You are on page 1of 316

‫اب‬‫ش َر ٌ‬ ‫َ‬

‫خت ِل ٌ‬
‫ف‬ ‫ُم َ‬
‫ألوا ُن ُه‬
‫َ‬
‫سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫اب‬‫ش َر ٌ‬ ‫َ‬
‫خت ِل ٌ‬
‫ف‬ ‫ُم َ‬
‫ألوا ُن ُه‬
‫َ‬
‫سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬

‫رعد عبد ال�سادة علي‬


‫اب‬‫َ ٌ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ش‬
‫خت ِل ٌ‬
‫ف‬ ‫ُم َ‬
‫ألوا ُن ُه‬
‫َ‬
‫سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬

‫رعد عبد السادة علي‬


‫ةمدقملا‬ ‫‪5‬‬

‫المقدمة‬
‫ُ ُ َ َ َ ٌ ُّ ْ ٌ‬ ‫ُ ّ َّ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ َ ّ ُ ُ ً َ ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫اب م َتل ِف‬‫ك ذلل ۚ ي ُر ُج مِن بطون ِها ش‬ ‫ات فاسل ِك سبل رب ِ ِ‬ ‫ك اثلمر ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال تعالى﴿ث َّم ِك مِن‬
‫َ َ ً َّ‬ ‫َ‬
‫َ َّ َ‬ ‫َّ‬
‫اس ۗ إِن ِف ذٰل َِك ليَة ل ِق ْو ٍم َي َتفك ُرون﴾(((‪.‬‬‫ِلن ِ‬ ‫أل ْ َوانُ ُه فِيهِ ش َِف ٌ‬
‫اء ّل َّ‬

‫لن اكون ُمبالغاً إذا قلت ان كل حديث من أحاديث آل محمد‪ ‬بحاجة إلى بحث ُمفرد‪،‬‬
‫الن هذه طبيعة النور الذي تنكشف به االشياء‪ ،‬ولن اكون ُمبالغاً إذا قلت ان كل حديث يرتبط مع‬
‫غيره بنحو ما‪ ،‬النها عيون صافية يصب بعضها في بعض‪ ،‬فاألحاديث عندي كالحديقة المملؤة‬
‫بانواع واصناف الورود كل وردة لها شكلها الخاص‪ ،‬وعطرها الخاص‪ ،‬وتاثيرها الخاص‪ ،‬اال انها‬
‫كلها تشترك في ارض واحدة و﴿ي ُ ْس َ ٰ‬
‫ق ب ِ َما ٍء َواح ٍِد﴾(((‪.‬‬
‫وكان من عادتي ان افتتح يومي بالتأمل بحديث او حديثين من كالمهم صلوات اللَّه عليهم‪،‬‬
‫فاجتمعت في ذهني واوراقي عشرات المالحظات وعشرات المطالب حول جملة من األحاديث‬
‫احببت ان اجمعها في كتاب واحد‪ ،‬مما ولّد لي حيرة في اختيار عنوان الكتاب‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ان الكتاب يطغى عليه الجانب الروائي إال انه ال يخلوا من تناول آية‪ ،‬او‬
‫فهم فلسفي‪ ،‬او معلومة تاريخية‪ ،‬او تصور علمي‪ ،‬والتي بمجموعها تحمل الفائدة والمتعة‬
‫والتي ربما تقود القارى في بعض فقراته إلى نشاط ذهني‪.‬‬

‫((( النحل‪69/‬‬
‫((( الرعد ‪4/‬‬
‫‪6‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫هلك فيك اثنان‬


‫في اثنان وال ذنب لي ُمحب ُمفرط و ُمبغض ُمفرط»(((‪،‬‬
‫عن اإلمام علي‪ ‬قال«يهلك ّ‬
‫والحديث ورد بعدة صيغ وبنفس المعنى‪،‬‬
‫وربما يتصور البعض أن في الحديث داللة أن أمير المؤمنين‪ ‬ينهى عن الغلو فيه‪،‬النهم‬
‫يعتقدون ان «ال ُمحب ال ُمفرط» هو ال ُمغالي‪ ،‬وهو المعنى الشائع والظاهر للحديث عند الناس‪،‬‬
‫ولكن يجب أن ال ننظر لكالم الحكماء دائماً على الظاهر‪ ،‬فللحكماء أساليب في الكالم ال‬
‫يعرفها إال من عرف لحن خطابهم‪ ،‬والمعنى الذي يفهمه الناس من الحديث كون اإلمام‪‬‬
‫ينهى عن الغلو فيه ألنهم فهموا من لفظة «هلك» بمعنى دخل النار‪ ،‬والحقيقة أن لفظة الهالك‬
‫َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُْ ْ َّ‬ ‫َََ ْ َ َ ُ ْ ُ ُ ُ‬
‫ات ف َما زِلُ ْم ِف ش ٍك‬ ‫وسف مِن قبل بِالَيِن ِ‬ ‫قد تعني«الموت» كما في قوله تعالى﴿ولقد جاءكم ي‬
‫َ ْ َ ُ ً َ َ ٰ َ ُ ُّ َّ ُ َ ْ َُ‬ ‫َ َّ ٰ َ َ َ َ ُ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ‬
‫ث َّ ُ‬ ‫ّ َّ َ َ ُ‬
‫ضل الل من هو‬ ‫الل مِن بع ِده ِ رسول ۚ كذل ِك ي ِ‬ ‫اءكم بِهِ ۖ حت إِذا هلك قلتم لن يبع‬ ‫مِما ج‬
‫اب﴾(((‪ ،‬فهل هالك يوسف‪ ‬هو دخوله إلى النار وحاشاه‪ ،‬بل الهالك هو الموت‪.‬‬ ‫ُم ْس ٌف ُّم ْرت ٌ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫فإذا هلك اي «مات» شخص في حب علي‪ ‬فهذا قمة اإليمان﴿ل ِ ِمث ِل هٰذا فل َي ْع َم ِل‬
‫ْ ُ َ‬
‫ال َعامِلون﴾(((‪ ،‬ويا ليتني اهلك في حب علي‪ ،‬وإذا هلك اي «مات» شخص في بغض‬
‫علي‪ ‬فهو قمة الكفر أعاذنا اللَّه وإياكم‪ ،‬فيكون معنى الحديث أن هناك من يموت بسبب حبه‬
‫لعلي‪ ،‬وهناك من يموت بسبب بغضه لعلي‪ ،‬أو أن هذا ال ُمحب الذي يتحدث بفضائل‬
‫اإلمام علي ‪ ‬قتله أعداء علي‪ ‬ألنهم يرون فيه ُمغالي‪ ،‬وأنت ترى على مر التاريخ مصاديق‬
‫واضحة للحديث‪ ،‬فكم من شيعة علي‪ ‬قتلهم أعداء علي‪ ‬ألنهم يحبون علي‪ ‬ويتكلمون‬
‫بفضائله‪ ،‬وكم من أعداء علي‪ ‬قتلهم شيعة علي‪ ‬ألنهم يبغضون علي‪ ،‬وليس ألمير‬
‫المؤمنين‪ ‬ذنب في ذلك‪ ،‬فبغض علي‪ ‬ذنب‪ ،‬وحب علي‪ ‬كذلك ذنب‪ ،‬فحب علي‪‬‬
‫ذنب عند المبغضين‪ ،‬وبغض علي‪ ‬ذنب عند المحبين ايضا وكالهما يهلك في علي‪ ‬وليس‬
‫لعلي‪ ‬ذنب في ذلك‪.‬‬

‫((( بحار األنوار‪ /‬ج‪ /31‬ص ‪660‬‬


‫((( المؤمن‪34/‬‬
‫((( الصافات‪61/‬‬
‫������������‬ ‫‪7‬‬

‫�أروه عن �أبي‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬البي عبد اللَّه‪ ‬نسمع الحديث منكم فال ادري منك او من ابيك‪« ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫سمعته مني فاروه عن أبي وما سمعته مني فاروه عن رسول اللَّه‪.(((»‬‬
‫ربما يتسائل البعض لماذا يأمر اإلمام الصادق‪ ‬السائل بان يُروى حديثه عن ابيه الباقر‪‬‬
‫او عن رسول اللَّه‪‬؟ والتأمل في احوال وحياة اإلمام الصادق‪ ‬يقودنا إلى عدة اسباب لفهم‬
‫هذا األمر منها‪:‬‬
‫‪ -1‬ان اإلمام الصادق‪ ‬عاش في وضع سياسي خطير جدا ً وهي فترة تغير الحكم من بني‬
‫امية إلى بني العباس‪ ،‬فربما هكذا وضع جعل اإلمام‪ ‬يأمر السائل ان ينسب الحديث لرسول‬
‫اللَّه‪ ‬او البيه اإلمام الباقر‪ ‬لكي ال يُشكّل الكالم مصدر تهديد لإلمام الصادق‪ ‬من القوة‬
‫السياسية الصاعدة والتي ربما صدر فيها كالم عن اإلمام الصادق‪ ‬بما يتناسب وواقع الحال‬
‫االجتماعي والسياسي‪ ،‬ونسبة هكذا أحاديث لرسول اللَّه‪ ‬او لإلمام الباقر‪ ‬ت ُبعد اي شُ بهة‬
‫حول اإلمام الصادق‪ ،‬فيكون اإلمام الصادق‪ ‬بهذا االسلوب قد اوصل ُمراده إلى الناس‬
‫وفي نفس الوقت حمى نفسه‪ ،‬الن كالمه يُنسب لرسول اللَّه‪ ‬او اإلمام الباقر‪ ،‬فهذا اسلوب‬
‫ووسيلة يتعلق بالوضع السياسي وادارة عموم الصراع في تلك االيام‪.‬‬
‫‪ -2‬في زمن اإلمام الصادق‪ ‬ظهرت المدارس الفقهية والمذاهب العقائدية‪ ،‬وبما ان اإلمام‬
‫الصادق‪ ‬رأس مدرسة أهل البيت ‪ ‬في زمانه فربما وهو االكيد ان خصومه من بقية المدارس‬
‫ال يأخذون بقوله النهم ببساطة خصوم‪ ،‬وبما ان تلك المدارس الفقهية التي ظهرت في زمن‬
‫اإلمام الصادق‪ ‬ال تستطيع رد الخبر عن رسول اللَّه‪ ‬او اإلمام الباقر‪ ‬النهم يتمتعون‬
‫بنسبة كبيرة من االحترام عند المخالفين‪،‬فاسناد الكالم لرسول اللَّه‪ ‬او اإلمام الباقر‪ ‬يكون‬
‫ابلغ بالحجة عليهم‪.‬‬
‫‪ -3‬ربما هذا األمر يتعلق بذات السائل نفسه‪ ،‬فربما السائل غير متفقه بالحديث وال بالعقيدة‬
‫كون آل محمد‪ ‬كلهم واحد ونور واحد وكالمهم واحد فارجع اإلمام الصادق‪ ‬السائل إلى‬
‫رسول اللَّه ‪ ‬او اإلمام الباقر‪ ،‬اذ ربما السائل قليل التفقه والدراية وهو يثق ببعض األئمة‬

‫((( وسائل الشيعة ‪ :‬ج‪ /27‬ص ‪102‬‬


‫‪8‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫دون غيرهم‪ ،‬وهذا هو اسلوب المداراة الذي اتبعه األئمة ‪ ‬مع عموم الناس ومع جهلتهم‬
‫وحتى مع شيعتهم‪.‬‬
‫رفظلا ةاكز‬ ‫‪9‬‬

‫زكاة الظفر‬

‫عن أمير المؤمنين‪ ‬من حديث طويل يذكر فيه جملة من احوال اإلمام المهدي‪‬‬
‫قال«‪ ......‬يهلك اللَّه فيها جيش السفياني ويمضي هارباً فياخذه رجل من الموالي اسمه صباح‬
‫فيأتي به إلى المهدي‪ ‬وهو يصلي العشاء االخرة فيبشره‪ ،‬فيخفف في الصالة ويخرج ويكون‬
‫وسحب فيوقفه بين يديه فيقول السفياني للمهدي يا ابن‬ ‫السفياني قد ُجعلت عمامته في ُعنقه ُ‬
‫علي بالحياة اكون «كذا» سيفاً بين يديك واجاهد اعداءك والمهدي جالس بين أصحابه‬ ‫عمي ُم ّن ّ‬
‫وهو احيى من عذراء فيقول خلوه فيقول أصحاب المهدي يا ابن رسول اللَّه تمن عليه بالحياة‬
‫وقد قتل اوالد رسول اللَّه ‪ ،‬ما نصبر على ذلك‪ ،‬فيقول‪ :‬شأنكم واياه اصنعوا به ما شئتم وقد‬
‫خله وافلته فيلحقه صباح في جماعة إلى عند السدرة فيضجعه ويذبحه وياخذ رأسه ويأتي‬ ‫كان ّ‬
‫به المهدي فينظر شيعته إلى الرأس فيكبرون ويهللون ويحمدون اللَّه على ذلك ثم يامر المهدي‬
‫(((‬
‫بدفنه ثم يسير في عساكره فينزل دمشق‪»..........‬‬
‫كلما اقرأ هذا الحديث اقف ُمحتارا في فهم مقصد اإلمام المهدي‪ ‬في اطالق سراح‬
‫السفياني‪ ،‬فلماذا يقبل استرحامه ويعفو عنه وقد فعل ما فعل؟ ولكن الواضح انني جاهل انظر‬
‫إلى االمور دائماً على ظاهرها‪ ،‬وآل محمد ‪ ‬هم اهل الحكمة وفي كل تصرف من تصرفاتهم‬
‫حكمة‪ ،‬فهم ال تسيرهم العواطف واالهواء مهما كان الجرم كبيرا ً‪.‬‬
‫وفي الحديث امر البد من التوقف عنده قبل تفسير عفو اإلمام المهدي‪ ‬عن السفياني‪،‬‬
‫فاإلمام المهدي‪ ‬عفا عنه «خاله وافلته»‪ ،‬ولكن أصحاب اإلمام المهدي‪ ‬يعترضون ويقولون‬
‫«ما نصبر على ذلك»‪ ،‬والعبارة تذكرني برد المالئكة اذ قالوا ﴿ َأ َتْ َع ُل ف َ‬
‫ِيها َمن ُي ْفس ُِد ف َ‬
‫ِيها﴾(((‪،‬‬
‫وال ادري كم نحتاج من السنين الضوئية لكي ينضج وعينا وال نرد على قول آل محمد‪ ‬اال‬
‫بعبارة «سمعنا واطعنا»‪.‬‬
‫ثم وجدت حديث يفسر لي مثل هذا التصرف‪ ،‬عن اإلمام الصادق‪ ‬قال«المعروف زكاة‬
‫النعم‪ ،‬والشفاعة زكاة الجاه‪ ،‬والعلل زكاة االبدان‪ ،‬والعفو زكاة الظفر‪ ،‬وما اديت زكاته فهو مأمون‬

‫((( معجم أحاديث اإلمام المهدي‪ /‬الشيخ علي الكوراني‪ /‬ج‪ /3‬ص ‪95‬‬
‫(( ( البقرة‪٣٠ /‬‬
‫‪10‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫(((‬
‫السلب‪»....‬‬
‫نعم «العفو زكاة الظفر»‪ ،‬وقد ظفر اإلمام المهدي‪ ‬بالسفياني فتكون عملية العفو هنا‬
‫زكاة‪ ،‬اما نحن فعندنا الظفر انتقام‪ ،‬لذلك قال الحديث «وقد كان خاله وافلته» اي اعطاه حريته‬
‫ولكن أصحاب المهدي‪ ‬ارادوا القصاص فسمح لهم اإلمام بعد ان خاله وافلته فظفروا به‬
‫وذبحوه‪ ،‬ومن هنا فقد نال حسابه وقد قال الحديث «وما اديت زكاته فهو مأمون السلب»‪ ،‬اما‬
‫امر اإلمام المهدي‪ ‬بدفنه فهذه اخالق اوالد األنبياء فهم ال يمثلون بالميت وان كان عدوا لهم‬
‫وان كان كلباً عقورا ً‪.‬‬

‫((( البحار‪7/223/74 /‬‬


‫ةباّذكلاو نيب ذاكلا‬ ‫‪11‬‬

‫الكذابين والكذّابة‬
‫علي الك ّذابة‪ ،‬فمن كذب‬
‫الحديث المشهور عن رسول اللَّه‪ ‬قوله «يا ايها الناس قد كثرت ّ‬
‫علي ُمتعمداً فليتبوأ مقعده من النار»‪.‬‬
‫ّ‬
‫تكذيب األنبياء هي ُس ّنة الذين كفروا‪ ،‬وهي جارية على طول تاريخ الديانات‪،‬ويشهد‬
‫َ َّ َ ْ َ‬ ‫وح ال ْ ُم ْر َسل َ‬‫َ َّ َ ْ َ ُ‬
‫ت ع ٌد‬ ‫ِني﴾(((‪ ،‬وقوله﴿كذب‬ ‫ت ق ْو ُم ن ٍ‬ ‫بها القرآن الكريم كما في قوله تعالى﴿كذب‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫ال ْ ُم ْر َسل َ‬
‫ت ث ُمود ال ُم ْر َسل َِني﴾(((‪ ،‬ورسول اللَّه‪‬ايضاً كُذّب من قبل قومه﴿فإِن‬ ‫ِني﴾(((‪ ،‬وقوله﴿كذب‬
‫ِب ُر ُسل ّمِن قبْل َِك﴾(((‪ ،‬ولكن هناك فرق بين شخص يُكذّبك‪ ،‬وشخص يكذب‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َك َّذبُ َ‬
‫وك َف َق ْد ُك ّذ َ‬
‫عليك‪ ،‬وشخص يكون عليك كذّابة‪ ،‬فالشخص الذي يُكذّب رسول اللَّه‪ ‬بمعنى انه يقول‬
‫عنه انه ليس بنبي‪ ،‬والشخص الذي يكذب عليه بمعنى انه ينقل عنه معلومة خاطئة او مخترعة‪،‬‬
‫علي الك ّذابة»‪ ،‬فمن هم «الكذّابة»؟‬ ‫علي الكذابين»‪ ،‬بل قال «كثرت ّ‬ ‫والحديث لم يقل «كثرت ّ‬
‫ولعل االغلب االعم من الناس وحسب التبادر الذهني لمعنى الكذب في الحديث يفهمون‬
‫منه ان رسول اللَّه‪ ‬يقصد انه كثر من يكذب عليه‪ ،‬بمعنى ان البعض يخترع حديث وينسبه‬
‫إلى رسول اللَّه‪ ،‬والحق ان هذا المعنى هو الشائع حتى في علم الرجال‪ ،‬فهم عندما يقولون‬
‫عن فالن بانه كذّاب يقصدون انه يخترع حديث لم يقله رسول اللَّه‪ ‬ويدسه مع األحاديث‪ ،‬لذا‬
‫يقولون دائما في علم الجرح والتعديل عن ناقل الحديث كونه «كذّاب وضّ اع»‪ ،‬وسترى ان هذا‬
‫المعنى صحيح في وقت الحق من تاريخ اإلسالم‪،‬كما ورد عن ابي عبد اللَّه‪« ‬إنّا أهل البيت‬
‫صادقون ال نخلو من ك ّذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه عند الناس‪ ،(((»......‬اما في حياة‬
‫الرسول فللحديث معنى اخر تبينه لنا أحاديث األئمة ‪ ‬حول معنى «الكذّابة»‪.‬‬
‫عن ابي إبراهيم‪ ‬قال«قال رسول اللَّه‪:‬اال هل عسى رجل يُك ّذبُني وهو على حشاياه‬
‫ُم ّتكئ‪ ،‬قالوا يا رسول اللَّه‪ ‬ومن ذا الذي يُك ّذبك‪ ،‬قال الذي يبلغه الحديث فيقول ما قال رسول‬

‫((( الشعراء‪105 /‬‬


‫((( الشعراء‪123 /‬‬
‫((( الشعراء‪104 /‬‬
‫((( آل عمران‪184 /‬‬
‫((( رجال الكشي‪ /‬ص ‪ 258 -257‬ترجمة ابي الخطاب‬
‫‪12‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫اللَّه‪ ‬قط‪ ،‬فما جائكم عني من حديث موافق للحق فأنا قلته‪ ،‬وما أتاكم عني من حديث ال‬
‫يوافق الحق فلم أقله‪ ،‬ولن اقول َّ‬
‫إل الحق»(((‪.‬‬
‫عن ابي إبراهيم‪ ‬قال «قال رسول اللَّه‪ ‬اتقوا تكذيب اللَّه»قيل يا رسول اللَّه وكيف‬
‫وجل كذبت لم اقله‪ ،‬ويقول لم يقل اللَّه‪ ،‬فيقول‬
‫ذلك؟قال«يقول احدكم قال اللَّه‪ ،‬فيقول اللَّه ع ّز ّ‬
‫وجل كذبت قد قلته»(((‪.‬‬
‫ع ّز ّ‬
‫فالكذّابة ليس من يخترع حديث وينسبه لرسول اللَّه‪ ،‬بل الكذّابة هو الذي يسمع‬
‫الحديث منسوب لرسول اللَّه‪ ‬ويقول لم يقل رسول اللَّه‪ ‬هكذا‪ ،‬اي يُكذّب صدور الكالم‬
‫عن رسول اللَّه‪ ،‬وهذا النوع من الناس موجودين حتى في الوسط الشيعي الذي عاصر األئمة‬
‫‪ ،‬فإذا ورده حديث عن احد األئمة ال يتحمل معناه قال من تلقاء نفسه ما قال األئمة ‪ ‬هكذا‬
‫فيكون من ضمن «الكذّابة»‪ ،‬كما يشهد به الحديث التالي‪،‬عن اإلمام الصادق‪«‬الهالك ان‬
‫ُيحدّ ث أحدكم بشيء منه ال يحتمله فيقول‪ :‬واللَّه ما كان هذا شيئاً واالنكار هو الكفر»(((‪.‬‬
‫لذلك سماهم رسول اللَّه‪ ‬كذّابة ولم يسمهم كذابين‪،‬والكذّابة صيغة مبالغة تفيد التاكيد‬
‫على الكذب‪ ،‬الن الكذّاب هو الذي يخترع الحديث او المعلومة وهو اقرب لل ُمح ّرف او‬
‫الوضّ اع‪ ،‬اما الكذّابة فهو الذي يقطع بعدم صدور الحديث من المعصوم ‪.‬‬
‫والذي يؤديد المعنى انه في زمن النبي األكرم‪ ‬كانت الدعوة محصورة في مكة والمدينة‪،‬‬
‫وعملية اختراع نص واسناده إلى الرسول‪ ‬في ذلك الوقت صعبة جدا ً‪ ،‬ولكن عملية تكذيب‬
‫ما يقوله الرسول ‪ ‬امر ممكن وطريق اسهل في ذلك الوقت لذلك سماهم الحديث «كذّابة»‬
‫وليس كذابين‪.‬‬
‫اما بعد رحيل صاحب الرسالة‪ ‬واختالف االمة من بعده واقصاء أهل بيته عن حقهم‪،‬‬
‫واتخاذ الصراع شكله السياسي والعقائدي والفكري فقد كثرت جيوش الكذابين والكذّابة في‬
‫كل طوائف االمة‪.‬‬
‫وعليه فان العامل على آلية علم الرجال والقائل بان الحديث الفالني ضعيف او غير صحيح‬
‫او منسوب للرسول‪ ‬وان الرسول‪ ‬لم يقله اعتمادا على وثاقة الرجال فهو من الكذّابة‪،‬‬
‫ويجب ان يسمى علم الرجل بهذا المعنى «بعلم الكذّابة»‪.‬‬

‫((( معاني االخبار‪ /‬ص ‪390‬‬


‫((( معاني االخبار‪ /‬ص ‪390‬‬
‫((( بصائر الدرجات‬
‫ةبوزعلا ثيدح‬ ‫‪13‬‬

‫حديث العزوبة‬
‫ورد بكثرة في المأثور الروائي لكال الفريقين روايات تتحدث عن االنهيار واالنحالل‬
‫األخالقي والعقائدي الحاصل في آخر الزمان‪ ،‬وستالحظ من جملة المرويات ان هناك تركيز في‬
‫ذكر االنهيار في جانب العالقة الجنسية بين الرجل والمرأة‪ ،‬بحيث تنقلب فيها الموازين وتتشبه‬
‫النساء بالرجال‪ ،‬وتتشبه الرجال بالنساء‪ ،‬وتكتفي الرجال بالرجال‪ ،‬وتكتفي النساء بالنساء‪،‬‬
‫ولصعوبة ايجاد الزوجة الصالحة والظرف االجتماعي واإلنساني المالئم لتأسيس اسرة في ذلك‬
‫الزمان تجد ان هناك نص يشير إلى استحالل العزوبية في تلك االيام وترك الزواج‪ ،‬علماً ان‬
‫الزواج ُس ّنة مؤكدة عن رسول اللَّه‪ ‬والعزوبية امر مكروه جدا ً في الشريعة وذمته جملة من‬
‫النصوص ولكن الخبر التالي يُشير إلى حل ّية العزوبية في تلك االيام‪.‬‬
‫ورد عن الرسول االكرم‪«‬سيأتي زمان على أمتي تحل لهم العزوبية والرهبانية وان تلد‬
‫المرأة حية خير من ان تلد الولد»(((‪.‬‬
‫عن عبد اللَّه بن مسعود قال‪ :‬قال رسول اللَّه‪«‬ليأتين على الناس زمان ال يسلم لذي دين‬
‫دينه إال من ف ّر بدينه من قرية إلى قرية‪ ،‬ومن شاهق إلى شاهق‪ ،‬ومن حجر إلى حجر‪ ،‬كالثعلب‬
‫الذي يراوغ»‪ ،‬قالوا‪ :‬ومتى ذلك يا رسول اللَّه؟ قال«إذا لم تُنل المعيشة إال بمعاصي اللَّه ع ّز‬
‫وجل‪ ،‬فإذا كان ذلك الزمان حلّت العزوبة» قال‪ :‬وكيف ذاك يا رسول اللَّه وقد امرتنا بالتزويج؟‬
‫ّ‬
‫قال«النه إذا كان ذلك الزمان كان هالك الرجل على يدّ ي ابويه‪ ،‬فان لم يكن له ابوان فعلى يدّ ي‬
‫زوجته وولد‪ ،‬فان لم يكن له زوجة وال ولد فعلى يدّ ي قرابته» قالوا‪ :‬وكيف ذلك يا رسول اللَّه؟‬
‫قال رسول اللَّه‪«‬يعيرونه بضيق المعيشة‪ ،‬فيتكلف ما ال يطيق حتى يورده مورد الهلكة»(((‪.‬‬
‫وربما يتسائل البعض ويقول ان حاالت االنهيار األخالقي تظهر بشكل تدريحي وتصاعدي‬
‫في المجتمع‪ ،‬وان جملة من هذه الحاالت موجودة في كل زمان ومكان‪ ،‬وبالتالي ال يمكن‬
‫تحديد الفترة التي يمكن ان نقول عنها انها اخر الزمان بالضبط؟ الحقيقة هناك حديث اخر عن‬
‫رسول اللَّه‪ ‬يشير إلى تحديد السنة التي تحل فيها العزوبة‪«،‬إذا اتى على امتي مائة وثمانون‬

‫((( المالحم او عالئم اخر الزمان‪ /‬الشيخ حسين طاوئي همداني‪ /‬ح‪ /25‬ص ‪ ،48‬كذلك عقود الجواهر‪382 :‬‬
‫((( المحجة البيضاء‪ 20 /4 :‬وورد كذلك في جملة من مصادر العامة‬
‫‪14‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫سنة بعد االلف فقد حلّت العزوبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال‪».....‬‬
‫(((‬

‫وبما اننا حاليا في سنة ‪ 1438‬هجري فيكون التالي«‪ »258 =1180 – 1438‬فقد حلت‬
‫العزوبة لهذه االمة منذ ‪ 258‬سنة «واللَّه العالم»‪.‬‬

‫((( المالحم او عالئم اخر الزمان‪ /‬الشيخ حسين طاوئي همداني‪ /‬ح‪ /24‬ص ‪ .47‬روح البيان‪ 73 :‬س ‪ 27‬في تفسير روح‬
‫البيان في تفسير قوله تعالى«اسكن انت وزوجك الجنة»‬
‫نولطبملا‬ ‫‪15‬‬

‫المبطلون‬
‫عن اإلمام ابي محمد الحسن العسكري‪ ‬في ذكر بعض شؤون الغيبة قال«‪ ....‬اما انه له‬
‫غيبة يحار فيها الجاهلون‪ ،‬ويهلك فيها ال ُمبطلون‪ ،‬ويكذب فيها الوقاتون‪.(((»...‬‬
‫ربما يتسائل البعض ما هو معنى ومدلول لفظة ال ُمبطلون؟‬
‫تم تعريف مفهوم ال ُمبطل بحديث اخر وهو قول اإلمام ابي محمد الحسن العسكري‪....«‬‬
‫وانتم ُمخالفون و ُمبطلون الذي ال يعرف إماماً وال يتولى ولياً‪.(((»...‬‬
‫وعلى موجب الحديث يمكن القول ان ال ُمبطل هو الذي ال يعرف إماماً او ال يتولى ولياً من‬
‫آل محمد‪ ،‬وربما هو ال ُمنتحل لإلمامة كما في الحديث التالي عن اإلمام الصادق‪«‬طوبى‬
‫للذين هم كما قال رسول اللَّه‪ ‬يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف‬
‫الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهليت»(((‪ ،‬فال ُمنتحل المر االمة هو ال ُمبطل لها‪.‬‬
‫وجسب قول اهل اللغة فال ُمبطل هو ال ُمفسد‪ ،‬ابطل العمل اي افسده‪ ،‬ابطل األمر افسده‪،‬‬
‫ابطل الحكم الغاه‪ ،‬ابطل في حديثه هزل‪ ،‬ابطل مفعول القنبلة جعلها ال تنفجر‪ ،‬فيمكن القول‬
‫ال ُمبطل هو المفسد في امر االمامة‬

‫((( مسند اإلمام العسكري‪ /‬الشيخ عزيز اللَّه العطاردي‪ /‬باب ‪ /16‬ح ‪10‬‬
‫((( مسند اإلمام العسكري‪ /‬الشيخ عزيز اللَّه العطاردي‪ /‬باب ‪ /17‬ح ‪5‬‬
‫((( مسند اإلمام العسكري‪ /‬الشيخ عزيز اللَّه العطاردي‪ /‬باب ‪ / 9‬ح ‪4‬‬
‫‪16‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫المكر الإلهي‬
‫الل َخ ْ ُ‬
‫الل ۖ َو َّ ُ‬ ‫ََ َُ ََ َ‬
‫ك َر َّ ُ‬
‫ي‬ ‫المكر في القرآن الكريم ورد كصفة للخالق والمخلوق﴿ومكروا وم‬
‫ين﴾(((‪ ،‬وان وصف اللَّه نفسه بانه ماكر بل خير الماكرين ربما ح ّيرت الكثيرين‪ ،‬الن‬ ‫ال ْ َماكِر َ‬
‫ِ‬
‫المتعارف في االستعمال ان المكر ليست صفة ممدوحة‪ ،‬فالمكر عند اهل اللغة هو خداع الغير‬
‫بحيلة‪ ،‬حتى ان العالمة آنشتاين في محاولته للحصول على نظرية كل شيء من خالل ربط‬
‫نظريته «النسبية» مع نظرية «الكم»قال «ان الرب ذكي لكنه ليس ماكر»‪ ،‬لكن بعد ان ارهقته هذه‬
‫المحاولة ولم يصل الى نتيجة فيها حتى آخر عمره قال «لقد غيرت رأيي فعلى ما يبدوا ان الرب‬
‫ماكر»((( ‪.‬‬
‫علينا ان نفهم ان كل شيئ يُنسب الى اللَّه يجب ان يكون في محله وصحيح وجميل‬
‫بانتسابه اليه‪ ،‬عكس اإلنسان اذا نُسبت إليه االشياء‪ ،‬فاما ان تكون جميلة أو قبيحة‪ ،‬صحيحة‬
‫أو خاطئة‪ ،‬فمثالً الغضب يكون مذموم اذا كان من صفات اإلنسان ولكنه اذا نسب الى اللَّه‬
‫يكون مهيباً‪ ،‬والمكر اذا نُسب الى اإلنسان ربما يكون اشارة للذم والخداع كما تقول هذا ثعلب‬
‫مكار‪ ،‬ولكن اذا نسبته الى اللَّه يعني االتقان في اظهار االشياء المخفية‪ ،‬فالمكر عند اللَّه بمعنى‬
‫االستدراج حتى يقع العاصي في شر اعماله‪ ،‬يقول اإلمام علي‪« ‬التكبر على المتكبر فضيلة»‬
‫ومع ان التكبر صفة سيئة لكن استخدامه ضد المتكبر نفسه يسمى فضيلة‪ ،‬وكذلك المكر فهو‬
‫عند الناس صفة سئية لكن استخدامه ضد الماكر فضيلة‪.‬‬
‫ولكن هناك بعض الصفات تبقى قبيحة في كل األحوال كالكذب‪ ،‬فهي ت ُنسب لإلنسان فقط‬
‫وال يمكن ان ت ُنسب للَّه‪ ،‬وكذلك الفقر اذا نُسب لإلنسان العادي فهو شيء ُمشين‪ ،‬واذا نسبته‬
‫لألنبياء كان فخرا ً ومنها قول رسول اللَّه‪« ‬الفقر فخري»‪ ،‬وال يمكن ان ينسب للَّه النه الغني‬
‫وعباد الفقراء‪.‬‬

