You are on page 1of 12

‫نجم يتقلب في اآلفاق‬

‫بحث تحليلي نقدي للعالمات السماوية لعصر ظهور االمام المهدي(ع)‬

‫ودور الجبال في ظهور جنة االستخالف‬

‫رعد عبد السادة علي‬

‫‪1‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫اللهم صلي على محمد وآل محمد صالة تكون ع اًز لمحمد وآل محمد‪ ،‬وعجل فرج‬
‫من بفرجه فرج أوليائك‪.‬‬

‫اردت به وجهك الكريم فخالطني فيه ما ليس لك‪.‬‬


‫ُ‬ ‫اللهم اني استغفرك مما‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫عن أبي الفضل عن أبي عبد اهلل الصادق (ع) قال‪( :‬إن لصاحب هذا األمر غيبة‬
‫ال بد منها يرتاب فيها كل مبطل‪ .‬قلت‪ :‬لم ُج ِـعـلت فداك ؟ قال‪ٍ :‬‬
‫ألمر لم يؤذن لنا في‬
‫كشفه إليكم‪ .‬قلت‪ :‬فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال‪ :‬وجه الحكمة في غيبته وجه‬
‫الحكمة في غيبات من تقدم من حجج اهلل تعالى ذكره‪ .‬إن وجه الحكمة في ذلك‬
‫الينكشف إال بعد ظهوره‪ ،‬كما الينكشف وجه الحكمة لما اتاه الخضر (ع) من خرق‬
‫السفينة‪ ،‬وقتل الغالم‪ ،‬واقامة الجدار لموسى (ع)‪ ،‬إال وقت أفتراقهما‪ .‬يا أبي‬
‫الفضل أن هذا األمر أمر من اهلل وسر من سر اهلل وغيب من غيب اهلل‪ ،‬ومتى‬
‫صدقنا بأن أفعاله حكيمة‪ ،‬وأن كان وجهها غير منكشف‬
‫علمنا أنه عز وجل حكيم‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫لنا)‪.‬‬

‫‪....................................................‬‬

‫‪ - 1‬علل الشرائع‪ /‬الشيخ الصدوق – وايضا ً في( اكمال الدين وتمام النعمة)‬
‫‪2‬‬
‫أقول‪ :‬ماهو الفرق بين هذا التفسير لهاتين المفردتين والتفسير اللغوي الذي يسميه‬
‫المرحوم النيلي بالتفسير األعتباطي للغة‪ ،‬الذي نقده وهاجمه في كل مؤلفاته‪.‬‬
‫فالتفسير األعتباطي للغة يقول أيضاً بأن النداء هو الصيحة والصيحة هي النداء‪،‬‬
‫وكل هذه المفردات عنده مترادفات أو متشابهات لمعنى واحد‪.‬‬

‫إن الفارز الوحيد والحقيق لهاتين المفردتين هو القرآن الكريم‪ ،‬فكل مفردة لها‬
‫خصوصية وأستعمال معين‪ ،‬فالصيحة شيء والنداء شيء آخر‪ ،‬وان كان كالهما‬
‫يشتركان بقواسم مشتركة بأن كالهما (صوت) وأن كالهما من خصوصيات جبريل‬
‫(ع)‪ .‬فكل مفردة لها خصوصية معينة وأستعمال معين وهذا ما تبناه المرحوم النيلي‬
‫في نظريته في (اللغة الموحدة)‪ ،‬وهذا األمر قد وقع فيه المرحوم النيلي‪ ،‬كما ذكرنا‬
‫آنفاً في أعتراض رقم (‪ )1‬عندما تصرف مع مفردة (الكوكب) و(النجم) على أنها‬
‫شيء واحد وهما مفردتان قرآنيتان وردتا في موارد كثيرة‪ ،‬ولكل واحدة منها خصوصية‬
‫وأستعمال معين خاص بها‪.‬‬

