ص.10.
5
.فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص ص.800-809.
20
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
ومع بداية هذه المرحلة أخذت الرأسمالية تنتقل من أوضاع المنافسة إلى أوضاع
االحتكار حيث زادت درجة تركز اإلنتاج ورأس المال وأخذت المؤسسات الصناعية الكبيرة
تزيح من أمامها المؤسسات الصغيرة .فمن أجل تعظيم الربح على المدى الطويل ومواجهة
تقلبات السوق و التعامل مع المنافسة ،كانت الوسيلة الرئيسية أمام أصحاب الصناعات
واألعمال التكتل إما بشراء مصنع منافس أو التوحد واالندماج .وقد تمت تلك العمليات بقوة
في البلدان الرأسمالية وعلى رأسها بريطانيا بدءا من أواخر القرن التاسع عشر منهية بذلك
1
عصر رأسمالية المنافسة.
كما شهدت بداية هذه المرحلة سباقا محموما بين البلدان الرأسمالية ( تنافس رأس المال
البريطاني مع الرأس المال الفرنسي ،وبروز الرأس المال األلماني) للبحث عن مغانم جديدة
في إفريقيا ،آسيا وأمريكا الجنوبية واقتسامها لكن كان التقسيم غير متكافئ بين هذه القوى مما
أشعل الصراع بينها وأدى إلى اندالع الحرب العالمية األولى .إن هذا الصراع كان من أجل
تحقيق الهيمنة االقتصادية الدولية ألحد رؤوس األموال(البريطاني ،الفرنسي ،أو األلماني)
للتمكن من االستفادة القصوى في عالقاته الدولية االقتصادية والسياسية .ولقد كانت الهيمنة
طوال القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية األولى للرأس المال البريطاني حيث بدأت
تلك الهيمنة من التفوق االقتصادي النسبي وارتكزت على القوة العسكرية ،كما استفادت من
سيادة قاعدة الذهب في السوق الدولية التي كانت تعني إمكانية استبدال الذهب بالعملة الورقية
محليا ودوليا في نفس الوقت ،فجعلت من السوق الدولية امتداد للسوق البريطانية من حيث
تسوية المدفوعات الدولية ،ومكنت بريطانيا المتفوقة صناعيا من توسيع السوق لمنتجاتها
الصناعية وجعلت من الجنيه اإلسترليني العملة الرئيسية في العالم ومن مدينة لندن مركز
السوق المالية 2.ثم جاءت الحرب العالمية األولى عام ،0109وتسببت في انهيار نظام الذهب
نتيجة قيام البلدان المتحاربة بالتخلي عن قاعدة الذهب واإلسراف في إصدار النقود الورقية
لتمويل احتياجات الحرب ،كما فرضت القيود على التجارة ،وبعد الحرب حاولت بريطانيا
العودة إلى قاعدة الذهب على أساس سعر الجنيه اإلسترليني بالنسبة للذهب كما كان سائدا قبل
الحرب ،ولكنها اضطرت للتخلي مرة أخرى عن هذا النظام عام 0100بسبب الكساد الكبير
الذي ضرب االقتصاد العالمي في 0181حيث انهارت البورصات وتضخمت البطالة في
بريطانيا والواليات المتحدة األمريكية وألمانيا وباقي البلدان الرأسمالية ،وبدأت هذه البلدان
بتطبيق سياسا ت الحماية الجمركية وتخفيض العمالت بقصد كسب األسواق ووضع العقبات
أمام حركة رؤوس األموال .وفي الوقت نفسه ظهر االتحاد السوفيتي الذي أخذ بنظام
اقتصادي مناقض تماما للنظام الرأسمالي .وهكذا مثلت الفترة ( )0190-0109ما سماه
البعض "بالفوضى االقتصادية الدولية" ،بفعل حربين عالميتين ،وكساد كبير وما ترتب
عنهما من انقطاع تدويل التبادل الرأسمالي والتجاري ،إلى جانب قيام نظام اقتصادي
3
اشتراكي مناقض للرأسمالية.
خامسا :المرحلة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى أواخر الثمانينيات ،عند نهاية
الحرب العالمية الثانية ظهر الرأس مال األمريكي كرأس المال المهيمن على االقتصاد الدولي
ليحتل المكانة التي كان يحتلها رأس المال البريطاني .وبدأ رأس المال األمريكي ينظر إلى
1
.غازي الصوراني ،مرجع سابق؛ جيمس فولتشر ،مرجع سابق ،ص.60.
2
.محمد دويدار ،مبادئ االقتصاد السياسي ،االقتصاد الدولي ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،8009 ،ص ص.010-019.
3
.حازم الببالوي ،النظام االقتصادي الدولي المعاصر ،مرجع سابق ،ص ص9-6.؛ محمد دويدار ،مرجع سابق ،ص.800.
21
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
عالم تزول منه العوائق ليكون سوقا دولية متسعة ،ويكون له فيها حرية الحركة في االستثمار
خارج الواليات المتحدة األمريكية وفي التجارة الدولية بين أرجاء االقتصاد الرأسمالي
الدولي .ولكي يتحقق ما كانت تسعى إليه الواليات المتحدة ،كان من الضروري أن يقوم نظام
نقدي دولي يكون محوره الدوالر األمريكي باعتباره سيد العمالت ،ويضمن حد أدنى من
االستقر ار بين عمالت العالم الرأسمالي .وهذا ما حصل في مؤتمر بريتون وودز الذي انعقد
بدعوة من الواليات المتحدة في عام .0199وتم التوصل في هذا المؤتمر إلى نظام يرتكز
على الذهب والدوالر األمريكي ،حيث يتم تثبيت عمالت العالم الرأسمالي عند أسعار صرف
محددة على الدوالر األمريكي ،الذي كان يتعين تثبيت سعره على الذهب بسعر 00دوالر
لألونصة .وكان يتعين على كافة الدول األعضاء أن تلتزم بأسعار صرف ثابتة وال تجر أي
تغيير إال بموافقة صندوق النقد الدولي الذي أنشئ في مؤتمر بريتون وودز لإلشراف على
هذا النظام.كما أن الواليات المتحدة ملزمة بتحويل الدوالرات إلى ذهب ألي دولة عضو بهذا
السعر 1.كما تم إنشاء البنك الدولي لإلنشاء والتعمير كمؤسسة دولية تشرف على حركة
رؤوس األموال الدولية ،مهمتها األولى إعادة تعمير أوروبا المتضررة من الحرب وتوفير
المناخ مناسب لالستثمار العالمي ،أما حركة التجارة الدولية فقد فشل المؤتمر في الوصول
إلى مؤسسة دولية تشرف على حركة التجارة الدولية على غرار صندوق النقد الدولي والبنك
الدولي لإلنشاء والتعمير ،وفي عام 0199اكتفت البلدان الرأسمالية بإنشاء
سكرتارية) (GATTوالتي تقضي بتخفيض الضرائب الجمركية بصورة متبادلة على
الواردات السلعية للدول المشاركة 2.وهكذا شهدت هذه المرحلة قيام نظام اقتصادي عالمي
جديد يقوم على ثالث ركائز هي استقرار سعر الصرف ،وحرية انتقال رؤوس األموال
وضمان حرية التجارة الدولية ،وقدم هذا النظام كأيديولوجية اقتصادية جديدة تقودها وتمثلها
3
الرأسمالية األمريكية.
وخالل ربع القرن التالي للحرب العالمية الثانية ،عرفت البلدان الرأسمالية الصناعية
الكبرى نموا اقتصاديا سريعا وثابتا نسبيا ،فأطلق عليه اسم العصر الذهبي للرأسمالية .كان
سببه الدور التدخلي الذي لعبته الدولة في االقتصاد في كافة الدول الرأسمالية الصناعية في
تلك الفترة .ففي الواليات المتحدة األمريكية لعبت الدولة دورا فاعال جدا بما في ذلك
اإلشراف على عالقات رأس المال-العمل ،تنظيم االقتصاد الكلي عبر السياسة االقتصادية
الكينزية ومراقبة القطاع المالي وتحفيز النمو من خالل االستثمار العام في البنية التحتية
االقتص ادية والتعليم ،وتأمين ضمان الدخل لألفراد .مما جعل البعض يطلق عليها "الرأسمالية
المقيدة من الدولة"" ،رأسمالية الدولة"" ،رأسمالية دولة الرفاه""،رأسمالية الدولة
االحتكارية" وغيرها من التوصيفات .وقد كان الخوف من النظام المنافس (االشتراكية) في
االتحاد السوفيتي وكتلته في أوروبا الشرقية سببا هاما في الدور التدخلي للدولة في
أن العمال قد يتحولون إلى الشيوعية، االقتصادات الرأسمالية الكبرى فقد كان القلق من ّ
مشجعا على قبول إجراءات دولة الرفاهية ،والخوف من التفوق األدائي االقتصادي للدول
االشتراكية سريعة النمو ،عزز الدعم لتدخل الدولة الهادف إلى تسريع التراكم الرأسمالي،
هذا من جهة .ومن جهة أخرى ،الخوف من تكرار االنهيار المفاجئ عام 0181والكساد
1
.محمد دويدار ،مرجع سابق ،ص.801.
2
.عبد المطلب عبد الحميد ،النظام االقتصادي العالمي الجديد وآفاقه المستقبلية بعد أحداث 00سبتمبر ،مجموعة النيل العربية ،القاهرة،8000 ،
ص.80.
3
.حازم الببالوي ،النظام االقتصادي الدولي المعاصر ،مرجع سابق ،ص.09.
22
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
الكبير الناجم عنه ،دفعها الستعمال األجهزة التدخلية للدولة إلعادة هيكلة القوى اإلنتاجية،
وتطوير مؤسسات مالية مالئمة يمكنها أن تؤمن استقرار النظام الرأسمالي .ورغم أن تفاصيل
هذه اإلستراتيجية قد اختلفت من بلد إلى آخر فقد كانت المهمة عالمية ،بتنسيق من رأس المال
األمريكي .حيث شوهد وألول مرة درجة من الوحدة بين الدول الرأسمالية الكبرى بقيادة
1
الواليات المتحدة األمريكية لم تكن تشاهد في األطوار السابقة للرأسمالية.
انهار نظام بريتون وودز النقدي الدولي خالل الفترة ( )0190-0169عندما فقدت
الواليات المتحدة األمريكية هيمنتها االقتصادية على التجارة الدولية ،فبسبب الحرب الباردة
عمدت الواليات المتحدة إلى إرسال الدوالرات األمريكية بشكل مستمر إلى الخارج ،مما
أحدث لها عجزا شديدا في ميزان المدفوعات ،واتساع في الدين والتضخم .فلم تعد الواليات
المتحدة نتيجة هذه الضغوط قادرة على الحفاظ على قابلية الدوالر للتحويل إلى الذهب،
وأجبرت في النهاية عن التخلي عن هذه القاعدة وبدأت مرحلة التعويم (أسعار الصرف تتحدد
و فقا لقوى العرض والطلب) في أوائل السبعينيات .كل هذه التغيرات أدت إلى نهاية العصر
الذهبي للرأسمالية وبداية طور جديد تميز بالهبوط في معدل نمو االقتصاد العالمي وتنامي
البطالة وارتفاع التضخم (الركود التضخمي) ،واالنفصال المتزايد للنقد والمال عن االقتصاد
2
الحقيقي.
وبنهاية العصر الذهبي للرأسمالية ،بدأ الدور االقتصادي للدولة في التقلص كنتيجة
لفشل الكينزية في حل الركود التضخمي الذي طال أمده .ومنذ بداية الثمانينيات ،حلت
الليبرالية الجديدة محل الكينزية ،لتصبح الموقف السياسي السائد في العالم الرأسمالي.
فخفضت نف قات الدولة في الرفاه والتعليم والصحة كما خفضت الضرائب على الشركات
الكبرى الرأسمالية ،وتم تقليص عدد العاملين في قطاع الخدمات العامة ،وتمت خصخصة
المشاريع العامة ،ورفعت القيود والقواعد المنظمة إلعادة إحياء السوق الحرة التنافسية في
3
كل أنحاء العالم .وقد تم تبن ي هذه السياسة في عهد الرئيس األمريكي ( Ronald
*)Reaganعام 0120ورئيسة الوزراء البريطانية (**)Margaret Thatcherعام ،0120
اللذين عمما هذه الرسالة في بلديهما 4،وحددا أهدافها األساسية في :تدمير االتحاد السوفيتي،
فتح أسواق العالم أمام الرأس المال األمريكي ،إنشاء منظمة التجارة العالمية 5.وكانت
خطوتهما األولى هي رفع الرقابة على حركة رؤوس األموال من وإلى الواليات المتحدة
األمريكية وبريطانيا وبذلك رفعت كافة الحواجز في وجهها دخوال وخروجا ،ثم تضاعف
6
عدد الدول التي عمدت إلى إلغاء القيود والحواجز على حركة رؤوس األموال.
أثناء الفترة ( ،)0110-0121تخلى االتحاد السوفيتي عن االشتراكية فجأة وبدأ السعي
إلقامة الرأسمالية بدال منها .إن ّالزوال المفاجئ للنظام االشتراكي المنافس جعل النظام
الرأسمالي نظاما عالميا من الناحية الجغرافية .وفسر على نطاق واسع على أنه برهان ودليل
1
.روبرت ألبريتن وآخرون ،مرجع سابق ،ص009،009،000،18،080.
2
.المرجع نفسه ،ص ص.090-098.
3
.المرجع نفسه،ص.086.
*
:)8009-0100( Ronald Reaganشغل منصب الرئيس األربعين للواليات المتحدة في الفترة من( .)0121 - 0120
**
:)8000-0180( Margaret Thatcherأول امرأة شغلت منصب رئيسة الوزراء في بريطانيا وكان ذلك خالل الفترة (.)0110-0191
4
.عبد المنعم السيد علي "،مستقبل النظام الرأسمالي واستقراره في ظل األزمات المالية العالمية والعولمة المالية" ،المؤتمر العلمي العاشر:
االقتصادات العربية وتطورات ما بعد األزمة االقتصادية العالمية ،الجمعية العربية للبحوث االقتصادية ،بيروت ،يومي 80-01ديسمبر،8001
ص.00.
5
.روبرت ألبريتن وآخرون ،مرجع سابق ،ص.800
6
.صالح مفتاح" ،العولمة المالية" ،مجلة العلوم اإلنسانية ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،العدد ،8008 ،8ص.809.
23
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
واضح بأن أي شكل من أشكال تقييد الدولة لالقتصاد مصيره الفشل ،وعمق إيمان الليبراليين
1
الجدد بالفعالية االقتصادية وبعقالنية نظام السوق الحرة التنافسي.
سادسا :مرحلة عولمة الرأسمالية ،بعد زوال المعسكر االشتراكي وانتهاج العديد من الدول
االشتراكية النظام الرأسمالي ،برز بشكل واضح مصطلح العولمة كفكر وممارسة.كفكر
لدعم السياسات الليبرالية الجديدة مثل رفع القيود عن حركة السلع والخدمات ورؤوس
األموال على المستويين المحلي والخارجي لتحقيق سوق رأسمالية أكثر انفتاحا .وعندما تم
تبني هذه السياسات من قبل البلدان الرأسمالية والبلدان االشتراكية –سابقا -وغيرها من
البلدان النامية ،وجرى تطبيقها على أرض الواقع ،تحققت العولمة ليس فقط من خالل
االنتشار الجغرافي للرأسمالية ،بل من خالل الحد الذي اندمجت فيه األنظمة الرأسمالية في
العالم مع بعضها البعض من الناحية االقتصادية .وقد جرى تنفيذها من قبل المؤسسات
االقتصادية الدولية الثالث :المنظمة العالمية للتجارة ،البنك الدولي ،وصندوق النقد الدولي
الذي ينصح الدول بإتباع النموذج األمريكي لنظام األعمال والسوق بوصفه معيارا عالميا
2
واقعيا ألجل كل االقتصادات في عصر العولمة.
وفي نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين أصبح النظام الرأسمالي
أكثر عولمة مقارنة بمراحله السابقة ،ومن أهم السمات التي ميزت النظام الرأسمالي في هذه
المرحلة وجعلته أكثر عولمة:
-0الثورة العلمية والتكنولوجية ،على مر التاريخ كانت االبتكارات التكنولوجية والفكرية
هي القوة المحركة للعولمة وحتى قبل الثورة الصناعية ،فقدرة البشر على المالحة في البحار
بالسفن أدت إلى تسهيل ميالد إمبراطوريات عالمية ،وحركة األفراد بين المحيطات ،وتوسع
التجارة العالمية .لكن بعد الثورة الصناعية تسارعت التكنولوجيا وخلقت فرصا جديدة ،فكانت
القطارات العاملة بالبخار والبواخر والتلغراف هي محركات العولمة أواخر القرن التاسع
عشر .ولكن ما يقود عولمة أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين هي
الطائرات النفاثة وسفن الحاويات ،واالنترنت والهواتف المحمولة 3.فعندما أصبحت
االنترنت متاحة للجمهور في 0110بدأ عصر جديد في مجال االتصاالت ،وأدت الزيادة
الهائلة في إمكانية الوصول إلى االنترنت -زاد عدد مستخدمي االنترنت في العقد الماضي من
مليار نسمة في 8000إلى ما يقارب 0,8مليار نسمة في نهاية عام -48000إلى تقارب
الناس والشركات والبلدان ،كما أصبح باإلمكان االطالع على مجموعة واسعة من مصادر
5
ثوان.
ٍ المعلومات وتبادل المعلومات والمعارف الجديدة مع بقية العالم في
لقد أدى التقدم السريع في تكنولوجيا المعلومات واالتصال إلى حدوث ابتكارات مهمة
ورئيسية في العديد من المجاالت والميادين ،ففي صناعة الخدمات المالية مثال ،كان
للتكنولوجيا أثر كبير على الخدمات المالية ،فقد ساعدت على جعل حياة األفراد أسهل بطرق
عديدة :أجهزة الصرف اآللي ،بطاقات االئتمان ،الصيرفة االلكترونية عبر شبكة
1
.روبرت ألبريتن وآخرون ،مرجع سابق ،ص ص.009-000.
2
.عبد المنعم السيد علي ،مرجع سابق ،ص00.؛ روبرت ألبريتن وآخرون ،مرجع سابق ،ص ،000.ص.086.
3
.مارتن وولف"،تشكيل العولمة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ، 0سبتمبر ،4102
ص.44.
4
.ناتا ليراميريز" ،الفجوة الرقمية"،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،0سبتمبر ،4102
ص.01.
5
.أيهان كوسي ،إزغي أوزترك"،عالم من التغيير" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،0
سبتمبر ،4102ص10.
24
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
االنترنت ،...كما عززت من قدرة المؤسسات المالية على جمع المعلومات وتخزينها
ومعالجتها بفضل التطورات النوعية في قوة الحاسوب .وأدى التفاعل بين التكنولوجيا
والقطاع المالي إلى ظهور ما يعرف بالتكنولوجيا المالية لتصبح من أهم المجاالت المستقطبة
لالستثمارات ،فقد قفز مجموع استثمارات التكنولوجيا المالية بأربعة أضعاف خالل
الفترة( )8000-8000ليصل إلى تسعة عشر مليار دوالر أمريكي سنويا ،ومعظم هذه
اال ستثمارات موجهة نحو استحداث منتجات مالية مبتكرة خاصة في مجالي الدفع
1
واإلقراض.
كما غيرت التكنولوجيا الجديدة بشكل جذري طريقة اإلنتاج التي أصبحت أكثر كفاءة
في مجموعة واسعة من الصناعات ،وحسنت من مستوى الخدمات ،كالخدمات الصحية
بفضل التكنولوجيا الطبية والصرف الصحي والنقل أيضا الذي عرف تغييرا كبيرا حيث
أصبح السفر وشحن السلع يتم بسرعة وتكلفة أقل مقارنة بما كان عليه من قبل 2.وبالمثل
استفادت الزراعة هي األخرى من التقدم التكنولوجي ،فبفضل التكنولوجيا الحيوية الزراعية
تم تطوير محاصيل جديدة وممارسات زراعية جديدة أكثر فعالية وكفاءة.
بفضل ثورة تكنولوجيا المعلومات دخلت الرأسمالية عصرا جديدا هو عصر المعرفة
الذي يقوم على المعلومات والمعرفة كمورد رئيسي لثروة المجتمع ،ثروة ال تنضب مادام
العقل البشري قادر على اإلبداع واالبتكار 3.وهكذا أصبح التنافس العالمي يجري حول العلم
والتكنولوجيا واالبتكار ،فهناك تنافس شديد بين العديد من الدول لتصبح االقتصاد األكثر
تنافسية في مجال العلم والتكنولوجيا ،وذلك من خالل تحفيز االستثمار واإلنفاق القوي على
البحث والتطوير الموجه إلى توليد االبتكارات ،حيث تنفق عشر دول هي :الواليات المتحدة
األمريكية ،الصين اليابان ،ألمانيا ،كوريا فرنسا ،الهند ،روسيا ،بريطانيا ،البرازيل20 ،
بالمائة من اإلنفاق العالمي على البحث والتطوير الذي بلغ رقما قياسيا قدر بحوالي0,9
تريليون دوالر أمريكي ،تأتي الواليات المتحدة في المرتبة األولى بــــــــ 82,8بالمائة تليها
4
الصين بـــــ 80,2بالمائة ،ثم اليابان بـــ 00بالمائة.
-8االنفراد بالقمة القطبية ،يعتبر زوال االشتراكية مظهر من مظاهر عولمة الرأسمالية،
بمعنى آخر أصبح هناك نوع من االنفراد بالقمة القطبية االقتصادية الواحدة فقد أصبحت
الرأسمالية سيدة الموقف بقيادة الواليات المتحدة األمريكية .وعلى الرغم من تجليات أمركة
مسار العولمة إال أن االنفراد بالقمة القطبية الواحدة ال يعني عدم وجود تنافس على تلك القمة
من البلدان الرأسمالية الكبرى (الو.م.أ ،أوروبا ،اليابان) 5،وخالل العقد الماضي برزت
أطراف فاعلة جديدة تنافس البلدان الكبرى ،هي اقتصادات األسواق الصاعدة التي نمت
بوتيرة غير عادية منذ منتصف الثمانينيات واندمجت في االقتصاد العالمي بسرعة ،وقد
استأثرت بأكثر من 90بالمائة من النمو العالمي وأصبحت المحرك الرئيسي للتجارة
العالمية ،وأقامت روابط مصرفية ومالية أقوى مع بقية العالم 6.وقد كانت الصين أفضل هذه
االقتصادات .حيث تفوقت على أوروبا وتنافس الواليات المتحدة األمريكية .فبعد األزمة
1
.أديتيا ناراين" ،وجهان للتغير" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،0سبتمبر ،4102ص.41.
2
.أيهان كوسي ،إزغي أوزترك ،مرجع سابق ،ص.09.
3
.فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص ص.60-60.
4
.UNESCO Institute for statistics, "How much does your country invest in R&D", from website:
http://uis.unesco.org/apps/visualisations/research-and-development-spendinglast visited 01/12/2017.
5
.عبد المطلب عبد الحميد ،مرجع سابق ،ص.90.
6
.أيهان كوسي ،إزغي أوزترك ،مرجع سابق ،ص.1.
25
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
المالية العالمية 8002تغير ميزان القوى العالمي وأدى إلى تضييق الفجوة بين الصين
والواليات المتحدة .وقد شقت الصين طريقها بنجاح في مجاالت واسعة مثل الكفاءة في
التصنيع تكنولوجيا السكك الحديدية عالية السرعة ،والطاقة النووية وتكنولوجيا الطاقة
المتجددة والتعليم وغيرها 1.وأصبحت قوة اقتصادية عظمى ،فهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم
بإجمالي ناتج محلي بلغ 00,0تريليون دوالر سنويا ،كما أن لها ادخار محلي يقرب من
خمسة تريليون دوالر باإلضافة إلى مخزون من احتياطات النقد األجنبي يبلغ نحو ثالثة
2
تريليون دوالر .وهي تعتبر دائن صاف لمعظم بلدان العالم في حدود 0,2تريليون دوالر.
ومع تزايد قوتها االقتصادية ونفوذها المالي أصبحت الصين منافسا قويا للواليات المتحدة
على كافة األصعدة السياسية واالقتصادية والتكنولوجية والعسكرية.
وما تجدر اإلشارة إليه ،أن الصين تعتمد على النظام االقتصادي الرأسمالي وأضافت
إليه التخطيط الحكومي 3،أي المزج بين اقتصاد السوق والتخطيط ،حيث لألسواق دور
مهيمن لكنها تخضع لتنظيم الحكومة.
-1تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات ،من أهم سمات النظام االقتصادي الرأسمالي في
هذه المرحلة الدور الكبير للشركات متعد دة الجنسيات التي أصبحت تؤثر وبشكل متزايد على
هذا النظام في كافة المستويات اإلنتاجية والتكنولوجية والتسويقية والتمويلية واإلدارية،
باإلضافة إلى تأثيرها على توجهات االستثمار الدولي والتجارة العالمية وكذا تأثيرها على
النظام النقدي والمالي الدولي ،وعلى أنماط التخصص وتقسيم العمل الدولي 4.كما أصبحت
هي المنظم المركزي لألنشطة االقتصادية في االقتصاد العالمي وهذا نتيجة تمتعها بمجموعة
5
من الخصائص يمكن إيجاز أهمها فيما يلي:
-التركز في النشاط االستثماري الضخم الذي تقوم به في كل من الواليات المتحدة
األمريكية ودول االتحاد األوروبي واليابان حيث تتوطن أكثر من ثلثي استثمارات هذه
الشركات في هذه البلدان؛
-كبر مساحة أسواقها وامتدادها الجغرافي خارج البلد األم بما لديها من إمكانيات تسويقية
هائلة وفروع وشركات تابعة تجوب معظم أنحاء العالم؛
-توافرها على مجموعة من المزايا االحتكارية التي تعطيها تفوقا نسبيا لمشروعاتها
وتمكنها من زيادة قدراتها التنافسية وتحسين كفاءتها اإلنتاجية والتسويقية وبالتالي تعظيم
أرباحها ،وتتحدد المزايا االحتكارية في أربعة مجاالت هي :التمويل ،واإلدارة ،والتكنولوجيا،
والتسويق؛
-4تزايد التكتالت االقتصادية ،عرف العالم خالل هذه المرحلة وتحديدا خالل العشر سنوات
األخيرة من القرن العشرين نشاطا واسعا على صعيد تكوين التكتالت االقتصادية العمالقة
بين مجموعة من البلدان ذات التفكير المتشابه والتي تربطها في النهاية مصالح اقتصادية
مشتركة ،حيث تعمل هذه البلدان في ظل هذا التكتل على إزالة كافة الحواجز والعوائق على
حركة التجارة الدولية وكل أشكال التمييز وتطبيق سياسات موحدة بين هذه الدول من أجل
1
.إدارة الدراسات والبحوث" ،التنافس والتشابك االقتصادي األمريكي -الصيني" ،اتحاد المصارف العربية ،8009 ،من الموقع:
www.uabonline.org/ar/research/economic/.../7691/1 last visited 25/11/2017.
2
.إسوار براساد" ،الطريق إلى التأثير" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،09الرقم ،0سبتمبر،8009
ص.88.
3
.إدارة الدراسات والبحوث" ،التنافس والتشابك االقتصادي األمريكي -الصيني" ،مرجع سابق.
4
.عبد المطلب عبد الحميد ،مرجع سابق ،ص.020.
5
.المرجع نفسه ،ص ص.018-026.
26
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
تحقيق الرفاهية االقتصادية ومعدالت نمو مرتفعة .ولعل أهم تلك التكتالت االتحاد األوروبي،
1
منطقة التجارة الحرة ألمريكا الشمالية ،منطقة شرق آسيا.
-2تطور العالقات المالية الدولية ،لم يقتصر التغير في العالقات االقتصادية على التغير
العيني في ظروف اإلنتاج وأساليب ووسائل المواصالت واالتصاالت وتغلغل المعلومات
وسيطرتها على اإلنتاج 2،فمع تصاعد الدعوة إلى االنفتاح وتحرير االقتصاد وحركة رؤوس
األموال في ظل ثورة تكنولوجية في عالم االتصاالت واإلعالم اآللي والمعلومات والبرامج،
3
حدثت تحوالت هامة على صعيد العالقات المالية الدولية من أبرزها مايلي:
-التوسع الكبير في أسواق السندات ،وارتباطها على المستوى الدولي وتحريرها من كافة
القيود األمر الذي جعل البلدان الصناعية الكبرى تمول عجوزات ميزانياتها عن طريق
إصدار تلك األدوات المالية في األسواق المالية العالمية؛
-تحرير أسواق األسهم ،لقد كانت االنطالقة من بورصة لندن عام 0126بعد
إصالحات( )BigBongوتبعتها بقية البورصات بعد ذلك بتحرير أسهمها مما سمح بربطها
ببعضها البعض وعولمتها على غرار أسواق السندات؛
-ضم العديد من األسواق الصاعدة ابتدا ًء من أوائل التسعينيات من القرن العشرين وربطها
باألسواق المالية العالمية عن طريق شبكات االتصال وتسجيل أدوات أجنبية فيها ،الشيء
الذي زاد من تدفق رؤوس األموال قصيرة األجل نحوها؛
-زيادة االرتباط بين األسواق المالية العالمية إلى درجت أنها أصبحت تشبه السوق الواحدة؛
-زيادة حجم التعامل في أسواق الصرف؛
-توسيع التمويل المباشر (باللجوء إلى األسواق المالية) ،وتغطية الدين العام بواسطة
األوراق المالية؛
-زيادة كبيرة في عدد وحجم التعامل في األدوات المالية المشتقة التي تأخذ صورا عديدة
خاصة فيما يتعلق بالتعامل في المستقبل؛
وقد ترتب عن هذه التحوالت نمو هائل في تدفقات رأس المال المضاربي قصيرة
4
األجل ،حيث أصبحت المضاربة الوظيفة األساسية ألسواق النقد والمال.
-6صعود االقتصاد الرمزي ،يقصد باالقتصاد الرمزي حركة رؤوس األموال بما في ذلك
تدفقات أسعار الفائدة وتدفقات االئتمان ،وقد بدأت معالم هذا االقتصاد بالظهور بنشأة
الرأسمالية المالية في نهاية القرن التاسع عشر .ولكن مع تزايد االتجاه نحو إزالة القيود
وعولمة األسواق المالية والنقدية وتوسع الدين والنشاط المضاربي بفعل اإلبداعات
واالبتكارات المالية ،بدأ االقتصاد العالمي يشهد في أواخر القرن العشرين ظاهرة االنفصام
المتزايد بين االقتصاد الحقيقي( تدفقات السلع والخدمات) واالقتصاد الرمزي ،حيث لم يعد
االقتصاد الحقيقي للسلع والخدمات واالقتصاد الرمزي مرتبط أحدهما باآلخر وإنما أصبحت
التدفقات النقدية بعيدة جدا عن التدفقات العينية 5،مما خلق اقتصاد فقاعي يهدد فيه االقتصاد
النقدي االقتصاد الحقيقي بعدم االستقرار ،واألزمة المالية العالمية 8002جعلت هذا واضحا
1
.المرجع نفسه ،ص.09.
2
.حازم الببالوي ،النظام االقتصادي الدولي المعاصر ،مرجع سابق ،ص.000.
3
.محفوظ جبار"،العولمة المالية وانعكاساتها على الدول النامية" ،مجلة العلوم االجتماعية واإلنسانية ،جامعة الحاج لخضر ،باتنة ،العدد ،9
،8008ص ص.12-19.
4
.فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص.800.
5
.المرجع نفسه ،ص ص.800-801.
27
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
عندما أدى انفجار فقاعة الرهن العقاري األمريكي في خريف 8009إلى نشوء أزمة مالية
واقتصادية عالمية خانقة.
لقد كان لكل تلك التطورات انعكاسات على االقتصاد العالمي الذي أصبح أكبر بست
مرات مما كان عليه قبل نصف قرن مضى .ونتيجة لذلك زاد إجمالي الناتج المحلي العالمي
للفرد بأكثر من الضعف .غير أن فوائد هذا النمو لم توزع بالتساوي ،فالشخص العادي في
االقتصادات المتقدمة أفضل حاال من الشخص العادي في االقتصادت األسواق الصاعدة و
هذا األخير أفضل حاال من الشخص العادي في االقتصادات النامية األخرى كما ظل الفقر
منتشرا على نطاق واسع في عدد كبير من البلدان منخفضة الدخل ،وال يزال يعيش أكثر من
مليار شخص في فقر مدقع ،وزادت عدم المساواة في معظم البلدان ،فعلى سبيل المثال يحقق
0بالمائة من سكان الواليات المتحدة األمريكية (الشريحة األغنى)حوالي02بالمائة من الدخل
القومي مقارنة بحوالي 2بالمائة قبل نصف قرن 1.كما ال يزال حوالي أربعة مليارات نسمة
أي 60بالمائة من سكان العالم محرومين من االستفادة من شبكة االنترنت وال يمكنهم
المشــاركة الكاملــــة في االقتصــاد الرقمي 2.فكانت النتيجة استمرار تبعية البلدان النامية
3
للبلدان المتقدمة مع إضافة صورة جديدة لها هي التبعية التكنولوجية.
من جانب آخر تزايدت الروابط التجارية والمالية بين البلدان بصورة حادة وأصبح
العالم مترابطا بشكل معقد على نحو يسهل انتشار المخاطر وانتقال األزمات بين البلدان
بسرعة كبيرة مع ضخامة تكاليفها االقتصادية والمالية واالجتماعية .وهذا ما كشفت عنه
األزمة المالية العالمية 8002التي بدأت في الواليات المتحدة األمريكية ثم انتشرت بسرعة
فائقة إلى باقي البلدان المتقدمة و الصاعدة وحتى البلدان النامية من خالل الروابط التجارية
4
والمالية.
وهكذا مرت الرأسمالية بمراحل أساسية هي على التوالي :الرأسمالية التجارية،
فالرأسمالية الصناعية ،ثم الرأسمالية المالية ،وبفضل التقدم العلمي والتكنولوجي المذهل تمر
الرأسمالية بمرحلة جديدة يمكن تسميتها رأسمالية المعرفة حيث أضحت المعرفة هي
المحرك الرئيسي للنمو االقتصادي ،وال يعني هذا أن الرأسمالية تخلت عن القطاع التجاري
أو القطاع الصناعي أو المالي ولكنها تعمل على تسخير العلم والتكنولوجيا في خدمة هذه
القطاعات الثالثة ،كما ال تزال الرأسمالية المالية السمة الغالبة للرأسمالية بسبب تزايد
االنفصام بين االقتصاد الحقيقي واالقتصاد المالي.
المطلب الثالث :المرجعية الفكرية للنظام االقتصادي الرأسمالي
تغير الفكر االقتصادي الرأسمالي من حيث أشكاله وأساليب حركته ،وأفرز طوال
تاريخه منجزات حسب حاجة النظام الرأسمالي ومشكالته .فهو تيار فكري لم يتكون دفعة
واحدة ولم تتضح معالمه في وقت واحد بل كان خاضعا لتطورات طويلة المدى ،بدءا بفكر
التجاريين ثم الطبيعيين مرورا بفكر الكالسيك ثم الكينزيين ثم الليبراليين الجدد.
أوال :الفكر التجاري (الميركنتيلية) ،الميركنتيلية مصطلح يطلق على السياسة االقتصادية
التي سادت خالل الفترة منتصف القرن السادس عشر إلى المنتصف القرن الثامن عشر
(مرحلة الرأسمالية التجارية) .وإذا كانت األفكار االقتصادية في العصور الوسطى لم تتناول
1
.أيهان كوسي ،إزغي أوزترك ،مرجع سابق ،ص ص.00-01.
2
.ناتاليراميريز ،مرجع سابق ،ص.02.
3
.فؤاد مرسي ،مرجع سابق،ص.62.
4
.أيهان كوسي ،إزغي أوزترك ،مرجع سابق ،ص.01.
28
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
إال بشكل عارض ضمن األفكار الدينية أو األخالقية من قبل رجال الكنيسة ،فإن المركينتيلة
كانت نتاج عمل وعقول رجال األعمال وكبار التجار 1.لهذا السبب يجمع مؤرخو الفكر
االقتصادي على أن الفكر التجاري قد تضمن من األفكار ماال يمكن اعتباره تحليال اقتصادي
في المعنى المتعارف عليه في الفكر الحديث ،وإنما كان مجرد محاولة لتحديد طبيعة بعض
الظواهر االقتصادية من خالل إيجاد إجابات لتساؤالت مختلفة أهمها :ما الثروة؟ كيف يمكن
زيادتها؟ ما هو سبب ارتفاع مستوى األسعار؟ وقد كانت اإلجابات التي قدمها التجاريون
بمثابة مبادئ وسياسات تمثل جوهر الفكر التجاري 2،يمكن تلخيصها في اآلتي:
-العالقة بين ثروة األمة والمعدن النفيس :اعتقد التجاريون بأن ثروة البالد تقاس بحجم
ما تراكم في خزينتها من ذهب وفضة ،وأن هذه الثروة هي الدعامة األساسية ورمز قوة
الدولة وتقدمها ،لذلك يجب بذل كل الجهود،وانتهاج كل الوسائل التي تحقق هذه الثروة حتى
3
ولو كانت هذه الوسائل غير مشروعة وال أخالقية.
-تحقيق ميزان تجاري موافق :كانت نظرية التجاريين في التجارة الخارجية نتيجة
منطقية لوجهة نظرهم عن العالقة بين ثروة البالد وما لديها من معدن نفيس ،ووفقا لذلك
اعتقد التجاريون أن الطريقة العادية لزيادة الثروة تتمثل في تحقيق فائض دائم في الميزان
التجاري (ميزان تجاري موافق) .وفي كتاباتهم األولى كان التجاريون يرون أنه على الدولة
أن تحقق ميزان تجاري موافق مع كل دولة على انفراد ،ثم جاء في عدد من الكتابات الالحقة
أنه ال ضرورة ألن يحقق فائض في الميزان التجاري مع كل بلد على انفراد وإنما يكفي أن
تكون قيمة ما يصدره البلد للعالم الخارجي أكبر من قيمة ما يستورده وبالتالي ال بأس أن
يكون هناك عجز في الميزان التجاري النجلترا مع الهند ألنه يمكن استراد المواد الخام
الرخيصة منها واستخدامها لتصنيع سلع للتصدير ،لتكون النتيجة النهائية فائضا موافقا في
الميزان التجاري مع العالم الخارجي 4.ويقول ) *(Thomas Munأحد منظري الفكر التجاري
في كتابه "ثروة انجلترا عن طريق التجارة الخارجية" ":إن الوسيلة الوحيدة لزيادة ثروتنا
وكنوزنا هي التجارة الخارجية حيث يتعين علينا دائما أن نراعي هذه القاعدة وهي أن نبيع
لألجانب ما تزيد قيمته على ما نستهلكه من سلعهم ،فإذا فعلنا ذلك كانت النتيجة اجتذاب
5
المعدن الثمين إلى البلد".
-تدخل الدولة في النشاط االقتصادي:من أجل تحقيق فائض في الميزان التجاري
وضمان بقاء المعدن النفيس داخل البالد ،أكد التجاريون على ضرورة تدخل الدولة في
النشاط االقتصادي من خالل إخضاع التجارة الخارجية لقيود كثيرة ،إلى جانب قيامها
باإلشراف على اإلنتاج الداخلي عن طريق تشجيع الصادرات ،كما كانت تمنح اإلعانات
6
إلنتاج المنتجات األكثر استهالكا لتضمن عدم استرادها.
1
..Harry Landreth, David C. Colander, Op. Cit, p.46.
2
.حسين عمر ،موسوعة الفكر االقتصادي ،الجزء ،0دار الكتاب الحديث ،القاهرة ،سنة النشر غير موجودة ،ص.009.
3
.الطيب داودي ،مرجع سابق ،ص ص.800-801.
4
حسين عمر ،موسوعة الفكر االقتصادي ،مرجع سابق ،ص. Harry Landreth, David C. Colander, Op. Cit, p.48. &002.
*
:)0690-0090( Thomas Munيعتبر خير ممثل للفكر التجاري ،وقد ضمن أهم أفكاره كتابه الذي نشر بعد وفاته عام 0669وأصبح أهم
مرجع للفكر التجاري.
5
.الطيب داودي ،مرجع سابق ،ص..800.
6
.المرجع نفسه ،ص ص.800-801.
29
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
-العالقة بين كمية النقود ومستوى األسعار :عرفت العالقة بين كمية النقود ومستوى
العام لألسعار في 0061من قبل ( **)Jean Bodinالذي أشار إلى أن ارتفاع األسعار إنما
يرجع إلى زيادة كمية النقود المصنوعة من الذهب والفضة التي تدفقت إلى أوروبا من العالم
الجديد .وتتلخص نظريته في أنه كلما زادت كمية النقود المتداولة ،انخفضت قيمتها الشرائية
وارتفعت األسعار تبعا لذلك .وإذا انخفضت كمية النقود ،ارتفعت قيمتها الشرائية وانخفضت
1
بذلك األسعار.
لقد كان ألفكار المدرسة التجارية دور كبير في صياغة المعالم الرئيسية للنظام
الرأسمالي بدءا بتخليص البحوث االقتصادية نهائيا من الطابع الديني واألخالقي وإحالل
النظرة المادية لألمور .أما موقفهم من دور الدولة في النشاط االقتصادي فلم يصل إلى حد
إفناء شخصية الفرد بل كانوا يعترفون بالملكية الفردية وجعلوها أساسا للنشاط االقتصادي،
كل ما هنالك أنهم يروا أن للدولة حق التدخل بالتنظيم من أجل قوة الدولة التي مصدرها
المعدن النفيس ،والطريق الوحيد لالستزادة منه التجارة الخارجية وبالتالي ضرورة تبني
الدولة سياسات هادفة لتحقيق الفائض ،ويرى البعض أن هذا التدخل في الحياة االقتصادية
ساعد على نشأة المشروعات الخاصة الحديثة وتنمية الصناعات الوطنية ،كما أن أفكارهم
ساعدت على توفير رأس المال النقدي وخلق البنوك األوروبية وتوسيع نشاطها المالي مما
2
عزز نشوء النظام الرأسمالي.
ثانيا :الفكر الطبيعي (المدرسة الطبيعية) ،إن تطبيق مبادئ التجاريين قرابة ثالثة قرون ،قد
خلق آثارا كان لها رد فعل قوي في الفكر االقتصادي الطبيعي الذي ظهر في فرنسا خالل
الفترة( ،)0920-0900ومما يذكر أن *) (François Quesnayهو مؤسس المدرسة الطبيعية
والمبدع الرئيسي ألفكارها التي القت قبوال من قبل زمالئه بالمدرسة وناصروه في كتاباتهم
3
ومؤلفاتهم.
وجوهر الفكر الطبيعي هو تطبيق القانون الطبيعي في االقتصاد ،فقد اعتقد الطبيعيون
بوجود قوانين طبيعية تحكم النشاط االقتصادي ال دخل إلرادة اإلنسان في إيجادها شأنها في
5
ذلك شأن الظواهر الطبيعية 4.وتقوم هذه القوانين الطبيعية على مبدأين:
-مبدأ المنفعة الشخصية :وينطوي على أن كل فرد يهتدي في تصرفاته وسلوكاته
االقتصادية إلى ما يحقق منفعته الشخصية؛
-مبدأ المنافسة :ينطوي على أن كل شخص في سعيه لتحيق منفعته الشخصية يدخل في
تنافس مع بقية أفراد المجتمع؛
ويرى الطبيعيون أن كل فرد في سعيه لتحقيق مصلحته ومنافعه الشخصية يحقق في
ذات الوقت المصلحة الجماعية ،بعبارة أخرى ال يوجد تعارض بين المصالح الشخصية
لألفراد وبين مصلحة الجماعة بل هناك توافق تلقائي بينهما تضمنه القوانين الطبيعية .ولكن
لكي تعمل هذه القوانين البد من ترك النشاط االقتصادي حرا دون تدخل الدولة .لهذا دعا
**
:)0016-0000( Jean Bodinفيلسوف وسياسي فرنسي وهو أحد رواد الفكر التجاري.
1
.حسين عمر ،موسوعة الفكر االقتصادي ،مرجع سابق ،ص.060.
2
.مدحت القريشي ،مرجع سابق ،ص21.؛ حسين عمر ،موسوعة الفكر االقتصادي ،مرجع سابق ،ص061.
*
) 0999-0619( François Quesnayفرنسي،وهو خبير اقتصادي وطبيب للملك لويس الخامس عشر ،ومؤسس المدرسة الطبيعية ،مؤلف
الجدول االقتصادي ( )0902الذي يعتبر أول تمثيل تخطيطي لالقتصاد.
3
. Harry Landreth, David C. Colander, Op. Cit, p 01.
4
. Ibid,p.60.
5
.محمد عمر أبو عبيدة ،عبد الحميد محمد شعبان ،مرجع سابق ،ص.098.
30
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
الطبيعيون إلى ضرورة االلتزام بمبدأ الحرية االقتصادية في الداخل ومع العالم الخارجي
1
وحددوا للدولة األدوار التالية:
-ضمان حرية الفرد في التملك والعمل؛
-التعاقد دون التعدي على حرية اآلخرين؛
-توفير األمن والعدل والدفاع الخارجي؛
إن دعوة الطبيعيين إلى ضرورة عدم تدخل الدولة في الحياة االقتصادية ال يعني إلغاء
الدولة ،وإنما يعني الحد األدنى من التشريعات االقتصادية والتدخالت ،وحجتهم في ذلك أن
هذه السياسة (سياسة الحرية االقتصادية) وحدها فقط تمكن من تطبيق القوانين الطبيعية
وتؤدي بذلك إلى تحقيق الخير الذي تكفله هذه القوانين .ويمكن القول أن الطبيعيين حسب
مؤرخي الفكر االقتصادي أول مدرسة أوروبية أشاعت فكرة الحرية االقتصادية والمذهب
الحر 2.ك ما اهتمت المدرسة الطبيعية بتحديد مفهوم الثروة وحصروها في اإلنتاج الزراعي،
وعرفوا اإلنتاج على "أنه كل عمل يخلق ناتجا صافيا جديدا ويضيف مقدارا من المواد أكثر ّ
من تلك التي بذلت فيه" .ووصلوا إلى أن الزراعة هي وحدها النشاط االقتصادي المنتج وأن
3
التجارة والصناعة قطاعات عقيمة.
ثالثا :الفكر الكالسيكي ،صاحب نشأة الرأسمالية الصناعية تطور في الفكر االقتصادي ،حيث
ظهرت مدرسة فكرية اقتصادية جديدة أطلق عليها المدرسة الكالسيكية .ويعتبر (Adam
) Smithالمؤسس الحقيقي لهذه المدرسة ،ولد في عام 0980في اسكتلندا ،التحق بالجامعة في
سن صغيرة حيث توجه إلى غالسكو ودرس فيها ثم غادرها عام 0990متوجها إلى جامعة
أكسفورد في منحة دراسية ،وابتدا ًء من عام 0992أصبح محاضرا في جامعة غالسكو
فدرس المنطق ثم الفلسفة األخالقية .وفي عام 0901نشر كتابه األول بعنوان "نظرية ّ
المشاعر األخالقية" .وفي عام 0969قام ) (Smithبجولته األوروبية التي شملت جنيف
وباريس حيث التقى ) ،(François Quesnayثم عاد إلى انجلترا عام ،0966وخالل جولته
كان يستعد لكتابة مؤلفه الشهير "ثروة األمم" الذي نشر عام .0996وهو يحتوي على أهم
أفكار وآراء ) (Smithحول مفهوم الثروة حيث أوضح أن الثروة تتكون من السلع األساسية
الناتجة عن العمليات اإلنتاجية وليس من المعادن النفيسة ،وفي تفسيره لنمو الثروة الوطنية
تطرق إلى تقسيم العمل وأوضح بأنه يمكن لمجموعة من العمال أن يتخصصوا في إنتاج
سلعة واحدة بحيث يتخصص كل فرد في أداء جزء من العملية اإلنتاجية وبين أن ذلك من
شأنه أن يؤدي إلى زيادة اإلنتاجية .كما تناول أيضا في فصول أخرى من هذا الكتاب المال
والقيمة ،السوق والسعر الطبيعي ،واختتمه بتناوله فئات التوزيع الثالث :األجور ،الربح،
ا لريع .ويعتبر هذا الكتاب نقطة تحول حقيقية في جعل االقتصاد علم مستقل بين العلوم .كما
أصبح المصدر الرئيسي إللهام الكثير من الكتاب االقتصاديين الكالسيك 4،الذين اعتمدوا عليه
في وضع المبادئ األساسية للنظام االقتصادي الرأسمالي الذي يرتكز على الفرد في ممارسة
النش اط االقتصادي وعلى الملكية الخاصة وحافز الربح وعلى الحرية االقتصادية التي تضمن
1
.محمد عمر أبو عبيدة ،عبد الحميد محمد شعبان ،مرجع سابق ،ص ،098.ص.096.
2
.مدحت القريشي ،مرجع سابق ،ص.000
3
.المرجع نفسه ،ص.000.
4
.Gianni Vaggi, Peter Groenewegen, Aconcise History of economic thought : from Mercantilism to
Monetarism, Palgrave Macmillan,United Kingdom,2003, pp 103-104,pp.107-108.
31
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
المنافسة الحرة .والنظام الرأسمالي من وجهة نظرهم أفضل األنظمة االقتصادية وحجتهم في
1
ذلك:
-أنه نظام طبيعي يستجيب للخصائص الطبيعية للنفس البشرية التي تفضل الحرية
وتسعى وراء تحقيق المصلحة الذاتية وتحب التملك؛
-يتحدد اإلنتاج فيه وفقا لرغبات المستهلكين بفضل جهاز الثمن (السوق)؛
-المنافسة فيما بين المنتجين التي تضمنها الحرية االقتصادية تؤدي إلى تنمية الجهاز
اإلنتاجي وإلى تخفيض تكاليف اإلنتاج وتحسين نوعية السلع وزيادة عرضها ،مما يخفض
من أسعارها فتزيد بذلك الرفاهية االقتصادية لجميع أفراد المجتمع؛
كما ساد اعتقاد لدى الكالسيك أن النظام االقتصادي الرأسمالي يعمل بشكل تلقائي
ويصحح نفسه بنفسه ،فالمرونة في كل من األسعار واألجور والفائدة سوف تعمل على تحقيق
التوازن 2،وبالتالي فإن كل من ظاهرة البطالة واإلنتاج الزائد عبارة عن ظروف مؤقتة.
رابعا :الفكر الكينزي ،تعتبر المدرسة الكينزية واحدة من أهم وأكثر المدارس تأثيرا على
الصعيدين الفكري والعملي .وهي المدرسة التي تنسب إلى مؤسسها ))John M. Keynes
درس المنطق واالقتصاد الذي ولد عام 0220في كمبردج .كان والده أستاذا بجامعة كمبردج ّ
*
) . (Alfred Marshallدرس) )Keynesفي السياسي وقد كان زميال مقربا من
مدرسة إيتون ثم انتقل إلى كامبردج حيث درس الرياضيات وبعد تخرجه درس االقتصاد.
عمل في وزارة المستعمرات (مكتب الهند) عام 0109وهي التجربة التي مكنته من كتابة
مؤلفه األول على االقتصاد والعملة الهندية .في عام 0101بدأ بتدريس االقتصاد في جامعة
كامبردج 3اعتمادا على كتاب ) (Alfred Marshallفي مبادئ النظرية الكالسيكية ،وهذا يعني
أن ) )Keynesبدأ حياته العملية العلمية كالسيكيا حيث تأثر كثيرا بتعاليم أستاذه ()Marshall
وقام بتدريس النظرية الكالسيكية،كما طغت على كتاباته األولى مبادئ هذه النظرية .لكن
معايشة ) )Keynesألزمة الكساد الكبير ( )0100-0181كانت من أهم العوامل التي أثرت
في تغيير فكره وتشكيل وعيه الجديد 4.وقد ض ّمن أفكاره الجديدة في كتابه الشهير "النظرية
العامة في التشغيل والفائدة والنقود" الذي صدر عام 0106وقد أثر هذا الكتاب تأثيرا كبيرا
5
في الفكر االقتصادي واعتبر بمثابة ثورة في الفكر االقتصادي الرأسمالي.
لهذا يعتبر الفكر الكينزي ثمرة أزمة الكساد الكبير ،هذه األزمة التي أظهرت التناقض
الكبير الذي نشأ بين الفكر الكالسيكي في النظرية االقتصادية وبين الواقع الرأسمالي الذي
يعاني من أزمة طاحنة .وقد بدأ) )Keynesهجومه على قانون ) ،(Sayالذي يفيد بأن كل
عرض يخلق الطلب المساوي له ،وما يترتب عليه من أفكار بخصوص التوازن التلقائي،
فانتقد بشدة نظرية الكالسيك في التشغيل التي تنص على أنه في حالة وجود بطالة (عرض
العمالة أكبر من الطلب) فإن انخفاض األجور سيؤدي حتما إلى زيادة الطلب على العمال (
فانخفاض األجور يعني انخفاض في التكاليف ،ويؤدي ذلك إلى انخفاض األسعار التي تؤدي
بدورها إلى زيادة الطلب على السلع ما يشجع المنظمين على زيادة اإلنتاج وبالتالي زيادة
1
.حسين عمر ،موسوعة الفكر االقتصادي ،مرجع سابق ،ص.900.
2
.محمد عمر أبو عبيدة ،عبد الحميد محمد شعبان ،مرجع سابق ،ص.919.
*
:) 0189-0298( Alfred Marshallعالم اقتصادي بريطاني ،من مؤسسي المدرسة الكالسيكية الجديدة ،ويعتبر واحد من االقتصاديين األكثر
تأثيرا في عصره
3
.Gianni Vaggi, Peter Groenewegen, Op. Cit, p.297.
4
.رمزي زكي ،االقتصاد السياسي للبطالة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،0112 ،ص.822.
5
.مدحت القريشي ،مرجع سابق ،ص.890.
32
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
الطلب على العمال) فيحدث التوازن ويتم القضاء على البطالة .وأوضح ) )Keynesأن هناك
احتماال كبيرا ألن يؤدي انخفاض األجور إلى زيادة البطالة بدال من القضاء عليها.ويفسر ذلك
1
بـــــــــ:
-أن األجور تمثل دخال ،وعندما ينخفض األجر ينخفض دخل العمال فينخفض طلبهم على
السلع ،مما يدفع المنظمين إلى تقليص إنتاجهم وبالتالي التخلص من جزء من العمالة،
فينخفض مستوى التشغيل وتزداد البطالة.
-أن انخفاض األجور يدفع المنظمين إلى توقع حدوث انخفاض أشد في المستقبل بما يدفعهم
إلى تأجيل تنفيذ مشروعاتهم المستقبلية لكي يستفيدوا من االنخفاض األكبر في األجور،
وبذلك يستغنون عن جزء من عمالهم الذين كانوا يشتغلون فتزداد البطالة.
وبذلك خلص) )Keynesإلى أن مستوى األجر ليس هو الذي يحدد مستوى التشغيل،
وإنما الذي يحدده هو الطلب الكلي الفعّال .فعلى قدر الطلب الكلي على السلع ينتج المنتجون
وعلى قدر ما ينتجون يشغلون العدد المناسب من العمال .فإذا زاد الطلب الكلي زاد اإلنتاج
ومن ثم ارتفاع مستوى التشغيل ،وإذا نقص الطلب الكلي نقص حجم اإلنتاج ومن ثم انخفاض
حجم التشغيل وارتفاع البطالة.
ويعتبر) )Keynesالبطالة سمة من سمات المجتمع الرأسمالي وتمثل خطرا كبيرا على
النظام االقتصادي الرأسمالي وللقضاء عليها البد من التنازل عن سياسة الحرية االقتصادية
المطلقة ،وتدخل الدولة إلصالح عيوب النظام الرأسمالي .والسياسة التدخلية التي ينصح بها
2
) )Keynesتتمحور حول رفع مستوى الطلب الكلي الفعّال وذلك من خالل:
-0زيادة الطلب االستهالكي ،وتتم عن طريق:
-تخفيض التفاوت في توزيع الدخول والثروات ،وذلك بفرض الضرائب التصاعدية على
األغنياء ليتم إنفاقها على الفقراء.
-تقديم الخدمات الضرورية لذوي الدخول المحدودة مجانا أو بأسعار رمزية بهدف
زيادة االستهالك.
-8زيادة الطلب االستثماري ،عن طريق:
-إقامة مشروعات استثمارية من طرف الدولة المتصاص البطالة.
-تخفيض سعر الفائدة لتشجيع االقتراض والقيام باستثمارات جديدة.
-القضاء على االحتكارات االقتصادية بشكل عام لمنع ارتفاع أسعار المنتجات .ألن
ارتفاع األسعار يؤدي إلى تراجع الطلب االستهالكي .ما يؤدي إلى خفض حجم االستثمارات
ويقلل من إقامة المشروعات الجديدة.
وبهذا فإن الفكر الكينزي يعبر عن مرحلة جديدة من تطور النظام االقتصادي
الرأسمالي وهي مرحلة رأسمالية الدولة خالل ربع القرن الذهبي الذي تلى الحرب العالمية
الثانية ،حيث لعبت الدولة دورا مهما في تنظيم وضبط النظام االقتصادي الرأسمالي.
خامسا :الفكر الليبرالي الجديد ( النيوليبرالية) ،في منتصف السبعينيات أخذ الفكر الكينزي
منحى معاكسا فبعد أن كان النموذج السائد خالل فترة االزدهار واالنتعاش .0190-0190
بدأت تطهر مشكالت جديدة لم تتمكن النظرية الكينزية من تفسيرها وعجزت السياسات
1
.المرجع مفسه ،ص ص ،890-890.ص.800.
2
.المرجع نفسه ،ص.808-800.
33
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
الكينزية في عالجها 1.عندها ظهرت الليبرالية الجديدة التي تعتبر نسخة محدثة من الفكر
االقتصادي الكالسيكي الذي كان سائدا قبل فترة الكساد العظيم ،لتعرف انتشارا واسعا في
2
االقتصاد األكاديمي ثم في مجال السياسة العامة.
أن النظام االقتصادي الرأسمالي الحر –غير المنظم من قبل الدولة- والنيوليبرالية تَعتبر ّ
يحقق األداء االقتصادي األمثل فيما يتعلق بالكفاءة ،والنمو االقتصادي ،والتقدم التقني،
والعدالة التوزيعية .وتعطي للدولة دورا اقتصاديا محدودا يتمثل في تحديد حقوق الملكية،
وإنفاذ العقود ،وترى أن تدخل الدولة لتصحيح بعض أوجه القصور في السوق من شأنه أن
3
يخلق الكثير من المشاكل أكثر مما يعالج.
إن توصيات السياسة النيوليبرالية تتعلق أساسا بتفكيك ما تبقى من دولة الرفاه ،وتشمل
هذه التوصيات :إلغاء تنظيم األعمال التجارية؛ وخصخصة األنشطة واألصول العامة؛
والقضاء على برامج الرعاية االجتماعية أو تخفيضها؛ وتخفيض الضرائب على األعمال
التجارية والطبقة االستثمارية؛ وعلى الصعيد الدولي تدعو إلى حرية حركة السلع والخدمات
4
ورأس المال عبر الحدود.
ويندرج ضمن الفكر الليبرالي الجديد عدد متنوع من المدارس ،أبرزها مدرسة
شيكاغو ،المدرسة النمساوية ومدرسة اقتصاديات جانب العرض.
تعتبر مدرسة شيكاغو (أو المدرسة النقدية) من أشهر المدارس الفكرية التي تمثل التيار
الليبرالي الجديد ومن أهم أعالم هذه المدرسة وأركانها ،مؤسسها وقائدها ( Milton
،)Friedmanوعلى عكس ) )Keynesالذي بدأ حياته متأثرا بأفكار الكالسيك ومنتهيا
بمعارضته لها ،فإن( )Friedmanبدأ حياته كينزيا ثم انتهى رافضا وناقدا لها .ومن أهم
االنتقادات التي وجهها لــــــ ) )Keynesأنّه لم يوجه اهتماما كافيا لمسألة عرض النقود ،تاركا
السلطات النقدية دون توجيهات محددة .وكذا بشأن السياسة المالية التي يمكن أن تواجه
مشاكل الكساد والبطالة فهو يرى أن الزيادة في اإلنفاق الحكومي سيقابلها نقص في اإلنفاق
5
الخاص وبذلك تزاحم النفقات العامة النفقات الخاصة وال يحدث أي أثر على الطلب الكلي.
كما يعتبر ( )Friedmanاقتصاديا ليبراليا يدعو إلى الفردية والحرية ،ويرى ضرورة
حصر دور الدولة في أضيق الحدود ،والرأسمالية بالنسبة إليه نظام ال ينطوي على عيوب بل
التدخل الحكومي في النشاط االقتصادي وتزمت العمال وإصرارهم على زيادة األجور هي
العوائق التي تحول دون عمل قوانين اقتصاد السوق ،ولو توفرت الحرية واقتصرت مهمة
الحكومات على حماية هذه الحرية عندها يمكن للنظام أن يـُسيّر بسهولة والعودة إلى ما دعا
6
إليه)" (Smithاليد الخفية" التي باستطاعتها أن تحقق التوازن العام.
وقد القت أفكار مدرسة شيكاغو رواجا كبيرا منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات
من القرن العشرين وخاصة مع إدارة الرئيس األمريكي( )Reaganفي الواليات المتحدة
1
.Thomas I. Pally, '' From Keynesianism to Neoliberalism :shifting paradigms in economics" , April 2004, p.2
https://www.thomaspally.com/../ last visited 10/09/2013.
2
. David M. Kotz, " Globalization and Neoliberalism", Political Economy Research Institute, University of
Massachusetts Amherst, p.01, https://people.umass.edu/dmkotz/Glob_and_NL_02.pdf last visited 10/09/2013
3
. Ibid, p.01.
4
.Ibid, pp.01-02.
5
.حازم الببالوي ،دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر االقتصادي ،دار الشروق ،القاهرة ،0110 ،ص،006.ص002.
6
.هيفاء عبد الرحمان التكريتي ،مرجع سابق ،ص60.؛ حازم الببالوي ،دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر االقتصادي ،مرجع سابق ،ص.001.
34
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
األمريكية ،والسيدة ()Thatcherرئيسة الوزراء البريطانية ،إلى جانب تأثيرها الواضح على
1
السياسات المقترحة من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي.
إلى جانب( ،)Friedmanيعد المفكر النمساوي األصل البريطاني الجنسية (Frederick
) * Hayekمن أهم وأشهر المفكرين الليبراليين في القرن العشرين ،ينتمي إلى المدرسة
النمساوية التي ظهرت بداية السبعينيات من القرن التاسع عشر في النمسا .وابتدا ًء من
السبعينيات من القرن العشرين أحيت المدرسة النمساوية االتجاه الليبرالي وأعادت األفكار
الليبرالية الكالسيكية المتعلقة بحرية السوق وبسياسات "دعه يعمل دعه يمر" وبأفضلية
النظام الرأسمالي على بقية النظم .وذلك بقيادة ( )Hayekالذي كان آخر من بقي على قيد
الحياة من الجيل القديم للمدرسة النمساوية ،حيث تولى مهمة الترويج ألفكار الليبرالية الجديدة
2
على مستوى العالم الرأسمالي.
وتدافع المدرسة النمساوية على النظام الرأسمالي من منطلق أنه النظام األكفأ في تعبئة
الموارد وتوظيفها وفي إبداع التكنولوجيا الجديدة وتطبيقها في اإلنتاج وفي اإلقالل من
تكاليف اإلنتاج .كما تذهب إلى أن السوق الحرة المتروكة لقوانينها الخاصة سوف تصل إلى
استقرار ما في األسعار وتوازن بين العرض والطلب وبين الموارد المتاحة والقدرة على
تعبئتها وتشغيلها ،وبين أرباح المجالت الصناعية المختلفة وبين قدرة المجتمع على العمل
وقدرة رأس المال على تحقيق الربح .وترى أن الرأسمالية عادلة ألنها تعطي لكل طرف في
3
العملية اإلنتاجية ما يساوي قيمة عمله.
أما مدرسة اقتصاديات جانب العرض والتي تعرف أيضا باقتصاديات ( ،)Reaganألن
الرئيس األمريكي( )Ronald Reaganالسابق أول من طبق سياسة جانب العرض ،وساهم في
نشر فكرتها الرئيسة والتي مفادها " أن تخفيض الضرائب على المستثمرين سيعطيهم الحافز
لالدخار واالستثمار وبالتالي تشجع الزيادة في اإلنتاج مما يؤدي إلى رفع مستويات الدخول
4
والتوظيف ويعم الرخاء".
وتحاول هذه المدرسة تفسير الظواهر االقتصادية الكلية ،ومن ثم تقديم وصفات سياسية
للنمو االقتصادي المستقر ،وبشكل عام ترتكز على ثالث ركائز:السياسة الضريبية ،السياسة
التنظيمية والسياسة النقدية .ويعتبر اإلنتاج الفكرة الرئيسية وراء هذه الركائز وهو المحدد
األكثر أهمية للنمو االقتصادي .بعبارة أخرى إن هذه المدرسة ترى أن المنتجين واستعدادهم
لخلق السلع والخدمات يحدد وتيرة النمو االقتصادي .وليس المستهلكين وطلبهم على السلع
5
والخدمات كما كان يعتقد ).)Keynes
بالنسبة للركيزة األولى :السياسة الضريبية ،تؤكد هذه المدرسة أن تخفيض معدالت
الضريبة على الدخل سيؤدي إلى حث العمال وتحفيزهم على تفضيل العمل على الراحة ،كما
ستؤدي إلى تحفيز المستثمرين على زيادة استثماراتهم ،وترى هذه المدرسة أن الحكومة لن
تخسر شيئا من اإليرادات الضريبية ألن انخفاض المعدالت الضريبية سيعوض من خالل
1
.حازم الببالوي ،دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر االقتصادي ،مرجع سابق ،ص ص.001-002.
*
:)0118-0211( Frederick Hayekاقتصادي من المدرسة النمساوية ،يدافع عن الليبرالية الكالسيكية القائمة على أساس السوق الحرة ،حصل
على جائزة نوبل في االقتصاد عام .0199
2
.أشرف منصور ،الليبرالية الجديدة جذورها الفكرية وأبعادها االقتصادية ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،8002 ،ص ،060.ص.060.
3
.أشرف منصور ،مرجع سابق ،ص ،000.ص ،092.ص.000.
4
.David Harper," Understanding Supply-Side Economics",www.investopedia.com/articles/05/011805.asp last
visited 12/08/2013
5
. Ibid
35
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
زيادة إيرادات الضريبة على أرباح الشركات التي ستزداد نتيجة لزيادة اإلنتاج .أما الركيزة
الثانية :السياسة التنظيمية ،إن هذه المدرسة تفضل حكومة أصغر وتدخل أقل في السوق
الحرة ،فاإلنفاق الحكومي من وجهة نظر المدرسة لن يكون له تأثير مستمر على النمو ومن
ث َ ّم ال يمكن أن ينقذ االقتصاد من الركود .وكانت السياسة النقدية الركيزة الثالثة موضع جدل،
حيث تعتقد المدرسة أنها أداة ال يمكن أن تخلق قيمة اقتصادية ولكنها تدعو إلى سياسة نقدية
1
مستقرة ترتبط بالنمو.
أث ّرت مدرسة اقتصاديات جانب العرض على السياسة الضريبية في جميع أنحاء العالم
في أواخر الثمانينيات .ومن بين ستة وثمانين دولة ذات ضريبة دخل شخصية ،خفض 00بلدا
الحد األعلى لمعدل الضرائب الحدية خالل الفترة ( .)0110-0120والبلدان التي خفضت
بقدر كبير تشمل :أستراليا والبرازيل وفرنسا وإيطاليا واليابان ونيوزيلندا والسويد والمملكة
2
المتحدة.
بالرغم من االختالف بين هذه المدارس الثالث ،إال أنها تعتبر كلها مدارس ليبرالية
التوجه بتأكيدها على مذهب "دعه يعمل دعه يمر".
لقد انتشر الفكر النيوليبرالي في البلدان الرأسمالية الكبرى منذ نهاية سبعينيات القرن
العشرين ثم انتشر في العديد من بلدان العالم النامية واالشتراكية في ثمانينيات وتسعينيات
القرن العشرين ،وظل الفكر السائد حتى عام 8002تاريخ األزمة المالية العالمية .فلقد أدت
هذه األزمة إلى دخول طور جديد للنظام الرأسمالي تلعب فيه الدولة دورا تدخليا أكثر مما
كان عليه في السابق ،وقد جاءت دعوات ضرورة تدخل الدولة من أنصار الليبرالية الجديدة
ومؤيدي فكرة أن األسواق الحرة أكثر فعالية وعقالنية .فبعد أن كان مطلبهم الوحيد عدم
تدخل الدولة في الشؤون االقتصادية وضرورة تخفيض الضرائب ،أصبحوا من أشد
3
المطالبين بتدخل الدولة إلنقاذ كبريات البنوك وشركات التأمين والنظام الرأسمالي بأكمله.
وبالفعل تبنت جميع حكومات العالم برامج التحفيز المالي والتمويل بالعجز وقامت بإنقاذ
البنوك الفاشلة وتأميم بعضها وذلك بالتعاون مع بنوكها المركزية التي قامت بدور المالذ
األخير .ويبدو أن كل هذه اإلجراءات تتفق مع المبادئ األساسية للنظرية االقتصادية
الكينزية .مما جعل البعض يعتقد أن العصر النيوليبرالي قد انتهى والعالم بصدد عهد جديد
للكينزية العالمية .ولكن في الحقيقة كانت تلك اإلجراءات مؤقتة تقتصر على إنقاذ البنوك
والشركات ،وبشكل عام إنقاذ الرأس المال الخاص و بمجرد العودة إلى طور االنتعاش
4
عاودت الرأسمالية إلى التحرر من جديد .وبدأت بتقليص دور الدولة.
مما سبق يمكن القول ،أن الفكر االقتصادي الرأسمالي لم يتكون دفعة واحدة ولكنه
تطور حسب حاجة ومصلحة النظام االقتصادي الرأسمالي فظهر الفكر التجاري الذي لعب
دورا كبيرا في إضفاء الطابع المادي للنظام الرأسمالي ،ثم الفكر الطبيعي الذي لم يدم أكثر
من ربع قرن بسبب قيام الثورة الصناعية التي قضت على فكرته األساسية في كون الزراعة
1
. Ibid.
2
. James D. J wartney, "Supply Side Economics", www.econlib.org/library/Enc1/SupplySideEconomics.html,
last visited 12/08/2013.
3
.عبد المنعم السيد علي ،مرجع سابق ،ص.02.
4
. Heikki Patomak, "Neoliberalism and the Global Financial Crisis", New Political Science, Routledge, Volume
31, Number 4, December 2009,pp.436-437.
36
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
هي القطاع الوحيد المنتج للثروة ،ولكن رغم ذلك تعتبر المدرسة الطبيعية أول مدرسة
أوروبية أشاعت المذهب الحر"دعه يعمل دعه يمر" .ثم تبلور الفكر االقتصادي الرأسمالي
من خالل المدرسة الكالسيكية التي يعتبرها مؤرخو الفكر االقتصادي المدرسة التي وضعت
أسس ومبادئ النظام الرأسمالي .وبعدها جاء الفكر الكينزي الذي اعتبر بمثابة ثورة في الفكر
االقتصادي الرأسمالي وقد جاء إلنقاذ النظام الرأسمالي من أزمته وإصالح عيوبه من خالل
تدخل الدولة ،وقد انتشر الفكر الكينزي وقُ ِّبل على نطاق واسع من قبل السياسيين و المفكرين
االقتصاديين ،ولكن في نهاية السبعينيات من القرن العشرين حدثت ثورة مضادة للكينزية من
قبل الليبراليين الجدد الذين يرفعون شعار الحرية االقتصادية المطلقة والحد من الدولة
المتدخلة وفعالية وكفاءة األسواق إلى أن وقعت األزمة المالية العالمية 8002التي أثبتت عدم
فعالية األسواق وأحيت الفكر الكينزي من جديد إلنقاذ النظام الرأسمالي ولكن هذه المرة تم
تطبيق األفكار الكينزبة بصورة مؤقتة .وهذه هي الرأسمالية كما أوضح ()Hyman Minsky
عندما تتعرض لالضطرابات ال تجد مسلكا سوى التدخل الحكومي ولكن سرعان ما تعود إلى
طبيعتها المتحررة.
المبحث الثاني :اإلطار المفاهيمي لألزمات المالية واالقتصادية
إلجراء التحليل المتعمق لموضوع األزمات المالية واالقتصادية ومتابعته بشكل علمي،
يبدأ هذا المبحث باستعراض أهم التعاريف التي حددت لألزمات المالية وبيان أنواعها في
المطلب األول ،كما يولي هذا المطلب اهتماما خاصا لتبيان العالقة بين األزمة المالية
واألزمة االقتصادية وعالقتهما بالدورة االقتصادية ،ثم تشخيص األسباب الكامنة وراء هذه
األزمات في المطلب الثاني ،وإبراز آثارها وقنوات انتقالها في المطلب الثالث ،ومن ثم
استعراض أهم النماذج التي درست هذه األزمات ومدى إمكانية التنبؤ بها في المطلب األخير.
المطلب األول :ماهية األزمات المالية واالقتصادية
فيما يلي جملة من المفاهيم المتعلقة باألزمات المالية واالقتصادية ،والدورة االقتصادية:
أوال :مفهوم األزمة المالية وأنواعها وعالقتها باألزمة االقتصادية ،األزمة في اللغة هي
الضيق والشدة 1.وتنحدر كلمة "األزمة" " "criseفي اللغة الفرنسية من الكلمة الالتينية
" "crisisالتي تنحدر بدورها من الكلمة اليونانية " ،"kpioisوتكتب عادة" . "krisisو
2
كلمة األزمة في الفكر اليوناني تدل على معنيين:
األول :لحظة أو فترة حاسمة يقع فيها تغيير ما.
الثاني :القرارات واالختيارات من أجل التغلب على المصاعب.
أما اصطالحا فوفقا لقاموس ( )Websterفإن األزمة هي " :موقف يمثل نقطة تحول
نحو األسوأ أو األفضل ،وهذا الموقف يواجه الدول واألفراد والجماعات والمنظمات على
3
مختلف أنواعها ،وعليه فاألزمات تأخذ بخناق الجميع في كل زمان ومكان".
عرف األزمة بأنها " فترة انتقالية ونقطة تحول أو بداية حياة أما قاموس ) (Oxfordفقد ّ
1
الفرد أو الجماعة أو المنظمة أو المجتمع".
1
.عمر يوسف عبد هللا عبابنة ،األزمة المالية المعاصرة تقدير اقتصادي إسالمي ،عالم الكتب الحديث ،األردن،8000 ،ص.09.
2
.أنيس الرحمن منظور الحق"،األزمات المالية العالمية أسبابها وعالجها من منظور اقتصاد إسالمي" ،مجلة مجمع ،جامعة المدينة العالمية،
ماليزيا ،العدد ،6ماي ،8000ص880.
3
.عماد صالح سالم ،إدارة األزمات في بورصات األوراق المالية العربية والعالمية والتنمية المتواصلة ،شركة أبو ظبي للطباعة والنشر ،أبو ظبي،
،8008ص.80.
37
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
كما عرفت على أنها" :عبارة عن كل األحداث والظروف والتغيرات التي تحدث فجأة
وتصاحبها تهديدات معينة لألوضاع الجارية المستقرة ،مع عدم وجود وقت كاف للتعامل مع
األوضاع والظروف الجديدة المنافية للوضع المستقر" .ويتضح أن هذا المفهوم يتضمن ثالثة
2
عناصر أساسية ،وهي:
-عنصر المفاجأة؛
-عنصر ضيق الوقت؛
-عنصر التهديد؛
أما تعريف األزمة من منظور اقتصادي فيكون بتوضيح مفهوم األزمة المالية
وأنواعها ،ومفهوم األزمة االقتصادية وتوضيح العالقة بينهما وفقا لما يلي:
– 0مفهوم األزمة المالية :هناك تعاريف عديدة لألزمة المالية ،يمكن استعراض أهمها فيما
يلي:
-إن األزمة المالية تعني "االنخفاض المفاجئ في أسعار نوع أو أكثر من األصول.
واألصول إما رأس مال مادي يستخدم في العملية اإلنتاجية مثل اآلالت والمعدات واألبنية،
وإما أصول مالية وهي حقوق ملكية لرأس المال المادي أو للمخزون السلعي مثل األسهم
وحسابات االدخار،أو أنها حقوق ملكية لألصول المالية وهي تسمى مشتقات مالية منها العقود
المستقبلية ،فإذا انهارت قيمة أصول ما فجأة فإن ذلك قد يعني إفالس أو انهيار قيمة
3
المؤسسات التي تملكها".
-هي عبارة عن "نقطة تحول أساسية ،ومرحلة حرجة ،وأحداث متتابعة و متسارعة
تصيب الكيانات المالية وتهدد وجودها .وقد تأخذ األزمة المالية شكل انهيار مفاجئ في سوق
4
األسهم أو عملة دولة ما أو في سوق العقارات أو مجموعة من المؤسسات المالية".
-وتعرف أيضا على أنها" :تلك التذبذبات العميقة التي تؤثر كليا أو جزئيا على مجمل
المتغيرات المالية وعلى حجم اإلصدار وأسعار األسهم والسندات ،وإجمالي القروض
والودائع المصرفية ،ومعدل الصرف وتعبر على انهيار شامل في النظام المالي والنقدي".5
من مجمل التعاريف السابقة يمكن تعريف األزمة المالية على أنها عبارة عن
اضطرابات حادة ومفاجئة تصيب الكيانات المالية :أسواق المال ،أو العقارات ،أو مؤسسة
مالية أو عملة دولة– منفردة أو مجتمعة -تؤدي إلى فشل عدد كبير من المؤسسات المالية
وغير المالية وتؤثر على مجمل المتغيرات المالية وتهدد بانهيار النظام المالي بأكمله.
-8أنواع األزمات المالية :من التعاريف السابقة يمكن تحديد أربعة أنواع من األزمات المالية
هي:
0-8األزمة النقدية :وتسمى أيضا بأزمة عملة ،وتتضمن هذه األزمة هبوطا شديدا في قيمة
العملة الوطنية يسبقه أو يصاحبه انخفاض حاد في االحتياطات األجنبية لدى السلطات النقدية.
وتحدث هذه األزمة عند اتجاه األفراد والشركات والمؤسسات نحو تحويل الموجودات المالية
1
.المرجع نفسه ،ص.80.
2
. C.F.Hermann, Some Issues in the study of International crisis, Insight from Behavioral Rresearch free
Press,New York, 1972, p.13
3
.عمر يوسف عبد هللا عبابنة ،مرجع سابق ،ص.09.
4
.المرجع نفسه ،ص.02.
5
.فريد كورتل ،كمال رزيق" ،األزمة المالية :مفهومها ،أسبابها وانعكاساتها على الدول العربية"،مجلة كلية بغداد للعلوم االقتصادية الجامعة ،العدد
-80أ ،ص.6.من الموقع :
https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=53123 last visited 07/03/2019.
38
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
والنقدية بالعملة الوطنية إلى العملة األجنبية لتجنب الهبوط المتوقع في قيمة العملة الوطنية
الذي قد يحدث نتيجة لظهور اختالل على صعيد االقتصاد الكلي ،وتصبح السلطات النقدية في
هذه الحالة غي ر قادرة على الدفاع عن السعر الثابت للعملة الوطنية مما يجبرها على التخلي
1
عنه لصالح تبني سعر الصرف العائم مما يؤدي إلى انهيار سعر تلك العملة.
8 -8األزمة المصرفية :تظهر هذه األزمة عندما تتعرض البنوك لطلبات كبيرة ومفاجئة من
المودعين لسحب الودائع ،وبما أن البنوك تقوم بإقراض أو تشغيل معظم الودائع لديها وتحتفظ
بنسبة بسيطة لمواجهة طلبات السحب اليومي،فلن تستطيع بطبيعة الحال االستجابة لتلك
الطلبات الكبيرة إذا ما تخطت تلك النسبة فتحدث أزمة سيولة لدى البنك ،وإذا امتدت هذه
األزمة إلى بنوك أخرى ،تسمى أزمة مصرفية 2.وعادة ما يتصف هذا النوع من األزمات
بالذعر المالي ،ذلك ألنها قد تصيب النظام المصرفي بأكمله بشلل بسبب الذعر بين أوساط
المودعين الذين يعملون في هذه الحالة بسحب ودائعهم سالكين في ذلك سلوك القطيع لدرجة
أن التجربة بينت أن أثار هذا السلوك ال يفرق بين البنوك السليمة التي تتمتع بأوضاع مالية
3
جيدة أو البنوك الرديئة .فتغلق أبواب البنوك على أمل استقرار األوضاع واسترجاع الثقة.
كما قد تحدث األزمة المصرفية عندما ترفض البنوك منح قروض جديدة خوفا من عدم
4
قدرتها على الوفاء بطلبات السحب ،وتسمى أزمة ائتمان.
واألزمات المصرفية تميل إلى االستمرار وفتا أطول من األزمات العملة ولها آثار أشد
على النشاط االقتصادي وقد كانت نادرة في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين
بسبب القيود على رأس المال والتحويل 5.ولكن منذ تحرير األسواق المالية الناشئة في
تسعينيات القرن العشرين ،ونمو التكامل المالي العالمي أصبحت أكثر انتشارا ،وبدأ العالم
يشهد شكال جديدا من األزمات وهو انهيار العملة (أزمة عملة) مربوط مع انهيار
مصرفي(أزمة مصرفية) 6،يطلق عليها أزمات التوأم .ويظهر هذا النوع من األزمات من
خالل تركيبة من مضاربة حادة على العملة الوطنية وموجة من حاالت اإلفالس والضعف
في البنوك ،مع تجمع الشكوك حول استقرار سعر الصرف واستمرار نظام الصرف القائم،
وكذا الشك حول مدى توفر السيولة ومالءة الوسطاء الماليين .وهناك ثالث وجهات نظر في
تفسير هذا النوع من األزمات 7،األولى ترى أن األزمة المصرفية واألزمة النقدية تكون
متزامنة ولها نفس األسباب كما هو الحال في األزمة المكسيكية ( )0110-0119واألزمة
األسيوية ( .)0112-0119والثانية ترى أن األزمة المصرفية تسبق األزمة النقدية ،وذلك
بسبب حدوث إفراط في اإلصدار النقدي عندما تتدخل البنوك المركزية إلنقاذ البنوك
المتعثرة .أما وجهة النظر الثالثة فترى أن األزمة النقدية تسبق األزمة المصرفية كما حدث
8
في تركيا وفنزويال أواسط التسعينيات من القرن العشرين.
1
.هيل عجمي الجنابي ،التمويل الدولي والعالقات النقدية الدولية ،دار وائل ،األردن ،8009،ص.902.
2
.حمد فواز الدليمي ،أحمد يوسف دودين ،إدارة األزمات الدولية المالية واالقتصادية ،دار جليس الزمان ،األردن ،8000 ،ص.00.
3
.K.Michael Finger, Ludger Schuknecht," Commerce, Finance et Crises financières", Organisation du
Commerce, Genève, 1999, p.22.
4
.حمد فواز الدليمي ،أحمد يوسف دودين ،مرجع سابق ،ص.09.
5
.كريستيان ملدر" ،عين العاصفة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق النقد الدولي ،المجلد ،01العدد ،9ديسمبر ،8008
ص.6.
6
.محمد صالح القريشي ،المالية الدولية ،مؤسسة الوراق ،ع ّمان،8002 ،ص.880.
7
.Robert Boyer et Autres , Les Crises Financières,Ed la documentation française, Paris, 2004, p.26.
8
هيل عجمي الجنابي ،مرجع سابق ،ص 998.؛ . Ibid, pp.27-28
39
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
1-8أزمة األسواق المالية :وتسمى أيضا بطاهرة الفقاعة المالية ،وتحدث في سوق األوراق
المالية نتيجة للتدهور الحاد والمفاجئ في أسعار األصول المالية ،حيث ترتفع أسعار هذه
األصول ارتفاعا مبالغا فيه ال يعكس قيمتها الحقيقية ثم يحدث انخفاض مفاجئ في هذه
األسعار،مما يلحق خسائر كبيرة بالمدخرين وإلى انخفاض مستمر في قيمة األصول المعنية،
1
وحتى تدهور مستمر في االقتصاد كله.
وتعتبر المضاربة المسبب الرئيسي النفجار الفقاعات المالية وحاالت عدم االستقرار في
2
األسواق المالية وذلك لالعتبارات التالية:
-معظم التداوالت في السوق المالي يقوم بها كبار وصغار المضاربين مما يعني أن أداء
السوق يتحدد بشكل كبير بسلوكات وتوجهات المضاربين؛
-طغيان المصلحة الفردية على حساب المصلحة الجماعية ،فالمضارب يسعى دائما إلى
تحقيق اكبر ربح ممكن بأقل تكلفة وفي أقل مدة زمنية دون أن يأخذ في االعتبار ظروف
السوق؛
-ينتهج كبار وصغار المضاربين سلوك القطيع ،حيث يتركز معظم المعامالت
والتداوالت في قطاعات معينة ما يؤدي إلى تكوين فقاعات مالية تؤدي في حال انفجارها إلى
وقوع أزمة مالية؛
-إن توقعات المضاربين حول توجهات السوق المستقبلية قد تكون غير صحيحة نتيجة
حالة عدم التأكد وعدم اليقين الذي يميز المستقبل القريب والبعيد ،مما قد يسبب خسائر كبيرة
للمضاربين وغيرهم من المتعاملين في السوق المالي؛
-ظهور االبتكارات المالية شجع المضاربين على التوجه إلى التداوالت في العقود اآلجلة
وهو ما يؤدي إلى تصاعد المخاطر المصاحبة لهذا النوع من المعامالت نتيجة حالة عدم
التأكد التي تصاحبها ،وبالتالي ازدياد احتماالت وقوع األزمات المالية؛
4-8أزمة المديونية :هي األزمة التي تواجه دولة ما في حالة عدم قدرتها على الوفاء بفوائد
ديونها الخارجية وتحدث ألسباب متعلقة باالقتصاد الكلي كارتفاع مستوى التضخم وعجز
الحساب الجاري والتوسع المفرط في االقتراض .ويسمى القرض الخارجي بالقرض السيادي
والذي يعرف بأنه ا لقرض المقدم للقطاع الرسمي(الحكومي) لدولة ما ،أو قرض قطاع خاص
مضمون من قبل الدولة .ومن أشهر هذه األزمات أزمة المديونية العالمية 0128عندما
3
أعلنت المكسيك أنّها ير قادرة عن سداد ديونها.
كما يمكن أن تحدث أزمة المديونية عندما يتوقع المقرضون أن المقترضين سيتوقفون
4
عن السداد ،ومن ثم يمتنعون عن اإلقراض ،ويحاولون تصفية القروض القائمة.
-1األزمة االقتصادية وعالقتها باألزمة المالية :يفرق االقتصاديون بين القطاع المالي
والقطاع الحقيقي فالقطاع الحقيقي هو قطاع السلع والخدمات ،سواء من حيث اإلنتاج أو
االستهالك أو التبادل التجاري الدولي أما القطاع المالي فهو يشمل البنوك وشركات التأمين
والصناديق االستثمارية واالستثمار في األوراق المالية كاألسهم والسندات والمشتقات كما
1
.Christian de Boissieu, Les Systèmes Financiers : Mutations, crises et régulation, 2e éd, Ed Economica,Paris,
2006, p.72.
2
.نبيل بوفليح ،عبد هللا الحرتسي حميد " ،التمويل اإلسالمي كأسلوب لمواجهة تحديات األزمة المالية العالمية" ،الملتقى الدولي حول أزمة النظام
المالي والمصرفي الدولي وبديل البنوك اإلسالمية ،جامعة األمير عبد القادر ،قسنطينة ،يومي 09-06 :أفريل ،8001ص.2.
3
.محمد علي إبراهيم العامري ،اإلدارة المالية الدولية ،دار وائل ،ع ّمان ،8000 ،ص.016.
4
.كريستيان ملدر ،مرجع سابق ،ص.6.
40
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
يشمل أسواق النقد .لذلك يفرق االقتصاديون بين األزمة المالية التي تصيب الكيانات المالية
1
وبين األزمة االقتصادية التي تصيب االقتصاد الحقيقي.
وهناك تعاريف عديدة لألزمة االقتصادية من أهمها:
-إن األزمة االقتصادية هي":عبارة عن انقطاع مفاجئ لحركة تصاعدية النشاط
االقتصادي ،وانعكاس اتجاه يقلب حالة االقتصاد من النمو إلى الركود" .وبتعبير أشمل هي
2
"وضعية اقتصادية تتميز بضعف نمو الناتج الداخلي الخام وتنامي البطالة".
-كما عرفت على أنّها "حالة حادة من المسار السيئ للحالة االقتصادية لبالد أو إلقليم أو
للعالم بأسره تبدأ عادة جراء انهيار أسواق المال ،وترافقها ظاهرة جمود أو تدهور في
النشاط االقتصادي تتميز ،بالبطالة اإلفالس التوترات االجتماعية ،وانخفاض القدرة
3
الشرائية".
-أو هي "عبارة عن تراجع كبير في النشاط االقتصادي يستمر أكثر من ربعي سنة
متواليين ويظهر على شكل تراجع كبير في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي ،وفي االستثمار
واإلنتاج الصناعي ،والمبيعات ،والواردات والتوظيف ،وكذا االستهالك" 4.وغالبا ما يستخدم
المحللين االقتصاديين مصطلح الركود للداللة على هذا التراجع .ويعتبرونـــه كسادا إذا زاد
5
فيه التراجع في الناتج المحلي اإلجمالي على 00بالمائة.
مما سبق يمكن القول ،أن األزمة االقتصادية تصيب جوانب االقتصاد الحقيقي وهي
عبارة عن انقطاع في المسار التصاعدي للنمو االقتصادي وانعكاس اتجاهه ليدخل في حالة
تباطؤ وركود ،يصاحبه ارتفاع حاد في البطالة وتراجع للقدرة الشرائية.
وهناك أسباب عديدة لألزمة االقتصادية ،فقد يحدث التراجع الكبير في النشاط
االقتصادي بسبب التغيرات الحادة في أسعار المدخالت المستخدمة في إنتاج السلع
والخدمات ،أو عندما يقرر بلد ما تخفيض التضخم باستخدام السياسات النقدية والمالية
االنكماشية ،وإذا ما استخدمت هذه السياسات بإفراط فإنها تؤدي إلى تراجع الطلب على السلع
وال خدمات ما ينتج عنه كساد في نهاية األمر ،كما قد تحدث األزمة نتيجة لتراجع الطلب
الخارجي خاصة في البلدان التي لديها قطاعات تصدير قوية 6.و يمكن أيضا أن تؤدي
7
الكوارث الطبيعية والحروب واالضطرابات السياسية وغيرها إلى وقوع أزمة اقتصادية.
ولكن غالبا ما تمتد جذور األزمة االقتصادية إلى االضطرابات الحادة في المتغيرات المالية:
شح في عرض التمويل وانهيار أسعار األصول المالية وإفالس القطاع البنكي 8.فمن أزمة
1
.سامي بن إبراهيم السويلم ،األزمات المالية في ضوء االقتصاد اإلسالمي ،كرسي سابك لدراسات األسواق المالية اإلسالمية ،المشروع رقم (-08
،)00جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ،8008 ،ص .00.من الموقعwww.suwailem.net/BooksDetails-5, last visited :
08/12/2014
2
.محمد الكوادي ،االجتهاد والتجديد في الفكر االقتصادي اإلسالمي المعاصر ،دراسة تحليلية نقدية ألزمات ودورات الفكر االقتصادي الرأسمالي،
دار النفائس للنشر والتوزيع ،8008 ،عمان ،ص ص.009-000.
3
.عبد الرزاق سعيد بلعباس" ،ما معنى األزمة" ،كتاب األزمة المالية العالمية :أسباب وحلول من منظور إسالمي ،مركز النشر العلمي جامعة الملك
عبد العزيز،جدة ،8001 ،ص.01.
4
.ستيجن كاليسنس،أيهان كوزي" ،ما هو الكساد" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق النقد الدولي ،المجلد ،96العدد،0
مارس ،8001ص.08.
5
.ماركو تيرونيس وآخرون" ،الحول من الركود إلى التعافي :بأي سرعة وبأي قوة؟" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أفريل ،8001
ص.009.
6
.ستيجن كاليسنس ،أيهان كوزي ،مرجع سابق ،ص ص.00-08.
7
.سامي بن إبراهيم السويلم ،مرجع سابق ،ص.00.
8
Christian de Boissieu, Op.cit, p.88.
41
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
أسواق مالية إلى أزمة مصرفية وأزمة عملة مما يعرض النشاط االقتصادي إلى موجات
متتالية من التراجع والركود .وقد بينت العديد من المؤشرات والدراسات اإلحصائية
والتاريخية أن الركود االقتصادي الذي ينتج عن األزمات المالية هو أسوأ أنواع الركود سواء
1
من حيث طول المدة أو شدة الهبوط.
وعلى الرغم من أن األزمة المالية قد تكون سببا في األزمة االقتصادية ،إال أنه يمكن أن
تكون أيضا نتيجة لها فقد يؤدي تراجع النشاط االقتصادي إلى كساد أسواق االئتمان
2
واألصول والى تآكل قيمة المساكن واألسهم ومن ثم اضطراب في األسواق المالية.
مما سبق ،يتضح أن هناك عالقة قوية تربط بين األزمة االقتصادية واألزمة المالية،
وأن هذه األخيرة يمكن أن تكون مؤشرا النعكاس اتجاه حالة االقتصاد من النمو إلى
الركود.كما يكمن أن تكون نتيجة له.
ثانيا :عالقة األزمة االقتصادية بالدورة االقتصادية ،يخضع االقتصاد الرأسمالي لقانون
التطور الدوري ،فتطوره ونموه لم يكن بشكل خط مستقيم بل في شكل حركة شبيهة
3
بالتموجات يطلق عليها اسم الدورة االقتصادية التي تعد من أهم سماته.
-0مفهوم الدورة االقتصادية :هناك تعريفات عديدة لمصطلح للدورة االقتصادية ،ومن
المفاهيم المبسطة لهذا المصطلح يمكن ذكر:
" -هي تلك التذبذبات أو التقلبات التي تؤثر على مجمل النشاط االقتصادي للدول ،تتكون من
مرحلة التوسع التي تحدث تقريبا في جميع القطاعات االقتصادية ،يليها انكماش فركود ثم
4
تعود مرة ثانية إلى التوسع في الدورة المقبلة".
-أو هي "ذلك التتابع مابين مرحلة القمة والقاع" ،أو"أنها تلك التقلبات التي تؤثر على مجمل
5
النشاط االقتصادي للدولة".
-وذكر أن الدورة االقتصادية "تمثل التأرجح شبه منتظم أو التقلبات المتواترة في معدل
النمو االقتصادي في بلد ما ،ويكون هذا التأرجح أدنى أو أعلى بدرجة كبيرة من االتجاه العام
طويل األجل في معدل نمو اإلنتاجية الكلية ألغلب الفعاليات االقتصادية الكلية( الناتج الوطني
6
اإلجمالي ،معدالت البطالة المستوى العام لألسعار".)..
-هي" تلك المسيرة التي تقود االقتصاد الرأسمالي بقوة ال تقاوم من أزمة إلى أزمة حيث
يخيم الجمود سنين طويلة وتدمر القوى المنتجة وتبدد كميات كبيرة من اإلنتاج بسبب الكساد
وانخفاض األسعار وعدم القدرة على التصريف .ثم تتسارع حركة اإلنتاج والتبادل شيئا
فشيئا ،وتتحول الخطى إلى خبب وتنتقل خبب الصناعة إلى ركض يتحول إلى جموح إلى
1
.عمر يوسف عبد هللا عبابنة ،مرجع سابق ،ص 89.؛ سامي بن إبراهيم السويلم ،مرجع سابق ،ص.00.
2
.ستيجن كاليسنس ،أيهان كوزي ،مرجع سابق ،ص.00.
3
.رجاء خضير الربيعي ،التحليل الفكري للدورات االقتصادية،ص . 1.من
, last visited 10/12/2014 الموقعhttps://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=64359:
4
.Francis X. Diebold, Glenn D. Rudebusch," Measuring Business Cycles: AModern perspective", Review of
Economics and Statistics,Vol 78, JUIN 27,1996, P.01.
5
.Kalasopatan Cynthia, Letondu François, "Les Cycles économiques", Revue Problèmes économiques, Paris,
N° 2949, Juin 2008, p.41.
6
.رجاء خضير الربيعي ،مرجع سابق ،ص ص.6-0.
42
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
قفزات تشمل الصن اعة والتجارة والتسليف والمضاربة ،وبعد قفزات يائسة تنحدر الحركة إلى
الهاوية .وهكذا تتكرر األمور"1.
مما سبق يمكن القول ،أن الدورة االقتصادية عبارة عن ذلك التتابع مابين أطوار
االرتفاع واالنخفاض طور يعرف باالنتعاش والرواج يرتفع خالله اإلنتاج والتوظيف وطور
يعرف باالنكماش ثم االنهيار واألزمة عندما يتراجع مستوى اإلنتاج والتوظيف.
-8مراحل الدورة االقتصادية :تتألف الدورة االقتصادية من مرحلتين رئيسيتين :مرحلة
الركود أو مرحلة األزمة االقتصادية (من الذروة إلى القاع) ،ومرحلة التوسع (من القاع إلى
الذروة).كما يوضحه الشكل التالي:
المصدر :ماركو تيرونيس وآخرون" ،التحول من الركود إلى التعافي :بأي سرعة وبأي
قوة؟"،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أفريل ،8001ص.009.
تتسم مرحلة الركود بأنها أكثر ضحالة وأقصر أجال من مرحلة التوسع ،ففي مرحلة
الركود ينخفض الناتج المحلي اإلجمالي بقرابة 8,90بالمائة ،وفي المقابل يسجل إجمالي
الناتج المحلي اإلجمالي ارتفاعا بحوالي 80بالمائة أثناء مرحة التوسع ،غير أن هناك بعض
1
.مصطفى العبد هللا الكفري ،األزمة المالية العالمية والتحديات االقتصادية الراهنة في الدول العربية ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر
والتوزيع ،بيروت 8008 ،ص88.
43
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
فترات الركود التي تتسم بالحدة حيث يتجاوز انخفاض الناتج المحلي اإلجمالي بين الذروة
1
والقاع نسبة 00بالمائة وتعرف هذه الفترات غالبا بالكساد.
وقد تحدث فترة الركود ألسباب عدة منها :صدمات المالية العامة والسياسة النقدية،
صدمات أسعار النفط ،صدمات خارجية ،أو نتيجة ألزمات مالية .وقد بينت دراسة لصندوق
النقد الدولي تضمنت 088فترة ركود ،أن فترات الركود المرتبطة بأزمات مالية أصبحت
أكثر شيوعا مقارنة بفترات الركود المرتبطة بصدمات الطلب الخارجي أو صدمات المالية
العامة والسياسة النقدية ،كما بينت أن فترات الركود المرتبطة بأزمات مالية تكون أطول أمدا
2
وأكثر تكلفة من سواها.
أما مرحلة التوسع التي تسبق مرحلة الركود المرتبطة بأزمة مالية فغالبا ما تتسم
بطفرات ائتمانية مقترنة بفترات نشاط مزدهر في أسواق السلع والعمل ،وارتفاع في أسعار
المساكن ،وفي كثير من األحيان فقدان القدرة التنافسية الخارجية ،ويالحظ أيضا أن معدل نمو
االئتمان أثناء فترات التوسع التي تسبق وقوع األزمات المالية يكون أعلى منه في فترات
التوسع األخرى ،ويكون مصحوبا بمعدالت استهالك أعلى من المعتاد كنسبة من إجمالي
الناتج المحلي في الفترة السابقة على مرحلة الذروة ،وترتفع نسبة المشاركة في سوق العمل،
ويرتفع معدل نمو األجور ،وينخفض معدل البطالة ،وتحدث زيادات كبيرة في أسعار األسهم
واألصول المالية ،مما يؤدي إلى نشوء فقاعات أسعار األصول .وحسب الخبراء االقتصاديين
فإن كل هذه المتغيرات تشير على أن فترات التوسع التي تسبق وقوع األزمات المالية مفرطة
التفاؤل بالنسبة لنمو الدخل والثروة ،وتكون محصلة ذلك تقييم السلع والخدمات وبصفة
خاصة أسعار األصول بأعلى من قيمتها ،ولفترة معينة يبدو هذا النشاط المزدهر مؤكدا
للتوقعات المتفائلة ،ولكن عندما يخيب الظن بهذه التوقعات في آخر المطاف تنفجر الفقاعة
وتحدث األزمة ،حيث تنهار أسعار األصول عموما ،ويتراجع االستهالك الخاص واالستثمار
الخاص ،وتواصل أسعار المساكن الهبوط ،ويتراجع االئتمان ،ومن ثم يتراجع نمو الناتج،
ويرتفع معدل البطالة ،حتى يدخل االقتصاد في مرحلة الركود حيث يشهد هبوطا حادا في
أسواق السلع والعمل واألصول واالئتمان ويسجل خسائر كبيرة في الثروة المالية ،وتراجع
3
حاد في الناتج المحلي اإلجمالي.
أما فيما يتعلق بمرحلة التعافي ،فغالبا ما يستغرق التعافي الذي يعقب األزمات المالية
فترة زمنية مماثلة لفترة الركود نفسها لكي يبلغ مستوى النشاط المحرز في الذروة السابقة.
ولكن من الخطأ االعتقاد أن التعافي هو عملية ينقلب فيها االقتصاد ببساطة إلى حالته السابقة،
فغالبا ما تتسم فترات التعافي خاصة تلك المرتبطة بأزمات مالية باستمرار ضعف االستهالك
الخاص ،حيث ينمو معدل االستهالك بتباطؤ أكبر منه في فترات التعافي األخرى كما يستمر
االستثمار الخاص بالهبوط ،ويستغرق االستثمار في المشروعات السكنية عادة السنتين حتى
يتمكن من التوقف عن الهبوط ،ويتباطأ نمو الناتج ،ويواصل معدل البطالة في االرتفاع ،كما
4
تتسم أسعار األصول عموما بالضعف.
وعموما هناك عدد من العوامل التي يمكن أن تخرج االقتصاد من حالة الركود وتقوده
على التعافي كالتقدم التكنولوجي ،والنمو السكاني ،إال أن للسياسات النقدية والمالية
1
.ماركو تيرونيس وآخرون ،مرجع سابق ،ص.009.
2
.المرجع نفسه ،ص.009.
3
.ماركو تيرونيس وآخرون ،مرجع سابق ،ص ص.000-002.ص.089.
4
.المرجع نفسه ،ص ص.000-002.
44
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
التوسعيتين دور كبير في خفض فترة الركود وتعزيز فترات التعافي ،حيث بينت دراسة
صندوق النقد الدولي ذاتها ،بأن كال من التوسع المالي والتوسع النقدي المستخدمين أثناء
فترات الركود يرتبطان عادة بفترات تعاف أكثر قوة ،وعلى وجه التحديد فـإن حدوث زيادات
في االستهالك الحكومي بنسبة 0بالمائة يرتبط بزيادة احتمال الخروج من فترة الركود بنسبة
06بالمائة ،وانخفاض سعر الفائدة الحقيقي بنسبة 0بالمائة يزيد من احتماالت الخروج من
الركود بنحو 6بالمائة مما يؤثر تأثيرا ايجابيا على قوة التعافي االقتصادي إلى أن يصل إلى
1
الذروة من جديد.
مما سبق يتضح أن هناك فرق بين الدورة االقتصادية واألزمة االقتصادية ،فهذه
األخيرة تعني االضطراب في حين الدورة تعني التعاقب والتواتر بين مراحل معينة ،والتي
تعتبر األزمة االقتصادية (الركود) بمثابة المرحلة التأسيسية لها ،حيث تبدأ الدورة االقتصادية
دائما بأزمة ،فكل أزمة تتفجر هي نقطة النهاية لدورة مضت ونقطة البداية لدورة مقبلة.
المطلب الثاني :أسباب األزمات المالية
رغم أن لكل أزمة مالية توليفة مختلفة من األسباب التي أدت إلى انفجارها ،إال أنه
هناك مجموعة من األسباب المشتركة التي تضافرت إلحداث معظم األزمات المالية التي
عرفها االقتصاد العالمي .يمكن عرض أهمها فيما يلي:
أوال :آلية االئتمان المزعزعة لالستقرار ،إن آلية االئتمان كما تعمل اليوم ،ساهمت ومن
شأنها اإلسهام في نشوء فوضى واختالالت ال يمكن ألحد أن يكون قادرا على مراقبتها أو
السيطرة عليها 2.وهذا راجع لألسباب التالية:
-0عدم تالؤم أصول وخصوم البنوك :إن مجموع أصول ميزانية أي بنك يساوي مجمع
الخصوم ،غير أن هذه المساواة هي مجرد مساواة محاسبية ذلك ألنها تعتمد على المقابلة بين
عناصر ذات طبيعة مختلفة:
في جانب الخصوم :التزامات تحت الطلب وقصيرة األجل على البنك؛
في جانب األصول :ديون آلجال أطول ،وهي عبارة عن القروض التي منحها البنك؛
ومن هنا ينشأ عدم استقرار دائم كامن في النظام المصرفي بكامله ،ألن البنوك هي في أي
وقت عاجزة عن مواجهة طلبات سحب كثيرة للودائع تحت الطلب ،أو المؤجلة إذا حل أجلها،
3
إذ أن أصول هذه البنوك ال تتحول إلى نقود إال بعد آجال طويلة.
-2التعامل بالفائدة :إن التعامل بالفائدة يبعد النقود عن وظائفها الثالث ،لتصبح سلعة (نقود
تلد نقود) 4.وقد نادى االقتصاديون منذ زمن بعيد بضرورة إعادة النظر في إجراءات تطبيقه
إن لم نقل إلغاء معدل الفائدة كليا .وكان ) (Adam Smithخالل القرن التاسع عشر وبالرغم
من تبنيه مبدأ الحرية االقتصادية قد طالب بوضع سقف لمعدل الفائدة على القروض .كما
شكلت الفائدة حجر الزاوية عند ) )Keynesفي أعقاب أزمة الكساد الكبير إذ اعتبرها سببا في
حدوث هذه األزمة .أما من وجهة الشريعة اإلسالمية فاألمر واضح في تحريم الفائدة
1
.المرجع نفسه ،ص ص.080-001.
2
.مورس آليه"،الشروط النقدية القتصاد األسواق ،من دروس األمس إلى إصالحات الغد" ،ترجمة المعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب ،البنك
اإلسالمي للتنمية ،جدة ،0110 ،ص.09.
3
.المرجع نفسه ،ص ص.80-01.
4
.محمد بوجالل" ،مقاربة إسالمية لالزمة المالية الراهنة" ،مجلة اقتصاديات شمال إفريقيا ،جامعة حسيبة بن بوعلي ،الشلف ،العدد ،8002 ،6
ص.81.
45
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
باالستناد إلى كتاب هللا اتفق جمهور علماء المسلمين على أنها حرام باعتبارها سببا في
1
األزمات االقتصادية وما يتبعها من غالء وانحرافات مالية وركود اقتصادي.
2
ومن اآلثار السلبية للتعامل بالفائدة ما يلي:
-التباين الشديد بين األصول العينية واألصول المالية ،فتتضاعف الفجوة بين االقتصاد
الحقيقي واالقتصاد الرمزي ،وتهرب األموال من االقتصاد الحقيقي( االستثمار المباشر) إلى
الزيادة في السوق المالي (المضاربات)؛
-الزيادة في الديون بوتيرة أعلى من الزيادة في اإلنتاج؛
-تزايد خدمة الدين بوتيرة أعلى من الزيادة في الدخول؛
-إن لمعدل الفائدة (سواء بسبب التقلبات أو االرتفاع الكبير) بالغ األثر في تفجير األزمات في
البلدان النامية فالتغيرات الكبيرة في معدالت الفائدة عالميا ال تؤثر فقط في تكلفة االقتراض
بل تؤثر بشكل كبير على تدفقات االستثمار األجنبي المباشر إلى هذه البلدان ودرجة جاذبيتها.
بشكل عام ،إن نظام الفائدة يؤدي إلى تفاقم المديونية إلى مستويات ال تتناسب مع تطور
3
النشاط االقتصادي في القطاع الحقيقي والنتيجة انكماش فتضخم فكساد.
-1المراهنة والمضاربات الوهمية :من الطبيعي والضروري إلى حد كبير أن تكون هناك
تنبؤات للمستقبل وأن يتصرف أطراف النشاط االقتصادي حسب هذه التنبؤات .فالمراهنة
على األسعار من حيث المبدأ باعتبارها تحكيما بين الحاضر والمستقبل أمر ضروري ومفيد
إلى حد كبير ،ولكن األصل أن تشترى األسهم أو أي أصول أخرى (مالية أو مادية) أوال ثم
تباع فيما بعد ،غير أن ما يحدث هو أن المستثمر يشتري دون أن يدفع ،ويبيع دون أن يحوز،
وهذا يعني أن المستثمر حينما يبيع آو يشتري ليس بغرض االستثمار الحقيقي المبني على
تبادل األصل بين طرفي العقد ،وإنما ذلك كله صوري وهذا لالستفادة من التغيرات التي
تحدث في القيمة السوقية لألصول في األجل القصير جدا .وعلى هذا فإن المستثمر ال يكون
غرضه تملك األوراق المالية أو السلعة أو العمالت التي اشتراها وإنما غرضه االستفادة من
تقلبات األسعار وتحقيق الربح وكل ذلك باستخدام أدوات المضاربة الوهمية :عقود الخيار،
4
البيع على الهامش ،البيع على المكشوف...إلخ.
واألخطر ،أن هؤالء المستثمرين من أجل شراء األسهم أو أي أصول مالية أو مادية
أخرى ،يلجئون إلى قروض مصرفية مضمونة بإيداع األسهم لتمويل مشترياتهم ،وبهذا ترتفع
األسعار في الح ال وكل من اشترى في مثل هذه الظروف سيشهد في المستقبل القريب ارتفاع
األسعار ،وهذا االرتفاع سيحقق توقعاته ويحفزه على االقتراض من جديد ألجل الشراء من
جديد وهكذا االرتفاع يجلب االرتفاع وتتضاعف المكاسب على الورق .وهذا االزدهار
يحرض البنوك على المزيد من اإلقراض إذ أن مكاسبها تزداد كلما أقرضت ،وتزداد آثار
خلق النقود من ال شي خطورة كلما تعلق هذا الخلق بحجم األسهم المتبادلة يوميا ،ومع
التوقعات باالرتفاع واستمرار االرتفاع ستبلغ األسعار مستويات ال سابق لها ،إال أن هذه
العملية ال يمكن أن تستمر إلى ماال نهاية ففي لحظة أو في أخرى سيدرك بعض المتعاملين أن
1
.شريط عابد" ،معدل الفائدة ودورية األزمات في االقتصاد الرأسمالي" ،بحوث اقتصادية عربية ،مركز دراسات الوحدة العربية ،العددان ،91-92
خريف ،8001خريف ،8000ص ص.06-00.
2
.محمد بوجالل ،مرجع سابق ،ص61.؛ شريط عابد ،مرجع سابق ،ص.00.
.3محمد بوجالل ،مرجع سابق ،ص.61.
4
.محمود فهد مهيدات" ،المضاربات الوهمية ودورها في األزمة المالية -عقود الخيار ،"-المؤتمر العلمي الدولي حول األزمة المالية واالقتصادية
العالمية المعاصرة من منظور اقتصادي إسالمي ،جامعة العلوم اإلسالمية العالمية والمعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،ع ّمان 8-0ديسمبر ،8000ص
ص .08-00.؛ موريس آليه ،مرجع سابق ،ص.88.
46
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
األسعار صارت غير معقولة وفق كل المعايير فيشرعون في البيع ويبدأ االنهيار في
األسعار ،ويتوجب على المقترضين الذين راهنوا على ارتفاع األسعار أن يواجهوا وعودهم
بالدفع ،ومن أجل الوفاء بالتزاماتهم يصفوا أصولهم األخرى كلها أو بعضها مما ينشأ معه
ضغط يؤدي إلى انخفاض عام في األسعار ،ويرافق ذلك حاالت من الذعر والخوف وفقدان
الثقة باالقتصاد كله ،وعندئذ تتوقف البنوك عن اإلقراض مما يثير صعوبات جديدة وربما
1
انهيار للنظام المالي والنقدي.
-4المشتقات المالية :ظهرت خالل سنوات السبعينيات عدد من األدوات والمنتجات المالية
وأدوات استثمار معقدة بشكل لم يسبق له مثيل .وكان من بين هذه المنتجات عقود المشتقات
المالية كأدوات صاحب ظهورها تعاظم ظاهرة تقلب أسعار الفائدة وأسعار صرف العمالت
األجنبية .وال تعتبر المشتقات المالية أصوال مالية ،كما ال تمثل أصوال عينية وإنما هي عقود
كسائر أنواع العقود المتعارف عليها ،ويترتب عليها حقا لطرف والتزاما على الطرف
اآلخر ،غير أنه في عقود المشتقات ال يوجد طرفان رابحان أو خاسران ،بل البد لشخص
واحد أن يربح على حساب اآلخر .وتستخدم المشتقات المالية لعدد من األغراض وتشمل
إدارة المخاطر والتحوط ضد المخاطر والمراجحة بين األسواق ،ولكن االستخدام الغالب
للمشتقات اليوم يميل كثيرا للمضاربة ،ألن معظم الشركات االستثمارية الكبيرة والبنوك
ساهمت في ذلك عبر توفير تسهيالت كبيرة وبالتالي نسبة المضاربة في هذه المشتقات
تصبح عالية جدا 2.وهكذا تحولت المشتقات المالية من أداة لتغطية المخاطر إلى أداة تؤدي
إلى زيادة خطر عدم االستقرار المالي ،وذلك من خالل تشجيع وتنشيط سلوك التقليد لدى
المتعاملين في األسواق المالية ،فهي تؤدي إلى خطر العجز الذي يعمم إلى النظام المالي ككل
فيما يسمى بالمخاطر النظامية* .ولهذا اعتبرها بعض االقتصاديين أنها "سالح تهديم قوي"
ساهمت وبشكل كبير في خلق األزمات المالية وتوسيع نطاقها باعتبارها الركيزة األساسية
3
"القتصاد الكازينو" في يد المضاربين.
4
لقد أسهمت كل هذه العوامل (الفائدة ،المضاربة ،المشتقات المالية) وبشكل كبير في:
-انفصام متزايد بين االقتصاد الحقيقي واالقتصاد المالي ،فخالل الفترة ()8009-0120
تضاعفت األصول المالية التي تشمل األسهم والديون الخاصة والحكومية والودائع الحكومية
ثالث مرات تقريبا نسبة إلى الناتج المحلي اإلجمالي ،فقد بلغت األصول المالية 08تريليون
دوالر سنة 0120مقابل الناتج المحلي اإلجمالي لدول العالم 00تريليون دوالر ،وفي عام
8000بلغت األصول المالية 19تريليون دوالر مقابل 08تريليون دوالر للناتج المحلي
اإلجمالي العالمي ،وفي عام 8009بلغ الناتج المحلي اإلجمالي العالمي حوالي 00تريليون
5
دوالر فيما بلغت األصول المالية 016تريليون دوالر.
1
.موريس آليه ،مرجع سابق ،ص ص.80-88.
2
.نصر أبو الفتوح فريد ،الرهون العقارية واألزمة المالية العالمية ،دار الفكر والقانون للنشر والتوزيع ،مصر ،8000 ،ص ،000.ص ص-009.
.002
المخاطر النظامية :تشير المخاطر النظامية إلى مشاكل تمتد عبر أنماط مختلفة من المؤسسات واألسواق المالية ،وغالبا ً بطرق غير متوقعة
*
وأحيانا ً بسرعة بالغة.حيث يؤدي العسر المالي في إحدى المؤسسات إلى التأثير سلبا ً في المؤسسات األخرى .ولعل المثال األكثر بروزا ً هو ما حدث
في عام 8002و الطريقة التي هدد بها فشل بنك ليمان براذرز االستثماري النظام المالي األمريكي باالنهيار ،إضافة إلى الضغوط الشديدة التي
فرضها على النظام المالي العالمي ككل.
3
.Yves Jégourel, Les produits Financiers Dérivés, Ed la découverte,Paris, 2005, pp.100-102,p.106.
4
.موريس آليه ،مرجع سابق ،ص 80.؛ محمد بوجالل ،مرجع سابق ،ص.62.
5
.عبد الرزاق فارس الفارس ،األزمة المالية العالمية األسباب والتداعيات والحلول ،مركز اإلمارات للدراسات والبحوث اإلستراتيجية ،اإلمارات
العربية ،8000 ،ص.001.
47
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
-تشكيل ما يسمى بالفقاعة المالية :إن آلية االئتمان التي تقوم على خلق النقود من ال شيء
وبالتالي خلق قوة شرائية بدون أي مقابل فعلي سوى وعود بالدفع في المستقبل ،هي السبب
في حدوث االرتفاعات العظيمة في أسعار األصول في األسواق المالية من خالل أدوات
المضاربة الوهمية والتي من أهمها المشتقات المالية ،وهذا ما حدث فعليا في األزمات المالية
الكبرى.
-انفجار الفقاعة سيتحول إلى أزمة شاملة ال تستثني القطاع الحقيقي ،بحيث تتراجع جميع
مؤشرات النمو إلى منطقة الخطر (انخفاض حاد في اإلنتاج ،زيادة معدالت البطالة ،وركود
اقتصادي عميق).
ثانيا :التحرير المالي غير الوقائي ،يقصد بالتحرير المالي إزالة القيود على حركة رؤوس
األموال بهدف تحقيق تكامل أوثق مع أسواق رؤوس األموال العالمية وتحسين إمكانية
الحصول على التدفقات الرأسمالية الدولية 1.ولكن التحرير المالي المتسرع غير حذر وغير
وقائي للسوق المالي بعد فترة طويلة من االنغالق قد يؤدي إلى حدوث األزمات المالية 2،فهذا
التحرير تصاحبه ظاهرة التقلب وعدم االستقرار ،وهي ظاهرة معروفة في األسواق المالية
حيث أنه من الممكن أن تزيد التدفقات الرأسمالية الداخلة عن الحد الذي يمكن تبريره وفقا
ألساسيات االقتصادية في بلد ما في حالة وجود توقعات حسنة يغلب عليها التفاؤل ولكن من
الممكن أيضا أن تزيد التدفقات إلى الخارج عن الحد الذي يمكن تبريره أيضا وذلك عندما
تتغير التوقعات في االتجاه المعاكس وتنهار ثقة المستثمرين ،ما قد يؤدي إلى حدوث
3
انهيارات مالية.
على الرغم من أن التدفقات الرأسمالية الداخلة لها مزايا معروفة في تحقيق النمو
االقتصادي على المدى الطويل ،إال أنها غالبا ما تؤدي إلى حدوث زيادة سريعة في األموال
المتاحة لإلقراض ،وفي محاولة من البنوك لتوزيع هذه األموال فإنها غالبا ما تقوم بتخفيض
معايير اإلقراض وتقديم االئتمان إلى الشركات واألسر التي لم تكن لديها القدرة قبل ذلك على
الوصول إلى األسواق المالية .وقد يؤدي هذا األمر إلى توسع االئتمان المقدم للقطاع الخاص
بسرعة ودرجة كبيرتين تفوق التوسع االئتماني أثناء فترات التوسع االقتصادي المعتاد.
وخالل فترة التوسع االئتماني الكبير يشهد النشاط االقتصادي توسعا كبيرا ،وترتفع أسعار
المساكن واألسهم بسرعة ،وتزداد نسب الرفع المالي زيادة حادة ،ويرتفع سعر الصرف
الحقيقي وتضعف القدرة التنافسية لالقتصاد المعني ويتسع عجز الحساب الجاري وتزداد
مواطن الضعف المالي ،خاصة إذا لم تكن عملية التحرير مصحوبة بالتطور الكافي في
األطر التنظيمية والرقابية .كما يزداد احتمال ظهور مخاطر تهدد االستقرار المالي في ظل
تزايد التدفقات الرأسمالية نحو الخارج .وقد أثبت الواقع أن هناك ارتباط قوي بين فترات
التوسع االئتماني وأزمات العملة واألزمات المصرفية والتوقعات المفاجئة في التدفقات
الرأسمالية 4،كما بينت العديد من الدراسات أن أغلب األزمات المالية قد حدثت خالل
السنوات الخمس األولى من عملية التحرير المالي ،حيث قامت بعض البلدان النامية بتحرير
1
.محمد الفنيش" ،البالد النامية واألزمات المالية العالمية:حول استراتيجيات منع األزمات وإدارتها" ،سلسلة محاضرات العلماء الزائرين
رقم( ،)01المعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب ،البنك اإلسالمي للتنمية ،جدة ،8000 ،ص.06.
2
.ناجي التوني ،األزمات المالية ،سلسلة جسر التنمية ،المعهد العربي للتخطيط ،الكويت ،العدد ،81ماي ،8009ص.6.
.3محمد الفنيش ،مرجع سابق ،ص.06.
4
.يورغ دكريسن ،ماركو تيرونيس "،دورات الرواج والكساد" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،سبتمبر ،8000ص ص.00-99
48
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
سياساتها اتجاه األسواق المالية الدولية وتدفقات رأس المال الدولي دون تعزيز قطاعها المالي
1
وهياكلها التحوطية.
ثالثا :اختالل النظام النقدي الدولي الراهن ،يرتبط النظام النقدي ارتباطا وثيقا بالفوضى
المالية .ومنذ عام 0190و النظام النقدي العالمي يعمل وفقا لنظام تعويم العمالت الذي يهيمن
عليه الدوالر األمريكي 2،حيث قامت البلدان الصناعية الكبرى بتعويم أسعار عمالتها بينما
فضلت البلدان النامية تثبيت أسعار صرف عمالتها عن طريق ربطها بالدوالر األمريكي أو
سلة من العمالت ،مما أدى إلى زيادة حاجة البلدان إلى احتياطات دولية للتدخل في أسواق
الصرف األجنبي بهدف الحد من آثار تقلبات سعر الصرف في األجل القصير ،وكان هذا
التدخل في الغالب بالدوالر األمريكي ،وهكذا استفادت الواليات المتحدة األمريكية من
التطورات التي حدثت نتيجة التعويم بحيث أصبح االقتصاد العالمي كله سوقا للدوالر
األمريكي ،واستطاعت بذلك أن تمتلك األصول العينية والمالية حول العالم مستغلة القبول
العالمي لعملتها كاحتياطات تلك الدول ولمبادالتها الدولية باإلضافة إلى تسعير البترول
حاضرا وآجال بالدوالر 3،ومن ثم يصبح هناك دافع لكثير من البلدان إلى االحتفاظ باحتياطي
من الدوالر وهكذا استحوذ الدوالر على 60بالمائة من نسبة المساهمة في االحتياطات
الدولية وعلى 00بالمائة من نسبة المساهمة في معامالت التجارة الدولية و 90بالمائة من
4
نسبة المساهمة الودائع المصرفية.
وهكذا أصبح الدوالر عملة دولية وليس فقط عملة وطنية ،تنفرد الواليات المتحدة
األمريكية وحدها بعملية إصداره وتتمتع وحدها بمكاسب وأرباح نتيجة احتكارها إصدار هذه
النقود الدولية ،هذه المكاسب تتمثل في الفارق بين تكاليف إصدار النقود وقيمها االسمية،
ونظرا ألن النقود الورقية تكاد ال تتضمن أي نفقات فإنه يمكن القول إن المكاسب التي يحققها
محتكر إصدار النقود تقترب من قيمة النقود المصدرة ذاتها .وترجع أسباب هذه المكاسب إلى
أن البلدان ال تحصل على الدوالرات إال مقابل تنازلها عن أصول مختلفة ،في حين أن
الواليات المتحدة ال تتكلف شيئا في إصدار هذه الدوالرات (سوى تكاليف الطبع واإلدارة).
ومن هنا بدأت تظهر مشاكل الدوالر الدولية وعدم استقرار النظام النقدي نتيجة ألسلوب
5
توفير هذه الدوالرات لالستخدام الدولي.
لقد كان معظم االقتصاديين يعتقدون أن النظام النقدي بعد 0190الذي يقوم على التخلي
عن قاعدة تحويل الدوالر إلى ذهب واالتجاه نحو تعويم سعر الصرف سيجعل النظام النقدي
الدولي أكثر مرونة ويزيل عقبة هائلة أمام النمو االقتصادي سواء بالنسبة للبلدان المتقدمة أو
النامية 6،إال أن الواقع بين أن هذا النظام غير مستقر ،حيث زاد من حدة عدم االستقرار في
أسعار الصرف ففي ظل حرية التحول عبر أنواع نظم الصرف أصبحت البلدان قادرة على
تخفيض عمالتها – بهدف إعادة االنتعاش لميزان مدفوعاتها -مما نتج عنه صراع بين
1
. Pter Isard, Globalization and the International Financial System, What ‘s Wrong and What can be done,
Cambridge University Press,UK, 2004, p.244.
2
.مارتن وولف" ،تشكيل العولمة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي،العدد ،00الرقم ،0سبتمبر ،8009ص.80.
3
.عمر يوسف عبد هللا عبابنة ،مرجع سابق ،ص ص.99-96.
4
.جواد كاظم البكري ،فخ االقتصاد األمريكي واألزمة المالية ،مركز حمورابي للبحوث والدراسات اإلستراتيجية ،بغداد ،8000 ،ص99.
5
.حازم الببالوي ،النظام االقتصادي الدولي المعاصر ،مرجع سابق ،ص ص.92-99.
6
.عمر عبد هللا كامل" ،نحو اقتصاد فقهي حول النقود واألسواق المالية" ،ص.16.من الموقعlast visited www.okamel.com/index:
)25/12/2013
49
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
العمالت الدولية الرئيسية في سوق الصرف األجنبي أو ما أطلق عليه حرب العمالت 1.هذا
من جهة ،ومن جهة أخرى أدى هذا النظام إلى اضطرابات مالية واقتصادية بسب التقلبات
في أسعار الصرف خاصة مع دخول فئة جديدة إلى مسرح القوى العالمية هي فئة المتاجرين
والمضاربين بالعمالت ،فطغت المضاربات في أسعار الصرف على حركة التجارة العالمية،
وأصبح التبادل اليومي في العمالت أكثر من عشرة أضعاف التبادل التجاري في السوق
العالمي 2،وحقق هؤالء المضاربون أرباحا خيالية على حساب البلدان التي انهارت عمالتها
بفعل تلك المضاربات.
يمكن القول ،أن التغيرات التي عرفها النظام النقدي الدولي منذ ،0190والتوجه نحو
التحرير المالي وإزالة القيود على حركة رؤوس األموال ،من أهم مسببات عدم االستقرار
المالي حيث توالت األزمات المالية الواحدة تلو األخرى ،فخالل الفترة ()8000-0190
وقعت حوالي 900أزمة مالية منها 802أزمة في اقتصاديات األسواق الصاعدة ،معظمها
في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين .وكانت أزمات العمالت هي األكثر انتشارا إذ
3
استأثرت بالنصف واستأثرت األزمات المصرفية وأزمات الديون بالنصف اآلخر.
رابعا :ضعف النظم الرقابية واإلشرافية ،تظهر الدراسات المتعلقة بالدول التي تعرضت
ألزمات مالية أنه في أكثر من 82دولة تعرضت لألزمات ،كان نقص الرقابة المصرفية
الفعالة سببا مباشرا في حدوث األزمة ،حيث يؤدي نقص الرقابة إلى التقييم غير الدقيق وغير
الكافي للمخاطر االئتمانية وتركيز المخاطر في مجال واحد كالتوسع في منح القروض
العقارية واالستهالكية .كما تظهر هذه الدراسات أن التنظيم والرقابة يأتيان دائما بعد حدوث
األزمة 4.فبعد الكساد الكبير 0181سعى مهندسو البرنامج الجديد ) (*New Dealإلى معالجة
هذا الكساد بإنشاء هيكل رقابي جديد ،غير أنه سرعان ما تم التراجع عنه عندما تولى
) (Reaganالرئاسة ورفع شعار السوق الحرة التي لم تعد تعني التخلص من الرقابة
والضوابط القديمة فحسب وإنما أيضا مقاومة أي مبادرة للقيام بذلك .ولضمان عدم عودة
الرقابة في المستقبل ،مارس الليبراليون األمريكيون في تسعينيات القرن العشرين ضغوطا
شديدة إلصدار تشريع يحرص على بقاء األوراق المالية المشتقة غير خاضعة للرقابة
(تشريع عام )8000واستخدموا أسلوب التخويف "إذا خضعت المشتقات للرقابة فستنهار
الرأسمالية وسيحدث اضطراب ذو أبعاد غير مسبوقة في السوق ،ولن تدار المخاطر
بكفاءة" 5.واألمر ذاته حدث في البلدان النامية التي تعرضت ألزمات مالية مثل:األرجنتين،
البرازيل ،والدول اآلسيوية ،...حيث قامت بعد حدوث األزمة بتعديل التشريعات التنظيمية
والرقابية ولكن بمجرد زوال حدة األزمة تراجعت عن تلك اإلجراءات وهو ما يعني عدم
6
وجود رقابة حقيقية وبالتالي تكرار األزمات.
1
.جالل عزايز ،حاجي العلجة"،آليات إصالح النظام النقدي الراهن في ظل تحديات األزمة المالية العالمية ،"8006-8002مجلة اقتصاديات شمال
إفريقيا ،جامعة حسيبة بن بوعلي ،الشلف ،العدد ،8009 ،09ص ص.810-821.
2
.عمر عبد هللا كامل ،مرجع سابق،ص ص.20-91.
3
.أيهان كوسي ،إزغي أوزترك ،مرجع سابق ،ص.1.
4
.ناجي التوني ،مرجع سابق ،ص.9.
*
:New Dealمجموعة من اإلصالحات االجتماعية واالقتصادية الحكومية أطلقتها إدارة الرئيس األمريكي روزفلت ردا على الكساد العظيم
.0100-0181
5
.جوزيف ستيغليتز ،السقوط الحر :أمريكا ،األسواق الحرة ،وتدهور االقتصاد العالمي ،ترجمة عمر سعيد األيوبي ،دار الكتاب العربي ،لبنان،
،8000ص ص.010-010.
6
.ناجي التوني ،مرجع سابق ،ص.9.
50
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
كما يعتبر نقص الشفافية واإلفصاح عن بيانات اقتصادية ومالية موثوق فيها سببا
مباشرا لألزمات ،ذلك ألن األسواق ال تستطيع أن تعمل بصورة جيدة من دون الحصول على
معلومات جيدة 1.فتوافر المعلومات الجيدة يتيح للمستثمرين التقييم السليم للمخاطر والفوائد
المصاحبة لالستثمار .والفكرة هنا هي أن زيادة الشفافية تحسن انتظام وكفاءة عمل األسواق
المالية ،فالشفافية تحد من حدوث ظواهر مثل التدافع في التداول ومبالغة المستثمرين في
ردود أفعالهم إزاء األنباء .وقد كشفت األزمة المالية العالمية 8002مرة أخرى عن الدور
2
الذي يسهم به انعدام الشفافية في زيادة حدة الصدمات المالية.
ومن األمور المهمة في توفير معلومات جيدة وجود أنظمة محاسبية جيدة تمكن
المشاركين في السوق من تفسير البيانات المقدمة بطريقة مفيدة 3.لكن كشفت العديد من
األزمات المالية كأزمة فقاعة االنترنت( ،)8000-8000واألزمة المالية العالمية ،8002
واألزمة اليونانية ،8000عن ضعف اإلجراءات المحاسبية المتبعة وعن الدور الكبير لذوي
المهارات المالية والمحاسبية في ابتكار حيل وأساليب احتيالية وغير شرعية كانت سببا في
خلق فقاعات أدت إلى حدوث تلك األزمات 4.وفيما يلي إيجاز ألبرز الحيل المحاسبية والمالية
التي كانت سببا في العديد من األزمات:
-حيلة بونزي :أو خطط بونزي لالستثمار االحتيالي ،التي سميت على اسم (Charles
) ،Ponziوهو محتال من مدينة بوسطن أقام مشروعا استثماريا انهار في عام .0180وهو
نوع من النصب واالحتيال االستثماري يتم فيه دفع الفوائد للمستثمرين من األموال التي
يودعها مستثمرون الحقون ،وليس من أرباح حقيقية تتولد من نشاط استثماري أو أعمال
تجارية .وهذه المشروعات الوهمية عموما تغري المستثمرين بعرض عوائد أعلى .ويتعين
على خطط بونزي أن تجتذب استثمارات جديدة بمعدل نمو أسي حتى تستمر في الدفع إلى
المستثمرين الموجودين وتنهار عندما تتجاوز االستثمارات الجديدة قدرة هذه الخطط على
إغواء مساهمين آخرين وعند هذه النقطة يخسر معظم المستثمرين أموالهم .وعلى الرغم من
كون هذه الحيلة ظهرت في عشرينيات القرن الماضي إال أنها ال تزال تطبق وعلى نطاق
واسع في البلدان التي تتسم أطرها التنظيمية بضعف كبير وحتى في البلدان المتقدمة
كالواليات المتحدة األمريكية ،فقد كان مخطط بونزي وراء أكبر عملية احتيال قامت بها
شركة ) (Bernard Madoffالوهمية لتوظيف األموال والتي بلغت تعامالتها 60مليار دوالر
5
أواخر عام .8002
-حيلة ) :(Ladderingتقوم هذه الحيلة على الترويج ألسهم شركة ما بأنها ستكون ذات
أسعار مرتفعة ويكون هذا قبل االكتتاب العام من أجل الحصول على أكبر حصة من الطرح،
وتعتبر Ladderingممارسة غير قانونية في االكتتاب العام إذ يشارك فيها الضامن أو
الوسيط في عملية االكتتاب العام مع اتفاق ضمني بأن يتم شراء المزيد من األسهم ما يؤدي
1
.جوزيف ستيغليتز ،مرجع سابق ،ص.800.
2
.لويس برانداو وآخرون" ،للشفافية تأثير" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم،9
ديسمبر ،8000ص ص.90-99.
3
.جوزيف ستيغليتز ،مرجع سابق ،ص.800.
4
.يوسف علي"،الحيل المحاسبية والمالية ودورها في خلق األزمات المالية"،بحوث اقتصادية عربية ،مركز دراسات الوحدة العربية،
العددان ،68،60شتاء ،ربيع ،8000ص.82.
5
.هانتر مونروواخرون" ،مخاطر بونزي" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق النقد الدولي ،المجلد ،99العدد،0
مارس ،8000ص.09.
51
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
إلى تحقيق مكاسب كبيرة لكال الطرفين ،وبمجرد أن يزيد سعر السهم عن مستوى معين يقوم
المستفيدون من هذه الحيلة ببيع أسهمهم وجني األرباح .ولقد استخدمت هذه الحيلة في أزمة
فقاعة االنترنت ،8000فخاللها ارتفعت أسعار األسهم في قطاعات االنترنت والتكنولوجيا
ارتفاعا مبالغا فيه ال يعكس قيمتها الحقيقية ،فهذه الشركات ال تحقق أرباح أو إيرادات على
1
اإلطالق مما خلق فقاعة أدت إلى حدوث األزمة.
-حيلة ) :(Repo 105هي اتفاقية إعادة شراء تتم بين طرفين أو أكثر ،وهي عبارة عن
قرض قصير األجل يسجل على أساس أنه عملية بيع ألوراق مالية ،ثم تستخدم األموال
المتحصل عليها من خالل البيع لسداد الديون .ويسمح هذا للمؤسسة المالية بأن تظهر
ميزانياتها بصورة جيدة عند نشر التقارير المالية (السنوية أو الربع سنوية) وأنها تتمتع
بالقدرة على دفع ديونها ،ولكن بصورة مؤقتة ألن المؤسسة ستعيد شراء أوراقها المالية الحقا
وتدفع األموال باإلضافة إلى الفائدة التي تكون عادة 0بالمائة في ( )Repo000و 2بالمائة في
( )Repo002و يعيد الطرف اآلخر (المقرض) مخزون األوراق المالية إلى المؤسسة المالية.
وبفضل هذه الحيلة تمكن بنك Brothers Lehmanمن إزالة المليارات من الدوالرات من
خصوم ميزانيته وعرضها في القوائم المالية كإيرادات على الرغم من أنها تمثل ديون
مستقبلية يلزم إعادة شرائها في المستقبل .وقد قام البنك بتطبيق هذه الحيلة من 8000وتمكن
من خفض مستويات الديون في ميزانيته حيث قام بإخفاء ديون قيمتها 02,6مليار دوالر في
الربع األخير من عام ،8009وفي الربع الثاني من عام 8002تمكن من إخفاء 00,0مليار
دوالر وبما أن األمر ال يمكن أن يستمر إلى ماال نهاية ،مع انفجار فقاعة العقارات والتراجع
2
الحاد في قيمة سندات الرهن العقاري أشهر البنك إفالسه في سبتمبر .8002
المطلب الثالث :آثار األزمات المالية وعدوى انتقالها
خلّفت األزمات المالية آثارا بالغة على اقتصاديات البلدان المعنية ،كما قد يمتد تأثيرها
لبلدان أخرى بسبب الترابط والتشابك بين األسواق المالية وزيادة االعتماد المتبادل بين هذه
البلدان في ظل العولمة.
أوال :آثار األزمات المالية ،تبين التجربة مع األزمات المالية التي شهدها العالم أنها جد مكلفة
وبالغة األثر على البلدان المتأزمة سواء كانت بلدانا متقدمة أو صاعدة أو بلدان نامية .ومن
أهم هذه اآلثار:
-0التأثير على الناتج المحلي اإلجمالي :بينت دراسة لصندوق النقد الدولي(أكتوبر،
،)8001شملت مجموعة من األزمات المالية موزعة على اقتصاديات الدخل المرتفع
والمتوسط والمنخفض ،وتضم عينة من 22أزمة مصرفية و 888أزمة عملة خالل الفترة
( ،)8008-0190أن هذه األزمات المالية تفضي إلى وقوع خسائر كبيرة في الناتج على
المدى المتوسط ( سبع سنوات الحقة لوقوع األزمة) ،حيث يميل مسار الناتج إلى االنخفاض
بصورة كبيرة ومتواصلة خاصة في أعقاب األزمات المصرفية مسجال تراجعا بحوالي 00
بالمائة في المتوسط مقارنة بمستوى االتجاه العام قبل األزمة .بينما تكون الخسائر أقل بكثير
بعد أزمات العملة .وتتشابه الصورة إلى حد كبير على المستوى العالمي ،حيث أدت األزمات
المالية إلى خسائر مستمرة في الناتج العالمي على المدى المتوسط 3.ومن أهم األزمات المالية
1
.يوسف علي ،مرجع سابق ،ص.92.
2
.المرجع نفسه ،ص ص.09-00.
3
.رافي باالكريشنان وآخرون "،ما مدى الضرر؟" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أكتوبر ،8001ص ص.086-089.
52
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
التي اقترنت بأكبر الخسائر في الناتج العالمي على المدى المتوسط :أزمة الكساد الكبير
0181أزمة المديونية العالمية ،0128أزمة اليابان وأزمة آلية سعر الصرف األوروبية في
1
مطلع التسعينيات من القرن العشرين ،وأزمة .8002
-8التأثير على معدل توظيف العمالة :يذهب عدد كبير من البحوث األكاديمية إلى أن معدل
توظيف العمالة على المدى المتوسط يتأثر سلبا ،ألن األزمة قد تنطوي على الحاجة إلى
إجراء عملية واسعة إلعادة توزيع العمالة على القطاعات المختلفة ،األمر الذي قد يستغرق
وقتا طويال ويؤدي إلى ارتفاع البطالة على المدى المتوسط ،كما تزداد البطالة في أعقاب
األزمات المصرفية مباشرة ،نظرا لتزايد حاالت اإلفالس .وربما يستمر االرتفاع لفترة أطول
إذا أدى جمود المؤسسات في سوق العمل( بسبب قوانين الحماية الوظيفية المتشددة ،وإعانات
البطالة السخية) إلى تعقيد مهمة الحصول على فرصة عمل جديدة ،وربما يؤدي طول فترات
التوقف عن العمل إلى إضعاف المهارات المهنية والمهارات المكتسبة أثناء العمل فتزداد
2
مسألة الحصول على العمل صعوبة أمام العاطلين لفترة طويلة.
-1التأثير على حجم التجارة الخارجية :وجدت دراسة لـــــــ) )Freund ,2009تناولت
تطور أوضاع التجارة العالمية في أعقاب األزمات المالية ،أن حجم االنخفاض في نشاط
التجارة العالمية خالل األزمات يعادل خمسة أمثال حجم االنخفاض المناظر في إجمالي الناتج
المحلي العالمي .ووجدت أيضا أن النشاط التجاري يستغرق أكثر من ثالث سنوات للعودة
3
إلى مستويات ما قبل األزمة.
أما بالنسبة ألثر األزمات المالية على النشاط التجاري لفرادى االقتصادات المتأزمة،
أوضحت دراسة لـــــ(صندوق النقد الدولي ،أكتوبر ،)8000أن واردات اقتصادات األزمة
تنخفض انخفاضا حادا في أعقاب
األزمات المالية بواقع 06بالمائة في المتوسط ،ويستمر هذا االنخفاض قائما حيث تظل
الواردات دون المستوى العادي (أي أقل من المستوى المتوقع لها عند انقضاء األزمة) .بينما
تسجل صادراتها انخفاضا أقل من انخفاض الواردات بحيث تصل في المتوسط إلى حوالي 2
4
بالمائة.
كما لوحظ تزايد النزعة الحمائية في أعقاب األزمات المالية ،وقد ال تأتي هذه النزعة
بالضرورة في شكل ارتفاع التعريفات الجمركية بل قد تظهر في شكل زيادة استخدام تدابير
مكافحة اإلغراق وغيرها من أشكال الحمائية المستترة مثل وضع شروط في الدفعات
5
التنشيطية لقصر إنفاقها على المنتجين المحليين.
-4التأثير على الموازنة العامة :تح ِّ ّمل األزمات المالية ميزانية الدولة تكاليف باهضة نتيجة
تدخل الدولة للحد من تراجع اإلنتاج وتفاقم البطالة وتجنب عدم االستقرار الدائم ،وذلك عن
6
طريق تبني إجـــــــراءات تصحيحية من خالل:
-زيادة اإلنفاق الحكومي في شكل إعانات للبطالين أو مساعدات اجتماعية؛
-خفض الضرائب على أرباح المؤسسات ما يؤدي إلى انخفاض إيراداتها؛
.1إيرينا تايتل"،األزمات المالية الدولية من منظور تاريخي" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أكتوبر ،8001ص.082.
2
.رافي باالكريشنان وآخرون ،مرجع سابق،ص ،089.ص.000.
3
.عبدول أبيض وآخرون" ،هل تترك األزمات المالية آثارا دائمة على التجارة ؟" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أكتوبر ،8000
ص.086.
4
.عبدول أبيض وآخرون ،مرجع سابق ،ص.089.
5
.المرجع نفسه ،ص.001.
6
.K.Michael Finger, Ludger Schuknecht,Op.Cit, p.28.
53
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
-ضخ األموال في النظام المالي ،وما يترتب عليه من نشوء تكاليف على المالية العامة وربما
زيادة الدين العام وعجز الميزانية؛
وأوضحت دراسة تضمنت عينة من 80أزمة مالية خالل الفترة ( )0110-0190أن
عجز الميزانية في البلدان المتأزمة بلغ 6بالمائة من الناتج المحلي اإلجمالي في السنة الثانية
1
لألزمة مقابل 8بالمائة قبل األزمة.
-2التأثير على أسعار الصرف :قد تقترن األزمات المالية بانخفاضات حادة في قيم العمالت.
وأوضحت دراسة (صندوق النقد الدولي ،أكتوبر )8000أن سعر الصرف الحقيقي ينخفض
في المدى القصير بنحو 6بالمائة في المتوسط خالل السنتين األوليتين بعد األزمة ويبقى
2
منخفضا في السنوات التالية.
-6التأثير على حجم االئتمان :تؤدي األزمات المالية إلى تشديد األوضاع االئتمانية ( تشديد
معايير اإلقراض وارتفاع تكاليف االقتراض) .وبينت ذات الدراسة لصندوق النقد الدولي
(أكتوبر )8000أن حجم االئتمان المقدم إلى القطاع الخاص نسبة إلى إجمالي الناتج المحلي
يتراجع في سنوات األزمة بحوالي 00بالمائة في المتوسط بحلول السنة الخامسة .وقد يخلق
عدم تيسر الحصول على االئتمان آثارا ضارة على االستثمار وعلى الواردات وكذا على
3
الطلب اإلجمالي.
-1التأثير على تراكم رأس المال :تؤدي األزمات المالية إلى إضعاف االستثمار وإبطاء
تراكم رؤوس األموال على امتداد فترة طويلة ،فكلما ضاقت فرص عرض االئتمان واجهت
الشركات أوضاعا تمويلية صعبة مما ينعكس سلبا على معدالت األرباح التي تتراجع هي
األخرى .وتزداد األمور صعوبة ويتضرر االستثمار أيضا إذا ما أدت األزمات المالية إلى
4
استمرار عدم اليقين وارتفاع المخاطر وانخفاض أسعار األسهم في األسواق المالية.
ثانيا :عدوى األزمات المالية ،لقد جعل التكامل االقتصادي المتزايد خالل العقود الثالثة
األخيرة األسواق المالية في مختلف أنحاء العالم مرتبطة ببعضها البعض ارتباطا وثيقا،
وأصبح من الممكن أن يكون للصدمات التي تحدث في اقتصاد بلد ما آثارا فورية على
اقتصادات بلدان أخرى وربما على االقتصاد العالمي بأكمله.
ومن أمثلة ذلك ،ما حدث عند بداية األزمة لعملة تايالند في ماي ،0119وزادت حدتها
في جويلية 0119عندما تخلت تايالند عن تثبيت سعر الصرف .وفي 00جويلية من نفس
السنة لجأت الفيليبين إلى تعويم عملتها عندما لم تستطع المحافظة على ثبات سعر الصرف،
وفي 80جويلية من نفس العام أيضا تعرضت العملة الماليزية لالنهيار ،وبعدها انهارت عملة
اندونيسيا ،وتعرضت سوق األوراق المالية إلى انخفاض كبير في األسعار وانتقلت العدوى
إلى األسواق العالمية بعد أيام قليلة حيث انخفض مؤشر بورصة نيويورك ،ولندن ،وطوكيو،
5
وفرنسا بــــ9بالمائة.
1
. Ibid, p.49.
2
.عبدول أبيض وآخرون ،مرجع سابق،ص ص.090-001.
3
.المرجع نفسه ،ص ،001.ص.090.
4
.رافي باالكريشنان وآخرون ،مرجع سابق ،ص.000.
5
.صالح مفتاح ،مرجع سابق ،ص.800.
54
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
كما يرى العديد من االقتصاديين أن الترابط المالي هو الجاني الرئيسي في حدة األزمة
المالية العالمية 8002فالصدمة التي كان يعتقد في البداية أنها صدمة محلية – إفالس بنك
1
( - )Lehman Brothersترتب عليها آثار تجاوزت بكثير حدود ذلك البنك وحدود بلده.
-0مفهوم العدوى المالية :في الحقيقة ال يوجد مفهوم محدد ومتفق عليه لظاهرة العدوى
المالية ،ومن أهم ما جاء فيها " :أن انهيار مؤسسة سوف يتسبب في خلق أزمة ثقة من شأنها
إصابة مؤسسات أخرى ال ترتبط بالمؤسسة األولى ،مما يترتب عليه تراجعا في وتيرة
النشاط االقتصادي .كما تتحقق العدوى أيضا إذا ترتب على انهيار أسواق المال أو أسواق
العملة في دولة ما نشوء أزمة ثقة ينتج عنها انهيار أسواق المال في دولة أخرى قد ال ترتبط
بروابط اقتصادية كبيرة مع الدولة األولى" 2.أو "أنها ترتكز على التأثير الذي تمارسه
صدمة في بلد ما على سلوك المتغيرات األساسية في بلد أو مجموعة من البلدان األخرى
المجاورة لها أو التي لها عالقات قوية مع البلد األول وهي موجودة أصال قبل األزمة ،قد
تكون تجارية كانخفاض في قيمة العملة في بلد ما يؤدي إلى تخفيض تنافسية أسعار
الصادرات للمنافسين له ،ما يترتب عليه تدهور في الحساب الجاري لهذه البلدان وحدوث
أزمة جديدة .أو قد تكون مالية أي أن البلدان مرتبطة مع بعضها من خالل األسواق المالية أو
3
من خالل دائن مشترك".
يمكن تعريف العدوى المالية بأنها ظاهرة انتقال االضطرابات المالية من بلد ما لبلد
آخر أو مجموعة من البلدان بسبب الروابط التجارية والمالية بينها التي أصبحت قوية في ظل
العولمة.
-8قنوات انتقال األزمات المالية :أشارت العديد من األبحاث أن القنوات التي تنتقل من
خاللها األزمات المالية بين الدول أصبحت أقوى انطالقا من سنوات التسعينيات من القرن
العشرين ،وهذا راجع إلى قوة التكامل المالي والتجاري الدوليين في ظل العولمة
االقتصادية 4.ومن أهم هذه القنوات:
0-2قناة الصفقات التجارية :أصبح من السهل انتقال األزمة من مراكز نشوئها إلى غيرها
من البلدان عبر ما يعرف باآلثار التبادلية للصفقات التجارية ،حيث تنتقل حاالت الركود
5
والكساد من اقتصاديات البلدان المتأزمة إلى باقي االقتصادات وذلك بمستويات مختلفة:
المستوى األول :خلل اقتصادي فيما يتعلق باالقتصادات ذات معامل االرتباط
الضعيف؛
المستوى الثاني :مشكل اقتصادي فيما يتعلق باالقتصادات ذات معامل االرتباط
المتوسط؛
1
.كاميليا مينويو "،الوقوع في الشبكة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،91الرقم ،0سبتمبر ،8008
ص.09.
2
.عمر محي الدين ،أزمة النمور اآلسيوية :الجذور واآلليات ،والدروس المستفادة ،دار الشروق ،القاهرة ،8000 ،ص.22.
3
.Sophie Brana, Delphine Lahet, "La propagation des crises financières dans les pays émergents :la contagion
est-elle discriminante ?", Économie internationale, N° 103 , troisième trimestre, Paris, 2005, pp.76-77.
4
.Chaker Aloui, Fessi Hela," Intégration financière et vulnérabilité : analyse du phénomène de contagion des
crises financières : Cas de la crise asiatique de 1997", from :www.fsegn.rnu.tn/../ch%20Aloui%20%20
et20%H%20fessi.pdf last visited 25/05/2015.
5
.عقبة عبد الالوي ،نور الدين جوادي" ،األزمات المالية سجال التدويل وأطروحات التعولم الثالثي" المؤتمر الدولي حول األزمة المالية
واالقتصادية العالمية المعاصرة من منظور اقتصادي إسالمي ،جامعة العلوم اإلسالمية العالمية بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،ع ّمان،
األردن 8-0 ،ديسمبر ،8000ص ،9.ص.1.
55
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
المستوى الثالث :أزمة اقتصادية فيما يتعلق باالقتصادات ذات معامل االرتباط
المرتفع؛
ومن المهم التأكيد على أنه كلما كان حجم االقتصادي للبلدان المتضررة كبير ،كلما
زادت احتمالية انتقال األزمة وشدتها واتساع نطاق تأثيرها ،فعلى سبيل التدليل يعتبر
االقتصاد األمريكي من أكبر االقتصادات العالمية فهو يمثل ما يقرب ثلث الناتج العالمي،
ويستأثر على أكثر من ثلث التجارة العالمية ،وعليه فإن أي أزمة تعصف باالقتصاد
األمريكي تنتقل بسرعة من صبغتها األمريكية إلى صبغة عالمية .ففي أعقاب أحداث 00
سبتمبر عندما دخل االقتصاد األمريكي في ركود انتشرت عدواه وبسرعة فائقة إلى المراكز
الرأسمالية ( االتحاد األوروبي واليابان )...ولم تسلم منه جاراتها كندا والمكسيك على وجه
الخصوص باعتبار معامل االرتباط المرتفع ضمن سياق ترتيبات منطقة التجارة الحرة
1
ألمريكا الشمالية .كما أكدت ذلك األزمة المالية العالمية .8002
8 -8قناة األسواق المالية :بدأت تتوثق الروابط المالية عبر الحدود منذ السبعينيات من
القرن العشرين وازدادت بدرجة كبيرة مع مرور الوقت فاتسع نطاق انتقال التداعيات المالية
نتيجة ذلك .فهناك اعتراف واسع النطاق بأن تأثير االضطراب في أحد األسواق المالية في
بلد ما على األسواق المالية في البلدان األخرى ،يتوقف على طبيعة الروابط المالية على
مستوى هذه البلدان .ففي البلدان المتقدمة على وجه الخصوص ازدادت االرتباطات بين
مؤشرات أسواق األسهم والسندات ،وبالنسبة لألسواق الصاعدة ارتفعت ارتباطات أسعار
أصولها مع الواليات المتحدة األمريكية ومعظم البلدان المتقدمة األخرى ،وارتفعت كذلك
2
االرتباطات بين األسواق الصاعدة مقارنة ببداية التسعينيات.
وتشير بعض الدراسات (دراسة صندوق النقد الدولي ،أفريل )8009إلى قيام الواليات
المتحدة األمريكية بدور رئيسي في نشر وترويج الصدمات المالية وذلك نظرا ألن حصتها
تصل إلى 90بالمائة من رسملة أسواق األسهم العالمية ،كما تبلغ حصتها من ديون القطاع
الخاص المستحقة حوالي النصف .كما بينت أن أهمية الواليات المتحدة االمريكية تزداد
بدرجة كبيرة خالل فترات تعثر السوق ،فإذا ما شهد سوق األسهم األمريكية انخفاضا تسجل
أسواق األسهم األوروبية واآلسيوية وجميع أسواق بلدان العالم تقريبا انخفاضا طوال األشهر
التي انخفض فيها سوق األسهم األمريكية .فعلى سبيل المثال تبين بوضوح من تحركات
األسعار اليومية خالل األيام المحيطة بفترة انهيار سوق األسهم األمريكية في عام 0129
كيفية تأثير سوق األسهم في الواليات المتحدة على آسيا ،فقد أدت االنخفاضات في السوق
األمريكي إلى فتح أسواق آسيا عند مستوى أقل وأثرت التحركات خالل اليوم في األسواق
اآلسيوية بشكل كبير على أسعار االفتتاح في اليوم التالي في سوق نيويورك .كما يبرز بشكل
كبير تأثير انتقال التداعيات من الواليات المتحدة األمريكية إلى أسواق األسهم األوروبية
3
حيث تنتقل 00بالمائة من صدمة أسواق األسهم األمريكية إلى أوروبا.
كذلك توصلت الدراسات إلى أن انتقال الصدمات المالية بين األسواق المالية الدولية
راجع أيضا إلى سلوك المستثمرين في األسواق المالية ،فقد يتخذ هؤالء المستثمرون قرارات
مسبقة قد تكون فردية أو جماعية عقالنية أو غير عقالنية تؤدي في النهاية إلى حركة جماعية
1
.المرجع نفسه ،ص ص.00-1.
2
.بيتر بيرزن "،الروابط المالية والتداعيات" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الولي ،أفريل ،8009ص000.
3
.المرجع نفسه ،ص ص.000-000.
56
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
تسهل انتقال الصدمة من بلد نحو بلدان أخرى وتسمح بانتشار االضطرابات بين األسواق
المالية ،ومن أهم سلوكات هؤالء المستثمرين التي تساهم في نقل عدوى األزمات المالية ما
1
يلي:
-عند حدوث أزمة في بلد ما تتسبب في خسائر كبيرة لهؤالء المستثمرين ،فإنهم يندفعون إلى
سحب جماعي ومفاجئ لرؤوس أموالهم المستثمرة في باقي األسواق حتى يزيدوا من
سيولتهم ،وهو ما يؤدي إلى ظهور مشكل شح السيولة في تلك األسواق التي يمكن أن تؤدي
إلى إفالس البنوك والمؤسسات المالية متسببة بذلك في أزمة مصرفية أو أزمة ثقة.
-خالل فترات االضطراب في األسواق المالية ،وخاصة في ظل غياب المعلومات الجيدة،
يمكن أن تصل ردود فعل المستثمرين إلى حد المبالغة ،فإذا ما حدثت أزمة في بلد ما قد
يفترض هؤالء المستثمرون أن األزمة ستنتقل إلى بلدان أخرى وبالتالي يندفعون إلى سحب
أموالهم من أسواق تلك البلدان إما سعيا لحماية رؤؤس أموالهم أو محاولة االستفادة من تلك
الظروف ،ما يؤدي إلى وقوع هجمات مضاربية في أسواق تلك البلدان وتنتقل األزمة.
1-8قناة أسعار الصرف :لقد تركت أسعار الصرف -كما سبق الذكر -منذ انهيار نظام
بروتن وودز دون أي غطاء من الذهب ،وأصبحت للبلدان الحرية في تعويم أو إدارة أو
تثبيت عملتها مقابل الدوالر أو أي عملة رئيسة أخرى،أو سلة من العمالت .واتجهت معظم
البلدان النامية إلى تثبيت أسعار صرف عمالتها مع الدوالر بشكل رئيسي ،األمر الذي ربط
2
مستويات التضخم وأسعار الفوائد فيها مع تلك السائدة في الواليات المتحدة األمريكية ،
فارتباط عمالت هذه البلدان بالدوالر األمريكي يؤدي قسرا إلى تبني السلطات النقدية في هذه
البلدان نفس مسار السياسة النقدية األمريكية ،ففي حال كانت هذه األخيرة سياسة نقدية
توسعية عن طريق خفض أسعار الفائدة على الدوالر فإنه يستوجب خفض الفائدة تلقائيا على
عمالت الدول المثبتة بالنسبة للدوالر رغم اختالف طبيعة االقتصاد لهذه البلدان عن االقتصاد
األمريكي ،فهذه السياسة التوسعية وإن كانت تناسب االقتصاد األمريكي المتعثر فإنها ال
تناسب اقتصاديات تلك البلدان بل من شأنها أن تقلل من آليات ضبط التضخم وتؤدي إلى
3
ارتفاع معدالته كنتيجة الرتفاع المعروض النقدي.
كما أن تراجع الدوالر مقابل العمالت الرئيسية األخرى يعني خسارة نقدية
لالستثمارات المالية المقومة بالدوالر سواء تلك المتواجدة في الواليات المتحدة األمريكية أو
خارجها ،وسواء تعود ملكيتها لمستثمرين أمريكيين أو أجانب وتمتد هذه الخسارة أيضا ً
وبنفس النسبة تقريبا إلى البلدان التي تثبت قيم عمالتها المحلية مع الدوالر األمريكي .وعلى
هذا األساس فإن أية أزمة مالية في الواليات المتحدة تقود إلى سحب استثمارات من هذه
األقطار لتتوطن في بلدان أخرى ذات عمالت معومة لتعويض النقص في السيولة الناجم عن
الخسائر المتحققة في هذه البلدان 4.وسيؤدي أيضا إلى انخفاض قيمة احتياطات البلدان في
مقابل العمالت األخرى،كما سيلقي تراجع الدوالر بظالله على اقتصاديات هذا البلدان
وخاصة إذا كانت ذات معامل ارتباط مرتفع عبر قناة الصفقات التجارية مع الواليات المتحدة
5
األمريكية وبذلك تكون الخسائر مزدوجة.
1
. Chaker Aloui, Fessi Hela, Op.cit, pp.5-6.
2
.طالب عوض " ،أثر التقلبات المالية الدولية على أسواق الدول النامية" ،المرصد االقتصادي ،الجامعة األردنية ،ع ّمان ،ديسمبر ،8002ص.9.
3
.عقبة عبد الالوي ،نور الدين جوادي ،مرجع سابق ،ص.00.
4
.طالب عوض ،مرجع سابق ،ص.9.
5
.عقبة عبد الالوي ،نور الدين جوادي ،مرجع سابق ،ص00.
57
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
1
.Flood Robert P, Peter M Garber," Collapsing Exchange -Rate Regimes", Journal of International
Economics, vol 17, North-Holland, 1984, p.1.
2
.أحمد طلفاح" ،األزمات المالية وأزمات الصرف وأثرها على التدفقات المالية" ،المعهد العربي للتخطيط ،الكويت ،ص ،1.من الموقع:
http://www.arab-api.org/images/training/programs/1/2006/31_C23-3.pdf last visited 10/10/2014.
3
.Flood Robert P, PeterM Garbe,Op.cit, p.0 .
58
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
تتفق نماذج الجيل األول على أن للمتغيرات االقتصادية الكلية األساسية دور أساسي
في نشوب أزمات الصرف .فهذه النماذج فسرت األزمة على أساس أنها نتاج عدم تناسق في
السياسات المحلية مثل التمويل بالعجز اإلبقاء على سعر الصرف الثابت ،نمو الدين المحلي،
وأن هذه االختالالت يمكن أن تدوم مادامت السلطة النقدية قادرة على توفير العملة األجنبية
لتمويل ميزان المدفوعات ،لكن إذا انخفضت احتياطاتها من العملة األجنبية لمستوى حرج
فإن الضغوطات تتصاعد وتؤدي إلى هجمة مضاربية على العملة ما يتسبب في استنفاذ هذه
االحتياطات فتنفجر األزمة .لتصل هذه النماذج في األخير إلى أن تدهور المتغيرات
االقتصادية الكلية ( تسارع عجز الموازنة ،تضخم متسارع ،عجز مرتفع في ميزان
المدفوعات ،معدل نمو مرتفع للدين المحلي ،ارتفاع أسعار الفائدة ،انخفاض متسارع لمستوى
1
احتياطي الصرف) مؤشرا قبلي لحدوث األزمة.