‫((( آل عمران‪54/‬‬
‫(( ( كون آنشتاين‪ /‬ميشيو كاكو‬
‫������������������‬ ‫‪17‬‬

‫غاية ترقي الم�ؤمنين‬


‫ربما هناك سؤال يتردد في صدور المؤمنين بعد ان يكون لهم اطالع واسع على أحاديث أهل‬
‫البيت ‪« ‬ما المطلوب مني االن وما هو تكليفي»؟ والذي اراه ان ترقي المؤمن يمر بالمراحل‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬ال ُمبالغة في المعرفة‬
‫‪ -2‬التوسل‬
‫‪ -3‬االنكسار‬
‫‪ -4‬معرفة التكليف‬
‫‪ -5‬قضاء حوائج المؤمنين‬
‫فمعرفة آل محمد ‪ ‬اول الطريق‪ ،‬والمبالغة بالمعرفة هو السير على ذلك الطريق‪ ،‬والسائر‬
‫ال ُمتأدب البد وانه يتوسل بهم لكي يبقى على الطريق وال يزلف عنه‪ ،‬ولن تبقى على الطريق إال‬
‫إذا انكسرت أمامهم‪ ،‬وإذا اردت ان تصل لحقيقة فعليك باالنكسار كما ورد في الحديث القدسي‬
‫«انا عند المنكسرة قلوبهم»‪ ،‬عندها فقط ستعرف تكليفك الذي هو اقرب الطرق للوصول اليهم‪،‬‬
‫وهو قضاء حوائج اخوانك المؤمنين‪ ،‬فالواصل اليهم هو الواصل لشيعتهم‪ ،‬والعارف بهم هو‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ‬
‫العارف بحوائج شيعتهم‪َ ﴿،‬و ِف ذٰل َِك فل َيت َناف ِس ال ُم َت َناف ُِسون﴾(((‪.‬‬
‫عن ابو الحسن‪«‬من اتاه اخوه المؤمن في حاجة فانما هي رحمة من اللَّه تبارك وتعالى‬
‫ساقها اليه فان قبل ذلك فقد وصله بواليتنا وهو موصول بوالية اللَّه وان رده عن حاجة وهو يقدر‬
‫على قضائها سلط اللَّه عليه شجاعاً من نار ينهشه في قبره»‪.‬‬
‫عن ابي عبد اللَّه‪«‬ما عبد اللَّه بشيء افضل من اداء حق المؤمن»‪.‬‬

‫((( المطففين‪26/‬‬
‫‪18‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الرويب�ضة والمحا�ضير والفي�س بوك‬


‫ورد في مصادر العامة عن رسول اللَّه‪« ‬سيأتي على الناس سنوات خداعة يُصدّ ق فيها‬
‫الكاذب‪ ،‬ويُك ّذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخون فيها االمين وينطق فيها الرويبضة»‬
‫قيل وما الرويبضة يا رسول اللَّه؟ قال«الرجل التافه يتكلم في امر العامة»‪ ،‬وفي رواية اخرى‬
‫«السفيه يتكلم في امر العامة»‪.‬‬
‫والواضح انهم ما كانوا يعرفون معنى هذه اللفظة لذلك سألوا رسول اللَّه‪ ‬عنها‪ ،‬وال‬
‫داعي لمراجعة المعاجم حول معنى لفظة الرويبضة الن الحديث قد ع ّرفها بانه الرجل التافه‪.‬‬
‫قال ابي عبد اللَّه‪« ‬هلكت المحاضير»‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وما المحاضير؟ «قال المستعجلون»‬
‫(((‬

‫والمحاضير عند اهل المعاجم هو الشديد العدو وهو ينطبق على معنى المستعجل ايضا‪،‬‬
‫ولكني هنا اتسائل‪ ،‬اال ترون ان كل هذه الصفات «الرويبضة ‪ -‬التافه ‪ -‬الفاسق ‪ -‬المحاضير ‪-‬‬
‫المستعجلون» تنطبق على من يتكلم هذه االيام في الفيس بوك‪.‬‬

‫((( بحار األنوار‪ /‬ج‪ /52‬ح ‪ /43‬ص ‪139‬‬


‫��������������‬ ‫‪19‬‬

‫من هو «�سفيهنا»‬
‫عن اإلمام الصادق‪ ‬في كالمه عن احوال نبي اللَّه إبراهيم‪ ‬قال‪« ‬ثم استجاب اللَّه‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ َ‬
‫ت ۖ﴾(((‪ ،‬وهذه آية متشابهة ومعناها انه سأل عن‬ ‫ب أرِ ِن كيْ َف تْي ال َم ْو َ ٰ‬ ‫دعوته حين قال ﴿ر ِ‬
‫ِ‬
‫وجل‪ ،‬متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب وال عرض في‬ ‫ّ‬ ‫الكيفية‪ ،‬والكيفية من فعل اللَّه ع ّز‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫وجل ﴿أولم تؤمِن ۖ قال ب ٰل﴾(((‪ ،‬هذا شرط عام لمن آمن به متى‬ ‫ّ‬ ‫توحيده نقص‪ ،‬فقال اللَّه ع ّز‬
‫وجل‬‫ّ‬ ‫ُسئل واحد منهم‪ ،‬اولم تؤمن وجب ان يقول‪ :‬بلى‪ ،‬كما قال إبراهيم‪ ‬ولما قال اللَّه ع ّز‬
‫ََ ْ ُ َّ ُ َ ُ َ‬
‫ك ْم ۖ قالوا بَ ٰل﴾((( كان اول من قال بلى محمد‪ ‬فصار‬ ‫لجميع ارواح بني ادم ﴿ألست بِرب ِ‬
‫بسبقه إلى بلى سيد األولين واالخرين وافضل النبيين والمرسلين فمن لم يجب عن هذه المسألة‬
‫َ َ َ ْ َ ُ َ ّ َّ ْ َ َ َّ‬
‫ِيم إِل َمن َسفِ َه‬ ‫بجواب إبراهيم فقد رغب عن ملته قال اللَّه عز وجل﴿ومن يرغب عن مِلةِ إِبراه‬
‫َ ْ َ ُ ((( (((‬
‫نفس ۚه﴾ »‬
‫َ‬
‫للفظة السفيه في القرآن الكريم عدة مدلوالت ومعاني منها الجاهل كما في قوله تعالى﴿ َول‬
‫ُّ َ َ َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫ُُْ‬
‫ك ُم﴾(((‪ ،‬والسفيه عند اهل اللغة هو الذي يذر ماله في ما ال ينبغي‪ ،‬و هو‬ ‫تؤتوا السفهاء أموال‬
‫الجاهل‪ ،‬وهو الفظاظة‪ ،‬وهو الحمق‪ ،‬وهو خفة العقل‪ ،‬او الخفة في كل شيء‪ ،‬اال ان كالمنا‬
‫يدور حول معنى للسفيه نستشفه من الحديث مورد الكالم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ََ ْ ُ َّ ُ‬
‫ك ْم ۖ﴾‪ ،‬فمن قال﴿بَ ٰل﴾ كان على ملّة‬ ‫فعندما جائهم النداء في عالم الذر﴿ألست بِرب ِ‬
‫التوحيد‪ ،‬وهي الملّة التي جاء بها إبراهيم‪ ،‬ومن لم يقل بلى لم يكن موحدا ً وال على ملّة‬
‫َْ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ ّ َّ ْ َ َ َّ‬
‫ِيم إِل َمن َسفِ َه نف َس ُ ۚه﴾‪ ،‬فالسفيه‬ ‫إبراهيم وهو«السفيه» ومن هنا قال ﴿ومن يرغب عن مِلةِ إِبراه‬
‫حسب المعنى الذي يذكره الحديث هو الخارج عن ملّة إبراهيم وصاحب االجابة الغير موفقة‬
‫في عالم الذر‪ ،‬فانقسم الناس هناك إلى موحدين وسفهاء‪ ،‬فهناك معنى للسفاهة في الدنيا ومعنى‬
‫آخر في عالم الذر يذكره الحديث‪ .‬وبما ان رسول اللَّه ‪ ‬هو اول من اجاب ببلى في عالم الذر‬

‫((( البقرة‪260 /‬‬


‫((( البقرة‪260 /‬‬
‫((( األعراف‪172 /‬‬
‫((( البقرة‪130/‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬ج‪ /1‬ص ‪ /336‬ح ‪1‬‬
‫((( النساء‪5/‬‬
‫‪20‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وجل لجميع ارواح‬


‫فكان سيد الموحدين وسيد األولين واالخرين‪ ،‬عن الصادق‪«‬قال اللَّه ع ّز ّ‬
‫َ‬ ‫ََ ْ ُ َّ ُ َ ُ َ‬
‫ك ْم ۖ قالوا بَ ٰل﴾‪ ،‬كان اول من قال«بَ ٰل» محمد‪ ،‬فصار بسبقه إلى «بلى»‬‫بني ادم﴿ألست بِرب ِ‬
‫سيد األولين واالخرين وافضل األنبياء والمرسلين»(((‪.‬‬
‫ومن هنا يأتي السؤال من هو رأس السفهاء وسيدهم واول من رفض التوحيد في عالم الذر؟‬
‫َ َ َّ ُ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ َ َّ‬
‫يه َنا ع اللِ‬‫هو الذي سمته اآلية القرآنية «سفيهنا» كما جاء على لسان الجن﴿وأنه كن يقول سفِ‬
‫َ‬
‫ش َط ًطا﴾(((‪ ،‬ولفظة سفيهنا هنا تقارب في المعنى لفظة «كبيرنا ‪ -‬ريئسنا ‪ -‬سيدنا»‪،‬وهو السفيه‬
‫اخس الجن الذي رفض السجود آلدم‪ ،‬لذلك سماه الجن «سفيهنا» كما يقول اهل التوحيد‬
‫عن رسول اللَّه‪«‬نبينا»‪.‬‬

‫((( تفسير البرهان‪:‬ج‪ - 3‬ص ‪ - 242‬ح ‪19‬‬


‫((( الجن‪4 /‬‬
‫ريبخلاو ميلعلاو ملاعلا‬ ‫‪21‬‬

‫العالم والعليم والخبير‬


‫ورد في كالم أمير المؤمنين ‪ ‬قوله«‪ .....‬انا بالغيب خبير‪ ،‬وبما يكون عليم‪».......‬‬
‫والعبارة تعطي لمفهوم العليم تعريف كونه يعرف «بما يكون»‪ ،‬وبالتالي يمكن بناء تعريفات‬
‫«للعالم» و «الخبير» على موجب تعريف العليم كالتالي‪.‬‬
‫العالم‪ :‬هو العارف بما كان «معرفة بالماضي»‪ ......‬بما مضى من األحداث‬
‫العليم‪ :‬هو العارف بما سيكون «معرفة بالمستقبل»‪ ....‬بما سيكون من األحداث‬
‫او‬
‫العالم‪ :‬هو العارف بما صدر من لوح الغيب ووقع‬
‫العليم‪ :‬هو العارف بما صدر من الغيب ولم يقع لحد اآلن‬
‫الخبير‪ :‬هو العارف بما يصدر حاليا من لوح الغيب «ما يحدث في الليل والنهار األمر بعد‬
‫االمر»‬
‫فالعالم له عالقة بالماضي والعليم له عالقة بالمستقبل والخبير له عالقة بالحاضر وهي‬
‫احداثيات الزمان الثالثة «الماضي والحاضر والمستقبل»‬
‫اما معاني هذه المفاهيم حسب المتداول بين الناس‪:‬‬
‫العالم‪ :‬هو العارف بصنف او فرع من فروع المعرفة‬
‫العليم‪ :‬هو العارف بكل شيء«لديه كل فروع المعرفة»‬
‫الخبير‪ :‬هو العارف بدقيات األمور لفرع معرفي معين‬
‫‪22‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الخلق والرزق والموت والحياة‬


‫َ َ َ ُ ْ ُ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َّ ُ ُ ُ ْ ُ َّ ُ ْ ُ‬ ‫َّ ُ َّ‬
‫يك ْم ۖ ﴾‬
‫(((‬
‫قوله تعالم﴿الل الِي خلقكم ثم رزقكم ثم ي ِميتكم ثم يي ِ‬
‫هذه اربعة مفاهيم جاءت بسياق واحد‪ ،‬واآلية الكريمة تذكر مراحل اربعة متسلسلة حكمياً‬
‫في الظهور‪ ،‬فالبد للشيء في البداية ان يخلق‪ ،‬ثم يرزق‪ ،‬ثم يموت‪ ،‬ثم يُعاد احياؤه وهي دالة‬
‫على المعاد‪ ،‬وهنا ستقول أليس الخلق حياة؟ فلماذا يقول على اول الظهور خلق وعلى اصل‬
‫المعاد حياة؟ والحق ان هذا التسلسل ايجادي تكويني حكمي فالخلق يحمل في طياته معنى‬
‫الحياة كظهور للشيء‪ ،‬ثم يحمل معنى التكليف واالستمرار في موضوع الرزق‪ ،‬فال وجود‬
‫لشيء اال بتكليف وال تكليف اال برزق‪ ،‬ثم يحمل معنى انتهاء المدة بالموت فالموت وهو‬
‫الفاصل ما بين الخلق والحياة‪ ،‬ما بين المبدأ والمعاد‪ ،‬فالحياة الحقيقة ال تظهر في الخلق‬
‫والرزق والموت بل تظهر بعد مرور كل هذه المراحل‪ ،‬لذلك جاءت في النهاية الن الحياة الدنيا‬
‫مرتبطة بالرزق والتكليف واالستمرار اما ما بعد الموت واالخرة فارتبط بالحياة لذلك سما الحياة‬
‫َّ َّ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ‬
‫(((‬
‫ال َي َوان ۚ﴾‬ ‫االخرة بالحيوان﴿ِإَون ادلار الخِرة ل ِه‬
‫ومن باب ذوقي استشف ان اآلية الكريمة التي اجتمعت فيها هذه المفاهيم األربعة بهذا‬
‫التسلسل الحكمي تشير إلى حديث أمير المؤمنين ‪ ‬وهو يبين اركان العرش األربعة وهو اول‬
‫ظهور للنظام الرباعي في الكون‪.‬‬
‫عن أمير المؤمنين‪«‬ان العرش خلقه اللَّه تعالى من انوار اربعة‪ ،‬نور احمر منه احم ّرت‬
‫الصفرة‪ ،‬ونور ابيض منه‬
‫حمرة‪ ،‬ونور اخضر منه اخض ّرت الخضرة‪ ،‬ونور اصفر منه اصف ّرت ُ‬ ‫ال ُ‬
‫(((‬
‫ابيض البياض‪ ،‬وهو العلم الذي حملّه اللَّه الحملة وذلك نور من عظمته‪»....‬‬
‫العرش(((‪ :‬على ما افهم من اجواء الحديث اعاله هو منظومة كونية كلية ُمحيطة باالشياء‪،‬‬

‫((( الروم‪40/‬‬
‫((( العنكبوت‪64/‬‬
‫((( الكافي‪ /‬كتاب التوحيد‪ /‬باب العرش والكرسي‪ /‬ح‪335‬‬
‫((( العرش في اللغة جاء بمعنى سرير الملك‪ ،‬وسقف البيت‪ ،‬ورئيس القوم‪ ،‬والخيمة‪ ،‬وعش الطائر‪ ،‬ويقال للفلك التاسع‬
‫الذي هو اعلى من فلك البروج بانه عرش النه مثل السقف للعالم كله‪ ،‬وجاء في اخبار آل محمد ‪ ‬معاني كثيرة للعرش‬
‫منها المشيئة والعلم والملك ومظهر الرحمانية والعقل والقلم والدين وسقف الجنة‪.‬‬
‫ةايحلاو توملاو قزرلاو قلخلا‬ ‫‪23‬‬

‫واالحاطة لها معنيان‪ ،‬األولى‪ :‬االحاطة بالمعنى الهندسي كما تحيط الدائرة بما في داخلها‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬احاطة بمعنى المعرفة فمن احاط بشيء عرف كل تفاصيلة‪ ،‬وهذا المعنى هو االكثر‬
‫شيوعاً في األحاديث كون العرش هو العلم الذي من يحمله يحيط معرفة بكل االشياء‪ ،‬والعرش‬
‫كمعنى اخر يُطلق على نهاية كل عالم كلي يُحيط علماً بكل حيثيات ذلك العالم‪،‬وهو مقام‬
‫االجمال‪ ،‬والذي يسميه الحكماء«الفلك االطلس»‪ ،‬والعرش هو سقف كل عالم‪ ،‬كما يقال‬
‫«عريش العنب» النه يعلوه ويغطيه‪ ،‬او هو اعلى مقام في كل عالم‪ ،‬والعرش هو كل ال ُملك وهو‬
‫بمعنى السيطرة والتملك‪ ،‬وبما ان العوالم متعددة فيتعدد مفهوم العرش بتعدد العوالم‪.‬‬
‫فاول العوالم الكلية هو عالم الجبروت ووقته السرمد وعرشه المشيئة التي خلقها اللَّه بنفسها‬
‫وهي ُمحيطة بكل ذلك العالم بل بكل العوالم‪ ،‬الن المشيئة هي اول المراتب الوجودية‪ ،‬وهي‬
‫ينبوع علل االشياء‪ ،‬فالحقيقة المحمدية‪ ‬هي عرش هذا العالم‪.‬‬
‫وثاني العوالم الكلية عالم الملكوت ووقته الدهر ونهايته عرش الملكوت‪ ،‬وهو الذي‬
‫ُ ََ ْ‬ ‫َ َ‬
‫تقول عنه األحاديث «الجنة سقفها العرش»‪ ،‬وهو قوله تعالى﴿ َوكن َع ْرش ُه ع ال َماءِ﴾(((والماء‬
‫هو العلم‪ ،‬فالعرش هنا هو محل ذلك العلم وهو الذي يسموه «فلك المنازل» وهي الحروف‬
‫التكوينية الدهرية واالبداع الثاني ومقام التفصيل الذي منه تفصلت االشياء‪ ،‬والحقيقة العلوية‬
‫هي عرش هذا العالم‪.‬‬
‫وثالث العوالم الكلية عالم الزمان وعرشه المحيط به هو قلب المعصوم ‪ ‬الذي تنزل عليه‬
‫االوامر في ليلة القدر‪ ،‬وهو المعني باألحاديث بقولهم ‪«‬قلب المؤمن عرش الرحمن»‪ ،‬فكل‬
‫معصوم من األئمة االثنا عشر في زمانه هو عرش عالم الزمان‪ ،‬اما االن فعرش عالم الزمان هو‬
‫صاحب الزمان ‪ ‬وعليه تنزل االوامر في ليلة القدر‪.‬‬
‫َ َ َ ُ ْ ُ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َّ ُ ُ ُ‬ ‫َّ ُ َّ‬
‫يتك ْم‬ ‫الل الِي خلقكم ثم رزقكم ثم ي ِم‬ ‫واالركان األربعة للعرش يجمعها قوله تعالى﴿‬
‫ُ َّ ُ ْ ُ‬
‫يك ْم ۖ ﴾وهي «ركن الخلق‪ ،‬ثم ركن الرزق‪ ،‬ثم ركن الممات‪ ،‬ثم ركن الحياة» وكل واحدة‬ ‫ثم يي ِ‬
‫تمثل نور من األنوار األربعة «االبيض و واألصفر‪ ،‬واألخضر‪ ،‬واالحمر» التي ذكرها الحديث‬
‫عن اإلمام علي‪ ‬اعاله‪ ،‬واألنوار األربعة هي الحقائق الجبروتيةلالربعة العالين وعلل االشياء‬
‫وهم «محمد وعلي والحسن والحسين» عليهم افضل الصالة والسالم‪ ،‬وتحت كل نور ملك من‬
‫المالئكة األربعة وعنصر من عناصر التخليق كما في الجدول ادناه‪.‬‬

‫((( هود‪٧ /‬‬


‫‪24‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫حسين‬ ‫حسن‬ ‫علي‬ ‫محمد‬


‫ركن الحياة‬ ‫ركن الموت‬ ‫ركن الرزق‬ ‫ركن الخلق‬
‫نور احمر‬ ‫نور اخضر‬ ‫نور اصفر‬ ‫نور ابيض‬
‫جبرائيل‬ ‫عزرائيل‬ ‫إسرافيل‬ ‫ميكائيل‬
‫نار‬ ‫تراب‬ ‫هواء‬ ‫ماء‬

‫والعرش كما قلنا منظومة كونية وهو في كل عالم العلم المحيط في ذلك العالم‪ ،‬ففي‬
‫عالم الجبروت العلم المحيط عند األنوار األربعة للعالين‪ ،‬وكلما نزلت العوالم رتبة ظهرت‬
‫اربعة مفاهيم تتناسب مع طبيعة كل عالم حاملة لركن من اركان العرش في ذلك العالم‪ ،‬فيكون‬
‫المالئكة األربعة «ميكائيل واسرافيل وعزرائيل وجبرائيل» هم وسائط االمداد لكل عالم حسب‬
‫مقتضيات ذلك العالم‪ ،‬فهم في عالم الجبروت جبروتيين وفي عالم الملكوت ملكوتيين وفي‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً ََ‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ً َّ َ ْ‬
‫ل َعل َناهُ َر ُجل َوللبَ ْس َنا َعليْ ِهم َّما يَلب ِ ُسون﴾(((‪ ،‬وتحت كل‬ ‫عالم الزمان زمانيون ﴿ولو جعلناه ملك‬
‫ملك طبيعة من الطبائع األربعة ومنها يتكون عالم الطبائع‪ ،‬وتحت كل طبع عنصر من العناصر‬
‫ومنه يتكون عالم العناصر وهكذا إلى اخر مراتب الوجود‪.‬‬
‫ومن هذا التصور تالحظ ان ركن الحياة من مختصات اإلمام الحسين‪ ‬وال حياة اال مع‬
‫الحسين‪ ‬النه هو الجنة وهو الحياة‪.‬‬

‫((( األنعام‪٩ /‬‬


‫��������������������������������������‬ ‫‪25‬‬

‫العبودية التكوينية والعبودية الت�شريعية‬


‫َ‬
‫َ‬ ‫ات َو ْال ْر ِض إ َّل آت َّ‬
‫الر ْح َم ٰ ِن عبْ ًدا﴾‬ ‫او ِ‬
‫ُ ُّ‬
‫ك َمن ف َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫قوله تعالى ﴿إِن‬
‫(((‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ربما يقول البعض اننا نرى في حياتنا اغلب الناس غير مؤدين لتعاليم دينهم وليس عندهم‬
‫اهتمام عبادي بل هم بال دين‪ ،‬فكيف تقول اآلية ان كل المخلوقات في السماوات واألرض هم‬
‫مقرين بالعبودية وال نرى فيهم اثر ذلك‪.‬‬
‫العبودية نوعان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬عبودية تكوينية‪ ،‬وهي متعلقة باصل ايجادهم‪ ،‬وهم هنا مقصود اآلية الكريمة وال‬
‫يحيد عن عبوديته منهم احد‪ ،‬النه خالقهم ولوال هذه العبودية لم ينوجدوا‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬عبودية تشريعية‪ ،‬وهي المتعلقة بااللتزام باوامر اللَّه ونواهيه وهي مدار التكليف‬
‫والحساب‪ ،‬ومن عمل بها فهو العبد المؤمن‪ ،‬وكل الفخر في هذه العبودية‪.‬‬
‫ومن هنا كل من يعتقد بان اللَّه غير موجود‪ ،‬او يقول انا ال اعبد اللَّه فهو كاذب‪ ،‬النه إذا‬
‫لم يلتزم بالعبودية التشريعية فهو مقهور بالعبودية التكوينية‪ ،‬فاللَّه خالقهم شاؤوا ام ابوا‪ ،‬وهم‬
‫عبيد له شاؤوا ام ابوا‪ ،‬ص ّدقوا ام لم يُص ّدقوا‪ ،‬ومن هنا كان التنافس بين الناس والتي عليها مدار‬
‫الثواب والعقاب هي العبودية التشريعية‪ ،‬الن العبودية التكوينية جبلّية راكزة في المخلوق برا ً‬
‫كان ام فاجرا ّ‪ ،‬اما العبودية التشريعية فهي مناط العمل والتكامل والحساب والثواب‪.‬‬

‫((( مريم‪93/‬‬
‫‪26‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ذا الكفل‬
‫الصابر َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ َ ْ ْ ُ ٌّ‬
‫ك ّم َِن َّ‬
‫ين﴾(((‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫قوله تعالى﴿ِإَوسماعِيل ِإَودرِيس وذا الكِف ِل ۖ‬
‫َ‬
‫ْ ْ‬ ‫ُ ٌّ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫قوله تعالى﴿ َواذك ْر إ ِ ْس َماعِيل َوال َي َس َع َوذا الكِف ِل ۖ َوك ّم َِن الخ َيارِ﴾(((‪.‬‬
‫هناك اختالف عند المفسرين في تحديد شخصية ذي الكفل‪ ،‬واكثرهم يذهب إلى انه من‬
‫أنبياء بني إسرائيل النه ورد في سياق الكالم مذكورا مع األنبياء‪ ،‬ويقول البعض انه «الياس»‬
‫المسمى«ايليا»‪ ،‬وقيل انه خليفة اليسع‪ ،‬وقيل انه عوبديا الذي له كتاب من كتب أنبياء اليهود‪،‬‬
‫ويعتقد البعض انه ليس نبي بل رجل صالح ولم يذكر القرآن الكريم قصته فغاية ما ذكره انه من‬
‫الصابرين ومن االخيار‪.‬‬
‫ويبقى السؤال من هو ذا الكفل؟‬
‫ما يجول في ذهني ان ذا الكفل في احد هاذين الموردين هو «ابو طالب» لالسباب التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬قوله اإلمام الصادق‪«‬ان في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن كانت فيه اسماء‬
‫الرجال فالقيت انما االسم الواحد منه في وجوه ال تحصى يعرف ذلك الوصاة»(((‪.‬‬
‫فاالسماء في القرآن الكريم بداللة الحديث«في وجوه ال تحصى»‪ ،‬فيمكن لالسم الواحد‬
‫ان يشير إلى عدة شخصيات‪ ،‬كما في الدليل الروائي التالي‪ ،‬فاسم إسماعيل‪ ‬في مورد قرآني‬
‫الذي يعتقد البعض انه ابن إبراهيم‪ ‬اال انه إسماعيل بن حزقيال‪.‬‬
‫عن يزيد بن معاوية العجلي قال‪ :‬قلت ألبي عبداللَّه ‪ :‬يا بن رسول اللَّه ‪ ‬أخبرني‬
‫َ َّ‬
‫اب إ ِ ْس َماعِيل ۚ إِن ُه‬ ‫عن إسماعيل الذي ذكره اللَّه تعالى في كتابه حيث يقول﴿ َواذْ ُك ْر ف الْك َ‬
‫ِت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً َّ‬ ‫َ ْ ْ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫كن َصادِق ال َوع ِد َوكن َر ُسول نب ِ ًّيا﴾(((‪ ،‬أكان إسماعيل بن إبراهيم‪ ‬؟ فأن الناس يزعمون أنه‬
‫إسماعيل بن إبراهيم ‪ .‬فقال‪«‬إسماعيل مات قبل إبراهيم ‪ ‬وأن إبراهيم ‪ ‬كان حجة للَّه‬
‫قائماً صاحب شريعة فإلى من أرسل إسماعيل إذاً»؟ قلت‪ :‬فمن كان جعلت فداك ؟ قال ‪:‬‬

‫((( األنبياء‪85/‬‬
‫((( ص‪48 /‬‬
‫((( تفسير العياشي‬
‫((( مريم‪٥٤ /‬‬
‫لفكلا اذ‬ ‫‪27‬‬

‫«ذاك إسماعيل بن حزقيال النبي‪ ،‬بعثه اللَّه إلى قومه فكذبوه وقتلوه وسلخوا وجهه‪ ،‬فغضب‬
‫اللَّه تعالى عليهم فوجه إليه سطاطائيل – ملك العذاب‪ -‬فقال له‪ :‬يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك‬
‫العذاب وج ّهني رب العزة إليك ألعذب قومك بأنواع العذاب أن شئت‪ .‬فقال له إسماعيل‪ :‬ال‬
‫حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل‪ .‬فأوحى اللَّه إليه‪ :‬ما حاجتك يا إسماعيل؟ فقال إسماعيل‪:‬‬
‫يا رب أنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد بالنبوة وألوصيائه بالوالية وأخبرت خير‬
‫خلقك بما تفعله أمته بالحسين بن علي ‪ ‬من بعد نبيها‪ ،‬وأنك وعدت الحسين‪ ‬أن تُـ ِك َّره إلى‬
‫الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به‪ ،‬فحاجتي إليك يا رب أن تُك ّـرني إلى الدنيا حتى أنتقم‬
‫وجل إسماعيل بن حزقيل ذلك فهو‬ ‫ممن فعل بي ما فعل كما تُكر الحسين ‪ .‬فوعد اللَّه ع ّز ّ‬
‫(((‬
‫يك ّـر مع الحسين بن علي‪.»..‬‬
‫‪ - 2‬األحاديث تقول ان هناك أنبياء ُمستعلنين وأنبياء ُمستخفين والمتابع يالحظ ان ُجملة‬
‫األنبياء ال ُمستعلنين المذكورين في القرآن هم من بني يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬اما‬
‫المستخفين فهم من بني إسماعيل ابن إبراهيم ‪ ‬فلم يذكر القرآن الكريم واحد من األنبياء من‬
‫ساللة إسماعيل اال رسول اللَّه‪ ،‬فيكون جملة اجداد رسول اللَّه‪ ‬إلى إسماعيل هم من‬
‫األنبياء المستخفين كما اثبتناه في كتابنا «المزايلة» فراجح‪ ،‬فيكون ابو طالب ‪ ‬نبي‪ ،‬والموردين‬
‫القرانيين اعاله فيهما ذكر إلسماعيل مع ذا الكفل مما يوحي بعالقة بنحو ما‪ ،‬اذ البد من وجود‬
‫رابط معين لكي يُذكرا بسياق واحد‪.‬‬
‫‪ - 3‬ليس بالضرورة ان يكون ذا الكفل شخص واحد فقد ذكرت الرواية السابقة ان إسماعيل‬
‫ً َّ‬ ‫َ ْ ْ َ َ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ ُ ْ‬
‫اب إ ِ ْس َماعِيل ۚ إِن ُه كن َصادِق ال َوع ِد َوكن َر ُسول نب ِ ًّيا﴾((( انه‬
‫في قوله تعالى ﴿واذكر ِف الكِت ِ‬
‫إسماعيل بن حزقيال وليس إسماعيل بن إبراهيم ‪.‬‬
‫‪ - 4‬يمكن ان يكون «ذا الكفل» لقب وليس اسم كما ان «ذا النون» لقب لنبي اللَّه يونس‪،‬‬
‫و«ذا القرنين» لقب لشخص اسمه عياش‪ ،‬كما ان «ابو طالب» كنية‪ ،‬وهناك جملة من آيات‬
‫القرآن الكريم ذكرت اشخاص بعناوين خاصة وتكفلت المرويات ببيان اسمائهم الحقيقية‪ ،‬كما‬
‫َ ْ ْ‬
‫اب﴾(((‪ ،‬الذي قالت عنه األحاديث انه اصف بن برخيا‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِندهُ عِل ُم الك َِت‬
‫في قوله تعالى﴿ َو َم ْن ع‬
‫َّ َّ ْ‬ ‫َّ‬
‫وصي نبي اللَّه سليمان‪ ،‬وقوله ﴿ َو َعل ْم َناهُ مِن ُلنا عِل ًما﴾(((‪ ،‬الذي تقول عنه األحاديث انه‬