‫نظرة حول مضمون النداء‪:‬‬

‫ذكرنا أن هناك عدة نداءات مرتقبة في آخر الزمان وبعدة صيغ‪ ،‬وأن النداء هو‬
‫عالمة متداخلة مع بقية العالمات‪ ،‬له أزمنة خاصة به‪ ،‬وأن المنادي هو جبريل (ع)‪،‬‬
‫لك ن ما يخصنا في هذه الفقرة هو (النداء األول) وهو الظهور العلني األول لجبريل‬
‫(ع)‪ ،‬وقد حددته األحاديث بأنه صباح يوم ‪ 23‬من شهر رمضان يوم الجمعة‪.‬‬

‫عن أبي عبد اهلل (ع) قال‪ ( :‬يكون النداء ليلة الجمعة لثالث وعشرين من شهر‬
‫رمضان‪ ،‬أول النهار بعد صالة الصبح‪ .‬أال أن الحق في فالن بن فالن‬
‫‪1‬‬
‫وشيعته‪.).....‬‬

‫‪ - 1‬بشارة االسالم‪ /‬الكاظني‬


‫‪206‬‬
‫وعن أبي عبد اهلل (ع) قال‪ ( :‬اليخرج القائم حتى ينادى بأسمه في جوف السماء‬
‫ليلة ثالث وعشرين في شهر رمضان ليلة الجمعة )‪.1‬‬

‫ومن المالحظ من خالل الحديثين المباركين أن هذا النداء مستمر من ليلة الجمعة‬
‫إلى صباح يوم ‪ 23‬من شهر رمضان يوم الجمعة‪ ،‬وهذا النداء المبارك في هذا‬
‫الشهر المبارك في هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر المخصوصة‪ ،‬هذه الليلة التي‬
‫﴿تنزل المالئكة والروح فيها بأذن ربهم من كل أمر﴾‪ ،‬وان أول م ْن يظهر من‬
‫المالئكة هو جبريل (ع)‪ ،‬لذا يجب أن يكون النداء األول فيه من المميزات‬
‫وا لخصائص والمعلومات ما ليس لغيره من النداءات األخرى‪ ،‬فهو األذن ببداية‬
‫مشروع خالفة اهلل على األرض‪ .‬وعلى ما يبدو أن مدة إعالنه طويلة تمتد من ليلة‬
‫الجمعة إلى صبيحتها‪ ،‬وهي مدة طويلة نسبياً تشعرنا بأن هذا النداء هو منشور‬
‫طويل سيق أر على أهل األرض‪ ،‬فهذا النداء بالذات في هذه الليلة سيضع النقاط على‬
‫الحروف‪ ،‬وسيصغي األعم األغلب من الناس‪ ،‬بل كل م ْن له أذنان‪ ،‬حتى أن األمام‬
‫الباقر(ع) قال في قوله تعالى ﴿إذا نقر في الناقور﴾‪ ( :‬الناقور هو النداء من‬
‫السماء إال أن وليكم فالن بن فالن القائم بالحق ينادي به جبريل في ثالث ساعات‬
‫من ذلك اليوم‪ ،‬فذلك يوم عسير على الكافرين غير يسير)‪.2‬‬

‫وقد وصفه األمام أبا عبد اهلل (ع) بأنه في صبيحة يوم النداء (سوف يصبح الناس‬
‫وكأن على رؤوسهم الطير من هول ما سمعوه بحيث صمت الكل ولم ينبس أحد‬
‫ببنت شفة)‪.‬‬

‫إن هذه الصدمة الناتجة من هذا النداء األول سببها شيئان‪:‬‬

‫األول‪ :‬هو أن هذا الصوت (غير المألوف)‪ ،‬والذي لم يسمعه أحد من قبل إال‬
‫األنبياء‪ ،‬له من الشمولية بحيث يسمعه كل م ْن له أذنان وكل قوم بلغتهم‪ ،‬بل يسمعه‬