-8نماذج الجيل الثاني :ترى نماذج الجيل الثاني أن األزمة ليست متوقعة بالكامل ،فيمكن أن
تحدث األزمة بالرغم من جودة األساسيات االقتصادية ،حيث يمكن أن تنشب األزمة نتيجة
توقعات المستثمرين الذين ال يملكون معلومات كافية عن االقتصاد وبالتالي يكونوا أكثر تأثرا
بالشائعات وباألزمات التي قد تحدث في دول أخرى .كما بينت هذه النماذج أن للصدمات
الخارجية دور في تسريع نشوب األزمة (ارتفاع أسعار الفائدة العالمية ،تراجع النمو
2
العالمي.)..
ويعتبر نموذج ) (Obstfeld 0119من أكثر النماذج الجيل الثاني شهرة .وباالستناد
إلى أزمة االتحاد األوروبي ( )0110-0118فإن هذا النموذج بيّن أن هذه األزمة ال يمكن
تفسيرها من خالل نموذج ( (Krugman ,1979واعتبر أن المضاربين هم الذين يبادرون
3
بالمضاربة والحكومة تقرر التخفيض وهذا ما يولد ميزة التحقيق الذاتي لألزمات.
وحسب هذا النموذج فإن األزمة يمكن أن تحدث نتيجة توقع انخفاض أسعار الفائدة في
سوق ما ،وبالتالي تحول اتجاه تدفقات رؤوس األموال إلى البلدان التي ال يتوقع أن ينخفض
فيها سعر الفائدة .وقد وصف كل من بن سعيد و جيان في نموذجهما & (Bensaid
) O.Jeanne1996هذا النوع من األزمات الذي يحدث بسبب أسعار الفائدة بـــــ" حروب
الربا " بين الحكومة والمضاربين ،فالحكومة ت ُ ِّعد أداة لمقاومة الهجمة المضاربية فترفع من
معدل الفائدة وتصبح بذلك التوظيفات بالعمالت المحلية أكثر مردودية ،وهو ما يسمح باإلبقاء
على نظام الصرف الثابت ،غير أن هذه السياسة تكون مكلفة للحكومة فيتوقع المضاربون أن
الحكومة ستقوم بالتخفيض ال محالة فيقومون بتقوية هجمتهم المضاربية ،فترتفع تكلفة الدفاع
عن سعر الصرف ،فتضطر الحكومة في وقت الحق إلى التخلي عن سعر الصرف الثابت،
4
وبالتالي تكون توقعات المضاربين حدثت ذاتيا.
1
.بلقاسم العباس" ،أزمات أسعار الصرف" ،المعهد العربي للتخطيط ،ص ص ،00-00.من الموقع:
http://www.arab-api.org/images/training/programs/1/2007/22_C32-4.pdf last visited 12/09/2019
2
.أحمد طلفاح ،مرجع سابق ،ص.00.
3
.André Cartapanis," Le déclenchement des crises de change", Revue Economie Internationale, N° 97, Paris
2004, pp.11-12.
4
.Samir Zouari," Modèles des crises financières, indicateurs de vulnérabilité et implication du secteur bancaire
dans la crise asiatique de 1997-1998", thèse Doctorat au science Economique, université Panthéon-Assas,
Paris2, 2005, pp.63-64.
59
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
-1نماذج الجيل الثالث 1:بعد األزمة المالية اآلسيوية ( )0112-0119ساد النقاش حول
أسباب األزمات المالية وفيما إذا كان الذعر المالي هو أساس حدوث األزمة ،أم أن السبب
يرجع إلى بعض أساسيات االقتصاد الكلي أو إلى الخطر المعنوي .وهكذا ظهرت نماذج
الجيل الثالث التي تعتمد في تحليلها لألزمة على عوامل االقتصاد الجزئي .ووفقا لهذه النماذج
فإن أوجه القصور تتمحور أساسا في هشاشة النظام المصرفي ،عدم االستقرار السياسي،
المخاطرة دون التغطية بضمانات .وبهذا انتقل التحليل إلى القطاع المصرفي.
فحسب نماذج الجيل الثالث األزمة المصرفية تكمن أساسا في اختالل هيكل ميزانيات
البنوك ،حيث تم افتراض أن جزء متزايد من االئتمان المصرفي يتحول إلى قروض مشكوك
فيها ،كما أن القروض االستهالكية والقروض العقارية تشكل الجزء األكبر من هذه القروض.
وكلما زادت القروض الممنوحة للقطاع الخاص بشكل كبير خالل فترة قصيرة من الزمن فإن
قدرة البنوك على الرقابة على نوعية المشاريع االستثمارية ضعيفة ،ومنه وجود مقترضين
دون مالءة لمشاريع دون عائد وهي مهمة بالنسبة ألصول البنوك .وكلما ارتفع مستوى
االئتمان المصرفي وكان الدخل ضعيفا ونموه أقل من نمو االئتمان المصرفي ،فإن هذا يعني
أن االحتياطات سوف تستنفذ تدريجيا ،وأ ن نظام الصرف سيتعرض لهجمة ومن ثم التخلي
عن ثبات سعر الصرف وتحدث األزمة.
ووفقا لهذه النماذج هناك عوامل مسرعة لألزمة هي :تباطؤ النمو االقتصادي ،انخفاض
مستوى االحتياطات ،اإلفراط في االستدانة ،وكلما كانت أساسيات االقتصاد الكلي ( وخاصة
النمو االقتصادي واحتياطات الصرف) في تراجع كبير ،وكان نمو االئتمان المصرفي يفوق
بشكل كبير نمو الدخل كلما كان االقتصاد أكثر هشاشة واألزمة حتمية .فعندما تكون أساسيات
الكلية في تدهور ويدرك المستثمرون ذلك تستنفذ احتياطات الصرف نتيجة سحب رؤوس
األموال والمطالبة بتحويلها إلى العملة الصعبة ما يحث على انهيار االحتياطات والتخلي عن
نظام الصرف الثابت .وكلما كان المستوى األولي الحتياطات الصرف مرتفعة ونمو مرتفع
للدخل كلما تأخر حدوث األزمة.
مما سبق ،يتبن أن نماذج الجيل الثالث حصرت أهم العوامل المسببة لألزمة في هشاشة
النظام المصرفي والخطر المعنوي ،فبإمكان تحول جزء معتبر من االئتمان المصرفي إلى
ديون معدومة وانطالقا من اللحظة التي تكون فيها األساسيات الكلية متدهورة بما فيه الكفاية
وتدخل المنطقة الحرجة يكون المستثمرون في حالة من الذعر تنعكس في هجمة مضاربية
على العملة الوطنية والمطالبة بتحويلها إلى عملة أجنبية فتحدث األزمة.
ما يالحظ على نماذج األجيال الثالثة أنها ركزت على أزمات العملة التي تحدث في
الدول التي تتبنى نظام الصرف الثابت ،وأنها بالفعل قدمت تفسيرات مهمة لألزمات
(الماضية) التي قامت بتحليلها ،ولكنها كانت عاجزة عن التنبؤ بوقوع األزمات المستقبلية.
فنماذج الجيل األول فسرت أزمات السبعينيات والثمانينيات ولكنها لم تكن لها المقدرة على
التنبؤ بأزمة االتحاد األوروبي ( .)0118-0110هذه األزمة التي فسرتها نماذج الجيل الثاني
ولكن هذه النماذج أيضا فشلت في التنبؤ باألزمة اآلسيوية ( .)0112-0119كما فشلت نماذج
الجيل الثالث بالتنبؤ باألزمة المالية العالمية .8002
1
.Delphine Lahet, "L’occurrence d’une crise financière dans un Modèle de troisième génération", Revue
Française d’économie, Volume 16, N° 2, 2001. Pp.180-200.
60
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
ثانيا :المؤشرات االقتصادية لألزمات المالية ،لقد بدأ االهتمام المبكر باستخدام مؤشرات
مالية لدعم البنوك والمؤسسات المالية من قبل لجنة بازل ،ثم توالت الجهود والدراسات
لوضع نظم أو إشارات يمكن اعتمادها في التنبؤ بوقوع أزمة ما .ولقد كان هناك شبه إجماع
من كل هذه الدراسات على عدد معين من المؤشرات 1،يمكن تصنيفها إلى مجموعتين:
2
-0مؤشرات اإلنذار الجزئية :هي مؤشرات لتقييم سالمة مؤسسات القطاع المالي على حدا،
حيث تعمل على تحديد المخاطر المصرفية التي تشكل نقاط ضعف في العمليات المالية
والتشغيلية واإلدارية للبنك والتي تتطلب بذل عناية رقابية خاصة أو تدخل السلطة النقدية
لمعالجة األمر 3.وهي تتكون من ستة مؤشرات تجميعية أساسية لتحليل وضع المؤسسات
المالية والتي تعرف بإطار أو مؤشرات ، CAMELSيضاف إليها مؤشرات خاصة بالسوق
4
وهي ال تدخل ضمن.CAMELS
0-0مؤشر :CAMELSيعرف مؤشر " CAMELSبأنه عبارة عن مؤشر سريع لإللمام
بحقيقة الموقف المالي ألي مصرف ،وأحد الوسائل الرقابية المباشرة التي تتم عن طريق
التفتيش الميداني" 5.كما عرف بأنه " نظام يسمح بالتعرف المبكر على المشاكل في عمليات
6
البنك ،من طرف السلطة النقدية من خالل القيام بقياسات صحيحة".
وقد بدأ استخدام هذا المؤشر عام 0191بواسطة خمس جهات رقابية في الواليات
المتحدة األمريكية بما فيها البنك االحتياطي الفيدرالي 7،وقد توصل المحللون االقتصاديون
لهذا البنك إلى أن النتائج التي أظهرها استخدام هذا المؤشر في كشف أوجه الخلل بالبنوك
ومدى تحديد سالمتها كانت أفضل من النتائج التي استخدم فيها التحليل اإلحصائي التقليدي
الذي كان متبعا قبل استخدام .CAMELSكما أثبتت الدراسات أيضا مقدرة هذا المؤشر على
8
تحديد درجة المخاطرة بالبنك قبل كشفها عبر آلية السوق واألسعار.
يعتمد مؤشر CAMELSعلى ستة مؤشرات تجميعية أساسية والتي تمثل األحرف
9
األولى منه:
C : Capital adequacy كفاية رأس المال
A : Assets quality جودة األصول
M : Management soundness اإلدارة
1
.عبد النبي إسماعيل الطوخي "،التنبؤ باألزمات المالية باستخدام المؤشرات المالية القائدة" ،مصر ،كلية التجارة،جامعة أسيوط ،ص .9.من
الموقع:
www.kantakji.com last visited 08/08/2014
2
.مصيطفى عبد اللطيف" ،الوضعية النقدية ومؤشرات التطور المالي في الجزائر ،بعد إنهاء برنامج التسهيل الموسع" ،مجلة الباحث ،جامعة
قاصدي مرباح ،ورقلة ،العدد ،8002 ،6ص.080.
. 3علي عبد هللا شاهين" ،أثر تطبيق نظام التقييم المصرفي األمريكي) ) Camelsلدعم فعالية نظام التفتيش على البنوك التجارية دراسة حالة بنك
فلسطين المحدود" ،الجامعة اإلسالمية ،غزة ،مارس ،8000ص .02.من الموقعhttp://site.iugaza.edu.ps/ashaheen1/files/2011/ last :
visited 08/08/2014
4
.علي عبد الرضا حمودي" ،مؤشرات الحيطة الكلية وإمكانية التنبؤ باألزمات (،دراسة تطبيقية -حالة العراق)" ،المديرية العامة لإلحصاء
واألبحاث ،البنك المركزي ،العراق ،ص.6.
5
.المرجع نفسه ،ص.6.
6
.Tihomir Hunjak, Drago Jakovcevic, "AHP based model for bank performance Evaluation and Rating", Berne,
Stwitzerland, August 2-4, 2001, p.150
7
.علي عبد الرضا حمودي ،مرجع سابق ،ص.6.
8
.مالك الرشيد أحمد" ،مقارنة بين معياري CAMELSوCAELكأدوات حديثة للرقابة المصرفية" ،مجلة المصرفي ،بنك السودان المركزي،
العدد ،8000 ،00ص ص0-0.
9
.مصيطفى عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص.080
61
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
والحوافز .وكانت ثمرة هذه الجهود إصدارها في عام 8000لمبادئ إرشادية جديدة للحوكمة
السليمة للبنوك 1.ثم قامت بتنقيحها عام 8000مركزة على ضرورة تعزيز قدرة السلطات
اإلشرافية الوطنية على تقييم فعالية إدارة المخاطر لدى البنوك وثقافتها في مجال المخاطر
وضرورة المراقبة الدورية لتقييم مدى تطبيق البنوك الحوكمة والتواصل المستمر مع مجالس
اإلدارة واللجان المختلفة والمراجعين .على ضوء ذلك قررت اللجنة في عام 8000تنقيح
المبادئ اإلرشادية الصادرة عنها في عام .8000وأصدرت دليال جديدا يتضمن ثالثة عشر
مبدأ ً للحوكمة 2.ويوضح الملحق رقم" "08مبادئ لجنة بازل لتعزيز حوكمة البنوك لعام
.8000
د-مؤشرات الربحية :تعتبر األرباح أحد العناصر الهامة لضمان استمرارية المؤسسة
المالية 3،وانخفاض نسب مؤشراتها قد يشير إلى وجود مشاكل في ربحية المؤسسات المالية،
كما أن االرتفاع العالي( غير طبيعي) يعتبر عالمة على وجود مخاطرة عالية ،وهناك
مجموعة من النسب التي تعتبر بمثابة مؤشرات ربحية منها :نسبة العائد على األصول ،نسبة
4
العائد على حقوق الملكية ،نسب الدخل والنفقات.
ه-مؤشرات السيولة :قد يحدث اإلعسار المالي في المؤسسات المالية بسبب سوء اإلدارة
للسيولة ومن هنا تأتي أهمية متابعة مؤشرات السيولة التي تتمثل بشكل عام جانب األصول
والخصوم ،وليس فقط األصول ،ففي جانب الخصوم يجب النظر إلى مصادر السيولة
كاإلقراض فيما بين البنوك والتمويل من البنك المركزي ،كما يجب لمؤشرات السيولة أن
5
تأخذ عدم التطابق في آجال االستحقاق بين األصول والخصوم.
و-مؤشرات الحساسية اتجاه مخاطر السوق :تتعلق هذه المؤشرات بالمحافظ االستثمارية
بالنسبة للمؤسسات المالية ،فهذه المحافظ تحتوي على عدد كبير من األدوات المالية من أسهم
وسندات حكومية وأجنبية ،وسندات المؤسسات والمشتقات المالية ،وهذه األدوات تخضع
لمخاطر مختلفة مثل مخاطر أسعار الفائدة ،ومخاطر أسعار األسهم ،مخاطر أسعار الصرف،
ومخاطر أسعار السلع وكل منها له مقاييس مختلفة إال أن هناك مقياس إحصائي موحد يقيس
جميع هذه المخاطر وهو مقياس ) (VARالذي يقيس أقصى خسارة متوقعة في المحفظة
6
االستثمارية خالل مدة زمنية معينة.
8-0المؤشرات الخاصة بالسوق :بالرغم من أن هذه المؤشرات ليست مدرجة ضمن
مؤشرات CAMELSإال أنها مؤشرات مهمة تدل على مدى سالمة أو ضعف القطاع المالي،
7
من هذه المؤشرات يمكن ذكر:
أ -األسعار السوقية لألدوات المالية الصادرة عن المؤسسات المالية :إن انخفاض أسعر
األدوات المالية التي تصدرها المؤسسات المالية مقارنة بمتوسط أسعار األسهم في السوق قد
يكون مؤشرا سلبيا على وضع هذه المؤسسات المالية.
1
.سلطة النقد الفلسطينية ،دليل حوكمة المصارف ،8004من الموقع:
www.pma.ps/Portals/1/.../Guidelines/Governance_Guide_2014.pd last visited 11/05/2016.
2
.Basel Committee on Banking Supervision, GuidelinesCorporate governance principles for banks, July
2015, Bank for International Settlements, www.bis.org. last visited 11/05/2016
3
.علي عبد هللا شاهين ،مرجع سابق ،ص.89.
4
.Owen Evans and others, Op.cit, pp.7-8
5
. Owen Evans and others, Op.cit, p. 8.
6
.علي عبد الرضا حمودي ،مرجع سابق ،ص.2.
7
.Owen Evans and others, Op.cit, p.1.
63
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
ب-العوائد المفرطة :إذا كان العائد الذي توفره مؤسسة ما يفوق العائد الذي توفره المؤسسات
المشابهة لها بشكل ملفت ،فإن ذلك قد يكون إشارة على وود مشاكل في هذه المؤسسات،
فعادة المؤسسات التي تحتاج إلى تمويل بشكل عاجل توفر عوائد مرتفعة.
ج -التصنيف االئتماني :يعتبر التصنيف االئتماني المنخفض للمؤسسات المالية من قبل
وكاالت التصنيف العالمية دليال على أن الوضع المالي لهذه المؤسسات مهزوز على
المستوى الدولي.
-8مؤشرات االقتصاد الكلي :يؤثر ويتأثر النظام المالي بمجمل النشاط االقتصادي ،وقد
أشارت بعض الدراسات الحديثة أن بعض التطورات االقتصادية الكلية تسبق األزمات
المصرفية ،مما يستدعي ضرورة مراقبة بعض مؤشرات االقتصاد الكلي 1.وفيما يلي أهم
تلك المؤشرات التي قد تؤثر على النظام المالي:
0-8مؤشرات النمو االقتصادي :تشير الدراسات إلى أن األزمات المالية ترتبط إلى حد كبير
باتجاه معدالت النمو االقتصادي نحو االنخفاض .فانخفاض معدل النمو يضعف مقدرة
المقترضين المحليين على خدمة الديون ويساهم في زيادة مخاطر االئتمان .كما أن تدهور
بعض القطاعات التي تتركز فيها قروض المؤسسات المالية واستثماراتها من شأنه أن يؤدي
إلى اهتزاز وضع محافظها المالية وبالتالي يقلل من تدفقاتها النقدية واحتياطاتها ومن ثم على
2
قوتها.
8-8مؤشرات ميزان المدفوعات :من أهم المتغيرات المرتبطة بميزان المدفوعات التي
يمكن أن تكون مؤشرا على احتمالية حدوث أزمة مالية:
أ -عجز الحساب الجاري :ارتفاع عجز الحساب الجاري يعطي مؤشرا على احتمالية وقوع
أزمة عملة فعندما يشعر المستثمرون األجانب بضخامة العجز واعتباره حالة مزمنة يلجأون
إلى سحب استثماراتهم إلى خارج البالد وهذا من شأنه أن يؤثر سلبا على النظام المالي
3
بأكمله.
ب-تدهور شروط التبادل التجاري :ويقصد به تدهور أسعار الصادرات بالنسبة ألسعار
الواردات ،وقد بينت التجارب أن التدهور الكبير كان سببا رئيسيا لكثير من األزمات المالية
في كثير من البلدان ،وخاصة في البلدان التي تتصف صادراتها بالتركيز على سلع محددة.
كما أوضحت الدراسات أن التحسن الكبير في شروط التبادل وخاصة إذا كان مؤقتا قد يحدث
مشاكل في النظام المالي من خالل ارتفاع معدل التضخم ،وربما يؤدي إلى تشكل الفقاعة
السعرية (ارتفاع أسعار األسهم ارتفاعا مبالغا فيه ال يعكس قيمتها الحقيقية ) التي يؤدي
4
انفجارها إلى خسائر كبيرة للنظام المالي ولالقتصاد ككل.
ج-احتياطات النقد األجنبي :قد ينظر إلى انخفاض االحتياطات لدى البنك المركزي من قبل
المستثمرين األجانب على أنه مؤشر على عدم االستقرار في النظام المالي .كما أن هناك
مؤشر آخر هو كفاية االحتياطات يتمثل في عدد األشهر التي بإمكان االحتياطات المتواجدة
لدى البنك المركزي أن تغطي وارداتها من السلع والخدمات 5.وأيضا نسبة عرض النقد إلى
االحتياطات الرسمية من العملة األجنبية تعتبر من أهم المؤشرات الرائدة للتنبؤ بحدوث أزمة
1
.Ibid, p.10.
2
. Owen Evans and others, Op.cit, p.10
3
. Ibid, p.10.
4
. Ibid, p.10.
5
. Ibid, p.10.
64
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
مالية ،فكلما زادت عن الواحد الصحيح كلما ارتفعت درجة الخطورة وإذا ما شعر
المستثمرون األجانب أفراد ومؤسسات بهذه الخطورة زاد توجههم الستبدال العملة المحلية
1
بعملة أجنبية أخرى أكثر استقرارا.
د -الدين الخارجي :إن تحليل مؤشرات المديونية عبر الزمن وبالعالقة مع المتغيرات
االقتصادية الكلية يمكن أن يشكل نظاما لإلنذار المبكر من األزمات المحتملة ،فمقارنة هذه
المؤشرات عبر الزمن بإمكانه أن يوضح مشاكل في خدمة الدين ،كما أنه إذا ما تم مقارنتها
بنفس مؤشرات بلدان أخرى عانت من مصاعب مديونية يمكن معرفة فيما إذا كانت قريبة من
2
المستويات الحرجة.
1-8التضخم :إن التذبذب في معدالت التضخم يقلل من دقة التقييم للمخاطر االئتمان
ومخاطر السوق ألن التضخم يرتبط بشكل مباشر مع تذبذب مستوى األسعار الذي يزيد من
مخاطر المحافظ المالية ويشوه المع لومات التي تعتمد عليها المؤسسات المالية في تقييم
المخاطر واالستثمار .كما يؤثر هذا التذبذب على قيمة الضمانات حيث أنه يخفض من قيمتها
خصوصا في حاالت اإلقراض غير الحكيم (عندما تكون نسبة اإلقراض إلى الضمانات
3
مرتفعة).
4-8أسعار الفائدة :إن اختالف هيكل أسعار الفائدة المحلية ( الفجوة الكبيرة بين أسعار
الفائدة على االقتراض وأسعار الفائدة على الودائع) من أهم مشاكل القطاع المصرفي ،ويعتبر
مؤشرا لعدم االستقرار 4.كما أن لتذبذب أسعار الفائدة المحلية والعالمية آثارا سلبية على
النظام المالي ،فالكثير من الدراسات أشارت أن أسعار الفائدة العالمية كانت من ضمن
مسببات األزمات المالية خاصة مع ارتفاع التكامل في األسواق المالية بسبب حساسية تدفقات
رؤوس األموال لتغيرات هذه المعدالت ،وأوضحت ذات الدراسات أن أسعار الفائدة العالمية
5
كانت فوق مستوى الفترات العادية قبل بعض األزمات.
2-2أسعار الصرف :إن االرتفاع الكبير في قيمة العملة الوطنية في ظل نظام الصرف الثابت
يضعف قدرة المقترضين الذين يعملون في قطاع التصدير على خدمة الدين ،وفي المقابل
االنخفاض الكبير في قيمة العملة يضعف من قدرة المقترضين (سواء كانوا من قطاع خاص
آو من القطاع العام) أصحاب القروض المقومة بالعملة األجنبية على خدمة الدين 6.كما
اتفقت معظم الدراسات على أنه كلما اتجهت العملة نحو المغاالة في التقييم كلما زاد ذلك من
احتمال حدوث أزمة تؤدي إلى انهيار قيمة هذه العملة مقابل العملة األجنبية المثبتة بها ،وقد
تتطور لتصبح أزمة مصرفية وربما أزمة مديونية مثلما حدث في بعض الدول النامية في
7
منتصف التسعينيات.
6-8التوسع االئتماني وازدهار أسعار األصول :كثيرا ما يحدث التوسع االئتماني(نسبة
االئتمان المقدم من البنوك إلى الناتج المحلي الجمالي) نتيجة لعدم الدقة في تحليل طلبات
اإلقراض ،ضعف البيئة التنظيمية ،باإلضافة إلى وجود نظم ضمان إما صريحة أو ضمنية
1
.راضي العتوم ،حازم رحاحلة "،التنبؤ باألزمات االقتصادية :حالة األردن" ،ورقة بحثية مقدمة إلى المجلس األعلى للعلوم والتكنولوجيا،
األردن ،8008 ،ص ص.02-09.
2
.بلقاسم العباس"،إدارة الديون الخارجية" ،سلسلة جسر التنمية ،المعهد العربي للتخطيط ،الكويت ،العدد ،00يونيو ،8009ص.09.
3
.Owen Evans and others, Op.cit p.10.
4
.راضي العتوم ،حازم رحاحلة ،مرجع سابق ،ص.69.
5
.بلقاسم العباس" ،أزمات أسعار الصرف" ،مرجع سابق ،ص.24.
6
. Owen Evans and others, Op.cit, p.11.
7
.راضي العتوم ،حازم رحاحلة ،مرجع سابق ،ص 06.؛ بلقاسم العباس" ،أزمات أسعار الصرف" ،مرجع سابق ،ص.9.
65
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
من قبل الحكومة تشجع المؤسسات المالية على التوسع في منح االئتمان المحفوف بالمخاطر.
أما فيما يخص ازدهار أسعار األصول فغالبا ما تكون السياسة النقدية التوسعية أحد األسباب
المساهمة في هذا االزدهار المفرط خاصة في أسعار األسهم والعقارات ،ولكن التشديد
الالحق في هذه السياسة (تبني سياسة انكماشية) يؤدي إلى انخفاض كبير في قيمة هذه
األصول ،وتراجع النشاط االقتصادي مما يخلق الظروف المؤدية لإلعسار المالي ،كما أن
هبوط سوق رأس المال بسبب تراجع أسعار األصول يقلل من دخول المؤسسات المالية
1
وقيمة محافظها االستثمارية.
إن الهدف من مؤشرات اإلنذار الجزئية ومؤشرات االقتصاد الكلي والتي يطلق عليها
صندوق النقد الدولي مؤشرات الحيطة الكلية ( 2،)Macroprudential Indicatorsهو التعرف
على العالمات المبكرة التي تساعد على منع حدوث األزمات المالية والتنبؤ بها قبل وقوعها،
ولكن ذلك يتوقف على اإلحصائيات الدقيقة والمعلومات ذات المصداقية وتوفرها في الوقت
المناسب .فعلى مستوى فرادى المؤسسات المالية ،فإنه من المهم توفر المعلومات عن
الميزانية وحساب األرباح والخسائر في الوقت المناسب وبشفافية ،كما يجب على السلطات
نشر اإلحصائيات النقدية واالقتصادية بشكل دقيق ومنهجي ودوري.
المبحث الثالث :التحليل الفكري ألزمات النظام االقتصادي الرأسمالي
لقد حاولت المدارس االقتصادية المختلفة تفسير حدوث األزمات في ظل النظام
االقتصادي الرأسمالي .وفيما يلي عرض ألهم التيارات الفكرية المفسرة لهذه األزمات بدءا
من الفكر االقتصادي الوضعي( الفكر الرأسمالي والفكر االشتراكي) ثم الفكر االقتصادي
اإلسالمي.
المطلب األول :أهم التفسيرات الوضعية ألزمات النظام الرأسمالي
اختلفت التفاسير المقدمة لألزمات االقتصادية تبعا الختالف وتمايز التيارات الفكرية
الوضعية ومن أهم هذه التفاسير:
أوال :التفسير الكالسيكي ،لم يتمكن الكالسيك وعلى رأسهم ) (Adam Smithمن اكتشاف
تناقضات النظام الرأسمالي العميقة التي تظهر في أوضح صورها باألزمات االقتصادية 3.فقد
آمن الكالسيك في مجال التوازن االقتصادي بما يسمى بقانون ) (Sayلألسواق الذي ينص
على أن كل عرض سلعي إنما يخلق مباشرة الطلب المساوي له ،ومن ثم ليس من الممكن
حدوث أزمات إفراط إنتاج عامة .وتأسيسا على هذا القانون ،فإن التوازن االقتصادي العام
لدى الكالسيك هو توازن التشغيل الكامل وهو الوضع العادي الطبيعي ،وأن أي توازن يكون
دون مستوى التوظيف الكامل لجميع الموارد االقتصادية والبشرية هو توازن غير مستقر.
ومعنى ذلك أن الكالسيك افترضوا التساوي الدائم بين االدخار واالستثمار واستحالة حدوث
ركود اقتصادي ،فإ ذا زاد عرض المدخرات في السوق النقدي والمالي أكبر من الطلب عليها
فإن ذلك يؤدي طبقا لقانون العرض والطلب إلى انخفاض سعر الفائدة الذي يؤدي إلى نقص
في عرض المدخرات إلى أن يتوازن حجمها مع حجم االستثمار .ويحدث العكس في حالة
زيادة االستثمار على حجم االدخار فسوف يرتفع سعر الفائدة وتزيد بذلك المدخرات إلى أن
تتساوى مع حجم االستثمار .أما إذا كان هناك بطالة ،فإن عالج ذلك من وجهة نظر الكالسيك
1
.Owen Evans and others, Op.cit, p.11
2
. Owen Evans and others, Op.cit, p.11.
3
.مصطفى العبد هللا الكفري ،مرجع سابق ،ص.90.
66
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
سهل جدا من خالل انخفاض األجور ،حيث تؤدي البطالة إلى إيجاد تنافس بين العمال
للحصول على فرص التوظيف مما يجعلهم يقبلون أجورا أقل ،التي تعني انخفاض في تكاليف
اإلنتاج وانخفاض التكاليف يؤدي إلى زيادة األرباح لدى رجال األعمال ،ومن ثم تزيد
حوافزهم على زيادة اإلنتاج وبالتالي زيادة الطلب على العمال إلى أن تختفي البطالة 1.ومن
هنا فإن النتيجة المهمة التي توصل إليها الكالسيك في هذا المجال أنه عندما تظهر أزمة ال
يمكن أن تكون إال عابرة ألن ميكانيزمات السوق تعيده إلى التوازن دائما 2.ومن وجهة
نظرهم فإن تحقيق هذا التوازن يستدعي ضرورة عدم تدخل الدولة في السوق ،وضرورة
تجنبها لوضع أي تشريعات تحدد مستويات األجور وأن الدولة يجب أن تؤدي وظائفها
التقليدية فحسب (األمن الداخلي والخارجي ،األشغال والخدمات العامة) 3.وكل ما تقوم به
خار ج هذه الوظائف يسئ إلى أداء القوانين الطبيعية لالقتصاد ،وبالتالي فهي توفر الفرص
4
للخلل واألزمات.
لقد كانت فكرة التوازن االقتصادي الدائم في ظل النظام الرأسمالي محل قبول عام لدى
معظم مفكري المدرسة الكالسيكية باستثناء *) ،(Robert Malthusالذي اختلف مع الكالسيك
في مجال التوازن االقتصادي العام ،حيث عارض قانون ) (Sayوكان من األوائل الذين بينوا
احتمال تعرض النظام الرأسمالي ألزمات إفراط في اإلنتاج ،حيث طور في سنواته األخيرة
ما يشبه النظرية التي تفسر إمكانية ظهور البطالة في األجل القصير بسبب قصور الطلب،
فقد كان يعتقد أنه من المحتمل جدا أال يتساوى العرض الكلي مع الطلب الكلي بسبب قصور
االستهالك ،وذلك بسبب أن الرأسماليين يستهلكون أقل مما يربحون ألنهم يدخرون ،وأن
العمال يستهلكون أقل ما ينتجون بسبب حصول الرأسماليين على جزء من إنتاجهم في شكل
ربح .وتوصل إلى أن قصور االستهالك يمكن أن يعرض المجتمع الرأسمالي ألزمة إفراط
في اإلنتاج ،حيث ال يوجد تطابق بين عرض السلع المنتجة والطلب عليها .وحتى يتم تجنب
هذه األزمة نادى ) (Malthusبضرورة التغلب على قصور االستهالك ونظرا الستحالة
تساوي استهالك الرأسماليين مع حجم أرباحهم ،واستحالة تساوي استهالك العمال مع قيمة ما
ينتجونه (بسبب وجود الربح) ،يرى ) (Malthusضرورة وجود طرف ثالث ال يعمل في
مجال اإلنتاج من أجل تعويض هذا القصور في االستهالك ومن ثم يتحقق التوازن بين
العرض الكلي والطلب الكلي ،وكان يعتقد أن هذا الطرف الثالث الذي يستهلك دون أن ينتج
يتكون من رجال الدين ،ومالك األراضي الزراعية ،وكل من يعمل في قطاع الخدمات
وقوات األمن والجيش .وهكذا رأى ) (Malthusأن أزمة إفراط اإلنتاج يمكن حلها من خالل
5
تشجيع االستهالك الطفيلي.
ثانيا :تفسير األزمة في الفكر االشتراكي ،يعتبر المفكر االقتصادي (Simonde de
*) Sismondiمن األوائل الذين اهتموا بظاهرة األزمات االقتصادية ،بعد أن انقلب على الفكر
1
.رمزي زكي ،االقتصاد السياسي للبطالة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،0112 ،ص ص069-066.
2
.محمد الكوادي ،مرجع سابق ،ص.080.
3
.رمزي زكي ،مرجع سابق ،ص.069.
4
.Jacques Pavoine, Les Trois Crises du XXème Siècle, Ed Ellipses,Paris, 1994, p.70.
* :)0122-0022(Robert Malthusاقتصادي وديمغرافي إنجليزي ،تأثر بالفلسفة الليبرالية وكان مطلعا على أفكار المدرسة الكالسيكية ،حيث
قرأ كتابات آدم سميث ،وكان على صحبة مع ديفيد ريكاردو.اشتهر بنظريته في السكان.
5
.رمزي زكي ،مرجع سابق ،ص ص.092-099.
*
:)0298-0990(Simonde de Sismondiمؤرخ وفيلسوف واقتصادي سويسري ،كان في البداية متأثرا بآدم سميث واعتنق األفكار الليبرالية،
ولكنه انهي ذلك في عام 0201عندما نشر المبادئ الجديدة لالقتصاد السياسي .وبذلك لم يعد كالسيكيا ووصف على أنه اشتراكي طوباوي.
67
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
الكالسيكي ،إذ يقول أن النظام الرأسمالي غير المسيطر عليه لم يحقق النتائج التي توقعها
1
) ،(Adam Smithبل حقق الفقر والبطالة.
كان يرى أنه على اإلنتاج أن يتوافق مع االستهالك ،وأشار على احتمال توسع اإلنتاج
عندما تكون األجور عند مستوى الكفاف ،فيزداد عندها حجم رأس المال لالستثمار في
اآلالت ،ومن خالل االئتمان المصرفي يزداد حجم االستثمار واإلنتاج بينما يكون الطلب على
2
االستهالك محدودا .ومن هنا يظهر فائض في اإلنتاج وتحصل األزمة.
أما ) (Karl Marxفقد تناول تحليل األزمة وتفسيرها عن طريق ربطها بالدورة
االقتصادية ،فقد تحدث عن األزمات االقتصادية في سياق تتابعها وترابطها مع مراحل
الدورة االقتصادية التي ستتكرر لتفضي في النهاية إلى المصير المحتوم للرأسمالية وهو
االنهيار .لهذا كان يتحدث عن األزمة االقتصادية في ضوء ارتباطها بأزمة النظام الرأسمالي
نفسه 3.وعندما ربط ) (Karl Marxاألزمة بالدورة االقتصادية بدأ تحليله في االفتراض أن
النمط يمر بمرحلة االنتعاش التي تتميز بازدياد معدل تراكم رأس المال ،ووجود طلبات
متزايدة على وسائل اإلنتاج والمواد الخام مما يرفع من أسعارها وهو األمر الذي يغري على
التوسع في إنتاج وسائل اإلنتاج ،وما دام الطلب على وسائل اإلنتاج كبير وإنتاجها يستغرق
وقتا فإنه خالل هذا الوقت ينفق القطاع األول (المنتج لوسائل اإلنتاج) حجما كبيرا من رأس
المال المتغير المتمثل في األجور وشراء المواد الخام ،مما يخلق دخوال إضافية تولد إنفاقا
على السلع االستهالكية التي ترتفع أسعارها أيضا ،مما يعطي حافزا نحو التوسع في إنتاجها
وبالتالي زيادة الطلب على وسائل اإلنتاج ويتزايد في هذه الحالة حجم االئتمان المصرفي
لمواجهة هذا االنتعاش والرواج كما سيالحظ أنه مع زيادة تراكم رأس المال في هذه المرحلة
سيتزايد الطلب أيضا على العمل وتقل البطالة ،ويرتفع معدل األجر لكن ارتفاع األجور
سيؤدي إلى خفض معدل فائض القيمة* ومن ثم انخفاض في معدل الربح** مما يدفع
الرأسماليين إلى السعي نحو إحالل اآلالت محل العمال فيقل معدل فائض القيمة أكثر بسبب
ارتفاع التكوين العضوي لرأس المال***،ويقل بالتالي الربح ،مما يدفع الرأسماليين إلى تقليل
تراكم رأس المال أي خفض طلبهم على وسائل اإلنتاج التي تكون قد أنتجت بشكل كبير
فتهوى أسعارها وتنهار معدالت الربح في القطاع المنتج لها وتحدث حركة افالسات وخسائر
كبيرة ال تلبث أن تنعكس على االقتصاد بأكمله .وهكذا كانت مرحلة االنتعاش تحمل بذور
أزمة إفراط في اإلنتاج .وهنا يدخل النمط مرحلة الركود بمظاهرها المختلفة :تراكم السلع في
المخازن ،وجود طاقات عاط لة ،تنافس كبير بين المنتجين لتصريف المخزون غير المرغوب
فيه ،زيادة البطالة ،تدهور األجور...الخ .إال أن هذه األزمة التي أدخلت االقتصاد في حالة
ركود ،تحمل معها كما بين ماركس بذور زوالها فهي التي ستخلق من جديد شروطا مواتية
من أجل االنتعاش من جديد .فاألزمة ستعمل على إتالف السلع الراكدة ،القضاء على قدر من
1
.Stanley L. Brue, The Evolution of Economic Thought, 6th Edition, The Dryden Press, 2000,p.170.
2
. Ibid, p.180.
3
.رمزي زكي ،مرجع سابق ،ص.809.
*
يرى ) (Marxأن العامل يعمل ثماني أو عشر ساعات ولكنه ال يحصل على أجر إال على ست ساعات فقط .هذا الجزء من العمل الذي يؤديه العامل
وال يحصل على أجر مقابله أطلق عليه)" (Marxفائض القيمة" الذي يستولي عليه الرأسماليون .والنسبة بين فائض القيمة وبين وقت العمل الذي
تحصل العامل على أجر مقابله (والذي أطلق عليه وقت العمل الضروري) يطلق عليها ) (Marxمعدل فائض القيمة .ويعبر عنها بـــ :معدل فائض
القيمة= (فائض القيمة /العمل الضروري)×000
**
معدل الربح هو عبارة عن النسبة بين فائض القيمة ورأس المال الكلي= (فائض القيمة /رأس المال الثابت +رأس المال المتغير)× .000رأس
المال الثابت يتمثل فيما ينفقه الرأسمالي على مواد الخام واآلالت والطاقة .أما رأس المال المتغير فيتمثل في األجور.
***
التركيب العضوي لرأس المال هو عبارة عن النسبة بين رأس المال الثابت ورأس المال الكلي.
68
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
الطاقات اإلنتاجية ،خفض أحجام اإلنتاج ،تدهور األسعار ،وكل هذا يسهم في القضاء على
اإلفراط في اإلنتاج الذي حدث .حتى يصل الوضع إلى نقطة يكون فيها الطلب أكبر من
العرض فتعود األسعار لالرتفاع من جديد وتكون األجور في أدنى مستوياتها مما يخلق
شروطا جديدة للدخول في مرحلة االنتعاش من جديد ،وفي هذا يقول ) " :)Marxفاألزمات
ليست سوى حلول قسرية آنية للتناقضات الموجودة ،هي بمنزلة هيجان عميق يعيد مؤقتا
1
التوازن الذي اختل" .ولكن ما تلبث أن تظهر األزمة من جديد وهكذا دواليك.
وهكذا تأخذ األزمة في ظل النظام الرأسمالي عند ) (Karl Marxشكل أزمة إفراط في
اإلنتاج ،رغم أن عددا من مؤرخي الفكر االقتصادي يضع نظريته في األزمة الدورية على
أنها ضمن نظريات نقص االستهالك .فـــــ )(Karl Marxكان في الحقيقة حريصا على أن
يوضح أن نقص االستهالك وإن كان مالزما لألزمات بسبب فقر الجماهير هو شكل من
األشكال المتنوعة التي تعبر به األزمة عن نفسها وليس سببا جوهريا لها ،ويقول ) (Marxفي
هذا الخصوص ":إن األزمات تسبقها في كل مرة فترة يرتفع فيها عموما أجر العامل وتنال
2
الطبقة العاملة حصة حقيقية أكبر من الناتج السنوي المخصص لالستهالك".
وهكذا توصل ) (Marxإلى أن نمط اإلنتاج الرأسمالي الذي يتضمن ميال نحو التطوير
المستمر لقوى اإلنتاج بهدف تحقيق أقصى ربح ،والتناقض الرئيسي الذي يتحرك فيه هذا
النمط هو المسؤول عن كل االضطرابات واألزمات التي تحدث .هذا التناقض الرئيسي
والجوهري و"المتمثل في التناقض القائم بين الطابع االجتماعي لإلنتاج الذي يعكس تزايد
التخصص ،واتساع التقسيم االجتماعي للعمل وتعدد المنتجين وبين الطابع الفردي لملكية
وسائل اإلنتاج والذي من خالله يستحوذ عدد قليل من الرأسماليين على هذا اإلنتاج" هو
المسؤول عن كل التناقضات التي تحدث في عملية إعادة اإلنتاج :التناقض بين العمل ورأس
3
المال ،بين اإلنتاج والسوق ،بين القدرة على اإلنتاج والقدرة على التصريف.
ثالثا :التفسير الكينزي ألزمات النظام الرأسمالي 4،يعتبر ( )Keynesأول من وجه النقد
للنظام االقتصادي الرأسمالي بأنه نظام يعاني من عدم االستقرار الداخلي مما جعله عرضة
من حين آلخر ألزمات البطالة والركود.كما أوضح ( )Keynesأن هذا النظام فقد قدرته
الذاتية على التوازن وتحقيق التوظيف الكامل ،وأنه لمواجهة ذلك (أي إنقاذ النظام االقتصادي
الرأسمالي) ،على الدولة التدخل في الحياة االقتصادية.
*
وقد انطلق ( )Keynesمن فكرة الطلب الكلي الفعّال ليعطي من خاللها تفسيرا ألسباب
عدم التوازن وموجات البطالة واالنكماش التي يعاني منها النظام االقتصادي الرأسمالي.
وعندما بحث ( )Keynesفي العوامل المتحكمة في تحديد شقي الطلب الكلي الفعّال ،اعتمد
على التحليل النفسي لسلوك المستهلكين والرأسماليين ووضع ما يسمى بالقانون النفسي الذي
اعتقد أنه ذو صالحية مطلقة ألنه في رأيه متصل بالطبيعة اإلنسانية .وينص هذا القانون
على"أن الناس يميلون إلى زيادة استهالكهم كلما تزايد دخلهم ،ولكن ليس بنفس القدر الذي
يزيد به دخلهم" ،لهذا فإن االرتفاع المستمر في مقدار الدخل يسهم عادة في توسيع نطاق
التباعد بين الدخل واالستهالك ما يعني يتزايد االدخار ،األمر الذي يستدعي استثمارا متزايدا
1
.رمزي زكي ،مرجع سابق ،ص ص.809-800.
.2المرجع نفسه ،ص ص.802-809.
3
.المرجع نفسه ،ص.800.
4
.المرجع نفسه ،ص ص.000-812.
*
الطلب الكلي الفعال يتكون من الطلب الكلي على السلع االستهالكية والطلب الكلي على السلع االستثمارية؛
69
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
المتصاص هذا االدخار المتزايد ،فإذا لم تتحول المدخرات المتزايدة إلى استثمار فستحدث
اضطرابات في دورة الدخل الوطني واحتماالت وقوع الكساد والبطالة .فحسب ()Keynes
مسألة تعادل االدخار مع االستثمار شرط ضروري للتوازن ،وإذا زاد االدخار على
االستثمار فإن الطلب الكلي الفعّال سوف يقل عن العرض الكلي ،في هذه الحالة سيتزايد
المخزون السلعي في قطاع األعمال عن مستواه الطبيعي ،وتتراكم السلع في المحال التجارية
وتنخفض األسعار ،وتقل األرباح ،ويقل الناتج ،وتتزايد الطاقة العاطلة وتحدث البطالة،
وينخفض مستوى الدخل الو طني .ولما كانت هناك عالقة ارتباط بين مستوى الدخل الوطني
ومستوى االدخار ،سيؤدي انخفاض الدخل الوطني خالل الفترة الجارية إلى تقليل حجم
االدخار حتى يتعادل مع حجم االستثمار ،وبذلك يتحدد توازن الدخل عند مستوى أقل من
مستواه في بداية الفترة .وخالل هذه الفترة يكون هناك انكماش قد حدث مسببا معه حدوث
البطالة.
وحسب ( )Keynesال يمكن عالج البطالة إال بتزايد االستثمار ،وبيّن في تحليله بأن
هناك عاملين يحكمان الميل لالستثمار األول ،سعر الفائدة والثاني هو الكفاية الحدية لرأس
المال* ،ولما كان سعر الفائدة ال يمكن أن يهبط دون مستوى معين (عدم إمكان تصور
انخفاض سعر الفائدة للصفر) ،فاستخدامه كوسيلة لحفز االستثمار له حدود معينة ،ومن هنا
فإ ن العامل الذي يقوم بالدور المسيطر على تقلبات االستثمار هو الكفاية الحدية .ووفقا
لــــ( )Keynesفإن الرأسماليين يستثمرون حتى النقطة التي يتساوى فيها معدل الربح المتوقع
مع سعر الفائدة السائد في السوق ،حيث سيتوقف الرأسماليون من توسيع استثماراتهم أو
إنشاء استثمارات جديدة .في هذه النقطة يشير إلى أن األمر كله يتوقف في النهاية على ما
يتوقعه الرأسماليون ،وهذه التوقعات حسب رأيه تتوقف على العوامل النفسية لهؤالء
الرأسماليين ( حاالت التفاؤل والتشاؤم التي يمرون بها).
والنتيجة التي توصل إليها( )Keynesهي أن عدم التطابق بين االدخار واالستثمار هو
أمر ممكن بسبب اتجاه معدل الربح للتناقص نتيجة انخفاض الكفاية الحدية وثبات سعر الفائدة
(ال يمكن أن ينخفض إلى الصفر) وبسبب العوامل النفسية التي تؤثر في توقعات المستثمرين،
ومن هنا توصل إلى أن هذه العوامل من شأنها أن تعيق نمو الطلب االستثماري إلى الدرجة
التي ال يمكن فيها تحقيق التوظيف الكامل فتظهر البطالة ويقع النظام في األزمات.
وللخروج من هذه الحالة البد من دفع الطلب الكلي الفعّال بشقيه االستهالكي
واالستثماري .وحسب رأيه الدولة هي الجهاز الوحيد القادر على إحداث هذا الدعم والتأثير
على الطلب الكلي الفعّال.
رابعا :التفسير النقدي لألزمات ،إن نقطة االنطالق لدى ( )Milton Friedmanوالنقديين
عموما ،هي أنهم يعتقدون أن النظام الرأسمالي بطبيعته مستقر في األساس وأنه ال يتعرض
بالضرورة للتضخم والبطالة والركود إال من خالل التقلبات الكبيرة التي تحدث في الرصيد
النقدي 1.فمن خالل دراسة ( )Milton Friedmanلتاريخ النقود في الواليات المتحدة
األمريكية وجد أن هناك عالقة قوية بين الرصيد النقدي والكساد ووصل إلى أن أحداث
الكساد الكبير ( )0100-0181كانت ترجع في األساس إلى العوامل النقدية ،حيث ذكر في
دراسته أن كمية النقود قد انخفضت في الواليات المتحدة خالل سنوات الكساد بما ال يقل عن
*
الكفاية الحدية لرأس المال هي معدل الربح المتوقع؛
1
.رمزي زكي ،مرجع سابق.000 ،
70
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
الثلث وأنه كان من الممكن تالفي حدوث الكساد لو أن بنك االحتياطي الفيدرالي قد عمل على
1
تالفي التخفيض في كمية النقود.
كما قدم ( )Milton Friedmanتفسيرا ألزمة التضخم الركودي ،معتبرا أن التضخم
المستمر للسنوات السابقة لألزمة أحد أهم أسباب حدوثها ،وأن عالج هذه األزمة يكمن في
القيام برد فعل ضد التضخم عن طريق إتباع سياسة نقدية موجهة للتقليص من كمية النقود.
2
كما يرى أن تدخل الدولة في المجال النقدي سببا في حدوث األزمة.
فحسب أنصار المدرسة النقدية وعلى رأسهم ( )Milton Friedmanأن سبب حدوث
األزمات االقتصادية يعود إلى عوامل نقدية تتصل بالنقود واالئتمان وأسعار الفائدة
والسياسات التي ترتبط بها ،حيث يحصل انتعاش اقتصادي عندما يتسع عرض النقود –،
مثال -عن طريق نزول البنك المركزي السوق مشتريا للسندات الحكومية ،وطبقا
لـــــ( )Friedmanستكون نتيجة ذلك ارتفاع أسعار هذه السندات وينخفض العائد عليها ،وهذا
ما يدفع بالجمهور إلى زيادة الطلب على األصول األخرى مثل األسهم واألصول العينية
فترتفع أسعارها هي األخرى .وهذه الزيادة لها تأثيراتها اإلضافية المتمثلة في ارتفاع أسعار
السلع والخدمات وتزداد األرباح ويستمر النشاط االقتصادي في التوسع .حتى يكتشف هؤالء
أنهم غالوا كثيرا في التوسع وهذا يؤدي إلى بيع بعض السندات وما يترتب عليه من انخفاض
أسعارها وارتفاع أسعار الفائدة ،وتقل الرغبة في شراء السلع الرأسمالية ويبدأ النشاط
3
االقتصادي باالنكماش حتى يصل إلى قعر الركود.
أما إذا حدث العكس ،اعتمدت السلطة النقدية سياسة انكماشية ،كأن يلجأ البنك المركزي
لبي ع السندات الحكومية بغرض خفض كمية النقود .في هذه الحالة فإن الطلب الكلي ولو أنه
سينخفض إال أن األسعار ربما ال تستجيب باالنخفاض فورا ،إال بعد فترة زمنية عندما يقتنع
الرأسماليون بأن هذا االنخفاض حقيقي وليس عابرا فيغيروا من خطط إنتاجهم ،أما العاطلين
عن العمل فإنهم أيضا لن يقتنعوا فورا بأن الطلب على خدماتهم قد انخفض ،وعليه فإنهم ربما
يرفضون وظائف تعرض عليهم بأجور منخفضة اعتقادا منهم أنهم سيجدون وظائف بأجر
أفضل في المدى القريب ،وهو األمر الذي يمدد من فترة تعطلهم .على هذا النحو توصل
النقديون إلى أن" معدالت األسعار واألجور لن تتكيف فورا مع انخفاض عرض النقود،
واالنخفاض المصاحب له في الطلب الكلي .ومن هنا ينشأ االرتفاع في مستوى البطالة
4
وانكماش في مستوى األعمال بسبب االنكماش النقدي".
إن النتيجة التي توصل إليها النقديون هي أن التقلبات واالضطرابات التي تصيب الدخل
والناتج والتوظيف تعود إلى إما إلى أخطاء في السياسة النقدية ،أو إلى التدخل الحكومي في
الحياة االقتصادية على النحو الذي يشل من كفاءة آلية األسعار في سوق العمل ،ذلك ألن
تدخل الدولة لمواجهة مشكلة البطالة عن طريق تبني الطرح الكينزي الذي يوصي بإتباع
سياسات التوسع النقدي سوف تؤدي إلى تسريع معدل التضخم وعدم االستقرار وارتفاع
معدالت البطالة ،ربما إلى مستويات أكبر مما كانت عليه قبل التوسع النقدي .والنتيجة هي"
1
.رجاء خضير ،مرجع سابق ،ص ص 88-80.؛ رمزي زكي ،مرجع سابق،ص.092.
2
.Jacques Pavoi, Op. cit, p.119.
3
.رجاء خضير ،مرجع سابق ،ص88.؛ رمزي زكي ،مرجع سابق ،ص.000.
4
.رمزي زكي ،مرجع سابق ،ص.000.
71
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
أنه ال يجب على الدولة التصدي لمشكلة البطالة وتركها لكي تحل نفسها بنفسها عبر آليات
1
السوق".
يالحظ على هذه التفاسير التي قدمتها كبرى المدارس االقتصادية ،أنها ركزت على
االختالالت التي تحدث في االقتصاد الحقيقي وتتسبب في وقوع األزمات االقتصادية ،فبين
بعضها أن سبب األزمة نقص في الطلب ،أو عدم كفاية الطلب الكلي الفعّال ،وبعضها اآلخر
يرى أن السبب هو اإلفراط في اإلنتاج ،والبعض اآلخر يرى أن تدخل الدولة في الحياة
االقتصادية أو سوء استخدام السياسة النقدية هو السبب الحقيقي .ويالحظ أن الجميع أهمل
دور الخلل في القطاع المالي في تهديد االقتصاد الحقيقي بعدم االستقرار ووقوع األزمات
االقتصادية.
وفي الحقيقة لم يبدأ االهتمام بهذا المجال إال في بداية تسعينيات القرن العشرين ،على
يد ( )Minskyالذي حاول أن يوضح التهديد الذي يشكله القطاع المالي على االقتصاد
الحقيقي ،وفي ما يلي محاولة تبيان تفسيره ألسباب وقوع األزمات في ظل النظام الرأسمالي.
خامسا :تفسير ( )Minsky Hymanوفرضية عدم االستقرار المالي ،يركز ( )Minskyفي
نظريته حول تفسير األزمات المالية على فرضية عدم االستقرار المالي الداخلي ،وحسب هذه
الفرضية فإن لالقتصاد الرأسمالي أنظمة تمويل تساهم في استقراره وأخرى تساهم في عدم
استقراره ،وطول فترة الرخاء واالزدهار يؤدي باالقتصاد إلى أن ينتقل من العالقات المالية
المستقرة إلى العالقات المالية غير المستقرة 2.وترتكز هذه الفرضية على مبدأين:
األول :أن الهشاشة المالية الداخلية يعود سببها اللجوء إلى االستدانة البنكية ووجود
المقترضين؛
الثاني :أهمية ارتفاع سعر الفائدة للمرور من مرحلة االزدهار إلى مرحلة األزمة
بسبب المخاطرة االئتمانية؛
ولشرح فرضيته ،ميز ( )Minskyبين ثالثة أنواع من الوحدات االقتصادية ،سماها:
وحدات التحوط وحدات المجازفة ،ووحدات البونزي .بالنسبة للنوع األول :وحدات التحوط
هي الوحدات القادرة على سداد ما عليها من التزامات من التدفقات النقدية التي تحققها من
ع ملياتها المختلفة .والنوع الثاني يتمثل في الوحدات التي تستطيع دفع الفوائد من العوائد التي
تجنيها لكنها تبقي على أصل الدين ،وقد تلجأ إلى مزيد من االقتراض للوفاء بالتزاماتها.
وأطلق عليها اسم وحدات المجازفة ،أما النوع الثالث :وحدات البونزي هي الوحدات التي ال
تتمكن من سداد ما عليها من التزامات( الفوائد المترتبة عليها) من التدفقات النقدية التي
تحققها من عملياتها المختلفة ،مما يدفعها إلى االقتراض أو بيع ما لديها من أصول لتسديد
3
الفوائد.
ولتوضيح كيف ينتقل االقتصاد من حالة االستقرار إلى حالة عدم االستقرار وحدوث
أزمة مالية ،بين ( )Minskyأنه بعد مرور االقتصاد بمرحلة الكساد ،تفضل الشركات تمويل
أنشط تها بحرص وعدم تحمل مخاطر كبيرة في تعامالتها مع القطاع المالي( التمويل
المتحوط) .وفي مرحلة االزدهار والنمو ،تبدأ التوقعات المتفائلة تطفو على السطح وتتوقع
الوحدات االقتصادية ارتفاع األرباح ومن ثم تبدأ في الحصول على التمويل والتوسع في
1
.المرجع نفسه ،مرجع سابق،ص ص ،000-081.ص ،000.ص ص.000-009.
2
.Hyman P. Minsky, "The Finabcial Iinstability Hypothesis", Working Paper, N°74, The Levy Economics
Institute of Bard College, May 1992, pp.7-8
3
. Hyman P. Minsky, Op.cit, pp.6-7.
72
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
االقتراض بافتراض القدرة المستقبلية على السداد دون مشاكل تذكر ،وتنتقل عدوى التفاؤل
بدورها إلى القطاع المالي ،ويبدأ المقرضون في التوسع في إقراض الوحدات االقتصادية
دون تحوط كاف أو التحقق من قابلية استرداد القروض مجددا ،فيطغى على عمليات
االقتصاد وحدات المجازفة ووحدات البونزي (التمويالت الهشة) .كما تساعد السياسة النقدية
التوسعية من خالل انخفاض أسعار الفائدة على التوسع في منح القروض بشكل قياسي مما
يؤثر على التوجه العام لالقتصاد بانقالبه من وضعية قوية إلى وضعية هشة ،وفي حالة
حدوث مشكلة مادية أو أزمة مالية لكيان اقتصادي كبير يبدأ القطاع المالي في اإلحساس
بالخطر فيلجأ إلى حماية نفسه من خالل رفع أسعار الفائدة ،مما يؤثر على قدرة مختلف
الوحدات االقتصادية على سداد التزاماتها ،فتتحول وحدات المجازفة إلى وحدات بونزية
بإقدامها على بيع أصول كانت محل مجازفتها ،ما يؤدي إلى انهيار كبير في قيم هذه األصول
فتتساقط( الوحدات البونزية) الواحدة بعد األخرى ،فوحدات المجازفة ثم المتحوطة،
وتتعرض البنوك والمؤسسات المالية لإلفالس ،وتبدأ األزمة المالية التي قد ال يتمكن ضخ
األموال في االقتصاد من حلها وتتحول إلى أزمة اقتصادية تؤدي إلى حدوث كساد ،ويعود
1
االقتصاد لنقطة البداية من جديد.
وهكذا يخلص ( )Minskyإلى أن مكمن الخلل موجود في الجانب المالي للنظام
الرأسمالي ،وهو خلل داخلي لصيق بالنظام الرأسمالي ويتمثل في عالقات اإلقراض
واالقتراض التي تقود في الغالب إلى إفراط في المديونية ما يؤدي إلى تغلغل عوامل الهشاشة
2
فيه ،ما يجعله عرضة لألزمة المالية.
3
سادسا :تفسير نظرية المباريات لألزمة المالية ،من التفسيرات الحديثة لألزمات المالية ما
طرحته نظرية المباريات* تحت ما يعرف بـــــ "مباريات التنسيق بين الالعبين في األسواق
المالية" أو"المباريات المتناسقة" .وباستخدام هذه النظرية لألساليب الرياضية لنمذجة
األزمات المالية أكدت على وجود تغذية عكسية إيجابية** بين قرارات المتعاملين في األسواق
المالية (الالعبين :مضاربين ومستثمرين ،)..وطالما أن النتيجة في األسواق المالية غير
حاسمة فقد ال تتطابق النتائج مع التوقعات ما يعني إمكانية وجود أخطاء (انحرافات) في
قرارات المتعاملين في تلك األسواق ،والتي قد تكون انحرافات بسيطة ال تؤثر على استقرار
األسواق ،وقد تكون انحرافات كبيرة تؤدي إلى تغيرات كبيرة في قيم األصول نتيجة تغيرات
1
.بحري هشام ،محزم حسيبة " ،اآلثار المحتملة لتخفيض أسعار الفائدة على االقتصاد العالمي" ،الملتقى الوطني التاسع حول أداة سعر الفائدة
وأثرها على األزمات ،جامعة 80أوت ،سكيكدة ،يومي 00/01:ماي ،8000ص ص.089-080؛ أحمد بلوافي مرجع سابق ،ص ص.080-088.
2
.أحمد بلوافي ،مرجع سابق ،ص ،080.ص.080.
3
.هشام حنضل عبد الباقي" ،فشل األسواق المالية التقليدية واألزمات المالية االقتصادية من منظور إسالمي" ،من الموقع:
فريد كورتل ،كمال رزيق ،مرجع سابق ،صhttp://platform.almanhal.com/Reader/Article/20453 last visited 21/12/2017 .1.
؛
*نظرية المباريات :المباراة تفاعل استراتيجي بين اثنين أوأكثر من الالعبين ،وكل العب لديه مجموعة من االستراتيجيات الممكنة ،وكل إستراتيجية
يختارها الالعبون تعود عليهم بمردود يمكن تمثيله رقميا .ويعتمد هذا المردود على استراتيجيات كل الالعبين المشاركين في المباراة .لهذا يلجأ إلى
هذه النظرية كل من عليه اتخاذ قرار استراتيجي يتحسب فيه لرد فعل اآلخرين .وتفترض هذه النظرية أن الالعبين يتصرفون بصورة منطقية
عقالنية أي أن كال منهم يسعى لتعظيم مردوده .كان أول مثال لتحليل نظرية المباراة بصورة مقننة هو ما فعله أنطوان كورنو عام 0202حين قام
بدراسة السلوك التجاري لشركتين اثنتين (احتكار ثنائي) تكاليفهما متطابقة وينتجان نفس المنتجات ولكنهما يتنافسان على تحقيق أقصى األرباح في
سوق محدود .وفي عام 0180اقترح العالم الرياضي إميل بوريل نظرية مباراة مقننة طورها فيما بعد خالل نفس العقد جون فون نيومان ،أستاذ
الرياضيات بجامعة برينستون.ولكن نظرية المبارة أصبحت مجاال مستقال بذاته بعد قيام فون نيومان وخبير اقتصادي أوسكار موجنستيرن بنشر
مؤلفهما الذي يحمل عنوان "نظرية المباريات والسلوك االقتصادي" عام . 0199وقد طورت هذه النظرية من قبل منظرين آخرين أبرزهم رينهارد
سيلتن وجون هارسانيي اللذان اقتسما جائزة نوبل في االقتصاد مع ناش عام 0119بقيامهم بتطوير نماذج مباريات أكثر تعقيدا ومباريات تتسم
بامتالك أحد الالعبين معلومات أكثر من اآلخرين.
**
تغذية عكسية إيجابية تشير إلى القرارات المرتدة من المتعاملين في السوق إلى متعاملين آخرين أو متعامل واحد نتيجة لقراره الذي اتخذه ،تدفعه
النتهاج السلوك نفسه.
73
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
صغيرة في المتغيرات االقتصادية .ومثال ذلك اتباع سعر صرف ثابت للعملة الوطنية في بلد
ما ،ربما سيكون مستقرا لوقت طويل ولكن قد يضطرب فجأة كاستجابة مثال لتدهور في مالية
الحكومة أو في األحوال االقتصادية في ذلك البلد ،تدفع بهؤالء المتعاملين بأن يتوقعوا
انخفاض سعر الصرف فيتخذوا قرار التخلي عن هذه العملة(بيعها) ،ونظرا لوجود التغذية
العكسية االيجابية يندفع أغلب المتعاملين لبيع هذه العملة ومن ثم يبدأ السعر باالنخفاض
وربما االنهيار فعال.
كما قد تحدث ظاهرة الفقاعة في األسواق المالية ومن ثم األزمات المالية نتيجة قرارات
وردود أفعال المتعاملين في األسواق المالية في حاالت رواج وكساد هذه األسواق .ففي
حاالت الرواج تزداد ثقة المستثمرين في زيادة أسعار أصل ما في المستقبل ،فيتخذون القرار
ذاته وهو زيادة استثماراتهم في هذا األصل -نظرا لتوقعهم استمرار ارتفاع األسعار -ونتيجة
لذلك تتكون الفقاعة بشكل سريع بسبب االرتفاع الكبير في األسعار .فجأة ال تتمكن أحوال
السوق على الحفاظ على ها الوضع (األسعار ال يمكن أن تستمر في االرتفاع إلى ماال نهاية)
عندها يتخذ المتعاملون نفس القرار نظرا لتوقعهم انخفاض األسعار وأن المستثمرين اآلخرين
سيتخذون نفس القرار المتمثل في اإلحجام عن االستثمار في هذا األصل وبيع ما يستحوذون
عليه نتيجة خوفهم من الخسائر في المستقبل ،ومن ثم تنفجر الفقاعة بسبب االنخفاض الكبير
في األسعار ،مسببة اضطرابات في النظام المالي ككل.
المطلب الثاني :تفسير أزمات النظام الرأسمالي في الفكر االقتصادي اإلسالمي
إن منهج البحث في اإلسالم ،أيا كانت مجاالت هذا البحث البد أن يرتكز على الترابط ّ
َّللاُ
العضوي بين الدنيا والدين ،والحياة اآلخرة .وفي هذا يقول هللا تعالى » :وا ْبت ِغ فِيما آتاك ا
الداار ْاآل ِخرة وال ت ْنس ن ِصيبك ِمن ال ُّد ْنيا« (القصص ،اآلية .)99وعلى هذا األساس ،فإن
دراسة الفكر االقتصادي اإلسالمي ال تتم بمعزل عن عقيدة اإلسالم وشريعته ،وهذا في
1
الحقيقة ما يميز هذا الفكر عن باقي األفكار االقتصادية الوضعية.
وفيما يتعلق بموضوع األزمات االقتصادية ،فهي تعتبر قدر اإلنسان منذ هبوطه على
األرض ،وأنها سنة من سنن هللا ليختبر بها عباده المؤمنين ويعاقب بها الضالين ،فقد جعل هللا
تعالى لسعادة اإلنسان سببا عاما وهو إتباع المنهج السليم القائم على العدل والتعمير
ت ِ ّمن واالستخالف 2.قال تعالى »:ول ْو أ ان أ ْهل ا ْلقُرى آمنُواْ واتاقواْ لفتحْ نا عل ْي ِهم بركا ٍ
سبُون « (األعراف ،اآلية .)16وقوله ض ولـ ِكن كذابُواْ فأخ ْذنا ُهم ِبما كانُواْ ي ْك ِ اء واأل ْر ِ
سم ِ
ال ا
تعالى» ظهر ا ْلفساد فِي ا ْلب ّر وا ْلبحْ ر ِبما كسبتْ أ ْيدِي النااس ِليُذِيق ُه ْم ب ْعض الاذِي ع ِملُوا لعلا ُه ْم
ي ْر ِجعُون « (الروم ،اآلية .)90واألزمات بشكل عام ليست وليدة العصر الحاضر ولكنها
قديمة قدم اإلنسان ولعل أشهرها أزمة أهل الرمادة في عهد عمر بن الخطاب ،واألزمات
(المجاعات) التي مرت بها مصر عام 202ه وغيرها 3.ولكن األسالف من مؤرخي
ومفكري االقتصاد كانوا يقتصدون في استخدام كلمة "األزمة" ،حيث كان معناها ينحصر
في الشدة ،والضيق ،والقحط ،والمجاعة باعتبار أن نظام المعيشة كان يرتبط ارتباطا وثيقا
1
.عبد الهادي علي النجار ،اإلسالم واالقتصاد ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت،0120 ،ص،0.ص.00.
2
.ماجد فوزي أبو غزالة "،االستراتيجيات الوقائية من األزمات المالية واالقتصادية المعاصرة :ماليزيا نموذجا" ،المؤتمر العلمي الدولي حول
األزمة المالية واالقتصادية العالمية المعاصرة من منظور اقتصادي إسالمي ،جامعة العلوم اإلسالمية العالمية والمعهد العالمي للفكر اإلسالمي،
ع ّمان ،األردن ،يومي 8-0:ديسمبر ،8000ص.0.
3
.أحمد طرطار" ،بعض آراء المقريزي االقتصادية والوقائع المواكبة لعصره -النقود نموذجا ،"-من الموقع:
iefpedia.com/…/ last visited 12/05/8000
74
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
بالزراعة .بل تفاداها بعضهم كـــ(المقريزي)* عندما استخدم كلمة "الغمة" في كتاب مشهور
حول تاريخ المجاعات في مصر حيث سماه "إغاثة األمة في كشف الغمة" ولم يسمه "إغاثة
األمة في كشف األزمة" 1.ولقد تعرض (المقريزي) في هذا الكتاب بإسهاب إلى األزمات
التي مرت بمصر قبل وبعد اإلسالم مبرزا آخرها والتي كانت تعصف بمصر آنذاك 202ه،
مبينا أن المجاعة لم تكن السبب الرئيسي في وقوع الغمة بل هناك أسباب أخرى ،إذا أزيلت
2
زالت الغمة ،من أهمها:
-سوء التدبير والفساد اإلداري ،وما صاحب ذلك من انتشار للرشوة والمحسوبية وتفشي
الفوضى واضطراب اإلنتاج؛
-رواج الفلوس (النقد الرائج المسكوك من النحاس) حتى ضعفت قوتها الشرائية إلى أبعد حد.
وهذا بسبب إسراف الدولة في إصدار النقود دون وجود ما يقابلها من إنتاج للسلع والخدمات،
الشيء الذي أدى إلى التهاب األسعار ،فعمت المصيبة بحسب رأيه؛
ولكن منذ نشأة النظام الرأسمالي لم تعد األزمات تظهر نتيجة العجز في تلبية حد كفاية
المعيشة ،أو نتيجة القحط أو فساد المحاصيل الزراعية ،بل أصبحت تظهر في القطاع المالية
وآلياته :النقد ،البنوك والبورصة ،..التي يكون لها آثار فادحة تمس جميع القطاعات وطنيا
وإقليميا ودوليا ،ما استدعى مراجعات جذرية تجمع بين التحليل الموضوعي والتحليل
الشرعي حتى يتم الفهم الصحيح لألزمات والتعامل معها بواقعية 3.وقد حظيت األزمة المالية
واالقتصادية العالمية 8002بتغطية كبيرة واهتمام ملحوظ من قبل الباحثين في االقتصاد
اإلسالمي ،حيث عقدت العديد من المؤتمرات ،وورش عمل ،وصدر العديد من المقاالت
والكتب المتخصصة في تحليل أسباب هذه األزمة وطرق عالجها من منظور االقتصاد
اإلسالمي.
من خالل االطالع على بعض الدراسات الصادرة من جهات أكاديمية وأوراق علمية
مقدمة في مؤتمرات وندوات علمية تناولت موضوع األزمات المالية واالقتصادية قدمها
خبراء وباحثين مختصين في مجال االقتصاد اإلسالمي ،يمكن الخروج باألطروحات التالية
التي حاولت تقديم تفسير ألزمات النظام الرأسمالي:
التفسير األول :السبب الجوهري لظهور األزمات االقتصادية يرجع إلى األسس والركائز
4
التي يقوم عليها النظام الرأسمالي ،والمتمثلة في:
-الفردية التي تضحي بمصلحة المجتمع؛
-الحرية الفردية المطلقة التي تصادر حرية المجتمع؛
-المنفعة الشخصية ،وهدف تعظيم الربح والذي يؤدي إلى اإلضرار بحقوق المجتمع؛
-االعتقاد الخاطئ بعدم تعارض المصلحة الفردية مع مصلحة المجتمع؛
*
المقريزي :هو تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي(966هـ0069/م290-هـ0990/م) ،ولد في القاهرة ،تلقى تعليمه باألزهر ،ويصنف
من بين رجال االقتصاد بحكم اهتمامه برصد التاريخ االقتصادي ومحاولة تفسيره بعض الوقائع االقتصادية :اهتم بدراسة األسواق من حيث
تواريخها ،النظم االقتصادية التي مرت عبر العصور والدول ،الفساد اإلداري وسوء التدبير ،النقود واألطوار التي مرت بها والنظم التي تحكمها.
1
.عبد الرزاق سعيد بلعباس "،ما معنى األزمة" ،كتاب األزمة المالية العالمية أسباب وحلول من منظور إسالمي ،مركز أبحاث االقتصاد اإلسالمي،
جامعة الملك عبد العزيز مركز النشر العلمي ،جدة ،8001 ،ص.0.
2
.احمد طرطار ،مرجع سابق.
3
.عبد الرزاق سعيد بلعباس ،مرجع سابق ،ص.06.
4
.لعلى بن صالح خاشي"،أسباب األزمة االقتصادية القريبة والبعيدة" ،المؤتمر العلمي الحادي عشر :األزمة االقتصادية المعاصرة أسبابها-
تداعياتها وعالجها ،كلية الشريعة ،جامعة جرش الخاصة،األردن ،يومي06-09:ديسمبر8000؛ أحمد العوضي" ،األزمة االقتصادية الراهنة
ووجهة نظر اإلسالم منها" ،المؤتمر العلمي الحادي عشر :األزمة االقتصادية المعاصرة أسبابها -تداعياتها وعالجها ،كلية الشريعة ،جامعة جرش
الخاصة،األردن ،يومي06-09:ديسمبر.8000
75
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له ،وذلك أنه يقوم قياما منكرا" .هذا في
اآلخرة ،أما في الدنيا فيالحظ أن األزمات المالية تتسبب في أزمات نفسية آلكل الربا من
الخوف والفزع ،واالكتئاب والحزن واالضطراب ،وغير ذلك من األمور النفسية التي قد
تودي به إلى االنتحار.
ت صدقا ِ الربا ويُ ْربِي ال ا َّللاُ ِ ّ
ق ا -المحق :وهو ذهاب البركة ،وهالك المال ،قال تعالى »:ي ْمح ُ
ب ُك ال كفا ٍار أ ِثيم« (البقرة ،اآلية .)896 َّللاُ ال يُ ِح ُّ
و ا
َّللا
ب ِّمنَ ا ِ -الحرب من هللا ورسوله :يقول هللا عز وجل»:ف ِإ ْن ل ْم ت ْفعلُوا فأْذنُوا ِبح ْر ٍ
سو ِل ِه« (البقرة ،اآلية .)891وإحدى صور الحرب األزمات المالية التي تعتبر جزاء ور ُ
وعقوبة دنيوية في صورة انهيار مالي يفضي إلى إفالس المؤسسات المالية والمتعاملين
معها ،والقائمين عليها.
ظةٌ ِّ ّمن َّر ِّبّ ِّهالربا فَ َمن َجا َءهُ َم ْو ِّع ََّللاُ ا ْلب ْيع وح ارم ِ ّ -الخلود في النار :قال تعالى » :وأح ال ا
ٰ
عادَ فَأُولَئِّ َك أ َ ْ ف َوأ َ ْم ُرهُ ِّإلَى َّ
ار ُه ْم فِّي َها خَا ِّلد ُونَ « اب النَّ ِّ
ص َح ُ َّللاِّ َو َم ْن َ سلَ َ
فَانت َ َه ٰى فَلَهُ َما َ
(البقرة ،اآلية.)890
كما حرمت الشريعة اإلسالمية عملية بيع الديون وتوريقها .وبيع الدين هو أن تقوم
البنوك وغيرها من المؤسسات المالية ببيع القروض التي منحتها إلى شركات التوريق .وفي
ذلك صدر قرار مجمع الفقه اإلسالمي الدولي التابع لمنظمة التعاون اإلسالمي في دورته
الحادية عشرة في نوفمبر ،0112ما يلي " :ال يجوز بيع الدين المؤجل من غير المدين بنقد
معجل من جنسه أو من غير جنسه؛ إلفضائه إلى الربا ،كما ال يجوز بيعه بنقد مؤجل من
جنسه أو من غير جنسه؛ ألنه من بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه شرعا ،وال فرق في ذلك بين
كون الدين ناشئا عن قرض أو بيع آجل" .أما عن التوريق ،والذي يقصد به إصدار سندات
بقيمة القروض وطرحها للتداول .فهو غير جائز شرعا ،وفي ذلك صدر قرار للمجمع الفقهي
اإلسالمي التابع لرابطة العالم اإلسالمي في دورته السادسة عشرة المنعقدة في جانفي 8008
ما يلي ":ال يجوز التعامل بالسندات الربوية إصدار ،أو تداوال ،أو بيعا الشتمالها على
الفوائد الربوية؛ وال يجوز توريق (تصكيك) الديون بحيث تكون قابلة للتداول في سوق
ثانوية؛ ألنه في معنى حسم األوراق التجارية ،لما فيه من بيع الدين لغير المدين على وجه
1
يشتمل على الربا".
-8الغرر :يجمع الفقهاء وخبراء االقتصاد اإلسالمي بأن الغرر من أهم عوامل عدم
االستقرار ،وأحد مسببات األزمات االقتصادية التي تعاني منها البشرية .والغرر في اللغة هو
الخطر 2،كما يتضمن معنى الغبن والجهالة والتدليس .فأما الغبن فهو الخداع وبيع الشيء
بأكثر مما يساوي .والجهالة تعني ما خفي من معلومات عن أحد العوضين أو كالهما،
كالمقدار ،الجنس ،وزمان ومكان التسليم 3،..أما بالنسبة للتدليس فيعني كتمان البائع العيب
1
.أنيس الرحمن منظور الحق ،مرجع سابق ،ص.800.
2
.سامي بن إبراهيم السويلم ،مرجع سابق ،ص.09.
3
.محمد عبد الغفار الشريف" ،الغرر :المقدار المانع من صحة التعامل والمغتفر عنه" ،المؤتمر الرابع للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية
اإلسالمية ،هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية اإلسالمية ،البحرين ،يومي 9-0:أكتوبر ،8009ص ص.000-091.
77
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
عن المشتري ،مع علمه به ،أو يغطي عنه بما يوهم المشتري عدمه ،ومعنى تدليس المشتري
1
الثمن هو أن يزيف العملة أو يكتم ما فيها من زيف مع علمه به.
ويعرف الغرر على "أنه ما كان له ظاهر يغر وباطن مجهول يجعله في معرض
الخطر المعاملي" 2.أو أنه "ما تردد بين أمرين اغلبهما أخوفهما" .كما عرف على أنه "ما
كان فيه احتمال الخسارة أكبر من احتمال الربح وسبب قبول الشخص التعرض للمخاطرة
3
العالية هو حجم العائد الذي يغريه".
ومن هذا المنطلق فان المخاطرة التي يغلب معها احتمال الخسارة ،وتقوم على انتفاع
أحد طرفي العقد على حساب األخر ،أي يكسب إذا خسر اآلخر ،فهو إذن قد أكل ماله بدون
مقابل ولذلك كان اآلخر خاسرا تدخل ضمن الغرر الذي يعد من أهم المحظورات الشرعية
في المعامالت التي أجمع عليها الفقهاء .وهذا بالضبط ما يرتكز عليه التعامل في األسواق
المالية ،حيث تكون درجة المخاطرة عالية رغبة في الربح المرتفع .ولقد دلت الدراسات من
4
أن هذا النوع من العائد يشجع على ظهور الفقاعات التي تؤدي في النهاية إلى األزمات.
-1القمار والمضاربة :لقد بينت الدراسات االقتصادية التي تناولت تشخيص األزمات المالية
واستخراج أسبابها وتحليلها أن المضاربة لها دور كبير في حدوث األزمات المالية التي
شهدها النظام الرأسمالي .وتعتبر المضاربة من أهم سمات النظام الرأسمالي الذي أطلق عليه
"رأسمالية الكازينو" 5.وقد وصف العديد من االقتصاديين المضاربة بأنها القمار ،لذلك
صنفوا عمليات المضاربة بصفة عامة بأنها قمار .ووصف ( )Keynesأسواق المضاربة بأنها
عبارة عن صالة قمار تتحول فيها الثروة من غير المحظوظ إلى المحظوظ ومن الذي يتخذ
قرارات بطيئة إلى من يتخذ قرارات سريعة 6.والقمار محرم شرعا ،لقوله تعالى »:يا أيُّها
ان فاجْ تنِبُوهُ س ِم ْن عم ِل ال ا
ش ْيط ِ الاذِين آمنُوا إِناما ا ْلخ ْم ُر وا ْلم ْيس ُِر و ْاأل ْنص ُ
اب و ْاأل ْزال ُم ِرجْ ٌ
ع ِّ ّر ف الميسر بأنه القمار ،وأن كل شيء فيه خطر لعلا ُك ْم ت ُ ْف ِل ُحون« (المائدة ،اآلية .)10وقد ُ
فهو من الميسر .وقد اتفق أغلب االقتصاديين اإلسالميين على أن المضاربة المالية بآلياتها
المختلفة (المشتقات المالية) غير جائزة سواء كانت في السلع أو في األصول المالية ،وذلك
7
ألنها:
-عقود صورية وليست حقيقية لوجود القرائن المعتبرة شرعا التي كشفت أن اإلرادة الحقيقية
للمتعاقدين لم تتجه نحو انجاز عقد بيع حقيقي مقصودة آثاره وهي التمليك والتملك.
-إن العبرة في العقود بالمقاصد والمعني ال باأللفاظ ،والمقصود في عقود المضاربة بيع
وشراء الخطر وليس األصل وذلك هو القمار المحرم شرعا.
مما سبق يمكن القول ،أن السبب الجوهري وراء أزمات النظام الرأسمالي كامن في
طبيعة النظام الرأسمالي واألسس التي يقوم عليها ،بداية باعتبار الفرد في ظل هذا النظام
على أنه كائن مادي يسعى إلى تحقيق مصالحه المادية بعيدا عن ميوله وحاجاته الروحية ،ثم
1
.تقي الدين النبهاني ،مرجع سابق ،ص.019.
2
.محمد علي التسخيري" ،مدى أثر دليل نفي الغرر في صحة المعامالت" ،مؤتمر الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية اإلسالمية ،هيئة المحاسبة
والمراجعة للمؤسسات المالية اإلسالمية ،البحرين ،يومي 89-86:ماي ،8000ص.0.
3
.سامي بن إبراهيم السويلم ،مرجع سابق ،ص.00.
4
.المرجع نفسه ،ص ص.09-09.
5
.رفيق يونس المصري" ،المضاربة على األسعار بين المؤيدين والمعارضين" ،كتاب األزمة المالية العالمية أسباب وحلول من منظور إسالمي،
مركز أبحاث االقتصاد اإلسالمي ،جامعة الملك عبد العزيز ،مركز النشر العلمي،جدة ،8001 ،ص.882.
6
.عبد الرحيم عبد الحميد الساعاتي "،المضاربة والقمار في األسواق المالية المعاصرة تحليل اقتصادي وشرعي"،كتاب األزمة المالية العالمية
أسباب وحلول من منظور إسالمي ،مركز أبحاث االقتصاد اإلسالمي ،جامعة الملك عبد العزيز ،مركز النشر العلمي ،جدة ،8001 ،ص.800.
7
.عبد الرحيم عبد الحميد الساعاتي ،مرجع سابق ،ص ،809.ص.802.
78
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
قدسية الملكية الخاصة والحرية الكاملة في تملك وسائل اإلنتاج التي تخول لصاحبها حرية
االستعمال واالستغالل والتصرف بالطريقة التي تدر عليه أكبر عائد ممكن وتهميش دور
الدولة كمنظم ورقيب لالقتصاد ،وفي ظل فصل الدين واألخالق نهائيا عن االقتصاد ،أدى كل
ذلك إلى ظهور سلوكات غير سوية كالطمع ،والجشع ،والكذب ،والغش ،والتدليس ،والخيانة،
والفساد اإلداري ،والمعلومات المضللة ،وتحولت المنافسة الحرة إلى منافسة هدامة لتحقيق
مزيد من األرباح على حساب اآلخر ،فأصبحت المعامالت في ظل النظام الرأسمالي بعيدة
كل البعد عن القيم واألخالق الحميدة والضوابط الحسنة وانتشر القمار(المضاربة) في
األسواق ،وتضاعفت وتعاظمت الديون الربوية ،فانحرفت األسواق عن وظيفتها ،وأصبح
النظام المالي واالقتصادي العالمي في ظل النظام الرأسمالي نظاما هشا وغير منضبط،
معرضا دائما ألزمات مالية واقتصادية متعاقبة .باختصار إن المنبع الرئيسي ألزمات النظام
الرأسمالي هو طبيعة النظام الرأسمالي الذي يقوم على أسس وقواعد تقوده في النهاية إلى
الوقوع في األزمات.
خالصة الفصل :من أهم االستنتاجات التي خلص إليها هذا الفصل:
النظام الرأسمالي هو نظام اجتماعي و اقتصادي يقوم على الملكية الخاصة لوسائل
اإلنتاج وجميع األصول بأنواعها المختلفة دون قيد أو شرط ،ويتبنى الحرية االقتصادية،
فاألفراد لهم الحرية المطلقة في طرق استثمار رؤوس أموالهم وفي إدارة نشاطهم االقتصادي
بما يتوافق ومصالحهم الخاصة ،مما يضمن المنافسة التي تعتبر األساس األول والشرط
الضروري لقيام السوق الحرة كمنظم تلقائي لسلوك األفراد دون تدخل الدولة .والدافع
األساسي للرأسمالية هو تحقيق أقصى ربح .وهو أيضا نظام مادي ،فالفرد في ظل النظام
الرأسمالي يسعى دائما إلى تحقيق أقصى منفعة مادية دون مراعاة للمنافع الروحية والقيم
األخالقية.
منذ نشأة الرأسمالية وهي تسعى للعالمية ،بدءا بالرأسمالية التجارية ثم الصناعية مرورا
بالرأسمالية المالية ،إال أنها لم تصل إلى درجة اندماج اقتصاديات بلدان العالم والتشابك
79
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
المالي فيما بينها إال خالل العقود الثالثة األخيرة وذلك نتيجة التطورات في تكنولوجيا
المعلومات واالتصال والتزايد المستمر في عمليات التحرير التجاري والتحرير المالي بين
البلدان.
لم تطبق أسس الرأسمالية بنفس الدرجة خالل جميع مراحل تطورها ،ومبدأ الحرية
االقتصادية يعكس ذلك .ففي مرحلة الرأسمالية التجارية كانت الدولة متدخلة وذلك لضمان
تعظيم الثروة( الذهب والفضة) .ونظرا لقوة الرأسمالية بعد الثورة الصناعية التي أدت إلى
تنمية الجهاز اإلنتاجي وتخفيض تكاليف اإلنتاج ومن ثم التوسع والزيادة في اإلنتاج ساد
االعتقاد عند الرأسماليين والمفكرين على حد سواء أن القيود التي تفرضها الدولة على النشاط
االقتصادي تعرقل تصريف المنتجات وتقلل من قرص الربح لذلك طالبوا بإلغاء كافة القيود
المفروضة على النشاط االقتصادي وبالفعل خرجت الدولة نهائيا من الحياة االقتصادية وساد
مبدأ ا لحرية االقتصادية المطلقة طوال القرن التاسع عشر وحتى ثالثينيات القرن العشرين
فترة أزمة الكساد الكبير ،حيث قَ ِّبل النظام الرأسمالي الفكر الكينزي الذي يقضي بوجود دولة
متدخلة ،ثم عاد نهاية السبعينيات من القرن العشرين ليرفض كل أشكال تدخل الدولة في
الحياة االقتصادية حتى جاءت األزمة المالية العالمية 8002ودفعت الرأسماليين والليبراليين
الجدد إلى دعوة الدولة للتدخل إلنقاذ النظام الرأسمالي .كما أن مبدأ المنافسة الحرة لم يعد
قائما في ظل النظام الرأسمالي منذ أواخر القرن التاسع عشر ،بل أصبحت منافسة هدامة تقوم
على االحتكا رات وذلك بسبب األنانية وحب النفس والجشع والسعي فقط لتحقيق المصلحة
المادية دون مراعاة جانب القيم واألخالق .وغياب المنافسة الحرة شوه عمل آلية السوق التي
أصبحت ال تتسم بالكفاءة والفعالية والعدالة في توزيع الدخول كما أصبحت غير قادرة على
العمل من تلقاء نفسها ،ف انساقت الرأسمالية إلى عدم االستقرار المالي وتوالت األزمات
واالضطرابات المالية الواحدة تلو األخرى.
يفرق االقتصاديون بين األزمة المالية واألزمة االقتصادية ،فاألولى تصيب القطاع
المالي ،وقد تأخذ شكل أزمة عملة ،أو أزمة مصرفية ،أو أزمة أسواق مالية ،أو أزمة
مديونية ،والتي تحدث منفردة أو متتابعة أو متزامنة (أي تحدث وقت واحد) ،أما األزمة
االقتصادية فتصيب جوانب االقتصاد الحقيقي ،وتأخذ شكل تراجع كبير في إجمالي الناتج
المحلي ،وفي االستثمار واإلنتاج الصناعي ،والمبيعات ،والتوظيف ،وحتى في االستهالك،
وغالبا ما يعبر عنها بالركود ،وإذا كان الركود حادا وخطيرا ،يطلق على هذه
األزمة"الكساد" أو "أزمة كساد".وتعتبر األزمات المالية سببا في وقوع األزمة االقتصادية،
والعكس صحيح ،غير أن األزمات االقتصادية التي تمتد جذورها إلى أزمات مالية أصبحت
أكثر شيوعا ،وأكثر حدة ،وأطول أمدا ،وفترات التعافي منها عادة ما تكون بطيئة.
تعتبر األزمة االقتصادية (الركود) مرحلة من مراحل الدورة االقتصادية التي تعد من
أهم سمات النظام الرأسمالي الذي يخضع لقانون التطور الدوري من القاع إلى الذروة ،حيث
تبدأ الدورة دائما بأزمة وتنتهي بأزمة وإذا كانت الدورات االقتصادية من قبل ،حسب
المؤرخين تحدث نتيجة إفراط في اإلنتاج ( خلل يصيب االقتصاد الحقيقي) ،فإن أهم ما يميز
هذه الدورات في ظل الصعود الكبير للرأسمالية المالية أنها تحدث نتيجة خلل يصيب القطاع
المالي (أزمات مالية).
إن االنتقال والتحول من الركود إلى التعافي ومن ثم الوصول من جديد على الذروة
ليس بفعل آلية السوق وإنما عن طريق تدخل الدولة باستخدام السياسات االقتصادية الكلية :
80
الفصل األول :االطار المفاهيمي والفكري للنظام الرأسمالي
السياسة النقدية و سياسة المالية العامة التوسعيتين ( مثل خفض أسعار الفائدة ،وزيادة
اإلنفاق الحكومي).
إن األزمات المالية لم تنتج عن سبب واحد ،وإنما هناك جملة من األسباب التي
تضافرت وأدت إلى وقوعها أهمها :آلية االئتمان التي تقوم على أسعار الفائدة ،المضاربات
وآلياتها المتمثلة في المشتقات المالية ضعف الرقابة واإلشراف على المؤسسات المالية ،عدم
اإلفصاح والشفافية ،نقص الم علومات ونشر المعلومات المضللة ،النظام النقدي الدولي الذي
يهيمن عليه الدوالر... ،
تخلف األزمات المالية آثارا سلبية حادة وتكاليف باهضة بالنسبة للبلدان التي مستها،
والبلدان المتقدمة والنامية األخرى بسب الروابط المالية والتجارية بينها ،فقد أصبح العالم في
ظل عولمة الرأسمالية مترابطا بشكل معقد ،على نحو يسهل انتشار المخاطر وانتقال
األزمات بين البلدان بسرعة كبيرة ،وهو ما يعرف بالعدوى المالية.
اهتمت جميع المدارس االقتصادية الكبرى باألزمات االقتصادية ،باستثناء المدرسة
الكالسيكية التي آمن معظم مفكريها بالتوازن التلقائي في السوق واستحالة حدوث األزمات.
أما المدارس األخرى :االشتراكية والكينزية والنقدية ،بالرغم من اختالف وجهات نظرها في
تفسير هذه األزمات إال أن جميعها اهتمت باالضطرابات التي تحدث على مستوى االقتصاد
الحقيقي ،و أهملت دور اضطرابات القطاع المالي في وقوع هذه األزمات .ماعدا المفكر
االقتصادي ( )Minskyالذي أرجع أسباب األزمات االقتصادية إلى عدم االستقرار المالي
للنظام الرأسمالي.
أما موقف مدرسة االقتصاد اإلسالمي من أزمات النظام الرأسمالي ،فحسب أغلب
الباحثين وخبراء االقتصاد اإلسالمي الذين تناولوا موضوع األزمات المالية واالقتصادية،
فإن السبب الجوهري يكمن في طبيعة النظام الرأسمالي وأسسه التي يقوم عليها .هذه األسس
األزمات إلى دائما تقوده التي والقواعد
81
الفصل الثاني:
أشهر أزمات النظام
االقتصادي
الرأسمالي
11
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
الفصل الثاني
أشهر أزمات النظام االقتصادي الرأسمالي
ظلت األزمات المالية واالقتصادية سمة من سمات االقتصاد العالمي منذ نشأة النظام
االقتصادي الرأسمالي وهذا ما يبينه بوضوح تاريخ الوقائع االقتصادية للرأسمالية من بداياتها
األولى إلى يومنا هذا .ورغم أن هذه األزمات تشترك من حيث المبدأ بالعديد من الخصائص
وا لمسببات المرتبطة بطبيعة النظام الرأسمالي ،إال أن لكل واحدة منها صفاتها الخاصة التي
تميزها عن غيرها .ما يستدعي دراستها دراسة مفصلة.
ويحاول هذا الفصل استعراض وتحليل أشهر األزمات التي تعرضت لها مختلف بلدان
العالم منذ القرن السابع عشر وحتى مطلع القرن الواحد والعشرين .وقد صمم هيكله على
النحو التالي :يعرض المبحث األول أهم األزمات المالية خالل الفترة الممتدة من القرن
السابع عشر إلى القرن التاسع عشر .ويستعرض المبحث الثاني أكبر وأعنف أزمات القرن
العشرين .بينما يتناول المبحث الثالث األزمات المالية التي شهدها العالم في العقد األول من
القرن الواحد والعشرين.
1
.محمد بوجالل ،مرجع سابق ،ص.60.
*
) :(guldenالعملة الهولندية القديمة.
89
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
بالكامل تقريبا من هواة التداول فيما بينهم وكان معظمهم من التجار األثرياء ،ثم تطورت
األمور على نحو سريع ،حيث انتشر جنون التوليب ليس فقط على مستويات النخبة ولكن
أيضا بين أفراد الطبقة الوسطى ،وبحلول عام 0609دخلت هذه الزهرة السوق المالي حيث
تم إنشاء مراكز للتداول اليومي لها ،وظهرت سوق العقود اآلجلة حيث بعد فترة وجيزة
أصبح الناس يبيعون بصيالت التوليب التي لم تكن في حوزتهم (البعض يبيع التي زرعها
للتو والبعض اآلخر يبيع التي ينوي زراعتها) ،وهكذا انتشرت المضاربة على التوليب
بسرعة كبيرة واعتقد الم ضاربون أن هوس الناس بهذه الزهرة سيستمر إلى األبد .وحسب
1
بعض المؤرخين فإن من أهم العوامل التي دفعت الهولنديين على المضاربة والمجازفة هي:
-ازدهار التجارة الخارجية الهولندية ساهم في خلق الثروة في المجتمع الهولندي؛
-عدم وجود نقابات تسيطر على تجارة التوليب؛
-مرض الطاعون الذي دمر هولندا خالل الفترة ( ،)0606-0600حيث يرى بعض
المؤرخين أن هناك عالقة بين هذا المرض وبين جنون التوليب وهي" أن التهديد
الدائم بالموت السريع قد يدفع الناس نحو المزيد من المخاطرة"؛
استمر ارتفاع األسعار حتى وصل إلى الذروة بين أواخر جانفي وبداية فيفري ،0609
حيث زاد سعر بعض أنواع التوليب بـــخمس وعشر مرات ،وزاد البعض اآلخر بقدر
عشرين ضعفا ( األصناف النادرة) ،حتى األصناف الشائعة التي لم يكن عليها طلب في
السابق تم بيعها بأسعار مرتفعة 2.فجأة وبشكل غير متوقع في 0فيفري انخفضت األسعار،
حيث تم طرح كمية ك بيرة للبيع ولم تقدم أية عروض شراء أعلى (أي بأسعار مرتفعة)،
وانتشرت أخبار انخفاض األسعار بسرعة كبيرة وبدأ الشك يزاور الناس بأن الطلب على
التوليب سيتوقف ،وهذا ولد ذعرا كبيرا وبدأ الجميع في البيع ،وانفجرت الفقاعة .وبحلول 9
3
فيفري 0609انهارت السوق.
ثانيا :أزمة انهيار األسهم ،0180في هذا العام انفجرت أزمتين متتاليتين تفصل بينهما
بضعة أشهر ،في فرنسا وانجلترا بخصوص أسهم الشركات التي كانت تستغل موارد العالم
4
الجديد.
-0فقاعة المسيسيبي (فرنسا) 5:كانت البداية عندما تمكن شخص يدعى)( John Lawمن أن
يكون ثروة طائلة من عمليات المقامرة ،وفي عام 0906اقترح خطة إلنشاء بنك بماله
الخاص يتولى مهمة إصدار األوراق النقدية القابلة للتحويل إلى ذهب ،وقد كان هذا البنك
( )General Bankواحد من ستة بنوك من هذا النوع فقط التي تصدر األوراق النقدية في
أوروبا( السويد ،انجلترا ،هولندا ،البندقية ،جنوة) .وبحلول عام 0901أنشأ )) John Law
1
. Maurits van der Veen, "The Dutch Tulip Mania: The Social Foundations of a Financial Bubble", October
2012, pp.2-6, from website: www.maurits.net/Research/TulipMania.pdf, last visited 24/12/2017
2
. Ibid, p.9.
3
. Ibid,p.9, p.27.
4
.محمد سعيد محمد الرمالوي ،األزمة االقتصادية العالمية إنذار للرأسمالية ودعوة للشريعة اإلسالمية ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية، 8000،
ص.00.
5
.James Narron, David Skeie, "Crisis Chronicles: The Mississippi Bubble of 1720 and the European Debt
Crisis", Liberty Street Economics,10/01/2014, http://libertystreeteconomics.newyorkfed.org, last
visited 25/12/2017
90
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
شركة المسيسيبي ،ومنحت لها الحكومة الفرنسية صالحيات تجارية واسعة أهمها حقها في
البحث عن الذهب في إقليم لويزيانا ،وقد سمحت الحكومة لهذه الشركة بإصدار 00ألف سهم
وتوافد المواطنون العاديون على باريس للمشاركة ،وارتفع سعر السهم إلى ،* livres0000
واستنادا لهذا النجاح عرض) ( John Lawسداد الدين الوطني البالغ 0,0مليار livresعن
طريق إصدار 000ألف سهم إضافية ،وبحلول منتصف عام 0901أصدرت شركة
المسيسيبي أكثر من 600ألف سهم وبلغت القيمة االسمية للشركة 000مليون .livresوفي
صيف ذلك العام ارتفع سعر السهم من livres0000إلى 0000واستمر في االرتفاع حتى
نهاية العام ليصل إلى livres00000للسهم .ونتج عن تزايد إقبال الجمهور على هذه األسهم
تزايد الحاجة نحو طبع مزيد من األوراق النقدية ،وقام ( )General Bankبإصدار كميات
هائلة منها ،وبذلك اخت لت العالقة بين الرصيد المعدني(الذهب) وبين حجم األوراق النقدية
وبدأ التضخم حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 60بالمائة.
وبحلول 80ماي 0980أجبر ) )John Lawعلى تخفيض قيمة األوراق النقدية ،وخفض
سعر سهم شركة المسيسيبي ،وهرع الجمهور لتحويل األوراق النقدية إلى عملة الذهب
واضطر ) )Lawإلى إغالق البنك لمدة عشرة أيام وواصل سعر سهم الشركة االنخفاض،
وأصبحت األوراق النقدية بال قيمة ودخل االقتصاد الفرنسي في كساد.
-8فقاعة بحر الجنوب (انجلترا) :أُنشئت شركة بحر الجنوب في انجلترا عام 0900لغرض
منافسة شركة الهند الشرقية في التجارة ،مع تمتعها بميزة تحويل ديون الحكومة البريطانية
إلى أسهم مقابل فائدة تدفعها الحكومة ،كما منحت هذه الشركة احتكارا على حقوق التجارة في
بحر الجنوب (المياه المحيطة بأمريكا الجنوبية) .وبحلول عام 0900وبعد انتهاء الحرب مع
اسبانيا لم يتمكن البريطانيون في مفاوضاتهم مع اإلسبان من الحصول إال على حقوق
محدودة في التجارة في بحر الجنوب ،ونتيجة لذلك لم تكن عمليات التجارة مربحة لهذه
الشركة .وفي عام 0900ثم في عام 0901سمح للشركة بتحويل ديون الحكومة إلى أسهم،
وحصلت في أفريل 0980على موافقة لشراء الدين المتبقي وإصدار أسهم في البورصة،
وتوقع المستثمرون في هذه األسهم توزيع أرباح سنوية بنسبة 0بالمائة باإلضافة إلى األمل
في األرباح التي ستحقق من تجارة بحر الجنوب 1.ونتيجة لذلك تضاعف سعر سهم الشركة،
وطرحت الشركة أربعة إصدارات بأسعار أعلى في كل مرة ،كما قامت الشركة بعقد بعض
القروض في مقابل أسهمها متسببة بذلك في خفض المعروض من هذه األسهم وزيادة الطلب
عليها ،وبدأ مديرو الشركة في الترويج للشائعات بأن أسهم الشركة مقومة بأقل من قيمتها
الحقيقية ،ألن األسواق لم تأخذ في االعتبار الحقوق الحصرية للشركة للتجارة مع العالم
الجديد ،وأن التجارة مع العالم الجديد توفر األمان لحملة األسهم ،وأخذت أسعار األسهم ترتفع
بشكل متواتر من 082جنيه إسترليني في جانفي إلى 000جنيه استرليني في مارس ،ثم إلى
000جنيه في ماي و 210في جوان ونحو 0000جنيه في جويلية من نفس العام .ولكن
ارتكبت إدارة الشركة خطأ ً فادحا في نهاية هذا الجنون ،حيث أخذت إدارة الشركة أول خطوة
نحو الوراء ،حينما أدركت اإلدارة أن قيمة ممتلكاتها الشخصية من أسهم الشركة ال يمكن أن
*
) : (la livreالعملة التي استخدمت في فرنسا قبل الفرنك ،وذلك خالل الفترة من 920م إلى 0910م.
1.James Narron, David Skeie, " Crisis Chronicles: The South Sea Bubble of 1720—Repackaging Debt and
the Current Reach for " Yield, Liberty Street Economics,08/11/2013,
http://libertystreeteconomics.newyorkfed.org, last visited 25/12/2017
91
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
تعكس القيمة الحقيقي ة للشركة أو إيراداتها ،فبدأ أعضاء إدارة الشركة في بيع أسهمهم سرا في
صيف 0980ولكن انتشر الخبر بسرعة ،وانتشر الذعر بين حملة األسهم ،وبدأت حملة البيع
المذعورة ألوراق ليس لها قيمة حقيقية وفي أوت 0980انتهت القصة وأدرك المستثمرون
أن المستعمرات اإلسبانية التي ت متلك الشركة الحق الحصري في االتجار معها تقع تحت
سيطرة اإلسبان ،وأن حق االحتكار الذي تمتلكه الشركة حق صوري ،وأن عمليات الشركة
في مجال التجارة محدودة للغاية ،وأن الشركة ال تحقق إيرادات ،وأن الموضوع بالكامل كان
1
عملية نصب محكمة ،ومن ثم بدأت الفقاعة في االنفجار.
ثالثا :األزمة المصرفية لعام ،0121حدثت في انجلترا في 86فيفري 0919نتيجة لتعرض
بنك انجلترا النحصار في االحتياطي فقرر تعليق التخليص نقدا ،مما خلق نوعا من الذعر
المالي بين المواطنين والشركات فسارعوا إلى سحب ودائعهم ومدخراتهم وأرباحهم من
البنوك ،فتسبب ذلك في إفالس جماعي لبنوك انجلترا .وقد اعتبرت هذه األزمة أول أزمة
2
ناتجة عن الذعر الجماعي.
المطلب الثاني :أزمات القرن التاسع عشر
شهد القرن التاسع عشر عددا من األزمات المالية الدولية ،كانت البداية في انجلترا عام
0200عندما حاصر نابليون انجلترا فلم تتمكن من تحصيل حقوقها على شركات جنوب
أمريكا مما تسبب في حصول أزمة سيولة 3.وفي عام 0280حدثت مضاربة شديدة على
االستثمارات الموجودة في أمريكا الجنوبية( في مجال البنوك التأمينات،تسليح السفن،)..
حيث انخفضت قيمة أسهمها انخفاضا كبيرا في بورصة لندن مما أدى إلى إفالس العديد من
البنوك والمؤسسات المالية4.وبعد عقد من الزمن شهدت انجلترا مجددا انهيارا في البورصة
بعد قرار الرئيس األمريكي آنذاك اشتراط بيع األراضي مقابل معادن ثمينة ،واعتبر ذلك
القرار بمثابة ضربة قاضية على المضاربة في سوق العقار األمريكي ،وبما أن البنوك
األمريكية كانت تقترض من انجلترا فلقد انتقلت الصدمة إلى انجلترا وأدت إلى انهيار
5
البورصة في عام .0206
وفي سبعينيات القرن التاسع عشر شهد العالم أعنف أزمة منذ نشأة النظام االقتصادي
الرأسمالي ،كما اعتبرها المؤرخون أول أزمة ذات طابع عالمي ،حيث أصابت الواليات
المتحدة األمريكية وعدد من دول أوروبا 6.فقد أدى انهيار أسواق األسهم النمساوية واأللمانية
في عام 0290إلى تراجع التدفقات الرأسمالية الداخلة ،وأسفر عن مشكالت خدمة الدين،
ووقوع أزمات في أنحاء أوروبا وأمريكا 7.وكانت البداية في فينا ،وبرلين ،حيث قامت
مؤسسات إقراض حديثة بإصدار رهونات لمباني اإلسكان ،وكانت تلك الرهونات سهلة في
متناول الجميع وهذا بدوره انعكس على قطاع البناء الذي عرف ازدهارا كبيرا ،وبدأت
أسعار األراضي في االرتفاع وأصبح المقترضون يأخذون المزيد من القروض مستخدمين
1
.شبكة خبراء األسهم" ،تاريخ المضاربة" ،8008 ،من الموقع:
, last visited 25/12/2017 http://stocksexperts.net/showthread.php?t=86732
2
.الداوي الشيخ "،األزمة المالية العالمية انعكاساتها وحلولها" ،مؤتمر األزمة المالية العالمية وكيفية عالجها من منظور النظام االقتصادي الغربي
واإلسالمي ،جامع جنان ،طرابلس ،لبنان 09-00 ،مارس ،8001ص.0.
3
.محمد سعيد محمد الرمالوي ،مرجع سابق ،ص.08.
4
.الداوي الشيخ ،مرجع سابق ،ص.9.
5
.محمد سعيد محمد الرمالوي ،مرجع سابق ،ص.00.
6
.فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص.002.
7
.إيرينا تايتل" ،األزمات المالية الدولية من منظور تاريخي" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أكتوبر ، 8001ص.082.
92
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
المباني غير مكتملة البناء كضمان لدين جديد ،ولكن سرعان ما تعرضت بورصتي فينا
وبرلين إلى عمليات مضاربة ضخمة تسببت في انهيارهما ،وبدأت الكثير من البنــوك
األوروبيــة المتــأثرة تغلـــق أبوابها ،وانتقلــت األزمــة البنكيـــة للـواليات المتحدة في
خريـــف 1،0290بإعــالن بنك ) )Jay Cookeإفالسه في 00سبتمبر ،0290ما أدى إلى
حالة ذعر في بورصة نيويورك التي علقت التداول حوالي أسبوعين 2.وقد كانت شرارة
الذعر مرتبطة باستثمارات السكك الحديدية ،فقد كان هذا البنك من أكبر ممولي هذه
االستثمارات وتحديدا مشروع خط سكة حديد شمال المحيط الهادي ،كما تولى مهمة تسويق
األسهم والسندات لتمويل التوسع الهائل لهذا المشروع ،الذي كان يخطط أن يكون جزءا من
نظام عابر للقارات يحمل البضائع من ساحل المحيط الهادي إلى البحيرات الكبرى ثم إلى
أوروبا 3،وقد وضعت هذه الخطط على أساس الحصول على األموال من أوروبا ،ولكن
انفجار الفقاعة العقارية في العواصم األوروبية وانتشار حالة الذعر المصرفي فيها ،أدى إلى
صعوبة الحصول على األموال األوروبية 4.كما عانت الشركة المسؤولة عن هذا المشروع
من سوء اإلدارة ،وتحديات البناء وتزايد فجوة التمويل ووقوعها في فضيحة مالية ،حيث تم
الكشف عن قيام هذه الشركة بتضخيم التكاليف لتعظيم الدعم الحكومي المقدم لبناء الخط ،وقد
أدى الكشف عن هذا الخداع إلى عدم ثقة المستثمرين في الشركة فتعرضت أسعار أوراقها
المالية إلى االنخفاض الشديد في البورصة ودفعت كل هذه الضغوط بنك ) )Jay Cookeإلى
5
تعليق السحب وأغلق أبوابه وع ّم الذعر في بورصة نيويورك.
لقد أدى هذا الذعر إلى فشل عدد كبير من البنوك ،تالها غلق العديد من المصانع
وورش العمل الصغيرة وبطالة مرتفعة 80بالمائة وقد أطلق على هذه الحالة في ذلك الوقت
6
بالكساد واستمر لفترة طويلة أكثر من خمس سنوات ،وأصبح يعرف بالكساد الطويل.
ما يمكن قوله عن كبرى األزمات المالية التي شهدها العالم خالل الفترة الممتدة من
القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر ،أنها أزمات أوروبية المنشأ -أي أنها انفجرت
في دول أوروبية -وذلك يرجع إلى كون أوروبا في تلك الفترة تمثل مركز االقتصاد
الرأسمالي العالمي ،وبالتحديد انجلترا التي كانت المتربعة على عرش االقتصاد العالمي
طوال القرن التاسع عشر ،نظرا لتعاظم قوتها االقتصادية والسياسية والعسكرية.
المبحث الثاني :أزمات القرن العشرين
لقد تعرضت مجموعة كبيرة من البلدان المتقدمة والنامية خالل القرن العشرين ألزمات
مالية واقتصادية اختلفت شدتها وتأثيراتها من بلد آلخر ،ويحاول هذا المبحث استعراض أسوأ
وأخطر هذه األزمات.
1
.الداوي الشيخ ،مرجع سابق ،ص.9.
2
.David Blanke," Panic of 1873", http://teachinghistory.org/history-content/beyond-the-textbook/24579 last
visited 26/12/2017
3 .Thomas Klitgaard, James Narron,"Crisis Chronicles: The Long Depression and the Panic of 1873",
الديون) .واستشعر المضاربون الذين شهدوا ارتفاع أسعار األسهم الكارثة الوشيكة فقرروا
بيع أسهمهم ،وازداد التهافت على البيع ،وفي أكتوبر 0181انهارت سوق األوراق المالية
( )Wall Streetبنيويورك 1،وبدأت سلسلة من االنهيارات المصرفية أدت إلى طوابير من
المودعين يطالبون بودائعهم وانتشرت العدوى من والية إلى أخرى ،حتى ع ّمت كل الواليات
المتحدة األمريكية ،ثم كندا وأمريكا الجنوبية وهذا خالل الفترة ( .)0100-0181ونظرا
الرتباط أوروبا بالرأس المال األمريكي فقد مست األزمة أوروبا ففي سنة 0100انتقلت
األزمة إلى كل من النمسا وألمانيا ،وفرنسا ،وانجلترا بسبب قيام الواليات المتحدة األمريكية
سحب أموالها المستثمرة فيها ،كما مست األزمة اليابان واستراليا وأجزاء من إفريقيا الشرقية.
وفي عام 0108انتقلت األزمة إلى باقي أوروبا كما عمت البلدان اإلفريقية الشمالية
2
والغربية.
ثانيا :أسباب أزمة الكساد الكبير .0282يرجع انهيار بورصة ( )Wall Streetكما يراه
3
البعض إلى عدة أسباب أهمها:
-0االرتفاع المستثمر في أسعار األسهم قبل األزمة بشكل زائد عن الطبيعي ،وهذا بسبب:
-التصريحات المتفائلة الصادرة عن مثل المدير العام لشركة ( )General Motorsسنة
، 0182أو عن رجال السياسة أمثال الرئيس األمريكي آنذاك ،أو عن اقتصاديين مثل
( *)Irving Fisherالذي أكد في خريف " 0181أن أسعار األسهم بلغت سقفا عاليا
مستمرا"؛
-وفرة االدخار وسهولة االقتراض لشراء األسهم؛
-إنشاء الشركات االستثمارية التي تكاثرت في الواليات المتحدة األمريكية خالل الفترة
()0181-0189؛
-تسامح السلطات النقدية األمريكية وذلك بعدم رغبتها في الوقوف في وجه حركة
االرتفاع عندما بدأ واضحا أنها تتجاوز المألوف؛
-8المضاربة الوهمية ،حيث ارتفعت أسعار األسهم نتيجة اآلمال ،وليس ألن توزيعات
األرباح في ارتفاع؛
-0تجاهل السوق ما نشر بخصوص مؤشرات اإلنتاج الصناعي المتواضعة .فمنذ عام 0180
تقلص الطلب على المنتجات األمريكية من قبل الدول األوروبية التي تمكنت من العودة إلى
اإلنتاج الصناعي والزراعي العالميين ،مما أدى إلى تكديس المنتجات األمريكية في مخازنها
داخل الواليات المتحدة األمريكية ومن ثم انخفاض أسعارها بشكل كبير في عام0181؛
-9اتجاه أسعار األسهم نحو االنخفاض في سبتمبر ،0181والتصريحات المتشائمة
لإلحصائي (**)Babsonورجال األخبار في ( )The Timesالتي وجدت صدى لدى
المضاربين المنتبهين ألن يبيعوا عند أول بادرة للهبوط كي يستعيدوا أموالهم؛
-0اتساع تدهور األسعار نتيجة فشل محاوالت تنظيم السوق؛
1
.إيمان محمود عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص.10.
2
.وشاح رزاق ،مرجع سابق ،ص 9.؛ رفيقة صباغ ،مرجع سابق ،ص.02.
3
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص ص.008-000.
*
:) 0199-0269 ( Irving Fisherاقتصادي أمريكي ينتمي للمدرسة الكالسيكية ،له عدة إسهامات في مجال اإلحصاء أهمها مؤشره لألسعار
الذي يحمل اسمه.
**
:)0169-0290( Roger W. Babsonرجل أعمال و اقتصادي أميركي ،ألف أكثر من 90كتابا حول المشاكل االقتصادية ،ومئات من مقاالت
المجالت ،وقدم العديد من المحاضرات في مجال األعمال التجارية واالتجاهات المالية.
95
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-6زيادة العرض وحدوث المزيد من التدهور في األسعار نتيجة تصفية صفقات الشراء
النقدي الجزئي ،وذلك ببيع األوراق المالية محل الصفقة لعدم توافر السيولة الكافية لدى
بعض المتعاملين ،وأن البعض اآلخر لم تكن لديهم الثقة في استعادة السوق لتوازنه.
-9البيع على المكشوف* ،فمع بداية انخفاض األسعار سارع المضاربون والمستثمرون الذين
يرغبون في التغطية إلى بيع المزيد من األسهم على المكشوف مما أسهم في المزيد من
تدهور األسعار؛
-2الممارسات غير األخالقية التي انطوت على الغش والخداع والتضليل من قبل فئة من
المتعاملين في األسواق المالية وأسهمت بدور فعال في تعميق األزمة؛
ثالثا :نتائج أزمة الكساد الكبير .0282لقد خلفت هذه األزمة العديد من اآلثار يمكن ذكر
أهمها في:
-0انخفاض مؤشر ( :)Dow Jonesفي 0سبتمر 0181أقفل مؤشر ( )Dow Jonesلمتوسط
الصناعة عند 020نقطة ،وفي 80أكتوبر من نفس العام سجل المؤشر 006نقطة ،ما يعني
انخفاضا بلغت نسبته 80بالمائة مقارنة بـــــ 0سبتمبر .واستمر انخفاض أسعار األوراق
المالية بعد ذلك لمدة ثالث سنوات حيث أقفل المؤشر في 2جويلية من عام 0108عند 90
نقطة وهذا يعني أن المؤشر وصل إلى حوالي 00بالمائة فقط مما كان عليه في 0سبتمبر من
عام 1.0181وقد بلغ حجم خسائر سوق( 10 )Wall Streetبالمائة من قيمته بين عامي
0181و 0108ولم يتعافى السوق إال بعد 80عاما ،بسبب عدم ثقة المواطنين األمريكيين
بأسواق األوراق المالية 2.وذلك في 80نوفمبر حيث أغلق مؤشر( )Dow Jonesعند
028,99نقطة .وكانت هذه هي المرة األولى التي تجاوزت 020نقطة ،التي سجلت في 0
3
سبتمبر .0181
-8تهاوي األسعار في البورصة أدى إلى موجة من عدم الثقة والخوف من احتماالت
المستقبل ،وقد تحولت هذه الموجة إلى ذعر مالي فاندفع األفراد واألجانب إلى سحب ودائعهم
من البنوك والمطالبة بصرف البنكنوت بالذهب وهذا ما عرض البنوك لحالة عجز حقيقي
عن الدفع فتعرضت بذلك لإلفالس ،وقد وصل عدد البنوك التي أغلقت أبوبها عام 0100في
4
الواليات المتحدة األمريكية 0080بنكا ،ثم ارتفع هذا الرقم إلى 8819بنكا في عام ،0100
وخالل فترة الكساد من 0181إلى 0100فشلت نصف البنوك في الواليات المتحدة
5
األمريكية ونتيجة لذلك فقد المودعون 090مليار دوالر.
*البيع على المكشوف :األصل في المعامالت أن تشترى األوراق المالية أوالً ثم تباع فيما بعد ،عندما ترتفع قيمتها السوقية لتحقيق بعض األرباح،
غير أن هناك نمط آخر من المعامالت ،وفيه تباع األوراق المالية أوالً ثم تشترى فيما بعد عندما تنخفض قيمتها السوقية عن القيمة التي سبق أن بيع
بها .وهي أحد صور البيع على المكشوف ،حيث يبيع المستثمر(المضارب) أوراقا مالية ال يملكها وعند التسليم يقوم بشرائها من السوق ويعطيها
للمشتري ،أو يقوم باقتراضها من آخر (سمسار مقابل فائدة) ويسلمها للمشتري ،وعندما تنخفض األسعار يشتري المضارب أوراقا مماثلة من السوق
المالي ويعيدها للسمسار ويكون قد استفاد من فرق السعرين.
1
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص ص.000-008.
2
.Kimberly Amadeo," Effects of the Great Depression",27/04/2017,https://www.thebalance.com/effects-of-the-great-
depression-4049299 last visited 27/12/2017.
3
.Kimberly Amadeo,"Great Depression Timeline: 1929 – 1941", 06/07/2017, http://www.thebalance.com/great_de
pression-timeline1929-1941-4048064, last visited 29/12/2017.
4
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص.009.
5
. Kimberly Amadeo, "Great Depression Timeline: 1929 – 1941", Op.cit.
96
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-0انتشار االنهيار على مستوى البورصات الدولية بسبب سحب الواليات المتحدة األمريكية
لرؤوس أموالها المستثمرة في البورصات األوروبية ،وعقب ذلك انفجر الذعر في أوروبا
فكان السحب شديدا في ألمانيا ،فضال عن دفع تعويضات الحرب فأصبح النظام المصرفي في
حالة انهيار حقيقي بعد استنزاف الذهب ،وفي يوم 00جويلية 0100أعلن البنك الوطني
بــــــــــدارمشتات األلمانية غلق أبوابه واضطرت الحكومة األلمانية إلى إغالق البنوك لمدة
يومين .ثم توالت حركات االنهيار في فرنسا ،النمسا ،السويد ،الدنمارك والنرويج ،وبوليفيا،
1
واليابان....إلخ.
-9حدوث تقلبات حادة في أسعار صرف العمالت ،نتج عنها انهيار النظام الذهبي في معظم
البلدان .حيث خرجت بريطانيا من قاعدة الذهب في سبتمبر ،0100وقامت بتعويم الجنيه
اإلسترليني ،فهبطت قيمته بحوالي 00بالمائة .وحاولت كل من فرنسا وهولندا وبلجيكا
وسويسرا وايطاليا وبولندا الحفاظ على العالقة القائمة بين الذهب وقيم عمالتها وبحرية
التحويل ،ولكن لوحظ أن عمالت هذه البلدان أصبحت مقدرة بأكثر من قيمتها الفعلية مما نتج
عنه فقدان تنافسية صادراتها وصعوبات في موازنتها العامة ،لهذا اضطرت هي األخرى
التخلي عن قاعدة الذهب وتخفيض قيمة عمالتها .أما الواليات المتحدة األمريكية فقد توقع
الكثيرون أن تخرج هي أيضا عن قاعدة الذهب ،فهرع األفراد إلى سحب أرصدتهم من
البنوك واست بدالها بالذهب ،وظل الذهب يخرج منها بشكل مستمر إلى أن اضطرت الحكومة
األمريكية للخروج من قاعدة الذهب في مارس 2.0100ويوضح الجدول التالي تواريخ
خروج بعض البلدان عن قاعدة الذهب.
الجدول رقم( :)00تواريخ خروج بعض البلدان الرأسمالية من قاعدة الذهب
التـــــــــــــــــــــاريـــــــــخ الــــــــــدولــــــــــــــــــة
جويلية 0100 ألمانيا
سبتمبر0100 بريطانيا
سبتمبر0100 النرويج
سبتمبر0100 السويد
ديسمبر0100 اليابان
أفريل0100 الو.م.أ
ماي 0100 ايطاليا
مارس0100 بلجيكا
سبتمبر0106 فرنسا
سبتمبر0106 هولندا
المصدر :رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،
الكويت 0129،ص.000.
-0إن تلك االنهيارات المالية والنقدية التي عرفها العالم الرأسمالي كان لها تأثير كبير على
االقتصاد الحقيقي وفيما يلي استعراض أهم الخسائر التي نتجت عن هذه األزمة:
1
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص ص.001-002.
2
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص.001.
97
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
1
-انخفض حجم اإلنتاج في البلدان الرأسمالية بنسب تتراوح بين 90و 60بالمائة.
بالنسبة للواليات المتحدة األمريكية ،انكمش االقتصاد بنسبة 00بالمائة خالل سنوات الكساد،
وقد بلغ الناتج المحلي اإلجمالي في سنة 0181حوالي 000مليار دوالر ،وفي عام 0100
تقلص الناتج المحلي اإلجمالي بنسبة 2,0بالمائة ،و 6,0بالمائة في عام 0100و08بالمائة
في عام .0108وبحلول عام 0100لم تنتج الواليات المتحدة األمريكية سوى 09مليار
2
دوالر أي نصف ما أنتجته في عام .0181
-هبوط شديد في األسعار فيفي الواليات المتحدة األمريكية انخفضت األسعار بنسبة 00
بالمائة بين عامي 0100و 3،0108أما في بريطانيا فقد بلغ التراجع في األسعار خالل الفترة
( )0100-0181نسبة 89بالمائة ،وقد كان لهذا االنكماش انعكاس مباشر على األرباح
وتراكم رؤوس األموال ،ففي بريطانيا على سبيل المثال تراجعت األرباح من 080مليون
4
جنيه إسترليني عام 0181إلى 90مليون جنيه إسترليني عام .0108
-حدوث بطالة على نطاق واسع ،حيث بلغت نسبة البطالة 80بالمائة في كل من الواليات
5
المتحدة األمريكية وبريطانيا ،و 90بالمائة في ألمانيا.
-انكماش التجارة العالمية بنسبة 60بالمائة خالل سنوات الكساد ،ويرجع ذلك إلى لجوء
البلدان الرأسمالية وعلى رأسها الواليات المتحدة األمريكية إلى إقامة حواجز جمركية لحماية
صناعاتها المحلية ،ففي عام 0100أصدر الكونغرس قانون ))Smoot-Hawley Tariff Act
الذي ينص على رفع التعريفات الجمركية على الصادرات العالمية إلى الواليات المتحدة
األمريكية من 00بالمائة عام 0181إلى 60بالمائة عام ،0100وبهذا اإلجراء بدأت الحرب
التجارية العالمية حيث قامت باقي البلدان بالرد على الواليات المتحدة األمريكية برفعها هي
6
األخرى للتعريفات الجمركية.
-2وضعت أزمة الكساد الكبير 0181الفكر الكالسيكي في محنة شديدة فقد أدت إلى انهيار
الفروض األساسية لهذا الفكر ،أولها التوازن التلقائي للسوق واليد الخفية ،كما انتقصت بشكل
واضح مقولة الحرية االقتصادية "دعه يعمل دعه يمر" ،وأدت إلى ظهور فكر جديد (الفكر
7
الكينزي) الذي اعتبر نقطة تحول في تاريخ تطور الرأسمالية.
رابعا :طرق معالجة أزمة الكساد الكبير .0282غابت ردود أفعال السياسات المضادة
لالتجاهات الدورية في المراحل المبكرة من الكساد الكبير 8،حيث لم تفعل حكومات البلدان
الرأسمالية الكثير لوقف الكساد .في الواليات المتحدة األمريكية وخالل الفترة (-0181
)0100كان الرئيس األمريكي ( )*Herbert Hooverيعتقد أن السوق الحرة من شأنها أن
تصحح نفسها ،وأعرب عن قلقه حيال قيام الحكومة بالتدخل عن طريق تقديم المساعدات
المالية ،فحسب رأيه سيجعل ذلك الناس يريدون التوقف عن العمل.كما تم خالل هذه الفترة
1
.المرجع نفسه ،ص.001.
2
. Kimberly Amadeo, ," Effects of the Great Depression", Op.cit
3
. Kimberly Amadeo, ," Effects of the Great Depression", Op.cit.
4
.إيمان محمود عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص ص.10-19.
5
.Kenneth Matziorinis, "The Causes of the Great Depression: A Retrospective",p.1 http://www.canbekecono
mics.com/research_papers/The_Great_Drpression_and_Europe.pdf , last visited 27/12/2017
6
. Kimberly Amadeo,," Effects of the Great Depression", Op.cit ; Kenneth Matziorinis,Op.cit,pp.8-9.
7
.رمزي زكي ،االقتصاد السياسي للبطالة ،مرجع سابق ،ص.819.
8
.توماس هلبلينغ"،ما أوجه الشبه بين األزمة الحالية والكساد الكبير" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أفريل ،8001ص.008.
*
:)0169-0299( Herbert Hooverشغل منصب الرئيس الحادي والثالثين للو.م.أ خالل الفترة (.)0100-0181
98
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
اتخاذ إجراءات زادت من حدة الكساد ،كفرض الرسوم الجمركية على التجارة الخارجية،
ورفع أسعار الفائدة للدفاع عن قاعدة الذهب 1.ورفع معدل ضريبة الدخل األعلى إلى 60
بالمائة في قانون اإليرادات لعام 0108وذلك بهدف خفض العجز الفدرالي .كما كان يُعتقد أن
ذلك من شأنه أيضا أن يساهم في استعادة الثقة .وبدال من ذلك أدت الضرائب المرتفعة إلى
تفاقم الكساد 2.ونتيجة لألوضاع االقتصادية السيئة الناتجة عن هذه األزمة ضعفت الثقة في
الرأسمالية غير المقيدة ،وخسر ( )Herbert Hooverاالنتخابات ،حيث صوت األمريكيون
3
لصالح **( )Franklin Rooseveltالذي وعد بأنه سينهي الكساد.
تولى ( )Franklin Rooseveltمنصبه عام ،0100وأطلق برنامج العهد الجديد أو خطة
التحرك الجديد المعروفة بــــــ) (The New Dealلتحقيق االستقرار في النظام المالي
األمريكي ،وتوفير اإلغاثة للمزارعين والوظائف للعاطلين عن العمل ،وبناء شراكات بين
4
القطاعين العام والخاص لتعزيز التصنيع.
-0إصالح النظام المالي األمريكي :كانت البداية بإصدار قانون طوارئ البنوك ( )EBAفي
1مارس 0100والذي يقضي بغلق جميع البنوك ،مع إمكانية إعادة فتحها بمجرد أن يجد
الفاحصون أنها آمنة ماليا .وبالفعل في 00مارس بدأت عملية فتح البنوك ،وفي نهاية
المطاف سمح بف تح نصف البنوك في البالد دون تأهيل ،وتم إعادة فتح ربعها مع بعض القيود
على عمليات السحب ،وخضع خمسها لعملية تنظيم ،بينما تم غلق حوالي 0000بنك 5.كما
نص القانون على تخفيض قيمة الدوالر األمريكي مقابل الذهب ،ولكن في أفريل من نفس
العام أصدر الرئيس األمريكي قرار يمنع األمريكيين االحتفاظ بالذهب وطالبهم بتحويل
الذهب إلى االحتياطي الفدرالي مقابل الدوالر وبذلك خرجت الواليات المتحدة األمريكية من
6
قاعدة الذهب.
وعلى مدى فترة سبع سنوات أعادت الواليات المتحدة األمريكية صياغة تنظيم هياكل
السوق في مجاالت الصيرفة واألوراق المالية ،والنفقات المصرفية ،وإدارة الرهون العقارية
7
واألصول ،وذلك من خالل إصدار قوانين جديدة تنظم النظام المالي األمريكي ،لعل أهمها:
-قانون( :0211 ،)Glass-Steagallفصل الصيرفة التجارية التي تتألف في األساس من
أنشطة اإلقراض وقبول الودائع ،عن الصيرفة االستثمارية التي يزاولها السماسرة ووسطاء
األوراق المالية مثل ضمان االكتتاب والمتاجرة واالستثمار في أسهم وسندات الشركات.
وبموجب هذا القانون "أي بنك يقبل الودائع تقيد أنشطته في مجال تقديم القروض ،بحيث ال
يمكنه أن يستخدم نقود المودعين للمضاربة في أسواق األسهم أو السلع".8
1
.Kimberly Amadeo,"FDR and the New Deal: Programs, Timeline, Did it work?",06/07/2017,
http://www.thebalance.com/fdr-and-the-new-deal-programs-timeline-did-it-work-3305598, last visited 27/12/2017.
2
.Kimberly Amadeo,"Great Depression Timeline: 1929 – 1941", Op.cit.
**
:)0190-0228( Franklin Rooseveltالرئيس الثاني والثالثين للو.م.أ خالل الفترة(.)0190-0100
3
. Kimberly Amadeo," Effects of the Great Depression", Op.cit
4
. Kimberly Amadeo,"FDR and the New Deal: Programs, Timeline, Did it work?",Op.cit.
5
.Eric Rauchway,The Great Depression & the New Deal,A Very Short Introduction, Oxford University
Press, New York, 2016, p.57.
6
. Ibid, p.61.
7
.راندال دود"،إصالح شامل للنظام" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،96العدد ،0سبتمبر ،8001ص
ص.00-08.
.بول كروجمان ،أ ْنهُوا هذا الكساد اآلن ،ترجمة أمينة أحمد إمبابي ،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ،القاهرة ،8000 ،ص28.
8
99
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
كما سمح هذا القانون للبنوك بتوسيع فروعها ،وأنشأ برنامجا للتأمين على الودائع ،حيث
تم بموجبه إنشاء شركة تأمين الودائع الفيدرالية التي تضمن للمودعين عدم خسارة نقودهم إذا
1
ما أفلست البنوك التي يتعاملون معها.
-قانون األوراق المالية :0211 ،أرسى اشتراطات اإلفصاح إلصدار األوراق المالية في
أسواق األوراق المالية ،ووضع حظر ضد التدليس واالحتيال والتالعب في أسواق األوراق
المالية؛
-قانون تداول األوراق المالية :0214 ،أنشأ هيئة األوراق المالية وعمليات البورصة
وفوضها وضع القوانين وإنفاذها .ووسع القانون نظام التنظيم الفيدرالي ليشمل تداول األوراق
المالية في السوق الثانوي؛
-القانون المصرفي :0212 ،أصلح نظام الحوكمة في بنك االحتياطي الفيدرالي ،ووسع
نطاق صالحياته كذلك حدد القانون نسب الضمانة المعروفة باسم فرق ضمان القرض،
وشروط االقتراض من االحتياطي الفيدرالي في حاالت الطوارئ؛
-قانون تداول السلع :0216 ،زاد من الحظر ضد التدليس ووسعه بحيث شمل التالعب،
كما قضى بتسجيل سماسرة العقود اآلجلة ،وحظر التداول في عقود االختيار على سلع
زراعية معينة؛
-قانون شركات االستثمار : 0240 ،نظم الشركات التي تستثمر أساسا في شركات أخرى
مثل صناديق االستثمار ،وقضى بالتسجيل واإلفصاح بما في ذلك المعامالت بين الشركات
وفروعها ،ووضع قواعد لحوكمة الشركات فيما يتعلق باإلدارة التنفيذية ،ومجالس اإلدارة
واألمناء؛
-قانون مستشاري االستثمار :0240،قضى بأن يقوم المستشارين بالتسجيل ورفع التقارير،
وفتح سجالت بعالقاتهم مع عمالئهم ،كما حظر معامالت وترتيبات معينة لألتعاب على
أساس تضارب المصالح؛
لقد حولت هذه القوانين الجديدة النظام المالي األمريكي من نظام هش يقوم على التدليس
واالحتيال و يعاني من األزمات المتواترة ،إلى نظام أكثر استقرارا وكفاءة والقدرة على جمع
2
رؤوس األموال.
-8مكافحة البطالة :كان من ضمن أولويات خطة العهد الجديد محاربة البطالة ،وقد تم اتخاذ
3
العديد من اإلجراءات في هذا المجال يمكن تلخيصها فيما يلي:
-برنامج الرعاية االجتماعية للمدنيين (فيلق رعاية المدنيين" :)"CCCفي 00مارس
،0100أقر الكونغرس األمريكي هذا البرنامج بهدف توظيف الشباب الذين تتراوح أعمارهم
بين 02و 00سنة ،وينتمون إلى أسر فقيرة ،في غرس األشجار لمكافحة تآكل التربة ،الحفاظ
على الغابات ،حماية البيئة من التلوث ،بشكل عام توظيفهم في أنشطة المنفعة العامة مقابل
ثالثون دوالرا للشهر .وتم إسكان هؤالء الشباب في معسكرات ريفية تحت إشراف
4
عسكري ،وقد شارك في هذا البرنامج حوالي مليوني شاب خالل فترة الثالثينيات.
1
.بول كروجمان ،مرجع سابق ،ص.20.
2
.راندال دود ،مرجع سابق ،ص.08.
3
.Eric Rauchway, Op.cit, pp.64-69.
4
.John Hardman, "The Great Depression and the New Deal", https://web.stanford.edu/class/e297c/../, last visited
28/12/2017.
100
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-القانون الفيدرالي لإلغاثة الطارئة :في ماي 0100أصدر الكونغرس القانون الفيدرالي
لإلغاثة الطارئة الذي أنشأ اإلدارة الفدرالية لإلغاثة في حاالت الطوارئ( ،)FERAوتم
تخصيص 000مليون دوالر لتقديم اإلعانات ،وخلق المزيد من الوظائف.
-إدارة األشغال العامة ( :)PWAتم تخصيص 0,0مليار دوالر أمريكي أي ما يعادل 0,1
بالمائة من الناتج الملي اإلجمالي لعام 0100لهذه اإلدارة من أجل تصميم وتنفيذ عدد من
المشاريع العامة ،كبناء المستشفيات ،المدارس ،المالعب ،المطارات ،إنشاء الطرقات ،
اإلسكان ،والصرف الحي،...وقد كان الهدف منها توظيف أكبر عدد ممكن من العاطلين
وبأسرع وقت ممكن للحد من البطالة.
ُ
-إدارة األشغال المدنية ( :)CWAأنشئت في نوفمبر ،0100لتوفير الوظائف في مجال
البناء من حفر الحفر ،إصالح أحواض السفن ،إصالح البنايات ،...وقد تم توظيف أربعة
مليون أمريكي بحلول جانفي .0109
-1اإلصالح الفالحي والصناعي :لقد استهدفت خطة العهد الجديد الرفع السريع لألسعار،
1
وقد تم سن قانونين أساسين يستهدفان الحد من انخفاض األسعار هما:
-قانون التوازن الفالحي ،ماي :0214ويتضمن تقليص المساحات المزروعة مقابل
تعويضات للمزارعين من أجل خفض اإلنتاج ،وبالتالي عودة األسعار إلى االرتفاع ،كما
ينص على منح إعانات مادية للفالحين المدينين؛
وبحلول عام ،0190كان ما يقرب من 6ماليين مزارع يتلقون إعانات بموجب هذا القانون.
كما تم تقديم قروض على المحاصيل الفائضة ،والتأمين على القمح ،ونظام تخزين مخطط
لضمان إمدادات غذائي ة مستقرة .وارتفعت أسعار السلع الزراعية ،مما ترك للمزارع شعور
2
باالستقرار االقتصادي.
-قانون اإلصالح الصناعي ،جوان 0214ويقضي بـــــ:
-وضع حد أدنى لألجور؛
-خفض ساعات العمل األسبوعية لتشغيل أكبر عدد من العمال؛
-تخفيض اإلنتاج؛
-تخفيض الرسوم الجمركية على الصادرات؛
-4اإلصالح االجتماعي 3:من أهم ما جاء في خطة العهد الجديد في المجال االجتماعي قانون
الضمان االجتماعي ( .)SSAففي 09أوت ،0100وقع الرئيس األمريكي على هذا القانون
وقد صرح قائال" :ال يمكننا أبدا ضمان مائة في المائة من السكان ضد مائة في المائة من
األخطار وتقلبات الحياة ،ولكننا حاولنا أن نضع قانونا من شأنه أن يعطي قدرا من الحماية
للمواطن العادي وألسرته من فقدان العمل وضد الفقر والشيخوخة" .وقد تم إنشاء بموجب
هذا القانون برنامجا لدفع دخل للعمال المتقاعدين ( 60عاما أو أكثر) والعاطلين عن العمل
وذوي االحتياجات الخاصة .وقد مول برنامج الضمان االجتماعي إلى حد كبير من الضرائب
المفروضة على دخل العمال .وفي عام 0109أنشئ الصندوق االستئماني للضمان
1
.رفيقة صباغ ،مرجع سابق ،ص.90.
2
.John Hardman, Op.cit.
3
. Kimberly Amadeo," Social Security Trust Fund: History, Solvency, How to Fix It", 31/03/2017,https://www.the
John Hardman,؛ balance.com/social-security-trust-fund-history-solvency-how-to-fix-it-3305890, last visited 29/12/2017
Op.cit.
101
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
االجتماعي إلدارة اإليرادات المحصلة من هذه الضرائب حتى يمكن إعادة توزيعها كإيرادات
للضمان االجتماعي.
لقد نجحت خطة العهد الجديد في دفع االقتصاد األمريكي إلى أوضاع أفضل ،فقد بدأ
في التعافي في عام ،0109حيث نما االقتصاد في المتوسط بمعدل 2بالمائة سنويا من 0100
إلى ،0109و00بالمائة سنويا من ،0190- 0102في حين انخفضت البطالة بشكل مطرد
كذلك 1،حيث سجلت معدل 09,0بالمائة في عام 0109و 1,1بالمائة في عام ،0190كما
2
ارتفعت األسعار بمعدل 8,1بالمائة عام 0109و 8,2بالمائة في عام .0102
على الرغم من أنه لم يكن هناك تنسيق وتعاون دولي لمواجهة الكساد الكبير ،إال أن
جميع البلدان الرأسمالية انتهجت أسلوبا واحدا للخروج من الكساد هو التدخل الحكومي في
الحياة االقتصادية.
ففي انجلترا :تدخلت الحكومة في النشاط االقتصادي وتوسعت في منح اإلعانات
للتخفيف من آثار البطالة والفقر ،ولقد حقق هذا التدخل نتائج ايجابية حيث ارتفع اإلنتاج
3
الصناعي بــــ00بالمائة ،كما انخفض معدل البطالة بـــ9بالمائة.
4
في فرنسا :اعتمدت الحكومة برنامجا إلنعاش االقتصاد يقوم على:
-إنعاش اإلنتاج عن طريق القيام بمشاريع ضخمة؛
-تخفيض ساعات العمل دون تخفيض األجور؛
-عدم اللجوء إلى تخفيض العملة؛
لقد كانت نتائج البرنامج مقبولة حيث ارتفع اإلنتاج الصناعي بـــــ06بالمائة،
وانخفضت البطالة بمقــــدار 02بالمائة خالل الفترة (.)0102-0100
أما ألمانيا ،تبنت خطة أولية لإلنعاش عام ،0100عن طريق ضخ النقود في االقتصاد
على شكل مساعدات مالية لبناء السكنات واألشغال العمومية الكبرى خاصة الطرق ،وقد
تزايدت هذه اإلعانات من 8,0مليار مارك ألماني عام 0100إلى 00,0مليار مارك عام
. 0102سمحت هذه السياسة بتخفيض عدد العاطلين إلى ثالث ماليين عام .0100كما قامت
بتنفيذ خطة رباعية (برنامج السنوات األربع) هدفها تحقيق االكتفاء الذاتي عن طريق تشكيل
محزون من المواد األولية اإلستراتيجية ،رفع إنتاج الصناعات الثقيلة والحربية وتكثيف
5
سياسة اإلحالل.
يتضح مما سبق ،أن أزمة الكساد الكبير أحدثت تغييرا كبيرا في األنظمة االقتصادية
الرأسمالية ،فقد تحول النظام االقتصادي الحر إلى االقتصاد الموجه ،وتغير دور الدولة من
دولة حارسة إلى دولة متدخلة تقيم الصناعات وتوفر الوظائف ،وتمنح اإلعانات للبطالين،
وتوجه الزراعة والصناعة ،وتراقب القطاع المالي.
المطلب الثاني:األزمات في مرحلة بريتون وودز ()0210-0242
سبق القول في الفصل األول أنه قبل نهاية الحرب العالمية الثانية تم عقد مؤتمر دولي-
مؤتمر بريتون وودز -في عام 0199باقتراح من الواليات المتحدة األمريكية ،لمحاولة إيجاد
1
.Eric Rauchway, Op.cit, p.5.
2
.Kimberly Amadeo,"Great Depression Timeline: 1929 – 1941",Op.cit.
3
.بو العيد بعلوج ،وردة جاب الخير"،من األزمة المالية0181إلى األزمة المالية 8002مقارنة واستخالص العبر" ،الملتقى الدولي حول "أزمة
النظام المالي والمصرفي الدولي وبديل البنوك اإلسالمية" ،جامعة األمير عبد القادر ،قسنطينة ،يومي 9-6أفريل ،8001ص.00.
4
.المرجع نفسه ،ص.00.
5
.بو العيد بعلوج ،وردة جاب الخير،مرجع سابق ،ص.00.
102
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
الصيغة المالئمة إلدارة النظام االقتصادي الدولي .حيث تم في هذا المؤتمر مناقشة قواعد
السلوك النقدي الذي يتعين االمتثال لها في فترة ما بعد الحرب ،وتم االتفاق في هذا المؤتمر
على نظام قاعدة سعر الصرف الثابت للدوالر ،حدد سعر الدوالر األمريكي بالذهب (00
دوال را لألوقية) ويتم تحديد سعر كل العمالت األخرى مقابل الدوالر األمريكي بسعر صرف
ثابت ،مع التزام الواليات المتحدة األمريكية بتحويل الدوالر إلى ذهب ألي دولة تطلب ذلك
عند السعر المحدد.
وهكذا أصبح الدوالر في نفس مستوى الذهب( من حيث القبول العام كاحتياطي دولي).
بل أن الدوالر كان مطلوبا أكثر من الذهب خاصة وأن اقتصاديات أوروبا واليابان فيما بعد
الحرب لم تكن تقوى على التصدير وكانت في حاجة كبيرة لالستيراد لتلبية حاجاتها المعيشية
وكذا حاجاتها إلعادة البناء .ولقد أدى ذلك الوضع إلى جعل الدوالر يتوسط النظام النقدي
1
الدولي.
لقد عرف االقتصاد العالمي في ظل نظام بريتون وودز نموا مزدهرا بقيادة البلدان
الرأسمالية ،التي شهدت انتعاشا واضحا في تراكم رأس المال ،وارتفاعا ملموسا في معدالت
النمو االقتصادي ،ودرجة عالية من االستقرار النقدي 2،ولكن منذ منتصف الستينيات شهد
هذا النظام عددا من الهزات والصدمات النقدية التي تسببت في إضعافه من أهمها:
أوال :أزمة الذهب (الصدمة الذهبية مارس ،)0262في عام 0160بدأت تظهر أولى بوادر
أزمة الذهب ،إذ ارتفع سعر األوقية في سوق لندن إلى 90دوالر بدال من 00دوالر(السعر
الرسمي المتفق عليه) بعد اشتداد عمليات المضاربة وانفجار الطلب عليه .عندئذ عقدت
الواليات المتحدة األمريكية مؤتمرا لمناقشة هذه األزمة واقترحت إنشاء مجمع الذهب ،وهو
عبارة عن صندوق مشترك بين البنوك المركزية لــــ(الواليات المتحدة األمريكية بريطانيا،
فرنسا ،ألمانيا الغربية ،هولندا ،السويد ،سويسرا) ،لتكون مهمته تثبيت سعر الذهب ،بمعنى
إذا زاد الطلب عن العرض في السوق الحرة للذهب تدخلت هذه البنوك عن طريق بنك
انجلترا لتعويض فائض الطلب من خالل بيع كميات إضافية من الذهب ،واتفقت هذه البلدان
على أن تكون أرصدة هذا الصندوق مقسمة بنسبة 00بالمائة للواليات المتحدة األمريكية ،و
00بالمائة للبلدان األوروبية ،وتقوم الواليات المتحدة بتعويض البنوك المركزية األوروبية
عما تفقده من ذهب في عمليات البيع من خالل إعطائها المزيد من الدوالرات المساوية لقيمة
هذا الذهب بسعر 00دوالر لألوقية ،وقد تعهدت البلدان األوروبية بعدم تحويل أرصدتها
3
الدوالرية إلى ذهب من بنك االحتياطي الفيدرالي األمريكي.
ولكن أطلقت شرارة هذه األزمة عندما طالبت فرنسا وزارة الخزانة األمريكية بصرف
*
الدوالرات الورقية التي كانت بحوزتها ذهبا ،وطالب الرئيس الفرنسي ( Charles de
)Gaulleالتخلي عن قاعدة الصرف بالدوالر والعودة إلى نظام قاعدة الذهب وذلك بسبب
عدم رضاه عن توسع الواليات المتحدة في اإلصدار النقدي مستغلة تقبل البلدان األخرى
الدوالرات كعملة احتياط ،ثم خروج فرنسا من مجمع الذهب في عام .0169وبعد هذه
الشرارة التي أطلقها ( ،)de Gaulleحدثت موجة عارمة لسحب الذهب من الواليات المتحدة
.1عبد العزيز قادري ،صندوق النقد الدولي (اآلليات والسياسات) ،دار هومة ،الجزائر ،8000 ،ص.80.
.2رمزي زكي ،االقتصاد السياسي للبطالة ،مرجع سابق ،ص.90.
3
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص.061.
*
:)0190-0210( Charles de Gaulleزعيم سياسي وقائد عسكري فرنسي ،تولى رئاسة الحكومة ثم رئاسة الدولة خالل الفترة (-0101
.)0161
103
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
األمريكية من مختلف بلدان العالم وخاصة بلدان أوروبا الغربية ،فارتفعت أسعار الذهب في
األسواق الحرة وخصوصا في شهر مارس ( 0162شهر أزمة الذهب) ،ولم تفلح جهود
مجمع الذهب في وقف المضاربات المتصاعدة ،وقد تراوحت كمية الذهب التي بيعت في 09
مارس 0162مابين 000إلى 800طن .وهكذا فقدت بلدان أوروبا والواليات المتحدة كميات
هائلة من أرصدتها الذهبية ،مما اضطرها في النهاية إلى غلق مجمع الذهب في اجتماع
واشنطن 09مارس 0162وتم االتفاق على ترك سعر الذهب يتحدد بناءا على العرض
والطلب ،على أن تلتزم الواليات المتحدة بشراء وبيع الذهب من البنوك المركزية بسعر 00
1
دوالر ،كما تعهدت البلدان األوروبية بعدم بيع الذهب في األسواق الحرة.
ثانيا :األزمات النقدية (بريطانيا ،فرنسا ،ألمانيا) ،رغم إغالق مجمع الذهب والقرارات التي
أعلنت في اجتماع واشنطن ،إال أنه تواصلت حركات المضاربة على العمالت والذهب في
2
بلدان أوروبا الغربية وخاصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا مما عرضها إلى أزمات نقدية:
في بريطانيا :أدى ضعف الجنيه اإلسترليني عام 0160إلى طلب الحكومة من صندوق
النقد الدولي قرضا مقداره 0,0مليار دوالر ،ثم تعرضت إلى أزمة مضاربات أخرى في
أكتوبر 0169أدت إلى طلب قرض جديد مولته مجموعة العشرة* .ورغم قيام الحكومة
بزيادة القيود على سياساتها المتعلقة بالميزانية إال أنها تعرضت ألزمة أخرى عام ،0169
وهو ما جعل وضع مخطط إنقاذ مالي شيئا ضروريا ،وقد تم تمويل هذا المخطط من الخزانة
األمريكية وبنوك مركزية أخرى .ولم يستقر الوضع ،ففي صيف 0169تعرض الجنيه إلى
عدة ضغوط في ظروف تميزت بقضية قناة السويس وباألزمة االجتماعية الناشئة عن
إضراب عمال الموانئ ،مما أدى إلى التخفيض من قيمة الجنيه اإلسترليني في نوفمبر
0169بنسبة 09,0بالمائة واقترضت من صندوق النقد الدولي 0,9مليار دوالر.
في فرنسا :بعد التخفيض من قيمة الفرنك الفرنسي سنة 0102ومخطط االستقرار
الذي وضع سنة 0160وما ترتب عنهما من استقرار وتوسع اقتصاديين ،عرفت فرنسا سنة
0162مظاهرات طالبية وإضرابات دفعت الحكومة الفرنسية إلى اتخاذ تدابير بهدف القضاء
على التذمر من خالل الزيادة في األجور ،غير أن كل ذلك هز الثقة في الفرنك الفرنسي،
وأدى إلى خروج رؤوس األموال ،مما أدى إلى فقدان الخزينة الفرنسية نصف احتياطاتها في
ظرف ستة أشهر .وبعد اجتماع مجموعة العشر في نوفمبر 0162والطلب من فرنسا
التخفيض من قيمة عملتها ،قامت فرنسا 01أوت 0161بالتخفيض بنسبة 08,0بالمائة.
أما في ألمانيا :فقد اشتدت عمليات المضاربة على المارك فقررت الحكومة األلمانية
تعويم العملة مخالفة بذلك قواعد بريتون وودز ،فارتفع سعره بنسبة 2بالمائة.
رغم حدة هذه األزمات إال أنها لم تودي بانهيار نظام بريتون وودز .لكن تطور
األحداث وتعرض الدوالر األمريكي للمضاربة أدى إلى انهيار هذا النظام في أوت -.0190
وهذا ما سيتم التطرق له في المطلب الموالي-
1
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص ،090.ص ص.800-800.
.2عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص ص 88-80.؛ رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص.808.
*
مجموعة العشرة :هي مجموعة البلدان التي اتفقت على المشاركة في االتفاقات العامة لالقتراض*) ، (GABوهي ترتيب لالقتراض التكميلي
يمكن اللجوء إليه إذا أوضحت التقديرات أن موارد الصندوق أقل من احتياجات البلد العضو .وقد أنشئت هذه االتفاقات في عام ،0168حين اتفقت
حكومات ثمانية بلدان أعضاء – هي بلجيكا وكندا وفرنسا وإيطاليا واليابان وهولندا والمملكة المتحدة والواليات المتحدة – والبنك المركزي في بلدين
آخرين ،هم ا ألمانيا والسويد ،على إتاحة موارد للصندوق بحيث يمكن أن يسحب منها المشاركون ،كما يمكن أن يسحب منها غير المشاركين في
ظروف معينة .وقد زادت قوة مجموعة العشرة في عام 0169حين شاركت فيها سويسرا التي لم تكن بعد عضوا في الصندوق ،ولكن اسم مجموعة
العشرة ال يزال دون تغيير.
104
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
1
.عرفان تقي الحسيني ،التمويل الدولي ،دار مجدالوي للنشر ،ع ّمان ،0111 ،ص.880.
2
.فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص.092.
3
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص ص 80-89.؛ رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص ص.069-066.
105
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-بعد أن تجاوزت البلدان األوروبية عجزها وتحولت إلى اقتصاديات ذات فوائض،
اكتشفت أن اتجاهها نحو تركيم الدوالر األمريكي كاحتياطات دولية كان مفرطا ،فاندفع
الكثير منها – وخاصة فرنسا -لتحويل ما لديها من دوالرات إلى ذهب.
-ن جم عن اندفاع هذه البلدان لتحويل ما لديها من دوالرات فائضة إلى ذهب على أساس
السعر المعلن عنه في بريتون وودز ،خروج كميات كبيرة من الذهب من الواليات المتحدة،
وهكذا انخفضت احتياطاتها من الذهب من 99بالمائة من إجمالي احتيــاطات العالم
الرأسمــالي عقب الحــرب العــالمية الثـــانية إلى حــــوالي 80بالمائة في مطلع
1
السبعينيات.
وهكذا أدت هذه العوامل مجتمعة إلى فقدان الثقة في الدوالر األمريكي وفي قدرة
الواليات المتحدة على تحويل تلك الدوالرات إلى ذهب بالسعر الرسمي ،فاشتدت المضاربة
على الدوالر وعندما أصبح األمر ال يمكن وقفه أعلن الرئيس األمريكي في 00أوت 0190
بعدم التزام بلده بتحويل الدوالر إلى ذهب ،وأن الدوالر أصبح معوما .وقد كان هذا القرار
2
بمثابة إعالن عن انهيار نظام بريتون وودز.
3
-8أهم نتائج هذه األزمة:
-بعد انفجار األزمة بإعالن الواليات المتحدة األمريكية وقف تحويل الدوالر إلى ذهب،
ع ّمت فوضى كبيرة في النظام النقدي الدولي لمدة ثالثة أشهر ،فقد لجأت بعض البلدان
األوروبية إلى تعويم عمالتها مما أدى إلى رفع قيمها بنسب متفاوتة ،وقامت فرنسا بإنشاء
سوقين لعملتها ،أحدهما للمعامالت التجارية التي بقيت تجري بالقيمة االسمية للفرنك ،والثاني
للمعامالت المالية حيث سمح لسعر صرف الفرنك بالتعويم ،كما اتخذت بلدان أوروبية أخرى
إجراءات مختلفة في هذا االتجاه أو ذاك.
-خفض القيمة الذهبية للدوالر ،بعد المباحثات التي أجرتها مجموعة العشرة في 02ديسمبر
0190في معهد ) ،)Smithsonianحيث تم االتفاق على رفع قيمة األوقية الواحدة من الذهب
من 00دوالر إلى 02دوالر ،كما تم االتفاق على السماح ألسعار الصرف أن تتذبذب في
حدود 8,80بالمائة صعودا وهبوطا ،وقد استقرت أسواق الصرف نوعا ما خالل الربع
األول من عام 0198وحتى منتصف جوان من ذلك العام.
-اس تمرار حصول عجز كبير في ميزان المدفوعات األمريكي ،لقد كان متوقعا أن يحدث
تدفق في رؤوس األموال نحو الواليات المتحدة بعد ما تم االتفاق عليه في ديسمبر ،0190إال
أن اختالف أسعار الفوائد بين أسواق النقد األمريكية واألوروبية منع مثل هذا التدفق ،وأدى
إلى استمرار العجز في ميزن المدفوعات األمريكي والى خلق إضافات جديدة إلى األرصدة
الدوالرية المحتفظ بها في الخارج لدى السلطات النقدية.
-تعرض الدوالر األمريكي إلى ضغوط شديدة أدت إلى تخفيضه للمرة الثانية في أقل من
أربعة عشر شهرا وذلك في فيفري 0190بنسبة 00بالمائة مما رفع من القيمة الرسمية
للذهب من 02دوالر إلى 98,88دوالر لألوقية ،وقد أدى ذلك إلى وقوع هجمة مضاربية
على الدوالر ،ومن ثم أغلقت أسواق الصرف األجنبي ألكثر من أسبوعين .وعندئذ قررت
ستة بلدان أوروبية (فرنسا ،ألمانيا الغربية ،هولندا ،بلجيكا ،الدانمرك ،لوكسمبورغ) في
1
.فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص. 092.
2
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص.809.
3
.هيل عجمي الجنابي ،مرجع سابق ،ص ص ،008-000.ص.080.
106
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
مارس 0190تعويم عمالتها مقابل الدوالر والين الياباني وغيرهما من العمالت على أن
تقوم بتثبيت أسعارها اتجاه بعضها البعض ،وقامت كل من بريطانيا ايطاليا ،ايرلندا بتعويم
عمالتها .انعكست هذه التطورات على أسعار الذهب حيث ارتفع سعره من 29دوالر لألوقية
عام 0190إلى أكثر من 010دوالر في أواخر عام 0190واستمرت الضغوط
واالضطرابات في أسواق الصرف خاصة بالنسبة للدوالر األمريكي والجنيه اإلسترليني
والمارك األلماني والفرنك الفرنسي طيلة الفترة(.)0190-0190
-أدرك الجميع ضرورة إعادة النظر في النظام النقدي الدولي ،فتم عقد مؤتمر في جاميكا
عام 0196تم بموجبه إخراج الذهب من نظام النقد الدولي ،وإنهاء عصر ثبات أسعار
الصرف ،حيث ساد العالم سياسات صرف مختلفة ،فقد تم تعويم بعض العمالت ،والبعض
اآلخر ربط بعملة واحدة أو بسلة من العمالت .واستمر الدوالر في مباشرة دوره كعملة
االحتياط الدولية.
وهكذا بدأت مرحلة من الفوضى النقدية ،تسببت في حالة من عدم االستقرار النقدي
والمالي لالقتصاد الرأسمالي العالمي 1،الذي عرف تزايدا كبيرا في عدد األزمات المالية
واالقتصادية .فخالل الفترة الممتدة من 0190وحتى 8000شهد االقتصاد العالمي حوالي
900أزمة ،وقد ك انت أزمات العمالت (األزمات النقدية) هي األكثر انتشارا ،إذ استأثرت
بنصف هذه األزمات .واستأثرت األزمات المصرفية وأزمات الديون بالنصف المتبقي
وخالل هذه الفترة سجلت بلدان عديدة انخفاضات كبيرة في نموها بسب األزمات المالية .ومر
االقتصاد العالمي أيضا بفترات من االنقطاعات الشديدة في النمو ،ففي كل عقد بعد الستينيات
2
كان هناك ركود عالمي:
في عقد السبعينيات :دخول اقتصادات البلدان الرأسمالية الصناعية في ركود عام 0199
سبقته صدمة نفطية عام 0190؛
-في عقد الثمانينيات :أدى توقف بعض دول أمريكا الالتينية عن دفع أقساط ديونها
إلى ركود عام سنة 0128؛
-في عقد التسعينيات :ركود 0110الذي تزامن مع العديد من االضطرابا ت
االقتصادية والمالية الشديدة في اليابان وعدد من البلدان األوروبية؛
-في العقد األول من القرن الحادي والعشرين :ركود 8001الذي بدأ بوقع أزمة مالية
في الواليات المتحدة األمريكية؛
وسيتم التطرق بالتفصيل إلى كل هذه األزمات وغيرها في المطالب المتبقية في هذا
المبحث وفي المبحث الثالث.
ثانيا :أزمة الطاقة (صدمتي النفط 0190و ،) 0191لقد استطاعت البلدان الصناعية في
الماضي وفي مقدمتها الواليات المتحدة أن تحصل على النفط ألمد طويل بثمن بخس،
حيث بلغ سعر برميل النفط في بداية القرن العشرين 0,8دوالر ،وفي سنة 0190بلغ
سعره 0,61دوالر ،األمر الذي يمثل ثباتا غير منطقي في أسعار النفط ،وقد ساعد على
1
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص.880.
2
.أيهان كوسي ،إزغي أوزترك ،مرجع سابق ،ص.01.
107
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
ذلك قوة االحتكارات البترولية التي سيطرت سيطرة شبه تامة على مصادر البترول
1
وخاصة في الشرق األوسط.
وعندما قامت حرب أكتوبر 0190تغيرت األوضاع واستعادة البلدان المصدرة
قدرتها على تحديد أسعار النفط ،ففي 06أكتوبر 0190اجتمعت ست دول عربية في
المنظمة العربية للدول المصدرة للبترول ( ،(OAPECوقررت رفع أسعار النفط من 0,0
دوالر إلى 0,08دوالر ،وفي 89 – 80ديسمبر اجتمعت مرة أخرى وقررت رفع األسعار
إلى 00,60دوالر ،وكانت هذه الصدمة النفطية األولى ،وبعدها في عام 0191مع الثورة
2
اإليرانية حدثت الصدمة الثانية حيث ارتفع سعر النفط إلى 86دوالر للبرميل.
3
-0أسباب أزمة الطاقة :يمكن حصر أهم أسباب صدمتي النفط األولى والثانية في:
-أزمة الدوالر والنظام النقدي الدولي :الشك في أن هذه األزمة النقدية قد سبقت األزمة
النفطية وكانت إلى حد ما مسؤولة عنها ،فعندما تم تخفيض الدوالر مرتين تم بذلك في الواقع
أمران:
األول :تخفيض فعلي لقيمة احتياطات النقد األجنبي لدى البلدان النفطية؛
الثاني :تخفيض واقعي ألسعار النفط؛
ومن هنا كان البد من التدخل على األقل لتصحيح هذه األسعار التي كانت في الواقع دون
المستوى الذي تفرضه اعتبارات العرض والطلب.
-نجاح دول ( (OAPECبعد اندالع حرب أكتوبر 0190في رفع أسعار النفط عالميا،
وبذلك صححت عالقات التبادل في السوق الرأسمالية العالمية ،وينتهي بذلك عصر الرخس
الشديد لموارد الطاقة.