‫((( االيقاظ من الهجعة‪ /‬الحر العاملي‪/‬باب‪/10‬ح ‪ /42‬ص‪.330‬‬


‫((( مريم‪٥٤ /‬‬
‫((( الرعد‪43 /‬‬
‫((( الكهف‪65/‬‬
‫‪28‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ْ َ ْ َ َ ُُْ َ َ‬
‫يمان ُه﴾((( الذي تقول عنه األحاديث‬ ‫َ َ َ َ ُ ٌ ُّ ْ ٌ ّ ْ‬
‫الخضر‪ ،‬وقوله ﴿وقال رجل مؤمِن مِن آ ِل ف ِرعون يكتم إ ِ‬
‫ان حزقيل مؤمن ال فرعون‪.‬‬
‫‪ - 5‬وعلى االرجح ان يكون «ذا الكفل» عنوان‪ ،‬اي كل شخص يكفل نبي او شخصية‬
‫عظيمة البد ان يسمى «ذا الكفل»‪ ،‬وعلى موجب هذا الموقف فيمكن ان يكون لقب زكريا«ذا‬
‫َ َّ َ َ‬
‫الكفل» النه كفل مريم﴿ َوكفل َها َزك ِر َّيا ۖ﴾(((‪ ،‬ويمكن ان يكون ابو طالب «ذا الكفل» النه كافل‬
‫اليتيم محمد‪ ،‬ونتيجة هذه الكفالة العظيمة يسمى ذا الكفل‪ ،‬وقد ورد في كتاب سرائر واسرار‬
‫النطقاء «ان ابي طالب اسمه عمران وعبد مناف وذو الكفل‪ .....‬فسمي ابو طالب ذو الكفل‬
‫(((‬
‫لكفالته محمد‪»‬‬
‫‪ - 6‬ال ادري لماذا ورد ذكر «ادريس» في مورد األنبياء بعد إسماعيل علما ان ادريس من‬
‫أنبياء ما قبل الطوفان‪ ،‬وال ادري ما هي الوحدة الموضوعية بين هؤالء األنبياء الثالثة«إسماعيل‬
‫وادريس وذا الكفل» مع وجود الفارق الزمني الكبير بينهم‪ ،‬وإذا اخذنا بنظر االعتبار الحديث‬
‫الذي ذكرناه حول االسماء في القرآن «االسم الواحد منه في وجوه ال تحصى»‪ ،‬والخبر الذي‬
‫يقول ان ادريس ُس ّمي ادريساً «لكثرة دراسته الكتب» إذا المعروف ان لدى ادريس عشرات‬
‫الكتب‪ ،‬عن رسول اللَّه‪«‬انزل اللَّه على ادريس ثالثين صحيفة»(((‪ ،‬فمن الراجح ان هناك‬
‫اكثر من ادريس إذا قلنا ان ادريس ليس اسم علم بل هو لقب لكل من تعمق في دراسة الكتب‪،‬‬
‫جح ان ادريس لقب وليس اسم‪،‬‬ ‫وخصوصا ان ادريس ما قبل الطوفان اسمه «اخنوخ» مما يُر ّ‬
‫فيمكن القول ان هناك عالقة ربط نسبية بين «إسماعيل وادريس وذا الكفل» إذا اعتبرنا ادريس‬
‫في هذه اآلية ليس اخنوخ ما قبل الطوفان‪.‬‬

‫((( غافر‪28/‬‬
‫((( آل عمران‪37/‬‬
‫((( سرائر واسرار النطقاء‪ /‬تاليف الداعي جعفر بن منصور اليمن‪ /‬تحقيق وتقديم الدكتور مصطفى غالب‪/‬‬
‫((( قصص األنبياء‪ /‬السيد نعمة اللَّه الجزائري‪ /‬الباب الثاني‪ /‬في قصص ادريس ‪ /‬ص ‪85‬‬
‫��������‬ ‫‪29‬‬

‫�أم القرى‬
‫عن أمير المؤمنين‪«‬ان اللَّه خلقنا فاكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا امناءه وحفظته وخزانه على‬
‫ما في السماوات وما في األرض وجعل لنا اضداداً واعداءاً فسمانا في كتابه وكنى عن اسمائنا‬
‫باحسن االسماء واحبها اليه تكنية عن العدو‪ ،‬وسمى اضدادنا واعداءنا في كتابه وكنى عن‬
‫اسمائهم وضرب لهم االمثال في كتابه في ابغض االسماء اليه وإلى عباده المتقين»(((‪.‬‬
‫داللة الحديث واضحة كون اللَّه سمى آل محمد ‪ ‬في القرآن الكريم باحسن االسماء‬
‫واحبها اليه ولكنها تكنية عن العدو لكي ال يعرفها إلَّ المؤمنين‪ ،‬وكذلك الحال مع اعدائهم‬
‫حيث كنى عن اسمائهم بابغض االسماء‪ ،‬وان عملية معرفة اسماء آل محمد‪ ‬وكناهم في‬
‫القرآن الكريم ليست بالصعوبة التي قد يتصورها البعض الن جملة من األحاديث بينت هذه‬
‫االسماء‪.‬‬
‫َّ َ َ َ ُ ٌ َ ُ ّ َ‬
‫ِك ق ْو ٍم َها ٍد﴾(((‪،‬‬
‫عن ابا بصير قال‪ :‬قلت البي عبد اللَّه‪ ‬قوله تعالى ﴿إِنما أنت منذِر ۖ ول ِ‬
‫فقال«رسول اللَّه ‪ ‬المنذر وعلي‪ ‬الهادي‪ ،‬يا ابا محمد هل من هاد اليوم؟» قلت‪ :‬بلى‬
‫جعلت فداك ما زال منكم هاد من نور هاد حتى ُرفعت اليك‪ ،‬فقال«رحمك اللَّه يا ابا محمد لو‬ ‫ُ‬
‫كان إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت اآلية‪ ،‬مات الكتاب‪ ،‬ولكنه حي يجري‬
‫فيمن بقي كما جرى فيمن مضى»(((‪.‬‬
‫والحديث واضح كون المنذر من اسماء رسول اللَّه‪ ‬والهادي من اسماء أمير المؤمنين‪.‬‬
‫عن محمد بن الفضيل قال‪ :‬قلت البي الحسن الرضا‪ :‬اخبرني عن قول اللَّه ع ّز‬
‫َ َّ ْ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫اتل َ َّ ْ ُ‬
‫و ّ َ ّ‬
‫ون﴾ الحسن والحسين»‪،‬‬ ‫ون﴾((( إلى اخر السورة‪ ،‬فقال«﴿و ِاتل ِني والزيت ِ‬
‫ِني والزيت ِ‬ ‫جل﴿و ِ‬
‫ِني﴾(((‪ ،‬قال«ليس هو طور سنين ولكن طور سيناء»‪ ،‬قال‪ :‬فقلت وطور سيناء‪،‬‬ ‫فقلت ﴿ َو ُطور سِين َ‬
‫ِ‬

‫((( بحار األنوار‪ /‬ج ‪24‬‬


‫((( الرعد‪7 /‬‬
‫((( الكافي‪ :‬ج‪ /1‬ص ‪ /148‬ح‪3‬‬
‫((( التين‪١ /‬‬
‫((( التين‪2 /‬‬
‫‪30‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫َ َ َ ْ َ َْ‬
‫ِني﴾(((‪ ،‬قال «هو رسول اللَّه ‪ ‬امن‬ ‫ِ‬ ‫ل الم‬ ‫فقال«نعم هو أمير المؤمنين‪ ،»‬قلت ﴿وهٰذا الَ ِ‬
‫ْ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ْ َ ََْ‬
‫يم﴾(((‪ ،‬قال«ذاك ابو‬ ‫النسان ِف أحس ِن تقوِ ٍ‬ ‫الناس به من النار إذا اطاعوه»‪ ،‬قلت‪﴿:‬لقد خلقنا ِ‬
‫فصيل حين اخذ اللَّه الميثاق له بالربوبية ولمحمد ‪ ‬بالنبوة‪ ،‬والوصيائه بالوالية فأق ّر وقال‬
‫َ (((‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ‬
‫نعم اال ترى انه قال ﴿ثم رددناه أسفل سافِل ِني﴾ يعني الدرك االسفل حين نكص وفعل بآل‬
‫محمد‪ ‬ما فعل‪.(((»....‬‬
‫واألحاديث التي ص ّرحت باالسماء بهذا المعنى كثيرة ال نستطيع استقصائها جميعا‪ ،‬ولكن‬
‫هناك اسماء آلل محمد‪ ‬في القرآن بحاجة لتدبر وقرائن لمعرفتها‪ ،‬وقد اشار إلى هذا المعنى‬
‫اإلمام الصادق ‪ ‬بقوله «لو قرأ القرآن كما انزل اللفيتمونا ُمس ّمين»‪ ،‬وقوله «لو تدبر شيعتنا‬
‫القرآن أللفيتمونا ُمس ّمين»‪ ،‬وهنا سنحاول التدبر بايتين قرآنيتين كريمتين الستخراج احد هذه‬
‫االسماء كما افهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ار ٌك ُّم َص ّد ُِق َّالِي َب ْ َ‬ ‫نز ْلَاهُ ُم َب َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ى َو َم ْن َح ْول َها ۚ‬ ‫ي يَ َديْهِ َولِ ُنذ َِر أ َّم الْ ُق َر ٰ‬ ‫قوله تعالى﴿ َو َهٰ َذا ك َِت ٌ‬
‫اب أ َ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫َ ُ ْ َ َٰ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َّ َ ْ َ ْ‬
‫ع َصلت ِ ِه ْم يَاف ِظون﴾(((‪.‬‬ ‫ِين يُؤم ُِنون بِالخ َِرة ِ يُؤم ُِنون بِهِ ۖ وهم‬ ‫وال‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ى َو َم ْن َح ْول َ َها َوتُنذ َِر يَ ْو َم َ‬
‫ال ْمعِ‬ ‫ك قُ ْرآنًا َع َرب ًّيا ّ ِلُنذ َِر أ َّم الْ ُق َر ٰ‬ ‫َ َ َٰ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫قوله تعالى﴿وكذل ِك أوحينا إِل‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ َ َّ َ َ ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ري﴾(((‪.‬‬ ‫ل ريب فِيهِ ۚ ف ِريق ِف الن ِة وف ِريق ِف الس ِع ِ‬
‫ُ‬
‫ى َو َم ْن َح ْول َها﴾ قد تكرر في كال اآليتين‪،‬‬
‫َ‬ ‫الحظ هنا ان ال ُمركّب اللغوي﴿ ّ ِلُنذ َِر أ َّم الْ ُق َر ٰ‬
‫ومتابعة اولية للتراكيب اللغوية القرآنية التي تتكرر يُرجح ان كل ُمركّب لغوي قرآني يتكرر مرتين‬
‫ال يعني انه يشير إلى موضوع واحد‪ ،‬بل كل ُمركّب في سياق معين يشير إلى داللة ثانية ليست‬
‫كداللته في الموارد االخرى(((‪ ،‬وبما ان القرآن كما يصفه المعصوم ‪ ‬كونه «يجري مجرى‬
‫الشمس والقمر» فالبد ان هذه التراكيب اللغوية لها معاني باطنة تتناسب مع حركة بواطن القرآن‬

‫((( التين‪3 /‬‬


‫((( التين‪٤ /‬‬
‫((( التين‪٥ /‬‬
‫((( تاويل اآليات‪:‬ج‪/2‬ص ‪ /814‬ح‪ ،4‬كذلك تفسير البرهان‪ /‬ج‪ /8‬ص ‪ /320‬ح ‪4‬‬
‫((( األنعام‪92/‬‬
‫((( الشورى‪7/‬‬
‫((( راجع كتابنا «اية ورواية» فقد ذكرنا فيه شرح مفصل لجملة من اآليات القرآنية ذات التركيب اللغوي المتشابه‪ ،‬واثبتنا من‬
‫خالل الروايات المتعلقة بها ان كل مركب لغوي منها يشير إلى موضوع معين يختلف عن المركب اللغوي اآلخر الذي‬
‫يشبهه بخصيصة معينة‪.‬‬
‫��������‬ ‫‪31‬‬

‫نفسه‪ ،‬ومن هنا يكون لدينا التصور التالي‪:‬‬


‫األول‪ :‬مورد األنعام اقترن مع «الكتاب» فيما مورد الشورى اقترن مع «القرآن»‪ ،‬والكتاب هو‬
‫الحقيقة الجامعة لكل الكتب ال ُمن ّزلة‪ ،‬فيكون مورد الشورى عام ومورد األنعام خاص‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫الثاني‪ :‬مورد األنعام يشير إلى مجموعة مؤمنة كونهم ﴿يُؤم ُِنون بِالخ َِرة ِ﴾ و ﴿يُؤم ُِنون بِهِ ۖ﴾‬
‫وهم «على صالتهم يحافظون» مما يشير إلى خصوصية المورد‪ ،‬اما مورد الشورى فيشير إلى‬
‫مجموعتين احدهما إلى الجنة واالخرى للسعير مما يشير إلى عمومية المورد‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬مورد الشورى فيه «ام القرى» هي هذه البلدة المعروفة بمكة‪ ،‬وهي كما يقول اإلمام‬
‫ابي جعفر‪«‬ومكة من امهات القرى»(((‪ ،‬واالنذار العام كان لها ولعموم القرى التي حولها‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬مورد األنعام فيه «ام القرى» له معنى خاص جدا اذ ورد في المرويات ان «القرى»‬
‫رجال خاصين‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ َّ َ َ ْ‬
‫ِيها ق ًرى‬ ‫ارك َنا ف‬ ‫عن اإلمام الحجة ‪ ‬في قوله تعالى ﴿وجعلنا بينهم وبي القرى ال ِت ب‬
‫َ‬
‫ظاه َِرةً﴾(((‪ ،‬قال«فنحن واللَّه القرى التي بارك اللَّه فيها وانتم القرى الظاهرة»(((‪.‬‬
‫فتكون«ام القرى» هي ام تلك القرى المباركة الذين هم رجال خاصين مباركين منصوص‬
‫عليهم وهي على الباطن موالتنا الزهراء عليها وعلى آل بيتها افضل الصالة والسالم‪ ،‬وقد ذكرت‬
‫في فقرة سابقة بداللة الحديث ان االسماء في القرآن الكريم على وجوه ال تحصى‪.‬‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ى َو َم ْن َح ْول َها﴾‪،‬‬‫اما موضوع االنذار فقد ورد مرة واحدة في مورد األنعام﴿ ّ ِلُنذ َِر أ َّم الْ ُق َر ٰ‬
‫ُ‬
‫ب فِيهِ ۚ﴾‪ ،‬مما‬ ‫ال ْمعِ َل َريْ َ‬ ‫ى َو َم ْن َح ْول َ َها َوتُنذ َِر يَ ْو َم ْ َ‬
‫وفي مورد الشورى ورد مرتين﴿ ّ ِلُنذ َِر أ َّم الْ ُق َر ٰ‬
‫يشير ايضا إلى خصوصية مورد األنعام وعمومية مورد الشورى‪ ،‬الن االنذار هي مهمة رسول‬
‫َّ َ َ َ ُ ٌ َ ُ ّ َ‬
‫ِك ق ْو ٍم َها ٍد﴾(((‪ ،‬وهذا االنذار بدأ ايضاً بشكل‬
‫اللَّه‪ ‬األولى للبشرية ﴿إِنما أنت منذِر ۖ ول ِ‬

‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /3‬ص ‪ /66‬ح ‪5‬‬


‫(( ( سبأ‪١٨ /‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬ج‪ /6‬ص ‪ /332‬ح ‪5‬‬

‫لقد ورد معنى القرى كونها رجال في كثير من موارد القران الكريم منها قوله تعالى«وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا» فالقرى‬
‫كابنية بحد ذاتها ال تظلم ولكن من يسكن فيها من الناس يظلم فسماهم هنا قرى وهم ناس‪ ،‬وقوله تعالى«وكذلك اخذ‬
‫ربك إذا اخذ القرى وهي ظالمة» وقد قال اإلمام السجاد ‪« ‬ان القرى رجال»‪ ،‬وقد قال في عدة مواضع «اهل القرى» كما‬
‫في قوله تعالى««اتيا اهل قرية استطعما اهلها» فهنا يحدد ان لهذه القرية اهل اما الموارد التي ليس فيها اهل فهي رجال‪.‬‬
‫((( الرعد‪7 /‬‬
‫‪32‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ك ْالَقْ َرب َ‬
‫ني﴾‬
‫(((‬ ‫ََ ْ َ ََ َ‬
‫خاص لعشيرته االقربين ثم لعموم الناس ﴿وأنذِر عشِ ريت‬
‫ِ‬
‫(فام القرى في مورد االنعام على الباطن هي موالتنا فاطمة الزهراء عليها السالم ‪ ،‬والذين‬
‫َ (((‬
‫َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ َّ َ ّ ْ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ب ال َعال ِمني﴾‬
‫حولها هم ابنائها القرى المباركة ﴿بورِك من ِف انلارِ ومن حولها وسبحان اللِ ر ِ‬
‫فارجوا االنتباه لالشارة وال تقتصر على العبارة)‪.‬‬

‫((( الشعراء‪214 /‬‬


‫((( النمل‪8/‬‬
‫بئاغلا ركذلا‬ ‫‪33‬‬

‫الذكر الغائب‬
‫وردت لفظة «ذكر» في القرآن الكريم بعدة اشتقاقات مثل«ذكرى» و«ذكري» و«يذكرون»‬
‫ََ َْ‬
‫نزلَا‬ ‫وغيرها‪ ،‬ولها عدة مدلوالت في االستخدام القرآني‪ ،‬وقد وردت بمعنى القرآن كما في قوله﴿وأ‬
‫َ ْ َُ َ َْ ّ ْ‬ ‫اذل ِْك َر لِ ُبَ ّ َ‬
‫َْ َ ّ‬
‫اسألوا أهل ِاذلك ِر إِن‬ ‫اس﴾(((‪ ،‬وقد ورد ان لهذا الذكر اهل كما في قوله﴿ف‬ ‫ي ل َِّلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِلك‬
‫َ ْ َ َ َ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُك ُ‬
‫نت ْم ل تعل ُمون﴾(((‪ ،‬ووردت بمعنى شخص مخصوص كما في قوله تعالى ﴿قد أنزل الل‬
‫ً ُْ‬ ‫َّ ُ َ ّ َ‬ ‫ً ُْ ََ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ات﴾(((‪ ،‬فهو ع ّرف «ذكرا» كونه ﴿ َّر ُسول َيتلو‬ ‫إِلْك ْم ذِك ًرا ؀ َّر ُسول َيتلو عليْك ْم آيَ ِ‬
‫ات اللِ مبيِن ٍ‬
‫َّ ُ َ ّ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ات﴾‪ ،‬فال يمكن ان يكون الذكر في هذا المورد بمعنى القرآن الن القرآن‬ ‫ات اللِ مبيِن ٍ‬ ‫عليْك ْم آيَ ِ‬
‫كتاب والكتاب ال يقوم بعملية التالوة بل الشخص هو الذي يتلوا‪ ،‬فهذا «ذكرا» هو شخص‬
‫صفاته انه «رسوال» و«يتلوا» وهو شخص الرسول الكريم عليه وعلى آله أفضل الصالة والسالم‬
‫عن اإلمام الرضا‪«‬قال في حديث مجلس المأمون» قال‪«‬الذكر رسول اللَّه‪ ‬ونحن‬
‫َ‬ ‫َ َّ ُ َّ َ ُ‬
‫اب‬ ‫الل يَا أول ْال ْلَ‬ ‫أهله وذلك ب ّين في كتاب اللَّه عز وجل حيث يقول في سورة الطالق ﴿فاتقوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ ْ‬
‫َّ‬
‫اللِ ُم َب ّي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ ً َ ْ ُ َ َ ْ ُ‬ ‫ً‬
‫ات﴾ قال‪«:‬فالذكر‬ ‫ن‬
‫ِ ٍ‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫آي‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫و‬‫ل‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫؀‬ ‫ا‬‫ر‬ ‫ِك‬ ‫الِين آمنوا ۚ قد أنزل الل إِلكم ذ‬
‫رسول اللَّه‪ ‬ونحن اهله»(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َََ ْ‬
‫ض ُب َعنك ُم‬ ‫المعنى للفظة الذكر كونه شخص يمكن التأمل في قوله تعالى﴿أفن ِ‬ ‫ومن هذا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ْ َ ْ ً َ‬
‫سفِني﴾(((‪ ،‬وان كان الغالب في كتب التفسير ان الذكر في هذه‬ ‫َ‬
‫اذلِكر صفحا أن كنتم قوما م ِ‬
‫اآلية هو القرآن بمعنى «افحسبتم ان نترككم بال تذكير او بال حساب او عقاب»‪.‬‬
‫والحقيقة ان هذه التركيبة اللغوية لآلية عندي ُمح ّيرة‪ ،‬ولكن لو جرينا وراء المعاني المتعددة‬
‫للفظة «الذكر» وقلنا ان الذكر له اهل بداللة االية‪ ،‬وان الذكر قد تعني شخص بداللة اآلية‬
‫والحديث اعاله‪ ،‬فكل شخص من األئمة ‪ ‬هو ذكر‪ ،‬ويكون هذا المورد على الباطن خاص‬
‫باإلمام المهدي‪ ،‬فيكون الضرب هنا بمعنى الغيبية اي اتحسبون اننا نقطع نور االمامة ان كنتم‬

‫((( النحل‪44/‬‬
‫((( النحل‪43/‬‬
‫((( الطالق‪11 - 10/‬‬
‫((( عيون اخبار الرضا ‪/‬ج‪ /1‬ص‪ /216‬ح‪ ،1‬تفسير البرهان‪ /‬ج‪ / 8‬ح‪ / 2‬ص ‪45‬‬
‫((( الزخرف ‪5 /‬‬
‫‪34‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫قوماً مسرفين ولكننا غ ّيبناه السرافكم‪.‬‬


‫َ‬
‫حا أن ُك ُ‬
‫نت ْم قَ ْو ًما ُّم ْسف َ‬ ‫اذل ِْك َر َص ْف ً‬
‫ََ ْ ُ َ ُ ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ِني﴾‬ ‫ِ‬ ‫ضب عنكم‬ ‫عن علي بن إبراهيم‪ :‬قوله تعالى﴿أفن ِ‬
‫استفهام اي ندعكم ُمهملين ال نحتج عليكم برسول او بإمام او بحجج» ‪.‬‬
‫(((‬

‫ُ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ‬


‫ض ُب َعنك ُم‬ ‫ْ فيمكن القول ان الذكر في اآلية مورد الكالم هي القائم‪ ‬فتكون عبارة ﴿أفن ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫اذلِك َر َصف ًحا﴾((( بمعنى«نغ ّيبه عنكم» النكم مسرفين‪ ،‬ويمكن ان يقودنا هذا المعنى لمعنى‬
‫اللِ﴾((( فسبيل اللَّه هو اإلمام‪‬‬ ‫َّ‬
‫يل‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫آم ُنوا إ َذا َ َ‬
‫ضبْ ُت ْم ف َ‬ ‫باطني اخر‪ ،‬فقوله تعالى﴿يَا َأ ُّي َها َّال َ‬
‫ِين َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ِإَوذا َ َ‬
‫ضبْ ُت ْم ِف ال ْر ِض﴾((( اي إذا بحثتم عن امامكم الغائب‪ ،‬فالضرب‬ ‫فيكون قوله تعالى﴿‬
‫هنا هو تتبع االثار للوصول اليه‪.‬‬

‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /7‬ص ‪ /109‬ح‪1‬‬


‫(( ( الزخرف‪٥ /‬‬
‫((( النساء‪94 /‬‬
‫(( ( النساء‪١٠١ /‬‬
‫������������������������‬ ‫‪35‬‬

‫و�أ�شرقت الأر�ض بنور ربها‬


‫لقد ذكرت في ُجملة من مؤلفاتي ان الواقع الفلكي لألرض سيتغير عما هو عليه االن في‬
‫فترة متقدمة من دولة العدل االلهي‪ ،‬مما يجعل االيام والسنين تطول‪ ،‬نتيجة ان دوران األرض‬
‫حول نفسها سيساوي مدة دورانها حول الشمس فتظهر حالة يسميها الحديث «لبوث الفلك»(((‪،‬‬
‫وهذا التغير في الواقع الفلكي لألرض وانتقاله من حالة الحركة إلى حالة اللبوث تجعل للشمس‬
‫وللقمر واقع جديد أيضاً بالنسبة لسكان األرض‪ ،‬واألحاديث تذكر أن أهل هذه الجنة األرضية‬
‫يستغنون عن ضوء الشمس والقمر‪.‬‬
‫َ‬
‫َ ْ ََ ْ ُ‬‫َ‬
‫ت ال ْرض ب ِ ُنورِ َر ّب ِ َها﴾(((‪،‬قال«رب األرض يعني‬
‫عن أبي عبد اللَّه‪ ‬في قوله تعالى﴿وأشق ِ‬
‫إمام األرض»‪.‬قلت‪ :‬فإذا خرج يكون ماذا؟ قال«إذن يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر‬
‫ويجتزون بنور اإلمام ‪.(((»‬‬
‫عن أبي عبد اللَّه‪ ‬قال«أن قائمنا إذا قام أشرقت األرض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء‬
‫الشمس والقمر وصار الليل والنهار واحد وذهبت الظلمة و ُيع ّمر الرجل في ملكة حتى يولد له‬
‫(((‬
‫ألف ذكر‪».....‬‬
‫جعلت فداك كيف تطول‬ ‫عن أبي بصير عن أبي جعفر ‪ ‬قال من حديث طويل‪ ...«:‬قلت‪ُ :‬‬
‫السنون؟ قال‪ :‬يأمر اللَّه الفلك بالبوث وقلة الحركة فتطول األيام والسنون‪.(((»....‬‬
‫عن عبد الكريم الخثعمي قال‪ :‬قلت ألبي عبد اللَّه‪:‬كم يملك القائم‪‬؟ قال«سبع سنين‬
‫تطول له األيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم هذه‪.(((»......‬‬
‫وعبارة «ويجتزون بنور اإلمام‪ »‬تعني يكتفون بنور اإلمام‪،‬ويمكن أن نفهم منها التصورات‬
‫التالية‪:‬‬

‫((( راجع كتابنا «نجم يتقلب في اآلفاق»‪ ،‬وكتابنا «ايام اللَّه» حول هذا الموضوع‬
‫((( الزمر‪69/‬‬
‫((( تفسير القمي‪/‬ج‪/2‬ص ‪ 224‬كذلك تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /6‬ص ‪ /565‬ح‪1‬‬
‫((( سرور اهل اإليمان‪ /‬للنيلي النجيفي‬
‫((( روضة الواعظين‪ ،264/2:‬أعالم الورى ‪ ،432:‬كشف الغمة‪256 /3 :‬‬
‫((( األيقاظ من الهجعة‪ /‬الحر ألعاملي‪/‬باب‪/9‬ح ‪/26‬ص ‪ 257‬وكذلك أرشاد المفيد‪381 :2 :‬‬
‫‪36‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫األول‪ :‬قد يكون هذا النور وهذه االضاءة هو نور شخص اإلمام نفسه‪ ،‬ولطالما ذُكر في‬
‫المرويات أنهم«نور اللَّه»‪ ،‬وهذا شأن من شؤون اإلمامة خارج مداركنا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ربما العبارة تشير إلى أن األرض ستضاء «بعلم اإلمام»‪ ،‬الن دول العدل اإللهي يظهر‬
‫بها سبعة وعشرون حرف من العلم‪ ،‬فيكون هذا العلم خارج توقعاتنا ومعرفتنا الحالية‪.‬‬
‫ُفسر هذا األمر من خالل ما موجود في ايدينا من العلوم المتعلقة بقوانين‬ ‫الثالث‪ :‬يمكن أن ن ّ‬
‫المادة وحاالتها‪ ،‬باالنطالق من حديث اإلمام الرضا‪ ....«‬وقد علم ذووا االلباب ان االستدالل‬
‫على ما هناك ال يكون اال بما هيهنا‪ ،(((»...‬واللَّه جعل لكل شيأ سبباً‪ ،‬فالبد أن علم اإلمام سيظهر‬
‫باألسباب‪ ،‬وان كانت األحاديث تؤكد أن علوم دوله اإلمام ‪ ‬اكبر مما نتخيله‪.‬‬
‫وما يجول في خاطري القاصر هو تحليل مرتبط بما نفهمه حالياً من قوانين الفيزياء الصرفة‪،‬‬
‫فالثابت علمياً أن كل مغناطيس تنبعث منه وت ُحيط به خطوط قوة تسمى الحقل المغناطيسي‪،‬‬
‫موصل نتجت الكهرباء‪ ،‬وكذلك إذا م ّر تيار كهربائي في‬ ‫ّ‬ ‫وإذا تقاطع هذا الحقل مع معدن‬
‫مفصل ولها‬
‫سلك تولد المجال المغناطيسي‪ ،‬وهذه الظاهرة مشروحة في كتب الفيزياء بشكل ّ‬
‫قوانين رياضية دقيقة لمعرفة تأثيراتها وخواصها‪ ،‬فيمكن القول أن تطور العلوم في دولة اإلمام‬
‫المهدي‪ ‬المتعلقة بظهور سبعة وعشرون حرفاً من العلم يمكن من خاللها أنتاج الطاقة من‬
‫المجال المغناطيس األرضي نفسه‪ ،‬فربما تُستثمر مغناطيسية األرض إلنتاج طاقة ال تنضب‬
‫من خالل تقاطع خطوط الفيض المغناطيس األرضي مع معادن خاصة‪ ،‬وخصوصاً في زماننا‬
‫هذا تجري ابحاث جدا ً ضخمة اليجاد مصادر للطاقة بديلة عن النفط والفحم‪ ،‬ومنها التجارب‬
‫األولية للحصول على طاقة كهربائية باستثمار امواج البحر نفسها‪.‬‬
‫وهذا التصور الذي اتكلم عنه استوحيه من أحوال المدينتين «جابلسا وجابلقا» التي ذكرتها‬
‫أحاديث آل محمد ‪ ،‬عن أبي عبد اللَّه ‪ ‬قال أن الحسن‪ ‬قال‪«:‬ان للّه مدينتين أحداهما‬
‫(((‬
‫بالمشرق واألخرى بالمغرب عليهما سور من حديد‪»........‬‬
‫وكال المدينتين محاطتان «بسور من حديد» وهذه الميزة بالذات تثير تساؤل وهو‪ :‬ما فائدة‬
‫وجود هذا السور؟ فأصل السور يوضع للحماية‪،‬وهل هناك أعداء يتربصون بهذه المدن فتم بناء‬
‫سور من حديد لحمايتها؟ وكيف يصح ذلك واألحاديث تذكر أنهم يعيشون بسالم بل هم في‬
‫حالة انتظار خروج القائم‪.‬‬

‫((( عيون اخبار الرضا‪ /‬ج‪ /1‬باب‪ /12‬ح‪1‬‬


‫((( الكافي‪ /‬ج‪ / 1‬ص ‪462‬‬
‫������������������������‬ ‫‪37‬‬

‫اعتقد «واللَّه العالم»أن فائدة هذا السور ليس للحماية‪ ،‬بل هو نظام لتوليد الطاقة‪ ،‬يمكن‬
‫من خالله أن تحيط نفسها بحقل طاقة جبار من كل مكان‪ ،‬مثال ذلك ما تراه في األفالم العلمية‬
‫الحديثة كون هناك ُمدن ت ُحاط بدرع من الطاقة على شكل نصف كرة‪ ،‬والحديث يسميها «مدن»‬
‫ولم يقل عنها أنها كواكب‪ ،‬فهي بهذا المعنى جزء من كوكب‪ ،‬فإذا تقاطعت مغناطيسية هذا‬
‫موصل والذي من المفروض ان يكون سور على‬ ‫ّ‬ ‫الكوكب مع سور الحديد الذي هو معدن‬
‫شكل دائرة ألنتجت الطاقة الكهربائية من المجال المغناطيسي لذلك الكوكب‪ ،‬وبما ان المجال‬
‫المغناطيسي على شكل كرة او قبة فان حقل الطاقة سيكون بهذا الشكل يحيط بتلك المدن‬
‫ويضيء لهم ما في داخل القبة فال يحتاجون بعدها لضوء الشمس والقمر‪ ،‬ولعل مفهوم القبة‬
‫الذي ورد في بعض األحاديث يشير إلى هذا المعنى‪،‬‬
‫ُسئل اإلمام ابي عبد اللَّه‪ ‬عن قبة آدم فقيل له‪ :‬هذه قبة آدم؟ قال«نعم للَّه قبب كثيرة‪ ،‬اما‬
‫(((‬
‫ان خلف مغربكم تسعة وثالثين مغربا ارضا بيضاء مملوءة خلقا يستضيئون بنورها‪»....‬‬
‫وال استبعد أن يكون النظام على األرض في دولة العدل مثل هذه األنظمة الطاقوية‪،‬‬
‫ض َب‬ ‫َ ُ‬
‫أن النص القرآني يؤكد وجود السور الفاصل بين أهل الجنة وأهل النار ﴿ف ِ‬ ‫وخصوصاً‬
‫َ ْ َ ُ ُ َّ‬
‫ُ َ ٌ (((‬
‫ور ل باب﴾ ‪،‬وبعض األحاديث التي ذكرناها عن الجنتان المدهامتان في كتابنا ايام‬ ‫بينهم بِس ٍ‬
‫اللَّه تشير إلى وجود أسوار حولها فراجع‪.‬‬
‫أما عبارة «يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر»‪ ،‬فتشير بشكل مؤكد أن الواقع‬
‫الفلكي للشمس والقمر يختلف في تلك األيام‪،‬فحركة القمر مرتبطة بحركة األرض بالتبعية‪ ،‬فإذا‬
‫ابطأت األرض بالدوران حول الشمس‪،‬أبطئ القمر بالدوران حول األرض‪،‬فإذا بطئت الحركة‬
‫االنتقالية بطئت بالتبعية الحركة الدورانية حول نفسها‪.‬‬
‫فإذا أكملت األرض دورتها حول الشمس بألف سنة مما تعدون‪ ،‬فالقمر يبطئ من دورته‬
‫حول األرض بالتبعية‪ ،‬وبما ان القمر حاليا يكمل «‪ »12‬دورة حول األرض كلما دارت األرض‬
‫حول الشمس دورة واحدة‪ ،‬فهذا معناه إذا دارت األرض حول الشمس بمدة ألف سنة مما تعدون‪،‬‬
‫البد وان القمر في هذه األلف سنة قد دار أيضا حول األرض«‪ »12‬دورة فتكون مدة الدورة للقمر‬
‫حول األرض في ذلك النظام كالتالي‪:‬‬