‫‪ - 1‬الغيبة‪ /‬للنعماني‬

‫‪ - 2‬تأويل االيات‬
‫‪207‬‬
‫األحياء واألموات‪ ،‬فهو صوت اليؤثر على األسماع فقط‪ ،‬بل يخترق النفوس ويخلع‬
‫القلوب‪ ،‬وهي حالة مرعبة بالشك خصوصاً وأنه سيحدث في زمن تسود فيه حالة‬
‫الظلم واألبتعاد عن الدين وكل ما هو روحي نقي‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬يتعلق هذا األمر بـ(صيغة) النداء نفسه والمعلومات الواردة فيه‪ ،‬فاألحاديث‬
‫تحدد أن هناك جملة من التعليمات والمعلومات يتضمنها هذا النداء ويصرح فيه عن‬
‫قائد وأمام الدولة المحمدية واألمر بالطاعة له بل يذكر النداء أسمه وأسم أبيه ونسبه‬
‫وكنيته‪ .‬ففي رواية المفضل عن أبي عبد اهلل (ع) أنه قال‪ ( :‬ويكون هذا أول طلوع‬
‫الشمس من ذلك اليوم‪ ،‬فإذا طلعت الشمس وأضاءت صاح صائح بالخالئق من‬
‫عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع َم ْن في السموات واألرضين‪ ،‬يا معشر‬
‫الخالئق هذا مهدي آل محمد (ص) – ويسميه بأسم جده رسول اهلل (ص) ويكنيه‬
‫وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي صلوات اهلل عليهم‬
‫أجمعين – بايعوه تهتدوا‪ ،‬والتخالفوا أمره فتظلوا )‪0 1‬‬

‫لكن لماذا يكون (مضمون) النداء مرعباً علماً أن القواعد الشعبية لألمام وشيعته‬
‫في حالة أنتظار‪ ،‬والمعلومات الواردة في هذا النداء هي معلومات معروفة من قبل‬
‫المنتظرين‪ .‬فإذا كانت (حالة) النداء هي المرعبة والمخيفة‪ ،‬فهذا أمر متوقع واليحتاج‬
‫إلى بيان ألن البشرية ألول مرة تسمع صوت جبريل (ع)‪ ،‬أما أن يكون (مضمون)‬
‫النداء هو المرعب أيض ًا‪ ،‬فهذا أمر يحتاج إلى توضيح ألن مضمون النداء سيصعق‬
‫األعم األغلب من الناس حتى مستويات معينة من المنتظرين أيضاً‪ .‬كيف ؟‬

‫إن المحور األساسي الذي لعب عليه أبليس وأتباعه منذ البدايات األولى للرسالة‬
‫المحمدية الشريفة‪ ،‬بل منذ خلق آدم (ع)‪ ،‬هو موضوع األمامة‪ ،‬فهو‪ ،‬لعنه اهلل‪ ،‬يعلم‬
‫أن موضوع التوحيد وموضوع النبوة معترف بها من قبل الكل وأن مساحة عمله‬
‫ضمن هذه الدائرة مساحة ضيقة جداً‪ ،‬وقد عبرت عن هذه المعاني آيات قرآنية كثيرة‬
‫منها‪:‬‬