-8نتائج أزمة الطاقة :لقد ترتب عن هذه الصدمات النفطية ظواهر جديدة أثرت في
4
االقتصاد الدولي أهمها:
-تغير موازين القوى بين الواليات المتحدة من ناحية ومجموعة بلدان غرب أوروبا
واليابان من ناحية أخرى حيث أدى ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة كلفة الطاقة بشكل واضح
في المجموعة الثانية التي تعتمد إلى حد كبير على النفط المستورد مقارنة بالواليات المتحدة،
فأوروبا تستورد 16بالمائة من احتياجاتها من الطاقة ،أما اليابان فمضطرة الستيراد 11
بالمائة منها.
-ارتفاع أسعار النفط أضاف عنصرا جديدا إلى أسباب التضخم من خالل انعكاسه على
التكاليــف فلقد أدى ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع تكلفة الطاقة وفاتورة واردات البلدان
الصناعية من حوالي 82مليار دوالر عام 0190إلى 000مليار دوالر عام 0120أي أنها
ارتفعت بحوالي عشرين مرة.
أدت عملية رفع أسعار النفط إلى تمتع الدوالر بميزة نسبية بين العمالت ألخرى نتيجة
الوضع األمريكي المتميز في كل من سوق النفط العالمية إنتاجا واستهالكا ،وسوق الصرف
العالمية للدوالر.
1
.حازم الببالوي ،النظام االقتصادي الدولي المعاصر ،مرجع سابق ،ص.28.
2
.حازم الببالوي ،النظام االقتصادي الدولي المعاصر ،مرجع سابق ،ص ص.29-20.
3
.فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص ص 096-090؛ رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص.809.
4
.حازم الببالوي ،النظام االقتصادي الدولي المعاصر ،مرجع سابق ،ص ص ،20-29.ص ص 10-21.؛ رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف،
مرجع سابق ،ص809.؛ فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص ص.096-090.
108
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-اختالل هيكلي جديد في موازين المدفوعات .لقد كان هذا الهيكل قبل األزمة قائما
بشكل عام على تحقيق فائض معقول في موازين مدفوعات البلدان الصناعية يقابله عجز
كبير في موازين مدفوعات البلدان النامية ،وقد تغير هذا الهيكل كليا بعد األزمة فعرفت
البلدان النامية المصدرة للنفط فائضا في موازين مدفوعاتها ،قابله عجز شديد لدى البلدان
الصناعية المستوردة للنفط.
-حققت البلدان المصدرة للنفط فوائض مالية كبيرة في موازين مدفوعاتها بلغت في
عام 0199حوالي 60مليار دوالر وهي تمثل ثلث حجم االستثمار اإلجمالي في أكبر اقتصاد
في العالم( الواليات المتحدة األمريكية) الذي بلغ في 0199حوالي 800مليار دوالر .إال أن
خطط التوسع في اإلنفاق االستثماري واالستهالكي في تلك البلدان لم تستطع استيعاب هذه
المقادير الكبيرة من اإليرادات ،وهنا سارعت أجهزة ومؤسسات النقد العالمية إلى إعادة
تدوير هذه األموال إليها .وبالفعل اتجه الشطر األعظم من تلك الفوائض لالستثمار في
السندات التي طرحها صندوق النقد والبنك الدوليين وسندات الخزينتين األمريكية
والبريطانية ،وهكذا صاحبت الزيادة في الفوائض البترولية زيادة كبيرة في األصول المالية،
دون تغير ملموس في االستثمار العالمي الحقيقي.
-تباطؤ النمو االقتصادي في أغلب البلدان الصناعية الرأسمالية ،رغم أنه كان أمرا
واقعا في عام 0190قبل أن يقع التطور المفاجئ في أسعار الطاقة في نهاية العام ،ولكن
عندما ارتفعت أسعار النفط للمرة الثانية عام 0191تبع ذلك ركود عالمي أعمق وأطول من
ركود عام 0199مما أدى إلى طلب أقل على النفط ،وانهارت أسعاره فيما بعد انهيارا لم
يسبق له مثيل في عام 0126فيما عرف بالصدمة العكسية ،وفقدت دول مجموعة
( (OAPECسيطرتها على السوق واألسعار.
ثالثا :أزمة الركود التضخمي ،شهد العالم الرأسمالي بدءا من عام 0199ظاهرة جديدة
تمثلت في انخفاض معدالت النمو وارتفاع معدالت البطالة من جهة وارتفاع معدالت التضخم
من جهة ثانية ،عرفت بظاهرة الركود التضخمي ،وتطورت هذه الظاهرة في أرضية متأزمة
بفعل أزمة النظام النقدي الدولي 0190و صدمات النفط 0190و ،0191واستمرت فترة
طويلة من الزمن ،حتى منتصف الثمانينيات.
-0جذور وأسباب األزمة :تعود جذور هذه األزمة إلى النصف الثاني من الستينيات ومطلع
السبعينيات من القرن العشرين ،حيث تجمعت مجموعة من المؤشرات التي يمكن حصرها
1
في النقاط التالية:
-انخفــاض معــدالت النمــو االقتصــادي في الــبلدان الرأسمالية المتقدمة من 0,0
بالمائة عام 0162إلى 0,0بالمائة في عام ،0190وزادت حدة الركود عام 0199حيث
تدنى معدل النمو االقتصادي في هذه البلدان إلى أدنى مستوى له منذ نهاية الحرب العالمية
الثانية ليسجل 0,8بالمائة.
-تراجع معدالت نمو الصادرات من 00بالمائة في عام 0162إلى 0بالمائة في عام
.0190
1
.هيفاء عبد الرحمن التكريتي ،مرجع سابق ،ص ص 99-96.؛ رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص ،881.ص ص-809.
801؛فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص ص ،001-000ص ص ،029-020.ص.029.
109
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-ارتفاع أسعار الفائدة منذ منتصف الستينيات لتصل في عام 0199إلى 9بالمائة في
كل من الواليات المتحدة وألمانيا الغربية 2 ،بالمائة في بلجيكا وهولندا 1 ،بالمائة في اليابان،
و 00بالمائة في الدانمرك ،و 00بالمائة في فرنسا و 08بالمائة في بريطانيا.
-اتجاه معدالت الربح إلى التدهور ،ففي الواليات المتحدة انخفض معدل الربح من
82,9بالمائة في الفترة ( )0198-0160إلى 02,0بالمائة في الفترة ( .)0128-0190وفي
ألمانيا الغربية انخفض من 89,1بالمائة إلى 00,2بالمائة في الفترة نفسها.
-زيادة المعروض النقدي بدءا من عام ،0160ففي الواليات المتحدة زاد عرض
النقود بمعدل 9بالمائة ثم بمعدل 9,0بالمائة في العام التالي ثم 6,9بالمائة في 0169و 9,9
بالمائة في عام .0162وبالرغم من أن معدل الزيادة في العرض النقدي قد انخفض عام
0161إلى 0,2بالمائة إال أنه عاود االرتفاع في عام 0190إلى 0,0بالمائة وواصل
ارتفاعه ب عد ذلك .ولقد حدث نفس الشيء في البلدان الرأسمالية األخرى ،ففي عام 0162
عندما ارتفع المعروض النقدي في الواليات المتحدة بــــ 9,9بالمائة ،ارتفع في اليابان
بـــــــــ09,8بالمائة وفي ايطاليا بــــ 00,9بالمائة ،وفي سويسرا بـــــــ00,8بالمائة ،وهولندا
1,0بالمائة ،ألمانيا الغربية 2,9بالمائة ،بريطانيا 9,0بالمائة.
-انطوى نظام بريتون وودز على آلية تضخمية واضحة بسبب اتخاذ الدوالر األمريكي
كعملة االحتياط الدولية ،وقد أدى ذلك إلى خلق إفراط في السيولة الدولية مصدرها العجز
المستمر في ميزان المدفوعات األمريكي .والواقع أن تلك اآللية استمرت أيضا بعد انهيار
نظام بريتون وودز بسبب قيام الدوالر بالدور نفسه ،واستمرار العجز في ميزان المدفوعات
األمريكي.
-سببت هذه البيئة الدولية حالة من التضخم المستمر على الصعيد الدولي ،دعمتها تلك
الميول التضخمية القوية التي انبثقت عن البيئة المحلية في البلدان الرأسمالية المتقدمة .فبعد
الحرب العالمية الثانية أصبح التضخم سياسة فعلية في أغلبية هذه البلدان سعيا وراء زيادة
األرباح فقد سعت االحتكارات إلى استخدام سياسة رفع األسعار بانتظام لزيادة معدل الربح
بحجة أن االرتفاع العام لألسعار يشجع على اإلنتاج .كما أضاف ارتفاع أسعار النفط عنصرا
جديدا إلى أسباب التضخم من خالل انعكاسه على التكاليــف ،فلقد أدى ارتفاع أسعار النفط
إلى ارتفاع تكلفة الطاقة وفاتورة واردات البلدان الصناعية التي قامت بتعويضها أضعافا
مضاعفة من خالل االرتفاع المتعمد والمغالى فيه في أسعار السلع .وهكذا انفجرت قوى
التضخم في هذه البلدان وتسارعت الزيادة في معدالت نمو األسعار المحلية وعلى األخص
في السبعينيات ،فخالل الفترة ( )0190-0190بلغ معدل الزيادة في األسعار ضعف معدل
الزيادة السنوية المسجلة خالل عقد الستينيات بأكمله .وفي عام 0199تصاعدت معدالت
التضخم بشكل أكثر حدة ،حيث بلغت 00بالمائة في الواليات المتحدة ،و 06بالمائة في
بريطانيا ،و 89,0بالمائة في اليابان.
-صاحب انخفاض معدالت النمو االقتصادي في البلدان الرأسمالية ،وارتفاع معدالت
التضخم ،ارتفاع كبير في معدالت البطالة ،ففي الواليات المتحدة ارتفع معدل البطالة من 6,0
بالمائة في النصف األول من السبعينيات إلى 6,2بالمائة في النصف الثاني ،وبلغ في عام
9,6 0120بالمائة ،حيث كان معدل النمو االقتصادي بها سالبا( في حدود 0,0-بالمائة)
وعجز ميزان مدفوعاتها قُ ِّدّر بـــــــــ 2,1مليار دوالر ومعدل التضخم بلغ 00بالمائة.
110
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-8السياسة المتبعة لمواجهة األزمة :كانت السياسة االقتصادية التي طبقتها الواليات
المتحدة ( في عهد الرئيس ( ،)Ronald Reaganوباقي البلدان الرأسمالية تتلخص في األمور
1
الجوهرية التالية:
-األولوية المطلقة في السياسة االقتصادية يجب أن تعطى لمحاربة التضخم .ولتحقيق هذا
الهدف البد من تقليل معدل نمو العرض النقدي على نحو تدريجي ،ويكون ذلك من خالل
زيادة سعر الفائدة وتحجيم االئتمان المصرفي.
ال يمكن عالج التضخم المرتفع في ظل التوقعات التضخمية الكبيرة التي تحكم قرارات
المنتجين ورجال األعمال والمستهلكين إال في ظل فترة قاسية تتزايد فيها البطالة حتى
تنخفض األجور وما إن تنجح الحكومة في خلق الثقة بإجراءاتها الصارمة لمكافحة التضخم،
سوف تنحصر هذه التوقعات ويصبح من السهولة تحقيق االستقرار السعري.
للقضاء على اإلفراط في عرض النقود يجب إحداث تخفيض كبير في اإلنفاق الحكومي في
الم جاالت غير الحربية بحيث يتم تحجيم دور الدولة باستمرار في الحياة االقتصادية ،وعودة
الحرية االقتصادية المطلقة وتحويل الموارد إلى القطاع الخاص ،ويكون هذا من خالل تقليل
اإلنفاق العام الموجه للمصروفات االجتماعية (التعليم ،الصحة،إعانات البطالة ،)...وتقليل
التوظيف الحكومي ،ومشروعات األشغال العامة.
-إنعاش جانب العرض ،عن طريق زيادة االستثمار واإلنتاج ،ويتم ذلك من خالل خفض
كبير في معدالت الضرائب على الدخول والثروات وذلك لحفز وتشجيع المنتجين
والمستثمرين.
لقد نجحت البلدان الرأسمالية في كبح حدة التضخم من خالل هذه السياسة التي طبقتها،
فانخفضت معدالت التضخم من 2,8بالمائة في المتوسط في الفترة( )0120-0196إلى 0,2
2
بالمائة في المتوسط في الفترة ( )0120-0120ووصلت إلى 0,0بالمائة في عام .0126
ولكن كان ذلك على حساب االحتفاظ بمعدالت مرتفعة للبطالة ،حيث بلغت 08بالمائة في
3
دول أوروبا الغربية و 00بالمائة في الواليات المتحدة.
بتطبيق هذه السياسة تخلت البلدان الرأسمالية عن الفكر الكينزي لترفع من جديد شعار
الحرية االقتصادية وتقليص الدور االقتصادي للدولة بما في ذلك الدور اإلشرافي والتنظيمي
والرقابي لتعود إلى طبعتها المتحررة وغير المنضبطة من جديد.
ما يمكن قوله عن أزمات عقد السبعينيات أنها أزمات ليست منفصلة عن بعضها
البعض ،بل هي متشابكة ومتداخلة انفجار إحداها سبب النفجار األخرى .فقد كانت أزمة
الدوالر و انهيار النظام النقدي الدولي أحد األسباب التي أدت إلى الصدمات النفطية ،وكانت
كل من أزمة الطاقة وأزمة الدوالر من أهم العوامل التي دفعت بالبلدان الرأسمالية إلى
الوقوع في مصيدة الركود والتضخم معا (الركود التضخمي ) الذي دام حوالي عقد من
الزمن .وحين تبنت هذه البلدان توصيات السياسة النيوليبرالية للخروج منه .انتهى عصر
رأسمالية دولة الرفاه وأ ُ ْخ ِّرجت الدولة نهائيا من الحياة االقتصادية.
المطلب الرابع :أزمات عقد الثمانينيات
1
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص ص.800-881.
2
.فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص.001.
3
.هيفاء عبد الرحمن التكريتي ،مرجع سابق ،ص ص.20-28
111
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
شهد عقد الثمانينيات من القرن العشرين عدة أزمات مالية في البلدان النامية والمتقدمة ،كان
أبرزها أزمة المديونية العالمية والتي انفجرت في النصف األول من العقد ،وأزمة ( Wall
)Streetالتي انفجرت في أكتوبر 0129وتسببت في انهيار البورصات العالمية.
أوال :أزمة المديونية العالمية ،0228إن مشكلة المديونية تتعرض لها كل من البلدان النامية
والمتقدمة ،إال أن البلدان المتقدمة لها القدرة على أن تتكيف مع الوضع عكس البلدان النامية
التي ال تستطيع أن تتكيف مع الوضع فتتحول المديونية إلى أزمة مالية .كما حدث في عام
0128حين أعلنت المكسيك عدم قدرتها على الدفع ،ثم تبعتها بلدان مدينة أخرى ،حيث لم
يستطع ستون بلدا من بين مائة بلد مدين الوفاء بالديون في مواعيدها 1.وفيما يلي محاولة
للتعرف كيف تطورت مديونية هذه البلدان وأهم العوامل التي ساهمت في تفاقمها:
-0تطور المديونية الخارجية للبلدان النامية :تضاعفت المديونية الخارجية للبلدان النامية
منذ الستينيات من القرن العشرين ،ففي عام 0160كانت مديونية هذه البلدان تقدر بحوالي
09مليار دوالر ،ثم أصبحت 00مليارا في عام ،0160و 90مليارا في عام ،0190ثم
ارتفعت بنسبة 002بالمائة خالل الفترة ) )0190-0190لتصل إلى 066,9مليار دوالر
واستمرت في االرتفاع لتبلغ عام 0120ما مقداره 602مليار دوالر أي بنسبة زيادة قدرها
819,2بالمائة ،ثم بدأت نسبة الزيادة تتباطأ بعد ذلك لتسجل زيادة قدرها 99, 6بالمائة خالل
الفترة ( )0120-0120وذلك بسبب توقف األطراف الدائنة ( أسواق اإلقراض الدولية) في
منح قروض جديدة لبعض البلدان المدينة .وتشددهم في شروط اإلقراض الجديد .و الجدول
الجدول رقم ( :)08الديون التالي يوضح تتطور المديونية الخارجية لهذه البلدان.
الخارجية للبلدان النامية
خالل الفترة ()0220-0260
الخارجية(مليار نسبة الزيادة % الديون إجمالي السنة
دوالر)
17 1960
76.4 30 1965
000,0 70 1970
002,0 066,9 1975
819,2 602,8 1980
99,6 108,0 1985
01,9 0002,0 1990
المصدر :من إعداد الطالبة باالعتماد على:
-عبد الكريم شنجار العيساوي ،عبد المهدي العويدي ،السيولة الدولية في ظل األزمات االقتصادية والمالية،
دار صفاء للنشر والتوزيع ،ع ّمان ،8009 ،ص.016.
-إياد حماد عبد "،أزمة المديونية الخارجية للبلدان النامية أسبابها وسبل مجابهتها" ،مجلة جامعة األنبار،
كلية اإلدارة واالقتصاد ،العدد ،8002 ،8ص.0.
و طبقا لبيــانـــات صنــدوق النقــد الــدولي فإن أمريكـــا الالتينية كانت في مقدمة
القــارات المـــدينة بنسبـــة 96بالمائة تليها آسيا بنسبة 82بالمائة ،ثم إفريقيا بنسبة 06
2
بالمائة .
1
.يوسف مسعداوي ،دراسات في المالية الدولية ،دار الراية للنشر والتوزيع ،ع ّمان ،8000 ،ص ،00.ص.80.
2
.فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص.860.
112
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
كما ارتفعت خدمة الدين (األقساط +الفوائد) خالل الفترة ( )0120-0190كما يوضحه
الجدول رقم ( :)01خدمة الديون الخارجية خالل الفترة (-0212 الجدول التالي:
)0222
مليار دوالر
0222 0224 0221 0228 0212 السنوات
008,6 008,9 080,0 082,2 09,0 خدمة الدين
68,0 06,1 00,9 00,1 1,0 األقساط
90,6 90,2 61,6 99,1 0,0 الفوائد
المصدر - :فؤاد مرسي ،الرأسمالية تجدد نفسها ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،0110 ،ص.868.
-عبد الكريم شنجار العيساوي ،عبد المهدي العويدي ،السيولة الدولية في ظل األزمات االقتصادية والمالية ،دار
صفاء للنشر والتوزيع ،ع ّمان ،8009 ،ص.016.
لقد ارتفعت خدمة الدين من 09,0مليار دوالر عام 0190إلى 008,6مليار دوالر
عام .0120وبلغت األقساط 1,0مليار دوالر و 68مليار دوالر على الترتيب فيما كانت
الفوائد 0مليار و 90,6مليار على التوالي وترجع هذه الزيادة الهائلة في خدمة الدين إلى
االرتفاع الكبير الذي شهدته أسعار الفائدة العالمية وخاصة في البلدان الرأسمالية الكبرى.
وهكذا أصبحت خدمة الدين تقتطع جزء كبير من حصيلة صادرات البلدان النامية حيث
تعدت نسبة خدمة الدين إلى الصادرات في بعض البلدان النامية 00بالمائة ،كما يوضحه
الجدول رقم ()09
الجدول رقم ( :)04خدمة الدين إلى الصادرات في عدد من البلدان النامية عام 1982
مليار دوالر
إلى الدين خدمة نسبة الصادرات خدمة الدين البلد
الصادرات)(%
90 86,0 02,0 المكسيك
06 89,0 00,8 البرازيل
09 6,0 9,1 تشيلي
90 08,0 0,0 األرجنتين
08 89,0 9,2 فنزويال
Source : Robert E.Weintraub,"International Debet: Crisis and Challenge", Cato Journal,
Cato Institute, Volume4, Issue1, Spring/ Summer 1984, p.34.
يوضح الجدول أنــّه في عــــام 0128بلغـــت نسبــة خدمة الديــن إلى الصادرات في
المكسيـــك 90بالمائة ما يعني أن المكسيك يجب أن تقتطع 90بالمائة من حصيلة
صادراتها لتسديد خدمة الدين .األمر الذي أدى إلى إضعاف الجدارة االئتمانية فيها لدى
أسواق اإلقراض االئتمانية للحصول على قروض جديدة .وفي البرازيل بلغت النسبة 06
بالمائة ،وفي تشيلي 09بالمائة ،وفي األرجنتين 90بالمائة ،وفي فنزويال 08بالمائة ،وهي
أيضا نسب مرتفعة تخفض من جدارتها االئتمانية.
113
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
وهكذا بدأ عدد من هذه البلدان يتعثر في سداد ديونه الخارجية في مواعيدها المستحقة،
وفي خريف عام 0128أعلنت كبريات البلدان المدينة في أمريكا الالتينية (المكسيك،
1
األرجنتين ،البرازيل ،تشيلي ،)..توقفها عن دفع خدمات ديونها.
-8عوامل تفاقم حجم المديونية الخارجية للبلدان النامية :هناك أسباب عديدة أدت إلى تفاقم
مشكلة المديونية للبلدان النامية ،يمكن تقسيمها إلى عوامل خارجية وأخرى داخلية.
0-8العوامل الخارجية :هي عوامل تتعلق بالبيئة االقتصادية التي تميزت خالل تلك الفترة
بوقوع عدة أزمات (األزمة النقدية ،أزمة الطاقة ،وأزمة الركود التضخمي) التي كان لها آثار
على البلدان النامية ،تجمعت بكل إفرازاتها لتدفع بمشكلة المديونية الخارجية لهذه البلدان إلى
حد التفجر .وفيما يلي رصد ألهم تلك اآلثار:
-لقد كان للفوضى النقدية التي سادت العالقات االقتصادية الدولية بعد انهيار النظام
النقدي الدولي عام ،0190وما رافقها من تقلبات شديدة في أسعار الصرف وركود اقتصادي
عالمي تأثيرا كبيرا على موازين مدفوعات البلدان النامية ،فقد أدى التقلب في أسعار الصرف
للعمالت القوية بعد تعويمها إلى تقلبات موازية في قيم النقد األجنبي لحصيلة صادرات هذه
البلدان من المواد األولية ،ضف إلى ذلك ارتفاع أسعار كثير من المواد الغذائية والمواد
المصنعة في ظل موجة التضخم العالمي ،وهو األمر الذي انعكس في تدهور شروط تبادلها
التجارية .وكانت النتيجة تفاقم العجز في موازين مدفوعات هذه البلدان ،وزيادة ميولها
2
لالقتراض الخارجي.
-أدت اإلجراءات النقدية والمالية التي اتخذتها البلدان الصناعية للتخفيف من حدة أزمة
الركود التضخمي إلى ارتفاع أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية مما أدى إلى ارتفاعات
متتالية في أعباء خدمة الدين واضطرار البلدان النامية إلى االقتراض أكثر لمواجهة
3
التزاماتها الخارجية.
-قيام البلدان النامية المصدرة للنفط بتوظيف فوائضها المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار
النفط عام 0190وعام ،0191على شكل استثمارات مالية بالبنوك التجارية الدولية،
فتراكمت مبالغ ضخمة في بنوك لندن وباريس وألمانيا ،وبسبب معاناة البلدان الرأسمالية
الصناعية من الركود التضخمي فقد كان طلبها على هذه األموال ضعيفا ،مما دفع تلك البنوك
4
إلى توجيه تلك األموال إلقراض البلدان النامية غير النفطية التي هي بحاجة إليها.
-أدى انخفاض أسعار النفط في بداية الثمانينيات إلى زيادة حدة األزمة في البلدان
النامية النفطية المدينة فانخفاض لسعار النفط عصف بقدرتها على الوفاء بأعباء ديونها
5
الخارجية ،وذلك ألن المصدر الرئيسي للنقد األجنبي لها هو صادراتها النفطية.
8-8العوامل الداخلية :وهي العوامل الخاصة باالقتصادات التي تعاني من المشكلة ،وتشمل:
-العجز في الموازن العامة :لقد عانت معظم البلدان النامية عجزا مستمرا في الموازنة
العامة نتيجة لتزايد اإلنفاق الحكومي من جهة ،وإلى ضعف اإليرادات وانخفاض المساعدات
الخارجية من جهة أخرى .ولقد أدى هذا
1
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص.820.
2
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص ص.800-800.
3
.آمال قحايرية" ،أسباب نشأة أزمة المديونية الخارجية للدول النامية" ،مجلة اقتصاديات شمال إفريقيا ،جامعة حسيبة بن بوعلي ،الشلف ،العدد ،0
،8000ص.096.
4
.المرجع نفسه ،ص.099.
5
.حسين بن الطاهر" ،دراسة وتحليل مديونية بلدان العالم الثالث -دراسة حالة الجزائر ،"-أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية ،شعبة اقتصاد،
جامعة منتوري ،قسنطينة ،8002/8009 ،ص.22.
114
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
1
العجز إلى زيادة االقتراض الخارجي لتمويله.
-غياب السياسة المالئمة لالقتراض :لم تكن سياسة البلدان النامية في فترة السبعينيات
واضحة حول حدود وطبيعة ومجاالت االستخدام الرشيد للقروض الخارجية ،كما لم يكن لهذه
البلدان تصور واضح عن كيفية إدارة الدين الخارجي وغابت عنها المعايير التي تحدد بها
طاقة البلد على سداد ديونه ،األمر الذي أوقعها في الكثير من المشكالت االقتصادية الناتجة
2
تفاقم الدين الخارجي وأعباء خدمته.
-فشل نمط التنمية والتصنيع :هناك عالقة طردية بين المديونية الخارجية للبلدان النامية
والتنمية .فلقد اضطرت هذه البلدان لالقتراض الخارجي لشـراء اآلالت والمعدات من
الــبلدان الصناعيـــة مـن أجـــل التنــمية ،ولكنها منيت بالفشل .وذلك يعود إلى األخطاء في
تطبي ق إستراتيجية التنمية االقتصادية .فقد اهتمت كثير من هذه البلدان بالقطاع الصناعي على
حساب القطاع الزراعي ،فحرم هذا األخير من االستثمارات الالزمة لتطويره ما أدى وبشكل
واضح إلى تدهوره وتدني مستوى إنتاجيته ،ومع تزايد السكان وتزايد حاجاتهم الغذائية،
ازدادت الوا ردات الغذائية ما أثر سلبا على موازين مدفوعات هذه البلدان .كما أن الكثير من
الصناعات والمشروعات التي أقيمت في هذه البلدان وتم تمويلها عن طريق االقتراض
الخارجي على أمل السداد من إيراداتها ،افتقدت عوامل النجاح وأصيبت بخسائر كبيرة بسب
3
سوء التخطيط وتغيير السياسات االقتصادية وتخبطها وفساد الحكومات.
-التضخـم المحــلي :هنـــاك عالقــة وثيقــة بين التــضـخـم المحــلي وتزايد الديون
الخارجية في البلدان النامية فالتضخم يؤثر سلبا على ميزان مدفوعات ،وذلك عن طريق
إضعاف الموقف التنافسي لصادرات البلد في السوق العالمي .وفي نفس الوقت يشجع على
زيادة االستيراد حينما تكون أسعار السلع المستوردة منخفضة مقارنة باألسعار المحلية ،فتقل
الصادرات وتتزايد الواردات في ظل التضخم المحلي .كما يتسبب التضخم في تدهور أسعار
صرف العملة المحلية ويقود إلى هروب رؤوس األموال إلى الخارج ،ويضع العراقيل أمام
دخول االستثمارات األجنبية وكل ذلك يؤثر سلبا على ميزان المدفوعات وتضطر البلدان إلى
4
االستدانة الخارجية لتمويل هذا العجز.
-تهريب رؤوس األموال إلى الخارج :انتشرت ظاهرة تهريب األموال إلى الخارج في
معظم البلدان النامية خالل فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات ،وهذا راجع إلى الفساد
اإلداري ألجهزة الدولة ومسؤولي هذه البلدان الذين نهبوا جانبا كبيرا من القروض الخارجية
التي عقدتها دولهم مع المؤسسات المالية الدولية وقاموا بتهريبها إلى الخارج مما ولد ضغوطا
5
شديدة على موازين المدفوعات ،وعلى قدرتها على الوفاء بأعباء ديونها.
ثانيا :أزمة أكتوبر ( 0221أزمة :)Wall Streetفي يوم االثنين 01أكتوبر ،0129عانى
سوق األسهم في الواليات المتحدة األمريكية من انخفاض كبير ،حيث انخفض مؤشر( S&P
)500بمقدار 09,26نقطة ،أي بنسبة 80,96بالمائة ،وشهد مؤشر ( )Dow Jonesتراجعا
مماثال ،حيث انخفض بمقدار 002نقطة ،أي بنسبة 88,6بالمائة من قيمته ،وانخفضت
1
.يوسف مسعداوي ،مرجع سابق ،ص.06.
2
.حسين بن الطاهر ،مرجع سابق ،ص.009.
3
.حمد فواز الدليمي ،أحمد يوسف دودين ،مرجع سابق ،ص 012.؛ حسين بن الطاهر ،مرجع سابق ،ص ص.12-19.
4
.يوسف مسعداوي ،مرجع سابق ،ص ص.02-09.
.5المرجع نفسه ،ص.02.
115
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
Source :Mark Carlson,"A Brief History of the 1987 Stock Market Crash with a
Discussion of the Federal Reserve Response", Financeand Economics Discussion
Series, Divisions of Research & Statistics and Monetary Affairs,Federal Reserve
Board,November 2006, p.3
ويوضح الشكل رقم ( )08أن مؤشر ) (S&P 500بدأ في التحسن واالنتعاش من
الركود (الركود التضخمي) منذ أواخر عام ،0128و ابتدا ًء من أواخر عام 0120دخل في
مرحلة االزدهار ،حيث سجل المؤشر ارتفاعا كبيرا وبوتيرة متسارعة ،فارتفع من حوالي
010نقطة في أواخر عام 0120إلى 800نقطة في أواخر عام 0126أي ارتفع بنسبة
08بالمائة ،وواصل االرتفاع بوتيرة أسرع ليبلغ ذروته في أوت 0129ليسجل أكثر من
080نقطة .وبالمثل عرفت نسبة السعر إلى الربحية لمؤشر ) (S&P 500اتجاها صعوديا
1
".Ryan McKeon, Jeffry Netter,"What Caused t he 1987 St ock Market Crash and Lessons for the 2008 Crash
p.1, https://media.terry.uga.edu/socrates/publications/2011/07/nettercrash_1.pdf, last visited 02/01/2018.
2
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص ص.009-006
3
.Mark Carlson, Op.cit,p.3.
116
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
منذ أواخر عام ،0128ولكن بحلول عام 0126أصبحت هذه النسبة فوق المتوسط على
المدى الطويل -بلغ متوسط نسبة السعر إلى الربحية لمؤشر ) (S&P 500خالل 089سنة
نسبة 09,0بالمائة -1واستمرت في االرتفاع حتى بلغت الذروة في أوت 0129لتصل إلى
حوالي 80بالمائة وهي أعلى بكثير من المتوسط البالغ 09,0بالمائة أي بزيادة ثمان نقاط
ونصف (أي بــــ 58بالمائة) ،وهذا يعني -حسب آراء بعض المحللين -أن السوق كانت مبالغ
فيها منذ بداية عام .0126
ويعود هذا االتجاه ال تصاعدي للسوق إلى تدفق العديد من المستثمرين الجدد إلى السوق
كصناديق التقاعد مما ساهم في زيادة الطلب في السوق ومن ثم زيادة األسعار .ضف إلى ذلك
المعاملة الضريبية التفضيلية الممنوحة لفوائد تمويل عمليات االستحواذ ،فهذه المعاملة زادت
2
من عدد الشركات المحتملة كهدف لالستحواذ مما رفع من قيمة أسهمها.
بدأت أسعار األسهم في الهبوط يوم 09أكتوبر ،0129وكان ذلك نتيجة انتشار خبرين
رئيسين في الثالث عشر من أكتوبر ،األول هو مشروع قانون ضريبي يحتوي على عدة بنود
تهدف إلى تقييد عمليات االستحواذ وخاصة تلك المتعلقة بإلغاء المزايا الضريببية التي تتمتع
بها فوائد تمويل االستحواذ .والخبر الثاني هو إعالن وزارة التجارة األمريكية بأن العجز
التجاري لشهر أوت كان أكبر مما هو متوقع .وترتب عن هذا الخبر توقع المستثمرين
بإمكانية قيام الواليات المتحدة بتخفيض الدوالر ،وتوقعات أخرى بتشديد السياسة النقدية من
قبل االحتياطي الفيدرالي عن طريق رفع أسعار الفائدة 3.فتخفيض قيمة الدوالر سيؤدي إلى
تخفيض القيمة الحقيقية للموجودات بالدوالر للمستثمرين األجانب مما دفعهم لإلسراع
بالتخلص من هذه الموجودات المحررة بالدوالر ،وهو ما ساهم في زيادة عرض األصول
الما لية وخاصة األسهم .كما أن توقع ارتفاع أسعار الفائدة دفع بالكثير من المستثمرين من
التحول من حيازة األسهم إلى السندات 4.كل هذا زاد من عرض األسهم للبيع في السوق،
فاستمرت األسعار في الهبوط طوال أيام األسبوع لتنهار في التاسع عشر من أكتوبر ،حيث
كان هناك ضغط كبير ألوامر البيع نشأ عنه خلل في التوازن بين أوامر البيع (العرض)
5
وأوامر الشراء( الطلب) مما أدى إلى انخفاض حاد في األسعار.
ويرى العديد من المحللين أنه أكبر انخفاض يحدث في يوم واحد ،والسبب في ذلك
يرجع إلى برامج االتجار التي انتشرت في ذلك الوقت كسبيل للتعامل في األسواق .كان هناك
نوعان من برامج االتجار؛ األول هو التأمين على المحافظ المالية من خالل استخدام
المشتقات ،واآلخر هو التحكيم ( أو المراجحة) في المؤشرات بين السوق الحاضر وسوق
المستقبليات ،ويقصد ببرنامج االتجار تبادل حزم من األسهم تضم 00سهما أو أكثر قيمتها
أكث ر من مليون دوالر ،بما يساعد على تخفيض تكاليف المعامالت ،وكذلك تمكين صغار
المدخرين من الوصول إلى مثل هذه االستثمارات ،كما تمكن المتعاملون من مقارنة مقتنياتهم
1
Pu Shen , "The P/E Ratio and Stock Market Performance", Economic Review, Fourth Quarter, Federal
Reserve Bank of Kansas city , 2000,p.25.
* :)P/E( Price−earnings ratioنسبة السعر إلى الربحية ،هو مؤشر يستخدم لتقييم السوق (ويستخدم أيضا لتقييم األسهم الفردية) .وطريقة
حسابه هي:متوسط سعر سهم الشركات في المؤشر مقسوما على متوسط األرباح لكل من هذه الشركات .كلما انخفضت هذه نسبة ،يعني أن السوق
مقيمة بأقل من قيمتها ،وإذا كانت مرتفعة فهي تدل على أن السوق مقيمة بأعلى مما تستحق.
2
.Mark Carlson, Op.cit,p.3.
3
.Ibid,p.6.
4
.مروان عطون ،األسواق النقدية والمالية ،البورصات ومشكالتها في عالم النقد والمال ،الجزء ،8الطبعة ،0ديوان المطبوعات الجامعية،
الجزائر ،8000 ،ص ص.800-800.
5
.Mark Carlson, Op.cit,p.2.
117
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
من األسهم بمؤشر محدد للسوق .وينشأ التحكيم في المؤشرات عندما يقوم المستثمر بشراء
مجموعة من األسهم (ف ي السوق الحاضر) ،ثم يقوم ببيعها في الوقت ذاته بعقد مستقبلي ،أي
عقد يلزم المشتري بأن يقوم بشراء سهم محدد في تاريخ محدد في المستقبل عند سعر محدد
مسبقا ،وبينما كان كبار المستثمرين مثل بنوك االستثمار وبيوت السمسرة يقومون باالتجار
لحسابهم فإنهم اعتمدوا على برام ج "التأمين على المحافظ" ،وهو أسلوب يمزج بين استخدام
المستقبليات والخيارات ،للحماية أو التحوط ضد االنخفاض الكبير في األسعار .ومع تطور
استخدامات الحاسوب (التطور التكنولوجي) ،بدأت صناديق المعاشات وصناديق االستثمار
وصناديق التحوط والمتعاملون الرئيسيون يعتمدون عليه في شراء وبيع كميات هائلة من
االستثمارات ،حيث تمت برمجة الحواسيب إلجراء صفقات ضخمة عندما تسود أوضاع
معينة في السوق ،كتراجع أسعار أسهم بعض الشركات ،أو وقوع أزمة .وهكذا مع بداية
االنخفاض في مؤشر ( ،(S&P 500بدأت عمليات بيع أتوماتيكية ضخمة من خالل برامج
الحاسوب وهو ما أدى إلى زيادة المعروض بشكل كبير ومن ثم التسريع بانهيار السوق
1
وتعميق وتضخيم أثره.
-8اإلجراءات المتخذة لمواجهة األزمة :في محاولة للحد من االنخفاضات في األسواق
المالية ومنع أي تداعيات على االقتصاد الحقيقي ،أصدر االحتياطي الفيدرالي بيانا قصيرا
صبيحة الثالثاء 80أكتوبر يؤكد فيه استعداده للعمل كمصدر للسيولة لدعم االقتصاد والنظام
2
المالي .ومن أبرز اإلجراءات التي اتخذها االحتياطي الفيدرالي:
-توفير السيولة لألسواق المالية وذلك بالتدخل بشكل مباشر عن طريق شراء األوراق
المالية.
-العمل مع البنوك لحثها على توفير االئتمان لشركات األوراق المالية لدعم قدرتها
على الوفاء بالتزاماتهـــا ومواصلة العمل في األسواق المالية ،وتشجيع البنوك على
العمل بشكل تعاوني ومرن مع عمالئها والسيما تجار وسماسرة األوراق المالية.
-تنفيذ عمليات السوق المفتوحـة مما دفع بأسعار الفــائدة على األموال الفيدرالية
باالنخفاض إلى نحو 9بالمائة يوم الثالثاء مقابل 9,0بالمائة يوم االثنين ،وقد تبعت
أسعار الفائدة القصيرة األجل سعر الفائدة على األموال الفيدرالية مما يقلل من تكاليف
االقتراض.
-ك ما كانت هناك أيضا مجموعة متنوعة من الجهود اإلشرافية لضمان سالمة المالية
للنظام ،حيث يتم فحص دوري للمؤسسات المصرفية الرئيسية لرصد التطورات،
باإلضافة إلى وضع األسواق المالية تحت الرقابة اليومية.
لقد ساهمت هذه اإلجراءات في تحسين أداء السوق في األسابيع الالحقة ،كما منعت امتداد
آثار االنهيار المالي إلى جوانب االقتصاد الحقيقي.
كما اتخذت حكومات البلدان األوروبية واآلسيوية إجراءات سريعة للحد من انهيارات
3
البورصة منها:
1
.محمد إبراهيم السقا " ،انهيار ،"0129ألفا بيتا االقتصاد والمال00 ،جويلية ،8000من الموقع:
http://alphabeta.argaam.com/article/detail/19354/1987, last visited 09/01/2018.
2
.Mark Carlson, Op.cit,pp.17-22.
3
.مروان عطون ،مرجع سابق ،ص ص 809-806.؛ عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص ص.000-008.
118
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-إيقاف التعامل في بعض البورصات ،ففي يوم االثنين 01أكتوبر عندما حدث هبوط في
األسعار ببورصة هونج كونج تم غلقها لمدة أسبوع لتالفي المزيد من الهبوط ،ولكن عند
افتتاحها انخفضت األسعار بمستوى أكبر مما كانت عليه قبل اإلغالق.
-قيام البنوك المركزية في كل من اليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا بخفض معدالت الفائدة
والعمل على توفير السيولة الالزمة من أجل دعم البورصات.
-تدخل الحكومات بشكل مباشر في عمليات البيع والشراء كمتعامل إليقاف التدهور في
األسعار.
-قيام البنوك بمساعدة حكوماتها بمنح االئتمان لتجار األوراق المالية ،حيث ساهمت البنوك
التي تعمل في هونغ كونغ مع مساعدة الحكومة وبنك الصين بمبلغ أربعة مليارات دوالر
لتخليص البورصة من األزمة.
-لجوء بعض البلدان خاصة ألمانيا واليابان إلى شراء مبالغ ضخمة من الدوالرات بعمالتها
للحد من انخفاض قيمة الدوالر.
المطلب الخامس :أزمات عقد التسعينيات
تعرضت خالل فترة التسعينيات مجموعة من البلدان المتقدمة والنامية إلى هزات
وا ضطرابات مالية كان نتيجتها أزمات شديدة أضرت باقصادات هذه البلدان واالقتصاد
العالمي .وفيما يلي عرض ألهم وأكبر هذه األزمات.
أوال :أزمة اليابان ،0220عرفت اليابان خالل العقود األربعة األولى التي تلت الحرب
العالمية الثانية نموا منقطع النظير بلغ 00بالمائة في الخمسينيات والستينيات ،ومع أنه تراجع
في العقدين المواليين إال أنه بقي عند مستوى يساوي ضعف مثيله في البلدان الصناعية
الكبرى .لكنها عانت في بداية التسعينيات من أزمة حادة في نظامها المالي والمصرفي 1.فيما
يلي محاولة إللقاء الضوء على أهم جوانبها:
-0طبيعة األزمة وأسبابها :خالل فترة التسعينيات من القرن الماضي وحتى أوائل القرن
الحادي والعشرين عانت اليابان من أزمة مالية حادة ،حدثت نتيجة انفجار فقاعة العقارات
التي تشكلت خلل فترة االزدهار حيث فائض السيولة ،والتقديرات المستقبلية المفرطة التفاؤل
2
ألسعار األ صول ،والتنظيم المالي المتساهل ،مما عجل بوقوع أزمة عقارية ومصرفية.
وقد ترك انفجار الفقاعة ،النظام المالي الياباني محمال بأثقال ضخمة من الديون
المتعثرة ،التي بلغت نحو 08تريليون ين ياباني ،أي ما يعادل نحو 000مليار دوالر
أمريكي ،وازدادت المشكلة تعقيدا نتيجة عدم تقدير صناع السياسات في اليابان لمدى خطورة
تلك األزمة 3،فقد استغرق األمر وقتا قبل أن يصبح الحجم الكامل للمشاكل واضحا 4.وأرجع
معظم االقتصاديين أسباب هذه األزمة إلى:
1
.عبد الحليم فضل هللا" ،دروس من أزمة اليابان في التسعينيات :اإلصالح أوال ،"..المركز االستشاري للدراسات والتوثيق 81 ،نوفمبر،8002
ص .8.من الموقع:
http://www.dirasat.net/uploads/item_mak_m/7767571.pdf last visited 02/02/2019.
2
.كينيث كانج ،مرتضى سيد " ،الطريق إلى تحقيق االنتعاش ،وجهة نظر من اليابان" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد
الدولي ،المجلد ،90العدد ،8ديسمبر ،8002ص.89.
3
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،الدار الجامعية ،اإلسكندرية،8001 ،
ص.010.
4
.كينيث كانج ،مرتضى سيد ،مرجع سابق ،ص.89.
119
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-النمو السريع لالقتصاد الياباني خالل الفترة ( )0190-0100الذي أدى إلى ازدهار
قطاع العقارات خالل العقد التاسع من القرن العشرين ،فتضخمت أسعار العقارات وانتشرت
1
المضاربات في هذا القطاع.
-خالل الثمانينيات ،أحرزت اليابان تقدما ملحوظا في رفع القيود المالية ،لكن ذلك لم
يصاحبه تنظيم وإشراف مصرفي فعال ،فقد خلق عدم وجود إخفاقات البنوك الكبرى في فترة
ما بعد الحرب قناعة راسخة لدى صناع السياسات في اليابان بأن البنوك الكبيرة لن تفشل أبدا
2
مما أدى إلى التساهل في الرقابة واإلشراف على هذه البنوك.
-توسع البنوك اليابانية في منح القروض العقارية بمعدالت فائدة ثابتة آلجال طويلة،
ومقابل ضمانات غير حقيقية مما أدى إلى ارتفاع القروض ذات المخاطر العالية.
-انعدام الشفافية في القطاع المصرفي ،مما أدى إلى شيوع عدم اليقين لدى المستثمرين
بالنظام المالي الياباني.
-انفجار الفقاعة العقارية حيث انهارت األسعار في سوق العقارات ،وبدأت تظهر حاالت
3
اإلفالس عند الجهات المقترضة.
-تجاهل ما نشر في التقرير السنوي للبنك الدولي( )0110-0118عن صحة النظام
المالي الياباني ومخاوفه من أن الحجم الفعلي للقروض المتعثرة التي تحتفظ بها البنوك
4
اليابانية يمكن أن يكون أكبر.
-2نتائج أزمة اليابان وطرق عالجها :في ضوء عدم تقدير الحكومة لحجم المشكلة في
مراحلها األولى ،كان لهذه األزمة نتائج على المستويين المحلي والدولي ،دفعت بالحكومة في
األخير التخاذ إجراءات جادة للخروج منها.
0-8نتائج األزمة :حتى منتصف التسعينات من القرن الماضي ،كانت هناك حاالت
فشل متفرقة في المص ارف والمؤسسات المالية الصغيرة ،فاعتقد صناع السياسات أن ذلك ال
يشكل خطرا نظاميا .ولم يكن األمر سوى مسألة وقت قبل أن تستنفد البنوك الكبيرة المخزون
المؤقت الستيعاب الضغط المتصاعد الناجم عن القروض المتعثرة 5.فبحلول صيف 0119
بدأت تظهر حاالت اإلفالس وفشل العديد من البنوك والمؤسسات المالية اليابانية المهمة
وكانت البداية مع شركة ) (Sanyoلألوراق المالية ،وبنك ) ،(Hokkaidoومؤسسة
6
) )Yamaichiلألوراق المالية .وفي نوفمبر 0119تم اإلعالن عن فشل بنك (Tokuyo
) Cityالذي يعتبر االنهيار الرابع في شهر نوفمبر ،وانتشرت الشائعات والتنبؤات بانهيار
بنوك أخرى فتشكلت طوابير طويلة من المودعين أمام هذه البنوك لسحب أموالهم ،فأصدر
وزير المالية ومحافظ بنك اليابان بيانا مشتركا يؤكدان فيه حماية كل الودائع وضمان البنك
المركزي توفير األموال الكافية ،وفي ظل هذه الظروف الداخلية التي صاحبها اندالع األزمة
اآلسيوية عام 0119في تايالند ازدادت الضغوط على النظام المالي الياباني الذي أصبح أكثر
1
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،األزمة المالية وإصالح النظام المالي العالمي ،الدار الجامعية ،اإلسكندرية ،8001 ،ص.09.
2
.Hiroshi Nakaso,"The financial crisis in Japan during the 1990s: how the Bank of Japan responded and the
lessons learnt",BIS Papers N° 6, Bank for International Settlements, Switzerland, October 2001, p.17.
3
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص ص 010-019.؛
إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.00-09.
4
.Hiroshi Nakaso, Op.cit, p.17
5
. Hiroshi Nakaso, Op.cit, p.00.
6
. Ibid, p.8.
120
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
هشاشة 1.وتواصلت حاالت اإلفالس ليصل عدد البنوك المفلسة أربعة عشر بنكا ،وورث
القطاع المصرفي تريليونات من القروض المعدومة ،واضطرت اليابان لالقتراض من
2
الخارج لدعم جهازها المالي والمصرفي.
دفعت كل هذه التطورات وكاالت التصنيف االئتماني خفض مرتبة الديون السيادية
اليابانية وكذا خفض التقييم الخاص بالمتانة المالية للبنوك اليابانية الكبرى ،فاهتزت الثقة أكثر
في الجهاز المصرفي الياباني ،حيث قامت بعض البنوك العالمية بتخفيض حجم استثماراتها
في السوق اليابانية للحد من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها 3.انعكس ذلك على أسواق
المال التي عرفت هبوطا حادا باإلضافة إلى حدوث تقلبات كبيرة في سعر الصرف أفقدت
4
العملة اليابانية 00بالمائة من قيمتها في خمسة أعوام.
ونتيجة لالنخفاض الكبير في أسعار األصول وخاصة العقارية التي انخفضت بحوالي
20بالمائة عن مستواها ما قبل انفجار الفقاعة 5،تقلص حجم الثروة لدى األسر ،فاتجهت إلى
بناء صافي الثروة ،مما أدى إلى كبح الطلب بسبب تراجع اإلنفاق .وفي بيئة تتميز بضعف
النمو المتوقع أصبحت الشركات أكثر ترددا في االستثمار وتعيين عمال نظاميين مما أسهم
في انخفاض الدخل الدائم ،واستحقاقات الموظفين ،وقام المستهلكون بتأجيل مشترياتهم من
السلع المعمرة .وهكذا تشكلت حلقة مفرغة من انخفاض األسعار وانخفاض األرباح واألجور
أدت إلى تعزيز ضعف الطلب الذي أدى إلى ضعف مستمر في نمو الناتج المحلي اإلجمالي
ودفع باالقتصاد الياباني إلى االنكماش والوقوع في ركود اقتصادي دام حوالي عقد من
6
الزمن.
8-8طريقة معالجة األزمة :لقد كانت جهود الحكومة اليابانية لمجابهة األزمة محدودة خاصة
في المراحل األولى لألزمة ،فبين منتصف 0110ونهاية عام 0110قام البنك المركزي
الياباني بخفض سعر الخصم من 6بالمائة إلى 0,0بالمائة ولكنه لم ينجح في إعادة إنعاش
7
االقتصاد الياباني ،وتفاقمت األزمة.
وفي محاولة الحكومة الجتياز هذه األزمة قررت في مارس 0111أي بعد ثماني
سنوات من بدء حدوث االنفجار العقاري ،ضخ األموال وتوفير السيولة إلنقاذ الجهاز
المصرفي .وقد كان الهدف الرئيسي من ضخ األموال هو استعادة الثقة في البنوك اليابانية،
8
ومن ثم النظام المالي والمصرفي ككل.
وفي مقابل ضخ األموال طلب إلى البنوك أن تخفض رأس مال المساهمين القائمين،
واستبدال اإلدارة العليا وتقديم خطة إلعادة التنظيم تراجعها بصفة منتظمة وكالة الخدمات
المالية .كما استهدفت عملية ضخ األموال تشجيع توحيد وتدعيم القطاع المالي من خالل
إغالق أو دمج بنوك ضخمة وكثير من المؤسسات المالية األصغر 9.وقد تم دمج عشرة بنوك
في أربعة كيانات كبرى ،كما تم تأميم بنكي ) (Asahiو ) (Tokaiالذي يحتل كل منهما
1
.Ibid, p.11.
2
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.00.
.3عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري)،مرجع سابق ،ص.010.
4
.عبد الحليم فضل هللا ،مرجع سابق ،ص.0.
5
. Hiroshi Nakaso, Op.cit, p.80.
6
.إيلف أرباتلي وآخرون "،تجربة االنكماش في اليابان"،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أكتوبر ،8006ص ص.092-099.
7
.كينيث كانج ،مرتضى سيد ،مرجع سابق ،ص.80.
8
.Hiroshi Nakaso, Op.cit, p.15.
9
.كينيث كانج ،مرتضى سيد ،مرجع سابق ،ص.80.
121
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
المركزين الثامن والعاشر بين البنوك اليابانية ليكونا أكبر مجموعة مصرفي باليابان تحت
اســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم ) )Asahi Group Holdingsبإجمالي أصول بلغ
59ألف مليار ين ياباني ،وكان ذلك عقب شهر ونصف فقط من إعالن اندماج كل من
) (Fuji) ،(Industrial Bank of Japanو ( )Dai-Ichi Kangyoليكونوا بذلك أكبر بنك في
اليابان ،بل وأكبر بنك في العالم من حيث حجم األصول .وقد تلت تلك االندماجات عمليات
أخرى شملت معظم وحدات الجهاز المصرفي الياباني .وترتب عن تلك االندماجات إعادة
الهيكلة المالية واإلدارية لتلك الكيانات وزيادة كفاءة التشغيل مما أدى إلى انخفاض حجم
1
التعثر بنحو 08بالمائة تقريبا من حجم الديون المتعثرة.
من خالل اإلستراتيجية التي تبنتها الحكومة اليابانية لمواجهة األزمة ،دعت الحكومة
البنوك الرئيسية للتعجيل بالتخلص من الديون المتعثرة من ميزانياتها في خالل سنتين أو
ثالث وبيعها مباشرة في السوق .وتم تكليف شركة الحل والتحصيل بالتخلص من األصول
الرديئة للبنوك الفاشلة ،وتكليف شركة إعادة اإلحياء الصناعي الياباني بشراء القروض
المتعثرة من البنوك والعمل مع الدائنين في إعادة الهيكلة ،ولقد ساعدت مشتريات الحكومة
لهذه األصول من خالل هذه الشركة في توفير الوضوح القانوني و الخضوع إلى المساءلة.
واستطاعت شركة إعادة اإلحياء الصناعي تحقيق ربح صغير قبل أن تغلق أبوابها في عام
2
.8009
كما كان للقطاع الخاص دور مهم في مواجهة األزمة ،بما في ذلك الرأس المال األجنبي
3
الذي سمح له باالستحواذ على بنكين من البنوك التي كانت تعاني من اضطراب.
وفي النهاية استعادت اليابان صحة النظام المالي والمصرفي بعد تبنيها إستراتيجية على
مدى عدة سنوات ركزت على توفير وضخ السيولة في القطاع المصرفي ،وتبني سياسة سعر
الفائدة الذي يساوي صفرا وإعادة هيكلة البنوك دافعة إياها لالعتراف بالقروض ذات
المشاكل ،مع اإلشراف األكثر تشددا واالستخدام الرشيد لألموال العامة .ولكن اقتضى األمر
4
تكلفة بلغت ما يزيد عن 000تريليون ين (نحو تريليون دوالر أمريكي).
ثانيا :أزمات النظام النقدي األوروبي ( ،)0221-0228تعرض النظام النقدي األوروبي لعدة
أزمات في تسعينيات القرن العشرين كان أهمها أزمة سبتمبر ،0118وأزمة أوت .0110
ولفهم هاتين األزمتين البد من التعرف على النظام النقدي األوروبي.
-1الخلفية التاريخية للنظام النقدي األوروبي( قبل اليورو) :بعد انهيار نظام بريتون ووز ،
بدأت تظهر الحاجة إلى إصدار وحدة نقدية أوروبية مستقلة ،فقررت مجموعة من ستة بلدان
أوروبية هي( فرنسا ،ألمانيا الغربية ،ايطاليا بلجيكا ،هولندا ،لوكسمبورغ) ،العمل على
تحقيق وحدة نقدية فيما بينها تجنبا لمخاطر أسعار الصرف ،حيث تم االتفاق في أفريل 0198
على االلتزام بهامش (8,80 +/-بالمائة) بالنسبة ألسعار صرف عمالتها مقابل الدوالر
وبهامش ( 0,80+/-بالمائة) بالنسبة ألسعار صرف عمالتها مقابل بعضها البعض ،وسمي
هذا النظام "بنظام الثعبان داخل النفق" .وكان يستلزم على البنوك المركزية لهذه البلدان
التدخل للمحافظة على تقلبات أسعار صرف عمالتها في تلك الحدود ،لكن لم يستمر العمل
1
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.019.
2
.كينيث كانج ،مرتضى سيد ،مرجع سابق ،ص.80.
3
.المرجع نفسه ،ص.80.
4
.كينيث كانج ،مرتضى سيد ،مرجع سابق ،ص.89.
122
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
بهذا النظام طويال نظرا للتدهور الكبير الذي عرفته أسعار صرف بعض العمالت األوروبية،
مما دفع كل من ألمانيا الغربية ،فرنسا ،ايطاليا ،بلجيكا ،لوكسمبورغ عام 0190إلى إتباع
التعويم الجماعي لعمالتها اتجاه الدوالر مع المحافظة على هامش التقلب المسموح بين أسعار
صرف عمالتها بنسبة (8,80+/-بالمائة) كحد أقصى 1.واستكماال للجهود المبذولة من
طرف البلدان األوروبية تم انعقاد اجتماع في بروكسل عام 0192توج بإقامة نظام نقدي
أوروبي ،دخل حيز التنفيذ عام ،0191ووفقا لهذا النظام لكل عملة من العمالت الداخلة في
*
التحالف سعرين ،األول :مركزي يحدد عالقة كل عملة بوحدة النقد األوروبية )(ECU
ويسمح ألسعار العمالت بالتذبذب في حدود (8,80+/-بالمائة) .والثاني :هو السعر المحوري
2
الذي يحدد الفرق بين كل عملة والعمالت األخرى الداخلة في النظام.
وبهدف تحقيق الوحدة األوروبية الكاملة عقدت البلدان األوروبية مؤتمرا في فيفري
0118في مدينة ماستريخت الهولندية ،ووضعت خمسة معايير تتعلق بالسياسات المالية
والنقدية المطبقة في اقتصاداتها ،على أي بلد أوروبي يرغب في الدخول إلى الوحدة
3
األوروبية الوفاء بها ،وهي:
-يجب أن ال يتجاوز نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي اإلجمالي 0بالمائة؛
-يجب أن ال يتعدى الحجم اإلجمالي للدين العام 60بالمائة من الناتج المحلي اإلجمالي؛
-يجب أن ال يتجاوز متوسط معدل التضخم 0,0بالمائة من معدالت التضخم المحققة في
ثالث من أفضل الدول األعضاء؛
-يجب أن ال تتعدى أسعار الفائدة االسمية متوسطة وطويلة األجل 8بالمائة عن مستوى
أسعار الفائدة في أفضل ثالث دول؛
-يجب أن تكون تقلبات العملة في خالل السنتين السابقتين على األقل في نطاق التقلبات
الطبيعية لنظام النقد األوروبي؛
وقد تم االتفاق على أن آلية سعر الصرف التي يقوم عليها النظام النقدي األوروبي يجب
4
أن تقوم على مبدأين أساسيين هما:
-أن ال يزيد هامش التغير في سعر صرف عملة أي بلد عضو مقابل عمالت بقية البلدان
األعضاء في النظام ( 8.80+/-بالمائة)؛
-أن ال يتم تعديل األسعار المركزية إال باتفاق جميع البلدان األعضاء ،وذلك ضمانا
الستقرار وحدة النقد األوروبية؛
-8األزمات التي مر بها النظام النقدي األوروبي :بالرغم من النجاح الذي حققه النظام
النقدي األوروبي في تحقيق استقرار أسعار صرف عمالت الدول األعضاء إال أنه تعرض
لعدة أزمات في التسعينيات كان أهمها:
1
.ماجدة مدوخ" ،النظام النقدي األوروبي" ،مجلة الواحات للبحوث والدراسات ،المركز الجامعي ،غرداية ،العدد ،8002 ،0ص ص.6-0.
*
) : (ECUلم تكن اإليكو في شكل عملة ورقية أوفي شكل قطع نقدية معدنية ولكنها عبارة عن وحدة حسابية منذ نشأتها ،حيث تستخدم كوحدة
لحساب التبادل االحتياطي بين البنوك المركزية.
2
.مجدي محمود شهاب ،الوحدة النقدية األوروبية -اإلشكاليات واآلثار المحتملة على المنطقة العربية ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،اإلسكندرية،
،0112ص ص.90-90
3
.لقمان معزوز ،شريف بودي"،المنافسة بين الدوالر واألورو في ظل ال استقرار النظام النقدي الدولي" ،مجلة الباحث ،جامعة قاصدي مرباح،
ورقلة ،العدد ،8000 ،1ص ص.92-99.
4
.ماجدة مدوخ ،مرجع سابق ،ص.08.
123
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
0-8أزمة سبتمبر :0228تعود جذور هذه األزمة إلى سنة 0110عند اتحاد األلمانيتين
الغربية والشرقية وقيام الحكومة األلمانية بتنفيذ برنامج استثمار ضخم من أجل إيصال ألمانيا
الشرقية إلى مستوى ألمانيا الغربية وبأقصى سرعة ممكنة ،مما أدى إلى ضغوط تضخمية،
وحتى يقاوم البنك المركزي هذه الضغوط قام برفع معدالت الفائدة الحقيقية وذلك من أجل
اإلبقاء على الناتج المحلي اإلجمالي عند المدى الذي كان يعتقد أنه يكون متسقا مع األهداف
التي وضعها للتضخم .وقد أدى ارتفاع معدالت الفائدة إلى تدفق رؤوس األموال من الواليات
المتحدة إلى ألمانيا مما أدى إلى ارتفاع قيمة المارك مقابل الدوالر ،وحدوث حالة من عدم
االستقرار في آلية سعر الصرف داخل النظام النقدي األوروبي ،ووجدت البلدان األعضاء
نفسها في فخ ارتفاع أسعار الفائدة األلمانية .لكن من أجل اإلبقاء على منافع نظام النقدي
األوروبي حاولت بعض هذه البلدان المحافظة على آلية سعر الصرف األجنبي وقامت
بصرف احتياطات النقد األجنبي بكميات كبيرة ألجل ذلك .إال أن المضاربين في سوق
الصرف لم يعتقدوا أن هذه البلدان ستستمر في ذلك ،وأن العمالت األوروبية األخرى سوف
تفقد من قيمتها مقابل المارك األلماني في المدى الطويل 1،فكانت الهجمة المضاربية على
عمالت هذه البلدان ،وكانت البداية مع الجنيه اإلسترليني في 06سبتمبر ،0118وقد سمي
"باألربعاء األسود" .وقد لجأت الحكومة البريطانية إلى رفع معدالت الفائدة من 00بالمائة
إلى 08بالمائة من أجل إغراء المضاربين لشراء الجنيه خالل ذلك اليوم ،ثم عاودت رفعه
إلى 00بالمائة ولكن استمر المضاربون ببيع الجنيه ،وخسرت بريطانيا المليارات لشراء
الجنيه الذي بيع بشكل كبير في أسواق العمالت مقابل المارك األلماني ،ثم اضطرت في
النهاية االنسحاب من آلية الصرف األوروبي 2،بعد أن رفض البنك المركزي األلماني العمل
كمقرض المالذ األخير لبنك انجلترا والبنوك المركزية للبلدان األوروبية التي كانت عمالتها
3
مهددة للتعرض هي األخرى لألزمة.
وهــكذا كــان الوضع ممــاثال في إيطاليــا حيث انخفضت الليرة االيطالية بمقدار 9
بالمائة مقــابل المــارك األلمــاني وخروج ايطاليا من النظام النقدي األوروبي ،وأدت
الهجمات المضاربية إلى انخفاض البيزيتا االسباني بـــ 0بالمائة والجنيه االيرلندي
بـــ00بالمائة مما أدى إلى حدوث اضطراب في آلية سعر الصرف داخل النظام النقدي
4
األوروبي.
8-8أزمة أوت :0221وقعت هذه األزمة بعد الهجمة المضاربية التي استهدفت الفرنك
الفرنسي ،حيث توقع المضاربون أن الحكومة الفرنسية ستلجأ إلى خفض أسعار الفائدة من
5
أجل تحفيز االقتصاد وخفض معدالت البطالة.
أدت هذه الهجمة المضاربية إلى تراجع كبير في سعر صرف الفرنك الفرنسي أمام
المارك األلماني ،وتم استنفاذ احتياطات فرنسا من العمالت األجنبية .ثم لجأت فرنسا إلى رفع
1
.محمد صالح القريشي ،مرجع سابق ،ص ص.809-800.
2
.Garvet Ngo, Nancy Ramirez, "The European Currency Crisis (1992-1993)",p.11, www.calsatatela.edu/facul ty/
rcastil/...Europe.ppt, last visited 22/02/2010.
3
.André Sapir, "Financial crisis under two European monetary regimes: EMU VS EMS", Progress through
crisis? Conference for the 20th anniversary of the establishment of the European Monetary Institute,
European Central Bank, Germany, 2014, p.56.
4
.ماجدة مدوخ ،مرجع سابق ،ص.00.
5
.Garvet Ngo, Nancy Ramirez, Op.cit, p.14.
124
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
أسعار الفائدة على الفرنك ولكن كانت أسعار الفائدة في ألمانيا مقارنة بها عالية جدا مما جعل
1
المحاولة غير مجدية ،وفقط خفض أسعار الفائدة األلمانية هو المنقذ الوحيد للفرنك الفرنسي.
لكن القرار الذي اتخذه البنك المركزي األلماني وهو اإلبقاء على سعر الفائدة كما هو دون
تغيير ،أدى إ لى اندفاع المستثمرين والمضاربين في العمالت األوروبية إلى بيع العمالت
الضعيفة (وهي عمالت كل من فرنسا ،اسبانيا ،البرتغال ،الدانمرك) .وإثر هذه االضطرابات
التي شهدتها العمالت األوروبية اجتمع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية للبلدان
األوروبية ،وأعلنوا عن ت وصلهم إلى اتفاق يتم بمقتضاه توسيع هامش تقلب أسعر صرف
العمالت في النظام النقدي األوروبي فيما عدا عملتي ألمانيا وهولندا .ليصبح هامش
التغييــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر ( 6+/-بالمائة) بالنسبة ألسعار صرف العمالت الضعيفة،
2
( 8,80+/-بالمائة) بالنسبة للعمالت القوية.
1-8أسباب أزمات النظام النقدي األوروبي ( :)0221-0228بالرغم من أن السبب الرئيسي
والمباشر وراء األزمتين السابقتين ( سبتمبر ،0118أوت )0110هو رفض البنك المركزي
األلماني خفض أسعار الفائدة والهجوم المضاربي على العمالت األوروبية 3،إال أن بعض
4
االقتصاديين حدد عاملين اثنين كان لهما دور رئيسي في األزمتين هما:
-التحرير الكامل لحركة رؤوس األموال بالنسبة للبلدان األوروبية في جوان 0110؛
-توحيد ألمانيا في أكتوبر ،0110مما دفعها إلى إحداث تغيير هام في مزيــج
سياســـاتها المـــالية والنقـــــدية وهو أمــــر ال يناسب البلدان األخرى األعضاء في النظام
النقدي األوروبي .ففي الوقت الذي كانت فيه ألمانيا تعاني من معدالت تضخم مرتفعة ،كانت
البلدان األعضاء أخرى كفرنسا واسبانيا تعاني معدالت بطالة مرتفعة .في مثل هذه الظروف
أخفقت البلدان األعضاء في التنسيق بين سياساتها النقدية ،حيث تبنت ألمانيا سياسة نقدية
انكماشية عن طريق رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم ،واتبعت الدول األخرى سياسة
توسعية بخفض أسعار الفائدة لمواجهة البطالة .وفي ظل التحرير الكامل لرأس المال خرجت
رؤوس األموال من هذه البلدان متجهة إلى ألمانيا ،وحدثت الهجمات المضاربية على
عمالتها.
ثالثا :األزمة المكسيكية ( ،)0222-0224تضررت المكسيك بشكل كبير في عقد الثمانينيات
بسبب أزمة المديونية ،لكنها قامت بإصالحات ضخمة بوضع آليات السوق من خالل االنفتاح
على المنافسة األجنبية وخصخصة واسعة ،وتخفيف القواعد التنظيمية ،وإصالحات مالية
كبيرة .وكل هذا كان ضمن إصالحات سياسية وديمقراطية واسعة شهدتها المكسيك في
5
منتصف الثمانينيات.
-0ظروف ما قبل األزمة :لقد أسهمت هذه اإلصالحات في النمو السريع لتدفقات رؤوس
األموال األجنبية الداخلة إلى المكسيك.كما أن أسواق البلدان الصناعية كانت تقدم في تلك
الف ترة فرصا أقل ربحية بسبب تباطؤ النمو االقتصادي وانخفاض أسعار الفائدة .وكانت نتيجة
ذلك قيام العديد من المستثمرين الذين يسعون للحصول على عوائد أفضل بتحويل كميات
هائلة من رؤوس األموال إلى األسواق الصاعدة ،وكانت المكسيك تحتل صدارة قائمة البلدان
1
.Ibid, p.14.
2
.ماجدة مدوخ ،مرجع سابق ،ص.06.
3
.Garvet Ngo, Nancy Ramirez, Op.cit, p.20.
4
. André Sapir,Op.cit, p.53.
5
.محمد صالح القريشي ،مرجع سابق ،ص.802.
125
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
التي استفادت من هذا السلوك 1،حيث تدفق إلى المكسيك كميات غير مسبوقة من رؤوس
األموال بلغت منذ عام 0110وحتى عام 0119ما مجموعه 10مليار دوالر،كما هو مبين
2
في الشكل رقم ( .)00وكان هذا التدفق في ثالثة أشكال رئيسية هي:
-استثمار أجنبي مباشر ،من خالل شراء أو بناء مصانع ،إلقامة شركات وما شبه ذلك.
وهذا النوع من االستثمار غالبا ما يكون طويل األجل ،وقد بلغ خالل الفترة ()0119-0110
89مليار دوالر ،أي ربع التدفقات الرأسمالية خالل نفس الفترة فقط.
-اتخذ تدفق رؤوس األموال شكل مشتريات في سوق األسهم المكسيكية ،التي بلغ
مجموعها 82مليار دوالر خالل الفترة نفسها.
-وكان الشكل الثالث واألكبر من أشكال تدفق رؤوس األموال هو شراء السندات
وخاصة الحكومية وعلى مدى الفترة نفسها دخل 90مليار دوالر إلى المكسيك لهذا الغرض.
وكان جزء كبير من هذه األوراق المالية لفترات قصيرة األجل ( من واحد إلى ثالثة
شهور) .ويعتبر الشكلين الثاني والثالث من أخطر أشكال االستثمار حيث يمكن للمستثمرين
اتخاذ قرار االنسحاب من المكسيك بسرعة مما يسبب ضغوط على احتياطات الحكومة من
الصرف األجنبي.
الشكل رقم ( :)01تدفق رؤوس األموال األجنبية إلى المكسيك
خالل الفترة ()0224-0220
مليار دوالر
ترتب عن هذه التدفقات حدوث فائض سيولة في النظام المالي المكسيكي ما أدى إلى
3
توسع البنوك في اإلقراض السيما إلى قطاع العقارات.
4
وتشير اإلحصائيات خالل الفترة ( )0119-0122إلى:
-ارتفاع معدل منح االئتمان من البنوك التجارية المحلية بمعدل سنوي قدره 80بالمائة؛
-ارتفاع معدل اإلنفاق على السلع االستهالكية بنسبة 69بالمائة؛
-ارتفاع معدل االقتراض لالستثمار العقاري بنسبة 99بالمائة؛
1
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص ص.009-000.
2
. Joseph A. Whitt, Jr, "The Mexican Peso Crisis", Economic Review, Federal Reserve Bank of Atlanta,
January/February 1996, p.9.
3
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص.009.
4
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.00.
126
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
دوالر في فيفري 0119إلى حوالي 6مليار دوالر فقط في ديسمبر ،0119وهذا ما يوضحه
الشكل رقم (.)09
الشكل رقم ( :)04احتياطات المكسيك من النقد األجنبي
(ديسمبر -0221ديسمبر)0224
لقد أدى هذا التدهور الكبير في احتياطات النقد األجنبي إلى إجبار السلطات النقدية
المكسيكية على إعطاء الحرية لعملتها ،حيث اتبعت سياسة سعر الصرف المعوم في 88
1
ديسمبر ،0119مما أدى إلى تدهور قيمة البيزو مقابل الدوالر األمريكي.
-8نتائج األزمة المكسيكية :تسبب انفجار أزمة العملة في المكسيك في:
-انهيار أسعار األسهم بنسبة 82,8بالمائة خالل الفترة ديسمبر 0119إلى مارس
،0110وانخفضت قيمة العملة المكسيكية بنسبة 12,08بالمائة مقابل الدوالر األمريكي
2
خالل نفس الفترة.
-تعرض عشرات اآلالف من الشركات لإلفالس ،وخسارة 900ألف عامل مكسيكي
لوظائفهم في الشهرين األوليين لعام .0110وانخفاض األجور الحقيقية للعمال بنسبة 00
3
بالمائة في عام .0110
-بسبب الديون قصيرة األجل المقومة بالدوالر ،ومع انخفاض قيمة البيزو أصبحت
المكسيك مهددة بعدم القدرة على التسديد ،حيث بلغت الديون المستحقة على المكسيك عام
0110ما يقارب 60مليار دوالر أمريكي ،منها 80مليار دوالر سندات قصيرة األجل80 ،
مليار دوالر قروض بنكية لبنوك مكسيكية 08 ،مليار دوالر قروض القطاع المالي الخاص،
4
2مليار دوالر ديون خارجية مكسيكية.
1
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص.009.
2
.المرجع نفسه ،ص.000.
3
.رفيقة صباغ ،مرجع سابق ،ص92.
4
. Mechél Drouin, Op. cit, p.160.
128
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-ارتفاع معدل التضخم الذي بلغ ذروته في ديسمبر 0110مسجال 00,1بالمائة وهذا
بسبب التدهور الكبير في قيمة العملة المكسيكية 1.كما انخفض الناتج المحلي اإلجمالي
انخفاضا كبيرا في عام 0110حيث سجل انكماش قدره (0,1-بالمائة) 2.الشكل رقم (.)00
الشكل رقم ( :)02الناتج المحلي اإلجمالي ومعدل التضخم في المكسيك
خالل الفترة ()0222-0220
رابعا :األزمة اآلسيوية ( ،)0222-0221استطاعت بلدان جنوب شرق آسيا وعلى مدى
فترة زمنية ليست بالقصيرة أن تحقق معدالت نمو اقتصادي فاقت كل المقاييس ،فقد بلغ
متوسط معدل النمو االقتصادي بها بين 1 -2بالمائة سنويا ،وقد انعكس ذلك على مستويات
المعيشة في هذه البلدان ،حيث اقتربت مما هو سائد في البلدان الصناعية .ومن أهم العوامل
3
التي ساعدت هذه البلدان على تحقيق ذلك:
-ارتفاع معدالت االدخار واالستثمار مقارنة ببقية بلدان العالم ،حيث بلغ متوسط معدل
االستثمار حوالي 00بالمائة من الناتج المحلي اإلجمالي مقارنة بـــــــــ02بالمائة في بقية
بلدان العالم؛
-انخفاض معدالت الضرائب ،ومستويات اإلنفاق الحكومي معقولة وغير مبالغ فيها،
حيث لم تتعد في المتوسط 80بالمائة من الناتج المحلي اإلجمالي مقارنة بـــــ 09بالمائة في
بقية البلدان النامية و 89بالمائة في البلدان المتقدمة؛
-تطور القطاع الصناعي الذي أصبح له دور متزايد في الناتج المحلي اإلجمالي ،ففي
ماليزيا أصبح هذا القطاع يساهم بــــ 00بالمائة في الناتج المحلي اإلجمالي مقارنة بــــــ 09
بالمائة خالل فترة زمنية أقل من 80سنة؛
1
."Inflation in Mexico" , Focus Economics, https://www.focus-economics.com/country-
indicator/mexico/inflation last visited 07/01/2018.
2
."GDP in Mexico", Focus Economics, https://www.focus-economics.com/country-indicator/mexico/gdp, last
visited 08/01/2018.
3
.جاسم المناعي " ،األزمة االقتصادية اآلسيوية محاولة تشخيص" ،المؤتمر الرابع ألسواق المال العربية ،بيروت ،لبنان 2 ،ماي ،0112ص
ص.8-0
129
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
بفضل هذا استطاعت بلدان جنوب شرق آسيا تحقيق مكاسب على صعيد السوق
العالمي ،إذ استطاعت صادراتها اختراق األسواق العالمية بدرجة تنافسية عالية ،كما تمكنت
من جذب الكثير من الشرك ات ورؤوس األموال األجنبية لالستثمار فيها ،سواء في شكل
استثمارات مباشرة ،أو قروض أو استثمار في أسواق األوراق المالية لهذه البلدان .وأصبحت
أكبر مستقطب لرؤوس األموال األجنبية ،حيث بلغ نصيبها من تدفقات رؤوس األموال
األجنبية الموجهة إلى األسواق الصاعدة في عام 0116والمقدرة بـــ 899مليار دوالر
أمريكي حوالي 00بالمائة مقارنة بـــ 00بالمائة لبلدان أمريكا الالتينية و 00بالمائة لبلدان
1
أوروبا الشرقية.
ولكن رغم هذه االنجازات التي حققتها بلدان جنوب شرق آسيا ،إال أن األوضاع بدأت
تتغير منذ عام ،0119حيث تعرضت هذه البلدان إلى أزمة مالية حادة عصفت بكل تلك
النجاحات.
-0طبيعة ونوع األزمة اآلسيوية :بدأت األزمة في تايالند في جويلية ،0119وقد كانت
إشارات التحذير واضحة بقرب وقوع أزمة مالية فيها ،حيث كان هناك عجز متنام في
الحساب الجاري الممول بواسطة تدفقات رؤوس األموال قصيرة األجل ،نمو بطيء في
الصادرات ،نمو سريع في الديون الخارجية وأعباء خدمتها ،ازدهار عقاري ناتج عن
المضاربة ،وتزايد معدل التضخم وضعف في النظام المالي في ظل نظام صرف ثابت
للبات( )bahtمقابل الدوالر األمريكي .مما جعل الكثير من المتعاملين في السوق المالي
وسوق الصر ف األجنبي يعتقدون أن الوقت قد أصبح مناسبا لتحويل رؤوس أموالهم من
البات إلى الدوالر ألن السلطات النقدية التايلندية ستجري تخفيض في قيمة البات قريبا .وهكذا
أصبح انهيار البات حقيقة عندما أخفت السلطات النقدية الخسارة في احتياطاتها من النقد
األجنبي واستمرت في الدفاع عن البات عن طريق استخدام عقود الصرف اآلجلة .إال أنها
في النهاية تخلت عن ربط البات بالدوالر وأقرت أسلوب التعويم ،مما أدى إلى تهاوي العملة
التايلندية لمستويات قياسية فانفجرت األزمة المالية ،وسرعان ما انتقلت إلى اندونيسيا،
ماليزيا ،الفيليبين ،هونغ كونج ،سنغافورة تايوان .ويمكن توضيح تطور هذه األزمة من
2
خالل المراحل التالية:
-المرحلة األولى :تعرضت بلدان جنوب شرق آسيا إلى أزمة عملة وأزمة مصرفية
متزامنتين ،ابتدا ًء من 8جويلية إلى منتصف أكتوبر .0119حيث انهارت عمالت كل من
تايالند ،ماليزيا ،وإندونيسيا،والفيليبي ن ،وذلك عندما تخلت هذه البلدان عن نظام الصرف
الثابت وتبنت نظام الصرف العائم .أما األزمة المصرفية في هذه البلدان فتمثلت في
اضطراب أوضاع البنوك المحلية بسبب سحوبات كبيرة للودائع ،زيادة في الديون المشكوك
فيها ،وعجز المشاريع عن تسديد ديونها للبنوك وشح في السيولة.
-المرحلة الثانية :من منتصف شهر أكتوبر ،بدأت الضغوطات تنتشر إلى باقي بلدان
جنوب شرق آسيا حيث تأثرت األسواق المالية وأسواق الصرف في هونج كونج،
تايوان،كوريا ،سنغافورة .وهذا عندما بدأت رؤوس األموال األجنبية قصيرة األجل بالتحرك
المفاجئ خارج هذه البلدان ،فقد تعرض مؤشر هونج كونج للتراجع في 80أكتوبر ،0119
1
.جاسم المناعي ،مرجع سابق ،ص.8.
2
.هيل عجمي الجنابي ،مرجع سابق ،ص ص222-969.؛ Mechél Drouin, Op. cit, p.163
130
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
ثم انهارت بورصة هونج كونج بعد ثالثة أيام من هذا التراجع .وانعكس ذلك في تراجع
أسعار األسهم والسندات في أسواق تايالند ،تايوان ،وماليزيا ،وكوريا.
-المرحلة الثالثة :مع نهاية عام ،0119عرفت األزمة توسعا عالميا ،حيث سادت
التوقعات المتش ائمة .وتوقع المستثمرون حدوث المزيد من االضطرابات في أسواق الصرف
والبورصات العالمية ،فمست األزمة كل من روسيا وأمريكا الالتينية.
-8أسباب األزمة اآلسيوية :هناك العديد من األسباب التي كانت وراء انفجار األزمة
اآلسيوية وتطورها في بلدان جنوب شرق آسيا .يمكن إيجاز أهمها فيما يلي:
0-2كثافة حركة رؤوس األموال :لقد شهدت هذه البلدان تدفقات ضخمة لرؤوس األموال
األجنبية قصيرة األجل ،فقد وصل حجم رأس المال األجنبي الخاص المتدفق إلى مجموعة
البلدان اآلسيوية الخمسة (اندونيسيا كوريا ،ماليزيا ،الفيليبين ،تايالند) عام 0116حوالي 10
مليار دوالر أمريكي مقابل 90,0مليار دوالر عام .0119كما تلقت خالل ثالث سنوات
( )0116-0119تمويال خارجيا صافيا قدر بنحو 880مليار دوالر .لقد كانت هذه التدفقات
أكبر من قدرة المؤسسات المالية واالقتصادية في هذه البلدان على التحكم بها واالستثمار فيها
بما يتالءم وصالح اقتصاديات هذه البلدان .كما أعطى انطباعا برخص تكاليف رأس المال
األمر الذي أدى من ناحية إلى التساهل في منح االئتمان للقطاع الخاص ،ومن ناحية أخرى
توظيفها في مشاريع ليست كلها مجدية ،وباألخص في قطاع العقارات الذي عرف
استثمارات مبالغ فيها أدت إلى فائض في العرض وبالتالي انخفاض حاد في أسعار العقارات
ما أضر بالشركات العاملة في هذا المجال وحال دون قدرتها على تسديد ديونها ما أثر على
البنوك التي ازدادت قروضها المعدومة ،فضعفت بشكل خطير مراكزها المالية 1.وأدى ذلك
إلى التخوف من عدم قدرة هذه البنوك على الوفاء بالتزاماتها المالية وقيام البنوك العالمية
بسحب ود ائعها قصيرة األجل من هذه البلدان ،وهكذا تحولت رؤوس األموال األجنبية إلى
رؤوس أموال مغادرة من هذه البلدان( تدفقات عكسية) خالل الفترة ( ،)0112-0119وترتب
عن ذلك مشاكل تشمل نقص في االحتياطات األجنبية ،وانخفاض حاد في التمويل وخلق
2
المزيد من االضطرابات المالية في هذه البلدان.
8-8ضعف المؤسسات المالية والمصرفية :هناك اتفاق عام بأن الضعف المالي في البلدان
اآلسيوية كان سببا رئيسيا في األزمة .فالسرعة التي نمت بها االقتصاديات اآلسيوية وتحرير
حركة رؤوس األموال بها ،لم يرافقه تطوير منظم للنظم المالية فيها .وأهم ما يعكس ضعف
3
المؤسسات المالية والمصرفية:
-تقييم المخاطر لم يكن خاضعا لمعايير صارمة ،سواء تعلق األمر بمنح االئتمان أو
االقتراض من الخارج .فقد توسعت البنوك في هذه البلدان في منح االئتمان دون ضوابط،
وحسب تقديرات بنك التسويات الدولية ارتفعت نسبة االئتمان المحلي إلى الناتج المحلي
اإلجمالي في هذه الدول من 82بالمائة في عام 0110إلى ما يتجاوز 68بالمائة في عام
.0116
1
.جاسم المناعي ،مرجع سابق ،ص.9.
2
.هيل عجمي الجنابي ،مرجع سابق ،ص ص.962-969.
3
.فرانسواز نيكوال ،األزمة اآلسيوية ،ترجمة حليم طوسون ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،8000 ،ص 99.؛ عماد صالح
سالم ،مرجع سابق ،ص ص 080-080.؛ هيل عجمي الجنابي ،مرجع سابق ،ص ص.990-999.
131
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
أما فيما يتعلق باالقتراض من الخارج ،فقد اعتمدت عليه البلدان اآلسيوية الخمسة أكثر
من االستثمار األجنبي المباشر ،وبلغ إجمالي الديون المستحقة للبنوك األجنبية في هذه البلدان
حوالي 899,9مليار دوالر في جوان ،0119وكان معظمها ديون قصيرة األجل،حيث بلغت
نسبة الديون قصيرة األجل إلى إجمالي المديونية في إندونيسيا حوالي 01بالمائة ،في ماليزيا
06بالمائة ،الفيليبين 02بالمائة ،في تايالند 60بالمائة ،في كوريا 69بالمائة .كما كانت نسبة
الديون قصيرة األجل إلى احتياطات النقد األجنبي في جوان 0119تزيد عن الواحد الصحيح
في كل من إندونيسيا ،تايالند ،وكوريا .وهو ما يعتبر مؤشرا على إمكانية تعرض هذه البلدان
1
ألزمة مالية.
-إن الجزء األكبر من هذه الديون قصيرة األجل خصص لتمويل أصول طويلة األجل،
بحيث ال يوجد انسجام بين تواريخ استحقاق المطلوبات وهذه األصول ،مما أدى إلى حدوث
أزمة سيولة.
-لقد جاء الضعف في القطاع المالي من ضعف وعدم فاعلية اإلشراف الذي تقوم به
البنوك المركزية في بلدان جنوب شرق آسيا في ظل نطاق عمليات تحرير القطاع المالي في
هذه البلدان.
-استخدام الحكومات سلطاتها في بعض البلدان اآلسيوية لتمويل مشاريع مشكوك فيها،
ومنح التمويل للمضاربين في األسواق المالية دون ضوابط فارتفعت بذلك نسبة قروض
المجاملة نتيجة للفساد السياسي.
-إحدى أهم المشكالت التي واجهت المؤسسات المالية والمصرفية في هذه البلدان هو
عدم امتالكها لجهاز إداري ماهر ،و افتقارها ألشخاص ذوي الخبرات ،حيث كان المصدر
الرئيسي لهؤالء العاملين في مجال اإلدارة هو وزارات المالية الحكومية.
1-8نظام الصرف :لقد كان لنظام الصرف الذي اتبعته بلدان جنوب شرق آسيا دورا في
استفحال األزمة وبلوغها ذلك المستوى الحرج .فلقد تبنت هذه البلدان ولفترة طويلة من الزمن
نظام سعر الصرف الثابت ،يقوم على ربط عمالتها بالدوالر األمريكي ،هذا الربط لم يوفر
المرونة الكافية للحفاظ على تنافسية صادرات هذه البلدان ،فعندما ارتفع الدوالر خالل الفترة
( )0119-0110أخذت عمالت هذه البلدان في االرتفاع بسب ارتباطها بالدوالر ،األمر الذي
انعكس على صادراتها ،حيث أصبحت غالية الثمن مما أدى إلى فقدانها القدرة التنافسية في
أسواق العالم .ومما الشك فيه أن ضعف القدرة التصديرية لهذه البلدان كان سببا رئيسيا في
2
تزايد عجز الحسابات الجارية في موازين مدفوعاتها.
كما أن نظام الصرف الثابت سهل مهمة المضاربين ،كما سهل عملية اقتراض البنوك
3
والشركات المحلية من الخارج بشكل مغامر دون الخوف كثيرا من مخاطر سعر الصرف.
4-8المضاربة :إن التغير في حركة رؤوس األموال األجنبية قصيرة األجل يعتبر مؤشرا
للمضاربة وإلمكانية حدوث أزمة عملة .وهذا ما حدث في البلدان اآلسيوية حيث اتخذت
تحركات رؤوس األموال قصيرة األجل شكل مضاربة نظرا لتحولها المفاجئ إلى رؤوس
1
.Olivier Davanne, Instabilité du système Financière International, La documentation Française, Paris, 1998,
p.49.
2
.جاسم المناعي ،مرجع سابق ،ص.0.
3
.المرجع نفسه ،ص.0.
132
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
أموال مغادرة من هذه البلدان .ويمكن قياس مدى المضاربة ووزنها المتوقع من خالل معرفة
األهمية النسبية للديون قصيرة األجل إلى إجمالي الديون في هذه البلدان التي فاقت 00بالمائة
ونسبة الديون قصيرة األجل إلى احتياطات النقد األجنبي التي كانت تزيد عن الواحد الصحيح
في إندونيسيا 0,9في تايالند ،0,0في كوريا .8,0فزيادة وزن نسبة هذه الديون من الدين
الخارجي ،أو من االحتياطات األجنبية يقلل من قدرة هذه االحتياطات في تحقيق استقرار
1
أسعار الصرف ويجعل التوقعات حول انخفاض قيم العمالت ومن ثم المضاربة أمرا واردا.
-1النتائج المترتبة عن األزمة اآلسيوية :على الرغم من أن بلدان جنوب شرق آسيا الخمس
(تايالند اندونيسيا ،ماليزيا ،كوريا ،الفيليبين) هي التي تأثرت باألزمة أكثر من غيرها إال أن
األزمة طالت اقتصاديات بلدان أخرى .وفيما يلي استعراض أهم هذه اآلثار:
0-1اآلثار على اقتصاديات جنوب شرق آسيا:
-تكبد أسواق المال للبلدان الخمسة خسائر ال تقل عن 600مليار دوالر ،أو ما يساوي
ثلثي الناتج المحلي اإلجمالي لهذه البلدان ،فقد نتج عن األزمة انخفاض حاد في أسعار األسهم
وخسرت أسواق األسهــــم حـــوالـــي 60بالمائة من قيمتها في المتوسط خالل الفترة من
جويلية 0119وحتى منتصف فيفري .0112كما حدث تدهور كبير في قيمة عمالت هذه
البلدان مقابل الدوالر األمريكي خالل فترة سبعة أشهر ونصف2.وهذا ما يوضحه الجدول
رقم ( .)00فعلى سبيل المثال فقدت الروبية االندونيسية حوالي 10,0بالمائة من قيمتها مقابل
الدوالر ،وسجل مؤشر سوق األسهم تراجع بنسبة 20,99بالمائة خالل الفترة (جويلية
-0119منتصف فيفري )0112ونفس الشيء بالنسبة لعمالت البلدان األربعة ومؤشرات
أسواق األسهم بها.
الجدول رقم( :)02هبوط أسعار األسهم وتدهور قيم العمالت في البلدان اآلسيوية الخمس
خالل الفترة ( جويلية 06 -0221فيفري )0222
أسعار مؤشر في انخفاض قيمة العملة مقابل تغيرات
األسهم% الدوالر% الـــــــــــــبلـــــــــــــــــــــــــــــد
81.74- 93.1 إندونيسيا
48.37- 87.09 تايالند
63.06- 83.04 كوريا الجنوبية
58.41- 55.43 ماليزيا
49.17- 51.37 الفيليبين
المصدر :عماد صالح سالم ،إدارة األزمات في بورصات األوراق المالية العربية والعالمية والتنمية
المتواصلة،شركة أبو ظبي للطباعة والنشر ،أبو ظبي ،8008 ،ص.080.
-حدوث انكماشات حادة في النشاط االقتصادي فقد تم تسجيل انكماش في الناتج
الحقيقي في عام ،0112قدر بـــــ(00,9-بالمائة) في اندونيسيا ،و(0,2-بالمائة) في كوريا
الجنوبية ،و(6,9-بالمائة) في ماليــــــــــــــــــــــــزيــــــــا (0.0-بالمائة) في الفيليبين-( ،
1.9بالمائة) في تايالند .كما أدت األزمة إلى ارتفاع الرقم القياسي ألسعار المستهلك في هذه
البلدان ،واتجهت كذلك للضغط على الواردات التي وصلت إلى معدالت سالبة تراوحت بين
(09,0-بالمائة) في ماليزيا كحد أدنى ،و(86,2-بالمائة) في تايالند كحد أقصى وذلك في عام
1
هيل عجمي الجنابي ،مرجع سابق ،ص 990.؛ .Olivier Davanne, Op.cit, p.49
2
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص.080.
133
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
1.0112وعلى صعيد الصادرات لم تنجح سوى الفيليبين في تسجيل ارتفاع كبير بلغ نسبة
س ِّجل تراجع في حجم الصادرات لدى باقي البلدان .فقد خلق عدم استقرار 06,1بالمائة ،بينما ُ
عمالت هذه البلدان جوا من الشك حول القدرة التنافسية لمختلف صناعات المنطقة .ونتج عن
2
ذلك حدوث تقلص نسبي في االستثمارات التجارية بما فيها االستثمارات البينية.
-كما ترتب عن األزمة ارتفاع معدالت البطالة والفقر في المنطقة ارتفاعا كبيرا ،فعلى
سبيل المثال ارتفع معدل البطالة في كوريا الجنوبية من 8بالمائة عام 0116إلى 6,2بالمائة
في عام .0112وفي إندونيسيا زاد معدل الفقر من 9,6بالمائة في شهر أوت 0119إلى
3
80,8بالمائة في نهاية عام .0112
8-1آثار األزمة على الصعيد العالمي :إن النجاح االقتصادي الذي حققته بلدان جنوب شرق
آسيا خالل العقدين السابقين لألزمة ،جعل منها العبا رئيسيا في ساحة االقتصاد العالمي.
ولهذا كان من الطبيعي أن يكون لهذه األزمة آثار على االقتصاد العالمي .وقد أخذت تلك
اآلثار األبعاد التالية:
البعد األول :أدت األزمة إلى تدهور في مؤشرات البورصات العالمية ،مثل البورصات
األوروبية التي انخفضت أسعار األسهم والسندات بها بشكل حاد ،وحدثت حاالت من اإلفالس
والعسر في تسديد االلتزامات المالية وخاصة لكبريات الشركات متعددة الجنسيات .وحصل
نفس الشيء في الواليات المتحدة ،حيث انخفض مؤشر ( )Dow Jonesبــــ 009نقطة ،وتم
إيقاف التعامالت في بورصة نيويورك مرتين في يوم 89أكتوبر 0119وخسرت البورصة
ما يقارب 000مليار دوالر 4.أما في اليابان فقد كانت صناعتها المالية تعاني من أزمة حادة
(الديون المتعثرة) ،والتي سقط خاللها العديد من الـــبنوك والمؤسسات المالية ،وقد أدت
األزمة اآلسيوية إلى توقع المتعاملين والمستثمرين إلى احتمال فشل المزيد من المؤسسات
األخرى فانعكس ذلك على بورصة طوكيو التي سجلت تراجعا بـــــ 01,0بالمائة ،كما
5
واصل الين تراجعه أمام الدوالر.
البعد الثاني :ألقت األزمة اآلسيوية بظاللها على األسواق المالية الصاعدة ،بدأت ببلدان
شرق أوروبا بما فيها روسيا التي عرفت تدهورا كبيرا في أسواق األوراق المالية بعد أن بدأ
المستثمرون بإخراج أموالهم من روسيا مما شكل ضغطا متزايدا على العملة الروسية
(الروبل) ،فأجبر البنك المركزي الروسي على استخدام الدوالر لشراء الروبل من سوق
الصرف األجنبي وخالل شهر أوت 0112تدخل بشكل كبير لمنع انهيار الروبل لكنه توقف
عن ذلك في 86أوت 6،وهكذا وبعد عام فقط من وقوع األزمة اآلسيوية دخل االقتصاد
الروسي هو اآلخر في أزمة خطيرة .وقد كان لألزمتين اآلسيوية والروسية ضغوطا شديدة
على أسواق بلدان أمريكا الالتينية ،حيث تراجعت أسعار األسهم بنسبة 60بالمائة في عام
، 0112وتعرضت السندات إلى تراجعات حادة ،وهذا بسبب خروج التدفقات قصيرة األجل
1
.Andrew Berg, Jonathan D.Osty, "The Asia Crisis : Causes, Policy Responses, and Outcomes", IMF working
paper,(WP/99/138), Asia and pacific Departement, October 1999, p.4.
2
.أنور هاقان قوناش" ،أزمة شرق آسيا:عبر لبلدان منظمة المؤتمر اإلسالمي" ،مجلة التعاون االقتصادي بين الدول اإلسالمية ،مركز األبحاث
اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية (مركز أنقرة) ،المجلد 88العدد ،8000 ،0ص.19.
3
.حميد الجميلي ،الحكم االقتصادي العالمي والصدمة االرتدادية ،منتدى الفكر العربي ،ع ّمان ،8008 ،ص.18.
4
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص.089.
5
.محمد علي إبراهيم العامري ،مرجع سابق ،ص.601.
6
.المرجع نفسه ،ص.680.
134
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
1
وهروب رؤوس األموا ل من هذه األسواق متجهة إلى البنوك السويسرية ولندن ونيويورك،
مما شكل ضغوطا كبيرة على عمالت بلدان أمريكا الالتينية ،وبشكل خاص كان هناك ضغط
على العملة البرازيلية في أواخر أكتوبر ، 0119حيث اعتقد المضاربون أنه بما أن معظم
البلدان اآلسيوية لم تستطع المحافظة على عمالتها ،فإن البرازيل لن تكون قادرة على تحقيق
2
هدفها بالحفاظ على استقرار عملتها.
البعد الثالث :أدت األزمة إلى تفاقم االنخفاض في أسعار السلع العالمية بسبب ضعف
الطلب من قبل بلدان آسيا المتضررة من األزمة .وبصفة خاصة المعادن والمواد الزراعية
التي تشكل صادرات بلدان جنوب إفريقيا فقد أدى الهبوط في سعر الذهب والماس والقطن
المصدرة من غانا ومالي وجنوب إفريقيا وزمبابوي إلى تأثيرات سيئة على هذه البلدان 3.كما
سجلت أسعار النفط تراجعا مستمرا خالل عام ،0112فقد كان الطلب اآلسيوي أحد القوى
الدافعة الرتفاع أسعار النفط خالل العامين السابقين لألزمة ،وتراجع هذا الطلب أدى إلى
انهيار في األسعار العالمية للنفط التي وصلت إلى أدنى مستوى لها على مدى 08عاما في
ديسمبر . 0112وقد كان لذلك التراجع الحاد أثر كبير على اقتصاديات البلدان المصدرة التي
4
تعرضت لخسائر كبيرة في إيرادات التصدير.
البعد الرابع :أدى تراجع معدالت النمو في االقتصاديات اآلسيوية المتضررة من
األزمة إلى انخفاض إسهامها في الطلب العالمي مما أثر على اقتصاديات البلدان الصناعية،
وخصوصا اليابان التي وجدت صعوبة في تحقيق النمو بالمعدالت المطلوبة بسبب أوال
ضعف الطلب الخاص الداخلي كنتيجة لفقدان الثقة في القطاع المالي وأيضا نقص الطلب من
قبل البلدان المتضررة من األزمة 5.كما أثرت األزمة كذلك على البلدان الصناعية األوروبية
فبسبب تراجع الطلب اآلسيوي تباطأت صادرات البلدان األوروبية إلى البلدان اآلسيوية مما
أدى إلى منع وفرة النشاط االقتصادي في عدد من البلدان األوروبية التي كانت تمر في مركز
متقدم من الدورة االقتصادية (الدنمرك فنلندا ،هولندا ،النرويج ،المملكة المتحدة) 6.وعلى نحو
عام ،فإن األزمة اآلسيوية ساهمت في انخفاض النمو االقتصادي العالمي بحوالي 0,80
بالمائة في عام 0112مقارنة بمعدل النمو قبل حدوث األزمة .كما تراجع معدل نمو حجم
7
التجارة الدولية إلى 6,0بالمائة عام 0112بعد أن بلغ 1,0بالمائة في عام .0119
خامسا :األزمة الروسية .تعرضت روسيا عام 0112ألزمة مالية ال تقل حدة عن األزمة
التي أصابت اقتصاديات البلدان اآلسيوية .وقد كانت هذه األزمة نتاج تفاعل مجموعة من
العوامل الداخلية والخارجية.
-0ظروف ما قبل األزمة :بعد تفكك االتحاد السوفيتي رسميا عام ،0110شهد االقتصاد
الروسي تطورات كبيرة تضمنت التحول السريع والمفاجئ إلى الرأسمالية والتحرير
1
.عرفان الحسيني" ،االقتصاد السياسي ألزمة أسواق المال الدولية" .6 ،من الموقع:
Jps_dir.com/forum/uploads/1364/politECO doc, last visited 07/09/2015
2
.محمد علي إبراهيم العامري ،مرجع سابق ،ص.680.
3
.هيل عجمي الجنابي ،مرجع سابق ،ص.921.
4
.أنور هاقان قوناش ،مرجع سابق ،ص.000.
5
.المرجع نفسه ،ص.12.
6
.هيل عجمي الجنابي ،مرجع سابق ،ص.921.
7
.المرجع نفسه ،ص.991.
135
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
االقتصادي ،وسمي ذلك بإستراتيجية العالج بالصدمة والتي تم تطبيقها عام ،0118ومن
1
أبرز عناصر هذه اإلستراتيجية:
-تحرير األسعار من القيود؛
-تخفيض اإلنفاق الحكومي بهدف تحقيق التوازن في الموازنة العامة؛
-تحويل ملكية منشآت الدولة االقتصادية إلى القطاع الخاص؛
-إزالة القيود على التجارة الخارجية وتحرير حركة رؤوس األموال؛
ولقد أ فرزت هذه اإلستراتيجية آثارا سلبية على اإلنتاج ،والعمالة ،وعلى سعر الصرف.
فقد كان من نتائجها ارتفاع في األسعار بنسب عالية أكثر من نسب ارتفاع الدخول النقدية مما
أدى إلى انخفاض الدخول الحقيقية وبالتالي انخفاض الطلب وتراجع في اإلنتاج ،ومن ثم
انتشار البطالة .كم ا أدى تحرير التجارة الخارجية إلى زيادة منافسة السلع المستوردة لإلنتاج
المحلي واتساع درجة اإلستراد من الخارج .أما تحرير حركة رؤوس األموال والسماح
بتحويل الروبل إلى عمالت أجنبية وأهمها الدوالر ،فقد أدى إلى خروج رؤوس األموال
الروسية ،حيث بلغ حجم رؤوس األموال الروسية النازحة خالل الفترة ()0119-0110
حوالي مائة مليار دوالر أمريكي .في حين بلغ حجم االستثمارات األجنبية في روسيا وحجم
المساعدات الرسمية الغربية 01,9مليار دوالر فقط خالل نفس الفترة .وقد ساهم ذلك في
2
ارتفاع اعتماد روسيا على التمويل الخارجي بشكل متزايد.
-8طبيعة األزمة وأسباب انفجارها :ابتداء من جوان 0112ظهرت مؤشرات تنبئ بأزمة
وشيكة في روسيا عندما أعلنت التوقف عن سداد ديونها قصيرة األجل لمدة ثالثة أشهر
وإعادة هيكلة ديونها ،وكذا انخفاض قيمة الروبل 09بالمائة ،وعدم قدرة السلطة النقدية على
حماية عملتها لنفاذ احتياطات النقد األجنبي في منتصف أوت 3،0112فترتب عن ذلك اندالع
أزمة المالية فيها .وقد تفاعلت مجموعة من العوامل التي أسهمت في تفاقم األزمة الروسية
أهمها:
-عدم التدرج في عملية اإلصالح االقتصادي ،ومن ثم عدم مراعاة الظروف
واألوضاع االجتماعية والسياسية السائدة ،ما أدى إلى انتشار الفساد والجريمة المنظمة
4
(المافيا) على نطاق واسع ،ومحاولتها االستفادة من برامج الخصخصة.
-تفاقم عجز الموازنة العامة بسبب فشل السياسات المحلية في التعامل بفعالية مع مشكل
العجز الذي نشأ نتيجة عدم وجود نظام ضريبي كفء ،واالفتقار إلى االنضباط في اإلنفاق
في مجاالت مهمة وبطء التقدم في اإلصالح الهيكلي 5.هذا من جهة ،ومن جهة أخرى
انخفاض أسعار البترول مما دفع بالحكومة إلى التوسع في الدين العام بأسعار فائدة مرتفعة
6
جدا لتغطية ذلك العجز المتزايد.
-تدهور الميزان التجاري ،لقد حقق الميزان التجاري الروسي فائضا كبيرا لعدة
سنوات ،لكنه تراجع انطالقا من أواخر عام .0116وهذا ليس فقط بسبب االنخفاض في
1
.هيفاء عبد الرحمان التكريتي ،مرجع سابق ،ص.800.
2
.هيفاء عبد الرحمان التكريتي ،مرجع سابق ،ص ص.800-808.
3
.عمرو محي الدين ،مرجع سابق ،ص.891.
4
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص.008.
5
.Peter Isard, Globalizationand the International Financial System, What wrong and What can be done,
United Kingdom, Cambridge University press, 2004, p.149.
6
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص ص.008-000
136
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
أسعار البترول التي تراجعت بـــــ 91,0بالمائة خالل السداسي األول من عام 0112وتراجع
حصيلة الصادرات الروسية نتيجة األزمة األسيوية ،ولكن أيضا بسبب ارتفاع تكلفة الواردات
1
الروسية أيضا.
-تعليق روسيا مدفوعات الدين الخارجي لمدة 10يوما ،وحضر االستثمار األجنبي في
أذونات الخزينة قصيرة األجل ،وإعالنها لخطة جدولة لسداد ديونها من تلك السندات مما أدى
إلى انهيار الثقة في مناخ االستثمار في روسيا وفي االقتصاد الروسي بشكل عام ،واتجاه
الم ستثمرين األجانب نحو االنسحاب السريع من سوق األوراق المالية مما أدى إلى انهيارها.
كما أدى هذا االنسحاب لرؤوس األموال األجنبية ،وهروب رؤوس األموال إلى الخارج التي
قدرت بنحو 000مليار دوالر في عام ،0112إلى زيادة حدة الضغوط على سعر الصرف
وتآكل االحتياطات من النقد األجنبي 2،التي انخفضت بحوالي 00بالمائة خالل الفترة
أكتوبر0119وحتى جوان 0112كما يوضحه الجدول التالي:
الجدول رقم ( :)06احتياطات النقد األجنبي لدى البنك المركزي الروسي
خالل الفترة (0جويلية 0 -0221جوان )0222
مليار دوالر
0112/6/0 0112/9/0 0112/0/0 0119/08/0 0119/00/0 0119/9/0 التـــــاريــــــخ
1 00,1 08,1 08,8 02,9 80,9 النقد األجنبي
Source : Jacques Sapir, "La crise financière Russe d’août 1998, Tournant de transition en
Russie ?", Document de Travail 01-1, CEMI, Mai 2001, p.6.
-لقد ترتب عن إعادة جدولة الديون ،وتدهور قيمة العملة بعد التخلي السلطة النقدية عن
دعمها تدهور كبير في أوضاع الجهاز المصرفي ،حيث انتشرت حاالت اإلفالس بين البنوك
والمؤسسات المالية التي عجزت عن رد الودائع .وقدر عدد البنوك التي أغلقت أبوابها نحو
3
600بنك.
وهكذا أصبحت روسيا تعاني من أزمة سيولة غير عادية وتدهور شديد في قيمة العملة
وانهيار السوق المالي إلى جانب أزمة الدين الخارجي .كل هذا أثر على جوانب االقتصاد
الحقيقي ،فقد دخل االقتصاد الروسي في ركود ،حيث سجل انكماش في الناتج المحلي
اإلجمالي عام 0112قدربـــــــ (0-بالمائة) ،وارتفاع في معدل البطالة من نحو 00,0بالمائة
4
عام 0119إلى 08بالمائة عام 0112و 00بالمائة عام .0111
-1عدوى األزمة المالية الروسية :في األسبوع األول من سبتمبر 0112بدأت أسواق
األسهم العالمية تستجيب آلثار الصدمة الروسية ،فقد ترتب عن تدهور سعر صرف الروبل،
وإعادة هيكلة الدين خسارة كبيرة للمستثمرين في األدوات المالية المقومة بالروبل ،وحتى
يقوم هؤال ء المستثمرون بالوفاء بالتزاماتهم في مواعيدها اضطروا إلى بيع بعض األدوات
المالية المقومة بعمالت أخرى في أسواق أخرى .وهكذا أدت األزمة الروسية إلى تصاعد
1
.Jacques Sapir, "La crise financière Russe d’août 1998, Tournant de transition en Russie ?", Document de
Travail 01-1, CEMI, Mai 2001, p.6, p.9.
2
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص.000.
3
.المرجع نفسه ،ص.000.
4
."Russia Ecinomic Outlook", Focus Economics,https://www.focus-economics.com/countries/russia, last visited
11/01/2018
137
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
الضغوط لبيع األسهم في أمريكا الالتينية وأوروبا ،والواليات المتحدة فسجل مؤشر األسهم
في السوق البرازيلية انخفاضا قدره 00بالمائة ،ومؤشر سوق األسهم في فنزويال انخفض
بحوالي 01بالمائة منذ 01أوت وحتى األسبوع األول من سبتمبر .كما تأثر مؤشر( Dow
)Jonesحيث انخفض بحوالي 008نقطة في األسبوع األول من سبتمبر وأعلنت العديد من
البنوك والمؤسسات المالي األمريكية خسائرها في السوق الروسية ،والتي قدرت بحوالي 2
1
مليار دوالر حتى نهاية منتصف سبتمبر.
سادسا :األزمة البرازيلية .شهدت البرازيل كغيرها من االقتصاديات الصاعدة أزمة مالية
حادة في أواخر عام 0112وبداية عام .0111وفيما يلي محاولة للتعرف على األوضاع
االقتصادية التي سبقتها وإلى أهم األسباب التي كانت وراءها.
-0األوضاع االقتصادية قبل األزمة :في بداية التسعينيات من القرن العشرين أعلنت الحكومة
البرازيلية مجموعة من اإلصالحات وتبنت برنامجا جديدا للتنمية أساسه االنتقال إلى اقتصاد
2
السوق من خالل:
-رفع الدعم عن الصادرات وتخفيض تدريجي في الرسوم الجمركية؛
-الخصخصة وتحرير األسعار وكانت البداية بسوق الوقود عام 0110؛
-ضبط النفقات العامة؛
-رافقت هذه التدابير خطة إصالح نقدي تهدف إلى تحقيق االستقرار النقدي ،ومكافحة
التضخم .استندت على طرح عملة جديدة (الريال) وربطها بالدوالر األمريكي،
بمعدل 0ريـــــــال يساوي 0دوالر؛
بدأت تظهر النجاحات األولية لهذه التدابير بشكل ملحوظ ،حيث تراجع معدل التضخم،
وارتفع معدل النمو ليصل إلى 00,9بالمائة في الربع األول من عام 3،0110باإلضافة إلى
ذلك عرفت البرازيل نموا سريعا لتدفقات رؤوس األموال األجنبية ففي عام 0119ارتفع
االستثمار األجنبي المباشر بنسبة 090بالمائة مقارنة بالعام السابق ،ليصل إلى 080مليار
4
دوالر مقابل 08مليار دوالر عام 0116وحوالي 90مليار دوالر مقابل عام .0119
ولكن سرعان ما بدأت األوضاع تتدهور ،حيث بدأ معدل النمو االقتصادي يتراجع بين
الربعين األوليين لعام 0110وعام 0116بما يقرب 08نقطة مئوية .وبعد األزمة اآلسيوية
واألزمة الروسية انخفض معدل النمو إلى مادون الصفر في الربع األخير من عام ،0112
أضف إلى ذلك ارتفاع في معدل االستيراد وتدهور في ميزان المدفوعات 5.شكلت هذه
األوضاع ضغوطا كبيرا على العملة البرازيلية التي ظل البنك المركزي البرازيلي يدافع عنها
6
حتى منتصف جانفي ،0111حين قرر تعويم الريال البرازيلي ،مما أدى إلى نشوء األزمة.
1
.عمرو محي الدين ،مرجع سابق ،ص.800.
2
. José Gabriel Palma, "The 1999 Brazilian financial crisis: how to create a financial crisis by trying to avoid
one",Third Workshop “Financial Stability and Growth”, Organized by CEMACRO – Center of Structuralist
Development Macroeconomics, São Paulo School of Economics Fundação Getulio Vargas, and the Ford
Foundation,March 2012, pp.4-5.
3
.Ibid, p.5.
4
.Mike Evangelist, Valerie Sathe," Brazil’s 1998-1999 currency crisis", 4/11/06, p.2, www.personel.umich.edu/
~kathrynd/Brazil.w06.pdf last visited 15/00/2015
5
. José Gabriel Palma, Op. cit, pp.5-6.
6
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص.000.
138
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-8أسباب تفاقم األزمة البرازيلية :يمكن إجمال األسباب الرئيسية في حدوث األزمة
وتفاقمها في البرازيل في النقاط التالية:
-تفاقم العجز في الحساب الجاري ،بدأت البرازيل تعاني من تفاقم العجز في الحساب
الجاري منذ عام ،0110وبحلول عام 0112تضخم العجز إلى مستوى غير مسبوق ،حيث
1
بلغ 9,8بالمائة من الناتج المحلي اإلجمالي.
-ارتفاع حجم الديون الخارجية .بحلول عام ،0111كانت البرازيل تدين للدائنين األجانب
2
بمبلغ 899مليار دوالر أي نحو 96بالمائة من الناتج المحلي.
-تفاقم عجز الموازنة ،حيث تراوح العجز بين 6و 9بالمائة من الناتج المحلي اإلجمالي
خالل فترة التسعينيات وذلك نتيجة لعدم وجود نظام ضريبي كفء ،وعدم السيطرة على
3
اإلنفاق الحكومي ،مما أخ ّل بقدر البرازيل على الوفاء بالتزاماتها.
-منذ األزمة اآلسيوية اضطرت الحكومة البرازيلية إلى التغيير في السياسة االقتصادية،
فعملت على خفض قيمة الريال من أجل زيادة القدرة التنافسية لصادراتها ،وكذا رفع أسعار
الفائدة التي وصلت إلى ما يقرب 90بالمائة في أواخر عام 0119من أجل منع رؤوس
األموال األجنبية من الخروج وجذب المزيد منها .لكن نتج عن هذه السياسة ارتفاع تكلفة
الديون المقومة بالدوالر .وفي ظل ارتفاع الدين الخارجي ،وتفاقم عجز الموازنة والحساب
الجاري ،بدأت التوقعات بأن الحساب الجاري في عام 0111سيكون أكبر بكثير من تدفقات
رؤوس األموال الداخلة ،ثم جاءت األزمة الروسية في الربع الثالث من عام 0112التي
أشاعت الفوضى والتشكيك في االقتصاد البرازيلي ،وبدأ الرأسمال األجنبي بالهروب ،ما
شكل ضغطا على احتياطات النقد األجنبي التي بلغت في األسبوع األول من شهر أوت 90
مليار دوالر ،ولكن في ظرف 00يوما فقط خسرت البرازيل 00مليار دوالر وكان هذا في
نهاية شهر سبتمبر والذي أطلق عليه سبتمبر األسود 4.ومن أجل تجنب الوقوع في أزمة عملة
قدم صندوق النقد الدولي دعما للبرازيل قدره 90,0مليار دوالر وذلك لمساعدتها على بناء
احتياطاتها من النقد األجنبي في أواخر عام ،0112وقام البنك المركزي بتخفيض قيمة العملة
بـــــ 2بالمائة في جانفي .0111ولكن في ظل هذه الظروف توقع المستثمرون أن البنك
المركزي لن يستمر في الدفاع عن العملة وسيقوم في نهاية المطاف بالتخفيض فاشتدت
المضاربة على الريال 5.وبالفعل بحلول 00جانفي 0111تخلت البرازيل عن الدفاع عن
عملتها ،ومع حلول شهر فيفري بلغ االنخفاض والتدهور في سعر صرف الريال 00
6
بالمائة.
ما يميز أزمات القرن العشرين ،وتحديدا منذ عقد السبعينيات أنها حدثت في ظل
تغيرات جذرية شهدها النظام االقتصادي العالمي .ولعل أهم هذه التغيرات ،عملية تحرير
حركة رؤوس األموال عبر الحدود خاصة بالنسبة للبلدان المتقدمة (الواليات المتحدة،
وبريطانيا) ،ثم اتسع نطاقها وتسارعت وتيرتها في باقي البلدان المتقدمة في عقد الثمانينيات،
ليشهد عقد التسعينيات انفتاح أسواق البلدان الصاعدة والنامية واندماجها في النظام
1
.Mike Evangelist, Valerie Sathe, Op. cit, p.3.
2
.Ibid, p.3.
3
.Ibid, p.3.
4
.André Averbug, Fabio Giambiagi,"The Brazilian Crisis of 1998-1999: Origins and Consequences",Textos
para Discussao 77, BNDES,May 2000, pp.11-19.
5
.Mike Evangelist, Valerie Sathe, Op. cit, pp.4-5.
6
.عمرو محي الدين ،مرجع سابق ،ص.809.
139
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
ا القتصادي الرأسمالي العالمي ،من خالل تحرير أسواقها وفك القيود على حركة رؤوس
األموال وتعامالتها .هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى انهار النظام االشتراكي وتفكك االتحاد
السوفياتي لتنضم دوله هي األخرى لهذا النظام االقتصادي العالمي الذي اصطلح على تسميته
(العولمة) ،و قد لعبت تكنولوجيا المعلومات واالتصال والتقدم الهائل الذي حصل فيها دورا
كبيرا في تسريع العولمة التي بدورها خلقت آليات انتشار األزمات وعدوى انتقالها بين جميع
بلدان العالم.
المبحث الثالث :أزمات العقد األول من القرن الواحد والعشرين
لقد شهد العالم في مطلع القرن الواحد والعشرين موجات متتالية من األزمات ،أدت إلى
ضياع أصول هائلة للمستثمرين في األسواق المالية ،وإلى إحداث آثار كبيرة في اقتصادات
العديد من البلدان .وسيتم التطرق في هذا المبحث ألهم هذه األزمات.
المطلب األول :أزمة فقاعة اإلنترنت ()8000-8000
شهد قطاع اإلنترنت وما يرتبط به من شركات التكنولوجيا المتطورة نموا سريعا منذ
منتصف التسعينيات وحتى عام ،8000وانعكس ذلك على أسعار أسهم هذه الشركات في
سوق األوراق المالية بالواليات المتحدة والتي تعرف ببورصة *( )NASDAQالتي وصل
مؤشرها إلى ذروته في مارس ،8000حيث سجل 0008,08نقطة1.ووفقا آلراء بعض
المحللين االقتصاديين فإن الفقاعة بدأت تتشكل في التسعينيات من القرن العشرين فبين عام
0110والذروة في مارس ،8000ارتفعت أسعار األسهم األمريكية بنحو خمسة أضعاف
وسرعان ما تسارع معدل نمو أسعار األسهم من 00,9بالمائة سنويا بين عامي 0110و
2
0110إلى 80,8بالمائة سنويا بين عامي 0110و .8000
أوال :العوامل المساهمة في تشكل فقاعة االنترنت ،قبل بدء أي فقاعة ال بد من وجود فكرة
يتم االستناد إليها في ترويج الخطة االستثمارية التي تدور حولها ،ومع التوسع الكبير في
شبكة االنترنت وتكنولوجيا المعلومات واالتصال ،وتطوير آليات فعالة للتجارة االلكترونية،
بدأت تنتشر في وسائل اإلعالم في مجال األعمال عبارة جديدة هي "االقتصاد الجديد" ،حيث
لالنترنت الدور األساسي في تسيير األعمال وتسهيل التجارة وعمليات التسويق...إلخ ،وساد
االعتقاد لدى المضاربين والمستثمرين بأن الثروة القادمة مع هذا االقتصاد الجديد ،الذي
سيفتح آفاقا هائلة للمعامالت والقيمة المضافة في االقتصاد ،وبدأ وهم تحقيق الثروة يسيطر
على عقول عدد كبير من المستثمرين ،لدرجة أن الشركات الجديدة في القطاع لم تجد
مصاعب تذكر في بيع إصداراتها من األسهم ،على الرغم من ضعف خطط األعمال التي تم
تقديمها ،بل يكفي إضافة حرف eإلى اسم الشركة ،أو كلمة comإلى االسم التجاري لها،
لتنفذ إصدارات األسهم بسرعة قياسية .وفي الواقع ليس هناك سبب وحيد في تشكل الفقاعة،
3
بل هناك العديد من العوامل التي أسهمت في ذلك ،ومن أهمها:
*
:NASDAQهي أكبر بورصة تعمل على أساس الشاشات اإللكترونية في الو.م.أ مع نحو 0800شركة مدرجة بها ،أنشئت عام .0190أغلب
الشركات المدرجة فيها تكنولوجية وتعتبر المؤشر الرئيسي للسوق التكنولوجي األمريكي.
1
.Amar Mann, Tony Nunes," After the Dot –Com Bubblem : Silicon Valley High-Tech Employment and Wages
in 2001 and 2008", Regional Report, U.S. Bureau of Labor Statistics, August 2009, p.2.
2
.Aart Kraay, Jaume Ventura,"The Dot-Com Bubble,the Bush Deficits,and the U.S Current Account",
p.460.www.nber.org/chapters/c0124.pdf, last visited 13/00/2010.
3
.محمد إبراهيم السقا" ،فقاعة الدوت كوم" ،الصحيفة االقتصادية80 ،أوت ، 8000من الموقع:
http://www.aleqt.com/2010/08/20/article_431805.html last visited 22/10/2015.
140
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-االعتقاد الجازم الذي كان سائدا بين المستثمرين بأن الشركات المقدمة لالنترنت
وشركات التكنولوجيا بشكل عام هي صناعة المستقبل ،وأن هذه الشركات ستمثل األركان
األساسية لالقتصاد الجديد ،وأ ن هذا االقتصاد الجديد يعد بتحقيق معدالت نمو خيالية ومن ثم
عوائد ال حصر لها ،وأ ن االستثمار في هذه الشركات هو السبيل الوحيد القتطاف ثمار
العوائد الناجم عن النمو في هذه الصناعة.
-سوء عملية تقييم األسهم ،حيث كان أداء أسهم شركات التكنولوجيا في مؤشر
( ) NASDAQاستثنائيا فقد كانت أسعار أسهم هذه الشركات تنمو بسرعة دون أن تحقق
أرباحا تساند هذا النمو ،بل كان أكثرها ال يحقق أرباح تقريبا ،مما جعل من نسبة السعر إلى
العائد ) (P/Eذات قيمة النهائية ،ومثل هذه الحالة تعني من الناحية الفنية أنه يجب أال يتم
االستثمار في مثل هذا النوع من األسهم ،ألن ذلك يعني أن المستثمر مقدم على كارثة ،ورغم
ذلك ازداد إقبال المستثمرون على هذه األسهم بدعوى االستثمار في االقتصاد الجديد والذي
سيؤتي ثماره على المدى الطويل.
-المضاربون ،أثبتت بعض الدراسات التي تمت على األزمة ،أن المضاربين -وتحديدا
صناديق التحوط -أسهموا في رفع درجة عدم االستقرار في السوق ،وفي نفخ الفقاعة لفترة
من الزمن قبل خروجهم من السوق ،فقد تمكنوا وبمهارة شديدة من تحديد أقصى المستويات
التي يمكن أن يبلغها كل سهم على حدة ثم خرجوا من السوق في التوقيت المناسب قبل
انهياره ،أي أنهم تمكنوا من االستفادة من عوائد الفقاعة وفي الوقت ذاته تجنبوا خسائرها.
-كان لوسائل اإلعالم دورا كبيرا ومهما في تشكل الفقاعة ،وذلك من خالل التقارير التي
كانت تبث يوميا والتي تهدف إلى خلق مناخ تفاؤلي حول عمليات االستثمار في قطاع
االنترنت والتكنولوجيا .وتشير تجارب العالم مع أزماته إلى أنه ما إن يتم تهيئة المضارب
نفسيا ،فإنه يكون مستعدا لفعل أي شيء بما في ذلك االستدانة المفرطة بحثا وراء وهم الثراء
السريع .ولقد كانت الموضوعات المرتبطة بشركات التكنولوجيا هي الموضوع الرئيس
لوسائل اإلعالم في مجتمع األعمال في ذلك الوقت.
-دخول مستثمرين ليس لديهم خبرة في مجال شراء األسهم ،يحركهم دافع واحد هو حلم
الثروة القادمة ومن الطبيعي أن ال يهتم هؤالء باألسس السليمة التي يفترض أن يقوم عليها
القرار االستثماري ،بل كانوا مدفوعين بواسطة التقارير الزائفة التي تنشرها وتبثها وسائل
اإلعالم المختلفة.
وهكذا وعلى مدى أكثر من خمس سنوات ارتفع الطلب على أسهم التكنولوجيا بشكل
عام ،مما تسبب في المبالغة في تقدير أسعار العديد من الشركات في هذا المجال،حتى
الشركات التي لم تحقق أي إيرادات والتي كانت مؤشراتها المالية سلبية للغاية في معظم
الحاالت .وفي حقيقة األمر ،وفي وقت مبكر من عام ،0116حذر( Alan
،*)Greenspanرئيس مجلس االحتياطي الفيدرالي في ذلك الوقت ،من "االندفاع غير
العقالني" ،ومن المبالغة في المضاربات ،غير أن هذه التحذيرات لم تجد أي صدى لدى
المستثمرين والمضاربين وتم تجاهلها بالكامل .وفي 00مارس ،8000وصل مؤشر
بورصة التكنولوجيا( )NASDAQإلى ذروته بأكثر من 0000نقطة .وبما أن األسعار ال
*
:Alan Greenspanولد في 6مارس 0186في نيويورك ،وهو اقتصادي أميركي .وكان رئيس مجلس االحتياطي الفيدرالي األمريكي من
00أوت 0129إلى 00جانفي .8006
141
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
يمكن أن تستمر في االرتفاع إلى ماال نهاية ،بدأت أسهم التكنولوجيا في اليوم التالي
باالنخفاض مما تسبب في خسارة ( )NASDAQبنسبة 00بالمائة من قيمتها في عشرة أيام
بعد 00مارس .8000وكان أحد األسباب المباشرة لهذا التراجع هو توقع السوق صدور
حكم يدين شركة ( )Microsoftبأنها انتهكت قوانين مكافحة االحتكار .وبالفعل في الرابع من
أفريل عام 8000صدر الحكم بأن هذه الشركة قد انتهـــكت قوانين مكافحـــة االحتكار،مما
تسبــب في سقـــوط كبيــــر لمؤشر ( )NASDAQخـــالل هـــذا اليـــوم 1،واســـتمــر في
التـــراجـــع حيث سجــــل خــــالل أسبــــوع واحــد تراجعـا بــــــــ 0080,06نقطة 2،أي
نحو 88بالمائة مقارنة مع ذروته في العاشر من مارس ،وهو أكبر انخفاض في تاريخ
المؤشر.
ثانيا :نتائج انفجار فقاعة االنترنت .أدى التدهور الكبير في مؤشر ( )NASDAQإلى آثار
كبيرة أهمها:
امتدادا لما حدث في شهر أفريل ،8000شهد مؤشر ( )NASDAQنتائج مخيبة لآلمال طوال
عامي 8000و ،8008ووصل إلى أدنى مستوى له في التاسع من أكتوبر ،8008حيث
سجل 0009,00نقطة فقط ،وهو ما يمثل خسارة بلغت 92بالمائة مقارنة مع ذروته قبل
عامين ونصف العام 3.وقد قدرت خسائر شركات التكنولوجيا من تاريخ انهيار الفقاعة وحتى
مارس 8000نحو تريليون دوالر أمريكي ،فقد كانت القيمة السوقية لهذه الشركات قبل
4
االنهيار نحو 0,9تريليون دوالر ،وفي مارس 8000كانت قيمتها 900مليار دوالر فقط.
-انتقال اآلثار إلى قطاعات أخرى ،فقد انخفض مؤشر ( )Dow Jonesفي يوم 09أفريل
8000بحوالي 609,92نقطة ،ما يعني انخفاضا بنسبة 0,9بالمائة ،حيث بلغ المؤشر في
ذلك اليوم 00000,99نقطة مقارنة بــــــــ 00180,00في اليوم السابق .ووصلت نسبة
االنخفاض إلى 08,0بالمائة مقارنة مع أعلى مستوى بلغه المؤشر في 09جانفي .8000
كما امتد تأثير هذا االنهيار ليشمل معظم البورصات العالمية الرئيسية في آسيا وأوروبا
وأستراليا ،حيث شهدت في يوم االثنين 09أفريل 8000تراجعات كبيرة ،فسجلت بورصة
هونغ كونج تراجعا بـــــــ 2بالمائة ،بورصة سنغافورة بــــــ 2,8بالمائة ،وفقدت بورصة
ماليزيا 6بالمائة من قيمتها .واألمر نفسه حدث للبورصات األوروبية فقد انخفض مؤشر
بورصة لندن بــــــ 0,9بالمائة وفي فرانكفورت تراجع مؤشر) (DAXبـــــ 8,9بالمائة ،وفي
باريس تراجع مؤشر) (CACبـــــ 8,0بالمائة ،وبلغت خسائر أسهم الشركات االسترالية
حوالي 00مليار دوالر أسترالي في يوم االثنين بسبب انخفاض مؤشر البورصة بـــــ0,9
5
بالمائة.
-في عام ،8000شهد االقتصاد األمريكي ركودا في مرحلة ما بعد انفجار الفقاعة ،مما
أجبر مجلس االحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة بشكل متكرر ،فخالل عشرة
أشهر قام االحتياطي بتسعة انخفاضات متوالية ألسعار الفائدة ( 0جانفي 00 ،جانفي80 ،
1
. Jesse Colombo,"The Dot-com Bubble", http://www.thebubblebubble.com/dotcom-bubble/ last visited
25/10/2015.
.2عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص.000.
3
Jesse Colombo,Op.cit.
4
Charles R. Lax, “Lessons learned from the Internet Bubble", Lecture at Boston University’s Graduate School
of Management, May 20, 2001, p.2.
5
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص ص.009-006.
142
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
مارس 02 ،أفريل 00 ،ماي 89جوان 80 ،أوت 09 ،سبتمبر 8 ،أكتوبر) 1.كما فقد مئات
اآلالف من المهنيين في مجال التكنولوجيا وظائفهم ،إلى جانب فقدانهم لجزء كبير من
2
مدخراتهم التي قاموا باستثمارها في أسهم التكنولوجيا.
-استفادت سوق السندات من التراجع الكبير في أسعار األسهم ،التي لجأ إليها
المستثمرون لل قيام باستثمارات آمنة .كما تحولوا من جديد إلى االستثمار في أسهم "االقتصاد
3
القديم" المتمثل في االقتصاد التقليدي من صناعة وزراعة وخدمات.
المطلب الثاني :أزمة األرجنتين ()8008-8000
شهدت األرجنتين في مطلع األلفية الثالثة ،انخفاض حاد في معدالت النمو ،وارتفاعا
غي ر مسبوق في معدالت الدين الخارجي ،والتضخم والبطالة ،وانهيار سعر صرف العملة
أمام الدوالر .ما يعني وقوع االقتصاد األرجنتيني في أزمة مالية واقتصادية خانقة.
أوال :ظروف ما قبل األزمة وأسبابها .عرفت األرجنتين منذ منتصف الثمانينيات إصالحات
اقتصادية تضمنت إستراتيجية التحول إلى اقتصاد السوق الحرة عن طريق الخصخصة،
ورفع القيود عن التجارة وحركة رؤوس األموال مع العالم الخارجي ،كما تبنت سياسة سعر
الصرف الثابت ،حيث قامت بربط عملتها (البيزو) بالدوالر األمريكي على أساس واحد بيزو
يساوي واحد دوالر أمريكي 4.ضف إلى ذلك ،تبنيها إستراتيجية التحرير المالي من خالل
إزالة تامة وسريعة لألسقف الخاصة بأسعار الفائدة ،والقيود على االئتمان ،وتخفيف الرقابة
واإلشراف الحكومي على الجهاز المصرفي ،بغية تشجيع تعبئة المدخرات المحلية وجذب
5
رؤوس األموال األجنبية.
في عام 0110عانت األرجنتين من حالة ركود حاد متأثرة بأزمة المكسيك ،ولكن عاود
النمو بين عامي ،0119-0116ومنذ منتصف عام 0112عانى االقتصاد األرجنتيني من
جديد من حالة الركود متأثرا باألزمة اآلسيوية واألزمة الروسية ،وكذا أزمة البرازيل
الشريك التجاري األكبر لألرجنتين 6،فقد كانت حوالي 00بالمائة من صادرات األرجنتين
موجهة للبرازيل ،ولهذا عندما قامت البرازيل بتعويم عملتها في جانفي ،0111انخفضت
قيمة الريال البرازيلي ،أصبحت صادرات األرجنتين إلى البرازيل باهضة الثمن بالنسبة
للبرازيليين .والعكس ،أصبحت الصادرات البرازيلية إلى األرجنتين أرخص ثمنا وأكثر قدرة
على منافسة السلع األرجنتينية في األرجنتين وفي السوق العالمية .أضف إلى ذلك ،سجل
الدوالر في نهاية التسعينيات من القرن العشرين ارتفاعا كبيرا ،وانعكس هذا االرتفاع على
البيزو األرجنتيني بسبب ربط العملة األرجنتينية بالدوالر األمريكي ،وتسبب في رفع أسعار
ا لسلع األرجنتينية في السوق العالمية ،وأسعار السلع األجنبية في السوق المحلية .ما أدى في
النهاية إلى تزايد العجز في الميزان التجاري األرجنتيني .وارتفاع الدين الخارجي الذي بلغ
7
009مليار دوالر أمريكي في أواخر عام .0111
1
.المرجع نفسه ،ص.098.
2
.Jesse Colombo,Op.cit.
3
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص.001.
4
.Jim Saxton," Argentina’s economic crisis : Causes and Cures", Ajoint Economic Committee Study, United
Statees Congress, June 2003, p.4.
5
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.880.
6
.Jim Saxton, Op. cit, pp.7-8.
7
.أرنست فولف ،صندوق النقد الدولي قوة عظمى في الساحة العالمية ،ترجمة عدنان عباس علي ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،
الكويت ،8006 ،ص.000.
143
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
كما جعلت تلك األزمات المستثمرين األجانب أكثر حذرا بشأن االستثمار في البلدان النامية
ومنها األرجنتين ،حيث تأثر حساب رأس المال ،وانخفضت تدفقات رؤوس األموال األجنبية
1
الداخلة لألرجنتين من 02,0مليار دوالر عام 0112إلى 9,9مليار دوالر في سنة .8000
في 0ديسمبر 8000أعلن صندوق النقد الدولي وقف منح أي قسط آخر من القرض
الذي وافق على منحه لألرجنتين عام ،8000ألن األرجنتين لم تحقق شروط اتفاقية القرض.
ويسبق هذا القرار قيام وكاالت التصنيف االئتماني بخفض درجة التصنيف االئتماني السيادي
لألرجنتين في جوان ،8000وهكذا تعذر على األرجنتين الوصول إلى أسواق رأس المال
2
الدولية ،وأصبحت مصادر الديون الخارجية ناضبة تماما.
وكان الحدث األكبر إعالن الرئيس األرجنتيني في 80ديسمبر 8000التخلف عن سداد
00مليار دوالر ،ديون الحكومة للبنوك الخاصة األجنبية .وهكذا كانت أزمة األرجنتين في
البداية أزمة مديونية ،ثم تحولت إلى أزمة سياسية واجتماعية ،حيث تعاقب على حكم
األرجنتين ثالثة رؤساء في الفترة ( )8008-0111وبدأت االضطرابات والمظاهرات
الشعبية الغاضبة من السياسات التقشفية التي اتبعتها األرجنتين 3.وفي جانفي 8008أكد
الرئيس األرجنتيني أن بالده أنفقت مجمل احتياطاتها من النقد األجنبي ،مشيرا بذلك إلى أنها
تعاني من أكبر عملية إفالس مرت بها دولة عبر التاريخ ،وأعلن إلغاء ربط البيزو بالدوالر،
4
وخالل بضعة أيام فقط ،خسر البيزو 90بالمائة من قيمته.
ويرى بعض االقتصاديين والمراقبين الغربيين أن من أهم العوامل التي أوقعت
5
األرجنتين في األزمة وزادت من حدتها:
-الفساد المستشري بين القيادات السياسية ،التي استغلت البالد واستفادت من برامج
الخصخصة لزيادة ثرائها؛
-تطبيق سياسات اقتصاد السوق الحرة بشكل متسرع وغير متدرج في سنوات
التسعينيات ،وقد اعتبرت األرجنتين في تلك الفترة التلميذ النجيب والمثال النموذجي لبرامج
التكييف الهيكلي؛
-ربط البيزو األرجنتيني بالدوالر األمريكي ،على أساس (بيزو واحد يعادل دوالر
واحد) ،وأصبح الدوالر يمارس جميع وظائف النقود مع البيزو ،ما يعني عدم مرونة السياسة
النقدية وتبعيتها لسياسة الواليات المتحدة ذات األوضاع واإلمكانات المختلفة؛
-العجز في الميزان التجاري ،بسب المبالغة في تقدير قيمة البيزو ،مما أدى إلى عدم
تمكن األرجنتين من الحفاظ على تنافسية صادراتها ،كما أدى التقييم المبالغ فيه للبيزو إلى
ارتفاع األسعار في األرجنتين أكثر من األسعار في الواليات المتحدة ،وفي البرازيل؛
-تزايد العجز في الموازنة العامة ،حيث بلغت نسبة العجز إلى النتاج المحلي اإلجمالي
عام 0112نحــــــــو 0,0بالمائة ثم ارتفع إلى 8,0بالمائة عام 0111وواصل في االرتفاع
ليسجل نحو 0,0بالمائة عام 8000ويرجع ذلك حسب رأي العديد من المحللين االقتصاديين
إلى النظام الضريبي غير الكفء الذي طبقته األرجنتين والذي أدى إلى تراجع اإليرادات،
مما أخل بقدرتها على الوفاء بالتزاماتها ووقوعها في فخ المديونية .فقد ارتفعت نسبة الدين
1
.Jim Saxton, Op. cit, p.30.
2
. Ibid, p.12, p.48.
3
. Jim Saxton, Op. cit, p.12, pp.12-13.
4
.أرنست فولف ،مرجع سابق ،ص.009.
5
. Jim Saxton, Op. cit, pp.17-27.
144
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
إلى الناتج المحلي اإلجمالي منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين ،حيث بلغت 00,2
بالمائة عام 90,0 ،0110بالمائة عام ،8000و 00,0بالمائة عام 8000؛
-يرى العديد من االقتصاديين أن السياسات االقتصادية التي تبنتها الحكومة لمواجهة
العجز في الموازنة العامة ،هي عبارة عن سلسلة من األخطاء الفادحة ،أدت إلى تعميق
األزمة وإطالة الركود ،منها تخفيض اإلنفاق الحكومي ،ورفع معدالت الضرائب التي عرفت
ثالث زيادات كبيرة ( جانفي ،8000أفريل ،8000أوت .)8000وكانت أعلى نسب
الضرائب ،الضريبة على الدخل 00بالمائة مقابل 00,0بالمائة في الواليات المتحدة
األمريكية ،والضريبة على المبيعات 80بالمائة مقابل 00بالمائة في الواليات المتحدة ،كما
قامت بفرض ضريبة على المعامالت المالية التي لم تكن موجودة في الواليات المتحدة .هذه
الضرائب المرتفعة أدت إلى تهرب األرجنتينيين من دفع الضرائب ،خاصة في ظل عدم
كفاءة النظام الضريبي .هذا من جهة ،ومن جهة أخرى أدت هذه الزيادات إلى عرقلة النمو
في القطاع الخاص الذي يعتبر مصدر مهم إليرادات الدولة من الضرائب.
ثانيا :اآلثار المترتبة عن أزمة األرجنتين ،من أهم نتائج هذه األزمة:
-تدهور كبير في مؤشرات االقتصاد الكلي ،كما هو موضح في الشكل رقم (،)06
حيث انكمش الناتج المحلي اإلجمالي في عام 8008بنسبة 00بالمائة ،تراجع في اإلنتاج
الصناعي بــــ 00بالمائة ،ارتفاع كبير في معدل البطالة لتسجل نحو 80بالمائة عام ،8008
ارتفاع المستوى العام لألسعار حيث بلغ معدل التضخم 90بالمائة عام 8008تدهور في قيمة
البيزو مقابل الدوالر األمريكي ،من واحد بيزو لكل دوالر خالل الفترة ( )8000-0110إلى
أربعة بيزو لكل دوالر عام .8008تضخم المديونية الخارجية حيث بلغت نسبة الدين
الخارجي إلى الناتج المحلي اإلجمالي عام 8008نحو 000بالمائة.
-أصبحت األرجنتين خالل أربع سنوات مأوى للفقراء والمعوزين ،حيث ارتفع معدل
الفقر من 80,1بالمائة في عام 0112إلى 02,0بالمائة عام 8000و 09,0بالمائة في عام
2
1.8008كما انتشرت في أنحاء البالد أمراض ذات صلة بالفقر ونقص التغذية.
-تراجع حاد في احتياطات النقد األجنبي ،بسبب قيام كبار المضاربين المحليين
والدوليين بتهريب وتحويل رؤوس األموال خارج البالد ،مما دفع البنك المركزي في عام
3
8008إلى تعويم البيزو الذي تدهورت قيمته.
-عمت البالد فوضى عارمة ،وانفجرت االحتجاجات والمعارضة الشعبية ،حيث نزل
مئات اآلالف من المواطنين إلى الشوارع احتجاجا على إجراءات التقشف التي اتبعتها
4
الحكومة.
1
. Jim Saxton, Op. cit, p.1.
2
.أرنست فولف ،مرجع سابق ،ص.000.
3
.المرجع نفسه ،ص.009 .
4
.المرجع نفسه ،ص.009 .
5
. Jim Saxton, Op. cit, p.1.
145
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
والبرتغال ،وايطاليا ،واسبانيا ،فهددت بذلك وضع اليورو ومنطقته واالتحاد األوروبي
بأكمله.
أوال :أسباب نشوء األزمة وتفاقمها .ال يعد عدم مقدرة بعض بلدان منطقة اليورو على تسديد
التزاماتها اتجاه دائنيها السبب الوحيد لنشوء األزمة ،ولكن أسبابها تعود جذورها إلى ديون
عامة متراكمة ،وعجز في الموازنات العامة على مدى عشريات من الزمن ،ازدادت حدتها
أثناء األزمة المالية واالقتصادية العالمية .8002ولهذا يمكن حصر األسباب الرئيسية التي
كانت وراء نشوء هذه األزمة في النقاط التالية:
-0العجز الهيكلي في الموازنات العامة :سجلت بلدان منطقة اليورو عجزا في ميزانياتها
خالل العشريات األخيرة من القرن العشرين .وقد كانت نسبة العجز من الناتج المحلي
اإلجمالي في المتوسط خالل الفترة ( )0190-0160نحو 0,9بالمائة ،ثم تطور هذا العجز
إلى 0,1بالمائة في الفترة ( ،)0129-0199لينتقل إلى 0,1بالمائة في الفترة (-0129
،)0119وابتدا ًء من 0110وحتى 8009عرفت وضعية الموازنات العامة تحسنا ملحوظا
بسبـب الظـــروف االقتصادية العالمية ،حيث بلغت نسبة العجز من الناتج الحلي اإلجمالي
8,6بالمائة لتقفز إلى 0,8بالمائة في الفترة ( .)8000-8009ما يعني أن نسبة العجز
تجاوزت النسبة المتفق عليها في اتفاقيات ماستريخت وهي 0بالمائة ،في العديد من بلدان
المنطقة ،واألمر يتعلق بـــــــ :ايرلندا ،اليونان ،البرتغال اسبانيا ،والتي قدرت نسبة عجز
الموازنة فيها عام 1,0 ،1,2 ، 00,6 ، 00,0 :8000بالمائة على التوالي .تليها لتوانيا،
بولونيا ،سلوفاكيا ،رومانيا ،ثم فرنسا ،بنسب مقدرة على التوالي9,9 ، 9,9 ،9,2 ،2,0 :
9,0بالمائة 1.ومن األسباب التي أدت إلى تفاقم العجز في الميزانيات العامة لهذه البلدان :
-بعد استحداث اليورو عام ،0111شهد العديد من البلدان :اليونان وايرلندا ،ايطاليا،
البرتغال اسبانيا انخفاضا حادا في تكاليف االقتراض ،لكل من القطاعين الخاص والعام ،وفي
كثير من الحاالت ،أدى االئتمان منخفض التكلفة الممول في الغالب برأس المال من بنوك
البلدان الرئيسية في منطقة اليورو إلى طفرة ائتمان نتج عنها معدالت نمو مرتفعة ،جذبت
بدورها المزيد من رأس المال واالستثمار ،ولكنها أدت أيضا إلى زيادة مديونية األسر
والشركات ،وتركزت أغلب االستثمارات في قطاع العقارات ،وتوسعت الحكومات في
2
اإلنفاق اعتقادا منها أن زيادة الدخل دائمة.
-انعكاسات األزمة المالية واالقتصادية العالمية ،8002فقد بدأت المشاكل تظهر في منطقة
اليورو مع االنهيار المالي العالمي عام ،8002الذي أدى إلى تراجع النشاط االقتصادي،
وبالتالي تراجع اإليرادات الضريبية للدول ،وارتفاع العجز في ميزانياتها .ضف إلى ذلك
تبنيها لسياسة ضخ األموال بالبنوك والمؤسسات المالية للحيلولة دون إفالسها ،ففي ايطاليا
3
مثال ،قامت الحكومة بتوفير تمويل بقيمة 80مليار يورو لقطاع البنوك من دون ضمانات،
وفي ايرلندا أنفقت ما يعادل 96مليار يورو في الفترة ( ،)8000-8002باإلضافة إلى تحملها
4
00مليار يورو لتطهير الديون المشكوك فيها.
1
.نسيمة أوكيل وآخرون" ،األزمة المالية في منطقة األورو :أسباب نشوئها وانتشارها والدور الذي لعبته األسواق المالية ووكاالت التصنيف
االئتماني فيها" ،بحوث اقتصادية عربية ،مركز دراسات الوحدة العربية ،العددان /68-60شتاء -ربيع ،8000ص ص.00-08.
2
.رضا مقدم" ،الطريق إلى التكامل في أوروبا :التاريخ يشير إلى التكامل كحل لتجاوز األزمات الطاحنة" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد
الدولي ،العدد ،00الرقم ،0مارس ،8009ص.00.
3
.زهير غراية ،لقمان معزوز" ،أزمة الديون بمنطقة االورو :8000جذورها وتداعياتها وآليات إدارتها" ،مجلة دفاتر اقتصادية ،كلية العلوم
االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ،جامعة زيان عاشور ،الجلفة ،العدد ،8مارس ،8000ص.1.
4
.نسيمة أوكيل وآخرون ،مرجع سابق ،ص.00.
147
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-تفشي ظاهرة الرشوة والفساد في عدد من بلدان المنطقة وعلى رأسها اليونان ،التي
استشرى الفساد في جميع أركان البالد لدرجة أن الرشوة أصبحت الوسيلة الوحيدة إلنهاء أي
إجراء رسمي ،وقد صنفت اليونان من قبل منظمة الشفافية الدولية عام 8001من أكثر
1
البلدان فسادا من بين بلدان االتحاد األوروبي ،جنبا إلى جنب مع بلغاريا ورومانيا.
2
-التهرب الضريبي الذي أفقد الخزينة اليونانية ما يقارب 80مليار يورو سنويا.
-2اإلفراط في االقتراض وارتفاع الدين الحكومي :لجأت العديد من بلدان المنطقة لالقتراض
من أجل تغطية العجز في موازناتها ،متجاوزة بذلك النسبة التي نصت عليها اتفاقية
ماستريخت -أن ال تتعدى نسبة الدين الحكومي من الناتج المحلي اإلجمالي 60بالمائة–حيث
وصلت هذه النسبة في اليونان إلى 11,8بالمائة 000,0بالمائة 099,1 ،بالمائة خالل
السنوات 8000 ،8001 ،8002على التوالي وهي أعلى النسب في المنطقة .تليها ايطاليا
بـــــ 002,9 ،000,2 ،009بالمائة في عام 8000 ،8001 ،8002على الترتيب .ثم
البرتغال ايرلندا ،واسبانيا .وهو ما يوضحه الجدول رقم (.)09
1
.Costas Meghir and others, "The economic crisis in Greece: A time of reform and opportunity", 5 August
2010,p.06, http://www.enap.gr/attachments/article/7146/..../%20opportunity.pdf last visited 16/01/2018.
2
.زهير غراية ،لقمان معزوز ،مرجع سابق ،ص.2.
3
.زهير غراية ،لقمان معزوز ،مرجع سابق ،ص.2.
148
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
-إقدام البنك المركزي األوروبي على إقراض البنوك األوروبية خالل الفترة (-8009
1
)8001بمعدالت فائدة منخفضة جدا لتفادي إفالسها وتوفير السيولة.
-ارتفاع معدالت الفائدة على السندات طويلة األجل التي تصدرها هذه البلدان (اليونان،
البرتغال ايرلند ا ايطاليا ،اسبانيا) ،فارتفاع معدل الفائدة يؤدي إلى زيادة ثقل خدمات
المديونية ،وهو ما يزيد بدوره من مخاطر عدم القدرة على التسديد الذي يؤدي إلى ارتفاع
معدالت الفائدة من جديد .فالمحدد الرئيسي لمالءة البلد ليس حجم الديون فقط ،ولكن أيضا ثقل
2
الفوائد التي يجب تسديدها في آجال محددة.
-1عدم اإلفصاح والشفافية :حيث قامت اليونان وعلى مدى عشر سنوات بتقديم أرقام و
إحصائيات خاطئة عن اقتصادها في محاولة إلخفاء حجم ديونها والعجز في ميزانياتها
لتضليل الناخبين في الداخل وتفادي أي ضغوط خارجية من شركائها ،وعندما اندلعت األزمة
3
اتضح أن العجز في الموازنة يبلغ أربعة أضعاف المسموح به.
-4وكاالت التصنيف االئتماني :تتولى هذه الوكاالت مهمة منح تصنيف معين لمنتج مالي أو
بلد ما بحسب درجة الخطر والمقدرة على سداد ديونها ،على أساس مؤشرات اقتصادية
ومالية .وعلى إثر تأزم الوضع المالي لبعض بلدان منطقة اليورو ،قامت وكاالت التصنيف
بتخفيض تصنيف الديون اليونانية عدة مرات مما أدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة بها ،حيث
بلغت أعلى معدل 80بالمائة ،في نوفمبر ، 8000كما قامت في الفترة الممتدة من مارس
8000إلى سبتمبر 8000بتخفيض التصنيف االئتماني للديون العمومية لكل من ايرلندا،
اسبانيا ،ايطاليا والبرتغال ،وقبرص .فارتفعت على إثر ذلك أسعار الفائدة على السندات
البرتغالية من 6,1بالمائة في فيفري 8000إلى 2,0بالمائة في أفريل .8000وأصبحت
أسعار الفائدة على السندات االيطالية 9بالمائة بعد أن كانت 9بالمائة .واألثر األعظم الذي
أحدثته وكاالت التصنيف االئتماني في أزمة منطقة اليورو هو إقدام وكالة )*(S&Pعلى
تخفيض تصنيف تسعة بلدان في يوم واحد 00جانفي ،8008منها فرنسا التي أجبرت على
4
تطبيق إجراءات تقشفية صارمة.
ثانيا :تداعيات أزمة الديون السيادية األوروبية .لقد كان ألزمة الديون السيادية األوروبية
تأثيرات كبيرة ليس فقط على منطقة اليورو ،ولكن أيضا على االقتصاد العالمي .ومن أهم
هذه اآلثار:
-0تقلص فرص الحصول على التمويل :يعتبر من أهم تداعيات األزمات االقتصادية ،حيث
يؤدي إلى المزيد من التحفظ في منح القروض وارتفاع أسعار الفائدة 5.وقد أدت هذه األزمة
إلى تشكيل صعوبات كبيرة على حكومات دول منطقة اليورو ،وخاصة الدول األكثر تأثرا
باألزمة كإسبانيا ،اليونان ،ايرلندا ،والبرتغال ،في الحصول على التمويل الالزم .كما أن حالة
عدم اليقين وزيادة المخاوف من اتساع تأثير األزمة ليمتد إلى مستقبل العملة األوروبية
الموحدة ،أدى إلى ارتفاع تكاليف االقتراض الحكومي بتلك الدول في ضوء قيام وكاالت
1
.نسيمة أوكيل وآخرون ،مرجع سابق ،ص.00.
2
.المرجع نفسه ،ص.06.
3
.أحمد السيد علي " ،أزمة اليونان سياسات صارمة لترتيب المنزل من الداخل"،مجلة تداول السعودية ،العدد ،90مارس ،8000ص.80.
*
.وكالة ) :(S&Pوكالة ستاندرد آند بورز ،هي إحدى وكاالت تصنيف ائتماني التي صنفها مجلس أوراق المال األمريكي كمنظمة معايير
إحصائية وطنية معترف بها .وهي تصدر تصنيفات ائتمانية قصيرة وطويلة األجل لتقيس مدى قدرة حكومة أو شركة أو مؤسسة ما مقترضة على
الوفاء بالتزاماتها المالية لدى الجهة المقرضة .وهي تعتبر واحدة من أشهر وكاالت التصنيف االئتماني في العالم.
.4نسيمة أوكيل وآخرون ،مرجع سابق ،ص ص.89-80.
.5زهير غراية ،لقمان معزوز ،مرجع سابق ،ص.00.
149
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
التصنيف االئتماني بخفض التصنيف االئتماني لها 1،وأصبح إصدار السندات السيادية الدولية
2
أقرب إلى المستحيل.
-8الكشف عن أوجه قصور في معاهدة ماستريخت :استندت هذه المعاهدة على فرضية "أن
قوى سوق مقترنة مع الحد األدنى من التنسيق بين السياسات ستكون كافية للتنسيق بين
االقتصادات وتحقيق االنضباط في سياسات المالية العامة ،والسماح للبلدان بتحمل الصدمات
الفردية" ،لذلك استحدثت شرط عدم اإلنقاذ .إال أن أزمة الديون السيادية كشفت عن عدم
صحة هذه الفرضية ،حيث انتشرت الصدمات االقتصادية والمالية القطرية بسرعة في جميع
3
أنحاء المنطقة مما هدد استمرارية اتحاد العملة.
كما كشفت األزمة أن هناك حاجة واضحة وعلى نحو متزايد إلى منهج متكامل لإلتحاد
األوروبي للرقابة والتنظيم في القطاع المالي ،وتسوية األزمات .فلكي يعمل االتحاد
االقتصادي والمالي بفاعلية ،فإنه يقتضي توافر أحد أشكال تقاسم المخاطر المالية ،ورقابة أثر
إحكاما على السياسات الوطنية ،من خالل تدعيم الحوكمة على مستوى فوق الوطني لتعزيز
4
االنضباط في الميزانيات والمراقبة األفضل لتراكم االختالالت.
-1تراجع معدالت النمو االقتصادي :يشكل االقتصاد األوروبي أكبر كتلة اقتصادية عالميا،
بلغ حجمه نحو 00,8تريليون دوالر أمريكي .ومن ثم فإن أزمة الديون السيادية األوروبية قد
أضعفت فرص النمو والتوظيف ليس فقط في بلدان منطقة اليورو ولكن في اقتصاديات
البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء من خالل تأثيرها على الطلب العالمي .فبعد أن بدأ
5
االقتصاد العالمي بالتعافي من أزمة ،8002وبدأ في تحقيق معدل نمو مرتفع عام ،8000
عاد لتحقيق معدل نمو أقل في السنوات 8000و 8008و ،8000حيث سجل نمو
بلغ0,1بالمائة 0,8بالمائة ،و 0بالمائة ،على التوالي مقابل 0,8بالمائة خالل عام ،8000
وهذا التراجع يعود إلى ضعف األداء االقتصادي في بلدان منطقة اليورو التي دخلت في
( 0,9 -بالمائة) خالل عام مرحلة ركـــود اقتصــادي ،حيث سجلت انكمـاش بنحـــو
6
0,0-( ،8008بالمائة ) خالل عام .8000
-4ارتفاع معدالت البطالة :سجلت البلدان المتقدمة عام 8000معدل بطالة بلغ نحو
9,1بالمائة ،مقابل 2بالمائة عام ،8008رغم الجهود التي بذلتها لخلق فرص عمل جديدة بعد
أزمة 7.8002والسبب في ذلك هو ارتفاع معدالت البطالة بشكل ملحوظ في بلدان منطقة
اليورو على ضوء سياسات التقشف التي تبنتها البلدان المتأزمة لتصل إلى 08بالمائة ،أي
8
حوالي 80مليون عاطل في نهاية عام .8000
-2تراجع معدل نمو التجارة العالمية :نظرا لألهمية االقتصادية الكبيرة لالتحاد األوروبي
في هيكل التجارة الدولية ،فقد كان ألزمة الديون السيادية أثرا سلبيا على التجارة الدولية في
1
.صندوق النقد العربي"،التطورات االقتصادية الدولية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8001ص.0.
2
.رضا مقدم ،مرجع سابق ،ص.00.
3
.المرجع نفسه ،ص ص.00-00.
4
.سيلين آالرد " ،المزيد من أوروبا وليس أقل :تواصل منطقة اليورو التعلم من أزمة مديونيتها" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها
صندوق النقد الدولي ،المجلد ،92العدد ،0سبتمبر ،8000ص.09.
5
.صندوق النقد العربي"،التطورات االقتصادية الدولية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8008ص.8.
6
.صندوق النقد العربي"،التطورات االقتصادية الدولية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8009ص ، 8.ص 9 .؛ التقرير االقتصادي العربي
الموحد ،8000 ،مرجع سابق ،ص.0.
7
.صندوق النقد العربي ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8009مرجع سابق ،ص.1.
. 8هلغ برغر ،مارتن شيندلر " ،ظل كثيف يخيم على النمو :التغلب على البطالة وإعطاء دفعة للنمو على رأس أولويات أوروبا اليوم" ،مجلة التمويل
والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،0مارس ،8009ص.80.
150
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
السلع والخدمات ،حيث تراجع معدل نمو التجارة العالمية عامي 8000و 8008ليبلغ
1
6,0بالمائة و 8,9بالمائة على الترتيب مقابل 09,0بالمائة في عام .8000
-6التأثير على أسعار صرف العمالت الرئيسية :تأثرت حركة العمالت الرئيسية في العالم
بالتطورات التي شهدتها اقتصاديات البلدان المصدرة لتلك العمالت ،حيث طال عدم
االستقرار كثير من العمالت الدولية كالدوالر ،والين الياباني ،والجنيه اإلسترليني.
وبخصوص العملة األوروبية الموحدة ،فقد تراجعت الثقة فيها حيث وصل متوسط سعر
صرف اليورو أما م الدوالر ألدنى مستوياته ،ليصل إلى 0,88دوالر شهر جوان عام
2
.8000
-1تأثر األسواق المالية العالمية :تعد األسواق المالية أكثر القطاعات تأثرا باألزمات المالية
واالقت صادية العالمية .وبعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها هذه األسواق أثناء األزمة المالية
العالمية ،8002شهدت تحسنا في عام ،8000لكنها عادت لتحقق خسائر مرة أخرى في عام
8000تأثرا بأزمة الديون السيادية األوروبية فقد سجلت المؤشرات األوروبية خسائر هي
األسوأ منذ أزمة ،8002حيث انخفض مؤشر ) (DAXاأللماني بنسبة 09,9بالمائة عام
،8000كما سجل مؤشر)(CACالفرنسي تراجعا بنسبة 09بالمائة وانخفض مؤشر بورصة
لندن ( )FTSE 000بــــــــ 0,6بالمائة .كما تراجع مؤشر كل من بورصة هونغ كونج
80بالمائة ،وبورصة طوكيو بنسبة 09,0بالمائة واستمر هذا التراجع حتى النصف الثاني من
3
عام .8008
ثالثا :مواجهة األزمة ،بدأت الحكومات الوطنية في تنفيذ برامج وخطط لتصحيح أوضاع
االقتصاد الكلي تتمثل أهدافها األساسية في خفض عجز المالية العامة ،وتحسين قدرة
اقتصاداتها على المنافسة 4،وذلك باتخاذ إجراءات تصحيحية صارمة تتراوح بين تخفيض
اإلنفاق الحكومي ،وزيادة الضرائب ،وخفض األجور 5.إال أن ذلك لم يكن كافيا ،األمر الذي
دفع بصناع السياسات األوروبيين أن يعيدوا النظر في مبدأ "عدم اإلنقاذ" وبادر االتحاد
األوروبي بتقديم الدعم للجهات السيادية ب أسعار الفائدة غير سائدة في السوق ،حيث تدخل
البنك المركزي األوروبي للدفاع عن سالمة منطقة اليورو بتقديم كم كبير من السيولة لدعم
البنوك ،وتم إنشاء آلية دائمة توفر الدعم المالي للبلدان األعضاء في منطقة اليورو ،وهي
6
"آلية االستقرار األوروبية".
ولم يكن التحدي لصناع السياسات األوروبيين هو تجاوز األزمة ومعالجة الضرر
الناجم عنها فقط ،وإنما كان التحدي األكبر هو بناء منطقة يورو أكثر قوة ،تستطيع مواجهة
الصدمات في المستقبل ،وال يسهل فيها تحول األزمات القطرية إلى أزمات على المستوى
اإلقليمي .ألجل ذلك تم اتخاذ خطوات مهمة لتحقيق المزيد من التكامل ،ويمثل االتحاد
المصرفي جزء أساسي في هذه العملية .ففي 81جوان 8008أعطى قادة بلدان منطقة
اليورو الضوء األخضر إلنشاء ما أصبح يعرف عالميا باالتحاد المصرفي األوروبي ،أو
تحويل السياسة المصرفية من المستوى الوطني إلى المستوى األوروبي ،وكانت الخطوة
.1صندوق النقد العربي ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8008مرجع سابق ،ص00.؛ التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8000مرجع سابق،
ص.2.
2
.زهير غراية ،لقمان معزوز ،مرجع سابق ،ص.00.
3
.صندوق النقد العربي ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8000مرجع سابق ،ص.09.
4
.رضا مقدم ،مرجع سابق ،ص.00.
5
.سيلين آالرد ،مرجع سابق ،ص.09.
.6رضا مقدم ،مرجع سابق ،ص.00.