‫((( بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪513‬‬


‫((( الحديد‪13 /‬‬
‫‪38‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫«‪ 83/3 =12 ÷12 1000‬سنة» وبهذا تكون منازل القمر الثمانية والعشرين طويلة جدا ً قد‬
‫تصل فترة كل منزل إلى أكثر من سنتين بقياساتنا الحالية‪.‬‬
‫وحسب هذه القياسات االفتراضية فان أهل الجنتان المدهامتان التي ستظهر في زمن اإلمام‬
‫المهدي‪ ‬في اخر الرجعات ال يرون من منازل القمر إال الهالل في بداية دورته‪ ،‬والهالل‬
‫في نهاية دورته‪ ،‬أو ربما ال يرونه بالمرة الن رؤية الهالل في أول منزلة وأخرها صعبة جدا ً‪،‬‬
‫وبهذا المعنى تكاد تكون رؤية القمر نهائيا معدومة لصعوبة رؤيته في أول يوم وفي أخر يوم من‬
‫الشهر‪،‬أما بقية المنازل فال يرونها‪ ،‬فأهل الجنتان المدهامتان ال يرون الشمس وال القمر‪.‬‬
‫والحقيقة العلمية تؤكد ان القوة المغناطيسية للمغناطيس تكون اقوى عند االقطاب فمثال‬
‫خطوط الفيض المغناطيسي األرضي تنبع من القطب الجنوبي وتنتهي إلى القطب الشمالي‪،‬‬
‫فتكون القوة المغناطيسية لكوكب األرض اقوى عند القطب الشمالي والجنوبي وهنا امر مهم‬
‫نريد ان نصل اليه وهو انك إذا استعملت البوصله لتحديد جهة الشمال فان المؤشر دائما يشير‬
‫إلى جهة الشمال‪ ،‬اما إذا وقفت في نقطة صدور فيض المجال المغناطيسي األرضي الشمالي او‬
‫الجنوبي عندها ستدور البوصلة في كل االتجاهات وتبقى تدور الن خطوط الفيض قد تساوت‬
‫عليه من كل الجهات‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن القول ان عملية انتاج كهرباء من تقاطع خطوط الفيض في هذه النقاط‬
‫ممكنة إذا مرت هذه الخطوط من خالل حلقة من الحديد‪ ،‬اي بما معناه على مستوى الفرض‬
‫انك لو بنيت سور من الحديد في منطقة الفيض المغناطيسي الشمالي او الجنوبي ستتمكن‬
‫من انتاج كهرباء‪ ،‬مع فارق واحد ان احدهما سيكون جريان التيار الكهربائي فيه من اليمين إلى‬
‫اليسار واالخر من اليسار إلى اليمين حسب قاعدة اليد اليمنى في تحديد اتجاه التيار الكهربائي‬
‫المعروفة‪ ،‬ولربما بُنيت هذه المدن «جابلسا وجابلقا» على هذا االساس العلمي‪.‬‬
‫هنا ستقول لي ان هذه المدن ذكرت األحاديث عنها انها في المشرق والمغرب بينما انت‬
‫تتكلم عنه من خطوط الفيض وقوتها هو في الشمال والجنوب؟‬
‫نحن هنا ال نتكلم عن مدن تقع على األرض بل في افاق اخرى ولكننا نستفاد من اجوائها‬
‫لفهم ما في ايدينا من علوم‪.‬‬
‫وهذه المدن موجودة حالياً بداللة األحاديث‪ ،‬وربما هي قريبة م ّنا في اي نظام كوكبي قريب‬
‫من األرض ولكننا ال نراها‪ ،‬اذ ربما حقل الطاقة الذي حولها يجعلها من الداخل مضيئة ومن‬
‫الخارج غير مرئية‪ ،‬فإذا م ّر بقربها اي احد ال يراها‪ ،‬كما هو حال «الزجاج الزئبقي» المستعمل‬
‫������������������������‬ ‫‪39‬‬

‫عندنا حاليا في صناعة الشبابيك‪ ،‬فمن كان داخل الغرفة يرى الذي خارجها‪ ،‬اما الذي خارج‬
‫الغرفة فال يرى الذي في داخلها‪ ،‬فهي بهذا الحال ُمدن مخفية‪ ،‬لذلك ورد في الحديث عن‬
‫اإلمام الصادق‪ ‬في احوال سكان هاتين المدينتين قوله «لهم طريق اعلم به من الخلق إلى‬
‫حيث يريد اإلمام‪.»‬‬
‫‪40‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫كتاب مختوم بخاتم من ذهب‬


‫عن المفضل بن عمر قال قال الصادق‪«‬كأني أنظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله‬
‫أصحابه ثالث مائة و ثالثة عشر رجال عدة أهل بدر وهم أصحاب األلوية وهم حكام اللَّه في‬
‫أرضه على خلقه حتى يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول‬
‫اللَّه ‪ ‬فيجفلون عنه إجفال الغنم فال يبقى منهم إال الوزير وأحد عشر نقيباً كما بقوا مع موسى‬
‫بن عمران‪ ‬فيجولون في األرض فال يجدون عنه مذهبا فيرجعون إليه واللَّه إني ألعرف الكالم‬
‫الذي يقول لهم فيكفرون به»(((‪.‬‬
‫عن ابي عبد اللَّه‪ ‬انه قال«كأني بالقائم على منبر الكوفة عليه قباء فيخرج من وريان قبائه‬
‫كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب فيفكه فيقرأه على الناس فيجفلون عنه اجفال الغنم فلم يبقى إال‬
‫(((‬
‫النقباء فيتكلم بكالم فال يلحقون ملجأ حتى يرجعون اليه واني العرف الكالم الذي يتكلم به»‬
‫ال بد وان كل انسان صاحب قريحة تأملية قد الحظ ان هناك ُجملة من المعاني تقفز إلى‬
‫الذهن بشكل مباشر نتيجة قراءته المستمرة للقرآن واألحاديث‪ ،‬حتى ليُخيّل اليك ان القرآن‬
‫واألحاديث تتحدث معك‪ ،‬واعتقد ان هذا حال قد جرى على الكثير من الناس على اختالف‬
‫قابلياتهم العقلية او الذوقية‪ ،‬وبعض هذه المعاني عادة ما يرافقها خوف ناتج من عدم رغبة‬
‫اإلنسان المتأمل عن الخروج عن حدود االدب والمعقول‪ ،‬فتبقى هذه آالفكار والتأمالت حبيسة‬
‫النفس والعقل والوجدان‪ ،‬فربما البعض منها يدخلك في خانه التقول او «السقوط في الراي»‬
‫اعاذنا اللَّه واياكم من زلة االقدام ومن انحراف االقالم‪ ،‬والبد وان اإلنسان المؤمن ال ُمحب الل‬
‫محمد‪ ‬والمتأدب امام كالمهم ال يترك عنان افكاره تصل إلى هذا المستوى من االستشعار‪،‬‬
‫والحقيقة ان هذه مسألة قد عانا منها جملة من المتأملين في استخراج معنى ل ُمجرد الظن او‬
‫الحدس او االستذواق وهو امر فيه محاذير كثيرة‪ ،‬والبد ان المعنى الذي يظهر للمتامل ان‬
‫يخضعه لمجمل النص القرآني والروائي فال يخالف الثوابت بل يحوم حول بعض المعاني‬
‫الجزئية التي يبرزها هذا النص او ذاك‪ ،‬اما إذا لم ترتقي عقولنا لفهم ما يدور في خواطرنا فعلينا‬
‫بالتوقف والقول انه ليس كل ما وصلنا عنهم ‪ ‬تدركه عقولنا‪،‬‬

‫((( إكمال الدين وتمام النعمة‪ /‬الشيخ الصدوق‬


‫((( بحار األنوار‪326 /52 /‬‬
‫بهذ نم متاخب موتخم باتك‬ ‫‪41‬‬

‫ولعل كل الذين تمعنوا في أحاديث ظهور اإلمام المهدي‪ ‬قد استوقفتهم هذه األحاديث‬
‫مورد الكالم التي البد وان تجعل ُجملة من المعاني تدور في ذهن المتأمل‪ ،‬وربما هذه الحالة‬
‫دافعها الفضول القوي الذي يتولد داخل كل انسان لمعرفة ما مكتوب في ذلك الكتاب الذي‬
‫محتواه يجعل خيرة أصحاب اإلمام المهدي‪ ‬يجفلون عنه اجفال الغنم‪ ،‬وقد حاول الكثير فك‬
‫مرموزات هذه األحاديث واستنباط معنى ولو جزئي لمحتوى الكتاب الذي سيقرأه ‪ ،‬إال ان‬
‫كل المؤشرات تشير إلى انه موضوع ُمقفل وال يمكن فك شفرته إال في ذلك اليوم الذي يتكلم‬
‫به قائم آل محمد‪ ‬ويظهر اسراره‪ ،‬والحقيقة ان قرأة كتاب من قبل القائم‪ ‬فيه اسرار ال ت ُحتمل‬
‫امر ليس فيه غرابة‪ ،‬وخصوصاّ ان كل المنتظرين يعلمون ان ظهوره ‪ ‬ال يخلوا من ظهور اسرار‬
‫كثيرة‪ ،‬إال ان األمر ال ُمح ّير هو سلوك أصحابه وفرارهم عند سماعهم ذلك المحتوى‪ ،‬مما يُعيدك‬
‫الصل الحيرة والرغبة في معرفة محتوى هذا الكتاب‪.‬‬
‫وعلى الرغم من وجود فارق مهم بين الحديثين كون الحديث األول يقول ان الكتاب‬
‫س ُيقرأ على أصحاب القائم‪ ،‬فيما يقول الحديث الثاني انه سيقرأه على الناس‪ ،‬إال ان الوحدة‬
‫الموضوعية بينهما ثابتة‪ ،‬وخصوصاً ان كال الحديثين يتحدان في نفس المكان الذي هو منبر‬
‫الكوفة‪ ،‬وان الجميع ينفر من حوله إال «الوزير واحد عشر نقيباً»‪ ،‬ويمكن الجمع بين الحديثين‬
‫بالقول ان من حول القائم‪ ‬في ذلك اليوم هم أصحابه الخواص الثالثمائة وثالثة عشر ومعهم‬
‫عامة الناس‪ ،‬فيكون الموقف واحد وردود األفعال واحدة‪ ،‬فإذا ف ّر أصحاب المهدي‪ ‬كما يف ّر‬
‫الغنم فمن دونهم اولى بذلك ايضاً‪.‬‬
‫والذي اراه ان اي محاولة لمعرفة مضمون الكتاب ستؤدي بنا إلى تأويالت تعسفية والحل‬
‫االسلم عندي القول باحد امرين‪ ،‬األول‪ :‬هو الصمت والتوقف وايكال علم هكذا حديث إلى‬
‫قائم آل محمد‪ ‬نفسه لقولهم ‪«‬ما جائكم ع ّنا ولم تفهموه توقفوا وكلوا علمه إلى العالم‬
‫من آل محمد‪ ،»‬الثاني‪ :‬ان من حق المنتظر ان يتأمل ويتفقه بالصعب من أحاديثهم صلوات‬
‫اللَّه عليهم إال ان الجزم بالقول بمعرفة فحوى الكتاب يحتاج إلى قرائن قوية لالثبات‪ ،‬وإذا كان‬
‫الثالثمائة وثالثة عشر أصحاب اإلمام المهدي‪ ‬وهم صفوة الناس في ذلك الزمان سيفرون‬
‫عند سماعه فما بلك ببقية الناس امثالنا‪ ،‬لذلك يجب ان نتأدب في قرارة انفسنا ونقول ان التدبر‬
‫والتفقه مسموح وممدوح إال انه ال يجعلك تصل إلى ادعاء معرفة الغيب نفسه‪ ،‬والتفقه والتأدب‬
‫هنا هو ان تحوم حول معنى للحديث‪ ،‬وإذا لم تصل إلى معنى تؤيده القرائن عليك بالتوقف‬
‫والقول«القول مني ما قال آل محمد ‪»‬‬
‫‪42‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫�أولئك يفتح اهلل على �أيديهم الدين‬


‫عن سدير الصريفي قال‪ :‬كنت عند أبي عبد اللَّه ‪ ‬وعنده جماعة من اهل الكوفة فأقبل‬
‫عليهم وقال لهم «حجوا قبل ان ال تحجوا قبل ان يمنع البر جانبه حجوا قبل هدم مسجد بالعراق‬
‫بين نخل وانهار حجوا قبل ان تقطع سدرة بالزوراء على عروق النخلة التي اجتنت منها مريم‬
‫رطباً جنيا فعند ذلك تمنعون الحج وتنقي الثمار وتجدب البالد وتبتلون بغالء االسعار وجور‬
‫السلطان ويظهر فيكم الظلم والعدوان والبالء والوباء والجوع وتظلكم الفتن من جميع اآلفاق‬
‫فويل لكم يا أهل العراق إذا جائتكم الرايات من خراسان وويل ألهل الري من الترك وويل ألهل‬
‫العراق من اهل الري وويل لهم ثم ويل لهم من الثط»‬
‫قال سدير‪ :‬فقلت‪ :‬يا موالي وما الثط؟ قال«قوم آذانهم كآذان الفار الصغير لباسهم الحديد‬
‫كالمهم ككالم الشياطين صغار الحدق مرد جرد استعينوا باللَّه من شرهم وأولئك يفتح اللَّه على‬
‫ايديهم الدين ويكونون سبباً ألمرنا»(((‪.‬‬
‫ربما يتبادر إلى ذهن القارئ عند قرائة هذا الحديث انه يتحدث عن الوضع السياسي‬
‫واالجتماعي المتدهور في نهايات ايام الحكم العباسي في منتصف القرن الثالث الهجري‪،‬‬
‫وهذا التدهور الذي سهل عملية سقوط بغداد والخالفة اإلسالمية من قبل المغول والبويهيون‬
‫والسالجقة‪ ،‬فبدايات الحديث فعالً تنطبق على هكذا احداث تاريخية تخص العراق‪ ،‬وبسبب‬
‫صيغة العموم التي تسود جو الحديث «فالغالء ‪ -‬العدوان ‪ -‬الوباء ‪ -‬الجوع ‪ -‬الفتن» كلها عناوين‬
‫تنطبق على اكثر من واقعة تاريخية‪ ،‬بل هي مرافقة لكل عملية عدوان او تدخل عسكري‪ ،‬حتى‬
‫ان مسألة انقطاع الحاج متكرره عبر التاريخ النقطاع خطوط السير والطرق في حاالت االنهيار‬
‫السياسي او العدوان العسكري مما يجعل اداء فريضة الحج في هكذا ظروف امر صعب إذا لم‬
‫يكن خطير‪.‬‬
‫ولكن عند متابعة العبارات الواردة في نهايات الحديث نالحظ انها تنقلنا إلى احداثي‬
‫مستقبلي المرين مهمين‪.‬‬
‫األول‪ :‬هو كالمه عن«الثط»‪.‬‬

‫((( بحار األنوار‪ /‬ج‪ - 47‬ص‪122‬‬


‫نيدلا مهيديأ ىلع هللا حتفي كئلوأ‬ ‫‪43‬‬

‫والثاني‪ :‬هو العبارة التي تخص هؤالء الثط كونهم«يفتح اللَّه على ايديهم الدين ويكونون‬
‫سبباً المرنا»‪.‬‬
‫وهاذين العنوانين ال ينطبقان على المغول او السالجقة او البويهيين وكل مرحلة تاريخيه‬
‫سابقة مما يؤكد كون الحديث يشرح احداث ستقع في اخر الزمان تكون سبباً في بداية ظهور‬
‫امر القائم‪ ،‬فمن هؤالء «الثط» وكيف سيكون دخولهم«سبباً المرنا»‪.‬‬
‫وردت في األحاديث لفظتان متقاربتان هما«الزط» و«الثط»‬
‫الزط‪ :‬او كما تسميهم بعض المصادر«السيابجة» وهم قوم جوالون يتنقلون من مكان إلى‬
‫اخر طلباً للرزق او هم «الغجر»‪ ،‬وقد استُخدمت اللفظة لوصف المقاتلين المرتزقة‪ ،‬والزط في‬
‫اللغة هو الخداع والمكر والدهاء‪ ،‬ويمتاز لدى البعض بأحتوائه على عوامل اباحية‪ ،‬فالمزطوط‬
‫هو الذي يقع عليه فعل الزط‪ ،‬والزاطط هو الفائز وهو القائم بعملية الزط‪ ،‬وهذه اللفظة عند‬
‫بعض الشعوب تعني شتيمة قاسية جدا بمعنى انه ينحدر من ساللة سيئة‪.‬‬
‫حل غجر‪ ،‬او كما يسميهم اهل العراق«الكيولية»‪ ،‬وهم ينحدرون‬
‫وبصورة عامة الزط قوم ُر ّ‬
‫من انساب مختلطة وليس لهم اصل واحد‪ ،‬ومن مهاراتهم الرقص والغناء‪ ،‬والتوجد بينهم‬
‫ضوابط اخالقية في العالقات الجنسية مما يعزز ضياع اصولهم الختالط اعراقهم‪.‬‬
‫اما الثط‪ :‬قال الفيروز ابادي ‪ :‬الثط‪ :‬الكوسج القليل شعر اللحية والحاجبين والمرد جمع‬
‫امرد وهو الذي ليس لبدنه شعر‪ ،‬والثط الكوسج الذي ُعري وجهه من الشعر‪ /‬الجوهري‪.‬‬
‫وكما هو واضح فان هذه الصفات «للزط والثط» التنطبق على المغول الذين اسقطوا‬
‫الخالفة العباسية فهؤالء لهم أحاديث خاصة تصفهم كونهم«صغار االعين ‪ -‬فطس االنوف ‪-‬‬
‫وجوههم المجان المطرقة ‪ -‬ينتعلون الشعر»‪.‬‬
‫والختالف صفات الزط او الثط عن صفات المغول يمكن ان نقول ان الحديث يشير إلى‬
‫حدث مستقبلي سيقع على اهل العراق من هؤالء الثط او الزط في اخر الزمان‪ ،‬وهذه الصفات‬
‫كونهم«غجر ‪ -‬ذوي انساب مختلطة ‪ -‬وخليط من عدة اعراق ‪ -‬مقاتلين مرتزقة ‪ -‬يغلب عليهم‬
‫الطابع االباحي في عالقاتهم الجنسية ‪ -‬محبين للرقص والغناء» وكل هذه العناوين تنطيق في‬
‫الوقت الحاضر بشكل واضح على«األمريكان» الذين اجتاحوا العراق‪.‬‬
‫وعلى موجب هذا التصور سنتابع فقرات الحديث كونه يتحدث عن حدث مستقبلي‪.‬‬
‫‪ - 1‬الحظ ان الحديث يحث الناس على الحج من قبل ان يُهدم مسجد في العراق النه على‬
‫‪44‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫مايبدو ان هدم هذا المسجد سيكون سبباً في انقطاع الحاج ويؤيده الحديث التالي‪.‬‬
‫عن رسول اللَّه‪ ‬هدم المنافقون مسجد بالمدينة ليالً فأستعظم أصحاب رسول اللَّه‪‬‬
‫ذلك فقال رسول اللَّه‪«‬ال تنكروا ذلك فان هذا المسجد يُع ّمر ولكن إذا هُدم مسجد براثا بطل‬
‫الحاج»‪ ،‬قيل له واي مسجد براثا هذا‪ ،‬قال‪«‬غربي الزوراء من ارض العراق صلى فيه سبعون‬
‫(((‬
‫نبياً ووصياً وآخر من يصلي فيه هذا واشار بيده إلى علي بن ابي طالب»‬
‫‪ - 2‬عبارة «فويل لكم يا اهل العراق إذا جائتكم الرايات من خراسان»‪.‬‬
‫هذه العبارة تخص اهل العراق وتحذرهم من ويل ياتيهم من رايات قادمة من خراسان‪ ،‬وقد‬
‫يعتقد البعض ان العبارة تشيير إلى دخول تلك الرايات من خراسان ايام ابو مسلم الخراساني‬
‫والتي مهدت لصعود العباسيين لدفة الخالفة‪ ،‬وهذا غير صحيح الن العبارة التي تليها تقول«الويل‬
‫الهل الري من الترك»‪ ،‬وكما هو معلوم ان الري هي طهران حاليا وما يجاورها وهي على المعنى‬
‫السياسي حاليا إيران‪ ،‬واليوجد خبر تاريخي يؤكد ان الترك تعرضوا للري ايام نشؤء الخالفة‬
‫العباسية‪ ،‬ولوجود هذه العالقة بين العبارتين فمن المستبعد ان يكون الحديث يشير إلى رايات‬
‫ابو مسلم الخراساني‪ ،‬علما ان نهاية الحديث تذكر ان كل هذه االطراف ستنال الويل من «الثط»‪،‬‬
‫وليس في ايام دخول رايات ابو مسلم من خراسان إلى العراق اي وجود او اثر «للثط» كما ان‬
‫الحديث يؤكد ان هذه الراية فيها الويل لقوله«الويل لكم يااهل العراق»‪.‬‬
‫‪ - 3‬الحديث يذكر عبارة مترابطة ومتصله مع بعضها وهي «وتظلكم الفتن من جميع اآلفاق‬
‫فويل لكم يا اهل العراق إذا جائتكم الرايات من خراسان وويل ألهل الري من الترك وويل ألهل‬
‫العراق من اهل الري وويل لهم ثم ويل لهم من الثط»‪.‬‬
‫وهذا الحدث الذي تذكره العبارة وقع في تاريخنا المعاصر وال زلنا نعاني من اثاره‪،‬‬
‫فعبارة«وتظلكم الفتن من كل جانب» تخص اهل العراق فقد جائتهم الفتن من كل دول الجوار‬
‫بعد دخول«الثط» ارضهم عام«‪ ،»2003‬وعبارة الفتن هنا ليست بحاجة لبيان فهي«مفخخات ‪-‬‬
‫حرب طائفية ‪ -‬قتل على الهويه ‪ -‬انتهاك للمقدسات‪.».....‬‬
‫ثم يذكر الحديث صفات لهؤالء الثط التي تنطبق بشكل واضح على صفات األمريكان«اذانهم‬
‫كأذان الفار الصغير‪ -‬لباسهم الحديد ‪ -‬كالمهم ككالم الشياطين ‪ -‬صغار الحدق ‪ -‬مرد جرد»‪.‬‬

‫((( هامش االمالي ‪ -‬الشيخ المفيد ص ‪ 64‬والحديث مروي عن علي بن طاووس‬


‫نيدلا مهيديأ ىلع هللا حتفي كئلوأ‬ ‫‪45‬‬

‫اما العبارة الهامة جدا في الحديث والتي تؤكد بشكل واضح ان الحديث يتكلم عن حدث‬
‫مستقبلي وهي عبارة تتعلق بهؤالء الثط وهي«وأولئك يفتح اللَّه على ايديهم الدين ويكونون‬
‫سبباً ألمرنا»‪ ،‬وقد يعتبر البعض هذه العبارة غريبة إال انها اصابت كبد الحقيقة‪ ،‬الن األحاديث‬
‫تذكر«ان الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه»‪ ،‬وكذلك قولهم‪«‬ان اللَّه لينصر هذا الدين بالرجل‬
‫الفاسق»‪ ،‬وقولهم «ان اللَّه إذا اراد ان ينتقم لنفسه انتقم بولية وإذا اراد ان ينتقم لولية انتقم له‬
‫بالظالم»‪ ،‬وقولهم ‪«‬ان اللَّه إذا اراد ان ُيظهر امراً سلّط عليه شرار خلقه» وغيرها من األحاديث‬
‫التي تؤكد نفس المعنى‪.‬‬
‫ولم نجد في تاريخ العراق على امتداده على الرغم من كثرة من احتله جهة كانت سبباً‬
‫في فتح الدين على ايديهم‪ ،‬بل كل من احتل العراق ض ّيق عليه وعلى اهله سياسيا واقتصاديا‬
‫واجتماعيا وعقائديا‪ ،‬ولكن األحداث التي جرت بعد دخول األمريكان إلى العراق كانت سبباً‬
‫واضحاً بان يتمتع شيعة العراق بحرية عقائدية واضحة في ممارسة طقوسهم الدينية‪ ،‬وأمريكا‬
‫التستطيع منع هذا األمر النها دخلت تحت ستار الديمقراطية واحترام عقائد وتراث الشعوب‪،‬‬
‫وهذه الممارسات العقائدية الشيعية التي ظهرت بشكل كبير جعلت «الوعي الجمعي» عند‬
‫شيعة العراق يلتصق بشكل نادر مع عنوان «المهدي»‪ ،‬وتبلور هذا الوعي بشكل لم يشهد له‬
‫تاريخ العراق مثيل اال بعد دخول القوات االمريكية للعراق‪ ،‬وان الحرب الطائفية التي عمت‬
‫البلد لسنوات جعلت اإلنسان الشيعي يدرك بفطرته الشيعية من حيث يدري وال يدري بانه‬
‫مستهدف من كل الجهات‪ ،‬فجعله نتيجة هذا الضغط ينتبه ويعود الصوله وجذوره العقائدية‪،‬‬
‫فادرك بالفطرة السليمة التي جلتها المصائب والويالت عليه على مر التاريخ ان خالصه الوحيد‬
‫هو بتبني مشروع اإلمام المهدي‪ ‬بعد ان «اظلتكم الفتن من كل اآلفاق» وهذا ادى بالضرورة‬
‫إلى نشوء جيل له هدف مركزي وهو المهدي‪ ‬وتوج هذا الوعي بشكل واضح وقوي من‬
‫خالل مشروع الحسين‪‬المتمثل بالممارسة السنوية للماليين سيرا على االقدام ولعدة ايام في‬
‫ذكرى اربعينية اإلمام الحسين‪ ،‬هذه الممارسة في الحقيقة هي مرحلة اعداد ضخمة الستقبال‬
‫خليفة اللَّه في ارضه‪ ،‬فهي بيعة لالمل القادم والوالء لكل العناوين المقدسة التي جمعتها سفينة‬
‫الحسين‪ ،‬فهم بهذه الشعيرة المقدسة«يطئون موطأ يغيض الكفار» ولهذا انتهى الحديث‬
‫بعبارة «ويكونون سببا المرنا»‬
‫‪46‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫تجدد �سلطان بني العبا�س «قراءة جديدة»‬


‫عن الحسن بن الجهم قال‪ :‬قلت للرضا‪ :‬اصلحك اللَّه انهم يتحدثون ان السفياني يقوم‬
‫وقد ذهب سلطان بني العباس‪ ،‬فقال ‪«‬كذبوا انه ليقوم وان سلطانهم لقائم»(((‪.‬‬
‫جملة أحاديث عصر الظهور التي دار حولها الكالم‪ ،‬فالحديث يؤكد على‬ ‫هذا الحديث من ُ‬
‫ظهور السفياني و ُملك بني العباس ال زال قائماً‪ ،‬فيما واقع التاريخي يبين ان ُملك بني العباس‬
‫قد انتهى بغزوا هوالكو لبغداد‪ ،‬وبهذا فقد زال ُملك بني العباس ولم يظهر السفياني لحد االن‪،‬‬
‫وهذا دفع الباحثين لتبني امرين‪.‬‬
‫األول‪ :‬هو تجدد ُملك بني العباس في اخر الزمان والسفياني الخارج اخر الزمان يظهر‬
‫عليهم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ان داللة«بني العباس» ليس بالضرورة تعود على جهة حاكمة تنتسب لبني العباس‬
‫نسبياً‪ ،‬بل ان مدلولها ربما يشير إلى اي جهة حاكمة تظهر في اخر الزمان تسلك نفس سلوك بني‬
‫العباس العقائدي والسياسي فيكونون هم الذين يخرج عليهم السفياني‪ ،‬كما مال بعض الباحثين‬
‫إلى انطباق هذا المدلول على جهات سياسية في زمننا الحاضر‪.‬‬
‫ونريد هنا ان نشير إلى استنتاجات كقراءة جديدة للنص البد فيها من النظر إلى اطراف‬
‫الموضوع من خالل النقاط التالية(((‪.‬‬
‫‪ - 1‬اخذ الحديث على ظاهره وااللتزام بكون ُملك بني العباس كجهة حاكمة سيتجدد في‬
‫اخر الزمان ويظهر عليهم السفياني‪.‬‬
‫‪ - 2‬يمكن القول انه كان من المقرر في علم اللَّه ان يستمر ُملك بني العباس إلى اخر الزمان‬
‫ويظهر في اخر ملكهم السفياني إال ان البداء حدث في ُملكهم المر ما نجهله فاهلكهم اللَّه‬
‫منذ مئات السنين قد مضت‪ ،‬وبالتالي فان جملة موضوع بني العباس قد جرى عليه البداء وال‬
‫ضرورة للقول بتجدد ُملكهم في اخر الزمان‪.‬‬

‫((( الغيبة‪ /‬النعماني‪ /‬ص ‪303‬‬


‫((( راجع كتابنا «حدث وحديث» للتفريق بين داللة «بني فالن» و «بني العباس»‬
‫������������������������������������‬ ‫‪47‬‬

‫‪ - 3‬يمكن ترجيح احتمال ان السفياني المقصود في هذا الحديث ليس هو سفياني اخر‬
‫الزمان بل هو واحد من الخارجين من بني سفيان على الحكم العباس‪ ،‬والتاريخ يذكر لنا جملة‬
‫من االمويين السفيانيين ممن خرجوا على بني العباس اثناء ملكهم‪.‬‬
‫ابن حجر قال«السفياني هو ابو المعيطر علي بن عبد اللَّه من ولد ابي سفيان بن حرب‬
‫(((‬
‫استغل القتال بين االمين والمأمون في بغداد فاستقل بدولة في الشام»‬
‫المدائني قال«كان في ولد ابي سفيان رجل به وضح ومرض‪ ....‬انه قال انا السفياني الذي‬
‫يذهب ملك بني العباس على يديه»(((‪.‬‬
‫ومنهم الخارج على الخالفة العباسية«علي بن عبد اللَّه بن خالد بن يزيد بن معاوية بن‬
‫ابي سفيان ابن حرب بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف ابو الحسن االموي المعروف«بابي‬
‫العميطر» بويع بالخالفة بدمشق في والية االمين في ذي الحجة سنة ‪.(((»195‬‬
‫«السفياني‪ :‬االمير ابو الحسن«علي بن عبد اللَّه بن خالد بن معاوية بن ابي سفيان» القرشي‬
‫االموي الدمشقي ويعرف«بابي المعيطر» كان سيد قومه وشيخهم في زمانه بويع بالخالفة‬
‫بدمشق في زمن االمين»(((«وكان علي بن عبد اللَّه ابو المعيطر من ولد يزيد بن معاوية بن ابي‬
‫سفيان وكان بنو امية يروون فيه الروايات ويذكرون ان فيه عالمات السفياني وان اموره ال تتم اال‬
‫بكلب وانهم انصاره»(((‪.‬‬
‫وكذلك خروج ابو حرب المبرقع اليماني على الدولة العباسية في زمن المعتصم العباسي‬
‫ظهر في الشام وفلسطين سنة ‪ 277‬وزعم انه السفياني»(((‪ ،‬فيما ذكر ابن االثير«ثم تحصن في‬
‫رؤوس الجبال وهو مبرقع‪ ....‬فاتبعه على ذلك خلق كثير من الحرانيين وغيرهم وقالوا هذا هو‬
‫السفياني المذكور انه يملك الشام فاستفحل امره جدا واتبعه نحو مئة الف مقاتل فبعث اليه‬
‫(((‬
‫المعتصم‪»......‬‬
‫والحديث مورد الكالم مروي عن اإلمام الرضا‪ ‬الذي عاش«‪ 203 - 148‬هـ»‪ ،‬وكما‬
‫تالحظ ان بعض هؤالء قد ظهروا في زمن اإلمام الرضا‪ ‬وبعضهم بعد وفاته‪ ،‬فيمكن ان يكون‬