‫‪ - 1‬الهداية الكبرى‪ /‬للخصيبي‬


‫‪208‬‬
‫قوله تعالى﴿ أفي اهلل شك فاطر السموات واألرض﴾(إبراهيم‪.)10/‬‬

‫وقوله سبحانه﴿ولئن سألتهم من خلق السموات واألرض ليقولن اهلل﴾( لقمان‪.)25/‬‬

‫وقوله عز وجل﴿وما أرسلنا من رسول إال ليطاع بأذن اهلل﴾ (النساء‪.)64/‬‬

‫لذلك كان موضوع األمامة هدفه منذ البداية وهو يعمل على أفساده‬

‫ُقعدن لهم صراطك المستقيم ﴾ (األعراف‪.)16/‬‬


‫﴿ أل ّ‬
‫فتنحية األمام عن منصبه الذي نص عليه اهلل والرسول والقرآن هو بحد ذاته إيقاف‬
‫لمشروع الرسالة ولمشروع التوحيد الحقيقي‪ ،‬فكان همه األول واألخير هو األمامة‬
‫وليس غيرها‪ .‬فاألمامة هي الثمرة النهائية لكل الديانات والرساالت‪ ،‬فإذا تعطت الثمرة‬
‫لم يكن للشجرة أهمية‪ .‬لكن حالة الظلم والجور التي ستملئ األرض والتي تسبق‬
‫عصر الظهور المبارك التعني أنه ليس هناك م ْن يصوم ويصلي ويحج ويعبد بصورة‬
‫عامة‪ ،‬أو ليس هناك من اليؤمن باهلل‪ ،‬بل العكس فإن هناك مظاهر وطقوس خاصة‬
‫بالدين حتى في تلك األيام‪ ،‬لكن هذا الدين دين مشوه كما وصفته خطبة رسول اهلل‬
‫(ص)‪ .‬فالمظاهر مظاهر تدين والبواطن بواطن حقد وشر‪ ،‬حتى عبر عن هذه الحالة‬
‫في خطبته الشريفة بكلمة جامعة وهي قوله (ص)‪ ( :‬يصبح المعروف منك ارً والمنكر‬
‫معروفاً)‪.‬‬

‫فالصورة في آخر الزمان صورة معكوسة بل مقلوبة‪ ،‬وهذه الحالة هي عملية تطور‬
‫منطقي وحتمي لمحاربة وأنكار موضوع األمامة‪ ،‬فسوف يشن أبليس وأتباعه من‬
‫األنس والجن معركة شعواء حول هذا األمر بالذات للقضاء على هذا الدين‪ ،‬وسيجهز‬
‫لهذا األمر كل أمكاناته في التحريف والتزييف والتضليل‪ ،‬وسيقود هذه المعركة‬
‫مجموعة من المتدينين أنفسهم‪ ،‬بل علمائهم‪ ،‬تحت عدة حجج ضالة مظلة في‬
‫محاولة للعودة إلى المقولة األولى التي صدرت بعد وفاة رسول اهلل (ص) مباشرة‬
‫وهي عبارة أحدهم (حسبنا كتاب اهلل)‪ ،‬في محاولة خبيثة لفصل القرآن عن العترة‪،‬‬

‫‪209‬‬
‫وقد قال رسول اهلل (ص) ( أني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي‬
‫علي الحوض)‪.‬‬
‫أبداً كتاب اهلل وعترتي آل بيتي فأنهما لن يفترقا حتى يردا ّ‬
‫إن فصل القرآن عن العترة‪ ،‬وهذا محال‪ ،‬هو الحد الفاصل والنهائي في تسلسل‬
‫األحداث‪ ،‬فمحاولة طمس آثار العترة بصورة كاملة هو ماعناه رسول اهلل (ص) من‬
‫أنها (تملئ ظلماً وجو ار) حتى يصبح الكالم والتفوه بموضوع األمامة جرم يعاقب‬
‫عليه اإلنسان إذا تكلم به أو جاهر به‪ .‬لذلك أكدت األحاديث أن المؤمنين في آخر‬
‫الزمان قلة ضعفاء خائفون ألنهم اليتنازلون عن أعتقادهم باألمامة‪ ،‬وهذه أصبحت‬
‫بدورها تهمة يطارد معتقدوها تحت كل حجر ومدر‪ ،‬لذا صدرت عدة تعليمات‬
‫وأجراءات وقائية في أحاديث األئمة (ع) إلى المنتظرين في كيفية التصرف في هذا‬
‫الزمان الصعب‪ ،‬منها معاشرة الناس باألبدان ومفارقتهم بالقلوب‪ ،‬والصمت والجلوس‬
‫في البيت وأتخاذه صومعة‪ ،‬واأللتجاء إلى الجبل كحل نهائي لتفادي هذه الحالة‬
‫الشيطانية حتى يصبح المؤمن كالقابض على جمرة‪.‬‬