151
الفصل الثاني :أشهر أزمات النظام الرأسمالي
األولى في هذا االتحاد هي تخويل البنك المركزي األوروبي مهمة المراقب الجديد لمعظم
1
النظام المصرفي األوروبي ،والتي أصبحت سارية بالفعل في نوفمبر .8009
خالصة الفصل :إن هذا الفصل بالطبع لم يتناول جميع األزمات المالية واالقتصادية التي
وقعت في العالم فهن اك مئات من األزمات التي حدثت في العديد من البلدان وكان لها تأثير
واضح على اقتصاداتها .ولكن حرص هذا الفصل على عرض المالمح األساسية لألزمات
المالية واالقتصادية الكبرى التي مرت على العالم وكان لها تأثير كبير وعميق على
اقتصادات البلدان التي نشأت فيها ،وباقي اقتصادات العالم التي امتدت إليها ،تاركا األزمات
األخرى التي يمكن أن تكون ذات أهمية أقل .ومن أهم االستنتاجات التي خلص إليها هذا
الفصل:
ليس هناك سبب وحيد لألزمات المالية واالقتصادية ،وإنما هناك مجموعة من األسباب
والعوامل المتداخلة والمتشابكة التي تتفاعل مع بعضها محدثة تلك األزمات واالنهيارات.
ومن أهمها :التوسع المفرط في اإلقراض واالقتراض؛ التحرير المالي المتسرع ،وما صاحبه
من تدفقات رؤوس األموال قصيرة األجل من الخارج؛ تغيرات أسعار الفائدة وما يصاحبها
من تذبذبات في التدفقات المالية الدولية ،وارتفاع في أعباء خدمة المديونية؛ سياسات تنظيمية
ورقابية غير مالئمة ،وضعف النظام المالي؛ عدم اإلفصاح والشفافية وانتشار الفساد؛ العجز
في الموازنة العامة والحساب الجاري؛ تقييم العملة بأكثر من قيمتها في ظل نظام سعر
الصرف الثابت وما ينجم عنه من استنزاف لالحتياطات النقد األجنبي ،وتراجع للصادرات؛
المضاربون الذين تحركهم أطماع تكوين الثروات بصورة سريعة ودون عناء ،ودورهم
الكبير في استفحال ظاهرة الفقاعة المالية وانفجارها؛...
لم يتم التنبؤ بأي أزمة من األزمات المالية واالقتصادية السابقة ،وكلها انفجرت فجأة
وأخذت الحكومات الرأسمالية والمؤسسات المالية الدولية على حين غرة .على الرغم من كل
تلك المؤشرات االقتصادية التي وضعت للتنبؤ باألزمات – تم التطرق لها في الفصل
السابق -من قبل هذه المؤسسات.
في ظل تنامي االندماج المالي وتزايد الروابط المالية والتجارية ،انتقلت األزمات
السابقة بقوة وبسرعة إلى اقتصادات بلدان أخرى ،خاصة في حالة األزمات المالية أمريكية
المنشأ ( أزمة الكساد ،0181أزمة الدوالر ،0190انهيار ،0129فقاعة االنترنت ،8000
أزمة الرهن العقاري األمريكي )8009كلها تحولت إلى أزمات عالمية وبسرعة قياسية.
الرأسمالية ال تتعلم من أزماتها -ففي كل مرة تتكرر األزمة ،وستتكرر في المستقبل
مادام النظام االقتصادي الرأسمالي هو النظام الحاكم لالقتصاد العالمي -باستثناء درس وحيد
هو ضرورة التدخل القوي والسريع لحكومات البلدان الرأسمالية وبنوكها المركزية لتوفير
الدعم المالي لنظمها المالية والمصرفية وإنقاذ الرأسمال الخاص واألجنبي.
1
.نيكوال فيرون" ،تحوالت جذرية :االتحاد المصرفي عملية طويلة األجل سوف تحدث تحوال هائال في شكل النظام المالي في أوروبا" ،مجلة
التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،0مارس ،8009ص ص.01-09
152
الفصل الثالث:
األزمة المالية واالقتصادية
العالمية 8002
(دراسة تحليلية)
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
الفصل الثالث
األزمة المالية واالقتصادية العالمية ( 8002دراسة تحليلية)
واجه العالم عام 8002واحدة من أصعب األزمات المالية ،التي تحولت إلى أسوأ أزمة
اقتصادية عالمية منذ الكساد الكبير .0181لقد بدأت األزمة في الواليات المتحدة األمريكية
نتيجة تدهور السوق األمريكية للرهون العقارية عالية المخاطر في صيف ،8009أدت إلى
خسائر ضخمة لحقت بالمؤسسات المالية واألسواق المالية األمريكية .ونظرا لترابط وتشابك
مكونات النظام المالي واالقتصادي في عالم تهيمن عليه العولمة وتقوده الواليات المتحدة،
انتقلت األزمة إلى جميع بلدان العالم ،لتصبح أزمة مالية عالمية بحلول خريف ،8002
وتسارعت وتيرتها أكثر من المتوقع في عام ،8001ما أدى إلى انكماش حاد في الناتج
والتجارة العالميين.
وللوقوف على حقيقة هذه األزمة يتطرق هذا الفصل إلى كيفية نشأة هذه األزمة
وظروف تطورها واألسباب الحقيقية وراءها ،وكذا انعكاساتها وطرق احتوائها ومعالجتها.
المبحث األول :نشأة وتطور األزمة المالية واالقتصادية العالمية
يسعى هذا المبحث إلى التعرف على جذور األزمة وتطوراتها السريعة ،وكيف تحولت
من أزمة أمريكية إلى أزمة مالية واقتصادية عالمية .وذلك من خالل عرض المراحل
األساسية التي مرت بها ،وآليات انتقالها من الواليات المتحدة إلى باقي بلدان العالم.
المطلب األول :أزمة الرهن العقاري األمريكي وبداية األزمة المالية العالمية
ارتبط الرهن العقاري األمريكي بفكرة التمويل العقاري ،فقد كانت مؤسسات اإليداع
المنظمة مثل البنوك ومؤسسات االدخار والقروض ،وشركات تمويل العقار ،تستخدم ودائعها
في تمويل قروض شراء منازل 1.من خالل عقد ثالثي األطراف بين مالك العقار ،المشتري،
والممول( مؤسسات اإليداع) ،على أن يقوم المالك ببيع العقار للمشتري بمبلغ معين ،ويدفع
المشتري جزءا من الثمن ،ويقوم الممول بدفع باقي الثمن للبائع مباشرة واعتباره قرضا في
ذمة المشتري مقابل رهن العقار للممول ،ويسدد المشتري القرض على أقساط طويلة األجل
بفائدة تبدأ عادة بسيطة في السنتين األوليتين ،ثم تتزايد بعد ذلك .ويسجل العقار باسم المشتري
ويصبح مالكه له حق التصرف فيه 2.وكانت مؤسسات اإليداع تحتفظ بتلك القروض في
محفظتها ،وتتحمل المخاطر االئتمانية ومخاطر السيولة الناتجة عن تمويل أصول طويلة
األجل بخصوم قصيرة األجل (الودائع) .ولكن وعلى مدى سبعين السنة السابقة لألزمة تغير
الوضع بصورة جذرية ،حيث تم استخدام ما أنتجته الهندسة المالية لتحويل تلك القروض إلى
سندات مالية مضمونة برهونات عقارية ،فنقلت بذلك المخاطر إلى المستثمرين (مؤسسات
استثمار ،مؤسسات إيداع أخرى ،أفراد ،)...ووفرت لمؤسسات اإليداع السيولة ،وأزاحت
3
عنها مخاطر السوق.
1
.راندال دود " ،الرهونات العقارية الثانوية :مجسات األزمة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد،99
العدد ،9ديسمبر ،8009ص ص.06-00.
2
.نصر أبو الفتوح فريد ،الرهون العقارية واألزمة المالية العالمية ،دار الفكر والقانون ،مصر ،المنصورة ،8000 ،ص ص.90-98.
3
.راندال دود " ،الرهونات العقارية الثانوية :مجسات األزمة"،مرجع سابق ،ص ص.06-00.
160
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
ولفهم التغيرات التي حصلت ،والتعرف على نقاط ضعف سوق الرهن العقاري
األمر يكية التي أدت إلى انهيارها ،فإن األمر يتطلب بداية التطرق إلى نشأة هذه السوق
وتطورها.
أوال :نشأة سوق الرهن العقاري األمريكية وتطورها ،في البداية كانت مؤسسات اإليداع
األمريكية تقوم بتمويل عمليات اإلقراض بنظام الرهن العقاري ،ويتم التمويل من حصيلة
إيداعات عمال ئها .ومعنى هذا أن حجم التمويل العقاري كان محدودا بمقدار ما يتوافر لدى
تلك المؤسسات من سيولة ،مصدرها عمالؤها المودعون1.و خالل فترة الكساد الكبير تدهور
سوق الرهن العقاري األمريكي كباقي األسواق األمريكية ،لهذا تدخلت حكومة الواليات
المتحدة وأنشأت اإلدارة الفيدرالية لإلسكان ) (FHAعام ،0109لتنشيط هذه السوق فأوكل
2
لهذه اإلدارة مهمة ضمان القروض في حالة توقف المقترضين عن السداد.
في عام ،0102وبهدف توفير السيولة قامت الحكومة األمريكية بإنشاء الهيئة الوطنية
الفيدرالية للرهن العقاري والمعروفة باسم ) ،(Fannie Maeوهي مؤسسة مملوكة للدولة
مهمتها إنشاء سوق ثانوي للرهن العقارين وكانت هذه المؤسسة تشتري الرهونات العقارية
من منشئيها ،وتعيد الحصيلة النقدية لتلك المؤسسات وتحتفظ بهذه الرهون في محفظتها
المالية ،وبذلك استحوذت على مخاطر االئتمان والسيولة ومخاطر السوق .ولكنها في وضع
أفضل من مؤسسات اإليداع في التعامل مع هذه المخاطر ،ألنها كانت تستطيع االقتراض
آلجال أطول ،باإلضافة إلى أنها كانت تحتفظ بمحفظة رهونات عقارية متنوعة على
المستوى الوطني ،وهو ما كان يصعب تحقيقه حتى على أكبر البنوك بسبب القيود التنظيمية
على المعامالت المصرفية بي ن الواليات فضال عن ذلك فإنها ال تشتري سوى الرهونات
3
العقارية الممتازة.
في عام ، 0162تم إعادة تنظيم سوق الرهن العقاري التي ترعاها الحكومة ،ونتج عن
ذلك الهيئة الوطنية الحكومية للرهن العقاري ) ،(Ginnie Maeللتعامل مع الرهونات العقارية
المضمونة من الحكومة من خ الل برامج اإلسكان الفيدرالية للمحاربين القدامى وغيرها من
برامج اإلسكان الفيدرالية .ونتج أيضا عن عملية إعادة التنظيم خصخصة مؤسسة (Fannie
4
) Maeمع احتفاظها ببعض التزامات المصلحة العامة إلسكان ذوي الدخل المنخفض.
وفي عام ،0190قامت ) (Ginnie Maeبتطوير سندات مالية مضمونة برهونات
عقارية ،التي أزاحت عن الموازنة الفيدرالية الكثير من الديون ونقلت مخاطر السوق إلى
المستثمرين ( مؤسسات االستثمار األفراد ومؤسسات اإليداع ذاتها .)...كما تم إنشاء المؤسسة
الوطنية الفيدرالية للرهن العقاري المعروفة بــــاسم ) ،(Freddie Macلتوفير المنافسة لهيئة
) ،(Fannie Maeوكذا قيامها بتوريق الرهون العقارية 5،من خالل إصدار سندات عرفت
باسم "سندات المنازل المضمونة عقاريا" ،والتي القت قبوال كبيرا لدى المستثمرين لوجود
6
قناعة لديهم بأن الحكومة األمريكية كانت تضمنها ،ولو دون إعالن صريح.
1
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.808.
2
.وشاح رزاق ،مرجع سابق ،ص.00.
3
.نصر أبو الفتوح فريد ،مرجع سايق ،ص ص.90-99
4
.راندال دود " ،الرهونات العقارية الثانوية :مجسات األزمة" ،مرجع سابق ،ص.06.
5
.راندال دود " ،الرهونات العقارية الثانوية :مجسات األزمة" ،مرجع سابق ،ص.06.
6
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.809.
161
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
حقق هذا ال هيكل السوقي الذي كانت المؤسسات التي ترعاها الحكومة تحتل منه الحصة
العظمى نجاحا هائال 1.وخضع لدرجة عالية من التنظيم ،واستمر على ذلك حتى الثمانينيات
من القرن العشرين ،ولكن مع الدخول في عصر العولمة االقتصادية وما أنتجته من عولمة
مالية ،تزايدت عمليات تحرير أسواق التمويل العقاري مع اإللغاء التدريجي للقيود على
أسعار الفائدة ،إلى جانب استحداث أدوات مالية جديدة والتساهل في شروط اإلقراض
العقاري .كل هذا شجع مجموعة كبيرة من البنوك وغيرها من المؤسسات المالية الخاصة
على الدخول إلى سوق الرهن العقاري 2.ما أدى إلى تغيير جذري في حصص السوق ،فبعد
أن كانت المؤسسات التي ترعاها الحكومة تمثل مصدر 96بالمائة من اإلصدارات
المضمونة برهونــــات عقـــارية عـــام ،8000مقـــابل 89بالمائة حصة البنـــــــــوك
والمؤسســـــات الماليــــــة الخــــــاصة والوســطـــــــــــاء الماليين الجــــــــــدد ( شركات
Wells ،Bank of America ،Goldman Sachs ، Lehman Brothers Wall Streetمثل:
)...Fargoأصبحت بحلول عام 8006تمثل 90بالمائة مقابل 09بالمائة حصة البنوك
3
والمؤسسات المالية الخاصة.
كما حدث تغيير مشابه في المقاييس المعمول بها في منح القروض العقارية ،فمنحت
قروض لفئات من الزبائن ال تتوفر فيهم أدنى شروط االقتراض ،إما ألن الدخل كان غير
كافي ،أو ألن المعنيين ليس لديهم عمل أو ليس لديهم أي ضمانات تسمح لهم باالستفادة من
االقتراض ،أو الكل معا 4.فظهرت الرهون العقارية الثانوية (دون الممتازة) ،وهي قروض
لمقترضين يتميزون بنسبة الدين إلى الدخل تتعدى 00بالمائة ،وكذا الرهون العقارية من فئة
) (ALT-Aالممنوحة إلى مقترضين تقل لديهم نسبة الدين إلى الدخل مقارنة بقروض الرهن
العقاري الثانوية ،ولكنهم يمثلون مخاطر أعلى من عمالء الرهون الثانوية ،ويعد عدم اكتمال
5
الوثائق بمثابة السبب الرئيس وراء تصنيف القروض كقروض من فئة).(ALT-A
وبالرغم من أن أغلب هذه القروض هي قروض ليست من النوع الجيد إال أن 10
بالمائة منها قد تم توريقها من طرف البنوك والمؤسسات المالية الخاصة والوسطاء الماليين
كسندات مالية مضمونة برهون عقارية فتضخمت إصدارات السندات المضمونة برهون
عقارية عالية المخاطر( الثانوية "دون الممتازة" ،والسندات من فئة( )ALT-Aحيث أخذت
قفزة نوعية بين عامي 8000و ،8006فبعد أن بلغت نسبة إصدارات السندات المضمونة
برهون عقارية ثانوية 09بالمائة ،وإصدارات السندات من فئة )09 (ALT-Aبالمائة عام
،8000مقابل 08بالمائة إصدارات السندات المضمونة برهون ممتازة .أصبحت عام 8006
على النحو التالي 99بالمائة إصدارات السندات المضمونة برهون عقارية ثانوية00 ،بالمائة
إصدارات السندات من فئة ) ،(ALT-مقابل 86بالمائة إصدارات السندات المضمونة برهون
ممتازة .كما يوضحه الجدول رقم (.)02
الجدول رقم ( :)02حجم إصدارات السندات المالية المضمونة برهون عقارية
1
.راندال دود " ،الرهونات العقارية الثانوية :مجسات األزمة" ،مرجع سابق ،ص.06.
2
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.808.
3
.راندال دود " ،الرهونات العقارية الثانوية :مجسات األزمة" ،مرجع سابق ،ص ص.09-06.
4
.عبد القادر بلطاس ،تداعيات األزمات المالية العالمية -أزمة ،Sub-primeدار ،8001 ،Régendeص.00.
5
.Jacques Sapir," Les racines sociales de la crise financière Implications pour l’Europe", p.3, http://www.fra-
nce.attac.org/spip.php?article9400, last visited 19/04/2016.
162
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
المصدر:راندال دود" ،الرهونات العقارية الثانوية :مجسات األزمة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية
يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد 99العدد ،9ديسمبر ،8009ص.09.
وقد لوحظ توجه المستثمرون إلى شراء هذه السندات المعروضة في السوق بغرض
تحقيق عائد مرتفع ،كما كان أغلب المستثمرين هم بنوك وشركات استثمار ومؤسسات مالية
1
أخرى حول العالم.
ثانيا :تشكل الفقاعة العقارية وانفجارها ،شهدت سوق الرهن العقاري األمريكية ازدهارا
كبيرا خالل الفترة ( ،)8006-8000نتيجة تفاعل عوامل عديدة كان أهمها:
-0زيادة حجم السيولة في االقتصاد األمريكي :لقد كانت الفوائض التجارية للبلدان الناشئة
والنفطية السند األساسي في ازدهار االقتصاد األمريكي في السنوات قبل األزمة ،فقد أدى
ارتفا ع أسعار النفط في تلك الفترة إلى تحقيق فائض في ميزان مدفوعات البلدان المصدرة
لهذه المادة ،التي استغلت هذه الفوائض واتبعت إستراتيجية خاصة تمثلت في تقبل األخطار
والبحث عن عوائد عالية في األسواق المالية األمريكية .كما استطاعت البلدان الناشئة أن
تحقق فائضا في الميزان التجاري ابتدا ًء من سنة ،8008نتيجة إدخال إصالحات جذرية
لتحسين أدائها االقتصادي ،وترشيد التمويل العمومي ،وإصالح نظامها المالي والمصرفي.
هذه اإلجراءات أعطت ثمارها وأدت إلى نمو اقتصادي سريع في هذه البلدان وفي مقدمتها
الصين التي حققت فائضا في ميزان مدفوعاتها بلغ 1بالمائة من الناتج المحلي اإلجمالي عام
2،8006وقد وفر هذا للصين سيولة نقدية كبيرة ،فضلت الصين استثمارها في الواليات
المتحدة بشراء سندات الخزانة األمريكية والسندات المضمونة برهون عقارية مما زاد فائض
3
السيولة لدى البنوك والمؤسسات المالية األمريكية مما سمح لها بتوسيع دائرة اإلقراض.
-8التراخي وتخفيض معايير االقتراض :آمن صناع السياسات االقتصادية في الواليات
المتحدة منذ أواخر السبعينيات من القرن العشرين وحتى عام 8006بقدرة األسواق الحرة
على أن تصحح نفسها دون الحاجة إلى التدخل الحكومي ،فتزايدت عمليا تحرير سوق الرهن
العقاري ،وغابت الرقابة الحكومية على القطـــاع المصـــرفي وشـــركـــات الــــرهن
العــقــاري ،وألغيت معظم اإلصالحات والقيود التي أقرتها خطة ) )New Dealفي هذا
المجال مما أدى إلى ظهور الضغوط التنافسية من جهات اإلقراض غير التقليدية 4.وكانت
1
.عبد القادر بلطاس ،مرجع سابق ،ص.00.
2
.عبد القادر بلطاس ،مرجع سابق ،ص ص ،80.ص ص.86-80.
3
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.69.
4
.فايز عبد الهادي أحمد" ،األزمة المالية العالمية وأثرها على األهداف اإلنمائية لأللفية" ،المجلة العربية لإلدارة ،المنظمة العربية للتنمية اإلدارية،
مصر ،القاهرة ،8008 ،ص.9.
163
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
النتيجة تخفيف وطأة شروط االقتراض ،مثل التحقق من المراكز المالية للعمالء ،وأوجه
الضمان المقدمة كما كان يحدث في النموذج التقليدي 1.هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى أدت
السيولة الزائدة إلى المزيد من القلق على األرباح لدى المسؤولين عن البنوك وخاصة في ظل
عدم استيعاب المقت رض المؤهل الذي تتوافر فيه شروط االقتراض السليم ،لهذا الفائض .لذلك
تم التغاضي والتراخي في شروط منح االئتمان ،ومنحه إلى مقترضين غير مؤهلين أو من
الدرجة الثانية يحمل معه مخاطر ائتمان كبيرة ،لذلك ركزت على منح القروض العقارية
والضمان هو رهن العقار ،أي استرداد البنك للعقار في حالة عجز المقترض عن السداد،
باإلضافة إلى اعتماد أسعار فائدة متغيرة وليست ثابتة ،حيث ترتفع هذه األسعار بصفة تلقائية
كلما رفع االحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة ،وإذا تأخر المقترض عن دفع أي قسط من
2
القرض حل أجله فإن أسعار الفائدة تتضاعف نحو ثالث مرات.
-1السياسة العامة لدعم تملك العقار في الواليات المتحدة :من العوامل التي ساعدت في
تشكل الفقاعة العقارية وجود قوانين تدافع عن حق المواطن األمريكي في الحصول على
سكن بغض النظر عن العرق أو السن كما تحث البنوك والمؤسسات المالية على تلبية طلبات
المواطنين ال متعلقة بالقروض العقارية وخصوصا لفئات اجتماعية ذات الدخل الضعيف .كما
كانت عملية تقييم دور المؤسسات المالية المحلية في تنمية االقتصاد المحلي تتم وفق معايير
صارمة من بينها حجم القروض الممنوحة للمواطنين القتناء سكن عائلي ،ونتائج هذا التقييم
سوف يكون لها رد فعل ايجابي أو سلبي من طرف السلطات المحلية عند طلب فتح فرع
جديد3.ومن ناحية أخرى تم تشجيع الشركات العقارية على التوسع في مشروعات اإلسكان
لتلبية طلبات الحصول على المساكن .وهكذا أخذت البنوك والقروض العقارية تنتشر في
المناطق الجديدة للواليات المتحدة التي تضم المهاجرين الجدد والراغبين في ملكية العقارات
والمساكن وخاصة محدودي الدخل وذوي المالءة المالية الضعيفة 4.وكانت النتيجة ارتفاع
عدد األسر المالكة للمنازل في الواليات المتحدة ،حيث ازدادت بشكل حاد خالل الفترة
( )8000-0110كما يوضحه الشكل التالي:
الشكل رقم ( :)01نسبة ملكية المنازل في الواليات المتحدة األمريكية ()8002-0210
1
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.800.
2
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.91.
3
.عبد القادر بلطاس ،مرجع سابق ،ص.08.
4
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.800.
164
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
-4ارتفاع أسعار العقارات :منذ انفجار فقاعة االنترنت ،أصبحت العقارات أفضل أنواع
االستثمار والمالذ اآلمن للكثير من المستثمرين .فأخذت أسعارها في االرتفاع ،و قد بلغت
نسبة ارتفاع في هذه األسعار في الواليات المتحدة خالل الفترة ( )8006-8000ما يقرب 60
بالمائة وكانت هذه الزيادة نتيجة لالرتفاع الكبير في الطلب على المساكن بسبب سهولة
الحصول على القروض العقارية -كما سبق ذكره ،-وبسبب السياسة النقدية التوسعية التي
اتبعتها الحكومة األمريكية لمواجهة ركود عام ،8000إلى جانب التوقعات المفرطة التفاؤل
حول االرتفاع المتواصل في أسعار العقارات وخاصة المنازل ،على الرغم من عدم حدوث
أية تطورات في العوامل األساسية ،مثل تكاليف البناء والسكان ،وقد شجعت توقعات
الزيادات في األسعار المقرضين ( البنوك و غيرها من المؤسسات المالية) للتراخي في
شروط االئتمان ،على افتراض أنه في حالة وجود صعوبات في السداد ،فإنه يمكن الحجز
على تلك العقارات وبيعها .باإلضافة إلى توريق تلك القروض مما سمح لهم بالتخلص ولو
1
جزئيا من مخاطرها.
-2انخفاض أسعار الفائدة :من المعروف أن سعر الفائدة يعد من أهم أدوات السياسة النقدية،
والسياسة النقدية هي من اختصاص السلطات النقدية الممثلة في البنوك المركزية التي
تستخدم هذه األداة عن طريق رفع أسعار الفائدة أو خفضها حسب مقتضيات الموقف
االقتصادي للبلد 2.وعلى إثر انفجار فقاعة االنترنت قام االحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار
1
.Philippe Gudin de Vallerin, Op. cit, p.1, p.4.
2
.جواد كاظم البكري ،مرجع سابق ،ص.009.
165
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
الفائدة من 6,0بالمائة في نهاية عام 8000إلى 0بالمائة نهاية عام 1.8009وهذا ما
يوضحه الشكل رقم (.)02
الشكل رقم (:)02تطور معدل الفائدة للبنك االحتياطي الفيدرالي ()8002-0220
ومع انخفاض أسعار الفائدة ،والتساهل في شروط اإلقراض العقاري ،وكذا الزيادات
الكبيرة في أسعار العقارات ،زاد التوسع في االقتراض ،فبعد أن ارتفعت أسعار العقارات
أصبحت قيمة منازل محدودي الدخل تتعدى قيمة الشراء الحقيقية ،فقام هؤالء -محدودي
الدخل -بأخذ قروض جديدة مقابل ارتفاع قيمة العقار وذلك برهن جديد ،مع العلم أنهم لم
يسددوا بعد قيمة منازلهم ( القرض األول) .فكانت النتيجة زيادة حجم قروض الرهن العقاري
التي بلغت ذروتها في أواخر عام 2. 8006حيث ارتفعت قروض الرهن العقاري غير
المسددة من 9200مليار دوالر عام 8000إلى ما يقرب 1200مليار دوالر عام ،8006
وهو ما يمثل نحو 00بالمائة كمعدل نمو سنوي .كما شهدت قروض الرهن العقاري عالية
المخاطر( الثانوية) ارتفاعا ملحوظا حيث زادت بحوالي ثالثة أضعاف خالل نفس الفترة
لتصل إلى 0090مليار دوالر في نهاية عام 8006وهو ما يمثل 08بالمائة من إجمالي
قروض الرهن العقاري القائمة 3.وهذا ما يوضحه الشكل رقم( .)01
الشكل رقم ( :)02القروض العقارية المنزلية في الواليات المتحدة األمريكية
1
.Philippe Gudin de Vallerin, Op. cit, p.6.
2
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.802.
3
.Carine Romey, Bastien Drut, "Une analyse de la notation sur le marche des RMBS «SUBPRIME » aux Etats-
Unis", Rapport sur Risques et tendances N°4, Département des Etudes de l’Autorité des marchés
financiers (AMF), France, Janvier 2008, p.5.
166
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
Source : Carine Romey, Bastien Drut, "Une analyse de la notation sur le marche
des RMBS «SUBPRIME » aux Etats- Unis", Rapport sur Risques et
tendances N°4, Département des Etudes de l’Autorité des marchés
financiers (AMF), France, Janvier 2008, p.5.
ولم تكتف البنوك والمؤسسات المالية بالتوسع في هذه القروض العالية المخاطر بل
استخدمت المشتقات المالية لتحويل تلك القروض إلى أوراق مالية (سندات) ذات سيولة عالية
تباع وتشترى في األسواق المالية 1.وأقبل األمريكيون واألجانب أفرادا وشركات ومؤسسات
مالية على شراء هذه األوراق المالية ،مع التأمين عليها لدى إحدى شركات التأمين مقابل دفع
رسوم تأمين ،وفي نظير ذلك كانت شركة التأمين تضمن له سداد قيمة الورقة المالية إذا أفلس
البنك أو صاحب المنزل .األمر الذي شجع المستثمرين في جميع أنحاء العالم على اقتناء
2
المزيد من هذه األوراق.
كل هذه العوامل شجعت على المزيد من االقتراض بهدف شراء العقارات إما لالستثمار
طويل األجل أو من أجل المضاربة ،فانتفخت الفقاعة العقارية حتى وصلت إلى ذروتها عام
.8006وحسب آراء بعض المحللين واالقتصاديين أن أسعار العقارات كان مبالغ فيها بما
يقرب 00بالمائة في عام 3.8006وفي شهر أوت من عام 8009انفجرت الفقاعة ،حيث
هبطت قيمة العقارات ،ولم تعد األسر األمريكية قادرة على سداد ديونها حتى بعد بيع
العقارات المرهونة 4.ومن أهم العوامل التي ساهمت في انفجار الفقاعة العقارية:
-ارتفاع أسعار الفائدة :قام البنك االحتياطي الفيدرالي األمريكي خالل عامي 8000
و 8006برفع معدل الفائدة لمواجهة الضغوط التضخمية التي كان يعاني منها االقتصاد
1
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص ص.890-898.
2
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.00.
3
.Philippe Gudin de Vallerin, Op. cit, p.4.
4
.جواد كاظم البكري ،مرجع سابق ،ص ص.080-089.
167
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
1
األمريكي ،حيث قدر معدل التضخم بــــــــــــــ 0,09بالمائة و 0,8بالمائة على التوالي.
وهكذا قام االحتياطي الفيدرالي برفع معدل الفائدة أكثر من مرة خالل عامي 8000و8006
إلى أ ن وصل إلى 0,80بالمائة أواخر عام 8006وبداية . 8009كما يوضحه الشكل رقم
(.)02
-التخلف عن السداد :عند رفع معدل الفائدة من قبل االحتياطي الفيدرالي األمريكي ،قامت
البنوك والمؤسسات المالية األخرى المقرضة بدورها برفع أسعار الفائدة على المقترضين-
حسب شروط العقد -وأدى هذا إلى زيادة في قيمة األقساط الواجبة الدفع 2،وفي ظل التغاضي
عن السجل االئتماني للمقترضين وقدرتهم على السداد ،أصبحت األقساط الشهرية ال تطاق
للكثير من األسر األمريكية التي أصبحت غير قادرة على التسديد .و هكذا بدأت هذه القروض
ذات المعدالت المتغيرة ذات شروط السداد السخية للغاية في السنوات األولى و المضمونة
بارتفاع أسعار المنازل ،تشكل عبئا ماليا على األسر األمريكية منذ نهاية عام 8006وحتى
بداية عام ،8009فترة ارتفاع أسعار الفائدة .وكان على البنوك والمؤسسات المالية المقرضة
أن تحجز على المنازل لبيعها واسترداد أموالها3.و قد بلغت إجراءات الضبط والحجز أكثر
من 000ألف حالة في أواخر الثالثي األخير من عام ،8006واستمرت حاالت الحجز
لتصل في أواخر عام 8009أكثر من 000ألف حالة ،أي بزيادة قدرت بـــــــ 66بالمائة
خالل عام واحد فقط .الشكل رقم (.)00
1
.زكريا بله باسي" ،األزمة المالية العالمية وكيفية عالجها من منظور النظام االقتصادي الغربي واإلسالمي" ،المؤتمر الدولي حول األزمة المالية
العالمية وكيفية عالجها من منظور النظام االقتصادي الغربي واإلسالمي ،جامعة الجنان ،لبنان ،يومي 09-00مارس ،8001ص.1.
2
.جواد كاظم البكري ،مرجع سابق ،ص.080.
3
.Christian Chavagneux ,Op.cit.
168
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
وبازدياد عدد حاالت الحجز ازداد عدد المنازل المعروضة للبيع ،مما دفع بقيمة
العقارات إلى االنخفاض بشكل كبير -بعد أن كانت األسعار في تزايد مستمر -حتى انهارت
بشكل حاد في شهر أوت من عام .8009
ثالثا :انتقال األزمة إلى النظام المالي األمريكي،كان القطاع المالي هو القسم الثاني أو
المحطة الثانية في المعاناة من الهبوط بعد قطاع العقارات 1.فبعد انهيار سوق العقارات
عجزت قيمة العقار من تغطية قيمة قروض الرهن العقاري ،وتسبب ذلك في خسائر كبيرة
2
للبنوك والمؤسسات المالية المقرضة والمؤسسات المتخصصة في الرهن العقاري ،
وتعرضت المؤسستين ) (Fannie Maeو) (Freddie Macلضغوط كبيرة ارتبطت بالمخاوف
حول مدى كفاية القاعدة الرأسمالية لهما في مواجهة تزايد الخسائر التي لم تنجح السلطات
األمريكية في إقصائها من خالل تأكيدها على أن المؤسستين ستتاح لهما األموال الفيدرالية
الالزمة لتلبية احتياجات السيولة ورأس المال لديهما ،ونظرا للدور الحيوي الذي تقوم به
هاتين المؤسستين في سوق العقارات األمريكية وفي النظام المالي العالمي ككل -فحيازات
أسهم هذه المؤسسات منتشرة في مختلف أنحاء النظام المالي العالمي -فقدتم وضع المؤسستين
تحت الوصاية الفيدرالية مع تعهد الحكومة بتوفير المزيد من الدعم المالي عند الحاجة للحفاظ
3
على رأس المال والتمويل الكافية.
ثم دخلت األزمة منعطفا جديدا ،حيث حدثت سلسلة من االندماجات القسرية ،وحاالت
4
إشهار اإلفالس التي طالت العشرات من البنوك والمؤسسات المالية العمالقة.
وكانت البداية في مارس ،8002عندما ساعد بنك االحتياطي الفيدرالي األمريكي
بنك( )JPMorgan Chaseلشراء بنك األعمال األمريكي ) ،(Bear Stearnsكما أعلن أحد
أبرز البنوك األمريكية ) (Bank of Americaاالندماج مع بنك آخر لألعمال هو (Merrill
) Lynch Bankعن طريق االستحواذ .وفي الحادي والعشرين من سبتمبر ،8002اضطر
بنكا األعمال ) (The Goldman Sachsوبنك ) (Morgan Stanleyإلى التحول
لمجموعتين مصرفيتين قابضتين 5.وواجه بنك( (Lehman Brothersصعوبات جمة ،حيث
قام بإسقاط أصول مالية بقيمة 0,6مليار دوالر في الربع الثالث من عام ،8009وأعلن عن
خسارة بلغت 0,1مليار في الربع الثاني من عام ،8002ثم تفاقمت األزمة وأشهر إفالسه في
6
00من سبتمبر عام ،8002عقب فشل جهود بذلت من إدارة البنك إلنقاذه.
1
.محمد العريان" ،أزمة ينبغي تذكرها" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،90العدد ،9ديسمبر ،8002
ص.00.
2
.جواد كاظم البكري ،مرجع سابق ،ص.068.
3
.صندوق النقد الدولي" ،اآلفاق العالمية وقضايا السياسات" ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر ،8002ص.9.
4
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.99.
5
.المرجع نفسه ،ص ص.90-90.
6
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.860.
169
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
وسرعان ما شمل اإلفالس بنوك أمريكية كبرى ،حيث شهد يوم 80سبتمبر 8002
أكبر انهيار مصرفي فقد قامت السلطات الفيدرالية في هذا اليوم بغلق بنك ( Washington
)Mutualالتي تزيد أصوله عن 000مليار دوالر ،وتم بيعه بقيمة اسمية ال تتعدى 61
مليار 1.وفي بداية شهر نوفمبر قررت إغالق بنك ( ) Freedomليصبح البنك السابع عشر
الذي ينهار تحت تأثير هذه األزمة .كما تم خالل نفس الشهر إغالق بنك ( )Franklinوبنك
2
( ،)Securityليصبح عدد البنوك التي تم إغالقها في ظرف شهرين فقط تسعة عشر بنكا.
فضال عن هذا ،اتخذت كل من وزارة الخزانة األمريكية وبنك االحتياطي الفيدرالي
3
اإلجراءات الالزمة لشراء أسهم من بنك ( )Citigroupلحمايته من خسائر محتملة.
ولم يختلف الوضع كثيرا بالنسبة لشركات التأمين ،فلقد انعكس تعثر أصحاب القروض
العقارية التي تم توريقها على شكل سندات مضمونة برهون عقارية والتي انخفضت قيمتها
في األسواق المالية األمريكية بأكثر من 90بالمائة على هذه الشركات ،عندما طالب
المستثمرون الذين قاموا بالتأمين على هذه األوراق بحقوقهم لدى شركات التأمين 4.فكانت
النتيجة أن أعلنت أكبر شركة تأمين في العالم ) (AIGعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها اتجاه
69مليون عميل تقريبا ،ما دفع بالحكومة األمريكية إلى منحها مساعدة مالية وإنقاذها من
5
الفشل.
وقد ترتب عن كل هذا ،انهيار الثقة في القطاع المالي والمصرفي بأكمله ،فبعد حاالت
اإلفالس التي عرفتها المؤسسات المالية السابق ذكره بسبب وضعها السيئ ،أصاب الذعر
المودعين في المؤسسات المالية األخرى ومن ثم لجأوا إلى سحب ودائعهم بصورة مفاجئة
6
مما أدى إلى انهيار تلك المؤسسات بالرغم من أن وضعها المالي كان جيدا وسليما.
ومن أكثر المشاكل حدة في النظام المصرفي األمريكي بسبب هذه األزمة ،هي مشكلة
ضائقة السيولة في األسواق فيما بين البنوك ،إذ أنه مع نقص الثقة أحجمت البنوك التي تحوز
على سيولة فائضة من تحويلها حيث الحاجة إليها 7،فقفزت أسعار الفائدة على المعامالت بين
البنوك ألجل ثالثة أشهر بما يتجاوز بكثير أسعار الفائدة على اإلقراض لليلة واحدة .وهو ما
أوقع النظام المصرفي األمريكي في حالة التجمد االئتماني ،فال يوجد إقراض يذكر لقطاع
8
األعمال أو لقطاع األسر.
ثم امتدت األزمة إلى أسواق المال ،فقد أدى انعدام الثقة في القطاع المصرفي إلى هبوط
شديد و متسارع في أسهم هذا القطاع منذ صيف 9.8009كما حدثت حالة من الذعر المالي
عند المستثمرين في بورصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة ) (Wall Streatبعد اإلعالن عن
إفالس بنك ( ، (Lehman Brothersمصحوبة بمخاوف إقدام المزيد من البنوك على خطوات
1
.المرجع نفسه ،ص.002.
2
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص ص.99-96.
3
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.001.
4
.المرجع نفسه ،ص.002.
5
.جواد كاظم البكري ،مرجع سابق ،ص.089.
6
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص ص899-896.
7
.ستيفان انجفر ،جوران ليند" ،حلول ستوكهولم"،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،90العدد ،9ديسمبر
،8002ص.88.
8
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص ،890.ص.000.
9
.محمد العريان ،مرجع سابق ،ص.06.
170
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
مماثلة ،قادتهم إلى االندفاع إلى بيع األسهم في بداية التعامالت ،وكان عرض األسهم يفوق
وبشكل كبير الطلب عليها ،األمر الذي أدى إلى هبوط حاد في أسعار األسهم في البورصة
وحدثت الكارثة في يوم االثنين 00سبتمبر ،8002حيث هبط مؤشر ( )Dow Jonesبمقدار
691نقطة في يوم واحد أي ما يعـــادل 9,0بالمائة ،وتراجع كل من مؤشر () S&P 500
ومؤشر ( )NASDAQبنسبة 9,6بالمائة و0,99بالمائة على التوالي .وفي يوم االثنين التالي
لحدوث األزمة 88سبتمبر ،8002أي بعد أسبوع من إعالن اإلفالس تعرضت البورصة
األمريكية ألكبر خسارة لها على مدى ثالث سنوات ،حيث تراجع مؤشر( )S&P 500بنسبة
1
2,91بالمائة وفقد مؤشر ( 1,09 )NASDAQبالمائة من قيمته.
واستمر هذا االتجاه التنازلي خالل عام ،8002مما جعل مؤشر ( )Dow Jonesيسجل
انخفاضا كبيرا من مستوى 00090نقطة بداية عام 8002إلى 2990نقطة في نهاية عام
2
،8002مسجال بذلك تراجعا بلغت نسبته 08بالمائة.
رابعا :انتقال األزمة إلى االقتصاد العيني (الحقيقي) األمريكي ،ما لبثت أن ظهرت تداعيات
هذه األزمة المالية على جوانب االقتصاد الحقيقي األمريكي ،حيث حصلت تراجعات كبيرة
في أداء األنشطة اإلنتاجية لالقتصاد األمريكي .فحالة التجمد االئتماني التي وقع فيها النظام
المصرفي أدت إلى انكماش مصادر التمويل للشركات الصناعية واإلنتاجية مما أدى إلى
تقليص األنشطة وربما اإلغالق ،ما نتج عنه فقدان الماليين من األمريكيين وظائفهم ،ومن ث ّم
إضعاف الطلب االستهالكي .فبعد فترة طويلة أنفق خاللها المستهلكون األمريكيون ما يزيد
كثيرا عن دخولهم ،في عام 8002بدأوا يستسلمون للضغوط المجمعة لألسعار األكثر
ارتفاعا ،وخسائر البطالة ونقص توافر االئتمان ،إلى جانب تخوفهم من الكساد ،ما دفعهم
3
لالقتصاد في إنفاقهم استعدادا لتحمل األعباء في مسيرة قد تكون طويلة.
هذا االنخفاض الذي حدث في اإلنفاق االستهالكي فاقم من هبوط الطلب على المنازل،
كما قوض أيضا قوة قروض السيارات ،وبطاقات االئتمان ،مما زاد الضغط على ميزانيات
البنوك والمؤسسات المالية ،وزيادة تراجعها عن اإلقراض لقطاع األعمال ،فتراجع االستثمار
تراجعا ملحوظا 4،ما أدى في النهاية إلى تراجع الناتج المحلي اإلجمالي بنسبة تزيد عن 6
بالمائة في الربع الرابع من عام 8002و 0,9بالمائة في الربع األول من عام 8001
5
وارتفعت نسبة البطالة إلى 2,0بالمائة ،كل هذا دفع البالد إلى هاوية الركود االقتصادي.
المطلب الثاني :تحول األزمة األمريكية إلى أزمة مالية واقتصادية عالمية
نظرا لترابط االقتصادات وتداخلها عبر قنوات األسواق المالية والتجارة الخارجية
وغيرها ،فقد ألقت األزمة األمريكية بظاللها وبسرعة كبيرة على معظم االقتصادات
المتقدمة ،ومن ث ّم انتشرت على الصعيد العالمي .وفيما يلي توضيح لكيفية انتقال هذه األزمة
عبر القنوات المختلفة:
1
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابقن ص ص.90-98.
2
.صندوق النقد العربي" ،التطورات االقتصادية الدولية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8002ص.08.
.3فرانشيسكو جيافاتسي" ،النمو بعد األزمة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،96العدد ،0سبتمبر
،8001ص.89.
4
.المرجع نفسه ،ص.89.
5
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي" :مكافحة األزمة العالمية" ،8001 ،ص.02.
171
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
أوال :قناة األسواق المالية ،تعتبر األسواق المالية أسرع األسواق نقال لألزمات ،فقد انتقلت
األزمة األمريكية بسرعة إلى باقي بلدان العالم عن طريق هذه القناة 1.نتيجة لعدة أسباب من
أهمها:
-ارتباط األسواق المالية العالمية وانفتاحها على بعضها ،فلقد اتجهت هذه األسواق ومنذ
سنوات عديدة وبشكل كبير نحو التكامل واالندماج فيما بينها ،مما دفع بعضهم إلى القول إن
العالم من خالل ترابط أسواقه المالية أصبح بمثابة سوق مالي كوني واحد .وهذا راجع إلى
تحرير هذه األسواق وإزالة القيود التنظيمية ،والتطور الكبير في تكنولوجيا المعلومات
2
واالتصال.
-وجود المشتقات المالية وخاصة التوريق ،الذي كان له الدور الكبير في انتقال العدوى،
فقيام البنوك والمؤسسات المالية األمريكية بتحويل الكثير من القروض العقارية عالية
المخاطر(دون الممتازة) إلى سندات وطرحها إلى التداول في البورصات األمريكية ،تم
اقتناؤها من قبل مستثمرين أمريكيين وأجانب من طرف صناديق استثمار وبنوك ومختلف
المؤسسات المالية من مختلف أنحاء العالم 3.وقد كانت معظم الحيازات الخارجية من هذه
األصول ا ألمريكية (األوراق المالية المضمونة برهون عقارية) متركزة لدى مؤسسات مالية
في اقتصادات متقدمة ،كألمانيا فرنسا ،وسويسرا وبريطانيا ،وعندما هبطت قيمة تلك
4
األصول مع اندالع األزمة تأثرت القطاعات المالية في تلك البلدان.
-قيام المستثمرين والمؤسسات المالية العالمية سواء كانت أمريكية أو أوروبية بتنويع
محافظها المالية عن طريق االستثمار في كافة األسواق المالية بما فيها األسواق الصاعدة،
وذلك لتقليل درجة المخاطر وتعويض الخسائر المترتبة عن تراجع أسعار األوراق المالية في
5
إحدى تلك األسواق.
على هذا األساس ،وفي أعقاب إفالس بنك ( (Lehman Brothersوالتراجع الكبير الذي
شهدته األسواق المالية األمريكية ،سجلت جميع األسواق المالية في العالم تراجعات حادة.
ففي أوروبا ،سجلت األسواق المالية الرئيسية انخفاضا كبيرا مع بدء التعامالت ،حيث
انخفض مؤشر أسهم الشركات األوروبية الكبرى( )Eurofirst 300بنسبة 2بالمائة ،وتراجعت
بورصة فرانكفورت بنسبة 9,00بالمائة ،واضطرت البورصة النمساوية إلى وقف التعامالت
لفترة بسبب انخفاض أسعار األسهم بنسبة 00بالمائة ،و تراجع المؤشر الرئيسي لبورصة
لندن ( )FTSE 000بنسبة 0,99بالمائة ،وفي باريس أغلق مؤشر) (CAC40بتراجع بلغ
9,90بالمائة 6.وخالل عام 8002تراجع مؤشر ( )FTSE 000بنسبة 00,9بالمائة حيث سجل
في نهاية العام 9900نقطة مقابل 6900نقطة في بداية العام ،أما مؤشر) (CAC40فقد
1
.فايز عبد الهادي أحمد ،مرجع سابق ،ص.81.
2
.نبيل جعفر عبد الرضا ،عدنان فرحان الجوارين ،تاريخ األزمات االقتصادية في العالم ،دار الكتاب الجامعي ،العين ،اإلمارات العربية المتحدة،
،8000ص.880.
3
.عقبة عبد الالوي ،ونور الدين جوادي ،مرجع سابق ،ص.08.
4
.تشارلز كولينز ،ناتاليا تاميريزا" ،االختالالت العالمية واألزمة المالية" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أفريل ،8001ص ص-00.
.06
5
.حازم الببالوي" ،األزمة المالية العالمية محاولة للفهم" ،ص .1.من الموقع:
http://www.kantakji.com/crisis-management last visited 05/05/2016.
6
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.080.
172
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
انخفض من 0000نقطة في بداية العام إلى 0809نقطة في نهاية العام أي بتراجع نسبته
1
98بالمائة.
وآسيويا هبط مؤشر ( )Nikkeiأسهم الشركات اليابانية بنسبة تزيد عن 00بالمائة
ليسجل أكبر خسارة في يوم واحد منذ انهيار أسواق األسهم ،0129وخالل عام 8002سجل
انخفاضا بنسبة 01,9بالمائة من 09900نقطة بداية العام إلى 2260نقطة في نهايته .وفي
بكين تراجعت األسهم الصينية بمقدار 0,09بالمائة في يوم واحد وأنهت بورصة هونج كونغ
تعامالتها بانخفاض نسبته 9,0بالمائة ،كما سجلت بورصات الهند وجاكرتا تراجعا بــــــ 00
2
بالمائة و2بالمائة على التوالي.
وفيما يتعلق ببعض البلدان العربية ،فبعد التحسن النسبي في أداء األسواق المالية
العربية عام 8009عادت مؤشرات هذه األسواق إلى الهبوط إثر تفاقم األزمة المالية
العالمية ،وقد انخفض المؤشر المركب لصندوق النقد العربي الذي يقيس أداء أسواق المال
العربية بنسبة 91,9بالمائة عام 8002مقارنة بعام ،8009متجاوزا بذلك االنخفاضات في
معظم مؤشرات أسواق المال العالمية .وانخفضت القيمة السوقية لألسواق المالية العربية إلى
961,6مليار دوالر في نهاية عام 8002مقارنة بــــــ0002مليار دوالر في نهاية عام
3
.8009
ثانيا :قناة سعر الصرف ،كان للتراجعات الكبيرة في األسواق المالية آثارها على أسواق النقد
األجنبي .فقد هبط سعر صرف الدوالر األمريكي هبوطا حادا منذ منتصف ،8009نظرا
لتراجع االستثمارات األجنبية في األوراق المالية األمريكية الناجم عن هبوط الثقة في سيولة
هذه األصول وانخفاض العائد عليها .ضف إلى ذلك ضعف احتماالت نمو االقتصاد
األمريكي وانخفاض أسعار الفائدة 4.وباعتبار الدوالر األمريكي من أهم العمالت الدولية فقد
كان له دور كبير في تدويل األزمة وإعطائها بعدا عالميا .فقد ألقى تراجع الدوالر بظالله
على العديد من اقتصادات بلدان العالم .فبالنسبة للبلدان المتقدمة أدى انخفاض قيمة الدوالر
إلى ارتفاع أسعار عمالتها ،فقد ارتفع الين واليورو ،وعمالت معومة أخرى كالدوالر الكندي
وعمالت بعض االقتصادات الصاعدة 5.ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار صادراتها ففقدت الميزة
التنافسية لصالح الواليات المتحدة ،ما دفع تلك البلدان للتدخل في أسواق الصرف لتعديل سعر
صرف عمالتها من خالل تخفيض قيمتها وإعطاء ميزة تنافسية لصادراتها ،كاليابان
6
وسويسرا روسيا ،كوريا الجنوبية ،الهند وغيرها.
وبالنسبة للبلدان النامية المصدرة للمواد األساسية -السيما النفط والمعادن الصناعية،
والحبوب كالذرة والقمح -وهي سلع مسعرة بالدوالر ،فقد أدى انخفاض قيمة الدوالر إلى
جعل هذه السلع أرخس بالنسبة للمستوردين (خارج منطقة الدوالر) ،ما يحول دون تحقيق
أرباح صافية مقومة بالعملة المحلية بالنسبة للبلدان المصدرة .فقد كشف تقرير منظمة األوبك
1
.صندوق النقد العربي ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8001مرجع سابق ،ص.08.
2
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص080.؛ صندوق النقد
العربي ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8001مرجع سابق ،ص.08.
3
.صندوق النقد العربي" ،التطورات النقدية والمصرفية وفي أسواق المال في الدول العربية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8002ص.002.
4
.صندوق النقد الدولي" ،اآلفاق العالمية وقضايا السياسات" ،آفاق االقتصاد العالمي ،أفريل ،،8002ص.06.
5
.المرجع نفسه،ص.06.
6
.عبد الكريم شنجار العيساوي ،عبد المهدي رحيم العويدي ،مرجع سابق ،ص ص.809-806.
173
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
أنه على الرغم من تسجيل أسعار النفط أسعار قياسية في منتصف 8009فإنه عند احتساب
معدالت التضخم والتغير في أسعار الصرف العالمية ( انخفاض قيمة الدوالر مقابـــــــل
العمالت الرئيسية األخرى) ،فإن أسعار النفط الحقيقية انخفضت مقارنة بأسعار 1.8006هذا
االنخفاض دون شك أثر سلبا على البلدان المصدرة للنفط ،إذ تعتمد بعض هذه البلدان وبشكل
كبير على صادراتها من أجل خدمة ديونها الخارجية ،وسداد فواتير وارداتها ،وبعضها يعتمد
بشكل شبه تام على إيرادات النفط في وضع الموازنة العامة .وهكذا انتقلت األزمة لهذه
البلدان بسبب تراجع الدوالر الذي أدى إلى تراجع قيمة الصادرات ومن ثم إضعاف قدرتها
2
على اإليفاء بالتزاماتها الخارجية والداخلية.
كما أدى انخفاض الدوالر إلى إرخاء السياسة النقدية في االقتصادات التي تربط عملتها
بالدوالر األمريكي (على النحو الذي سبق شرحه في الفصل السابق) وإلى خسائر كبيرة في
3
قيمة احتياطاتها من النقد األجنبي.
ثالثا :قناة البنوك األجنبية ،لقد صاحب ظاهرة تدويل االستثمار ،واإلنتاج ،والتجارة،
وا لخدمات عن طريق الشركات المتعددة الجنسيات ،قيام العديد من البنوك الكبرى بتوجيه
نشاطها إلى الخارج لمتابعة هذه الشركات4.ومع ازدياد ظاهرة العولمة المالية عرفت هذه
البنوك نموا سريعا من حيث تعدادها وحجم أصولها .فعلى سبيل المثال ،في عام 0160كانت
توجد سوى ثمانية بنوك أمريكية لديها فروع في دول أجنبية ،وكان مجموع أصولها أربع
مليارات دوالر .أما في عام ،8009فقدر عدد البنوك األمريكية التي لها فروع في الخارج
حوالي مائة بنك مع إجمالي أصول يزيد عن 0000مليار دوالر 5.ولهذا ما إن اندلعت أزمة
شح أو ضائقة السيولة في أسواق مابين البنوك في الواليات المتحدة والبلدان المتقدمة حتى
ظهرت أعراض شح السيولة في عدد من اقتصادات البلدان الصاعدة التي فتحت أسواقها
المحلية لفروع البنوك العالمية ،وذلك عندما قامت تلك البنوك بسحب األموال المودعة لدى
فروعها في هذه األسواق ،ونقلها إلى مقرها الرئيسي في البلدان المتقدمة ،وذلك من أجل
إعادة بناء القواعد الرأسمالية للبنوك األم ،وقد أسهم خروج رؤوس األموال من أسواق تلك
البلدان في زعزعة استقرار النظام المصرفي لعدد منها 6،والسيما بلدان أوروبا الشرقية
حيث أن أكثر من 90بالمائة من البنوك الموجودة في هذه البلدان هي بنوك مملوكة لجهات
أجنبية 7.أما بالنسبة لبلدان أمريكا الالتينية وجنوب آسيا فلم تشهد خروج حاشد لرؤوس أموال
البنوك األجنبية المتواجدة في أسواقها خالل األزمة ،وهذا راجع ألن تلك البنوك المتواجدة
1
.عدنان فرحان الجوراني" ،هبوط الدوالر األمريكي أسباب ونتائج" ،الحوار المتمدن ،محور اإلدارة واالقتصاد ،العدد ،8008/00/80 ،0188من
الموقع:
www.alhewar.org last visited 07/06/2016.
2
.عبد الكريم شنجار العيساوي ،عبد المهدي رحيم العويدي ،مرجع سابق ،ص.802.
.3عقبة عبد الالوي ،نور الدين جوادي ،مرجع سابق ،ص.00.
4
.فؤاد مرسي ،مرجع سابق ،ص.090.
5 e
.Mishkin Frederic et Autres, Monnaie banque et marchés financière,8 édition, Nouveaux horizons, Paris,
2007, p.310.
6
.صندوق النقد العربي" ،تداعيات األزمة المالية العالمية على اقتصاديات الدول العربية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8000ص.800.
.7رافي باالكريشنان"،أثر ملكية البنوك األجنبية خالل األزمات النابعة من الداخل" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أفريل ،8001
ص.002.
174
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
في هذه البلدان تخضع لقيود محلية عديدة مما صعب عليها عملية تحويل األموال إلى المقر
1
الرئيسي.
وفيما يتعلق بالبلدان العربية ،فقد انتقلت مشكلة شح السيولة من خالل سياسة اقتراض
البنوك والمؤسسات المالية العربية من المؤسسات والبنوك الدولية ،وتعد دول مجلس التعاون
الخليجي أكثر البلدان العربية اقتراضا من البنوك الدولية ،حيث بلغ رصيد قروض هذه
المجموعة 888مليار دوالر في نهاية سبتمبر ،8002وتشكل حصة القطاع الخاص غير
المصرفي نحو 60بالمائة من هذا المبلغ .ثم جاءت مجموعة البلدان غير النفطية في المرتبة
الثانية كأكبر مقترض من البنوك الدولية ،حيث بلغ مجموع قروضها من هذه البنوك خالل
األشهر التسعة من عام 8002حوالي 69مليار دوالر .وبسبب أزمة شح السيولة خفضت
البنوك الدولية منح القروض ما جعل البنوك والمؤسسات المالية العربية غير قادرة
االقتراض من هذه البنوك ،مما تسبب في شح الموارد المالية لتمويل مشاريعها وأنشطتها
االستثمارية.كما تأثرت بعض البلدان العربية التي تتواجد بها فروع لبنوك أجنبية عندما قامت
هذه األخيرة بسحب رؤوس األموال لتعزيز أوضاعها المالية في مؤسساتها األم في
الخارج.كذلك تأثرت بعض البنوك العربية باألزمة المالية العالمية بسبب استثماراتها في
األسواق المالية العالمية التي عرفت تراجعات كبيرة2.كل هذه الظروف ،وحاالت عدم اليقين
التي سادت األسواق منذ اندالع األزمة األمريكية ،أوقعت العديد من البلدان العربية في أزمة
سيولة ارتفعت على إثرها أسعار الفائدة لإلقراض مابين البنوك ،كما ازدادت تكاليف التمويل
3
طويل األجل ،ومن أبرز هذه البلدان :اإلمارات ،الكويت ،البحرين.
رابعا :قناة التجارة الخارجية ،مع تزايد حصة التجارة في النشاط االقتصادي العالمي يمكن
أن يتوقع حدوث زيادة في التغيرات التي تحدث في الطلب في بلد واحد نتيجة التطورات
االقتصادية الكلية التي تحدث في بلد آخر ،فقد ينتشر أثر ركود يحدث في بلد واحد عبر
الحدود بخفض الطلب على الصادرات من البلدان األخرى 4.وهذا بالفعل ما حدث عندما
تعرضت الواليات المتحدة لركود شديد بسبب أزمة الرهن العقاري ،فقد تراجع إقبال
المواطنون األمريكيون على السلع والخدمات ،بعد أن كانوا القوة المحركة وراء االزدهار
العالمي ،فأصبحوا يشترون أقل ويدخرون أكثر عقب األزمة التي قضت على قدر كبير من
ثرواتهم .هذا اإلمساك للمستهلك األمريكي على اإلنفاق 5،نتج عنه انخفاض في حجم
الواردات األمريكية ،ما انعكس سلبا على جميع الشركاء التجاريين للواليات المتحدة ،وكان
التأثير البالغ الشدة على كل من كندا والمكسيك اللتان تصدران للـــواليات المتحدة وحـــدها
08بالمائة و 80بالمائة من صادراتهما على التوالي 6.كما أدى تراجع الطلب األمريكي إلى
هبوط الطلب العالمي ما انعكس سلبا على البلدان األكثر توجها نحو التصدير كألمانيا
واليابان ،وبعض االقتصادات الصاعدة القوية كالصين والهند والبرازيل وروسيا التي تراجع
1
.صندوق النقد العربي" ،تداعيات األزمة المالية العالمية على اقتصاديات الدول العربية" ،مرجع سابق ،ص.800.
2
.صندوق النقد العربي" ،التطورات النقدية والمصرفية وفي أسواق المال في الدول العربية" ،مرجع سابق ،ص ص.086-080.
3
.المرجع نفسه ،ص.002.
4
.كمال درويش" ،االقتصاد العالمي :التقارب والتكامل والتباعد" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد،91
الرقم ،0سبتمبر ،8008ص.00.
.5إيفان تانر ،ياسر بديع" ،إعادة بناء الثروة األمريكية" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،96العدد،9
ديسمبر ،8001ص.00.
6
.جواد كاظم البكري ،مرجع سابق ،ص ص.01-02
175
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
طلبها على بعض المواد األساسية ،وأدى ذلك إلى انخفاض وارداتها من البلدان النامية
المصدرة لهذه المواد ،ما أحدث فائضا مفاجئا في عرض المواد األساسية ،تسبب في
انخفاض أسعارها ،حيث فقد النفط ما يزيد عن ثلثي سعره خالل أشهر قليلة من عام 8002
من 092دوالر للبرميل في بداية العام إلى مادون 90دوالر للبرميل في األشهر الثالثة
األخيرة .وبالمثل تراجعت أسعار الحديد واالسمنت ،ومواد البناء عموما ،ما يعني تراجع
1
إيرادات الصادرات التي تحققها هذه البلدان النامية.
وهكذا انتشرت األزمة بسرعة إلى مختلف أنحاء العالم .فمست البلدان المتقدمة
الصناعية و البلدان الصاعدة و النامية على حد سواء .فانكمشت التجارة العالمية ،وشهد النمو
هبوطا حاد ،وارتفعت البطالة ارتفاعا كبيرا ودخل بذلك االقتصاد العالمي خالل الفترة بين
عامي 8002و 8001في أعمق فترة ركود 2منذ الكساد الكبير .0181وسيتم التطرق إلى
هذا النتائج بالتفصيل في المبحث الثالث.
المبحث الثاني :تحليل أسباب األزمة المالية واالقتصادية العالمية
تعددت أسباب األزمة المالية العالمية التي جاءت في أعقاب أزمة الرهن العقاري
األمريكي ،واعتبرت األسوأ على مدار أكثر من سبعين عاما .وباعتبار الواليات المتحدة
األمريكية هي محور هذه األزمة فسيتم تحليل أسباب األزمة المرتبطة بالنظام المالي
األمريكي في المطلب األول ،أما في المطلب الثاني فسيتم محاولة تحليل األسباب المرتبطة
بالنظام المالي واالقتصادي العالمي.
المطلب األول :الخلل في النظام المالي األمريكي
بدأ االستقرار المالي الذي حققه برنامج العهد الجديد في الوهن في الثمانينيات من القرن
العشرين مع مجيء الرئيس (رونالد ريجان) الذي اتبع سياسات اقتصادية أكثر تحررا تهدف
إلى إلغاء القيود والتنظيمات المقيدة وتحجيم دور الدولة في المجال االقتصادي .وقد تسببت
هذه اإلجراءات في إخفاقات تنظيمية على عدد من المستويات ،منها:
أوال :تنامي دور نظام الظل المصرفي .يرمز نظام الظل المصرفي (النظام الظلي) إلى واحدة
3
من اإلخفاقات الكبيرة التي شابت النظام المالي األمريكي وأدت إلى األزمة المالية العالمية.
) *(Paul McCullyأول من أطلق تسمية نظام الظل وقد كان الخبير االقتصادي
المصرفي سنة 8009على جميع القنوات واألدوات الهيكلية االستثمارية التي تجري خارج
4
قنوات البنوك.
1
".األزمة االقتصادية العالمية وأثرها على أسواق العمل العربية" ،تقرير المدير العام لمكتب العمل العربي ،مؤتمر العمل العربي ،الدورة السادسة
والثالثون ،ع ّمان 08-0 ،أفريل ،8001ص.060.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.06.
3
.لورا كودريس" ،ماهو نظام الظل المصرفي" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم،8
يونيو ،8000ص.98.
*
:Paul McCullyولد في عام ،0109وهو اقتصادي أمريكي ولديه 80عاما من الخبرة في مجال االستثمار ويحمل شهادة الماجستير في إدارة
األعمال من كلية كولومبيا لألعمال .حصل على شهادته الجامعية من كلية غرينيل .وهو من صاغ مصطلحات " لحظة مينسكي" و "نظام الظل
المصرفي" والتي أصبحت مشهورة خالل األزمة المالية .8001-8009
4
.Steven L Schwarcz, "Regulation Shadow Banking: Inaugural Address for the Inaugural Symposium of the
Review of banking & Financial law",REV. BANKING & FIN, Vol 31, 2011/2012, p.620
176
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
ووفقا لالحتياطي الفيدرالي فإن المصطلح يشير إلى الوسطاء الماليين الذين يتولون
تدبير األموال الالزمة لالئتمان وتحويل السيولة دون أن يكون لهم الحق في الحصول على
تسهيالت ائتمانية من االحتياطي الفيدرالي أو الحصول على الضمانات التي تقدمها الحكومة.
وحسب هذا التعريف تتضمن بنوك الظل :صناديق االستثمار شركات التمويل واألدوات
1
االستثمارية ،صناديق التحوط.
ويرى بعض األكاديميين أن نظام الظل المصرفي يشير إلى مؤسسات مالية غير
مصرفية تعمل في تحويل آجال االستحقاق ،أي تقوم بتجميع أموال قصيرة األجل في أسواق
المال وتستخدم تلك األموال لشراء أصول ذات أجل استحقاق طويلة ،فهي حسب رأيهم تشبه
البنوك وتتصرف كالبنوك ولكنها ليست بنوك ألنها ال تخضع للتنظيم المصرفي التقليدي وال
تستطيع أن تقترض في أي حالة طارئة من االحتياطي الفيدرالي األمريكي كالبنوك وال يوجد
2
لديها مودعون تقليديون بغطاء تأميني على أموالهم ،فهي إذا تعمل في الظل.
وتتسم بنوك الظل بنقص اإلفصاح والمعلومات عن قيمة أصولها وأحيانا حتى ماهية
أصولها ،وانعدام الشفافية فيما يتعلق بالحوكمة وهياكل الملكية بينها وبين البنوك التقليدية ،فقد
كانت بعض بنوك الظل تحت سيطرة البنوك التقليدية ،ما أتاح لبنوك الظل التأثير على
القطاع المالي التقليدي وزعزعة استقرار النظام المالي بالكامل ،كما حدث في أزمة ،8002
فقد كان لبنوك الظل دورا كبيرا في إحداث األزمة وتفاقمها في أسواق المال العالمية وذلك
بسبب حجمها-بلغ حجم نظام الظل المصرفي في الواليات المتحدة في مارس 8002حوالي
80تريليون دوالر والتي كانت أكثر بكثير من التزامات النظام المصرفي التقليدي -3و
دورها المتنامي في تحويل قروض الرهن العقاري إلى أوراق مالية خارج الرؤية المباشرة
للجهات التنظيمية ،وما إن انفجرت الفقاعة العقارية حتى تعرضت هذه البنوك( بنوك الظل)
ألزمة ثقة حيث أصبح المستثمرون قلقين بشأن القيمة الحقيقية ألصول بنوك الظل وقرر عدد
كبير منهم سحب أموالهم فورا .وحتى يتسنى لهذه البنوك سداد أموال المستثمرين اضطرت
إل ى بيع األصول .وأدى ذلك البيع البخس بوجه عام إلى خفض قيمة تلك األصول مما أرغم
عددا آخر من كيانات الظل المصرفي وبعض البنوك التقليدية التي لديها أصول مشابهة على
خفض قيمة تلك األص ول على دفاترها لتبين السعر السوقي األدنى ،ما خلق حالة أكبر من
عدم اليقين بشأن سالمتها عند المستثمرين الذين قاموا بسحب أموالهم ما أوقع عدد كبير من
هذه الكيانات في مشكالت خطيرة ،وبسبب انكشاف البنوك التقليدية لبنوك الظل فقد أثرت
4
على القطاع المالي واالقتصاد بوجه عام.
ثانيا :عدم مراعاة األسس والقواعد المصرفية وغياب رقابة االحتياطي الفيدرالي
األمريكي .تتلخص إدارة النظام المصرفي بصفة عامة في كفاءة اإلدارة في تنفيذ السياسات
المصرفية وهي :إدارة السيولة والربحية ،إدارة المخاطر ،واالئتمان ،وإدارة كفاية رأس
المال .إال أن وحدات الجهاز المصرفي األمريكي لم تتقيد بهذه السياسات بشكل كاف ألنها
ركزت على الربح السريع الضخم عن طريق اإلقراض غير المسؤول وغير المنضبط
1
.Ibid, p.621.
2
.لورا كودريس ،مرجع سابق ،ص.98.
3
.Steven L Schwarcz, Op. cit, p.620.
4
.لورا كودريس ،مرجع سابق ،ص ص.90-98.
177
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
بالقواعد المصرفية المعروفة ،خاصة التمويل العقاري .ومن ث ّم أهملت في الوقت ذاته اعتبار
السيولة ولم تقم بإدارة رشيدة لمخاطر االئتمان أو كفاية رأس المال .واألهم أن البنك
االحتياطي الفيدرالي األمريكي لم يقم بدوره كبنك مركزي في مراقبة جادة للنظام المصرفي
ما أدى إلى تنامي استخدام البنوك األمريكية لبنود خارج الميزانية 1أو ما يسمى بنشاط خارج
الميزانية* .وذلك بسبب تحول أعمال البنوك التجارية إلى األسواق المالية بعدما أقر
الكونغرس األمريكي عام 0111تشريعا يسمح للبنوك التجارية بالدخول في سوق األوراق
المالية والسمسرة .وهكذا أصبح الباب مفتوحا أمامها لتغامر بأخطر األدوات المالية وهي
المشتقات المالية .وفي عام 8000أقر تشريعا آخر يمنع تنظيم وتقييد أسواق المشتقات
المالية 2.مما أدى إلى نمو عمليات خارج الميزانية بدرجة غير عادية ،فعلى سبيل المثال في
عام 8006تجاوزت قيمة عمليات خارج الميزانية لمجموعة ) (Citygroupالبالغة 8,0
تريليون دوالر قيمة أصولها داخل الميزانية البالغة 0,2تريليون دوالر 3.وفي المجمل أصبح
نشاط خارج الميزانية يعادل 9/6من مجمل النشاط المصرفي األمريكي ،أي أن 9/0فقط من
4
هذا النشاط هو الذي يراقبه البنك االحتياطي الفيدرالي بينما بقية النشاط خارج الرقابة.
ثالثا :اإلفراط في االقتراض (التمويل بالمديونية) ،نشأت معظم األزمات المالية من
االقتراض الزائد .وقد اختلفت الجهات التي تقدم على االقتراض المفرط من أزمة إلى أخرى
،فمن قبل كانت الحكومات أو شركات األعمال هي التي تقترض بصورة مفرطة .ولكن قبل
وقوع أزمة 8002كانت البنوك وغيرها من المؤسسات المالية وقطاع األسر في الواليات
المتحدة ،وغيرها من البلدان المتقدمة هي من أقدم على االقتراض المفرط .فقد سجلت
المؤسسات المالية في الواليات المتحدة زيادة كبيرة في مستويات ارتفاع الديون ،وتضاعفت
ميزانياتها العمومية قبل األزمة مقارنة بالحجم الكلي لالقتصاد األمريكي ،حيث بلغت نسبة
مديونية هذه المؤسسات إلى الناتج المحلي اإلجمالي قبل األزمة نحو 080بالمائة ،كما
ارتفعت نسبة المديونية إلى حصص الملكية (الرفع المالي) في هذه المؤسسات بصورة حادة،
فعلى سبيل المثال بعض بنوك االستثمار األمريكية الكبرى والبنوك األوروبية الشاملة سجلت
5
ارتفاعا في التمويل بالديون بلغ 00مرة ضعف حصص الملكية.
كما سجل قطاع األسر معدالت استدانة مرتفعة ،فخالل السنوات السابقة لألزمة،
شهدت الواليات المتحدة ارتفاع حادا في نسبة الدين إلى الدخل المتاح في قطاع األسر
وصلت إلى حوالي 000بالمائة 6،وقد سيطرت قروض الرهن العقاري على تمويل السكن
واالستهالك نظر ا للطفرة في أسعار المساكن ما أغرى البنوك والمؤسسات المالية فتساهلت
7
في منح القروض دون أن تأخذ بعين االعتبار مخاطر الهبوط في أسعار المساكن.
1
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.001.
*
بنود خارج الميزانية عبارة عن العمليات التي تحقيقها مؤجل ،وبذلك تمثل الخصوم المحتملة ألنها مرتبطة بالتزام أو تحقيق شرط خارج إرادة
البنك ،ولذلك فهي عمليات تنطوي على خطر كبير .وتتكون من مجموعتين األولى تضم خطابات االعتماد ،سندات مكفولة ،كفاالت أو ضمانات
عقارية أو جمركية؛ أما المجموعة الثانية فكانت نتيجة تحول أعمال البنوك التجارية إلى األسواق المالية وتتضمن التزامات تتعلق بأسعار الفائدة ،
بأسعار العمالت ،المشتقات المالية ...
2
.حازم الببالوي" ،األزمة المالية محاولة للفهم" ،مرجع سابق ،ص ص96-90.
3
.أوليفييه بالنشار"،العاصفة التامة"،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،96العدد ،8يونيو ،8001ص.02.
4
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.001.
5
.ستين كاليسنز" ،تخفيض الديون" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية صندوق النقد الدولي ،العدد ،الرقم ،8يونيو ،8008ص ص.80-80.
6
.المرجع نفسه ،ص.80.
7
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.60.
178
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
وعندما وقعت األزمة وتراجعت أسعار المساكن وجميع األصول ،انخفض صافي الثروة
بصورة حادة واضطرت األسر والمؤسسات المالية إلى تخفيض مستوى مديونيتها .فاتجهت
األسر إلى تقليص اإلنفاق فتراجع الطلب الكلي مؤديا إلى تراجع الناتج والى ارتفاع البطالة
وانخفاض الدخل ،فازدادت حاالت عدم السداد ومن ث ّم بيع المزيد من المساكن وغيرها من
األصول ،مما أدى إلى مزيد من االنخفاض في األسعار .أما المؤسسات المالية فقد اتجهت
إلى تخفيض القروض الجديدة مما أدى إلى نشوء ضائقة ائتمان أضرت بقطاع األسر وقطاع
األعمال مما أدى إلى إضعاف االستهالك واالستثمار 1.وهكذا أوقع االقتراض المفرط
الواليات المتحدة والعالم في ركود اقتصادي أعتبر األسوأ منذ الكساد الكبير .0181
رابعا :الخطأ في السياسة النقدية ،يكمن الخطأ في السياسة النقدية األمريكية حسب رأي
العديد من االقتصاديين والمحللين في تذبذب أو عدم استقرار هذه السياسة ،وتغيرها بشكل
مفاجئ بين فترة وأخرى خالل مدة طويلة استمرت عدة سنوات .ويقصد بذلك أن التغير في
أسعار الفائدة صعودا ونزوال (رفع وخفض) بشكل مفاجئ ليس أمرا سليما .باإلضافة إلى
ذلك لوحظ أن أسعار الفائدة انخفضت كثيرا وبشكل لم يكن متوقع في الفترة (-8000
-)8009انظر الشكل رقم(-)02ما يعني التوسع في النقد( زيادة الكتلة النقدية) التي أدت في
نهاية المطاف إلى تضخم نقدي بشكل عام ،وقد نال سوق العقار نصيبا كبيرا منه .فحسب هذا
الرأي فإن مشكلة زيادة الطلب على العقار وارتفاع األسعار ثم هبوطها السريع يعود إلى
2
السياسة النقدية األمريكية التوسعية.
كما يرى البعض اآلخر أنه في العقود التي سبقت األزمة ،كان هناك شبه اقتناع عند
معظم البلدان وعلى رأسها الواليات المتحدة ،أنه من أجل تحقيق استقرار األسعار (السيطرة
على التضخم) ينبغي على البنوك المركزية أن تركز على هذا الهدف فقط .ولكن أثبتت
األزمة أن هناك حاجة إلى انضباط مالي أكبر ،وكان ينبغي على بنك االحتياطي الفيدرالي أن
3
يكون له دور فعّال في الحفاظ على االستقرار المالي والحد من النمو االئتماني المفرط.
خامسا :التوريق ،هو عبارة عن تقنية تسمح بتحويل القروض إلى أوراق مالية قابلة للتداول،
حيث تقوم المؤسسة المالية بحشد مجموعة (حزمة) من الديون المتجانسة والمضمونة
بأصول ووضعها في صورة دين واحد ثم عرضه على الجمهور من خالل مؤسسة
متخصصة في االكتتاب( المصدر) في شكل أوراق مالية 4.وهناك صور عديدة من األصول
5
التي يتم توريقها من أهمها:
-األوراق المالية المضمونة باألصول ) :(ABSوهي السندات المضمونة بمجمعات
األصول المالية ذات تدفقات إيرادية متوقعة .من أمثلتها سندات مديونية بطاقة االئتمان،
وسندات قروض السيارات ،وسندات المديونية التجارية.
1
.ستين كاليسنز ،مرجع سابق ،ص ص.88-80.
2
.وشاح رزاق ،مرجع سابق ،ص.80.
3
.لويس جاكوميه ،توماسو مانشيتي -غريفولي" ،صالحية أوسع" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم،8
يونيو ،8009ص99.
4
.جواد كاظم البكري ،مرجع سابق ،ص ص.006-000.
5
".التمويل المنظم" ،مسرد مصطلحات عمليات التوريق ،منشورات مؤسسة ستاندرد آندبورز ،ص،0.ص،00.ص .80.من الموقع:
https://docs.google.com/file/d/0B4ClQW1Psp9lU1pMRWw2Q0VqbEU/edit?pli=1,last visited 12/07/2016.
179
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
1
.راندال دود " ،الرهونات العقارية الثانوية :مجسات األزمة" ،مرجع سابق ،ص.06.
*
صناديق التحوط( :)Hedge Fundsهي عبارة عن تجمعات استثمارية متنوعة ،يتم تنظيمها بوصفها ملكية خاصة تسعى الى تعظيم أرباحها في
األجل القصير عن طريق البحث عن االختالالت الهيكلية والفجوات في أنحاء العالم كافة ،والقيام بالمضاربة على تحركات األسعار في األسهم
والعمالت وأسعار الفائدة ،وأسعار السلع وبشكل أساسي في صفقات المشتقات.
2
.لورا كودرس" ،أزمة ثقة ...أكثر من ذلك" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،90العدد ،8يونيو،8002
ص.00.
3
.عقبة عبد الالوي ،نور الدين الجوادي ،مرجع سابق ،ص.00.
180
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
وعندما برزت حاالت التعثر عن السداد في الرهونات العقارية الثانوية والتي قدرت
بـــــ 6بالمائة في الربع الثاني من عام ،8006ثم ارتفعت إلى 1بالمائة في الربع الثاني من
عام 8009انهارت أسعار األوراق المالية المضمونة برهون عقارية ثانوية وفقدت أسواقها
سيولتها ،وأصيب المستثمرون بالذعر وانصرفوا حتى عن األوراق المضمونة برهون
ممتازة .وبالنسبة للمستثمرين الذين كانوا يسعون إلى العائد الكبير لم يتمكنوا من التعامل
خارج مراكزهم ال خاسرة وقاموا ببيع أصول أخرى من أجل الوفاء بالتزامات االقتراض أو
تعويض الخسائر ،مما تسبب في تراجع كبير لألسواق المالية .وهكذا أدت قفزة مقدارها ثالث
نقاط مئوية في معدالت عدم السداد في قسم فرعي من الرهونات العقارية في الواليات
المتحدة ،والتي زادت من القروض المتعثرة بمقدار 09مليار دوالر إلى إحداث صدع في
النظام المالي األمريكي الذي يتعامل في 09تريليون دوالر ،أعقبه حدوث اضطراب مالي
عالمي 1حاد ،أدى إلى أسوأ هبوط اقتصادي شهده العالم منذ الكساد الكبير في الثالثينيات من
القرن العشرين.
سادسا :الفساد وانعدام الشفافية ،إن االطالع على األسباب الكامنة وراء األزمات السابقة،
يؤكد اشتراك معظمها في عدم الشفافية والتالعب في نتائج الحسابات والوضع المالي من
خالل إجراء بعض المعالجات القيدية التي يتم بموجبها تغيير وإخفاء بعض الحقائق و
المعلومات عن الوضع المالي الحقيقي للمؤسسة .وقد تتم عمليات التالعب في البيانات المالية
وإخفاء المعلومات من قبل الجهات المسؤولة عن إدارة هذه المؤسسات .ولم يكن هذا السبب
غائبا عن األزمة المالية العالمية .8002حيث انتشر الفساد بين طائفة المسؤولين التنفيذيين
ممن كانوا يشغلون الوظائف العليا في الشركات والمؤسسات المالية األمريكية ،كمؤسسة
) (Fannie Maeالتي اتهمت بتزوير حساباتها بهدف منح عالوات أكبر لمديريها ،ومؤسسة
) (Freddie Macالتي حكم عليها بدفع 0,2مليون دوالر عام 8006لممارستها الضغط
بصورة غير شرعية لمصلحة أعضاء في مجلس النواب المكلفين بمراقبة نشاطاتها2.وبنك
( )Lehman Brothersالذي قام بإزالة المليارات من الدوالرات من خصوم ميزانيته
وعرضها في القوائم المالية كإيرادات على الرغم من أنها تمثل ديون مستقبلية يلزم إعادة
شرائها في المستقبل وذلك باستخدام حيلة ) (Repo 105التي تم التطرق لها في الفصل الثاني.
كما َمثُل عدد كبير من المسؤولين بينهم رئيس مجلس إدارة هذا البنك أمام قضاء األمريكي
بعد اعترافه أن عمله على رأس هذا البنك حقق له أرباحا بقيمة 000مليون دوالر بين سنتي
8000و ،8009وعرف 89ملفا في األوساط المالية األمريكية تحقيقا موسعا حول عمليات
3
تزوير واحتيال واسعة في القروض التي انطوت على مخاطر كبيرة.
فضال عن هذا ،فقد كانت تصريحات رجال األعمال واالقتصاد على رأس األسباب
التي أدت إلى التوسع في قروض الرهن العقاري عالية المخاطر وانتفاخ الفقاعة العقارية.
كتصريحات ( )Alan Greenspanعام ،8009حيث أكد أن "االحتمال ضئيل في حصول
انخفاض قوي في أسعار األسواق العقارية في الواليات المتحدة ،نظرا إلى حجمها
1
.راندال دود " ،الرهونات العقارية الثانوية :مجسات األزمة" ،مرجع سابق ،ص ،00.ص.01.
2
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص ،800.ص.008.
3
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.60.
181
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
وتنوعها" 1،وأوصى بزيادة استخدام الرهونات ذات األسعار القابلة للتعديل 2.وأضاف في
عام 8000أنه "في حال انخفاض أسعار المساكن لن يترتب على ذلك عواقب مهمة على
االقتصاد الكلي وفي العام نفسه اعتبر أن األدوات المالية األكثر فأكثر تعقيدا قد ساهمت في
3
تطوير نظام مالي مرن ،فعّال ،وصلب أكثر من الذي كان موجودا منذ ربع قرن".
المطلب الثاني :األسباب المرتبطة بالنظام المالي واالقتصادي العالمي
شهد االقتصاد العالمي أنواعا مختلفة من اإلخفاقات الدولية التي كانت سببا في األزمة
المالية واالقتصادية العالمية ،8002أو زادت من حدة تفاقمها .ومن أهم هذه اإلخفاقات يمكن
ذكر:
أوال :االختالالت العالمية .تشير عبارة االختالالت العالمية إلى عدد من المشاكل المختلفة،
ولكن أكبر مصدر للقلق لفترة طويلة هو اختالالت الحساب الجاري العالمية.
ويقصد باختالالت الحساب الجاري العالمية عجوزات الحساب الجاري وفوائضه التي
تراكمت في االقتصاد العالمي ،بدءا من أواخر التسعينيات القرن العشرين عندما تراكمت
عجوزات كبيرة لدى الواليات المتحدة وبعض البلدان المتقدمة األخرى :بريطانيا ،اسبانيا،
ال برتغال ،اليونان ،وبعض بلدان أوروبا الوسطى والشرقية .بينما تراكمت فوائض كبيرة لدى
بلدان أخرى خاصة الصين ،اليابان ،واقتصادات في منطقة شرق آسيا ،والبلدان المصدرة
4
للنفط.
الشكل رقم( :)00موازين الحساب الجاري نسبة مئوية إلى الناتج المحلي اإلجمالي العالمي
خالل الفترة ()8006-0221
1
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.800.
2
.راندال دود" ،رسائل إلى المحرر" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،90العدد ،0مارس ،8002
ص.0.
3
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق ،ص.800.
4
.تشارلز كولينز ،ناتاليا تاميريزا" ،االختالالت العالمية واألزمة المالية" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أفريل ،8001ص.09.
182
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
المصدر :مانجال جوسوامي وآخرون" ،تدفقات رأس المال العالمي تتحدى الجاذبية"،
مجلة التمويلوالتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،99العدد،0
مارس ،8009ص.00.
ويتضح من الشكل أن الواليات المتحدة هي صاحبة أسوأ عجز حيث بلغ 0,0بالمائة من
الناتج المحلي اإلجمالي العالمي عام ،0119ثم عرف نموا متزايدا ليبلغ في أواخر عام
8006نحو 8,80بالمائة .تليها منطقة اليورو التي سجلت أكبر عجز لها في عام 8000بلغ
0,80بالمائة من الناتج المحلي اإلجمالي العالمي ،ولكن على مستوى فرادى بلدان المنطقة
تعتبر كل من اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا صاحبة أكبر عجز في مقابل فائض كبير
بالنسبة أللمانيا .ويتضح من الشكل أن البلدان صاحبة الفوائض الضخمة هي البلدان المصدرة
للنفط التي بدأت تسجل هذه الفوائض بدءا من عام 0111ثم عرفت تزايدا حتى بلغت ذروتها
في أواخر عام 8006قبل أن تنخفض أسعار النفط إبان األزمة مسجلة نسبة تصل إلى
0بالمائة من الناتج المحلي اإلجمالي العالمي ،تليها اقتصادت آسيا الصاعدة ،ثم اليابان.
-0أسباب االختالالت العالمية :لقد طرحت تفسيرات مختلفة لتعليل هذه الزيادة في
1
االختالالت .من أهمها:
-عوامل السياسات االقتصادية الكلية :عندما قلصت آسيا استثماراتها بعد األزمة اآلسيوية،
ارتفعت مدخراتها ارتفاعا هائال (تخمة المدخرات العالمية) ،باإلضافة إلى حركة التنمية التي
تقودها الصادرات في اقصادات آسيا الصاعدة اعتمادا على سعر صرف مقوم بأقل من
الواقع ،وعلى تراكم االحتياطات .أما بالنسبة للواليات المتحدة ،فيعتبر ارتفاع العجز في
الموازنة العامة وهبوط مدخرات قطاع األسر وارتفاع استهالك هذا القطاع أحد األسباب
وراء تفاقم العجز في حسابها الجاري.
-العوامل الهيكلية طويلة األجل :حيث يرى أصحاب هذا التفسير أن جاذبية األصول المالية
األمريكية نظرا لتصور ارتفاع سيولتها ،والبحث عن االستثمار اآلمن ،أدت إلى خلق طلب
متواصل على األصول األمريكية.
-النظام النقدي الدولي :ويرى بعض الخبراء أن االختالالت العالمية ناجمة عن عدم وجود
نظام نقدي دولي ،أي عدم وجود قواعد سلوك متفق عليها دوليا تهدف إلى تحقيق منافع
طويلة األجل للجميع .حيث يرى أصحاب هذا التفسير أن النظام النقدي الدولي اليوم ،ليس في
الحقيقة نظاما ،ألنه يفتقر إلى آلية دولية تلقائية لضبط اختالالت الحساب الجاري ،بل سمح
2
بحدوث تداعيات ضخمة.
فمنذ عام ،0190عملت معظم العمالت الدولية الرئيسية بنظام الصرف العائم (الحر
أو المرن) ،حيث يحدد سوق النقد األجنبي أسعار مختلف هذه العمالت ،ومن حيث المبدأ
تواجه البلدان التي تعاني من عجز في حسابها الجاري وتعتمد على نظام الصرف العائم
ضغوطا خافضة ألسعار صرف عملتها ،ومن شأن ضعف العملة أن يجعل صادراتها
أرخص ،وهو ما ينبغي أن يشجع على التحول في اإلنتاج لتلبية الطلب الخارجي وبالتالي
زيادة الصادرات على حساب المجموعة المعاكسة من البلدان التي كانت تشهد فائضا،
1
.تشارلز كولينز ،ناتاليا تاميريزا ،مرجع سابق ،ص.09.
2
.وليام وايت" ،خلل في النظام" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،08الرقم ،0مارس ،8000ص،99.
ص.99.
183
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
ويسمح هذا التسلسل لألحداث بضبط األوضاع بشكل منظم ،ويحول دون تراكم اختالالت
أكبر من ذلك .ولكن في الوا قع ال تعمل هذه القوى على هذا النحو .فمن جهة ،تغيرات سعر
الصرف ال تحفز في جميع األحوال التحول المرغوب في الطاقة اإلنتاجية ،أو على األقل
ليس بسرعة .ومن جهة ثانية ،البلدان التي كانت صاحبة فوائض(كالصين ،اليابان ،وألمانيا)
وترا َج َع الطلب الخارجي على صادراتها ،ال يوجد ما يعقوها على تبني إجراءات ترمي إلى
مواصلة زيادة صادراتها 1،كالتدخل في سوق النقد األجنبي ،فالتعويم السائد لجميع العمالت
الدولية الرئيسية ليس حرا ،حيث لم تسمح أي دولة لعملتها بأن تنقلب أسعار صرفها بحرية
تامة ،بل تراقب البنوك المركزية عمالتها المعومة وتتدخل في سوق الصرف كي تحد من
التقلبات فيها 2.ويرجع ذلك لعدم وجود نظام نقدي عادل يفرض مسؤوليات على الجميع.
-8االختالالت العالمية واألزمة المالية العالمية :يكمن الخطر في اختالالت الحساب الجاري
العالمية في أن تفقد البلدان التي تعاني من عجز كبير في حسابها الجاري ثقة البلدان التي
تمثل مصدر الفوائض ،وهو ما يمكن أن يؤدي في النهاية األمر إلى أزمة عملة كما حدث في
األزمة اآلسيوية ،وأزمة منطقة اليورو ،حيث أدت االختالالت الكبيرة للغاية في الحساب
الجاري لبلدان المنطقة في النهاية إلى أزمة حادة .ولكن وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة
حول هذا االحتمال بالنسبة للواليات المتحدة ،إال أن أزمة 8002لم تكن على هذا النحو 3.بل
كان لالختالالت العالمية دور في تراكم المخاطر النظامية خالل الفترة السابقة لألزمة،
فالبلدان التي شهدت فوائض ضخمة وعلى رأسها الصين ،قامت بتوظيف هذه الفوائض في
حيازة األصول األمريكية ،حيث اتجهت جهات االستثمار الرسمية من اقتصادات هذه البلدان
إلى شراء ديون الهيئات الحكومية (سندات الخزانة األمريكية) ،بينما أقبل مستثمرو القطاع
الخاص من االقتصادات المتقدمة على شراء األوراق المالية المضمونة برهون عقارية ،مما
زاد من ضخامة التدفقات الرأسمالية الداخلة إلى البنوك األمريكية وهو ما شجعها على
اإلفراط في منح القروض ،والبحث عن العائد ،وخلق أصول مقترنة بمخاطر عالية ،فنشأت
فقاعة العقارات .ولقد وضعت دراسة لــــــ ( )Caballero & Krishnamurth,2008نموذجا
يربط بين الطلب المتزايد على األصول األمريكية وبين االرتفاع المستمر في الرفع المالي
والتوريق في النظام المالي األمريكي فوجدت أنه كلما زاد الطلب على األصول األمريكية
4
زاد الرفع المالي والتوريق.
ثانيا :إخفاقات العولمة المالية .خالل العقد الذي سبق األزمة المالية العالمية زادت العولمة
المالية بصورة غير مسبوقة ،حيث ارتفعت تدفقات رأس المال عبر الحدود إلى ثالثة أمثال
ما كانت عليه ،لتبلغ حوالي 6900مليار دوالر( 6,9تريليون) ،وهو ما يقارب 09,0بالمائة
من الناتج المحلي اإلجمالي العالمي في عام 5.8000مقابل نحو 0,0بالمائة من الناتج المحلي
6
اإلجمالي عام .0110
1
.المرجع نفسه ،ص.96.
.2هيل عجمي الجنابي ،مرجع سابق ،ص.086.
3
.وليام وايت ،مرجع سابق ،ص.99.
4
.تشارلز كولينز ،ناتاليا تاميريزا ،مرجع السابق ،ص.06.
.5سيال بازاربا شيوجلو وآخرون" ،الوجه المتغير للمستثمرين" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد،99
العدد ،0مارس ،8009ص.82.
6
.مانجال جوسوامي وأخرون ،مرجع سابق ،ص.00.
184
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
وقد حدث أعظم نمو في تدفقات المحفظة وبصفة رئيسية الديون ،وفي معامالت
المشتقات وكذا العمليات المصرفية عبر الحدود( الشكل رقم" ،)"08ما أدى إلى نمو غير
مسبوق في األسواق المالية وتعميقها ،وأصبح حجم األسواق العالمية لألسهم والسندات
ضعف المستوى العالمي للناتج المحلي اإلجمالي ،بحيث بلغت رسملة األسواق العالمية
1
لألسهم 02تريليون دوالر عام ،8000و 90تريليون دوالر رسملة أسواق السندات.
الشكل رقم(:)08تطور تدفقات رأس المال العالمية ()8002-0220
يتضح من الشكل أن تدفقات رأس المال العالمية ارتفعت بصورة كبيرة منذ عام
، 0110ويرجع ذلك إلى التطور التكنولوجي وعمليات التحرير التي شهدتها أغلب
االقتصادت المتقدمة والعديد من االقتصادات الصاعدة كما يتضح من الشكل معظم هذه
التدفقات تتمثل في تدفقات االستثمار األجنبي غير مباشر ( األسهم السندات ،والمشتقات).
في حين أن االستثمار األجنبي المباشر وعلى الرغم من التطور الملحوظ الذي حصل خالل
الفترة ،8000-0110إال أنه بدأ بالتراجع منذ عام .8000
كما ظلت المشتقات المالية تنمو بمعدالت سريعة للغاية من حيث الحجم واألهمية على
مدار السنوات السابقة لألزمة ،فبعد أن كانت ال تتعدى 000تريليون دوالر في عام ،8000
أصبحت في عام 8009تتجاوز 000تريليون دوالر ،أي أنها نمت بأكثر من خمسة أضعاف
في ظرف سبع سنوات فقط وعلى الرغم من تباطؤ نموها خالل سنوات األزمة -ولو بشكل
محدود -إال أنها عاودت نموها من جديد بعد األزمة ليبلغ حجمها عام 8000نحو 900
تريليون دوالر .الشكل رقم (.)00
الشكل رقم ( :)01نمو المشتقات المالية ()8004-8000
1
.سيال بازارباشيوجلو وآخرون ،مرجع سابق ،ص.81.
185
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
إضافة إلى ذلك ،فإن الغالبية العظمى من هذه المشتقات يتم تداولها خارج البورصة**،
حيث ال تخضع للقواعد التنظيمية والرقابية الفعّالة ،كما أن المعامالت فيها تفتقر إلى الشفافية،
مما ينتقص من موثوقية األسواق ويعرضها لمخاطر متزايدة وخاصة في حاالت الضغوط.
ويمكن أن يؤدي عدم الشفافية إلى صعوبة أكبر في تحديد قيمة المعامالت ومن ثم عدم القدرة
1
على إدارة المخاطر ،وانتشار العدوى بسرعة.
لقد صاحب هذا النمو المذهل والسريع في تدفقات رأس المال عبر الحدود ،والنمو
السريع للمشتقات المالية وضخامة أسواقها على المستوى العالمي ،تغيرات في قاعدة
2
المستثمرين .يمكن توضيحها في االتجاهات الرئيسية التالية:
-مؤسسات االستثمار التقليدية :والمتمثلة في صناديق المعاشات ،شركات التأمين ،صناديق
االستثمار ،وقد نمت أصولها نموا استثنائيا من نحو 80تريليون دوالر عام 0110إلى نحو
00تريليون دوالر عام .8000
-صناديق التغطية :لقد تضاعف عدد صناديق التغطية من 000صندوق عام 0110إلى
أكثر من 6900صندوق في عام ،8000ونمت أصولها من 00مليار دوالر عام 0110إلى
0,9تريليون دوالر عام ،8000وتدار معظم هذه الصناديق في الواليات المتحدة و
بريطانيا.
-صناديق الثروة السيادية وصعود البنوك المركزية لألسواق الصاعدة :التي أصبحت قوى
فاعلة رئيسية في تخصيص رأس المال عبر الحدود ،مع وجود تركز رئيسي لها في أسواق
الواليات المتحدة ،حيث تحوز على أكثر من 00بالمائة من كافة ما يملكه األجانب من
األوراق المالية طويلة األجل األمريكية.
-البنوك الدولية :مع ازدياد ظاهرة العولمة المالية وتطور وتوسع األسواق المالية ،عرفت
الصناعة المصرفية الدولية موجة من االندماجات واالستحواذات عبر الحدود ،أدت إلى نمو
هذه البنوك نموا سريعا من حيث تعدادها وحجم أصولها .كما دخلت البنوك إلى مجاالت
للنشاط كانت مقصورة في الماضي على المؤسسات المالية غير المصرفية (مثل ضمان
السندات واألوراق المالية والمتاجرة فيها ،إبرام وبيع عقود االئتمان والمشتقات األخرى
المشا ركة في التوريق و االستثمار فيه في الداخل والخارج) مما طمس أجه االختالف
والتمايز بينها وبين غيرها من المؤسسات المالية غير المصرفية و أدى إلى ظهور ما يعرف
1
بنظام الظل المصرفي ،حيث توجد أنشطة مصرفية ضخمة خارج التنظيم.
إن كل هذه التطورات والتغيرات التي شهدتها األسواق المالية العالمية في ظل العولمة
المالية ،صاحبتها إخفاقات كبيرة .يمكن تحديدها في النقاط التالية:
-0قصور في أنشطة التنظيم واإلشراف على النظام المالي العالمي :لقد نمت إذا األسواق
المالية العالمية تحت سيطرة البنوك الكبرى وغيرها من الكيانات المالية المختلفة القائمة في
االقتصادات المتقدمة نموا سريعا .وقد كان محرك هذا النمو والتوسع هو القوى التي تعزز
بعضها البعض للتحرر من القيود والتنظيم واالبتكارات المالية .ولكن ما لم يتم هو المؤسسات
والهياكل التي تشرف على هذه األسواق والكيانات المالية ،من خالل وضع وتنفيذ التنظيمات،
فبقيت هناك فجوة واسعة بين أنشطة األسواق المالية والنطاق التنظيمي والرقابي
(اإلشرافي)2.وعقب األزمة المالية العالمية 8002تم اكتشاف أن هناك إخفاقات كبيرة في
مجالي الرقابة والتنظيم على النظام المالي العالمي ،من أمثلتها:
0 -0اتفاقية بازل :IIإن الجهة القائمة على تصميم اتفاقية بازل (لجنة بازل للرقابة
المصرفية) هي الهيئة المعنية بوضع المعايير الدولية لألنشطة التنظيمية والرقابية للجهاز
المصرفي ،وقد كان هدفها المعلن عند صياغة اتفاقية بازل IIهو تقوية االستقرار المالي من
خالل زيادة متطلبات رأس المال ،وتحسين الرقابة ،وتشديد انضباط السوق .ولكن في الواقع
العملي ،كان التركيز الغالب لهذه االتفاقية على الهيكل الفني لرأس المال التنظيمي ،مع تأكيد
محدود على الرقابة القوية والفعّالة 3.إلى جانب ذلك ،فإن العديد من البنوك والمؤسسات
المالية الكبرى األمريكية واألوروبية لم تتقيد بكامل المعايير والقواعد التي حددتها اتفاقية
بازل 4،IIوالجهات الرقابية في تلك البلدان المتقدمة لم تأخذ في الحسبان بالقدر المالئم
المخاطر المرتبطة بذلك ،وأخفقت إخفاقا كبيرا في تقدير مدى الرفع المالي الذي عمدت إليه
هذه البنوك والمؤسسات المالية ،وما يصاحبه من مخاطر5.وقد كشفت األزمة المالية العالمية
، 8002أن وضع القواعد والمعايير التنظيمية كالترتيبات المتعلقة برأس المال أو السيولة
6
وغيرها ،ال يكفي لتعزيز االستقرار المالي إذا كانت جودة تطبيقها – أي الرقابة -غير فعّالة.
8 -0وكاالت التصنيف االئتماني :أحد أشكال اإلخفاقات التنظيمية هو تسليم المسؤولية
التنظيمية وتقييم المخاطر االئتمانية التي تواجه الشركات والمؤسسات المالية والحكومات
الساعية إلى االقتراض وإصدار أوراق مالية تدر دخال ثابتا على غرار السندات إلى هيئات
1
.أمار باتا تشاريا" ،شبكة مشوشة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،96العدد ،0مارس ،8001
ص.90.
2
.المرجع نفسه ،ص.90.
.3سيد ريحان زامل" ،يوم الفصل" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،99العدد ،0سبتمبر ،8000
ص.90.
4
.عبد المطلب عبد الحميد ،الديون المصرفية واألزمة المالية المصرفية العالمية (أزمة الرهن العقاري) ،مرجع سابق،ص001.
.5صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي":إنجاح االقتصاد العالمي لصالح الجميع" ،8002 ،ص.86.
6
.سيد ريحان زامل ،مرجع سابق ،ص.99.
187
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
خاصة تعرف باسم وكاالت التصنيف االئتماني .وتقوم هذه الوكاالت بتقديم خدمات
معلومات ،تعمل على تضييق الفجوة بين ما يعرفه المستثمرون (المقرضون) ،وما يعرفه
المقترضون .وبتضييق فجوة التباين في المعلومات بين المقترضين والمقرضين ،تعمل هذه
الوكاالت على تعزيز السيولة في األسواق مما يزيد النشاط المالي ويخفض التكاليف،
فالمقترضون الذين يحصلون على درجات أفضل من قبل هذه الوكاالت عادة ما يتمكنون من
1
سداد كامل ديونهم المستحقة عليهم ،بما في ذلك الفوائد.
كما تقوم هذه الوكاالت بتوفير خدمات رقابية على الحكومات والشركات وكذا البنوك
والمؤسسات المالية حيث تعبر درجة التصنيف الممنوحة لها عن رأي وكاالت التصنيف في
مدى إمكانية دخولها في صعوبات مالية وبالتالي مدى احتياجها إلى اتخاذ إجراءات
2
تصحيحية.
وقد بدأت صناعة التصنيف االئتماني ألول مرة من طرف ) ،)John Moodyعندما صنف
سندات شركة السكك الحديدية في الواليات المتحدة عام ،0101ثم انتشرت على نطاق واسع
وأصبح هناك العديد من الوكاالت الخاصة 3.ولكن سيطر على هذه الصناعة ثالث وكاالت
خاصة هي ،)Fitch)،)S&P) ،(Moody's) :وتــتخـــذ كل ) (S&P) ، (Moody'sمن
نيــويــورك مقـــرا لهما ،وتبلــــغ حصة كل منهـــما حــــوالي 90بالمائة من أعمال
التصنيف االئتماني على مستوى العالم .أما ) (Fitchفلها مقر في كل من نيويورك ولندن،
4
وتبلغ حصتها حوالي 00بالمائة .وتنتشر وكاالت تصنيف أصغر في أنحاء العالم.
ومنذ سبعينيات القرن العشرين توسع دور هذه الوكاالت في أطر التنظيم المالي،
وخاصة مع عقد ا تفاقية بازل التي ركزت على زيادة دقة المعايير التنظيمية المصرفية
وأكدت على أن إدراج تقييمات وكاالت التصنيف االئتماني سيتيح منهجا أكثر تطور لقياس
مخاطر االئتمانية .ومنذ ذلك الحين أصبحت وكاالت التصنيف االئتماني جزء ال يتجزأ من
النظام المالي حيث يتم االعتماد وبشكل كبير على المراتب (الدرجات) التي تحددها في
التنظيم المالي ،وهو ما يعني خصخصة العملية التنظيمية وحتى الرقابية التي تدخل ضمن
مسؤوليات الحكومة في األساس .بمعنى أخر أن الحكومة قامت فعليا بنقل سلطتها التنظيمية
إلى شركات خاصة ودون إخضاعها لرقابة صارمة للحصول على منافع مزعومة مثل
5
خفض تكاليف التنظيم ورفع درجة الكفاءة والدقة.
ونتيجة لذلك أصبح لوكاالت التصنيف االئتماني تأثيرا كبيرا وعلى امتداد فترة طويلة
على تحركات السوق من خالل التغيير في تقييم درجة المخاطر وأسعار األصول ،ما قد
يسبب زعزعة مفاجئة ويزيد التقلبات دونما داع 6.كما حدث في األزمة اآلسيوية ،حيث
أخفقت وكاالت التصنيف في التنبؤ بها قبل حدوثها ،بل يرى العديد من المراقبين أنها تسببت
1
.بانايوتيس غافراس" ،لعبة التصنيف" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،91الرقم ،0مارس ،8008ص
ص.00-09.
2
.Jakob de Haan, Fabian Amtenbrik," Credit Rating Agencies", DNB Working Paper, N°278, Amsterdam,
January 2011, p.1.
3
.أحمد مداني" ،دور وكاالت التصنيف االئتماني في صناعة األزمات في األسواق المالية ومتطلبات إصالحها" ،األكاديمية للدراسات االجتماعية
واإلنسانية ،قسم العلوم االقتصادية والقانونية ،جامعة حسيبة بن بوعلي ،الشلف ،العدد ،00جوان ،8000ص.06.
.4بانايوتيس غافراس ،مرجع سابق ،ص.00.
5
.المرجع نفسه ،ص.00.
6
.المرجع نفسه ،ص06.
188
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
في تفاقم األزمة وانتقال العدوى عندما قامت بتخفيض درجة التصنيف االئتماني لبلدان
جنوب شرق آسيا .واألمر ذاته حدث في أزمة منطقة اليورو ،عندما قامت هذه الوكاالت
بخفض درجة التصنيف لدول مثل اليونان ،ايرلندا ،البرتغال ،اسبانيا ،ما فاجأ األسواق المالية
وأدى إلى مشاكل مالية كبيرة لهذه البلدان وخاصة اليونان ،عندما تخطت ديونها صنف
1
االستثمار إلى صنف المضاربة في جوان .8000
أما فيما يتعلق باألزمة المالية العالمية ،8002فقد دار جدل كبير حول دور هذه
الوكاالت في نشوبها وحسب العديد من المراقبين فقد كانت هذه الوكاالت أحد األسباب
الرئيسية وراء األزمة ،وذلك من خالل:
-قيامها بإعطاء تصنيفات ذات درجة عالية لألوراق المالية المضمونة بالرهون العقارية
األمريكية العالية المخاطر األمر الذي أدى إلى زيادة الطلب عليها ،ومن ث ّم زيادة إصدارها.
وقد بين صندوق النقد الدولي أن أكثر من ثالثة أرباع تلك األوراق الصادرة في الواليات
المتحدة خالل الفترة ( )8009-8000والتي كانت مصنفة تحت تصنيف ) (AAAأي جودة
عالية من قبل وكالة ) ،(S&Pهي في الحقيقة تحت تصنيف ) (BBBأي دون درجة
2
االستثمار.
-قيامها بتصنيف ديون العديد من المؤسسات المالية التي كان لها دور رئيسي في األزمة
ضمن التصنيف االستثماري ،وبطئها في تعديل التصنيف .ومثال ذلك بنك ( Lehman
)Brothersالذي صنفته وكاالت التصنيف العالمية في التصنيف االستثماري في اليوم الذي
أعلن إفالسه 3.كما حصلت شركة التأمين ) (AIGعلى تصنيف استثماري مرتفع ضمن
درجة االستثمار قبل يوم واحد من محاولة إنقاذها .و شركة ( )Citigroupالتي حصلت على
80مليار دوالر وتلقت ضمانات من وزارة الخزانة األمريكية كانت هي األخرى مصنفة
4
ضمن درجة االستثمار.
وهكذا أثارت األزمة المالية العالمية الشكوك حول مصداقية وشفافية تلك الوكاالت،
وتزايدت المطالبات بضرورة تشديد القواعد على هذه الوكاالت ،ووضع حد لتضارب
المصالح في أنشطتها ،وتحسن الشفافية والقدرة على المنافسة في هذه الصناعة .وذهب
البعض اآلخر إلى ضرورة تشديد الرقابة الحكومية عليها أو إرجاع مهمة التصنيف االئتماني
ضمن مسؤوليات الحكومة.
-8قصور في التنسيق والتعاون الدولي :هناك مجموعة من المؤسسات الدولية والمنتديات
المعنية بالقضايا االقتصادية العالمية ،ينفرد كل منها بمسؤوليات ومجاالت تخصص معينة.
ويعمل كل منها بصورة مستقلة في ميدانه الخاص من أهمها:
0 -8صندوق النقد الدولي :يتولى حسب اتفاقية تأسيسه مهمة اإلشراف على النظام النقدي
الدولي ومتابعة السياسات االقتصادية والمالية المطبقة في بلدانه األعضاء ،وهو بذلك يتولى
مهمة الرقابة والتي تتم على مستويين العالمي(متعدد األطراف) ،وعلى البلدان المنفردة
5
(الرقابة الثنائية).
1
.Jakob de Haan, Fabian Amtenbrik, Op.cit, p.2.
2
. Jakob de Haan, Fabian Amtenbrik, Op.cit, p.2.
3
.Ibid, p.2.
.4أحمد مداني ،مرجع سابق ،ص.01.
5
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي":من أجل اقتصاد عالمي أكثر أمنا واستقرارا" ،8000 ،ص ص.80-01.
189
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
8-8بنك التسويات الدولية :يضم بنوكا مركزية لالقتصادات المتقدمة وعدد من األسواق
الصاعدة ،والقوة الرئيسية المساندة لهذا البنك هي مجموعة العشرة التي تضم وزراء المالية
ومحافظي البنوك المركزية لعشر اقتصادات متقدمة ،وقد أنشأت مجموعة العشرة عددا من
اللجان المهمة لها في بنك التسويات الدولية تؤدي أدوارا مهمة في مجاالت اختصاصها
كلجنة بازل باعتبارها واضعة المعايير لإلشراف المصرفي ،لجنة المدفوعات والتسويات
تخ تص بالمدفوعات والمقاصة والتسويات وما يتصل بها من ترتيبات ،لجنة النظام المالي
العالمي التي تعمل على تحديد وتقييم المصادر المحتملة لإلجهاد في األسواق المالية
1
العالمية.
**
1 -8مجموعة العشرين :انبثقت من توصيات مجموعة السبعة عام ،0111وهي عبارة
عن منتدى للحوار بين الدول الصناعية ودول األسواق الصاعدة بشأن جدول األعمال
االقتصادية والمالية العالمية 2.تتألف من البلدان الصناعية السبع الكبرى :الو.م.أ ،بريطانيا،
اليابان ،ألمانيا ،فرنسا ،إيطاليا ،كندا ،إضافة إلى األرجنتين ،استراليا البرازيل ،الصين،
الهند ،إندونيسيا ،ال مكسيك ،روسيا ،المملكة العربية السعودية ،جنوب إفريقيا ،كوريا الجنوبية
تركيا ،ويعتبر االتحاد األوروبي العضو العشرين يمثل رئيس البرلمان األوروبي والبنك
المركزي األوروبي .وتستقبل المجموعة في اجتماعاتها كل من مدير عام صندوق النقد
الدولي ،ورئيس البنك الدولي ،إلى جانب رئيسا اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية ،ولجنة
التنمية التابعتين للصندوق والبنك الدوليين على التوالي 3.وتمثل البلدان األعضاء في
المجموعة مجتمعة حوالي 20بالمائة من إجمالي الناتج العالمي90 ،بالمائة من التجارة
4
العالمية ،وثلثي سكان العالم.
4-8منتدى االستقرار المالي :أنشئ عام 0111بعد اجتماع مجموعة السبعة ،ويضم كبار
ممثلي السلطة المالية الوطنية في اقتصادات مجموعة السبعة ،ومؤسسات التمويل الدولية،
وخبراء البنوك المركزية ،للتركيز على المخاطر النظامية في األسواق المالية وطرق
5
عالجها.
وهناك العديد من المؤسسات الدولية واإلقليمية األخرى ،كالمنظمة الدولية للجان
األوراق المالية ،مجلس المعايير المحاسبية الدولية الذي يشرف على االتفاق وضع معايير
المحاسبة الدولية ،المنظمة العالمية للتجارة منظمة التعاون والتنمية في الميدان االقتصادي،
مجموعة البنك الدولي ،صندوق النقد العربي ،بنك االستثمار األوروبي المفوضية األوروبية،
البنك المركزي األوروبي...
وإجماال يمكن القول أن هناك تعددية من القوى الفاعلة الدولية واإلقليمية على حد
سواء ،كل منها يركز على العمل لتحقيق أهدافه وأولوياته ،بدرجة أكبر مما يركز على كيفية
1
.أمار باتا تشاريا ،مرجع سابق ،ص.90.
**
مجموعة السبعة :بدأ في عام 0190أول مؤتمرات القمة االقتصادية السنوية لمجموعة السبعة التي تضم البلدان الصناعية الكبرى وهي :الو.م.أ،
اليابان ،بريطانيا ،كندا ،ألمانيا ،فرنسا ،إيطاليا.
.2أمار باتا تشاريا ،مرجع سابق ،ص.90.
3
".مجموعة العشرين تدعم التحرك المستمر لمواجهة األزمة والتحول المزمع في تمثيل أعضاء الصندوق"،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية،
80سبتمبر ،8001ص،0.
http://www.imf.org/~/media/Websites/IMF/Imported/external/2009/new092509aapdf, last visited 10/07/2016
4
. https://www.g20.org/en, last visited 06/02/2018.
5
.أمار باتا تشاريا ،مرجع سابق ،ص.90.
190
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
العمل مع بع ضها البعض لتحقيق الهدف الرئيسي المشترك استقرارا النظام المالي 1.وهذا ما
كشفته األزمة المالية العالمية ،8002التي بينت ضعف إشراف هذه المؤسسات على النظام
المالي واالقتصادي العالمي ،وافتقارها لألدوات التي تمكنها من التصدي وبقوة لألزمات،
وهذا بسبب ضعف التنسيق والتعاون فيما بينها ،حيث لم يكن هناك اتفاق على المسؤوليات أو
على طرق تنفيذ اإلجراءات المشتركة 2،كما لم يكن هناك تنسيق بينها لتقديم معلومات شاملة
بطريقة موحدة ومتواترة وفي الوقت المناسب ،وتكون موثوقة وعالية الجودة تعكس
3
الظروف المتغيرة لالقتصادات والنظم المالية.
-1نقص البيانات والمعلومات االقتصادية والمالية :إن توافر البيانات بدرجة تواتر عالية
في الوقت المناسب لدى الجهات الرقابية وصانعي السياسات والمستثمرين والمؤسسات
المالية الدولية ،من شأنه مساعدتهم على رصد المخاطر ،وتقييم اآلثار المحتملة على النظام
المالي 4.ولكن األزمة المالية العالمية بينت أن الثغرات الموجودة في البيانات االقتصادية
والمالية أعاقت الكشف عن تراكم المخاطر 5،وخاصة تلك التي تتعلق بالروابط بين
المؤسسات المالية عبر قنوات مثل اإلقراض بين البنوك ،وأسواق األوراق المالية ،اتفاقات
إعادة الشراء وعقود المشتقات .ففي الفترة التي سبقت األزمة كان هناك إفراط في الرفع
ي الكثير منه خارج نطاق مؤسسات اإليداع التقليدية كالبنوك ،كما كان هناك المالي الذي أ ُ ْج ِّر َ
كثافة في استخدام التمويل قصير األجل لشراء أصول طويلة األجل( تحويل آجال االستحقاق)
مما أدى إلى عدم التواف ق الزمني في هيكل آجال استحقاق األصول والخصوم للمؤسسات
ولكن نظرا لنقص البيانات لم يكن بوسع الجهات التنظيمية والرقابية والجهات المشاركة في
السوق إجراء قياس كامل لدرجة تحويل أجل االستحقاق أو الحد الذي وصلت إليه العالقات
6
المتداخلة بين المؤسسات المالية واألسواق.
المبحث الثالث :اآلثار المترتبة عن األزمة المالية واالقتصادية العالمية
لقد ألقت األزمة المالية التي نشأت في السوق األمريكية للقروض العقارية عالية
المخاطر بأعباء مدمرة على االقتصاد العالمي ،وامتدت لفترة أطول مما كان متوقعا في
البداية .فقد دخل االقتصاد العالمي خالل الفترة ( )8001-8002في ركود عميق أعتبر
األعنف منذ الكساد الكبير .0181ورغم ظهور بعض مؤشرات التعافي في أواخر عام
،8000إال أن االقتصاد العالمي أصيب بانتكاسة كبيرة في أواخر 8000بسبب أزمة منطقة
اليورو .وظل التعافي هشا وضعيفا إلى غاية عام ،8009حيث بدأ االقتصاد العالمي
بالخروج من آثار هذه األزمة التي ترتب عنها خسائر وآثار مدمرة في كل القطاعات
1
.جيمس بوتون ،كولن برادفور" ،الحوكمة العالمية :قوى فاعلة جديدة ،قواعد جديدة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد
الدولي ،المجلد ،99العدد ،9ديسمبر ،8001ص.00.
2
.أمار باتا تشاريا ،مرجع سابق ،ص.98.
.3إفريم غوكسو ،روبرت هيث" ،سد الفجوات" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم،0
مارس ،8006ص.00.
4
.أديلهايد بيرغي "،البحث عن بيانات جديدة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،99العدد،0
سبتمبر ،8000ص.08.
5
.إفريم غوكسو ،روبرت هيث ،مرجع سابق ،ص.09.
6
.أديلهايد بيرغي ،مرجع سابق ،ص.08.
191
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
والمجاالت وعلى مستوى كل االقتصادات المتقدمة والناشئة وكذا النامية* على حد سواء.
ويمكن حصر هذه اآلثار في المطالب التالية:
المطلب األول :آثار األزمة على القطاع العقاري والمصرفي ،وقطاع األسر
سببت األزمة المالية العالمية خسائر كبيرة على مستوى القطاع العقاري والمصرفي
وكذا قطاع األسر .وفيما يلي توضيح لحجم هذه الخسائر:
أوال :أثر األزمة على القطاع العقاري ،إن المسؤول األكبر عن هذه األزمة هو سوق الرهن
العقاري األمر يكية .ومما ال شك أن سوق العقارات سواء داخل الواليات المتحدة ،أو
خارجها ،تعرض إلى خسائر ضخمة فقد عرفت أسعار العقارات وبالتحديد أسعار المساكن
في الغالبية العظمى من االقتصادات المتقدمة هبوطا حادا بنسبة تزيد عن 00بالمائة سنويا
منذ عام 8009بعد ارتفاع قدره 2,0بالمائة سنويا في الفترة بين عامي 8000و8009
األمر الذي ترتب عليه تراجع كبير في االستثمارات السكنية ،حيث بلغ االنخفاض التراكمي
1
فيها خالل الفترة ( )8000-8002قرابة 00بالمائة .
بالنسبة للواليات المتحدة ،فقد انخفضت أسعار المساكن خالل الفترة ()8000-8009
بنسبة 00بالمائة وهو ما يمثل سبعة تريليون دوالر ،وحوالي 96بالمائة من الناتج المحلي
اإلجمالي األمريكي في عام 2.8000أما في بريطانيا فقد انخفضت أسعار المساكن خالل
الفترة (نوفمبر -8009ديسمبر )8002بنسبة 02,8بالمائة ،بعد ازدهار كبير خالل الفترة
( ،)8009-0111فقد ارتفعت أسعار المساكن خالل هذه الفترة في المتوسط بنسبة تفوق 00
بالمائة( من 90ألف جنيه إسترليني نهاية ديسمبر 0111إلى أكثر من 028ألف جنيه نهاية
3
ديسمبر .)8009
كما تعرضت أسواق العقارات التجارية لتراجعات حادة في األسعار ،ففي الواليات
المتحدة مرت أسعار العقارات التجارية بفترة رواج بين عامي 8000و ،8009وتحولت منذ
ذلك الحين إلى فترة ركود ،واعتبارا من الربع الثاني من عام 8001انخفضت أسعار
العقارات التجارية في الواليات المتحدة بحوالي 90بالمائة من مستوى الذروة الذي بلغته في
الربع الثاني من عام .8009عالوة على ذلك ،فقد أدى الركود العالمي إلى تزايد معدالت
الوحدات الشاغرة ،وانخفضت اإليجارات مما أدى إلى تخفيض استثمارات البناء غير
السكني ،كما تباطأت مبيعات العقارات التجارية حتى كادت أن تتوقف فبعد أن بلغت قيمتها
أكثر من 000مليار دوالر في الربع الثاني من عام ،8009أصبحت في الربع األول من عام
4
8001ال تتعدى 60مليار دوالر ،ولم يتعد عددها ألف وحدة على المستوى العالمي.
ثانيا :آثار األزمة على القطاع المالي والمصرفي ،لقد أدت األزمة إلى اهتزاز كبير في الثقة
بالمؤسسات واألسواق المالية العالمية ،فقد أدى الهبوط الحاد في السوق العقارية إلى إضعاف
الميزانيات العمومية للبنوك والمؤسسات المالية بسبب تقييم األصول المضمونة برهون
عقارية بسعر السوق ،وكذا تزايد حاالت التأخر عن سداد القروض ،وقد أبلغت البنوك عن
*
انظر إلى الملحق رقم " :"00تصنيف صندوق النقد الدولي القتصادات بلدان العالم.
1
.دينز إيغن ،براكاش لونغاني" ،توقعات قاتمة في القطاع العقاري" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أكتوبر ،8000ص.80.
2
.Dennis Kelleher, "The Economic Fallout of the U.S Financial Crisis", September 10, 2012, https:// www.the
globalist.com/the-economic-fallout-of-the-u-s-financial-crisis/, last visited 19/07/2016.
3
.Alstair Adair and others, "The Global Financial Crisis: Impact on property markets in the UK and Ireland",
Report by the University of Ulster Real Estate Initiative Research Team, March 2009, p.25.
4
.دينز إيغن ،براكاش لونغاني ،مرجع سابق ،ص.80.
192
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
خسائر بقيمة 002مليار دوالر من القروض العقارية عالية المخاطر والقروض األخرى
ذات الصلة وذلك في سبتمبر 8002أي بداية األزمة ،وكان الجانب األكبر من نصيب
البنوك األمريكية واألوروبية 1.كما تعرضت أسواق المعامالت فيما بين البنوك إلى اإلغالق
تقريبا من جراء تالشي الثقة وازدياد المخاوف بشأن مستوى المالءة مما أدى إلى سلسلة
متزايدة من حاالت اإلفالس وعمليا ت االندماج والتأميم في الواليات المتحدة ( على النحو
الذي سبق التطرق إليه في المبحث األول)،و كذا بلدان أوروبا الغربية واليابان.
في بريطانيا اضطرت الحكومة إلى تأميم بنك ) (Northern Rockوهو يعتبر أكبر
البنوك لإلقراض العقاري في بريطانيا ،باإلضافة إلى تأميم بنك (، )Bradford & Bingley
ثم أعقب ذلك إعالن بنك ) (Alliance & Leicesterالبريطاني أن بنك ) (Santanderقام
بشرائه بقيمة 0,00مليار جنيه إسترليني وكذا قيام بنك ) (Lloyds TBSباالستحواذ على بنك
) (HBOSرابع أكبر بنك في بريطانيا .وكل هذا كان في شهر سبتمبر من عام 2.8002كما
قررت السلطات المالية في بلجيكا ولوكسمبورغ و هولندا ضخ 00,8مليار يورو لتمويل
المجموعة المصرفية والتأمين البلجيكية الهولندية العمالقة ) (Fortesمقابل حصص في
رأسمالها .وفي أيسلندا أعلنت الحكومة شراء 90بالمائة من رأس مال ثالث أكبر بنك فيها
بقيمة 600مليون يورو .أما ألمانيا فقد تدخلت الحكومة إلنقاذ بنك ( )Hypo Real Estateمن
اإلفالس ،وهو بنك خاص متخصص في المجال العقاري .ولم تسلم اليابان ،حيث أعلنت
3
شركة التأمين اليابانية ( )Yamatoإفالسها.
ورغم عدم توافر بيانات منتظمة عن البنوك التي تم إعالن إفالسها على المستوى
العالمي ،فإن النظام المالي األمريكي يوفر توضيحا لحجم المشكلة .فقد أعلنت المؤسسة
الفيدرالية للتأمين على الودائع ) (FDICأن عدد البنوك المفلسة تزايد بين عامي 8002
و ،8008فبعد أن بلغ عددها 80بنكا في عام ،8002ارتفع بشكل كبير عام 8001ليصل
إلى 090بنكا ،واستمر في االرتفاع ليصل إلى الذروة في عام 8000حيث أعلن 001بنكا
إفالسه ،ثم بدأ العدد بالتراجع ليسجل في عام 8000نحو 18بنكا ثم 00بنكا في عام .8008
ليصل العدد اإلجمالي للبنوك المفلسة خالل الفترة ( )8008-8002حوالي 969بنكا .كما هو
موضح في الشكل رقم (.)09
1
.صندوق النقد الدولي" ،اآلفاق العالمية وقضايا السياسات" ،الفصل األول،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر ،8002ص.6.
2
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص ص ،90-98.ص.96.
3
.المرجع نفسه ،ص ص.96-90.
193
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
كما أحدثت األزمة المالية العالمية تغيرات كبيرة في أسعار األصول وأسعار الصرف
في كافة أنحاء العالم فقد خسرت أسواق األوراق المالية أكثر من 90بالمائة من قيمتها في
كل من االقتصادات المتقدمة واقتصادات األسواق الناشئة 1.وخسر السوق األمريكي الجانب
األكبر ،ففي غضون ثمانية عشر شهرا فقط (أكتوبر -8009مارس )8001انخفض السوق
بأكثر من 00بالمائة من قيمته وهو ما يمثل 00تريليون دوالر أمريكي و 90بالمائة من
2
الناتج المحلي األمريكي لعام .8000
ثالثا :أثر األزمة على ثروة قطاع األسر ،لقد أسفر انكماش سوق العقارات وبالتحديد سوق
المساكن والهبوط الحاد في أسواق األسهم والسندات عن خسائر ضخمة في ثروة قطاع
األسر* في عدد كبير من االقتصادات المتقدمة .فبعد أن شهد هذا القطاع ارتفاعا كبيرا في
صافي الثروة ،حيث زادت نسبة صافي الثروة إلى الدخل المتاح في الواليات المتحدة خالل
الفترة ( )8006-8008نحو009بالمائة ،وفي منطقة اليورو 10بالمائة و 080بالمائة و80
بالمائة في بريطانيا واليابان على الترتيب .3أتت األزمة المالية العالمية على هذه الثروات
حيث بلغت الخسائر في ثروات األسر األمريكية خالل عام 8002حوالي 00تريليون دوالر
مثلت األصول المالية 2,0تريليون دوالر و 8,0تريليون دوالر في أصول المساكن .وقدرت
بنحو تريليون جنيه إسترليني في بريطانيا ( 0,9تريليون جنيه في األصول المالية ،و0,6
4
تريليون جنيه في أصول المساكن).
1
.جيان ماريا ميليسي" ،حظوظ متغيرة "،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،96العدد ،0مارس ،8001
ص.80.
2
.Dennis Kelleher, Op. cit.
*يعرف صافي الثروة بأنه األصول الكلية( أصول المساكن+األصول المالية) ناقص الخصوم المالية .وتعتمد ثروات األسر في الو.م.ا واليابان
بدرجة كبيرة على األصول المالية ،بينما تعتمد في بريطانيا ومنطقة اليورو على أصول المساكن.
3
.بيتيا كيفا بروكس" ،حالة تبدد ثروات األسر" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أفريل ،8001ص.66.
4
.بيتيا كيفا بروكس ،مرجع سابق ،ص ص.61-62.
194
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
وقد واجه األسر تراجع ثرواتهم بتخفيض اإلنفاق وزيادة معدالت ادخارهم ،مما أدى
1
إلى تراجع االستهالك في االقتصادات المتقدمة ،وخصوصا في الواليات المتحدة وبريطانيا.
مما أثر سلبا على االستثمار واإلنتاج.
المطلب الثاني :آثار األزمة على االستثمار واإلنتاج الصناعي
امتد أثر األزمة المالية العالمية إلى االستثمار الخاص واإلنتاج الصناعي في كل من
البلدان المتقدمة والصاعدة وحتى البلدان النامية.
أوال :أثر األزمة على االستثمار ،شهدت االقتصادات المتقدمة هبوطا واسع النطاق على
صعيد االستثمار ورغم أن االنكماش في قطاع العقار وبالتحديد المساكن كان أكثر حدة على
اإلطالق ،إال أن الجزء األكبر من الهبوط تركز في قطاع االستثمارات غير السكنية (قطاع
األعمال) ،الذي يمثل نسبة أكبر من مجموع االستثمارات (حوالي 20بالمائة استثمارات
األعمال مقابل 80بالمائة استثمارات سكنية) 2.ويوضح الشكل رقم ( )00أن نسبة تراجع
االستثمار في االقتصادات المتقدمة ككل بلغت 80بالمائة في المتوسط خالل الفترة (-8002
)8009مقارنة بتنبؤات قبل األزمة (ربيع .)8009وقد سجلت أكبر نسبة تراجع -نحو
00بالمائة -في اقتصادات منطقة اليورو (اليونان ،ايرلندا ،البرتغال ،اسبانيا) التي كانت
تعاني من أزمة الديون السيادية ،8000-8000تليها الواليات المتحدة بحوالي 80بالمائة،
بريطانيا 80بالمائة ،واليابان بنحو 09,0بالمائة .كما كان هذا االنكماش في مجموع
االستثمارات (الخاصة والعامة) في االقتصادات المتقدمة مدفوعا في الجزء األكبر منه
باالستثمار الخاص نظرا ألنه يمثل النسبــــة األكــبر من مجمـوع االستثمـــارات -أكثر من
3
20بالمائة من مجموع االستثمارات في االقتصادات المتقدمة عبارة عن استثمار خاص.-
1
.المرجع نفسه ،ص.62.
2
.عاقب أسلم وآخرون" ،االستثمار الخاص :ما الذي يعوقه؟" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أفريل ،8000ص ،008.ص.000.
3
.المرجع نفسه ،ص.008.
195
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
المصدر:عاقب أسلم وآخرون" ،االستثمار الخاص :ما الذي يعوقه؟" ،آفاق االقتصاد
العالمي :نمو غير متوازن ،عوامل قصيرة األجل وطويلة األجل ،صندوق النقد
الدولي ،أفريل ،8000ص.000.
وفي المقابل تباطأ االستثمار تدريجيا في البلدان النامية واألسواق الناشئة ،فعقب اندالع
األزمة لم يتأثر االستثمار في هذه البلدان بشكل حاد كما حصل في البلدان المتقدمة ،وقد كان
هناك عدد من التطورات وراء ذلك ،منها محفزات السياسة االقتصادية الكلية التي كان لها
دور داعم ،كما في حالة الصين وعدد من البلدان األخرى في آسيا .إلى جانب التحسن الكبير
في معدالت ا لتبادل التجاري والتدفقات الرأسمالية الداخلة لبعض من هذه البلدان وخاصة في
أمريكا الالتينية .ولكن ذلك لم يستمر سوى فترة قصيرة فابتداء من عام 8000وما بعده بدأ
نمو االستثمار في هذه االقتصادات بالتباطؤ .وقد أشارت دراسة لصندوق النقد الدولي (أفريل
**)8000إلى أ هم العوامل التي ساهمت في تباطؤ االستثمار في اقتصادت األسواق الصاعدة
1
وخصوصا االستثمار خاص وهي:
-تراجع أسعار صادرات السلع األولية السيما في حالة أمريكا الالتينية ،ودول الكاريبي،
اندونيسيا ،روسيا جنوب إفريقيا؛
-تراجع توقعات الربحية المستقبلية للشركات ،حيث تقوم الشركات بتخفيض استثماراتها
عندما تتراجع المبيعات الحالية والمتوقعة؛
-القصور المالي للشركات وصعوبة الحصول على التمويل ،وتراجع التدفقات الرأسمالية
الداخلة؛
ثانيا :اإلنتاج الصناعي ،أثرت األزمة المالية العالمية على اإلنتاج الصناعي في االقتصادات
المتقدمة والناشئة على السواء ،حيث هبط هبوطا حادا في الربع األخير من عام ،8002
واستمر في الهبوط السريع في عام .8001و بوجه عام أشارت البيانات إلى أن اإلنتاج
80بالمائة (الشكل رقم الصناعي العالمي انكمش عام 8001بنسبة قدرت بحوالي
( .))06ما يعني أن اإلنتاج الصناعي العالمي وصل بالفعل إلى مرحلة القاع في عام .8001
* تشمل بيانات 82دولة متقدمة.
** تضمنت الدراسة عينة من بيانات 06000شركة في 02دولة من اقتصادات األسواق الناشئة ،خالل الفترة (.)8000-0111
1
.سامية بيداس وآخرون " ،فترة مابعد االنتعاش :االستثمار الخاص في اقتصادات األسواق الصاعدة واالقتصادات النامية"،آفاق االقتصاد العالمي،
صندوق النقد الدولي ،أفريل ،8000ص ص.090-002.
196
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
ويرجع ذلك باألساس إلى تدهور مشتريات السلع االستثمارية والسلع االستهالكية المعمرة
كالسيارات وااللكترونيات بشدة ،بسبب تراجع االئتمان واستمرار تزايد القلق وعدم اليقين،
1
وبدأت المخزونات بالتراكم.
الشكل رقم ( :)06اإلنتاج الصناعي
أن االقتصادات المتقدمة سجلت انكماشا غير مسبوق في اإلنتاج ويتضح من الشكل ّ
الصناعي في عام 8001قدر بحوالي 00بالمائة ،كما شهدت اقتصادات األسواق الصاعدة
هي األخرى خالل نفس العام 8001انكماشا قُ ِّدّر بحوالي 80بالمائة .ثم عرف بعد ذلك
تحسنا ملحوظا في عام 8000وتم تسجيل معدالت ايجابية في كل من االقتصادات المتقدمة
والناشئة ،ولكن سرعان ما شهد ارتدادا سلبيا ابتدا ًء من الربع الثاني من عام ،8000ويرجع
ذلك إلى أزمة الديون السيادية األوروبية ومشكالت القطاع المصرفي في منطقة اليورو ،إلى
جانب وقوع زلزال كبير واجتياح موجة تسونامي لمنطقة شرق اليابان ،وكذا ارتفاع أسعار
النفط2.وقد قُدِّّر انكماش اإلنتاج الصناعي في عام 8000في االقتصادات المتقدمة بحوالي
6بالمائة ،وشهد حالة من التذبذب وعدم االستقرار حتى نهاية النصف األول من عام ،8008
3
حيث بدأت البلدان المتقدمة من جديد تسجل معدالت نمو ايجابية في اإلنتاج الصناعي.
المطلب الثالث :آثار األزمة على نمو االقتصاد العالمي
بدأ التوسع في االقتصاد العالمي يفقد وتيرته السريعة في النمو متأثرا بأزمة الرهن
العقاري األمريكي في الربع األخير من عام ،8009ومن ث َ ّم انخفض معد النمو الحقيقي
العالمي من 0,9بالمائة عام 8006إلى 9,1بالمائة عام .8009ويرجع ذلك إلى انخفاض
معدالت النمو في البلدان المتقدمة من 0بالمائة عام 8006إلى 8,9بالمائة عام ،8009
1
.صندوق النقد الدولي" ،األفاق العالمية وقضايا السياسات" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أفريل ،8001ص.9.
2
.صندوق النقد الدولي،آفاق االقتصاد العالمي،سبتمبر ،8000مرجع سابق ،ص.0.
3
.صندوق النقد الدولي"،آخر التطورات واآلفاق المتوقعة" ،آفاق االقتصاد العالمي ،أفريل ،8000ص.0.
197
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
السيما في الواليات المتحدة بؤرة التوتر ،فقد انخفض معدل النمو فيها من 8,1بالمائة في
عام 8006إلى 8,8بالمائة عام ،8009تليها منطقة اليورو من معدل نمو 8,2بالمائة إلى
1
8,6بالمائة عامي 8006و 8009على التوالي.
وفيما يتعلق باقتصادات البلدان النامية واألسواق الناشئة ،فقد كان أداء نموها أفضل من
أداء نمو البلدان المتقدمة خالل نفس الفترة ،حيث سجلت ارتفاعا في معدل النمو من 9,2
بالمائة في عام 8006إلى 9,1بالمائة في عام ،8009ويرجع ذلك إلى النمو القوي الذي
حققته كل من الصين والهند حيث بلغ معدل النمو المحقق فيهما عام 8009نحو 00,9بالمائة
2
و 1,8بالمائة على التوالي.
وخالل الفترة ( ،)8001-8002واصل االقتصاد العالمي تراجعه حيث سجل معدل نمو
سلبي (أي انكماش) قدره ( )0,6 -بالمائة عام ،8001مقابل معدل نمو موجب بلغ 0بالمائة
في عام . 8002وقد جاء هذا االنخفاض كمحصلة لتراجع معدالت النمو في البلدان المتقدمة
والبلدان النامية والناشئة على حد سواء .على مستوى البلدان المتقدمة كمجموعة تحول معدل
()0,9 -بالمائة في عام النمو من 0,0بالمائة في عام 8002إلى انكماش بلغ معدله
،8001حيث زاد معدل االنكماش في الواليات المتحدة من ( )0,9-بالمائة عام 8002إلى(-
)8,9بالمائة عام ،8001كما تدهور األداء االقتصادي لكل من منطقة اليورو وبريطانيا
واليابان حيث سجلت انكماشا في عام 8001بلغ معدله ( )0,8 -(،)9,1 -(، )9,0-بالمائة
على التوالي .وهكذا دخلت البلدان المتقدمة الرئيسية في مصيدة الركود .أما بالنسبة للبلدان
النامية واقتصادات األســـواق الناشئة ،فقد تراجــع معــدل النمـــو فيهــا مـــن 6,0بالمائة
عام 8002إلى 8,9بالمائة عام ،8001ويرجع ذلك إلى تراجع تدفقات رؤوس األموال من
البلدان المتقدمة المتأزمة إليها ،وتراجع الطلب العالمي على صادراتها من النفط والسلع
3
األولية األخرى.
وهكذا دخل االقتصاد العالمي خالل الفترة بين عامي 8002و 8001إلى مرحلة القاع
ووقع في هاوية ركود كبير تقوده الواليات المتحدة وباقي البلدان المتقدمة .و يمكن توضيح
هذه التطورات في الشكل التالي:
الشكل رقم ( :)01معدالت النمو في العالم ()8004-8002
التغير السنوي%
10
العالم
8
6
4 الدول المتقدمة
2
0 الدول النامية
2008
2005
2006
2007
2009
2010
2011
2012
2013
2014
واقتصادات السوق
-2 الناشئة
-4
1
.صندوق النقد العربي" ،التطورات االقتصادية الدولية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8002ص ص.0-8.
.2المرجع نفسه ،ص ص.9-0.
.3صندوق النقد العربي"،التطورات االقتصادية الدولية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8000ص ص9-8.
198
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
في عام ،8000استعاد االقتصاد العالمي عافيته ،وتم تحقيق معدالت نمو قوية قريبة
من تلك التي كان يحققها قبل األزمة ،حيث نما االقتصاد العالمي بمعدل 0,0بالمائة .ولقد
ارتكز هذا النمو على أداء اقتصادات مجموعتي البلدان المتقدمة ،واقتصادات األسواق
الناشئة والبلدان النامية على السواء .فبعد انكماش عام 8001تمكنت البلدان المتقدمة من
تحقيق نمو بمعدل 0بالمائة .أما المجموعة الثانية فقد تسارع النمو فيها ليصل إلى 9,0بالمائة
خالل عام .8000ولكن سرعان ما انتكست األوضاع في عام 8000بسبب تداعيات أزمة
الديون السيادية األوروبية فتراجع معدل النمو العالمي إلى 0,1بالمائة ،وسجلت البلدان
المتقدمة معدل نمو بلغ 0,6بالم ائة فقط ،وتراجع معدل نمو اقتصادات األسواق الصاعدة
1
والبلدان النامية إلى 6,8بالمائة .
استمر تراجع معدل نمــو االقتصــاد العالمــي خــالل عامــي 8008و ، 8000حيث
0,8و 0بالمائة على التوالي ،وأهم األسباب وراء ذلك التراجع ،هو بلغ معدله نحو
تسجيل انكماش في منطقة اليورو بلغ معدله ( )0,9-بالمائة عام 8008و( )0,0-بالمائة في
عام ،8000بسبب تبن ي بلدان عديدة منها سياسات مالية تقشفية وتقليص األجور مما أضعف
من فرص نمو الناتج .وكذلك تراجع معدالت النمو في عدد من اقتصادات البلدان النامية
والناشئة نتيجة النخفاض صادراتها لألسواق المتقدمة ،فحققت معدالت نمو أقل من تلك
2
المحققة في السنوات السابقة ،بلغت 0بالمائة عام 8008و 9,9بالمائة عام .8000
ومنذ منتصف عام ،8009بدأ تحسن االقتصاد العالمي تدريجيا ،وتعزز النشاط العالمي
إلى حد كبير نتيجة للنتائج االيجابية التي حققتها البلدان المتقدمة ،حيث تم تسجيل معدالت نمو
أفضل من تلك المسجلة في سنوات األزمة وهكذا بدأت بعض البلدان المتقدمة -وعلى وجه
الخصوص الواليات المتحدة -تغادر مرحلة األزمة وتحقق معدالت نمو معقولة ،ولو أنها
أدنى من مستويات ما قبل األزمة .فقد بلغ معدل النمو في الواليات المتحدة 8,9بالمائة
وذلك بفضل الطلب القوي من القطاع الخاص ،وتخفيف األوضاع المالية ،باإلضافة إلى
إنفاق المستهلكين -المصدر الرئيسي للنشاط االقتصادي األمريكي -الذي شهد ارتفاعا خالل
عام 8009بنسبة 9,0بالمائة وهو أكبر ارتفاع مسجل منذ عام ،8006كما ساهم اإلنفاق
الحكومي ،وارتفاع الصادرات األمريكية وانخفاض أسعار النفط في هذا النمو .إلى جانب
تحقيق كل من بريطانيا وكندا معدالت نمو معتبرة بلغت على الترتيب 8,6و 8,0بالمائة .أما
منطقة اليورو فقد حققت معدل نمو 0,1بالمائة بعد أن كانت تعاني من انكماش في العامين
3
السابقين ،بينما شهدت اليابان انكماشا عام 8009بلغ ( )0,0-بالمائة.
كما حققت البلدان النامية واقتصادات األسواق الناشئة معدالت نمو مرتفعة مقارنة
بالبلدان المتقدمة ولكنها أقل مما تم تحقيقه خالل السنوات الماضية حيث بلغ معدل النمو 9,6
4
بالمائة (الملحق رقم " ،)"09ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى:
1
.صندوق النقد العربي"،التطورات االقتصادية الدولية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8000ص ص0-8.؛ صندوق النقد العربي،
"التطورات االقتصادية الدولية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8008ص.0.
2
.صندوق النقد العربي" ،التطورات االقتصادية الدولية" ،تقرير االقتصادي العربي الموحد ،8004ص ،0.ص.0.
.3صندوق النقد العربي" ،التطورات االقتصادية الدولية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8002ص ص.6-9
.4صندوق النقد الدولي" ،آخر التطورات واآلفاق المتوقعة وأولويات السياسات" ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر ،8009ص.0.
199
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
-تراجع النشاط االقتصادي في الصين التي حققت معدل نمو هو األدنى خالل السنوات
العشر األخيرة؛
تباطؤ النمو في أمريكا الالتينية والسيما في البرازيل التي انخفض معدل نموها بشكل حاد
عام 8009ليبلغ 0,0بالمائة فقط(الملحق رقم " ،)"09وذلك بسبب التأثير السلبي النخفاض
أسعار السلع األولية التي تمثل نسبة كبيرة من إجمالي صادراتها التي شهدت تراجعا كبيرا؛
-زيادة ضعف النشاط االقتصادي في روسيا ،بسبب التراجع الكبير في االستثمار ،وزيادة
كبيرة في التدفقات الرأسمالية الخارجة؛
ونتيجة لتحسن النمو في البلدن المتقدمة مقارنة باألعوام السابقة ،وتباطؤ النمو في
اقتصادات األسواق الناشئة والبلدان النامية -على الرغم من تباطؤ النمو في هذه االقتصادات
إال أنها ساهمت بثالثة أرباع النمو العالمي (نحو 90بالمائة) في عام -8009بلغ النمو
العالمي معدل 0,9بالمائة 1.ورغم تواضع هذا المعدل إال أنه يعتبر األفضل منذ تفجر األزمة
المالية العالمية.
المطلب الرابع :آثار األزمة على أسعار السلع األولية والتجارة العالمية
كانت إحدى السمات البارزة للركود العالمي ،هي االنهيار المفاجئ والحاد والمتزامن
للنشاط التجاري وأسعار السلع األولية في أواخر عام 8002وأوائل عام ،8001كما
سيتضح في التحليل التالي:
أوال :أثر األزمة على أسعار السلع األولية .شهدت أسعار السلع األولية العالمية ازدهارا
واسعا خالل الفترة ( ،)8002-8000كما عرفت طفرة في عام 8009وحتى منتصف عام
،8002حيث ارتفع سعر النفط إلى أكثر من الضعف بين ديسمبر 8006وجوان ،8002
وارتفعت أسعار الغذاء بأكثر من 00بالمائة خالل نفس الفترة 2.ويرجع هذا االنتعاش إلى
تفاعل مجموعة عديدة من العوامل أثناء هذه الفترة من أهمها:
-الطلب المتزايد وخاصة في األسواق الناشئة والنامية ،فقد أدى تسارع النمو في هذه
االقتصاديات خالل تلك الفترة إلى زيادة الطلب على السلع األولية ،ففي سوق النفط كان طلب
الصين والهند والشرق األوسط يمثل أكثر من 06بالمائة من النمو في استهالك النفط خالل
الفترة ( .) 8009-8000كما حفز التصنيع والحضرنة في الصين بصفة خاصة زيادة
استهالك المعادن ،فالصين على سبيل المثال كانت تمثل وحدها خالل الفترة ()8006-8000
نحو 10بالمائة من الزيادة العالمية في استهالك النحاس ،الذي يعتبر عنصرا رئيسيا في
صناعات التشييد .إلى جانب دور هذه االقتصادات في تحفيز أسعار المحاصيل الزراعية،
ففي عام 8006كانت الصين تمثل خمس االستهالك العالمي من القمح والذرة واألرز،
وتعتبر الصين أكبر مستورد لفول الصويا في العالم إذ تستهلك نحو 90بالمائة من صادرات
3
العالم من هذا المنتج.
1
.صندوق النقد الدولي" ،آخر التطورات واألفاق المتوقعة" ،آفاق االقتصاد العالمي ،أفريل ،8000ص.0.
2
.توماس هلبلينغ وآخرون" ،أسعار السلع األولية وتضخم األسعار" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أكتوبر ،8002ص.29.
3
.فاليري ميرسر ،كيفين تشينج" ،انتعاش أسعار السلع األساسية" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد،90
العدد ،0مارس ،8002ص ص.08-00.
200
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
-استجابات العرض متأخرة وغير مرنة في مواجهة تزايد الطلب وارتفاع األسعار ،ففي ظل
التنامي السريع في جانب الطلب ،أسفر بطء التوسع في الطاقة اإلنتاجية على بقاء المخزون
1
عند مستويات منخفضة مما أدى إلى استمرار الضغوط السعرية.
-العوامل المالية والتوقعات المستقبلية كان لها دور في تشكيل أسعار السلع األولية ،فقد
توصل خبراء صندوق النقد الدولي إلى بعض األدلة التي تشير إلى أن انخفاض قيمة الدوالر
وتراجع أسعار الفائدة في الواليات المتحدة األمريكية أديا إلى رفع الطلب على السلع األولية
وخفض إنتاجها ،مما فرض ضغوطا على األسعار 2.إضافة إلى ذلك تمثل السلع األولية
أصول حقيقية ال تتأثر أسعارها باألوضاع الحالية للسوق فقط ،وإنما أيضا تتأثر بالتوقعات
المستقبلية نظرا ألن معظمها قابل للتخزين ،ويمكن أن تتأثر هذه التوقعات في األجل القصير
3
بالشعور العام وسلوك المستثمرين مما يؤدي إلى تعظيم التقلبات السعرية.
لقد ساهمت هذه العوامل في ازدهار أسعار السلع األولية خالل الفترة السابقة لألزمة،
ولكن االضطراب المالي ،والتدهور الحاد في االحتماالت المستقبلية لالقتصاد العالمي في
الربع الثالث من عام 8002أدى إلى هبوط سريع في األسعار ،ولقد كانت أكثر السلع
األولية تأثرا هي السلع األولية المرتبطة ارتباطا وثيقا بتصنيع السلع االستثمارية ،والمعمرة،
وبنشاط التشييد .وكان األثر أخف بالنسبة ألسعار السلع الغذائية ،والمواد الخام الزراعية
وسلع غير الوقود 4.وهو ما يوضحه الجدول التالي:
الجدول رقم ( :)02تطورات أسعار السلع األولية ()8002-8002
الى الذروة من
القاع(
التغير)%
69,0 - الوقود
62,9 - البترول
91,6 - المعادن األساسية
00,0 - المواد الخام الزراعية
00,0 - سلع غير الوقود
00,9 - األغذية
المصدر :نيسي إربيل وآخرون "،أسواق السلع األولية وآفاقها المنتظرة" ،آفاق االقتصاد
العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أكتوبر ،8001ص.00.
لقد أدى الركود العميق ( )8001-8002إلى تراجع كبير وحاد جدا ألسعار السلع
األولية ،فقد تراجعت أسعار كل من البترول والوقود بــــ 62,9و 69,0بالمائة على
الترتيب ،تليها أسعار المعان األساسية التي تراجعت بنحو 91,6بالمائة .كما كان تراجع
أسعار السلع الغذائية كبيرا حوالي 00,9بالمائة ولكنه ليس بنفس حدة أسعار السلع األولية
األخرى(الوقود ،البترول ،والمعادن).
1
.توماس هلبلينغ وآخرون ،مرجع سابق ،ص.26.
2
.كيفين تشينج" ،هل تؤثر االستثمارات المالية في سلوكيات أسعار السلع األولية" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أكتوبر ،8002
ص.22.
3
.توماس هلبلينغ وآخرون ،مرجع سابق ،ص.29.
4
.تو -نهو داو وآخرون " ،المستجدات في أسواق السلع األولية واحتماالتها المستقبلية" ،آفاق االقتصاد العالمي ،صندوق النقد الدولي ،أفريل ،8001
ص.99.
201
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
ثانيا :أثر األزمة على التجارة العالمية ،كانت إحدى السمات البارزة للركود الكبير الذي
أصاب االقتصاد العالمي بعد أزمة الرهن العقاري األمريكي ،هي االنهيار المفاجئ والتراجع
الكبير والحاد للنشاط التجاري الخارجي في أواخر عام 8002والذي وصل بالفعل إلى
مرحلة القاع في عام ،8001حيث تم تسجيل انكماش في نمو التجارة العالمية خالل عام
8001قدره ( )00,0 -بالمائة ،مقابل نمو قدره 8,1بالمائة في عام ،8002و 9,1بالمائة في
عام ( 8009الشكل رقم( )02والملحق رقم ".)"00
وقد تعرضت جميع البلدان المتقدمة والناشئة وكذا النامية لهبوط كبير في في
الصادرات والواردات على حد سواء خالل الفترة ( .)8001-8002فعلى مستوى البلدان
المتقدمة ،انخفض حجم الصادرات من معدل نمو بلغ 9بالمائة في عام 8009إلى 8,0
بالمائة عام ، 8002ثم إلى انكماش بلغ معدله ( )00,8-بالمائة عام .8001كما تحول نمو
حجم وارداتها من معدل نمو موجب قدره 0,0و 0,9بالمائة خالل عامي 8009و8002
على الترتيب إلى معدل سالب (انكماش) في عام 8001قدر بـــ ( )00,9-بالمائة ،الشكل
رقم (.)02
الشكل رقم ( :)02تطور حجم التجارة الخارجية في االقتصادات المتقدمة
خالل الفترة ()8004-8001
التغير السنوي)(%
وقد انعكس تراجع حجم التجارة الخارجية في البلدان المتقدمة على حجم التجارة
الخارجية في البلدان النامية واالقتصادات الناشئة ،حيث انخفض نمو حجم صادرات هذه
البلدان من معدل نمو 1,9بالمائة عام 8009إلى 9,0بالمائة عام ،8002ثم تحول إلى
انكماش قدره ( )2-بالمائة عام .8001كما سجل حجم وارداتها انكماشا أيضا بلغ معدله ()2-
بالمائة خالل نفس العام مقارنة بمعدل نمو بلغ 1,0بالمائة في عام ( 8002الشكل رقم ()01
والملحق رقم ".)"00
202
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
في عام 8000انتعشت التجارة العالمية وتحول االنكماش إلى نمو بلغ معدله
08,0بالمائة .إال أن أزمة الديون السيادية األوروبية ألقت بظاللها على التجارة العالمية،
حيث انخفض معدل النمو ليبلغ 6,9بالمائة عام ،8000وتراجع بصورة كبيرة عام 8008
مسجال معدل نمو قدره 8,9بالمائة فقط ،وذلك بسبب الركود االقتصادي وتباطؤ النمو في
اقتصادات منطقة اليورو ،التي أثرت سلبا على تجارة البلدان النامية والناشئة باعتبارها
الشريك التجاري األكثر أهمية لبلدان المنطقة.
20
15
10
التجارة العالمية
5
الصادرات
0
الواردات
-5
-10
-15
المطلب الخامس :آثار األزمة المالية العالمية على معدالت البطالة والتضخم
في حاالت الركود والكساد ،يتراجع االستثمار ،وتخفض الشركات عدد الوظائف،
فترتفع البطالة وتنخفض األجور ،كما يتراجع الطلب ،فتنخفض األسعار ما يعني انخفاض
معدل التضخم .وهذا ما حدث في الركود الكبير (.)8001-8002
أوال :األزمة والبطالة ،أدت األزمة المالية العالمية إلى فقدان للوظائف في مختلف بلدان
العالم على نحو غير مسبوق منذ ا لكساد الكبير الذي شهده العالم في ثالثينيات القرن
العشرين .وقد أشارت التقديرات إلى أن عدد العاطلين عن العمل على مستوى العالم بلغ عام
1
8001حوالي 800مليون شخص ،بزيادة أكبر من 00مليون شخص منذ عام .8009
وهكذا بدأ معدل البطالة العالمي في االرتفاع ليسجل 0,6بالمائة في عام 8002و 6,0بالمائة
في عام .8001ومنذ عام 8000بدأ في التراجع ،وعلى الرغم من أن هذا التراجع كان بطيئا
خالل الفترة ( ، )8009-8000إال أن البطالة العالمية عادت إلى المستوى الذي كانت عليه
قبل األزمة 0,0بالمائة في عام 8009وهو نفس معدل عام ( .8009الجدول رقم (.))00
لقد كانت ثالثة أرباع الزيادة في عدد العاطلين تتركز في البلدان المتقدمة ،فقد صاحب
الركود االقتصادي لهذه البلدان ارتفاع معدل البطالة إلى أعلى مستوياتها ،حيث بلغ معدل
البطالة في هذه البلدان كمجموعة عام 8001نحو 2بالمائة مقابل 0,2بالمائة عام 8002
و 0,9بالمائة عام .8009وظل مرتفعا في عام 8000ليصل إلى 2,0بالمائة .وبالرغم من
تراجعه عام 8000إلى نحو 9,1بالمائة ،إال أن أزمة الديون السيادية األوروبية أدت إلى
تفاقم المشكلة ،وإلى تقليص عدد العاملين ،ما يعني ارتفاع معد البطالة ليصل إلى 2بالمائة
عام 8008وهو المستوى الذي سجل في أعقاب الركود الكبير ( .)8001-8002ثم شهد
تراجعا طفيفا عامي 8000و ،8009ليبلغ 9,1بالمائة و 9,0بالمائة على التوالي ،ولكن
بالرغم من هذا االنخفاض إال أنه أعلى من مستواه المسجل قبل األزمة 0,9بالمائة في عام
.8009وهذا ما يوضحه الجدول رقم ( .)00
الجدول رقم ( :)00معدل البطالة في البلدان المتقدمة خالل الفترة ()8004-8001
%
1
.ماي شي داو ،براكاش لونغاني" ،مأساة البطالة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،99العدد،9
ديسمبر ،8000ص88.
204
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
* صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي :أفريل ،8001ص60.؛ أكتوبر ،8000ص90.؛ سبتمبر ،8000
ص90.؛ أكتوبر ،8000ص09.؛ أفريل ،8000ص.92.
يتضح من الجدول أن تأثير األزمة على البطالة متباين عبر البلدان المتقدمة ،فقد سجلت
الواليات المتحدة ومنطقة اليورو أعلى معدالت بطالة في عام 8001بلغت 1,0بالمائة و
1,9بالمائة على الترتيب .وفي الوقت الذي بدأ يتراجع فيه معدل البطالة في الواليات المتحدة
خالل الفترة ( ،)8009-8000ارتفع معدل البطالة في منطقة اليورو وبشكل ملحوظ ،وهذا
نتيجة سياسات التقشف التي تبنتها بعض بلدان المنطقة لعالج أزمتها .ومن جهة أخرى
سجلت معدالت البطالة تراجعا في كل من اليابان و وكندا والبلدان المتقدمة األخرى منذ عام
.8008
أما بلدان األسواق الناشئة والبلدان النامية فقد كان تأثير األزمة على البطالة أقل حدة
بكثير من البلدان المتقدمة ،حيث لم يرتفع معدل البطالة إال بصورة طفيفة للغاية قدرت بنحو
1
0,80بالمائة فقط بحلول عام .8000
ثانيا :األزمة والتضخم ،تراجعت معدالت التضخم في العالم على إثر األزمة المالية والعالمية
وما ترتب عنها من انخفاض كبير في أسعار األصول العقارية والمالية ،وتراجع كبير في
النشاط االقتصادي الذي أدى إلى تراجع الطلب على النفط والمواد األولية وانخفاض
أسعارها.
الجدول رقم ( :)00معدالت التضخم في البلدان المتقدمة والبلدان النامية والناشئة
خالل الفترة()8004-8001
%
2014 2013 2012 2011 2010 2009 2008 2007
0,1 0,8 0,8 0,1 0,0 0,2 0,2 8,8 االقتصادات المتقدمة
0,6 0,6 0,2 8,0 0,8 0,2 8,0 8,9 الواليات المتحدة
0,1 0,0 0,0 0,0 0,9 0,0 8,0 8,0 منطقة اليورو
0,9 0,6- 0,1- 0,1- 8,8- 0,0- 0,0- 0,1- اليابان
0,8 0,0 0,0 8,0 8,0 0,0 8,1 8,2 اقتصادات اخرى متقدمة
2,0 2,2 6,0 1,1 2,2 2,8 2,4 6,6 السوق الناشئة واالقتصادات
النامية
0,0 9,2 9,9 6,0 0,0 8,2 9,6 0,9 آسيا الصاعدة والنامية
0,2 9,0 6,0 0,9 0,6 9,2 2,0 6,0 أوروبا الصاعدة والنامية
9,1 6,9 0,9 6,0 0,9 6,0 2,0 0,8 أمريكا الالتينية والكاريبي
المصدر :صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي :أكتوبر ،8000ص090.
يتضح من الجدول أعاله ،أن هناك تراجع كبير لمعدالت التضخم في االقتصادات
المتقدمة والناشئة على حد سواء .فعلى مستوى البلدان المتقدمة بلغ معدل التضخم في عام
0,1بالمائة عام 8002و 8,8بالمائة عام .8009 8001حوالي 0,2بالمائة مقارنة بـــ
كما تراجع معدل التضخم في اقتصادات األسواق الناشئة والبلدان النامية من 1,9بالمائة عام
8002إلى 0,8بالمائة عام .8001غير أن هذه التطورات كانت متباينة فقد انخفضت
معدالت التضخم في آسيا الصاعدة والنامية بصورة أكبر من أوروبا الصاعدة وأمريكا
الالتينية وباقي االقتصادات النامية .و تباينت أيضا على نطاق البلدان المتقدمة ،فقد سجلت
1
.براكاش لونغاني"،سبع سنوات عجاف" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،08الرقم ،0مارس ،8000
ص.2.
205
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
اليابان المعدل األدنى ( )0.0-بالمائة عام 8001مقابل ( )0.0-بالمائة عام .8002بينما قدر
في منطقة اليورو بـــــــ 0بالمائة تليها الواليات المتحدة بــــــ 0,2بالمائة عام 8001مقابل 8
بالمائة عام .8002
مر االقتصاد العالمي عقب األزمة المالية العالمية التي بدأت تتفجر في صيف وهكذا ّ
8009بمرحلة جد خطيرة ،حيث أدت أزمة الرهن العقاري األمريكي إلى شح في السيولة،
وتحولت إلى أزمة ائتمان تسببت في اضطرابات كبيرة في المؤسسات المالية األمريكية
واألوروبية ،وفي سقوط األسواق المالية العالمية في هوة التوترات والتقلبات الحادة ،وتأثرت
أوضاع األسواق الناشئة بصورة حادة من جراء تلك االضطرابات التي تعاني منها األسواق
المتقدمة.
وقد أدت هذه االضطرابات المالية إلى هبوط سريع في النشاط االقتصادي العالمي،
حيث تراجع االستثمار واإلنتاج الصناعي العالمي ،وتراجعت األسعار وخاصة أسعار السلع
األولية التي انخفضت انخفاضا حادا عن مستوياتها قبل األزمة ،مما أسفر عن خسائر بالغة
للبلدان المصدرة لها وعلى وجه الخصوص البلدان المصدرة للنفط .كما حدث انكماش غير
مسبوق في الناتج والتجارة العالميين ،وسجلت معدالت البطالة مستويات شديدة االرتفاع.
وكانت محصلة تلك النتائج وقوع االقتصاد العالمي في هاوية الركود العميق.