‫((( تبصرة المشتبه‪ /‬الحافظ ابن حجر‪753/2 :‬‬


‫((( تاريخ مدينة دمشق‪ :‬ابن عساكر‪ /‬ح‪219 - 86‬‬
‫((( تاريخ مدينة دمشق‪ :‬ابن عساكر‪ /‬ج‪24/32‬‬
‫((( سيرة اعالم النبالء‪ /‬الذهبي‪/‬ج‪284 /9‬‬
‫((( تاريخ مدينة دمشق‪ /‬ابن عساكر‪ /‬ج‪ /34‬ص ‪29‬‬
‫((( راجع سيرة اعالم النبالء ‪ /‬الذهبي‪ /‬ج‪302 /10‬‬
‫((( البداية والنهاية‪ /‬ابن االثير‪324 /10 /‬‬
‫‪48‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫السائل قد سئل عن احد هؤالء السفيانيين المتواجدين في عصره او ان اإلمام‪ ‬في جوابه‬
‫يقصد احدهم وليس سفياني اخر الزمان‪.‬‬
‫‪ - 4‬اعتقد استنادا لقولهم ‪«‬ان لنا في كل لفظة سبعون وجها ولنا في كلها المخرج»‪ ،‬ان‬
‫في كالم اإلمام الرضا‪ ‬سر مخفي يتعلق بموضوع بني العباس والسفياني استشفه من خالل‬
‫ُ َ‬
‫معرفة نوع ودوافع الصراع بين قيادات الخير وقيادات الشر كما قال القرآن الكريم﴿ َو َي ْمك ُرون‬
‫ين﴾(((‪ ،‬والمكر المنسوب إلى اللَّه هنا ليس االخذ غيلة بل تهيئة‬ ‫ي ال ْ َماكِر َ‬
‫الل َخ ْ ُ‬
‫الل ۖ َو َّ ُ‬ ‫ََْ ُ‬
‫ك ُر َّ ُ‬ ‫ويم‬
‫ِ‬
‫االمور بشكل سري لكي يقع المخالفين في شر اعمالهم‪ ،‬وبما ان بني هاشم في صراع تاريخي‬
‫وعقائدي وفكري مع االمويين والعباسيين فما المانع ان يجعل األئمة ‪ ‬الصراع بين االمويين‬
‫والعباسيين انفسهم‪ ،‬فبني العباس اخذوا الملك من بعد بني امية والبد وان بني امية يعتبرون‬
‫بني العباس غاصبين لملكهم‪ ،‬فالراجح ان صدور مثل هذه األحاديث من قبل المعصومين ‪‬‬
‫يؤجج الصراع بينهم‪ ،‬الن بني امية سيرون في هذا الكالم نبوءة في استرجاع ملكهم مما يجعل‬
‫االمل يرتفع لديهم في قتال بني العباس وهم يعلمون ان آل محمد ‪ ‬ال يتكلمون اال بالحق‪،‬‬
‫فإذا سمعت قيادات االمويين ان اإلمام الرضا‪ ‬يقول ان السفياني يخرج وان ُملك بني العباس‬
‫ال زال قائماً فهم يفهمون منه امكانية تاريخية للثورة على بني العباس‪ ،‬كما ان دولة بني العباس‬
‫قامت على نبوءات تتعلق برايات خراسان المشرقية‪ ،‬واعتقد ان هذا الحديث اعد بهذا الشكل‬
‫وبهذه الصياغة للوقيعة بين بني امية وبني العباس لكي يخف شرهم على الشيعة‪ ،‬فهذه تخريجة‬
‫نفهم منا عبارة اإلمام الرضا‪ ‬وقد ورد في بعض األحاديث ان في كالمهم ‪ُ ‬محكم ومتشابه‪،‬‬
‫عن اإلمام الرضا‪«‬ان في اخبارنا ُمتشابهاً كمتشابه القرآن‪ ،‬و ُمحكماً ك ُمحكم القرآن‪ ،‬فردوا‬
‫متشابهها إلى ُمحكمها‪ ،‬وال تتبعوا متشابهها دون ُمحكمها فتضلوا»(((‪ ،‬وورد انهم ‪ ‬يفتون‬
‫االعداء بالضاللة التي ال هدى فيها‪،‬عمن حدثه من أصحابنا‪،‬عن ابي عبد اللَّه‪ ‬قال‪ :‬جاء رجل‬
‫فلما نظر اليه ابو عبد اللَّه‪ ‬قال«اما واللَّه الُضلّ ًنه اما واللَّه الوهم ّنه» فجلس الرجل فسأله مسألة‬
‫فافتاه‪ ،‬فلما خرج قال ابو عبد اللَّه‪«‬لقد افتيته بالضاللة التي ال هداية فيها»(((‪.‬‬
‫حديث اخر‪:‬‬
‫ولكن الحديث التالي سيعيدنا إلى اصل التساؤل ان ملك بني العباس سيتجدد في اخر‬
‫الزمان‪.‬‬
‫عن اإلمام الكاظم‪ ‬قال«لو ان اهل السماوات واألرض خرجوا على بني العباس لسقيت‬

‫((( األنفال‪30 /‬‬


‫((( البحار‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪ 185‬كذلك عيون اخبار الرضا‪/‬ج‪ /2‬ص ‪261‬‬
‫((( مختصر البصائر‪/‬باب ما جاء في التسليم لما جاء عنهم‪ ‬وفيمن رده وانكره‪14/268 /‬‬
‫������������������������������������‬ ‫‪49‬‬

‫األرض بدمائهم حتى يخرج السفياني» قلت‪ :‬يا سيدي امره من المحتوم‪ ،‬قال‪«‬من المحتوم‬
‫«ثم اطرق رأسه» وقال‪ :‬ملك بني العباس مكر وخداع يذهب حتى لم يبقى منه شيء ويتجدد‬
‫حتى يقال ما مر به شيء»(((‪.‬‬
‫بالجمع بين الحديث مورد الكالم مع الحديث اعاله يمكن ان نستشف االمور التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬ان الحديث األول مروي عن اإلمام الرضا‪ ‬والحديث الثاني مروي عن اإلمام الكاظم‪،‬‬
‫وقد قالوا ‪« ‬خذوا بما جائكم عن اخرنا»‪ ،‬واألحاديث ينسخ بعضها بعضاً كما تنسخ اآليات‬
‫القرآنية بعضها بعضاً‪ ،‬لذلك يمكن ترجيح القرائن المتعلقة بالحديث األول اكثر من القرائن‬
‫المتعلقة بالحديث الثاني‪.‬‬
‫‪ - 2‬ورد عن األئمة في اكثر من مورد ان هذا األمر قد تأجل عدة مرات‪ ،‬عن اإلمام الصادق‪‬‬
‫في وصيته لالحول المعروف بمؤمن الطاق قال«فواللَّه لقد قرب هذا األمر ثالث مرات فاذعتموه‬
‫فاخره اللَّه‪........‬وانتم قد قرب امركم فاخره اللَّه‪ ،(((»....‬بمعنى ان هذا األمر قد كان من المقرر‬
‫له زمان معين لكن بسبب االذاعة تم تأجيلة ثالث مرات‪ ،‬ومنه نستشف ان الموضوع كلما تم‬
‫تاخيره إلى اجل ثاني البد وان تجري عليه بعض االضافات «وليس التغييرات»‪ ،‬فالعالمات‬
‫االساسية للموضوع ثابته مهما تغير الموعد ومنها النداء والصيحة والخسف وقتل النفس الزكية‬
‫التي تسميها األحاديث بالمحتومات ولكن ربما نتيجة هذا التغيير في الموعد تجري بعض‬
‫االضافات على الموضوع اما من باب البداء او من باب الناسخ والمنسوخ فتصدر أحاديث‬
‫جديدة كلما جرى تغيير في الموعد تتناسب مع هذا التغيير‪ ،‬والراجح ان نوع االضافات على‬
‫الحدث ال يشمل المحتومات بل يشمل الفرعيات فمثال كان من المقرر ان يظهر السفياني‬
‫وسلطان بني العباس قائم اال ان التغيير في موعد هذا األمر نتيجة االذاعة ادت إلى ان يجري‬
‫البداء على هذا الموضوع فيمكن ان يخرج السفياني في اخر الزمان وبني العباس غير موجودين‬
‫مثال وهو ال يغير من مسار المحتومات شيء‪ ،‬فربما كان من المقرر ان يظهر السفياني على ملك‬
‫بني العباس اال ان اذاعة هذا الخبر احدث تغيير في الموعد سحب معه توقيت ظهور السفياني‬
‫نفسه وهالك بني العباس انفسهم فجاء هوالكو فانهى وجودهم ولم يخرج السفياني في زمانهم‬
‫الن السفياني من المحتومات على خالف تجدد ملك بني العباس فهو من الفرعيات‪ ،‬فهالك‬
‫بني العباس على يد السفياني إذا لم تذيعوا الخبر اما وانكم قد اذعتموه فمن الممكن ان ال‬
‫يخرج عليهم‪.‬‬

‫((( الغيبة‪ /‬النعماني‪ 302 /‬بحار األنوار ‪ /‬ج‪250 /52‬‬


‫((( تحف العقول‪ /‬الحراني‪ 307 /‬كذلك بحار األنوار‪ /‬ج‪ /78‬ص ‪292 - 286‬‬
‫‪50‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫المقام والمرتبة‬
‫المقام والمرتبة لفظتان وردتا في األحاديث حالها حال الفاظ اخرى مثل «الدرجة ‪ -‬والمنزلة‬
‫‪ -‬والمكانة»‪ ،‬وتطلق عند الناس بدون اي ضابطة او ُمحدد‪ ،‬والبد من نظرة اولية في مدلولهما‪،‬‬
‫واستقصاء موارد هذه األلفاظ ليس امر هين وتحديد مفهومها بحاجة لنظر مستمر لذلك ساقتصر‬
‫على مالحظات اولية‪.‬‬
‫اقول ابتدا ًء ان االستعمال القرآني للفظة المقام هو الحد الفاصل في تمييزها عن بقية‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ٰ َ‬ ‫المفاهيم كما في قوله تعالى ﴿ َو َما م َِّنا إ َّل َ ُل َم َق ٌ‬
‫ام َّم ْعلُ ٌ‬
‫س أن َيبْ َعثك َر ُّبك‬
‫وم﴾(((‪ ،‬وقوله﴿ع َ‬
‫َِ َ َ‬ ‫َّ ْ ُ َّ َ‬ ‫َ َ ً َّ‬
‫ْ ُ ً (((‬
‫ف مقا ٍم أم ٍِني﴾ ‪ ،‬ويؤيده دعاء رجب «وآياتك ومقاماتك‬
‫(((‬
‫مقاما ممودا﴾ ‪ ،‬وقوله ﴿إِن المتقِني ِ‬
‫التي ال تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك ال فرق بينك وبينهم إال انهم عبادك‬
‫وخلقك»(((‪.‬‬
‫وحسب الموارد القرآنية فالمقام هو اقصى ما يصل اليه المخلوق في كماالته‪ ،‬فالمقام هو‬
‫مبدأ كل شيء‪ ،‬فمن وصل إلى مبدأه وصل إلى مقامه‪ ،‬فاقصى ما تصل اليه هو مبدأك‪ ،‬فما يصله‬
‫الرسول‪ ‬هو المقام المحمود‪ ،‬وما يصله المؤمنون هو المقام االمين‪،‬‬
‫فمقام الشيء هو ترقيه في سلسلة الطول‬
‫ومرتبة الشيء هو ترقيه في سلسلة العرض‬
‫وبالنتيجة كل مقام يتكون من عدة مراتب‪ ،‬فحركتك من مقام إلى مقام حركة طولية‪ ،‬وحركتك‬
‫في نفس المقام حركة رتبية من مرتبة إلى مرتبة‪ ،‬فقد تكون انت ومؤمن اخر في نفس المقام‪ ،‬إال‬
‫انك اعلى منه رتبة وهكذا‪ ،‬والمقام هو جهة المخلوق إلى ربه‪ ،‬والرتبة هي جهة المخلوق إلى‬
‫َ َ َ َّ ْ‬
‫مثله‪ ،‬فاألنبياء كلهم في مقام النبوة إال انهم يتفاضلون بينهم بالرتب‪ ،‬لذلك قال﴿ َولق ْد فضل َنا‬
‫ع َب ْع ٍض ۖ﴾(((‪ ،‬فالتفضيل الهل نفس المقام بالمرتبة‪ ،‬وسيد ذلك المقام هو سيد‬‫ني َ َ ٰ‬
‫َب ْع َض انلَّب ّي َ‬
‫ِِ‬

‫((( الصافات‪164 /‬‬


‫((( اإلسراء‪79 /‬‬
‫((( الدخان‪51/‬‬
‫((( مهج الدعوات ‪ /‬ابن طاووس‪ /‬دعاء رجب‬
‫((( اإلسراء‪55/‬‬
‫ةبترملاو ماقملا‬ ‫‪51‬‬

‫كل المراتب‪ ،‬والرسول ‪ ‬في مقام األنبياء اعالهم مرتبة‪ ،‬والذين من بعده من اولي العزم اقل‬
‫من الرسول‪ ‬مرتبة‪ ،‬وهم اعلى من بقية األنبياء رتبة وهكذا‪ ،‬فانت لك جهتان جهة إلى ربك‬
‫هي مقامك‪ ،‬وجهة إلى مثلك وهي مرتبتك‪ ،‬فالمقام ال يقاس إال بنسبته للَّه‪ ،‬والمرتبة ال تقاس‬
‫إال بنسبتها لمخلوق مثلك‪ ،‬والخلق يمكن ان يتساوون او يختلفون في المقامات والرتب‪ ،‬اما آل‬
‫محمد ‪ ‬فهم في كل مقام وكل رتبة اعلى من الكل‪ ،‬الن مقامهم جهتهم إلى اللَّه هي اعلى جهة‬
‫ال يدركها احد غيرهم‪ ،‬ورتبتهم هي جهتهم إلى المخلوقات وهم افضل المخلوقات كونهم ال‬
‫يقاس بهم الناس‪ ،‬لذلك قال ‪ ‬في زيارة عاشوراء «لعن اللَّه امة دفعتكم عن مقاماتكم وازالتكم‬
‫عن مراتبكم التي رتبكم اللَّه فيها»‪ ،‬النك حينما تقول انهم صلوات اللَّه عليهم غير ّ‬
‫منصبين من‬
‫اللَّه تكون قد دفعتهم عن مقامهم‪ ،‬وعندما تقول انهم مثل الناس تكون قد دفعتهم عن مراتبهم‪،‬‬
‫وفي كال الحالتين من يقول بذلك ملعون‪.‬‬

‫والمقام يعني ايضاً المكانة من النفس‪ ،‬والمرتبة تعني المكان بالقرب والبعد(((‪ ،‬فإذا ورد في‬
‫الحديث عن رسول اللَّه‪«‬الشيعة جيراني في الجنة»‪ ،‬او عبارة«انت في درجتي في الجنة»‪،‬‬
‫او «انت معي في الجنة»‪ ،‬فهذا معناه قرب مكاني وليس قرب مكانة‪ ،‬فالمرتبة هي التي تحدد‬
‫من هو األول‪ ،‬ومن هو الثاني‪ ،‬ومن هو الثالث وهكذا‪ ،‬فالمرتبة هي افضلية في نفس المقام‪،‬‬
‫اما المقام فهو الذي يحدد من هو االقرب للنفس اي المكانة‪ ،‬فالمرتبة هو ما تحصل عليه عند‬
‫سيرك في المقام‪.‬‬

‫المقام‪ :‬حركة في نظام تصاعدي‬

‫المرتبة‪ :‬حركة في نظام عرضي‬

‫المقام‪ :‬هو حال العبد عند مواله‬

‫الرتبة‪ :‬حال العبد عند الخلق‬

‫((( يقول السيد كاظم الرشتي«الرتبة هي مكان االثر من مؤثره بالقرب والبعد»‪ /‬جواهر الحكم‪ /‬ج‪ /11‬ص ‪539‬‬
‫‪52‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الغ ّل‬
‫ب أَن َي ُغ َّل ۚ َو َمن َي ْغلُ ْل يَأْت ب َما َغ َّل يَ ْو َم الْق َي َ‬
‫امةِ ۚ﴾(((‪.‬‬ ‫قوله تعالى﴿ َو َما َك َن لِ َ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َ َ َ َ َ ّ َ َ ُ َّ‬
‫ب أن يغل ۚ﴾ فصدق اللَّه لم يكن اللَّه ليجعل‬ ‫جعفر‪ْ ‬في قوله َتعالى﴿ ْوما كن لِ ِ ٍ‬ ‫عن ابي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫غل شيئاً رآه يوم القيامة في النار ثم يكلف‬ ‫ت ب ِ َما غل يوم القِ َيامةِ ۚ﴾ ومن ّ‬ ‫نبياً غاالً ﴿ َومن يغلل يأ ِ‬
‫ان يدخل اليه فيخرجه من النار»(((‪.‬‬
‫عندما يقرأ اإلنسان هذه اآليه الكريمة فانه يتصور بحكم التبادر الذهني وسياق الكالم ان‬
‫غل وهذا الغل سيوافيهم يوم القيامة(((‪ ،‬اال‬ ‫المعنى هو ان األنبياء من الممكن ان يصدر منهم ّ‬
‫ان في الحديث الشريف يوضح خالف هذا التصور‪ ،‬اذ اآلية تتكون من مقطعين‪ ،‬األول‪ :‬يخص‬
‫َ َ َ َ َ ّ َ ُ َّ‬
‫ب أن َيغل ۚ﴾‪ ،‬واإلمام‪ ‬في الحديث يؤكد عدم ظهور الغل من‬ ‫األنبياء وهو قوله ﴿وما كن لِ ِ ٍ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫قبل األنبياء‪ ،‬الثاني‪ :‬قوله ﴿ َو َمن َيغلل يَأت ب َما غل يَ ْو َم الق َي َ‬
‫امةِ ۚ﴾ فهو يخص عامة الناس‪ ،‬فمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫غل منهم رأه يوم القيامة في النار فيدخل اليها ويخرجه منها‪.‬‬
‫وهذا التركيب لآلية الشريفة يؤكد الحديث الذي يقول ان بعض آيات القران الكريم بدايتها‬
‫شيء ونهايتها شيء اخر‪.‬‬
‫عن جابر قال‪ :‬سألت أبا جعفر‪ ‬عن شيء من تفسير القرآن فأجابني‪ ،‬ثم سألت ثانية‬
‫جعلت فداك كُنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل‬ ‫فأجابني بجواب آخر‪ ،‬فقلت‪ُ :‬‬
‫اليوم‪« ،‬فقال لي يا جابر ان للقرآن بطناً وللبطن بطن وظهراً وللظهر ظهراً‪ ،‬يا جابر وليس شيء‬
‫أبعد عن عقول الرجال من تفسير القرآن ان اآلية لتكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كالم‬
‫(((‬
‫متصل ينصرف على وجوه»‬

‫((( آل عمران‪161 /‬‬


‫((( تفسير القمي‪ /‬ج‪ /1‬ص ‪ 129‬كذلك تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪ /128‬ح ‪3‬‬
‫((( عن ابي عبد اللَّه‪« ‬الغلول كل شيء غل من اإلمام واكل مال اليتيم شبهة والسحت شبهة» تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪/‬‬
‫ج‪ /2‬ص ‪ /128‬ح ‪2‬‬
‫((( تفسير العياشي‪ /‬ج‪ / 1‬ص ‪ / 23‬ح‪8‬‬
‫يحولا ةمجارت‬ ‫‪53‬‬

‫تراجمة الوحي‬
‫ورد في الزيارة الجامعة لمقامات وفضائل آل محمد‪ ،‬قوله ‪« ‬وخزنة لعلمه ومستودعاً‬
‫لحكمته وتراجمة لوحيه»‪ ،‬فما هي داللة الترجمة هنا؟‬
‫الترجمة كما هو المتعارف عليه عند البشر هي نقل الكالم حرفياً او بالمعنى من لغة الخرى‬
‫لتوضيح ُمراد المتكلم وافهام السامع‪ ،‬او هي نقل معنى الكالم من لغة الخرى‪.‬‬
‫اما الترجمة بالمعنى االلهي فهي اخذ الفيض من العالي واظهاره للداني بما يتحمله الداني‪،‬‬
‫فال يظهر فيض العالي بالمباشر بل يظهر من خالل المترجم‪ ،‬وكل عملية ترجمة تقتضي وجود‬
‫ثالث جهات‪.‬‬
‫األولى‪ :‬صاحب النص الذي نُريد ان نعرف مقصده من الكالم ونرمز له «ا»‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬المترجم ونرمز له «ب»‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬ال ُمترجم له ونرمز له «ج»‪.‬‬
‫وفي الترجمة بين البشر يكون عادة «ا» و «ج» ال يعرف احدهما لغة االخر‪ ،‬فيحتاجون إلى‬
‫المترجم«ب» لكي يُترجم من وإلى الطرفين معنى كالمهم‪ ،‬وبالتالي فان «ب» او المترجم من‬
‫هذه الناحية افضل من «ا» ومن «ج» النه يعرف كال اللغتين سواء نقلها بشكل حرفي او بالمعنى‪.‬‬
‫اما الترجمة بالمعنى االلهي فليست هكذا الن«ا» هو المصدر ويعرف حاجة «ج»‪ ،‬وبما‬
‫ان «ج» قابلياته محدودة و «ا» قابلياته ُمطلقة لذلك اقتضت الحكمة ان يكون «ب» واسطة بين‬
‫المطلق والمحدود‪ ،‬الن «ا» المطلق ال يتكلم مع الداني‪ ،‬بل يتكلم مع «ب» الذي هو الراقي‪،‬‬
‫والراقي يوصل للداني مراد المطلق‪ ،‬ويبقى «ب» هو الوحيد الذي يعرف ُمراد «ا» اما «ج» فياخذ‬
‫معنى من معاني الكالم حسب قابليته وحسب استعداده‪ ،‬لذلك يقوم «ب» بترجمة معنى من‬
‫معاني مراد المتكلم إلى «ج» الن «ج» ال يتحمل كل المعاني‪ ،‬ومن هنا قال آل محمد‪«‬ان‬
‫لنا في كل لفظ سبعون وجهاً»(((‪ ،‬النهم ادرى بُمراد اللَّه‪ ،‬فاللَّه ال يظهر لمخلوقاته بذاته بل‬
‫يظهر لهم بخلقه‪ ،‬وخلقه هم نوره‪ ،‬الن الداني ال يتحمل العالي بذاته بل بصورته حسب مقامه‪،‬‬

‫((( عن أبي عبد اللَّه ‪ ‬انه قال «أني ألتكلم على سبعين وجهاً لي في كلها تخريجة» مختصر البصائر‪.‬‬
‫‪54‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫فالمترجم يأخذ من المبدأ االعلى ويجعله صالحا لقابلية االدنى‪.‬‬


‫وآل محمد‪ ‬مقامهم الترجماني هو مقام الواسطة والوسيلة‪ ،‬وترجمتهم ل ُمراد اللَّه ال‬
‫يقتصر على الكالم فقط بل هم تراجمة لفعل اللَّه ولصفاته واسمائه‪ ،‬لذلك يستطيعون تفهيم‬
‫العالم والجاهل لهذه الخصيصة‪ ،‬كما ان الماء واحد لكنه عندما يصل إلى األرض يدخل في‬
‫عدة انظمة نباتية وبيئية وحياتية فيظهر في كال نظام حسب طبيعة ذلك النظام‪.‬‬
‫وعلى المعنى العام كل واسطة بين العالي والداني هو ترجمان‪ ،‬وبهذا يكون المترجم‬
‫يعرف عن العالي اشياء ال يعرفها الداني‪ ،‬ويضل الداني بحاجة للمترجم لمعرفة قصد العالي‪،‬‬
‫والترجمة التي نعنيها هنا هي معرفة القصد‪.‬‬
‫والسؤال هنا هل المترجم ينقل بلغة واحدة ام بعدة لغات على اعتبار ان لغات الخلق كثيرة؟‬
‫هذا ما ستجيبنا عليه األحاديث التالية‪:‬‬
‫وجل بالعربية فإذا‬ ‫عن المفضل عن اإلمام الصادق‪ ‬قال«ان الوحي ينزل من عند اللَّه ع ّز ّ‬
‫أتى نبياً من األنبياء اتاه بلسان قومه»(((‪.‬‬
‫اي ان لغة الوحي هي العربية ثم يترجم من اللغة العربية إلى لغات اقوام األنبياء﴿ َو َما أَ ْر َسلْناَ‬
‫ُ‬
‫ي ل َ ُه ْم ۖ﴾(((‪ ،‬وموضوع الترجمة له تسمية قرآنية وهو قوله﴿ َوآتَيْ َناهُ‬ ‫مِن َّر ُسول إ َّل بل َِسان قَ ْو ِمهِ ِلُبَ ّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ َ َ ٍَ َ ْ َ ِ ْ‬
‫اب﴾ ‪.‬‬ ‫ال ِكمة وفصل الِط ِ‬
‫(((‬

‫عن ابي الصلت الهروي قال‪ :‬كان الرضا‪ ‬يُكلم الناس بلغاتهم‪ ،‬وكان واللَّه افصح الناس‬
‫واعلمهم بكل لسان ولغة‪ ،‬فقلت له يوما‪ :‬يابن رسول اللَّه‪ ‬إنّي ألعجب من معرفتك بهذه‬
‫جة‬
‫جة اللَّه على خلقه‪ ،‬وما كان اللَّه ليتخذ ًح ّ‬
‫اللغات على اختالفها‪ ،‬فقال«يا ابا الصلت‪ ،‬أنا ُح ّ‬
‫على قوم وهو ال يعرف لغاتهم‪ ،‬اما بلغك ما قال أمير المؤمنين‪ ‬وأوتينا فصل الخطاب‪ ،‬فهل‬
‫فصل الخطاب إال معرفة اللغات»(((‪.‬‬
‫إذا اللغة االم هي العربية وكل النصوص ترجع اليها ولكن اللَّه يخاطب كل قوم بلسانهم‪،‬إذا‬
‫هناك قراءة باللغة العربية لكل الكتب السماوية يعرفها من امتلك فصل الخطاب وكل الكتب‬
‫السماوية الموجودة حاليا مترجمة عن العربية بواسطة الوحي‪.‬‬

‫((( قصص األنبياء‪ /‬الراوندي‪ /‬ص ‪278‬‬


‫((( إبراهيم‪4 /‬‬
‫((( ص‪20 /‬‬
‫((( عيون اخبار الرضا‪/‬ج‪ /2‬باب ‪ /54‬ح‪ /3‬ص ‪251‬‬
‫يحولا ةمجارت‬ ‫‪55‬‬

‫عن النبي‪«‬ان الرجل االعجمي من امتي ليقرأ القرآن بعجمة فترفعه المالئكة على‬
‫عربيته»(((‪ ،‬وعن رسول اللَّه‪«‬ان سين بالل عند اللَّه شين»(((‪.‬‬
‫ومن هنا فال تستغرب إذا عرفت ان هناك ُجملة من النصوص المقدسة كانت متداولة في‬
‫الديانات السابقة وقد ذكرها آل محمد‪ ‬في كالمهم على شكل ادعية ومناجاة النهم يمتلكون‬
‫فصل الخطاب‪.‬‬
‫عن اإلمام الصادق جعفر بن محمد عن ابيه الباقر عليهما السالم قال«ما انزل اللَّه تبارك‬
‫وتعالى كتاباً وال وحياً إال بالعربية‪ ،‬فكان يقع في مسامع األنبياء بألسنة قومهم‪ ،‬وكان يقع في‬
‫مسامع نبينا ‪ ‬بالعربية‪ ،‬فإذا كلم به قومه كلمهم بالعربية فيقع في مسامعهم بلسانهم‪ ،‬وكل‬
‫احد ال يخاطب رسول اللَّه‪ ‬باي لسان خاطبه إال وقع في مسامعه بالعربية كل ذلك يترجم‬
‫جبرئيل‪ ‬له وعنه تشريفاً من اللَّه ع ّز ّ‬
‫وجل »(((‪.‬‬
‫ولعل هذا يذكرنا بالنداء الذي سينادي به جبرئيل‪ ‬ليلة الثالث والعشرون من شهر رمضان‬
‫قبل ظهور اإلمام المهدي‪ ‬حيث سيسمعه كل قوم بلغتهم(((‪ ،‬فالنداء بالعربية النه كالم الوحي‬
‫ويترجم إلى كل الناس حسب لغاتهم‪ ،‬ومن هنا فان اإلمام المهدي‪ ‬كرسول اللَّه‪ ‬ستظهر‬
‫ُمعجزة امتالكهم «فصل الخطاب» عند ظهوره‪ ،‬فهو يتكلم بالعربية ولكن كل اهل لغة يسمعونه‬
‫حجج اللَّه على خلقه في تلك االيام‪ ،‬فال احد يدعي معرفة كل اللغات‬‫بلسانهم‪ ،‬وهي من ابين ُ‬
‫اال هم صلوات اللَّه عليهم‪.‬‬

‫((( الكافي‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪619‬‬


‫((( عدة الداعي‪ /‬ص ‪27‬‬
‫((( علل الشرائع‪ /‬الصدوق‪ /‬ج‪ /1‬ص ‪126‬‬
‫((( عن أبي عبد اللَّه ‪ ‬قال«اليخرج القائم حتى ينادى بأسمه في جوف السماء ليلة ثالث وعشرين في شهر رمضان ليلة‬
‫الجمعة » معجم أحاديث اإلمام المهدي‪ /‬ج‪ /3‬ص ‪ /472‬ح ‪1036‬‬
‫‪56‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ا�ستغفار المع�صوم عليه ال�سالم‬


‫ورد في دعاء كميل«اللَّهم اغفر لي كل ذنب اذنبته كل خطيئة اخطأتها‪......‬اللَّهم ال اجد‬
‫لذنوبي غافراً وال لقبائحي ساتراً وال شيء من عمل القبيح بالحسن مبدال غيرك ال إله إال انت‬
‫سبحانك وبحمدك ظلمت نفسي وتجرأت بجهلي‪ » .....‬واالدعية بهذا المعنى كثيرة وخصوصاً‬
‫في الصحيفة السجادية لإلمام زين العابدين ‪.‬‬
‫جملة االدعية الواردة عن ائمة أهل الييت ‪ ‬مشحونة باالستغفار والتوسل وطلب المغفرة‬ ‫و ُ‬
‫وطلب محو الذنوب مما يدعوا البعض للتساؤل‪ ،‬اليس األئمة معصومين ومبرئين من الذنوب‬
‫وال يصدر منهم إال الخير؟ فكيف يطلبون المغفرة ويتوسلون باللَّه لمحو ذوبهم؟ اال يتنافى هذا‬
‫مع عصمتهم؟‬
‫قد اختلفت االراء حول بيان هذا الموضوع ويمكن النظر اليه من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬البعض يعتقد ان المعصوم‪ ‬ليس له ذنب ولكن هذه طريقة يتعمدها في ادعيته لكي‬
‫يُعلّم الناس كيف يدعون ويستغفرون ويتوسلون باللَّه‪ ،‬فتكون هكذا ادعية ال تمثل لسان حال‬
‫المعصوم‪ ‬بل هو طريقة لتعليم المؤمنين وعموم الرعية‪.‬‬
‫‪ - 2‬اخرون يعتقدون ان هذه الطريقة هي فعالً لسان حال المعصوم‪ ،‬ال النه اذنب بل‬
‫النه يرى نفسه اليوم اكثر تكامالً من االمس‪ ،‬لذلك هو يستغفر اليوم لحاله الذي كان عليه‬
‫باالمس وهكذا دواليك‪ ،‬وأصحاب هذا الرأي يعتقدون ان المعصوم‪ ‬يتكامل على مر االيام‪،‬‬
‫وسنجيب عن هذا الموضوع في نقطة الحقة‪.‬‬
‫‪ - 3‬األحاديث تشير ان هذا االستغفار والتوسل هو لسان حال المعصوم نفسه إال انه ال‬
‫يطلبه لنفسه بل معناه على الباطن استغفار لشيعته‪ ،‬فعبارة مثل «اغفر لي ذنبي» اي اغفر لشيعتي‬
‫ذنوبهم‪ ،‬كما قال اللَّه عن الكعبة بانها «بيتي» واللَّه ليس له بيت يحويه إال انها نُسبت اليه تشريفاً‪،‬‬
‫والكعبة ال تمثل ذات اللَّه‪ ،‬بل هي جهة التوجه اليه‪ ،‬فمن اساء لها اساء إلى اللَّه‪ ،‬ومن ك ّرمها‬
‫ك ّرم اللَّه‪ ،‬وكذلك اإلمام‪ ‬قال عنه «ذنبي» الن الشيعة منسوبين اليه كما يُنسب الثوب لصاحبه‬
‫ويقول هذا ثوبي‪ ،‬وثوبه ال يمثل ذاته بل هو ظاهره‪ ،‬وهذا المعنى ورد في عدة أحاديث كون‬
‫«قلوب الشيعة خلقت من فاضل طينتهم او ان الشيعة سموا شيعي النهم من شعاع آل محمد‪،»‬‬
‫����������������������������‬ ‫‪57‬‬