‫وبناءاً عليه‪ ،‬ترى أن السفياني عند دخوله إلى العراق سيطارد معتقدوا األمامة ويقتل‬
‫كل م ْن أسمه علي أو حسن أو حسين أو زينب أو فاطمة‪ ...‬بل سيضع مكافأة مالية‬
‫لكل م ْن يدل على أماكن شيعة أمير المؤمنين (ع)‪.‬‬

‫عن أبي عبد اهلل (ع) قال‪ ( :‬كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله‬
‫في رحبتكم بالكوفة فنادى مناديه‪َ :‬م ْن جاء برأس رجل من شيعة علي فله ألف‬
‫درهم‪ ،‬فيثب الجار على جاره يقول‪ :‬هذا منهم فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم‪ .‬أما‬
‫أن أمارتكم يومئذ التكون إال ألوالد البغايا‪ ،‬وكأني أنظر إلى صاحب البرقع‪ .‬قلت‪:‬‬
‫وم ْن صاحب البرقع؟ قال‪ :‬رجل منكم يقول بقولكم يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم‬ ‫َ‬
‫والتعرفونه فيغمز بكم رجالً رجالً‪ ،‬أما أنه اليكون إال أبن بغي)‪.1‬‬

‫‪ - 1‬الغيبة‪ /‬الطوسي‬
‫‪210‬‬
‫والمالحظة الغريبة في هذا الحديث أن هذه الواقعة تحدث في الكوفة وهي معقل‬
‫الشيعة في العراق والعالم منذ بدايات خالفة األمام علي (ع)‪ ،‬وهذا األمر يدل على‬
‫أن أغلب الشيعة سينكرون موضوع األمامة تحت تأثير هذا المخطط الشيطاني الذي‬
‫تم أعداده أو العمل لتحقيقه مئات السنين‪ ،‬بل آالف السنين‪ .‬وهذا الضعف في‬
‫اإليمان‪ ،‬بل األنسالخ عن اإليمان‪ ،‬بموضوع األمامة واضح من خالل سياسة المال‬
‫المتبعة في تحقيقه وهي الوسيلة الفعالة التي يمكن من خاللها القبض وتصفية شيعة‬
‫أمير المؤمنين (ع) الحقيقيين حتى في ديارهم ووسط أهاليهم‪ ،‬ويتم أصطيادهم من‬
‫خالل أبناء جلدتهم وممن كانوا معهم على الخط نفسه‪ ،‬بعد أن أصبح موضوع‬
‫األمامة عندهم موضوع كفر تقدم فيه الرؤوس إلى الجالد مقابل دراهم معدودة‪.‬‬

‫واليخفى عن بالكم أن العنوان الكبير والمهم في مشروع األمامة عند الشيعة هو‬
‫كلمة (أشهد أن علياً ولي اهلل) في اآلذان والتي ينادي بها الشيعة كل يوم في مآذنهم‪،‬‬
‫فهي بحق هوية وعنوان الشيعة‪ ،‬لذا سيتم تسديد سهام أبليس وأتباعه إلى هذا‬
‫الموضوع بالذات‪ ،‬هذه العبارة التي كانت وماتزال تقظ مضاجع الظالمين منذ زمن‬
‫بني أمية عندما كانوا يسبون أمير المؤمنين (ع) على المنابر ‪ 80‬عاماً‪ ،‬حتى‬
‫أصبحت هذه العبارة شعار مدوي مرعب لكل أعداء ( آل محمد) وسالت من أجلها‬
‫الدماء الزاكيات‪ .‬لذا فإن سقوط هذا العنوان هو سقوط للموضوع نفسه‪ ،‬فهذا العنوان‬
‫هو من العالمات الفارقة في أستمرار موضوع األمامة‪ ،‬لذلك ستشهد السنوات القليلة‬
‫األخيرة ما قبل ظهور األمام المهدي (ع) قتال علني ألزالة هذه الكلمة‪ ،‬بل قتل كل‬
‫م ْن يقول بها‪ ،‬ليس من أعداء آل البيت فقط بل م ْن كان يدعي التشيع وضعيفي‬
‫اإليمان الراكضون خلف الدينار والدرهم‪.‬‬