المطلب السادس :أثر األزمة على النظام النقدي الدولي
لقد كان النظام النقدي الدولي القائم على الدوالر من العوامل الرئيسية المسببة لألزمة
المالية العالمية ، 8002كما أثارت هذه األخيرة الشكوك والتكهنات بشأن الزوال القريب لهذا
النظام ومستقبل الدوالر األمريكي كعملة العالم األولى .وفي الحقيقة هناك العديد من
المؤشرات التي توضح بأن مكانة الدوالر ينبغي أن تكون في خطر ،ولعل أهمها ما يلي:
-0السياسة النقدية غير التقليدية (التيسير الكمي) :يعد التيسير الكمي إحدى أدوات السياسة
النقدية التي تستخدم في أوقات األزمات ،وهي عبارة عن عملية خلق النقود من فراغ حيث
يقوم االحتياطي الفيدرالي األمريكي بزيادة األساس النقدي في الواليات المتحدة األمريكية
واستخدامه لشراء سندات الخزانة واألوراق المالية المضمونة برهون عقارية من المؤسسات
المالية التي يفترض أن تستخدم هذه الزيادة في األساس النقدي في عمليات اإلقراض وزيادة
حجم االئتمان ،وهو ما يؤدي إلى زيادة عملية خلق النقود بصورة مضاعفة 1.وفي هذا الشأن
لجأت الواليات المتحدة األمريكية في أعقاب األزمة المالية العالمية 8002إلى هذه السياسة
ثالث مرات دورة ( ،)QI :2008ودورة (QII :2010)،ودورة) (QIII :2012بقيمة
إجمالية 9,0تريليون دوالر أمريكي 2.وقد ترتب عن ذلك زيادة المعروض من الدوالر
وتدني قيمته وتراجعه أمام العمالت الرئيسية الدولية ،إذ تدنى سعره بأكثر من 00بالمائة
مقابل سلة العمالت (اليورو ،الين الياباني ،الجنيه اإلسترليني ،الفرنك السويسري) خالل
3
العقد األول من األلفية الثالثة.
1
.معزوز لقمان ،بريش عبد القادر"،التحديات اإلستراتيجية التي تواجه الدوالر األمريكي :قراءة تحليلية في حاضر ومستقبل الدوالر األمريكي"،
مجلة البحوث والدراسات اإلنسانية ،العدد ،8009 ،1ص ص.022-029.
2
. Marc Labonte," Monetary Policy and the Federal Reserve: Current Policy and Conditions", CRS Report for
Congress, RL30354, Congressional Research Service, January 28, 2016, p.10.
3
.معزوز لقمان ،بريش عبد القادر ،مرجع سابق ،ص.021.
206
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
-8التراجع الحاد في سعر صرف الدوالر األمريكي :كان للتوتر الذي لحق باألسواق المالية
العالمية بسبب األزمة المالية العالمية 8002أثره على أسواق الصرف األجنبي ،حيث سحب
بعض المستثمرين أموالهم من الواليات المتحدة األمريكية وخاصة االستثمارات اليابانية،
األمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة الدوالر أمام العمالت الرئيسية (اليورو ،الين الياباني،
الفرنك السويسري) .كما أن تراجع االستثمارات األجنبية في السندات واألسهم األمريكية
والذي أحدثه انخفاض مستوى الثقة في سيولة هذه األصول ،فضال عن ضعف احتماالت
النمو في الواليات المتحدة األمريكية ،وزيادة التوقعات بخفض أسعار الفائدة،كل ذلك ساهم
في تراجع سعر صرف الدوالر األمريكي أمام العمالت الرئيسية خالل الفترة (-8009
1
.)8002
-1تفاقم عجز الحساب الجاري والموازنة العامة ،وارتفاع الدين العام األمريكي :تعاني
الواليا ت المتحدة األمريكية من عجز منتظم في حسابها الجاري منذ ستينيات القرن العشرين
وقد تصاعد هذا العجز وتنامى بصورة سريعة خالل التسعينيات ،حيث ارتفع من ()10,1-
مليار دوالر أمريكي عام 0110إلى ( )909,9-مليار دوالر أمريكي عام ،8000وهو ما
يمثل حوالي ( )9,0-بالمائة من الناتج المحلي اإلجمالي ،وواصل االرتفاع ليسجل أعلى
مستوياته على اإلطالق عام ) 922,0-( 8006مليار دوالر أي نحو ( )6-بالمائة من الناتج
المحلي اإلجمالي .وبالرغم من تراجعه خالل سنوات األزمة من ( )610,2-مليار دوالر عام
( )029-مليار دوالر عام 8001بسبب تراجع واردات الواليات المتحدة 8002إلى
األمريكية ،وارتفاع صادراتها بسبب انخفاض قيمة الدوالر ،إال أنه سرعان ما واصل
االرتفاع ليسجل عجزا مقدراه ( )088,2-مليار دوالر عام ،8009أي نحو ( )8,9-بالمائة
من الناتج المحلي اإلجمالي .وهذا ما يوضحه الجدول رقم ( .)08ومن المتوقع أن يواصل
هذا العجز في االرتفاع في السنوات المقبلة ليصل إلى نحو ( )966,0-مليار دوالر عام
2
.8088
الجدول رقم ( :)08الحساب الجاري األمريكي خالل الفترة ()8001-8000
8002 8001 8006 8002 8004 8001 8008 8000 8000 الحساب
الجاري
610,2- 900,8- 922,0- 981,0- 680,0- 080,9- 960,0- 028,9- 909,9- بمليارات
الدوالر
9,9- 0,0- 6,0- 0,1- 0,0- 9,2- 9,9- 0,2- الناتج 9,0- %من
المحلي
8001 8006 8002 8004 8001 8008 8000 8000 8002 الحساب
الجاري
088,2- 920,8- 960,0- 018,0- 066,9- 996,0- 960,9- 998,0- 029,0- بمليارات
الدوالر
8,9- 8,6- 8,6- 8,0- 8,8- 8,2- 0,0- 0,0- الناتج 8,9- %من
المحلي
المصدر :من إعداد الطالبة باالعتماد على:
-صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر ،8002ص ص.899-896.
-صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر ،8006ص ص.899-890.
1
.صندوق النقد العربي"،التطورات االقتصادية الدولية" ،التقرير االقتصادي العربي الموحد ،8002مرجع سابق ،ص ص.08-00.
2
.صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أفريل ،8009ص.800.
207
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أفريل ،8009ص ص.809-800. -
1
إن من أهم العوامل التي أدت إلى تصاعد عجز الحساب الجاري األمريكي هي:
-تحول االقتصاد األمريكي من أكبر منتج في العالم عقب الحرب العالمية الثانية إلى أكبر
مستهلك في العالم حيث يشكل االستهالك األمريكي ما يقارب 98بالمائة من الناتج المحلي
اإلجمالي األمريكي ،وهو ما يضع ضغوط على تزايد الواردات األمريكية التي أصبحت
تشكل نحو 06بالمائة من الواردات العالمية .وفي ذات الوقت تناقص حجم الصادرات
األمريكية إلى 00بالمائة من الصادرات الصناعية العالمية؛
-ارتفاع أسعار النفط خالل الفترة ()8006-8008؛
-تصاعد القدرة التنافسية لليابان وظهور اقتصادات ديناميكية صاعدة مثل الصين التي باتت
سلعها تغزو األسواق األمريكية؛
كما تواجه الواليات المتحدة األمريكية ومنذ فترة طويلة عجزا مستمرا في موازنتها
العامة ،ويرجع هذا ا لعجز إلى نمو نفقات العامة بمعدالت مرتفعة ومتسارعة نسبة إلى
اإليرادات العامة الممولة بشكل رئيسي من الضرائب .وبحسب البيانات الواردة في الشكل
رقم ( )80ابتداء من عام 8008والواليات المتحدة األمريكية تسجل عجزا في موازنتها
العامة وقد بلغ أعلى مستوياته عام 8001مسجال ( )0,90-تريليون دوالر أمريكي .ويعود
السبب في ذلك إلى نفقات برنامج اإلنقاذ المالي البالغ 900مليار دوالر وإلى سياسات
تخفيض الضرائب على المستثمرين 2،كإجراءات تبنتها الحكومة األمريكية لعالج األزمة
المالية األمريكية وتجنب الوقوع في كساد كبير.
الشكل رقم ( :)80رصيد الموازنة العامة األمريكية خالل الفترة ()8006-8000
(تريليون دوالر أمريكي)
Source :https://www.statista.com/statistics/200410/surplus-or-deficit-of-the-us-
governments-budget-since-2000/ last visited 17/05/2018
1
.حميد الجميلي" ،عناصر قوة االقتصاد األمريكي وضعفه مع إشارة خاصة للمديونية األمريكية" ،مجلة منتدى الفكر العربي ،المجلد ،82العدد
،802كانون األول ،8000ص ،06.ص.80.
2
.حميد الجميلي" ،عناصر قوة االقتصاد األمريكي وضعفه مع إشارة خاصة للمديونية األمريكية" ،مرجع سابق ،ص.86.
208
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
والنتيجة المنطقية لنمو عجز الموازنة العامة هي نمو الدين العام ،وغالبا ما يتبادالن
التأثير باالتجاه نفسه .بل يمكن القول أن نمو الدين العام غالبا ما يكون بنسب تفوق نسب نمو
عجز الموازنة ألسباب تتعلق بعبء خدمة الدين العام ،األمر الذي يؤدي إلى دخول الموازنة
العامة فيما يسمى الحلقة المفرغة للمديونية .وهذا ما ما تعاني منه و بشكل أكثر حدة الواليات
المتحدة األمريكية ،حيث ترتب عن العجز المتراكم في موازنتها العامة ونموه بمعدالت
مرتفعة ،ظهور الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي ونموه بمعدالت غير مسبوقة ليسجل
رقما فلكيا قدِّّر بــــــ 09,0تريليون دوالر عام ،8000وهو ما عرض االقتصاد األمريكي
إلى خطر اإلفالس واحتمالية التخلف عن السداد ،الذي تم تجنبه في اللحظة األخيرة عندما
توصل النواب األمريكيون بتاريخ السادس عشر من أكتوبر 8000إلى اتفاق لرفع سقف
الدين 1.وهكذا استمر الدين العام األمريكي في النمو والتراكم متجاوزا 000بالمائة من الناتج
المحلي اإلجمالي ليسجل أرقاما جديدة بلغ آخرها 01,19تريليون دوالر عام .8006كما
يوضحه الشكل التالي:
الشكل رقم ( :)80حجم الدين العام األمريكي خالل الفترة ( ) 8006 -8006
1
.معزوز لقمان ،بريش عبد القادر ،مرجع سابق ،ص010.
2
.إسوار براساد " ،الدوالر يهيمن بالديون" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،0مارس ،8009
ص.00.
209
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
األموال األمريكية إلى الخارج حيث تبحث عن ملجأ استثمار في دول أخرى ،مما يزيد من
1
مخاطر احتماالت حدوث انهيار حاد في قيمة الدوالر األمريكي.
كما يشكل كل من عجز الموازنة العامة وارتفاع الدين العام خطرا على االقتصاد
األمريكي ،فمن شأن التصاعد الكبير لهذان المؤشران أن يؤدي إلى زعزعة الثقة في مدى
قدرة الواليات المتحدة األمريكية على االلتزام بتعهداتها المالية ،وهو األمر الذي يزيد من
عدم الثقة في الدو الر األمريكي وفي سندات الخزانة األمريكية ،ومن ثم تراجع الطلب عليها،
واألخطر هو قيام المستثمرين مالكي هذه السندات من بيعها وعندئذ تنخفض قيمتها وتزداد
أسعار الفائدة األمريكية مما يؤثر سلبا على االستثمارات ،ومن ناحية أخرى ستؤدي هذه
2
العملية إلى هبوط قيمة الدوالر األمريكي.
استمرار انخفاض قيمة الدوالر األمريكي ،قد يؤدي إلى زعزعة ثقة المستثمرين
األجانب في القطاع المالي األمريكي والسوق المالية مما يؤدي إلى انخفاض كبير في
االستثمارات في األصول المالية األمريكية ،كما قد يزعزع ثقة البنوك المركزية العالمية في
الدوالر كعملة احتياط دولية ،مما يدفعها إلى تنويع سلة عمالتها األجنبية ،وهذا بدوره يؤدي
3
إلى انخفاض الطلب على الدوالر مما يزيد من انخفاض قيمته.
كل ذلك يمكن إن يؤدي في النهاية إلى أزمة سعر الصرف وتدهور كبير في قيمة
الدوالر ،وعدم قدرة الواليات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها وانفجار فقاعة المديونية التي
من شأنها أن توقع االقتصاد األمريكي في أزمة خانقة.
لكن الحقيقة كانت مختلفة تماما ،فرغم كل تلك العوامل لم تتغير حصة الدوالر من
حيازات االحتياطي العالمي إال بصورة طفيفة من 90بالمائة من هذه االحتياطات عام 8000
إلى 60بالمائة عام ،8006كما أنها لم تكد تتأثر باألزمة المالية العالمية حيث ظلت ثابتة عند
مستوى 68بالمائة تقريبا منذ بداية األزمة 4،كما يوضحه الشكل رقم ()88
1
.حميد الجميلي" ،عناصر قوة االقتصاد األمريكي وضعفه مع إشارة خاصة للمديونية األمريكية" ،مرجع سابق ،ص.80.
.2المرجع نفسه ،ص.00.
.3المرجع نفسه ،ص ص.80-01.
4
.إسوار براساد ،مرجع سابق ،ص.00.
210
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
عالوة على ذلك ،زاد األجانب وبصورة حادة حيازاتهم من األصول المالية األمريكية،
حيث يحتفظ المستثمرون األجانب بنحو 0,6تريليون دوالر أمريكي (حسب الوضع في عام
،)8008مقابل واحد تريليون دوالر أمريكي في عام .8000وأثناء األزمة المالية العالمية
8002وبعدما قام المستثمرون األجانب بشراء سندات الخزانة األمريكية بقيمة 0,0تريليون
دوالر ،وحتى مع استمرار ارتفاع مخزون الدين العام األمريكي ،ظل المستثمرون األجانب
يزيدون باطراد حصتهم من جزء من ذلك الدين .ومعنى ذلك أن دور الدوالر كعملة
1
االحتياطي المهيمنة قد تعزز منذ وقوع األزمة ،ويرجع العديد من االقتصاديين ذلك إلى:
-قيام البلدان المتقدمة مثل اليابان وسويسرا بالتدخل بصورة مكثفة في أسواق النقد
األجنبي بشراء الدوالر للحد من ارتفاع قيم عمالت بلدانها وبالتالي حماية قدرة صادراتها
على المنافسة ،وقد أسفر هذا التدخل عن تراكم االحتياطات التي ينبغي وضعها في أصول
آمنة وسائلة تكون بوجه عام سندات الخزانة ،وقد أدى هذا النوع من التدخل إلى زيادة الطلب
على هذه األصول اآلمنة (سندات الخزانة األمريكية).
-نتيجة لزيادة االنفتاح المالي واالنكشاف لتقلب التدفقات الرأسمالية ،أصبح لدى بلدان
األسواق الناشئة حافزا أقوى من أي وقت مضى لمراكمة مقادير ضخمة من احتياطات النقد
األجنبي لوقاية نفسها من عواقب تقلب التدفقات الرأسمالية ،حيث قامت منذ عام 8000
بزيادة مخزونات االحتياطي لديها بنحو 6,0تريليون دوالر أمريكي.
-يسعى المستثمرون من القطاع الخاص على مستوى العالم أيضا -وخاصة في أوقات
االضطراب المالي العالمي -سعيا حثيثا إلى الحصول على األصول اآلمنة ،فهؤالء
المستثمرون على استعداد لالستثمار في سندات الخزانة األمريكية ذات العائد المنخفض بدال
من االستثمار في أصول ذات عائد أعلى ،وذلك لالحتفاظ بها باعتبارها أصوال مالية آمنة-
في أوقات األزمات تحمي على األقل األصل وتتسم بسيولة نسبية (أي يسهل تداولها).-
وهكذا أصبح المستثمرون في مختلف بلدان العالم من الهيئات الرسمية والخاصة
يعتمدون على األصول المالية المقومة بالدوالر ،وال تزال سندات الخزانة األمريكية التي
تمثل اقتراض الحكومة األمريكية تعتبر األصول المالية األكثر أمانا في األسواق العالمية.
ومع قيام هؤالء المستثمرين بمراكمة استثمارات ضخمة من هذه السندات وغيرها من
1
.المرجع نفسه ،ص ص.09-00.
211
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
األصول الدوالرية فسيكون لديهم حافز قوي للحيلولة دون انهيار قيمة الدوالر .وفي ظل هذه
الظروف قامت الحكومة األمريكية بما لديها من أسواق مالية وبرغم ارتفاع دينها العام
بتعزيز وضعها باعتبارها المصدر العالمي األول لألصول اآلمنة .خاصة في ظل االفتقار
إلى بدائل أفضل ،فبالنسبة لالقتصادات المتقدمة الكبرى مثل منطقة اليورو وبريطانيا ،تتسم
سنداتها الحكومية بعدم الجاذبية بسبب الضعف النسبي آلفاق نموها في األجل الطويل
1
واالرتفاع الحاد في أعباء ديونها .ونتيجة لذلك ال يرجح أن تعود عمالتها إلى سابق عهدها.
أما الين الياباني الذي كان يعتقد فيما مضى أنه الوريث الشرعي للدوالر األمريكي ،حينما
كان اال قتصاد الياباني المتسارع النمو في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين مؤهال لمنزلة
القوة الكبرى ،حيث تسارع االستخدام الدولي للين بقوة خاصة في أسواق السندات العالمية،
إال أن انفجار األزمة المالية اليابانية في بداية التسعينيات ودخول االقتصاد الياباني في ركود
كب ير ألكثر من عقد من الزمن أوقف المسار الصاعد للين الياباني الذي أصبح يواجه تآكال
2
تدريجيا في مركزه في السوق .ولهذا فهو أبعد ما يكون على منافسة الدوالر األمريكي.
ويمثل اليوان الصيني أحد المنافسين المفترضين للدوالر األمريكي ،فاقتصاد الصين هو ثاني
أكبر اقتصاد في العالم وهو في طور أن يصبح أكبر اقتصاد في العالم في العقد القادم،
وبفضل اإلجراءات الكثيرة التي اتخذتها الحكومة الصينية لتشجيع استخدام اليوان في
3
المعامالت المالية والتجارية الدولية وزوال القيود على حركة رأس المال عبر الحدود،
وإدراج اليوان الصيني في سلة حقوق السحب الخاصة (أكتوبر )8006كعملة خامسة إلى
جانب الدوالر واليورو والين الياباني والجنيه اإلسترليني ،ليصبح اليوان بذلك عملة قابلة
لالستخدام الحر 4.سيصبح اليوان الصيني عملة احتياطي دولية تتوافر لها مقومات النجاح،
ومن ثم ستنتقص من هيمنة الدوالر األمريكي ولكنها – حسب أراء بعض االقتصاديين – لن
تمثل تحديا كبيرا له بسبب الفجوة الكبيرة بين الصين والواليات المتحدة األمريكية فيما يتعلق
بتوافر أصول آمنة وسائلة مثل السندت الحكومية ،فاألسواق المالية األمريكية متفردة في
العمق واالتساع والسيولة .ولهذا على الصين أن تقوم بإصالح هيكل المؤسسات السياسية
5
والقانونية وتطور أسواقها المالية لتوفر األصول عالية الجودة المقومة باليوان.
نتيجة لذلك كله ،وفي أعقاب األزمة المالية العالمية لعام 8002انطلقت الدعوات من
قبل قيادات العالم (روسيا ،الصين ،البرازيل ،والهند) ،والمفكرين االقتصاديين أمثال (
*)Joseph. Stiglitzإلعادة بناء نظام نقدي دولي جديد يرتكز على عملة عالمية موحدة بدال
من الدوالر األمريكي .ولقد وجدت هذه الدعوات صدى لها في منظمة مؤتمر األمم المتحدة
1
.إسوار براساد ،مرجع سابق ،ص.09.
2
.بنجامين كوهين" ،مستقبل عمالت االحتياطي" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،96العدد ،0سبتمبر
،8001ص.82.
3
.إسوار براساد ،مرجع سابق ،ص.09.
4
.صندوق النقد الدولي" ،الصندوق يطلق سلة جديدة لحقوق السحب الخاصة تضم اليوان الصيني ،ويحدد مبالغ جديدة للعمالت" ،البيان الصحفي
رقم ،440/06من الموقع:
www.imf.org/~/media/websites/imf/imported/external/--/aapdf, last visited 18/05/2018
5
.إسوار براساد ،مرجع سابق ،ص.09.
* 01( Joseph. Stiglitzفيفري :)0190اقتصادي وأكاديمي أمريكي ،حائز على جائز نوبل في االقتصاد عام ،8000يعتبر من أبرز
االقتصاديين المحسوبين على تيار الكينزيين الجدد.
212
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
**
عُقد مؤتمر األمم المتحدة للتجارة والتنمية أول مرة بجنيف سنة ،0169في سياق دولي تميز بنيل العديد من البلدان استقاللها حديثا ،حيث سعت
الدول النامية إلى تأسيس إطار أممي تناقش داخله قضايا التجارة الدولية واإلشكاالت المرتبطة بها .ويبلغ عدد أعضائها 019دولة ،يجتمعون كل
أربع سنوات على المستوى الوزاري من أجل مناقشة القضايا االقتصادية العالمية الكبرى ،وتحديد برنامج عمل للمؤسسة خالل السنوات األربع التي
تعقُب المؤتمر .
1
.جواد العناني"،تقرير األمم المتحدة ومستقبل الدوالر األمريكي" ،ص ،0.من الموقع https://kantakji.com/media/6825/544.pdf, :
last visited 19/05/2018
2
.بنجامين كوهين ،مرجع سابق ،ص.82.
213
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
المالية لمنع فشلها بما يقرب 809مليار دوالر ،وفي منتصف ديسمبر 8002وصل هذا
1
الرقم إلى 0,6تريليون دوالر.
كما خفّض أسعار الفائدة قصيرة األجل بشدة خالل عام 8002متبنيا سياسة سعر الفائدة
ي قرب من الصفر ،وذلك من أجل تحفيز النمو ،فوصلت أسعار الفائدة في ديسمبر 8002إلى
0,80بالمائة ،ومع ذلك لم يحدث أي تحسن ،وآفاق انتعاش االقتصاد األمريكي كانت جد
ضعيفة .ومتى اقتربت أسعار الفائدة من الصفر ال يستطيع البنك المركزي تحفيز النمو من
خالل سعر الفائدة ،م ا دفع االحتياطي الفيدرالي إلى تبني سياسات غير تقليدية في محاولة
إنعاش االقتصاد ،كان أهمها سياسة التيسير الكمي ) .(Quantitative Easing : QEوتتضمن
شراء سندات الخزانة طويلة األجل ،واألوراق المالية المضمونة برهون عقارية ،ويهدف من
خاللها خفض أسعار الفائدة طويلة األجل التي تحفز اإلنفاق على االستثمار في األعمال
التجارية والسكنية ،ومن ث ّم تحفيز النمو .بدأت العملية في 80نوفمبر 8002بشراء ما قيمته
600مليار دوالر من األصول المالية 000 ،مليار دوالر سندات الخزانة و 000مليار
دوالر أوراق مالية مضمونة برهون عقارية) .(MBSونظرا ألن مؤشرات النمو كانت
منخفضة جدا أعلن االحتياطي الفيدرالي توسيع البرنامج إلى 0,80تريليون دوالر في 02
2
مارس 8001يستمر حتى ربيع .8000
بعد انتهاء البرنامج أعلن االحتياطي الفيدرالي في 0نوفمبر 8000أنّه سيزيد من حجم
ميزانيته العمومية من خالل عملية شراء إضافية ،وذلك بسبب تباطؤ وتيرة االنتعاش
االقتصادي ،ولهذا قرر شراء ما قيمته 600مليار دوالر من سندات الخزانة بمعدل 90مليار
دوالر شهريا ،والذي يجري بداية من نوفمبر 8000حتى جوان ،8000وأصبح يعرف ذلك
3
اإلجراء باسم الدورة الثانية من التيسير الكمي).(QE II
في 00سبتمبر ، 8008أطلق االحتياطي الفيدرالي الدورة الثالثة من التيسير الكمي،
مبررا ذلك بأن النمو االقتصادي ليس قويا بما يكفي وال يزال يحتاج على تحفيز ،لهذا تعهد
بشراء ما قيمته 90مليار من األوراق المالية المضمونة برهون عقارية شهريا .وفي 08
ديسمبر ،8008أعلن أنه سيقوم بشراء سندات الخزانة طويلة األجل بقيمة 90مليار دوالر
شهريا .وعلى عكس الدورتين السابقتين فإن االحتياطي الفيدرالي لم يحدد تاريخ انتهاء هذه
الدورة ،ولكن في 02ديسمبر ،8000أعلن أنه سيبدأ بتخفيض هذه المشتريات تدريجيا.
وبداية من شهر جانفي 8009قام بشراء 00مليار دوالر من األوراق المالية )،(MBS
و 90مليار من سندات الخزانة .وفي 81جانفي خفّض معدل المشتريات إلى 00مليار دوالر
من ) (MBSو 00مليار دوالر من سندات الخزانة 4.واستمر في عملية التخفيض تدريجيا
حتى أعلن في شهر أكتوبر 8009بإنهاء سياسة التيسير الكمي ،التي كانت نتيجتها تضخم
الميزانية العمومية لبنك االحتياطي الفيدرالي لتصل إلى نحو 9,0تريليون دوالر في نهاية
5
أكتوبر ،8009أي أنها نمت بحوالي خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل األزمة.
1
.Marc Labonte, " Monetary Policy and the Federal Reserve: Current Policy and Conditions", Op.cit, p.12.
2
.Marc Labonte," Federal Reserve:Unconventional Monetary Policy Options", CRS Report for Congress,
R42962, Congressional Research Service, February 06, 2014, pp.1-2.
3
. Ibid, p.8.
4
.Marc Labonte," Federal Reserve:Unconventional Monetary Policy Options", Op.cit, p.9.
5
. Marc Labonte," Monetary Policy and the Federal Reserve: Current Policy and Conditions", Op.cit, p.13.
214
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
-8وزارة الخزانة األمريكية :قام وزير الخزانة األمريكية بصياغة خطة إنقاذ مالي أو كما
يعرف بـــ "برنامج إنقاذ األصول المتعثرة ) ،"(TARPصادق عليه الكونغرس األمريكي في
أكتوبر 1.8002ويهدف إلى تأمين حماية أفضل للمدخرات واألمالك العقارية ،إنعاش النمو
االقتصادي ،زيادة العائدات االستثمارات إلى أقصى حد ممكن .وقد تضمن هذا البرنامج
2
البنود التالية:
-يتم تطبيق البرنامج على مراحل بإعطاء الخزانة إمكانية شراء أصول هالكة بقيمة تصل
إلى 800مليار دوالر في مرحلة أولى ،مع احتمال رفع هذا المبلغ إلى 000مليار بطلب من
الرئيس ،ويملك أعضاء الكونغرس حق الفيتو على عمليات الشراء التي تتعدى هذا المبلغ،
مع تحديد سقفه بـــ 900مليار دوالر؛
-تساهم الدولة في رؤوس أموال وأرباح المؤسسات المستفيدة من هذا البرنامج ،مما يسمح
بتحقيق أرباح إذا تحسنت ظروف األسواق؛
-يكلف وزير الخزانة بالتنسيق مع السلطات والبنوك المركزية لدول أخرى لوضع خطط
مماثلة؛
-رفع سقف الضمانات للمودعين من 000ألف إلى 800ألف دوالر لمدة عام واحد؛
-إعفاءات ضريبية تبلغ قيمتها حوالي 000مليار دوالر للطبقة الوسطى والشركات؛
-منع دفع تعويضات تشجع على مجازفات ال فائدة منها ،وتم تحديد حد أقصى لهذه المكافآت
بـــــ 000ألف دوالر للسنة؛
-استعادة العالوات التي تم تقديمها على أرباح متوقعة لم تتحقق؛
-يشرف مجلس مراقبة على تطبيق البرنامج ،ويضم رئيس االحتياطي الفيدرالي ووزير
الخزانة ،ورئيس الهيئة المنظمة للبورصة؛
-يحافظ مكتب المحاسبة العامة التابع للكونغرس على الحضور لمراقبة عمليات شراء
األصول والتدقيق في الحسابات؛
-تعيين مفتش عام مستقل لمراقبة قرارات وزير الخزانة؛
-يدرس القضاء القرارات التي يتخذها وزير الخزانة؛
-اتخاذ إجراءات ضد عمليات وضع اليد على الممتلكات؛
-اتخاذ إجراءات لحماية األشخاص العاجزين قروضهم العقارية والمهددين بمصادرة
منازلهم؛
-السماح للدولة بمراجعة شروط منح القروض للمدينين الذين يواجهون صعوبات؛
-مساعدة البنوك المحلية الصغيرة التي تضررت من أزمة الرهن العقاري؛
وقد استخدمت أموال برنامج إنقاذ األصول المتعثرة )(TARPفي خمسة مجاالت هي:
0-8دعم البنوك :من خالل قيام الحكومة بشراء أسهم ممتازة في البنوك ،وهو ما عرف
"ببرنامج شراء رأس المال ) ."(CPPوقد خصص له مبلغ مالي قيمته 800مليار دوالر ،تم
صرف منها 890مليار دوالر 3استخدم جزء منه لشراء أسهم ممتازة في ثمانية بنوك
1
.آلن بليندر ،مارك زاندي" ،ثمار التنشيط" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد ،99العدد ،9ديسمبر
،8000ص.00.
2
.سامر مظهر قنطقجي ،ضوابط االقتصاد اإلسالمي في معالجة األزمات المالية العالمية ،دار النهضة ،دمشق ،8002 ،ص ص.10-22.
3
.Baird Webel, "Troubled Asset Relief Program (TARP): Implementation and Status", CRS Report for
Congress, 7-5700, Congressional Research Service, June 27, 2013, p.5.
215
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
1
هيBank of New York Mellon, Goldman Sachs, Morgan Stanly, Bank of :
America, Wells Fargo, Citygroup, State Street.JPMorgan
2
كما تم استخدام حوالي 18مليار دوالر كقروض قدمت للبنوك المحلية .
8-8تفعيل سوق االئتمان الثانوية :التي تعتبر ضرورية لحفظ تدفق االئتمان إلى األسر
والشركات ،فقد تسببت األزمة المالية في تجميد هذه السوق ،وأصبح من الصعب للغاية على
األسر الحصول على القروض االستهالكية من أجل شراء سيارة جديدة أو إرسال أبناءها
إلى الجامعات ،وكذا الشرك ات الصغيرة التي تحتاج إلى القروض من أجل النمو 3.ألجل ذلك
اتخذت الحكومة إجراءات لتحريك هذه السوق من خالل إطالق ثالثة برامج:
-برنامج مشترك بين االحتياطي الفيدرالي والخزانة لدعم سوق األوراق المالية المدعومة
بأصول ) (ABSيهدف إلى توفير التمويل الالزم لتلبية احتياجات االئتمانية لألسر والشركات
الصغيرة؛
-برنامج االستثمار العام والخاص ) ،(PPIPويوفر هذا البرنامج أموال وضمانات لشراء
األوراق المالية المضمونة برهون عقارية من الميزانيات العمومية للبنوك من قبل مستثمرين
من القطاع الخاص الذين قدموا رؤوس أموال لالستثمار إلى جانب الخزانة 4التي خصصت
مبلغ 88مليار دوالر لهذا البرنامج .الذي ساعد مؤسسات مالية في إزالة األصول المتعثرة
5
من ميزانياتها والتمكن من منح االئتمان لألسر والشركات.
برنامج شراء األوراق المالية للمساعدة على توفير التمويل للشركات الصغيرة ،وفي إطار
هذا البرنام ج اشترت وزارة الخزانة األوراق المالية المضمونة بقروض تجارية ،وتضمنت
األوراق المالية التي تم شراؤها 09صناعة متنوعة بما في ذلك تجارة التجزئة والخدمات
الغذائية والتصنيع ،الخدمات التعليمية والرعاية الصحية ،...وقد ضخت ما يقارب 062
6
مليون دوالر.
1-8مساعدة ) :(AIGفي ذروة األزمة المالية العالمية سبتمبر ،8002كانت المجموعة
األمريكية الدولية) (AIGعلى حافة الفشل ،ومن أجل منع هذا الفشل الذي كان سيسبب آثارا
مدمرة للنظام المالي واالقتصادي العالمي اتخذ االحتياطي الفيدرالي والخزانة األمريكية
اإلجراءات الالزمة لتحقيق استقرار هذه المجموعة وذلك بتقديم المساعدة المالية لها ،فبلغ
الدعم الحكومي لهذه المجموعة ما يقرب من 028مليار دوالر شملت حوالي 90مليار
دوالر التزمت بها الخزانة األمريكية من خالل برنامج ) ،(TARPوحوالي 008مليار دوالر
التزم بها بنك االحتياطي الفيدرالي 7.وهكذا أصبحت الحكومة األمريكية تمتلك 18بالمائة
من األسهم العادية للمجموعة األمريكية الدولية .وقد قامت الخزانة األمريكية ببيع هذه األسهم
8
تدريجيا ،وفي ديسمبر 8008كانت قد خرجت نهائيا من المجموعة.
1
.Kimberly Amadeo, "TARP Bailout Program", May 04, 2016, http:// useconomy.about.com/od/glossary/g/TAR
P.htm, last visited 20/07/2016.
2
.Ibid.
3
.U.S. Department of the Treasury, "TARP Programs",www.treasury.gov/initiatives/financial-stability/ TARP-
Peograms/ last visited 22/08/2016.
4
. Baird Webel, Op. cit, p.2.
5
.U.S. Department of the Treasury, Op. cit.
6
. U.S. Department of the Treasury, Op. cit.
7
. Ibid.
8
.Baird Webel, Op. cit, p.3.
216
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
4-8دعم سوق العقار (المساكن) :في جانفي ،8001كان سوق المساكن ال يزال يعاني من
انخفاض شديد لألسعار بلغت نسبته حوالي الثلث ،ولمدة ثالثين شهرا على التوالي ،وكانت
األسر األمريكية ال تزال تكافح من أجل الحفاظ على منازلها .في فيفري 8001أعلن الرئيس
األمريكي ( *)Barack Obamaمجموعة من الخطوات لتعزيز سوق المساكن ومساعدة
أصحاب المنازل المرهونة لتجنب وضع اليد .من هذه اإلجراءات التزام الخزانة وفي إطار
1
برنامج ) (TARPبما يقرب 90,6مليار دوالر ،وقد استفادت منه حوالي 0,0مليون أسرة.
كما أعلنت الحكومة في فيفري 8000إنشاء صندوق لمساعدة الواليات األكثر تضررا والتي
عرفت تراجعات حادة في أسعار المساكن ،وقد تم تخصيص مبلغ 9,6مليار دوالر لهذا
2
الصندوق ،واستفادت منه 02والية.
2-8دعم صناعة السيارات :تضمن برنامج ) (TARPإنقاذ صناعة السيارات األمريكية التي
تعرضت إلى خسائر كبيرة بسبب األزمة المالية العالمية ،وأدت إلى إعالن شركتا (General
)Motors GMو) )Chryslerإفالسهما 3.وألجل تجنب العواقب الوخيمة على االقتصاد
األمريكي من جراء انهيار هذه الصناعة ،تم إطالق برنامج تمويل صناعة السيارات)،(AIFP
قدمت بموجبه الخزانة األمريكية ما مجموعه 91,61مليار دوالر وأسفر عنه ملكية الحكومة
60,2بالمائة من شركة ( )General Motorsو 1,1بالمائة من ) 4.)Chryslerوابتدا ًء من
ديسمبر 8000بدأت الحكومة عملية بيع أسهمها في شركات صناعة السيارات ،حيث
خفضت ملكيتها في شركة( )General Motorsإلى 00,0بالمائة ،ومنذ ذلك الحين أجرت
المزيد من عمليات بيع أسهمها في هذه الصناعة حتى خرجت منها نهائيا في ديسمبر
5
.8009
ل قد كان برنامج إنقاذ األصول المتعثرة الذي استخدم أموال دافعي الضرائب ضخما
جدا ،ولكنه ساهم إلى حد كبير في تحقيق استقرار النظام المالي األمريكي وإنهاء الركود.
وبدونه ربما دخل االقتصاد األمريكي في حالة كساد كبير ككساد الثالثينيات من القرن
العشرين.
-1قانون إصالح وول ستريت وحماية المستهلك :في جويلية ،8000صادق الكونغرس
األمريكي على قانون إصالح ( )Wall Streatوحماية المستهلك الذي يعرف باسم قانون
" ، *"Dodd-Frankوهو عبارة عن مجموعة شاملة من اإلصالحات المالية التي تهدف إلى
تنظيم النظام المالي األمريكي ،وسد الثغرات التي كشفتها األزمة المالية العالمية ،وعدم
تحميل دافعي الضرائب تكاليف المخاطر المفرطة للمؤسسات المالية مرة أخرى .وقد ب ْ
ُنيت
*
09( Barack Obamaأوت :)0160هو الرئيس الرابع واألربعون للواليات المتحدة األمريكية من 20يناير 2009وحتى 20يناير2017
1
.U.S.Department of the Treasury, Op. cit.
2
.Baird Webel, Op. cit, p.4.
3
.آلن بليندر ،مارك زاندي ،مرجع سابق ،ص.00.
4
.Baird Webel, Op. cit, p.5.
5
.U.S. Department of the Treasury, Op. cit.
*
يحمل القانون اسمي كل من السيناتور Christopher Doddو عضو مجلس الشيوخ األمريكي Barney Frankاللذين عمال معا إلعداد هذا
القانون.
217
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
هذه اإلصالحات التي تعتبر األكبر منذ الكساد الكبير على ثالث ركائز هي :االستقرار
1
المالي ،شفافية األسواق المالية ،حماية المستهلك.
0-1االستقرار المالي :نصت أحكام قانون " "Dodd-Frankعلى إنشاء مجلس الرقابة على
االستقرار المالي ) ،(FSOCالمكون من 00عضوا ،مهمته الرئيسية إخضاع بنوك الظل
(مؤسسات النظام الظلي) لإلشراف والرقابة ،وتحديد المؤسسات المالية المصرفية وغير
المصرفية ذات األهمية النظامية التي لديها القدرة على إحداث أزمة مالية أخرى -فشلها قد
يؤثر على جميع أركان النظام المالي األمريكي -وإخضاعها إلشراف االحتياطي الفيدرالي.
إلى جانب ذلك ،يقوم هذا المجلس برصد التهديدات التي تواجه األسواق المالية ،وتحديد
الثغرات في النظام المالي واقتراح تحسينات في اللوائح التنظيمية ،وتقديم المشورة للوكاالت
2
الحكومية المعنية بذلك والكونغرس.
من أجل تحقيق االستقرار المالي ،وبناء نظام مالي أكثر صالبة ،شمل هذا القانون على
3
مجموعة من التدابير أهمها:
-زيادة في رأس المال؛ زيادة األصول السائلة؛ اشتراط ميزانيات أكثر أمانا؛
-تعزيز هياكل أبسط ،وتوفير أدوات جديدة للقرار في حالة حدوث فشل محتمل ،والقضاء
على فكرة "أكبر من أن تفشل"؛
-تمويل أقل خطورة ،والحد من اإلفراط في الرفع المالي ،وتخفيض االعتماد على الودائع
قصيرة األجل لتمويل أصول طويلة األجل؛
-تعزيز المساءلة من خالل جهود مجلس الرقابة على االستقرار المالي؛
-مطالبة البنوك بالتركيز على األعمال المصرفية وخدمة عمالئها بدال من المضاربة ،والحد
من انخراط البنوك في األنشطة المحفوفة بالمخاطر ،وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة
باستثماراتها وعالقاتها مع صناديق التحوط وغيرها من صناديق االستثمار الخاصة بسبب
4
المخاطر العالية التي تتميز بها هذه االستثمارات.
8-1الشفافية في األسواق المالية :لقد نمت أسواق المشتقات المالية وخاصة تلك التي تتم
خارج البورصة بصورة ضخمة خالل السنوات التي سبقت األزمة المالية العالمية ،ولقد ثبت
بأن للمشتقات المالية دور محوري في هذه األزمة ،فإلى جانب كونها أحد المسببات ،ساهمت
أيضا في تسريع الذعر وانتشار العدوى .لهذا هدف قانون " "Dodd-Frankإلى تنظيم هذه
السوق وجعل التداول في المشتقات أكثر شفافية 5.وقد نص الباب السابع من هذا القانون على
إجراء إصالحات في سوق المشتقات المالية ،حيث يعطي من خالل هذه اإلصالحات سلطة
أكبر للجنة األوراق المالية في البورصة ولجنة تداول السلع اآلجلة لتنظيم المشتقات
1
.U.S. Department of the Treasury, "The Dodd-Frank Act: Reforming Wall Street and Protecting Main Street",
January 2017, pp.1-2, https://www.whitehouse.gov/sites/ /files/images/Blog/..%202017.pdf, last visited
09/02/2018.
2
.Bryan J. Noeth," Financial Regulation: A Primer on the Dodd -Frank Act", Liber8: Economic
Information Newsletter, the research libarary of the federal reserve bank of St .Louis, May 2011,p.1
3
. U.S. Department of the Treasury, "The Dodd-Frank Act: Reforming Wall Street and Protecting Main Street",
Op. cit, p.8, p.10.
4
.Bryan J. Noeth, Op. cit, p.2.
5
.Ibid, p.2.
218
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
والمشاركين في السوق (تجار وسماسرة ،صناديق تحوط ،صناديق خاصة .)...كما نص على
1
ضرورة إجراء المقاصة المركزية* لمعظم معامالت المشتقات.
1-1حماية المستهلك :ساد طوال الفترة السابقة لألزمة ممارسات إقراض غير سليمة تقوم
على معايير غير واضحة أدت إلى الرهون العقارية المحفوفة بالمخاطر التي أضرت
بالمستهلكين وأدت في نهاية المطاف إلى عدم االستقرار وانفجار األزمة 2.وبغية توفير
الحماية المالية للمستهلك أنشأ قانون " "Dodd-Frankكيانا فيدراليا جديدا مستقال ،أطلق عليه
مكتب الحماية المالية للمستهلك) ،(CFPBمهمته الرئيسية حماية المستهلك من مخاطر
المنتجات والخدمات المالية ،بما في ذلك قروض الرهن العقاري ،بطاقات االئتمان ،قروض
4
الطالب والسيارات3...ومن أهم األنشطة التي يقوم بها:
-اإلشراف والرقابة على الخدمات والمنتجات المالية التي تقدمها المؤسسات المالية
المصرفية وغير المصرفية؛
-تحديد المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المستهلكون من المنتجات المالية؛
-تثقيف وتعليم المستهلكين ،وتقديم المشورة بشأن المنتجات المالية من خالل إنشاء مكتب
محو األمية المالية التحقيق في شكاوي المستهلكين التي تستقبل عبر خط ساخن وعبر
اإلنترنت؛
يمكن القول أن اإلجراءات التي اتخذتها الواليات المتحدة األمريكية على مستوى
السي اسة النقدية ،وعلى مستوى سياسة المالية العامة (برنامج إنقاذ األصول المتعثرة) ،وكذا
اإلصالحات التي أقرها قانون " ، "Dodd-Frankتعتبر األعمق منذ إصالحات العهد الجديد
" ."New Dealوإذا كانت إجراءات وإصالحات العهد الجديد قد حققت نجاحات كبيرة
وأخرجت االقتصاد األمر يكي من كساد كبير دام أكثر من أربع سنوات ،فإن اإلجراءات
واإلصالحات المتخذة إبان األزمة المالية العالمية 8002أنهت الركود االقتصادي بسرعة
وجنبت االقتصاد األمريكي الوقوع في حالة الكساد.
ثانيا :تحركات حكومات بعض الدول األوروبية ،بعد انتقال األزمة إلى جميع بلدان أوروبا،
أعلن كل بلد من هذه البلدان عن تحركات أحادية تتضمن خطط إنقاذ مالية هائلة لمواجهة
األزمة .من أهمها:
-0بريطانيا 5:تم تخصيص 09مليار دوالر جنيه إسترليني لشراء أسهم في عدد من البنوك
البريطانية الكبرى وأصبحت الدولة بذلك أكبر مساهم في العديد من البنوك أشهرها (Royal
*
في المقاصة المركزية تكون هناك مؤسسات مالية متخصصة ،تسمى أطرافا مقابلة مركزية ،تضع نفسها بين الطرفين المقابلين-يطلق على كل
منهما عضو المقاصة .-ويستعاض عن العقد بين الطرفين المقابلين األصليين بعقدين جديدين مع الطرف المقابل المركزي ،يتخذ مكان كل من جانبي
المعاملة.
1
. Jeff Berman and others, "Dodd-Frank Wall Street Reform and Consumer Protection Act, July
2010",Clifford Chance US LLP,London, p.5,https://www.cliffordchance.com/content/--/ Dodd-
Frank_Memo_Revised_August.pdf, last visited 10/02/2018.
2
. U.S. Department of the Treasury, "The Dodd-Frank Act: Reforming Wall Street and Protecting Main Street",
Op. cit, p.2.
3
. U.S. Department of the Treasury, "The Dodd-Frank Act: Reforming Wall Street and Protecting Main Street",
Op. cit,p.18.
4
.Bryan J. Noeth, Op. cit, p.2.
5
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص ص.006-009.
219
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
) ،Bank of Scotland) (HBOSوقد وضعت وزارة الخزانة البريطانية عدة شروط لتنفيذ
هذه الخطة ،أهمها:
-التزام البنوك بإقراض أصحاب المنازل والمنشآت الصغيرة بمستويات اإلقراض التي
كانت سائدة خالل عام 8009؛
-الحد من المكافآت التي كانت تمنح لمديري البنوك؛
-تعيين الحكومة ألعضاء يمثلونها في مجالس إدارات البنوك.
وفي شهر نوفمبر ،8002أعلنت الحكومة البريطانية عن خطة أخرى إلنعاش
االقتصاد بقيمة 80مليار جنيه إسترليني ،وتخفيض ضريبة القيمة المضافة على السلع
االستهالكية من 09,0بالمائة إلى 00بالمائة في نهاية ،8001وتعويض نقص الحصيلة
الضريبية الناجم عن ذلك من خالل رفع الضريبة على الدخل بنسبة 0بالمائة على كل من
يتجاوز صافي دخله السنوي 000ألف جنيه إسترليني.
-8فرنسا :أعلنت الحكومة الفرنسية عن خطة إنقاذ تقدر بــــــ 090مليار يورو ،تقوم على
1
دعامتين:
األولى 000 :مليار يورو كضمانات للقروض المشتركة بين البنوك؛
الثانية 90 :مليار يورو للحصول على حصص في الشركات والمؤسسات
المالية المتعثرة.
وفي ديسمبر ،8002أعلنت الحكومة عن خطة إنعاش جديدة بقيمة 86مليار يورون
2
تتضمن اإلجراءات التالية:
-دعم صناعة السيارات بحوالي 8مليار يورو؛
-دعم قطاع البناء والسكن عن طريق منح قروض بفائدة صفرية ،وقد تم تخصيص أكثر من
8مليار يورو لهذا القطاع؛
-دعم التوظيف في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خالل إعفاء هذه المؤسسات من
رسوم التوظيف لسنة 8001؛
-إقامة األعمال والمشاريع الضخمة؛
-دعم االستثمار المنتج؛
-برنامج دعم وتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بقيمة تتجاوز 00مليار يورو؛
3
-1ألمانيا:تم اعتماد خطتين إلنعاش االقتصاد األلماني:
الخطة األولى :تم اإلعالن عنها في 0نوفمبر ،8002وقيمتها 08مليار يورو وتضمنت
إجراءات جديدة مثل:
-إلغاء الضريبة على شراء السيارات الجديدة بهدف مساعدة صناعة السيارات األلمانية؛
-االستثمار في البنية التحتية؛
-مساعدة األفراد لتجديد المساكن؛
-منح قروض للشركات الصغيرة والمتوسطة مضمونة من قبل بنك التنمية األلماني؛
1
.المرجع نفسه ،ص.009.
2
.Banque de France," La crise financière", Documents et Débats, N° 2, Février 2009, p.66.
3
.Ibid, p.66.
220
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
الخطة الثانية 00 :جانفي ،8001تقدر قيمتها بــــ 00مليار يورو ،تمتد لمدة سنتين 8001
و 8000ومن أهم اإلجراءات التي تضمنتها:
-االستثمار في البنية التحتية؛
-تخفيضات ضريبية على الدخل؛
-تخفيض رسوم العضوية للتأمين الصحي ألرباب العمل والموظفين؛
-تقديم مساعدات للعاطلين عن العمل ،وتعويضات أكبر عند تسريح العمال؛
-4إسبانيا :في شهر أوت ،8002أعلنت الحكومة عن خطة إنعاش اقتصادي بقيمة 80
مليار يورو لدعم كل من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ،والسكن االجتماعي الجديد .وفي
نوفمبر 8002أعلنت عن خطة أخرى إلنعاش االقتصاد االسباني بقيمة 00,1مليار يورو
لمساعدة قطاع صناعة السيارات ،اإلنفاق على البحث والتطوير ،ومنح إعفاءات من رسوم
التوظيف 1.كما أقرت قانونا يضمن ديون البنوك حتى نهاية عام 8001بقيمة 000مليار
يورو كحد أقصى ،وأعلنت عن إمكانية شراء كميات من األسهم في البنوك والمؤسسات
2
المالية.
-2هولندا :في شهري سبتمبر ونوفمبر 8002أقرت الحكومة الهولندية خطة إنعاش
3
اقتصادي بقيمة 2,0مليار يورو ،وتضمنت مجموعة من التدابير:
-تدابير ضريبية واجتماعية؛
-إقامة بعض المشاريع الكبرى كالسدود؛
-مساعدة المؤسسات؛
-اتخاذ التدابير الالزمة لتسهيل استثمارات األعمال واالبتكار؛
كما قررت الحكومة الهولندية توفير مبلغ 80مليار يورو للمؤسسات المالية بما في ذلك
4
البنوك وشركات التأمين لدعم االستقرار في القطاع المالي.
ثالثا :تحركات حكومات بعض البلدان اآلسيوية .بسبب انتقال األزمة إلى البلدان اآلسيوية،
تبنت حكومات هذه البلدان خطط تحرك مماثلة لخطط التحرك الغربية ،من بينها:
-0اليابان :في سبيل مواجهة األزمة اتخذت الحكومة والبنك المركزي اليابانيين عدة تدابير،
فقد قرر البنك المركزي في ديسمبر 8002تخفيض سعر الفائدة من 0,0بالمائة إلى 0,0
بالمائة ،وبسبب األثر المحدود لهذا اإلجراء على انتعاش االقتصاد الياباني تبنى البنك
المركزي أدوات مؤقتة وسلسلة من اإلجراءات لجعل عمليات إعادة تمويل البنوك في السوق
5
النقدية أكثر مرونة ،وتسهيل تمويل المشاريع ،وذلك من خالل:
-توسيع نطاق األوراق المالية المقبولة كضمان في عمليات إعادة التمويل؛
-شراء ما قيمته 0000مليار ين من األوراق التجارية التي تصدرها الشركات وتحتفظ بها
البنوك؛
1
.Banque de France, Op. ci., p.67.
2
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.002.
3
.Banque de France, Op. cit, p.67.
4
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.002.
5
.M. Philippe Marini,"Le Japon face à la crise", Rapport d’information sur la crise économique et financière
au Japon et ses conséquences, N°294, Mars 2009, p.22, http://www.senat.fr/rap/r08.294/r08-2941.pdf, last
visited 1/09/2016.
221
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
كما أعلنت الحكومة اليابانية عن خطة إنعاش كبيرة تبلغ قيمتها 90تريليون ين أي ما يعادل
1
069مليار يورو وقد تم اعتماد هذه الخطة على ثالث مراحل:
المرحلة األولى :نهاية أوت ،8002تم تخصيص لها 00,0تريليون ين ( 26,0مليار
يورو)؛
المرحلة الثانية :نهاية أكتوبر ،8002بـــــــ 86,1تريليون ين ( 800مليار يورو)؛
المرحلة الثالثة :منتصف ديسمبر ،8002بــــــــ 09تريليون ين ( 892مليار يورو)؛
2
وقد استخدم 29بالمائة من قيمة الخطة كما يلي:
00 -تريليون ين ياباني لتمويل األعمال التجاري ،وخاصة المؤسسات الصغيرة
والمتوسطة؛
00 -تريليون ين لدعم النظام المالي عن طريق حقن األموال العامة في رؤوس أموال
البنوك؛
أما 06بالمائة من قيمة الخطة المتبقية فقد استخدمت على النحو التالي:
0000 -مليار ين ( 86مليار يورو) ،للسلطات المحلية من أجل تنشيط االقتصاد المحلي(
األشغال العامة تطوير العمالة المحلية ،إجراء تحسينات على الطرق السريعة وخطوط
القطارات)...؛
9000-مليار ين ( 00مليار يورو) ،لدعم االستثمار بالنسبة للشركات واألفراد من خالل
(المنح التخفيضات الضريبية على أرباح الشركات وخاصة الصغيرة والمتوسطة ،وأرباح
األوراق المالية)؛
0000-مليار ين ( 00مليار يورو) لدعم التشغيل ،كتقديم الدعم للشركات لتحويل بعض
الوظائف المؤقتة إلى دائمة؛
0000 -مليار ين ( 9,0مليار يورو) لتعزيز نظام الحماية االجتماعية ،مثل تحسين نوعية
الرعاية الصحية؛
8000 -مليار ين ( 00مليار يورو) لدعم االستهالك في شكل قسائم توزعها على
األسر(متوسط 16ين للشخص الواحد)؛
وفي أوائل أفريل ،8001أعلنت الحكومة اليابانية عن خطة إنعاش جديدة بقيمة 09تريليون
ين ( 000مليار يورو) ،تهدف إلى منع تدهور االقتصاد والحفاظ على فرص العمل وتحفيز
3
النمو.
-8الصين :في شهر نوفمبر من عام ،8002أقر مجلس الوزراء الصيني خطة الستثمار 9
تريليون يوان ( 026مليار دوالر) حتى عام ،8000لتنشيط الطلب على االستهالك المحلي،
إلى جانب استثمار 000مليار يوان إضافية في البنية التحتية ،و 80مليار يوان عام 8001
في قطاع السكن ،والبنية التحتية الريفية ،وشبكات النقل واالبتكار التقني ،وإجراء تحسينات
4
على خطوط القطارات وشبكة الكهرباء ،ودعم الرعاية الصحية وتخفيض رسوم التعليم.
1
. Ibid, p.22.
2
. M. Philippe Marini, Op.cit,pp.22-22
3
. Ibid, p.25.
4
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.089.
222
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
كما قام البنك المركزي الصيني بخفض أسعار الفائدة ثالث مرات خالل شهرين فقط
(منتصف سبتمبر الى منتصف نوفمبر من عام ،)8002للحد من معدالت االدخار المرتفعة
لدى الصينيين ،وتنشيط الطلب المحلي على المنتجات الصينية للتغلب على ضعف الطلب
1
الخارجي عليها بسبب األزمة المالية.
لقد استخدمت أغلب البلدان كل من السياسة المالية والسياسة النقدية لمواجهة األزمة.
حيث ركزت الخطط المالية التي تبنتها هذه البلدان على توفير السيولة وضخ رؤوس
األموال ،والتصرف في األصول المتعثرة بغية تنقية الميزانيات العمومية للمؤسسات والبنوك
العاملة فيها ،وذلك ألجل استئناف عمليات اإلقراض لألسر والشركات لدعم الطلب الكلي
وتشجيع العودة لالستثمار ،ومن ث ّم الحد من الهبوط االقتصادي.
ولعدم الوقوع في مشكلة التحيز الوطني الذي يعطي األفضلية للبنوك والمؤسسات
المحلية فقط ،ما قد يضر بمصالح بلدان أخرى ،ويؤدي إلى ظهور الحمائية ،عملت سلطات
البلدان المتقدمة والصاعدة على توحيد جهودها والتنسيق فيما بينها لمواجهة األزمة وتحقيق
االستقرار المالي العالمي.
المطلب الثاني :اإلجراءات المتخذة على المستوى الدولي.
من أجل تجنب تفاقم التوترات ،وانتقال اآلثار السلبية المترتبة عن اإلجراءات الوطنية
عبر الحدود ،كان هناك تنسيق وتعاون على المستوى الدولي .وفيما يلي عرض ألهم الجهود
الدولية التي بذلت من أجل الوصول إلى أفضل األساليب لمواجهة األزمة المالية واالقتصادية
العالمية.
أوال :قمة مجموعة البلدان الصناعية السبع ،اجتمع وزراء مالية البلدان الصناعية الكبرى
في 08أكتوبر 8002في واشنطن وتعهدوا بالعمل معا إلعادة االستقرار إلى أسواق المال
2
العالمية ،ودعم النمو االقتصادي العالمي ،وقد تم االتفاق على:
-0اتخاذ إجراءات حاسمة واستخدام كل األدوات المتوافرة لدعم المؤسسات ذات األهمية في
النظام ومنع إفالسها؛
-8اتخاذ كل اإلجراءات الالزمة لتحرير االعتماد في األسواق والتأكد من وصول البنوك
والمؤسسات المالية بشكل واسع إلى سيولة ورؤوس األموال؛
-0العمل على أن تتمكن البنوك وغيرها من المؤسسات المالية الوسيطة الكبرى ،من جمع
رؤوس األموال من المصادر العامة والخاصة إلعادة الثقة والسماح لها بمواصلة إقراض
األسر والشركات؛
-9العمل على أ ن تكون البرامج الوطنية لضمان الودائع المصرفية متينة ومتجانسة بما
يسمح للمودعين الصغار من مواصلة ثقتهم في سالمة ودائعهم؛
-0اتخاذ قرارات في الوقت المناسب إلنعاش سوق الرهن العقاري وغيرها من األصول،
وإجراء عمليات تقييم دقيقة ونشر المعلومات تتميز بالشفافية؛
ثانيا :القمة اآلسيوية األوروبية ،انعقدت القمة اآلسيوية األوروبية السابعة )(ASEM7
يومي 89و 80أكتوبر 8002في الصين ،بحضور 06بلدا آسيويا و 89بلدا أوروبيا ،والتي
تمثل حوالي 00بالمائة مـــــــن الناتــــــج المحـــــــــــــــلي
اإلجمالي العالمي وما يقارب 60بالمائة من التجارة العالمية وحوالي 02بالمائة من سكان
1
العالم.
وقد ناقش قادة هذه البلدان قضايا إقليمية ودولية هامة ذات االهتمام والمصلحة المشتركة.
وكان على رأس هذه القضايا األزمة المالية العالمية ،حيث أقروا بأنها أزمة لها تأثير شديد
على المستوى العالمي ،وعلى وجه الخصوص التحديات الخطيرة التي تشكلها على
االستقرار المالي والتنمية االقتصادية للبلدان اآلسيوية واألوروبية .ومن أهم ما جاء في البيان
2
الصادر عن تلك القمة فيما يتعلق بالوضع المالي العالمي:
-0أقرت القمة ورحبت بالتدابير وخطط اإلنقاذ المالي التي اتخذتها حكومات البلدان لمواجهة
األزمة وتحقيق االنتعاش االقتصادي؛
-8دعت القمة المجتمع الدولي إلى مواصلة تعزيز التنسيق والتعاون بين كافة األطراف
إلخراج العالم من أزمته ومنع دخوله في كساد كبير؛
-0ضرورة تحسين الرقابة وتقوية أنظمة اإلشراف على المؤسسات المالية؛
-9تقوية مبادئ الشفافية وتحسين آليات إدارة األزمات ،مع ضرورة اتخاذ التدابير في الوقت
المناسب للحفاظ على استقرار النظام المالي؛
-0االتفاق على أن صندوق النقد الدولي يجب أن يكون له دور كبير في مساعدة البلدان
المتضررة من األزمة؛
-6االتفاق على ضرورة إجراء إصالحات شاملة للنظام المالي واالقتصادي العالمي
ولمؤسساته النقدية والمالية؛
ثالثا :قمم مجموعة العشرين ،تعتبر اجتماعات مجموعة العشرين من أبرز التحركات الدولية
التي سعت إلى إيجاد حلول لألزمة المالية واالقتصادية العالمية ،وإصالح النظام المالي
العالمي ،وإنقاذ االقتصاد العالمي من هاوية الركود .وفيما يلي أهم القمم التي عقدت إبان
األزمة ،وأهم القرارات التي تم التوصل إليها:
-0قمة واشنطن :عقدت مجموعة العشرين قمتها األولى بعد انفجار األزمة في واشنطن
يومي 00و 06نوفمبر من عام ،8002وقد اتفق قادتها على مجموعة من الخطوات
3
الرئيسية .من أهمها:
0-0التأكيد على اإلطار العام الذي يحكم التعامل بين البلدان في مجال االقتصاد الدولي،
والمتمثل في:
1
."Chair’s statement of the Seventh Asia-Europe Meeting", Beijing, 24-25 October 2008,p.1, http://archive-
ue2008.fr/webdav/site/EFUE/shard/…/1024_sommet_ASEM/ASEM_Summit_chair_s_statement_EN.pdf, last
visited 26/09/2016.
2
." Statement of the Seventh Asia-Europe Meeting on the International Financial Situation", Beijing, 24-25
October 2008, pp.1-2,http://archive-ue2008.fr/webdav/site/EFUE/shard/.../ASEM/ASEM_summit_ statement
_international_financiali_situation_EN.pdf, last visited 26/09/2016.
3
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص ص.061-069.
224
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
-التزام القادة بضمان توفير الموارد الكافية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أجل
مواصلة دورها في التغلب على األزمة ،وتكليف الصندوق بدور محوري في إصدار ردود
1
الفعل المالئمة تجاه األزمة واقتراح كيفية إصالح األسواق المالية العالمية.
-إصالح المؤسسات المالية الدولية بحيث تعكس القوة الحقيقية لالقتصادات الصاعدة،
وضمان تمثيل أكثر فاعلية للبلدان النامية في منتدى االستقرار المالي ،مع ضرورة التنسيق
بين هذا المنتدى وصندوق النقد الدولي والمنظمات الدولية األخرى مما يضمن التغلب على
2
هذه األزمة ،وإمكانية توقع األزمات المالية في المستقبل والقدرة على مواجهتها.
-8قمة لندن :انعقدت قمة مجموعة العشرين في لندن بتاريخ الثاني من أفريل من عام
، 8001وقد جاءت هذه القمة في وقت تحولت األزمة المالية العالمية إلى أزمة اقتصادية
عالمية ،ألحقت أضرارا كبيرة باقتصادات البلدان المتقدمة واقتصادات األسواق الناشئة
والبلدن النامية على حد سواء .وعلى هذا األساس تم مناقشة ستة مواضيع أساسية من قبل
3
قادة المجموعة ،وتعهدوا بالقيام بكل ماهو ضروري لــــــ:
0-8استعادة الثقة ودفع النمو والتوظيف :رأى قادة مجموعة العشرين أن خطط اإلنعاش
والتنشيط االقتصادي التي تبنتها أنقذت وخلقت الماليين من فرص العمل ،ما سمح بمواجهة
الهبوط االقتصادي .كما أبدوا التزامهم بضخ المزيد من األموال في اقتصادات بلدانهم
(استمرار الدفعات التنشيطية) في عام 8000الستعادة النمو.
8-8تنقية القطاع المالي :العم ل على تنقية الميزانيات العمومية للبنوك بهدف بعث عملية
اإلقراض ،ودفع عجلة القطاع المالي من جديد ،باعتبارهما عنصران حاسمان في إنعاش
النمو العالمي .لهذا التزم قادة المجموعة بدعم شامل لألنظمة المصرفية وتوفير السيولة
الالزمة ،كما تبنت بنوكها المركزية إجراءات استثنائية لتحسين أوضاع االئتمان وتحقيق
االستقرار المالي ،فاستخدمت إلى جانب أدوات السياسة النقدية التقليدية( خفض أسعار
الفائدة) ،أدوات غير تقليدية (التيسير الكمي).
1-8تعزيز التنظيم والرقابة المالية :أكد قادة مجموعة العشرين أن سوء التنظيم المالي
وضعف اإلشراف على القطاع المالي من األسباب األساسية وراء األزمة ،ولن يتم استعادة
الثقة في األنظمة المالية إال باتخاذ إجراءات أقوى وأكثر اتساقا على الصعيد العالمي في
مجال اإلشراف والتنظيم ،وتحقيقا لهذه الغاية اتفقت البلدان المشاركة في القمة على
اإلجراءات التالية:
-إنشاء مجلس االستقرار المالي ) (FSBخلفا لمنتدى االستقرار المالي يضم كل أعضاء
مجموعة العشرين وأعضاء منتدى االستقرار المالي ،واسبانيا؛
-يتعاون مجلس االستقرار المالي مع صندوق النقد الدولي من أجل إنذار البلدان
باألخطار االقتصادية والمالية التي قد تتعرض لها ،واقتراح الحلول لمواجهتها؛
1
" .قمة مجموعة العشرين...قادة العالم يطلقون خطة عمل للتغلب على األزمة المالية" ،مرجع سابق ،ص.0.
2
.إبراهيم عبد العزيز النجار ،مرجع سابق ،ص.090.
3
."London Summit- leader’s statement", 2 April 2009,http://www.imf.org/external/ns/searchaspx?hdCountry
page=&Newquery=G20++LONDON/EN+2009&search, last visited 29/09/2016.
226
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
-تقوية التنظيم والرقابة على جميع المؤسسات المهمة في النظام المالي وباألخص
صناديق التحوط ذات األهمية النظامية لتفادي المخاطر المفرطة التي ثبت مواجهتها لها قبيل
األزمة؛
-دعوة واضعي المعايير المحاسبية –لجنة معايير المحاسبة الدولية المكلفة بإعداد المعايير
المحاسبية الدولية -القيام على وجه السرعة بتحسين معايير التقييم ووضع معايير محاسبية
عالمية ذات جودة عالية؛
-مطالبة وكاالت التصنيف االئتماني بتسجيل نفسها ووضعها تحت اإلشراف والرقابة
الفعالة للتأكد من أنها تفي بالمعايير الدولية.
-االتفاق على تبني قواعد جديدة في مجال األجور والحوافز على المستوى الدولي ،وكذا
محاربة تبييض األموال والتهرب الضريبي ،واتخاذ إجراءات ضد الجهات غير المتعاونة؛
4-8دعم المؤسسات المالية الدولية :خلّف الركود االقتصادي في الواليات المتحدة
األمريكية وغيرها من البلدان المتقدمة أضرارا كبيرة وتحديات جمة على كثير من بلدان
االقتصادات الصاعدة والنامية ،وفي سبيل مواجهة تلك التحديات تحتاج إلى دعم مالي وفني
من المؤسسات المالية الدولية والسيما صندوق النقد الدولي ،لذا اتفق قادة مجموعة العشرين
على توفير موارد إضافية للصندوق قدرت بــــ 900مليار دوالر لدعم النمو في البلدان
المتضررة من األزمة .كما التزموا بتنفيذ إصالحات هيكلية على صندوق النقد الدولي،
وأبرزها توسيع تمثيل بلدان األسواق الناشئة والنامية ليعكس حقيقة الوضع الدولي الجديد،
وأكدوا على ضرورة استكمال إصالح نظام التصويت بالصندوق قبل جانفي .8000وتم
االتفاق أيضا على إعادة النظر في طريقة تعيين رؤساء والقيادات العليا في جميع المؤسسات
المالية الدولية من خالل عملية علنية تراعى فيها الشفافية ،ويقوم فيها االختيار على أساس
الجدارة.
2-8مقاومة الحمائية ودعم التجارة واالستثمار العالميين :أكد قادة المجموعة في اجتماعهم
هذا على أن تنشيط التجارة واالستثمار العالميين أمر ضروري الستعادة النمو العالمي ،لهذا
رفضوا تكرار أخطاء الماضي في إشارة إلى السياسات الحمائية التي اتبعتها البلدان إبان
أزمة الكساد الكبير ( ،)0100-0181والتزموا بعدم وضع حواجز جديدة أمام االستثمار أو
التجارة في السلع والخدمات وتكليف منظمة التجارة العالمية بالقيام بمراقبة دقيقة لتنفيذ هذا
االلتزام ،كما التزموا بتوفير 800مليار دوالر خالل العامين المقبلين لدعم تمويل التجارة من
خالل بنوك التنمية متعددة األطراف.
6-8ضمان انتعاش عادل ومستدام للجميع :لقد كان لألزمة المالية العالمية وتباطؤ االقتصاد
العالمي أثرا شديدا على البلدان ذات الدخل المنخفض ،لهذا اعترف قادة المجموعة
بمسؤوليتهم الجماعية للتخفيف من اآلثار االجتماعية لألزمة ،والحد من األضرار التي لحقت
بهذه البلدان ،والتزموا بتوفير 00مليار دوالر لتعزيز التجارة والتنمية ودعم الحماية
االجتماعية ،باإلضافة إلى االستثمار في األمن الغذائي على المدى الطويل ،والسماح
لصندوق النقد الدولي ببيع جزء من احتياطاته من الذهب لمساعدة البلدان منخفضة الدخل
بغية حمايتها من األزمة.
227
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
-1قمة بيتسبرغ :عقدت هذه القمة يومي 89و 80سبتمبر 8001بمدينة بيتسبرغ بوالية
بنسلفانيا األمري كية ،وهي القمة الثالثة بعد اندالع األزمة المالية العالمية .ويمكن تصنيف أهم
االنجازات التي حققتها القمة في ثالث مجاالت هي:
0-1االتفاق على إبقاء الدفعات التنشيطية :وذلك إلى أن يصبح التعافي من األزمة العالمية
مؤكدا ،فقد صرح قادة المجموعة في البيان الختامي بأن التحرك القوي الذي تم على مستوى
السياسات لمواجهة األزمة ساعد على منع حدوث انخفاض خطير وحاد في النشاط
1
االقتصادي العالمي ،وأسهم في تحقيق االستقرار في األسواق المالية.
8-1إصالح نظام التعاون واإلدارة االقتصادية العالمية :شدّد قادة مجموعة العشرين على
أهمية التعاون الدولي في تحفيز النمو العالمي ،وتوفير الوظائف ،وتعزيز االستقرار المالي.
لهذا قرروا إعطاء مجموعة العشرين صفة المنتدى األول للتعاون االقتصادي الدولي.
ووضعوا ما أطلق عليه "إطار النمو القوي والمتوازن والقابل لالستمرار" ،ويرتكز هذا
اإلطار على عملية متعددة األطراف تحدد بلدان مجموعة العشرين من خاللها أهداف
االقتصاد العالمي والسياسات المطلوبة لتحقيقها 2.ومن أجل الوصول إلى نتائج حقيقية تعود
بالنفع على الجميع وضع قادة المجموعة منهجا جديدا للتعاون في مجال السياسات فيما عرف
باسم " عملية التقييم المتبادل" ،حيث يتبادل كل أعضاء مجموعة العشرين المعلومات فيما
بينهم وبين صندوق النقد الدولي حول خطط السياسة و األداء المتوقع على مدار السنوات
الثالث إلى الخمس القادمة ،بهدف التأكد ما إذا كانت السياسات المتبعة في كل بلد منها تساعد
مجتمعة على تحقيق أهداف النمو التي وضعتها المجموعة .وبناءا على طلب المجموعة
يجري صندوق النقد الدولي التحليل الفني الالزم لعملية التقييم المتبادل ،ويبين مدى االتساق
3
بين سياسات البلدان األعضاء ،وما إذا كان بإمكانها مجتمعة تحقيق أهداف المجموعة.
كما اتفق القادة على جعل المؤسسات المالية الدولية عاكسة للواقع ،وذلك بتحويل المزيد
من المسؤوليات إلى االقتصادات الصاعدة داخل صندوق النقد الدولي ،وإعطائها المزيد من
األصوات .وفي هذا السياق أعلن القادة التزامهم بتحويل ماال يقل عن 0بالمائة من أنصبة
البلدان الممثلة بالزيادة إلى البلدان قاصرة التمثيل ،وكذا التزامهم بحماية الحصص التصويتية
4
المخصصة ألفقر األعضاء في الصندوق.
1-1تعزيز تنظيم النظام المالي العالمي :من أجل الحيلولة دون وقوع أزمات مالية شبيهة
باألزمة المالية العالمية ،8002اتفق قادة مجموعة العشرين في هذه القمة على مجموعة من
الخطوات لتعزيز تنظيم النظام المالي العالمي .من أهمها:
أ -قواعد أكثر تشددا لرأس المال والسيولة :التزم قادة المجموعة بتطوير القواعد المتفق
5
عليها دوليا بحلول نهاية عام ،8000وأكدوا على أن هذه القواعد يجب أن تتضمن على:
1
".مجموعة العشرين تدعم التحرك المستمر لمواجهة األزمة والتحول المزمع في تمثيل أعضاء الصندوق" ،مرجع سابق ،ص.0.
2
.المرجع نفسه ،ص.8.
3
.صندوق النقد الدولي" ،عملية التقييم المتبادل بين أعضاء مجموعة العشرين" ،صحيفة وقائع 80 ،مارس ،8006من الموقع:
http://www.imf.org/ar/About/Factsheets/Sheets/2016/07/27/15/48/G20-Mutual-Assessment-Process-MAP, last
visited 03/10/2016.
4
".مجموعة العشرين تدعم التحرك المستمر لمواجهة األزمة والتحول المزمع في تمثيل أعضاء الصندوق" ،مرجع سابق ،ص.8.
5
.إنجي أوتكر،سيال باتسارباشيوغلو"،مجال محفوف بالمخاطر" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،المجلد،99
العدد ،9ديسمبر ،8000ص.01.
228
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
خالصة الفصل:
بدأت األزمة المالية واالقتصادية العالمية 8002بانفجار الفقاعة العقارية وانهيار سوق
قروض الرهن العقاري عالية المخاطر في الواليات المتحدة األمريكية في أوت .8009وفي
سبتمبر 8002دخلت مرحلة جديدة ،اتسمت باضطرابات مالية عنيفة ،وذلك في أعقاب
إفالس واحد من أكبر بنوك االستثمار في الواليات المتحدة –بنك (،- )Lehman Brothers
وإنقاذ أكبر شركة تأمين في العالم ) ،(AIGاألمر الذي أدى إلى سقوط األسواق المالية
العالمية في هوة االضطرابات ،وإلى حدوث اهتزاز كبير في الثقة في المؤسسات المالية
واألسواق المالية العالمية ،ما أدى إلى سلسلة من حاالت اإلفالس والتأميم وعمليات االندماج
واالستحواذ في الواليات المتحدة وأوروبا .ومع فقدان الثقة تعرضت أسواق المعامالت بين
البنوك إلى تج مد تام ،دفع بحكومات هذه البلدان إلى التدخل المباشر والسريع لدعم
المؤسسات المالية الرئيسية وتحقيق االستقرار في األسواق عن طريق ضخ كميات كبيرة من
السيولة على نحو غير مسبوق .ومع ذلك ،ألحقت تلك االضطرابات المالية العنيفة أضرارا
بالغة في النشاط االقتصادي وانزلقت اقتصادات تلك البلدان (البلدان المتقدمة) إلى حالة
الركود.
ولم تكن االقتصادات الناشئة والنامية في منأى عن تلك االضطرابات المالية ،فقد حدثت
توترات حادة في أسواقها المالية ،فهبطت أسعار األسهم هبوطا حادا وانتقلت إليها أعراض
ضائقة السيولة (أزمة االئتمان) وخاصة تلك البلدان التي فتحت أسواقها للبنوك الدولية التي
قامت بسحب رؤوس األموال من فروعها في هذه البلدان وعانى العديد منها من صعوبة
الحصول على التمويل الخارجي بسبب عدم قدرتها على االقتراض من البلدان المتقدمة.
عالوة على ذلك ،تعرضت العديد منها إلى خسائر في احتياطات النقد األجنبي بسبب هبوط
سعر صرف الدوالر .فانعكس كل ذلك سلبا على النشاط االقتصادي ،فقد انخفضت معدالت
النمو بها وتراجعت صادراتها بسبب الروابط التجارية الوثيقة بينها وبين الواليات المتحدة
وأوروبا .وكانت محصلة ذلك هبوط حاد في االقتصاد العالمي ،وانهيار في التجارة العالمية،
تراجع حاد في االستثمار واإلنتاج الصناعي العالمي وارتفاع مستويات البطالة العالمية،
ودخول االقتصاد العالمي خالل الفترة ( )8001-8002في أعمق ركود منذ الكساد الكبير
.0181
لقد تحركت معظم حكومات البلدان المتقدمة والصاعدة بسرعة لتحفيز الطلب الكلي،
ودفع النمو والتوظيف .فقامت بنوكها المركزية بخفض أسعار الفائدة ،وعندما وصلت هذه
األسعار إلى مستويات تقارب الصفر ،ولم يعد باإلمكان تخفيضها إلى مادون ذلك ،لجأت هذه
البنوك إلى سياسة نقدية غير تقليدية عرفت باسم التيسير الكمي تقوم من خاللها البنوك
المركزية بشراء األوراق المالية المضمونة برهون عقارية وغيرها كسندات الحكومية طويلة
األجل لضخ السيولة في القطاع المالي وخفض أسعار الفائدة طويلة األجل .كما تبنت
حكومات هذه البلدان خطط إنعاش تقوم على تقديم دفعات تنشيطية مستمدة من األموال العامة
إلنقاذ البنوك والمؤسسات المالية من الفشل ،وذلك لحفظ تدفق االئتمان لألسر والشركات .ولم
تكتف حكومات هذه البلدان بإنقاذ مؤسسات القطاع المالي ،بل قامت بتقديم الدعم للعديد من
القطاعات مثل قطاع البناء والسكن ،وقطاع صناعة السيارات (كما في الو.م.أ ،ألمانيا،
فرنسا ،اسبانيا.)..كما عملت على تقدي م مساعدات مالية حكومية للشركات لتشجيعها على
230
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
اإلبقاء على الوظائف ،ومن ثم الحد من تصاعد مشكلة البطالة ،و بتقديم منح وإعانات مالية
للعاطلين عن العمل .إلى جانب قيام العديد من هذه الحكومات بتخفيض معدالت الضرائب،
واالستثمار في البنية التحتية ،ولجأت بعض البلدان (كاليابان) لدعم االستهالك بصورة
مباشرة عن طريق تخصيص مبلغ مالي لألسر وزعته عليها على شكل قسائم كل هذا من
أجل دعم الطلب االستهالكي وتحفيز النمو ومن ثم منع االقتصادات من التدهور والحفاظ
على فرص العمل.
لقد كشفت األزمة المالية العالمية 8002عن إخفاقات كبيرة وعيوب جوهرية في النظام
االقتصادي العالمي الرأسمالي الذي تقوده الواليات المتحدة األمريكية ،وأثبتت من جديد بأن
األزمات المالية التي شهدها العالم ،سببها الرئيسي األسس والقواعد التي يرتكز عليها النظام
الرأسمالي .ومن أهم اإلخفاقات التي كشفت عنها األزمة:
-قصور في التنظيم والرقابة على النظام المالي محليا ودوليا ،فذلك التوسع والتطور
الكبير الذي شهدته األسواق واالبتكارات المالية ،واألنظمة المالية بشكل عام لم
يصاحبه تطور مماثل في المجال التنظيمي والرقابي .وذلك يرجع إلى المعتقدات
االقتصادية التي يقوم عليها النظام الرأسمالي وسادت طوال ربع القرن السابق
لألزمة .والتي مفادها أن الرقابة تعيق االبتكار وال تمكن األسواق من العمل بكفاءة،
لهذا البد من الحد من الرقابة لضمان نجاح وكفاءة األسواق وتحقيق النمو المرتفع.
بيد أن األزمة المالية العالمية كشفت عن خطأ هذا االعتقاد ،وبأن التنظيم والرقابة
أمر ضروري لضمان تحقيق االستقرار المالي.
-كشفت األزمة عن عدم كفاءة السياسة النقدية القائمة على أسعار الفائدة ،التي تعتبر
من اآلليات الرئيسية التي يقوم عليها النظام الرأسمالي .وأثبتت أن لها دور رئيسي
في ظهور فقاعات ضخمة في أسعار األصول السيما أسعار العقارات في
االقتصادات الرأسمالية.
-ومن أبرز اإلخفاقات أيضا ،الفشل في التنبؤ باألزمة ،حيث لم تتمكن المؤشرات
والنماذج التي استخدمت قبل األزمة بالتنبؤ باألزمة ،وعجزت عن تقديم حل سريع
للتصدي لها ومنع انتشارها.
-بينت األزمة أن هناك اعتماد كبير وبشكل متزايد ومفرط على االقتراض (على
مستوى األسر المؤسسات ،والحكومات) حتى أصبح االقتصاد في ظل النظام
الرأسمالي قائم فعليا على أهرام من الديون زاد من تفاقمها المشتقات المالية
بأنواعها.
-كشفت األزمة أن المشتقات المالية التي ابتكرت من أجل التغطية والحماية ضد
المخاطر ،أصبحت أداة من أدوات المضاربة في سوق المشتقات بهدف االستفادة من
ارتفاع األسعار ،وأدت إلى نقل المخاطر وتركيزها في النظام المالي العالمي بأكمله
مما ساعد على جلب األزمة المالية العالمية.
-كشفت األزمة عن الفساد الكبير المتفشي في النظام الرأسمالي ،وعن دوره الكبير في
تشكيل الفقاعة وصناعة األزمة .فهذا النظام الذي يسعى الجميع في ظله إلى تحقيق
المصلحة الخاصة وتعظيم األرباح إلى أقصى حد ممكن ،دفع العديد منهم إلى
االنحراف في السلوك وإلى ممارسات غير أخالقية لتحقيق ذلك الهدف ،فالتفوا على
231
الفصل الثالث :األزمة المالية واالقتصادية العالمية (8002دراسة تحليلية)
األنظمة والقوانين وتالعبوا في الدفاتر وابتكروا حيال محاسبية عديدة إلبعاد الحقائق
وإخفاء المخاطر ،وكانت النتيجة إفراط كبير في الرفع المالي وتراكم هائل في
المخاطر في األنظمة المصرفية والمالية في االقتصادات الرأسمالية.
-أثبتت األزمة أن األسواق الحرة وغير المقيدة ال تتسم بالكفاءة ،وال يمكنها أن
تصحح نفسها بنفسها .وبأن الحكومات وحدها قادرة على إعادة االستقرار ،وإيقاف
حالة الهبوط في الطلب واألسعار وكذا االئتمان .وبهذا أحيت األزمة الفكر الكينزي
من جديد وأكدت على فعاليته خاصة في وقت األزمات.
إن أهم ما ميز األزمة المالية واالقتصادية العالمية 8002عن باقي األزمات ،وبالتحديد
أزمة الكساد الكبير ،0181ذلك التنسيق والتعاون على المستوى الدولي ،لمواجهة األزمة
المالية وإنهاء حالة الركود االقتصادي العالمي .عالوة على ذلك تلك اإلصالحات التي تم
إقرارها واإلجراءات التي تم اتخذاها من قبل مجموعة العشرين إلصالح النظام المالي
واالقتصادي العالمي تعتبر األعمق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ( مؤتمر بريتون وودز).
ولكن على الرغم من أهمية هذه اإلصالحات وخاصة تلك المتعلقة بتشديد القواعد التنظيمية
واإلشرافية ،والرقابة الفعالة على األنظمة المالية ،وما يمكن أن تحققه من استقرار للنظام
المالي العالمي (في حال تطبيقها وااللتزام بها من قبل الجميع) ،إال أنه ومما الشك فيه أن
النظام الرأسمالي بمؤسساته المالية واالقتصادية ،الوطنية والدولية وبحكومات دوله (الدول
ي على هذه القواعد ،وسيعمل على تكسير كل القيود واألنظمة ،كما حصل الرأسمالية) لن يُ ْب ِّق َ
في أواخر السبعينيات من القرن العشرين عندما تم إلغاء كل القواعد واإلجراءات اإلصالحية
التي أقرتها خطة العهد الجديد .ألن هذه هي طبيعة النظام الرأسمالي (الطبيعة التحررية).
فالنزعة الفردية والمصلحة الشخصية التي يرتكز عليها هذا النظام ستقود الرأسماليين -
بمجرد زوال أثار األزمة وبداية التوسع مرة أخرى -إلى كسر كل القواعد والضوابط من
أجل تحقيق أقصى ربح ممكن.
إن بقاء النظام الرأسمالي إلى يومنا هذا ،ليس ألنه يعمل من تلقاء نفسه (التوازن
التلقائي) ،أو أنه يتميز بالمرونة والقدرة على التكيف مع جميع الظروف .ولكن ألنه طوال
العقود الماضية كانت الحكومات هي من تنقذه هذا من ناحية .ومن ناحية أخرى ،عدم وجود
بديل قائم ،أي عدم وجود نظام اقتصادي ناجح أكثر كفاءة وعدالة وأقل أنانية وجشع ،ينافس
النظام الرأسمالي ويجعله يواجه نفس مصير النظام االشتراكي –الزوال.-
232
الفصل الرابع:
صندوق النقد الدولي
وإدارة األزمات المالية
واالقتصادية
العالمية
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
الفصل الرابع
صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية
العالمية
خالل الكساد الكبير ( ،)0100-0181ع ّمت الفوضى واالضطرابات في العالقات
االقتصادية الدولية حيث لجأت العديد من البلدان إلى فرض القيود وإقامة الحواجز على
التجارة الخارجية ،كما اتجه الكثير منها إلى سياسة تخفيض قيمة العملة ،بهدف إنعاش
تجارتها الخارجية والنهوض باقتصاداتها والخروج من األزمة .إال أن هذه الممارسات
تسببت في تراجع معدل نمو التجارة الدولية ،وأثرت على حركة رؤوس األموال الدولية مما
انعكس سلبا على معدالت النمو والتوظيف ،ومستويات المعيشة في العديد من هذه البلدان.
وما زاد من حدة هذه الخسائر واالضطرابات نشوب الحرب العالمية الثانية التي أحدثت
دمارا اقتصاديا في العديد من بلدان العالم.
ولتجاوز هذا الدمار ،وتجنب الوقوع في فوضى اقتصادية شبيهة بفوضى ثالثينيات
القرن العشرين ،كان ال بد من إيجاد مؤسسة نقدية دولية تقوم على مبدأ التعاون العالمي،
وتحول دون تكرار أخطاء الماضي ،وذلك بإشرافها على نظام نقدي دولي جديد من خالل
تشجيع البلدان على القضاء على القيود المفروضة على أسعار الصرف وتحقيق استقرارها،
وبهذه الطريقة تضمن تيسير تبادل السلع والخدمات ورؤوس األموال بين البلدان ومن ثم
تحقيق نمو اقتصادي قوي يسهم في زيادة فرص العمل ،ورفع المستوى المعيشي ،ويضمن
الرخاء لجميع البلدان .وقد كان هذا هو الهدف المعلن لمؤتمر بريتون وودز 0199الذي أقر
تأسيس هذه المؤسسة ،وأطلق عليها تسمية صندوق النقد الدولي.
يحاول هذا الفصل التعرف على صندوق النقد الدولي وتطور أدواره منذ 0190إلى
يومنا هذا ،فيبد أ بالتعريف به من خالل استعرض ظروف نشأته ،واألهداف التي وجد من
أجلها ،وكذا الكيفية التي تتخذ بها القرارات ويدار بها الصندوق ،مع التركيز على المهام
األساسية التي يقوم بها .ثم ينتقل في المبحث الثاني إلى مناقشة الطرق واألساليب التي أدار
بها صندوق النقد الدولي أشهر األزمات المالية واالقتصادية التي شهدها العالم منذ نشأة
الصندوق ،مركزا على األدوار الجديدة التي يقوم بها في ظل كل أزمة .أما المبحث الثالث
من هذا الفصل فيهتم بإدراة صندوق النقد الدولي لألزمة المالية واالقتصادية العالمية ،8002
حيث يبحث عن األسباب الكامنة وراء هذه األزمة من وجهة نظر الصندوق ،وسياساته
الجديدة ومشورته للبلدان األعضاء لعالج هذه األزمة والخروج منها ،مع التركيز على
انعكاسات هذه األزمة على أدواره الرئيسية.كما يناقش مدى فعالية اإلصالحات التي قام بها
الصندوق في ظل هذه األزمة في جعله مؤسسة دولية قادرة على تولي قيادة النظام المالي
والنقدي العالمي بأكثر كفاءة وجعله أكثر استقرارا.
فيتناول المرجعية الفكرية للصندوق .في حين يتطرق المطلب الثالث إلى كيفية تنظيم وإدارة
صندوق النقد الدولي .أما الرابع فيعرض مصادر حصوله على الموارد .بينما يتخصص
الخامس في تحديد المهام الرئيسة التي يقوم بها صندوق النقد الدولي.
المطلب األول :نشأة صندوق النقد الدولي وأهدافه.
أوال :نشأة صندوق النقد الدولي ،قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية ،اجتمع ممثلو 99بلدا
بقيادة الواليات المتحدة األمريكية ،إلرساء دعائم وأسس نظام اقتصادي عالمي جديد ،وذلك
في عام 0199بضاحية بريتون وودز بالواليات المتحدة .وقد تم مناقشة مشروعان إلنشاء
مؤسسة نقدية دولية ،األول من االقتصادي االنجليزي ) ،(Keynesوالثاني قدمه المساعد
األول للكاتب األمريكي للخزانة ) .*(Harry Dexter Hwiteلقد جاء مشروع هذا األخير
معبرا عن المواقف األمريكية المتعلقة بتحرير المبادالت ،وبعث التجارة العالمية ،وتفكيك
اإلجراءات الحمائية،كما ركز على التعاون الدولي في ميدان النقد بإنشاء صندوق يعمل على
منع العودة إلى العمل بسياسات النقد غير المؤسسة على التعاون 1.ومن األفكار الرئيسية
لمشروع ) (Hwiteتثبيت سعر صرف العمالت الوطنية للبلدان األعضاء في الصندوق،
وتحديدها بوزن ثابت من الذهب أو من الدوالرات األمريكية وال يمكن تغيير سعر صرف
أي عملة وطنية إال بموافقة أغلبية أعضاء الصندوق ،كما تلتزم البلدان األعضاء بإلغاء كافة
قيود الرقابة على الصرف إال فيما يتعلق بحركات رؤوس األموال 2.أما مشروع )،(Keynes
فقد اقترح إنشاء مؤسسة نقدية دولية تسمى اتحاد المقاصة الدولية ،تكون مهمتها مثل البنك
المركزي داخل الدولة وما يقوم به من عمليات المقاصة وتسهيل خلق االئتمان ومحاولة
التقليل من اآلثار االنكماشية الناتجة عن الطلب العالمي على أن تكون لهذا االتحاد صفة فوق
الوطنية ،حيث تعلو سلطته سلطة البلدان األعضاء ،كما اقترح خلق عملة دولية جديدة هي
البانكور ،تتحدد قيمتها بوزن معين من الذهب قابلة للتعديل في أي وقت تبعا للحاجة ،ويكون
حساب كل بلد في اتحاد المقاصة بهذه العملة ،كما يجب على كل بلد أن يحدد سعر صرف
3
عملته بالبانكور ،وال يجوز تغيير هذا السعر إال بموافقة االتحاد.
وبعد كثير من المفاوضات في ظل الظروف الصعبة التي صاحبت فترة الحرب
العالمية الثانية ،وافق المجتمع الدولي على مشروع ) ،(Hwiteوذلك نظرا لمكانة الواليات
المتحدة األقوى اقت صاديا مقارنة ببريطانيا التي كانت آنذاك في موقع أقل قوة من الواليات
المتحدة ،وانتهى المؤتمر بالموافقة على إنشاء مؤسسة نقدية دولية ،أصبحت تدعى صندوق
النقد الدولي مهمتها تتمثل في تحديد التزامات البلدان األعضاء في ميدان أسعار الصرف
والمبادالت المتمحورة حول الذهب والقضاء التدريجي على العوائق التي قد تعترض عمليات
الصرف ،وكذا العمل على تحقيق ثبات أسعار الصرف وتجنب المنافسة التخفيضية لها.
وهكذا لم يصبح صندوق النقد الدولي نوعا من البنك المركزي العالمي ،وإنما مجرد أداة
للتشاور والتنسيق والتعاون بين البلدان في الميدان النقدي فحسب4.وفي 89ديسمبر ،0190
صادق 81بلدا على اتفاقية تأسيسه بنحو نهائي ،وفي مارس 0196عقد أول اجتماع لممثلي
09بلد عضو في والية جورجيا األمريكية ،حيث تم تحديد مكان إقامة صندوق النقد الدولي
*
خبير اقتصادي أمريكي ومن كبار المسؤولين في وزارة الخزانة األمريكية.
ً :)0192-0218(Harry Dexter Hwite .
1
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص.0.
.2كريمة محمد الزكي ،آثار سياسة صندوق النقد الدولي على توزيع الدخل القومي ،منشأة توزيع المعرف ،اإلسكندرية ،8009 ،ص.80.
3
.المرجع نفسه ،ص.01.
4
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص ص.00-1.
239
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
وهي عاصمة الواليات المتحدة واشنطن ،وباشر الصندوق أعماله في األول من مارس
1
.0199
ثانيا :أهداف صندوق النقد الدولي ،تنص المادة األولى من اتفاقية تأسيس صندوق النقد
الدولي على األهداف التي يجب أن يسترشد بها صندوق النقد الدولي في كافة سياساته
2
وقراراته .ويمكن تحديدها في النقاط التالية:
-0تشجيع التعاون النقدي الدولي عن طريق هيئة دائمة تهيئ سبل التشاور والتعاون بشأن
المشكالت النقدية الدولية؛
-8تيسير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية ،مما يسهم في زيادة فرص العمل ورفع
مستوى الدخل الحقيقي بصفة مستمرة ،وتنمية الموارد اإلنتاجية لجميع البلدان األعضاء
باعتبارها أهداف أساسية للسياسة االقتصادية؛
-0العمل على تحقيق استقرار أسعار الصرف ،والحفاظ على ترتيبات منظمة للصرف بين
عمالت البلدان األعضاء ،وتجنب التنافس في تخفيض قيم العمالت؛
-9المساعدة على إقامة نظام مدفوعات متعددة األطراف بالنسبة للمعامالت الجارية بين
البلدان األعضاء وإلغاء قيود الصرف األجنبي التي تعيق نمو التجارة العالمية؛
-0توفير الثقة بين البلدان األعضاء عن طريق إتاحة موارد الصندوق العامة لها بصفة مؤقتة
وبضمانات كافية ومن ثم إعطاؤها الفرصة لتصحيح االختالالت التي تصيب موازين
مدفوعات ها دون اللجوء إلى تدابير من شأنها اإلضرار بالرخاء على المستوى الوطني أو
الدولي؛
-6تقصير أمد االختالل في موازين المدفوعات الدولية للبلدان األعضاء وتخفيف حدته وفقا
لما ورد آنفا؛
إن هذه األهداف المعلنة ،هي أهداف مشروعة واقعية قابلة للتطبيق عالميا ،بإمكانها أن تحقق
االستقرار االقتصادي العالمي ،وتفادي االضطرابات واألزمات المالية واالقتصادية ،ومن ثم
ضمان نمو اقتصادي قوي قابل لالستمرار يكفل تمتع جميع شعوب البلدان األعضاء بحياة
مزدهرة .ولكن لتحقيق ذلك البد أن تتحمل جميع البلدان األعضاء المتقدمة والنامية على حد
سوا ء المسؤولية على الصعيد الوطني والعالمي ،وأن تتحلى بروح التضامن والتعاون
العالمي ،وتلتزم بمشورة صندوق النقد الدولي الذي يجب أن يعمل لصالح الجميع على أساس
العدل والمساواة.
المطلب الثاني :المرجعية الفكرية لصندوق النقد الدولي.
يعود األساس الفكري لتوصيات وقرارات صندوق النقد الدولي إلى مزيج من األفكار
والسياسات االقتصادية لمجموعة من المدارس الفكرية .فإحدى األفكار األساسية في برامج
صندوق النقد الدولي أن تحقيق معدالت نمو مرتفعة مرتبط بمدى تحرير التجارة الخارجية
الكفيلة بتحقيق الرواج االقتصادي ،لكن وجود اقتصادات متخلفة يعيق هذا النمو والرواج.
وحسب المذهب الحر الذي تعود جذوره إلى ) ،(Adam Smithتحقيق الرواج االقتصادي
3
يعتمد على إتباع أربع قواعد أساسية هي:
1
.أرنست فولف ،مرجع سابق ،ص.82.
2
".المادة األولى من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي" ،صندوق النقد الدولي ،8000 ،ص .8.من الموقع, Last visited www.imf.org:
25/09/2016
3
.شكري بن عزوز" ،اإلطار التحليلي لبرامج التصحيح الهيكلي" 6 ،N° 8583 ،MAPRA Paper،ماي ،8002ص .8.من الموقع:
240
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
من المجلس التنفيذي ،ويساعده في عمله نائب أول وثالث نواب آخرين 1.وتنص اتفاقية
تأسيس صندوق النقد الدولي على أن اختيار الموظفين يكون على أساس أوسع تمثيل جغرافي
ممكن مع مراعاة ضر ورة توفير أعلى مستويات الكفاءة والجدارة الفنية ،وعلى أن يعمل
2
المدير العام والموظفون بوالء تام للصندوق وليس ألي سلطة أخرى.
رابعا :اللجان الوزارية ،إلى جانب المجالس السابقة يتألف الهيكل التنظيمي من أجهزة
استشارية مهمتها تقديم المشورة ،وهي:
-0اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية :أنشأت عام 0199تحت اسم اللجنة االنتقالية
حول النظام النقدي الدولي ،ومنذ 0111أصبحت تسمى باللجنة النقدية والمالية الدولية ،وهي
لجنة تقدم المشورة لمجلس محافظي صندوق النقد الدولي ،وترفع تقاريرها إليه فيما يتعلق
بالرق ابة على النظام النقدي والمالي الدولي وكيفية إدارته ،بما في ذلك اإلجراءات الالزمة
لمواجهة ما يطرأ من أحداث قد ت ُ ْحدِّث اضطرابات في النظام .كذلك تنظر اللجنة في
مقترحات المجلس التنفيذي بشأن تعديل اتفاقية تأسيس الصندوق ،وتقدم المشورة حول أي
قضايا أخرى قد تحال إ ليها من مجلس المحافظين .وتعكس اللجنة حجم المجلس التنفيذي
وتشكيله ،فهي تضم 89عضوا من محافظي البنوك المركزية أو الوزراء أو غيرهم من
أصحاب المرتبة المماثلة ،ويتم تعيين عضو اللجنة من قبل كل بلد عضو( الو.م.أ ،اليابان،
ألماني ،فرنسا ،بريطانيا ،الصين ،روسيا ،المملكة العربية السعودية) ،وكل مجموعة من
البلدان األعضاء(الدوائر االنتخابية) تنتخب مديرا يمثلها .وعادة ما تجتمع اللجنة مرتين
سنويان وفي نهاية االجتماع تصدر بيانا يلخص آراءها التي يتم االسترشاد بها في برنامج
3
عمل الصندوق ،فهي ال تمتلك صالحيات رسمية تخول لها اتخاذ القرارات.
-8لجنة التنمية :هي لجنة وزارية مشتركة لمجلس محافظي صندوق النقد الدولي والبنك
الدولي ،تم إنشاؤها في أكتوبر من عام 0199لتقديم المشورة إلى أعضاء المجلسين بشان
قضايا التنمية الحيوية والموارد المالية المطلوبة لدعم التنمية االقتصادية في البلدان النامية.
وتتألف من 80عضوا (وزراء مالية أو وزراء تنمية) يمثلون معا جميع أعضاء الصندوق
4
والبنك الدوليين.
المطلب الرابع :موارد صندوق النقد الدولي المالية
تتعدد موارد صندوق النقد الدولي ،منها مدفوعات البلدان األعضاء لسداد حصص العضوية،
االقتراض من بعض البلدان ،أرباح مبيعات الذهب ،إلى جانب موارد أخرى كالفوائد
والرسوم التي تدفعها البلدان األعضاء مقابل حصولها على خدمات مالية.
أوال :حصص العضوية .تمثل اشتراكات الحصص مكونا أساسيا في موارد صندوق النقد
الدولي المالية ،حيث يخصص لكل بلد عضو حصة محددة على أساس مركزه النسبي في
االقتصاد العالمي ،وتحدد هذه الحصة الحد األقصى لحجم الموارد المالية التي يلتزم بتقديمها
للصندوق ،وقوته التصويتية ،وكذا حجم التمويل الذي يمكن أن يحصل عليه من الصندوق.
وحسب الوضع في أفريل 8009بلغ إجمالي الحصص 990مليار وحدة حقوق سحب خاصة
1
.المرجع نفسه ،ص.02.
2
".المادة 12من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي" ،صندوق النقد الدولي ،8000 ،ص،09.من الموقع, Last visited www.imf.org
25/10/2016 25
3
.صندوق النقد الدولي" ،مرشد إلى اللجان والمجموعات والنوادي" ،صحيفة وقائع 00 ،أفريل ،8006ص ص .8-0.من الموقع:
http://www.imf.org/ar/About/Factsheets/A-Guide-to-Committees-Groups-and-Clubs.pdf, last visited 31/10/2016
4
.المرجع نفسه ،ص ص.0-8.
243
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
وعند انضمام أي بلد إل ى عضوية صندوق النقد الدولي ،يجب عليه أن يسدد االشتراك
المحدد له بالكامل حيث يسدد مبلغ يصل إلى 80بالمائة من حصته بحقوق السحب الخاصة،
1
أو إحدى العمالت المقبولة على نطاق واسع ،وبقية المبلغ بالعملة الوطنية.
وتعتبر حصص العضوية عامال أساسا في تحديد القوة التصويتية للبلد العضو في
قرارات صندوق النقد الدولي ،فكل عضو يحصل على حصة متساوية من األصوات ،مما
يطلق عليه "أصوات أساسية" ،وأصوات إضافية على أساس الحصص ،بحيث يحصل على
صوت واحد لكل جزء من الحصص يعادل 000ألف وحدة حقوق سحب خاصة .إلى جانب
أنها تحدد حجم التمويل الذي يمكن للبلد العضو الحصول عليه من الصندوق (أي حدود
استفادته من الموارد .فعلى سبيل المثال في ظل أنواع معينة من القروض التي يمنحها
الصندوق يستطيع أي عضو أن يقترض بحد أقصى 090بالمائة من قيمة حصته على أساس
2
سنوي ،و 900بالمائة على أساس تراكمي في حالة االستفادة العادية.
ثانيا :الذهب ،تصل حيازات صندوق النقد الدولي من الذهب إلى حوالي 10,0مليون أوقية،
مما يجعله من أكبر الحائزين الرسميين للذهب في العالم .غير أن اتفاقية تأسيس الصندوق
تضع حدودا صارمة الستخدام هذا الذهب حيث يحضر عليه شراؤه أو إجراء أي معامالت
أخرى فيه ،ولكن يجوز له بيع الذهب أو قبوله من البلدان األعضاء كوسيلة للدفع بشرط
3
موافقة أغلبية 20بالمائة من مجموع أصوات البلدان األعضاء.
ثالثا :االقتراض ،يستطيع صندوق النقد الدولي االقتراض إذا رأى أن موارده المستمدة من
حصص العضوية قد ال تكفي لسد احتياجات أعضائه .ولدى الصندوق مجموعتان من
اتفاقيات االقتراض ،هي:
-0اتفاقيات االقتراض الدائمة على أساس متعدد األطراف :لدى صندوق النقد الدولي نوعان
هما:
0-0االتفاقات العامة لالقتراض ) :(GABوهي اتفاق اقتراض يمكن أن يلجأ إليه الصندوق
إذا تبين أن موارده أقل من احتياجات البلدان األعضاء .وقد أ ُ ْنشئ عام ،0168حين اتفق
الصندوق مع حكومات 00بلدا عضوا متقدما (أو بنوكها المركزية) على إتاحة موارد
للصندوق ،وصل حجمها إلى نحو ستة مليارات وحدة حقوق سحب خاصة ،ثم توسعت عام
0120ليصل حجمها إلى 09مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة ،مع إضافة مبلغ قدره
0,0مليار وحدة حقوق سحب خاصة تعهدت المملكة العربية السعودية على إقراضه
للصندوق .وقد تم تجديد هذه االتفاقات وترتيبات االئتمان المرتبطة بها مع المملكة العربية
السعودية ،دون تعديالت ،لمدة خمس سنوات اعتبارا من 86ديسمبر 4.8000و يوضح
الجدول التالي البلدان األعضاء المشاركون في هذه االتفاقات والمبالغ المالية الملتزمون بها
منذ 0168وحتى عام .8002
.1صندوق النقد الدولي"،حصص عضوية الصندوق ،" IMF Quotasصحيفة وقائع 00 ،سبتمبر ،8006ص ،8.من الموقع:
http://www.imf.org/About/Factsheets/Sheets/2016/07/14/12/21/IMF-Quotas?pdf, last visited 10/11/2016.
.2صندوق النقد الدولي"،حصص عضوية الصندوق ،" IMF Quotasمرجع سابق ،ص.8.
3
.صندوق النقد الدولي" ،من أين تأتي أموال الصندوق؟" ،صحيفة وقائع 00 ،سبتمبر ،8006ص ،8.من الموقع:
http://www.imf.org/About/Factsheets/Where-the-IMF-Gets-Its-Money?pdf, last visited 10/11/2016.
4
.International Monetary Fund," IMF Standing Borrowing Arrangements", Factsheets,October 00,2017, http://
www.imf.org/en/About/Factsheets/Sheets/2016/08/05/17/55/IMF-Standing-Borrowing-Arrangements, last
visited 15/02/2018.
245
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
1
.International Monetary Fund, "IMF Standing Borrowing Arrangements", Op. cit.
246
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-8االتفاقات الثنائية :يمكن لصندوق النقد الدولي أن يزيد من موارده من خالل اتفاقات
االقتراض الثنائية لتكون هذه الموارد خط دفاع ثان بعد موارد حصص العضوية واتفاقات
االقتراض الدائمة .ومن هذه االتفاقات تلك التي اقترض الصندوق بموجبها 0,2مليار وحدة
حقوق سحب خاصة من 06بلدا بمعدل فائدة 9بالمائة لمدة سنتين ،0190-0199وذلك
بهدف مساعدة البلدان التي سجلت موازين مدفوعاتها عجزا جراء ارتفاع أسعار النفط .وكذا
سنة 0191عندما اقترض من مجموعة من البلدان حوالي 9,2مليار وحدة من حقوق
السحب الخاصة ،وسنة 0120عندما اقترض من ستة بنوك مركزية وكذا من بنك التسويات
الدولية 0,0مليار وحدة 1.كما استعان بهذا الخط عقب األزمة المالية واالقتصادية العالمية
2
،8002حيث وقع عددا من اتفاقات االقتراض الثنائية خالل الفترة (.)8000-8001
رابعا :موارد أخرى .يحقق صندوق النقد الدولي دخال من رسوم الفائدة واألتعاب المفروضة
على التمويل المقدم منه ،ويستخدم هذا الدخل في مواجهة تكاليف تدبير الموارد ،ودفع
المصروفات اإلدارية ،وبناء أرصدة تحوطية 3.ومن بين هذه الموارد :سعر الرسم األساسي
الذي يتألف من سعر الفائدة على حقوق السحب الخاصة مضافا إليها 000نقطة أساس
(0بالمائة) .باإلضافة إلى ذلك يتم تحصيل رسم خدمة 00نقطة أساس (0,0بالمائة) على كل
عملية سحب من موارد الصندوق .كما يطبق الصندوق رسم االلتزام قابل للرد ،عندما
يتحصل العضو على موارد من الصندوق على أساس وقائي ،يتم رده إذا تم استخدام هذه
الموارد خالل الفترة المحددة ،ويبلغ هذا الرسم 00نقطة أساس و 00نقطة أســـاس ،و60
نقـــطة أســـــــاس على المبالـــــغ المتاحــــة للســـــحب بين 000بالمائة ،تزيد عن 000
بالمائة وحتى 090بالمائة ،تتجاوز 090بالمائة على الترتيب .باإلضافة إلى ذلك يفرض
الصندوق رسوما خاصة على التأخر في سداد مدفوعات المبلغ األصلي ،وعلى الرسوم التي
تجاوزت آجال استحقاقها ستة أشهر 4.وفي عام 8000قام الصندوق باستحداث نظام الرسوم
اإلضافية ،تم تجديده في أوت ، 8001ثم في فيفري .8006ويقدر الرسم اإلضافي
بـــــــ 800نقطة أساس فوق معدل الرسم األساسي بالنسبة للمبالغ التي تتجاوز
029,0بالمائة من حصة العضوية ،و 000نقطة أساس إضافية عندما تظل نسبة االئتمان
5
القائم أكثر من 029,0بالمائة من حصة العضوية لمدة تتجاوز 06شهرا.
ومن أجل توليد موارد دخل طويلة األجل تكون مستمرة ومتنوعة ،أصدر المجس التنفيذي في
أفريل 8006قرارا بإنشاء حساب االستثمار -تسمح اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي
بإنشاء حساب لالستثمار من أجل توليد دخل لمعاونة الصندوق على مواجهة تكاليف تشغيله-
وقد تم تمويل هذا الحساب عن طريق تحويل عمالت تساوي 0,1مليار وحدة من حقوق
السحب الخاصة من حساب الموارد العامة .ومن أجل أن يكون العائد على حساب االستثمار
أعلى من العائد المتمثل في سعر الفائدة على حقوق السحب الخاصة ،لجأ الصندوق إلى
االستثمار في السندات الحكومية األطول أجال المستوفية للشروط وغيرها من األوراق
6
الحكومية ذات الدخل الثابت.
1
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص ص.68-60
2
.صندوق النقد الدولي" ،من أين تأتي أموال الصندوق؟" ،مرجع سابق ،ص.0.
3
.صندوق النقد الدولي،التقرير السنوي":إنجاح االقتصاد العالمي لصالح الجميع" ،8009 ،ص.60.
4
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8006مرجع سايق ،ص.21.
5
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص.00.
6
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص.66.
247
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
" -أفاق االقتصاد العالمي" ،وهو تقرير يتضمن تحليال مفصال لحالة االقتصاد العالمي وآفاق
نموه ،كما يعالج فيه القضايا المستجدة والملحة؛
" -تقرير االستقرار المالي العالمي" ،يقدم تقييما لمستجدات األسواق المالية العالمية ،ويحاول
تسليط الضوء على االختالالت المالية ونقاط الضعف التي يمكن أن تشكل خطرا على
االستقرار المالي العالمي؛
" -تقرير الراصد المالي" ،يتم فيه تقييم التطورات في المالية العامة؛
" -تقارير آفاق االقتصاد اإلقليمي" ،يقدم فيها تحليال أكثر تفصيال للتطورات االقتصادية في
المناطق الرئيسية في العالم؛
كما يُ ِّعدُ صندوق النقد الدولي "تقرير القطاع الخارجي" منذ عام ،8008يدرس فيه
القضايا الخارجية ويتضمن تقييما ألسعار الصرف ،الحسابات الجارية ،االحتياطات
والتدفقات الرأسمالية .إلى جانب تقرير التداعيات الذي تم إعداده بالتزامن مع تقرير القطاع
الخارجي ،والذي يحلل فيه التأثير المحتمل عبر الحدود للتطورات االقتصادية والمالية في
1
البلدان األعضاء المؤثرة على النظام العالمي.
و منذ عام 8001أصبح صندوق النقد الدولي يتعاون مع مجموعة العشرين من خالل
عملية التقييم المتبادل التي يحلل الصندوق من خاللها سياسات البلدان األعضاء لتحديد مدى
2
اتساقها مع هدف النمو العالمي المتوازن والقابل لالستمرار.
ويجري الصندوق مراجعات ألنشطته الرقابية على أساس منتظم كل ثالث سنوات -
مراجعة الرقابة المقررة كل ثالث سنوات – بهدف تعزيز دوره الرقابي ،وتقييم مدى فعالية
دوره في مراقبة التطورات االقتصادية وتقديم المشورة لبلدانه األعضاء بشأن السياسات ،و
3
تقييم مدى فعاليته على مستوى االقتصاد العالمي.
ثانيا :اإلقراض ،من مسؤوليات صندوق النقد الدولي األساسية منح القروض للبلدان
األعضاء التي تواجه موازيين مدفوعاتها مشكالت تمويلية فعلية أو محتملة ،و من المفروض
أن تساهم هذه المساعدات المالية في دعم جهود البلدان األعضاء إلعادة بناء احتياطاتها
الدولية ،واستقرار أسعار عمالتها ،واالستمرار في تغطية مدفوعات االستيراد واستعادة
األوضاع المواتية لتحقيق النمو القوي .وتمنح هذه القروض بناءا على طلب البلد العضو.
وبعد أن يتلقى الصندوق الطلب من حكومة هذا البلد ،يشكل فريقا من خبرائه لتقييم الوضع
االقتصادي وحجم االحتياجات المالية الالزمة ،ويتعين على الحكومة أن توافق على برنامج
للسياسات وأن تقوم بإجراءات مسبقة قبل موافقة المجلس التنفيذي على منح القروض
(الشرطية) .ومن هذه اإلجراءات إلغاء القيود السعرية ،تخفيض قيمة العملة الموافقة رسميا
على إعداد موازنة تتسق مع إطار المالية العامة المحدد في البرنامج .وعند تطبيق البلد
المعني لتلك اإلجراءات المسبقة ،ويوافق على البرنامج ،يرفع مذكرة إلى المجلس التنفيذي،
حيث يوصف البرنامج بالتفصيل ضمن خطاب النوايا ،الذي يعرض على المجلس التنفيذي،
وبعد أن يوافق هذا األخير عليه يتم اإلفراج على الموارد المطلوبة على مراحل (أقساط)
4
تتوافق مع التقدم المحرز في خطوات تنفيذ البرنامج.
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8006مرجع سابق ،ص.92.
2
.International Monetary Fund,"IMF Surveillance", Op. cit, p.2.
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8006مرجع سابق ،ص.90.
4
. International Monetary Fund,"IMF Lending", Factsheets, October 13, 2017, p.1, http://www.imf.org/About/
Factsheets/IMF-Lending? pdf. Last visited 17/02/2018.
249
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-0الشرطية :غالبا ما تكون قروض صندوق النقد الدولي مرتبطة بشروط تتعلق بالسياسة
االقتصادية للدولة العضو ،وهو ما يعرف بشرطية صندوق النقد الدولي 1،وتشمل هذه
الشرطية بمعناها الواسع برامج الصندوق( السياسات االقتصادية الكلية) واألدوات المحددة
التي تستخدم في متابعة التقدم في تنفيذ السياسات .ويدعي الصندوق أن الهدف من هذه
الشرطية هو حماية موارد الصندوق (أموال البلدان األعضاء) عن طريق التأكد من أن
ميزان المدفوعات سيكون قويا بدرجة تسمح للبلد العضو المقترض بسداد القرض .كما يرى
أنها تساعده (أي البلد طالب القرض) على حل المشكالت التي تواجه مـيزان مدفوعاته
واستعادة االستقرار االقتصادي الكلي الذي يسمح بتحقيق نمو اقتصادي قوي ودائم 2.وتتركز
3
شرطية الصندوق في المجاالت التالية:
-توازن الميزانية العامة :يتم ذلك من جانبين .األول عن طريق الحد من اإلنفاق العام للبلد
ومعنى ذلك إتباع سياسة التقشف المالي عن طريق تخفيض اإلنفاق ،سواء على االستثمار أو
الخدمات االجتماعية .والجانب الثاني هو زيادة اإليرادات عن طريق تطوير السياسة
الضريبية وذلك بالحد من اإلعفاءات الضريبية ،التوسع في الضرائب غير المباشرة على
االستهالك ،والضرائب المباشرة على الدخول ،باإلضافة إلى رفع أسعار بيع منتجات القطاع
العام ،ومحاولة تحصيل رسوم عن الخدمات التي تؤديها المصالح الحكومية؛
-توازن ميزان المدفوعات :ويتم تحقيق ذلك بتخفيض الواردات والتوسع في الصادرات،
ودائما ما تكون نصيحة الصندوق لتحقيق ذلك هو تخفيض قيمة العملة الوطنية للبلد طالب
القرض؛
-توازن التكاليف واألسعار :ويعني الصندوق بذلك أن تكون منتجات القطاع العام بالذات
مسعرة طبقا لتكلفتها الحقيقية .ومعنى ذلك أن يتخلى القطاع العام عن دعم األسعار؛
-تشديد السياسة النقدية :من خالل رفع أسعار الفائدة للحد من السيولة النقدية ومكافحة
التضخم؛
-تحرير االقتصاد :ويتضمن ذلك :تقليص دور القطاع العام ،وبيع بعض أجزائه إلى القطاع
الخاص ،وتشجيع هذا األخير من خال ل مجموعة من الحوافز والتسهيالت ،وترك أسعار
منتجاته لقوى السوق؛ تخليص االستيراد من القيود وإلغاء الرقابة على الصرف أو تخفيضها
إلى أقل حد ممكن؛ تشجيع االستثمار األجنبي من خالل المزايا واإلعفاءات الضريبية
والجمركية؛
-8أدوات الصندوق اإلقراضية :بوجه عام يقدم صندوق النقد الدولي نوعين من القروض،
قروض بشروط غير ميسرة ،وقروض للبلدان الفقيرة بشروط ميسرة.
0-8أدوات اإلقراض بشروط غير ميسرة :يعرض الجدول التالي األدوات األساسية التي
يستخدمها الصندوق في الوقت الحالي ،لتقديم القروض لبلدانه األعضاء بشروط غير ميسرة.
1
.كريمة محمد الزكي ،مرجع سابق ،ص.08.
.2صندوق النقد الدولي" ،شرطية الصندوق" ،صحيفة وقائع 00 ،سبتمبر ،8006ص ،0.من الموقع:
http://www.imf.org/about/factsheets/sheets/2016/08/02/21/28/imf-conditionality?pdf, last visited 20/11/2016.
3
.حميد الجميلي ،الحكم االقتصادي العالمي والصدمة االرتدادية ،مرجع سابق ،ص ص.099-099.
250
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
حصة العضوية 0.80إلى 0سنوات مضاف إليه الرسوم ميزان مشكالت للدول األعضاء التي السريع
تراكميا%90:من اإلضافية .كما يتم المدفوعات(ربما احتياجات تواجه )(RFI
حصة العضوية. تحصيل رسم خدمة تتضمن إجراءات ملحة في ميزان
األقساط :ربع سنوية ورسم التزام مسبقة) المدفوعات 8000
المصدر:صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي :تشجيع النمو االحتوائي ،8009 ،ص ص00-00.؛ صندوق النقد
الدولي"،الصندوق واتفاقات االستعداد االئتماني" ،صحيفة وقائع 00 ،سبتمبر ،8006ص ص0-0.؛ صندوق النقد
الدولي"،خط االئتمان المرن"،صحيفة وقائع ،ص8.؛ صندوق النقد الدولي "،تسهيل الصندوق الممدد" ،صحيفة وقائع00،
سبتمبر ،8006ص ص0-0.؛ صندوق النقد الدولي"،خط الوقاية والسيولة"،صحيفة وقائع 00 ،مارس ،8006ص .8.من
الموقعhttp://www.imf.org. Last visited 18/02/2018:
8-8أدوات اإلقراض بشروط ميسرة :يوفر صندوق النقد الدولي للدول األعضاء الفقيرة
أدوات إقراض تتيح لها االستفادة من الموارد بشروط ميسرة تكون فيها أسعار الفائدة
منخفضة أو صفرية .والجدول الموالي يوضح األدوات التي يستخدمه الصندوق في الوقت
الحالي.
الجدول رقم ( :)06أدوات الصندوق اإلقراضية بشروط ميسرة
حدود االستفادة التكلفة الشروط الغرض األدوات
نسبته سنوي حد سعر الفائدة :صفر توافق الدول بمقتضى هذا معالجة مشكالت مطولة
حصة %90من فترات السداد من 0.0 التسهيل على تطبيق بميزان تتعلق
العضوية؛ وحد تراكمي إلى 00سنوات مجموعة من السياسات ووجود المدفوعات، التسهيل االئتماني الممدد
نسبته %880من حصة التي تدعم جهودها إلعادة احتياج فعلي لبى التمويل )(ECF
العضوية ،وفي الحاالت االقتصاد الكلي الى وضع
االستثنائية تكون نسبة مستقر وقابل لالستمرار
الحد السنوي %000؛ بما يتوافق مع تحقيق
ونسبة الحد التراكمي النمو والحد من الفقر.
%000من حصة
العضوية
نسبته سنوي حد سعر الفائدة :صفر جهود مبذولة لحل وجود احتياج محتمل أو
حصة %90من 2-9 فترات السداد ميزان مشكالت فعلي على المدى القصير
العضوية؛ وحد تراكمي سنوات تتضمن المدفوعات لمعالجة مشكالت تتعلق االستعداد تسهيل
نسبته %880من حصة رسم إتاحة 0.00على ضرورة اتخاذ إجراءات بميزان المدفوعات االئتماني
العضوية ،وفي الحاالت المبالغ المتاحة غير مسبقة )(SCF
االستثنائية تكون نسبة مسحوبة في إطار االتفاق
الحد السنوي %000؛ الوقائي
ونسبة الحد التراكمي
%000من حصة
العضوية
نسبته سنوي حد سعر الفائدة :صفر على الحصول تلبية احتياجات عاجلة
حصة %90من فترات السداد من 0.0 المالية المساعدات تتعلق بميزان المدفوعات
العضوية؛ وحد تراكمي إلى 00سنوات بسرعة دون الحاجة إلى االئتماني التسهيل
نسبته %880من حصة برنامج كامل أو إجراء السريع
العضوية ،وفي الحاالت مراجعات )(RCF
االستثنائية تكون نسبة
الحد السنوي %000؛
ونسبة الحد التراكمي
%000من حصة
العضوية
252
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
المصدر :صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي :تشجيع النمو االحتوائي ،8009 ،ص ص00-00.؛ صندوق النقد
الدولي"،التسهيل االئتماني الممدد" ،صحيفة وقائع 00 ،سبتمبر ،8006ص ص8-0.؛ صندوق النقد الدولي"،تسهيل
االستعداد االئتماني"،صحيفة وقائع ،ص ص8-0.؛ من الموقعhttp://www.imf.org. Last visited 19/02/2018:
ثالثا :المساعدة الفنية والتدريب (تنمية القدرات) ،تعتبر من العناصر المكملة لوظائف
الصندوق األساسية األخرى في مجال الرقابة واإلقراض .وأنشطة تنمية القدرات التي يقدمها
الصندوق– من وجهة نظره -تعمل على بناء القدرات المؤسسية والبشرية في البلدان
األعضاء بغية مساعدة حكوماتها على تنفيذ سياسات أكثر فعالية تقود إلى استقرار البيئة
االق تصادية وتساعد على تعزيز النمو وزيادة الوظائف .ويتم تقديمها إلى المسؤولين في
البلدان األعضاء -بناءا على طلبها -من خالل المشورة المتخصصة التي تقدم داخل البلد
المعني ،ومن المقر الرئيسي ،ومن خالل المراكز اإلقليمية لتنمية القدرات ،والتدريب
1
المباشر وعبر االنترنت .وتتركز في مجاالت خبراته األساسية التالية:
-سياسة المالية العامة :تقديم المشورة إلى الحكومات فيما يتعلق بإدارة اإليرادات ،بما في
ذلك سياسات الضرائب والجمارك ،وإعداد الموازنة ،وإدارة المالية العامة ،والدين المحلي
والخارجي؛
-السياسات النقدية وسياسات القطاع المالي :تقديم المساعدة في تنفيذ السياسات النقدية،
وأطر أسعار الصرف ،وكذا العمل مع السلطات اإلشرافية والتنظيمية لتعزيز الرقابة على
المؤسسات المالية؛
-األطر القانونية :مساعدة الدول األعضاء على تعزيز أطرها القانونية وتحسين اتساقها مع
المعايير الدولية حتى تتمكن من وضع إصالحات سليمة في مجال المالية العامة ،والمجال
المالي ،ومحاربة الفساد ،ومكافحة غسيل األموال ،وتمويل اإلرهاب؛
-اإلحصاءات :مساعدة الدول األعضاء في إعداد إحصاءاتها االقتصادية الكلية والمالية؛
المبحث الثاني :تطور دور صندوق النقد الدولي في معالجة األزمات المالية
واالقتصادية
يتضح من مهام صندوق النقد الدولي ،أنه منظمة دولية وظيفتها األساسية ضمان تحقيق
االستقرار االقتصادي العالمي ،من خالل تشجيع بلدانه األعضاء على اعتماد سياسات
اقتصادية سليمة تمنع و قوعها في األزمات .كما يمنح لهذه البلدان موارد مالية لمعالجة ما
تتعرض له من مشكالت في ميزان المدفوعات الستعادة االستقرار والنمو .ولكن منذ نشأة
الصندوق عرف العديد من بلدانه األعضاء ،أزمات اقتصادية ومالية عنيفة كان لها األثر
الكبير على االستقرار االقتصادي الع المي .يحاول هذا المبحث إلقاء الضوء على أهم
السياسات وبرامج الصندوق التي أدار بها هذه األزمات ،وانعكاسات هذه األخيرة على تجدد
دوره في إدارة النظام المالي والنقدي العالمي.
بعد أن دخلت اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي حيز التنفيذ في 89ديسمبر ،0190
واجه العالم تحديات ومستجدات جديدة ،دفعت صندوق النقد الدولي إلى تغيير وتطوير
1
سياساته ليجعلها أكثر موائمة مع هذه المستجدات.
ففي ستينيات القرن العشرين ،بدأت الضغوط تواجه نظام بريتون وودز بسبب حاالت
العجز المستمرة في ميزان المدفوعات األمريكي ،وتزايد الدوالرات في خزائن البلدان
والبنوك األجنبية ،مما أدى إلى زعزعة الثقة في قدرة الواليات المتحدة األمريكية على توفير
غطاء من الذهب لهذه الدوالرات .وكان الحل الذي جاء به صندوق النقد الدولي هو خلق أداة
جديدة لالحتياط ات النقدية هي حقوق السحب الخاصة كمحاولة للتغلب على مشاكل السيولة
الدولية 2.وهنا جاء التعديل األول في اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي في 82جويلية
0161بعد أن تم التصديق عليه بــــــ 20بالمائة من مجموع األصوات 3.لتصبح أصال
احتياطيا دوليا مكمال لألصلين االحتياطيين الذهب والدوالر األمريكي ،وحددت قيمتها بما
4
يساوي 0,222690غرام من الذهب.
ولكن لم يكن ذلك كافيا ،حيث تطورت األحداث بسرعة ،وانطالقا من ،0190
وبالتحديد في 00أوت عندما قرر الرئيس األمريكي آنذاك إلغاء تحويل الدوالر إلى ذهب،
انهار نظام بريتون وودز مما أدى إلى فوضى كبيرة في النظام النقدي الدولي 5،واجه أثناءها
صندوق النقد الدولي أزمة وجودية ،وأثيرت التساؤالت حول أهمية مؤسسة كان الغرض
منها إدارة نظام لم يعد موجودا 6،غير أنه تمكن من تجاوز األزمة والتكيف مع األحداث،
حيث تم إنشاء اللجنة االنتقالية حول النظام النقدي الدولي سنة -0199والتي أصبحت تسمى
باللجنة النقدية والمالية الدولية من -0111وبعد عقد العديد من جلسات العمل توصلت اللجنة
في لقائها بجاميكا في جانفي 0196إلى وضع مشروع تعديل نظام عمل صندوق النقد
الدولي -وهو يعتبر التعـــــــديل الثاني التفاقية التأسيس -الذي دخل حيز التنفيذ في األول من
8
أفريل 7.0192وينص هذا التعديل على:
-ترك الحرية للبلدان األعضاء في اختيار نظم الصرف بما فيها حرية التعويم؛
-إلغاء السعر الرسمي للذهب ،على أن يعد مثله مثل أي سلعة يتحدد سعرها بناءا على
العرض والطلب عليها بذلك انتزعت الصفة النقدية منه؛
-يتخلص الصندوق من ذهب يقارب ثلث ما بحوزته ،على أن يقسم مقابل هذا الثلث
مناصفة ،بحيث يعاد نصف العائد بالسعر الرسمي إلى البلدان األعضاء بنسبة حصة كل
منها ،أما النصف الثاني فيوزع جزء منه على البلدان المتخلفة ،والجزء المتبقي يحتفظ به
الصندوق لتقديم المساعدات للبلدان ذات الدخل المنخفض؛
-تتحول وحدات حقوق السحب الخاصة إلى األصول االحتياطية األساسية لنظام النقد
الدولي؛
1
.جو بروكوبيو" ،التصدي لألزمة :التعاون الدولي وصندوق النقد الدولي" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي،
العدد ،00الرقم ،0سبتمبر ،8009ص90.
2
.أتيش ريكس غوش" ،في مركز الصدارة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،0سبتمبر
،8009ص.00.
3
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص.01.
4
.International Monetary Fund" Special Drawing Right (SDR)", op.cit, p.1.
5
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص.80.
6
.أتيش ريكس غوش ،مرجع سابق ،ص.00.
7
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص ص.82-89.
8
.كريمة محمد الزكي ،مرجع سابق ،ص.96.
254
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-وقد أعطى هذا التعديل الحق لصندوق النقد الدولي ليكون مشرفا على هذا النظام
النقدي الدولي لضمان كفاءة عمله ،من خالل رقابة دقيقة عل سياسات أسعر الصرف في
البلدان األعضاء؛
تزامن مع أزمة النظام النقدي الدولي ،صدمات النفط ،حيث ارتفعت أسعار البترول،
مما جعل العديد من البلدان األعضاء في الصندوق تواجه مشكالت في موازين مدفوعاتها.
ومن أجل مساعدة هذه البلدان على تصحيح اختالالت موازين مدفوعاتها ،استحدث صندوق
النقد الدولي أدوات إقراض جديدة ،كان أهمها:
-التسهيالت النفطية (اآللية النفطية) :أنشأ صندوق النقد الدولي هذه اآللية في 00جوان
0199والهدف منها مساعدة البلدان األعضاء التي تواجه مشاكل مترتبة عن ارتفاع أسعار
البترول ،واستمر العمل بها حتى ماي .0196وقد تم تمويل تلك اآللية باألموال النفطية ،فقد
حققت البلدان المصدرة للنفط أرباحا كبيرة ،فسارع إليها صندوق النقد الدولي عارضا
االستثمار في أموالها في شكل سندات يطرحها عليها ،ومن هنا استطاع العمل على إعادة
تدوير األموال النفطية واستخدامها لمساعدة البلدان األعضاء على تصحيح اختالالت موازين
مدفوعاتها دون اللجوء إلى تدابير تؤدي إلى تقويض الرخاء الوطني أو الدولي ،أي أنه كان
متساهال في شروط اإلقراض .وبلغ عدد البلدان المستفيدة من هذه اآللية 00بلدا ،كان من
بينها 90بلدا ناميا بنسبة 09بالمائة من مجمل المبالغ المستعملة وكان ابرز تلك البلدان:
الهند ،باكستان ،كوريا الجنوبية ،الشيلي ،أما الدول المتقدمة فقد كان أبرزها :ايطاليا،
1
بريطانيا.
-حساب المعونة :أنشئ في 0أوت 0190بهدف تقديم المساعدة المالية للبلدان األكثر
تضررا كي تتغلب على األعباء المترتبة عن استعمال اآللية النفطية ،وذلك بتقليص أعباء
ص هذا الحساب لــــ 01بلدا أحصتها ص َالفوائد المستحقة على االستفادة من تلك اآللية ،ولقد ُخ ِّ
2
األمم المتحدة واعتبرتها األكثر تضررا.
-تسهيل الصندوق الممدد :أنشئ هذا التسهيل عام 0199لمساعدة البلدان األعضاء التي
تشهد اختالالت كبيرة في موازين المدفوعات بسبب معوقات هيكلية .ويتم بموجبه تقديم الدعم
المالي لمساعدة هذه البلدان على تنفيذ إصالحات هيكلية متوسطة األجل 3.وقد دخل حيز
التنفيذ عام ،0196وتم إبرام 00اتفاق في إطار هذه اآللية ،بقيمة إجمالية بلغت نحو 8618
مليون وحدة حقوق سحب خاصة ،خالل الفترة ( 4.)0120-0196وال يزال الصندوق يوفر
هذا التسهيل إلى يومنا هذا.
-التسهيل اإلضافي :تم إنشاء آلية تسهيل التمويل اإلضافي عام 0199لمساعدة البلدان
األعضاء التي قد تعاني اختالال كبيرا في موازين مدفوعاتها مقارنة بحصصها ،حيث يحصل
البلد العضو على موارد بنسبة قد تفوق % 820من حصته ،وقد استفاد من هذه اآللية 89
5
بلدا ناميا.
المطلب الثاني :دور الصندوق في معالجة أزمات الثمانينيات
1
.كريمة محمد الزكي ،مرجع سابق ،ص ،90.ص92.؛ عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص ص.20-91.
2
.عبد العزيز قادري،مرجع سابق ،ص.20.
3
.صندوق النقد الدولي" ،تسهيل الصندوق الممدد" ،صحيفة وقائع 00 ،سبتمبر ،8006ص .0.من الموقع:
http://www.imf.org/About/Factsheets/Sheets/2016/Extended-Fund-Facility?pdf, last visited 29/11/2016
4
.International Monetary Fund, Annual Report of the Executive Board for financial year ended, April 30,
1993, p.101.
5
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص.28.
255
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
هيمنت على هذا العقد أزمة الديون الخارجية في البلدان النامية ،فبعد تفجر األزمة في
أوت عام 0128حين أعلنت المكسيك توقفها عن الدفع ،حدث ذعر شديد في الدوائر المالية
العالمية ،ألن معظم ديون المكسيك وغيرها من البلدان النامية كانت راجعة لمئات البنوك
المنتشرة في العالم وخاصة في الواليات المتحدة األمريكية وبلدان أوروبا الغربية .وقد
أدركت األطراف الرسمية في الواليات المتحدة األمريكية وصندوق النقد الدولي بأن التوقف
ع ن السداد يمكن أن يؤدي إلى انهيار تلك البنوك ،مما يعرض النظام المالي العالمي لنتائج
وخيمة .لهذا استدعى مدير عام صندوق النقد الدولي ممثلي 200بنك للمشاركة في اجتماع
طارئ في نيويورك ،وكان جدول أعمال االجتماع يتمحور حول نقطة واحدة هي كيف يمكن
الحيلولة دون إعال ن المكسيك وغيرها من البلدان المدينة إفالسها1.وقد اقترح وزير الخزانة
األمريكية مشروعا الحتواء األزمة وتفادي حدوث انهيار للنظام المالي الدولي2.وتمثل هذا
المشروع في تقديم حزمة من عمليات اإلنقاذ المالي بشكل عاجل لهذه البلدان ،والموافقة على
إعادة جدولة ديونها ،والسعي لدى البنوك األخرى إلعطائها المزيد من االئتمان .وقبل أن
يوافق الدائنون على إعادة جدولة الديون يتعين على البلد المدين أن يوافق على شرطين
3
أساسيين هما:
-أن يتحمل البلد المدين دفع فوائد التأخير على األقساط المؤجل دفعها ،وعادة ما يكون سعر
فائدة التأخير أكبر من سعر الفائدة االسمي على القروض المعاد جدولتها؛
-يتعين على البلد المدين في جميع األحوال ،أن يقوم بعمل اتفاق دعم أو مساندة مع صندوق
النقد الدولي وذلك قبل أن يوافق الدائنون على عملية إعادة الجدولة .وفي هذا االتفاق يتعهد
البلد بتنفيذ جملة من السياسات مقابل إعادة الجدولة ،ويقوم الصندوق بتوفير بعض التسهيالت
الالزمة للبلد المدين .وينظر الدائنون إلى هذا االتفاق على أنه بمثابة شهادة "حسن سير
وسلوك" وأن البلد يستطيع بعد ذلك استعادة قدرته على االقتراض؛
وهكذا انجر صندوق النقد الدولي إلى قضايا مديونية البلدان النامية ،وأصبح يقوم بدور
قيادي في توجيه هذه األزمة وإدارتها طبقا لرؤيته الخاصة في تشخيصها وعالجها.
أوال :تشخيص صندوق النقد الدولي ألزمة المديونية ،تقوم الفكرة األساسية لرؤية صندوق
النقد الدولي عند تشخيصه ألزمة المديونية على أنه إذا كان البلد يواجه عدم توازن خارجي
فإن ذلك ينعكس في زيادة عجز الحساب الجاري ،األمر الذي يتطلب زيادة االقتراض
الخارجي لتمويل هذا االختالل .وهو يرى أن هذا االختالل ينشأ نتيجة لعوامل دائمة (عوامل
داخلية) :المغاالة في سعر الصرف ،زيادة حدة االختالل في الموازنة العامة ،تزايد التمويل
التضخمي ونمو عرض النقود ،غياب اإلدارة السعرية السليمة ،سيطرة القطاع العام على
تخصيص الموارد كما يرى أن االختالل في ميزان المدفوعات يعكس إفراطا في مستوى
الطلب المحلي واستخدام االقتراض الخارجي لتمويل الزيادة في االستهالك ال لتمويل
االستثمار ،ما يجعل البلد المدين عبر الزمن غير قادر على خدمة أعباء ديونه ،ويفقد ثقة
الدائنين فيه ،ويصعب عليه االقتراض من أسواق النقد الدولية .ويخرج الصندوق من هذه
الرؤية بنتيجة مفادها أن االقتراض الخارجي بمفرده ال يحل مشكلة االختالل الخارجي بل
4
يؤجلها فقط ،ويؤدي إلى إعاقة نمو االقتصاد المحلي.
1
.أرنست فولف ،مرجع سابق ،ص.00.
2
.حازم الببالوي ،النظام االقتصادي الدولي المعاصر ،مرجع سابق ،ص .066.
3
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص ،826.ص ،822.ص.810.
4
.حسين بن الطاهر ،مرجع سابق ،ص ص.009-000.
256
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
ثانيا :عالج األزمة طبقا لرؤية صندوق النقد الدولي ،الحل من وجهة نظر صندوق النقد
الدولي يكون من خالل القضاء على الطلب المفرط ،عن طريق تخفيض االستهالك والسماح
لرأس المال األجنبي بالدخول لتلك البلدان والتكيف مع األوضاع االقتصادية الدولية 1.وبعد
أن أصبح للصن دوق دورا قياديا في إدارة هذه األزمة ،قام بتصميم لما يعرف بـــــ "برامج
التثبيت" أو التكييف كشرط إلعادة جدولة ديون البلدان النامية -كما سبق الذكر -وتهدف هذه
البرامج إلى تحقيق مستوى معين للمدفوعات الخارجية قابل لالستمرار .ويتمثل هذا المستوى
من وجهة نظر الصند وق في الحد الذي يمكن عنده تغطية العجز في الحساب الجاري عن
طريق تدفقات مالية قصيرة وطويلة األجل بواسطة كل من الصندوق والبنك الدوليين ،فضال
2
عن المقترضين األجانب .وهذا المستوى ال يمكن الوصول إليه إال بتطبيق برامج التكييف.
3
-0مضمون برامج التثبيت :يمكن تصنيف سياسات برامج التثبيت إلى ثالث مجموعات:
0-0سياسة اإلنفاق العام :تهدف هذه السياسة إلى التقليل من عجز الموازنة العامة لكبح
التضخم المحلي وذلك عبر حزمة من اإلجراءات التي يوصي بها الصندوق .يمكن تلخيصها
في النقاط التالية:
-تخفيض اإلنفاق العام بشقيه االجتماعي واالستثماري؛
-تجميد األجور ،والحد من زيادة التوظيف الحكومي؛
-إلغاء الدعم السلعي الموجه للمواد االستهالكية ،وتحديد أسعارها طبقا لتكلفتها
االقتصادية؛
-زيادة أسعار منتجات القطاع العام وأسعار الخدمات والطاقة؛
-تطوير السياسة الضريبية وتوسيع الوعاء الضريبي ،من خالل زيادة الضرائب
على السلع والخدمات ،والحد من اإلعفاءات الضريبية؛
-وضع حدود عليا لالئتمان المصرفي المسموح به للحكومة وللقطاع العام ،مع
إعفاء القطاع الخاص من هذه الحدود؛
-زيادة أسعار الفائدة المدينة والدائنة؛
8-0سياسة ميزان المدفوعات :تهدف هذه السياسة إلى التقليل من العجز في ميزان
المدفوعات ،ومن حاجة البلد لالستدانة الخارجية .وتتضمن:
إلغاء اتفاقيات التجارة والدفع الثنائية ،واالتجاه تدريجيا نحو نظام متعدد األطراف للمدفوعات
الخارجية؛
إلغاء القيود المفروضة على الواردات والسماح للقطاع الخاص باالستيراد؛
تخفيض سعر صرف العملة الوطنية؛
إلغاء الرقابة على الصرف ،وتحرير التعامل في النقد األجنبي من القيود المفروضة على
المدفوعات الخارجية؛
1-0السياسة االستثمارية :يطالب صندوق النقد الدولي بضرورة تشجيع االستثمارات
األجنبية والخاصة وذلك بحجة أن البلد المدين يحتاج إلى األموال الخاصة وليس إلى
القروض الخارجية،ولذلك يتعين على هذا البلد القيام بـــــ:
1
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص.818.
2
.كريمة محمد الزكي ،مرجع سابق ،ص.002.
3
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص ص.810-821.
257
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
*
تبدأ السنة المالية في صندوق النقد الدولي في أول ماي وتنتهي في 00أفريل.
1
.International Monetary Fund,Annual Report 1993, Op. cit, p.101.
2
.International Monetary Fund, Annual Report of the Executive Board for financial year ended, April 30,
1983, pp.89-90
3
.International Monetary Fund, Annual Report 1993, Op. cit, p.101.
4
.International Monetary Fund, Annual Report 1983, Op.cit, p.90.
258
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
كما قام الصندوق باستحداث آليتي جديدتين لمساعدة البلدان منخفضة الدخل ،وهما:
1-8التسهيل التمويلي للتصحيح الهيكلي ) :(SAFأنشأه في مارس 0126بهدف مساعدة
البلدان األعضاء ذات المداخيل الضعيفة على دعم سياسات التصحيح الهيكلي على المدى
المتوسط ،وبشروط ميسرة حيث بلغ سعر الفائدة السنوية التي يحصل عليها الصندوق 0,0
بالمائة ،أما السداد فيكون في فترة تتراوح بين 0,0إلى 00سنوات ،ويمكن للبلدان المؤهلة
في إطار هذا التسهيل أن تحصل على تمويل يصل إلى 60,0بالمائة من حصة العضوية،
على ثالث دفعات سنوية 1.وقد دخلت هذه اآللية حيز التنفيذ في عام 0129بعد التوقيع على
عشر اتفاقات بمبلغ إجمالي 929,61مليون وحدة حقوق سحب خاصة ،وارتفع العدد ليصل
عام 0122إلى 00اتفاقا بقيمة إجمالية بلغت نحو 0مليار وحدة حقوق سحب خاصة .وخالل
الفترة ( )0110-0129بلغ عدد الترتيبات التي تم الموافقة عليها بمقتضى هذا التسهيل 06
ترتيبا ،بلغت قيمتها نحو 8مليار وحدة حقوق سحب خاصة( 8022,00مليون ) 2.وبعدها
3
قرر المجلس التنفيذي عدم الدخول في ترتيبات جديدة في إطار هذا التسهيل.
4-8التسهيل التمويلي المعزز للتصحيح الهيكلي) :(ESAFأنشئ في ديسمبر ،0129
ويقدم الصندوق بموجبه قروض بشروط ميسرة للبلدان منخفضة الدخل التي تواجه صعوبات
في موازين مدفوعاتها ويكون على البلدان المستفيدة أن تضع بمساعدة خبراء صندوق النقد
والبنك الدوليين إطارا للسياسات االقتصادية التي ستنتهجها في تحقيق برنامج التصحيح
الهيكلي الذي يدوم ثالث سنوات ،ويتم متابعة تنفيذ تلك السياسات على فترات نصف سنوية،
كما توضع معايير أداء نصف سنوية لقياس األهداف الهيكلية والكمية 4.وبموجب هذا التسهيل
فإن مبلغ القرض الذي سيمنح للبلد العضو يتحدد على أساس قوة تدابير التكييف التي
سيتخذها هذا البلد ،وحسب مقتضيات ميزان مدفوعاته ،غير أنه ال يمكن تجاوز نسبة
800بالمائة من حصة العضوية للبلد المعني كحد أقصى .ماعدا في الظروف االستثنائية
يمكن أن تصل إلى 000بالمائة من تلك الحصة 5.وأولى الترتيبات بمقتضى هذا التسهيل
التي تمت الموافقة عليها كانت خالل السنة المالية 0121مع سبع بلدان أعضاء بقمة إجمالية
بلغت 0,10مليار وحدة حقوق خاصة ،منها 0,2مليار وحدة لبلدان إفريقية ،و 0,0مليار
وحدة لدولة من دول أمريكا الالتينية 6.وخالل الفترة ( )0110-0121وصل عدد الترتيبات
التي تم الموافقة عليها 89ترتيبا ،بقيمة إجمالية وصلت إلى نحو 8,1مليار وحدة حقوق
7
سحب خاصة.
يتضح مما سبق أن صندوق النقد الدولي قام بتوسيع محفظة قروضه خالل عقد
الثمانينيات -كما يتضح من الشكل رقم( -)80حيث ارتفع حجم التزامات اإلقراض التي تعهد
بها صندوق النقد الدولي من حوالي 0,080مليار وحدة حقوق سحب خاصة عام 0190إلى
نحو 09,080مليار وحدة حقوق سحب خاصة في عام .0120الملحق رقم "."01
1
.International Monetary Fund, Annual Report of the Executive Board for financial year ended, April 30,
1988, p.50.
2
.International Monetary Fund, Annual Report 1993,Op. cit, p.109.
3
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص.29.
4
.المرجع نفسه ،ص.22.
5
.International Monetary Fund, Annual Report 1988, Op. cit, p.50.
6
.International Monetary Fund, Annual Report of the Executive Board for financial year ended, April 30,
1921, p.43
7
.International Monetary Fund, Annual Report 1993, ,Op. cit, p.109.
259
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
الشكل رقم( :)81تطور حجم التزامات اإلقراض التي تعهد بها صندوق
النقد الدولي خالل الفترة ()0221-0211
إن هذه الزيادة الكبيرة في التزامات الصندوق اتجاه أعضائه ،دفعته للبحث عن موارد
إضافية ليتمكن من تلبية هذه االلتزامات ،ألجل ذلك قام بإدخال تعديالت على االتفاقات العامة
لإلقراض عام ،0120حيث وسع مجموع مبالغ القروض إلى 09مليار وحدة حقوق سحب
خاصة بدل 6مليار ،وذلك عن طريق تعديل مساهمات البلدان المشاركة في االتفاقات لتعكس
التغيرات في أوضاعها االقتصادية والمالية منذ عام .0168وهو ما يوضحه الجدول رقم
( ،)09إلى جانب قيامه بعقد اتفاق مع السعودية في ديسمبر 0120التي تعهدت بإقراضه
1
0,0مليار وحدة حقوق سحب خاصة.
ثالثا :تقييم دور صندوق النقد الدولي في معالجة أزمة المديونية ،يمكن تقييم دور الصندوق
في معالج أزمة المديونية بالتطرق إلى مدى فاعلية برامج التثبيت التي يدعو لها ،وذلك
برصد مجموعة من النتائج المحققة (االيجابية والسلبية) ،وبعرض أهم االنتقادات التي
وجهت له في هذا المجال.
-0نتائج برامج التثبيت :لقد ترتب عن تطبيق هذه البرامج من قبل مجموعة واسعة من
البلدان النامية نتائج تتفاوت من بلد إلى آخر طبقا لسرعة وعمق تنفيذ تلك البرامج ،ومع ذلك
فإن هناك نتائج عامة يمكن تصنيفها إلى نتائج ايجابية وأخرى سلبية:
0-0النتائج االيجابية :لقد تمكنت أغلب البلدان النامية التي طبقت برامج التثبيت من تحقيق
نتائج ايجابية على مستوى التوازنات الكلية ،حيث تمكنت من تقليص عجز ميزانياتها العامة،
واستطاعت السيطرة على التضخم وإحداث تحسن في موازين مدفوعاتها ،كما تمكنت من
استعادة قدرتها على سداد ديـونها .ولــكن ما تجدر اإلشارة إليه ،أن هذه النجاحات على
1
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص.00.
260
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
مستوى التوازنات الكلية كانت نجاحات ظرفية ومؤقتة ،فهي ليست ناتجة عن إحداث نمو
1
اقتصادي ،بقدر ما تعود إلى برنامج انكماش صارم على مستوى السياستين المالية والنقدية.
8-0النتائج السلبية :لقد كان لبرامج صندوق النقد الدولي آثارا سلبية ،يمكن حصرها في
النقاط التالية:
2
-نظرا للطابع االنكماشي لهذه البرامج ،فإنها تسببت في:
ارتفاع مستوى البطالة ،وذلك بسبب الحد من التوظيف في القطاع العام ،وحل
المؤسسات العمومية وما ترتب عليه من تسريح للعمال ،إلى جانب الخصخصة فمع انتقال
ملكية المشروعات العامة وشركات القطاع العام إلى القطاع الخاص ،أقدم هذا األخير على
االستغناء عن العمالة الفائضة.
انخفاض األجور الحقيقية للعمال انخفاضا شديدا نظرا للزيادة الكبيرة التي حدثت في
أسعار السلع نتيجة إلغاء الدعم ،وزيادة أسعار منتجات القطاع العام ،وزيادة أسعار الطاقة
والكهرباء والمياه والمواصالت ،وزيادة الضرائب غير المباشرة ،في الوقت الذي تتجمد فيه
األجور .فطبقا لبعض الدراسات التي تناولت تأثير برامج الصندوق على بلدان أمريكا
الالتينية وبلدان الكاريبي خالل الفترة ( ،)0120-0120وهي الفترة التي نفذت فيها غالبية
هذه البلدا ن تلك البرامج تبين أن األجور الحقيقية للمشتغلين في قطاع الصناعات التحويلية قد
انخفضت بنسبة 2,9بالمائة وفي قطاع التشييد بنسبة 09,9بالمائة.
تراجع نمو القطاع الصناعي .كان من المفترض أن تؤدي اإلجراءات المتخذة
لتشجيع االستثمار الخاص (األجنبي والمحلي) في ظل برامج التثبيت إلى إعطاء دفعة قوية
للقطاع الصناعي ،وقد أدت بالفعل تلك اإلجراءات في المراحل األولى من تطبيق هذه
البرامج إلى إقبال بعض المستثمرين إلى استثمار أموالهم في بعض الصناعات التحويلية.
ولكن نظرا للطابع االنكماشي لهذه البرامج ،أدت إلى ارتفاع كبير في تكاليف اإلنتاج (الزيادة
في أسعار الطاقة والمواد الخام المحلية ،زيادة الرسوم وأسعار الخدمات الحكومية وتخفيض
قيمة العملة الذي أدى إلى ارتفاع في أسعار واردات السلع الوسيطة لهذه الصناعات ،وأسعار
اآلالت المستوردة) ،كما فشل هؤالء المستثمرون في نقل عبء هذه الزيادة في التكاليف إلى
المستهلك المحلي الذي يعاني هو اآلخر من انخفاض القدرة الشرائية .وفي الحاالت التي تنتج
فيها الصناعات المحلية من أجل التصدير ،فإن هذه الزيادة في التكاليف قد أضعفت من
قدرتها التنافسية في األسواق الخارجية .كل ذلك أدى بهؤالء المستثمرين بغلق المصانع
وتحويل رؤوس أموالهم إلى مجاالت أخرى كاالستيراد.
تدهور مستوى معيشة المواطنين وأحوالهم الصحية ،وارتفاع نسبة من يعيشون
تحت خط الفقر بسبب انخفاض اإلنفاق العام الموجه للخدمات االجتماعية الضرورية،
كالتعليم ،الصحة ،الرعاية االجتماعية اإلسكان ،وانتقال بعض أنشطة هذه الخدمات إلى
القطاع الخاص ،ما أدى إلى ارتفاع أسعار ورسوم هذه الخدمات ارتفاعا كبيرا.
-أما فيما يتعلق بتحرير التجارة الخارجية من خالل إلغاء القيود على االستيراد ،فقد أدى
ذلك إلى تعريض الصناعة المحلية للمنافسة غير المتكافئة مع المنتجات األجنبية خاصة في
ظل التكاليف الضخمة لإلنتاج المحلي مما أدى إلى تدمير الصناعات المحلية .فضال عن ذلك
1
.حسين بن الطاهر ،مرجع سابق ،ص.086.
2
.رمزي زكي ،الليبرالية المستبدة ،سينا للنشر ،مصر ،0110 ،ص ص ،000-008.ص ص.088-080.
261
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
حدث ارتفاع في واردات أنواع عديدة من السلع الكمالية ،ما يعني إساءة استخدام النقد
1
األجنبي.
-وبالنسبة لسياسة تخفيض قيمة العملة ،فحسب صندوق النقد الدولي ستؤدي إلى التأثير
بشكل ايجابي على الطلب الخارجي للسلع القابلة للتصدير ،و على الطلب المحلي للسلع
المستوردة .فبالنسبة لجانب الطلب الخارجي فإن هذا التخفيض سيؤدي إلى زيادة هذا الطلب
ألن السلع الوطنية القابلة للتصدير سوف ينخفض سعرها بالنقد األجنبي بنفس نسبة
التخفيض ،فيزيد دخل المصدرين وحصيلة صادرات البلد بالنقد األجنبي 2.لكن في الواقع
العملي هذه السياسة لم تؤدي إلى زيادة صادرات البلدان النامية ،نظرا لتضافر عوامل عديدة،
منها :عدم وجود تنوع كبير في صادرات هذه البلدان ،حيث تسيطر على أغلب صادراتها
مادة أولية واحدة أو عدد محدود من السلع التي تتسم بتقلبات أسعارها في األسواق العالمية،
واتجاه الطلب العالمي على أكثرها إلى االنخفاض في المدى المتوسط .ما يعني أن سياسة
التخفيض لن تؤدي إلى زيادة الطلب على منتجات البلدان النامية .هذا من جهة ومن جهة
ثانية ،حتى ولو حدث العكس –تنوع في الصادرات -فإن اإلنتاج المحلي لصادرات البلدان
النامية لن يكون قادرا على االستجابة للطلب الخارجي على سلعها ،وذلك لعدم تمتع جهازها
اإلنتاجي بدرجة عالية من المرونة والكفاءة تمكنه من استغالل الطاقات العاطلة أو زيادة
3
اإلمكانات المتاحة لقطاع التصدير في حالة زيادة الطلب الخارجي.
أما فيما يتعلق بجانب الطلب المحلي على الواردات ،فحسب رؤية صندوق النقد الدولي
فإن تخفيض قيمة العملة من شأنه أن يُحدِّث ارتفاعا في أسعار الواردات ،األمر الذي يترتب
عنه تناقص طلب المستهلكين على السلع المستوردة ،مما يؤدي إلى الحد من استيرادها ،ومنه
القضاء على ا لعجز في ميزان المدفوعات .غير أن ذلك لم يتحقق في البلدان النامية التي
اتبعت هذه السياسة ،بسبب عدم قدرة جهازها اإلنتاجي من إنتاج سلع بديلة للسلع المستوردة
وبأقل سعر ،وألن الجزء األكبر من واردات هذه البلدان هي عبارة عن سلع غذائية ضرورية
وأدوية ،وسلع وسيطة ،ومختلف التجهيزات التي يحتاجها جهاز اإلنتاج المحلي 4.األمر الذي
ضاعف من تكاليف اإلنتاج ،وهو ما أدى إلى توقف الكثير من المؤسسات اإلنتاجية المحلية
5
عن نشاطها ،بسب المنافسة القوية التي أصبحت تواجهها من قبل السلع األجنبية المستوردة.
-8االنتقادات الموجهة لصندوق النقد الدولي في إدارته ألزمة المديونية :وجه العديد من
الخبراء والمختصين انتقادات لصندوق النقد الدولي في معالجته ألزمة المديونية .من أهمها:
0-8الخطأ في تشخيص األزمة ،يرى هؤالء الخبراء أن الخطأ األساسي والجوهري الذي
يؤخذ على تشخيص صندوق النقد الدولي ألزمة المديونية ،هو تركيزه على السياسات
االقتصادية الخاطئة التي انتهجتها البلدان النامية وأدت إلى حالة من إفراط الطلب ،وتجاهله
تماما لدور العوامل الخارجية (ارتفاع أسعار الفائدة ،ارتفاع أسعار الواردات ،الركود
التضخمي – )...،التي تم التطرق لها في الفصل الثالث -في تأزيم مشكلة المديونية الخارجية
1
.رمزي زكي ،الليبرالية المستبدة ،مرجع سابق ،ص.000.
2
.المرجع نفسه،ص.000.
3
.إبراهيم الفار ،سعر الصرف بين النظرية والتطبيق ،دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان ،0118 ،ص.00.
4
.المرجع نفسه ،ص.00.
5
.حسين بن الطاهر ،مرجع سابق ،ص.086.
262
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
لهذه البلدان ،وعدم أخذها بعين االعتبار في السياسات التي أمالها على هذه البلدان عند عقد
1
اتفاقات معها.
8-8لم يكن هدف الصندوق في المقام األول مساعدة المكسيك أو غيرها من البلدان المدينة
على تخطي األزمة والتعافي من مشكلة المديونية .بل كان هدفه األول يكمن في إعادة قابلية
هذه البلدان لتسديد ما عليها من ديون بتوفير الموارد الالزمة للوفاء بعبء ديونها من خالل
السياسات االنكماشية التي فرضها عليها واالستفادة من األزمة لتحسين شروط االستثمار
2
وفرص جني األرباح أمام المشاريع والبنوك األجنبية العمالقة.
1-8على رغم زعم صندوق النقد الدولي ،بأن السياسات واإلجراءات التي تندرج ضمن
برامج التثبيت ،يتم تحديدها وفق واقع البلد المعني وبالتشاور معه ،إال أن الحقيقة تتمثل في
أن تلك السياسات تتضمن قائمة الشروط نفسها 3،وهي عبارة عن أوامر وامالءات ،حيث ال
4
يسمح الصندوق بمناقشة فعلية لسياساته.
4-8تعتبر شروط الصندوق شروط صارمة جدا ،فهي تتطلب إحداث تغييرات جوهرية في
سياسات البلدان النامية في فترة قصيرة ،فقد طلب منها اإلسراع في تطبيق الخصخصة،
وفتح أسواقها دون وجود البنى التحتية المؤسسية الضرورية لنجاحها ،وقبل إرساء مؤسسات
سوق قوية ،وقبل تحسين القدرة التنافسية لألسواق المحلية مما أدى إلى نتائج اقتصادية
واجتماعية سلبية ،إضافة إلى ذلك طلب منها اإلسراع في فتح أسواق رأس المال دون تنظيم
ورقابة ،مما عرض اقتصادات البلدان التي حررت أسواقها بسرعة لمخاطر متزايدة ،فقد
أدت هذ ه اإلجراءات إلى تدفق رؤوس األموال المضاربة التي ما لبثت أن خرجت بالسرعة
التي تدفقت بها ،ما أدى إلى اندالع األزمات المالية 5.كما حدث في المكسيك ،والبرازيل في
التسعينيات من القرن العشرين.
2-8كان من المفروض أن يكون لقروض الصندوق أهمية باعتباره المقرض األخير ،إال
أنها لعبت دورا ثانويا وشكلت نسبة ضئيلة من إجمالي التمويل الالزم لسد عجز موازين
المدفوعات .باإلضافة إلى ذلك ،فإن الصندوق ال يقدم مبلغ القرض دفعة واحدة ،وإنما يقدمه
على شكل شرائح سنوية ،يرتبط إعطاء كل شريحة بمدى التقدم واالنضباط في تنفيذ
الشروط ،هذا وت جري عملية المراقبة كل ستة أشهر للبلد المعني لتقييم الوضع االقتصادي
ومدى التقدم في انجاز ما فرض عليها 6،وفي حالة عدم التقدم ،يقوم الصندوق بتعليق القرض
وإذا قام الصندوق بهذا اإلجراء فإن ذلك يؤدي إلى رفع أسعار الفائدة وامتناع المقرضين من
7
المؤسسات الخاصة األجنبية تقديم قروض جديدة لها.
6-8إن عمليات إعادة الجدولة بقيادة صندوق النقد الدولي من خالل برامج التثبيت التي
صممها كانت بمثابة تخذير لألزمة ،وليس عالجا لها ،بدليل طلب تكرار هذه العمليات من
حين آلخر للبلد الواحد .والسبب في ذلك أن السياسات التي فرضها على هذه البلدان لم
1
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص ص.810-818.
2
.أرنست فولف ،مرجع سابق ،ص.09.
3
.المرجع نفسه ،ص.96.
4
.حميد الجميلي ،الحكم االقتصادي العالمي والصدمة االرتدادية ،مرجع سابق ،ص.089.
.5المرجع نفسه ،ص ،080.ص.000.
6
.رمزي زكي ،التاريخ النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص.818.
.7حميد الجميلي ،الحكم االقتصادي العالمي والصدمة االرتدادية ،مرجع سابق ،ص.066.
263
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
تتعرض لجوهر المشكلة ،وهو التخلف واالختالالت الحقيقية التي تعيق حركة البلدان النامية
1
نحو طريق النمو والتقدم.
1-8إن أخطر ما نجم عن سياسات برامج التثبيت هو المساس الشديد بسيادة البلد ،فقد
أصبحت عملية صنع القرار االقتصادي ال تتم على المستوى الوطني ،بل تتم على المستوى
العالمي ،مستوى المنظمات الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين) ،ومستوى مانحي
القر وض والمستثمرين األجانب ،وهو أمر زاد من إضعاف قوة البلد وأبعده عن أية مشاريع
نهضوية .وبذلك تم ضمان اندماج البلدان النامية في النظام الرأسمالي العالمي من موقع تابع
2
وضعيف.