‫فالشيعة بهذا المعنى هم ظاهر اإلمام‪ ،‬فتنظيف الثوب ال يدل على وساخة الذات‪ ،‬فطلب‬
‫المغفرة من قبل المعصوم لشيعته اشبه يتنظيف الثوب الظاهر‪ ،‬والثوب ليس هو صاحب الثوب‪،‬‬
‫ويؤيده الحديث التالي‪.‬‬
‫ّ ْ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ك َفتْ ً‬
‫حا ُّمب ً‬
‫ينا ؀ ِلَغ ِف َر‬ ‫ِ‬ ‫وجل ﴿إِنا فتحنا ل‬
‫عن ابي الحسن الثالث‪ ‬انه َ ُسئل عن قوله ع ّز ّ‬
‫ك َو َما تأخ َر﴾(((‪ ،‬فقال‪«‬وأي ذنب كان لرسول اللَّه‪ُ ‬متقدماً او‬
‫َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َّ ُ َ َ َ َّ َ‬
‫لك الل ما تقدم مِن ذنب ِ‬
‫ُمتأخراً؟ وإنما ح ّمله اللَّه ذنوب شيعة علي‪ ‬من مضى منهم ومن بقي ثم غفرها له»(((‪.‬‬
‫والحديث واضح الداللة وال يحتاج إلى مزيد بيان‪ ،‬فهم صلوات اللَّه عليهم يتحملون‬
‫ذنوب شيعتهم النهم منسوبين اليهم كما ترى في الشرع وفي الحياة إذا ضمن شخص دين‬
‫شخص اخر وجب عليه ايفاءه‪ ،‬فهم ‪ ‬ينسبون تلك المعاصي إلى انفسهم كما ينسب الضامن‬
‫الدين لنفسه‪ ،‬فهو ضامن لشيعة علي‪ ‬ان يغفر لهم ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر‪ ،‬فيستغفرون‬
‫وجل وهو ُمقتضى كرمهم صلوات اللَّه عليهم ومقام شفاعتهم‬ ‫ّ‬ ‫ويبكون ويتضرعون للَّه ع ّز‬
‫للمذنبين من الشيعة‪.‬‬
‫‪ - 4‬النقطة الثالثة اعاله هي اصل الموضوع بداللة الحديث‪ ،‬ويمكن ان نضيف نقطة اخرى‬
‫بداللة حديث اخر‪ ،‬فعن رسول اللَّه‪ ‬وهو يدعوا لعلي‪ ‬بان ال يُنسيه اللَّه شيء‪ ،‬فقال أمير‬
‫علي النسيان يا رسول اللَّه‪‬؟ قال «ال» ولكني احب ان ادعوا لك «نقلت‬
‫المؤمنين ‪ ‬اتخاف ّ‬
‫الحديث بالمعنى»‪ ،‬ومن هذا الحديث ال ُمبارك يمكن القول بل هو االكيد ان المعصوم‪ ‬ال‬
‫يُذنب وال يُخطأ وال يسهو ومع ذلك هو دائم الدعاء واالستفغار النه «يحب ذلك»‪.‬‬
‫‪ - 5‬األحاديث تبين معاني اخرى الستغفار المعصومين ‪ ‬فعلى الرغم من كمالهم هم‬
‫يدركون ان طاعة اللَّه على الكلية ال يدركها احد كما ورد اإلمام الصادق‪ ‬قوله«علم اللَّه ع ّز‬
‫وجل اال يقوم احد من خلقه بحقه»‬‫ّ‬
‫‪ - 6‬الحديث التالي يبين بما ال يقبل الشك ان المعصوم ال يذنب لقوله «فال تذهبن بك‬
‫المذاهب» من حديث لإلمام ابي جعفر ‪ ‬مع حمران في احوال األئمة المعصومين‪ ‬قال«‪....‬‬
‫وما كان الذي اصابهم ذلك يا حمران لذنب اقترفوه وال لعقوبة معصية خالفوا اللَّه فيها ولكن‬
‫لمنازل وكرامة اراد ان يبلغوها فال تذهبن بك المذاهب»(((‪ ،‬فاالستغفار هو لطلب تلك المنازل‬
‫وليس لذنب اقترفوه‪.‬‬

‫((( الفتج‪2 1 /‬‬


‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /7‬ص ‪ /236‬ح ‪8‬‬
‫((( اصول الكافي‪ :‬كتاب الحجة‪4 /26 /1 :‬‬
‫‪58‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫‪ - 7‬نحن القاصرين ال نُدرك ما يدركونه ‪ ‬عندما يذكرون جالل اللَّه سبحانه‪ ،‬والمؤمن‬
‫العادي الصالح ال ُمطيع المؤدب حتى وان لم يكن له ذنب وال عيب ووقف أمام خالقه او أمام‬
‫المعصوم‪ ‬البد وانه يرى في نفسه القصور في حضرتهم وهذا من كمال التادب‪ ،‬وهم صلوات‬
‫اللَّه عليهم عندما يقفون أمام اللَّه يستغفرون وان لم يكن لهم اي ذنب وهو مقتضى تأدبهم مع‬
‫يم﴾‬ ‫ك لَ َع َ ٰ ُ ُ َ‬
‫َّ َ‬
‫(((‬
‫ل خل ٍق ع ِظ ٍ‬ ‫وجل وهو قوله تعالى﴿ِإَون‬
‫اللَّه ع ّز ّ‬
‫وجل ُمركّب‪ ،‬وال بسيط على الحقيقة بمعنى عدم التركيب إال‬ ‫‪ - 8‬كل مخلوق دون اللَّه ع ّز ّ‬
‫اللَّه‪ ،‬الن اللَّه هو الصمد الذي ليس له جزء‪ ،‬وكل مخلوق دونه حادث ُمركّب من جهتين‪ ،‬وهم‬
‫صلوات اللَّه عليهم لهم جهتين‪ ،‬جهة إلى ربهم وهي الجهة التي ع ّرف اللَّه له نفسه بهم لهم كما‬
‫ورد في الحديث«تجلى لها بها»‪ ،‬وهي المعنية بقول أمير المؤمنين‪«‬فالقى في هويتها مثاله‬
‫فاصدر عنها افعاله»‪ ،‬وجهة ثانية إلى انفسهم وهي جهة عبوديتهم لله‪ ،‬ووما ال شك فيه ان جهة‬
‫الرب اعلى من جهة العبد‪ ،‬والمعصوم‪ ‬في مقام جهته إلى نفسه يُدرك ذلك الفرق‪ ،‬فيقول كما‬
‫ورد عن رسول اللَّه‪«‬ما عرفناك حق معرفتك» وقوله‪«‬ما عبدناك حق عبادتك» فاستعغارهم‬
‫من هذا الباب كون جهتهم إلى انفسهم ادنى من جهتهم إلى ربهم وهو واضح ان شاء اللَّه‪.‬‬
‫‪ - 9‬عقيدتي ان المعصوم‪ ‬يولد كامالً‪ ،‬دليله األحاديث المتظافرة التي تشرح احوال‬
‫المعصوم‪ ‬منذ ايام نطفته‪ ،‬كونه من نطفة ُمنعقدة من ماء سماوي‪ ،‬وانه يقراء القرآن وهو في‬
‫بطن امه‪ ،‬وانه يولد ساجد‪ ،‬وغيرها من االحوال الخاصة التي ذكرتها المرويات والتي تدل على‬
‫كماله‪.‬‬
‫فاالشكال ليس في المعصوم نفسه بل في نظرتنا اليه‪ ،‬فالمعصوم يولد كامالً ولكننا ال نُدرك‬
‫كماله لقصور قابلياتنا‪ ،‬ومن هنا كانت االبتالءات والمحن الجارية عليه سبباً في اظهار وكشف‬
‫كماالته‪ ،‬فيضن الناس انه يتكامل وهو في الحقيقة في حالة اظهار لكماالته‪ ،‬كما ان كربالء لم‬
‫تكامل زينب‪ ‬ولكنها كانت سبباً في اظهار كماالتها‪ ،‬فكيف اعرف ان زينب‪ ‬كاملة الصبر اال‬
‫من خالل كربالء‪ ،‬فهي ذات صبر كامل لكن هذا الصبر لم يظهر إال في كربالء فكربالء كاشفة‬
‫لكماالت زينب‪ ،‬لذلك لوال بالئهم لم نعرف كماالتهم‪.‬‬
‫ومن هنا التبس األمر على البعض وظن ان المعصوم‪ ‬في حالة تكامل‪ ،‬والحق اننا ناقصين‬
‫ال نرى كمال المعصوم‪ ،‬ونقصنا هذا يجعلنا ال نفهم كمالهم اال ببالئهم‪ ،‬فهم يُظهرون الكمال‬
‫ونحن نقول انهم يتكاملون‪ ،‬والفرق كبير بين الموضوعين‪.‬‬

‫((( القلم‪4 /‬‬


‫����������������������������‬ ‫‪59‬‬

‫‪ -10‬ربما ستقول ان الحديث واضح كونهم ‪ ‬في كل ليلة جمعة يزادونكما ورد عنهم‬
‫‪«‬نحن في كل ليلة جمعة نزاد ولوال اننا نزاد لنفد ما عندنا»‪ ،‬وهذا الحديث المبارك وامثاله‬
‫هو الذي دفع بالبعض للقول بانهم في حالة تكامل الن الزيادة اليوم تقتضي النقص باالمس‪،‬‬
‫والذي افهمه ان هذا توهم عند البعض فهذه ليست زيادة في ذواتهم فهم في ذواتهم كاملين بل‬
‫هي زيادة لحاجة الخلق اليها كون ارزاق واجال ومصالح العباد تجري على ايديهم‪ ،‬فالذي نزل‬
‫عليهم ليلة الجمعة هم يعرفونه النه جزء مما نزل عليهم في ليلة القدر‪ ،‬إال ان نزوله عليهم هنا‬
‫للتنفيذ‪ ،‬فهم يعلمون كل شيء وينتظرون اذن اللَّه في اجراءه وهو الذي يسميه الحديث زيادة‬
‫َ (((‬
‫َ َ ْ ُ َُ َْ ْ َ ُ َْ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ ٌ ْ‬
‫اد ُّمك َر ُمون ؀ ل يسبِقونه بِالقو ِل وهم بِأمرِه ِ يعملون﴾ ‪،‬‬ ‫وهي مصداق قوله تعالى﴿ بل عِب‬
‫وهو الذي ع ّبر عنه حديث اخر كونه اشرف علومهم «قلت‪ :‬جعلت فداك فأي شيء هو العلم؟‬
‫قال‪«:‬ما يحدث بالليل والنهار األمر بعد األمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة»(((‪.‬‬
‫فالزيادة هنا هو ما يحتاجه الناس وليس ما تحتاجه ذات المعصوم ‪ ،‬فلو ان هناك رجل‬
‫كامل عاقل حكيم يعطيه اللَّه كل شهر الف دينار يوزعها على الفقراء فإذا انقطع عنه المال ال‬
‫ينقص من ذات هذا الرجل شيء الن ذاته كاملة اال ان االموال نفذت منه فهو يحتاج من اللَّه‬
‫الزيادة لتمشيه امور العباد فهو في كل شهر يُزاد ولوال انه يُزاد لنفذ ما عنده‪.‬‬
‫ويمكن ان نستدل على ان الزيادة ليست لذواتهم بل للخلق من خالل دليل الحكمة‪،‬‬
‫ففي الحكمة كل شيء له مقامان ذاتي وعرضي‪ ،‬فالذاتي هو نسبة الشيء إلى نفسه‪ ،‬والعرضي‬
‫هو نسبة الشيء إلى غيره‪،‬وكذلك الحال مع آل محمد صلوات اللَّه عليهم فلهم مقامان ذاتي‬
‫وعرضي‪ ،‬فمقامهم الذاتي بالنسبة النفسهم كامل النهم حجة اللَّه على خلقه وال يمكن بالحكمة‬
‫جة على خلقه غير كامل‪ ،‬اما مقامهم العرضي فهو مقامهم بالنسبة للخلق‪،‬‬ ‫ح ّ‬
‫ان يجعل اللَّه ُ‬
‫والخلق ناقصين يحتاجون إلى مدد وتكميل‪ ،‬ومن هنا كانت الزيادة لمقامهم العرض لحاجة‬
‫(((‬
‫الخلق وليس لمقامهم الذاتي فهم بمقامهم الذاتي يعلمون ما كان وما يكون‬

‫((( األنبياء‪27 - 27/‬‬


‫((( بصائر الدرجات‪ /‬الصفار‪ /‬ج‪ /3‬باب ‪/ 14‬ح‪3‬‬
‫((( يمكن ان اضرب لك مثال للتوضيح واالمثال كما يقولون تقرب من جهة وتبعد من جهة‪ ،‬فانت مثال لو كنت في يوم من‬
‫االيام مديرا الحد المؤسسات فكونك انسان صاحب شهادة وعلم وتعرف قوانين هذه المؤسسة فهذا مقامك الذاتي‪،‬‬
‫اما مجموعة االوامر والتعليمات التي ترد عليك من جهة عليا الدارة هذه المؤسس فهي مقام عرضي انت تقوم به الدارة‬
‫المؤسسة من خاللك‬
‫‪60‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ال�سنة الدهرية‬
‫وجل لما خلق النور خلقه‬
‫ّ‬ ‫عن أبي عبد اللَّه ‪ ‬من حديث طويل قال «‪ ......‬ان اللَّه ع ّز‬
‫يوم الجمعة في تقديره في اول يوم من شهر رمضان‪ ،‬وخلق الظلمة يوم االربعاء يوم عاشوراء في‬
‫مثل ذلك اليوم يوم العاشر من شهر محرم في تقديره وجعل لكل منهما شريعة ومنهاجا‪.(((»....‬‬
‫هذه التسميات لالشهر وااليام ليست هي اشهرنا وايامنا الزمانية‪ ،‬بل هي االشهر وااليام‬
‫َّ‬
‫ِإَون يَ ْو ًما ع َ‬
‫ِند‬ ‫الدهرية َ التي كانت في بدء التكوين والتي كل يوم منها بالف سنة مما تعدون﴿‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ‬
‫ك كأل ِف َس َن ٍة ّم َِّما ت ُع ُّدون﴾(((‪ ،‬بدليل قوله «لما خلق النور»‪ ،‬والنور لم يُخلق في عالمنا‬ ‫رب ِ‬
‫خلق في النظام الدهري قبل هذه الدنيا‪ ،‬لذلك عقب بعدها الحديث‬ ‫األرضي الزماني‪ ،‬بل ُ‬
‫بعبارة«في تقديره» اي اول الخلق والتقدير‪ ،‬والحديث يُعطينا اشارة عن الفارق الزمني الكبير بين‬
‫األحداث في النظام الدهري‪ ،‬الن كل يوم في النظام الدهري هو بالف سنة من سنين الزمان‪ ،‬فإذا‬
‫كانت السنة في الزمان«‪ »360‬يوماً((( فالسنة في النظام الدهري «‪ »360000‬سنة زمانية‪ ،‬والشهر‬
‫في النظام الدهري«‪ »30000‬سنة زمانية‪ .‬كما يقول اإلمام الرضا‪ ....«‬وقد علم ذووا االلباب‬
‫ان االستدالل على ما هناك ال يكون إال بما هيهنا‪.(((»...‬‬
‫وأحاديث آل محمد‪ ‬تقول ان السنة تبدأ بشهر رمضان عن رسول اللَّه‪«‬رمضان قلب‬
‫السنة فإذا سلم رمضان سلمت السنة كلها»(((‪ ،‬وعن أمير المؤمنين‪«‬ان اول كل سنة اول يوم‬
‫من شهر رمضان»(((‪ ،‬وقوله‪«‬وراس السنة شهر رمضان»(((‪ .‬عن أمير المؤمنين‪ ‬من خطبة له‬
‫قال«‪......‬رجب شهر ذكر‪ ،‬رمضان تمام السنين‪ ،‬شوال يشال فيه امر القوم‪ ،‬ذو القعدة يقعدون‬
‫(((‬
‫فيه‪ ،‬ذو الحجة الفتح من اول العشر‪»....‬‬

‫((( مصباح المتهجد‪ /‬ص ‪782‬‬


‫((( الحج‪47 /‬‬
‫((( السنة حاليا ‪ 365‬يوم وذكرنا ‪ 360‬للتقريب ليس اكثر‬
‫((( عيون اخبار الرضا‪ /‬ج‪ /1‬باب‪ /12‬ح‪1‬‬
‫((( المالحم والفتن‪ /‬ابن طاووس‪ /‬باب ‪ /9‬ص‪145‬‬
‫((( وسائل الشيعة ج‪3‬‬
‫((( التهذيب‪/‬ج‪1‬‬
‫((( مصباح البالغة «مستدرك نهج البالغة» للمير جهاني ‪ 363/2‬الحديث ‪ 112/219‬نقال عن كنز العمال للمتقي الهندي‬
‫الحديث ‪39679‬‬
‫�������������‬ ‫‪61‬‬

‫وهو على خالف ما هو معمول به حالياً اذ تبدأ السنة عند المسلمين في شهر محرم‪ ،‬وبما‬
‫ان الحديث مورد الكالم يقول ان اللَّه خلق النور في شهر رمضان‪ ،‬فالنظام التقويمي النوري يبدأ‬
‫من رمضان في الدهر وفي الزمان الن «ما هناك ال يكون إال بما هيهنا»‪ ،‬والحديث يذكر ان اللَّه‬
‫خلق الظلمة في عاشوراء اي في محرم‪ ،‬فهذا معناه ان النظام المعمول به حاليا ببداية السنة من‬
‫شهر محرم هو نظام ظلماني‪ ،‬والمستشف انه عند ظهور اإلمام المهدي‪ ‬سيعيد التقويم إلى‬
‫النظام النوراني اي تبدأ السنة في شهر رمضان يوم الجمعة بالذات‪.‬‬
‫ولو اجرينا عملية حسابية بسيطة سنجد ان الشهور تترتب كالتالي «رمضان ‪ -‬شوال ‪ -‬ذي‬
‫القعدة ‪ -‬ذي الحجة ‪ -‬محرم‪ ».......‬فيكون الفارق الزمني بين خلق النور والظلمة هو «اربعة‬
‫اشهر وعشرة ايام»‪ ،‬فإذا فرضنا ان كل شهر «‪ »30‬يوم يكون الفرق«‪ »130‬يوم بقياساتنا الزمانية‪،‬‬
‫خلق الظالم في العاشر من محرم‪ ،‬فلم‬ ‫اما بالقياس الدهري فهي «‪ »130000‬سنة‪ ،‬اما لماذا ُ‬
‫اجد له قرينة إال بالقول انه هو نفسه ذلك اليوم الدهري الذي قتل فيه اإلمام الحسين‪ ‬في ذلك‬
‫العالم قبل عالمنا الزماني(((‪ ،‬واللَّه لم يخلق الظلمة بذاته بل هي نتاج فعل مخلوقاته‪ ،‬والراجح‬
‫حسب هذا التصور ان الحوادث التي جرت في عالم الدهر تعاد نفسها في عالم الزمان في نفس‬
‫التاريخ‪ ،‬ومنها حادثة يوم الغدير التي حدثت في الثامن عشر من ذي الحجة فيجب ان تكون‬
‫حدثت في الثامن عشر من ذي الحجة في العالم الدهر‪ ،‬والراجح ايضاً انه نفس اليوم الذي‬
‫سجدت فيه المالئكة آلدم‪ ‬في سنة دهرية اخرى‪ ،‬وقس كل الحوادث المهمة على هذا التصور‬
‫حرفا بحرف فحادثة الغدير الدهرية حدثت في العالم النوري قبل خلق الظالم‪،‬ويؤيده قوله‬
‫َّ َ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ْ َ َ َ َ َ ْ ً‬ ‫َّ َّ َ ُّ ُ‬
‫ات والرض﴾ ‪،‬‬
‫(((‬
‫اب اللِ يوم خلق السماو ِ‬‫تعالى﴿إِن عِدة الشهورِ عِند اللِ اثنا عش شهرا ِف كِت ِ‬
‫الحظ ان هذا النظام معمول به من يوم خلق اللَّه السماوات واألرض‪.‬‬
‫ويمكن ان نستفاد من هذا الحديث المبارك في النظر لحديث اخر وهو حديث خلق العقل‬
‫والجهل عن أبي عبد اللَّه‪« ‬ان اللَّه عز وجل خلق العقل وهو اول خلق من الروحانيين عن‬
‫يمين العرش من نوره فقال له‪ :‬أدبر فأدبر‪ ،‬ثم قال له‪ :‬أقبل فأقبل‪ ،‬فقال اللَّه تبارك وتعالى‪ :‬خلقتك‬
‫خلقا عظيما وكرمتك على جميع خلقي‪ ،‬قال‪ :‬ثم خلق الجهل من البحر األجاج ظلمانيا فقال له‪:‬‬
‫(((‬
‫أدبر فأدبر‪ ،‬ثم قال له أقبل فلم يقبل‪ ،‬فقال له‪ :‬استكبرت‪ ،‬فلعنه»‬

‫((( راجع كتاب «كربالء في العوالم » للمؤلف‬


‫((( التوبة ‪36/‬‬
‫((( اصول الكافي‪ /‬كتاب العقل والجهل‪/‬ح‪14‬‬
‫‪62‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫فاالداة «ثم» في الحديث التي تفيد التتابع وقد يرى البعض من خاللها ان اللَّه خلق الجهل‬
‫بعد العقل مباشرة‪ ،‬والحق ان بينهما فترة زمنية طويلة كالفترة الفارقة بين خلق النور والظلمة الن‬
‫الجهل ابن الظلمة‪.‬‬
‫������������������������������‬ ‫‪63‬‬

‫كالم ذوقي في �آيات �سورة التكوير‬


‫َ‬ ‫َ ۡ َ ُ ُ َّ ۡ‬ ‫َ َ َ ۡ‬ ‫َ ُّ ُ ُ‬ ‫َ َّ ۡ ُ ُ ّ َ ۡ‬
‫يت ؀ ِإَوذا‬ ‫ٱلبال س ِ‬ ‫قوله تعالى﴿إِذا ٱلشمس كوِرت ؀ ِإَوذا ٱنلجوم ٱنكدرت ؀ ِإَوذا ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُّ ُ ُ‬
‫وس ُز ّو َج ۡ‬ ‫َ ۡ َ ُ ُ ّ َ ۡ‬ ‫َ ُۡ ُ ُ ُ َ ۡ‬ ‫ار ُع ّطلَ ۡ‬‫ۡٱلعِ َش ُ‬
‫ت ؀ ِإَوذا‬ ‫جرت ؀ ِإَوذا ٱنلف ُ ِ‬ ‫ِإَوذا ٱلوحوش ح ِشت ؀ ِإَوذا ٱلِحار س ِ‬ ‫ت؀‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ٱلس َما ٓ ُء كشِ َط ۡ‬ ‫َ‬
‫ِإَوذا َّ‬ ‫َ ُّ ُ ُ ُ َ ۡ‬ ‫ُ َ ۡ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫َۡ ُۡ َُ ُ َ ۡ‬
‫ت ؀ ِإَوذا‬ ‫شت ؀‬ ‫ۢنب قتِلت ؀ ِإَوذا ٱلصحف ن ِ‬ ‫ٱل ۡموءۥدة سئِلت ؀ بِأ ِي ۡ ُٖ‬
‫ذ‬
‫ٱل َّن ُة أ ۡزل َِف ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ت﴾(((‪.‬‬ ‫ِإَوذا َ‬ ‫يم ُس ّ ِع َرت ؀‬
‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫ٱل ِ‬
‫اعتقد واللَّه العالم ان هذه اآليات ال ُمباركات تذكر احداث ال تخص يوم القيامة النهائي بل‬
‫جملة من احداث‬ ‫هي واصفة الحداث وعالمات القيامة الصغرى«قيامة الرجعة»‪ ،‬فهي واصفة ل ُ‬
‫الرجعة‪ ،‬وقد يعتقد البعض ان هذه األحداث يجب ان تترتب زمنياً بشكل تصاعدي فتكون‬
‫ُ ۡ‬ ‫َ َّ‬
‫كل فقرة سابقة تاتي بعدها الالحقة مباشرة زمنياً‪ ،‬اي إذا حدثت عالمة﴿إِذا ٱلش ۡم ُس ك ّوِ َرت﴾‬
‫َ‬ ‫َ ۡ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ‬
‫وم ٱنك َد َرت﴾‪ ،‬ثم تاتي بعدها بالضرورة ﴿ِإَوذا‬ ‫ِإَوذا ٱنلُّ ُ‬‫يجب بالضرورة ان تأتي بعدها عالمة﴿‬
‫ۡ َ ُ ُ َّ ۡ‬
‫يت﴾ وهكذا‪ ،‬وهذا الرأي وان كان فيه وجاهة كبيرة إال انه يمكن القول ان ال ُمتلقي‬ ‫ٱلبال س ِ‬
‫ِ‬
‫للنص غير ُملزم بالنظر اليه بهذا الشكل ما دام هو شارح الحوال يوم من ايام اللَّه المرجوه وهو‬
‫يوم الرجعة‪ ،‬فهناك الكثير من احداث الدنيا وردت في روايات المعصومين عن اخر الزمان‬
‫فيها جملة من األحداث ليس بالضرورة ان تقع كلها حسب تسلسلها في الحديث الواحد‪،‬‬
‫وخصوصا ان األحداث التي تذكرها سورة التكوير ال يفصل بينهما باالداة «ثم» حتى نقول عنها‬
‫انها يجب ان تكون متتابعة ومتسلسلة‪ ،‬الن «ثم» تفيد الترتيب والتتابع كما تقول «ذهب إلى‬
‫السوق ثم إلى المدرسة ثم إلى البيت»‪ ،‬فيكون لك بهذا الشكل خط سير ُمرتب زمنياً فال يمكن‬
‫حسب كالمك ان تذهب إلى البيت قبل السوق‪ ،‬فاالداة «ثم» حددت ترتيب األحداث‪ ،‬اما آيات‬
‫سورة التكوير فقد فصلت بينها االداة «اذا» والتي اعتقد انها ال تشير إلى الترتيب بقدر ما تشير‬
‫إلى حتمية الوقوع‪.‬‬
‫ولكن يمكن وضع تسلسل إذا نظرنا للحدث الكلي من خالل ربط االجزاء‪ ،‬ومع ذلك‬
‫ساحاول الشرح حسب التسلسل الموجود في نص اآليات المباركة حسب ترتيبها امالً بالحصول‬
‫على ترتيب منطقي ينسجم مع احداث الرجعة‪.‬‬

‫((( ‪ -‬التكوير‪13-1/‬‬
‫‪64‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫َّ َّ‬ ‫ُ ۡ‬ ‫َ َّ‬


‫‪﴿ -1‬إِذا ٱلش ۡم ُس ك ّوِ َرت﴾‪ :‬رجوع شمس الحقيقة المحمدية ‪ ‬لقوله تعالى ﴿إِن الِي‬
‫َ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ ُّ َ‬
‫ك الق ْرآن ل َراد َك إ ِ ٰل َم َعا ٍد ۚ﴾((( وقد ذهب البعض إلى ان لفظة «كورت» هو ذهاب‬ ‫فرض علي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ع الليْ ِل ۖ﴾(((‪،‬‬
‫ار َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نورها وهو غير صحيح((( لقوله تعالى﴿يُك ّو ُر الليْل َ‬
‫ع انلَّ َهار َو ُيك ّو ُر انلَّ َه َ‬
‫ِ‬
‫اي بمعنى يرد اوله على اخره ويمسك اخره باطراف اوله والعكس صحيح فالشمس إذا كورت‬
‫يرد اولها اخرها‪ ،‬وبما ان المرويات تذكر ان لفظة الشمس دالة على شخص الرسول الكريم‪‬‬
‫ُ ۡ‬ ‫َ َّ‬
‫فيكون معنى ﴿إِذا ٱلش ۡم ُس ك ّوِ َرت﴾هو رجوع رسول اللَّه‪ ‬في احداث الرجعة‪ ،‬فهو األول‬
‫ظهورا ً من المعصومين‪ ‬في الزمان واالخر رجوعاً منهم في الرجعة‪ ،‬الن العلّة الغائية دائماً‬
‫ُمقدمة وجودا ً ومؤخرة ظهورا‪ ،‬كما كان صلوات اللَّه عليه هو األول تكويناً في األنبياء واخرهم‬
‫ظهورا ً‪ ،‬يشهد بها قوله‪«‬كنت نبياً وآدم بين الماء والطين»‪ ،‬فتكون عملية رجوعه‪ ‬هي‬
‫«تكوير» النطباق األول على االخر والظاهر على الباطن‪.‬‬
‫َ ۡ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ‬
‫ٱنك َد َرت﴾‪ :‬النجوم على الباطن هم المعصومين ‪ ‬والعبارة دالة على‬ ‫وم‬ ‫ِإَوذا ٱنلُّ ُ‬‫‪﴿ -2‬‬
‫رجوعهم في الرجعة‪.‬‬
‫يقول الراغب في المفردات‪ :‬الكدر ضد الصفاء يقال عيش كدر‪ ،‬والكدرة في اللون خاصة‪،‬‬
‫ج ُ‬ ‫َ‬
‫ِإَوذا انلُّ ُ‬
‫وم‬ ‫والكدورة في الماء وفي العيش خاصة‪ ،‬واالنكدار تغير من انتشار الشيء قال﴿‬
‫َ ْ‬
‫انك َد َرت﴾ وانكدر القوم على كذا إذا قصدوا متناثرين عليه»‪.‬‬
‫الحظ قوله ان االنكدار هو تغير من انتشار الشيء او التناثر‪،‬واألئمة ‪ ‬في الرجعة ال‬
‫يرجعون حسب تسلسلهم الظهوري في الحياة الدنيا فالمعروف ان ظهورهم في الدنيا جاء‬
‫كالتالي«الرسول الكريم ثم اإلمام علي ثم اإلمام الحسن ثم اإلمام الحسين ثم التسعة المعصومين‬
‫صلب الحسين تاسعهم اخرهم قائمهم» صلوات اللَّه وسالمه عليهم اجمعين‪ ،‬اما في الرجعة‬ ‫من ً‬
‫فيكون الظهور األول لالمام الحسين‪‬ولقول أبي عبد اللَّه ‪«‬أول من تنشق األرض عنه ويرجع‬
‫إلى الدنيا الحسين بن علي ‪ ،(((»‬ثم يرجع أمير المؤمنين‪ ‬وله عدة رجعات ثم بقية األئمة‬

‫((( القصص‪85/‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ‬
‫آن ل َر ُّاد َك إ ِ ٰل َم َعا ٍد ۚ﴾‪ ،‬قال«نبيكم ‪ ‬راجع إليكم»‪ .‬تفسير البرهان‪/‬‬ ‫َ‬
‫عن أبي عبداللَّه ‪ ‬في قوله تعالى﴿إِن الِي ف َرض َعليْك القر‬

‫البحراني‪ /‬ج ‪ /6‬ص ‪ /101‬ح‪6‬‬


‫((( قال الراغب في المفردات‪ :‬كور‪ :‬كور الشيء ادارته وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة‬
‫((( الزمر‪5 /‬‬
‫((( االيقاظ من الهجعة‪/‬الحر العاملي‪/‬باب‪/10‬ح‪/109‬ص‪.359‬‬
‫������������������������������‬ ‫‪65‬‬

‫وال اعرف بالضبط تسلسل رجعتهم‪ ،‬ثم ت ُختم الرجعات برجوع رسول اللَّه‪ ،‬وبهذا يكون‬
‫رجوعهم ليس حسب تسلسل ظهورهم او حسب افضليتهم بل يصح عليهم مفهوم «تغير من‬
‫َ ۡ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ‬
‫ٱنك َد َرت﴾ اي رجوع األئمة ليس حسب‬ ‫وم‬ ‫ِإَوذا ٱنلُّ ُ‬‫انتشار الشيء» او «التناثر» فيكون معنى ﴿‬
‫تسلسلهم متناثرين‪.‬‬
‫َ ۡ َ ُ ُ َّ ۡ‬
‫يت﴾‪ :‬ذكرت في كتابي«نجم يتقلب في اآلفاق» ان النظام الطبيعي‬ ‫ٱلبال س ِ‬‫‪ِ﴿ -3‬إَوذا ِ‬
‫والفلكي لألرض سيتغير من خالل حركات الجبال الستة المذكورة في القرآن الكريم ومنها«الدك‬
‫والنسف والسير والرجف» وتكون حركة سير الجبال هي الممهدة لتغير الوضع الفلكي من‬
‫السريع إلى البطيء«اللبوث»‪.‬‬
‫ار ُع ّطلَ ۡ‬ ‫َ ۡ َ‬
‫ت﴾‪ :‬تغير النظام الفلكي لألرض يستتبعه بالضرورة تغير في النظام‬ ‫‪ِ﴿ -4‬إَوذا ٱلعِش ُ ِ‬
‫المناخي والبيئي والزراعي تمهيدا لظهور بركات دولة العدل وهذه التغيرات بجملتها تقود إلى‬
‫تغير في خواص الحيوانات الفسلجية والسلوكية محولة اياها من المتوحشات إلى األليفات‬
‫وقد ذكرت جملة من المرويات عن خواص دولة العدل ان الذئب يرعى مع الشاة واالسد ياكل‬
‫التبن والجارية تف ّري االسد والطفل يعلب مع الحنش والتي تدل على انقالب نوعي في سلوك‬
‫الحيوانات التي هي «العشار» وتعطيلها هو تعطيل نظامها السابق واستبداله بنظام جديد فقال‬
‫ار ُع ّطلَ ۡ‬ ‫َ ۡ َ‬
‫ت﴾‪.‬‬ ‫﴿ِإَوذا ٱلعِش ُ ِ‬
‫َ ُۡ ُ ُ ُ َ ۡ‬
‫شت﴾‪ :‬اعتقد ان هذا ال ُمركّب القرآني يُشير إلى خروج يأجوج‬ ‫‪ِ﴿ -5‬إَوذا ٱلوحوش ح ِ‬
‫ومأجوج الذين سماهم هنا «الوحوش» وربطهم بلفظة«الحشر» النهم يخرجون على شكل‬
‫جماعي ولو تدبرت النصوص الروائية لوجدت ان عملية خروج يأجوج وماجوج بعد احداث‬
‫الرجعة بكثير(((‪.‬‬
‫وربما يراد منه حشر الكفار‪ ،‬الن الناس في القيامة على صور اعمالهم فللمؤمن صورة‬
‫انسانية تدخل الجنة‪ ،‬وللكافر صورة وحشية حيوانية تدخل النار‪ ،‬وسماهم وحوش من التوحش‬
‫ازاء االنس من المأنوسية‪.‬‬
‫َ ۡ َ ُ ُ ّ ۡ‬
‫ج َرت﴾‪ :‬السجر هو تهييج النار‪ .‬وقد ذكرت في كتابي «نجم يتقلب في‬
‫‪ِ﴿ -6‬إَوذا ٱلِحار س ِ‬
‫اآلفاق» ان األرض عندما تلبث وتتوقف عن الحركة في اخر الزمان ستصبح جغرافيتها موزعة‬
‫على اربعة اجزاء‪.‬‬