‫ولقد أُسس لهذا الموضوع بالذات في زمن الغيبة الكبرى عندما َّ‬
‫عد جمهرة من علماء‬
‫الشيعة أن كلمة ( أشهد أن علي ًا ولي اهلل) كلمة غير موجودة في اآلذان األصلي‬
‫تقال أستحباباً‪ ،‬قائلها يؤجر وتاركها اليأثم‪ ،‬واذا قيلت في الصالة بنية الوجوب‬
‫سقطت صالته‪ .‬فهي إذاً عندهم أمر مستحب وليس واجب‪ ،‬وهذه الثغرة بالذات هي‬
‫التي سيدخل منها الشيطان أللغاء هذه الكلمة‪ ،‬فالدين اليقوم بالمستحبات بل‬
‫‪211‬‬
‫بالواجبات‪ ،‬وهذا هو المدخل التنظيري لهذا األمر وسيتبعهم الهمج الرعاع الذين‬
‫ينعقون مع كل ناعق‪ ،‬وسيبدأ هذا المشروع تحت عنوان الحوار بين األديان والتقارب‬
‫بين المذاهب في محاولة لمسك العصا من الوسط‪ ،‬فنحن نتنازل عن هذا الموضوع‬
‫وهم يتنازلون عن موضوع مماثل‪ ،‬لكن ما سيحدث هو أن الشيعة سيتنازلون عن هذا‬
‫العنوان بدعوى التقارب وتوحيد الصفوف وجمع الكلمة‪ ،‬لكن أعداءهم لن يتنازلوا قيد‬
‫أنملة من معتقداتهم وفي حينها (ستعاد مأساة أبو موسى األشعري)‪.‬‬

‫عن أبي عبد اهلل (ع) قال‪ ( :‬ال يخرج القائم حتى يق أر كتاب في البصرة وكتاب في‬
‫الكوفة بالبراءة من علي)‪.1‬‬

‫وقد يقول قائل أن الحديث أعاله هو بالبراءة من علي (ع) وليس لرفع كلمة‬
‫الشهادة له من اآلذان‪ .‬أقول‪ :‬وهل يعني رفع أسم علي (ع) من االذان إال البراءة من‬
‫علي (ع) نفسه‪ ،‬هذه البراءة التي ستقودهم بالضرورة إلى تولي أعداء محمد وآل‬
‫محمد (ص)‪ ،‬أعاذنا اهلل واياكم‪ .‬إن سقوط كلمة (أشهد أن علياً ولي اهلل) من اآلذان‬
‫هو سقوط لبيعة الغدير وسقوط لكل العناوين المرتبطة بمشروع األمامة‪ ،‬بل فصل‬
‫القرآن عن العترة‪ ،‬فال والية بال شهادة‪ ،‬وهذا ما أكدت عليه عشرات اآليات القرآنية‬
‫بصورة مباشرة وغير مباشرة‪.‬‬

‫قوله تعالى﴿يريدون ليطفؤا نور اهلل بأفواههم واهلل متم نوره ولو كره الكافرون﴾‬
‫(الصف‪ .)8/‬الحظ أنهم يريدون أن يطفؤا هذا النور (باألفواه) وفيها عبرة لمن أعتبر‬
‫فهذه حرب (إعالم) ضد هذا النور‪.‬‬

‫وقوله تعالى﴿وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة اهلل هي العليا﴾ (التوبة‪.)40/‬‬

‫وقوله جل وعال﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وأن لم تفعل فما بلغت‬
‫رسالته واهلل يعصمك من الناس﴾ (المائدة‪.)67/‬‬

‫‪ - 1‬بشارة االسالم‪ /‬الكاظمي‬


‫‪212‬‬
‫وقد أجمع علماء الشيعة األمامية على أن هذا األمر الذي ُبلّغ رسول اهلل باألبالغ‬
‫عنه هو تولية علي بن أبي طالب (ع) خليفة لرسول اهلل من بعده فياترى هل هذا‬
‫األمر األلهي الذي هو أكمال للرسالة الخاتمة والذي يؤدي عدم تبليغه إلى عدم تبليغ‬
‫الرسالة نفسها هل هو أستحباب أم فرض ؟‬