وخالصة القول ،السياسات التي انطوت عليها برامج التثبيت التي صممـــــها صندوق
النقد الــــدولي هي سياسات تهدف من جهة إلى تقليص دور الدولة من خالل الخصخصة
وتخفيض معدالت العجز في الموازنة العامة وخفض مستويات الدين ،وهو ما يطلق عليه
سياسة التقشف .ومن جهة ثانية تهدف إلى إلغاء القيود والحواجز وفتح األسواق المحلية أمام
المنافسة األجنبية ،وتحرير حركة رؤوس األموال ،وهو ما يطلق عليــه االنفتـاح االقتصـادي
( التجاري والمالي) .وهي بذلك شكل من أشكال سياسات الليبرالية الجديدة ،هدفها الرئيسي
هو خدمة النظام الرأسمالي .فهذه البرامج لم تعالج مشكلة المديونية للبلدان النامية بقدر ما
كانت وسيلة لتمكين الجهات الرأسمالية الدائنة -دوال ومؤسسات مالية خاصة -من استرداد
أموالها وتحقيق عوائد وأرباح أكبر على حساب البلدان النامية .وهذا ما أثبتته التجارب
العملية للبلدان التي طبقت هذه البرامج ،فقد تمكنت من العودة لسداد ديونها ولكن ليس ألن
تلك البرامج مكنتها من النهوض باإلنتاج ،ومن ثم إشباع حاجاتها األساسية دون اللجوء إلى
االستيراد وتنويع صادراتها وزيادة حصيلتها من النقد األجنبي ،أو سمحت لها بدفع عملية
التنمية وتحقيق معدالت نمو مرتفعة وقابلة لالستمرار .ولكن تحقق ذلك بسبب سياسات
التقشف القاسية التي كان لها نتائج بالغة الخطورة في الحياة االقتصادية واالجتماعية لهذه
البلدان .فقد تعطلت الطاقات اإلنتاجية بها ،وانخفض معدل النمو وارتفعت األسعار وازدادت
مستويات البطالة والفقر.
المطلب الثالث :دور صندوق النقد الدولي في معالجة أزمات عقد التسعينيات
بدأ هذا العقد ،والعالم يشهد تحوالت عميقة نتج عنها تشكيل نظام اقتصادي عالمي
جديد ،تمثل باالنتقال من الثنائية القطبية إلى القطب الواحد ،بعد انهيار المعسكر االشتراكي.
وفي هذه األوضاع ظنت البلدان التي كانت عضوة في االتحاد السوفيتي أن الحل األمثل هو
التحول من االقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق بعد تفكك هذا االتحاد عام .0110وهنا
أصبح لصندوق النقد الدولي دورا جديدا من خالل مساعدة هذه البلدان على التحول وكانت
المساعدات المقدمة في جزء منها عبارة عن مساعدات فنية ،حيث يقوم الصندوق بتصميم
البرامج لهذه البلدان ،ويقدم المشورة لها فيما يتصل بسياسة التسعير واالنفتاح على األسواق
العالمية والخصخصة 3.والجزء اآلخر تمثل في مساعدة مالية لتمكينها من تجاوز عجز
موازين مدفوعاتها الناشئ عن انخفاض كبير في الموارد المترتبة عن الصادرات نتيجة
1
.رمزي زكي ،الليبرالية المستبدة ،مرجع سابق ،ص.000.
2
.المرجع نفسه ،ص ،000.ص.000.
3
.أتيش ريكس غوش ،مرجع سابق ،ص.08.
264
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
االنتقال من تجارة مؤسسة على غير أسعار السوق إلى تجارة معتمدة على أسعار السوق ،أو
ن اشئ عن زيادة كبيرة في أسعار الواردات من الطاقة مثال ،أو للسببين معا .ولهذا أنشأ
الصندوق آلية التسهيل التمويلي لتحويل األنظمة االقتصادية عام .0110وقد استفاد من هذه
اآللية 00بلدا خالل الفترة ( ،)0119-0110وبلغت قيمة هذا التسهيل 8,9مليار من حقوق
السحب الخاص ة ،وكان أكبر المستفيدين من هذا المبلغ روسيا التي تحصلت على 8,8مليار
وحدة حقوق سحب خاصة .وقد كانت هذه المساعدات مشروطة بسرعة تطبيق برامج
الصندوق التي أوصى بها تلك البلدان 1،أي االنتقال مباشرة إلى نظام السوق دون تدرج أو
2
حذر ،وهو ما يعرف بسياسة العالج بالصدمة.
وهكذا منذ بداية عقد التسعينيات تدّعم دور صندوق النقد الدولي ،واتسع نطاق نفوذه،
وأصبح معيارا لمدى التزام البلدان باقتصاد السوق وانفتاح اقتصاداتها على األسواق العالمية،
3
ولمدى اندماجها في النظام االقتصادي الرأسمالي العالمي(العولمة).
ولكن لم ينته هذا العق د ،حتى بدأت تظهر مخاطر العولمة وسلبياتها على السطح،
فانتشرت األزمات المالية بدءا بالمكسيك ،ثم بلدان جنوب شرق آسيا ،روسيا ،وغيرها .مما
أثار تحديات جديدة بالنسبة لصندوق النقد الدولي ،سواء فيما يتعلق بتوفير التمويل الالزم
للتصدي لها ،أو فيما يتعلق بضرورة تطوير سياساته واستحداث أدوات جديدة تمكنه من
اكتشاف األزمات المالية في المستقبل .وسيتم التطرق فيما يلي إلى الكيفية التي عالج بها
الصندوق هذه األزمات ،وأهم التحديثات التي أجراها على سياساته.
أوال :دور صندوق النقد الدولي في معالجة األزمة المكسيكية ،بعد أزمة المديونية 0128
التي تعرضت لها المكسيك ،بادرت إلى وضع خطة لالستقرار االقتصادي استنادا على
برامج صندوق النقد الدولي ،التي ركزت على تبني اقتصاد السوق ،واستقطاب االستثمار
األجنبي المباشر ،التحرير المالي والتجاري والخصخصة .وقد نجحت المكسيك في تحقيق
نتائج ايجابية على مستوى التوازنات الكلية ،كما شهدت تدفقات هائلة من رؤوس األموال
األجنبية .وأصبحت بذلك المكسيك دولة صالحة ومثاال ناجحا البد من االحتذاء به من وجهة
نظر صندوق النقد الدولي والواليات المتحدة األمريكية التي أشادت باالزدهار المحقق في
المكسيك ،غير أن هذه التطورات االيجابية أخفت في طياتها آثارا سلبية ما لبثت أن طفت
على السطح 4،بانفجار أزمة البيزو عام ،0119ما دفع الحكومة المكسيكية للتفاوض مع
صندوق النقد الدولي حول دعم مالي طارئ من أجل تجنب التوقف عن دفع االلتزامات
الخارجية للبالد 5.وقد قدر الدعم المالي الالزم إلنقاذ الوضع االقتصادي في المكسيك
والحيلولة دون إعالن إفالسها،نحو 00,6مليار دوالر وهو مبلغ أكثر من المسموح لصندوق
النقد الدولي بإقراضه لها بموجب قواعده .ولهذا كان للواليات المتحدة األمريكية دورا
رئيسيا 6،حيث ساهمت بنحو 80مليار دوالر ،في حين ساهم الصندوق بــــــ 09,2مليار
دوالر وهو ما يمثل 621بالمائة من حصة المكسيك في الصندوق ،ووفر بنك التسويات
الدولية مبلغ 00مليار دوالر ،و 0,0مليار من بنك التنمية للبلدان األمريكية ،و 0,0مليار
1
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص ص.20-20.
2
.هيفاء عبد الرحمان التكريتي ،مرجع سابق ،ص.800.
3
.حميد الجميلي ،الحكم االقتصادي العالمي والصدمة االرتدادية ،مرجع سابق ،ص.090.
4
.نبيل جعفر عبد الرضا ،عدنان فرحان الجوارين ،مرجع سابق ،ص ص.002-009.
5
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص.000.
6
.هيفاء عبد الرحمان التكريتي ،مرجع سابق ،ص ص.809-800.
265
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
من البنك الدولي 1.ولقد احتوت خطة اإلنقاذ هذه على مجموعة من الشروط كان على
2
المكسيك االلتزام بها .يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
-ضرورة تبني برنامج تقشف مالي ،يرتكز على تخفيض النفقات العامة؛
-رفع أسعار الوقود والكهرباء والغاز والسلع والخدمات األخرى التي يقدمها القطاع العام،
لرفع اإليرادات الحكومية؛
-على المكسيك أن تدفع عوائد النفط كافة وإيداعها كضمان لدى البنك االحتياطي الفيدرالي؛
-المزيد من االنفتاح االقتصادي والخصخصة ،حتى تشمل مشاريع صناعة البتروكيماويات
والغاز وخصخصة البنوك الرئيسية مثل بنك ( )Banamexالذي يسيطر على عمليات
تمويل قطاع النفط والبتروكيماويات.؛
-كما اتخذت المكسيك تدابير وقائية حيال السوق المالية المحلية لتجنب العدوى ،وذلك بتقديم
الدعم المالي للبنوك والمقترضين على حد سواء ،وقيام البنك المركزي بتوفير السيولة من
النقد األجنبي للبنوك التجارية لمنعها من التأخر عن سداد التزاماتها الخارجية ،والسماح
3
بمشاركة أجنبية أكبر في رؤوس أموال البنوك؛
وبالرغم من أن خطة اإلنقاذ المالي منعت من انتقال عدوى األزمة المكسيكية إلى البلدان
المجاورة وانتشارها على النطاق العالمي ،إال أنها أدت إلى نتاج سلبية على االقتصاد
المكسيكي ،فقد تضاعفت البطالة وتقلصت الميزانية الحكومية ،وأعلنت أالف الشركات
إفالسها ،وتقلص االستهالك الخاص ،وانكمش الناتج المحلي اإلجمالي وارتفع معدل التضخم
4
إلى مستويات قياسية.
وفي أعقاب هذه األزمة ،أكدّ صندوق النقد الدولي ،أن الوسيلة الوحيدة لتحسين مراقبة
البلدان األعضاء وتجنب حدوث أزمات أخرى في المستقبل هو توفير المعلومات الكاملة
حول التغيرات االقتصادية األساسية (االحتياطات الدولية ،ميزان المدفوعات ،الموازن
العامة ،الدين الخارجي) في الوقت المناسب 5.وألجل ذلك قام في عام 0116بصياغة ما
يعرف بالمعيار الخاص لنشر البيانات ،وهو معيار طوعي يلتزم البلد المشترك فيه -وهي
بلدان لها القدرة على دخول أسواق رأس المال العالمية أو تسعى إلى دخولها -بإتباع المعايير
المتعارف عليها دوليا في مجال تغطية البيانات ،ومعدل تواترها ،وحداثتها ،وتقدم البلدان
المشتركة في هذا المعيار معلومات وبيانات لكي تنشر على اللوحة االلكترونية لمعايير نشر
البيانات التي أنشاها الصندوق ،كما يطلب أيضا منها إنشاء وإدارة موقع الكتروني لنشر
البيانات الفعلية يكون مرتبطا الكترونيا بلوحة معايير نشر البيانات التي أنشأها صندوق النقد
6
الدولي.
ثانيا :دور صندوق النقد الدولي في معالجة األزمة اآلسيوية ،مارس صندوق النقد الدولي،
ووزارة الخزانة األمريكية ضغوطا قوية على بلدان جنوب شرق آسيا في تسعينيات القرن
العشرين ،لدفعها إلى تسهيل حركة رأس المال األجنبي في أسواقها دون عوائق .وفي بيان له
1
.Takatoshi ITO," Asian Currency Crisis and the International Monetary Fund,10 years later", Asian Economic
Policy Review, Japan Center for Economic Research,2007, p.41.
2
.نبيل جعفر عبد الرضا ،عدنان فرحان الجوارين ،مرجع سابق ،ص 089.؛ هيفاء عبد الرحمان التكريتي ،مرجع سابق ،ص.808.
3
.عماد صالح سالم ،مرجع سابق ،ص.000.
4
.هيفاء عبد الرحمان التكريتي ،مرجع سابق ،ص.800.
5
.عبد الحكيم مصطفى الشرقاوي ،العولمة المالية وإمكانات التحكم -عدوى األزمات المالية ،-دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ،8000 ،ص.008.
6
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص.88.
266
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
نشر في سبتمبر ، 0119بين الصندوق " أن تدفق رؤوس األموال الخاصة أمسى عظيم
الشأن بالنسبة إلى النظام النقدي الدولي ،وأن النظام الليبرالي المشرع األبواب بنحو
متصاعد ،أثبت أنه النظام األفضل بالنسبة لالقتصاد العالمي" .ولكنه تجاهل المخاطر الناجمة
عن هذه التدفقات وخاصة قصيرة األجل التي ال يتم استثمارها في االقتصاد الحقيقي ،وإنما
تستثمر في األسواق المالية ألغراض المضاربة .كما أنه لم ير أن التحذير من المخاطر
القائمة جزء من مسؤوليته .حتى انفجرت األزمة في بلدان جنوب شرق آسيا ،حين سحب
المستثمرو ن األجانب رؤوس أموالهم على نطاق واسع .ونظرا للخروج المكثف لهذه األموال
وقعت هذه البلدان في أزمة مالية ،أجبرتها على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي باعتباره
1
المالذ األخير للتزود بالتمويل.
-0إدارة صندوق النقد الدولي لألزمة اآلسيوية :بدأ صندوق النقد الدولي بتشخيصه لألزمة
على أنها نتجت عن تشوه وغموض المعامالت الداخلية ،والفساد ،وضعف الضوابط والقيود
الحاكمة لقطاع األعمال .األمر الذي تمخض عنه تدهور بيئة االستثمار ،وعدم استقرار
النظام المصرفي .ولهذا كانت إستراتيجية الصندوق في إدارته لألزمة تعتمد على ضرورة
2
إصالح النظم المالية لهذه البلدان.
0-0مراحل إدارة صندوق النقد الدولي لألزمة اآلسيوية :ويمكن التمييز بين مرحلتين
إلدارة صندوق النقد الدولي لألزمة اآلسيوية:
المرحلة األولى :تعتبر كل من تايالند ،اندونيسيا وكوريا الجنوبية وماليزيا ،أكثر البلدان
اآلسيوية تأثرا باألزمة المالية .لجأت البلدان الثالث األولى إلى صندوق النقد الدولي طالبة
المساعدة .وقد أبرم الصندوق معها ثالث برامج .تايالند في 80أوت ،0119اندونيسيا في 0
نوفمبر ،0119وكوريا الجنوبية في 9ديسمبر3.0119وقد تضمنت هذه البرامج الجوانب
التالية:
-سياسة نقدية ومالية تقشفية :طالب صندوق النقد الدولي هذه البلدان ،بتخفيض اإلنفاق
الحكومي وزيادة الضرائب ،وحجته في ذلك ،أن بعض التقييد المالي كان يجب أن يكون
جزءا من الحل ،ألن الزيادة في االدخار الحكومي أمر ضروري لتحقيق التحسن المطلوب
في الحساب الجاري لميزان المدفوعات لضمان التوازن الخارجي .ما يؤدي إلى طمأنة
4
المستثمرين واستعادة الثقة في اقتصاديات هذه البلدان.
أما فيما يتعلق بالسياسة النقدية ،فقد طالبها بسياسات نقدية أكثر تشددا ،عن طريق تقييد
االئتمان المحلي ،ورفع أسعار الفائدة 5.وحجته ،أن تشديد أسعار الفائدة لفترة ضروري
إليقاف التدهور في أسعار صرف العمالت .كما أنه يؤدي إلى تشجيع التدفقات الرأسمالية
6
األجنبية وزيادتها.
-اإلصالحات الهيكلية :احتلت اإلصالحات الهيكلية الواسعة وطويلة األمد مركز الصدارة
في برامج الصندوق وتتضمن التعجيل بإصالح النظام المصرفي ،والخصخصة ،وتبني
تشريعات وقو انين جديدة تمكن من توسيع الملكية األجنبية لألصول المحلية ،وتفتح أسواق
1
.أرنست فولف ،مرجع سابق ،ص ص.000-000.
2
.أحمد يوسف الشحات ،األزمات المالية في األسواق الناشئة مع إشارة خاصة ألزمة جنوب شرق آسيا ،دار النيل للطباعة والنشر ،المنصورة،
مصر ،8000 ،ص ص.29-26.
3
.Takatoshi ITO, Op. cit, p.41.
4
.محمد الفنيش ،مرجع سابق ،ص.89.
5
.أحمد يوسف الشحات ،مرجع سابق ،ص.29.
6
.محمد الفنيش ،مرجع سابق ،ص.82.
267
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
هذه البلدان للرأسمال األجنبي .وأولى الخطوات التي اتخذتها حكومات هذه البلدان ،لتظهر
عزمها على القيام بإصالحات قوية ،هي إغالق البنوك والمؤسسات المالية المتعثرة 1.ففي
تايلند قامت الحكومة بتصفية 06مؤسسة مالية مفلسة ،وفي اندونيسيا تم تصفية 06بنكا فور
2
إبرامهما االتفاق مع صندوق النقد الدولي.
-خدمة الدين األجنبي :لقد طلب من هذه البلدان تخصيص جانب كبير من الدعم المالي
المقدم في إطار هذه البرامج للحكومات والبنوك المركزية لتمكينها من تعزيز قدرتها على
3
خدمة الديون األجنبية وعلى تثبيت أسعار الصرف.
خالل هذه المرحلة التي امتدت من أوائل شهر أوت وحتى أواخر شهر ديسمبر من عام
، 0119فشلت برامج الصندوق في احتواء األزمة ،واستعادة الثقة في أسواق هذه البلدان
الثالث ،فقد استمرت أسعار الصرف في التدهور على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة،
وانخفضت احتياطات النقد األجنبي بأسرع مما توقع الصندوق ودخلت اقتصادات هذه البلدان
4
في انكماش عميق.
المرحلة الثانية :حينما تبين لصندوق النقد الدولي أن برامجه لم تؤد إلى استعادة الثقة ،بل
األحوال زادت سوءا تمت إعادة النظر ،وأبرم البرنامج الثاني مع كوريا الجنوبية في 89
ديسمبر . 0119وكانت النقطة األساسية في هذا البرنامج هي إعادة جدولة ديون كوريا
الجنوبية قصيرة األجل .وقد تم إعادة جدولة 89مليار دوالر من القروض قصيرة األجل،
والتي كان موعد سدادها الربع األول من عام ،0112وذلك في شكل سندات حكومية مدتها
وأصر الصندوق بعد ذلك بمساندة الواليات المتحدة األمريكية على ضرورة ّ 0-0سنوات.
التوصل إلى اتفاق شامل يتعلق بجدولة كل الديون كشرط لمنح الحكومة دفعات إضافية من
5
الدعم المالي المتفق عليه في ديسمبر .0119
حالت هذه اإلجراءات دون حدوث المزيد من التدهور في العملة الكورية ،ولكن
استمرت عمالت كل من تايالند واندونيسيا في االنخفاض ،ولم يتوقف التراجع في قيمة
العملة التايالندية إال في 80جانفي 0112حينما أعلنت الحكومة ضمانها لكل خصوم البنوك
التجارية بما في ذلك الديون األجنبية .أما اندونيسيا فقد ازدادت األمور اضطرابا وتدهورا
على الرغم من توقيع الحكومة برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي في جانفي 0112ولكنه
لم يُو ِّل أي اهتمام بخصوص إعادة جدولة الديون ،وال بقيام الحكومة بضمان خصوم البنوك،
حتى أفريل 0112عندما أبرمت برنامجا ثالثا يتضمن إعادة جدولة الديون األجنبية المستحقة
على القطاع الخاص وإعادة تنظيم شامل للبنوك التجارة ،وتخفيض القيود المالية .وقد كان رد
الفعل األولي للسوق ايجابيا إزاء هذه الخطوات حيث ارتفع سعر صرف العملة االندونيسية
6
بنسبة 6بالمائة خالل ثالثة أيام.
7
كما ارتكزت هذه البرامج على مبادئ وإجراءات جديدة منها:
1
.المرجع نفسه ،ص ،89.ص.90.
2
.أرنست فولف ،مرجع سابق ،ص.000.
3
.أحمد يوسف الشحات ،مرجع سابق ،ص.29.
4
.المرجع نفسه ،ص.22.
5
.محمد الفنيش ،مرجع سابق ،ص ص.00-00.
6
.أحمد يوسف الشحات ،مرجع سابق ،ص.21.
7
.المرجع نفسه ،ص.21.
268
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-التأجيل أو التعليق الجزئي لمدفوعات الديون األجنبية ،وفقا التفاقيات جماعية بين
المدين وكل الدائنين (حالة كوريا) ،أو وفقا التفاقيات فردية يتم التفاوض بشأنها بين المدين
والدائن (حالة اندونيسيا)؛
-ضمان الحكومات لخصوم البنوك التجارية؛
-التركيز على إعادة هيكلة البنوك بدال من إغالقها؛
-التراجع عن السياسة المالية االنكماشية في تايالند نهاية عام ،0119كوريا الجنوبية
بداية عام 0112واعتراف صندوق النقد الدولي أن تشديد السياسة المالية كان خطأ .لكنه
تمسك بموقفه فيما يتعلق بتشديد السياسة النقدية عن طريق رفع أسعار الفائدة ،ودافع عن
ذلك ،بأن هذه البلدان اآلسيوية المتأزمة لديها ديون مقومة بعمالت أجنبية ،ومن شأن خفض
أسعار الفائدة أن يزيد من تدهور قيمة عمالتها أمام العمالت األجنبية مما يزيد أعباء تلك
1
صر على أن تشديد أسعار الفائدة لفترة ضروري لتثبيت العملة. الديون .ولهذا أ ّ
وهكذا تضمنت المرحلة الثانية من إدارة صندوق النقد الدولي لألزمة المالية اآلسيوية
ثالث برامج :برنامج مع كوريا الجنوبية ( 89ديسمبر ،)0119وبرنامجان مع إندونيسيا
(جانفي ،0112أفريل .)0112ويوضح الجدول رقم ( )09البرامج التي أبرمها الصندوق
مع أكبر ثالث دول آس يوية متضررة من األزمة المالية وقيمتها المالية اإلجمالية .أثناء إدارته
لألزمة.
الجدول رقم ( :)01برامج صندوق النقد الدولي في ظل األزمة المالية اآلسيوية
كوريا الجنوبية إندونيسيا تايالند البلدان
09ديسمبر 0119 0نوفمبر 0119 برامج صندوق النقد 80أوت 0119
89ديسمبر 0119 جــــــــــانفي 0112 الدولي
أفـــــــريــــل 0112
المبلغ اإلجمالي
09,0 90,0 09,8 ( مليار دوالر)
Source :Takatoshi ITO," Asian Currency Crisis and the International Monetary Fund,10
years later", Asian Economic Policy Review, Japan Center for Economic
Research,2007, p.41.
يتضح من الجدول ،ضخامة المبالغ المالية الملتزم بها في إطار هذه البرامج ،و قصور
في اإلمكانات المالية لصندوق النقد الدولي ،مما استدعى تدخل مؤسسات وهيئات دولية
أخرى مثل البنك الدولي وبنك التنمية اآلسيوي ،وبعض البلدان الصناعية ،وعلى رأسها
الواليات المتحدة األمريكية واليابان.
1
.براكاش لونغاني" ،أداء متميز" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،0سبتمبر ،8000ص
ص.9-6.
269
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
وقد استخدم صندوق النقد الدولي في إطار هذه البرامج ،آلية التمويل العاجل .وهي آلية
أنشأها الصندوق عام ،0110تهدف إلى تيسير الموافقة السريعة على القروض المقدمة من
الصندوق إلى بلدانه األعضاء .فبمجرد التوصل إلى اتفاق مع سلطات البلد العضو على
برنامج اإلقراض ،يتم توزيع تقرير من إعداد خبراء الصندوق وينظر المجلس التنفيذي في
1
طلب القرض خالل فترة 98ساعة .وقد استخدمت ألول مرة أثناء هذه األزمة.
8-0نتائج إدارة صندوق النقد الدولي لألزمة اآلسيوية :لقد عانت االقتصادات اآلسيوية،
في عام 0112من هبوط اقتصادي حاد ،حيث سجلت معدالت نمو سلبية ،وأصبحت معدالت
التضخم والبطالة مرتفعة في جميع أنحاء المنطقة .كما عرفت الكثير من المدن اآلسيوية
أعمال شغب واحتجاجات قوية 2.ففي كوريا الجنوبية سجلت انكماشا قدره ( )0,9-بالمائة عام
،0112وهبطت أسعار العقارات بنحو 08,9بالمائة ،وانهارت 09شركة من أصل 00
شركة كورية عمالقة خالل النصف األول فقط من عام ،0112واضطرت آالف المشاريع
الصغيرة والمتوسطة على تصفية أعمالها وإغالق أبوابها ،وترتب عن ذلك تسريح للعمال
فارتفع معدل البطالة إلى 2,6بالمائة في نهاية عام ،0112كما تراجع متوسط الدخل الحقيقي
للفرد بنسبة بلغت 80بالمائة ،وبسبب عمليات إغالق البنوك انخفض عدد البنوك الشاملة من
00بنك إلى 88بنك ،وانخفض عدد البنوك المتخصصة في تمويل العمليات التجارية من 00
بنك إلى 1بنوك .وارتفعت نسبة الديون السيادية إلى الناتج المحلي اإلجمالي بنحو ثالثة
3
أضعاف ما كانت عليه في عام -0116حوالي 6بالمائة. -
وابتدا ًء من عام ، 0111شهدت هذه البلدان انتعاشا ملحوظا ،حيث سجلت معدالت
نمو ايجابية -ولكنه كان أقل بكثير من مستويات ما قبل األزمة -وقد كان هذا االنتعاش
مدفوعا جزئيا بتصدير قوي بفضل االنخفاض الكبير في أسعار صرف عمالتها .وتمكنت كل
من كوريا الجنوبية وتايالند من تسديد قروض صندوق النقد الدولي قبل الموعد المحدد
(كوريا أوت ،8000تايالند جوان ،)8000بينما احتاجت إندونيسيا لفترة أطول (أكتوبر
4
.)8006
وهكذا وفي نهاية عام ، 8006شفيت تماما هذه البلدان من آثار األزمة ،و ارتفع
مستوى احتياطات النقد األجنبي في جميع البلدان اآلسيوية تقريبا متجاوزة المستوى المحقق
قبل األزمة ،وهو ما يطلق عليه "التأمين الذاتي" ،ما يعني أن هذه البلدان ال ترغب في
5
االعتماد على صندوق النقد الدولي في المستقبل.
-8تقييم أداء صندوق النقد الدولي في األزمة المالية اآلسيوية :لقد وجهت العديد من
االنتقادات إلى صندوق النقد الدولي والطريقة التي أدار بها األزمة المالية اآلسيوية .من
أهمها:
0-8صندوق النقد الدولي هو من زرع بذور األزمة :يرى بعض االقتصاديين أن التدخالت
والضغوط التي مورست على بلدان جنوب شرق آسيا في بداية التسعينيات من القرن
العشرين ،من جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ،والخزانة األمريكية ،والتي
تمحورت حول تقليص دور الدولة ،والعمل على تحرير األسواق المالية وإلغاء أنظمة الرقابة
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.89.
2
.Takatoshi ITO, Op. cit, p.39.
3
.أرنست فولف ،مرجع سابق ،ص ص.000-001.
4
.Takatoshi ITO, Op. cit, p.39.
5
.Ibid, p.43.
270
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
الحكومية على هذه األسواق ،هي التي أدت على تهيئة البيئة االقتصادية المساعدة في ظهور
األزمة 1.ومن ث ّم حسب هذا الرأي ،فإن االندفاع السريع نحو فتح أسواق رأس المال سواء في
البلدان النامية أو الناشئة ،يعد تصرفا خاطئا يفتقر إلى الرشادة االقتصادية ،وغالبا ما يؤدي
إلى حدوث أزمات مالية .ولهذا يجب التأكيد على أهمية وضرورة التدرج في القيام
باإلصالحات المالية ،وتأجيل تحرير حركة رؤوس األموال إلى المرحلة األخيرة حينما
2
يصبح النظام المالي المحلي قادرا على العمل بكفاءة.
8-8فشل الصندوق في التنبؤ بهذه األزمة :بالرغم من حداثة األزمة المالية المكسيكية ،إال
أن صندوق النقد الدولي فشل في التنبؤ باألزمة المالية اآلسيوية .فقد اعتقد بعد األزمة
المكسيكية ،أن نشر المعلومات في الوقت المناسب كفيل بتجنب وقوع األزمات المالية ،ولكن
الواقع أثبت أن ذلك ليس سوى وهم .فاآللية المقترحة من قبل صندوق النقد الدولي – المعيار
الخاص لنشر البيانات -تعاني أوجه ضعف عديدة ،فهي من جهة ،تعتمد على المعلومات التي
تصدر عن دوائر وهيئات تابعة للبلدان األعضاء ،وقد تتعرض للتالعب ،وعليه ال يمكن
االعتماد عليها .ومثال ذلك عدم دقة البيانات التي أعطتها كل من كوريا الجنوبية ،وإندونيسيا
وتايالند ،وماليزيا ،حول مستوى االستدانة ،واحتياطات النقد األجنبي .ومن جهة أخرى ،فإن
اعتماد هذه اآللية على المؤشرات االقتصادية الكلية فقط ،ال يكفي إلعطاء فكرة دقيقة عن
الوضع في بلد ما .فقد أثبتت األزمة اآلسيوية أن للقطاع الخاص والقطاع المالي دور في
وقوع األزمة .ما يستدعي توافر المعلومات الضرورية حولهما .فضال عن ذلك ،فإن بعض
االقتصاديين يعتقدون أنه من السذاجة االعتقاد أن مجرد نشر هذه البيانات سيسمح بتفادي
جميع االنحرافات في الوقت المناسب .فحتى إذا كانت البيانات دقيقة وجديدة تماما فإن قيمتها
ال تتحقق في الواقع إال من خالل تقديم التفسير المناسب لها .وعدم اكتمال تلك البيانات
وثغراتها يجعل من إمكانية وقوع األخطاء المرتبطة بالتفسير واردة .والدليل على ذلك ما
حدث في االقتصادات األسيوية 3،فقبيل وقوع األزمة في عام ،0119صدر عن البنك الدولي
تقريرا يشيد باألداء االقتصادي للمنطقة ،وأطلق على هذا األداء "المعجزة اآلسيوية" ،واعتبر
4
صندوق النقد الدولي النموذج اآلسيوي نموذجا ناجحا ودعا البلدان النامية االقتداء به.
1-8فشل برامج الصندوق في معالجة األزمة :لقد ذكر نقاد صندوق النقــد الــــدولي ،أنه
أخطأ خطأ ً أساسيا في بداية محاوالته لعالج األزمة ،حينما اعتمدت برامجه على سياسات لم
تحقق أهدافها المتمثلة في استقرار أسعار صرف عمالت هذه البلدان ،تحقيق معدالت
متواضعة للنمو االقتصادي ،والمحافظة على الجدارة االئتمانية لهذه البلدان ،وعلى
استمرارها في خدمة ديونها .ولقد كان وراء هذا الفشل أسباب عدة .أهمها:
-لم يعط الصندوق أهمية كبيرة إلعادة الثقة في األسواق في األجل القصير .بل عمل على
توسيع وتضخم حالة الذعر المالي التي أصابت هذه البلدان ،بداية عندما أعلن أن األزمة تعود
إلى ضعف وسوء اإلدارة االقتصادية بها ،ثم إتباعه لسلوك صارم بشأن إعادة هيكلة القطاع
المالي في ظل برامجه الموقعة مع البلدان الثالث ،والتي تتضمن إغالق المؤسسات المالية
المتعثرة ،وإحكام وتشديد اإلجراءات والقوانين الحاكمة ألداء النظام المالي .اعتقادا منه أن
ذلك سيعيد الطمأنينة والثقة إلى الدائنين ،مما يدفعهم إلى قبول تأجيل مستحقاتهم من الديون
1
.حميد الجميلي ،الحكم االقتصادي العالمي والصدمة االرتدادية ،مرجع سابق ،ص.009.
.2أحمد يوسف الشحات ،مرجع سابق ،ص ص.19-16.
3
.عبد الحكيم الشرقاوي ،مرجع سابق ،ص ص.000-008.
4
.حميد الجميلي ،الحكم االقتصادي العالمي والصدمة االرتدادية ،مرجع سابق ،ص.000.
271
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
القصيرة األجل لكن ما حدث كان العكس ،حيث انتشرت حالة من الذعر المالي ،وكان
النظام المصرفي بالكامل في إندونيسيا وكوريا الجنوبية ،وتايلند على وشك التوقف عن
الوفاء بالتزاماته ،وتوقفت البنوك األجنبية عن قبول خطابات الضمان واالئتمان التي
1
تصدرها البنوك المحلية في هذه البلدان.
-السياسات المالية والنقدية التي أوصى بها صندوق النقد الدولي أثناء إدارته لألزمة لم
تكن مناسبة لبلدان جنوب شرق آسيا ،فقد اتضح أن التركيز على سياسة مالية انكماشية ليس
هو الحل المناسب حينما ال يكون عدم التوازن المالي هو سبب المشكلة .وخاصة إذا كان
انهيار العملة في األمد القصير سيؤدي في حد ذاته إلى آثار انكماشية على اإلنتاج ،كما حدث
في هذه البلدان .ولقد استدرك الصندوق هذا األمر ،وتم تعديل أهدافه المالية في المرحلة
2
الثانية من برامجه في اتجاه التوسع.
أما فيما يتعلق بالسياسة النقدية ،فقد تمسك صندوق النقد الدولي بالمنهج التقليدي الذي
يقوم على أن رفع أسعار الفائدة يمكن أن يساهم في دعم واستقرار قيمة العملة ،وفي استقطاب
رأس المال األجنبي .ولكن يرى ناقدو الصندوق أن تلك السياسة قد ال تؤدي إلى هذه النتائج
في كل األحوال ،وخاصة في حالة الذعر المالي للدائنين ،وحيث تسود توقعات قوية
بانخفاض قريب في قيمة العملة ،أو وجود حاالت إفالس وانخفاض في األسعار .ففي هذه
الحاالت يمكن أن تؤدي الزيادة في أسعار الفائدة إلى مزيد من التدهور في قيمة العملة ال إلى
تثبيتها ،وإلى خروج المزيد من رؤوس األموال األجنبية ال إلى دخولها 3.وقد بين (Joseph.
) Stiglitzفي دراسة له عام " ،0112أنّه إذا كان التأثير السلبي لرفع أسعار الفائدة على
االقتصاد الحقيقي يؤدي إلى زيادة كافية في مخاطر اإلعسار ،والتوقف عن الوفاء بالديون،
فإنه يمكن نظريا أن يلغي أثر الحافز الذي يقدمه سعر الفائدة المرتفع كعامل جذب لتدفق رأس
المال األجنب ي ،وعليه يزيد الوضع االقتصادي سوءا .كما بينت هذه الدراسة أن حجم كل من
المزايا والتكاليف لسياسة رفع سعر الفائدة يختلف من بلد إلى آخر ،ويعتمد على نوعية كل
من المقترضين األجانب والمدينين ،وكذا على هيكل النظام المصرفي المحلي ،وعلى حجم
الدين المقوم بالعمالت األ جنبية ،وحجم الدين المقوم بالعملة المحلية" .كما بينت هذه الدراسة
أن هذه السياسة غير مناسبة في الحالة اآلسيوية ،ألنها كانت أكثر عرضة لآلثار السلبية
4
ألسعار الفائدة المرتفعة ،وذلك يرجع إلى درجة االستدانة العالية لمؤسساتها.
-انطوت برامج صندوق النقد الدولي على قائمة طويلة من اإلصالحات الهيكلية طويلة
األجل ،كما تضمنت سياسات تتجاوز معالجة األزمة المالية (التحرير االقتصادي،
الخصخصة ،)...،حيث يرى النقاد أنه على الرغم من أن كثير من اإلصالحات الهيكلية التي
ضمنها الصندوق برامجه مع البلدان اآلسيوية يمكن أن تؤدي إلى تحسين اقتصاداتها في
األمد الطويل ،ولكنها ال يمكن أن تؤدي في الحال إلى تقوية الثقة في اقتصاداتها ،وتمكينها
5
من الحصول على موارد أسواق رأس المال.
-يرى النقاد أن برامج صندوق النقد الدولي مع البلدان األسيوية ،تهدف إلى إنقاذ البنوك
األجنبية ال إلى إنقاذ البلدان المتضررة ،فالشروط التي فرضت على البلدان اآلسيوية في هذه
1
.أحمد يوسف الشحات ،مرجع سابق ،ص ص.10-10.
2
.محمد الفنيش ،مرجع سابق ،ص.06.
3
.أحمد يوسف الشحات ،مرجع سابق ،ص ص.10-18.
4
.محمد الفنيش ،مرجع سابق ،ص.81.
5
.المرجع نفسه ،ص ص.00-00.
272
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
*
يجري مجلس المحافظين مراجعات عامة للحصص على فترات منتظمة (عادة خمس سنوات) .وأي تغيير في الحصص يجب أن يوافق عليه
األعضاء بأغلبية % 20من مجموع القوة التصويتية .وال يمكن إدخال أي تغيير في حصة البلد العضو دون موافقته.
274
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
086بلد عن طريق حقوق السحب الخاصة ،و 89بلد عضو بالعمالت األجنبية ،و 6بلدان
1
دفعت مزيجا من حقوق السحب والعمالت األجنبية.
-8الرقابة على القطاع المالي ومبادرة المعايير :ازداد اهتمام صندوق النقد الدولي بدراسة
أسباب األزمات المالية ،وإمكانية التنبؤ بها ،في أعقاب أزمات عقد التسعينيات من القرن
العشرين .وقد أسفرت مجهوداته على استحداث مبادرتين هما مبادرة برنامج تقييم القطاع
المالي ،ومبادرة المعايير والمواثيق.
0-8برنامج تقييم القطاع المالي) :(FSAPفي عام ،0111استحدث صندوق النقد والبنك
الدوليين مبادرة مشتركة تعرف باسم "برنامج تقييم القطاع المالي" ،بهدف تزويد البلدان
األعضاء –على أساس طوعي -بتقييم شامل لنظمها المالية 2.وذلك من خالل:
-تحديد مواطن القوة ومكامن الضعف في النظام المالي للبلد العضو؛
-التأكد من احتياجات القطاع إلى المساعدة اإلنمائية والفنية؛
-تحديد المخاطر التي تنشأ في القطاع المالي وتهدد استقرار االقتصاد الكلي؛
-تحديد مدى قدرة القطاع المالي على امتصاص الصدمات االقتصادية الكلية؛
وفي إطار هذا البرنامج يستخدم صندوق النقد الدولي أدوات كثيرة لتقييم المخاطر
3
ومواطن الضعف الرئيسية في المؤسسات المالية أو النظام المصرفي ككل .من بينها:
-اختبارات الجهد :للتأكد من مدى صالبة القطاع المصرفي وقدرته على امتصاص
الصدمات المرتبطة بتغيرات أسعار السوق مثل أسعار الفائدة ،وأسعار الصرف ،وأسعار
األصول العقارية (مخاطر السوق) ،أو تلك المرتبطة بعدم قدرة المقترضين عن السداد
(مخاطر االئتمان) ،أو ارتفاع تكاليف التمويل نتيجة نقص ثقة المستثمرين في جودة أصول
البنك (مخاطر السيولة) .ويكون ذلك بإخضاعها الختبارات القدرة على تحمل الضغوط تؤدي
عمليات افتراضية لقياس أدائها في ظل سيناريوهات كلية ومالية بالغة الشدة ،مثل حدوث
4
كساد حاد أو جفاف في أسواق التمويل.
-تحليل مؤشرات الحيطة الكلية :حيث يوفر برنامج قراءة لمؤشرات االقتصاد الكلي،
ويقيس مدى سالمة واستقرار النظام المالي ،ويحدد نقاط ضعف محتملة قد تحتاج إلى اتخاذ
تدابير عالجية .وقد تعاون صندوق النقد الدولي في هذا المجال مع هيئات قطرية ومؤسسات
إقليمية ودولية مختصة في وضع مجموعة أساسية من المؤشرات أطلق عليها مؤشرات
السالمة المالية ،تتضمن من 08مؤشر إلى 82مؤشر .وقد وافق عليها المجلس التنفيذي عام
،8000وأصبح الصندوق يعتمد عليها كعنصر أساسي في أنشطته الرقابية وفي تقارير
5
برنامج تقييم القطاع المالي.
-تقييم المعايير :يظهر برنامج تقييم القطاع المالي مدى إتباع البلد المعني المعايير الدولية
مثل معايير بازل.
1
.International Monetary Fund, Annual Report of the Executive Board for financial year ended, April 30,
1999, pp.95-97.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص.80.
3
.International Monetary Fund, Annual Rreport of the Executive Board for financial year ended, April 30,
2001, p.23.
4
.هيروكو أورا ،ليليانا شوماخر " ،بنوك تحت الضغط" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،8يونيو
،8000ص.02.
5
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص ص.00-09.
275
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
8-8مبادرة المعايير والمواثيق :خالل مناقشات المجلس التنفيذي حول تعزيز البنيان المالي
الدولي في أعقاب األزمة المالية اآلسيوية ،أ ّكد المديرون على الحاجة لوضع وتنفيذ معايير
ومواثيق للممارسات السليمة معترف بها دوليا لدعم االستقرار االقتصادي الكلي والمالي
على المستويين المحلي والدولي .وكانت النتيجة إطالق مبادرة المعايير والمواثيق في عام
،0111حيث يُق ِّيّم الصندوق والبنك الدوليين سياسات البلدان األعضاء مقارنة بالقواعد
المعيارية الدولية للممارسات ،بناءا على طلبها -االشتراك في هذه المبادرة يكون على أساس
طوعي وليس إلزامي -وفي أي من المجاالت االثني عشر التالية :المحاسبة ،تدقيق
الحسابات ،مكافحة غسل األموال تمويل اإلرهاب ،الرقابة المصرفية ،حوكمة الشركات،
نشر البيانات ،شفافية المالية العامة ،اإلفالس وحقوق الدائنين ،الرقابة على التأمين شفافية
السياسات النقدية والمالية ،نظم المدفوعات ،تنظيم األوراق المالية .ويقوم كل من الصندوق
والبنك بإعداد تقارير مراعاة المعايير والمواثيق) ،(ROSCبهدف مساعدة البلدان األعضاء
على تقوية مؤسساتها االقتصادية وتمكين الصندوق والبنك الدوليين من تعزيز مناقشاتهما
بشأن السياسات مع السلطة الوطنية ،كما يستخدمها القطاع الخاص( المشاركون في السوق،
1
وكاالت التصنيف االئتماني )...من أجل تقييم المخاطر.
المطلب الرابع :دور صندوق النقد الدولي في معالجة أزمات العقد األول من القرن الواحد
والعشرين
لقد كان لصندوق النقد الدولي دور كبير في مواجهة األزمات المالية التي شهدها العالم
في بداية األلفية الثالثة ،من خالل زيادة طاقته االقراضية ،وحشد خبراته التي اكتسبها إبان
أزمات عقد التسعينيات من القرن العشرين .وسيتطرق هذا المطلب لجهود الصندوق اتجاه
األزمة المالية األرجنتينية ،وأزمة منطقة اليورو .أما عن دوره في األزمة المالية
واالقتصادية العالمية ،8002فسيتم التطرق له في المبحث الثالث.
أوال :جهود صندوق النقد الدولي في األزمة المالية األرجنتينية ،لجأت األرجنتين إلى
صندوق النقد الدولي وعقدت معه اتفاقا بتاريخ 00مارس من عام ،8000يقضي بتقديم دعم
مالي لها بقيمة 01,9مليار دوالر ساهم الصندوق بـــــــ 00,9مليار دوالر -منها 9,8مليار
دوالر في إطار اتفاقية االستعداد االئتماني لمدة ثالث سنوات -و 86مليار دوالر من مصادر
أخرى (البنك الدولي ،بنك التنمية لبلدان أمريكا الالتينية اسبانيا) .ويتضمن هذا االتفاق التزام
2
األرجنتين بتطبيق برنامج لصندوق النقد الدولي ،يتضمن الشروط التالية:
-اعتماد سياسات مالية انكماشية من خالل تخفيض اإلنفاق الحكومي ،وزيادة الضرائب
للقضاء نهائيا على عجز الموازنة العامة (تصفير العجز)؛
-رفع أسعار الفائدة؛
-قيام األرجنتين بإصالحات مختلفة ،تتضمن :تحرير القطاع الصحي ،إلغاء القيود في
قطاع الطاقة واالتصاالت ،خصخصة مشاريع الدولة،خفض الواردات السلعية ،إتباع
مرونة أكبر في سوق العمل...،
لم تحقق السياسات االقتصادية التي فرضها صندوق النقد الدولي على األرجنتين النتائج
المرجوة ،حيث لم تتمكن الحكومة من تحقيق األهداف المالية للبرنامج (تصفير العجز) ،مما
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص ،88.ص.86.
2
. J.F Hormbeck, "The Argentine Financial Crisis: A Chronology of Events", CRS Report for Congress, Order
أرنست فولف ،مرجع سابق ،ص 000.؛code RS21130, January 31, 2002, p.2
276
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
جعل الصندوق يحجب عنها مبلغ قدره 0,89مليار دوالر وذلك في الخامس ديسمبر. 8000
و في السابع من ديسمبر ،أعلنت األرجنتين عدم قدرتها على سداد ديونها الخارجية 1.كما
كان لتلك السياسات آثارا سلبية على ألوضاع االقتصادية واالجتماعية في األرجنتين .يمكن
2
حصر أهمها في النقاط التالية:
-انكماش االقتصاد بنسبة 0,0بالمائة في عام ،8000وبنسبة 00,1بالمائة عام .8008وهذا
حسب رأي العديد من الخبراء بسبب الزيادة الكبيرة في الضرائب التي قضت على االنتعاش،
وصعوبة الحصول على االئتمان؛
-ارتفاع معدالت البطالة من 02بالمائة عام 8000إلى 80,6بالمائة عام 8008؛
-تراجع المبيعات بنسبة 86بالمائة؛
-ارتفاع نسبة األرجنتينيين الذين يعيشون تحت خط الفقر من 02,0بالمائة في أكتوبر 8000
إلى 09,0بالمائة في عام 8008؛
ثانيا :جهود صندوق النقد الدولي في منطقة اليورو ،منذ بداية األزمة ،طلب عدد من البلدان
األوروبية الحصول على الدعم المالي من صندوق النقد الدولي .وخالل الفترة (-8000
)8000طبقت كل من اليونان ايرلندا البرتغال ،وقبرص برامج للتصحيح االقتصادي والنمو
يدعمه صندوق النقد الدولي بالتعاون مع االتحاد األوروبي.
-0برنامج اإلنقاذ المالي في اليونان :كانت اليونان أول بلد من بلدان منطقة اليورو التي
لجأت إلى صندوق النقد الدولي في أفريل ،8000لطلب الدعم المالي منه .وانضم الصندوق
إلى كل من المفوضية األوروبية والبنك المركزي األوروبي لمساعدة اليونان عن طريق
برنامجين:
0-0البرنامج األول :هو برنامج لإلصالح االقتصادي يغطي ثالث سنوات وقيمته 000
مليار يورو ساهم صندوق النقد الدولي بنحو 89,0بالمائة ،أي ما يعادل 00مليار يورو،
وهو ما يمثل 0808بالمائة من حصة اليونان في صندوق النقد الدولي ،وذلك في إطار اتفاق
االستعداد االئتماني ،بعد أن وافق المجلس التنفيذي عليه في التاسع ماي 3.8000وتتمثل
األهداف الرئيسية لهذا البرنامج في :دعم القدرة التنافسية لليونان ،وتعزيز استقرار القطاع
المالي واستعادة ثقة السوق ،وضمان توافر موارد عامة قابلة لالستمرار حتى يتسنى استعادة
4
النمو وتوفير فرص عمل مجددا في الوقت المناسب.
وينطوي هذا البرنامج على ضرورة قيام الحكومة اليونانية بتنفيذ تدابير مالية حازمة،
5
وسياسات هيكلية واسعة النطاق ،وإصالحات في القطاع المالي:
-ضبط أوضاع المالية العامة ،بهدف الوصول بعجز الموازنة العامة إلى أقل من 0بالمائة
من الناتج المحلي االجمالي بحلول عام ،8009مقارنة بعجز قدره 00,6بالمائة في عام
.8001ومن أجل تحقيق ذلك البد من تخفيض اإلنفاق العام عن طريق تخفيض األجور
1
.Ibid, p.4.
2
. Jim Saxton, Op. cit, p.15.
3
. Takagi Shinji and others," The IMF and the crises in Grecce, Irland, Portugal ", Evalution Report, IEO,
International Monetary Fund, 2016, pp.3-4.
4
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي" :نحو نمو متكافئ ومتوازن" ،8000 ،ص.01.
5
" .أوروبا والصندوق يتفقان مع اليونان على خطة تمويلية بقيمة 000مليار يورو" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 8 ،ماي ،8000ص
ص ،9-0.من الموقع:
http://www.imf.org/~/media/Websites/IMF/Imported/external/arabic/pubs/ft/survey/so/2010/car050210aapdf last
visited 09/12/2016
277
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
والمعاشات التقاعد وتجميدها لثالث سنوات ،إلغاء العالوات المعتاد صرفها للقوى العاملة
بمناسبة أعياد الميالد ،تخفيض بعض مزايا الضمان االجتماعي .والعامل على زيادة
اإليرادات عن طريق زيادة الضريبة على القيمة المضافة ،والضرائب على السلع الكمالية،
والتبغ والكحول وسلع أخرى؛
-إصالح إدارة اإليرادات وضبط النفقات :على الحكومة اليونانية أن تعمل على تحسين
التحصيل الضريبي وزيادة مساهمة من لم يحملوا نصيبا عادال من العبء الضريبي ،وحماية
اإليرادات من مخالفات كبار الضرائب؛
-إصالح شامل لنظام التقاعد ،يشمل تخفيض مخصصات التقاعد المبكر؛
-تحسين مناخ األعمال وخصخصة المؤسسات العامة ،وإصالح سوق العمل وجعله أكثر
مرونة؛
-خفض اإلنفاق العسكري خالل الفترة المستهدفة؛
-إقامة صندوق لالستقرار المالي بتمويل من البرنامج التمويلي الخارجي لتامين مستوى
كاف من رأس المال المصرفي؛
-استخدام نسبة غ ير قليلة من األموال المتاحة في البرنامج لسداد مستحقات البنوك األجنبية
1
قصيرة األجل؛
وعمل صندوق النقد الدولي على مراقبة تنفيذ البرنامج عن طريق مراجعات ربع
سنوية ،وقد أتاح لليونان مبلغا فوريا قدره 0,0مليار يورو 2.وبعد مرور سنتين كانت النتائج
سلبية ،فقد ظل م ستوى اإلنفاق العام مرتفع مقارنة باإليرادات الضريبية ،فحسب صندوق
النقد بقي اإلنفاق العام في اليونان قريبا من المتوسط المسجل في منطقة اليورو وهو 00-91
بالمائة من الناتج المحلي اإلجمالي ،بينما اإليرادات الضريبية بلغت فقط 01بالمائة من الناتج
المحلي اإلجمالي وهو أقل بكثير من متوسط منطقة اليورو 3.كما استمر الناتج المحلي
اإلجمالي الحقيقي في الهبوط من نمو سالب عام 8000قدره ( )9,9-بالمائة إلى نمو سالب
قدره ( )6,9-بالمائة عام ،8008وقفز معدل البطالة من 08,0بالمائة عام 8000إلى 89,8
4
بالمائة عام .8008
8-0البرنامج الثاني :بسب النتائج المخيبة لآلمال ،وافق المجلس التنفيذي في مارس 8008
على اتفاق لصالح اليونان ،يغطي أربع سنوات ،ويتيح لها الحصول على حوالي 82مليار
يورو من خالل تسهيل الصندوق الممدد وهو مستوى استثنائي من موارد الصندوق يصل
إلى 8002,2بالمائة من حصة عضوية اليونان .ويشكل هذا االتفاق جزءا من البرنامج
التمويلي مع االتحاد األوروبي قيمته 000مليار يورو ،مضافا إليه بقية الدعم المالي البالغ
6
09مليار يورو ضمن البرنامج األول 5.ويهدف هذا البرنامج المدعم من الصندوق إلى :
1
.أوليفييه بالنشار" ،اليونان :االنتقادات السابقة والمسار القادم" ،مدونة صندوق النقد الدولي 00 ،جوان ،8000من الموقع:
https://blog-montada.imf.org,Last visited 12/12/2016.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.01.
3
" .برنامج اليونان :المجلس التنفيذي يوافق على قرض لليونان بقيمة 82مليار يورو" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 00 ،مارس ،8008
ص .8.من الموقع:
http://www.imf.org/~/media/websites/imf/imported/external/arabic/pubs/ft/survey/so/2012/car031512bapdf last
visited 12/12/2016.
4
.صندوق النقد الدولي،آفاق االقتصاد العالمي ،سبتمبر ،8000ص92.؛ صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر ،8000ص.01.
5
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي" :معا لدعم التعافي والنمو" ،8008 ،ص.01.
6
" .برنامج اليونان :المجلس التنفيذي يوافق على قرض لليونان بقيمة 82مليار يورو" ،مرجع سابق ،ص ص0-8.؛ صندوق النقد الدولي" ،
المجلس التنفيذي يوافق على قرض لليونان بقيمة 82مليار يورو من خالل تسهيل الصندوق الممدد" ،بيان صحفي رقم 00 ،08/22مارس ،8008
278
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-دعم استعادة النمو ،من خالل تحسين القدرة التنافسية ،ويرى صندوق النقد الدولي أن
السبب في عدم قدرة اليونان على المنافسة في األسواق الدولية هو ارتفاع األجور أسرع من
نمو اإلنتاجية لسنوات طويلة ،فارتفعت تكاليف العمل -وهي من أهم مقاييس القدرة التنافسية-
بأكثر من 00بالمائة خالل الفترة ( )8000-8000مقارنة بما يقل عن 80بالمائة في منطقة
اليورو .ولهذا لم تتجاوز صادراتها من السلع والخدمات 09بالمائة من منتجاتها .والحل من
وجهة نظر الصندوق ،يكمن في تعديل األجور ،نظرا ألن تخفيض قيمة العملة ليس من
الخيارات المتاحة لليونان باعتبارها عضوا في منطقة اليورو .كما أن تخفيض تكاليف العمل
من خالل تحسين اإلنتاجية يصعب التخطيط له في المدى القريب .لهذا على اليونان تعديل
األجور من خالل إصالحات سوق العمل ،وذلك بإجراء تخفيض كبير في الحد األدنى
لألجور حتى يصبح أكثر اتساقا مع المستويات السائدة في البلدان األوروبية األخرى.
-تحسين أوض اع المالية العامة ،حتى يتسنى الوصول إلى فائض قدره 9,0بالمائة من
الناتج المحلي الجمالي في عام ،8009يكون ذلك بإجراء تخفيضات جديدة في اإلنفاق العام،
تضاف إلى التخفيضات الحادة التي أجريت خالل السنوات السابقة .إلى جانب العمل على
تحسين التحصيل الضريبي ،والقضاء على التهرب الضريبي وتوسيع األوعية الضريبية.
فحسب صندوق النقد الدولي هناك عدد كبير من المشتغلين باألعمال الحرة في اليونان ال
يدفعون سوى مبالغ ضئيلة للضرائب على الرغم من ارتفاع دخولهم.
-ضمان مالءة القطاع المصرفي مع توفير الحماية للمودعين ،حيث تم تخصيص مبلغ
00مليار يورو من هذا البرنامج لمساعدة البنوك على التصدي للتحديات المختلفة ،فقد
خسرت البنوك منذ عام 8001إلى نهاية عام 8000نحو 00بالمائة من ودائعها ،وبسبب
الركود ارتفع عدد القروض المتعثرة إلى أكثر من 00بالمائة من مجموع القروض بنهاية
سبتمبر .8000
-تخفيض مستو يات المديونية ،على اليونان التركيز على تنفيذ اإلصالحات الهيكلية بما
يكفل تعزيز القدرة التنافسية ،وتعجيل النمو حتى يتحقق تخفيف أعباء الديون بدرجة تكفي
لوضعها على مسار هبوطي يصل إلى أقل من 080بالمائة من إجمالي الناتج المحلي
اإلجمالي بحلول عام .8080
وإلى جان ب هذا البرنامج ،عقدت اليونان اتفاق إلعادة هيكلة الديون مع حاملي السندات
الحكومية اليونانية من القطاع الخاص (المصارف وشركات التأمين ،وصناديق التقاعد)،
وشملت ما يقرب 009مليار يورو من السندات الحكومية عن طريق تبديل السندات القديمة
بأخرى جديدة بتاريخ استحقاق يصل إلى ثالثين سنة وبنسبة فائدة متغيرة تتراوح بين
8بالمائة حتى 8000و 0بالمائة حتى 8080و 9,0بالمائة في السنوات الموالية إلى أن
1
تنتهي آجال استحقاق الديون اليونانية في .8098
وبين منتصف 8009ومنتصف عام ،8000عاودت األزمة اليونانية إلى البروز من
جديد ،حيث قررت الجهات المانحة عدم صرف شريحة من أمواال إلنقاذ المالي بمقتضى
البرنامج الثاني ،بسبب تأخر اليونان في تنفيذ اإلصالحات وتخفيض المديونية 1.فقد بلغ الدين
العام لليونان حسب المكتب اإلحصائي لالتحاد األوروبي في 8000ما يقارب
096,2بالمائة من إجمالي الناتج المحلي ،وهو أعلى معدل دين في منطقة اليورو 2.كما تزايد
االستياء الجماهيري من سياسة التقشف ،وصوت أكثر من 60بالمائة من الناخبين بـــــ "ال"
في استفتاء شعبي -أجرته الحكومة في الخامس من جويلية -8000على مقترحات
المؤسسات الدائنة مقابل الحصول على مساعدات مالية 3.كما أصدر صندوق النقد الدولي
بتاريخ 00جويلية 8000بيانا بشأن اليونان يعلن فيه أنه لم يتلق منها حوالي 906مليون
يورو المستحق على أصل القرض المقدم من الصندوق ،وبأن مجموع متأخرات اليونان
4
المستحقة للصندوق حتى ذلك التاريخ هو 8مليار يورو.
في ظل هذه األوضاع المتأزمة ،استمرت المفاوضات بين الحكومة اليونانية وزعماء
5
منطقة اليورو .وفي قمة استثنائية لزعماء المنطقة تم مناقشة ثالث خيارات:
-تقديم حزمة مساعدات مالية ثالثة لليونان مع مزيد من اإلصالحات ،مع الحفاظ على اليونان
في منطقة اليورو؛
-خروج اليونان من منطقة اليورو؛
-الحفاظ على اليونان في منطقة اليورو ،مع تخفيف أعباء ديون اليونان ،وجعل اإلصالحات
أكثر مرونة؛
وقد تم االتفاق على الخيار األول ،إبقاء اليونان في منطقة اليورو مع توفير مساعدات
مالية جديدة .ذلك ألن اليونان ال تريد الخروج من منطقة اليورو ،وال يمكن إرغامها على
ذلك بموجب المعاهدات التي يقوم عليها االتحاد األوروبي ،وهي تفضل البقاء وبأعباء ديون
أقل ،ولكن زعماء المنطقة وعلى رأسهم ألمانيا يرفضون ذلك فهم من جهة غير مستعدين
لتحمل قروض اليونان ،ومن جهة ثانية يعتقدون أن إبقاء اليونان في منطقة اليورو مع تخفيف
أعباء ديونها من شأنه أن يخلق ما يعرف "بالخطر الخلقي" في منطقة اليورو .أي أن قبول
ذلك الخيار سيمثل إشارة إلى دول أخرى في المنطقة أن بوسعها تكديس ديون ضخمة،
بتمويل من البنك المركزي األوروبي ومن دون أي نية للسداد ،كما سيشجعها على أن تكون
6
أقل ميال لتنفيذ سياسات حكيمة في المستقبل.
7
ويشمل االتفاق الجديد اإلجراءات التالية:
-توفير حزمة مساعدات مالية ثالثة بقيمة 26مليار يورو على مدى ثالث سنوات؛
-إصالحات واسعة النطاق ،نفذت الحكومة عددا من اإلصالحات على المدى القصير وهي
ملتزمة بعدد من اإلصالحات على المدى الطويل ،إصالحات تستهدف مجموعة من القضايا
(الضرائب ،المعاشات النظام القضائي ،تحرير األسواق ،خصخصة سوق الطاقة ،معالجة
نقاط الضعف في القطاع المصرفي)...؛
1
. Rebecca M.Nelson and others, "The Greek Debt Crisis: Overview and Implications for the United States",
CRS Report, Congressional Research Service, R44155, August19,2015, p.5.
2
. http://ec.europa.eu/eurostat/web/government-finance-statistics/overview, last visited 12/01/2017
3
. Ibid, p.5.
4
" .بيان من صندوق النقد الدولي بشأن اليونان" ،بيان صحفي رقم 00 ،00/114يوليو ،8000من الموقع:
http://www.imf.org/~/media/Websites/IMF/Imported/external/arabic/np/sec/pr/2015/pr15334apdf. last visited
12/01/2017.
5
.Rebecca M.Nelson and others, Op. cit, pp.5-6.
6
. Ibid, pp.6-7.
7
. Ibid, p.6.
280
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-تأسيس صندوق جديد إلدارة حصيلة بيع األصول اليونانية ،والتي قدرت بحوالي 00مليار
يورو نتيجة البرنامج الواسع الذي ستطلقه اليونان لبيع مرافق عامة :مطارات ،موانئ ،بنية
تحتية ،باإلضافة إلى بيع شركات الطاقة ،حصص الحكومة في بنوك يونانية .على أن تتولى
السلطة اليونانية إدارة الصندوق تحت إشراف االتحاد األوروبي ومؤسساته .وتستخدم
عائدات هذا الصندوق إلعادة رسملة البنوك ،وسداد الديون القائمة ،واالستثمار في االقتصاد
اليوناني؛
-قيام االتحاد األوروبي باستثمار حوالي 00مليار يورو في اليونان خالل الفترة القادمة من
ثالث إلى خمس سنوات؛
-إمكانية تخفيف أعباء الديون في المستقبل ،حيث نص االتفاق أن دول منطقة اليورو على
استعداد للنظر في هذا الخيار إذا لز م األمر ،مع إمكانية اتخاذ تدابير إضافية كتمديد فترات
السداد؛
وخالفا للبرنامجين السابقين لم يساهم صندوق النقد الدولي في هذا التمويل ،على الرغم
من طلب زعماء منطقة اليورو .ويرجع ذلك إلى مخاوف بشأن التزامات اليونان بشأن
القدرة على تحمل الديون واإلصالح .وقد تر ك صندوق النقد الدولي إمكانية المشاركة إذا
وافقت اليونان على مجموعة شاملة من اإلصالحات ووافقت حكومات منطقة اليورو على
1
تخفيف الديون بشكل كبير.
-8برامج الصندوق في ايرلندا والبرتغال وقبرص :واصل صندوق النقد الدولي جهوده في
منطقة اليورو من خالل عقد اتفاقات جديدة مع كل من ايرلندا ،البرتغال ،وقبرص .يمكن
تلخيصها في الجدول التالي:
1
.Rebecca M.Nelson and others, "The Greek Debt Crisis: Overview and Implications for the United States",
CRS Report, Congressional Research Service, R44155, April 24, 2017, p.7.
281
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
تضمن إصالحات الستعادة تنفيذ إصالحات هيكلية إعادة هيكلة شاملة للنظام مضمونه
صحة الجهاز المصرفين بما (مثل إصالح سوق العمل ،المصرفي ضبط أوضاع
شركات المالية العامة من أجل في ذلك إعادة رسملة البنوك ،خصخصة
تصحيح أوضاع المالية العامة حكومية) ،توفير الضمانات تصحيح عجز الموازنة من
لوضع الموارد العامة على الوقائية لتأمين االستقرار خالل تحسين تحصيل
مسار سليم بتخفيض العجز المالي والحيلولة دون اإليرادات وزيادة كفاءة
إلى ما يزيد على 0بالمائة من الدخول في فترة مطولة من اإلنفاق العام وتحسين أداء
الناتج المحلي اإلجمالي على االنكماش االئتماني ،خفض القطاع العام ،إجراء
وزيادة إصالحات هيكلية :تحرير العام اإلنفاق مدى خمس سنوات.
أسواق الخدمات ،إصالح الضرائب
نظام األجور..
Source :- Takagi Shinji and others," The IMF and the crises in Grecce, Irland,
Portugal ", Evalution Report, IEO, International Monetary Fund, 2016, p.4.
-A Staff of the Directorate-General for Economic and Financial Affairs,"The
Economic Adjustment Programme for Cyprus", Occasional Papers 149, European
Commision, Brussels, Belgium, May 2013, pp.37-39.
-صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي":معا لدعم التعافي العالمي" ،8008 ،ص.01.
-صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي":إيجاد الحلول معا" ،8006 ،ص82.
-1تقديم المساعدة الفنية :إلى جانب جهود صندوق النقد الدولي المالية في منطقة اليورو
من خالل مشاركته في برامج اإلنقاذ ،قام الصندوق خالل الفترة ( )8000-8000بتقديم
المساعدة الفنية لبعض بلدان المنطقة -بناءا عن طلبها -منها:
0-1اسبانيا :في جوان ،8008طلبت اسبانيا دعما ماليا من منطقة اليورو من أجل إعادة
هيكلة ورسملة القطاع المالي .لم يكن لصندوق النقد الدولي دورا تمويليا في هذا الدعم ،ولكن
كان له دور استشاري في تصميم برنامج الدعم األوروبي ،حيث شارك في المناقشات التي
جرت بين اسبانيا والمفوضية األوروبية والبنك المركزي األوروبي ،وقد جاءت مشاركته
حسب رأي خبراء صندوق النقد الدولي في الوقت المناسب ،حيث كان قد أكمل في جويلية
8008تقييمه للنظام المالي االسباني في إطار برنامج تقييم القطاع المالي ( ،(FSAPفهو
بذلك على دراية وثيقة بالقطاع المالي االسباني (الثغرات القائمة) ،إلى جانب خبرته الواسعة
1
في إعادة هيكلة القطاع المالي.
8-0البلدان التي لديها برامج مدعمة بموارد الصندوق :بالنسبة لليونان ،فقد سبقت المساعدة
الفنية الموافقة على منح التمويل في إطار اتفاق االستعداد االئتماني (ماي .)8000فخالل
األشهر األولى من عام 8000كانت فرق متعددة من خبراء صندوق النقد الدولي في أثينا
لتقديم المساعدة الفنية لتحسين السيطرة على اإلنفاق 2.وكذا تقديم المشورة حول إدارة نظام
الضمان االجتماعي ،وتسوية أوضاع البنوك والرقابة المصرفية .وفي البرتغال قام صندوق
3
النقد الدولي بتقديم المساعدة الفنية لترشيد النفقات العامة ،والرقابة على القطاع المصرفي.
كما ساعد الصندوق قبرص على تحسين سياسة الضرائب ،واإلدارة الضريبية ،وإصالح
إدارة المالية العامة ،وتحديد أولويات النفقات العامة 4.أما بالنسبة اليرلندا فقد تلقت المساعدة
1
.Takagi Shinji and others, Op. cit, p.31.
2
.Ibid, p.30.
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي" :من أجل اقتصاد عالمي أكثر أمنا واستقرارا" ،8000 ،ص90.
.4صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي" :من االستقرار إلى النمو القابل لالستمرار" ،8009 ،ص90.
282
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
الفنية من صندوق النقد الدولي في قضايا القطاع المصرفي ،وكذا في مجال األسواق النقدية
1
والرأسمالية.
-4تقييم البرامج المدعومة من صندوق النقد الدولي في منطقة اليورو :إن تقييم نجاح أو
فشل أي برنامج يتم من خالل إجراء تقييم لنتائجه للتعرف فيما إذا كان قد حقق أهدافه
المعلنة .وقد كانت األهداف المعلنة في البرامج الثالث (اليونان ،ايرلندا ،البرتغال) استعادة:
-االستقرار المالي؛
-النمو االقتصادي؛
-القدرة على تحمل الديون؛
-الوصول إلى األسواق؛
وحسب خبراء صندوق النقد الدولي ،فلقد نالت برامجه نجاحا في كل من ايرلندا
والبرتغال .ففي ايرلندا تمكنت من تحقيق -تقريبا -جميع األهداف المالية والهيكلية في الوقت
المناسب ،باستثناء التأخر في معالجة مشكلة متأخرات الرهن العقاري .وبحلول عام 8000
استطاعت استعادة الثقة ،وبدأ تعافي االقتصاد واضحا حيث ارتفع معدل النمو ،وانخفضت
البطالة ،مع انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي اإلجمالي ،وانخفضت العائدات على
السندات االيرلندية بشكل كبير ،وتمكنت من الوصول إلى األسواق من جديد ،كما أزالت كل
التهديدات التي تعيق االستقرار المصرفي .كما تمكنت من الخروج من برنامج الصندوق –
2
بعد إكماله -في ديسمبر 8000وقامت بالسداد المبكر للدفعات المستحقة للصندوق.
أما البرتغال فقد خرجت من برنامج الدعم المالي في جوان ،8009بعد أن تمكنت من
العودة إلى األسواق ،وإن كان ذلك بأقل كفاءة من ايرلندا ألن عددا من نقاط الضعف لم تعالج
3
بشكل حاسم.
بالنسبة لليونان ،فقد فشلت برامج الصندوق ،إذ لم تتمكن اليونان من استعادة االستقرار
المال ي واالقتصادي الكلي ،حيث تراجع الناتج المحلي اإلجمالي تراجعا كبيرا ،وارتفع معدل
البطالة ،ولم تحقق الهدف األساسي وهو وضع نسبة الدين إلى الناتج المحلي اإلجمالي على
مسار تنازلي في عام ،8009فقد زادت ديون اليونان وهذا أدى إلى تحطيم ثقة المستثمرين
4
وتسارع المودعين لسحب ودائعهم.
وهناك تفسيرات عديدة لفشل برامج الصندوق في اليونان ،في حين كانت ناجحة في
ايرلندا والبرتغال .منها:
-الظروف واألوضاع االقتصادية قبل األزمة :لقد شهدت بلدان منطقة اليورو فترة من النمو
االقتصادي المزدهر في السنوات السابقة لألزمة المالية العالمية ،8002ولكن كان بعضها
يعاني من اختالالت ونقاط ضعف خاصة بلدان األزمة .فقد عرفت اسبانيا ازدهارا كبيرا في
قطاع اإلسكان في سنوات ما قبل األزمة أدى إلى نمو أنشطة البناء الممولة عن طريق
االئتمان بسرعة .ومع بداية األزمة انفجرت فقاعة العقارات في اسبانيا .وكانت البرتغال
تعاني من ارتفاع نسبة الدين العام ونسبة عجز الموازنة .أما ايرلندا فقد شهدت نموا مدفوعا
باالستهالك الممول عن طريق االئتمان .كما عرفت هذه البلدان الثالث تصاعد العجز في
حساباتها الجارية في السنوات التي سبقت األزمة .في حين كانت اليونان حالة خاصة ،ألنها
1
.Takagi Shinji and others,Op. cit, p.30.
2
.Ibid, p.13, p.28.
3
. Takagi Shinji and others,Op. cit, p.4, p.28.
4
. Ibid, pp.28-29.
283
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
شهدت كل هذه االختالالت في وقت واحد ،وأظهرت نقاط ضعف متعددة قبل األزمة .فقد
كان االستهالك الممول عن طريق االئتمان هو محرك النمو في اليونان ،كما سجلت ارتفاعا
كبيرا في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي اإلجمالي ،وقفزت أسعار المساكن بها بنسبة
000بالمائة خالل الفترة ( .)8009 -0110وسجلت عجزا كبيرا في حسابها الجاري في
سنوات ما قبل األزمة ،ففي عام 8009بلغت نسبة العجز في حسابه الجاري إلى الناتج
المحلي اإلجمالي 06بالمائة بالمقارنة مع 00بالمائة في البرتغال 1,0 ،بالمائة في اسبانيا،
1
0,0بالمائة في ايرلندا.
-ضعف القدرة التنافسية لالقتصاد اليوناني :على عكس ايرلندا والبرتغال ومنطقة اليورو
ككل سجلت اليونان مساهمة ضئيلة للصادرات في نمو الناتج المحلي اإلجمالي في الفترة
( ،) 8009-8000وكان هذا نتيجة النخفاض القدرة التنافسية لصادراتها بسبب ارتفاع تكاليف
وحدة العمل بمعدل سنوي قدره 0,6بالمائة في سنوات ما قبل األزمة .و من جهة أخرى
ت َ َر ُك ْز صادراتها على منتجات تراجع الطلب عليها بسبب الركود العالمي على عكس
الصادرات االيرلندية للمنت جات الصيدالنية ،أو خدمات تكنولوجيا المعلومات واالتصال التي
ال يتراجع الطلب عليها حتى في أوقات األزمات .عالوة على ذلك ،كانت كل من تركيا،
ايطاليا ،قبرص بلغاريا هي وجهات التصدير األساسية للمنتجات اليونانية ،وهي دول تعاني
2
من األزمة المالية وانخفاض في النمو ،ما انعكس سلبا على صادرات اليونان.
-عدم ضبط األوضاع المالية في فترة االزدهار :على الرغم من ارتفاع معدل نمو الناتج
المحلي اإلجمالي في اليونان خالل الفترة ( ،)8009-8000إال أنها لم تتمكن من تحقيق
التوازن المالي ،فقد سجلت عجزا قدر بـــ 2,0بالمائة (متوسط .)8009-8000وهذا دليل
على أن اليونان لم تتمكن من ضبط أوضاع المالية العامة لتكون على استعداد في األوقات
العصيبة .و السبب في ذلك يرجع إلى عدم قدرتها على ضبط النفقات العامة باإلضافة إلى
انتشار الفساد حيث صنفت اليونان في المرتبة الثانية في مؤشر الفساد العالمي لمنظمة
التعاون االقتصادي .كما انتشر التهرب الضريبي على نطاق واسع ،وارتفاع نسبة اقتصاد
3
الظل في اليونان مما انعكس سلبا على اإليرادات الضريبية.
-صرامة األهداف المالية الواردة في برامج دعم اليونان :يتضح مما سبق ،أن ظروف
انطالق برنامج إنقاذ اليونان كانت سلبية خاصة عند مقارنتها مع بلدان المنطقة التي لديها
برامج مدعمة بموارد الصندوق .فقد عانى االقتصاد اليوناني من عدد كبير من نقاط الضعف
في حين سجلت تلك البلدان عددا محدودا من نقاط الضعف.كما أن العديد من نقاط ضعف
االقتصاد اليوناني (كالتهرب الضريبي ،الفساد ضعف القدرة التنافسية )...ليس لها حل سريع
ونتائج معالجتها تظهر على المدى البعيد .ضف إلى ذلك تدهور الظروف المالية بسرعة،
حيث بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي اإلجمالي 096بالمائة في عام 8000وهو عام
البرنامج األول ،وازدادت لتصل إلى أكثر من 090بالمائة بحلول نهاية عام .8000في ظل
هذه الظروف كان من المفروض أن تتضمن برامج اإلنقاذ أهدافا مالية مالئمة قابلة للتطبيق
على أرض الواقع .ومع ذلك ،فإن المقارنة بين البرامج المبرمة في السنوات 8008-8000
1
.Aleksandra Riedl and others, "The mixed success of EU-IMF adjustment programs in Europe - why Greece
was different",Focus on european economic integration, Oesterreichische Nationalbank, Foreign Research
Division, Vienna: ÖNB, ISSN 2310-5259, ZDB-ID 2171493-9. Q 4, 2015, p.55, p.59
2
.Aleksandra Riedl and others, O P. cit, pp.57-58.
3
.Ibid, pp.59-60.
284
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
تبين أن األهداف المالية الخاصة باليونان أكثر صرامة مما كانت عليه في ايرلندا والبرتغال.
فعلى سبيل المثال الهدف الرئيسي في البرنامج الثاني الخاص باليونان هو خفض الدين العام
إلى أقل من 080بالمائة من الناتج المحلي عام ،8080وهذا يعني تخفيض بنسبة 00نقطة
مئوية في أقل من عقد من الزمن ،وهذا يتطلب تحقيق فائض أولي سنوي يزيد عن 9بالمائة
في الفترة ( .)8080-8009في حين كانت األهداف في ايرلندا والبرتغال أقل صرامة
فبرنامج البرتغال تطلب خفض نسبة الدين العام بـــــ 00نقطة مئوية بحلول عام ،8080وهو
ال يتطلب تحقيق فائض في الميزانية .وفي حالة ايرلندا تتحقق األهداف المالية عند مستوى
1
عجز 0بالمائة.
-األزمة السياسية واالجتماعية في اليونان :يرى مؤيدو البرامج المدعومة من صندوق
النقد الدولي في اليونان أنّه بالفعل كان تراجع الناتج المحلي اإلجمالي أكبر بكثير مما أشارت
إليه التنبؤات والتوقعات األولية .ولكن ضبط أوضاع المالية العامة ال يفسر إال نسبة ضئيلة
من انخفاض الناتج ،فقد تحسن الناتج في بداية البرنامج ثم حدث تراجع حاد بسبب وقوع
أزمات سياسية في اليونان ،وفشلها في تنفيذ اإلصالحات 2.ففي إطار مراجعة البرامج بين
الصندوق أن اليونان نفذت 6من أصل 00من اإلصالحات الهيكلية ،مع مالحظة عدم وجود
صلة بين التشريع والتنفيذ ،وا عتماد اليونان على تدابير قليلة جدا مع فعالية محدودة لتعزيز
إدارة اإليرادات 3.فضال عن وجود مخاوف من خروج اليونان من منطقة اليورو ،مما تسبب
في تراجع ثقة المستثمرين وضعف البنوك 4،وعدم االستقرار االجتماعي والمعارضة
الداخلية القوية للبرامج .كل هذا أدى إلى تراجع شديد في الناتج وعدم تمكن اليونان من تحقيق
5
أهداف البرامج.
أن البرامج المدعومة من صندوق النقد الدولي في ولكن رغم ذلك ،يعتقد المؤيدون ّ
منطقة اليورو ،بما فيها برامج اليونان كانت ناجحة ،ألنها تفادت خروج اليونان من العملة
الموحدة ،وانهيار منطقة اليورو واستطاعت الحفاظ على االستقرار النقدي في المنطقة
6
واالتحاد األوروبي ككل.
-2االنتقادات الموجهة لصندوق النقد الدولي في إدارته ألزمة منطقة اليورو :واجه
صندوق النقد الدولي انتقادات عديدة أثناء إدارته ألزمة منطقة اليورو ،وخاصة فيما يتعلق
بأزمة اليونان .يمكن تحديد أهمها فيما يلي:
0-2قصور الرقابة واإلشراف في الفترة السابقة لألزمة :يرى العديد من الخبراء أن هناك
قصور في رقابة صندوق النقد الدولي وإشرافه على منطقة اليورو في الفترة التي سبقت
األزمة .فقد أصدر الصندوق تقارير متتالية بين فيها أن سياسات منطقة اليورو تتميز
بالجدارة 7،فعلى سبيل المثال ورد في تقريره السنوي لعام ،8002أن المديرين التنفيذيين
أشادوا في مناقشتهم التي تمت في جوان 8009بسياسات منطقة اليورو وبانتقال االقتصاد
1
. Ibid, pp.61-62.
2
.أوليفييه بالنشار" ،اليونان :االنتقادات السابقة والمسار القادم" ،مرجع سابق.
3
.Takagi Shinji and others, Op. cit, p.82.
4
.أوليفييه بالنشار" ،اليونان :االنتقادات السابقة والمسار القادم" ،مرجع سابق.
5
.Takagi Shinji and others, Op. cit, p.28.
6
. Ibid, p.28.
7
.Nicolas Véron, "The International Monetary Fund’s role in the Euro-Area Crisis: Financial sector aspects",
Policy Contribution, Bruegel: European research center specializing in economics, Issue n° 13, 2016, p.4.
285
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
من التوسع إلى التعافي ،وأعربوا عن توقعهم بأن يظل معدل النمو على مستويات أعلى وأنه
ستستمر المكاسب المحققة في توظيف العمالة قوية ،بفضل إصالحات أسواق العمل وتنظيم
الرعاية الصحية 1.وبعد أزمة الرهن العقاري األمريكي في أوت ،8009تولى الصندوق
مهمة تقييم سالمة النظام المالي في منطقة اليورو ،وتوصل إلى أن النظام المالي في منطقة
اليورو دخل االضطرابات المالية من موقع قوة ،وأنه ال يزال في المنطقة السليمة 2.كما ورد
في تقريره "آفاق االقتصاد العالمي" ،أكتوبر ":8002ورغم أن العقارات السكنية تمثل بوجه
عام حصة أكبر في النشاط االقتصادي ألوروبا الغربية مقارنة بالواليات المتحدة األمريكية،
فقد كان التوسع األخير في االستثمارات السكنية يشكل عام أقل وضوح ،فيما عدا في فلندا،
اليونان ،ايرلندا ،واسبانيا ،والمملكة المتحدة .وعالوة على ذلك ،فإن هذه البلدان أقل عرضة
للمعاناة من المخاطر المالية التي تكشفت في الواليات المتحدة ،حيث مدخرات قطاع األسر
أعلى بوجه عام ،وديونها أقل واالئتمان عالي المخاطر أقل انتشارا بكثير" 3.وهكذا ظلت
توقعات صندوق النقد الدولي بشأن منطقة اليورو متفائلة حتى عام ،8001عندما أدى
4
التعرض لمخاطر األصول األمريكية إلى عواقب جسيمة في النظام المصرفي األوروبي.
8-2عدم التدخل في الوقت المناسب :يرى العديد من الخبراء االقتصاديين أنه عندما يصبح
اإلنقاذ ضروريا فال بد أن يتم على الفور وبشكل حاسم .وفي حالة اليونان ،كان تدخل
الصندوق بعد ستة أشهر من بدء األزمة اليونانية .وبالتالي يعتبر الصندوق قد تأخر كثيرا
خاصة إذا ما قورن بتدخله في األزمة اآلسيوية ،حيث تدخل الصندوق في أزمة تايالند بعد
ستة أسابيع من تدهور قيمة عملتها الوطنية (وهي فترة طويلة حسب النقاد) .لكن حسب
أنصار برنامج الصندوق الدولي في اليونان ،فإن السبب الرئيسي في هذا التأخر يعود إلى
التردد األوروبي حيث استغرق اتفاق زعماء منطقة اليورو على تقديم مساعدة المالية لليونان
فترة طويلة – حتى فيفري -8000واستغرق اتفاقهم على إشراك الصندوق في تقديم
المساعدة مدة شهرين –أفريل -8000ليقدم بعدها اليونان طلب إلى صندوق النقد الدولي في
أفريل ،8000ووافق المجلس التنفيذي على الطلب في 1ماي -8000فالصندوق ال يتدخل
5
وال يوفر الموارد إال بطلب من البلد العضو.-
1-2الطبيعة غير العادية للبرامج :لقد كانت برامج صندوق النقد الدولي في منطقة اليورو
غير عادية خاصة وأن الصندوق لم يقم بإقراض البلدان المتقدمة في العقود األخيرة .كما أن
برامجه وفرت مبالغ مالية كبيرة نسبة إلى حجم اقتصادت تلك البلدان 6.فقد تجاوزت الحدود
الطبيعية 800-بالمائة من حصة البلد العضو على أساس سنوي ،و 600بالمائة من الحصة
على أساس تراكمي -وسمح للبلدان الثالث بالحصول على أكثر من 8000بالمائة من
حصتها .وهو ما شكل نحو ما يقرب 20بالمائة من مجموع القروض التي قدمها الصندوق
خالل الفترة ( 7.)8009-8000وعلى النقيض من ذلك ،نجد أن البلدان النامية في آسيا
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق.89 ،
2
.Nicolas Véron, Op.cit, p.4.
3
.صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر ،8002ص.00.
4
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.02.
5
.Edwin M. Truman, "Asian and European Financial Crises Compared", Working Paper Series, WP 13-9,
Peterson Institute for International Economics, Washington, October 2013, p.19.
6
. Rebecca M. Nelson and others, "The Greek Debt Crisis: Overview and Implications for the United
States",August19,2015, Op. cit, p.15.
7
.Takagi Shinji and others, Op. cit, p.3.
286
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
وإفريقيا وأمريكا الالتينية ،تخوض مفاوضات شاقة للحصول على قروض بسيطة ،فعلى
سبيل المثال حزم اإلنقاذ المالي المقدمة لبلدان جنوب شرق آسيا إبان أزمتها في التسعينيات،
كانت كوريا الجنوبية صاحبة البرنامج األكبر بـــــ 09مليار دوالر منها 80مليار دوالر من
صندوق النقد الدولي وهو ما يمثل 0101بالمائة من حصة العضوية ،وذلك في الوقت الذي
كان الناتج المحلي اإلجمالي السنوي لها نحو 060مليار دوالر .في حين كان الناتج المحلي
اإلجمالي لليونان أقل من 890مليار دوالر ،وتحصلت على 00مليار يورو في البرنامج
األول وهو ما يعادل 0808بالمائة من حصة العضوية و 82مليار يورو في البرنامج الثاني
نحو 8002,2بالمائة من حصتها .ويرجع ذلك حسب رأي العديد من النقاد إلى سيطرة
المساهمين الكبار ( االتحاد األوروبي والواليات المتحدة) على قرارات الصندوق .وهم
مهتمين بشكل كبير باستقرار اليونان لحماية البنوك الفرنسية واأللمانية1.بينما يؤكد مؤيدو
برامج الصندوق في منطقة اليورو على أن هذه البرامج تتفق مع دور صندوق النقد الدولي
في الحفاظ على االستقرار النقدي الدولي ،والحد من انتشار العدوى المحتمل لألزمة اليونانية
إلى بقية بلدان المنطقة واالقتصاد العالمي عموما .وبأن الصندوق قدم فيما مضى المساعدات
المالية للبلدان المتقدمة ،وبوصفها عضوة في الصندوق فيحق لليونان وغيرها من البلدان
المتقدمة االستفادة من موارد الصندوق عند الحاجة .ضف إلى ذلك فإن للصندوق العديد من
2
الضمانات لحماية موارده منها صرف األموال مشروط بتنفيذ اإلصالحات االقتصادية.
4-2الفشل في الحد من انتقال العدوى :على الرغم من ضخامة برنامج اإلنقاذ األول الذي
قدم لليونان إال أنّه لم يقدم ضمانا كافيا لألسواق ،ولم يكن جدار حماية لمنع انتقال أزمة
الديون إلى منطقة الي ورو ،فلقد انتشر الهلع في بعض بلدان المنطقة ،وارتفعت تكاليف
االقتراض مما أدى إلى تفاقم ديونها كايرلندا والبرتغال .في حين يرى مؤيدو الصندوق أن
السبب في انتشار األزمة يعود إلى بطئ استجابة زعماء المنطقة والنزاعات حول التدابير
التي يجب اتخاذها ،كما أن تلك البلد ان التي مستها األزمة واجهت تحديات مالية أساسية لم
تتمكن من تحملها ،على سبيل المثال اسبانيا كانت تعاني من فقاعة إسكان خطيرة ،وايرلندا
3
من قطاع مصرفي متضخم ،والبرتغال تعاني من نمو هزيل.
2-2برامج الصندوق شديدة التفاؤل وعديمة المرونة :يرى النقاد أن البرامج المدعومة من
صندوق النقد الدولي وخاصة برامج اليونان ،كانت شديدة التفاؤل فيما يتعلق بسيناريوهات
النمو ،وقدرة السلطات الوطنية على تنفيذ اإلصالحات ،وخفض مستويات الدين العام ،وكذا
التفاؤل بشأن اإليرادات التي ستأتي من عمليات الخصخصة -تم رفع تقدير عائدات
الخصخصة من 08,0مليار يورو إلى 00مليار يورو خالل الفترة ( -)8000-8000دون
أن يكون له دراسات كافية حول المخاطر والتطورات السلبية التي من شأنها أن تعرقل النمو
وتفشل البرامج .ولهذا يعتقد العديد من الخبراء والمراقبين أنه كان يجب على الصندوق أن
يعد إستراتيجية طوارئ منذ البداية تتضمن معايير لتحديد ما إذا كان البرنامج سيعمل بنجاح،
وتوفر بدائل إذا كانت هناك حاجة إلى تغيير في النهج ،كما ينبغي أن تتمتع برامج الصندوق
1
.Lee Jong-Wha,"Asia’s View of the Greek Crisis", https://www.project-syndicate.org/commentary/greek-
reform-imf-asian-financial-crisis-by-lee-jong-wha-2015-07, last visited 06/02/2017.
2
.Rebecca M. Nelson and others, "The Greek Debt Crisis: Overview and Implications for the United
States",August19,2015, Op. cit, pp.15-16.
3
.Rebecca M.Nelson and others, "Greece’s Debt Crisis: Overview, Policy, Responses, and Implications",Report,
Congressional Research Service, R41167, August18,2011, p.11.
287
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
بالمرونة الكافية للتغيير في األهداف عند الضرورة ،وهو ما افتقرت إليه برامجه في اليونان،
حيث كان من الصعب للغاية تغيير الثوابت األساسية للبرامج ،ألن ذلك يتطلب مفاوضات
1
مطولة ليس فقط مع السلطات اليونانية ولكن أيضا مع الشركاء األوروبيين.
6-2سياسات التقشف المالي واإلصالحات الهيكلية القاتلة للنمو :لقد أثارت السياسات
التقشفية واإلصالحات الهيكلية التي فرضها صندوق النقد الدولي ،والمفوضية األوروبية،
والبنك المركزي األوروبي على اليونان انتقادات العديد من الخبراء االقتصاديين ،ومن بينهم
االقتصادي ( ،*)Paul Krugmanالذي يرى أن تنفيذ إجراءات تقشفية في صورة خفض
اإلنفاق وزيادة الضرائب لضبط أوضاع المالية العامة ،ومن ثم القدرة على تحمل أعباء
الديون ،ال يتحقق في كل األحوال .فإذا كان خفض اإلنفاق سيقلل من الديون المستقبلية فقد
يقلل كذلك من الدخل الحقيقي المستقبلي وبذلك فمن المحتمل أن تنخفض قدرة البلد على تحمل
عبء الديون .كما أن سياسة خفض اإلنفاق وزيادة الضرائب تصلح فقط عندما يكون
االقت صاد قريبا من حالة التوظيف الكامل والبنك المركزي بصدد رفع أسعار الفائدة ،في هذه
الحالة فقط لن يؤدي خفض اإلنفاق إلى كساد االقتصاد .أما إذا كان االقتصاد يعاني من
مشكالت العجز والديون وفي نفس الوقت من كساد ،فإن إجراءات التقشف من شأنها أن تدفع
به إلى ركود أعمق .ولهذا فالمنطق االقتصادي يشير إلى أن البلدان التي تعاني من هذه
المشاكل البد أن تؤجل إجراءات التقشف ،وتضع خطط لخفض اإلنفاق وزيادة الضرائب
2
على المدى الطويل ،تقوم بتنفيذها عندما يستعيد االقتصاد قوته.
ولهذا يرى أن صندوق النقد الدولي وشركاءه األوروبيين قد أخطئوا عندما فرضوا
على بلدان العجز مثل اليونان تطبيق برامج تقشفية فورية وقاسية ،فتلك البرامج دفعت
باليونان إلى ركود عميق وتسببت في تقلص اإليرادات الضريبية .وأنّه كان ينبغي على
الشركاء األوروبيين أن يتخذوا إجراءات من شأنها أن تهيئ بيئة توفر لبلدان العجز مسارا
مقبوال الستعادة قدرتها التنافسية ،كأن تكون بلدان الفائض كألمانيا مصدرا للطلب القوي على
صادرات بلدان العجز .وفي مقابل ذلك تمارس بلدان العجز قدرا ال بأس به من التقشف
3
المالي مع مرور الوقت لضبط أوضاعها المالية.
وفيما يتعلق باإلصالحات الهيكلية ،فقد كانت واسعة النطاق ،حيث تضمنت العديد من
4
التدابير دون تحديد لألولويات ،مما فرض عبئا كبيرا على السلطات الوطنية في تنفيذها.
ومن جهة أخرى ،يرى العديد من االقتصاديين أن تلك اإلصالحات من شأنها أن تدعم
إمكانات النمو في االقتصاد في المدى المتوسط والبعيد ولكن ذلك يتوقف على حالة االقتصاد،
فتظهر التأثيرات االيجابية لدعم النمو إذا كان االقتصاد منتعشا ،أما في حاالت الكساد تكون
5
لهذه اإلصالحات تأثيرات سلبية على النمو ،وهو ما حدث في اليونان.
المبحث الثالث :دور صندوق النقد الدولي في مواجهة األزمة المالية العالمية
8002
1
.Takagi Shinji and others, Op. cit, pp.24-25.
*
82( Paul Krugmanفيفري :)0100اقتصادي أمريكي ،حاز على جائزة نوبل لالقتصاد عام ،8002وهو أستاذ لالقتصاد والشؤون الدولية
بجامعة برينستون ،كما يعمل باحثا مشاركا في المكتب القومي لألبحاث االقتصادية بالواليات المتحدة منذ سنة ،0191ومستشارا للعديد من
المؤسسات الدولية.
2
.بول كروجمان ،مرجع سابق ،ص ،060.ص ص.801-802.
3
.المرجع نفسه ،ص.800.
4
.Takagi Shinji and others, Op. cit, p.25.
5
.Aleksandra Riedl and others, O P. cit, p.67.
288
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
أفرزت األزمة المالية العالمية 8002تحديات غير مسبوقة بالنسبة لصندوق النقد
الدولي ،دفعت به إلى إحداث تغيرات جوهرية في مرجعيته الفكرية وفي تحليله ومشورته،
إلى جانب إجراء إصالحات جذرية على مهامه المختلفة ،للتمكن من مساعدة بلدانه األعضاء
على مواجهة األزمة ،و وللتمكن من تولي قيادة نظام مالي جديد قادر على تأمين االستقرار
وأكثر فعالية لمواجهة األزمات المالية غير متوقعة في المستقبل .من هذا المنطلق يهتم هذا
المبحث بعرض رؤية صندوق النقد الدولي لألسباب الكامنة وراء األزمة ،واقتراحاته
ومشورته لبلدانه األعضاء للتمكن من تجاوزها والخروج منها بأقل تكلفة ممكنة .مع التركيز
على اإلصالحات التي أجراها بعد األزمة ومناقشة مدى فعاليتها في تمكينه من أداء دوره
الجديد بكفاءة.
المطلب األول :إستراتيجية صندوق النقد الدولي للخروج من األزمة
بعد أن تأكد صندوق النقد الدولي ،أن أزمة الرهن العقاري تخطت حدود النظام المالي
األمريكي وأصبحت أزمة مالية عالمية ،عمل على تحديد األسباب األساسية التي كانت
وراءها ،واقترح مجموعة من الحلول على مستوى السياسات االقتصادية لمكافحة األزمة
ومنع االنهيار الكامل للنظام المالي العالمي ،والحيلولة دون وقوع االقتصاد العالمي في كساد
عميق شبيه بكساد .0181
أوال :تشخيص الصندوق لألسباب الكامنة وراء األزمة ،بناءا على طلب زعماء مجموعة
العشرين ،أعد خبراء صندوق النقد الدولي تقريرا بعنوان "الدروس األولية المستخلصة من
األزمة المالية" ،تضمن تحليال لجذور األزمة وتوصيات محددة لضمان الوقاية من األزمات
وخفض احتماالت تكرارها في المستقبل1.وحسب هذا التقرير فإن جذور األزمة تمتد إلى
سبعة أعوام السابقة على انخفاض أسعار الفائدة وارتفاع النمو العالمي وانخفاض التقلبات مما
دفع المستثمرين في جميع أنحاء العالم إلى المغاالة في التفاؤل عند تقييم المخاطر المستقبلية،
ومن ناحية أخرى استحدث النظام المالي أدوات جديدة كان يبدو أنها تحقق مستويات أعلى
للعائدات ولكنها كانت في الحقيقة تنطوي على مزيد من المخاطر .في هذه البيئة تم رصد
إخفاقات عديدة للسياسات على األصعدة التالية:
-0إخفاقات في التنظيم والرقابة على القطاع المالي :كانت أعمال التنظيم والرقابة على
2
القطاع المالي تشوبها عيوب عديدة منها:
-عدم خضوع الجهاز المصرفي غير الرسمي بما في ذلك بنوك االستثمار ،وسماسرة
القروض العقارية وصناديق التحوط ،ومؤسسات توريق القروض ،على مدى فترة طويلة
لرقابة احترازية ،وجاء ذلك انعكاسا لفلسفة اقتصار التنظيم والرقابة المشددين على مؤسسات
تلقي الودائع المؤمنة؛
-تحاشي البنوك شرط رأس المال اإللزامي من خالل نقل المخاطر إلى كيانات تابعة للنظام
غير الرسمي التي لم تكن لدى الجهات التنظيمية معلومات تذكر عن أنشطتها؛
1
" .المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي يناقش الدروس األولية المستخلصة من األزمة" ،بيان صحفي رقم 06 ،02/10مارس ،8001من
الموقع:
http://www.imf.org/~/media/Websites/IMF/Imported/external/2009/pn0930apdf last visited 15/02/2017.
2
. International Monetary Fund, "Initial Lessons of the Crisis", Prepared by the Research, Monetary and
Capital Markets, and Strategy, Policy and Review Departements, February 6,2009, pp.2-5,
http://www.imf.org/~/.../external/np/pp/eng/2009/_02609pdf, last visited 17/02/2017.
289
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-أسفر اختالل نظام الحوافز والتعويضات عن فرط الرفع المالي والمخاطرة ،فقبل وقوع
األزمة كانت هناك أرباح كبيرة توزع على الموظفين والمديرين الذين حققوا عوائد مرتفعة
على الرفع المالي ومارسوا أنشطة أكثر مخاطرة (ذات مخاطر عالية)؛
-بيانات اإلفصاح غير كافية لتوضيح المخاطر :حيث كشفت األزمة عن وجود فجوات
واسعة في البيانات و المعلومات عن أسواق المشتقات ،وبيانات االنكشاف (داخل وخارج
الميزانية العمومية) وكذا نقص الشفافية في تقييم األدوات المالية المعقدة ،مما أعاق الجهات
التنظيمية على تجميع وتقييم المخاطر التي تواجه النظام ككل؛
-ممارسات هيئات التصنيف االئتماني :أفرط المستثمرون في األسهم والسندات ،ومستثمرو
المنتجات المالية المعقدة في االعتماد على هيئات التصنيف االئتماني غير مدركين لتضارب
المصالح المتنامي في هذه الهيئات وأخفقوا في تحديد مواطن التعرض للخطر؛
-8إخفاقات على مستوى السياسات االقتصادية الكلية :شهدت السنوات السابقة نموا عالميا
قويا وأسعار فائدة منخفضة انعكاسا للسياسة النقدية التوسعية ،وفي ظل هذه األوضاع
المعتدلة تزايدت المخاطر النظامية ،فقد أدى انخفاض أسعار الفائدة إلى المغاالة في التفاؤل
بشأن المستقبل ،فارتفعت أسعار األصول بداية بأسعار األسهم وصوال إلى أسعار العقارات.
ودفع ذلك إلى عدم تقدير المخاطر تقديرا جيدا ،واالستثمار في األصول التي تنطوي على
مخاطر عالية وشرائها .في حين ركزت البنوك المركزية على تحقيق استقرار التضخم ولم
تدرك انعكاسات المخاطر المتزايدة على النظام المالي حتى أصبح الوقت متأخرا .أما سياسة
المالية العامة فلقد كان النظام الضريبي في معظم البلدان يتحيز للتمويل بالديون عن طريق
خصم مدفوعات الفائدة ،ويؤدي هذا التحيز نحو زيادة الرفع المالي إلى تفاقم مواطن ضعف
القطاع الخاص في مواجهة الصدمات .كما أن كثير من البلدان لم تستغل فترة النمو لخفض
1
عجز الموازنة والدين العام ،األمر الذي أدى إلى توافر حيز مالي ضيق لمكافحة األزمة.
كما صاحب هذا النمو العالمي المرتفع عدد من االختالالت ،وكان االختالل األساسي
هو ما يطلق عليه االختالالت العالمية( عجز كبير في الحساب الجاري األمريكي ،وفوائض
كبيرة في الحساب الجاري في آسيا -خاصة الصين -والبلدان المصدرة للنفط) .وحسب خبراء
صندوق النقد الدولي فإن لهذه االختالالت دور في تزايد المخاطر النظامية ،فقد أسهمت في
انخفاض أسعار الفائدة ،وارتفعت تدفقات رؤوس األموال إلى البنوك األمريكية واألوروبية،
ما أسهم في السعي لتحقيق العائد وزيادة الرفع المالي وإيجاد أصول تنطوي على مخاطر
2
كبيرة.
-1إخفاق الرقابة واإلشراف العالمي :يتعلق األمر هنا ،بعدم وجود تحذيرات قوية سابقة
لألزمة ،فلقد أخفق صندوق النقد الدولي في إطالق تحذيرات فعّالة ،فقد خرجت أعمال
الرقابة التي يمارسها على بلد انه بتقديرات منقوصة للمخاطر ،وجاءت تقاريره متفائلة السيما
عن اقتصادات البلدان المتقدمة مثل الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا .وعلى الرغم من
أنه حذّر من االختالالت العالمية ولكنه أغفل عالقتها بالمخاطر الوشيكة في الجهاز
المصرفي غير الرسمي .وفي عام 8002أطلق تحذيرات تنبأ من خاللها بخسائر البنوك
3
وانعكاساتها على النمو ،ولكن بعد أن أصبح الوقت متأخرا.
1
. International Monetary Fund, "Initial Lessons of the Crisis", Op. cit, pp.7-8.
2
. International Monetary Fund, "Initial Lessons of the Crisis", Op. cit, p.8.
3
. Ibid, p.9.
290
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
كما أثارت األزمة جدال واسعا حول كفاية الطاقة االقراضية للصندوق وقدرته على
توفير التمويل بحجم كاف وخال من الشروط القاسية التي تتضمنها برامجه .وفي ظل غياب
ذلك ،فإن البلدان األعضاء وخاصة األسواق الصاعدة تحاول تأمين ذاتها من خالل مراكمة
االحتياطات ،األمر الذي يمكن أن يشوه النمط العالمي ألرصدة الحساب الجاري في
1
المستقبل.
ثانيا :األساليب المقترحة من قبل الصندوق لمواجهة األزمة ،سلط صندوق النقد الدولي
األضواء على انعكاسات األزمة على االستقرار االقتصادي والمالي العالمي ،ودعا إلى تنفيذ
األولويات الملحة على صعيد السياسات في البلدان المتقدمة (الدفعات التنشيطية ،والتدابير
النقدية غير التقليدية) .كما دعا إلى ضرورة معالجة العوامل المسببة لألزمة.
-0أولويات السياسة االقتصادية الكلية في مواجهة األزمة :أ ّكد صندوق النقد الدولي على
ضرورة تدخل حكومات العالم لمنع التدهور في االقتصاد العالمي ،وذلك باتخاذ تدابير فورية
وحازمة على مستوى السياسات االقتصادية الكلية ( السياسة النقدية وسياسة المالية العامة)
لدعم ال طلب الكلي ،مع ضرورة تحقيق االستقرار في األسواق المالية العالمية 2.وقد بينت
دراسة لـــــ (صندوق النقد الدولي ،أفريل-*)8001تناولت مختلف فترات الركود والتعافي
في االقتصادات المتقدمة ومدى مساهمة السياسات المضادة لالتجاهات الدورية في اختصار
فترات الركود وتقوية التعافي -أنه يمكن التخفيف من حدة فترة الركود االقتصادي المرتبط
بأزمة 8002وتقوية التعافي من خالل اتخاذ تدابير جريئة على مستوى كل من السياسة
النقدية ،وسياسة المالية العامة ،لدعم الطلب الكلي في األجل القصير ،مع ضرورة استعادة
الثقة في القطاع المالي لما له من أهمية حيوية في تحقيق فعالية السياسات االقتصادية الكلية
3
وترسيخ التعافي االقتصادي.
0-0على مستوى السياسة النقدية :أ ّكد صندوق النقد الدولي على أنه ينبغي أن تكون
السياسة النقدية خط الدفاع األول في كثير من االقتصادات المتقدمة 4.وأنه ينبغي على البنوك
المركزية أ ن تحافظ على أوضاع نقدية تيسيرية مهما طالت المدة الالزمة ،لدعم الطلب
وتجنب االنكماش ،مع تجنب عودة التضخم في األجل الطويل .غير ّ
أن أدوات السياسة النقدية
التقليدية لم تكن كافية ،فقد وصلت أسعار الفائدة في العديد من البلدان المتقدمة إلى الحد
األدنى الصفري ،ما ي مثل قيدا على الحيز المتاح إلمكانية تخفيض أسعار الفائدة من جديد.
كما أن تأثير تخفيض أسعار الفائدة تقلص من جراء اضطرابات أسواق االئتمان .لهذا اقترح
الصندوق دعم تخفيضات أسعار الفائدة باالعتماد وبشكل متزايد تدريجيا على مناهج غير
تقليدية ،باالستعانة بحجم الميزا نية العمومية ومكوناتها في البنوك المركزية ،بغية دعم أسواق
5
االئتمان ،وذلك عن طريق استحداث أدوات جديدة.
وقد أشاد صندوق النقد الدولي بأدوات السياسة النقدية غير التقليدية التي استحدثتها
البنوك المركزية في كثير من البلدان المتقدمة مثل سياسة التيسير الكمي في الواليات المتحدة
األمريكية ،وعمليات شراء األصول واسعة النطاق في بريطانيا ،وبين أنها ساهمت في بداية
1
. Ibid, p.11.
2
.صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر ،8002ص ،00.ص ص.02-09
*
لالطالع على الدراسة راجع الفصل الثالث من تقرير أفاق االقتصاد العالمي ،أفريل .8001
3
.ماركو تيروننيس وآخرون" ،التحول من الركود إلى التعافي :بأي سرعة وبأي قوة؟" آفاق االقتصاد العالمي ،أفريل ،8001ص.12.
4
.صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر ،8000ص.90.
5
.صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي أفريل ،8002مرجع سابق ،ص.90.
291
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
األزمة في منع انهيار النظام المالي ،وكان لها دور كبير في دعم النشاط االقتصادي
1
واالستقرار المالي المحلي والعالمي.
8-0على مستوى سياسة المالية العامة :أثناء القمة الطارئة لمجموعة العشرين التي عقدت
في 00نوفمبر ، 8002تحدث صندوق النقد الدولي عن الحاجة إلى دفعة تنشيطية كبيرة من
المالية العامة بقيمة كلية مقدارها 8بالمائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي .فعلى المدى
القصير يمكن أن تؤدي هذه الدفعة إلى الحد من تراجع الطلب والناتج ،وإذا لم تنفذ الدفعة فقد
يستمر انخفاض الطلب مما قد يسفر عن بعض الحلقات المفرغة ،مثل فخاخ االنكماش ،نقص
السيولة ،تزايد التوقعات المتشائمة ،ومن ثم تزايد عمق الركود .أما إذا تم تنفيذها ،فإن النتيجة
المحتملة هي تعافي االقتصاد بسرعة ،ولكن يبقى تنفيذها بالتوازي مع السياسة النقدية
وسياسة القطاع المالي .ويرى الصندوق أن تدابير المالية العامة الصحيحة التي يمكن أن
تعتمد عليها الحكومات يجب أن تتضمن مزيجا من سياسات مختلفة 2،حيث يمكن أن تعتمد
على تدابير اإلنفاق أكثر من ذي قبل ،كاإلنفاق على مشاريع البنى التحتية ،ويمكن تحقيق ذلك
من خالل المضي في تنفيذ المشاريع المقررة 3،كما يمكن أيضا مساعدة القطاعات المتعثرة
مثل اإلسكان ،والتحويالت إلى األسر محدودة الدخل من خالل زيادة إعانات البطالة المقدمة
لها ،وزيادة االمتيازات الضريبية ألصحاب األجور المنخفضة ،كما يمكن إجراء تخفيضات
4
ضريبية مؤقتة في ضرائب الدخل الشخصي والمبيعات.
1-0على مستوى سياسات القطاع المالي :بين صندوق النقد الدولي أن التعافي القوي
يتوقف على سياسات القطاع المالي ،فإحراز تقدم حاسم صوب استعادة استقرار القطاع
المالي وثقة األسواق هو الشرط األساسي لوقف الهبوط في االقتصاد العالمي ،وهو الذي يزيد
من فعالية الدفعات التنشيطية المقدمة من السياسة النقدية وسياسة المالية العامة 5.لهذا دعا إلى
ضرورة تدخل الحكومات في األسواق المالية ،و أن تعمل في المدى القصير على تحقيق
األولويات الثالثة التالية:
-ضمان إتاحة السيولة الالزمة للجهاز المصرفي :يجب على البنوك المركزية تقديم قدر
وافر من السيولة قصيرة األجل إلى البنوك ،كما يجب على الحكومات أن تتخذ تدابير لحماية
6
المودعين وضمان مختلف أشكال الديون المصرفية.
-تحديد األصول المتعثرة والتعامل معها :وذلك بحذف هذه األصول من الميزانيات العمومية
للقطاع المالي ونقلها إلى شركات إلدارة األصول مملوكة للدولة (ما يسمى ببنوك األصول
الرديئة) ،أو إقامة شراكات بين القطاع العام والخاص لشراء األصول المتعثرة من البنوك (
مثل برنامج PIPPفي الواليات المتحدة) .ويرى الصندوق أن هناك مناهج عدة يمكن أن تحقق
1
.كريستين الغارد"،الحساب العالمي للسياسات النقدية غير التقليدية"،كلمة مدير عام صندوق النقد الدولي في ندوة جاكسون
هول80،أوت،8000ص.8.من الموقع:
http://www.imf.org/~/ speeches/2013/082313apdf, last visited 19/02/2017.
2
".رد فعل تجاه األزمة المالية :صندوق النقد الدولي يوضح الحاجة إلى دفعة تنشيطية مالية عالمية" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية81 ،
ديسمبر ،8002ص ص .0-0.من الموقع~/survey/so/2008/int122908aapdf, last visited 19/02/2017 http://www.imf.org/:
3
.صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي أفريل ،8002مرجع سابق ،ص.90.
4
".الصندوق يشير إلى ضرورة اتخاذ مزيد من اإلجراءات لمكافحة انتشار األزمة العالمية" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 00 ،ديسمبر
،8002ص ،0.من الموقع:
http://www.imf.org/~/ survey/ so/2008/new121408aapdf, last visited 20/02/2017
5
.صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي أفريل ،8002مرجع سابق ،ص ص.01-02.
6
.صندوق النقد الدولي ،تقرير االستقرار المالي العالمي( ،ملخص واف) ،أفريل ،8001ص.9.
292
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
النجاح ،ولكن أهم أولوية هي اختيار منهج محدد والتأكد من كفاية التمويل المتوافر له
وتطبيقه بطريقة شفافة ،إلى جانب ضرورة قيام الحكومات بتقييم واقعي لهذه األصول .كما
ينبغي مراعاة االتساق بين البلدان في تطبيق ذلك التقييم من أجل تحاشي المراجحة التنظيمية
1
أو تشوهات المنافسة.
-إعادة رسملة المؤسسات المالية الضعيفة التي تمتلك مقومات البقاء :أ ّكد الصندوق على
ضرورة اإلسراع في إعادة رسملة البنوك والمؤسسات المالية القادرة على االستمرار التي
تفتقر إلى رأس المال الكافي ،وذلك بضخ رؤوس أموال إليها من الحكومة ،بغية الوصول
بنسب رأسمالها إلى مستوى كاف الستعادة ثقة السوق في هذه المؤسسات ونظرا لتعمق
األزمة فعلى الحكومات أن تضخ رؤوس األموال في صورة أسهم عادية باعتبارها أفضل
وسيلة لتحسين مستوى الثقة والتمويل حتى إذا كان ذلك سيؤدي إلى سيطرة الحكومة على
حصة األغلبية أو حتى كامل الحصص .ومن ث ّم فإن الملكية الحكومية المؤقتة في هذه الفترة
يعد أمرا ضروريا ،على أن يكون ذلك بقصد إعادة هيكلة هذه المؤسسات المالية ثم إعادة
بيعها إلى القطاع الخاص في أسرع وقت ممكن .ويجب أن يراعى في هذه العملية الحرص
والدقة ،وألن هذه البنوك والمؤسسات تحمل رؤوس أموال حكومية ،فينبغي مراقبة عملياتها
بعناية وتقييد مدفوعات أرباحها الموزعة ،وينبغي النظر بعناية أيضا في مجموعة الرواتب
والمزايا التي تقدمها ،وفي إمكانية إحالل إدارتها العليا .أما المؤسسات غير القادرة على
االستمرار فينبغي تسوية أوضاعها في أسرع وقت ممكن وقد تكون هذه التسوية دمجا أو
2
إغالقا منظما ،ما دام ال تهدد االستقرار المالي على مستوى النظام ككل.
-8معالجة العوامل المسببة لألزمة :من أجل الوصول إلى نظام مالي أكثر صالبة وكفاءة
بعدة انتهاء األزمة .يرى صندوق النقد الدولي ضرورة اتخاذ إجراءات تعالج جذور األزمة
وتصلح مواطن الضعف واإلخفاقات التي تم رصدها .وذلك في نفس الوقت الذي تتخذ فيه
اإلجراءات السابقة على مستوى السياسات االقتصادية الكلية.
0-8إصالح أعمال التنظيم والرقابة على القطاع المالي :بناءا على تقرير خبراء صندوق
النقد الدولي "الدروس األولية المستخلصة من األزمة" ،فإنه ينبغي إصالح خمس مواطن
3
ضعف .هي:
-توسيع الحدود التنظيمية وزيادة مرونتها ،لكي تشمل كل األنشطة التي تشكل مصدر خطر
على االقتصاد ككل ،سواء كانت بنوك استثمارية أو شركات استثمار مصدرة اللتزامات
الدين المضمونة بأصول مقابل القروض العقارية ،شركات تأمين ...،كما ينبغي المحافظة
على مرونة العمل التنظيمي كي يواكب التغيرات النظامية والمبتكرات المستجدة في األسواق
المالية؛
-رفع الحد األدنى لرأس المال اإللزامي في فترات الصعود الدوري ،مع إمكانية سحب هذه
االحتياطات في فترات الهبوط؛
-ينبغي على الجهات الرقابية أن تقوم بتقييم نظم التعويضات ،وجعلها أكثر اعتمادا على
المخاطر وأكثر اتساقا مع الهدف طويل األجل المتمثل في الحفاظ على المؤسسة كمنشأة
مستمرة ،وكذا فصل العالوات عن النتائج السنوية قصيرة األجل؛
1
.صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي أفريل ،8002مرجع سابق ،ص.01.
2
.صندوق النقد الدولي ،تقرير االستقرار المالي العالمي ،مرجع سابق ،ص ص.6-0.
3
.International Monetary Fund, "Initial Lessons of the Crisis", Op. cit, pp.3-6.
293
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-سد فجوات المعلومات والبيانات من خالل زيادة الشفافية في تقييم األدوات المالية المركبة
وتحسين جودة المعلومات المتعلقة بالمعامالت خارج الميزانية العمومية ،وكذا التركيز على
تحسين المعلومات عن أسواق المشتقات غير الرسمية ،مما يتيح للجهات التنظيمية فرصة
تجميع المخاطر التي تهدد النظام ككل؛
-تعزيز االنضباط السوقي ،بالحد من تضارب المصالح لدى هيئات التصنيف االئتماني من
خالل اشتراط الجهات التنظيمية على هذه الهيئات إتاحة المزيد من المعلومات للمستثمرين،
واإلفصاح عن المقابل المطلوب إلصدار التصنيف االئتماني ،فضال عن ضرورة إخضاعها
لإلشراف ،وتشديد الرقابة عليها؛
8 -8إصالح السياسات االقتصادية الكلية :يرى خبراء صندوق النقد الدولي أنه على
1
صانعي سياسات االقتصاد الكلي العمل على:
-توسيع مجال السياسة النقدية حتى يشمل االستقرار المالي واالقتصادي الكلي ،فحسب
خبراء صندوق النقد الدولي يجب على البنوك المركزية إيالء مزيد من االهتمام لتحركات
أسعار األصول واالنتعاش االئتماني والرفع المالي وتزايد المخاطر ،وال يقتصر اهتمامها
فقط على استقرار األسعار (التضخم)؛
-ينبغي على الحكومات أن تستغل فترة االنتعاش وارتفاع النمو لتقليص العجز والدين العام
من أجل توفير حيز مالي أوسع لمكافحة األزمات المستقبلية ،كما ينبغي عليها إلغاء النظام
الضريبي المتحيز نحو زيادة الرفع المالي؛
2
1-8توثيق التعاون الدولي :طبقا للتقرير ،ينبغي اتخاذ اإلجراءات التالية:
-يتعين توافر نظام للتحذير المبكر يجمع الخبرات المشتتة تحت هيئة واحدة (مثل صندوق
النقد الدولي منتدى االستقرار المالي ،بنك التسويات الدولية) وجمعها على مستوى مخرجات
الصندوق (تقرير آفاق االقتصاد العالمي ،تقرير االستقرار المالي العالمي) ،كما ينبغي على
الصندوق التركيز على تحسين إدراج قضايا القطاع المالي في تقرير آفاق االقتصاد العالمي،
ومشاورات المادة الرابعة ،وتقوية برامج تقييم القطاع المالي؛
-يتعين وجود جهاز يتولى قيادة ردود األفعال إزاء المخاطر النظامية في االقتصاد العالمي،
وبالرغم من أن الصندوق لم يكمن فعاال في القيام بهذا الدور ،إال أنه إذا تم معالجة جوانب
القصور األساسية لديه يمكن أن يقوم بهذا الدور؛
-التوصل إلى آلية تمويل دائمة ذات نطاق تغطية أوسع ،ويتعين على الصندوق اتخاذ
خطوات واسعة نحو توفير التمويل بسرعة ،لكي تظل البرامج المدعمة من الصندوق عامال
موثوقا في تحقيق االستقرار على مستوى النظام؛
يتضح مما سبق ،أن األزمة المالية واالقتصادية العالمية 8002قد هزت قناعة خبراء
صندوق النقد الدولي بمنهج اللمسة الخفيفة ،والضبط التلقائي لألسواق .كما يتضح أن
صندوق النقد الدولي لم يقم بتقديم وصفاته الجاهزة التي اعتاد على تقديمها للبلدان المتأزمة
التي تلجأ إليه ،من إتباع سياسات تقشفية ،ورفع أسعار الفائدة وغلق البنوك والمؤسسات
المالية المتعثرة ،وإجراء عمليات خصخصة واسعة .بل طالبها باتخاذ إجراءات وتدابير
معاكسة تماما من خالل مطالبتها بتوفير التنشيط المالي من أجل دعم الطلب وتجنب
االنكماش ،وإتباع سياسات نقدية تيسيرية (تقليدية وغير تقليدية) ،وإعادة رسملة البنوك
1
.Ibid, pp.7-8.
2
. International Monetary Fund, "Initial Lessons of the Crisis", Op. cit, pp.9-11.
294
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
والم ؤسسات المالية بضخ رؤوس أموال إليها من الحكومة حتى ولو أدى ذلك إلى تملك
الحكومة لكامل الحصص فيها.
قد يبدو من ذلك ،أن صندوق النقد الدولي قد أعاد النظر في فكره االقتصادي ،وأجرى
تغييرات في مناهجه المعنية بالسياسات .ولكن في حقيقة األمر ذلك لم يحدث ،فالبلدان التي
لجأت إليه طالبة الدعم المالي طالبها أو فرض عليها برامجه القديمة ( تقشف وتشديد ألسعار
الفائدة وخصخصة .)..وهذا يكشف عن مدى ازدواجية صندوق النقد الدولي في التعامل مع
بلدانه األعضاء في أوقات األزمات ويثبت أنه ال يزال وفيا لتوافق واشنطن.
المطلب الثاني :جهود صندوق النقد الدولي في مساعدة بلدانه األعضاء لمواجهة األزمة
العالمية
لقد كان لألزمة المالية واالقتصادية العالمية 8002آثارا بالغة على اقتصادات العديد
من البلدان األعضاء في صندوق النقد الدولي ،مما دفعها إلى طلب الدعم المالي والفني من
الصندوق .ولتلبية طلبات بلدانه األعضاء المتضررة من األزمة ،قام الصندوق بزيادة طاقة
إقراضه ،إلى جانب تكثيف مساعداته الفنية في عدد من المجاالت خاصة تلك التي لها عالقة
بإجراءات التصدي لألزمة.
أوال :تلبية االحتياجات المالية للبلدان المتضررة من األزمة ،أدت األزمة المالية
واالقتصادية العالمية وما ترتب عليها من ضغوط على ميزان المدفوعات في العديد من
البلدان إلى زيادة الطلب على التمويل الذي يقدمه صندوق النقد الدولي .واعتبار من بداية
السنة المالية ( 8001ماي )8002وحتى عام 8009صدرت الموافقة على عدد غير
مسبوق من االتفاقات ،وبلغت التزامات اإلقراض التي تعهد بها الصندوق أعلى مستوياتها:
فخالل السنة المالية 8001وافق المجلس التنفيذي على تخصيص 60,999مليار وحدة
حقوق سحب خاصة لخمسة عشر بلدا ،مقارنة بــــــ 0,211مليار وحدة حقوق سحب خاصة
خالل السنة المالية 8002وذلك بموجب تسهيالت اإلقراض التي يقدمها الصندوق بشروط
غير ميسرة ،وقد كانت المكسيك صاحبة أكبر تمويل بحوالي 00,0مليار وحدة حقوق سحب
خاصة .الملحق رقم " ."00وقد صدر عدد من هذه االتفاقات باستخدام آلية التمويل العاجل
(جورجيا في سبتمبر ،8002هنغاريا و أيسلندا وباكستان ،وأوكرانيا في نوفمبر ،8002التفيا
1
ديسمبر ،8002أرمينيا مارس .)8001
وتزايد الطلب على موارد صندوق النقد الدولي بوتيرة سريعة خالل السنوات ،8000
،8000حيث وافق المجلس التنفيذي في السنة المالية 8000على عقد أربعة عشر اتفاقا،
بلغت قيمتها 98,8مليار وحدة حقوق سحب خاصة مضافا إليها نحو 0,90مليار وحدة في
إطار اتفاقات معززة ليصل إجمالي التزامات الصندوق خالل هذه السنة المالية نحو 99,60
مليار وحدة ،وبلغ عدد االتفاقات في 8000ثالثة عشر اتفاقا بقيمة 098,8مليار وحدة،
منها 99,81مليار وحدة حقوق سحب خاصة للمكسيك ،تليها اليونان بــــــ 86,90مليار
وحدة ثم إيرلندا بــــــ 01,96مليار وحدة اليرلندا .والتزم الصندوق خالل السنوات ،8008
8000،8009بقروض غير ميسرة بلغت قيمتها 08,60مليار 90,00 ،مليار ،و89,00
مليار وحدة حقوق سحب خاصة على الترتيب( .الملحق رقم ".)"00
وبالمثل ،عمل صندوق النقد الدولي على مساعدة البلدان األعضاء المنخفضة الدخل
المتضررة من األزمة واعتبارا من النصف الثاني من عام 8002وحتى 00أفريل 8001
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.08.
295
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
أصدر الصندوق موافقات على تقديم قروض بشروط ميسرة ،وعلى زيادة موارد التفاقات
قائمة لـــــ 86بلدا ،بلغت قيمتها 0,082مليار وحدة حقوق سحب خاصة ،ووصل إجمالي
القروض القائمة المقدمة بشروط ميسرة نحو 9,0مليار وحدة لـــــ 06بلد منخفض الدخل.
وارتفعت تعهدات اإلقراض خالل السنة المالية 8000لتبلغ قيمتها 8,801مليار وحدة حقوق
سحب خاصة ،واستفاد منها حوالي 60بلدا ،ويقدم الجدول رقم ( )80التزامات صندوق النقد
الدولي للبلدان األعضاء منخفضة الدخل خالل الفترة (.)8009-8002
الجدول رقم ( :)80قروض الصندوق المقدمة بموجب تسهيالت تمويلية
الوحدة :مليار وحدة ميسرة خالل الفترة ()8004-8002
حقوق سحب خاصة
عدد البلدان المنخفضة الدخل مبالغ االتفاقات الجديدة والمعززة السنوات المالية
المستفيدة
- 0,900 8002
06 0,082 8002
60 8,801 8000
69 0,000 8000
69 0,199 8008
68 0,909 8001
60 0,000 8004
المصدر :من إعداد الطالبة بناءا على:
-صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002 ،ص – .99.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002 ،ص.81.
-صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000 ،ص – .80.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000 ،ص.89.
-صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8008 ،ص – .80.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001 ،ص90.
-صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8004 ،ص.00.
وهكذا ،بلغت التزامات اإلقراض التي تعهد بها صندوق النقد الدولي خالل سنوات
األزمة أعلى مستوياتها على اإلطالق ،فقد حدث ارتفاع حاد في االلتزامات الجديدة التي
أبرمها الصندوق من 0,00مليار وحدة حقوق سحب خاصة عام 8002إلى 66,10مليار و
91,29مليار وحدة حقوق سحب خاصة في السنوات المالية 8001و 8000على الترتيب.
واستمرت االلتزامات تتزايد لتصل إلى 090,09مليار وحدة حقوق سحب خاصة سنة
.8000الشكل البياني رقم( ،)89وهو مستوى لم يسبق لصندوق النقد الدولي أن وافق على
مثله منذ نشأته.
الشكل البياني رقم ( :)84التزامات اإلقراض التي تعهد بها صندوق النقد
الدولي خالل السنوات المالية ()8004-8001
296
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.00.
297
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
عمل/شخص) ،أي ما يعادل عمل خبير واحد لمدة 000سنة في السنة المالية 8009مقارنة
بـــــــ 000سنة عمل/شخص في السنة المالية ،8000أي بزيادة تقدر بحوالي 00بالمائة.
وهذا ما يوضحه الشكل رقم( )89في حين كانت ال تتعدى ،61,9 ،20,0و( 61.9سنة
1
عمل/شخص) خالل السنوات المالية ،8002 ،8001 ،8000على الترتيب.
وقد شملت المساعدة الفنية المقدمة في هذا المجال 2:إصالح السياسات ،تنمية القدرات
على تحليل اإليرادات واإلنفاق ،تنفيذ إطار نفقات متوسط األجل إدارة اإليرادات ،إدارة تقلب
اإليرادات وضغوط اإلنفاق في البلدان الغنية بالموارد ،إدارة مخاطر المالية العامة مع
الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
الشكل رقم (: )82المساعدة الفنية المقدمة حسب الموضوع خالل
السنوات المالية ()8004-8000
المصدر :صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي :من االستقرار إلى النمو القابل
لالستمرار ،8009،ص.96.
كما استمر نمو المساعدة الفنية المقدمة في مواضيع النقدية والمالية لتصل إلى حوالي
( 90سنة عمل/شخص) في السنة المالية .8009الشكل رقم ( ،)80مقارنة بـــ أقل من 60
3
و 60,2و ( 60,6سنة عمل/شخص) خلل السنوات المالية 8000و 8001على الترتيب.
وتضمن المساعدات في هذا المجال :التنظيم والرقابة على النظام المالي ،منع األزمات
وإدارتها ،السياسات النقدية وسياسات سعر الصرف ،عمليات البنك المركزي ،كما أضاف
الصندوق مجاالت جديدة إلى خبراته منها تنفيذ متطلبات رأس المال وفقا التفاقيتي بازلII
4
وبازل IIIوسياسات السالمة االحترازية الكلية.
وفي مجال اإلحصاءات ،زادت المساعدة الفنية المقدمة من صندوق النقد الدولي
بصورة ملحوظة خالل سنوات ( ،)8009-8000حيث سجلت زيادة نسبتها حوالي 90
بالمائة ،من ( 80سنة عمل/شخص) في السنة المالية 8000إلى ( 00سنة عمل /شخص)
في السنة المالية .8009الشكل رقم ( .)80وقد ركزت هذه المساعدة على موضوعات
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.09.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8004مرجع سابق ،ص.96.
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.09.
4
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8006مرجع سابق ،ص.92.
298
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
الشكل رقم ( :)86المساعدة الفنية المقدمة للبلدان األعضاء حسب فئة الدخل
خالل السنوات المالية ()8004-8000
1
.المرجع نفسه ،ص.20.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.90.
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.09.
299
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
المصدر :صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي :من االستقرار إلى النمو القابل
لالستمرار ، 8009،ص.90.
كما حصلت البلدان المنخفضة الدخل على أكبر نسبة من المساعدة الفنية التي يقدمها
صندوق النقد الدولي حول قضايا المالية العامة لتعزيز جوانب األساسية في البنية التحتية
المؤسسية ،واإلدارة الضريبية ،صالبة القطاع المالي ،وسالمة العمليات النقدية ،وتحسين
1
طرق إعداد اإلحصاءات االقتصادية الكلية.
لقد تحرك صندوق النقد الدولي لمواجهة األزمة المالية واالقتصادية العالمية على جميع
األصعدة ،فقد عمل على تحليل األسباب الكامنة وراءها ،وتقديم المشورة بشأن السياسات
الواجب إتباعها من قبل حكومات البلدان المتقدمة للخروج من األزمة .كما قام بزيادة كبيرة
في طاقة إقراضه لتلبية احتياجات بلدانه األعضاء المتضررة من األزمة سواء كانت بلدانا
متقدمة أو نامية أو بلدان ذات الدخل المنخفض ،إلى جانب تكثيف مساعداته الفنية والتي
زادت بصورة ملحوظة خالل الفترة 8009 -8000وتركزت بشكل كبير في مجاالت
خبراته األساسية :سياسات االقتصاد الكلي ،السياسات الضريبية ،إدارة اإليرادات ،ضبط
النفقات ،السياسة النقدية ،استقرار القطاع المالي ،أنظمة الصرف ،اإلحصاءات ،واألطر
القانونية .وذلك لمساعدة بلدانه األعضاء على معالجة مواطن الضعف المؤسسية والتكيف مع
المستجدات االقتصادية والمالية العالمية السريعة ومن ثم تقوية االقتصاد العالمي وزيادة
استقراره.
المطلب الثالث :انعكاسات األزمة على عمل صندوق النقد الدولي ودوره الجديد
على خلفية ما كشفت عنه األزمة المالية العالمية من قصور في جوانب عديدة من مهام
صندوق النقد الدولي ،ووسط دعوات إلى ضرورة إصالحه وتعزيز دوره على المستوى
العالمي ،أجرى صندوق النقد الدولي جملة من اإلصالحات ،لضمان التحرك الفعال لمواجهة
األزمة ،ولتعزيز دوره في منع األزمات في المستقبل ،وتمكنه من قيادة النظام المالي والنقدي
العالمي بأكثر كفاءة في مرحلة ما بعد األزمة.
أوال :إصالح وتعزيز دوره الرقابي ،بالرغم من الدور الرقابي الذي يقوم به صندوق النقد
الدولي على البلدان األعضاء ،فإنه أخفق في التنبؤ باألزمة المالية العالمية ،ولم يعط أي
تحذير أو إشارة إلى مواطن الضعف والمخاطر التي كانت تتراكم في اقتصاديات البلدان
المتقدمة ،بل على العكس فقد جاءت تقاريره متفائلة عن هذه االقتصادات .وقد اعترف
صندوق النقد الدولي بهذا اإلخفاق في التقرير الذي أعده خبراءه "الدروس األولية
المستخلصة من األزمة" ،وأكدوا على ضرورة تكثيف الجهود لتعزيز النشاط الرقابي 2.وفي
هذا السياق ،اتخذ صندوق النقد الدولي عددا من اإلجراءات والتدابير إلصالح أنشطته
الرقابية ،أهمها:
-0تحديد أولويات الرقابة :استجابة لألزمة المالية العالمية ،أصدر المجلس التنفيذي
لصندوق النقد الدولي في أكتوبر -8002وفي إطار مراجعة الرقابة المقررة كل ثالث
سنوات" -بيان أولويات الرقابة" ،وهو األول من نوعه يحدد فيه األولويات االقتصادية
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.90.
2
.International Monetary Fund, "Initial Lessons of the Crisis", Op. cit, p.9.
300
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص ص.02-09.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.00.
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.80.
301
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
السياسات .وتتوا فق هذه المسؤولية الجديدة التي كلف بها صندوق النقد الدولي مع مهامه
1
الرقابية ،ولكنها منفصلة ومستقلة عنها.
-1دمج تقييم االستقرار المالي في الرقابة بموجب المادة الرابعة :أبرزت األزمة المالية
العالمية 8002الدور الحيوي الذي يؤديه القطاع المالي في تحقيق االستقرار المالي العالمي،
وأوضحت كيف يمكن للروابط المالية المحلية واإلقليمية أن تؤثر تأثيرا سلبيا على أداء
االقتصاد الكلي و أن تسهم في انتقال التداعيات إلى مختلف اقتصادات العالم .لهذا أصبحت
الرقابة على القطاع المالي امرأ حاسما بالنسبة لصندوق النقد الدولي الذي زاد من تركيزه
على قضايا القطاع المالي في سياق أعمال الرقابة متعددة األطراف والرقابة الثنائية التي
يمارسها ،كما عمل على إدماج أعمال الرقابة المالية الكلية في مهامه الرقابية ،وبذلك أصبح
ال يتعامل مع القطاع المالي كعنصر منفصل في تحليالته ،بل يهتم بتحليل تأثير القضايا
2
المالية على القطاعات األخرى ،وتأثير هذه القطاعات على التطورات المالية.
كما قرر في سبتمبر ،8000تحويل عنصر االستقرار المالي في برنامج تقييم القطاع
المالي الذي يتم على أساس طوعي إلى بند إلزامي في رقابة الصندوق على خمسة وعشرين
بلدا عضوا* ،التي يمكن أ ن يكون لقطاعاتها المالية أثرا كبيرا على االستقرار المالي العالمي،
وقد كان اختيار الصندوق لهذه االقتصادات الخمسة والعشرين قائما على حجم قطاعاتها
المالية والصالت التي تربط بينها وبين القطاعات المالية في البلدان األخرى3.ويتألف المنهج
4
اإللزامي لتقييم االستقرار المالي في هذه البلدان من ثالثة عناصر أساسية:
-المخاطر :تقييم مصدر المخاطر الرئيسية على االستقرار االقتصادي الكلي والمالي في
المدى القريب واحتمالية وقوعها وآثارها الممكنة ،من خالل تحليل هيكل النظام المالي
وسالمة أوضاعه وروابطه مع بقية قطاعات االقتصاد؛
-السياسات :تقييم أطر سياسة االستقرار المالي في البلد المعني ،وهو يتضمن تقييم فعالية
الرقابة على القطاع المالي مقارنة بالمعايير الدولية؛
-تسوية األزمات :تقييم قدرة السلطات على إدارة األزمات المالية وتسويتها إذا تحققت
المخاطر ،والنظر إلى إطار إدارة السيولة ،وشبكات األمان المالي ،والتأهب لألزمات،
واألطر المستخدمة في تسوية األزمات في البلد المعني؛
وتجرى هذه التقييمات كل خمس سنوات ،مع جواز أن تجري هذه البلدان تقييمات بمعدل
تواتر أعلى على أساس طوعي ،إذا اقتضى األمر ذلك 5.أما بالنسبة لبقية البلدان األعضاء
النامية والصاعدة ،فيواصل صندوق النقد والبنك الدوليين تعاونهما في إتاحة تقييمات القطاع
6
المالي لها على أساس طوعي من خالل برنامج تقييم القطاع المالي.
-4عملية اإلنذار المبكر) :(EWEاستجابة لطلب مجموعة العشرين في أكتوبر ،8002
المتمثل في ضرورة تعاون صندوق النقد الدولي مع مجلس االستقرار المالي والهيئات
.1صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.00.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8008مرجع سابق ،ص 81 .؛ صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8006مرجع سابق ،ص.90.
*
.االقتصادات الخمسة والعشرون :استراليا ،النمسا ،بلجيكا ،البرازيل ،كندا ،الصين ،فرنسا ،ألمانيا ،منطقة هونغ كونغ الصينية ،الهند ،ايرلندا،
ا يطاليا ،اليابان ،لكسمبورغ ،المكسيك ،هولندا ،روسيا ،سنغافورا ،كوريا الجنوبية ،اسبانيا ،السويد ،سويسرا ،تركيا ،بريطانيا ،الو.م.أ .وتغطي هذه
االقتصادات الخمسة والعشرون حوالي %10من النظام المالي العالمي ،و% 20من النشاط االقتصادي العالمي.
" .3صندوق النقد الدولي يبدأ نظاما إلزاميا لفحص أوضاع أكبر 80قطاعا ماليا" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 89 ،سبتمبر ،8000ص
ص 8-0.من الموقعlast visited 18/03/2017.http://www.imf.org/~/ survey/so/2010/new092710aapdf. :
4
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.81.
5
.المرجع نفسه ،ص.81.
6
" .صندوق النقد الدولي يبدأ نظاما إلزاميا لفحص أوضاع أكبر 80قطاعا ماليا" ،مرجع سابق ،ص.8.
302
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
األخرى والعمل معا على تحديد أفضل لمواطن الضعف وتوقع الضغوط المحتملة
واالستجابة بسرعة لألزمات ،بدأ صندوق النقد الدولي في عام 8001بالتعاون مع مجلس
االستقرار المالي بتنفيذ عملية اإلنذار المبكر ،وتجرى هذه العملية بما يتوافق مع مجاالت
تخصص كل منهما ،حيث يتولى الصندوق القيادة في المسائل االقتصادية والمالية الكلية،
ويعمل على تحديد مواطن الضعف فيها .في حين يتولى المجلس تحديد مواطن الضعف
1
والتحديات التنظيمية واإلشرافية في القطاع المالي.
وحسب صندوق النقد الدولي ،ال تهدف عملية اإلنذار المبكر إلى التنبؤ باألزمات ،وإنما
الغرض األساسي منها هو تحديد جوانب الضعف والكشف عن المخاطر والعوامل التي
تتسبب في التعجيل بوقوع األزمة ،ووضع السياسات التصحيحية والخطط في وقت مبكر.
وتستند هذه العملية على مجموعة كبيرة من األدوات ،تجمع بين التحليل الفني الدقيق مثل
المشاورات مع صناع السياسة ،والمشاركين في السوق واألكادميين ،وآراء الخبراء.
والتحليل الكمي الذي يشمل على عدد من النماذج والمؤشرات .ويوضح الملحق رقم ""00
عرضا موج زا للنماذج والمؤشرات التجريبية لصندوق النقد الدولي المستخدمة في عملية
اإلنذار المبكر ،وهي تستخدم لتكمل اآلراء النوعية التي تم الحصول عليها من المشاورات
والمناقشات مع الخبراء ،كما تساعد خبراء وموظفي الصندوق من تحديد مواطن الضعف
2
المؤثرة على االقتصادات المتقدمة والصاعدة.
وقد أصبحت عملية اإلنذار المبكر عنصرا مهما في مجموعة أدوات الرقابة لدى
صندوق النقد الدولي فهي تجمع بين تحليل المخاطر االقتصادية والمالية ومخاطر المالية
العامة والمخاطر الخارجية وكذا التداعيات عبر القطاعات والحدود (الملحق رقم ".)"00
وتجرى مرتين في السنة ،بالتنسيق مع تقارير الصندوق الرئيسية :تقرير آفاق االقتصاد
العالمي ،تقرير االستقرار المالي العالمي ،تقرير الراصد المالي .ويناقش المجلس التنفيذي
للصندوق ومجلس االستقرار المالي كل عملية منها ،ثم تعرض نتائجها على كبار المسؤولين
خالل اجتماعات الربيع ا لمشتركة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ،وفي االجتماعات
3
السنوية .وتعتبر نتائج العملية حساسة لألسواق وال تنشر للجمهور.
-2الرقابة الموحدة :بينت األزمة المالية العالمية أن البلدان أصبحت أكثر ترابطا،
فالتطورات في أي بلد أو منطقة يمكن أن تنتقل آثارها سريعا عبر الحدود ،لذلك عمل
صندوق النقد الدولي على تحسين رقابته على اقتصادات بلدانه األعضاء ،وذلك باتخاذ قرار
في 02جويلية 8008بشأن دمج الرقابة الثنائية ومتعددة األطراف ،والذي يعرف باسم
"قرار الرقابة الموحدة" .وينص على تحليل وتغطية أكثر انتظاما النتقال تداعيات السياسات
االقتصادية والمالية المحلية من البلدان األعضاء إلى االقتصاد العالمي 4.ومن شأن هذا
1
. Martin Muhleisen and others, "The IMF- FSB Early Warning Exercise: Design and Methodological
Toolkit",International Monetary Fund,September 2010, p.4.www.imf.org/external/np/pp/2010/090110.pdf last
visited 20/03/2017.
2
. Martin Muhleisen and others, Op.cit, p.5, p.20.
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.08.
4
.غيلدا فرنانديز وآخرون" ،بداية جديدة في ممارسة الصندوق للرقابة االقتصادية" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 01 ،يوليو ،8008ص
ص .8-0.من الموقع:
http://www.imf.org/~ /external/arabic/pubs/ft/survey/so/2012/pol071912aapdf. Last visited 21/03/2017.
303
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
القرار – حسب صندوق النقد الدولي -أن يعزز أعمال الصندوق الرقابية من عدة أوجه،
1
فهو:
-يوفر الرابط المفاهيمي بين تقييم الصندوق لالقتصادات المنفردة واالستقرار العالمي،
ويوضح ضرورة تركيز الرقابة على االستقرار االقتصادي والمالي على مستوى البلدان
منفردة والمستوى العالمي؛
-يجعل استخدام مشاورات المادة الرابعة بمثابة أداة للرقابة ليس فقط للرقابة الثنائية ولكن
أيضا للرقابة متعددة األطراف ما يجعل اندماجهما بشكل أفضل ويسمح بإجراء تحليل
للتداعيات على نحو أشمل وأكثر تكامال واتساقا؛
-يسمح هذا القرار للصندوق بإجراء مناقشات مع أي بلد عضو بشأن التداعيات من سياساته
عندما يحتمل أن تترك أثرا كبيرا على االستقرار المالي؛
-اندماج الرقابة الثنائية ومتعددة األطراف من شأنه المساهمة في سد فجوات مهمة في أعمال
رقابة الصندوق فهو ألول مرة يحدد نطاق الرقابة متعددة األطراف وطرائق تنفيذها بوضع
إطار لها يمكن إجراؤه من مشاورات على أساس متعدد األطراف.
وفي سياق قرار الرقابة الموحدة يصدر صندوق النقد الدولي تقارير التداعيات والقطاع
الخارجي سنويـــــــــا -ابتدا ًء من عام -8008ويناقش تقرير القطاع الخارجي تقييمات
الخبراء للمراكز الخارجية لمجموعة من االقتصادات المؤثرة على االقتصاد العالمي تبلغ
تسعة وعشرون اقتصادا ،وذلك بالتوازي مع نشطة الرقابة الثنائية وبشكل يتسق مع األنشطة
متعددة األطراف .أما تقرير التداعيات ،فكان يهدف حتى عام 8000إلى تقييم أثر السياسات
االقتصادية في االقتصادات الخمس الكبرى المؤثرة على النظام المالي (الو.م.أ ،الصين،
بريطانيا ،اليابان ،منطقة اليورو) على االقتصادات الشريكة .وبدءا من عام ،8009تحول
الصندوق إلى التركيز على قضايا رئيسية مختارة على أساس أهميتها من منظور التداعيات،
فعلى سبيل المثال ركز تقرير التداعيات لعام 8000على انعكاسات السياسة النقدية في
االقتصادات المتقدمة التي قررت المضي في إنهاء سياسة التيسير النقدي ،وتراجع أسعار
2
النفط العالمية.
وجدير بالذكر ،أن قرار الرقابة الموحدة ال يحدث تغييرا في التزامات البلدان األعضاء
التي تنص عليها اتفاقية تأسيس الصندوق ،وأنه طالما كان البلد العضو حريص على استقراه
3
االقتصادي فال يمكن مطالبته بتغيير سياساته لضمان فعالية النظام المالي والنقدي الدولي.
وبالطبع المقصود هنا ،أعضاؤه الكبار وخاصة الواليات المتحدة األمريكية.
-6تعزيز مشورته بشأن السياسات :يقدم صندوق النقد الدولي المشورة بشأن السياسات إلى
بلدانه األعضاء فيما يتعلق بمجموعة متنوعة من القضايا ذات الصلة باالستقرار االقتصادي
والمالي في سياق ممارسته لدوره الرقابي على اقتصادات هذه البلدان .وخالل األزمة المالية
العالمية قدم الصندوق تحليالت للمخاطر والمشورة بشأن السياسات لمساعدة أعضائه على
التغلب على التحديات الناشئة من هذه األزمة والخروج منها .ومن أجل تقوية النظام المالي
العالمي واستقراره في عالم ما بعد األزمة ،وجه صندوق النقد الدولي اهتمامه إلى سياسات
السالمة االحترازية الكلية ،والسياسات الهيكلية.
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص.80.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص 02.؛ صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص 08.؛
صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8006مرجع سابق ،ص ،92.ص.09.
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص.80.
304
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
0-6سياسات السالمة االحترازية الكلية :في الفترة السابقة لألزمة ،ظلت البيئة التنظيمية
تسعى إلى ضمان صحة وسالمة أوضاع المؤسسات المالية وقدرتها على الوفاء بالتزاماته-
خاصة البنوك التجارية -وركزت على رصد المخاطر على مستوى فرادى المؤسسات ،ولكن
األزمة المالية العالمية 8002بينت أن ذلك التنظيم الذي يطلق عليه التنظيم االحترازي
الجزئي ال يكفي لضمان صحة النظام المالي ككل ،فهو ال يأخذ بعين االعتبار الترابط بين
المؤسسات واألسواق ،فما يشكل سلوكا حذرا من منظور مؤسسة واحدة قد يسفر عن
مشكالت كبيرة إذا اتجهت جميع المؤسسات سلوكا مماثال ،كذلك ال يدرك ما قد تشكله
المؤسسات من تهديد للمؤسسات المالية األخرى ولألسواق .أي أنه ال يتمكن من رصد تراكم
المخاطر النظامية بالشكل الكافي ومن ث َ َّم فهو غير قادر على ضمان استقرار النظام المالي
1
ككل.
وفي ظل هذه الخلفية ،كانت هناك دعوات متزايدة لتطوير السياسة التي يمكن أن تركز
على المخاطر النظامية ،والتي يطلق عليها اسم "سياسة السالمة االحترازية الكلية" ،وتأكيدا
على أهمية هذه المسألة ،وجهت مجموعة العشرين اهتماما إلى هذا المجال ،ودعت صندوق
النقد الدولي ،ومجلس االستقرار المالي ،وبنك التسويات الدولية ،لوضع إطارا لسياسة
السالمة االحترازية الكلية .وتُعَ ِّ ّرف هذه الهيئات الدولية الثالث هذه السياسة بأنّها " تلك
السياسة التي تستخدم األدوات الموجهة للحد من المخاطر النظامية ،مما يؤدي بدوره إلى
التقليل من حدوث حاالت االنقطاع في تقديم الخدمات المالية األساسية التي يترتب عن
انقطاعها عواقب وخيمة على االقتصاد الحقيقي" 2.كما بين صندوق النقد الدولي أن الهدف
األساسي من هذه السياسة ينبغي أن يكون هو الحد من تراكم المخاطر المالية على مستوى
النظام ككل بالتدريج وفي مختلف النظم المالية والبلدان .وأكد كذلك أنّها ال يمكن أن تكون
بديال عن السياسات االقتصادية الكلية السليمة ،ولكي تكون فعالة يتعين استكمالها بسياسات
نقدية وسياسة المالية العامة وسياسات أخرى في القطاع المالي مالئمة لها .وأن تدعمها قوة
الرقابة والتنفيذ .لهذا ينبغي – حسب الصندوق -أن تؤدي البنوك المركزية دورا مهما في
مباشرة هذه السياسة 3،فالبنوك المركزية -حسب رأيه -ليس لديها خبرة في تقييم المخاطر
وحسب ،وإنما لديها دوافع التخاذ إجراءات في الوقت المناسب بهدف الحد من تراكم
المخاطر باعتبارها المالذ األخير إلقراض المؤسسات التي تواجه مشكالت السيولة .فضال
عن ذلك ،فاضطالع البنو ك المركزية بدور قوي يتيح التنسيق مع السياسة النقدية التي تحدد
4
الشروط الكلية المؤثرة على طلب االئتمان وعرضه.
وأكد صندوق النقد الدولي على ضرورة تنسيق سياسات السالمة االحترازية الكلية بين
البلدان ،وبعد أن أسندت له مجموعة العشرين دورا مهما في دعم التعاون الدولي على
مستوى السياسات من خالل مساهمته في عملية التقييم المتبادل ،أصبح صندوق النقد الدولي
يقوم بدور قيادي في تقييم مدى اتساق سياسات بلدانه األعضاء 5،إلى جانب عمله على
تطوير سياسة السالمة االحترازية – بالتعاون مع الهيئات الدولية والجهات المختصة بوضع
1
.لويس جاكوميه ،إرلند نير" ،حماية الكل" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،91الرقم ،0مارس ،8008
ص.00.
2
. Jan Brockmeijer and others, "Macroprudential Policy: An Organizing Framework", International Monetary
Fund, March 14, 2011, p.5. www.imf.org/external/np/pp/eng/2011/031411.pdf. last visited 29/03/2017.
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8004مرجع سابق ،ص.98.
4
.لويس جاكوميه ،إرلند نير ،مرجع سابق ،ص.00.
5
.Jan Brockmeijer and others, Op.cit, p.44.
305
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
المعايير وكذا السلطات الوطنية لبلدانه األعضاء -وذلك باستخدام أدواته بما فيها الرقابة
وبرامج تقييم القطاع المالي والمساعدة الفنية .كما حث خبراءه على االستمرار في شحذ
عملهم التحليلي لتحقيق فعالية سياسة السالمة االحترازية الكلية ،واكتساب خبرات يسترشد
بها في المناقش ات التي تتناول السياسات ،وتوفر له أساسا جيدا للمشورة التي يقدمها لبلدانه
1
األعضاء بشأن سياسة السالمة االحترازية الكلية.
8-6تعزيز مشورته بشأن سياسات اإلصالحات الهيكلية :على الرغم من اإلجراءات القوية
التي اتخذها صناع السياسات لدعم النمو من خالل سياسات االقتصاد الكلي مثل الدفعات
التنشيطية والسياسة النقدية التيسيرية إال أن التعافي والنمو العالمي كان هشا ومتباطئا ،مما
دفع مجموعة العشرين على التأكيد على الدور المهم لإلصالحات الهيكلية في ضمان نمو
قوي ومستمر ومتوازن .وأصبحت بعد ذلك قضية اإلصالحات الهيكلية من القضايا البارزة
في عمل صندوق النقد الدولي الرقابي ،فقد دعت مراجعة الرقابة المقررة كل ثالث سنوات
إلى مزيد من العمل لتعزيز قدرة الصندوق على توفير مزيد من التحليالت والمشورة
المتخصصة بشأن قضايا هيكلية معينة وخاصة تلك التي تحظى باهتمام معظم البلدان
2
األعضاء .واستجاب ة لذلك كثفت إدارات الصندوق عملها وبحوثها على السياسات الهيكلية،
وتوصلت إلى أن اإلصالحات الهيكلية مهمة للنمو ،وتزيد من منافعها عندما تتم بخطوات
3
متسلسلة ،وتكون جيدة االتساق مع األوضاع االقتصادية الكلية في البلد المعني.
ومن أجل إرساء أساس تحليلي أكثر فعالية حول القضايا الهيكلية التي من شأنها دعم
4
مختلف االحتياجات الهيكلية للبلدان األعضاء ،عمل الصندوق على:
-بناء الخبرات في مجاالت مؤثرة وعليها طلب كبير ،مثل قضايا البنية التحتية وسوق
العمل؛
-االهتمام بجميع القضايا الهيكلية ذات األهمية النسبية لسالمة االقتصاد الكلي في البلدان
األعضاء ،وإلقاء الضوء على التداعيات االقتصادية الكلية والتفاعالت مع السياسات األخرى
في إطار مشاوراته مع بلدانه األعضاء؛
-تعزيز التعاون مع الوكاالت األخرى بشأن اإلصالحات الهيكلية التي تقع خارج نطاق
الخبرات األساسية للصندوق؛
وفي ضوء هذه الج هود ،أصبح لصندوق النقد الدولي إطارا واضحا يسترشد به في
5
مشورته بشأن سياسات اإلصالحات الهيكلية .ويقوم هذا اإلطار على ثالث اعتبارات:
-مستوى التنمية الذي بلغه االقتصاد يساعد على تحديد اإلصالحات التي يرجح أن تحقق
أكبر مردود من حيث اإلنتاجية ،أي أن اإلصالحات التي تحقق فعالية أكبر في اقتصادات
البلدان المتقدمة قد ال يكون لها نفس التأثير في اقتصادات البلدان األقل تقدما على منحنى
التنمية؛
-تشكل مرحلة الدورة االقتصادية التي يمر بها االقتصاد أهمية ،فكلما ضعف االقتصاد
زادت أهمية اختيار اإلصالحات الداعمة للنمو على المدى القصير وكذا المدى الطويل؛
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8004مرجع سابق ،ص.90.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8006مرجع سابق ،ص.81.
3
.ديفيد ليبتون" ،تسريع الخطى :لماذا تعتبر اإلصالحات الهيكلية ضرورة إلنعاش النمو العالمي"،مدونة صندوق النقد الدولي 86 ،جوان ،8006
من الموقع:
https://blog-montada.imf.org,Last visited 00/00/2019.
4
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8006مرجع سابق ،ص.87.
5
.ديفيد ليبتون ،مرجع سابق.
306
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-حيز الحركة أمام سياسات االقتصاد الكلي مهم لتحديد اإلصالحات الهيكلية ذات األولوية.
هذا من جهة .ومن جهة أخرى ،للسياسات االقتصادية الكلية الداعمة للطلب أهمية في تعزيز
أثر اإلصالحات الهيكلية كما تتحقق النتائج بالعكس أي أن بعض اإلصالحات الهيكلية يمكن
أن تساعد على توسيع حيز الحركة أمام سياسات االقتصاد الكلي؛
وعلى هذه الخلفية ،أصبحت السياسات الهيكلية عنصرا أساسيا في نقاشات السياسات
االقتصادية الكلية التي يجريها صندوق النقد الدولي في إطار مشاوراته القطرية ،ويقدم على
أساسها التوصيات لكل بلدانه األعضاء بما فيها أعضاء مجموعة العشرين ،بشأن التعديالت
الالزمة في السياسات واألسواق والقوانين ،التي تمكنها من تعزيز النمو وتحسين أدائها
االقتصادي.
مما سبق يمكن القول ،أن اإلصالحات التي أجراها صندوق النقد الدولي في عمله
الرقابي تعد تحوال جذريا من التركيز على اقتصادات الدول النامية و األسواق الصاعدة
وخاصة خالل عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين ،إلى التركيز على البلدان
المتقدمة واألسواق األكثر تأثيرا على النظام المالي العالمي .كما أصبحت صالحياته تغطي
كل أنواع السياسات االقتصادية الكلية وا لهيكلية وسياسات القطاع المالي وسياسات السالمة
االحترازية الكلية .وبعد قمم مجموعة العشرين التي عقدت عقب األزمة المالية العالمية
،8002اسند للصندوق دور قيادي في تقييم مدى اتساق سياسات بلدانه األعضاء ،من خالل
مساهمته في عملية التقييم المتبادل .إلى جانب دوره الريادي في تقييم المخاطر االقتصادية
والمالية ،ومخاطر المالية العامة والمخاطر الخارجية ،وكل ما يمكن أن يهدد االستقرار
العالمي ،من خالل جهوده في عملية اإلنذار المبكر التي يجريها بالتعاون مع مجلس
االستقرار المالي.
ولكن على الرغم من أن تلك اإلصالحات تعد أمرا حاسما وضروريا لصندوق النقد
الدولي لضمان قدرته على مواجهة اآلثار المحتملة لسياسات بلدانه األعضاء على االستقرار
المالي واالقتصادي العالمي ،ومن ثم نجاحه في التصدي لألزمات .إال أن نجاحه في القيام
بهذا الدور وبفعالية تامة يتوقف على عاملين اثنين هما:
-مدى التزام جميع بلدانه األعضاء بتوصياته المتعلقة بالسياسات ،وخاصة البلدان المتقدمة.
وفي حقيقة األمر تعهدت هذه البلدان في العديد من القمم المنعقدة – قمم مجموعة العشرين-
خالل فترة األزمة بااللتزام والتعاون مع صندوق النقد الدولي ،لكن السؤال المطروح هو
مدى استعدادها لال لتزام واإلصغاء للتوصيات في مرحلة ما بعد األزمة ،مرحلة التوسع
واالزدهار.
-مدى عدالة وإنصاف صندوق النقد الدولي في التعامل مع بلدانه األعضاء ،أي المساواة في
المعاملة بين البلدان والعمل على خدمة مصالحها جميعا على حد سواء ،وليس فقط خدمة
مصالح البلدان الكبرى على حساب مصالح البلدان الصغرى كما جرت العادة.
ثانيا :إصالح نظامه اإلقراضي ،بموجب اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي ،إذا تعرض بلد
عضو لصعوبات تمويلية يمكنه اللجوء إلى صندوق النقد الدولي .وإذا ما قدّم الصندوق
التمويل في الوقت المناسب ،وبالحجم الكافي ،وبالشكل المالئم ،يمكن أن يساعد البلد العضو
في معالجة المشاكل االقتصادية التي يعاني منها ،وتجنيبه التكاليف االقتصادية واالجتماعية
1
المترتبة عن تلك المشاكل ،كما يمكن أن يساعد هذا التمويل في منع وقوع األزمة بشكل تام.
1
" .صندوق النقد الدولي يجري إصالحا شامال إلطار اإلقراض"،بيان صحفي رقم 89 ،02/22مارس ،8001ص .8.من الموقع:
307
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
ولكن واقع األمر ،أن الكثير من البلدان األعضاء يتجنبون االستعانة بصندوق النقد
الدولي والسيما بعد أزمات عقد الثمانينيات وعقد التسعينيات .ويسعون إلى حلول أخرى
لتلبية احتياجاتهم ،ومن أمثلة ذلك ،العمل على تجميع االحتياطات من النقد األجنبي بصورة
كبيرة ،استكشاف سبل الحصول على قروض وتمويل طارئ من مؤسسات مالية أخرى،
االعتماد على ترتيبات المبادلة الثنائية للسيولة بالعملة األجنبية .والسبب في ذلك أن هذه
البلدان ترى أن أدوات الصندوق التمويلية ال توفر لهم ما يحتاجونه ،حيث تتيح قدرا ضئيال
من التمويل بتكلفة باهضة ،كما تقترن بشروط هيكلية مكثفة 1،وشديدة التفصيل وغالبا ما
تستشعر البلدان المعنية أنه مفرط في التدخل ،ويعمل على إضعاف الشعور بملكية البرامج
على المستوى المحلي 2.كما يعتبر اإلقراض من صندوق النقد الدولي إشارة سلبية للجماهير
3
واألسواق على حد سواء -وهو ما يعرف بالوصمة.-
ومع انتشار األزمة المالية واالقتصادية العالمية ،واجهت العديد من البلدان النامية
والناشئة مصاعب وضغوط متزايدة من جراء هبوط االقتصاد العالمي وانهيار تمويل التجارة
ونضوب التمويل الخارجي .ولمساعدة بلدانه األعضاء المتضررة من األزمة عمل الصندوق
على إصالح نظامه اإلقراضي لتشجيع البلدان األعضاء على االستعانة به في أسرع وقت
ممكن 4.وفي هذا الصدد بدأ صندوق النقد الدولي في عام 8001بإدخال تحسينات على
األدوات التي يستخدمها في منح القروض ،ثم اعتمد على مزيد من اإلصالحات في عامي
8000و ، 8000الستحداث أدوات إقراض مرنة تمكنه من منع األزمات في المستقبل،
ومساعدة بلدانه األعضاء على مواجهة هذه األزمات وحلها إن وقعت.
-0إصالحات عام :8002من أهم جوانب إصالحات عام 8001يمكن ذكر:
0-0إنشاء خط االئتمان المرن) :(FCLفي إطار التحرك لمواجهة التدهور المستمر في
االقتصاد العالمي ،قام صندوق النقد الدولي في أواخر أكتوبر 8002بإنشاء "التسهيل
التمويلي للسيولة قصيرة األجل" ،باعتباره تسهيال للصرف السريع للبلدان القادرة على النفاذ
إلى األسواق ،والتي تتمتع بسياسات اقتصادية بالغة القوة وتواجه مشكالت مؤقتة في السيولة
في أسواق رأس المال العالمية ،ولكن في مارس 8001تم إنشاء "خط االئتمان المرن" ليحل
محل " التسهيل التمويلي للسيولة قصيرة األجل" ،يغطي سمات هذا األخير كلها ،ويتمتع
بمرونة أكبر 5.والسبب وراء هذا التغيير هو أن األداة األولى بالرغم من أنها صممت لتلبية
احتياجات البلدان األعضاء ذات األداء الجيد والقوي ،إال أن انتفاع هذه البلدان كان مقيدا
ببعض المواصفات منها اشتراط حد أقصى لالستفادة و قصر الفترة المحددة للسداد ،فضال
عن عدم إمكانية استخدامه على أساس وقائي .بينما "خط االئتمان المرن" صمم لمنع وقوع
6
األزمات وحل ما يقع منها ،ويستمد صفة المرونة من العناصر التالية:
www.imf.org/~/external/arabic/np/sec/pr/2009/pr0985apdf. last visited 02/04/2017
1
.أولريك إريكسون ،فون ألمين " ،صندوق النقد الدولي يراجع كيفية تقديم مساعدات مالية" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 01 ،أكتوبر
،8002ص ،8.من الموقعwww.imf.org/~/ external/arabic/pubs/ft/survey/so/2008/pol100908aapdf. last visited :
02/04/2017
.2كاميال أندرسن"،قواعد جديدة لمشاركة الصندوق من خالل القروض" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 00 ،افريل ،8001ص .8.من
الموقعwww.imf.org/~/external/arabic/pubs/ft/survey/so/2009/pol1041309aapdf . last visited 02/04/2017:
.3أولريك إريكسون ،فون ألمين ،مرجع سابق ،ص.8.
" . 4الصندوق يجري إصالحا شامال لنظام اإلقراض الحالي من أجل مساعدة بلدانه األعضاء على تجاوز األزمة"،نشرة صندوق النقد الدولي
االلكترونية 89 ،مارس ،8001ص ص .0-8.من الموقع:
02/04/2017www.imf.org/~/external/arabic/pubs/ft/survey/so/2009/new032409aapdf,
5
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.86.
