‫خطبة اخلسوف‪:‬‬

‫‪2022/8/11‬م‬
‫احلمد هلل الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا املنجي من‬
‫عذاب النار وعذاب القرب‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا حممد ما أشرقت مشس وأانر بدر ‪ . .‬أما‬
‫بعد‪:‬‬
‫فقد خلق هللا الليل والنهار والشمس والقمر حلكمة ابلغة وغاية سامية‪ ،‬فهم يسبحون هللا‬
‫تعاىل لقوله تعاىل‪{ :‬ال الشمس ينبغي هلا أن تدرك القمر وال الليل سابق النهار وكل يف فلك‬
‫يسبحون}‪ ،‬وخلق هللا كل شيء حلكمة ‪ ،‬ومما خلق هللا تعاىل الشمس والقمر‪ ،‬ومها آيتان من‬
‫آايت هللا تعاىل خلقا من أجل مصلحة عامة أو خاصة وكل ذلك بتقدير هللا عز وجل‪ ،‬فقال‬
‫جل من قائل سبحانه‪{ :‬هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد‬
‫السنني واحلساب ما خلق هللا ذلك إال ابحلق يفصل اآلايت لقوم يعلمون}‪ ،‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫{فالق اإلصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباانً ذلك تقدير العزيز العليم}‪ ،‬يقول‬
‫بن كثري يف تفسري هذه اآلية‪" :‬والشمس والقمر حسباانً أي جيراين حبساب مقنن مقدر‪ ،‬ال‬
‫يتغري وال يضطرب‪ ،‬بل لكل منهما منازل يسلكها يف الصيف والشتاء‪ ،‬فيرتتب على ذلك‬
‫اختالف الليل والنهار طوالً وقصراً" انتهى‪ .‬وقال بن سعدي يف تفسري هذه اآلية‪" :‬والشمس‬
‫والقمر حسباانً‪ ،‬هبما تعرف األزمنة واألوقات فتنضبط بذلك أوقات العبادات‪ ،‬وآجال‬
‫املعامالت‪ ،‬ويعرف هبا مدة ما مضى من األوقات"انتهى‪.‬‬
‫عباد هللا ‪ :‬من حكمة هللا تعاىل أن جعل يف تلك اآليتني العظيمتني _ الشمس والقمر _‬
‫جعل فيهما ختويفاً لعباده إذا طغوا وبغوا ‪ ،‬أن يراجعوا دينهم قبل أن حيل هبم عذاب رهبم ‪،‬‬
‫وهلذا كان الكسوف واخلسوف ظاهرتني غريبتني خيوف هللا هبما عباده‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬وما نرسل‬
‫ابآلايت إال ختويفاً}‪ ،‬لذلك كان الدافع للكسوف واخلسوف هو ختويف العباد‪ ،‬وليس أموراً‬
‫فلكية عادية طبيعية فحسب كما يصورها بعض الناس‪ ،‬ليبعدوا املسلمني عن دينهم‪ ،‬لتقسوا‬
‫قلوهبم‪ ،‬وال يعد لديهم أي اهتمام هبذه اآلية العظيمة‪ ،‬حىت أن البعض منهم يفرح ويستبشر‬
‫بوجود هاتني اآليتني‪ ،‬ومنهم من يذهب إىل قمم اجلبال‪ ،‬وأعايل التالل‪ ،‬ليشاهدوا ذلك احلدث‬
‫العظيم ابملناظري والتلسكوابت‪ ،‬ويغمرهم الفرح والسرور‪ ،‬وغفلوا بل عميت عقوهلم عن السبب‬
 ‫رمحاك‪.‬‬ ‫ربنا‬ ‫فرمحاك‬ ‫‪،‬‬ ‫لذلك‬ ‫احلقيقي‬
‫أيها املسلمون‪ :‬معلوم أن الكسوف واخلسوف ال ينكسفان ملوت أحد وال حلياته‪ ،‬فاألمر أكرب‬
‫من ذلك وأخطر‪ ،‬فهي آايت من آايت هللا تعاىل الدالة على عظمته وجربوته وقوته‪ ،‬ليخوف‬
‫هبا عباده حىت يتوبوا إىل ابرئهم‪ ،‬ويعودوا إىل دينهم‪ ،‬فالواجب إذا رأى الناس ذلك أن يفزعوا‬
‫خائفني وجلني ‪ ،‬مبتهلني ابكني ‪ ،‬ويتضرعوا إىل هللا ابلدعاء والتوبة واإلانبة ‪ ،‬وأن يكثروا من‬
‫االستغفار ‪ ،‬ويظهروا االفتقار للواحد القهار ‪ ،‬ويكثروا من الصدقة وأعمال الرب واخلري ‪،‬‬
‫واإلحسان إىل الفقراء واملساكني ‪ ،‬ومساعدة اليتامى واألرامل ‪ ،‬وأن يهرعوا إىل الصالة ‪ ،‬وهي‬