‫إن الحديث السابق وهذه اآليات المباركة تؤكد ما قلناه حتى تصبح هذه الكلمة تهمة‬
‫ُيطارد كل م ْن يعتقد بها‪ .‬ومن خالل هذه المقدمة سنفهم لماذا يكون مضمون (النداء)‬
‫األول مرعب أيضاً‪ ،‬ألنه سينادي ( بأسمه وأسم أبيه حتى ينسبه إلى علي (ع) )‪.‬‬
‫هذا األمر الذي أنكره األعم األغلب من الناس‪ ،‬فعند تأكيد النداء عليه في هذه الليلة‬
‫المباركة وبهذه الصيغة وبصوت جبريل (ع)‪ ،‬سيكون بأمكانك أن تتصور مدى‬
‫الرعب والهلع الذي سيحس به أعداء اهلل وأعداء محمد وآل محمد (ص) وأعداء‬
‫(أشهد أن علياً ولي اهلل)‪.‬‬

‫وبما أن صيغة اآلذان األولى التي سمعها رسول اهلل (ص) في السماء ليلة األسراء‬
‫والمعراج كان بصوت جبريل (ع)‪ ،‬وكان هذا اآلذان هو البداية الفعلية للصالة‬
‫كفريضة حينما صلى رسول اهلل (ص) بالمالئكة وكل األنبياء في السماء‪ ،‬لذا ستجد‬
‫هناك تناغم واضح بين اآلذان األول واآلذان المرتقب في آخر الزمان‪ ،‬فالمنادي واحد‬
‫وهو جبريل (ع)‪ ،‬وكالهما يأتي من جهة السماء‪ .‬وستكون أحدى فقرات هذا النداء‬
‫المرتقب في آخر الزمان كلمة جامعة شاملة لموضوع األمامة (أشهد أن علياً ولي‬
‫اهلل) هذه الكلمة التي ستطبق صدورهم على ظهورهم وتجحظ أعينهم وترجف‬
‫فرائصهم‪ ،‬هذا األمر الذي أنكره الجميع ستقره السماء رغم أنف الكل‪،‬‬

‫﴿ يوم يدعوا الداع إلى شيء نُـكر﴾ (القمر‪.)6/‬‬

‫هذا األمر الذي أنكرتموه وقاتلتموه بكل قواكم‪ ،‬ظهر على مرأى ومسمع الكل‬
‫وبصوت واحد من سادات المالئكة المؤذن األول في السماء والمؤذن في آخر‬
‫الزمان‪ ،‬فما جبريل (ع) إال جندي من جنود المهدي (ع)‪ ،‬وما المهدي إال جندي من‬
‫جنود علي بن أبي طالب (ع)‪.‬‬
‫‪213‬‬
‫وهناك في صباح ذلك اليوم ستعرف تأويل قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫نودي للصالة من يوم الجمعة فأسعوا إلى ذكر اهلل﴾ (الجمعة‪ .)9/‬فالمنادي جبريل‬
‫(ع)‪ ،‬والصالة علي (ع)‪ ،‬والجمعة هي صبيحة ليلة القدر ‪ 23‬من شهر رمضان‬
‫الموعود‪ ،‬وذكر اهلل هو الحجة بن الحسن (عج)‪.‬‬

‫لذلك فنحن نكون غير مجانبين للصواب إذا قلنا أن اآلذان سيكون من جملة فقرات‬
‫النداء األول‪ ،‬فالنداء للصالة عند المسلمين هو اآلذان‪ ،‬وستكون كلمة (أشهد أن علياً‬
‫ولي اهلل) من مكونات هذا اآلذان المرتقب‪.‬‬

‫ﻣﻘﺘﻄﻊ ﻣﻦ أﺻﻞ اﻟﻜﺘﺎب‬

‫‪214‬‬

You might also like