.6صندوق النقد الدولي ،البيان الصحفي رقم ،02/22مرجع سابق ،ص ص.9-0.
308
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-طمأنة البلدان المستوفية للشروط( مستوى بالغ من القوة من السياسات االقتصادية واألداء
السابق في مجال تنفيذ السياسات) إلى إمكانية الحصول على موارد كبيرة من صندوق النقد
الدولي على الفور دون الخضوع لشروط الحقة؛
-أنه خط متجدد يمكن االستفادة منه في البداية إما لمدة ستة أشهر أو اثني عشرة شهرا؛
-يتمتع بفترة سداد أطول من ( 8,80سنة إلى 0سنوات) مقارنة بحد أقصى لفترة تجديد
الدين يبلغ تسعة أشهر في حالة األداة األولى "التسهيل التمويلي للسيولة قصيرة األجل"؛
-عدم وجود حد أقصى صارم لالستفادة من موارد الصندوق ،بينما كانت األداة األولى بحد
أقصى مقداره 000بالمائة من حصة العضوية – والجدير بذكره ،هو أن المجلس التنفيذي
وقت تأسيس هذا الخط في مارس 8001أعرب عن توقعه بأن االستفادة من الموارد في
إطار ) (FCLلن تتجاوز في األحوال الطبيعية 0000بالمائة من حصة العضوية-؛
-مرونة السحب في أي وقت من موارد خط االئتمان ،حيث يمكن استخدامه عل أساس
وقائي ،وهو ما كان محظورا في حالة "التسهيل التمويلي للسيولة قصيرة األجل"؛
8-0دعم اتفاقات االستعداد االئتماني :بغية جعل هذه األداة تتمتع بقدر أكبر من
المرونة ،وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على السماح بتركيز صرف القروض
في البداية ،والحد من كثرة المراجعات وعمليات الشراء حيثما كان هناك مبرر كاف على
قوة السياسات المتبع ة في البلد العضو وطبيعة مشكلة ميزان المدفوعات التي يواجهها .إلى
جانب الموافقة على مضاعفة الحدود القصوى من موارد صندوق النقد الدولي في إطار هذه
األداة إلى 800بالمائة من حصة العضوية على أساس سنوي ،و 600بالمائة منها على
أساس تراكمي .وحسب صندوق النقد الدولي أن هذه الحدود من شأنها أن تؤدي إلى طمأنة
1
البلدان إلى كفاية موارده المتاحة لتلبية احتياجاتها التمويلية.
1-0تحديث الشرطية :في مارس ،8002قام صندوق النقد الدولي بتحديث إطار الشرطية
المصاحبة لبرامجه هدف من خالله إلى تركيز الشروط المرتبطة بصرف قروضه وتطويعها
ك ي تتالءم مع مختلف درجات القوة التي تميز سياسات البلدان األعضاء وأساسياتها
2
االقتصادية .ولتحقيق هذا الهدف اعتمد صندوق النقد الدولي على طريقتين أساسيتين:
-اعتماده على معايير األهلية التي تتحدد سلفا (الشرطية المسبقة) حيثما كان ذلك مالئما بدال
من االعتماد على الشرطية التقليدية (الالحقة) ،ويتجسد ذلك في خط االئتمان المرن؛
-مراقبة تنفيذ السياسات الهيكلية في البرامج المدعمة بموارد الصندوق في سياق مراجعات
البرامج بدال من مراقبتها باستخدام معايير األداء الهيكلية؛
4-0إصالح التسهيالت الموجهة للبلدان منخفضة الدخل :تأثرت البلدان منخفضة الدخل
باألزمة المالية العالمية ،وأصيبت بأضرار كبيرة بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود في
بداية األزمة ،مما ولَّدَ زيادة كبيرة في احتياجاتها التمويلية ،ما دفع بصندوق النقد الدولي في
النصف األول من عام 8001إلى زيادة قروضه الميسرة لهذه البلدان زيادة ملحوظة .كما
وافق مجلسه التنفيذي على إجراء إصالحات واسعة لتحديث أدواته التمويلية بشروط ميسرة.
وفي سياق ذلك ،تم إنشاء "صندوق استئماني للنمو والحد من الفقر" ليصبح بديال عن
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.86.
.2صندوق النقد الدولي ،البيان الصحفي رقم ،02/22مرجع سابق ،ص ص.0-8.
309
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
الصندوق االئتماني المشترك بين "تسهيل النمو والحد من الفقر" و"تسهيل مواجهة الصدمات
1
الخارجية" .وضمن هذا الصندوق الجديد تم إنشاء ثالث أدوات جديدة هي:
أ -تسهيل االئتمان الممدد :يحل محل "تسهيل النمو والحد من الفقر" ،ويتيح لصندوق النقد
الدولي توفير تمويل للبلدان التي تعاني من صعوبات متواصلة في ميزان المدفوعات .فيما
يتعلق بشروطه وتكلفته وحدود االستفادة يمكن الرجوع إلى الجدول رقم (.)16
ب -تسهيل االستعداد االئتماني :يشبه اتفاق االستعداد االئتماني المستخدم في إطار التسهيالت
التي يمنحها صندوق النقد الدولي بشروط غير ميسرة ،فهو يوفر المساعدة المالية للدول
منخفضة الدخل التي تواجه احتياجات للتمويل قصيرة األجل أو عارضة ناشئة عن مصادر
متنوعة ،كما يسمح باستخدام موارده على أساس وقائي ولكنه بشروط ميسرة حيث أسعار
الفائدة صفرية .الجدول رقم (.)06
ج -التسهيل االئتماني السريع :يوفر مبلغا محدودا من التمويل بسرعة استجابة الحتياجات
العاجلة ،بما في ذلك المساعدة الطارئة لمواجهة الكوارث الطبيعية ،وفي مرحلة ما بعد
الصراع ،وبشرطية مخفضة .الجدول رقم (.)06
وقد أصبحت هذه التسهيالت سارية المفعول بدا ًء من جانفي ،8000وال يزال صندوق
النقد الدولي يعمل بها إلى يومنا هذا.
-8إصالحات عام :8000في هذا العام ،اتخذ صندوق النقد الدولي إجراءات لتعزيز أدواته
المخصصة لإلقراض والتوسع فيها بغية تشجيع بلدانه األعضاء على االستعانة به في وقت
مبكر لوقايتها من األ زمات وكذلك للمساعدة على حمايتها من تداعيات األزمات النظامية
أثناء حدوثها .وفي سياق ذلك ،قرر مجلسه التنفيذي في أوت 8000زيادة االئتمان المقدم في
إطار "خط االئتمان المرن" ،من حيث المدة والحجم .وإنشاء أداة إقراض جديدة هي "خط
االئتمان الوقائي" .إلى جانب مشاركته في الجهود الدولية لتخفيف مديونية البلدان منخفضة
الدخل.
0-8تحسين خط االئتمان المرن ) :(FCLمن أهم التعديالت التي أجريت على هذه األداة في
2
عام :8000
-مضاعفة مدة الخط االئتماني ،حيث أصبح عقد اتفاقات الستخدام خط االئتمان لمدة عام أو
لمدة عامين ،بدل المدة السابقة التي كانت ستة أشهر ،مع إجراء مراجعة مرحلية لمدى
استيفاء شروط األهلية بعد عام؛
-إلغاء الحد األقصى الضمني الستخدام موارد خط االئتمان المرن والذي قدر بــــــــ0000
بالمائة من حصة البلد العضو ،على أن تستند قرارات استخدام هذه الموارد إلى احتياجات
التمويل في كل بلد ،وتأثيرها على وضع السيولة في الصندوق؛
8-8إنشاء خط االئتمان الوقائي) :(PCLهو خط ائتماني متاح لمجموعة أكبر من البلدان
األعضاء مقارنة بالبلدان المؤهلة لالستفادة من "خط االئتمان المرن" .ويتم تقدير مدى أهلية
البلدان األعضاء لالستفادة من هذا الخط في خمسة مجاالت هي :المركز الخارجي والنفاذ
إلى األسواق ،سياسة المالية العامة ،السياسة النقدية ،سالمة القطاع المالي ونظام الرقابة
عليه ،كفاية البيانات .ويشترط خط االئتمان الوقائي تحقيق أداء قوي في معظم هذه المجاالت،
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص ص.92-99.
2
" .صندوق النقد الدولي يعزز أدواته المخصصة للوقاية من األزمات" ،بيان صحفي رقم 00 ،00/180أوت ،8000ص .8.من
www.imf.org/~/external/arabic/np/sec/pr/2010/pr1032apdf. Last visited 26/04/2017 الموقع:
310
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
ولكنه في ذات الوقت يتيح إمكانية الحصول على الموارد من منطلق وقائي للبلدان التي تعاني
1
من مواطن ضعف متوسطة في واحد أو اثنين من هذه المجاالت.
1-8إنشاء الصندوق االستئماني لتخفيف أعباء الديون في مرحلة ما بعد الكوارث :تم
إنشاء هذا الصندوق بعد موافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في جوان ،8000
وذل ك في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب هايتي في جانفي .8000والهدف من هذا
الصندوق تخفيف مديونية البلدان المؤهلة ذات الدخل المنخفض وشديدة الفقر وإتاحة الموارد
لها لتلبية االحتياجات االستثنائية في موازين مدفوعاتها والناجمة عن كوارث طبيعية التي
يشترط فيها أن تكون مدمرة (تؤثر بشكل مباشر على ثلث سكان البلد المتضرر على األقل،
تؤدي إلى تدمير ربع طاقته اإلنتاجية ،أو تسبب أضرارا تتجاوز 000بالمائة من إجمالي
الناتج المحلي) .كما أن هذه المساعدة مرهونة بتقييم مدى تنفيذ البلد العضو للسياسات
االقتصادية الكلية خالل الفترة السابقة على قرار صرف الموارد لتخفيف أعباء الديون 2.وفي
فيفري من عام 8000تم تحول هذا الصندوق إلى "الصندوق االستئماني الحتواء الكوارث
وتخفيف أعباء الديون" ،ويضم نافذتين ،األولى :نافذة تخفيف أعباء الديون في مرحلة ما بعد
الكوارث الطبيعية (زالزل ،أعاصير ،)...والثانية :نافذة احتواء انتشار كوارث الصحة العامة
كاألوبئة ،وتقدم المساعدة للبلدان المنخفضة الدخل والمؤهلة لالستفادة من القروض بشروط
3
ميسرة.
-1إصالحات عام :8000قام صندوق النقد الدولي في عام 8000بمجموعة من
اإلصالحات على أدواته االقراضية لتعزيز مرونتها وتوسيع نطاقها لتوفير السيولة لبلدانه
األعضاء وخاصة تلك التي تتمتع بسياسات وأساسيات اقتصادية سليمة .وتتضمن هذه
اإلصالحات:
0-1إنشاء خط الوقاية والسيولة ) :(PLLأنشئ هذا الخط ليحل محل "خط االئتمان
الوقائي" ،على أن تظل المعايير المؤهلة دون تغيير عما كانت عليه بمقتضى الخط السابق،
حيث ينبغي أن يتمتع البلد العضو بأساسيات اقتصادية قوية ،وأطر مؤسسية سليمة للسياسات،
كما ينبغي أن يكون لديه سجل أداء ايجابي في تنفيذ سياسات صائبة وال يزال ملتزما بالحفاظ
على هذه السياسات في المستقبل ،ويمكن استخدامه كنافذة للسيولة قصيرة األجل لتلبية
احتياجات ميزان المدفوعات ،وال تتجاوز االستفادة من أي اتفاق مدته ستة أشهر 800بالمائة
من حصة العضوية ،على أن تتاح زيادة هذا المقدار بحد أقصى 000بالمائة في الظروف
االستثنائية التي يواجه فيها البلد العضو احتياجا قصير األجل لتمويل ميزان المدفوعات نتيجة
صدم ات خارجية ،بما في ذلك اشتداد الضغوط اإلقليمية أو العالمية .كما يمكن أيضا
استخدامه في إطار اتفاق مدته تتراوح بين عام وعامين بحد أقصى 000بالمائة من حصة
4
العضوية للسنة األولى ،وما يصل إلى 0000بالمائة من حصة العضوية للسنة الثانية.
وحسب صندوق النقد الدولي تعتبر هذه األداة الجديدة أكثر مرونة مقارنة بخط االئتمان
5
الوقائي ،كما يمكن استخدامها في مجموعة أوسع من الظروف مقارنة بالخط السابق.
1
.المرجع نفسه ،ص.8.
2
.صندوق النقد الولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص ص.80-89.
.3صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.00.
4
.صندوق النقد الدولي " ،الصندوق يعزز نوافذ السيولة واإلقراض الطارئ" ،البيان الصحفي رقم 88 ،00/484نوفمبر ،8000ص .8.من
www.imf.org/~/external/arabic/np/sec/pr/2011/pr1142apdf. Last visited 27/04/2017 الموقع:
5
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8008مرجع سابق ،ص.89.
311
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
8-1إنشاء أداة التمويل السريع) :(RFIفي عام 8000قام صندوق النقد الدولي بإنشاء هذه
األداة لتحل محل سياسة المساعدة في الحاالت الطارئة .وتستخدم هذه األداة لدعم كافة
االحتياجات الملحة لميزان المدفوعات بما في ذلك االحتياجات الناشئة عن الصدمات
الخارجية ،كذلك يمكن أن تتيح إطارا لدعم السياسات والمساعدة الفنية .ولمنح هذه
المساعدات (المالية والفنية) في إطار هذه األداة البد أن يتوصل تقييم صندوق النقد الدولي
إلى أن البلد العضو سوف يتعاون في إيجاد حلول لمشكالت ميزان المدفوعات -ما يعني
إمكانية فرض إجراءات مسبقة البلد العضو طالب المساعدة -وفور صدور الموافقة على
استخدام هذه األداة تتاح الموارد المطلوبة للبلد العضو ،في البداية كانت في حدود 00بالمائة
من حصته سنويا ،و 000بالمائة من هذه الحصة على أساس تراكمي 1،ثم تم تغييرها إلى
09,0بالمائة من حصة البلد العضو على أساس سنوي و 90بالمائة على أساس تراكمي
وذلك في السنة المالية 2.8006والجدير بالذكر أن صندوق النقد الدولي لم يستخدم هذه األداة
إلى يومنا هذا ،وهذا حسب التقارير السنوية الصادرة عنه التي كان آخرها التقرير السنوي
لعام .8009
يبدو مما سبق ،أن صندوق النقد الدولي ومنذ بداية األزمة المالية العالمية -عمل على
إصالح أدواته االقراضية وتقويتها .وقد ترتب عن ذلك إنشاء أدوات جديدة تهدف – حسب
صندوق النقد الدولي -إلى منع وقوع األزمات وحلها إذا وقعت .وتتمثل هذه األدوات الجديدة
في "خط االئتمان المرن" و"خط الوقاية والسيولة" .وعلى الرغم من جاذبية هاتين األداتين
خاصة من حيث حجم التمويل المتاح الذي يصل إلى 0000بالمائة من حصة العضوية في
خط الوقاية والسيولة ،وتجاوز 0000بالمائة من حصة في خط االئتمان المرن إال أنه كان
هناك طلب قليل عليهما من قبل البلدان األعضاء ،فقد استفادت ثالث بلدان فقط خالل الفترة
( )8009-8001من خط االئتمان المرن هي :المكسيك أربع مرات في (،8001،8000
،)8000 ،8000كولومبيا أربع مرات( ،)8009 ،8008 ،8000 ،8000بولندا أربع
مرات( 8000 ،8000مرتين ،)8000،وعضو واحد فقط من خط الوقاية والسيولة هو
المغرب في ،8000وقبلها استفادت مقدونيا من خط االئتمان الوقائي في .8000الملحق
رقم(.)00
ويرى بعض االقتصاديين أن السب في ذلك قد يرجع إلى تخوف البلدان من أن يرسل
استخدام هاتين األداتين إشارات سلبية إلى األسواق بوجود بعض مواطن الضعف الخفية ،كما
أن هناك مخاوف بشأن عدم موافقة صندوق النقد الدولي على طلب البلدان لهاتين األداتين أو
3
عدم الموافقة على تجديدها ،ألن ذلك من شأنه أن يرسل إشارات سلبية لألسواق.
ولكن يمكن القول أيضا ،أن السبب في ذلك أنهما غير متاحتين لجميع البلدان األعضاء،
ألن الصندوق يشترط فيهما :أساسيات اقتصادية قوية ،وأطر مؤسسية سليمة للسياسات،
وسجالت أداء ايجابية على مستوى السياسات ،وقوة المركز الخارجي والقدرة على النفاذ
لألسواق ،إلى جانب سالمة القطاع المالي(الشرطية المسبقة) .وهذا ما تفتقر إليه العديد من
البلدان األعضاء وخاصة النامية.
أما فيما يتعلق باإلجراءات التي اتخذها لتحديث مشروطيته ،فيمكن القول أنها لم تكن
سوى إجراءات شكلي ة حاول من خاللها تجميل مشروطيته ،ولم يحدث أي تغيير حقيقي من
شأنه أن يعيد ثقة البلدان األعضاء فيها .فالصندوق ال يزال :يفرط في طلب اإلصالحات
مقابل المساعدة المالية ،ووفق جدول زمني محدد -وتعتبر اليونان خير مثال على ذلك -وال
تزال قروضه مقسمة إلى شرائح ،تصرف حسب مضي البلد المعني في اإلصالحات
االقتصادية التي طلبت منه ،حيث يوقف الصندوق صرف الشرائح في حالة عدم تقدم البلد
في اإلصالحات حسب التواريخ المحددة -كما حدث مع تونس عندما رفض الصندوق صرف
الشريحة الثانية من القرض في فيفري ،8009بسبب تباطؤ اإلصالحات االقتصادية فيها-1
إلى جانب مشروطيته المسبقة كما هو الحال في خط االئتمان المرن وخط الوقاية والسيولة.
كل هذا من شأنه أن يدفع البلدان األعضاء إلى التردد في طلب المساعدة من صندوق النقد
الدولي في وقت مبكر ،ما قد يؤدي إلى عرقلة فعالية دوره في منع وقوع األزمات وتسوية ما
يقع منها في المستقبل.
ثالثا :إصالح وتعزيز أنشطته المعنية بتنمية القدرات ،أكدت األزمة المالية العالمية 8002
على ضرورة أن تعمل جميع البلدان بما فيها البلدان المتقدمة على معالجة مواطن الضعف
المؤسسية والتكيف مع التطورات االقتصادية والمالية العالمية السريعة .وفي هذا المجال يقدم
صندوق النقد الدولي المساعدة لبلدانه األعضاء من خالل أنشطته المعنية بتنمية القدرات،
التي عرفت تغيرات مهمة نتيجة اإلصالحات التي أجراها الصندوق عقب األزمة لتعزيز
فعاليته وكفاءته في تقديم هذه الخدمات .وفيما يلي عرض ألهم هذه اإلصالحات:
-0توسيع شبكة مراكزه اإلقليمية للمساعدة الفنية والتدريب :يرى صندوق النقد الدولي أن
المنهج اإلقليمي الذي يتبعه في تنمية القدرات ،يساعد على تصميم برامج المساعدة بشكل
أكثر مالئمة الحتياجات كل منطقة وعلى تحسين القدرة على االستجابة السريعة لما يستجد
من احتياجات ،وكذا يعزز التكامل اإلقليمي 2.لهذا عمل الصندوق على التوسع في شبكة
مراكزه اإلقليمية للمساعدة الفنية وكذا مراكز وبرامج التدريب اإلقليمية التابعة له.
0-0مراكز المساعدة الفنية اإلقليمية :أعلن صندوق النقد الدولي في سبتمبر 8002على
خطط لفتح أربعة مراكز إقليمية جديدة للمساعدة الفنية 3ليصبح عددها في الوقت الحالي
عشرة مراكز إقليمية في منطقة المحيط الهادي والكاريبي ،إفريقيا ،الشرق األوسط ،أمريكا
الوسطى ،جنوب شرق آسيا .ويوضح الملحق رقم " "08المراكز االقليمية القائمة موقعها،
وتاريخ تأسيسها ،وعدد البلدان التي يخدمها.
وتضطلع هذه الشبكة العالمية من مراكز المساعدة الفنية اإلقليمية بدور أساسي في
تزو يد السلطات الوطنية بالدعم والتوجيه في مجال تنفيذ اإلصالحات طويلة األجل بصورة
تطبيقية في مجاالت المالية العامة واإلحصاءات االقتصادية الكلية والقطاع المالي ،أطر
4
السياسات النقدية ،إحصاءات القطاع الخارجي ،عمليات النقد األجنبي إدارة الدين.
1
.منذر بالضيافي"،صندوق النقد "يعاقب" تونس بسبب بطء اإلصالحات" ،8009/08/86،من الموقعwww.alarabiya.net. last visited :
28/04/2017
2
.صندوق النقد الدولي" ،مراكز صندوق النقد الدولي اإلقليمية للمساعدة الفنية" ،صحيفة وقائع ،8006/09/89 ،ص .0.من الموقع
www.imf.org/About/Factsheets/../Regional-Technical-Assistance-Centers?pdf. Last visited 29/04/2017
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.06.
4
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.60.
313
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
8-0مراكز وبرامج التدريب اإلقليمية :يقدم صندوق النقد الدولي التدريب العملي المعني
بالسياسات للمسؤولين الحكوميين من البلدان األعضاء ،وذلك من خالل شبكة مراكز وبرامج
تدريب إقليمية ،عمل الصندوق على توسيعها عقب األزمة المالية العالمية لمساعدة أعضائه
على تحسين صياغة وتنفيذ السياسات السليمة والنهوض بجودة الحوار بينه وبين أعضائه
بشأن السياسات 1.ويبلغ عدد مراكز التدريب حالية ثمانية مراكز منها أربعة مراكز جديدة تم
إنشاؤها خالل الفترة ( .)8009-8000ويوضح الملحق رقم " "00مراكز التدريب اإلقليمية
التابعة لصندوق النقد الدولي موقعها وتاريخ تأسيسها وهدفها.
-8تأسيس معهد تنمية القدرات :لكي يعزز صندوق النقد الدولي عمله في مجال تنمية
القدرات ،قام في عام 8008بدمج معهد صندوق النقد الدولي ومكتب إدارة المساعدة الفنية
وأسس "معهد تنمية القدرات" ،الذي ينظم دورات تدريبية بالتعاون مع مختلف إدارات
صندوق الن قد الدولي في المقر الرئيسي (واشنطن) لتدريب المسؤولين في البلدان األعضاء،
ونقل خبرات وتجارب خبراء صندوق النقد الدولي في طائفة واسعة من الموضوعات الهامة
مثل التحليل االقتصادي الكلي ،والتحليل المالي الفعال وصنع السياسات 2.كما قام الصندوق
بإعداد دورات تدريبية عبر شبكة االنترنت مكملة للدورات التدريبية بالمعهد ،وهي مفتوحة
لجميع المسؤولين الحكوميين وبدون مقابل .وقد زادت المشاركة في التدريب المقدم عبر
اإلنترنت زيادة حادة في السنة المالية 8006لتصل إلى 00بالمائة من مجموع التدريب المقدم
3
من الصندوق مقارنة بــــــ00بالمائة في السنة المالية .8000
-1إنشاء الصناديق االستئمانية المواضعية (صناديق تنمية القدرات) :أعلن صندوق النقد
الدولي في شهر أفريل من عام 8001عن إطالق مبادرة الصناديق االستئمانية المواضعية.
وتقوم فكرة هذه الصناديق على تجميع موارد المانحين لخدمة البلدان األعضاء في
موضوعات االقتصاد الكلي المتخصصة ،وتمكينها من تصميم وتنفيذ سياسات اقتصادية
داعمة لالستقرار والنمو عن طريق تعزيز قدراتها ومهاراتها المؤسسية .وقد اقترح
الصندوق إنشاء تسعة صناديق مواضعية في المجاالت التالية :مكافحة غسل األموال وتمويل
اإلرهاب ،إدارة المالية العامة السياسة الضريبية ،االستمرارية في تحمل الدين ،االستقرار
المالي ،إحصاءات األزمة المالية ،إدارة ثروة المواد الطبيعية ،نشر البيانات ،وأيضا صندوق
استئماني للتدريب في إفريقيا.
ومنذ عام 8001إلى يومنا هذا تم إنشاء الصناديق التالية:
0-1الصندوق االستئماني لمكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب :من شأن أنشطة غسل
األموال وتمويل اإلرهاب أن تقوض سالمة المؤسسات والنظم المالية وتهدد استقرارها ،وأن
تثبط االستثمار األجنبي وتشوه التدفقات الرأسمالية الدولية ،لهذا عمل صندوق النقد الدولي
على إنشاء هذا الصندوق الذي بدأ العمل في عام 8001ويمول هذا الصندوق من سويسرا،
النرويج ،كندا ،اليابان ،الكويت ،قطر ،المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة،
4
لكسمبورغ ،هولندا ،كوريا ،فرنسا ،ألمانيا.
1
.صندوق النقد الدولي" ،مراكز وبرامج التدريب اإلقليمية التابعة للصندوق" ،صحيفة وقائع ،8006/09/89 ،ص .0.من
الموقعwww.imf.org/About/Factsheets/../Regional-Training-Centers-and-Programs ?pdf. last visited 29/04/2017:
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص ،90.ص.90.
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص 68.؛ صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8006مرجع سابق ،ص.20.
4
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.06.
314
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
8-1الصندوق االستئماني إلدارة ثروة الموارد الطبيعية :أطلقه صندوق النقد الدولي عام
8000لمساعدة البلدان األعضاء على بناء قدرتها على إدارة ثرواتها من الموارد الطبيعية
على نحو فعال ،يمول من استراليا ،بلجيكا االتحاد األوروبي ،ألمانيا ،الكويت ،لكسمبورغ،
1
هولندا ،النرويج ،عمان ،سويسرا.
1-1الصندوق االستئماني لتعبئة اإليرادات :أطلق عام 8000تحت اسم "السياسة واإلدارة
الضريبية" لمساعدة البلدان األعضاء وخاصة منخفضة الدخل على إنشاء نظم ضريبية على
مستوى جيد من التصميم واإلدارة بحيث تولد إيرادات قابلة لالستمرار .يمول من استراليا،
بلجيكا ،االتحاد األوروبي ،ألمانيا ،الكويت لكسمبورغ ،الكويت هولندا ،النرويج ،عمان،
2
سويسرا.
4-1الصندوق االستئماني ألداة التقييم التشخيصي لإلدارة الضريبية :أطلق في عام 8009
بتمويل من ألمانيا اليابان ،هولندا ،النرويج ،سويسرا ،المملكة المتحدة .وتساعد هذه األداة
على تحديد مواطن القوة والضعف في اإلدارة الضريبية في أي بلد ،وعلى تحسين تحديد
3
األولويات وترتيب اإلصالحات ،كما توفر أساسا لمراقبة وتقييم التقدم المحرز.
2-1الصندوق االستئماني لتسهيل إدارة الدين :8عمل صندوق النقد الدولي على إنشاء هذا
الصندوق ليمول المساعدة الفنية المقدمة للبلدان النامية األعضاء في الصندوق في مجال
إدارة الدين العام ومساعدتها على تعزيز قدرتها على تقييم ديونها وتحسين إدارتها وضمان
اإلبقاء عليها في مستويات يمكن االستمرار في تحملها .بدأ هذا الصندوق العمل فعليا في
أفريل ، 8009وقد اشترك في إنشائه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ،وبني على نجاح
4
المرحلة األولى من "تسهيل إدارة الدين" الذي أسسه البنك الدولي عام .8002
6-1صندوق االستقرار المالي :أداة متعددة الشركاء موجهة لدعم جهود البلدان منخفضة
5
الدخل لتقييم ومعالجة المخاطر ومواطن الضعف في القطاع المالي.
1-1صناديق الدول الهشة :تم إنشاء صندوقان ،األول :الصندوق االستئماني من أجل
السودان عام 8008والثاني من أجل الصومال عام ،8000وذلك لمساعدة المؤسسات
االقتصادية والمــاليـــة في البلــــدين على اكتســــــاب
6
مزيد من الفعالية وتحسين مستوى الشفافية والمساءلة وتعزيز قدراتها التشغيلية والفنية.
-4توسيع عالقات الشراكة مع الجهات المانحة :سعى صندوق النقد الدولي إلى تعزيز
شراكته مع المانحين الذين يدعمون قدرته على تقديم المساعدات الفنية والتدريب للبلدان
األعضاء ،من خالل مساهماتهم التي توجه ألنشطة تنمية القدرات في مراكز الصندوق
اإلقليمية للمساعدة الفنية والتدريب ،وكذا صناديق تنمية القدرات إلى جانب الشراكات الثنائية
التي عمل صندوق النقد الدولي على توسيعها وتعميقها منذ 8001ليس فقط مع الشركاء
القائمين وإنما أيضا توسيع القاعدة لتشمل شركاء جدد من أبرزهم البرازيل وكوريا والكويت
وقطر والمملكة العربية السعودية 1.وقد نمت مساهمات المانحين في تمويل أنشطة صندوق
النقد الدولي لتنمية القدرات نموا مطردا خالل الفترة ( ،)8009-8000كما يوضحه الشكل
التالي:
الشكل رقم ( :)81تمويل أنشطة تنمية القدرات خالل
الفترة( )8004-8000بماليين الدوالرات
ويوضح هذا الشكل الزيادة المطردة للتمويل الخارجي ألنشطة تنمية القدرات من
حوالي 01مليون دوالر في السنة المالية ،8000وهو ما يمثل 09بالمائة من إجمالي التمويل
إلى حوالي 10مليون دوالر في سنة 8008وحوالي 006مليون دوالر في سنة ،8000
ليصل إلى 000مليون دوالر عام ،8009وهو ما يمثل 91بالمائة من إجمالي التمويل الذي
بلغ 800مليون دوالر.
-2مراقبة وتقييم المساعدة الفنية والتدريب :يعتمد صندوق النقد الدولي على عدد من
2
األدوات المختلفة لتحديد مدى فعالية أعمال المساعدة الفنية والتدريب التي يقدمها ،منها:
-إجراء تقييمات على نطاق الصندوق لتقييم السياسات واألنشطة العامة لتنمية القدرات،
حيث يجري الصندوق مراجعة للسياسات كما هو الحال في المجاالت الرئيسية األخرى لعمل
الصندوق؛
-تقييمات إدارات تنمية القدرات ،حيث تجري اإلدارات تقييما ذاتيا لمشروعات مختارة
لمعرفة مدى تأثير المساعدة الفنية واستخراج الدروس المستفادة؛
-تقييمات خارجية ،حيث تتولى الجهات المانحة تقييم للمراكز اإلقليمية للمساعدة الفنية وكذا
الصناديق االستئمانية المواضعية ،وتجرى هذه التقييمات في منتصف كل دورة تمويل؛
وبالنسبة للتدريب يستعين صندوق النقد الدولي بطائفة متنوعة من أساليب التقييم من
بينها :تقييمات التدريب الكمية والنوعية التي يقدمها المشاركون في نهاية كل دورة؛ آراء
األطراف الش ريكة للصندوق في مراكز التدريب اإلقليمية؛ اجتماعات توليد األفكار مع كبار
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.09.
2
.International Monetary Fund,"The Fund’s capacity Development Strategy-Better Poicies Throgh Stronger
Institutions", May 21, 2013, p.24.www.imf.org/external/np/pp/eng/2013/052113.pdf, last visited 01/05/2017
316
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
المسؤولين في البلدان األعضاء؛ المسوح التي تقام بعد سنة إلى ثمانية عشر شهرا من عينة
من الدورات التدريبية لتقييم مدى استمرار الفائدة المتحققة من التدريب وتجرى هذه المسوح
1
من جهة معروفة دوليا ومستقلة ،وقد بدأ العمل بهذه الطريقة منذ عام .8000
ومنذ عام 8001وصندوق النقد الدولي يعمل على تطوير إطار موحد ومشترك للتقييم
من خالل العمل على التوصل إلى اتفاق مع الجهات المانحة والسلطات القطرية على منهجية
2
مشتركة لكيفية تقييم التقدم المحرز ومدى نجاح أنشطة تنمية القدرات.
رابعا :إصالح نظام الحصص وحوكمة الصندوق ،اقترحت مجموعة العشرين إجراء إصالح
في نظام الحصص لصندوق النقد الدولي كي يعكس الدور المتزايد لبلدان األسواق الناشئة
والبلدان النامية الديناميكية .واستجابة لذلك اعتمد صندوق النقد الدولي إصالحات واسعة
النطاق في نظام الحصص والحوكمة يتم استعراضها فيما يلي:
-0إصالحات عام :8002اعتمد صندوق النقد الدولي في مارس 8002تدابير إلجراء
إصالحات مهمة في نظام حوكمة الصندوق يهدف من خاللها إلى تحقيق اتساق أكبر بين
حصص العضوية واألنصبة التصويتية في الصندوق من ناحية ووزن البلدان األعضاء
ودورها في االقتصاد العالمي من ناحية أخرى ،إلى جانب تعزيز مشاركة البلدان منخفضة
3
الدخل في الصندوق .وتشتمل تدابير اإلصالح العناصر األساسية التالية:
-صيغة جديدة للحصص تكون أكثر بساطة وشفافية مقارنة بنظام السابق للصيغة التي كانت
تتألف من خمسة متغيرات؛
-الزيادة المخصصة في الحصص :تشمل عملية اإلصالح زيادة مخصصة لما يصل إلى 09
بلدا عضوا من اقتصادات األسواق الناشئة والنامية .ويتضمن هذا اإلصالح:
تغاضي عدة بلدان متقدمة الممثلة بالمستوى الكافي عن جزء من زيادات الحصص
التي هي مؤهلة للحصول عليها ،ويتع لق األمر هنا بألمانيا ،ايرلندا ،ايطاليا ،اليابان،
لكسمبورغ ،الواليات المتحدة.
إعطاء دفعة للبلدان غير ممثلة بالمستوى الكافي على أساس إجمالي الناتج المحلي
العالمي المحسوب بتعادل القوى الشرائية :فمراعاة للديناميكية تضمنت اإلصالحات زيادة ال
تقل عن 90بالمائة في الحصص االسمية القتصادات األسواق الناشئة والبلدان النامية التي
تمتلك أنصبة حصص فعلية أقل بكثير من أنصبتها الفعلية في إجمالي الناتج المحلي العالمي
حسب تعادل القوى الشرائية؛
نظرا الستمرار القصور الشديد في تمثيل أربع بلدان أعضاء تحصلت على زيادات
في الحصص بمقتضى إصالحات عام ،8006سوف تحصل هذه البلدان على زيادة ثانية في
الحصص ال تقل عن 00بالمائة؛
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.90.
2
.International Monetary Fund,"The Fund’s capacity Development Strategy-Better Poicies Throgh Stronger
Institutions", Op.cit, p.25.
3
.صندوق النقد الدولي "،المديرون التنفيذيون يؤيدون جهود اإلصالح الشامل لنظام الحصص واألصوات في الصندوق" ،نشرة صندوق النقد
الدولي االلكترونية 82 ،مارس ،8002ص ص ،9-8.من
www.imf.org/external/arabic/pubs/ft/survey/so/2008/new032808aapdf, last visited 03/05/2017 الموقع:
317
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-مراجعات لكل خمس سنوات :تقضي اإلصالحات بإعادة مواءمة أنصبة الحصص في
سياق المراجعات العامة للحصص التي تتم كل خمس سنوات ،ضمانا الستمرار اتساق
الحصص واألنصبة التصويتية مع التطورات التي تطرأ على ثقل االقتصادات األعضاء؛
-تعزيز صوت البلدان منخفضة الدخل ،وذلك عن طريق إجراءين يتطلبان تعديل اتفاقية
تأسيس الصندوق هما:
زيادة األصوات األساسية بمقدار ثالثة أضعاف لكل األعضاء ،وهي أول زيادة منذ
*
تأسيس صندوق النقد الدولي ،والعمل على وضع آلية للحفاظ على نسبة األصوات األساسية
في مجموع األصوات؛
مناوب آخر لكل من المديرين التنفيذيين الممثلين لعدد كبير من البلدان؛
في مارس ،8000دخلت هذه اإلصالحات حيز التنفيذ بعد أن صادق على تعديل اتفاقية
تأسيس الصندوق في هذا الخصوص 009بلد عضو يمثلون أكثر من 20بالمائة من مجموع
أصوات البلدان األعضاء 1.وبموجب ذلك:
-زادت حصص 09بلد عضو بمبلغ يصل إلى 80,2مليار وحدة حقوق سحب خاصة (أي
حوالي 00,9مليار دوالر أمريكي) 2.وكانت بلدان األسواق الناشئة هي المستفيد الرئيسي من
هذه الزيادة ،فعلى سبيل زادت حصة كوريا بنسبة 006بالمائة ،وسنغافورة بـــ 60بالمائة،
تركيابـــــ00بالمائة ،والصين بـــــ00بالمائة والهند90بالمائة والبرازيل 90بالمائة ،والمكسيك
3
90بالمائة.
-تثبيت عدد األصوات األساسية عند 0,008بالمائة من جموع األصوات ،وبذلك أصبح عدد
4
األصوات األساسية الحالية نحو ثالثة أضعاف العدد السابق على تطبيق إصالحات .8002
-تعتبر مجموعة بلدان إفريقيا جنوب الصحراء أكبر الدوائر االنتخابية في صندوق النقد
الدولي ،وبموجب إصالحات عام 8002تم تعيين مدير تنفيذي مناوب ثان لتحسين مستوى
5
تمثيل هذه المجموعة.
-8إصالحات عام :8000وافق المجلس التنفيذي في نوفمبر من عام 8000على إجراء
مجموعة من اإلصالحات اإلضافية في نظام الحصص والحوكمة ،وقد شملت على وجه
6
الخصوص العناصر التالية:
0-8الحصص :تقضي هذه اإلصالحات المقترحة بــــ:
-زيادة حصص العضوية بمقدار الضعف لنصل إلى نحو 996,2مليار وحدة حقوق سحب
خاصة؛
*
تتكون األصوات المخصصة لكل بلد عضو من :أصوات أساسية التي كانت تقدر(منذ تأسيس الصندوق) بـــ 800صوت لكل بلد عضو +صوت
إضافي لكل جزء من الحصص يعادل 000ألف وحدة من حقوق السحب الخاصة.
.1صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.09.
2
.المرجع نفسه ،ص.09.
.3صندوق النقد الدولي" ،إصالح نظام الحوكمة في الصندوق تحقيق انجاز مهم نحو تعزيز شرعية الصندوق" ،نشرة صندوق النقد الدولي
االلكترونية 00 ،مارس ،8000ص .8.من الموقعwww.imf.org/external/arabic/np/sec/pr/2011/pr1164apdf. Last visited :
05/05/2017
4
.صندوق النقد الدولي" ،حصص عضوية الصندوق" ،صحيفة وقائع 00 ،سبتمبر ،8006ص .8.من
www.imf.org/About/Factsheets/Sheets/2016/07/14/12/21/IMF-Quotas ?pdf. last visited 05/05/2017 الموقع:
5
.المرجع نفسه ،ص.8.
6
.صندوق النقد الدولي " ،المجلس التنفيذي للصندوق يوافق على عملية إصالح شاملة كبرى لنظام الحصص والحوكمة" ،البيان الصحفي رقم
00 ،00/402نوفمبر ،8000ص ص .9-0.من الموقعwww.imf.org/external/arabic/np/sec/pr/2010/pr10418apdf. Last :
visited 05/05/2017
318
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
-تحويل ما يزيد عن 6بالمائة من أنصبة الحصص إلى األعضاء من بلدان األسواق الناشئة
والبلدان النامية الديناميكية ،ومن البلدان الممثلة بالزيادة إلى البلدان ناقصة التمثيل؛
-حماية أنصبة حصص أفقر البلدان األعضاء وقوتها التصويتية؛
8-8حجم المجلس التنفيذي وتكوينه :تقضي التعديالت المقترحة إلصالح نظام حوكمة
الصندوق بــــ:
-االلتزام بالحفاظ على المجلس التنفيذي بحجمه المتمثل في 89عضوا ،ومراجعة تكوينه كل
ثماني سنوات بدءا من دخول إصالحات الحصص حيز التنفيذ؛
-تخفض البلدان األوروبية المتقدمة حجم تمثيلها المج ّمع بإلغاء اثنين من مقاعدها؛
-تقتصر عضوية المجلس على المديرين التنفيذيين المنتخبين ،وبذلك تلغى فئة المديرين
التنفيذيين المعينين -حيث كان ينص نظام تأسيس الصندوق بأن تعين البلدان األعضاء
صاحبة أكبر خمس حصص في الصندوق مديرا تنفيذيا)؛
-تتاح فرصة أكبر إلضافة مدير تنفيذي مناوب ثان لتعزيز تمثيل الدوائر االنتخابية التي
تضم دوال متعددة؛
ومن أجل أن تدخل هذه اإلصالحات المقترحة حيز التنفيذ ،يجب استيفاء شرطين اثنين،
1
هما:
-أن يدخ ل التعديل المقترح بإصالح المجلس التنفيذي في حيز التنفيذ مما يقتضي موافقة
ثالثة أخماس األعضاء الذين تشكل أصواتهم 20بالمائة من مجموع القوة التصويتية على
التعديل؛
-أن يوافق عدد من األعضاء ال تقل أصواتهم عن 90بالمائة من مجموع القوة التصويتية
على إجراء الزيادات؛
تم استيفاء كافة شروط تنفيذ هذه اإلصالحات في 80جانفي 8006عندما وافق 091
عضو ( 19,09بالمائة من مجموع األصوات) على التعديل ،فضال عن الموافقة على زيادة
3
الحصص من األعضاء 2.وكانت نتائج دخول إصالحات 8000حيز التنفيذ كما يلي:
-زيادة كبيرة في موارد حصص العضوية من حوالي 802,0مليار وحدة حقوق سحب
خاصة ( 081مليار دوالر أمريكي) إلى 999مليار وحدة حقوق سحب خاصة ( 601مليار
دوالر أمريكي)؛
-تحويل نسبة تزيد عن 6بالمائة من أنصبة الحصص إلى البلدان الناشئة والبلدان النامية
الديناميكية ،وكذا من البلدان ذات التمثيل الزائد إلى البلدان ذات التمثيل الناقص؛
-دخول أربعة بلدان من األسواق الناشئة ضمن البلدان العشرة صاحبة أكبر الحصص في
صندوق النقد الدولي وهي :البرازيل ،الصين ،الهند ،روسيا .أما البلدان الستة األخرى فهي:
الواليات المتحدة األمريكية ،اليابان فرنسا ،ألمانيا ،ايطاليا ،بريطانيا .ويوضح الجدول رقم
( )80أنصبة الحصص والقوة التصويتية لهذه المجموعة بعد بدء نفاذ إصالحات 8000؛
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8008مرجع سابق ،ص.00.
2
. International Monetary Fund, "Acceptances of the Proposed Amendment of the Articles of Agreement on
Reform of the Executive Board and Consents to 2010 Quota Increase", April 24, 2017, www.imf.org/external
/np/sec/misc/consents.htm#a2. Last visited 06/05/2017.
3
".بدء سريان اإلصالحات التاريخية في حصص الصندوق ونظام حوكمته"،البيان الصحفي رقم 89 ،06/82يناير ،8006ص ص .8-0.من
الموقعwww.imf.org/external/arabic/np/sec/pr/2016/pr1625apdf. last visited 06/05/2017 :
319
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
320
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
بريطانيا .كما يبن الجدول أن هذه المجموعة ( البلدان العشرة األولى ) تمتلك ما يقارب
00,01بالمائة من إجمالي الحصص و نحو 08,60بالمائة من القوة التصويتية.
-1إصالحات الحوكمة الداخلية :لتعزيز الحوكمة السليمة داخل صندوق النقد الدولي ،أجرى
هذا األخير مجموعة من اإلصالحات شملت مجاالت عديدة منها :اإلدارة العليا ،المساءلة
والشفافية.
0-1اإلدارة العليا لصندوق النقد الدولي :تعتبر اإلدارة العليا من أقوى جوانب الحوكمة في
صندوق النقد الدولي ،وأول قضية كانت تثار عند النظر في إدارة الصندوق هي عملية
اختيار المدير العام ونائبه األول ،حيث كانت وظيفة المدير العام مقصورة على أحد مواطني
أوروبا ،أما وظ يفة النائب األول للمدير العام ،فقد جرت العادة أن تكون من نصيب أحد
مواطني الواليات المتحدة األمريكية 1.كما أن أعضاء المجلس التنفيذي األربعة والعشرين
فقط هم الذين يمكنهم تسمية المرشحين .وفي عام 8000أدخل صندوق النقد الدولي تغييرات
جوهرية في إجراءات اختيار المدير العام ،فحسب البيان الصحفي الصادر عن المجلس
2
التنفيذي بتاريخ 80ماي 8000فإنّه:
-يجوز ألي عضو من أعضاء مجلس المحافظين أو المجلس التنفيذي ترشيح أي فرد
لمنصب المدير العام ويكون مواطن أي بلد من البلدان األعضاء في الصندوق؛
-يشترط في المرشح الناجح أن يكون صاحب سجل متفوق في صنع السياسات االقتصادية
على مستوى المسؤولية العليا ،وأن يتمتع بخلفية مهنية متميزة ،ومهارات إدارية ودبلوماسية
مشهودة ،تؤهله لقيادة مؤسسة عالمية .كما حدد المجلس التنفيذي ضرورة أن يكون لدى
المرشح التزام تام وتقدير واضح لتعاون متعدد األطراف ،وأن تتوفر فيه قدرة مثبتة على
الموضوعية والحياد؛
8-1المساءلة :صندوق النقد الدولي مسؤول أمام حكومات بلدانه األعضاء .وعلى المستوى
الداخلي يقوم مكتب التقييم المستقل بدور رئيسي في ضمان مساءلة الصندوق أمام بلدانه
األعضاء ،وهو يعتبر بمثابة الرقيب الداخلي في الصندوق .أما على المستوى الخارجي
فيخضع صندوق النقد الدولي أيضا للتمحيص من جانب أطراف متعددة من القادة السياسيين،
3
والمسؤولين في اإلعالم ،والمجتمع المدني.
-مكتب التقييم المستقل :أنشئ في عام 8000بغرض تقييم سياسات صندوق النقد الدولي
وأنشطته تقييما مستقال .فهو مكتب مستق تماما عن اإلدارة العليا للصندوق ،ويعمل دون
تدخل من المجلس التنفيذي الذي يقدم له النتائج التي يخلص إليها .ويتولى هذا المكتب إجراء
تقييمات مستقلة للخدمة التي يقدمها صندوق النقد الدولي ألعضائه في إطار اختصاصاته،
4
وتشمل:
تقييمات منهجية لسياسات الصندوق العامة؛
تحليالت قطرية مقارنة للمشورة التي يقدمها الصندوق بشأن السياسات االقتصادية(
التي تأتي في سياق أعماله الرقابية والبرامج المدعومة بموارده)؛
1
.روبن لمداني وآخرون" ،الحوكمة في صندوق النقد الدولي :تقييم" ،تقرير مكتب التقييم المستقل ،صندوق النقد الدولي ،ماي ،8002ص
ص.09-00.
2
.صندوق النقد الدولي" ،اختيار المدير العام" ،من الموقعwww.imf.org/external/arabic/np/exr/faq/mdselectiona.pdf last :
visited 06/05/2017
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص.69.
4
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.62.
321
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.99.
.2صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.92.
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص.60.
4
.جاكلين ديلورييه ،الصندوق يقرر اإلفصاح عن معلومات أكثر وأحدث" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 02 ،جانفي ،8000ص ص-0.
www.imf.org/external/arabic/pubs/ft/survey/so/2010/pol010810aapdf. Last visited 08/05/2017 .8من الموقع:
322
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
تقصير الفاصل الزمني الذي يسبق إتاحة تقارير المجلس التنفيذي لالطالع العام من
خمس سنوات إلى ثالث سنوات؛
تقصير الفاصل الزمني الذي يسبق إتاحة محاضر المجلس التنفيذي لالطالع العام من
عشر سنوات إلى خمس سنوات؛
إتاحة نشر مختارات من المحفوظات الرقمية على شبكة االنترنت؛
وضع قاعدة عامة تنتفي بموجبها صفة السرية عن الوثائق المصنفة في البداية "سري
للغاية" عند استيفاء هذه الوثائق شرط المدة الزمنية الالزمة؛
تيسير التصفح والبحث في موقع صندوق النقد الدولي االلكتروني؛
4-1إطار االنضباط الخلقي للموظفين واإلدارة العليا والمجلس التنفيذي :يتضمن إطار
االنضباط الخلقي في صندوق النقد الدولي مجموعة شاملة من القواعد التخاذ إجراءات
تأديبية ،تدعمها بنية تحتية قوية تشمل مستشار االنضباط الخلقي المستقل ومسؤول الشكاوي
المستقل ،والخط الساخن لإلبالغ عن التجاوزات ،والذي يمكن موظفي الصندوق والجمهور
العام من اإلبالغ بشكل آمن ودون اإلفصاح عن الهوية ،عن أي سوء استخدام لموارد
الصندوق .وفي عام 8000قام صندوق النقد الدولي بإصدار معايير معدلة لسلوك موظفي
الصندوق حيث يتم وضع شروط جديدة لإلبالغ عن العالقات الشخصية الوثيقة في مكان
العمل والتمييز ،وعززت هذه المعايير أيضا الحماية ضد االنتقام من الموظفين الذين يبلغون
عن أفعال يشتبه في كونها من قبيل سوء السلوك .كما اعتمد المديرون التنفيذيون أيضا
"مدونة قواعد السلوك" التي توفر إرشادات عن المعايير األخالقية المرتبطة بوضعهم
1
ومسؤولياتهم في الصندوق أو التي تؤثر عليها.
-4تشجيع بلدانه األعضاء على الحوكمة السليمة :إن األزمات المالية العديدة التي شهدها
العالم على مدار العقود القليلة الماضية لم تكن وليدة الصدفة ،وإنما وليدة الممارسات الخاطئة
ولفترة طويلة كثرت فيها فرص ممارسة الفساد ،فاستشرت السلوكيات غير السوية
والممارسات غير األخالقية في مؤسسات الدولة والمؤسسات واألسواق المالية باإلضافة إلى
نقص البيانات وعدم توافر المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب .كل ذلك دفع بحكومات
البلدان والمنظمات االقتصادية الدولية إلى اتخاذ العديد من الخطوات المهمة لوضع معايير
تعمل على ضم ان االلتزام بضوابط وسلوكيات أخالقيات األعمال ،وكذا ضمان الشفافية
واإلفصاح الدقيق وفي الوقت المناسب عن كل البيانات ،وعوم اصطلح على تسميته
بالحوكمة.
ويعمل صندوق النقد الدولي ومنذ أزمة جنوب شرق آسيا على تشجيع بلدانه األعضاء
على الحوكمة السليمة ومكافحة الفساد ،وذلك في سياق مهامه األساسية (الرقابة ،اإلقراض،
2
تنمية القدرات):
-الرقابة :في سياق مشاورات المادة الرابعة التي يجريها صندوق النقد الدولي مع بلدانه
األعضاء ،يقدم المشورة بشان القضايا المتعلقة بالحوكمة والتي تقع في حدود اختصاصاته
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8008مرجع سابق ،ص ص.60-68.
2
.صندوق النقد الدولي" ،الصندوق والحوكمة السليمة" ،صحيفة وقائع ،مارس ،8006ص ص .8-0.من الموقع:
www.imf.org/About/Factsheets/The-IMF-and-Good-Governance?pdf. Last visited 09/05/2017
323
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
وخبرته ،مركزا على القضايا ا لتي يكون لها تأثير كبير على أداء االقتصاد الكلي ،وسالمة
السياسات االقتصادية؛
-اإلقراض :من خالل برامج اإلقراض التي يدعمها صندوق النقد الدولي ،يشجع البلدان
المعنية بهذه البرامج على الحوكمة السليمة ،فقد تتضمن هذه البرامج شروط وتدابير محددة
لتعزيز الحوكمة ،منها على سبيل المثال تحسين مراقبة اإلنفاق من المالية العامة ،نشر
الحسابات الدقيقة للهيئات الحكومية ومؤسسات الدولة ،ترشيد إدارة اإليرادات ،وزيادة
الشفافية في إدارة الموارد الطبيعية ،نشر حسابات البنوك المركزية المدققة ،تحسين تنفيذ
الرقابة المصرفية؛
-المساعدة الفنية :يقدم صندوق النقد الدولي المساعدة الفنية في كثير من المجاالت لتحسين
الحوكمة ،ويعمل على رفع قدرات بلدانه األعضاء التي تطلب هذه المساعدة على مكافحة
الفساد بتقديم المشورة حول األطر القانونية المناسبة لمكافحته؛
وفي أعقاب األزمة المالية واالقتصادية العالمية ،8002اعتمد صندوق النقد الدولي
عددا من البرامج والمبادرات الداعمة للحوكمة السليمة منها:
0-4مبادرة مجموعة العشرين المعنية بفجوات البيانات :دفعت األزمة المالية العالمية
مجموعة العشرين إلى دعوة كل من صندوق النقد الدولي ،ومجلس االستقرار المالي
الستكشاف ثغ رات المعلومات التي أظهرتها األزمة وتقديم المقترحات المالئمة لتعزيز جمع
البيانات .وبعد إجراء مشاورات واسعة النطاق مع المســـتخدميــــن الرسمييـــــــن للبيانات
في بلدان مجموعة العشرين وخبراء صندوق النقد الدولي ومجلس االستقرار المالي ،من
خالل عقد مؤتمر في جويلية ،8001أصدر الصندوق والمجلس تقريرا
1
بعنـــــــــــــــــــــــــوان:
» « The Financial Crisis and Information Gapsتم تحديد في هذا التقرير ثغرات
المعلومات االقتصادية والمالية ،والتوصيات المناسبة لسد هذه الثغرات .وقد تضمن أربعة
عناوين رئيسية للتو صيات المقترحة :تحسين رصد تراكم المخاطر في القطاع المالي؛
تحسين البيانات في الوصالت الشبكية المالية الدولية؛ رصد مخاطر تعرض االقتصادات
المحلية للصدمات؛ تحسين اإلخطار بشأن اإلحصاءات الرسمية؛ وقد تضمنت هذه المحاور
األربعة عشرين توصية حول ثغرات البيانات الرئيسية التي يتعين سدها ،كما قام خبراء
المؤسستين بإعداد خطة عمل وجدول زمني يحددان تنفيذ كل توصية من التوصيات القائمة،
2
إلى جانب إجراء تقييم سنوي لمدى التقدم المحرز في تنفيذها.
8-4إطالق الموقع االلكتروني للمؤشرات العالمية الرئيسية :في أفريل ،8001أطلق ألول
مرة موقعا الكترونيا يعطي البيانات االقتصادية والمالية لمجموعة العشرين من قبل مجموعة
العمل المشتركة بين الوكاالت المعنية باإلحصاءات االقتصادية والمالية ،يترأسها صندوق
النقد الدولي ،وتضم كل من بنك التسويات الدولية ،والبنك المركزي األوروبي ،ومكتب
اإلحصاء األوروبي ،ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان االقتصادي ،واألمم المتحدة والبنك
1
.IMF Staff and the FSB Secretariat, “The Financial Crisis and Information Gaps”, Report to the G-20 Finance
Ministers and Central Bank Governors, FSB & IMF, October 29, 2009, p.9.
2
. Ibid, pp.6-8, p.12.
324
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
الدولي .وفي ديسمبر ،8001قامت المجموعة بإجراء تحديث للموقع وإدخال فيه عدة
1
مميزات منها:
-إضافة الجداول القطرية المقارنة للمؤشرات الرئيسية مع إمكانية تحويل البيانات لتسهيل
التحليل المقارن؛
-الحصول على البيانات تاريخية عن فترات أطول مع إمكانية االطالع اآلني على قاعدة
البيانات األساسية؛
-تحسين الواجهة أمام المستخدم من خالل توسيع إمكانية التصفح؛
-الوصول إلى البيانات الوصفية(معلومات عن البيانات)؛
1-4مبادرات معايير البيانات :قدم صندوق النقد الدولي مبادرات معايير البيانات في أعقاب
األزمة المالية المكسيكية ،بهدف تعزيز شفافية البيانات االقتصادية والمالية .وتتكون من
2
ثالث مستويات:
ط ِّلقَ عام ،0116إلرشاد ومساعدة البلدان -المعيار الخاص لنشر البيانات ) :(SDDSأ ُ ْ
األعضاء القادرة على دخول أسواق رأس المال الدولية ،والتي تسعى لدخولها في نشر
البيانات االقتصادية والمالية للجمهور؛
-النظام العام لنشر البيانات) :(GDDSأنشئ عام 0119لمساعدة البلدان األعضاء ذات
النظم اإلحصائية األقل تقدما ،على تقييم احتياجاتها وتحديد أولوياتها في تطوير نظمها
اإلحصائية؛
-المعيار الخاص المعزز لنشر البيانات) :(SDDS plusأنشئ عام 8008للمساعدة على سد
ثغرات البيانات التي أبرزتها األزمة المالية العالمية ،وهو يستهدف البلدان ذات القطاعات
المالية المؤثرة على النظام المالي ويحدد هذا المعيار كما هو الحال بالنسبة لـــــ)(SDDS
أربعة أبعاد لنشر البيانات :نطاق التغطية ،الدورية(تواتر البيانات) ،وتوقيت النشر ،أي توفير
بيانات متكاملة وشاملة من حيث التغطية ،التواتر ،الحداثة؛ إتاحة االطالع العام على
البيانات؛ سالمة وموضوعية البيانات؛ جودة البيانات؛ ويضيف هذا المعيار المعزز تسع
فئات من البيانات -على المعيار الخاص لنشر البيانات -ثبتت أهميتها بعد األزمة المالية
العالمية هي :ميزانيات القطاعات؛ عمليات الحكومة العامة؛ إجمالي الدين الحكومي ،مسح
المؤسسات المالية األخرى؛ مؤشرات السالمة المالية؛ سندات الدين؛ المشاركة في مسح
وتكوين عمالت احتياطات النقد األجنبي؛ المشاركة في المسح المنسق الستثمارات الحافظة،
المشاركة في المسح المنسق لالستثمار المباشر؛ ويوضح الملحق رقم " "09جميع فئات هذا
المعيار المعزز.
ط ِّلقَ هذا المعيار بصورة رسمية في نوفمبر ،8009عندما أعلنت تسعة بلدان وقد أ ُ ْ
التزامها الرسمي به ،وهي :فرنسا ،ألمانيا ،ايطاليا ،هولندا ،الفيليبين ،البرتغال ،اسبانيا،
السويد ،والواليات المتحدة األمريكية 3.وعمل صندوق النقد الدولي على تشجيع بلدانه
1
."Inter –Agency Group on economic and financial statistics Launches Enhanced G-20 Statistical Web Site, IMF
announces", Press Release N° 09/474, December 22, 2009,
www.imf.org/en/news/articles/2015/09/14/01/49/pr09474. Last visited 10/05/2017.
2
. International Monetary Fund, "The Special Data Dissemination Standard plus", The SDDS Plus Guide for
Adherents and Users, 2013, pp.1-2.
3
.صندوق النقد الدولي" ،الصندوق يطلق المعيار الخاص المعزز لنشر البيانات" ،البيان الصحفي رقم 02 ،04/281نوفمبر ،8009ص .0.من
الموقع:
www.imf.org /external/arabic/np/sec/pr/2014/pr14523apdf. Last visited 10/05/2017.
325
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
األعضاء المشتركة في المعيار الخاص لنشر البيانات على التقيد بالمعيار المعزز وخاصة
البلدان ذات األهمية النظامية .وحسب الوضع في نهاية سبتمبر ،8009بلغ عدد المشتركين
في المعيار الخاص المعزز لنشر البيانات 09بلدا عضوا ،و 60بلدا مشترك في المعيار
1
الخاص ،و 000بلد مشترك في النظام العام لنشر البيانات.
4-4أنشطة أخرى متعلقة بتشجيع الحوكمة :من بين األنشطة والمبادرات التي تبناها
2
صندوق النقد الدولي لدعم الحوكمة السليمة:
-التعاون مع البنك الدولي لتقييم مدى التزام البلدان األعضاء بمعايير الشفافية الدولية في
اثني عشرة مجاال من مجاالت السياسة االقتصادية في سياق مبادرة المعايير والمواثيق؛
-قيامه بإعداد مواثيق تحدد مبادئ الشفافية في مجال سياسة المالية العامة "،ميثاق
الممارسات السليمة في مجال شفافية المالية العامة"؛
-إصداره لـــ" ا لمرشد إلى شفافية إيرادات الموارد الطبيعية" الذي ينطبق على البلدان الغنية
بالموارد؛
-مساهمته في الجهود الدولية لمكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب؛
-مساهمته في مجموعات عمل مختلفة ومبادرات دولية متنوعة منها :المبادرة المعنية
بشفافية الصناعات االستخراجية؛ مجموعة العمل المعنية بمكافحة الفساد والتابعة لمجموعة
العشرين؛ مجموعة العمل المعنية بقضايا الرشوة في المعامالت التجارية والتابعة لمنظمة
التعاون والتنمية في الميدان االقتصادي.
تمثل إصالحات نظام الحصص والحوكمة التي اعتمدها صندوق النقد الدولي في عامي
8002و 8000خطوة حاسمة ومهمة بالنسبة للصندوق .فقد كان نظام الحصص والتصويت
قبل إصالحات 8002يعبر عن موازين القوى في مرحلة بعد الحرب العالمية الثانية .لهذا
يمكن القول ،أن هذه اإلصالحات وخاصة إصالحات عام ،8000تعتبر إصالحات تاريخية
لم يشهدها الصندوق منذ نشأته عام .0190ولكن بالرغم من أن هذه اإلصالحات أدت إلى
تحويل ما يزيد عن 6بالمائة من أنصبة الحصص إلى بلدان األسواق الناشئة ،ودخول كل
من الصين والهند وروسيا والبرازيل ضمن البلدان العشرة صاحبة أكبر الحصص في
الصندوق ،إال أنه ال يمكن القول ،أن الصندوق بهذا النظام يمثل مصالح جميع بلدانه
األعضاء البالغ عددها 021بلدا ،فالبلدان العشرة -الموضحة في الجدول رقم ( -)80تمتلك
بمفردها أكثر من نصف عدد األصوات .كما أن صنع قرارات الصندوق في الكثير من
القضايا المهمة يتطلب موافقة ثالثة أخماس البلدان األعضاء ممن يشكلون 20بالمائة من
مجموع األصوات ،ومع امتالك الواليات المتحدة األمريكية قوة تصويتية نسبتها
06,00بالمائة ،فهي ستظل المتحكم الرئيسي في قرارات الصندوق ،إذ يكفي اعتراضها أو
عدم تصويتها على قرار معين ليتم رفضه ،وال يدخل حيز التنفيذ حتى ولو كان مقبوال لجميع
البلدان األعضاء اآلخرين ،وهذا هو السبب الرئيسي الذي كان وراء تأخر إصالحات عام
8000حيز التنفيذ ألكثر من خمس سنوات ،وقد تسبب هذا التأخر في عدم إجراء المراجعة
العامة الخامسة عشر للحصص ألكثر من ست سنوات ،وهو أمر لم يحدث من قبل؛ كما أدى
إلى عدم حدوث أي زيادة في موارد صندوق النقد الدولي من حصص العضوية ،مما انعكس
1
.International Monetary Fund," IMF Standards for Data Dissemination", FACTSHEET, September 2017, p.2.
www.imf.org/en/about/factsheets/sheets/2016/07/27/15/45/standards-for-data-dissemination, last visited
08/03/2018.
2
.صندوق النقد الدولي" ،الصندوق والحوكمة السليمة" ،مرجع سابق ،ص ص.0-8.
326
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
سلبا على قوة الصندوق المالية ،ودفعه للبحث عن بدائل أخرى لتعزيز قاعدته المالية ،ومن
ثم قدرته على تلبية احتياجات بلدانه األعضاء في ظل أجواء عدم اليقين والنمو الهش
لالقتصاد العالمي خالل األزمة المالية العالمية.
خامسا :تعزيز القاعدة المالية للصندوق ،كشفت األزمة المالية واالقتصادية العالمية عن
عدم كفاية موارد صندوق النقد الدولي لتلبية احتياجات بلدانه األعضاء ،فابتدا ًء من عام
8002ازداد الطلب على قروض صندوق النقد الدولي ،ولكي يتمكن من االستجابة بسرعة
الحتياجات بلدانه األعضاء ،تعهد قادة مجموعة العشرين في قمة لندن –أفريل -8001
بتوفير أموال كافية للصندوق تقدر بــــ 000مليار دوالر أمريكي ،مما يؤدي إلى زيادة
موارده المتاحة لمكافحة األزمات بمقدار ثالثة أضعاف عما كانت عليه قبل األزمة (نحو
800مليار دوالر) .وقد كان ذلك بطرق مختلفة :قروض ثنائية ،اتفاقيات االقتراض الجديدة،
1
زيادة الحصص.
وباعتبار صندوق النقد الدولي مؤسسة قائمة على الحصص ،فقد أ ّكد المديرون
التنفيذيون على أن حصص العضوية هي المصدر األساسي لتمويل الصندوق ،وأنها ينبغي
أن تظل كذلك ،واتفقوا على ضرورة زيادة عامة في حصص العضوية .ولكن ما يؤخذ على
الموارد ال مستمدة من الحصص أنها تستغرق بعض الوقت لكي تتغير ،األمر الذي يجعل مثل
هذه الزيادة غير مالئمة كخيار لمعالجة االحتياجات قريبة األجل 2.وهذا ما حدث فعال،
فبالرغم من التوصل التفاق في 8000لمضاعفة حصص العضوية في إطار المراجعة
الرابعة عشر للحصص ورفعها إلى نحو 996مليار وحدة حقوق سحب خاصة ،إال أن هذه
الزيادة لم تصبح سارية المفعول إال بعد ست سنوات تقريبا .وهذا ما دفع بصندوق النقد
الدولي إلى التحرك في عدة مسارات متوازية لتعزيز قاعدته المالية ،ليتمكن من أداء دوره
3
في مساعدة بلدانه األعضاء على حل األزمة والخروج منها.
-0اتفاقيات االقتراض الثنائية وإصدار السندات :وقّع صندوق النقد الدولي منذ بداية األزمة
المالية العالمية عددا من اتفاقيات االقتراض وبيع السندات الثنائية مع مقرضين رسميين
لتكملة موارده .وكانت الجولة األولى من عملية االقتراض الثنائية في الفترة (-8001
،)8000حيث وقّع صندوق النقد الدولي ست عشرة اتفاقية استخدمت مواردها لتمويل
االلتزامات المتعهد بها في ظل االتفاقات التي يدعمه الصندوق وتمت الموافقة عليها قبل
تفعيل الصيغة الموسعة من االتفاقات الجديدة لالقتراض4.وقد بلغ مجموع الموارد المتاحة
للصندوق في ظل هذه االتفاقيات نحو 800,0مليار دوالر أمريكي ،وقد كانت اليابان أول من
وقّع االتفاق في فيفري 8001بقيمة 000مليار دوالر أمريكي ،وهي أكبر مساهمة على
اإلطالق .ويوضح الملحق رقم " "00االتفاقيات الثنائية لالقتراض التي وقعها الصندوق
وقيمة كل عملية ،وتاريخ االتفاق.
وإضافة إلى اتف اقيات االقتراض الثنائية ،اعتمد صندوق النقد الدولي في جويلية 8001
إطارا ينظم إصدار السندات للبلدان األعضاء .وطبقا لهذا اإلطار يجوز للبلدان األعضاء
توقيع اتفاقيات لشراء سندات الصندوق بحد أقصى يحدده البلد العضو ،وتحسب القيمة
االسمية للسندات بحقوق السحب الخاصة ،وتسدد مدفوعات الفائدة على أساس ربع سنوي
1
. Mark Kruger and others, Op. cit, p.21.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002مرجع سابق ،ص.89.
3
.Mark Kruger and others, Op. cit, p.21.
.4صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص.00.
327
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
حسب سعر الفائدة على حقوق السحب الخاصة ،ويبلغ الحد األقصى ألجل استحقاق هذه
السندات خمس سنوات ،تماشيا مع الحد األقصى ألجل استحقاق قروض الصندوق في ظل
اتفاقات االستعداد االئتماني واتفاقات خط االئتمان المرن .وبمجرد شراء البلدان األعضاء أو
بنوكها المركزية لهذه السندات تصبح قابلة للتداول في القطاع الرسمي ،الذي يشمل جميع
البلدان األعضاء وبنوكها المركزية و 00مؤسسة متعددة األطراف 1.وخالل الفترة الممتدة
من 8001وحتى 00أفريل 8000استثمرت كل من الصين والبرازيل والهند ما قيمته 61,1
مليار دوالر أمريكي لشراء سندات الصندوق ،وكانت الصين أول من وقّع اتفاقية شراء هذه
السندات في سبتمبر 8001بقيمة 91,1مليار دوالر أمريكي( الملحق رقم " .)"00وبذلك
بلغت مجموع الموارد المتاحة لصندوق النقد الدولي في ظل اتفاقيات االقتراض الثنائية
وشراء السندات نحو 890,8مليار دوالر أمريكي (الملحق رقم")"00
وإزاء تدهور األوضاع االقتصادية والمالية في منطقة اليورو ،التزم 02بلدا خالل
الفترة ( )8000-8000بزيادة موارد الصندوق بنحو 960مليار دوالر أمريكي ،من خالل
اتفاقيات االقتراض الثنائية 2.وقد وقعت اليابان اتفاقا جديدا قيمته 60مليار دوالر أمريكي،
وبلدان منطقة اليورو تعهدت بحوالي 800مليار دوالر أمريكي ،كما تعهدت كل من المملكة
العربية السعودية ،وجمهورية كوريا ،وبريطانيا بــــــ 00مليار دوالر لكل منها وسويسرا
بــــ 00مليار دوالر ،إلى جانب تعهدات من بلدان كبيرة وصغيرة منها النرويج 1,0مليار
بولندا 2مليار ،استراليا 9مليار ،الدنمارك 9مليار ،سنغافورة 9مليار ،التشيك 8مليار
دوالر.3
-8االتفاقيات الجديدة لالقتراض ) :(NABفي نوفمبر 8001توصل المشاركون في
االتفاقات الجديدة لالقتراض إلى اتفاق يقضي بتوسيع نطاقها وزيادة مرونتها ،وبناءا على
ذلك اعتمد المجلس التنفيذي في أفريل 8000قرارا رسميا يتم بموجبه توسيع نطاق هذه
االتفاقات إلى 069,0مليار وحدة حقوق سحب خاصة ،أي حوالي 000مليار دوالر
أمريكي .مع إضافة 00بلدا مشاركا جديدا ،ليصل عدد المشاركين في هذه االتفاقات 90بلدا
عضوا الملحق رقم " ."06ولجعل هذه االتفاقات في صيغتها الموسعة أداة أكثر فعالية في
منع األزمات وإدارتها ،تم إبدال نظام التفعيل الذي كان على أساس كل قرض على حدا،
باعتماد فترات تفعيل عامة تصل إلى ستة أشهر ،وبأقصى حد من مستوى االلتزامات
المحددة في كل اقتراح تفعيل 4.وقد دخلت هذه االتفاقات في صيغتها الموسعة حيز التنفيذ في
مارس ، 8000عندما أعلن الصندوق استكماله عملية المصادقة وقيام جميع المشاركين الجدد
5
بإبالغ الصندوق بالتزامهم باالتفاقات الجديدة لالقتراض بصيغتها الموسعة.
وفي جانفي ،8006عندما دخلت إصالحات نظام الحصص لعام 8000حيز التنفيذ،
والتي تقضي بمضاعفة الحصص ،وافق البلدان األعضاء في المقابل على تخفيض في
1
.صندوق النقد الدولي" ،صندوق النقد الدولي يعتمد إطار اإلصدار السندات للقطاع الرسمي" ،البيان الصحفي رقم ،02/842يوليو ،8001ص
ص .8-0.من الموقع:
www.imf.org /external/arabic/np/sec/pr/2009/pr09248apdf .Last visited 15/05/2017.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص.00.
3
." IMF Managing Director Christine Lagarde Welcomes Pledges by Members to Increase Fund Resources by
Over US$ 430 billion",Press Release N° 12/147, April 20, 2012,
www.imf.org/external/np/sec/pr/2012/pr12147.htm. last visited 15/05/2017
4
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص ص.96-90.
5
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.91.
328
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
اتفاقات االقتراض الجديدة بصيغتها الموسعة أي تحويل مكونات موارد الصندوق من
) (NABإلى الحصص .ووفقا لذلك انخفض االئتمان الذي تتيحه االتفاقات الجديدة لالقتراض
بصيغتها الموسعة من 069,0مليار وحدة حقوق سحب خاصة إلى 028مليار وحدة حقوق
1
سحب خاصة.
أما االتفاقات العامة لالقتراض ) (GABالتي تسمح للصندوق باقتراض مبالغ محددة
من عمالت 00اقتصادا ،واتفاق ائتماني مع المملكة العربية السعودية ،فقد تم تجديدها لمدة
خمس سنوات بدون أي تعديالت بدءا من 86ديسمبر ،8000ويصل المبلغ المحتمل
لالئتمان المتاح لصندوق النقد الدولي بموجب هذه االتفاقات إلى 09مليار وحدة حقوق سحب
خاصة ،فضال عن مبلغ 0,0مليار وحدة حقوق سحب خاصة من المملكة العربية السعودية.
غير أن الصندوق ال يحصل على هذه الموارد إال في حالة عدم موافقة المشاركين في اتفاقات
2
االقتراض الجديدة على اقتراح تفعيل خطوطها االئتمانية.
-1بيع الذهب وتوسيع صالحيات الصندوق االستثمارية :بغية وضع موارد صندوق النقد
الدولي على مسار قابل لالستمرار ،وافق مجلس محافظي الصندوق في ماي 8002على
مقترح ينص على منح صندوق النقد الدولي صالحيات أوسع للقيام بأنشطة استثمارية ،وهو
يمثل عنصرا أساسيا في نموذج الدخل الجديد الذي يسمح للصندوق بتوليد اإليرادات من
مصادر متنوعة .وهذا المقترح يتطلب تعديل اتفاقية تأسيس الصندوق ،ما يعني ضرورة
3
موافقة عدد ال يقل عن 20بالمائة من مجموع القوة التصويتية ،حتى يصبح التعديل نافذا.
وهو ما حدث في فيفري 8000عندما صادق عليه 20,0بالمائة من مجموع أصوات البلدان
األعضاء .ويهدف هذا التعديل الجديد إتاحة قدر من المرونة للصندوق في زيادة متوسط
العائد ا لمتوقع على استثماراته وتطويع إستراتيجيته االستثمارية بمرور الوقت 4.ومن
العناصر المهمة في النموذج الجديد للدخل ،إنشاء صندوق للوقف يعتمد على العائد من بيع
الذهب ،وبعد ذلك يتم استثمار موارد هذا الوقف بهدف توليد دخل يسهم في تغطية
5
مصروفات الصندوق اإلدارية.
وقد وافق المجلس التنفيذي في سبتمبر 8001على بيع 900,0طن متري من الذهب
أي ما يعادل ثمن مجموع حيازات الصندوق من الذهب .وبدأت عملية البيع من أكتوبر
8001وانتهت في ديسمبر 8000وكانت جميع عمليات البيع على أساس األسعار السوقية،
حيث بلغ المتوسط الفعلي لسعر بيع الذهب في تلك الفترة 0099دوالر أمريكي لألوقية ،وهو
أعلى بكثير من السعر المفترض في عام 200( 8002دوالر لألوقية) ،مما ترتب عليه
تحقيق أرباح استثنائية بلغت 6,20مليار وحدة حقوق سحب خاصة .وافق المجلس التنفيذي
1
.International Monetary Fund," IMF Standing Borrowing Arrangements", Op. cit.
2
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001مرجع سابق ،ص.00.
3
.صندوق النقد الدولي" ،مجلس المحافظين يعتمد عنصرا أساسيا في نموذج الدخل الجديد" ،البيان الصحفي رقم 06 ،02/000ماي ،8002ص.0.
www.imf.org/external/arabic/np/sec/pr/2008/pr08101apdf. Last visited 15/05/2017 من الموقع:
.
4
.صندوق النقد الدولي"،صالحيات الصندوق االستثمارية الموسعة تدخل حيز التنفيذ"،البيان الصحفي رقم 02 ،00/28فيفري ،8000ص .0.من
الموقعwww.imf.org/external/arabic/np/sec/pr/2011/pr1152apdf. Last visited 16/05/2017 :
5
.غلين غوتسليغ " ،صندوق النقد الدولي يقرر المضي في عمليات بيع محدودة للذهب" ،نشرة صندوق النقد الدولي اإللكترونية 02 ،سبتمبر
،8001ص .0.من الموقعwww.imf.org/external/arabic/pubs/ft/survey/so/2009/pol091809aapdf. Last visited :
16/05/2017
329
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
على استخدام جزء من عائدات البيع لزيادة موارد الصندوق المتاحة للبلدان المنخفضة
1
الدخل ،إلى جانب استخدامه في تمويل صندوق الوقف.
-4تخصيص حقوق السحب الخاصة :بالرغم من أن عملية توزيع حقوق السحب الخاصة ال
تنطوي على زيادة في موارد صندوق النقد الدولي المتاحة لإلقراض ،إال أنها تؤدي إلى
زيادة في االحتياطات الدولية لدى البلدان األعضاء ،فهي تتيح لها طريقا إضافيا للحصول
على العمالت الصعبة التي قد تحتاج إلى استخدامها في المعامالت الدولية ،فبمجرد توزيع
حقوق السحب الخاصة يصبح بمقدور البلدان األعضاء اتخاذ قرار إما باالحتفاظ
بمخصصاتها ضمن أصولها االحتياطية ،أو مبادلتها بالعمالت الدولية حسبما تملي ظروف
كل منها .وبمقتضى اتفاقات المبادلة االختيارية يظل كل عضو في الصندوق على استعداد
لشراء أو بيع حقوق السحب الخاصة ضمن حدود معينة ،مما يؤدي إلى قيام سوق فعلية
لتداولها .ويعمل صندوق النقد الدولي كوسيط في هذه المعامالت حيث يتولى ترتيبها بين
المشترين والبائعين المرتقبين دون مقابل ،وإذا لم تكن اإلمكانات التي تتيحها هذه الترتيبات
كافية يمكن للصندوق أن يطبق آلية للتكليف تضمن سيولة حقوق السحب الخاصة وذلك بأن
يكلّف بلدانا أعضاء ذوي المراكز الخارجية القوية بالقدر الكافي بأن تشتري حقوق سحب ِّ
2
خاصة من أعضاء ذوي مراكز خارجية ضعيفة مقابل عمالت دولية.
وتتم عملية تخصيص حقوق السحب الخاصة للبلدان األعضاء باقتراح من المدير العام
على المجلس التنفيذي الذي يدرس االقتراح ويرفعه إلى مجلس المحافظين للمصادقة النهائية
عليه بأغلبية 20بالمائة من مجموع القوة التصويتية .وال يقرر تخصيص حقوق السحب
الخاصة إال بهدف تلبية الحاجة العالمية إلى تكملة أدوات االحتياطات الموجودة على المدى
البعيد ،أي أن تكون العملية وفق متطلبات وضعية االقتصاد العالمي الشاملة ،ال بهدف تلبية
حاجة بلد أو عدة بلدان .كما أن التوزيع ال يكون حسب احتياجات البلد العضو بل حسب
3
حصص العضوية في الصندوق.
وعلى إثر األزمة المالية العالمية ،واستجابة لدعوة رؤساء بلدان مجموعة العشرين
واللجنة النقدية والمالية الدولية التابعة لصندوق النقد الدولي في اجتماعهم المنعقد في أفريل
،8001وافق مجلس المحافظين على تخصيص كمية كبيرة من وحدات حقوق السحب
الخاصة قدرت بـــــ 060,8مليار وحدة حقوق سحب خاصة ،وهو ما يعادل 800مليار
دوالر أمريكي .وقد أصبح هذا القرار نافذا في 82أوت .8001وتكمن أهمية هذا
4
التخصيص حسب صندوق النقد الدولي في كونه:
-يوفر موارد مالية كبيرة غير مشروطة للبلدان ذات السيولة المحدودة مما يزيد من قدرتها
على إتباع سياسات توسعية في مواجهة مخاطر االنكماش؛
-يعتبر هذا التخصيص مهم للغاية خاصة بالنسبة للبلدان الناشئة والبلدان منخفضة الدخل
التي تضررت بشدة من جراء األزمة المالية العالمية .وعلى المدى الطويل ،يمكن أن يخفض
1
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8004مرجع سابق ،ص.60.
2
.غلين غوتسليغ" ،صندوق النقد الدولي يضخ في االقتصاد العالمي كما من حقوق السحب الخاصة تعادل قيمته 820مليار دوالر سعيا لزيادة
احتياطات البلدان" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 82 ،أوت ،8001ص ص .9-0.من
www.imf.org/external/arabic/pubs/ft/survey/so/2009/pol082809aapdf. Last visited 17/05/2017 الموقع:
.
3
.عبد العزيز قادري ،مرجع سابق ،ص ص.16-10.
4
.International Monetary Fund,"Special Drawing Right (SDR) Allocations", Last Updated: August 05,
2013,www.imf.org/external/np/exr/faq/sdrallocfaqs.htm. last visited 17/05/2017.
330
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
حاجة هذه البلدان إلى إتباع سياسات تراكم االحتياطي التي تعتبر مكلفة ومزعزعة لالستقرار
ويمكن أن تؤدي إلى حدوث اختالالت عالمية؛
وباإلضافة إلى هذا التوزيع العام ،قام صندوق النقد الدولي بإجراء توزيع خاص ال
يتكرر لمخصصات حقوق السحب الخاصة قيمته 80,0مليار وحدة حقوق لصالح البلدان
التي انضمت إلى الصندوق بعد عام 0120وقد جاء هذا التخصيص بناءا على اقتراح في
سبتمبر 0119الذي ينص على السماح للبلدان األعضاء بالمشاركة بصورة منصفة في نظام
حقوق السحب الخاصة حتى ولو انضموا بعد توزيعات (مخصصات) حقوق السحب الخاصة
السابقة .وهذا االقتراح يتطلب تعديل في اتفاقية تأسيس الصندوق ،وبالتالي ضرورة موافقة
20بالمائة من مجموع القوة التصويتية .ولم يصبح هذا التعديل ساري المفعول إلى في 00
أوت 8001عندما صوتت الواليات المتحدة األمريكية و 000عضوا آخر لدعم هذا التعديل،
وتم بموجبه تخصيص 80,0مليار وحدة حقوق سحب خاصة بعد ثالثين يوما من تاريخ نفاذ،
1
أي في شهر سبتمبر .8001
وهكذا بلغ مقدار حقوق السحب الخاصة التي تم توزيعها (في إطار التوزيع العام
والتوزيع الخاص في شهري أوت وسبتمبر من عام )8001نحو 028,9مليار وحدة حقوق
سحب خاصة ،وهو أكبر تخصيص قام به صندوق النقد الدولي منذ ابتكار وحدة حقوق
السحب الخاصة سنة .0161وبه يكون صندوق النقد الدولي قد أجرى ثالث تخصيصات:
التخصيص األول :قيمته 1,9مليار وحدة ،تم توزيعه في أقساط سنوية في الفترة (-0190
،)0198الثاني :قيمته 80,0مليار وحدة ،تم توزيعه في أقساط سنوية في الفترة (-0191
،)0120والثالث :التوزيع العام قيمته 060,8مليار في أوت ،8001والتوزيع الخاص في
سبتمبر 8001بقيمة 80,0مليار وحدة .ليصل مقدرا حقوق السحب الخاصة الموزعة نحو
2
809,0مليار وحدة ،وهو ما يعادل 002مليار دوالر أمريكي.
لقد أتاح التخصيص الثالث ( 028,9مليار وحدة) مقدارا من السيولة للنظام االقتصادي
العالمي في ظل األزمة المالية العالمية ،وساعد الكثير من البلدان األعضاء المتضررة من
هذه األزمة ،وذلك من خالل مبادلة مخصصاتها من حقوق السحب بعمالت دولية ،فعقب هذا
التخصيص ارتفعت المبادالت االختيارية لحقوق السحب الخاصة إلى أكثر من الضعف،
حيث بلغ عدد االتفاقات 00اتفاقا ،وازداد حجمها بأكثر من عشرين ضعفا فبلغت حوالي 62
3
مليار وحدة.
دفعت األزمة المالية العالمية بصندوق النقد الدولي للعمل على جبهات عديدة من أجل
زيادة موارده المالية ومن ثم تمكنه من مساعدة بلدانه األعضاء .فإلى جانب التوسع في
االتفاقات الجديدة لالقتراض عمل الصندوق على عقد اتفاقيات اقتراض ثنائية وإصدار
السندات وبيعها لبلدانه األعضاء أو بنوكها المركزية .إضافة إلى قيامه ببيع جزء من حيازاته
من الذهب وتوسيع صالحياته في ممارسة النشاط االستثماري بهدف جعل موارده على مسار
قابل لالستمرار .وبذلك تمكن من تعويض موارد نظام الحصص التي لم يتمكن من الحصول
عليها بسبب تأخر إصالحات 8000حتى سنة ،8006ومن الوفاء بالتزاماته التي تعهد بها
خالل فترة األزمة المالية العالمية .كما قام بأكبر عملية تخصيص لحقوق السحب الخاصة
1
. International Monetary Fund,"Special Drawing Right (SDR) Allocations",Op.cit.
2
. Ibid.
3
.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000مرجع سابق ،ص.82.
331
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
ووفر من خاللها مقدارا من السيولة للنظام االقتصادي العالمي في ظل أجواء عدم اليقين
والنمو العالمي الهش الذي تسببت به األزمة.
خالصة الفصل :استنادا إلى التحليل السابق ألدوار صندوق النقد الدولي في األزمات المالية
واالقتصادية التي عرفها العالم منذ نشأة الصندوق سنة ،0190خلص الفصل إلى أن
صندوق النقد الدولي تمكن في كل مرة من تغيير وتطوير سياساته وأدواره ليجعلها أكثر
موائمة مع مختلف المستجدات واألحداث العالمية .ومن أهم المستجدات التي كان لها األثر
الكبير على دور صندوق النقد الدولي:
األزمة النقدية ،0190وانهيار نظام ) (Broten Woodsعندما قررت الواليات المتحدة
األمريكية إلغاء تحويل الدوالر إلى ذهب دون الرجوع إلى صندوق النقد الدولي باعتباره
المؤسسة ال مشرفة على هذا النظام .وقد واجه أثناءها صندوق النقد الدولي أزمة وجودية،
وأثيرت التساؤالت حول أهمية مؤسسة كان الغرض منها إدارة نظام لم يعد موجودا ،غير أنه
تمكن من تجاوز األزمة والتكيف مع األحداث في عام 0196حينما تم وضع مشروع تعديل
نظام عمل صندوق النقد الدولي -اتفاقية جاميكا -الذي دخل حيز التنفيذ في األول من أفريل
، 0192والذي بموجبه أصبح صندوق النقد الدولي مشرفا على النظام النقدي الدولي لضمان
332
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
كفاءة عمله ،من خالل رقابة صارمة على سياسات أسعار الصرف في البلدان األعضاء
التي تتمتع بالحرية الكاملة في اختيار نظام الصرف الذي يناسبها.كما كان لصدمات أسعار
النفط عامي 0190و 0199دورا كبيرا في جعل صندوق النقد الدولي جزءا ضروريا من
النظام النقدي الدولي ،وذلك من خالل دوره في إقراض البلدان التي تواجه مشكالت في
موازين مدفوعاتها ،من خالل إعادة تدوير األموال النفطية واستخدامها لمساعدة البلدان
األعضاء على تصحيح اختالالت موازين مدفوعاتها دون اللجوء إلى فرض شروط أو تدابير
تؤدي إلى تقويض الرخاء الوطني.
و في عقد الثمانينيات ،شهد العالم أزمة المديونية العالمية ،وأصبح لصندوق النقد
الدولي دور جوهري في إدارة هذه األزمة ،وتحول إلى أداة تكرس نفسها النتزاع مدفوعات
رد ديون البلدان الدائنة من البلدان المدينة ،وهنا غير صندوق النقد الدولي من سياساته التي
تبناها خالل صدمات النفط ،حيث قام بتطويرها وإدخال التغيرات الالزمة عليها لتتناسب مع
المستجدات – اختالف مراكز القوى بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية -مع مزيد من
الشروط الهيكلية في البرامج.
ومع انقضاء أزمة المديونية ،أثيرت التساؤالت مجددا حول أهمية دور صندوق النقد
الدولي .إال أنه استطاع العودة من جديد عن طريق مساعدة البلدان التي كانت أعضاء
باالتحاد السوفيتي بعد تفككه عام 0110وغيرها من البلدان التي تبنت أسلوب التخطيط
المركزي ،على التحول إلى نظام اقتصاد السوق ،وكانت المساعدات المقدمة في جزء منها
عبارة عن تصميم برامج لهذه البلدان وفرض شروط بعيدة كل البعد عن اختصاصاته فيما
يتعلق بسياسة التسعير والخصخصة والحوكمة وغيرها .وهكذا تدّعم دوره ،واتسع نطاق
نفوذه ،وأصبح معيارا لمدى التزام البلدان باقتصاد السوق وانفتاح اقتصاداتها على األسواق
العالمية واندماجها فيها .وأصبح بذلك أداة رئيسية من أدوات النظام الرأسمالي لنشر ثقافة
السوق الحرة وإزالة العقبات التي تحول دون األخذ بها.
ومع تعمق ظاهرة العولمة وانفجا ر األزمات المالية في العديد من اقتصادات األسواق
الناشئة ،أنيط بصندوق النقد الدولي دور جديد تمثل في صفقات اإلنقاذ التي يعقدها مع البلدان
المتأزمة ،تلزم هذه البلدان على تبني برامج تكييف يفرضها عليها .كما أثارت تلك األزمات
المالية تحديات عديدة بالنسبة لصندوق النقد الدولي إذ كان عليه وضع أدوات جديدة وتضمين
القطاع المالي وقطاع الشركات في تحليالته االقتصادية ،وتقديم المساعدات الفنية لبلدانه
األعضاء في هذه المجاالت .إلى جانب ضرورة وضع أدوات لإلنذار والتحذير من قدوم
األزمات المالية بغرض اتخاذ اإلجراءات الالزمة قبل وقوعها.
وعقب األزمة المالية واالقتصادية العالمية ،8002أثيرت الشكوك مجددا حول أهمية
صندوق النقد الدولي الذي اهتزت صورته ،وراحت االنتقادات والتهم تنهال عليه ليس فقط
من قبل البلدان النامية ،بل حتى من قبل البلدان الصناعية الكبرى .بسبب عدم اكتشافه لألزمة
قبل وقوعها ،وضعف أطره التنظيمية واإلشرافية ،وعجزه عن أداء دوره الرقابي بشكل كفؤ،
ونقص موارده التي تؤهله إلى إدارة األزمة بشكل فعّال ،إلى جانب افتقاره لألدوات التي
تؤهله لضمان االستقرار المالي العالمي على نحو أفضل .ولكن سرعان ما تبددت الشكوك
عقب قمم مجموعة العش رين التي انعقدت خالل فترة األزمة ،عندما إلتزم قادة بلدان
المجموعة على توثيق تعاونهم في مجال سياسات االقتصاد الكلي والقطاع المالي ،وإعطاء
صندوق النقد الدولي الدور الرئيسي في هذه البيئة العالمية الجديدة ،كما عملت على توفير
333
الفصل الرابع :صندوق النقد الدولي وإدارة األزمات المالية واالقتصادية العالمية
األدوات والموارد الكفيلة لمواجهة التحديات التي سينطوي عليها هذا الدور الجديد .وإجراء
إصالحات واسعة النطاق لمعالجة مواطن الضعف التي كان يعاني منها ،وتمكينه من قيادة
النظام المالي والنقدي العالمي بأكثر كفاءة في مرحلة ما بعد األزمة .وتعزيز دوره في منع
األزمات في المستقبل.
كما خلص الفصل إلى أن صندوق النقد الدولي لم يتمكن من تحقيق األهداف التي تنص
عليها اتفاقية تأسيسه ،هذا ألنها لم تكن األهداف الحقيقية وراء إنشائه ،فالصندوق ليس إال
مؤسسة أنشأتها الواليات المتحدة األمريكية ،صاحبة القوة العسكرية واالقتصادية العظمى
بعد الحرب العالمية الثانية ،وجعلتها في خدمة مصالحها الخاصة ،و استخدمتها لفرض
هيمنتها على العالم .وهذا ما يبدو جليا من خالل نظام التصويت الذي يعتمد عليه صندوق
النقد الدولي القائم على الحصص .فمنذ أكثر من سبعة عقود والواليات المتحدة تستحوذ على
أكبر حصة في صندوق النقد الدولي ،واستطاعت أن تصبح الدولة الوحيدة التي تتمتع
باستخدام حق النقض في عمليات التصويت .وعلى صعيد آخر ،تم استحداث مبدأ المشروطية
الذي يقوم على أن حصول البلد المتعثر على التمويل يتوقف على تنفيذ شروط معينة ازدادت
صرامة وشدة خاصة بعد اتفاق واشنطن ،وأثبتت أن الصندوق هو الراعي الرئيسي لليبرالية
الجديدة ،والمؤيد القوي للنظام الرأسمالي والسوق الحرة ،وهدفه هو خدمة هذا النظام وجعله
عالميا. اقتصاديا نظاما
334
الفصل الخامس:
رؤية جديدية لصندوق النقد
الدولي
(مقترح الدراسة)
238
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
الفصل الخامس
رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي (مقترح الدراسة)
ازدادت أهمية دور صندوق النقد الدولي في أعقاب األزمة المالية واالقتصادية العالمية
،8002خاصة بعد إجرائه إصالحات واسعة في نظام الحصص والحوكمة ،ما أحدث تحوال
في نظام التمثيل لصالح بعض بلدان األسواق الصاعدة.
في حقيقة األمر ،هذه اإلجراءات واإلصالحات ،جاءت بدعوة من مجموعة العشرين،
هذه المجموعة التي تتألف من البلدان المتقدمة و 00بلدا من بلدان األسواق الصاعدة ،هدفها
كما حدده قادتها في اجتماعاتهم المنعقدة خالل فترة األزمة المالية العالمية ،هو تعزيز التعاون
فيما بين أعضائها ،والعمل معا إلقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يعزز االستقرار المالي
العالمي.
وهذا يعني أن كل القرارات واإلجراءات التي اتخذتها هذه المجموعة تصاغ لخدمة
المصالح التي تجمع أعضائها– رغم ما بينها من اختالفات -أما باقي البلدان والتي في
معظمها هي بلدان نامية ،فليس لها أي دور فاعل في صياغة قواعد ومبادئ هذا النظام .وهذا
هو واقع األمر منذ نيل هذه البلدان استقاللها السياسي حيث لم تتمكن في اإلسهام في صياغة
النظام االقتصادي الدولي في أي مرحلة من مراحل تطوره ،بسبب مكانتها الضعيفة في
االقتصاد العالمي .وال يقف األمر عند هذا الحد ،بل تم إخضاعها وإدماجها في النظام
االقتصادي العالمي وذلك بمساعدة المؤسسات االقتصادية الدولية ،وعلى رأسها صندوق النقد
الدولي من خالل وصفاته وسياساته التي يفرضها على البلدان النامية ،خاصة تلك التي
ترغب في االقتراض منه ،هذه الوصفات التي كان لها آثار سلبية على الدفع بعجلة االستثمار
وتنشيط النمو وخلق فرص العمل ،وتكاليف اجتماعية باهضة.
لقد أثبت الواقع ،أن صندوق النقد الدولي هو في الحقيقة مؤسسة وجدت لفرض إرادة
البلدان المتقدمة الرأسمالية على البلدان النامية ،وتعمل لتحقيق مصالح األولى على حساب
مصالح الثانية .وهذا ما أكدته األزمة المالية واالقتصادية العالمية ،8002عندما تعامل مع
بلدانه األعضاء بازدواجية ،ففي الوقت الذي شجع فيه البلدان المتقدمة على اعتماد سياسات
مالية ونقدية ذات طابع توسعي ،فرض على البلدان النامية التي لجأت إليه طالبة المساعدة
المالية سياسات تقشفية على الرغم من أنها كانت من أشد المتضررين من هذه األزمة .فعلى
سبيل المثال ،قال رئيس االقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي في عام ":8000
تحتاج كثير من االقتصادات المتقدمة إلى مصداقية ضبط أوضاع المالية العامة على المدى
المتوسط ،وليس إلى الخناق المالي" .وبعد ثالثة أعوام قالت مدير عام صندوق النقد الدولي:
"إن المؤسسة تعتقد أن الكونغرس األمريكي كان على حق عندما رفع الحد األقصى للديون
في الواليات المتحدة األمريكية ،ألن المسألة ال تتعلق بتقليص االقتصاد عن طريق خفض
اإلنفاق بقسوة" .وفي عام ،8000قدم صندوق القد الدولي مشورة مفادها أن بلدان منطقة
اليورو التي لديها حيز مالي ينبغي أن تستخدمه في دعم االستثمار 1.ولكن عندما لجأت إليه
1
.جوناثان أوستري" ،الليبرالية الجديدة ،هل شابها اإلفراط؟" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد،00
الرقم ،8يونيو ،8006ص.90.
345
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
.1محمد سعيد السعدي" ،سياسات صندوق النقد الدولي التقشفية وأثرها على حماية االجتماعية" ،شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية،
, last visited www.annd.org/data/item/cd/aw2014/pdf/arabic/two3.pdf ص ،99.ص .99.من الموقع:
25/05/2017
.2محمد عمر شابرا ،نحو نظام نقدي عادل-دراسة للنقود والمصارف والسياسة النقدية في ضوء اإلسالم ،ترجمة سيد محمد سكر ،دار البشير
للنشر والتوزيع ،األردن ،0121 ،ص.88.
346
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
قد يبدو هنا ،أن هذه األهداف ال تختلف عن مثيالتها في النموذج الرأسمالي .وبالفعل قد
يكون هناك تشابه ظاهري ،ولكن في الحقيقة هناك اختالف كبير ،نتيجة االختالف في مدى
التزام كل من النظامين (الرأسمالي واإلسالمي) بالقيم الروحية والعدالة واألخوة اإلنسانية.
1
فاألهداف اإلسالمية هي جزء من العقيدة واإليمان ال يمكن انتهاكه.
بالنسبة للهدف األول :تحقيق استقرار أسعار الصرف ،هو هدف ال غنى عنه في اإلطار
اإلسالمي وذلك بسبب تأكيد اإلسالم الواضح على األمانة والعدالة في كافة المعامالت
اإلنسانية ،وقد ورد في القرآن الكريم بجالء أهمية األمانة والعدالة في كل مقاييس القيمة .قال
َّللا ما ل ُك ْم ِم ْن ِإ ٰل ٍه غ ْي ُرهُ ق ْد جاءتْ ُك ْم
تعالى »:وإِل ٰى مدْين أخا ُه ْم شُع ْيبًا قال يا ق ْو ِم ا ْعبُدُوا ا
ض سدُوا فِي ْاأل ْر ِ سوا النااس أشْياء ُه ْم وال ت ُ ْف ِ ب ِيّنةٌ ِم ْن ر ِبّ ُك ْم فأ ْوفُوا ا ْلك ْيل وا ْل ِميزان وال ت ْبخ ُ
ب ْعد إِصْال ِحها ٰذ ِل ُك ْم خ ْي ٌر ل ُك ْم إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ُم ْؤ ِم ِنين « (األعراف ،اآلية .)20وال يقتصر األمر هنا
على الموازين والمكاييل التقليدية بل يضم كل مقاييس القيمة ،وباعتبار النقود أيضا مقياس
للقيمة فإن أي تآكل مستمر في قيمتها الفعلية يمكن تفسيره في ضوء القرآن الكريم على أنه
إفساد 2.وهذا ما يؤكد وجوب السعي لتحقيق نقد مستقر القيمة كمطلب شرعي تشترطه عدالة
المعامالت وكفاءة األداء االقتصادي 3.ولما كان سعر الصرف هو القيمة التي تتخذ على
أساسها العملة الوطنية سعرا لها في مقابل العمالت األجنبية ،فيمكن اعتباره القيمة الخارجية
للنقود ،وعدم استقرارها من شأنه أن يؤدي إلى آثار سلبية على االقتصاد فتدهور قيمة العملة
سيرفع من كلفة الواردات ما يؤثر على معدل التضخم السائد في االقتصاد ،الذي يؤدي عمليا
إلى تآكل القيمة ال شرائية للعملة المحلية ،ما يعني أنها غير قادرة على القيام بدورها كوحدة
حساب عادلة .هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فإن حدوث تقلبات في أسعار صرف العمالت
الدولية له آثار سلبية على اقتصادات البلدان األخرى وخاصة النامية ،فعلى سبيل المثال
انخفاض قيمة الدوالر خالل الفترة ( )0120-0190أدى إلى تدهور حصيلة صادرات المواد
األولية على األقل بنفس نسبة تدهور قيمة الدوالر ،وقد كان لذلك تأثير كبير في تفاقم العجز
في موازين مدفوعات البلدان المصدرة للمواد األولية ،كما أدى إلى إحداث خسائر كبيرة في
احتياطات النقد األجنبي للعديد من البلدان ،مما أضعف من قدرتها على التخطيط
القتصادياتها واالستعداد لتسوية أعباء ديونها الخارجية األمر الذي عرضها للكثير من
المصاعب الداخلية والضغوط الخارجية 4.واألخطر من هذا هو لجوء بعض البلدان إلى
استخدام أسعار صرف عمالتها من أجل حل مشكالتها المحلية ،وتتنافس فيما بينها لخفض
قيمة عمالتها -حرب العمالت -مما يلحق أضرارا بالغة على االقتصاد العالمي ،وقد يؤدي
إلى تدمير اقتصادات بلدان لحساب بلدان أخرى .كل هذا من المنظور اإلسالمي يعبر عن
الظلم بالبخس ،والعلو في األرض والفساد فيها .وقد ورد في القرآن الكريم النهي عن البخس،
والعلو في األرض والفساد ،وعن الظلم بكل صوره في مواضع كثيرة ،منها :قوله تعالى»:
سدِين « ( هود ،اآلية .)20وقوله ض ُم ْف ِسوا النااس أشْياء ُه ْم وال ت ْعث ْوا فِي ْاأل ْر ِ وال ت ْبخ ُ
َّللاُ ال يُ ِح ُّب
سل و ا ض ِليُ ْفسِد فِيها ويُ ْه ِلك ا ْلح ْرث والنا ْ تعالى » :وإِذا تولا ٰى سع ٰى فِي ْاأل ْر ِ
سع ْون ب أ ْطفأها ا
َّللاُ وي ْ ارا ِل ْلح ْر ِ
ا ْلفساد « (البقرة ،اآلية .)800وقال أيضاُ » :كلاما أ ْوقدُوا ن ً
سدِين « ( المائدة ،اآلية .)69وفي وصف المستحقين ب ا ْل ُم ْف ِ
َّللاُ ال يُ ِح ُّ
ض فسادًا و ا فِي ْاأل ْر ِ
1
.محمد عمر شابْرا ،مرجع سابق ،ص.09.
.2المرجع نفسه ،ص.90.
3
.عبد الجبار حمد السبهاني" ،وجهة نظر في تغير قيمة النقود" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي ،جامعة الملك عبد العزيز ،م ،0111 ،00ص.99.
4
.رمزي زكي ،االقتصاد النقدي للتخلف ،مرجع سابق ،ص ،800.ص ،800.ص.809.
347
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
اار ْاآل ِخرةُ نجْ علُها ِللاذِين ال يُ ِريدُون للجزاء األخروي الحسن ،قال سبحانه وتعالىِ »:ت ْلك الد ُ
ض وال فسادًا وا ْلعاقِبةُ ِل ْل ُمت ا ِقين « ( القصص ،اآلية .)20 علُ ًّوا فِي ْاأل ْر ِ
ُ
من هذا المنطلق ،يمكن اعتبار أن السعي لتحقيق استقرار أسعار الصرف هو مطلب شرعي.
الهدف الثاني :دعم التنمية العالمية ،والعمل على تحقيق الرفاهية االقتصادية للجميع .لقد اهتم
اإلسالم بالتنمية وأعطاها معنى أعمق ،وهو العمارة واعتبرها عبادة هلل تعالى .قال
"وا ْست َ ْع َم َر ُك ْم
ست ْعمر ُك ْم ِفيها« (هود ،اآلية َ .)60 ض وا ْتعالى » ُهو أنشأكُم ِّ ّمنَ ْاأل ْر ِ
1
فِّي َها" تعني أمركم بعمارتها بما تحتاجون إليه .والطلب المطلق من هللا تعالى يفيد الوجوب.
ويقوم مفهوم عمارة األرض في اإلسالم على شرط الخالفة في األرض ،أي أن البشر
مستخلفون في األرض لعمارتها وعبادة هللا عز وجل .قال تعالى » :و ِإ ْذ قال ربُّك ِل ْلمالئِك ِة
2
ض خ ِليفةً« (البقرة ،اآلية .)00 إِنِّي جا ِع ٌل فِي ْاأل ْر ِ
ويترتب على هذا االعتقاد – البشر هم خلفاء هللا -أن يحيا هؤالء البشر حياة تليق بهذا
االعتقاد ،وما الغرض من الهدي اإللهي كما تكشف عنه التعاليم اإلسالمية إال مساعدة البشر
في تحقيق هذا الهدف ،فقد أجمع العلماء المسلمون على أن تحقيق الرفاهية للناس جميعا
والتخفيف من متاعبهم هو من األهداف األساسية للشريعة اإلسالمية 3،كما أن تحقيقها ال
يمكن أن يكون إال بتحقيق القاعدة اإلسالمية للعدالة االقتصادية واالجتماعية والتوزيع العادل
للدخل والثروة .وبذلك اندمجت هذه األهداف في جميع التعاليم اإلسالمية حتى صار تحقيقها
4
التزاما روحيا.
الهدف الثالث :كبح الميول التضخمية واالنكماشية و السعي لتحقيق توظيف كامل ومعدل نمو
أمثل ومستمر .في ظل التضخم تصبح النقود غير قادرة على القيام بدورها كوحدة حساب
عادلة ،كما أنه يجعل منها مقياسا غير عادل للمدفوعات اآلجلة ،ومخزنا للقيمة غير موثوق
فيه ،بسبب التآكل الخفي للقوة الشرائية للنقود وبذلك يضعف التضخم فاعلية النظام النقدي،
ويفرض على المجتمع كلفة للرفاهية ،كما أنه يزيد من االستهالك ويقلل االدخار ،ويثبط
التكوين الرأسمالي ،ويؤدي إلى سوء تخصيص الموارد ،ويعزز المضاربات على األسعار
على حساب النشاط اإلنتاجي ،ويزيد من حدة الفروق في الدخل ،ويفسد القيم .وعليه فالتضخم
هو أحد أعراض عدم التوازن ،الذي ال يشجع عليه اإلسالم ،فقد ورد في القرآن الكريم العديد
من اآليات التي تؤكد على التوازن الذي أوجده هللا في الكون ،وهو توازن مرغوب في كافة
ت وأ ْنز ْلنا مع ُه ُم ا ْل ِكتاب وا ْل ِميزان
سلنا ِبا ْلب ِّينا ِ نواحي الحياة .منها :قوله تعالى » :لق ْد أ ْرس ْلنا ُر ُ
سماء رفعها ووضع ا ْل ِميزان س ِط « (الحديد ،اآلية ،)80و قوله تعالى »:ال ا اس بِا ْل ِق ْ
ِليقُوم النا ُ
س ِط وال ت ُ ْخس ُِروا ا ْل ِميزان « (الرحمن، ان ( )2وأقِي ُموا ا ْلو ْزن ِبا ْل ِق ْ ( )1أ اال ت ْطغ ْوا فِي ا ْل ِميز ِ
5
اآلية .)1-9
وكما أن التضخم يتناقض مع القيم اإلسالمية ،فكذلك االنكماش والبطالة غير مقبولين،
ألنهما يجلبان البؤس لبعض الفئات السكانية ،ويتعارضان مع هدف الرفاهية االقتصادية.
فاالنكماش يزيد الشك ويثبط المستثمرين على تحمل مخاطر المشاريع التي تحقق العوائد لعدة
1
التنمية االقتصادية-منظور-إسالمي-د.حسن-محمد-م .حسام محمد ماشا " ،التنمية االقتصادية من منظور إسالمي" ،ص .0.من الموقع:
iefpedia.com/…/
last visited 07/06/2019
2
.المرجع نفسه ،ص.0.
3
.محمد عمر شابرا ،مرجع سابق ،ص.09.
4
.المرجع نفسه ،ص.01.
5
.المرجع نفسه ،ص ص.90-90.
348
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
سنوات ،ما يؤدي إلى ركود اقتصادي طويل وتفشي البطالة .والبطالة من وجهة نظر اإلسالم
غير منصفة وتتعارض مع كرامة اإلنسان باعتباره خليفة هللا كما تفسد العدالة في توزيع
الدخل .بناءا على ذلك ،فإن السعي إلى تحقيق التوظيف الكامل يعتبر هدف أساسي في
االقتصاد اإلسالمي ،ألنه ال يساعد فقط في تحقيق هدف رفاهة اإلنسان ،بل يمنح اإلنسان
1
العزة والكرامة.
ويعتبر النمو االقتصادي شرطا ضروريا في االقتصاد اإلسالمي لتحقيق التوظيف
الكامل والرفاهة االقتصادية على نطاق واسع ،ولكن معدل النمو المطلوب شرعا ليس ذلك
المعدل المرتفع الذي يتم الوصول إليه باالستغالل األقصى للموارد والطاقات ،ألن في ذلك
إسراف وإهدار وتبديد ،كما أن فيه اعتداء على حقوق األجيال القادمة وكل ذلك منهي عنه
شرعا 2.إذا فالمعدل المرغوب شرعا يشترط فيه:
-أن ال يتحقق بإنتاج سلع وخدمات غير مشروعة أو مشبوهة من الناحية األخالقية ،وغير
الضرورية 3.فالقاعدة الشرعية تنص على "أن ما ُح ِّ ّرم استهالكه ُح ّرم إنتاجه وتداوله" .قال
إن هللا إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه« .وقال في الخمر: رسول هللا (ص)ّ » :
إن الذي حرم شربها حرم بيعها« .وفي حديث الربا قوله»:لعن هللا آكل الربا وموكله وكاتبه » ّ
وشاهديه؛ وقال هم في اإلثم سواء« .وجاء في تفسير اآلية »يا أيُّها ا الذِين آم ُنوا ال ت ْأ ُك ُلوا
أ ْموال ُك ْم ب ْين ُك ْم بِا ْلبا ِطل « ( النساء ،اآلية )81 ،أي ال تتعاطوا األسباب المحرمة في اكتساب
األموال .وفي ضوء هذا الهدي اإلسالمي ال يجب إنتاج ما يضر بالدين أو الجسم أو العقل أو
المال أو الخلق..وكل ما يدخل تحت نطاق الخبائث .وبذلك تصان الموارد والطاقات من
اإلهدار والضياع في إنتاجها 4.والمقصود بالسلع و الخدمات غير الضرورية ،تلك الموجهة
لالستهالك التفاخري ال ذي ال يخلق إال إشباعا مؤقتا حيث سرعان ما تصبح السلعة المرضية
تماما في لحظة من اللحظات سلعة متقادمة ،وللحفاظ على متعة الشراء يتنافس األفراد في
تملك تلك السلع ،ويندفع المنتجون لتحقيق مصالحهم الخاصة بإنتاج تلك السلع والخدمات
حيث القوة الشرائية العالية ،على حس اب السلع الضرورية ما يعني ضياع الفئات الفقيرة بل
وكثير من الطبقة المتوسطة ،وتتسع الفجوة االجتماعية واالقتصادية بين األغنياء والفقراء
(ترف مع عوز ،تخمة وخواء ،آبار معطلة وقصور مشيدة) .وال شك أن ذلك غير مقبول
5
شرعا وهو يدخل ضمن هدر الموارد والطاقات.
-أن تكو ن السلع والخدمات على أعلى درجة من الجودة واإلتقان .ال يقف اإلسالم حيال
المنتجات من السلع والخدمات عند حد اإلباحة والحرمة ،بل يأمر اإلسالم أن تكون هذه
السلعة أو الخدمة على أعلى درجة ممكنة من الحسن والجودة والصالحية ،ألن ذلك يساعد
في تحقيق هدف الرفاهية االقت صادية ،ومنهج اإلسالم العام عدم الوقوف عند مستوى الصالح
طالما أمكن الوصول إلى مستوى األصلح .ولم يكتف اإلسالم بذلك بل أدخل المنتجات الرديئة
تحت إطار الخبائث ،فليس الخبيث في اإلسالم هو المحرم فقط بل هو أيضا الرديء الفاسد
1
.المرجع نفسه ،ص ،02.ص ص.99-96.
2
.إبراهيم عبد الرحمن رجب" ،السلوك اإلسالمي في اإلنتاج بين المثال والواقع" ،مجلة المسلم المعاصر ،العدد ،006لبنان ،8008 ،من الموقع:
http://almuslimalmuaser.org last visited 09/06/2017
3
.محمد عمر شابرا ،مرجع سابق ،ص.02.
.4إبراهيم عبد الرحمن رجب ،مرجع سابق.
5
.محمد عمر شابرا ،مرجع سابق ،ص 89.؛ إبراهيم عبد الرحمن رجب ،مرجع سابق
349
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
آخذِي ِه ِإ اال أ ْن ت ُ ْغ ِمضُوا ِفي ِه والسيئ .قال تعالى» :وال تي ام ُموا ا ْلخ ِبيث ِم ْنهُ ت ُ ْن ِفقُون ول ْ
ست ُ ْم ِب ِ
واعْل ُموا أ ان ا
1
َّللا غنِ ٌّي ح ِمي ٌد« (البقرة ،اآلية .)869
2
-مراعاة حقوق األجيال القادمة ،بعدم اإلفساد واإلضرار بالبيئة ،ولقد جعلت الشريعة
اإلسالمية من حماية البيئة واج ب ديني ومطلب شرعي يجب االلتزام به .واآليات القرآنية
الكريمة واألحاديث النبوية الشريفة أكثر من أن تحصى في مجال أهمية صون األرض
ض وحفظها من العبث لديمومة عطائها .منها قوله تعالى»:فا ْذك ُُروا آالء ا ِ
َّللا وال ت ْعث ْوا ِفي ْاأل ْر ِ
سدِين« (األعراف ،اآلية )99وقوله أيضا» :ظهر ا ْلفسا ُد فِي ا ْلب ِ ّر وا ْلبحْ ِر ِبما كسبتْ أ ْيدِي ُم ْف ِ
اس ِليُذِيق ُه ْم ب ْعض الاذِي ع ِملُوا لعلا ُه ْم ي ْر ِجعُون«(الروم ،اآلية .)90 النا ِ
وبهذا فإن مفهوم النمو في اإلسالم ليس هو نفس مفهومه في الرأسمالية ،فاإلسالم يحبذ
النمو المستمر في إطار قيمه الشاملة .ومعدل نمو مرتفع ليس في حد ذاته أهمية كبرى ،بل
يجب أن يوزن هذا المعدل بعناية في مقابل كل ما يترتب عليه من آثار .بعبارة أخرى معدل
النمو المرغوب شرعا هو ذلك المعدل الذي يأخذ في الحسبان كل الشرط السابقة ،والذي
3
يمكن أن يسمى "المعدل األمثل".
الهدف الرابع :التعاون االقتصادي والمالي الدولي ،من أجل إقامة نظام مالي عالمي عادل
ومستقر يعمل وفقا ألفضل المعايير واألسس المستمدة من الشريعة اإلسالمية .يرتكز هذا
شعُوبًا وقبا ِئل الهدف على فكرة العالمية و"األخوة اإلنسانية" .قال تعالى» :وجع ْلنا ُك ْم ُ
ِلتعارفُوا« (الحجرات ،اآلية ،)00وتنادي هذه اآلية بأن يستفيد البشر من الناتج البشري
الصالح في الشؤون كلها ،وأن يحترموا اختالفاتهم كسنة من سنن هللا في خلقه وأن يتفقوا
على كلمة سواء من إحقاق الحق والتعاون على الخير 4.ويعد التعاون االقتصادي أحد صور
التعاون على الخير إذا كان ال يؤدي إلى إلحاق الضرر باآلخرين ،وال يهدف إلى تحقيق
مصلحة مجموعة على حساب أخرى .فالتعاون المطلوب هو ذلك التعاون الذي يسعى إلى
تحقيق الخير لصالح جميع البلدان ،ويسهم في تخفيف النزاعات والفوضى بينها .كما أن إقامة
نظام مالي عالمي عادل يحقق االستقرار العالمي يصب في مصلحة الخير للصالح اإلنساني
(البلدان جميعا) والوصول إليه ال يتم إال من خالل التعاون والتشاور والتحاور بين هذه
البلدان في إطار منظومة القيم واألخالق المستمدة من الشريعة اإلسالمية (المساواة ،العدالة،
الوفاء بالعهود.)..
الهدف الخامس :االستجابة لحاجات البلدان األعضاء التي تعاني صعوبات مالية واختالل في
موازين المدفوعات .إذا تعرض أي بلد عضو لمشكالت في ميزان المدفوعات يقوم الصندوق
بتقديم الدعم المالي لمساعدته على الخروج من األزمة واستعادة الثقة واالستقرار .وهذا أمر
جائز ومطلوب شرعا ،ويمثل صورة من صور التضامن والتعاون الدولي .ويمكن للصندوق
أن يقدم الدعم إما في شكل منح وهبات الترد ،أو على شكل قروض حسنة (قروض غير
ربوية).
الهدف السادس :العدل واإلنصاف في التعامل مع جميع البلدان األعضاء ،والتحلي بالنزاهة
وال مصداقية واإلخالص في عالقاته مع أعضائه ،والعمل على تحقيق مصالح الجميع .العدل
1
.إبراهيم عبد الرحمن رجب ،مرجع سابق.
.2محمد عمر شابرا ،مرجع سابق ،ص.02.
.3محمد عمر شابرا ،مرجع سابق ،ص ،02.ص.009.
.4حسن بن وهيبة ،سفيان دهبي" ،مقاصد الشريعة من حفظ المال إلى التنمية االقتصادية :اإلمام ابن عاشور نموذجا" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي
العالمية ،تصدر عن المجلس العام للبنوك والمؤسسات اإلسالمية ،العدد ،9ديسمبر ،8008ص.86.
350
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
هو الركيزة األساسية التي تقوم عليها عالقة المسلم بغيره .والعدل في اإلسالم واجب أساسي
يجب أن يلتزم به المسلم في القول والفعل ،ومع الصديق ومع العدو .وقد ورد األمر بالعدل
والنهي عن الظلم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ،قال تعالى» :يا أيُّها الاذِين آمنُوا كُونُوا
س ِط وال يجْ ِرمنا ُك ْم شنآ ُن ق ْو ٍم عل ٰى أ اال ت ْع ِدلُوا ا ْع ِدلُوا ُهو أ ْقر ُ
ب ِللت ا ْقو ٰى امين ِ اّللِ شُهداء ِبا ْل ِق ْ
ق او ِ
ير ِبما ت ْعملُون « (المائدة ،اآلية .)2وجاء في تفسير»وال يجْ ِرمناكُ ْم شنآ ُن واتاقُوا ا
َّللا إِ ان ا
َّللا خبِ ٌ
ق ْو ٍم عل ٰى أ اال ت ْع ِدلُوا« أي ال يحملنّكم بغض قوم على ترك العدل فيهم ،بل استعملوا العدل مع
كل أحد صديقا كان أو عدوا 1.وعلى ضوء هذا ،فإنه من الضروري على الصندوق أن
يتعامل مع جميع بلدانه األعضاء بالعدل واإلنصاف ،وأن يسعى إلى تحقيق مصالحهم جميعا
دون تمييز.
المطلب الثاني:نظام الحوكمة والتصويت في الصندوق
يمكن القول أن الصندوق وفقا للرؤية اإلسالمية ال يمكن أن يحقق أهدافه ،وأن يؤدي
مهامه على النحو األمثل إال إذا تم إصالح نظام الحوكمة والتصويت القائم.
أوال :نظام الحوكمة ،يكون إصالح نظام الحوكمة من خالل إنشاء جهاز رئيسي آخر إلى
جانب مجلس المحافظين والمجلس التنفيذي ،يكون مسؤوال على نظام الضوابط الشرعية،
يمكن إطالق عليه تسمية الهيئة الشرعية العليا .وفيما يلي إشارة إلى أهم األجهزة التي ستقوم
بدور مهم في نظام حوكمة الصندوق.
-0الهيئة الشرعية العليا :تكون صاحبة السلطة األعلى في الصندوق ،حيث ال يمكن أن
يدخل أي قرار صادر عن المجالس األخرى حيز التنفيذ إال إذا صادقت عليه هذه الهيئة ،التي
تتألف من خبراء في مجال الشريعة والصناعة المالية اإلسالمية وخبراء في االقتصاد الكلي
والدولي واالقتصاد اإلسالمي .وينتمي هؤالء الخبراء والعلماء إلى بلدان إسالمية تسير
اقتصاداتها وفق مذاهب مختلفة ،وبالتالي ال تلتزم القرارات الصادرة عن الهيئة بمذهب
واحد ،وإنما يتم التخير من بين هذه المذاهب ما هو أكثر تحقيقا لمقاصد الشريعة واألنسب
للمصلحة اإلسالمية العامة .ويتم تعيين أعضاء الهيئة باالنتخاب من قبل ممثلي البلدان
األعضاء في مجلس المحافظين ،وتقوم هذه الهيئة بمراقبة أعمال الصندوق من الناحية
الشرعية ومتابعة تنفيذ قراراتها وذلك من خالل إدارات تابعة لها تعمل بتناغم وتكامل مع
اإلدارات األخرى لتحقيق أهداف الصندوق .الملحق رقم ""17
-8مجلس المحافظين :يتألف من محافظ ونائب محافظ يتم تعيينهما من قبل كل بلد عضو،
يتولى مجلس المحافظين انتخاب أعضاء الهيئة الشرعية العليا ،وأعضاء المجلس التنفيذي،
كما يبدي الرأي ويتخذ القرارات في القضايا المتعلقة باالقتصاد العالمي ،وغيرها من القضايا
المتعلقة بتعديالت اتفاقية التأسيس ،والحصص ،وانضمام أعضاء جدد إلى الصندوق ،أو
انسحاب أعضاء منه.
-1المجلس التنفيذي :يضم 89عضوا يتم تعيينهم باالنتخاب لمدة خمس سنوات ،ويتيح
نظام الدوائر االنتخابي تمثيل كل أعضاء الصندوق في المجلس التنفيذي ،على أن تكون
للبلدان اإلسالمية صاحبة أكبر مساهمة في الصندوق دائرة انتخابية ( أي دائرة انتخابية لكل
بلد إسالمي) .ويراعى في الدوائر االنتخابية األخرى موازنة مصالح كل البلدان التي تمثلها،
إلى جانب مراعاة االعتبارات الجغرافية وغيرها من االعتبارات مع ضرورة أن تتساوى
هذه الدوائر قدر اإلمكان من حيث عدد البلدان األعضاء .يتولى المجلس مهمة تسيير أعمال
1
.تفسير القرآن الكريم لإلمام إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ،المجلد الثاني ،القاهرة ،المكتبة القيمة للنشر والتوزيع ،ص.90.
351
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
الصندوق اليومية وإدارة شؤونه .ويشكل المجلس عقب كل انتخاب أعضاء جدد للجان
لمعاونته في االضطالع بمهامه ،كاللجنة المالية واإلدارية ،لجنة البرامج والعالقات
الخارجية ،اللجنة الشرعية ،لجنة التدقيق ،لجنة التقييم والحوكمة .الملحق رقم " ،"17كما أن
للمجلس أن يشكل ما يراه ضروريا من لجان.
-4اإلدارة العليا :تضم المدير العام ونوابه وهيئة موظفيهم ،الذين يتمتعون بالخبرة
والكفاءات الالزمة ،والنزاهة والسمعة الطيبة ،وأن يكونوا قادرين على ممارسة مهامهم
وواجباتهم بموضوعية .ويكون المدير العام رئيسا للمجلس التنفيذي ويتولى إدارة الصندوق
تحت إشراف المجلس التنفيذي.
ثانيا :العضوية والتصويت ،على ضوء ما تقدم ،يمكن القول أن صندوق النقد الدولي وفقا
للرؤية اإلسالمية هو مؤسسة عالمية ،وبالتالي فإنه يجوز ألي بلد في العالم سواء كان بلدا
إسالمي أو غير إسالمي ،أن يطلب االنضمام للصندوق ،ويقبل طلب عضويتها وفقا للشروط
التي يتخذها مجلس المحافظين ،وتصادق عليها الهيئة الشرعية العليا.
ومن أجل إضفاء صفة الشرعية وتطبيق العدالة الدولية بين جميع بلدان العالم ،وتحقيق
المساواة بين جميع البلدان كبيرها وصغيرها ،يكون لكل بلد عضو صوت واحد متساو مع
صوت كل بلد آخر عضو في الصندوق ويتم اتخاذ القرار على أساس األغلبية .وألجل
مراعاة المصلحة اإلسالمية العامة والتي تشكل مقصدا ألي حراك إنساني إسالمي في أي
مجال من مجاالت إدارة الحياة 1،فإن القرارات التي تتخذ على مستوى المجلسين التنفيذي
والمحافظين ،ال تدخل حيز التنفيذ إال إذا صادقت عليها الهيئة الشرعية العليا لضمان أنها
تراعي تحقيق المصلحة العامة للمسلمين ،وتتوافق مع أحكام الشريعة اإلسالمية.
المطلب الثالث :موارد الصندوق
هناك مصادر متنوعة يمكن للصندوق أن يعتمد عليها ليحصل على الموارد الالزمة ألداء
مهامه ومساعدة بلدانه األعضاء:
-0الحصص :هي االشتراكات التي تدفعها البلدان عند االنضمام إلى الصندوق ،وتتحدد هذه
الحصص حسب حجم البلد النسبي في االقتصاد العالمي؛
-8الذهب :يعتبر ال ذهب من أهم احتياطات البلدان ،ومن المهم أن يظل الصندوق منذ أكبر
حائز الرسميين على مستوى العالم ،ألجل ذلك يمكن للصندوق أن يقبل الذهب كوسيلة لسداد
التزامات األعضاء 2،كما يمكن له شراءه و بيعه بعد موافقة هيئة الرقابة الشرعية؛
-1عوائد االستثمار :اعتمد صندوق النقد الدولي منذ إنشائه اعتمادا كبيرا على أسعار الفائدة
على القروض التي يقدمها لبلدانه األعضاء كمصر رئيسي لدخله .وال خالف بين علماء
المسلمين في أن هذه الفائدة تعد من قبيل الربا المحرم شرعا ،والذي يعتبر كبيرة من الكبائر
بال نزاع .وقد ثبت ذلك بكتاب هللا وسنة رسوله ،وإجماع العلماء المسلمين .والمعلوم أنه
اليجوز تعطيل استثمار الموارد في الشريعة اإلسالمية ،ويجب على كل مسلم أن يعمل على
تنمية ما أنعم هللا به عليه من نعمة المال ،وما استخلفه فيه حتى ولو كان المال وديعة لديه
3
تخص يتيما -فقد أمر الرسول (ص) أال يترك مال اليتيم بغير نماء فتأكله الزكاة-
1
.سامي إبراهيم الخزندار" ،المنظور اإلسالمي تجاه التنظيم الدولي المعاصر مقاربة نظرية" ،دفاتر السياسة والقانون ،جامعة قاصدي مرباح،
ورقلة ،العدد ،0جوان ،8000ص.80.
2
.صندوق النقد الدولي" ،الذهب لدى صندوق النقد الدولي" ،صحيفة وقائع ،أفريل ،8000ص .8.من الموقع:
http://www.imf.org/external/np/exr/facts/gold.htm last visited 12/06/2017
3
.محمود أبو السعود" ،االستثمار اإلسالمي في العصر الراهن" ،مجلة المسلم المعاصر ،لبنان ،0120 ،العدد ،82من الموقع:
352
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
ومن هذا المنطلق ،فإنه يجب على الصندوق أن يقوم باستثمار موارده المالية (أموال
بلدانه األعضاء) من أجل تنميتها وجعلها قابلة لالستمرار ،وبالتالي تعزيز قدرته على تلبية
احتياجات بلدانه األعضاء ،هذا من جهة .ومن جهة أخرى تمويل مصاريفه اإلدارية (رواتب
وأجور الموظفين) وغيرها.
ولما كان اإلسالم يمنع أي تحديد مسبق لمعدل عائد استثمار ايجابي في صورة فائدة،
ويقضي باقتسام الربح والخسارة بطريقة عادلة 1،وجب على الصندوق التحرز في استثمار
أموال بلدانه األعضاء .وذلك من خالل:
أ -مراعاة مدى مطابقة عمليات االستثمار المراد تنفيذها أحكام الشريعة اإلسالمية ،من
حيث محل االستثمار وهو موضوع االستثمار أو المجال الذي يستثمر فيه (مالي ،تجاري،
صناعي ،).. ،ووسيلة االستثمار وهي الطريقة أو الصيغة التي سيتم االستثمار بها .ومن بين
2
الصيغ التي يمكن للصندوق استخدامها ،يمكن ذكر:
-المشاركة :تتضمن أي تعاقد بين الصندوق وغيره من األشخاص الطبيعيين أو
المعنويين بقصد القيام بمشروع استثماري لتحقيق ربح .ويتقاسم الشركاء األرباح المتحققة
والخسائر المتكبدة بالتناسب مع مساهمة كل منهم في رأس المال ،كما يشتركون في إدارة
المشروع؛
-المضاربة أو المقارضة :نوع من المشاركة بين طرفين أو أكثر يقدم أحدهما المال
واآلخر العمل ،يتفقان على القيام بصفقة إنتاجية صناعية كانت أم زراعية أم عقارية ،ويقدم
صاحب المال ماله وصاحب العمل عمله ويتفقان على توزيع عائد المخاطرة –ربحا كان أو
خسارة -بنسبة يتفقان عليها .ويجب على الصندوق الحرص الشديد عند التعامل بهذه الصيغة،
وذلك من خالل اختيار أصحاب الخبرات الفنية العالية مع ضرورة الرقابة والمتابعة؛
-المرابحة :شراء سلعة معينة كاآلالت والمعدات الرأسمالية وأصول ثابتة أخرى يحتاجها
مشروع معين في البلد العضو ويبيعها له ألجل؛
وغيرها من طرق االستثمار الجيدة األخرى .ويبقى المجال واسعا ومفتوحا أمام الصندوق
وخبرائه والفقهاء إلى ابتكار صيغ جديدة تناسب الصندوق وتعطي له فرص أكبر للمشاركة
في مشروعات البنيان االقتصادي واالجتماعي لبلدانه األعضاء ومساعدتها على تحقيق النمو
واالزدهار.
ب -التأكد من مدى جدارة المشروعات المراد االستثمار فيها ،على أساس التخطيط
االستثماري السليم وإجراءات تقييم المشاريع (عن طريق استخدام تحليل التكلفة والعائد
مثال)..؛
ج -اختيار االستثمار الذي يؤمن الربح األفضل والعائد المناسب ،مع تجنب
االستثمارات التي تكثر فيها المخاطر ويقل فيها األمان؛
د -تنويع مجاالت استثماراته (محل االستثمار) وعدم تركزه في مجال واحد ،وهناك
مجاالت كثيرة يمكن للصندوق االستثمار فيها .منها:
أهدافه الخيرية ،وتكوين إدارة لهذا الصندوق تعمل على رعايته والحفاظ عليه واإلشراف
1
على استثمار األصول".
وصندوق الوقف المقترح هو صندوق يتمتع بصفة العالمية ،يعمل في جميع البلدان
األعضاء في صندوق النقد الدولي(وفقا للنموذج المقترح) ،ويسعى إلحياء سنة الوقف
الخيري في تنمية المجتمعات وتلبية احتياجات البشر حول العالم .ويمكن إيجاز أهدافه فيما
يلي:
-التعريف بالدين اإلسالمي في المجتمعات غير اإلسالمية ،ونشر الثقافة اإلسالمية؛
-النهوض بالتعليم لصالح الفقراء والمحرومين والمحتاجين داخل البلدان األعضاء؛
-توفير الخدمات والمرافق الصحية لعالج األمراض والرعاية الصحية للفقراء
والمحتاجين داخل البلدان األعضاء؛
-تقديم اإلغاثة لمواجهة الكوارث الطبيعية والمحن؛
-التنسيق مع صناديق الوقف الوطنية في مختلف البلدان األعضاء ،وتعزيز التعاون
فيما بينها بأن تقوم الصناديق التي تمتلك فائضا في إيراداتها باالستثمار في البلدان التي تحتاج
إلى االستثمار؛
-المساهمة في المشاريع اإلنتاجية والخدمية التي تحتاجها المجتمعات كالزراعة
والري ،والصناعة مع التركيز على المشروعات الموجهة للفئات الفقيرة التي من خاللها
يمكن إيجاد مصدر رزق وتوليد دخل دائم وكاف لهذه الفئات العاطلة والقادرة على العمل؛
-المساهمة في تنفيذ المشاريع المتعلقة بالبيئة ومكافحة التلوث؛
ويمكن لصندوق الوقف العالمي هذا ،التابع لصندوق النقد الدولي (وفقا للنموذج
المقترح)،أن يتحصل على الموارد المالية إلى جانب أرباح بيع الذهب ،من مصادر مختلفة.
منها:
-التبرعات واإلعانات الدولية :ويقصد بها كل المنح والهبات المقدمة من المصادر
الرسمية ( دول ،منظمات دولية) .ويشترط فيها أن ال يكون هدف المانحين تحقيق مكاسب
تجارية من وراء معوناتهم؛
-مشاركات صناديق الوقف الوطنية؛
-عوائد وأرباح استثمار أموال الوقف ،فجوهر الوقف ومصدره األساسي هو استمرار
الم نفعة والثمرة والغلة .وهذا ما يوجب استثمار الوقف للحصول المنافع أو الغلة (األرباح)
التي يتم صرفها في أوجه الخير .وقد ظهر في العصر الحاضر على يد العلماء والفقهاء صيغ
وأساليب استثمار مستحدثة يمكن التعامل بها الستثمار أموال الوقف .منها :المشاركة،
اإلجارة واالستصناع الموازي ،المساهمات في رؤوس أموال الشركات كاألسهم والصكوك
وسندات المقارضة ،واالستثمار لدى المؤسسات المالية اإلسالمية مثل البنوك اإلسالمية،
ومؤسسات االستثمار اإلسالمي ،وصناديق االستثمار اإلسالمي .ولقد عرضت هذه الصيغ
على مجامع الفقه اإلسالمية فأجازتها ووضعت لها الضوابط الشرعية التي تحكم التعامل
2
بها.
1
.محمد الزحيلي" ،الصناديق الوقفية المعاصرة :تكييفها ،أشكالها ،حكمها ،مشكالتها" ،ص ،9.من الموقع:
waqef.com.sa/upload/33k5xh2259qi.pdf last visited 01/07/2017
2
.محمد الزحيلي" ،االستثمار المعاصر للوقف" ،ص ،6.ص ص .09-06.من الموقع:
www.islamsyria.com/uploadfile/LIB/.../2370-20100608223319doc last visited 03/07/2017
355
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
-األسهم الوقفية :تقوم فكرة األسهم الوقفية على تحديد مشروع وقفي معين (خدمي،
زراعي صناعي) يخدم مجتمع معين ،يصرف ريعه في وجوه الخير .بعد دراسة هذا
المشروع وتحديد رأس المال الالزم له وبعد أخذ اإلذن الالزم من جهة االختصاص في البلد
المعني ،يتم إصدار أسهم وقفية يوزع عليها رأس المال لتصبح هذه األسهم ذات قيمة اسمية
متساوية وطرحها لالكتتاب العام 1.وهذه األسهم الوقفية ال يتم تداولها في البورصات ،ولكنها
تحدد نصيب صاحبها في المشروع الوقفي ،كما ال يحق له سحب هذه األسهم أو التدخل في
2
طريقة استثمارها.
المطلب الرابع :مهام وأدوار الصندوق
لكي يحقق الصندوق أهدافه تكون له المهام والصاحيات التالية:
أوال :الرقابة االقتصادية ،اهتم اإلسالم منذ ظهوره بنظام الحسبة في مجاالت الحياة كافة
(االجتماعية ،السياسية االقتصادية) والحسبة نظام رقابي يستهدف الحفاظ على الشرعية
اإلسالمية ،ويقوم على مبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،الصفة التي وصف هللا بها
األمة اإلسالمية ،كما قال (ابن القيم)* وفضلها من أجل ذلك على سائر األمم 3.قال
وف وت ْنه ْون ع ِن ا ْل ُم ْنك ِر وت ُ ْؤ ِمنُون اس تأ ْ ُم ُرون ِبا ْلم ْع ُر ِ تعالىُ » :ك ْنت ُ ْم خ ْير أ ُ ام ٍة أ ُ ْخ ِرجتْ ِللنا ِ
سقُون« (آل عمران، ب لكان خ ْي ًرا ل ُه ْم ِم ْن ُه ُم ا ْل ُم ْؤ ِمنُون وأكْث ُر ُه ُم ا ْلفا ِ اّللِ ول ْو آمن أ ْه ُل ا ْل ِكتا ِ
بِ ا
وف وي ْنه ْون ٌ
اآلية .)000وقوله أيضا» :و ْلتكُن ِ ّمن ُك ْم أ ُ امة ي ْدعُون ِإلى ا ْلخ ْي ِر ويأ ْ ُم ُرون ِبا ْلم ْع ُر ِ
ول ِئك ُه ُم ا ْل ُم ْف ِل ُحون « (آل عمران ،اآلية )009 عن ا ْلمنكر وأ ُ ٰ
ِ ُ ِ
واستنادا على ذلك ،يمكن القول أنّه بإمكان الصندوق أن يضطلع بدور الرقيب على النظام
االقتصادي العالمي ،من خالل اإلشراف على النظام النقدي والمالي العالمي والرقابة
المستمرة والمتجددة على اقتصادات بلدانه األعضاء للتأكد من أن كل بلد عضو يطبق
سياسات اقتصادية ومالية سليمة تتوافق والمعايير والضوابط الشرعية اإلسالمية.
ثانيا :تقديم الدعم المالي للبلدان األعضاء ،من أهم األدوار التي يمكن أن يضطلع بها
الصندوق ،االستجابة الحتياجات التمويل المتنوعة لدى بلدانه األعضاء .وذلك من خالل:
-0اإلقراض (القرض الحسن) :يمكن أن يتعرض أي بلد إلى مشكالت وأزمات اقتصادية قد
تتخذ أشكاال مختلفة ومتعددة ،كمشكالت ميزان المدفوعات ،واألزمات المالية التي قد تنشأ
بسبب وجود مؤسسات مالية معسرة أو ضعف في النظام المالي ،واألزمات التي تتعرض لها
المالية العامة بسبب العجز وثقل الديون ،إلى جانب األزمات الناتجة عن التأثر بتداعيات
أزمات سياسية واقتصادية في بلدان أخرى .وبغض النظر عن سبب األزمة يمكن للبلد
العضو المتأزم أن يطلب من الصندوق مساعدة مالية تعينه على الخروج من األزمة واستعادة
االستقرار والنمو .ويمكن للصندوق أن يقدم التمويل للبلد العضو المعني في شكل قروض
حسنة .والقرض الحسن هو "تمليك مال ليرد بدله ،دون زيادة" 4،أي أن يأخذ المقترض ماال
1
.أسامة العاني" ،نحو صناديق استثمارية ذات صفة استثمارية" ،مرجع سابق.
2
.كمال توفيق حطاب" ،الصكوك الوقفية ودورها في التنمية" ،8006 ،ص .1.من الموقع:
kamalhattab.info/…/20% pdf , Last visited 03/07/2017
*
.ابن القيم (900-610هـ0000-0810/م):هو أبو عبد هللا شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ،المشهور باسم" ابن
ّ
القيم"هو فقيه ومحدث ومفسر وعالم مسلم مجتهد ،تلقى العلوم على عدد من الشيوخ و األئمة أبرزهم شيخ اإلسالم ابن تيمية .له ُمؤلفات كثيرة في
الحديث والسيرة النبويّة.
3
.صالح أوزدمير ،حمزة حمزة" ،الرقابة الشعبية في ميزان الفقه اإلسالمي" ،مجلة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية ،المجلد ،82العدد،8
،8008ص.600.
4
.أحمد حسن" ،القرض الحسن حقيقته وأحكامه" ،مجلة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية ،المجلد ،80العدد ،8009 ،0ص.000.
356
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
من المقرض على أن يرد مثله دون زيادة مشروطة .فكل زيادة على رأس المال تشترط في
العقد مقابل األجل هي "ربا" ،ومن رحمة هللا بعباده أنه لم يغلق باب الربا إال ليفتح باب
القرض الحسن ،والنصوص الدالة على مشروعيته في القرآن والسنة النبوية كثيرة ،وهي
ترغب فيه ،وال تفرق في ذلك بين كون المقترض مسلما أو غيره ،ألن فعل المعروف مع
1
الناس ال يختص بالمسلمين.
ويسترشد الصندوق في تحديد أهلية البلد العضو للحصول على القرض بمدى احتياجه
للتمويل ،قدرته على السداد ،إلى جانب مدى التزامه بمشورة الصندوق في تطبيق السياسات
االقتصادية السليمة في إطار عمليات الرقابة .وبعد موافقة المجلس التنفيذي والهيئة الشرعية
العليا ،تصرف األموال بالحجم الكافي ومقدما مرة واحدة ويحدد جدول مواعيد سداد القرض
سر ٍة مع جواز تعديله إذا كان البلد العضو غير قادر على الوفاء لقوله تعالى» :وإ ِ ْن كان ُذو ُ
ع ْ
فن ِظر ٌة ِإلى م ْيسر ٍة « ( البقرة ،اآلية )820
-8المعونات والهبات :لمساعدة البلدان الفقيرة على مكافحة األمراض واألوبئة ،أو عند
تعرضها لكوارث طبيعية ،يتيح الصندوق دعما ماليا لها في شكل هبات غير مستردة ،ويمثل
هذا صورة من صور التكافل والتعاون المطلوب شرعا .ويقدم هذا الدعم من صندوق الوقف
المشار إليه سابقا ،ويصرف مباشرة ودفعة واحدة بعد موافقة المجلس التنفيذي والهيئة
الشرعية العليا.
-1المساهمة في المشروعات :تعتمد البلدان مناهج مختلفة لضمان تلبية االحتياجات
األساسية لتمويل مشاريع البنية التحتية وغيرها من المشاريع الرأسمالية التي لديها دور كبير
في تحقيق أهدافها اإلنمائية وتحسين أدائها االقتصادي على المدى الطويل ،فيعتمد بعضها
على االقتراض لتمويل تلك المشاريع ،وهذا غالبا ما تقوم به البلدان التي يتسم دينها العام
بمستوياته المنخفضة .ولكن البلدان النامية والفقيرة التي توجد بها احتياجات ضخمة وملحة
في مجال البنية التحتية االقتصادية (النقل ،الكهرباء ،المياه ،الصرف الصحي) ،والبنية
التحتية االجتماعية (الرعاية الصحية والتعليم) ،وتعاني من ارتفاع مستوى الدين العام ،يكون
خيار االقتراض غير صائب ،فقد تقع في فخ عدم القدرة على تحمل الدين ما يوقعها في أزمة
مالية واقتصادية خانقة.
وبناءا على هذه االعتبارات ،يبدو أن هناك ضرورة العتماد منهج مرن من قبل
الصندوق لمساعدة بلدانه األعضاء على الحصول على التمويل الالزم .والمنهج األفضل هو
قيام الصندوق باالستثمار في المشاريع التنموية لبلدانه األعضاء ،عن طريق استخدام صيغ
وأساليب تمويلية مبنية على أسس شرعية ،منها على سبيل المثال ال الحصر ،المشاركة التي
تعتبر من أحسن وسائل االستثمار في التنمية في إطار المبدأ الشرعي الذي يحرم الربا ،حيث
يقوم الصندوق وفقا لهذه الصيغة ،بتوفير جزء من التمويل الالزم النجاز مشروعات تنموية،
ويكون بذلك شريكا في ملكية المشروع وشريكا في إدارته واإلشراف عليه ،وشريكا كذلك
في كل ما ينتج عنه من ربح أو خسارة .ومن أجل ذلك يلتزم بالعمل على نجاح المشروع
ويبذل الجهد في إدارته ليساهم في نجاحه .ويتعين على الصندوق عند اتخاذ قرار االستثمار
في داخل بلدانه األعضاء إعطاء األولوية للمشروعات حسب معدالت عائدها االقتصادي
واالجتماعي.
1
.المرجع نفسه ،ص.001.
357
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
ثالثا :تقديم الدعم الفني ،من المهام األساسية المنوطة بالصندوق مساعدة بلدانه األعضاء
على إيجاد بيئة مواتية للعمل المالي واالقتصادي اإلسالمي ،وذلك بمساعدة هذه البلدان على
تعزيز األطر التنظيمية والقانونية والشرعية وبناء مؤسسات قوية وتطوير مهاراتها لتصميم
وتنفيذ سياسات اقتصادية ومالية سليمة تتوافق مع مبادئ الشريعة اإلسالمية ،مما يعود بالنفع
على البلدان منفردة ،ويعزز كذلك االستقرار والنمو على المستوى الدولي .ويقدم الصندوق
الدعم الفني بطريقتين :توصيل المساعدة الفنية للبلدان من خالل إرسال خبرائه للبلد المعني
وتكليفهم بمساعدة حكومته على تصميم سياسات فعالة وتنفيذها .وتقديم دورات تدريبية في
المجاالت التي يتمتع فيها بالخبرة العالية ،بما في ذلك دورات تدريبية في مجال علم االقتصاد
اإلسالمي ،وتنمية الرأس المال البشري الالزم لدعم وتطوير الصناعة المالية اإلسالمية.
وما تجدر اإلشارة إليه ،أن الصندوق وفق النموذج المقترح ،سوف لن يعمل بشكل
منفرد بل سيكون له عالقات تعاونية مع العديد من المؤسسات األخرى المعنية أيضا بالقضايا
االقتصادية العالمية ،كل في مجال تخصصه من أجل وضع األسس االقتصادية اإلسالمية
السليمة للنظام االقتصادي والمالي العالمي.
إن تحويل هذا الرؤية –صندوق نقد دولي إسالمي المبادئ -إلى حقيقة واقعة ،يتطلب ّ
وضع النظام األساسي لصندوق النقد الدولي في إطار مبادئ الشريعة اإلسالمية وأحكامها،
ما يعني ضرورة إجراء تعديل في اتفاقية تأسيسه .ومنطقي جدا ،االعتقاد بأن المسؤولية
األولى للعمل على تحقيق ذلك تقع على عاتق البلدان اإلسالمية .ولكن من ناحية أخرى ،ال
يمكن إجراء أي تعديل إال بموافقة األعضاء بأغلبية 20بالمائة من مجموع القوة التصويتية.
وكما تم اإلشارة إليه في الفصل السابق ،تتحدد القوة التصويتية ألي عضو على أساس حصته
التي تتحدد هي األخرى على أساس مركزه النسبي في االقتصاد العالمي.
في هذا السياق ،سيتم التطرق في المبحثين المواليين إلى وزن البلدان اإلسالمية في
االقتصاد العالمي ومدى قدرتها على التأثير في قرارات صندوق النقد الدولي .وما عليها فعله
لتدعيم تمثيلها وتقوية صوتها في النظام االقتصادي العالمي.
المبحث الثاني :الواقع االقتصادي للبلدان اإلسالمية ومكانتها في النظام االقتصادي العالمي
تصنف معظم البلدان اإلسالمية ضمن مجموعة البلدان النامية التي يجتاحها التخلف
وتعاني الكثير من المشاكل والصعوبات االقتصادية التي أوقعتها في فخ التبعية للبلدان
المتقدمة ،وأضعفت وزنها في النظام االقتصادي العالمي .وفيما يلي إلقاء نظرة على
اقتصادات هذه البلدان ووزنها في االقتصاد العالمي ،وانعكاس ذلك على مكانتها ودورها في
صندوق النقد الدولي.
المطلب األول :نظرة على اقتصادات البلدان اإلسالمية
ال بد م ن اإلشارة إلى أن مصطلح البلدان اإلسالمية في هذه الدراسة ،يطلق على
مجموعة البلدان األعضاء في منظمة التعاون اإلسالمي* ،البالغ عددها 09بلدا ،وتمتد على
إقليم جغرافي كبير ،ينتشر في أربع قارات مختلفة من ألبانيا (أوروبا) في الشمال إلى
*
منظمة التعاون اإلسالمي :منظمة دولية تجمع سبع وخمسين دولة ،كانت تعرف سابقا باسم منظمة المؤتمر اإلسالمي ،تأسست عام .0161الدول
السبع والخمسين هي دول ذات غالبية مسلمة من منطقة الوطن العربي،وإفريقيا وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وشبه القارة
الهندية والبلقان(البوسنة وألبانيا).
358
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
الموزنبيق (إفريقيا) في الجنوب ،ومن غويانا (أمريكا الجنوبية) في الغرب إلى أندونيسيا
1
(آسيا) في الشرق .وتمثل هذه البلدان سدس مساحة العالم ،وأكثر من خمس سكانه.
أوال :اإلمكانيات االقتصادية للبلدان اإلسالمية ،تتمتع البلدان اإلسالمية بإمكانيات اقتصادية
كبيرة في مختلف المجاالت الزراعية ،الطاقة والتعدين ،والموارد البشرية.
-0اإلمكانيات الزراعية :تعد األراضي الزراعية واليد العاملة الزراعية والموارد المائية من
المكونات الرئيسية للقطاع الزراعي.
0-0األراضي الزراعية :تبلغ مساحة األراضي الزراعية في البلدان اإلسالمية 0,9مليار
هكتار ،أي ما يعادل 86بالمائة من األراضي الزراعية في العالم ،مقارنة بـــ 00بالمائة في
البلدان النامية األخرى ،و01بالمائة في البلدان المتقدمة .وهي تشكل 90,9بالمائة من
المساحة اإلجمالية لألراضي في البلدان اإلسالمية .ومن ناحية أخرى تحتل األراضي
الزراعية المخصصة للمروج والمراعي نسبة 99بالمائة من مساحة األراضي الزراعية
للبلدان اإلسالمية مقابل نسبة 88بالمائة أراضي صالحة للزراعة و 9بالمائة فقط أراضي
2
المحاصيل الدائمة.
8-0اليد العاملة الزراعية :يبلغ عدد السكان الزراعيين النشطين اقتصاديا 802مليون في
البلدان اإلسالمية وهو ما يعادل 09,8بالمائة من مجموع السكان ،ويتركز أكثر من 80
3
بالمائة من إجمالي عدد السكان الزراعيين النشطين اقتصاديا في 06بلدا.
1-0الموارد المائية :يوجد ثمانية أحواض نهرية دولية رئيسية في البلدان اإلسالمية ،نهر
النيل ،والنيجر والسنغال ،وبحيرة تشاد ،وأحواض أنهار لمبوبو في إفريقيا ،ويوجد حوض
نهر الفرات ودجلة ،وحوض بحر آرال وحوض نهر الجانج في آسيا .وخالل الفترة (-8002
،)8009تلقت البلدان اإلسالمية مجتمعة 88,6بالمائة من متوسط هطول األمطار السنوي
في العالم .وقد تصدرت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء المرتبة األولى بالنسبة للبلدان
اإلسالمية ،حيث تلقت ما يعادل 99بالمائة من إجمالي األمطار التي تلقتها البلدان اإلسالمية
4
خالل هذه الفترة.
وفي الواقع ،يالحظ أن هناك تفاوت كبير بين البلدان اإلسالمية من حيث توافر
اإلمكانيات الزراعية (األراضي الصالحة للزراعة ،اليد العاملة ،الموارد المائية) فهناك بلدان
إسالمية تتوافر على إمكانيات عالية في العناصر الثالثة مثل أفغانستان ،بنغالديش،
اندونيسيا ،مالي ،موزنبيق ،أوغندا .ودول يتوافر فيها عنصرين فقط مثل :بوركينافاسو،
تشاد ،النيجر التي تتميز باألراضي الصالحة واليد العاملة الزراعية .والكاميرون ،إيران،
العراق كازاخستان ،نيجيريا ،باكستان ،تركيا ،التي تتميز باألراضي الصالحة والموارد
المائية .وهناك بلدان تتميز بالقوة العاملة الزراعية والموارد المائية مثل :غينيا وسيراليون.
وهناك دول يتوافر فيها عنصر وحيد مثل :كوت الديفوار الغابون ،غيانا ،ماليزيا ،سورينام،
التي تتميز بالموارد المائية .والجزائر ،سوريا ،المغرب ،السودان تتميز باألراضي الزراعية
1
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي" ،تقرير
،8001منظمة التعاون اإلسالمي ،أنقرة ،ص.00.
2
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،الزراعة واألمن الغذائي في الدول األعضاء في منظمة التعاون
اإلسالمي" ،تقرير ،8006منظمة التعاون اإلسالمي ،أنقرة ،ص ص.0-0.
3
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية"،الزراعة واألمن الغذائي في الدول األعضاء في منظمة التعاون
اإلسالمي،مرجع سابق ،ص.0.
.4المرجع نفسه ،ص ،6.ص.1.
359
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
الصالحة .وألبانيا ،جزر القمر ،جيبوتي ،الصومال ،توغو ،غامبيا ،غينيا بيساو ،السنغال..
1
تتميز بالقوة العاملة الزراعية.
-8الموارد البشرية :يبلغ عدد سكان البلدان اإلسالمية نحو 0,90مليار نسمة ،وهو ما يشكل
80,6بالمائة من مجموع سكان العالم .وتتميز التركيبة السكانية في البلدان اإلسالمية بهيمنة
الفئات الشابة حيث تبلغ نسبة السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 81 -00سنة حوالي 89
بالمائة من مجموع سكان البلدان اإلسالمية .كما تبلغ حصة الفئة العمرية 99-00سنة حوالي
80,0بالمائة 2.كما سجلت البلدان اإلسالمية معدال ال بأس به في نسبة العمالة* إلى عدد
السكان ،حيث بلغ في عام 8009نحو 00,0بالمائة وهو معدل قريب من ذلك الذي سجلته
البلدان المتقدمة 00,2بالمائة .وبلغت نسبة العمالة إلى عدد السكان الشباب في البلدان
3
اإلسالمية خالل عام 8009نحو 99,2بالمائة (معدل الشباب في القوى العاملة).
-1الموارد المعدنية :تتمتع البلدان اإلسالمية بموارد معدنية عديدة ومتنوعة ،يأتي في
المرتبة األولى النفط الذي يعتبر أحد أنواع الوقود المعدني األكثر أهمية في العديد من
القطاعات كالنقل ،والطاقة إلى جانب كونه أيضا المادة الخام للعديد من المنتجات الكيماوية.
وتمتلك البلدان اإلسالمية 02,0بالمائة من إجمالي االحتياطات النفطية في العالم (حسب
إحصائيات ،)8000وقد قامت البلدان اإلسالمية المنتجة للنفط بإنتاج 90,0بالمائة من
مجموع النفط المنتج عالميا في عام .8000كما تعتبر البلدان اإلسالمية غنية أيضا من حيث
احتياطات الغاز الطبيعي حيث بلغت حصتها عام 8000حوالي 02,6بالمائة من إجمالي
االحتياطات العالمية ،وأنتجت 06بالمائة من مجموع الغاز الطبيعي المنتج في العالم .كما
تقوم أيضا بإنتاج الفحم ،حيث بلغت حصتها 2,9بالمائة من اإلنتاج العالمي للفحم في عام
.8000وزودت البلدان اإلسالمية العالم بما يقرب 08,9بالمائة من إنتاج معدن اليورانيوم،
وتحتل كازاخستان المرتبة األولى كمنتج لليورانيوم في العالم بنسبة 90,0بالمائة من إجمالي
4
اإلنتاج العالمي.
ثانيا :األداء االقتصادي للبلدان اإلسالمية ،يمكن معرفة األداء االقتصادي للبلدان اإلسالمية
من خالل عرض أهم المؤشرات االقتصادية التي سجلتها كمجموعة في مرحلة ما بعد األزمة
التي تتوفر حولها البيانات على النحو التالي:
-0الناتج المحلي اإلجمالي :لمعرفة حجم أي اقتصاد وترتيبه عالميا من حيث القوة ،البد من
معرفة حصته من اإلنتاج العالمي ،ويوضح الجدول التالي الناتج المحلي اإلجمالي العالمي،
ومساهمة البلدان اإلسالمية ،وكذا مساهمة البلدان المتقدمة والبلدان النامية األخرى.
.1مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية"،الزراعة واألمن الغذائي في الدول األعضاء في منظمة التعاون
اإلسالمي ،مرجع سابق ،ص ص.10-10.
2
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي" ،تقرير
،8006منظمة التعاون اإلسالمي ،أنقرة ،ص ص.99-98.
*
تم تعريف نسبة العمالة إلى عدد السكان من قبل منظمة العمل الدولية على أنها نسبة سكان بلد ما في سن العمل والذين يعملون.
3
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،سوق العمل" ،تقرير ،8002منظمة التعاون اإلسالمي ،أنقرة،
ص ،00.ص.08.
4
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي" ،تقرير
،8006مرجع سابق ،ص ص.16-18.
360
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
الجدول رقم ( :)88الناتج المحلي اإلجمالي بالسعر الجاري للدوالر وفقا لتعادل القوة
()8002-8002 الفترة خالل الشرائية
تريليون دوالر أمريكي
الجمالي العالمي في عام 8000مقابل 00,2بالمائة في عام ،8001لتتفوق بذلك على البلدان
المتقدمة التي سجلت تراجعا خالل نفس الفترة ،حيث سجلت 98,9بالمائة من الناتج العالمي
في عام 8000عوض 00,0بالمائة عام .8001وبالنظر إلى كل بلد إسالمي على حدة،
ساهمت أندونيسيا في عام 8000بالحصة األكبر من إنتاج البلدان اإلسالمية كمجموعة بنسبة
06,9بالمائة ،تليها السعودية بنسبة 1,1بالمائة ،وتركيا بنسبة 1,0بالمائة ،ثم إيران 2,8
بالمائة ،نيجيريا 6,0بالمائة ،مصر 0,2بالمائة ،باكستان 0,9بالمائة ،ماليزيا 9,6بالمائة،
اإلمارات العربية المتحدة 0,9بالمائة ،الجزائر 0,9بالمائة 1.وهو ما يعني أن هذه البلدان
العشرة ساهمت بـــ 90,0بالمائة من إجمالي الناتج للبلدان اإلسالمية البالغ عددها 09بلدا.
-8بنية الناتج المحلي اإلجمالي :بالنسبة لمساهمة القطاعات الرئيسية في الناتج المحلي
اإلجمالي للبلدان اإلسالمية يتضح من الشكل رقم ( )89أن قطاع الخدمات يحتل المرتبة
األولى من حيث مساهمته في الناتج المحلي اإلجمالي للبلدان اإلسالمية بنسبة 92,2بالمائة
عام ،8009يليه قطاع الصناعة (التحويلية وغير التحويلية)بنسبة 90,0بالمائة .أما حصة
قطاع الزراعة فقد سجلت تراجعا من 00,2بالمائة عام 8000إلى 00,0بالمائة عام .8009
فضال عن ذلك فإن حصة الزراعة في الناتج المحلي اإلجمالي تتفاوت بين البلدان اإلسالمية،
حيث ساهمت تسعة بلدان فقط وهي ( :الصومال ،سيراليون ،بوركينافاسو،غينيا
بيساو،توغو ،جزر القمر ،السودان النيجر ،مالي) بأكثر من ثلث إجمالي القيمة المضافة ،في
حين سجلت بلدان أخرى نسب تقل عن 0بالمائة مثل (قطر 0,0بالمائة ،البحرين 0,0
2
بالمائة ،الكويت 0,9بالمائة).
الشكل رقم( :)82القيمة المضافة حسب القطاعات الرئيسية في
( %من الناتج المحلي اإلجمالي للبلدان االقتصاد
اإلسالمية)
1
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي " ،تقرير
،8006مرجع سابق ،ص.09.
2
.المرجع نفسه ،ص ص.88-80.
362
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
-1الناتج المحلي اإلجمالي للفرد :يوضح هذا المؤشر حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي
اإلجمالي سنويا .وعلى الرغم من أنّه ال يعكس عدالة توزيع الدخول بين المواطنين ،إال أنه
يعد من أبرز المؤشرات المستخدمة في قياس مستوى معيشة الفرد داخل بلد معين ،وفي
المقارنة بين بلد وآخر .ويتضح من الجدول رقم ( ،)80أن البلدان اإلسالمية سجلت تحسنا في
مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلي اإلجمالي خالل الفترة الممتدة بين عامي 8001
و ،8000بحيث ارتفع من 09089,0دوالر للفرد عام 8001إلى 00989,0دوالر للفرد
عام .8000وقد كانت وتيرة التحسن على نفس مستوى تقريبا من المتوسط العالمي .ولكن
هناك تفاوت كبير بين البلدان اإلسالمية والبلدان المتقدمة ،وازداد هذا التفاوت من 80000
دوالر عام 8001إلى 08200دوالر عام ،8000وهذا يعني أن هناك تباين كبير في
المستوى المعيشي بين المجموعتين.
الجدول رقم ( :)81متوسط الناتج المحلي اإلجمالي للفرد بالسعر
الجاري للدوالر وفقا لتعادل القوة الشرائية خالل الفترة (-8002
)8002
الوحدة :دوالر
وعلى مستوى البلد الواحد ،سجلت قطر أعلى مستوى للناتج المحلي اإلجمالي للفرد
على مستوى العالم بـــ 089990دوالر عام ،8000تليها في المرتبة الثانية على مستوى
المجموعة الكويت بـــ 20980دوالر ثم برناوي دار السالم واإلمارات العربية المتحدة في
المرتبة الثالثة والرابعة على الترتيب بــــ 20800دوالر و 90.010دوالر على التوالي .ومن
ناحية أخرى ،كانت كل من غينيا ،الموزنبيق ،غينيا بيساو ،سيراليون توغو في المراتب
األخيرة بــــ 0020،0000 ،0000 ،0090 ،0090دوالر للفرد على الترتيب ،وجاءت
النيجر في ذيل الترتيب بــــ 100دوالر للفرد 1.وهذا يشير إلى اتساع التفاوت في نصيب
الفرد من الناتج المحلي اإلجمالي في البلدان اإلسالمية.