‫((( لقد ناقشنا هذا الموضوع بشكل مفصل في كتابنا «ايام اللَّه»‬
‫‪66‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫األول ‪ :‬الجزء المواجه للشمس وهو منطقة النهار السرمد‬


‫الثاني‪ :‬الجزء الذي عكس الشمس وهو منطقة الليل السرمد‬
‫الثالث‪ :‬منطقة الغروب الدائم‬
‫الرابع‪ :‬منطقة الفجر الدائم‬
‫َ ۡ َ ُ ُ ّ ۡ‬
‫ج َرت﴾تشرح حال منطقة النهار السرمد التي ستلتهب‬ ‫واآلية مورد الكالم ﴿ِإَوذا ٱلِحار س ِ‬
‫وتغلي البحار فيها‪.‬‬
‫وس ُز ّو َج ۡ‬ ‫َ‬
‫ِإَوذا ٱنلُّ ُف ُ‬
‫ت﴾ وهي الرجعة بمعناها العام بان ترجع النفوس إلى االبدان‪ ،‬او‬ ‫ِ‬ ‫‪﴿ -7‬‬
‫بمعنى اخر هو زواج اهل الرجعة‪ ،‬فقد ذكرت المرويات ان المؤمن ال يموت اال إذا راى بين‬
‫عينيه الف ولد ذكر‪.‬‬
‫ت﴾‪:‬الموءدة على الباطن هي الحسين‪ ‬واآلية‬ ‫ت ؀ بأَ ّي َذۢنب قُتلَ ۡ‬ ‫َ َۡ ُۡ َ‬
‫ۥدةُ ُسئلَ ۡ‬ ‫‪ِ﴿ -8‬إَوذا ٱلموء‬
‫ٖ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫تمثل بدايات الحساب في الرجعة وسيكون الحساب على هذه «الموءدة» هو اول حساب‬
‫في الرجعة الن هدف الرجعة األول هو االقتصاص من قتله الحسين‪ ‬لذلك كان شعار‬
‫القائم‪«‬يالثارات الحسين»‬
‫َ ُّ ُ ُ ُ َ ۡ‬
‫شت﴾‪ :‬حساب الخالئق في الرجعة واعطاء كل ذي حق حقه بنشر‬ ‫‪ِ﴿ -9‬إَوذا ٱلصحف ن ِ‬
‫صحف االعمال والذي يُحاسب الخلق اإلمام الحسين‪‬لقولهم ‪«‬ان الذي يلي حساب‬
‫الخلق في الرجعة الحسين بن علي اما في القيامة فهو بعث إلى الجنة او إلى النار»‬
‫ت﴾‪ :‬استقرار النظام الفلكي نهائيا على وضع اللبوث فيظهر واقع‬ ‫ٱلس َما ٓ ُء ُكشِ َط ۡ‬ ‫َ‬
‫ِإَوذا َّ‬ ‫‪﴿ -10‬‬
‫فلكي جديد يمكن فيه رؤية ملكوت السماوات الن الرجعة نعيم ارضي بواقع سماوي فعبر عن‬
‫ت﴾‬ ‫ٱلس َما ٓ ُء ُكشِ َط ۡ‬ ‫َ‬
‫ِإَوذا َّ‬‫هذا الواقع لسماوي بقوله﴿‬
‫يم ُس ّ ِع َرت﴾‪ :‬وهو جحيم منطقة النهار السرمد التي سيبقى فيها ماحضوا‬
‫ۡ‬ ‫ح ُ‬ ‫ِإَوذا ۡ َ‬
‫ٱل ِ‬
‫َ‬
‫‪﴿ -11‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ ُ ّ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ج َرت﴾ وقوله ﴿ِإَوذا‬‫الكفر‪،‬وكا ترى ان هناك ترابط موضوعي بين قوله تعالى﴿ِإَوذا ٱلِحار س ِ‬
‫يم ُس ّ ِع َرت﴾ باعتبار ان كال الموضوعين سيحدثان في منطقة النهار السرمد لذلك اختلفت‬
‫ۡ‬ ‫ح ُ‬ ‫َۡ‬
‫ٱل ِ‬
‫ُ ّ ۡ‬
‫ج َرت» وفي الثانية قال‬‫صيغت األفعال المستخدمة لوصف كال الحالتين في األولى قال «س ِ‬
‫ۡ‬
‫« ُس ّ ِع َرت» الن األولى ستنتهي بانتهاء وجود البحار فالبحار ستتبخر كليا فتبداء الحرارة ترتفع اكثر‬
‫ۡ‬
‫فاستعمل الفعل « ُس ّ ِع َرت» النه كما نفهم اشد من «التسجير»‪.‬‬
‫������������������������������‬ ‫‪67‬‬

‫ٱل َّن ُة أُ ۡزل َِف ۡ‬


‫ت﴾‪ :‬وهو ما يحدث في منطقة الغروب الدائم والفجر الدائم بظهور‬ ‫ِإَوذا ۡ َ‬
‫َ‬
‫‪﴿ -12‬‬
‫الجنتان المدهامتان‪.‬‬
‫ويعتقد العالمة النيلي ان ترتيب هذه اآليات ياتي بشكل متسلسل معكوس اي ان األول‬
‫ُ ۡ‬ ‫َ َّ‬ ‫ٱل َّن ُة أُ ۡزل َِف ۡ‬
‫ت﴾ واالخر تحققا هو ﴿إِذا ٱلش ۡم ُس ك ّوِ َرت﴾ ويشترط الترتيب‬ ‫تحققا هو قوله ﴿إ ِ َذا ۡ َ‬
‫الموجود في السياق النه يعتقد ان هذه األحداث مرتبة زمنيا ولكن ترتيبها في السورة معكوس‬
‫النه كان يظن ان الشمس هي هذا الجرم المعروف وان تكويرها هو نهاية األحداث وهو غير‬
‫صحيح الن انكدار النجوم هو نتيجة لتكوير الشمس على المعنى الذي يذهب اليه اهل التفسير‬
‫فيكون انكدار النجوم قبل تكوير الشمس وهو غير صحيح إذا نظرنا لآليات بشكل معكوس من‬
‫النهاية إلى البداية‪.‬‬
‫‪68‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫عالقة النا�س بالنبي والولي‬


‫عن الهيثم بن عمرو التميمي‪ ،‬قال‪ :‬قال ابو عبد اللَّه‪« ‬يا هيثم التميمي ان قوماً آمنوا‬
‫بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم شيء‪ ،‬وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر‬
‫(((‬
‫فلم ينفعهم ذلك شيء‪ ،‬وال ايمان ظاهر إال بباطن‪ ،‬وال باطن إال بظاهر»‬
‫الناس على الظاهر والباطن من جهة عالقتهم بالنبي‪ ‬والولي‪ ‬انواع ومشارب نرصد‬
‫منهم االقسام التالية‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬هم من آمن بالظاهر ولم يؤمن بالباطن‪ ،‬اقصد انهم امنوا بمشروع النبوة ولم‬
‫يؤمنوا بمشروع االمامة‪ ،‬وهم اصناف فمنهم من امن بالرسول‪ ‬وعنده االمامة امر ال يدخل في‬
‫الس ّنة الذين‬
‫الدين اال من جهة اللفظ‪ُ ،‬فاإلمام عندهم هو الذي يُصلّي بالناس‪ ،‬وهم َعموم اهل ُ‬
‫ْ َ ُ َ ٰ َ ُُ‬ ‫َ ٰ َ َّ َ َ َ َ َّ ُ َ َ ٰ ُ ُ‬
‫ع قلوب ِ ِه ْم َو َس ْمعِ ِه ْم َوأب ْ َصارِهِم ۖ وأولئِك هم‬ ‫يقعون تحت قوله تعالى﴿أولئِك الِين طبع الل‬
‫َْ ُ َ‬
‫الغاف ِلون﴾(((‪ ،‬ومنهم من امن بالرسول‪ ‬وعادى الولي ونصب له العداء فهم النواصب وهم‬
‫ك ف ْالَ َذ ّل َ‬ ‫َّ َّ َ ُ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َ ُ ُ َ َ‬
‫ِني﴾(((‪.‬‬ ‫الذين يشملهم قوله تعالى﴿إِن الِين يادون الل ورسول أولٰئ ِ ِ‬
‫القسم الثاني‪ :‬وهم من آمن بالظاهر والباطن اي بمشروع الرسالة واالمامة وهم مراتب‬
‫اعالهم واولهم «الراسخون في العلم» ثم األنبياء ثم عموم الشيعة وحسب مراتبهم لقول‬
‫الصادق‪«‬شيعتنا مراتب»‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬وهم من امن بالباطن وترك الظاهر‪ ،‬اي امن بالوالية وترك النبوة وهؤالء هم‬
‫«عقالء المجانين»‪ ،‬فهو عاقل النه اقر بالولي‪ ،‬وهو مجنون النه ترك النبي‪ ،‬وهم المشمولين‬
‫ْ َ َ ُّ ْ‬ ‫َّ َ َّ‬ ‫َْ ْ َ َ َ ْ ً‬ ‫ُْ َ ْ َُّ ُ ُ‬
‫ُ‬
‫ادلن َيا َوه ْم‬ ‫ِين َضل َس ْع ُي ُه ْم ِف الياة ِ‬
‫ين أع َمال ؀ ال‬‫س‬‫تعالى﴿قل هل ننبِئكم بِالخ ِ‬ ‫بقوله‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َْ َ ُ َ َ‬
‫(((‬
‫يسبون أنهم يسِنون صنعا﴾‬

‫((( مختصر البصائر‪ /‬باب في نوار مختلفة‪ /‬ح ‪3/246‬‬


‫((( النحل‪108/‬‬
‫((( المجادلة‪20 /‬‬
‫((( الكهف‪104 - 103 /‬‬
‫يلولاو يبنلاب سانلا ةقالع‬ ‫‪69‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬وهم من امن بالظاهر والباطن اي بالنبي والولي اال انهم يستوحشون من‬
‫بعض مقامات الولي الصعبة المستصعبة وهؤالء هم «اهل الباطل من اهل الباطن»‪.‬‬
‫القسم الخامس‪ :‬وهم من امن بالظاهر والباطن اي بالنبي والولي اال انهم يعتقدون من‬
‫طرف خفي ان مقامات الولي ت ُدرك وهم «جهال الحكماء»‪ ،‬فهم حكماءالنهم اقروا بمقامات‬
‫الولي ولم ينكروا منها شيء‪ ،‬اال انهم جهال النهم يتصورون ان هذه المقامات يدركها بعض‬
‫البشر منهم‪.‬‬
‫‪70‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الموازين‬
‫الكثير من الناس يتصورون ان الحساب يوم القيامة هو عبارة عن حساب اعداد السيئات‬
‫والحسنات‪،‬فمن كانت له عشرة حسنات وخمسة سيئات كعدد دخل الجنة‪ ،‬ومن كان له العكس‬
‫دخل النار‪ ،‬ومن تساوت سياته مع حسناته كان من أصحاب األعراف‪ ،‬والمعنى العام لهذا‬
‫التصور هو الشائع‪ ،‬ولكن القرآن يُعطينا تصور اخر لهذا الموضوع من خالل لفظ «الموازين» كما‬
‫امةِ﴾(((‪ ،‬فالحساب ليس حساب اعداد بل حساب‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫في قوله ﴿ َونَ َض ُع ال ْ َم َواز َ‬
‫ين الْق ْس َط ِلَ ْو ِم الْق َي َ‬
‫ِ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُّ ُ ْ ْ َ ُ َ َ ً‬
‫عمال‪ ،‬فمدار الحساب‬
‫ً‬ ‫وزن‪،‬لذلك قال تعالى﴿لِ بلوهم أيهم أحسن عمل﴾ ولم يقل اكثر‬
‫(((‬

‫على نوعية العمل وليس على كميته‪ ،‬فالميزان حساس بل واعي ويعرف قيمة كل عمل صغيرا ً‬
‫كان او كبيرا ً‪ ،‬قليالً او كثيرا ً‪ ،‬فقد توضع فيه حسنة واحدة بنوعية خاصة تطيش معها كل السيئات‪،‬‬
‫وقد توضع سيئة بنوعية خاصة تحرق كل الحسنات وقد قال الرسول الكريم‪«‬الحسد ياكل‬
‫الحسنات كما تاكل النار الحطب»‪.‬‬
‫ولفظة الموازين بصيغة الجمع تجعلني اذهب إلى ان هناك معنى عام وخاص‪ ،‬فالمعنى‬
‫العام هو الوزن الكلي لكل اعمالك وهي النتيجة النهائية للحساب فهو ميزان كلي‪ ،‬والمعنى‬
‫الخاص كون هناك عدة موازين كل له حيثية معينة ومنها‪.‬‬
‫‪ -1‬ميزان العمل‪ :‬وهو المعنى العام للميزان اذ توضع فيه االعمال الحسنة والسيئة‪.‬‬
‫‪ -2‬ميزان الكمية‪ :‬هناك شخص يمتلك مليون دينار وتصدق بدينار واحد‪ ،‬واخر له دينار‬
‫وتصدق بدينار‪ ،‬فكالهما تصدقا بنفس المبلغ‪ ،‬اال ان األول كميته واحد على مليون‪ ،‬واالخر‬
‫كميته واحد على واحد‪ ،‬فيكون ميزان الثاني اثقل من ناحية الكمية‪.‬‬
‫‪ -3‬ميزان الجهة‪ :‬وهو الميزان الذي يحدد هل ان الجهة التي ارتكب من اجلها العمل‬
‫مستحقة‪ ،‬فمثال انت تتصدق ولكن ليس لجهة غير مستحقة كما ورد في الحديث«ال صدقة وذو‬
‫رحم محتاج»‪.‬‬

‫((( األنبياء‪47 /‬‬


‫((( الكهف‪7 /‬‬
‫نيزاوملا‬ ‫‪71‬‬

‫‪ -4‬ميزان الكيفية‪ :‬وهو الميزان الذي يزن هل ان العمل سري ام علني كما ورد في‬
‫لحديث«الصدقة في السر تطفئ غضب الرب»‪.‬‬
‫‪ -5‬ميزان الوقت‪ :‬وهو الميزان الذي يقاس فيه زمن العمل‪ ،‬فمثال التصدق في يوم المجاعة‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫(((‬
‫ليس كالتصدق في ايام اليسر﴿أو إِطعام ِف يو ٍم ذِي مسغب ٍة﴾‬
‫‪ -6‬ميزان النية‪ :‬وهو من اخطر الموازين وعليه مدار كل العمل اذ يوزن فيه هل العمل لوجه‬
‫اللَّه ام هو رياء للناس ام هو عادة ام اضطرار وهكذا‪.‬‬
‫‪ -7‬ميزان الرتبة‪ :‬وهو الميزان الذي يتم من خالله وزن العمل قياساً برتبة صاحبه‪ ،‬فمثالً من‬
‫يترك صالة الليل من عموم الناس ال يحاسب النها اصالً استحباباً لعامة الناس‪ ،‬اما خواص الناس‬
‫فيحاسبون عليها الن رتبتهم اعلى لذلك ورد في الحديث «حسنات األبرار سيئات لمقربين»‪.‬‬
‫‪ -8‬ميزان العقيدة‪ :‬وهو ميزان خطير جدا ً وربما هو اخر الموازين‪ ،‬فالشيعي مثالً تتساقط‬
‫كل ذنوبه في هذا الميزان ان كانت عقيدته صحيحة كما ورد في الحديث «حب علي حسنة ال‬
‫يضر معها سيئة»‪.‬‬
‫‪ -10‬ميزان الصورة‪ :‬فكل عمل له صورته الخاصة فعمل الخير صورته النور‪ ،‬وعمل الشر‬
‫صورته الظالم‪ ،‬والنتيجة النهائية لهذا الميزان هو تجسم االعمال‪ ،‬فيكون شكل صاحب االعمال‬
‫هو نفس صورة اعماله‪.‬‬
‫وبصورة عامة موازين الدنيا تزن وتقيس شيء واحد‪،‬فمثال تقيس الثقل فقط‪ ،‬او الطول فقط‪،‬‬
‫او الحرارة فقط‪ ،‬او القيمة فقط‪ ،‬اما موازين االخرة فهي مفهوم يُعرف به كم الشيء وصفته ونوعه‬
‫وجنسه وجوهره وعرضه وحدوده وجهاته ويعلم به رجحانه من عدمه‪ ،‬وإذا اردت القول الفصب‬
‫فالميزان هو الولي‪.‬‬

‫((( البلد‪14/‬‬
‫‪72‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫نظرة في �أ�شكال التدين‬

‫موضوع التدين تاريخياً يسير باتجاه غاية عظمى ستفصح عن نفسها إذا عرفنا كيف نُف ّرق‬
‫بين انواع التدين‪ ،‬وفي رأيي التدين ثالثة انواع‪« ،‬تدين طقسي» و«تدين عملي» و«تدين فكر‬
‫وتأمل»‪ ،‬ويمكن ان اوجز الكالم في هذه االنواع حسب الجدول التالي‪.‬‬

‫تدين فكر وتأمل‬ ‫تدين عملي‬ ‫تدين طقسي‬

‫مــعــامــات وعــاقــات مع تــامــل وتفكر فــي اآليــات‬ ‫عبادات وشعائر‬


‫الناس«العلم يهتف بالعمل االنفسية واآلفاقية‬
‫واال ارتحل»‬

‫تكليف فكري‬ ‫تكليف عملي‬ ‫تكليف ظاهري‬

‫موضوع دنيوي‬ ‫موضوع دنيوي‬ ‫موضوع دنيوي‬

‫يتغير فــي زمــن القائم‪ ‬يتغير في زمن القائم‪ ‬وينتهي هو الغاية في دولة العدل وفي‬
‫وينتهي عند دخولهم الجنة عند دخولهم الجنة«يوم يغني الجنة «من عرف نفسه عرف‬
‫ربه»‬ ‫فيكون تكليفهم عين نعيمهم اللَّه كل من سعته»‬
‫�����������‬ ‫‪73‬‬

‫م�صر ومنبرها‬
‫عن عباية االسدي قال‪ :‬سمعت أمير المؤمنين صلى اللَّه عليه واله وهو «مشتكي»((( وانا‬
‫قائم عليه‪« ،‬البنين بمصر منبراً‪ ،‬والنقضن دمشق حجراً حجرا‪ ،‬والخرجن اليهود والنصارى من‬
‫كل كور العرب‪ ،‬والسوقن العرب بعصاي هذه»‪ .‬قال‪ :‬قلت له‪ :‬يا أمير المؤمنين كأنك تخبر انك‬
‫تحيى بعدما تموت‪ .‬قال«هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني»(((‪.‬‬
‫عن اإلمام علي‪«‬ويسير الصديق االكبر براية الهدى والسيف ذو الفقار والمخصرة‪.........‬‬
‫ثم يسير إلى مصر فيعلو منبره ويخطب الناس فتستبشر األرض بالعدل»(((‪.‬‬
‫لقد اعتمد جملة من الباحثين على هذه الروايات وامثالها في اعالء شأن مصر في احداث‬
‫اخر الزمان‪ ،‬النهم يفهمون منها ان اإلمام المهدي‪ ‬سيبني في مصر منبرا ً‪ ،‬وفهموا من لفظ‬
‫المنبر انه سيكون لمصر دور اعالمي كبير في احداث الظهور‪.‬‬
‫ولو تابعت سياق الكالم في خطبة المخزون لرأيت ان المعني بها هو شخص اإلمام علي‪‬‬
‫النه هو «الصديق االكبر» اي هو الذي يسير إلى مصر فيعلوا منبره‪ ،‬واعتقد ان استنتاج الشيخ‬
‫الصدوق صحيح كون اإلمام علي‪ ‬اتقى عباية كما في الحديث األول الن عباية وامثاله ال‬
‫يتحملون موضوع الرجعة‪ ،‬الن اجواء كال الحديثين ال تشيران إلى حدث سيقع قبل القائم‪‬‬
‫وال حتى بعده بقليل بل كال الحديثين يتحدثان عن احداث ستجري في زمن رجعة اإلمام‬
‫علي‪ ‬وهي بعد القائم‪ ‬بكثير‪.‬‬
‫والمتابع لألحاديث من مصادرها سيجد ان اقدم رواية لموضوع منبر مصر في كتاب معاني‬
‫االخبار للصدوق ولكن فيها عبارة تقلب ما يذهب اليه البعض رأساً على عقب‪.‬‬

‫((( لعل اللفظة هي «متكئ» من االتكاء‪ ،‬وتؤيده العبارة التي تليها «وانا قائم عليه»‪ ،‬وفي مكيال المكارم ‪ /1‬ورد‪ 146‬بلفظ‬
‫«وهو مشتكي»‬
‫((( بحار األنوار‪ /‬ج‪ /53‬ح‪ /47‬ص ‪60 - 59‬‬

‫ويذكر المجلسي قول الصدوق عن الحديث‪ ،‬قال الصدوق ان أمير المؤمنين ‪ ‬اتقى عباية االسدي في هذا الحديث واتقى‬
‫ابن الكواء في الحديث األول النهما كانا غير محتملين السرار ال محمد ‪‬‬
‫((( خطبة المخزون ألمير المؤمنين ‪‬‬
‫‪74‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫عن عباية االسدي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أمير المؤمنين ‪ ‬وهو «مسجل»((( وانا قائم عليه«آلتين‬
‫مصر مبيرا‪ ،‬والنقضن دمشق حجراً حجرا‪ ،‬والخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب‪،‬‬
‫والسوقن العرب بعصاي هذه»‪ .‬قال‪ :‬قلت له‪ :‬يا أمير المؤمنين كأنك تخبرنا أنك تحيي بعد‬
‫موت‪ ،‬فقال«هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يعقله((( رجل مني»(((‪.‬‬
‫وكما تالحظ الفرق كبير في المعنى بين عبارة حديث المجلسي«البنين بمصر منبراً» التي‬
‫يعتقد الباحثين انها تدل على صدارة اعالمية لمصر‪،‬وعبارة حديث الصدوق «آلتين مصر مبيرا»‬
‫التي تدل على خرابها‪ ،‬وفي رأيي القاصر ان عبارة «آلتين مصر مبيرا» هي االصح النها تتفق مع‬
‫معاني الحديث كون اإلمام علي‪ ‬سينقض دمشق حجرا حجرا ويخرج اليهود والنصارى من‬
‫كل كور العرب ويسوق العرب بعصاه فيكون بيار مصر من جملة هذا الدمار‪ ،‬ومعنى العبارة كما‬
‫افهم انه ‪ ‬يجعل مصر ارضاً بورا ً كما هو حال الشام‪ ،‬كما تقول هذه ارض بائرة‪ ،‬او بضائعة‬
‫بائرة كاسدة ال رواج لها‪ ،‬والسوق التي ال بيع فيها وال شراء تسمى سوق بائرة‪ ،‬والبنت البائر التي‬
‫لم تتزوج‪ ،‬والعمل البائر هو الذي لم تتحقق نتيجته‪ ،‬وبار الشيء اي هلك‪ ،‬وتؤيد المعنى جملة‬
‫من االخبار التي تدل على ان مصر ال تسلم من الخراب قبل الظهور بقليل وبعده ومنها الرايات‬
‫الصفر التي تجتاحها كما ورد في االخبار ان مصر «تفت كما تفت البعرة»(((‪.‬‬
‫وحتى لو كانت عبارة «البنين بمصر منبراً» هي الصحيحة فليس في سياق الكالم شيء يدل‬
‫على ان مصر ستصبح مركزا ً اعالمياً‪ ،‬فليس كل منبر يرتقوه ‪ ‬معناه ان ذلك المكان اصبحت له‬
‫خصيصة اعالمية دون غيره‪ ،‬علماً ان كل األحاديث الواردة عن اهل بيت العصمة عليهم افضل‬
‫الصالة والسالم تؤكد ان الصدارة الدينية والسياسية واالعالمية والقيادية للعالم في زمن الظهور‬
‫هو للكوفة بالذات وليس لغيرها‪.‬‬

‫((( لعل اللفظ هو «مسجى» اي متمدد بهيئة النائم وليس «مسجل» وقد وردت هذه اللفظة في األحاديث بعدة صيغ منها‬
‫«مشتكي» ومنها «مشتمل»‬
‫((( في نسخة البحار «يفعله» بدل «يعقله»‬
‫((( معاني االخبار‪ /‬الشيخ الصدوق‪ /‬نوادر المعاني‪ /‬ح ‪ /82‬ص ‪406‬‬
‫((( عن كعب«ليوشكن العراق يُعرك عرك االديم‪ ،‬ويشق الشام شق الشعر‪ ،‬وتفت مصر فت البعرة‪ ،‬فعندها ينزل االمر» المالحم‬
‫والفتن‪ /‬ابن حماد‪569 /‬‬
‫�������������������‬ ‫‪75‬‬

‫�صاحب كتاب المفاج�أة‬


‫جاء في كتاب «المفاجأة بشراك يا قدس» للباحث «محمد عيسى داود» مجموعة من‬
‫االخبار ينقلها من مخطوطات تخص احداث اخر الزمان ينسبها إلى الجفر العلوي‪،‬‬
‫ويقول«ومن العالمات او المقدمات الحتمية زوال ُملك آل قارون بغتة وسماها صاحب‬
‫المخطوط «آل قارون» كما سماهم «اخوة قارون» يملكون ذهباً ليس باألصفر وال االحمر وال‬
‫االبيض خزائنهم منه تنوء بالعصبة اولي القوة ومن يناطحهم فيه يقولون مقالة قارون «انما اوتيته‬
‫على علم عندي» وهذه العبارة القارونية هي شعار قبيلتين سماهما المخطوط «آل حابص» و‬
‫«آل دوعس»(((‪.‬‬
‫ويورد في نفس الكتاب خبر اخر ينسبه إلى جفر اإلمام الصادق‪ ‬حول نفس الموضوع اال‬
‫انه هنا يسميهم «آل حاصب» و «آل دوسع»‬
‫يقول«ومما جاء في جفر موالنا جعفر الصادق رضي اللَّه عنه من مقدمات وارهاصات‬
‫اقتراب عهد المهدي ‪‬‬
‫«‪ .....‬ال يخرج المهدي على ما شاء اللَّه وهو ف ّعال لما يُريد إال إذا ملك قبيلتان من آل‬
‫قارون بايديهم كنوز خزائنها تنوء بالعصبة اولي القوة كلها ذهب ثقيل المتاعب غزير المطالب‬
‫يأتيه كما قال أمير المؤمنين علي اهل الشرق واهل المغارب والقبيلتان والمقبلون يقتسمانه ما‬
‫بين سالب وناهب وال يناله الغالب يقوم عليه شرار خلق اللَّه فمن ناطحهم مفاتيحه واجهوه‬
‫بمقالة اخيهم قارون «انما اوتيته على علم عندي» فمنهم «آل قارون» ومنهم «اخوة قارون»‬
‫وكلهم لهذا منكرون وكل الملوك في هذا الكنز طامعون حتى مارق اليهود وتاج رؤوسهم‬
‫الملعون وال يقوم المهدي اال بمطمع وفتن كالليل المظلم يظلم ليل «آل حاصب» حتى يغدو ال‬
‫صبح لهم ويختلف «آل دوسع» فيما بينهم فيقع ملكهم وقوع فخارة من يد ساه اله فيزول بغتة‬
‫(((‬
‫عنهم ويتشتت امرهم فال سعود لهم‪»........‬‬

‫((( المفاجأة بشراك يا قدس‪ /‬محمد عيسى داود‪ /‬ط‪ /1‬دار المحبين ‪ /‬ص ‪247‬‬
‫((( المفاجأة بشراك يا قدس‪ /‬محمد عيسى داود‪ /‬ط‪ /1‬دار المحبين ‪ /‬ص ‪247‬‬
‫‪76‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ولو دققت في اسم هاتين القبيلتين«آل حاصب» و «آل دوسع»‪ ،‬وجعلت الحرف الثالث‬
‫مكان الرابع لكانت «آل حابص» و «آل دوعس»‪ ،‬وقراءت العبارة من اليسار إلى اليمين لكانت‬
‫كالتالي «آل سعود» و «آل صباح»‪ ،‬وهم المعروفين حاليا بحكام السعودية المنتسبين لجدهم‬
‫سعود وحكام الكويت المنتسبين لجدهم صباح‪ ،‬والذهب الذي يملكونه حاليا الذي وصفه‬
‫الخبر بانه ليس باصفر وال احمر وال ابيض هو النفط الذي هو مصدر ثروتهم‪ ،‬وسماهم الخبر‬
‫َّ َ ُ َ‬
‫ارون‬ ‫«آل قارون» و «اخوة قارون» الن قارون امتلك من الكنوز كما يقول عنه القرآن الكريم﴿إِن ق‬
‫ُْ‬ ‫ُْ ْ َ ُ‬ ‫َ ْ ُ َ ٰ ََ َٰ َ َْ ْ َ ََْ ُ َ ْ ُ‬
‫ول الق َّوة ِ﴾(((‪،‬‬ ‫ك ُنوز َما إ َّن َم َف ِ َ ُ َ َ ُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫كن مِن قو ِم موس فبغ علي ِهم ۖ وآتيناه مِن ال‬
‫اته ل ُنوء بِالع َصبةِ ْأ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ع عِل ٍم عِندِي ۚ﴾(((‪،‬‬ ‫وهم يعتبرونه حق ثابت لهم كما وصف اللَّه قارون بقوله﴿قَ َال إ َّن َما أوت ُ‬
‫ِيت ُه َ ٰ‬ ‫ِ‬
‫والخبر فيه الكثير من النقاط التي تشابه ما جاء في الماثور الروائي عن آل محمد‪ ‬عن كيفية‬
‫انهيار ُملك الحجاز الذي يتزامن مع ظهور اإلمام المهدي((( وان ملكهم ينتهي بغتة كانكسار‬
‫(((‬
‫فخارة سقطت من يد رجل ساه‬
‫لكن الغريب ان صاحب كتاب «المفاجئة» في كتابه يمدح كثيرا حكام الحجاز ويعتبرهم‬
‫في خدمة اإلسالم ولم ينتبه للمعنى الذي يذكره هذا الخبر الذي ينقله هو‪ ،‬فالخبر يذمهم اشد‬
‫الذم لذلك يمكن القول ان هذا الخبر هو عبارة عن «مفاجئة تفاجئ صاحب كتاب المفاجئة»(((‪.‬‬

‫((( القصص‪76 /‬‬


‫((( القصص‪78 /‬‬
‫((( عن أبي جعفر‪«‬إذا اختلف بنو فالن فيما بينهم فعند ذلك فانتظروا الفرج وليس فرجكم إال في اختالف بني فالن فإذا‬
‫اختلفوا فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم ‪ ‬ان اللَّه يفعل ما يشاء ولن يخرج القائم وال ترون ما تحبون‬
‫حتى يختلف بنو فالن فيما بينهم فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم واختلفت الكلمة وخرج السفياني» غيبة النعماني‪/‬‬
‫باب ‪ /14‬ح‪17‬‬
‫((( عن ابي جعفر محمد بن علي ‪«‬ان ذهاب ملك بني فالن كقصع الفخار‪ ،‬وكرجل كانت في يده فخّارة وهو يمشي إذ‬
‫سقطت من يده وهو ساه عنها فانكسرت‪ ،‬فقال حين سقطت‪ :‬هاه «شبه الفزع» فذهاب ملكهم هكذا أغفل ما كانوا عن‬
‫ذهابه» غيبة النعماني‪ /‬باب‪ /14‬ح‪13‬‬
‫((( يقول محمد عيسى داود«والحقيقة واللَّه شاهدي انني احب االمير عبد اللَّه بن عبد العزيز وارى فيه الغيره الصادقة والوطنية‬
‫المخلصة» المفاجئة بشراك يا قدس‪/‬ط‪ /1‬دار المحبين‪ /‬ص ‪393‬‬

‫هكذا عندما يتكلم عن حكام الحجاز يمدحهم باجمل االلقاب اما عندما يتحدث عن المهدي ‪ ‬فانظر مإذا يقول «وال يمنع‬
‫مطلقا ان يكون المهدي له سابق غفلة وصدود ومواطن غواية فينقله اللَّه لنقاء قلبه وصدق اضماره وحبه للمصطفى‪‬‬
‫ولفرط اشفاقه على امته ينقله اللَّه إلى منازل الهداية ومن ظلمات المخالفة والعصيان إلى انهار الخير والرضوان‪».....‬‬
‫المفاجأة بشراك يا قدس‪ /‬محمد عيسى داود‪ /‬ط‪ /1‬دار المحبين ‪ /‬ص ‪103‬‬
‫ديدجلا يمالسإلا ميوقتلا‬ ‫‪77‬‬