‫يعتادوها‪.‬‬ ‫ومل‬ ‫الناس‬ ‫أيلفها‬ ‫مل‬ ‫‪،‬‬ ‫مألوفة‬ ‫غري‬ ‫صالة‬
‫أيها األخوة يف هللا ‪:‬‬
‫كسفت الشمس يف عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ففزع وفزع معه املسلمون فزعاً‬
‫شديداً ‪ ،‬وخرج عليه الصالة والسالم مسرعاً إىل املصلى ‪ ،‬حىت أن رداءه سقط على األرض ومل‬
‫يشعر به من شدة فزعه وخوفه ‪ ،‬وهول تلك اآلية العظيمة ‪ ،‬وعندما وصل املصلى اندى مناد‬
‫ابلناس ( الصالة جامعة ) ‪ ،‬فاجتمع الناس رجاالً ونساءً ‪ ،‬صغاراً وكباراً ‪ ،‬فصلى هبم صالة‬
‫غريبة لغرابة واقعتها ‪ ،‬والناس يصرخون ويبكون خوفاً من هللا تعاىل ‪ ،‬ولقد رأى النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم يف تلك الصالة ‪ ،‬رأى اجلنة والنار ‪ ،‬ورأى أموراً جساماً ‪ ،‬فرأى النار ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما‬
‫رأيت منظراً أفظع منها _ اللهم أجران من النار _ مث بعد الصالة خطب الناس خطبة بليغة‬
‫وعظهم وذكرهم برهبم سبحانه ‪ ،‬وخوفهم من عقوبته وسطوته‪.‬‬
‫معاشر املسلمني ‪:‬‬
‫حالنا اليوم مع الكسوف واخلسوف حال غريبة قد ال متت لإلسالم بصلة والعياذ ابهلل ‪ ،‬فكم‬
‫وقع الكسوف واخلسوف ‪ ،‬وكم صلينا تلك الصالة ‪ ،‬ومع ذلك فالناس بل أكثرهم ما بني هلو‬
‫ولعب ‪ ،‬ومشاهدة للحرام عرب القنوات والشاشات واجملالت ‪ ،‬وجلوس على الشوارع واألرصفة‬
‫لسماع دندنة خبيثة حمرمة ‪ ،‬وآخرون انئمون الهون غافلون ‪ ،‬وكثريون غارقون يف حبر الذنوب‬
‫واملعاصي ‪ ،‬فإذا رأوا تلك اآلايت مل حيرك ذلك فيهم ساكناً ‪ ،‬فهل بعد هذه الغفلة من غفلة ‪،‬‬
‫فهم سكارى وما هم بسكارى ‪ ،‬أهلتهم املغرايت وامللهيات ‪ ،‬فال إله إال هللا ‪ ،‬وسبب ذلك ما‬
‫أوقعه أعداء الدين يف قلوب املسلمني ‪ ،‬من هتوين وتسهيل ألمر الكسوف واخلسوف ‪ ،‬وأن‬
‫ذلك أمر طبيعي حيدث كل عام ‪ ،‬وأن سببه ظاهرة طبيعية ال خوف وال قلق منها البتة ‪ ،‬حىت‬
‫قست قلوب كثري من املسلمني فهي كاحلجارة أو أشد قسوة ‪ ،‬والصحيح أن الكسوف‬
‫واخلسوف آيتان من آايت هللا تعاىل يظهرمها حلكمة ابلغة ‪ ،‬لرياجع الناس دينهم ويصحوا من‬
‫غفلتهم ‪ ،‬لكن ولألسف قد فتم لألعداء ما أرادوا ‪ ،‬فتساهل الناس أبمر الكسوف واخلسوف ‪،‬‬
‫حىت مل يقبل على املساجد إال كبار السن ومن كتب هللا هلم اهلداية والتوفيق ‪ ،‬أما اآلخرون فهم‬
‫غارقون يف سباهتم وغفلتهم وهلوهم ولعبهم ‪ ،‬ال خوف وال حياء من هللا تعاىل ‪ ،‬نسأل هللا أن‬
‫مجيالً‪.‬‬ ‫رداً‬ ‫إليه‬ ‫املسلمني‬ ‫يرد‬
‫عباد هللا ‪:‬‬
‫هناك سببان للكسوف واخلسوف ‪ ،‬سبب حسي ‪ ،‬وآخر شرعي ‪ ،‬أم احلسي فهو بسبب وقوع‬
‫األرض بني الشمس والقمر ‪ ،‬فتحول األرض بينهما ‪ ،‬ومعلوم أن القمر جرم معتم يستمد نوره‬
‫من الشمس ‪ ،‬فإذا حالت األرض بينهما وقع اخلسوف‪.‬‬
‫أما السبب الشرعي وهو املهم ‪ ،‬فيتضح جلياً يف احلديث الذي رواه املغرية بن شعبة قال ‪:‬‬
‫كسفت الشمس على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يوم مات إبراهيم فقال الناس ‪:‬‬
‫كسفت الشمس ملوت إبراهيم ‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬إن الشمس والقمر‬