-4البطالة :يعتبر معدل البطالة أحد أهم مؤشرات االقتصاد الكلي الذي عادة ما يستخدم في
فحص األداء االقتصادي ،ووفقا ألحدث البيانات المتاحة ،سجلت البلدان اإلسالمية متوسط
1
.World Bank Group, "World Development Indicators", Data Bank, http:// databank.worldbank.
Org/data/reports-aspx?source=2&series=NY.GDP.PCAP.CD&country, last visited 14/11/20
363
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
معدالت البطالة األعلى مقارنة بالبلدان النامية األخرى ،وباقي بلدان العالم .فخالل الفترة
( )8002-8000سجلت البلدان اإلسالمية معدالت بطالة تتراوح بين 9,2بالمائة و1,0
بالمائة 1.ووصلت إلى ذروتها في عام 8001إبان األزمة المالية واالقتصادية العالمية مسجلة
معدل 1,9بالمائة 2.وخالل الفترة ( )8000-8000ظلت معدالت البطالة في البلدان اإلسالمية
مرتفعة ،ولكنه أقل من ذلك الذي سجل في البلدان المتقدمة .واعتبارا من عام 8009تمكنت
البلدان المتقدمة من خفض معدل البطالة حيث سجلت معدل 9,9بالمائة عام 8009و6,2
بالمائة في عام ،8000في حين سجلت البلدان اإلسالمية معدل 9,6بالمائة في عام 8009
و9,0بالمائة في عام . 8000أما البلدان النامية األخرى فقد ظل معدل البطالة أقل بكثير من
3
الذي سجلته البلدان اإلسالمية بنسبة تتراوح بين 8و 0بالمائة.
-2إنتاجية العمل :تساعد إنتاجية العمل* على تحديد مساهمة العمالة في الناتج المحلي
اإلجمالي لبلد معين وتعتبر أحد المؤشرات التي تستخدم للمقارنة بين البلدان وتفسير
التفاوتات في الدخل .ولقد شهدت البلدان اإلسالمية اتجاها متزايدا في نمو إنتاجية العمل خالل
الفترة ( ،)8000-8000حيث ازداد الناتج حسب العامل الواحد في هذه البلدان من 02000
دوالر أمريكي (حسب تعادل القوة الشرائية) عام 8000إلى 80608دوالر عام .8000
وطوال الفترة قيد النظر ظلت فجوة إنتاجية العمل بين البلدان المتقدمة والبلدان اإلسالمية
كبيرة حيث قدر ناتج العامل الواحد في البلدان المتقدمة عام 8000بمبلغ 10809دوالر
مقابل 92000دوالر عام .8000وهذا يعني أن العامل العادي في البلدان اإلسالمية في عام
8000أنتج فقط 82بالمائة من مجموع ناتج العامل العادي في البلدان المتقدمة .أما بالنسبة
للبلدان النامية األخرى فقد تم تسجيل في عام 8000إنتاجية عمل قدرت ب 00200دوالر،
4
وقد عرفت هي األخرى اتجاها تصاعديا لتصل عام 8000إلى مبلغ 80900دوالر.
وبالرغم من أن البلدان اإلسالمية سجلت مستويات أكبر من البلدان النامية األخرى ،إال أنه
عندما يتم تقييم أداء المجموعتين من خالل أخذ عام 8000كأساس ،يتبين أن البلدان النامية
األخرى قد حققت أكبر تحسن في مستويات إنتاجية العمل من خالل تحقيق زيادة تقدر بـــ
000بالمائة ،أما البلدان اإلسالمية فلم تحقق سوى زيادة قدرها 90بالمائة فقط.
وعلى مستوى كل بلد إسالمي على حدة ،سجلت قطر أعلى إنتاجية للعامل عام 8000بلغت
800020دوالر تليها الكويت 002000دوالر ،برناوي دار السالم 060906دوالر،
السعودية 006906دوالر ،اإلمارات 008698دوالر .وسجل أدنى مستوى إلنتاجية العامل
5
في غينيا بمبلغ 8008دوالر ،الموزنبيق 8998دوالر ،النيجر 8122,8دوالر.
1
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،سوق العمل" ،تقرير ،8002منظمة التعاون اإلسالمي ،أنقرة،
ص.01.
2
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التقرير االقتصادي السنوي حول الدول األعضاء بمنظمة
التعاون اإلسالمي" ،تقرير ،8008مرجع سابق ،ص.99.
3
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي " ،تقرير
،8002مرجع سابق ،ص 00.؛ تقرير ،8006مرجع سابق ،ص.82.
*
يقصد بإنتاجية العمل ناتج كل وحدة عمل من مدخالت العمل لكل ساعة عمل.
4
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي " ،تقرير
،8006مرجع سابق ،ص ص00-00.؛ مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،سوق العمل " ،تقرير
،8002مرجع سابق ،ص.80.
5
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي " ،تقرير
،8006مرجع سابق ،ص.00.
364
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
365
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
لتصل إلى 1,1بالمائة فقط عام 1،8000وانخفضت إلى 2,2بالمائة عام 8006وهو ما
2
يمثل 0,9تريليون دوالر أمريكي ،وهو أدنى معدل تم تسجيله منذ عام .8000
من ناحية أخرى ،لوحظ أن الجزء األكبر من إجمالي صادرات البلدان اإلسالمية استمر
في التمركز في عدد قليل من البلدان .ففي عام 8006سجلت البلدان الخمسة األولى المصدرة
نسبة 60,6بالمائة من إجمالي الصادرات السلعية للبلدان اإلسالمية ،وهي :ماليزيا
00,2بالمائة ،اإلمارات بنسبة 00,6بالمائة ،السعودية بنسبة 08بالمائة ،واندونيسيا 00,9
3
بالمائة ،ثم تركيا 00,0بالمائة.
وفيما يتعلق بصادرات الخدمات ،فقد سجلت البلدان اإلسالمية عام 8006حصة قدرها
6,6بالمائة من إجمالي صادرات الخدمات العالمية مقابل 6,0بالمائة عام .8001كما شكلت
عشرة بلدان فقط نسبة 90بالمائة من إجمالي صادرات الخدمات في البلدان اإلسالمية ،وهي :
تركيا ،ماليزيا ،قطر ،اإلمارات ،اندونيسيا مصر ،قطر السعودية ،المغرب ،لبنان ،إيران.
4
وتمثل خدمات السفر والنقل الجزء األكبر من صادرات الخدمات في هذه البلدان.
أما بالنسبة لصادرات التكنولوجيا ،فقد كان نصيب البلدان اإلسالمية كمجموعة ال
يتعدى 0,9بالمائة من إجمالي صادات التكنولوجيا العالمية في عام ،8006ما جعل من
البلدان اإلسالمية متخلفة وبشكل كبير عن الكثير من البلدان كالصين التي سجلت خالل نفس
العام نسبة 89,1بالمائة من إجمالي صادرات التكنولوجيا العالمية ،ألمانيا 1,0بالمائة،
5
الوالسات المتحدة األمريكية 9,9بالمائة ،كوريا الشمالية 6,0بالمائة .
كما لوحظ أن حوالي 20,0بالمائة من صادرات البلدان اإلسالمية للتكنولوجيا كان من
نصيب ماليزيا فقط ،وأن خمس بلدان إسالمية استحوذت على 10بالمائة من إجمالي
صادرات البلدان اإلسالمية للتكنولوجيا هي :ماليزيا 20,0بالمائة ،اندونيسيا 0,2بالمائة،
6
تركيا 0,8بالمائة ،كازاخستان 0,0بالمائة ،السعودية 0,6بالمائة.
-2الواردات :عرفت حصة البلدان اإلسالمية من الواردات السلعية العالمية توسعا ملحوظا
في مرحلة ما بعد األزمة ،بحيث بلغت 00بالمائة عام 8006وهو ما يمثل 0,6تريليون
دوالر أمريكي مقارنة 1بالمائة مع عام 8001وهو ما يمثل نحو 0,8تريليون دوالر
أمريكي .وكما هو الحال بالنسبة للصادرات ،فقد تركزت الواردات السلعية للبلدان اإلسالمية
في عدد قليل من البلدان ،حيث شكلت البلدان العشر األولى المستوردة للبضائع حصة 90,9
بالمائة من إجمالي واردات السلع لبلدان منظمة التعاون اإلسالمي عام ،8006تأتي كل من
اإلمارات العربية المتحدة وتركيا على رأس القائمة بمعدل 09,9بالمائة و 08,9بالمائة على
7
الترتيب من إجمالي الواردات السلعية لبلدان منظمة التعاون اإلسالمي.
1
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي " ،تقرير
،8004مرجع سابق ،ص 09.؛ تقرير ،8006مرجع سابق ،ص.06.
2
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي " ،تقرير
،8001منظمة التعاون اإلسالمي ،أنقرة ،ص.68.
3
.المرجع نفسه ،ص.60.
4
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية"،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي" ،تقرير
،8006مرجع سابق ،ص 01.؛ تقرير ،8001ص.66.
5
. Statistical, Economic and Social Research and Training Centre for Islamic Countries (SESRIC), Prospects and
challenges of 0IC member countries, SWOT OUTLOOK 2018, Organisation of Islamic Cooperation, Ankara-
Turkey, p.13.
6
. Statistical, Economic and Social Research and Training Centre for Islamic Countries (SESRIC), Op.cit, p.13.
7
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي " ،تقرير
،8001ص ص.68-60.
366
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
كما سجلت حصة البلدان اإلسالمية من إجمالي واردات الخدمات العالمية تراجعا طفيفا
من 00,0بالمائة عام 8001إلى 00,0بالمائة عام . 8006وقد سجلت اإلمارات العربية
1
المتحدة أعلى نسبة بلغت 06,1بالمائة من إجمالي واردات الخدمات في البلدان اإلسالمية.
-2تدفقات االستثمار األجنبي المباشر :سجلت تدفقات االستثمار األجنبي المباشر الواردة
إلى البلدان اإلسالمية معدالت دون المتوقع في مرحلة ما بعد األزمة ،فبعد أن بلغت القيمة
اإلجمالية لتدفقات االستثمار األجنبي المباشر نحو هذه البلدان القمة علم 8002بنحو 060,8
مليار دوالر أمريكي ،انخفضت إلى نحو 000,0مليار دوالر عام ،8001وفي عام 8006
بلغت ما مقداره 16,9مليار دوالر فقط .وهو ما يعني تراجع حصتها من تدفقات االستثمار
األجنبي المباشر العالمية من 1,0بالمائة عام 8001إلى 0,8بالمائة عام 8006وهي األدنى
2
على اإلطالق منذ عام .8002
وقد عرفت تدفقات االستثمار األجنبي المباشر إلى هذه البلدان مستوى عال من
التركيز ،حيث توجه الجزء األكبر منها إلى عدد قليل من هذه البلدان .ففي عام 8006جاءت
تركيا في مصدر الصدارة من حيث تدفقات االستثمار األجنبي المباشر الواردة إليها والتي
بلغت 08مليار دوالر أمريكي ،تلتها كل من ماليزيا بــــــ 1,1مليار دوالر أمريكي،
كازاخستان 1,0مليار دوالر أمريكي ،اإلمارات العربية المتحدة 1مليار دوالر أمريكي،
مصر 2,0مليار دوالر أمريكي 3.وبهذا استحوذت هذه البلدان الخمس على ما مقداره
91,1بالمائة من التدفقات الواردة إلى البلدان اإلسالمية.
-00البحث والتطوير العلمي :يعتبر البحث والتطوير العلمي من المعايير المهمة والرئيسية
لقياس تطور البلدان ومعرفة درجة تقدمها وانفتاحها على اقتصاد المعرفة ميزة العصر
الحالي ،حيث التنافس القوي بين البلدان لتصبح االقتصاد األكثر تنافسية في خلق االبتكارات
التكنولوجية الجديدة .وبعد أن كان العالم اإلسالمي في عصره الذهبي في الطليعة في مختلف
مجاالت العلوم ،هو اليوم في ذيل القائمة من حيث مساهمته في التطوير العلمي
والتكنولوجي ،وهذا ما توضحه العديد من المؤشرات:
-الباحثون :تشير األرقام أن متوسط عدد الباحثين لكل مليون نسمة في البلدان اإلسالمية بعيد
جدا عن المتوسط العالمي الذي قد بـــــ 0690باحث لكل مليون نسمة عام 8006وعن
نظيره في البلدان المتقدمة 6998باحث لكل مليون نسمة ،في حين بلغ متوسط البلدان
اإلسالمية 600باحث لكل مليون نسمة وهو أقل بعشر مرات من نظيره في البلدان
4
المتقدمة.
-المنشورات العلمية :تعتبر المقاالت العلمية مؤشرات تستخدم لقياس األداء البحثي
لمؤسسات أو بلدان معينة ،كما تستخدم بشكل خاص في تصنيف الجامعات على المستوى
الدولي .وفي عام 8006بلغ عدد المنشورات العلمية في البلدان اإلسالمية 020066مقالة،
ورغم أن هذا العدد قد تضاعف بأكثر من أربعة أضعاف عن عام ( 8000حوالي 80862
1
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي "،
تقرير ،8006ص01.؛ تقرير ،8009ص.66.
2
.Statistical, Economic and Social Research and Training Centre for Islamic Countries (SESRIC), Op.cit , p.28.
3
. Statistical, Economic and Social Research and Training Centre for Islamic Countries (SESRIC), Op.cit , p.28.
4
. Ibid, p.10.
367
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
مقالة) ،إال انه يبقى أدنى بكثير من فرادى بعض الدول كالواليات المتحدة األمريكية (أكثر
1
من 900ألف مقالة) ،والصين( أكثر من 000ألف مقالة) في عام .8006
-براءات االختراع :قدر العدد اإلجمالي لطلبات براءات االختراع في البلدان اإلسالمية عام
8006ما مجموعه 09600طلب براءة اختراع ،وهو ما يمثل 0,90بالمائة فقط من مجموع
طلبات براءات االختراع العالمية ،في حين قدمت أربعة بلدان فقط 91بالمائة من مجموع
طلبات االختراع العالمية ،وهي الصين 98,91بالمائة ،الواليات المتحدة األمريكية
2
01,06بالمائة ،اليابان 00,2بالمائة ،كوريا الجنوبية 6,62بالمائة.
-اإلنفاق على البحث والتطوير :تنفق البلدان اإلسالمية ما يقرب 8,1بالمائة فقط من
اإلنفاق العالمي على البحث والتطوير ،بينما تنفق البلدان المتقدمة 26بالمائة من نفقات
البحث والتطوير العالمية منها 89,9بالمائة من طرف الواليات المتحدة األمريكية80,8 ،
بالمائة من قبل الصين 80,9 ،بالمائة من طرف بلدان االتحاد األوروبي كما يوضحه الشكل
التالي:
الشكل رقم ( :)10إجمالي اإلنفاق على البحث والتطوير %من إجمالي اإلنفاق العالمي
-10المديونية الخارجية :نسب المديونية هي أدوات مفيدة لتقييم مدى تحمل عبء الديون في
بلد ما .في عام 8006بلغ إجمالي الديون الخارجية للبلدان اإلسالمية 00,9بالمائة من
إجمالي الناتج المحلي مقارنة بــــــ 08,0بالمائة عام . 8006ورغم أن هذه النسبة قد
انخفضت عما كانت عليه في عام 00,8( 0116بالمائة) إال أنها ال تزال أعلى بكثير من
1
. Ibid, p11.
2
. Ibid, p.12.
368
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
نظيرتها في البلدان النامية غير المنتمية إلى منظمة التعاون اإلسالمي (88,0بالمائة)
و( 80,1بالمائة) في عامي 8006و 8006على الترتيب 1.كما يوضحه الشكل رقم ()00
الشكل رقم ( :)10إجمالي الديون الخارجية كنسبة مئوية من الناتج المحلي اإلجمالي
Source : Statistical, Economic and Social Research and Training Centre for
Islamic Countries (SESRIC), Prospects and challenges of 0IC member
countries, SWOT OUTLOOK 2018, Organisation of Islamic Cooperation,
Ankara- Turkey, p. 29.
كما عرفت نسبة المديونية إلى إجمالي الصادرات انخفاضا كبيرا في البلدان
اإلسالمية خالل الفترة ) ،)8006 -01116حيث تم تسجيل نسبة 098,0بالمائة عام
0116وانخفضت بشكل كبير لتسجل 21,6بالمائةعام ،8006لكن نمت بعدئذ بشكل
مطرد لتصل إلى 008,0بالمائة عام ،8006إلى جانب ذلك ال تزال أعلى بكثير من
نظيرتها في البلدان النامية غير المنتمية إلى المنظمة كما يوضحه الشكل التالي:
الشكل رقم ( :)18إجمالي المديونية الخارجية كنسبة مئوية من الصادرات
1
. Statistical, Economic and Social Research and Training Centre for Islamic Countries (SESRIC), Op.cit, p. 29.
369
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
Source : Statistical, Economic and Social Research and Training Centre for
Islamic Countries (SESRIC), Prospects and challenges of 0IC member
countries, SWOT OUTLOOK 2018, Organisation of Islamic Cooperation,
Ankara- Turkey, p. 29.
تشكل المديونية العالية عقبة كبيرة أمام الجهود التنموية والنمو االقتصادي للبلدان
المختلفة ،فعبء الديون يضر بمناخ االستثمار فيها ،ويستنفذ مقدار كبير من مواردها المالية
التي يمكن أن توجهها للمشاريع التنموية .ويتضح مما سبق أن البلدان اإلسالمية تعاني من
ارتفاع مستويات الدين الخارجي .إلى جانب ذلك صنف البنك الدولي عشرين بلدا إسالميا
1
ضمن البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.
مما سبق يمكن القول ،أن البلدان اإلسالمية تمتلك إمكانات هائلة في مختلف المجاالت
والقطاعات ،ومع ذلك سجلت مستويات أداء ضعيفة مقارنة بالبلدان النامية األخرى والبلدان
المتقدمة .ففي عام 8000قامت بإنتاج00بالمائة فقط من الناتج العالمي ،وسجلت مبلغ
00989,0دوالر كمتوسط الناتج المحلي اإلجمالي للفرد الواحد ،وهو أقل من نظيره في
البلدان المتقدمة بحوالي 08200دوالر أمريكي.كما تم تسجيل أعلى معدالت للبطالة
والتضخم خالل هذا العام في البلدان اإلسالمية9,0بالمائة و 6بالمائة على التوالي .وظلت
صادراتها السلعية متركزة على السلع األولية والوقود المعدني ،مما أثر على حصتها من
إجمالي الصادرات العالمية حيث سجلت 1,1بالمائة فقط .كما لم تستقطب سوى 0,8بالمائة
من إجمالي تدفقات االستثمار العالمية .وقد لوحظ وجود تفاوتات واسعة منتشرة بين البلدان
اإلسالمية ومستويات عالية من التركيز في العديد من مجموعات االقتصاد الكلي ،على سبيل
المثال حوالي 09بالمائة من إجمالي الصادرات السلعية للبلدان اإلسالمية تتمركز في خمسة
بلدان فقط ،وحوالي 90بالمائة من إجمالي صادراتها من الخدمات تتمركز في عشرة بلدان،
و91,1بالمائة من تدفقات االستثمار األجنبي الواردة إلى البلدان اإلسالمية كانت من نصيب
خمسة بلدان فقط ،كما كان متوسط الناتج المحلي اإلجمالي للفرد في قطر صاحبة المرتبة
األولى عالميا أكبر بنحو 000مرة عن المتوسط المسجل في النيجر والعامل العادي في
غينيا أنتج في عام 8000نحو 0,80بالمائة فقط ما أنتجه العامل العادي في قطر .كما تم
1
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي" ،تقرير
،8006مرجع سابق ،ص.91.
370
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
تصنيف 80بلدا إسالميا من منظمة التعاون اإلسالمي ضمن مجموعة البلدان األقل نموا*،
و 80بلدا منها ضمن البلدان الفقيرة المثقلة بالديون 1.بشكل عام ،يمكن القول أن البلدان
اإلسالمي ة لم تستفد من الموارد واإلمكانات التي تتوفر عليها لتحقيق أداء اقتصادي قوي،
ومستويات معيشية أفضل لشعوبها.
المطلب الثاني :وضع البلدان اإلسالمية في صندوق النقد الدولي
إن مستويات األداء الضعيفة التي سجلتها البلدان اإلسالمية ،انعكست سلبا على وزنها
في صندوق النقد الدولي .وهذا ما يوضحه الجدول رقم (.)89
0,00 0,009 جزر القمر 0,09 0,00 غامبيا 0,00 0,09 االردن
0,06 0,09 كوت دي فوار 0,00 0,00 موريتانيا 0,09 0,08 أوزبكستان
0,02 0,00 قطر 0,99 0,90 ايران 0,01 0,06 برناوي دار
السالم
*
البلدان األقل نموا :مجموعة من البلدان تم تحديدها رسميا من قبل األمم المتحدة باعتبارها بلدان أقل نموا من حيث انخفاض الناتج المحلي للفرد،
الموارد البشرية الضعيفة ،وضعف األداء االقتصادي .اعتمدت أول قائمة عام ،0190وتضمنت في ذلك الوقت 89بلدا ،ويبلغ عدد بلدان هذه
القائمة حاليا 92بلدا.
1
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية"،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي"،تقرير
،8001منظمة التعاون االقتصادي ،أنقرة ،ص.08.
371
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
Source :International Monetary Fund,"IMF Members' Quotas and Voting Power, and IMF
Board of Governors", Last Updated: May 03, 2017, www.imf.org/external/np/sec/memdir
/members.aspx, last visited 30/11/2017.
1
.كمال توفيق حطاب" ،رؤية إسالمية نحو العولمة" ،بحوث ودراسات إسالمية المعرفة ،السنة التاسعة ،العدد 00شتاء ،8009ص.002.
372
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
ومطالب المثل االجتماعية في اإلسالم 1.وهذا ما أثبته الواقع ،فبعد عقود من محاوالت التقليد
والمحاكاة الفاشلة لم ينته الحال بالبلدان اإلسالمية إال إلى مزيد من التخلف ،وإلى اتساع
الفجوة بينها وبين العالم المتقدم ،وأصبح واضحا أنه مهما توفرت الوسائل ،ومهما كانت
اإلرشادات والنصائح وفيرة ،ومهما كانت جيدة فإنه لن تتغير األمور ،ولن تتحسن األحوال،
مالم تكن للعالم اإلسالمي رؤيته الخاصة للتنمية أو ألي فرع من فروع النشاط اإلنساني ،هذه
الرؤية التي يجب أن تكون مبنية على تعاليم الشريعة اإلسالمية ،ألن "هذا الدين جاء لينشئ
أمة ذات طابع خاص متميز ،وهي في الوقت ذاته جاءت لقيادة البشرية ،وتحقيق منهج هللا في
األرض ،وإنقاذ البشرية مما كانت تعانيه من القيادات الضالة والمناهج الضالة ،وهو ما
2
تعاني اليوم مثله ،مع اختالف في الصور واألشكال".
ولهذا لكي تستعيد األمة اإلسالمية قيادتها وريادتها للبشرية ،ال بد أن تسير في طريق
اإليمان باهلل والتمسك بشريعته التي أراد بها صالح البشر ،وأن تتبنى نظاما اقتصاديا ينبثق
من هذه الشريعة ويقوم على أساسها .ويعرض هذا المبحث بعض اإلجراءات التي يجب على
البلدان اإلسالمية القيام بها – على المستوى الوطني واإلقليمي ،-التي من شأنها أن تجعل
المناخ االقتصادي في هذه البلدا ن صالحا لقيام هذا النظام والنهوض باقتصاداتها ،وتعزيز
مكانتها في االقتصاد العالمي.
المطلب األول :اإلجراءات الواجب اتخاذها على المستوى الوطني
من أهم اإلجراءات التي يمكن اتخاذها على مستوى كل بلد ،ما يلي:
أوال :التوجه نحو الصيرفة اإلسالمية ،يشير مصطلح الصيرفة اإلسالمية إلى "الخدمات
المالية التي تتوافق مع الشريعة اإلسالمية ،والتي تحظر الفوائد ،والمضاربة المفرطة،
والمقامرة ،والبيع على المكشوف .وتشترط المعاملة العادلة وقدسية العقود" 3.وقد انتشرت
هذه الصناعة ونمت بسرعة حتى تجاوزت أصولها 0,1تريليون دوالر أمريكي–في عام
-8006وهي موجودة حاليا في خمسين اقتصادا حول العالم( بلدان إسالمية وغير إسالمية).
وتشكل بلدان مجلس التعاون الخليجي وإيران معا الالعبين المهيمنين على غالبية أصول
الصناعة المصرفية ،ورغم أنها تمثل ما يقرب 8بالمائة فقط من األصول المصرفية
العالمية ،إال أن حصتها أكبر من ذلك في عدة بلدان ،حيث تمثل أصولها أكثر من 00بالمائة
من مجموع األصول في 09بلدا يتواجد معظمها في الشرق األوسط وجنوب آسيا وجنوب
4
شرق آسيا.
وتجدر اإلشارة ،إلى أن إيران والسودان هما البلدان اإلسالميان الوحيدان اللذان
يتمتعان بنظام مصرفي يعتمد بالكامل على التمويل اإلسالمي 5.وعلى باقي البلدان اإلسالمية
العمل على أسلمت نظمها المصرفية للداللة على العودة إلى االلتزام بتطبيق الشريعة في هذا
المجال الهام من حياة األمة اإلسالمية ،الذي ترتبط به استجابة هللا تعالى للدعاء" ،فأنّا
1
.خورشيد أحمد ،ترجمة :رفيق يونس المصري" ،التنمية االقتصادية في إطار إسالمي" ،مجلة أبحاث االقتصاد اإلسالمي ،المركز العالمي ألبحاث
االقتصاد اإلسالمي ،جدة ،المجلد ،8العدد ،0120 ،8ص60.
2
.محمد الحسن بريمة إبراهيم" ،رؤية القرآن للعالم وداللتها على مفهوم االستخالف" ،البحوث والدراسات ،الهيئة العليا للرقابة الشرعية على
www.hssb.gov.sd/ar/content/.. last visited 01/10/2017 المصارف والمؤسسات المالية ،السودان ،ص ص .0-9.من الموقع:
3
.زين زيدان وآخرون" ،الصندوق يوافق على مقترحات الصيرفة اإلسالمية" ،مدونة صندوق النقد الدولي 00 ،فيفري ،8009من الموقع:
last visited 20/10/2017 http://blog-montada.imf.org
4
. World Bank Group, Islamic Finance A Catalyst for Shared Prosperity ?, Global Report on Islamic Finane,
2016, p.57, p.63
5
. Ibid, p.63
373
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
يستجاب لمن مطعمه حرام ومشربه حرام" كما ورد في السيرة النبوية 1.هذا من جهة ومن
جهة أخرى ،يمكن للتمويل اإلسالمي المساهمة بدرجة كبيرة في إرساء نظام مالي أكثر
2
شموال واستقرارا يشجع النمو والتنمية .ذلك ألنه ينطوي على عدة مزايا:
-التركيز على التمويل المضمون بأصول والقائم على اقتسام المخاطر ،يساهم في ضمان
سالمة المؤسسات المالية منفردة ،والحد من أنواع طفرات اإلقراض والفقاعات العقارية التي
كانت سببا في وقوع األزمة المالية العالمية؛
-يسمح هذا النوع من التمويل القائم على اقتسام المخاطر بزيادة فرص حصول المؤسسات
الصغيرة والمتوسطة على التمويل ،مما يشجع ريادة األعمال والحد من الفقر ،على اعتبار أن
المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المحرك األساسي لتوظيف العمالة في العالم النامي؛
-يتميز هذا النوع من التمويل بأنه مؤهل لتمويل مشروعات البنية التحتية ،حيث يقوم
المستثمرون -على غرار الشراكة بين القطاعين العام والخاص -بتمويل إنشاء الطرق
والجسور وغيرها من المشروعات المماثلة ،وتحصيل عائدات هذه االستثمارات لحين بلوغ
أجل استحقاقها؛
-يمكن للخدمات المالية اإلسالمية رفع مستوى اإلشراك المالي لعدد كبير من المسلمين الذين
يحجمون عن االستعانة بخدمات البنوك ألسباب دينية ( حيث أوضحت نتائج المسح أن
حوالي 80بالمائة إلى 00بالمائة من البالغين في عينة المسح من بلدان مثل أفغانستان
وتونس والسعودية ترى أن المعتقدات من أهم أسباب إحجامهم عن فتح حسابات مصرفية)3؛
ثانيا :تطوير اإلطار القانوني والتنظيمي ،لتحقيق تلك المزايا التي تتمتع بها الصيرفة
اإلسالمية على أرض الواقع والسماح لها بالتطور على نحو سليم ،يتعين على األجهزة
التنظيمية وصناع السياسات االهتمام بهذه الصناعة ووضع أطر للسياسات (النقدية والمالية
العامة) تالئم العمل المصرفي اإلسالمي ،وتخلق بيئة تشجع االستقرار المالي وتدعم تطور
هذه الصناع ة .فترك الصيرفة اإلسالمية دون تشريعات منضبطة أو مختلطة بالصيرفة
التقليدية ،يعتبر نوع من الفوضى التشريعية ،ويجعل البعض يشكك في مصداقيتها ،وهذا من
شأنه أن يعرقل نمو هذه الصناعة وربما يؤدي إلى انتكاسة بعد الرواج الواسع الذي عرفته
4
خالل السنوات األخيرة.
-0السياسة النقدية :تتمثل السياسة النقدية في "مجموعة اإلجراءات والتدابير التي تتخذها
الدولة عن طريق سلطتها النقدية (البنك المركزي) ،والمستمدة من أصول ومبادئ المذهب
االقتصادي للمجتمع ،من أجل إدارة كل من النقد واالئتمان وتنظيم السيولة الالزمة لالقتصاد
5
الوطني".
1
.عمر زهير حافظ" ،الرقابة الشرعية" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية،
العدد ،08ماي ،8000ص.0.
.2محمد نوراث وآخرون" ،إمكانات التمويل اإلسالمي الواعدة :اتساع التغطية مع زيادة االستقرار" ،مدونة صندوق النقد الدولي 6 ،أفريل
،8000من الموقع:
http://blog-montada.imf.org last visited 28/10/2017
3
.لورين أوكامبوس " ،هل تستطيع الصيرفة اإلسالمية زيادة االحتواء المالي في العالم اإلسالمي" ،مدونة صندوق النقد الدولي 00 ،أوت ،8000
من الموقع:
http://blog-montada.imf.org last visited 28/10/2017
.4عمر زهير حافظ" ،للمجلس كلمة" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد،1
فيفيري ،8000ص.0.
5
.صالح صالحي" ،أدوات السياسة النقدية والمالية المالئمة لترشيد دور الصيرفة اإلسالمية" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن
المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد ،8يوليو ،8008ص.1.
374
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
يت ضح من هذا التعريف ،أن عمل الصيرفة اإلسالمية في إطار السياسة النقدية التي
تستمد إجراءاتها من أصول المنهج الرأسمالي يجعلها خاضعة لمعايير وأدوات تستند إلى آلية
نظام الفائدة غير المالئمة للبنوك اإلسالمية وهذا من شأنه أن يعيق تطور ونمو الصيرفة
اإلسالمية ،التي تتميز بخصوصية أعمالها المصرفية وأنشطتها االستثمارية في إطار أساليبها
وصيغها التي تقوم على أساس المشاركة في المخاطر واألرباح .لهذا بات من الضروري
على البلدان اإلسالمية إعادة هيكلة وظيفة البنوك المركزية لتستخدم أدوات للسياسة النقدية
1
التي تتناسب وتنسجم مع مبادئ الصيرفة اإلسالمية.
كما البد من التأكيد على أهمية إنشاء هيئة شرعية مركزية على مستوى كل بلد
إسالمي ،تتكفل بمراقبة ومتابعة السالمة الشرعية للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية،
فتعدد الهيئات الشرعية على مستوى كل بنك ومؤسسة مالية إسالمية ،أدى إلى اختالف
اآلرا ء التي تبديها هذه الهيئات من بنك آلخر ،وإلى ظهور أساليب وأدوات مالية متاحة
للتعامل في بنك ما ،بينما يعتبرها بنك آخر في نفس البلد غير جائزة 2.ولهذا فإن وجود هيئة
شرعية مركزية تعمل على التنظيم الشرعي للعمل المصرفي والمالي اإلسالمي ،من شأنه أن
يحل إشكاالت تضارب الفتاوى ويجعل البنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية داخل البلد
الواحد ،تعمل وفق نمط واحد يخضع لمرجعية موحدة ومفروضة بقوة القانون.
عرف على أنها " مجموعة من اإلجراءات واألدوات التي تتبناها -8السياسة المالية :ت ُ ّ
الدولة ،وتتعلق باإليرادات والنفقات العامة ،للتأثير في االقتصاد القومي والمجتمع ،بهدف
3
المحافظة على استقراره وتنميته ،ومعالجة المشاكل ومواجهة كافة الظروف المتغيرة".
والسياسة المالية شأنها شأن سائر سياسات البلد ،تستمد إجراءاتها من أصول ومبادئ
المذهب االقتصادي للمجتمع .ففي المجتمع الرأسمالي ترتكز السياسة المالية على السياسة
الضريبية ،فترفع الضرائب وتخفض تبعا للظروف االقتصادية ،بينما في المجتمع اإلسالمي،
تعتبر الزكاة هي الركيزة األساسية للسياسة المالية4 ،فلقد فرق اإلسالم بين الزكاة والضريبة،
فهذه األخيرة أساسها وضعي من تفكير اإلنسان ،وهي التزام خال من كل معنى للعبادة ،لذلك
يعتريها الخطأ .بينما الزكاة فريضة إسالمية ،وهي الركن الثالث من أركان اإلسالم ،فهي إذا
إلهية ال يعتريها الخطأ 5.كما أن اإلسالم ال يقبل مبدأ أخذ جزء من مال الغني جبرا بسبب
كونه غنيا ،سواء كان هذا األخذ كليا كالمصادرة ،أو جزئيا كالضريبة .ولم يلجأ الرسول
(ص) إلى فرض الضرائب بأي شكل من األشكال طيلة حياته الشريفة ،وكان كلما احتاجت
الدولة إلى المال ،إما كان يدعو إلى التبرع آو أنه يقترض .كما لم تفرض الضرائب على
الناس في العهد الراشدي ،وما فرض بعد هذا العهد اعتبره العلماء ظلما جائرا وغير
1
.صالح صالحي" ،أدوات السياسة النقدية والمالية المالئمة لترشيد دور الصيرفة اإلسالمية" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن المجلس
العام للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد ،9ديسمبر ،8008ص.00.
2
.أحمد العجلوني" ،النظام المالي اإلسالمي واألزمة المالية العالمية" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن المجلس العام للبنوك
والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد ،0أكتوبر ،8008ص.02.
3
.مسعود دراوسي" ،السياسة المالية ودورها في تحقيق التوازن االقتصادي :حالة الجزائر " ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه ،تخصص
علوم اقتصادية ،كلية العلوم االقتصادية والتسيير ،جامعة الجزائر ،8006/8000 ،ص.92.
4
.سامر مظهر قنطقجي" ،كفاءة بيت المال العتماده نظرية اإليرادات" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن المجلس العام للبنوك
والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد ،9ديسمبر ،8008ص.6.
5
.وضاح نجيب رجب ،التضخم والكساد:األسباب والحلول وفق مبادئ االقتصاد اإلسالمي ،دار النفائس للنشر والتوزيع ،األردن،8000 ،
ص.828.
375
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
مشروع 1وا عتبرها العديد من مفكري االقتصاد اإلسالمي سببا في حدوث الكساد ،فقد أدان
2
(ابن خلدون)* الضرائب ورأى أنها مؤذن لكساد األسواق واختالل العمران.
أما الزكاة فإلى جانب كونها فريضة إسالمية ،هي إيراد عام** تجنيه الدولة اإلسالمية
3
ويدخل خزانتها ورغم أنه ال يمكن مس معدالتها وال األموال التي تجب فيها ،وال مصارفها،
إال أنها تعتبر أداة مالية هامة ،فبإمكانها أن تستقطب تيارا تمويليا دائما ومستمرا يصل إلى 9
بالمائة من الدخل الوطني في البلدان اإلسالمية التي ال تمتلك موارد معدنية ،ويتراوح بين
00بالمائة و 09بالمائة في البلدان اإلسالمية التي تمتلك موارد معدنية وطاقوية .األمر الذي
يجعلها مصدرا مهما لتمويل التنمية ،من خالل تقديم الخدمات االجتماعية للفئات الفقيرة في
المجتمع ودعم المشروعات التي تستهدف هذه الفئات وتزيد من مساهمتها في العملية
اإلنتاجية .كما تعتبر أداة مالية مساعدة ومكملة ألدوات السياسة النقدية لتحقيق االستقرار
النقدي ،وذلك عن طريق التأثير في طرق الجمع والتحصيل ،فيمكن التخفيف من مستويات
التضخم من خالل الجمع النقدي لحصيلة الزكاة عن جميع األموال الزكوية ،كما يمكن للدولة
أن تلجأ إلى الجمع المسبق لحصيلة الزكاة للتأثير على الكتلة النقدية المتداولة والحد من اآلثار
السلبية للتضخم .ويكون العكس في حالة االنكماش ،حيث تلجأ الدولة إلى الجمع العيني للزكاة
4
كي ال تؤثر كثيرا في الكتلة النقدية ،كما يمكن أن تلجأ إلى تأجيل جمع الزكاة.
يضاف لما سبق من الخصوصية ،أن المجتمع اإلسالمي يقوم على أساس التكافل بين
أفراده ،فمن خالل مؤسسة الوقف يمكن تقيم سلع وخدمات عامة كالصحة ،والتعليم ،والرعاية
االجتماعية للفقراء ،والخدمات الدينية (المساجد والمدارس القرآنية) ،ورعاية األرامل
واليتامى وغي رها مما يرفع عن كاهل الدولة عبئا كبيرا ويخفف الضغط على ميزانيتها،
5
فضال عما يفعله من تأثير على التضامن والتآخي والتراحم بين أفراد المجتمع.
هذه االعتبارات التي تم ذكرها ،تدعو إلى ضرورة توجيه اهتمام أكبر إلى الدور الذي يمكن
أن تقوم به مؤسستا الزكاة والوقف في اقتصادات البلدان اإلسالمية ،من خالل توفير البيئة
القانونية والتنظيمية الداعمة لها .ويتحقق ذلك من خالل:
-وجود أساس قانوني تعززه تنظيمات واضحة تستند إليه إدارة المالية العامة ،منها على
سبيل المثال ال الحصر:
ينبغي وجود تشريع أساسي يجعل من الزكاة نظام مالي إسالمي يختلف عن الضرائب
مع وجود قانون يجعل منها إلزامية على كل مسلم ،ويسند مسؤولية جبايتها للدولة من خالل
تأسيس هيئة لها؛
1
.منذر قحف ،دور السياسات المالية وضوابطها في إطار االقتصاد اإلسالمي ،ص ص .80-88من الموقع:
monzer.kahf.com/books/arabics/seyasat_almalleyya.pdf last visited 24/10/2017
*
ابن خلدون(0906-0008م) :هو عبد الرحمان بن محمد ابن خلدون أبو زيد ،ولد في تونس ،وتخرج من جامعة الزيتونة ،عاش بعد تخرجه من
جامعة الزيتونة في مختلف مدن شمال إفريقيا ،وغرناطة واشبيلية ،كما توجه إلى مصر وعاش فيه حتى وفاته .يعتبر ابن خلدون مؤسّس علم
وأول من وضعه على أسسه الحديثة ،وقد توصل إلى نظريّات باهرة في هذا العلم حول قوانين العمران ،وبناء الدولة وأطوار عمارها االجتماع ّ
صل إليه الحقًا بعدّة قرون عدد من مشاهير علماء العصر الحديث.
وسقوطها .وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما تو ّ
2
.وضاح نجيب رجب ،مرجع سابق ،ص.820
**
الزكاة ليست اإليراد الوحيد للدولة اإلسالمية ،فهناك إيرادات أخرى ،ال يتسع المجال لذكرها في هذا البحث.
3
.منذر قحف ،مرجع سابق ،ص.09.
.4صالح صالحي" ،أدوات السياسة النقدية والمالية المالئمة لترشيد دور الصيرفة اإلسالمية" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن
المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد ،0أكتوبر ،8008ص ص.1-2.
5
.منذر قحف ،مرجع سابق ،ص ص.20-29.
376
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
ينبغي أن ينص التشريع الذي يحدد المؤسسة المختصة بالزكاة على استقاللية هذه
المؤسسة لضمان العدالة والحياد ،مع إخضاع أنشطتها للرقابة الشرعية والمحاسبية واإلدارية
الصارمة ،مما يجعلها أكثر شفافية؛
-وجود نظام محاسبي فعّال يوفر تغطية شاملة للمعامالت المالية العامة ،ويقوم على نظام
الرقابة الداخلية الذي يشجع العمليات التي تتميز باالقتصاد والكفاءة ،لضمان حماية الموارد
من الخسائر الناجمة عن اإلهدار وسوء اإلدارة والفساد؛
-إحياء سنة الوقف وترسيخها كصيغة شرعية تنموية والترويج لها؛
-وضع إطار قانوني وتنظيمي واضح للوقف ،يوفر الحماية القانونية لألوقاف القائمة ضد
التوجهات السياسية ،ما يزيد من ثقة المواطنين وإقبالهم على إقامة أوقاف جديدة؛
-إعادة بعث القيم اإلسالمية للمجتمع ،والدعوة واإلرشاد إلى أهمية الزكاة والوقف وسائر
الصدقات كما ينبغي أيضا تزويد المواطنين بمعلومات شاملة عن نظام الزكاة من خالل نشر
وتوزيع "مرشد للمواطنين" يتسم بالوضوح والبساطة لشرح أحكام الزكاة وطرق حسابها
وكيفية جمعها ،على نحو يسهل استيعابه؛
ثالثا:بناء اقتصاد متنوع ،يتوفر كل بلد من البلدان اإلسالمية على إمكانات متنوعة ،ولكن
رغم ذلك نجد أن عدد قليل منها فقط من تمكن من تحقيق أداء اقتصادي قوي نسبيا (تركيا،
ماليزيا ،اندونيسيا) ،وفي الجهة المقابلة نجد أن 80بلدا إسالميا مدرجا ضمن مجموعة
ا لبلدان األقل نموا .وما يميز اقتصادات البلدان اإلسالمية أن عدد كبير منها يعد اقتصادات
أحادية الجانب تعتمد اعتمادا كبيرا قطاع واحد في تمويل ميزانيتها وتوفير مستلزمات
التنمية ،كالبلدان المصدرة للنفط (دول الخليج ،العراق ،الجزائر )..،مما يجعلها عرضة لما
يجري في سوق النفط العالمية ،ففي حالة ارتفاع األسعار تتحسن مؤشراتها االقتصادية،
ويزداد اإلنفاق االستهالكي وفي حالة انخفاض األسعار وانهيارها تتراجع المؤشرات
االقتصادية وتعيش تلك البلدان حياة تقشفية .إن الحل األمثل لتحقيق تنمية مستدامة في مستقبل
أقل اعتمادا على النفط ،هو العمل على التنويع االقتصـــادي بتفعيــــــل القطـــــــــــــاعات
المنتجــــــــــــــة
1
والتركيز على القطاعات التي يكون لها آثار تنموية كبيرة ،من خالل:
-0دعم مشاركة القطاع الخاص في األنشطة والمشاريع الزراعية من خالل الترتيبات
القانونية والتنظيمية المناسبة ،بهدف تحويله إلى مشارك أكثر نشاطا في إنتاج وتمويل
المشاريع الزراعية؛
-8تعزيز البنية التحتية ونظم الري من خالل تشجيع استثمارات كل من القطاع العام
والخاص في نظم الري الحديثة والفعّالة ،وفي أنشطة البحث والتطوير بهدف تبني تقنيات
زراعية تحسن كمية وجودة وسالمة المنتجات الزراعية؛
-0تعزيز بيئة األعمال واالستثمار على المستوى الوطني من خالل وضع حوافز
للمستثمرين للخواص واألجانب؛
1
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية:
" -الزراعة واألمن الغذائي في الدول األعضاء في منظمة التعاون اإلسالمي" ،تقرير ،8004منظمة التعاون اإلسالمي ،أنقرة ،ص ص080-088.
؛ تقرير ،8006مرجع سابق ،ص" -.90.توقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي" ،تقرير ،8004مرجع سابق ،ص19.؛ تقرير ،8006
مرجع سابق ،ص.082.
377
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
-9تطوير البنى التحتية ،إن وجود بنى تحتية متطورة (النقل ،الطاقة ،االتصاالت ،شبكة
المياه )..يعتبر عنصر أساسي في التنمية المستدامة ،لكن أحد التحديات الرئيسية في تطوير
البنى التحتية هو نقص الموارد الحكومية لالستثمار في المشاريع الخاصة بها ،والسيما في
البلدان النامية ذات الدخل المنخفض .لهذا تحتاج حكومات هذه البلدان إلى أن تكون مبتكرة
في إيجاد آليات تمويل بديلة لمثل هذه المشاريع .وقد أكد العديد من المختصين في التمويل
اإلسالمي ،إلى جانب تجارب ناجحة في بعض البلدان ،أن للصكوك وغيرها من أدوات
التمويل اإلسالمي طويلة األجل التي تصدرها الحكومات القدرة على سد فجوات االستثمار
في البنى التحتية في مختلف البلدان1.كما أن إشراك القطاع الخاص يعتبر بديال مناسبا أمام
هذه البلدان ،حيث تؤكد الدراسات الرائدة أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص يمكن أن
تخفف من قيود اإلنفاق من المالية العامة على استثمارات البنى التحتية -إذا ما تم صياغتها
بالشكل المالئم -كما يمكن أن توفر بنية تحتية ذات جودة عالية -خاصة في ظل عدم كفاءة
الشركات المملوكة للدولة وانخفاض مستويات التكنولوجيا في البلدان النامية -كما خلصت
إلى أن جودة البنى التحتية تؤثر على مستوى إنتاجية البلد المعني ،وقدرته على المنافسة في
2
أسواق التصدير وعلى جذب االستثمار األجنبي.
-0تعزيز القدرة التنافسية للصناعات الوطنية عن طريق دعم القدرة التنافسية للمؤسسات
الصغيرة والمتوسطة من خالل:
-تشجيع ريادة األعمال بزيادة الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛
-تحسين وصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى مصادر التمويل المتاحة،
-دعم تطوير التكنولوجيا الحديثة وتسهيل تمويل االبتكار وبرامج البحوث؛
-تسهيل وصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى األسواقاإلقليمية والعالمية؛
-6مراجعة السياسات واالستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالطاقة ،بهدف التقليص من حصة
إنتاج الطاقة من الوقود األحفوري تدريجيا وتعزيز إنتاج الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة،
خاصة وأن غالبية البلدان اإلسالمية تتمتع بإمكانات مهمة في أنواع مختلفة من مصادر
الطاقة المتجددة ،فالعديد منها يتمركز في منطقة تتميز بالتعرض المباشر لضوء الشمس ،من
حيث المدة والكثافة ،كما تتمتع أيضا بمناطق ساحلية طويلة ما يعني وجود إمكانات كبيرة
لطاقة الرياح وأمواج البحر لتوليد الكهرباء .إن تفعيل هذه اإلمكانات من شأنه أن يُ َم ِّ ّكنَ هذه
البلدان من استبدال النمط االعتيادي للتنمية بالتنمية المستدامة.
رابعا :االهتمام برأس المال البشري ،تتمتع معظم البلدان اإلسالمية بتركيبة سكانية شابة
مفعمة بالحيوية ولكن ال يعتبر ذلك ميزة في حد ذاته ،إال إذا اتسمت بالمعرفة والقدرات الفنية
الالزمة بالمهام المعقدة .ألن المهارات المعرفية للشباب ستزيد من القدرة على استيعاب
المعارف والتكنولوجيات الجديدة وبالتالي زيادة اإلنتاجية التي ستؤدي بدورها إلى تعزيز
النمو االقتصادي على المدى الطويل .ولهذا أصبح ينظر للمورد البشري على أنه رأس مال
يجب االستثمار فيه ،وإذا كان االستثمار في رأس المال المادي مهم لتحقيق التنمية
1
.عبد المحسن عبد العزيز الفارس" ،تطوير الصكوك وغيرها من أدوات التمويل اإلسالمي طويل األجل لتحقيق التنمية المستدامة" ،مؤتمر
صندوق النقد الدولي حول التمويل اإلسالمي تلبية الطموحات العالمية ،منظم من قبل صندوق النقد الدولي وبنك الكويت المركزي ومركز صندوق
النقد الدولي لالقتصاد والتمويل في الشرق األوسط ،يوم 00نوفمبر ،8000من الموقعwww.youtube.com/watch?V=j1xycnbly&b4:
last visited 29/10/2017
2
.برناردين أكيتوبي وآخرون" ،االستثمار العام والشراكة بين القطاعين العام والخاص" ،قضايا اقتصادية ،صندوق النقد الدولي ،العدد،8009 ،90
ص.2.
378
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
االقتصادية ،فإن االستثمار في رأس المال البشري بالغ األهمية و واحد من أكثر الطرق
1
فعالية لتعزيز النمو وتحقيق التقدم واالزدهار االقتصادي.
وأحد أهم االستثمارات التي يمكن لبلد ما أن يتخذها في رأس المال البشري هو التعليم،
وال بد من اإلشارة هنا إلى أن االستثمار في التعليم ال يتطلب فقط توفير المزيد من األموال
للمدارس ،وإنما يتطلب أيضا نهج سياسات تعليمية قادرة على توفير المهارات المناسبة
لألفراد ا لمناسبين على أساس استراتيجيات تنموية وطنية وتقييم سوق العمل وتصميم نظام
تعليمي يركز على الجودة 2.ولهذا على كل بلد إسالمي العمل على توفير البيئة المواتية إلقامة
نظام تعليمي يأخذ بأرقى المعايير العالمية سواء على مستوى البنية التحتية أو الكوادر
البشرية أو الموارد المالية والبحث العلمي ،وعليها أن تحرص دائما على االنفتاح على
البلدان المتقدمة في هذا المجال للتعرف على خبراتها وتجاربها لالستفادة منها .بما يتناسب
مع هويتها اإلسالمية .فالنظام التعليمي ال بد أن يعبر عن عقيدة األمة وتقاليدها وقيمها
وأهدافها الرئيسية من الحياة وتصورها للمستقبل .وعليه يجب أن يهدف النظام التعليمي في
البلدان اإلسالمية إلى السمو باإلنسان باستمرار و إلى رفعه إلى المثل األعلى .وال يمكن أن
يتم ذلك إال في نطاق أطر سلوكية و أخالقية مستمدة من الشريعة اإلسالمية ،لهذا فإن البلدان
اإلسالمية مطالبة بإ قامة نظام تعليمي شامل يهتم بكل مكونات اإلنسان المعرفية والروحية
بتوازن وعدل "فاإلنسان كل مركب من جسد وروح ،عقل وعاطفة ،وعلى التعليم أن ينهض
بها جميعا بعدل وتناسق ،فيهتم بتصفية النفس اهتمامه ببناء الجسد ،وبتأديب النفس اهتمامه
بتثقيف العقل ،فال بد إذا من الجمع بين المادة والروح والتأكيد على التالزم بينهما وبين
األخالق وبين اإليمان والعلم والتأكيد على ربطها بالعمل الصالح" 3.وعلى ذلك تكون نتيجة
االستثمار في التعليم الحصول على أفراد صالحين يعبدون هللا حق عبادته ،ويساهمون إسهاما
قيما وفعاال في تنمية وطنهم.
عالوة على ذلك ،ال بد من االهتمام بالتعليم المستمر (التعلم مدى الحياة) ،حيث يمكن
لبرامج التدريب الفني والمهني أن تفسح المجال أمام العمال والموظفين والشباب لمواصلة
التعلم المستمر ،والتزود بالمهارات والمؤهالت التي تمكنهم من التكيف مع التغيرات في
التكنولوجيا واألسو اق ،وهو أمر ذو أهمية حاسمة بالنسبة للعمال وأصحاب العمل واالقتصاد
ككل .فبالنسبة لالقتصاد تزيد تنمية مهارات العمال من ذوي المؤهالت المنخفضة بشكل عام
من اإلنتاجية وتعزيز التنافسية على المدى الطويل .وبالنسبة ألصحاب العمل فإن العمال من
ذوي المؤهالت والمهارات سيكونون أكثر إنتاجية ويزيدون من ربحية الشركات ،وبالمثل
4
سيحصل العمال ذوي أفضل المهارات على عائدات أعلى.
المطلب الثاني :تحقيق التكامل االقتصادي اإلسالمي
يعيش العالم عصر التكتالت االقتصادية الكبرى ،التي وجدت لمواجهة المنافسة
الشرسة وغيرها من التحديات التي تفرضها العولمة .ولعل أهم هذه التكتالت االتحاد
1
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي" ،تقرير
،8006مرجع سابق ،ص،99.ص.089.
.2المرجع نفسه ،ص.089.
3
.زغلول النّجار " ،أزمة التعليم المعاصر وحلولها اإلسالمية ( ،")8مجلة المسلم المعاصر ،لبنان ،العدد ،0199 ،8من الموقع:
last visited 02/11/2017 www.almuslimalmuaser.org
4
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي" ،تقرير
،8006مرجع سابق ،ص.20.
379
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
األوروبي ومجموعة النافتا ،ومجموعة اآلسيان .في حين الزالت البلدان اإلسالمية تواجه هذه
التحديات منفردة ،مما جعلها عرضة للتهميش والتبعية .فالتحوالت باتجاه العولمة ووحدة
السوق تظهر جليا استحالة قيام مشروع تنموي للدولة المفردة ،كما تظهر أن التكامل
االقتصادي اإلسالمي هو الخيار االستراتيجي للنهوض باقتصادات هذه البلدان ،والمسار
الوحيد للحاق بركب البلدان الصناعية الكبرى.
وقبل البدء بعرض مقومات التكامل االقتصادي اإلسالمي ،ال بد من تحديد مفهوم
التكامل االقتصادي والذي يقصد به "جمع ما ليس موحدا في إطار عالقة تبادلية تقوم على
التنسيق الطوعي واإلرادي بهدف توحيد أنماط معينة من السياسات االقتصادية بين مجموعة
من الدول تجمعها خصائص ومميزات محددة تستهدف المنفعة المشتركة من خالل إيجاد
سلسلة من العالقات التفضيلية" .ويأخذ التكامل االقتصادي أشكاال متعددة ،يمثل كل شكل
منها مرحلة من مراحل تحقيق التكامل .ويتمثل الشكل األول في منطقة التجارة الحرة ،وهو
أضيق أشكال التكامل ويستند إلى إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية على التجارة
الخارجية بين بلدان المنطقة ،دون أن يمتد ذلك إلى العالقة الجمركية مع البلدان خارج
التكتل .ويتمثل الشكل الثاني في االتحاد الجمركي ،والذي يعني تنسيق السياسات الخاصة
بالتعرفة الجمركية في العالقات التجارية مع البلدان خارج نطاق التكتل ،مع تطبيق ما جاء
في منطقة التجارة الحرة من إلغاء القيود بين بلدان التكتل .أما الشكل الثالث ،فهو السوق
المشتركة والتي تعني أن أطراف التكتل موافقون على إلغاء القيود في مواجهة بعضهم
البعض فيما يتعلق بحركة رؤوس األموال واأليدي العاملة 1.ويمثل االتحاد االقتصادي الشكل
الرابع حيث يتضمن إلغاء القيود الجمركية بين البلدان األعضاء ،توحيد اإلجراءات الجمركية
على التبادل التجاري مع غير األعضاء ،إلغاء القيود على انتقال رؤوس األموال والعمل
ووجود درجة معينة من التنسيق بين السياسات االقتصادية النقدية والمالية .أما الشكل
األخير ،فهو االندماج االقتصادي الكامل (الوحدة) ،وهو الشكل األرقى ويؤدي إلى ذوبان
البنى االقتص ادية للبلدان األعضاء في بنية واحدة ،وإقامة سلطة عليا يكون لها حق اتخاذ
2
قرارات ملزمة لكل البلدان األعضاء.
وما تجدر اإلشارة إليه ،أن هذه المراحل الخمس هي مراحل متتابعة ،وتجيء نتيجة
التقارب االقتصادي بين دول التكتل والتطور االقتصادي فيها في جميع القطاعات
اال قتصادية .ولكن بالنظر للبلدان اإلسالمية فهي متشابهة إلى حد كبير من ناحية هياكل
اإلنتاج وبنية الصادرات والواردات ،كما أن معظمها بلدان منتجة للمواد الخام ومستوردة
لمعظم احتياجاتها من العالم الخارجي ،وبالتالي تركيزها على إلغاء القيود على التجارة
الخارجية بينها ،مع تجاهل ذلك التشابه والتجانس في هياكل اإلنتاج ،لن يؤدي إلى التكامل
االقتصادي المنشود ،وإنما األمر يتطلب بداية قيام هذه البلدان بتنمية هياكلها االقتصادية
وتنسيق االستثمارات بينها بما يكفل لها إقامة قاعدة صناعية متنوعة ،ومن ثم استكماله بعملية
تحرير التجار ة الخارجية بينها ،أي أن أثر التكامل بين البلدان اإلسالمية يجب أن يكون في
1
.عبد الغني عماد " ،التكامل االقتصادي والسوق العربية المشتركة أسباب التعثر وشروط االنطالقة" ،ورقة مقدمة للمائدة المستديرة التاسعة
لألساتذة العرب حول العرب والعولمة ،جامعة ناصر األممية ،ليبيا ،أيام 82-80جويلية ،0111ص.9.
2
.زهيرة عبد الحميد معربة" ،نتائج األزمة المالية العالمية وأثرها على الدول اإلسالمية وأهمية التعاون بينها" ،مؤتمر التنمية والتكامل االقتصادي
في العالم اإلسالمي ،نظم من قبل مركز الدراسات المعرفية بالقاهرة بالتعاون مع قسم االقتصاد بكلية التجارة جامعة األزهر ومركز صالح كامل
لالقتصاد اإلسالمي بجامعة األزهر ،القاهرة يومي 81-82أفريل ،8000ص.080.
380
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
مراحله األولى خلق التنمية (التكامل التنموي) ،وليس كما يحدث في البلدان المتقدمة خلق أثر
1
التجارة .وهذا هو الشرط الحقيقي لكي تجني البلدان اإلسالمية ثمار التكامل االقتصادي.
تأسيسا على ذلك ،يسلط هذا المطلب الضوء على أهم األسس التي تتوفر عليها البلدان
اإلسالمية لقيام هذا التكامل ،وأهم اإلجراءات الواجب اتخاذها إذا أرادت هذه البلدان تحقيق
التكامل االقتصادي المنشود ،الذي من شأنه أن يؤدي إلى أداء اقتصادي أقوى ومستويات
معيشة أفضل.
أوال :أسس التكامل االقتصادي اإلسالمي ،تتوافر البلدان اإلسالمية على األسس الالزمة لقيام
التكامل االقتصادي بينها .ومن هذه األسس يمكن ذكر:
-0إن التكامل االقتصادي هو فرع عن أصل ،هو وحدة األمة اإلسالمية المقررة شرعا،
فاإلسالم يلزم المسلمين باالتحاد بينهم ،ودليل ذلك القرآن الكريم الذي يخاطب المسلمين بأنهم
وف وت ْنه ْون ع ِن اس تأ ْ ُم ُرون ِبا ْلم ْع ُر ِ أمة واحدة في قوله تعالىُ »:ك ْنت ُ ْم خ ْير أ ُ ام ٍة أ ُ ْخ ِرجتْ ِللنا ِ
ب لكان خ ْي ًرا ل ُه ْم ِم ْن ُه ُم ا ْل ُم ْؤ ِمنُون وأكْث ُر ُه ُم اّللِ ول ْو آمن أ ْه ُل ا ْل ِكتا ِ ا ْل ُم ْنك ِر وت ُ ْؤ ِمنُون ِب ا
سقُون « (آل عمران ،اآلية .)000كما أدار الرسول (ص) أمور المسلمين ورباهم على ا ْلفا ِ
أنهم أمة واحدة ،فقد جاء على سبيل المثال في الصحيفة التي وقعها الرسول(ص) مع اليهود
في المدينة المنورة ،بعد أن أسس الدولة فيها" :هذا كتاب محمد النبي (رسول هللا) بين
المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم ،أنهم أمة
واحدة من دون الناس....وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس....،وأن سلم المؤمنين
2
واحد."...
-8التجانس الثقافي واالجتماعي :يرتكز هذا التجانس على أن اإلسالم دين جميع البلدان
اإلسالمية ،بما يحمله من رؤية متميزة لكل أمور الحياة ،وتنظيم العالقات االجتماعية .األمر
3
الذي يجعل التفاهم بين شعوب العالم اإلسالمي أقرب وأسرع وأوثق.
-0التنوع البيئي والمناخي في البلدان اإلسالمية ،مما يجعل بعضها يكمل بعضا في وحدة
4
مناخية وبيئية.
-9الجوار بين البلدان اإلسالمية ،على الرغم من أن البلدان اإلسالمية السبعة والخمسين
موزعة جغرافيا على أربع قارات إال أنها جميع ا تتوفر على ممر للنقل المباشر عن طريق
5
البر أو البحر مع بلد إسالمي آخر.
6
-0وجود إمكانات كبيرة لدى البلدان اإلسالمية مجتمعة ،فعدة بلدان إسالمية تتمتع بميزة
نسبية عن غيرها من البلدان اإلسالمية األخرى في مجموعة متنوعة من الموارد الطبيعية،
فبعضها غني من حيث الوقود األحفوري والبعض األخر بإمكانات كبيرة للطاقة المتجددة،
كما يتوفر بعضها على قدرة عالية في الموارد الزراعية .بينما يتمتع البعض اآلخر بموارد
1
.المرجع نفسه ،ص.080.
2
.رفعت السيد العوضي" ،أثر التجارة البينية للدول اإلسالمية في الحد من ضيق السوق"،مؤتمر التنمية والتكامل االقتصادي في العالم اإلسالمي،
نظم من قبل مركز الدراسات المعرفية بالقاهرة بالتعاون مع قسم االقتصاد بكلية التجارة جامعة األزهر ومركز صالح كامل لالقتصاد اإلسالمي
بجامعة األزهر ،القاهرة يومي 81-82أفريل ،8000ص ص.81-82.
3
.محمد عبد الحليم عمر" ،الوحدة االقتصادية بين األمة اإلسالمية" ،مؤتمر وحدة األمة اإلسالمية ،نظم من قبل رابطة العالم اإلسالمي ،مكة
المكرمة ،يومي 2-6أوت ،8000ص.08.
4
.المرجع نفسه ،ص.08.
5
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية" ،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي" ،تقرير
،8006مرجع سابق ،ص.62.
6
.محمد عبد الحليم عمر ،مرجع سابق ،ص.00.
381
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
رأس المال (الفوائض المالية) ،وعدد آخر منها يتوفر على التقنية الحديثة والتكنولوجيا
المتطورة مثل ماليزيا ،اندونيسيا ،وتركيا.
إن كل هذه اإلمكانات من شأنها أن تكون حافزا هاما لتحقيق التكامل التنموي بين
البلدان اإلسالمية إذا ما تم إدارتها وتنسيقها بشكل سليم من خالل السياسات واالستثمارات
المالئمة.
ثانيا :اإلجراءات الواجب اتخاذها لتحقيق التكامل االقتصادي ،إن فكرة إقامة تكامل
اقتصادي إسالمي ليست فكرة جديدة ،فقد طرحت في سبعينيات القرن العشرين ،ولكنها ظلت
مجرد اتفاق على الورق لم يتم تنفيذها على أرض الواقع ،ولكي ال يظل هذا التكامل مجرد
حلم بعيد المنال ،البد من بذل المزيد من الجهد الجماعي واتخاذ العديد من اإلجراءات .يمكن
إيراد أهمها فيما يلي:
-0الفصل بين التكامل االقتصادي والتكامل السياسي ،مع ضرورة البدء بالتكامل
االقتصادي :تظهر آراء العديد من الخبراء االقتصاديين أن السبب في فشل التجربة التكاملية
اإلسالمية أو العربية هو الربط بين األبعاد االقتصادية والسياسية ،فهيمنت الخالفات السياسية
على مشروع التكامل وأعاقت مسيرته ،ولهذا فإن البلدان اإلسالمية مدعوة أن تبدأ عملها
الوحدوي بالتكامل االقتصادي 1،وهذا يتطلب إبداء الرغبة السياسية واإلرادة الحقيقية لقيادات
العالم اإلسالمي ،فتوفر اإلرادة السياسية لدى قيادات هذه البلدان نحو التوحد ككتلة اقتصادية
ووعيها بالمصالح المشتركة التي سيحققها هذا التكتل ،والتضحية من أجلها من خالل نبذ
الخالفات هو الشرط األساسي األول النطالق المشروع التكاملي ونجاحه في كافة المجاالت
2
االقتصادية والسياسية والعسكرية.
-8ضرورة انتهاج سياسات إنتاجية تكاملية تراعي اإلمكانات الهائلة والخبرات الفنية
المتنوعة واليد العاملة الماهرة في بعض البلدان لالستفادة القصوى من الموارد واإلمكانات
التي تتوفر عليها 3.ففي قطاع الزراعة مثال ،هناك بلدان إسالمية تمتلك الموارد الزراعية
األساسية ولكنها تفتقر للموارد المالية الالزمة للنهوض باالستثمار الزراعي وتحسين
اإلنتاجية الزراعية .تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدان اإلسالمية في مجال إعداد وتنفيذ
سياسات زراعية مشتركة من شأنه أن يوفر التمويل الكافي والتكنولوجيا المالئمة ،مما يؤدي
إلى زيادة القيمة المضافة للسلع الزراعية وبالتالي زيادة القدرة التنافسية لهذه السلع في
األسواق الدولية 4.وهناك فرص كثيرة النتهاج هذه السياسات التكاملية في كل القطاعات في
البلدان اإلسالمية في قطاع الطاقة ،المعادن ،المواد الكيميائية،االلكترونيات المنسوجات،
البنية التحتية والبناء والتشديد ،الخدمات الصحية ،السفر والسياحة االتصاالت والنقل،
الصناعات التحويلية ،الطاقة المتجددة 5.إن التنسيق الفعال للسياسات اإلنتاجية التكاملية
1
.عبد الغني عماد ،مرجع سابق ،ص 00.؛ رفعت السيد العوضي ،مرجع سابق ،ص.96.
.2أحمد عكاشة" ،التعاون والتكامل االقتصادي بين األقطار اإلسالمية" ،الموقع العالمي لالقتصاد اإلسالمي ،8000/00/80 ،من
www.isegs.com/forum/showthread.php ?t=4832 last visited 09/11/2017 الموقع:
3
.السيد عطية عبد الواحد" ،التجارة البينية للدول اإلسالمية ودورها في تعزيز كفاءة اإلنتاج وزيادة النمو (المعوقات والحلول)،مؤتمر التنمية
والتكامل االقتصادي في العالم اإلسالمي ،نظم من قبل مركز الدراسات المعرفية بالقاهرة بالتعاون مع قسم االقتصاد بكلية التجارة جامعة األزهر
ومركز صالح كامل لالقتصاد اإلسالمي بجامعة األزهر ،القاهرة يومي 81-82أفريل ،8000ص.806.
.4مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية"،الزراعة واألمن الغذائي في الدول األعضاء في منظمة التعاون
اإلسالمي" ،تقرير ،8004مرجع سابق ،ص.088.
5
.مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول اإلسالمية"،التوقعات االقتصادية في منظمة التعاون اإلسالمي"،تقرير
،8006مرجع سابق ،ص.088.
382
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
سيساعد على تحقيق درجة عالية من الكفاءة في تخصيص الموارد وبناء اقتصاد متنوع عل
مستوى البلدان اإلسالمية.
-1توحيد قوانين االستثمار والتشريعات األخرى لتشجيع االستثمارات البينية :الطريقة
األكثر فعالية لتنفيذ تلك السياسات التكاملية ،هي زياد الشراكات بين البلدان اإلسالمية (سواء
كانت ثنائية أو بين مجموعة من البلدان أو بين البلدان اإلسالمية كافة) .وأحسن وسيلة لزيادة
الشراكات هي االستثمارات البينية .ويستدعي ذلك إلغاء القيود التي تحد من انتقال رؤوس
األموال بين البلدان اإلسالمية ،وكذا القيود التي تحد من انتقال األفراد و التكنولوجيا 1.كما
يتعين على هذه البلدان إيالء اهتمام خاص بسن قوانين وتنظيمات موحدة واضحة وشفافة
تحمي االستثمارات التي يقوم بها المستثمرون من بلد إسالمي آخر ،بما يشمل المعاملة
2
العادلة والمنصفة والوصول إلى تسوية المنازعات المحايدة.
عالوة على ذلك ،يتعين عليها تكثيف جهودها لتسهيل التجارة البينية والتوجه أكثر نحو
االنفتاح التجاري فيما بينها ،من خالل إلغاء الرسوم والقيود عل التجارة الخارجية بين البلدان
اإلسال مية ووضع نظام األفضلية التجارية ونظام الدولة األولى بالرعاية للبلدان اإلسالمية
3
فقط ،مع توحيد اإلجراءات الجمركية مع البلدان غير اإلسالمية.
-4ضرورة تنسيق السياسات االقتصادية الكلية (السياسة النقدية والمالية) على مستوى
إن كل بلد إسالمي مطالب بإتباع السياسة النقدية والمالية الرشيدة البلدان اإلسالمية ّ 4.
المستندة على التشريع اإلسالمي -طبقا لما ذكر في المطلب السابق -ونظرا لتعدد المذاهب
الفقهية التي تتبناه البلدان اإلسالمية ،ال بد من التنسيق بين هذه البلدان من أجل استنباط جميع
التنظيمات والتشريعات واللوائح المتعلقة بالسياسات النقدية والمالية على أسس وأحكام
الشريعة اإلسالمية للوصول إلى سياسة اقتصادية موحدة.
وعندما تخلو السياسات االقتصادية (االستثمارية ،التجارية ،النقدية والمالية)للبلدان
اإلسالمية من أوجه التباين واالختالف يمكن العمل على االندماج النقدي وإنشاء بنك مركزي
إسالمي ،ووضع الخطوات الالزمة إلصدار عملة موحدة 5.ومن ثم تقديم صورة عالمية
موحدة للنظام النقدي والمالي اإلسالمي.
-2العمل على تعزيز التعاون والتنسيق في كافة أشكال العالقات االقتصادية اإلسالمية،
مثل:
-تنسيق سياسات البحث العلمي وتشجيع اإلبداع واالبتكار وتبادل التكنولوجيا والخبرات بين
البلدان اإلسالمية؛
-توحيد نظم التعليم وإيالء اهتمام خاص ألهمية االستثمار في مجال التعليم والبحث
والتطوير من أجل مستقبل أفضل؛
-تفعيل المؤسسات اإلسالمية البينية القائمة ،وعلى رأسها منظمة التعاون اإلسالمي لتكون
اإلطار المؤسسي الذي يوفر آليات التعاون والتكامل االقتصادي؛
-تعزيز التعاون والتنسيق في مجال إعداد قاعدة للمعطيات اإلحصائية والمعلوماتية وتحسين
جودة البيانات من حيث التغطية ،االنتظام ،الحداثة ،وتمكين كل المشاركين والفاعلين
االقتصاديين في البلدان اإلسالمية من االطالع على البيانات بسهولة؛
-التنسيق والتعاون بين البلدان اإلسالمية لتطوير وتفعيل السوق المالي الدولي اإلسالمي
لتكون نموذجا ناجحا ينافس األسواق العالمية؛
-6وضع إستراتيجية واضحة للتكامل االقتصادي اإلسالمي :إن إقامة تكامل اقتصادي
إسالمي عملية طويلة األجل وذات أبعاد ومراحل متعددة ،تتطلب انتهاج إستراتيجية دقيقة
وموضوعية واضحة تكفل:
-وضع برنامج ومني واقعي على أسس فنية واقتصادية قابلة للتطبيق ،ويقوم على التدرج
والمرحلية؛
-مراجعة االنجازات المحققة في كل مرحلة ،وحصر المشاكل والمعوقات والبحث عن حلول
لها ومعالجتها قبل االنتقال إلى مراحل أعلى؛
-تحديد األدوار وااللتزامات المترتبة على كل بلد ،والمكاسب المالية واالقتصادية المحتملة-
مع األخذ بمبدأ التعويض الجماعي للطرف الذي يقع عليه الضرر من إتباع سياسة جديدة
1
- موحدة
1
.عبد الغني عماد ،مرجع سابق ،ص.1.
384
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
خالصة الفصل :حاول هذا الفصل تقديم صندوق نقد دولي يتسم بالعدالة ويراعي مصالح
جميع بلدانه األعضاء ويعمل على تحقيق االستقرار والرفاه للجميع .وقد تم التوصل إلى
االستنتاجات التالية:
إن الرؤية اإلسالمية وحدها من يقدر على تقديم صندوق نقد دولي أكثر عدالة وأكثر
تعاونية ،يهدف إلى تحقيق االستقرار النقدي ،وكبح التضخم واالنكماش ،وتحقيق التوظيف
الكامل ومعدل نمو أمثل ومستمر وتشجيع التعاون االقتصادي والمالي الدولي ،ومساعدة
البلدان األعضاء للوقاية من األزمات ومواجهتها والعمل على تحقيق مصالح الجميع .ذلك
ألن هذه األهداف هي أهداف إسالمية ،وهي جزء من العقيدة واإليمان ،وتحقيقها التزام
روحي.
إن تحويل هذه الرؤية إلى حقيقة واقعة هو مسؤولية تقع على عاتق البلدان اإلسالمية
في األساس ،ولكن الوضع الراهن لهذه البلدان يشير إلى أنها ليست في موقف الطرف الفاعل
في النظام االقتصادي الدولي ،وبأنها بلدان اندمجت في هذا النظام ،الذي هو نظام رأسمالي
من موقع تابع ،بسبب ضعف أدائها االقتصادي.
السبب وراء ضعف األداء االقتصادي للبلدان اإلسالمية ليس ألنها ال تمتلك اإلمكانات
المادية والبشرية ولكن السبب هو تبنيها الرؤية الوضعية( االشتراكية ثم الرأسمالية) لتحقيق
التنمية االقتصادية ،وبعدها عن المنهج اإلسالمي ،وعدم التمسك الحقيقي بعقيدة اإلسالم
وشريعته.
السبيل الوحيد لتحسين وضع البلدان اإلسالمية في النظام االقتصادي العالمي ،على نحو
يمكنها من التأثير في قرارات صندوق النقد الدولي ،ومن ثم وضع نظامه األساسي في إطار
مبادئ الشريعة اإلسالمية ،هو تبنيها لنظام اقتصادي ينبثق من الشريعة اإلسالمية.
هناك إجراءات عديدة يجب على البلدان اإلسالمية القيام بها من أجل تحسين المناخ
االقتصادي بها وجعله صالحا لقيام نظام اقتصادي يرتكز أسس وتعاليم الشريعة اإلسالمية.
من أهمها:
-االهتمام بالرأس المال البشري؛
-التوجه نحو الصيرفة اإلسالمية؛ وتطوير اإلطار القانوني والتنظيمي ،ووضع أطر
للسياسات النقدية والمالية تالئم الصناعة المالية والمصرفية اإلسالمية؛
-تنويع اقتصاداتها وتفعيل القطاعات المنتجة التي لها آثار تنموية؛
-نبذ الخالفات السياسية والعمل معا من أجل إطالق المشروع التكاملي؛
-التنسيق والتعاون فيما بينها ،وتبني سياسات إنتاجية تكاملية في مختلف القطاعات،
من أجل استغالل أمثل للموارد واإلمكانات التي تتوفر عليها كمجموعة؛
-تشجيع االستثمارات البينية ،والتوجه أكثر نحو االنفتاح التجاري فيما بينها؛
-تعزيز التعاون والتنسيق من أجل استنباط جميع التنظيمات والتشريعات المتعلقة
بالسياسات النقدية والمالية العامة للوصول إلى سياسات اقتصادية موحدة وسليمة
تحقق المصلحة العملية والفائدة للجميع؛
-تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدان اإلسالمية في مجاالت البحث والتطوير ونظم
التعليم؛
-وضع استراتيجة للتكامل االقتصادي تتضمن برنامجا زمنيا واقعيا ،وتحدد أدوار
والتزامات كل بلد؛
389
الفصل الخامس :رؤية جديدة لصندوق النقد الدولي
إن نجاح البلدان اإلسالمية في توفير المناخ الناسب لنظام اقتصادي جديد قائم على
تعاليم الشريعة اإلسالمية سيمكنها بال شك من تحقيق التنمية االقتصادية المنشودة ،والتكامل
االقتصادي اإلسالمي سيخلق تكتال اقتصاديا عالميا ينافس التكتالت االقتصادية الكبرى
القائمة حاليا ،وسيحقق لها الكثير من الفوائد بما فيها المزيد من االستقاللية السياسية
واالقتصادية ما يرشحها ألن تلعب دورا فاعال في إدارة النظام االقتصادي العالمي.
390
الخاتمة
391
الخاتمة
الخاتمة
لقد كان تاريخ النظام االقتصادي الرأسمالي زاخرا باألزمات المالية واالقتصادية ،بدءا
بالرأسمالية التجارية ثم الرأسمالية الصناعية ،وصوال إلى الرأسمالية المالية ،التي أصبحت
خالل العقود األخيرة الماضية عالمية نتيجة ازدياد درجة اندماج اقتصاديات بلدان العالم
والتشابك المالي فيما بينها ،والتزايد المستمر في عمليات التحرير المالي بين البلدان في ظل
ثورة تكنولوجية هائلة في عالم االتصاالت والمعلومات .وقد ترتب عن هذه التحوالت ازدياد
صعود االقتصاد الرمزي ،وانفصام متزايد بينه وبين االقتصاد الحقيقي مما خلق اقتصادا
فقاعيا يهدد االقتصاد الحقيقي العالمي بعدم االستقرار .فحين تنفجر الفقاعة وتنهار أسعار
األصول عموما في بلد ما يتراجع االستهالك الخاص واالستثمار الخاص ،ويتراجع
االئتمان ،ومن ثم يتراجع اإلنتاج ويرتفع معدل البطالة ،وتسجل خسائر كبيرة في الثروة
المالية وتراجع حاد في الناتج المحلي اإلجمالي ،حتى يدخل االقتصاد في مرحلة الركود.
ونتيجة للتشابك المالي بين اقتصايات بلدان العالم تتجاوز آثار تلك األزمة حدود بلد معين
لتنتقل إلى بلدان أخرى وربما إلى جميع بلدان العالم محدثة خسائر كبيرة على المستوى
العالمي.
وبسب ضخامة الخ سائر التي تحدثها األزمات المالية واالقتصادية ،كانت محل اهتمام
المفكرين والباحثين االقتصاديين ،والمؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد
الدولي ،الذي يوصف على أنه "حارس لالستقرار المالي العالمي" ،مهمته الرئيسية تفادي
األزمات وعالج تلك التي ال يمكن تفاديها .لهذا سعت هذه الدراسة إلى تقييم دور هذه
المؤسسة في مجال منع األزمات وإدارتها ،من خالل تسليط الضوء على أدواره المختلفة منذ
نشأته ،وتشريح برامجه ومختلف اآلليات التي تبناها في معالجة األزمات التي تعرضت لها
بلدانه األعضاء ،وعلى أهم االصطالحات والتغييرات التي حدثت في مهامه عقب كل أزمة.
ومعرفة مدى قدرته على أداء مهامه في المستقبل بجودة وكفاءة ،خاصة في مجال منع
األزمات.
وقد خلصت الدراسة إلى:
نتائج اختبار الفرضيات:
فيما يلي اختبار الفرضيات التي تم طرحها في بداية الدراسة:
.0بالنسبة للفرضية األولى :قواعد وأسس النظام االقتصادي الرأسمالي هي التي تؤدي به
إلى عدم االستقرار المالي وتقوده دائما إلى الوقوع في األزمات.
يقوم النظام االقتصادي الرأسمالي على قدسية الملكية الخاصة والحرية الكاملة في تملك
وسائل اإلنتاج التي تخول لصاحبها حرية االستغالل والتصرف بالطريقة التي تدر عليه أكبر
عائد ممكن ،وعلى اعتبار أن الفرد هو كائن مادي يسعى إلى تحقيق مصلحته المادية فقط،
وفي ظل فصل األخالق عن االقتصاد ،وتهميش دور الدولة كمنظم ورقيب (الحرية
االقتصادية المطلقة) ،اندفع هذا الفرد لتعظيم أرباحه وإشباع حاجاته المادية بكل الطرق
فظهرت سلوكات غير سوية كالطمع والجشع والغش والفساد والمعلومات المضللة ،وانتشر
القمار(المضاربة) في األسواق ،وتعاظمت الديون الربوية فانحرفت األسواق عن وظيفتها
391
الخاتمة
الرأسمالي فرغم أهمية اإلصالحات وخاصة تلك المتعلقة بتشديد القواعد التنظيمية
واإلشرافية ،والرقابة الفعالة على األنظمة المالية في البلدان المتقدمة عقب أزمة ،8002إال
أنه ومما الشك فيه أن النظام الرأسمالي بمؤسساته المالية واالقتصادية ،الوطنية والدولية
ي على هذه القواعد ،وسيعمل على تكسير كل وبحكومات دوله (الدول الرأسمالية) لن يُ ْب ِّق َ
القيود واألنظمة ،كما حصل في أواخر السبعينيات من القرن العشرين عندما تم إلغاء كل
القواعد واإلجراءات اإلصالحية التي أقرتها خطة العهد الجديد .ألن هذه هي طبيعة النظام
الرأسمالي (الطبيعة التحررية) .فالنزعة الفردية والمصلحة الشخصية التي يرتكز عليها هذا
النظام ستقود الرأسماليين (مثل المؤسسات المالية الكبرى) إلى كسر كل القواعد والضوابط
والعودة من جديد إلى عدم اإلفصاح والشفافية ،وإلى وابتكار الطرق والوسائل والحيل
المختلفة التي من شأنها أن تحقق لهم أقصى ربح ممكن.
* مدى انصاف ه وعدالته ،وهذا الشرط غير محقق طالما أنه ال يزال ال يمثل جميع بلدانه
األعضاء على نحو منصف ودليل ذلك أن عشرة بلدان فقط يمتلكون أكثر من نصف عدد
األصوات ،ما يعني أن 091بلدا عضوا غير ممثلين بشكل جيد .يضاف إلى ذلك اتخاذ القرار
في القضايا المهمة يتطلب موافقة 20بالمائة من مجموع القوة التصويتية وعليه عدم تصويت
الواليات المتحدة األمريكية بمفردها يؤدي إلى رفض القرار وعدم دخوله حيز التنفيذ بسبب
امتالكها 06,00بالمائة من نسبة األصوات.
* تعتبر المشروطية من العوامل التي ستقوض من دوره في مساعدة بلدانه األعضاء للحد
من الت عرض لألزمات فالشروط الصارمة التي يفرضها صندوق النقد الدولي في برامجه
المالية تمنع الكثير من البلدان من اللجوء المبكر إليه قبل وقوع األزمة ،كما أن حجم قروضه
مرتبطة بحصة البلد العضو ،ولهذا فإنها غالبا ما تشكل نسبة ضئيلة من احتياجات التمويل
الالزمة للبلد العضو ،خاصة البلدان النامية نظرا لضعف حجم حصتها .ومما يزيد األمر
سوءا أنها تدفع على شكل شرائح سنوية يرتبط دفع كل شريحة بمدى التقدم في تنفيذ
الشروط ،ولهذا ال يمكن اعتبار صندوق النقد الدولي مقرض عالمي أخير ألن قروضه ال
تقدم في الوقت المناسب وال بالحجم الكافي ،ومن ث َ َّم لن يتمكن من مساعدة بلدانه األعضاء
على الخروج من األزمة وخاصة تلك التي تعاني من ضعف كبير في مؤشراتها االقتصادية.
من هذا الطرح ،يتبين صحة الفرضية الثالثة.
نتائج الدراسة :من أهم النتائج التي توصلت لها الدراسة يمكن ذكر:
مر النظام االقتصادي الرأسمالي بمراحل أساسية لم تطبق فيها أسسه بنفس الدرجة .فخاللّ -
مرحلته األولى الرأسمالية التجارية كانت الدولة متدخلة ،وفي مرحلته الصناعية ساد مبدأ
الحرية االقتصادية المطلقة حتى ثالثينيات القرن العشرين ،حيث قبل النظام االقتصادي
الرأسمالي بوجود دولة متدخلة لتخرجه من أزمته ،ولكن سرعان ما جرد الدولة من دورها
االقتصادي في أواخر سبعينيات القرن العشرين ،واعتبرها مجرد دولة حارسة حتى العقد
األول من القرن الحادي والعشرين ،حيث شهد أسوأ أزمة منذ الكساد الكبير ،0181وهي
أزمة ،8002وقبل بتدخل الدولة من جديد إلنقاذه.
-هناك فرق بين األزمة المالية واألزمة االقتصادية والدورة االقتصادية .فاألولى تصيب
المتغيرات المالية وقد تأخذ شكل أزمة عملة ،أو أزمة سوق مالي ،أو أزمة ديون ،وقد تحدث
393
الخاتمة
منفردة أو متتابعة أو متزامنة .أما األزمة االقتصادية فتصيب جوانب االقتصاد الحقيقي،
وتأخذ شكل تراجع في الناتج واالستثمار ،واإلنتاج الصناعي واألرباح ،والتوظيف ،وحتى
االستهالك ،وغالبا ما يعبر عنها بالركود وإذا كان الركود حادا أو خطيرا يطلق عليها أزمة
كساد .وتعتبر األزمة االقتصادية (الركود) مرحلة من مراحل الدورة االقتصادية التي تميز
النظام االقتصادي الرأسمالي ،وتبدأ دائما بأزمة وتنتهي بأزمة مرورا بمرحلة التوسع.
-غالبا ما تسبق األزمات المالية فترة توسع تتسم بطفرات ائتمانية مصحوبة بمعدالت
استهالك أعلى من المعتاد وانخفاض في أسعار الفائدة ،وارتفاع أسعار المساكن ،وترتفع
نسبة التوظيف ومعدل نمو األجور وينخفض معدل البطالة ،ويحدث ارتفاع كبير في أسعار
األسهم واألصول المالية المختلفة (نشوء الفقاعة المالية).
-في ظل الصعود الكبير للرأسمالية المالية ،أصبحت فترات الركود (األزمات االقتصادية)
تحدث بسبب االضطرابات الحادة في المتغيرات المالية (األزمات المالية) .كما أنها تكون
طويلة نسبيا وحجم الخسائر فيها كبير و التعافي منها بطيئ وهش ،بسبب ضعف االستهالك
الخاص (نتيجة الخسائر الكبيرة في ثروات األسر) ،واستمرار هبوط االستثمار الخاص(
نتيجة لعدم توفر االئتمان) ،واستمرار ضعف أسعار األصول ،وتواصل االرتفاع في معدالت
البطالة.
-من أهم األسباب التي أدت إلى تزايد االنفصام بين االقتصاد الرمزي واالقتصاد الحقيقي،
والصعود الكبير للرأسمالية المالية:
* آلية االئتمان القائمة على أسعار الفائدة ،التي أدت إلى الزيادة في الديون بوتيرة أعلى من
الزيادة في اإلنتاج وتزايد خدمة الدين بوتيرة أعلى من الزيادة في الدخول؛
* المضاربون الذين تحركهم أطماع تكوين الثروات بصورة سريعة ودون عناء ،فهربت
األموال من االستثمار في االقتصاد الحقيقي إلى االستثمار في األسواق المالية؛
* المشتقات المالية التي تحولت من أداة للتغطية ضد المخاطر إلى أداة من أدوات المضاربة
الوهمية ،مما ساهم وبشكل كبير في ارتفاع أسعار األصول في األسواق المالية؛
* النظام النقدي الدولي الراهن الذي زاد من حدة عدم االستقرار في أسعار الصرف خاصة
مع دخول فئة المضاربين بالعمالت إلى سوق الصرف ،وأصبح التعامل اليومي في العمالت
أكثر من عشرة أضعاف التبادل التجاري في السوق العالمي؛
-كشفت األزمة المالية واالقتصادية العالمية 8002عن إخفاقات كبيرة وعيوب جوهرية في
النظام االقتصادي العالمي الرأسمالي .من أهمها:
* قصور في التنظيم والرقابة على النظام المالي محليا ودوليا؛
* عدم كفاءة السياسة النقدية القائمة على أسعار الفائدة ،التي تعتبر من اآلليات الرئيسية التي
يقوم عليها النظام الرأسمالي .وأثبتت أن لها دور رئيسي في ظهور فقاعات ضخمة في أسعار
األصول السيما أسعار العقارات في االقتصادات الرأسمالية؛
* االعتماد الكبير وبشكل متزايد ومفرط على االقتراض (على مستوى األسر ،المؤسسات،
والحكومات) حتى أصبح االقتصاد في ظل النظام الرأسمالي قائم فعليا على أهرام من الديون
زاد من تفاقمها المشتقات المالية بأنواعها.
* الفساد الكبير المتفشي في النظام الرأسمالي ،وعن دوره الكبير في تشكيل الفقاعة وصناعة
األزمة؛
* عدم كفاءة األسواق الحرة وغير المقيدة وعدم قدرتها على تصحيح نفسها بنفسها؛
394
الخاتمة
-فشل صندوق النقد الدولي في التنبؤ باألزمة المالية العالمية ،8002وأزمة الديون السيادية
األوروبية 8000على الرغم من قيامه عقب أزمات عقد التسعينيات باستحداث "برنامج تقييم
القطاع المالي" من أجل تحديد مواطن القوة والضعف في القطاعات المالية لبلدانه األعضاء،
وأعد ألجل ذلك مجموعة من المؤشرات "مؤشرات الحيطة الكلية" حيث تعمل هذه
المؤشرات على تحديد العالمات المبكرة التي تساعد على تحديد المخاطر التي يمكن أن تنشأ
في النظم المالية ،وتهدد االستقرار المالي ،ومن ثم إمكانية التنبؤ باألزمة قبل وقوعها .ومن
األسباب التي كانت وراء هذا الفشل:
* عدم فعالية وكفاءة الصندوق في عملية الرقابة التي يجريها في إطار المشاورات المادة
الرابعة على اقتصادات بلدانه األعضاء وخاصة البلدان المتقدمة كالواليات المتحدة
األمريكية؛
* تعتمد هذه المؤشرات ع لى دقة اإلحصائيات والبيانات والمعلومات ذات المصداقية التي
تقدمها البلدان األعضاء وعلى توفرها في الوقت المناسب ،وهذا ما كان غائبا في العديد من
األزمات وأزمة الديون السيادية األوروبية خير مثال على ذلك؛
* برنامج تقييم القطاع المالي يتم على أساس طوعي وليس إلزامي -حسب رغبة البلد
العضو -؛
-وجهت األزمة المالية العالمية 8002وأزمة الديون السيادية األوروبية صندوق النقد
الدولي مجددا صوب البلدان المتقدمة بعد أن ركز اهتمامه منذ عقد الثمانينيات على
اقتصادات البلدان النامية .ويتضح ذلك جليا من خالل عملية الرقابة ،حيث ُك ِّلّف بتقييم مدى
اتساق األطر والسياسات الوطنية واإلقليمية لمجموعة العشرين ،وزاد من تركيزه على قضايا
القطاع المالي في سياق عملية الرقابة الثنائية ومتعددة األطراف على البلدان المتقدمة،
وأخضع خمسة وعشرين بلدا عضوا لبرنامج تقييم القطاع المالي على أساس إلزامي ،كما
وجه جزء كبير من موارده إلقراض عددا من البلدان األوروبية المتقدمة خالل الفترة
:8000-8000البرتغال ،ايرلندا ،اليونان ،وقدم المشورة إلى العديد منها.
-لقد تطور صندوق النقد الدولي وتطورت أدواره منذ نشأته ،وثمة منعطفات كبرى وتحديات
مر بها وكان له ا تأثير واضح على مهامه .من أهمها :أزمات عقد السبعينيات غير مسبوقة ّ
من القرن العشرين ،وكانت البداية بأزمة انهيار نظام بريتون وودز ،فبعد أن كانت مهمته
األساسية في ظل هذا النظام العمل على ثبات أسعار الصرف ،أصبح بعد انهيار النظام
وانعقاد مؤتمر جامايكا مشرفا على سياسات أسعار الصرف في بلدانه األعضاء التي تتمتع
بكامل الحرية في اختيار نظام الصرف .ولكن أزمة النفط 0199-0190دعمت دوره في
الساحة الدولية من خالل مساعدته لبلدانه األعضاء على تصحيح العجز في موازين
مدفوعاتها الناتج عن ارتفاع أسعار النفط ،وذلك من خالل إعادة تدوير األموال النفطية؛
أزمة المديونية ،0128حيث قام صندوق النقد الدولي بدور جديد وقيادي فيها من خالل
تكريس نفسه النتزاع مدفوعات رد ديون البلدان الدائنة من البلدان المدينة ،وذلك بفرض
برامج التكيف على كل بلد يرغب في إعادة جدولة ديونه ،وقد تمكنت هذه البرامج الصارمة
هذه البلدان من العودة إلى دفع أعباء ديونها ،ولكن كان لها نتائج بالغة الخطورة في الحياة
االقتصادية واالجتماعية لهذه البلدان؛ أزمات عقد التسعينيات ،حيث أنيط بصندوق النقد
الدولي دور جديد تمثل في صفقات اإلنقاذ التي يعقدها مع البلدان المتأزمة ،والتي فرضت
عليه إجراء تحديثات عل ى مستوى الحصص لزيادة موارده ،وعلى مستوى عملية الرقابة،
395
الخاتمة
حيث أصبح بعد هذه األزمات يقوم بتضمين القطاع المالي في تحليالته االقتصادية ،إلى
جانب تقييم القطاعات المالية لبلدانه األعضاء ،ولكن على أساس طوعي .؛ األزمة المالية
واالقتصادية العالمية ،8002حيث تعرض الصندوق إلى موجة من االنتقادات حول عدم
قدرته على التنبؤ باألزمة ،وضعف وعدم كفاءة عمله الرقابي ،وعدم كفاية قاعدته المالية
وافتقاره لألدوات التي تؤهله ليكون حارسا لالستقرار المالي العالمي .ولكن سرعان ما
استعاد الصندوق مركز الصدارة من جديد كأهم مؤسسة مالية في الساحة العالمية بعد أن
كلفته مجموعة العشرين بدور قيادي في ما عرف بعملية التقييم المتبادل ليقوم بتنسيق
السياسات على نطاق االقتصادات المتقدمة والصاعدة المنتمية للمجموعة ،إلى جانب
االضطالع بدور رئيسي في مجال رصد المخاطر المالية النظامية العالمية والتعامل معها،
وذلك بالتعاون مع مجلس االستقرار المالي وبنك التسويات الدولية.
-ألجل أداء هذا الدور الجديد ،أجرى صندوق النقد الدولي إصالحات واسعة في مجال عمله
الرقابي حيث أصبح يهتم ب:
* تقييم المخاطر المالية التي تنشأ في البلدان المتقدمة؛
* تحليل سالمة القطاعات المالية وتأثيرها على االقتصاد الحقيقي ،بما في ذلك عبر الحدود
لفهم الروابط بين المؤسسات المالية الكبرى ،وبذلك أدمج أعمال الرقابة المالية الكلية في
مهامه الرقابية بعد أن كان يتعامل مع القطاع المالي كعنصر منفصل في تحليالته؛
* تحويل برنامج تقييم القطاع المالي إلى بند إلزامي على خمسة وعشرين بلدا عضوا؛
* تحليل وتغطية انتقال تداعيات السياسات االقتصادية والمالية المحلية من البلدان األعضاء
إلى االقتصاد العالمي؛
* تنفيذ عملية اإلنذار المبكر بالتعاون مع مجلس االستقرار المالي ،من أجل تحديد جوانب
الضعف والكشف عن المخاطر والعوامل التي تتسبب في التعجيل بوقوع األزمة ،ووضع
االستراتيجيات الكفيلة بالتصحيح في الوقت المناسب؛
* العمل على وضع إطار لسياسة السالمة االحترازية الكلية – وهي السياسة التي تستخدم
أدوات للحد من تراكم المخاطر النظامية -وذلك بالتعاون مع الهيئات الدولية السابقة؛
-من اقتراحات صندوق النقد الدولي ومشورته لبلدانه األعضاء خالل األزمة المالية العالمية
8002إعادة رسملة المؤسسات المالية الضعيفة التي تمتلك مقومات البقاء ،وإنقاذها باستخدام
أموال دافعي الضرائب ،ورغم أن هذا اإلجراء ساهم في استعادة ثقة السوق في هذه
المؤسسات ،وفي إ تاحة التمويل الالزم ومعالجة شح السيولة ،إال أنه يشجع على ما يطلق
عليه "الخطر األخالقي" ،فهذه المؤسسات المالية (الرأسمالية) أصبحت تدرك تماما أنها إذا
تأزمت األمور ،سيتم إنقاذها مما يشجعها على المجازفات والمخاطرة أكثر.
-أثبتت األزمة المالية واالقتصادية العالمية 8002مدى ازدواجية صندوق النقد الدولي في
تعامله مع بلدانه األعضاء ،ففي الوقت الذي شجع فيه البلدان المتقدمة على اعتماد سياسات
مالية ونقدية ذات طابع توسعي فرض على البلدان النامية التي لجأت إليه طالبة المساعدة
المالية سياسات تقشفية على الرغم من أنها كانت من أشد المتضررين من هذه األزمة.
-لم يتمكن صندوق النقد الدولي من تحقيق هدفه األساسي المتمثل في ضمان االستقرار
المالي وتشجيع زيادة فرص العمل والنمو االقتصادي والحد من الفقر في جميع أنحاء العالم،
فاألزمات ما فتئت تتكرر ،وتتسبب في فقدان الوظائف وارتفاع معدالت البطالة العالمية،
وتراجع كبير في النمو .كما ظل الفقر المدقع منتشرا على نطاق واسع في العديد من البلدان،
396
الخاتمة
بل يمكن القول أنه في ازدياد مستمر ،فبعد أن كان عدد البلدان المصنفة من قبل األمم المتحدة
ضمن مجموعة البلدان الفقيرة األقل نموا أربعة وعشرون بلدا في عام ،0190أصبح عددها
حاليا نحو 92بلدا .لهذا يمكن القول أن أهداف صندوق النقد الدولي المعلنة في اتفاقية تأسيسه
هي مجرد شعارات كالمية ،وأن الهدف الحقيقي من وراء إنشائه هو فرض هيمنة النظام
االقتصادي الرأسمالي العالمي بقيادة الواليات المتحدة األمريكية .وهذا ما يؤكده نظام
حوكمته وآلية اتخاذ القرار فيه ،التي تعتمد على التصويت القائم على الحصص ومنذ نشأة
الصندوق والواليات المتحدة األمريكية تستحوذ على أكبر حصة ،وال يتم اتخاذ أي قرار إال
بموافقتها.كما يؤكده نظام إقراضه القائم على المشروطية التي من خاللها تم دمج العديد من
اقتصادات البلدان النامية في االقتصاد العالمي من موقع تابع وضعيف.
-يمكن لصندوق النقد الدولي أن يحقق أهدافه و أن يقوم بدوره الجديد متى أصبح يتعامل
على نحو منصف وعادل مع جميع بلدانه األعضاء ،وهذا يتطلب إصالح جذري وتغيير تام
في طريقة تفكيره بشأن النظام االقتصادي الكفيل بتحقيق التنمية االقتصادية العالمية ،وضمان
االزدهار والرخاء المستقر لجميع بلدانه األعضاء.
-إن النظام االقتصادي اإلسالمي وحده القادر على تحقيق هذا الهدف ،فالشريعة اإلسالمية
كما يقول (ابن القيم)" :مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ،وهي
عدل كلها ،ورحمة كلها ،ومصالح كلها ،وحكمة كلها" .واألمر المؤكد أن السبيل الوحيد
للوصول إلى صندوق نقدي ذو رؤية إسالمية ،يتوقف على تحسين وضع البلدان اإلسالمية
في االقتصاد العالمي من خالل التمسك بالعقيدة اإلسالمية ،وتعزيز التعاون االقتصادي بينها،
و العمل معا إلقامة تكتل عالمي يزيد من قوتها على نحو يمكنها من أن تحتل مركزا أفضل
في النظام االقتصادي العالمي ،ومن ثم القدرة على التأثير في مختلف مؤسساته ومنها
صندوق النقد الدولي.
397
قائمة المراجع
399
قائمة المراجع
1
قائمة المراجع
.90أحمد مداني" ،دور وكاالت التصنيف االئتماني في صناعة األزمات في األسواق المالية ومتطلبات
إصالحها" ،األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية ،قسم العلوم االقتصادية والقانونية ،جامعة حسيبة
بن بوعلي ،الشلف ،العدد ،00جوان 8000
. 98أحمد مهدي بلوافي" ،هايمان مينسكي :ماذا يمكن أن يستفيد االقتصاديون المسلمون من أفكاره؟"،
مجلة جامعة الملك عبد العزيز ،المجلد ،89العدد8000 ،0
.90أديتيا ناراين" ،وجهان للتغير" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق النقد
الدولي ،العدد ،00الرقم ،0سبتمبر 8006
.99أديلهايد بيرغي "،البحث عن بيانات جديدة" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي،
المجلد ،99العدد ،0سبتمبر8000
.90أسعد ملي" ،العالم الرأسمالي :حيوية ذاتية وأزمات مستمرة" ،مجلة جامعة دمشق ،المجلد ،82
العدد 8008 ،0
.96إسوار براساد" ،الطريق إلى التأثير" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق
النقد الدولي ،العدد ،09الرقم ،0سبتمبر8009
.99إفريم غوكسو ،روبرت هيث" ،سد الفجوات" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي،
العدد ،00الرقم ،0مارس8006
.92آلن بليندر ،مارك زاندي" ،ثمار التنشيط" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي،
المجلد ،99العدد ،9ديسمبر 8000
.91أمار باتا تشاريا" ،شبكة مشوشة" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،المجلد،96
العدد ،0مارس 8001
.20آمال قحايرية" ،أسباب نشأة أزمة المديونية الخارجية للدول النامية" ،مجلة اقتصاديات شمال
إفريقيا ،جامعة حسيبة بن بوعلي ،الشلف ،العدد 8000 ،0
.20إنجي أوتكر ،سيال باتسارباسيوغلو" ،مجال محفوف بالمخاطر" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق
النقد الدولي ،المجلد ،99العدد ،9ديسمبر 8000
.28أنور هاقان قوناش" ،أزمة شرق آسيا:عبر لبلدان منظمة المؤتمر اإلسالمي" ،مجلة التعاون
االقتصادي بين الدول اإلسالمية ،مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتماعية والتدريب للدول
اإلسالمية (مركز أنقرة) ،المجلد 88العدد8000 ،0
.20أنيس الرحمن منظور الحق"،األزمات المالية العالمية أسبابها وعالجها من منظور اقتصاد
إسالمي" ،مجلة مجمع ،جامعة المدينة العالمية ،ماليزيا ،العدد ،6ماي 8000
.29أوليفييه بالنشار"،العاصفة التامة"،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،المجلد،96
العدد ،8يونيو8001
.20إيفان تانر ،ياسر بديع" ،إعادة بناء الثروة االمريكية" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد
الدولي ،المجلد ،العدد ،ديسمبر8001
.26أيهان كوسي ،إزغي أوزترك" ،عالم من التغيير" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن
صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،0سبتمبر 8009
.29بانايوتيس غافراس" ،لعبة التصنيف" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،المجلد،91
العدد ،0مارس 8008
.22براكاش لونغاني" ،أداء متميز" ،مجلة التمويل والتنمية،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد
الدولي ،العدد ،00الرقم ،0سبتمبر 8000
.21براكاش لونغاني"،سبع سنوات عجاف" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،العدد،08
الرقم ،0مارس 8000
.10برناردين أكيتوبي وآخرون" ،االستثمار العام والشراكة بين القطاعين العام والخاص" ،قضايا
اقتصادية ،صندوق النقد الدولي ،العدد .10 8009 ،90بلقاسم العباس"،إدارة الديون الخارجية" ،سلسلة
جسر التنمية ،المعهد العربي للتخطيط ،الكويت ،العدد ،00يونيو 8009
4
قائمة المراجع
.18جالل عزايز ،حاجي العلجة"،آليات إصالح النظام النقدي الراهن في ظل تحديات األزمة المالية
العالمية ،"8006-8002مجلة اقتصاديات شمال إفريقيا ،جامعة حسيبة بن بوعلي ،الشلف ،العدد،09
8009
.10جو بروكوبيو" ،التصدي لألزمة :التعاون الدولي وصندوق النقد الدولي" ،مجلة التمويل والتنمية،
مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،0سبتمبر 8009
.19جوناثان أوستري" ،الليبرالية الجديدة ،هل شابها اإلفراط؟" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية
يصدرها صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،8يونيو 8006
.10جيان ماريا ميليسي" ،حظوظ متغيرة " ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،المجلد،96
العدد ،0مارس 8001
. 16جيمس بوتون ،كولن برادفور" ،الحوكمة العالمية :قوى فاعلة جديدة ،قواعد جديدة" ،مجلة التمويل
والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،المجلد ،99العدد ،9ديسمبر 8001
.19حسن بن وهيبة ،سفيان دهبي" ،مقاصد الشريعة من حفظ المال إلى التنمية االقتصادية :اإلمام ابن
عاشور نموذجا" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن المجلس العام للبنوك والمؤسسات
اإلسالمية ،العدد ،9ديسمبر 8008
.12خورشيد أحمد ،ترجمة :رفيق يونس المصري" ،التنمية االقتصادية في إطار إسالمي" ،مجلة أبحاث
االقتصاد اإلسالمي ،المركز العالمي ألبحاث االقتصاد اإلسالمي ،جدة ،المجلد ،8العدد0120 ،8
.11راندال دود " ،الرهونات العقارية الثانوية :مجسات األزمة" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد
الدولي ،المجلد ،99العدد ،9ديسمبر 8009
.000راندال دود" ،رسائل إلى المحرر" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،المجلد،90
العدد0ن مارس 8002
.000راندال دود"،اصالح شامل للنظام" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد
الدولي ،المجلد ،96العدد ،0سبتمبر 8001
.008رحيم حسين" ،اإلطار الفكري والمؤسسي للعولمة االقتصادية من كينز إلى ستيغليتز" ،مجلة
اقتصاديات شمال إفريقيا ،جامعة حسيبة بن بوعلي ،الشلف ،العدد 8009 ،0
.000رضا مقدم" ،الطريق إلى التكامل في أوروبا :التاريخ يشير إلى التكامل كحل لتجاوز األزمات
الطاحنة" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،0مارس 8009
.009زهير غراية ،لقمان معزوز" ،أزمة الديون بمنطقة االورو :8000جذورها وتداعياتها وآليات
إدارتها" ،مجلة دفاتر اقتصادية ،كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ،جامعة زيان عاشور،
الجلفة ،العدد ،8مارس8000
.000ساروت جاهان ،أحمد صابر محمود"،ما المقصود بالرأسمالية؟" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة
فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي،العدد ،08الرقم ،8يونيو 8000
.006سامر مظهر قنطقجي" ،كفاءة بيت المال العتماده نظرية اإليرادات" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي
العالمية ،تصدر عن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد ،9ديسمبر 8008
.009سامي إبراهيم الخزندار" ،المنظور اإلسالمي تجاه التنظيم الدولي المعاصر مقاربة نظرية" ،دفاتر
السياسة والقانون ،جامعة قاصدي مرباح ،ورقلة ،العدد ،0جوان 8000
.002ستيجن كاليسنس،أيهان كوزي" ،ماهو الكساد" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن
صندوق النقد الدولي ،المجلد ،96العدد ،0مارس8001
.001ستيفان انجفر ،جوران ليند" ،حلول ستوكهولم" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي،
المجلد ،90العدد ،9ديسمبر 8002
.000ستين كاليسنز" ،تخفيض الديون" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،العدد،91
الرقم ،8يونيو8008
.000سيد ريحان زامل" ،يوم الفصل" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،المجلد،99
العدد ،0سبتمبر 8000
5
قائمة المراجع
.008سيال بازاربا شيوجلو وآخرون" ،الوجه المتغير للمستثمرين" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق
النقد الدولي ،المجلد ،99العدد ،0مارس 8009
. 000سيلين آالرد " ،المزيد من أوروبا وليس أقل :تواصل منطقة اليورو التعلم من أزمة مديونيتها"،
مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،المجاد ،92العدد ،0سبتمبر 8000
.009شريط عابد" ،معدل الفائدة ودورية األزمات في االقتصاد الرأسمالي" ،بحوث اقتصادية عربية،
مركز دراسات الوحدة العربية ،العددان ،91-92خريف ،8001خريف8000
.000صالح أوزدمير ،حمزة حمزة" ،الرقابة الشعبية في ميزان الفقه اإلسالمي" ،مجلة جامعة دمشق
للعلوم االقتصادية والقانونية ،المجلد ،82العدد8008 ،8
.006صالح صالحي" ،أدوات السياسة النقدية والمالية المالئمة لترشيد دور الصيرفة اإلسالمية" ،مجلة
االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد،8
يوليو 8008
.009صالح صالحي" ،أدوات السياسة النقدية والمالية المالئمة لترشيد دور الصيرفة اإلسالمية" ،مجلة
االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد،9
ديسمبر 8008
.002صالح صالحي" ،أدوات السياسة النقدية والمالية المالئمة لترشيد دور الصيرفة اإلسالمية" ،مجلة
االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد،0
أكتوبر 8008
.001صالح مفتاح" ،العولمة المالية" ،مجلة العلوم اإلنسانية ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،العدد،8
8008
.080عبد الجبار حمد السبهاني" ،وجهة نظر في تغير قيمة النقود" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي ،جامعة
الملك عبد العزيز ،م 0111 ،00
.080عمر زهير حافظ" ،الرقابة الشرعية" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن المجلس العام
للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد ،08ماي 8000
.088عمر زهير حافظ" ،للمجلس كلمة" ،مجلة االقتصاد اإلسالمي العالمية ،تصدر عن المجلس العام
للبنوك والمؤسسات المالية اإلسالمية ،العدد ،1فيفيري8000
.080فاليري ميرسر ،كيفين تشينج" ،انتعاش أسعار السلع األساسية" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق
النقد الدولي ،المجلد ،90العدد ،0مارس 8002
.089فايز عبد الهادي أحمد" ،األزمة المالية العالمية وأثرها على األهداف اإلنمائية لأللفية" ،المجلة
العربية لإلدارة ،المنظمة العربية للتنمية اإلدارية ،مصر ،القاهرة8008 ،
.080فرانسواز نيكوال" ،األزمة اآلسيوية" ،ترجمة حليم طوسون ،مجلة الثقافة العالمية ،المجلس
الوطني للثقافة والفنون واآلداب،الكويت ،العدد 8000 ،19
.086فرانشيسكو جيافاتسي" ،النمو بعد األزمة" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي،
المجلد ،96العدد ،0سبتمبر 8001
.089فريد كورتل ،كمال رزيق" ،األزمة المالية :مفهومها ،أسبابها وانعكاساتها على الدول العربية"،
مجلة كلية بغداد للعلوم االقتصادية الجامعة ،العدد -80أ ،من الموقع:
https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=53123 last visited 07/03/2014
.082كاميليا مينويو "،الوقوع في الشبكة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق النقد
الدولي ،العدد ،91الرقم ،0سبتمبر 8008
.081كريستيان ملدر" ،عين العاصفة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق النقد
الدولي ،المجلد ،01العدد ،9ديسمبر 8008
.000كمال توفيق حطاب" ،رؤية إسالمية نحو العولمة" ،بحوث ودراسات إسالمية المعرفة ،السنة
التاسعة ،العدد 00شتاء 8009
.000كمال درويش" ،االقتصاد العالمي :التقارب والتكامل والتباعد" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق
النقد الدولي ،المجلد ،العدد ،سبتمبر8008
6
قائمة المراجع
.008كينيث كانج ،مرتضى سيد "،الطريق إلى تحقيق االنتعاش ،وجهة نظر من اليابان" ،مجلة التمويل
والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق النقد الدولي،المجلد ،90العدد ،8ديسمبر8002
.000لقمان معزوز ،شريف بودي"،المنافسة بين الدوالر واألورو في ظل ال استقرار النظام النقدي
الدولي" ،مجلة الباحث ،جامعة قاصدي مرباح ،ورقلة ،العدد8000 ،1
.009لورا كودرس" ،أزمة ثقة ...أكثر من ذلك" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي،
المجلد ،90العدد ،8يونيو8002
.000لورا كودريس" ،ماهو نظام الظل المصرفي" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي،
المجلد ،00العدد ،8يونيو8000
.006لويس برانداو وآخرون" ،للشفافية تأثير" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق
النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،9ديسمبر8000
.009لويس جاكوميه ،إرلند نير" ،حماية الكل" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية يصدرها صندوق
النقد الدولي ،العدد ،91الرقم ،0مارس 8008
.002لويس جاكوميه ،توماسو مانشيتي -غريفولي" ،صالحية أوسع" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق
النقد الدولي ،المجلد ،00العدد ،8يونيو8009
.001ماجدة مدوخ" ،النظام النقدي األوروبي" ،مجلة الواحات للبحوث والدراسات ،المركز الجامعي،
غرداية ،العدد8002 ،0
.090مارتن وولف"،تشكيل العولمة" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق النقد
الدولي ،العدد ،00الرقم ، 0سبتمبر 8009
.090مالك الرشيد أحمد" ،مقارنة بين معياري CAMELSو CAELكأدوات حديثة للرقابة
المصرفية" ،مجلة المصرفي ،بنك السودان المركزي ،العدد8000 ،00
.098ماي شي داو ،براكاش لونغاني" ،مأساة البطالة" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي،
المجلد ،99العدد ،9ديسمبر 8000
.090محفوظ جبار"،العولمة المالية وانعكاساتها على الدول النامية" ،مجلة العلوم االجتماعية
واإلنسانية ،جامعة الحاج لخضر ،باتنة ،العدد 8008 ،9
.099محمد العريان" ،أزمة ينبغي تذكرها" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،المجلد،90
العدد ،9ديسمبر 8002
.090محمد بوجالل" ،مقاربة إسالمية لالزمة المالية الراهنة" ،مجلة اقتصاديات شمال إفريقيا ،جامعة
حسيبة بن بوعلي ،الشلف ،العدد 8002 ،6
.096مصيطفى عبد اللطيف" ،الوضعية النقدية ومؤشرات التطور المالي في الجزائر ،بعد غنهاء برنامج
التسهيل الموسع" ،مجلة الباحث ،جامعة قاصدي مرباح ،ورقلة ،العدد 8002 ،6
.099ناتالي راميريز" ،الفجوة الرقمية" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق النقد
الدولي ،العدد ،00الرقم ،0سبتمبر 8006
.092ناجي التوني ،األزمات المالية ،سلسلة جسر التنمية ،المعهد العربي للتخطيط ،الكويت ،العدد،81
ماي 8009
.091نسيمة أوكيل وآخرون" ،األزمة المالية في منطقة األورو :أسباب نشوئها وانتشارها والدور الذي
لعبته األسواق المالية ووكاالت التصنيف االئتماني فيها" ،بحوث اقتصادية عربية ،مركز دراسات الوحدة
العربية ،العددان /68-60شتاء -ربيع 8000
. 000نور الدين بوالكور" ،أزمة الدين السيادي في اليونان :األسباب والحلول" ،مجلة الباحث ،جامعة
قاصدي مرباح ،ورقلة ،العدد8000 ،00
.000نيكوال فيرون" ،تحوالت جذرية :االتحاد المصرفي عملية طويلة األجل سوف تحدث تحوال هائال
في شكل النظام المالي في أوروبا" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم،0
مارس 8009
7
قائمة المراجع
.008هانتر مونروواخرون" ،مخاطر بونزي" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة فصلية تصدر عن صندوق
النقد الدولي ،المجلد ،99العدد ،0مارس8000
. 000هلغ برغر ،مارتن شيندلر " ،ظل كثيف يخيم على النمو :التغلب على البطالة وإعطاء دفعة للنمو
على رأس أولويات أوروبا اليوم" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم،0
مارس 8009
.009هيروكو أورا ،ليليانا شوماخر " ،بنوك تحت الضغط" ،مجلة التمويل والتنمية ،مجلة يصدرها
صندوق النقد الدولي ،العدد ،00الرقم ،8يونيو 8000
.000وليام وايت" ،خلل في النظام" ،مجلة التمويل والتنمية ،صندوق النقد الدولي ،المجلد ،08العدد،0
مارس8000
.006يوسف علي"،الحيل المحاسبية والمالية ودورها في خلق األزمات المالية" ،بحوث اقتصادية
عربية ،مركز دراسات الوحدة العربية ،العددان،60،68شتاء،ربيع8000
األطروحات
.009إيمان محمود عبد اللطيف" ،األزمات المالية العالمية األسباب واآلثار والمعالجات" أطروحة
دكتورا في االقتصاد ،قسم االقتصاد ،جامعة سانت كليمنس العالمية ،العراق8000 ،
.002حسين بن الطاهر" ،دراسة وتحليل مديونية بلدان العالم الثالث -دراسة حالى الجزائر ،"-أطروحة
دكتوراه في العلوم االقتصادية ،شعبة اقتصاد ،جامعة منتوري ،قسنطينة8002/8009 ،
.001رفيقة صباغ "،األزمات المالية العالمية وأثرها على الدول النامية ،دراسة تحليلية الزمة الرهن
العقاري على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي" ،أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية،
تخصص تحليل اقتصادي ،جامعة أبو بكر بلقايد ،تلمسان8009/8000 ،
. 060محمد رمضاني" ،أثر السياسات اإلشرافية لصندوق النقد الدولي على تكييف السياسات النقدية
للدول النامية" ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم االقتصادية ،تخصص نقود ،بنوك
ومالية ،كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ،جامعة أبو بكر بلقايد ،تلمسان8008 ،
. 060مسعود دراوسي" ،السياسة المالية ودورها في تحقيق التوازن االقتصادي :حالة الجزائر "،
أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه ،تخصص علوم اقتصادية ،كلية العلوم االقتصادية والتسيير،
جامعة الجزائر8006/8000 ،
التقارير:
.068األزمة االقتصادية العالمية وأثرها على أسواق العمل العربية" ،تقرير المدير العام لمكتب العمل
العربي ،مؤتمر العمل العربي ،الدورة السادسة والثالثون ،ع ّمان 08-0 ،أفريل 8001
.060روبن لمداني وآخرون" ،الحوكمة في صندوق النقد الدولي :تقييم" ،تقرير مكتب التقييم المستقل،
صندوق النقد الدولي ،ماي 8002
.069صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أفريل 8009
.060صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أفريل 8002
.066صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر 8002
.061صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أفريل 8001
.062صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر8001
.061صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر 8000
.090صندوق النقد الدولي،آفاق االقتصاد العالمي ،سبتمبر 8000
.090صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر 8000
.098صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر 8009
.090صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أفريل 8000
.099صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر 8006
8
قائمة المراجع
.800سامي بن إبراهيم السويلم ،األزمات المالية في ضوء االقتصاد اإلسالمي ،كرسي سابك لدراسات
األسواق المالية اإلسالمية ،المشروع رقم ( ،)00-08جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية8008 ،
.806شكري بن عزوز" ،اإلطار التحليلي لبرامج التصحيح الهيكلي"N° ،MAPRA Paper ،
6 ،8583ماي 8002
.809طالب عوض " ،أثر التقلبات المالية الدولية على أسواق الدول النامية" ،المرصد االقتصادي،
الجامعة األردنية ،ع ّمان ،ديسمبر 8002
.802عبد الحليم فضل هللا" ،دروس من أزمة اليابان في التسعينيات :اإلصالح أوال ،"..المركز
االستشاري للدراسات والتوثيق 81 ،نوفمبر8002
.801عبد الرحيم عبد الحميد الساعاتي "،المضاربة والقمار في االسواق المالية المعاصرة تحليل
اقتصادي وشرعي" ،كتاب األزمة المالية العالمية أسباب وحلول من منظور إسالمي ،مركز أبحاث
االقتصاد اإلسالمي ،جامعة الملك عبد العزيز ،مركز النشر العلمي ،جدة8001 ،
.800عبد الرزاق سعيد بلعباس" ،ما معنى األزمة" ،كتاب األزمة المالية العالمية :أسباب وحلول من
منظور إسالمي ،مركز النشر العلمي جامعة الملك عبد العزيز ،جدة8001 ،
. 800عبد الغني عماد " ،التكامل االقتصادي والسوق العربية المشتركة أسباب التعثر وشروط
االنطالقة" ،ورقة مقدمة للمائدة المستديرة التاسعة لألساتذة العرب حول العرب والعولمة ،جامعة ناصر
األممية ،ليبيا ،أيام 82-80جويلية 0111
.808علي عبد الرضا حمودي" ،مؤشرات الحيطة الكلية وإمكانية التنبؤ باألزمات (،دراسة تطبيقية-
حالة العراق)" ،المديرية العامة لإلحصاء واألبحاث ،البنك المركزي ،العراق
. 800محمد الفنيش ،البالد النامية واألزمات المالية العالمية:حول استراتيجيات منع األزمات وإدارتها،
سلسلة محاضرات العلماء الزائرين رقم( ،)01المعهد االسالمي للبحوق والتدريب ،البنك اإلسالمي
للتنمية ،جدة8000 ،
.809مورس آليه"،الشروط النقدية القتصاد األسواق ،من دروس األمس إلى إصالحات الغد" ،ترجمة
المعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب ،البنك اإلسالمي للتنمية ،جدة0110 ،
.800وشاح رزاق" ،األزمة المالية الحالية" ،المعهد العربي للتخطيط ،الكويت
المؤتمرات
.806أحمد العوضي" ،األزمة االقتصادية الراهنة ووجهة نظر اإلسالم منها" ،المؤتمر العلمي الحادي
عشر :األزمة االقتصادية المعاصرة أسبابها -تداعياتها وعالجها ،كلية الشريعة ،جامعة جرش
الخاصة،األردن ،يومي06-09:ديسمبر8000
.809إسماعيل كاظم العيساوي "،األزمة االقتصادية العالمية:األسباب والحلول(دراسة في ضوء االقتصاد
اإلسالمي)" ،مؤتمر اإلسالم والسالم ،جامعة الدمام ،المملكة العربية السعودية ،يومي01-09:
أفريل8008
.802بحري هشام ،محزم حسيبة " ،اآلثار المحتملة لتخفيض أسعار الفائدة على االقتصاد العالمي"،
الملتقى الوطني التاسع حول أداة سعر الفائدة وأثرها على األزمات ،جامعة 80أوت ،سكيكدة،
يومي 00-01:ماي 8000
.801بو العيد بعلوج ،وردة جاب الخير"،من األزمة المالية 0181إلى األزمة المالية 8002مقارنة
واستخالص العبر" ،الملتقى الدولي حول "أزمة النظام المالي والمصرفي الدولي وبديل البنوك
اإلسالمية" ،جامعة األمير عبد القادر ،قسنطينة ،يومي 9-6أفريل 8001
.880جاسم المناعي " ،األزمة االقتصادية اآلسيوية محاولة تشخيص" ،المؤتمر الرابع ألسواق المال
العربية ،بيروت ،لبنان 2 ،ماي 0112
.880الداوي الشيخ "،األزمة المالية العالمية انعكاساتها وحلولها" ،مؤتمر األزمة المالية العالمية وكيفية
عالجها من منظور النظام االقتصادي الغربي واإلسالمي ،جامع جنان ،طرابلس ،لبنان 09-00 ،مارس
8001
10
قائمة المراجع
.888رف عت السيد العوضي" ،أثر التجارة البينية للدول اإلسالمية في الحد من ضيق السوق" ،مؤتمر
التنمية والتكامل االقتصادي في العالم اإلسالمي ،نظم من قبل مركز الدراسات المعرفية بالقاهرة بالتعاون
مع قسم االقتصاد بكلية التجارة جامعة األزهر ومركز صالح كامل لالقتصاد اإلسالمي بجامعة األزهر،
القاهرة يومي 81-82أفريل 8000
. 880زكريا بله باسي" ،األزمة المالية العالمية وكيفية عالجها من منظور النظام االقتصادي الغربي
واإلسالمي" ،المؤتمر الدولي حول األزمة المالية العالمية وكيفية عالجها من منظور النظام االقتصادي
الغربي واإلسالمي ،جامعة الجنان ،لبنان ،يومي 09-00مارس 8001
. 889زهيرة عبد الحميد معربة" ،نتائج األزمة المالية العالمية وأثرها على الدول اإلسالمية وأهمية
التعاون بينها" ،مؤتمر التنمية والتكامل االقتصادي في العالم اإلسالمي ،نظم من قبل مركز الدراسات
المعرفية بالقاهرة بالتعاون مع قسم االقتصاد بكلية التجارة جامعة األزهر ومركز صالح كامل لالقتصاد
اإلسالمي بجامعة األزهر ،القاهرة يومي 81-82أفريل 8000
. 880السيد عطية عبد الواحد" ،التجارة البينية للدول اإلسالمية ودورها في تعزيز كفاءة اإلنتاج وزيادة
النمو (المعوقات والحلول) ،مؤتمر التنمية والتكامل االقتصادي في العالم اإلسالمي ،نظم من قبل مركز
الدراسات المعرفية بالقاهرة بالتعاون مع قسم االقتصاد بكلية التجارة جامعة األزهر ومركز صالح كامل
لالقتصاد اإلسالمي بجامعة األزهر ،القاهرة يومي 81-82أفريل 8000
.886عبد المنعم السيد علي "،مستقبل النظام الرأسمالي واستقراره في ظل األزمات المالية العالمية
والعولمة المالية" ،المؤتمر العلمي العاشر :االقتصادات العربية وتطورات ما بعد األزمة االقتصادية
العالمية ،الجمعية العربية للبحوث االقتصادية ،بيروت ،يومي /80-01ديسمبر8001
.889عقبة عبد الالوي ،نور الدين جوادي" ،األزمات المالية سجال التدويل وأطروحات التعولم الثالثي"
المؤتمر الدولي حول األزمة المالية واالقتصادية العالمية المعاصرة من منظور اقتصادي إسالمي،
جامعة العلوم اإلسالمية العالمية بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،ع ّمان ،األردن 8-0 ،ديسمبر
8000
.882عمر خضيرات" ،األزمة االقتصادية العالمية المعاصرة ومصير النظام الرأسمالي" ،المؤتمر
العلمي الدولي حول األزمة المالية واالقتصادية العالمية المعاصرة من منظور اقتصادي إسالمي ،جامعة
العلوم اإلسالمية العالمية والمعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،ع ّمان ،األردن ،يومي 8- 0 :ديسمبر 8000
.881لعلى بن صالح خاشي"،أسباب األزمة االقتصادية القريبة والبعيدة" ،المؤتمر العلمي الحادي عشر:
األزمة االقتصادية المعاصرة أسبابها -تداعياتها وعالجها ،كلية الشريعة ،جامعة جرش الخاصة،األردن،
يومي06-09:ديسمبر8000
.800ماجد فوزي أبو غزالة "،االستراتيجيات الوقائية من األزمات المالية واالقتصادية المعاصرة:
ماليزيا نموذجا" ،المؤتمر العلمي الدولي حول األزمة المالية واالقتصادية العالمية المعاصرة من منظور
اقتصادي إسالمي ،جامعة العلوم اإلسالمية العالمية والمعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،ع ّمان ،األردن،
يومي 8-0 :ديسمبر 8000
.800محمد عبد الحليم عمر" ،الوحدة االقتصادية بين األمة اإلسالمية" ،مؤتمر وحدة األمة اإلسالمية،
نظم من قبل رابطة العالم اإلسالمي ،مكة المكرمة ،يومي 2-6أوت 8000
.808محمد عبد الغفار الشريف" ،الغرر :المقدار المانع من صحة التعامل والمغتفر عنه" ،المؤتمر
الرابع للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية اإلسالمية ،هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية
اإلسالمية ،البحرين ،يومي 9-0:أكتوبر 8009
.800محمد علي التسخيري" ،مدى أثر دليل نفي الغرر في صحة المعامالت" ،مؤتمر الهيئات الشرعية
للمؤسسات المالية اإلسالمية ،هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية اإلسالمية ،البحرين،
يومي 89-86:ماي 8000
.809محمود فهد مهيدات" ،المضاربات الوهمية ودورها في األزمة المالية -عقود الخيار ،"-المؤتمر
العلمي الدولي حول األزمة المالية واالقتصادية العالمية المعاصرة من منظور اقتصادي إسالمي ،جامعة
العلوم اإلسالمية العالمية والمعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،ع ّمان 8-0ديسمبر 8000
11
قائمة المراجع
. 800نبيل بوفليح ،عبد هللا الحرتسي حميد " ،التمويل اإلسالمي كأسلوب لمواجهة تحديات االومة المالية
العالمية" ،الملتقى الدولي حول أزمة النظام المالي والمصرفي الدولي وبديل البنوك االسالمية ،جامعة
األمير عبد القادر ،قسنطينة ،يومي 09-06 :أفريل 8001
النشرات والبيانات الصحفية
. 806إصالح نظام الحوكمة في الصندوق تحقيق انجاز مهم نحو تعزيز شرعية الصندوق" ،نشرة
صندوق النقد الدولي االلكترونية 00 ،مارس 8000
أوروبا والصندوق يتفقان مع اليونان على خطة تمويلية بقيمة 000مليار يورو" ،نشرة صندوق النقد
الدولي االلكترونية 8 ،ماي 8000
. 809أولريك إريكسون ،فون ألمين " ،صندوق النقد الدولي يراجع كيفية تقديم مساعدات مالية" ،نشرة
صندوق النقد الدولي االلكترونية 01 ،أكتوبر 8002
.802المجلس التنفيذي يوافق على قرض لليونان بقيمة 82مليار يورو من خالل تسهيل الصندوق
الممدد" ،بيان صحفي رقم 00 ،08/22مارس 8008
" .801بدء سريان اإلصالحات التاريخية في حصص الصندوق ونظام حوكمته" ،البيان الصحفي رقم
89 ،06/82يناير 8006
" .890برنامج اليونان :المجلس التنفيذي يوافق على قرض لليونان بقيمة 82مليار يورو" ،نشرة
صندوق النقد الدولي االلكترونية 00 ،مارس 8008
" .890بيان من صندوق النقد الدولي بشأن اليونان" ،بيان صحفي رقم 00 ،00/ 114يوليو 8000
.898جاكلين ديلورييه ،الصندوق يقرر اإلفصاح عن معلومات أكثر وأحدث" ،نشرة صندوق النقد
الدولي االلكترونية 02 ،جانفي 8000
" .890برنامج اليونان :المجلس التنفيذي يوافق على قرض لليونان بقيمة 82مليار يورو" ،نشرة
صندوق النقد الدولي االلكترونية 00 ،مارس 8008
" .899دروس األزمة..صندوق النقد الدولي يحث على إعادة النظر في كيفية إدارة المخاطر النظامية
العالمية" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 6 ،مارس8001
. 890ديفيد ليبتون" ،تسريع الخطى :لماذا تعتبر اإلصالحات الهيكلية ضرورة إلنعاش النمو العالمي"،
مدونة صندوق النقد الدولي 86 ،جوان 8006
" . 896رد فعل تجاه األزمة المالية :صندوق النقد الدولي يوضح الحاجة إلى دفعة تنشيطية مالية عالمية"،
نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 81 ،ديسمبر 8002
" .899صندوق النقد الدولي يبدأ نظاما إلزاميا لفحص أوضاع أكبر 80قطاعا ماليا" ،نشرة صندوق النقد
الدولي االلكترونية 89 ،سبتمبر 8000
" .892صندوق النقد الدولي يجري إصالحا شامال إلطار اإلقراض" ،بيان صحفي رقم 89 ،02/22
مارس 8001
" .891صندوق النقد الدولي يعتمد إطارا إلصدار السندات للقطاع الرسمي" ،البيان الصحفي رقم
،02/842يوليو 8001
" .800صندوق النقد الدولي يعزز أدواته المخصصة للوقاية من األزمات" ،بيان صحفي رقم ،00/180
00أوت 8000
" .800صندوق النقد الدولي"،صالحيات الصندوق االستثمارية الموسعة تدخل حيز التنفيذ" ،البيان
الصحفي رقم 02 ،00/28فيفري 8000
" .808الصندوق يجري إصالحا شامال لنظام اإلقراض الحالي من أجل مساعدة بلدانه األعضاء على
تجاوز األزمة"،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 89 ،مارس8001
" .800الصندوق يشير إلى ضرورة اتخاذ مزيد من اإلجراءات لمكافحة انتشار األزمة العالمية" ،نشرة
صندوق النقد الدولي االلكترونية 00 ،ديسمبر 8002
12
قائمة المراجع
" .809الصندوق يطلق المعيار الخاص المعزز لنشر البيانات" ،البيان الصحفي رقم 02 ،04/281
نوفمبر 8009
" .800الصندوق يعزز نوافذ السيولة واإلقراض الطارئ" ،البيان الصحفي رقم 88 ،00/484نوفمبر
8000
.806غلين غوتسليغ " ،صندوق النقد الدولي يقرر المضي في عمليات بيع محدودة للذهب" ،نشرة
صندوق النقد الدولي اإللكترونية 02 ،سبتمبر 8001
. 809غلين غوتسليغ" ،صندوق النقد الدولي يضخ في االقتصاد العالمي كما من حقوق السحب الخاصة
تعادل قيمته 820مليار دوالر سعيا لزيادة احتياطات البلدان" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية،
82أوت 8001
.802غيلدا فرنانديز وآخرون" ،بداية جديدة في ممارسة الصندوق للرقابة االقتصادية" ،نشرة صندوق
النقد الدولي االلكترونية 01 ،يوليو 8008
" .801قمة مجموعة العشرين...قادة العالم يطلقون خطة عمل للتغلب على األزمة المالية" ،نشرة صندوق
النقد الدولي االلكترونية 00 ،نوفمبر 8002
.860كاميال أندرسن"،قواعد جديدة لمشاركة الصندوق من خالل القروض" ،نشرة صندوق النقد الدولي
االلكترونية 00 ،افريل 8001
" . 860المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي يناقش الدروس األولية المستخلصة من األزمة" ،بيان
صحفي رقم 06 ،02/10مارس 8001
" .868المجلس التنفيذي للصندوق يوافق على عملية إصالح شاملة كبرى لنظام الحصص والحوكمة"،
البيان الصحفي رقم 00 ،00/402نوفمبر 8000
" .860مجلس المحافظين يعتمد عنصرا أساسيا في نموذج الدخل الجديد" ،البيان الصحفي رقم ،02/000
06ماي 8002
" .869مجموعة العشرين تدعم التحرك المستمر لمواجهة األزمة والتحول المزمع في تمثيل أعضاء
الصندوق" ،نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 80 ،سبتمبر 8001
" . 860المديرون التنفيذيون يؤيدون جهود اإلصالح الشامل لنظام الحصص واألصوات في الصندوق"،
نشرة صندوق النقد الدولي االلكترونية 82 ،مارس 8002
المواقع االلكترونية
.866أحمد طرطار" ،بعض آراء المقريزي االقتصادية والوقائع المواكبة لعصره -النقود نموذجا ،"-من
الموقع:
)iefpedia.com/…/ last visited )12/05/8000
.869أحمد عكاشة" ،التعاون والتكامل االقتصادي بين األقطار اإلسالمية" ،الموقع العالمي لالقتصاد
اإلسالمي ،8000/00/80 ،من الموقعwww.isegs.com/forum/showthread.php ?t=4832,last :
visited 09/11/2017
.862إدارة الدراسات والبحوث" ،التنافس والتشابك االقتصادي األمريكي -الصيني" ،اتحاد المصارف
العربية ،8009 ،من الموقع:
www.uabonline.org/ar/research/economic/.../7691/1 last visited
. 861أسامة عبد المجيد العاني" ،نحو صندوق وقفي لتمويل المشروعات المتناهية الصغر" ،مجلة
االقتصاد اإلسالمي2017 ،
/...last visited 14/06/2017دراساتwww.aliqtisadalislami.net/category/
.890حازم الببالوي" ،األزمة المالية العالمية محاولة للفهم" ،ص .1.من الموقع:
http://www.kantakji.com/crisis-management last visited 05/05/2016.
.890حسام محمد ماشا " ،التنمية االقتصادية من منظور إسالمي" ،ص .0.من الموقع:
iefpedia.com/…/ last visited 07/06/2019
13
قائمة المراجع
.898حسين حسن شحاتة"،ماذا خسر العالم بطغيان الرأسمالية المالية" ،سلسلة بحوث ودراسات في
الفكر االقتصادي اإلسالمي،من الموقع:
www.Darelmashora.com last visited 17/05/2015
.890رجاء خضير الربيعي ،التحليل الفكري للدورات االقتصادية من الموقع:
https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=64359 last visited 10/12/2014
.899شبكة خبراء األسهم" ،تاريخ المضاربة" ،8008 ،من الموقع:
last visited 25/12/2017
http://stocksexperts.net/showthread.php?t=86732
.890عبد الرحيم بن صمايل السلمي" ،الليبرالية نشأتها ومجاالتها" ،ص .00.من الموقع:
http://www.j4know.com/new_books/301471605301681.pdf last visited (10/07/2010
.896عبد اللطيف هميم"،األزمة المالية والبديل الثالث (سقوط الرأسمالية)" ،من الموقع:
www.hamaim.com last visited (26/07/2013
. 899عبد المحسن عبد العزيز الفارس" ،تطوير الصكوك وغيرها من أدوات التمويل اإلسالمي طويل
األجل لتحقيق التنمية المستدامة" ،مؤتمر صندوق النقد الدولي حول التمويل اإلسالمي تلبية الطموحات
العالمية ،منظم من قبل صندوق النقد الدولي وبنك الكويت المركزي ومركز صندوق النقد الدولي
لالقتصاد والتمويل في الشرق األوسط ،يوم 00نوفمبر ،8000من الموقع:
www.youtube.com/watch?V=j1xycnbly&b4
.820علي عبد هللا شاهين" ،أثر تطبيق نظام التقييم المصرفي األمريكي) )Camelsلدعم فعالية نظام
التفتيش على البنوك التجارية دراسة حالة بنك فلسطين المحدود" ،الجامعة اإلسالمية ،غزة ،مارس
،8000ص .02.من الموقع:
http://site.iugaza.edu.ps/ashaheen1/files/2011 last visited 08/08/2014
.820عمر عبد هللا كامل" ،نحو اقتصاد فقهي حول النقود واالسواق المالية" ،ص.16.من الموقع:
www.okamel.com/index last visited 25/12/2013
.828كريستين الغارد"،الحساب العالمي للسياسات النقدية غير التقليدية"،كلمة مدير عام صندوق النقد
الدولي في ندوة جاكسون هول80،أوت ،8000من الموقع:
http://www.imf.org/~/ speeches/2013/082313apdf, last visited 19/02/2017.
.820كمال توفيق حطاب" ،الصكوك الوقفية ودورها في التنمية" ،8006 ،ص .1.من الموقع:
kamalhattab.info/…/20% pdf, : Last visited 03/07/2017
.829محمد إبراهيم السقا " ،انهيار ،"0129ألفا بيتا االقتصاد والمال00 ،جويلية ،8000من الموقع:
http://alphabeta.argaam.com/article/detail/19354/1987 last visited 09/01/2018.
.820محمد ابراهيم السقا" ،فقاعة الدوت كوم" ،الصحيفة االقتصادية80 ،أوت ، 8000من الموقع:
http://www.aleqt.com/2010/08/20/article_431805.html last visited 22/10/2015.
.826محمد الحسن بريمة إبراهيم" ،رؤية القرآن للعالم وداللتها على مفهوم االستخالف" ،البحوث
والدراسات ،الهيئة العليا للرقابة الشرعية على المصارف والمؤسسات المالية ،السودان ،ص ص.0-9.
www.hssb.gov.sd/ar/content/.. last visited 01/10/2017 من الموقع:
: من الموقع،" مشكالتها، حكمها، أشكالها، تكييفها: "الصناديق الوقفية المعاصرة، محمد الزحيلي.822
waqef.com.sa/upload/33k5xh2259qi.pdf last visited 01/07/2017
"فشل األسواق المالية التقليدية واألزمات المالية االقتصادية من منظور، هشام حنضل عبد الباقي. 821
: من الموقع،" إسالميhttp://platform.almanhal.com/Reader/Article/20453 last visited
21/12/2017
www.imf.org : من الموقع8000 اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي.810
www.imf.org/About/Factsheets : من الموقع، صندوق النقد الدولي، صحيفة وقائع.810
https://blog-montada.imf.org.: من الموقع، مدونة صندوق النقد الدولي.818
15
قائمة المراجع
17
قائمة المراجع
333. Jacques Sapir, "La crise financière Russe d’août 1998, Tournant
de transition en Russie ?", Document de Travail 01-1, CEMI, Mai 2001
334. Jakob de Haan, Fabian Amtenbrik," Credit Rating Agencies", DNB
Working Paper, N°278, Amsterdam, January 2011
335. Jan Brockmeijer and others, "Macroprudential Policy: An Organizing
Framework", International Monetary Fund, March 14, 2011, p.5.
www.imf.org/external/np/pp/eng/2011/031411.pdf. last visited
29/03/2017.
336. Jeff Berman and others, "Dodd-Frank Wall Street Reform and
Consumer Protection Act, July 2010", Clifford Chance US LLP,
London, https://www.cliffordchance.com/content/--/ Dodd-
Frank_Memo_Revised_August.pdf, last visited 10/02/2018
337. Jim Saxton," Argentina’s economic crisis : Causes and Cures",
Ajoint Economic Committee Study, United Statees Congress, June
2003
338. José Gabriel Palma, "The 1999 Brazilian financial crisis: how to
create a financial crisis by trying to avoid one", Third Workshop
“Financial Stability and Growth”, Organized by CEMACRO – Center of
Structuralist Development Macroeconomics, São Paulo School of
Economics Fundação Getulio Vargas, and the Ford Foundation, March
2012
339. K.Michael Finger, Ludger Schuknecht," Commerce, Finance et
Crises financières", Organisation du Commerce, Genève, 1999
340. Mark Carlson," A Brief History of the 1987 Stock Market Crash with
a Discussion of the federal Reserve Response", Finance and
Economics Discussion Series, Divisions of Research & Statistics and
Monetary Affairs, Federal Reserve Board, November 2006
341. Mark Kruger and others, "The Role of the Internationam Monetary
Fund in the Post- Crisis World", Staff Discussion Paper/Document
d’analyse du personnel 2016-6, Bank of Canada, February 2016
342. Martin Muhleisen and others, "The IMF- FSB Early Warning
Exercise: Design and Methodological Toolkit",International Monetary
Fund,September 2010, p.4.www.imf.org/external/np/pp/2010/090110.pdf
last visited 20/03/2017.
343. Nicolas Véron, "The International Monetary Fund’s role in the Euro-
Area Crisis: Financial sector aspects", Policy Contribution, Bruegel:
European research center specializing in economics, Issue n° 13, 2016
344. Owen Evans and others, "Macroprudential Indicators of Financial
System Soundness", Occasional paper 192, International Monetary
Fund, , Washingtin, April 2000
345. Philippe Gudin de Vallerin, "Eclatement de la bulle sur le marché
immobilier américain", Editeur Ministère de l’Economie, de l’industrie et
18
قائمة المراجع
20
قائمة المراجع
ue2008.fr/webdav/site/EFUE/shard/.../ASEM/ASEM_summit_ statement
_international_financiali_situation_EN.pdf, last visited 26/09/2016.
375. Mike Evangelist, Valerie Sathe," Brazil’s 1889-1999 currency crisis",
4/11/06 www.personal.umich. edu/~kathrynd/Brazil.w06.pdf last visited
15/05/2015
376. Aart Kraay, Jaume Ventura,"The Dot-Com Bubble,the Bush
Deficits,and the U.S Current Account", p.460.
www.nber.org/chapters/c0124.pdf, last visited 13/10/2015.
377. Caitlin E. Anderson, "1873 off the rails", Historical Collections,
www.library.hbs.edu/hc/crises/intro.html last visited 26/12/2017
379. Chair’s statement of the Seventh Asia-Europe Meeting", Beijing, 24-
25 October 2008, http://
archiveue2009.fr/webdav/site/EFUE/shard/…/1024_sommet_ASEM/ASE
M_Summit_chair_s_statement_EN.pdf, last visited 26/09/2016.
379. Chaker Aloui, Fessi Hela," Intégration financière et vulnérabilité :
analyse du phénomène de contagion des crises financières : Cas de la
crise asiatique de 1997", from : www.fsegn.rnu.tn/../ch%20Aloui%20%20
et20%H%20fessi.pdf last visited 25/05/2015.
380. Costas Meghir and others, "The economic crisis in Greece: A time
of reform and opportunity", 5 August 2010,
http://www.enap.gr/attachments/article/7146/..../%20opportunity.pdf last
visited 16/01/2018.
381.David Blanke," Panic of 1873", http://teachinghistory.org/history-
content/beyond-the-textbook/24579 last visited 26/12/2017
382.David Harper," Understanding Supply-Side Economics",
www.investopedia.com/articles/05/011805.asp last visited 12/12/2013
383. Dennis Kelleher, "The Economic Fallout of the U.S Financial Crisis",
September 10, 2012, https:// www.the globalist.com/the-economic-
fallout-of-the-u-s-financial-crisis/, last visited 19/07/2016.
384. Garvet Ngo, Nancy Ramirez, "The European Currency Crisis (1992-
1993)" www.calsatatela.edu/facul ty/ rcastil/...Europe.ppt, last visited
22/02/2015.
385. GDP in Mexico", Focus Economics, https://www.focus-
economics.com/country-indicator/mexico/gdp, last visited 08/01/2018.
386. Inflation in Mexico" , Focus Economics, https://www.focus-
economics.com/country-indicator/mexico/inflation last visited 07/01/2018
387. International Monetary Fund ,"The Fund’s capacity Development
Strategy-Better Poicies Throgh Stronger Institutions", May 21, 2013,
www.imf.org/external/np/pp/eng/2013/052113.pdf, last visited 01/05/2017
388. International Monetary Fund, "IMF Members' Quotas and Voting
Power, and IMF Board of Governors", Last Updated: May 03, 2017,
www.imf. org/external/np/sec/memdir/members.aspx, last visited
07/05/2017.
21
قائمة المراجع
22
قائمة المراجع
23
المالحق
)01( الملحق رقم
المبدأ األول :المسؤوليات الشاملة للمجلس .يتحمل المجلس المسؤولية الشاملة عن البنك،
بما في ذلك االعداد والتطبيق واالشراف على تنفيذ االهداف االستراتيجية للبنك ،واطار
للحوكمة ،وثقافة وقيم المؤسسة .فمن الضروري أن يدرك جميع أعضاء مجلس االدارة
انهم يتحملون المسؤولية النهائية عن اعمال البنك واستراتيجية المخاطر والسالمة المالية،
فضال عن القرارات الرئيسية المتعلقة بالموظفين ،والتنظيم الداخلي ،وادارة المخاطر،
والتأكد من النزام االدارة بتنفيذ سياسات البنك .والعمل على ارساء وتعزيز ثقافة مؤسسية
سليمة من خالل اصدار مدونة السلوك أو مدونة أخالقيات المهنة تشمل القواعدأو المعايير
المهنية المقبولة و السلوكيات غير المقبولة.كما ينبغي أن يمنع صراحة النشاط غير القانوني،
مثل سوء اإلبالغ المالي وسوء السلوك كاالحتيال ،غسيل االموال،الرشوة والفساد...كما
ينبغي أن يقوم المجلس باالشرافعلى االدارة العليا ومراقبة االجراءات التي تقوم بها للتاكد من
أنها تتفق مع استراتيجية والسياسات التي وافق عليها المجلس خاصة تلك تلك التي تتعلق
بالمخاطر المقبولة .ولدى اضطالع المجلس بكل هذه المسؤوليات عليه أن ياخذ في عين
االعتبار مصالح المودعين والمساهمين وأصحاب المصلحة اآلخرين ذوي الصلة.
المبدأ الثاني :مؤهالت أعضاء مجلس االدارة وتكوينهم .ينبغي أن يكون أعضاء المجلس
مؤهلين باستمرار ،فرديا وجماعيا ،وأن يتوفر لديهم الفهم الواضح لدورهم الرقابي
والحوكمة وأن يكونوا قادرين على ممارسة مهامهم وعلى الحكم بموضوعية في شؤون
البنك .ومن الشروط الواجب توفرها ايضا في اعضاء المجلس :أن يكون لهم سجل من
النزاهة والسمعة الطيبة ،وأن يكون لديهم الوقت الكافي لتنفيذ كامل المسؤوليات ،والقدرة
على التفاعل ،وعدم وجود أي نوع من تضارب في المصالح قد يعيق قدرتهم على أداء
واجبهم بشكل مستقل وموضوعي .ومن أجل مساعدة أعضاء المجلس على اكتساب المعارف
والمهارات والحفاظ عليها وتعزيزها ،يتعين على مجلس االدارة ان يضمن مشاركة االعضاء
في برامج تعريفية والحصول على التدريب المستمر بشأن القضايا ذات الصلة بأعمال البنك
وخاصة تلك المتعلقة بالحوكمة.
المبدأ الثالث :هيكل المجلس وممارساته .ينبغي أن يحدد مجلس اإلدارة هياكل وممارسات
الحوكمة المناسبة لعمله ،وأن يضع الوسائل الالزمة لمثل هذه الممارسات التي يتعين
اتباعها ومراجعتها دوريا من أجل استمرار فعاليتها .ولزيادة كفاءته وتعزيز فاعليته الرقابية
،يتوجب على مجلس اإلدارة إنشاء لجان وتكليفها بكامل مهامها ومسؤولياتها ،ويتم تحديد
عدد وطبيعة اللجان حسب الحاجة،وحسب حجم البنك ومجلس إدارته ،ومخاطره .واللجان
الموصى بها في هذا الدليل :لجنة التدقيق ،لجنة المخاطر ،لجنة التعويضات والمكفآت ،لجنة
الترشيح ،لجنة الحوكمة ،لجنة االمتثال .وحرصا على مزيد من الشفافية ،ينبغي على المجلس
ان يفصح عن اللجان التي انشاها( أعضاؤها ،مهامها.)...
المبدأ الرابع :اإلدارة العليا .يتعين على االدارة التنفيذية العليا وتحت اشراف مجلس االدارة
التاكد من ان انشطة البنك تتسق مع استراتيجية االعمال والمخاطر المقبولة والمكافآت
والسياسات االخرى المعتمدة من المجلس .وتتالف هذه االدارة من مجموعة من االشخاص
يعينهم المجلس ويخضعون لمساءلته .ويتعين عليهم التمتع بالخبرة والكفاءات الالزمة،
والنزاهة الدارة اعمال البنك والمساهمة في تطبيق ممارسات الحوكمة المعتمدة من المجلس.
وضرورة حصولهم على تدريب منتظم لتعزيز كفاءتهم حتى تواكب المستجدات والتطورات
ذات الصلة بمجاالت مسؤوليتها.
المبدأ الخامس :حوكمة المجموعة .يتحمل مجلس إدارة البنك االم المسؤولية الكاملة عن
المجموعة وضمان إنشاء وتطبيق إطار عمل واضح للحوكمة يتناسب مع هيكل وأعمال
ومخاطر المجموعة وكياناتها .كما يجب على المجلس واإلدارة العليا فهم الهيكل التنظيمي
للمجموعة المصرفية والمخاطر التي تشكلها.
المبدأ السادس :وظيفة إدارة المخاطر .يجب أن يكون لدى البنوك وظيفة مستقلة وفعالة في
ادارة المخاطرتحت اشراف مسؤول تنفيذي مستقل يشار اليه برئيس المخاطر)(COR
يتمتع بصالحيات مستقلة وموارد كافية وامكانية تواصله مع المجلس .وتتمثل مسؤولية
وظيفة إدارة المخاطر في تحديد وقياس ومراقبة واإلبالغ عن المخاطر واقتراح وسائل
التخفيف من المخاطر ،باإلضافة إلى أن من مسؤولياتها أيضا ً المراقبة المستمرة لمدى
االلتزام بالحدود الموضوعة للمخاطر المقبولة المعتمدة من مجلس اإلدارة ،وحتى تكون إدارة
المخاطر فاعلة يجب أن يتوافر لدى البنك نظام معلومات فاعل ونظام لإلنذار المبكر يكشف
جميع التجاوزات التي يمكن أن تحدث.
المبدأ السابع :تحديد ورصد المخاطر والسيطرة عليها .ينبغي تحديد المخاطر ومراقبتها
والتحكم فيها بشكل مستمر على مستوى المجموعة وعلى فرادى البنوك ،ويجب ان تواكب
ادارة المخاطر والبنية التحتية للرقابة الداخلية أي تغيرات تطرأ على مخاطر البنك و
التغيرات التي تطرأ على المخاطر الخارجية ،وعلى ممارسات الصناعة.
المبدأ الثامن :االبالغ عن المخاطر .يتطلب وجود إطار فعال لحوكمة المخاطر اتصاال قويا
داخل البنك حول المخاطر ،عبر المؤسسة(أي بين ادارة المخاطر وبين مختلف ادارات
البنك) و من خالل رفع التقارير إلى مجلس االدارة واالدارة العليا.
المبدأ التاسع :االمتثال .إن مجلس إدارة البنك مسؤول عنانشاء وظيفة االمتثال للبنك
ومسؤول عن االشراف عليها .وهذه الوظيفة تقوم بالمراقبة االعتيادية لمدى االلتزام
بالقوانين وقواعد الحوكمة والسياسات واإلجراءات التي يخضع لها البنك والتي يشكل عدم
االلتزام بها مخاطر.كما ينبغي أن تقوم وظيفة االمتثال بإبالغ مجلس اإلدارة واإلدارة العليا
بكل التطورات ،وان تعمل على تعزيزالوعي لدى الموظفين حول قضايا االمتثال ،ولكي
تكون وظيفة االمتثال فعالة ،يجب أن تتمتع بسلطة كافية ،ومكانة ،واستقالليةوموارد كافية
وسهولة ا الوصول واالتصال بالمجلس.
المبدأ العاشر :التدقيق الداخلي .ينبغي ان تعمل وظيفة التدقيق الداخلي على دعم مجلس
االدارة واالدارة العليا في تعزيز اطار حزكمة فعال يضمن سالمة البنك على المدى الطويل.
فمن مسؤوليتها القيام بمراجعة مستقلة والتأكد من نوعية وفاعلية إطار حوكمة المخاطر في
البنك بما فيها فاعلية وظيفتي إدارة المخاطر واالمتثال ونوعية التقارير المتعلقة بالمخاطر
المرسلة لمجلس اإلدارة واإلدارة العليا وفاعلية نظام الرقابة الداخلية.
المبدأ الحادي عشر :التعويضات .يجب ان يدعم هيكل المكافأت في البنك الحوكمة السليمة
،ويعمل على تعزيز فعالية ادارة المخاطر.ويتعين على كل بنك انشاء لجنة لمنح المكافآت
مسؤولة عن االشراف العام على تنفيذ االدارة لنظام المكافآت للبنك بأكمله .وباالضافة إلى
ذلك ،يجب على مجلس االدارة أو لجنته مراقبة ومراجعة النتائج بانتظام للتاكد من ان
الحوافزالتي يقدمها نظام المكافآت يأخذ في االعتبار المخاطر ورأس المال والسيولة .كما
يجب على مجلس االدارة أو اللجنة مراجعة خطط المكافآت وعملياتها ونتائجها سنويا على
األقل .وينبغي أن تكون للمؤسسات المالية الهامة من الناحية النظامية لجنة لتعويض مجلس
اإلدارة كجزء ال يتجزأ من هيكلها.
المبدأ الثاني عشر :االفصاح والشفافية .يجب أن تكون حوكمة البنك شفافة بشكل كاف
لمساهميه ،ومودعيه ،وأصحاب المصلحة اآلخرين ،والمشاركين في السوق.
المبدأ الثالث عشر :دور المشرفين .يجب على المشرفين اإلشراف وتقديم التوجيهات
الخاصة بحوكمة البنوك ،من خالل عمليات التقييم الشاملة والتفاعل المنتظم مع المجالس
واإلدارة العليا ،كما يجب الطلب من البنوك التحسين واتخاذ اإلجراءات التصحيحية عند
الضرورة ،ويجب التعاون وتقاسم المعلومات فيما يخص ممارسات البنوك المتعلقة بالحوكمة
مع المشرفين اآلخرين .وقد حددت لجنة بازل عدة امور يجب على الجهات االشرافية القيام
بها لتطبيق حوكمة سليمة *:وضع توجيهات أو قواعد تتفق مع مبادئ حوكمة البنوك (بازل
)8000تلزم بها البنوك على امتالك سياسات وممارسات حوكمة قوية*.القيام بعملية تقييم
شاملة لحوكمة البنك من خالل المراجعات المنتظمة للمواد والتقارير المكتوبة والمقابالت مع
أعضاء مجلس اإلدارة وموظفي البنوك والتقييم الذاتي الذي يقزم به البنك كما ينبغي أن تشمل
التقييمات ايضا االتصال المنتظم مع مجلس االدارة ،واالدارة العليا ،والمسؤولين عن وظائف
ادارة المخاطر واالمتثال والتدقيق الداخلي والمدققين الخارجيين .كما ينبغي للمشرفين أيضا
تقديم رؤى للبنك على عملياته نسبة إلى أقرانه ،والسوق ،والتطورات ،والمخاطر النظامية
الناشئة * .على المشرفين الطلب من البنوك اتخاذ التدابير واالجراءات التصحيحية في الوقت
المناسب لمعالجة اوجه الخلل في تطبيقاتها لمبادئ الحوكمة.
i
. Basel Committee on Banking Supervision, Guidelines Corporate governance principles for banks, July
2015, bank for
International Settlements, www.bis.org. last visited 11/05/2016
يصنف صندوق النقد الدولي بلدان العالم إلى مجموعتين رئيسيتين هما :االقتصادات
المتقدمة و اقتصادات االسواق الصاعدة واالقتصادات النامية
المصدر :صندوق النقد الدولي ،آفاق االقتصاد العالمي ،أكتوبر ،8002ص،042.
ص042.
2112 2112 2112 2111 2111 2112 2112 2112 2115 2115
2.2 2.1 2.4 2.7 8.2 1.2- 2.1 2.7 8.2 2.2 العالم
0.1 0.2 0.2 0.2 2.1 2.2- 1.8 4.0 2.1 4.2 الدول
المتقدمة
4.2 0.7 4.0 0.1 4.2 4.2- 1.2 4.4 4.7 2.0 الواليات
المتحدة
1.7 1.8- 1.0- 0.2 4.1 2.0- 1.2 4.2 4.1 0.2 منطقة اليورو
4.2 0.1 1.2 1.7 0.1 2.7- 1.8 2.0 4.7 0.1 المملكة
المتحدة
1.0- 0.8 0.2 1.2- 2.0 8.4- 0.4- 4.0 4.2 0.7 اليابان
4.8 4.1 0.0 4.2 2.4 4.8- 1.8 4.0 4.1 2.0 كندا
4.1 4.2 0.7 2.2 8.1 0.0- 0.2 2.7 2.1 2.4 الدول
المتقدمة
االخرى
2.2 2.0 8.1 2.4 0.2 4.2 2.2 0.7 0.1 0.0 السوق
الصاعدة
واالقتصادات
النامية
8.1 2.7 2.7 8.2 8.2 4.1 8.4 2.4 8.7 8.0 افريقيا
4.1 4.1 0.2 8.4 2.2 2.2 4.7 8.1 2.2 2.0 وسط وشرق
اوروبا
0.1 4.0 2.2 2.1 2.7 2.2 8.8 1.8 1.4 2.8 رابطة الدول
المستقلة
2.1 2.8 2.0 1.0 01.1 0.4 0.0 7.0 7.2 7.1 الدول النامية
اآلسيوية
0.2 0.0 0.0 7.2 01.2 7.4 7.1 00.2 00.0 01.2 الصين
0.4 2.2 2.0 0.0 00.4 2.1 0.2 7.4 7.0 7.0 الهند
4.2 4.4 2.0 2.1 8.8 0.1 8.7 8.1 8.1 8.0 الشرق
االوسط
- 4.0 2.0 2.2 2.8 0.0- 2.4 8.2 8.8 2.2 نصف الكرة
الغربي
1.0 4.2 0.1 4.0 0.2 1.2- 8.0 8.2 2.1 2.4 البرازيل
4.0 0.0 2.7 2.7 8.2 2.0- 0.2 2.2 2.1 4.1 المكسيك
المصدر :تقرير آفاق االقتصاد العالمي :التكيف مع أسعار السلع األولية المنخفضة ،صندوق النقد الدولي
،أكتوبر ،2115ص.121 .
المصدر - :صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8002ص -.99.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8001ص08.
-صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000ص - .80.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000ص.80.
-صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8008ص - .89.صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8000ص.90.
-صندوق النقد الدولي ،التقرير السنوي ،8009ص.09.
في حالة االتفاقات المعززة ال يظهر سوى مبلغ الزيادة فقط.
الملحق رقم " :"10نماذج ومؤشرات عملية اإلنذار المبكر
اللجنة المالية
التن ي المجل
اللجنة المختصة بالتقارير
ا دارة العليا
لجنة الع قات الخارجية