‫الينكسفان ملوت أحد وال حلياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا هللا " ‪ ،‬وعن أيب بكرة قال ‪ :‬قال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬إن الشمس والقمر آيتان من آايت هللا ال ينكسفان ملوت‬
‫أحد ‪ ،‬ولكن هللا تعاىل خيوف هبا عباده " [ البخاري ] ‪ ،‬إذاً السبب الشرعي يف حدوث‬
‫الكسوف واخلسوف هو ختويف هللا للعباد ‪ ،‬ليرتكوا ما وقعوا فيه من الذنوب واملعاصي واآلاثم‬
‫اجلسام ‪ ،‬وتواىل حدوث تلك اآلايت يف هذا الوقت ابلذات لكثرة املغرايت احلياتية ‪ ،‬عباد هللا‬
‫‪ :‬ابلنسبة لكسوف الشمس ال ميكن أن حيدث إال يف أواخر ليلة الثامن والعشرين ‪ ،‬أو التاسع‬
‫والعشرين ‪ ،‬أو الثالثني ‪ ،‬ألنه يف تلك األايم يكون القمر قريباً من الشمس فيحجب بعض‬
‫ضوئها عن األرض فيحدث الكسوف ‪ ،‬أما خسوف القمر فال حيدث إال يف أايم إبدار القمر‬
‫‪ ،‬أي يف األايم اليت يكون فيها القمر بدراً ‪ ،‬ويكون ذلك يف ليلة الثالث عشر ‪ ،‬والرابع عشر ‪،‬‬
‫واخلامس عشر [ انظر فتاوى بن تيمية ‪] 370/12‬‬

‫‪.‬‬
 ‫أيها املسلمون ‪:‬‬
‫إن اخلسوف عالمة وأمارة من أمارات يوم القيامة فخسوف القمر هو حاصل يوم القيامة إذ‬
‫يصري الشمس والقمر بال ضوء وال نور ومها قرصان ال حول هلما وال قوة‪ ،‬وفيه داللة على قوة‬
‫هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫ومن فوائد اخلسوف أنه عالمة على تغري الكون ليتغري بين آدم وحيسنوا ما يف قلوهبم إن هللا لن‬
‫أبنفسهم‪.‬‬ ‫ما‬ ‫يغريوا‬ ‫حىت‬ ‫بقوم‬ ‫ما‬ ‫يغري‬
‫‪1-‬أن الكسوف واخلسوف آية من آايت هللا تعاىل خيوف هللا هبا عباده‪.‬‬
‫‪2-‬الكسوف يرتبط ابلشمس ‪ ،‬بينما اخلسوف يكون مرتبطاً ابلقمر ‪ ،‬وذلك إذا اجتمعا ‪،‬‬
‫فيقال ‪ :‬كسوف الشمس ‪ ،‬وخسوف القمر ‪ ،‬أما إذا انفردا فيطلق على كل منهما كسوف‬
‫وخسوف ‪ ،‬فيقال ‪ :‬كسوف الشمس وخسوف الشمس ‪ ،‬وكسوف القمر وخسوف القمر‪.‬‬
‫‪3-‬إذا حصل الكسوف واخلسوف ‪ ،‬فعلى الناس أن يفزعوا إىل الصالة والدعاء والصدقة‬
‫والتكبري والتهليل وذكر هللا تعاىل على كل حال ‪ ،‬واإلقالع عن املعاصي والذنوب ‪ ،‬والتوبة إىل‬
‫الغيوب‪..‬‬ ‫عالم‬ ‫هللا‬
‫‪9-‬أن الكسوف واخلسوف ال يكون ملوت زعيم وال حلياته ‪ ،‬وال ملوت عامل وال ملوت رفيع وال‬
‫وضيع ‪ ،‬ولو كان ذلك حاصالً ‪ ،‬حلصل ملوت أشرف البشر وأفضل من وطئت قدماه هذه‬
‫األرض نبينا حممد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ولكنه وجه أمته إىل أن الكسوف واخلسوف آيتان من‬
‫آايت هللا ال ينكسفان ملوت أحد وال حلياته ‪ ،‬وإمنا خيوف هللا هبا عباده ‪ ،‬فخرج بذلك من‬
‫يقول أن الشمس أو القمر انكسفت ملوت فالن من الناس ‪ ،‬فال ينكسفان ملوت عامل وال‬
‫بعيد‪.‬‬ ‫وال‬ ‫قريب‬ ‫وال‬ ‫حاكم‬
‫‪10-‬اطالع هللا عز وجل نبيه حممداً صلى هللا عليه وسلم على بعض أمور الغيب اليت ال‬
‫الناس‪.‬‬ ‫من‬ ‫أحد‬ ‫يستطيعها‬
‫‪11-‬جيوز أداؤها يف أوقات النهي ‪ ،‬فتؤدى بعد صالة العصر ‪ ،‬وبعد صالة الفجر ‪ ،‬ألهنا من‬
‫أوديت‪.‬‬ ‫سببها‬ ‫وقع‬ ‫إذا‬ ‫اليت‬ ‫األسباب‬ ‫ذوات‬
‫سبحانه‬
‫هذا وصل هللا وسلم وابرك على سيدان حممد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثريا‪.‬‬