‫التقويم الإ�سالمي الجديد‬


‫روي عن النبي‪ ‬قال«ان في العشر بعد ستمائة الجرح والقتل وتملئ األرض ظلما وجورا‪،‬‬
‫وفي العشرين بعدها يقع موت العلماء وال يبقى الرجل بعد الرجل‪ ،‬وفي الثالثين ينقص النيل‬
‫والفرات حتى يزرع الناس شطهما‪ ،‬وفي االربعين بعدها تمطر السماء الحجر كامثال البيض‬
‫فيهلك فيها البهائم‪ ،‬وفي الخمسين بعدها تُسلط عليهم السباع‪ ،‬وفي الستين بعدها تنكسف‬
‫الشمس فيموت نصف الجن واالنس‪ ،‬وفي السبعين بعدها ال يولد المؤمن من المؤمن‪ ،‬وفي‬
‫الثمانين تصير النساء كالبهم‪ ،‬وفي التسعين بعدها تخرج دابة األرض ومعها عصا ادم وخاتم‬
‫سليمان‪ ،‬وفي السبعمائة تطلع الشمس سوداء مظلمة‪ ،‬وتسالوا((( عما ورائها»(((‪.‬‬
‫وفي خبر آخر«سنة ثمانين وستمائة تظهر امرأة يقال لها سعيدة مع لحية وسبال(((مثل الرجال‪،‬‬
‫تاتي من الصعيد في مائتي الف عنان وتسير إلى العراق»‪ ،‬وهذه قصة طويلة عظيمة ما ذكرتها‪،‬‬
‫«وفي سنة سبع وثمانين وستمائة يظهر من الروم رجل يقال له المزيد في سبعمائة قنطارية «وهي‬
‫علم» على كل قنطارية صليب‪ ،‬تحت كل صليب الف فارس افرنجي ونصراني «وهذه قصة‬
‫عظيمة طويلة» وفي زمانه يخرج اليه رجل من مكة يقال له سفيان بن حرب»(((‪.‬‬

‫((( في جوامع الكلم لالحسائي «وال تسالوا عما وراءها»‬


‫((( جامع االخبار او معارج اليقين في اصول الدين‪ /‬الشيخ محمد بن محمد السبزواري من اعالم القرن السابع الهجري‪/‬‬
‫تحقيق عالء ال جعفر‪ /‬الفصل الثاني والمائة في المالحم ‪ /‬ح«‪ /»2/1101‬ص ‪397‬‬
‫((( السبلة‪ :‬ما فوق الشفة من الشعر‪ ،‬او هي طرف الشارب من الشعر‪ ،‬فهنا تعني شعر الشارب اي لها لحية وشوارب‬
‫((( جامع االخبار او معارج اليقين في اصول الدين‪ /‬الشيخ محمد بن محمد السبزواري من اعالم القرن السابع الهجري‪/‬‬
‫تحقيق عالء ال جعفر‪ /‬الفصل الثاني والمائة في المالحم ‪ /‬ح«‪ /»3/1102‬ص ‪397‬‬
‫‪78‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وبالجمع بين الخبرين ينتج الجدول التالي‪:‬‬


‫الجرح والقتل وتملئ األرض ظلما وجورا‬ ‫‪610 - 600‬‬
‫يقع موت العلماء وال يبقى الرجل بعد الرجل‬ ‫‪620 - 610‬‬
‫ينقص النيل والفرات حتى يزرع الناس شطهما‬ ‫‪630 - 620‬‬
‫تمطر السماء الحجر كامثال البيض فيهلك فيها‬ ‫‪640 - 630‬‬
‫البهائم‬
‫تسلط عليم السباع‬ ‫‪650 - 640‬‬
‫تنكسف الشمس فيموت نصف الجن واالنس‬ ‫‪660 - 650‬‬
‫ال يولد المؤمن من المؤمن‬ ‫‪670 - 660‬‬
‫ظهور سعيدة‪ /‬ظهور‬ ‫تصير النساء كالبهم‬ ‫‪680 - 670‬‬
‫الروم‬
‫تخرج دابة األرض ومعها عصا آدم وحاتم سليمان‬ ‫‪690 - 680‬‬
‫تطلع الشمس سوداء مظلمة‬ ‫‪700 - 690‬‬

‫هذا الخبر من ُمعضالت االخبار‪ ،‬ولم يرد على قدر اطالعي إال في كتاب «جامع االخبار»‪،‬‬
‫ووجدته ايضا في كتاب جوامع الكلم للشيخ احمد االحسائي وهو ينقله ايضا من كتاب جامع‬
‫االخبار(((‪ ،‬وال يذكر صاحب كتاب «جامع االخبار» المصدر الذي ينقل منه‪.‬‬
‫ولعل اول ما يجول في الخاطر عند قراءة الحديث ان الزمن الذي يتحدث عنه هو التقويم‬
‫الهجري المعروف عندنا حالياً‪ ،‬النه يذكر وقائع تحدث ما بين سنة «‪ »700 - 600‬اي وقائع‬
‫القرن السابع الهجري‪ ،‬ولو تابعت التاريخ اإلسالمي ال تجد هكذا وقائع حدثت في القرن‬
‫السابع الهجري وخصوصاً ان الحديث يذكر احداث جسيمة مثل خروج دابة األرض وموت‬
‫نصف الجن واالنس وغيرها بل لم تحدث وال واحدة منها لحد االن‪ ،‬بل لم تحدث حتى بعد‬
‫هذا التاريخ ونحن نعيش حاليا في القرن الخامس عشر الهجري‪.‬‬

‫((( راجع كتاب جوامع الكلم‪ /‬الشيخ االحسائي‪/‬ج‪ /5‬رسالة في العصمة والرجعة‪ /‬ص ‪288‬ــ ‪ /289‬مطبعة الغدير‬
‫ديدجلا يمالسإلا ميوقتلا‬ ‫‪79‬‬

‫ولعل االغلب ينكر مثل هذه االخبار‪ ،‬واحسنهم حاالً من يقول عنها ُمظطربة‪ ،‬وال يمكن‬
‫ان نلوم احد إذا كانت هذه قناعته لعدم وجود مصداق تاريخي ينطبق على معلومات الخبر‬
‫وخصوصا انه يتحدث عن فترة مضت‪ ،‬ومن غير المعقول ان هكذا احداث جسيمة تقع في‬
‫تاريخ المسلمين بل في تاريخ البشرية وال يوثقها احد‪ ،‬فيكون انكار مثل هذه األحاديث امر‬
‫متوقع‪ ،‬والذي اراه ان اي خبر ال تجد له مصداق تاريخي او انطباق مع الواقع ال يجب تكذيبه‪،‬‬
‫بل يجب تأويله‪ ،‬والتأويل ليس امر هين فهو بحاجة لقرائن قوية لالثبات‪ ،‬ويمكن الولوج لفهم‬
‫اجواء الخبر من خالل االحتمالين التاليين‪:‬‬
‫االحتمال األول‪ :‬هو ان هذا الخبر يتحدث عن احداث ستقع بعد االلف الهجري األول‬
‫اي اعتبارا من«‪ »1600‬لغاية «‪ »1700‬هجري‪ ،‬فبدال من ان يقول الف وستمائة وعشرة‪ ،‬حذف‬
‫آالف وقال «العشر بعد الستمائة»‪ ،‬وبما اننا نعيش حاليا في سنة « ‪ » # 1 438‬فيكون بيننا وبين‬
‫تحقق هذ األحداث في المستقبل‬
‫‪ 162 =1438 – 1600‬سنة‬
‫وهذا االحتمال عندي ضعيف الن الخبر ال يذكر ظهور اإلمام المهدي‪ ‬من جملة‬
‫األحداث مما يجعل ظهور دابة األرض قبل المهدي‪ ‬وهذا خالف األحاديث‪.‬‬
‫االحتمال الثاني‪ :‬وهو الراجح عندي‪ ،‬من خالل القول انه بعد ظهور اإلمام المهدي‪ ‬ينتهي‬
‫العمل بالتقويم الهجري الحالي ويبدأ تقويم جديد يبدأ من يوم ظهور القائم‪ ،‬وخصوصاً ان‬
‫األحاديث تذكر ان اإلمام المهدي‪ ‬سيأتي بجملة من االشياء الجديدة منها «بكتاب جديد‬
‫على العرب شديد»(((‪ ،‬والبد ان مشروع خالفة اللَّه على األرض يبدأ بتقويم خاص الذي هو‬
‫نفسه تقويم يوم الرجعة‪.‬‬
‫وبهذا يكون الخبر مورد الكالم يتحدث عن احداث ستقع بعد خروج اإلمام المهدي‪‬‬
‫بستمائة عام‪ ،‬اي الخبر يتحدث عن احداث القرن السابع بعد خروج اإلمام المهدي‪ ‬وكلها‬
‫من احداث الرجعة‪.‬‬
‫والسبب الذي يجعلني اميل لهذا التصور كون كل األحداث التي يذكرها الخبر لو راجعت‬
‫مرويات آل محمد‪ ‬لرأيت اغلبها بعد ظهور القائم‪ ‬بكثير وخصوصاً ظهور دابة األرض‬

‫((( عن ابي جعفر‪«‬يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وبقضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه اال السيف ال يستتيب‬
‫احد وال ياخذه في اللَّه لومة الئم»‪ .‬الغيبة‪ /‬النعماني‪ /‬ص ‪145‬‬
‫‪80‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫والفعاليات التي ستجري على الشمس‪ ،‬وساتابع الموضوع من خالل االحتمال الثاني‪.‬‬
‫لقد ذكرت في كتابي «حدث وحديث» تصوري األولي حول احداث ما بعد ظهور اإلمام‬
‫المهدي‪ ،‬وذكرت في الكتاب ان هذه الفترة طويلة جدا ً النها ستتداخل بشكل كلي مع يوم‬
‫الرجعة الذي هو يوم طويل جدا ً اللف سنة مما تعدون‪ ،‬عن اإلمام الصادق‪«‬أيام اللَّه المرجوة‬
‫ثالثة‪ ،‬يوم قيام القائم‪ ،‬ويوم الك ّرة‪ ،‬ويوم القيامة»(((‪ ،‬وذكرت ان اإلمام المهدي‪ ‬سيموت بعد ان‬
‫يحكم «‪ »19‬سنة ويكون الذي يدفنه اإلمام الحسين‪ ،‬وبعدها تأتي خمسين سنة‪ ،‬كما مذكور‬
‫في األحاديث التالية‪.‬‬
‫عن جابر قال‪ :‬سمعت ابا جعفر‪ ‬يقول«واللَّه ليملكن رجل منا أهل البيت األرض بعد‬
‫موته ثالثمائة سنة ويزداد تسعة»‪.‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فمتى ذلك؟ قال«بعد موت القائم»‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وكم‬
‫يقوم القائم في عالمه حتى يموت؟ قال«تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى موته»‪ .‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫فيكون بعد موته هرج؟ قال«نعم خمسين سنة»(((‪.‬‬
‫عن أبي عبد اللَّه ‪« :‬من حديث طويل‪ .....‬قال‪ :‬إذا جاء الحجة الموت فيكون الذي‬
‫يغسله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي ‪ ‬وال يلي الوصي إال الوصي»(((‪.‬‬
‫وعلى موجب هذا التصور اعتقد ان احداث ما بعد ظهور القائم تمر بثالث مراحل مهمة‬
‫هي كالتالي‪:‬‬
‫اوالً‪ :‬فترة حكم القائم‪ ‬األولى وما سيحدث فيها‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الخمسون سنة هرج وما سيحدث فيها‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬احداث الرجعة وما سيحدث فيها‪.‬‬
‫وحسب هذا التصور فان األحداث التي يذكرها الخبر مورد البحث ستكون بعد ستمائة سنة‬
‫او اقل بقليل من ظهور القائم‪ ،‬وبالتالي فالسؤال واضح مإذا سيحدث في هذه الستمائة سنة‬
‫بعد القائم‪.‬‬

‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /7‬ص ‪ /178‬ح ‪ 4‬كذلك تأويل اآليات‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪ /576‬ح‪3‬‬
‫((( تفسير العياشي‪ :‬ج‪/2‬سورة الكهف‪ /‬ح ‪ /24‬ص ‪ 452‬كذلك اإلمام المهدي‪ ‬في بحار األنوار‪ /‬ج‪ /2‬باب‪ /29‬الرجعة‪/‬‬
‫ح ‪ /122‬ص ‪،596‬‬

‫وقد ورد نفس الحديث في مختصر البصائر‪/‬عز الدين الحلي‪/‬أحاديث في الرجعة من غير طريق سعد«‪ .»42/142‬والغيبة‪/‬‬
‫النعماني‪ /‬باب‪ /26‬ح ‪ ،3‬وغيبة الطوسي ‪ /‬ح ‪ 505‬اال انه ال يذكر فترة الخمسين سنة فيه‪.‬‬
‫((( مختصر البصائر‪/‬عز الدين الحلي‪.‬‬
‫ديدجلا يمالسإلا ميوقتلا‬ ‫‪81‬‬

‫ولقد ذكرت في كتابي «حدث وحديث» أن تسلسل األحداث بعد ظهور القائم‪ ‬ليس امرا ً‬
‫هيناً لتداخل جملة من األحداث مع بعضها‪ ،‬ولكن األحاديث تذكر ان اإلمام الحسين ‪ ‬يحكم‬
‫بعد القائم‪ ‬فترة «‪ »309‬سنة‪.‬‬
‫عن ابي جعفر‪ ‬قال «ثم يخرج المنصور إلى الدنيا فيطلب بدمه ودم أصحابه فيقتل ويسبي‬
‫حتى يقال‪ :‬لو كان ذا من ذرية األنبياء ما قتل الناس كل هذا القتل‪ ،‬فيجتمع الناس عليه ابيضهم‬
‫واسودهم فيكثرون عليه حتى يلجؤنه إلى حرم اللَّه فإذا اشتد البالء عليه مات المنتصر وخرج‬
‫السفاح إلى الدنيا غضبا للمنتصر فيقتل كل عدو لنا جائر ويملك األرض كلها ويصلح اللَّه له‬
‫امره ويعيش ثالثمائة سنة ويزداد تسعاً»‪،‬‬
‫ثم قال ابو جعفر‪«‬يا جابر وهل تدري من المنتصر والسفاح؟ يا جابر المنتصر الحسين‬
‫والسفاح أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليهم اجمعين»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإذا جمعنا فترة حكم القائم‪ ‬البالغة «‪ »19‬سنة مع فترة الهرج البالغة «‪ »50‬سنة مع فترة‬
‫حكم اإلمام الحسين‪ ‬البالغة«‪ »309‬سنة يكون المجموع«‪ »378‬سنة‪ ،‬فتكون هذه احداث‬
‫القرون األربعة األولى من احداث الرجعة‪ ،‬وبما ان الروايات تشير إلى ان اإلمام علي‪ ‬سيرجع‬
‫ويُقتل ايضا‪ ،‬فربما تكون احداث القرون الخامس والسادس هي حادث رجعة اإلمام علي‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬وهنا يمكن ان نضع احداث القرن السابع «‪ »700 - 600‬بعدها كما ورد في الخبر‬
‫محل البحث‪ ،‬اذ الخبر يبيدأ بعبارة مهمة وهي«ان في العشر بعد ستمائة الجرح والقتل وتملئ‬
‫األرض ظلما وجورا» وفي العشرين بعدها يقع موت العلماء وال يبقى الرجل بعد الرجل‪ ،‬وفي‬
‫الثالثين ينقص النيل والفرات حتى يزرع الناس شطهما‪ ،‬وفي االربعين بعدها تمطر السماء‬
‫الحجر كامثال البيض فيهلك فيها البهائم‪ ،‬وفي الخمسين بعدها تُسلط عليم السباع‪ ،‬وفي الستين‬
‫بعدها تنكسف الشمس فيموت نصف الجن واالنس‪ ،‬وفي السبعين بعدها ال يولد المؤمن من‬
‫المؤمن‪ ،‬وفي الثمانين تصير النساء كالبهم‪ ،‬وفي التسعين بعدها تخرج دابة األرض ومعها عصا‬
‫آدم وخاتم سليمان‪ ،‬وفي السبعمائة تطلع الشمس سوداء مظلمة‪ ،‬وتسالوا عما ورائها»‪ ،‬وكلها‬
‫احداث تشير إلى عملية خراب متسلسلة تهلك فيها الخالئق‪ ،‬وربما عملية الجفاف وموت‬
‫البهائم والمطر الغريب وموت نصف الجن واالنس كلها تشير إلى تغير النظام الفلكي لألرض‬
‫والتي سيرافقها جملة من الفعاليات الطبيعية المتطرفة‪ ،‬اما عبارة«تُسلط عليم السباع» فربما هي‬

‫((( تفسير العياشي‪ :‬ج‪/2‬سورة الكهف‪ /‬ح ‪ /24‬ص ‪ 452‬كذلك اإلمام المهدي‪ ‬في بحار األنوار‪ /‬ج‪ /2‬باب‪ /29‬الرجعة‪/‬‬
‫ح ‪ /122‬ص ‪596‬‬
‫‪82‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫دالة على خروج يأجوج ومأجوج‪،‬اما عبارة«وفي الثمانين تصير النساء كالبهم» والتي تقابلها‬
‫عبارة الخبر الثاني«سنة ثمانين وستمائة تظهر امرأة يقال لها سعيدة مع لحية وسبال مثل الرجال‪،‬‬
‫تاتي من الصعيد في مائتي الف عنا وتسير إلى العراق»‪ ،‬فهما عبارتين مترابطتين اذ لطالما ذكرت‬
‫المرويات عالمات االنحالل األخالقي في اخر الزمان ومنها «تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء‬
‫بالرجال» فربما تكون للنساء في ذلك الزمان سطوة وسلطة تمكنها من قيادة الجيوش وتعطينا‬
‫الخطبة اللؤلؤية لإلمام علي‪ ‬مقطع من هذا الحدث عن أمير المؤمنين‪«‬تظهر في الصعيد‬
‫امرأة يقال لها سعيدة ولها لحية وسبال‪ ،‬وتظهر في ثمانين الف عنان‪ ،‬واكثر اتباعها من بني تميم‪،‬‬
‫فتسير إلى ان تبلغ العراق وتنحدر إلى الرحبة ثم إلى االنبار والعراق‪ ،‬وتصير إلى موضع يقال له‬
‫القنطرة العتيقة‪ ،‬فيقتل بها مقتلة عظيمة‪ ،‬وينشر لها على شاطئ دجلة اربعمائة علم احمر عند‬
‫الزوراء التي مرت بها أجمة‪ ،(((».........‬واحدث الرجعة بصورة عامة كما افهم من الروايات‬
‫تنتهي بظهور دابة األرض وطلوع الشمس من مغربها وهذا ما انتهت به عبارات الخبر«وفي‬
‫التسعين بعدها تخرج دابة األرض ومعها عصا آدم وخاتم سليمان‪ ،‬وفي السبعمائة تطلع الشمس‬
‫سوداء مظلمة‪ ،‬وتسالوا عما ورائها» وقد جاء في المرويات ان دابة األرض وطلوع الشمس‬
‫من مغربها ايتان متالزمتنان ايهما حدثت تاتي االخرى على اثرها‪ ،‬النه بعد طلوع الشمس من‬
‫مغربها يغلق باب التوبة ويبدأ الحساب وسيتم وسم الناس عن طريق دابة األرض «هذا مؤمن‬
‫وهذا كافر»‪ ،‬وهذه األحداث كلها متصورة الن يوم الرجعة يوم طويل وهو بالف سنة مما تعدون‪.‬‬

‫((( الخطب النادرة ألمير المؤمنين‪ /‬الخطبة اللؤلؤية‪ /‬عبد الرسول زين الدين‪ ،‬المجموع الرائق‪ ،456 /2 :‬الكتاب المبين‪:‬‬
‫‪327 /4‬‬
‫اماا ‪ -‬ةفيلخلا ‪ -‬ةّجُحلا‬
‫ل‬ ‫‪83‬‬

‫الحجّة ‪ -‬الخليفة ‪ -‬االمام‬


‫ُ‬
‫البد من وجود مائز لغوي او اعتباري او وظيفي للتفريق بين الفاظ ُمهمة جدا ّ متداولة في‬
‫االرث الشيعي ال زالت لحد االن بدون تعريف وتطلق بدون اي ُمحددات‪ ،‬وعملية جمع كل‬
‫موارد هذه األلفاظ واستعماالتها في األحاديث من الصعوبة بمكان‪ ،‬فاالرث الشيعي مشحون‬
‫جة ‪ -‬الوصي ‪ -‬الخليفة ‪ -‬الولي»‪.‬‬
‫ح ّ‬
‫بها شحناً‪ ،‬ومنها لفظة «اإلمام ‪ -‬ال ُ‬
‫والراجح عندي ان هذه األلفاظ خارج حدود التعريف الكلي‪ ،‬وغاية جهد اإلنسان هو‬
‫الوصول إلى تصور وتعريف جزئي لها‪ ،‬فهي علما يبدوا الفاظ تأبى ان تقع تحت سيطرة اللغة‬
‫ومعانيها بالكلية‪ ،‬فهي اشبه باللطيفة السائرة في كل شيء‪،‬كما يسير الماء في عروق الشجر‪،‬‬
‫ومن هنا فكل لفظة من هذه األلفاظ تؤدي إلى مفهوم له عدة تعاريف‪ ،‬والذي اعتقد به ان كل‬
‫مفهوم يظهر له معنى جديد كلما تغير نوع العالم الذي يظهر به‪ ،‬وهذه التعاريف ايضا تتغير بتغير‬
‫العالم الذي تظهر فيه‪ ،‬او الحال الذي يظهر به المعصوم ‪ ‬من خالله‪ ،‬فهي دالة تابعة لنوعية‬
‫العالم وشكل الوقت الذي تظهر فيه‪.‬‬
‫وهذا الموضوع بحد ذاته بحاجة لبحث مفرد وتقصي دقيق لكل موارد هذه األلفاظ اال اني‬
‫هنا ساقتصر على ايراد تصور واستنتاجات اولية حول هذه األلفاظ كمعنى وكمفهوم‪.‬‬
‫والبد من مقدمة بسيطة حول انواع العوالم‪ ،‬اذ العوالم الكلية ثالث تختلف من جهة الوقت‬
‫والمادة والحركة‪.‬‬
‫األول‪ :‬عالم الجبروت وقته السرمد ومادته اللطيفة وحركته الساكنة التي ال تدرك بالسكون‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عالم الملكوت ووقته الدهر ومادته الرقيقة وحركته البطيئة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عالم ال ُملك ووقته الزمان ومادته الكثيفة(((‪.‬‬
‫ساكن ال يدرك بالسكون‬ ‫مادة لطيفة‬ ‫وقت السرمد‬ ‫عالم الجبروت‬
‫حركة بطيئة‬ ‫مادة رقيقة‬ ‫وقت الدهر‬ ‫عالم الملكوت‬
‫حركة سريعة‬ ‫مادة كثيفة‬ ‫وقت الزمان‬ ‫عالم الملك‬

‫((( راجع كتابنا «ايام اللَّه» فقد بسطنا فيها الكالم حول هذه العوالم‬
‫‪84‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫بالتالي ستجد ان هذه األلفاظ «الحجة ‪ -‬الخليفة ‪ -‬اإلمام» ت ُع ّبر عن مقامات في عوالم‬
‫ُمعينة‪.‬‬
‫جة‪:‬‬
‫ح ّ‬
‫ال ُ‬
‫جة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق»(((‪.‬‬
‫ح ّ‬
‫عن ابي عبد اللَّه‪«‬ال ُ‬
‫الحجة هو اللفظ الدال على الظهور الكلي الجامع للمعصوم ‪ ‬في مقام العلّة والمؤثرية‪،‬‬
‫جة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق»‪ ،‬فمقام الفعل‬ ‫ح ّ‬ ‫اي هو جهة الفعل‪ ،‬لذلك قال‪«‬ال ُ‬
‫ساري قبل الخلق ومع الخلق وبعد الحلق‪ ،‬فإذا فُني المعلول بقيت العلّة‪ ،‬وإذا فُني المفعول بقي‬
‫الفعل‪ ،‬فهو قبل ومع وبعد الخلق‪ ،‬وهو مقام ال يجري عليه فعل الموت‪ ،‬النه وجه اللَّه الباقي‬
‫َّ‬ ‫ك َ ْ‬ ‫ُ ُّ‬
‫ش ٍء َهال ٌِك إِل َو ْج َه ُه ۚ﴾(((‪،‬وهو مقام جبروتي سرمدي تندرج تحت‬ ‫بعد فناء كل شيء ﴿‬
‫لواءه كل مقامات االسماء والصفات النه عالم األمر وعالم المعنى وعالم الفعل‪ ،‬وهو جهة‬
‫المخلوق األول إلى ربه ومقام كُ ّن«قبل الخلق»‪ ،‬فهو الدليل والبرهان لذلك فهو مقام الحقيقة‬
‫َ َّ ْ ُ ُ ْ َ ُ‬
‫ال َّجة الَال ِغة ۖ﴾(((‪.‬‬ ‫﴿فل ِلهِ‬
‫الخليفة‪:‬‬
‫الخليفة هو اللفظ الدال على الظهور الكلي الجامع للمعصوم ‪ ‬في مقام«الفعل والمنفعل»‬
‫في نفس الوقت‪ ،‬وهو مقام دهري ملكوتي‪ ،‬وهو جهة المخلوق األول إلى نفسه«مع الخلق»‪،‬‬
‫وهو مقام برزخي بين «الكاف والنون» اي بين «كُن فيكون»‪ ،‬وهو الذي يًعطي لكل ذي حق حقه‬
‫ويسوق لكل مخلوق رزقه‪ ،‬ومقام البرزخية هذا هو الذي تسميه األحاديث مقام الباب كما قالوا‬
‫ًَ‬ ‫َْ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫خلق الخلق ﴿إ ِ ِن َجاعِل ِف ال ْر ِض َخل ِيفة ۖ﴾(((‪،‬‬
‫‪« ‬نحن باب اللَّه»‪ ،‬وهو الغاية التي من اجلها ُ‬
‫وما خلقت سماء مبنية وال ارض مدخية إال لهم صلوات اللَّه عليهم‪.‬‬
‫اإلمام‪:‬‬
‫اإلمام هو اللفظ الدال على الظهور الكلي الجامع للمعصوم ‪ ‬في مقام«المنفعل»‪ ،‬وهو‬
‫جة هو الفعل‪ ،‬فاإلمام هو المنفعل‪،‬‬
‫ح ّ‬
‫جهة المخلوق األول باتجاه الخلق«بعد الخلق»‪ ،‬فإذا كان ال ُ‬

‫((( اصول الكافي‪ /‬ج‪ /1‬كتاب الحجة‪ /‬باب ‪ /61‬ح ‪444‬‬


‫((( القصص‪88 /‬‬
‫((( األنعام‪194 /‬‬
‫((( البقرة‪30 /‬‬
‫اماا ‪ -‬ةفيلخلا ‪ -‬ةّجُحلا‬
‫ل‬ ‫‪85‬‬

‫بمعنى ان اإلمام هو «محل فعل اللَّه»(((‪ ،‬وهو مقام زماني ُملكي‪،‬عن ابي عبد اللَّه‪«‬ان األرض‬
‫ال تخلو إال وفيها إمام»(((‪ ،‬وهي من اكثر األلفاظ ظهورا واستخداماً في األحاديث‪ ،‬وهو مقام‬
‫يجري عليه فعل الموت إال انه يموت اخر الناس‪ ،‬عن اإلمام جعفر بن محمد الصادق‪....«‬‬
‫ان اخر من يموت اإلمام‪.(((»....‬‬
‫وهذا المقامات الثالثة التي عبر عنها الحديث كونها «قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق»‬
‫جمعها الحديث التالي بالفاظ اخرى تدل على نفس المفهوم وهي «المعاني‪ ،‬االبواب‪ ،‬اإلمام »‬
‫عن اإلمام علي بن الحسين ‪ ‬قال«يا جابر او تدري ما المعرفة‪ ،‬المعرفة اثبات التوحيد‬
‫اوالً‪ ،‬ثم معرفة المعاني ثانياً‪ ،‬ثم معرفة االبواب ثالثاً‪ ،‬ثم معرفة اإلمام رابعاً‪ ،‬ثم معرفة االركان‬
‫خامساً‪ ،‬ثم معرفة النقباء سادساً‪ ،‬ثم معرفة النجباء سابعاً‪ ،‬وهو قوله تعالى﴿قُل ل َّ ْو َك َن ْالَ ْ‬
‫ح ُر‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫جئْ َنا ب ِ ِمثلِهِ َم َددا﴾‪ ،‬وتال ايضا﴿ َول ْو‬ ‫ادا ّل َِك َِم ِ َ ّ َ َ َ ْ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ ّ َ َ ْ‬
‫َ ً‬
‫ات ر ِب لفِد الَ َحر قبل أن تنفد ك ِمات ر ِب ولو َِ‬ ‫َْ‬
‫مِد‬
‫اللَ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ َ َ ْ َ َ ُ َّ َّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫أنما ِف الر ِض مِن شج َر ٍة أقلم والَح ُر يمده مِن بع ِده ِ سبعة أب ٍر ما نفِدت ك ِمات اللِ ۗ إِن‬
‫يز َحك ٌ‬
‫ِيم﴾(((‪.‬‬ ‫َعز ٌ‬
‫ِ‬
‫وبالجمع بين كل هذه العناوين ينتج عندنا المخطط التالي‪:‬‬

‫معنى مصدر‬ ‫حجة‬ ‫جهته لربه‬ ‫فعل‬ ‫جبروت سرمد قبل الخلق علة‬
‫بث‬ ‫باب‬ ‫جهته لنفسه خليفة‬ ‫خلق‬ ‫تقدير‬ ‫مع الخلق‬ ‫ملكوت دهر‬
‫مستقبل‬ ‫إمام‬ ‫معلول منفعل جهته للخلق إمام‬ ‫زمان بعد الخلق‬ ‫ملك‬

‫فالمعصوم عليه الصالة والسالم له عدة مقامات ناتجة من تعدد العوالم وبالتالي فلكل‬
‫مقام لفظ يدل على ذلك المفهوم والتعريف يجب ان يكون صادر من معرفة تلك المقامات في‬
‫تلك العوالم فهناك مقام فعلي في عالم الفعل يتبعه لفظ دال عليه‪ ،‬وهناك مقام تكويني في عالم‬
‫التكوين يتبعه لفظ دال عليه‪ ،‬وهناك مقام تشريعي في عالم التشريع وهناك لفظ دال عليه وهكذا‬

‫((( هذه العبارة هي تعريف الشيخ احمد االحسائي للفظة اإلمام‪ /‬جوامع الكلم‬
‫((( اصول الكافي‪ /‬ج‪ /1‬كتاب الحجة‪ /‬باب ‪ /62‬ح ‪446‬‬
‫((( اصول الكافي‪ /‬ج‪ /1‬كتاب الحجة‪ /‬باب ‪ /63‬ح ‪460‬‬
‫(( ( صحيفة األبرار للعالمة محمد تقي‪ /‬ج‪ /2‬الحديث ‪/ 7‬الجزء الثالث من القسم الثاني‪ ،‬كذلك ورد في الزام الناصب‪ /‬الشيخ‬
‫علي اليزدي الحائري ‪/‬ج‪ /1‬الغصن األول‪ /‬الثمرة الخامسة في معرفة اإلمام‪ .‬كذلك بحار األنوار‪ :‬ج ‪ /26‬ص‪ ،8‬كذلك‬
‫كتاب االمامة من كتاب العوالم للشيخ الجليل عبد اللَّه البحراني عن استاذه العالمة محمد باقر تقي المجلسي عن والده‬
‫من كتاب عتيق جمعه بعض محدثي أصحابنا في فضائل أمير المؤمنين‪.‬‬
‫‪86‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫تتعدد المقامات بتعدد العوالم وتتعدد التعريفات بتعدد االلفاط إلى ما ال يحصيها اال اللَّه‪.‬‬
‫والضرب لك مثال‪ ،‬هناك شخص صديق لك اسمه احمد وهو طبيب واستاذ جامعة وله ولد‬
‫يدعى صادق‪ ،‬فانت بعالقتك الشخصية معه تقول له يا احمد‪ ،‬وبعالقتك معه كمريض تقول له يا‬
‫دكتور‪ ،‬وبعالقتك معه في الجامعة تقول له يا استاذ‪ ،‬وبعالقتك الرسمية معه امام الناس تقول له‬
‫يا ابا صادق وهكذا كل هذه القاب لشخص واحد إال انها تظهر لها الفاظ خاصة بها عند ظهوراته‬
‫في العالم الخاص به والجهة التي يتوجها بها اليه‪.‬‬
‫وكذلك المعصوم انت تقول عنه حجة في مقام العلّة واألمر والمعنى والفعل‪ ،‬وتقول عنه‬
‫خليفة في مقام التكوين واصل التشريع ومقام االسماء والصفات‪ ،‬وتقول عنه امام في مقام‬
‫التبليغ والهداية ومحل ظهور الفعل‪ ،‬وتقول عنه وصي في مقام حفظ مواريث األنبياء‪ ،‬وتقول‬
‫عنه ولي في مقام التملك والتسلط على الشيء‪ ،‬فالولي هو المعيار الذي توزن به االعمال‬
‫ويقاس به اإليمان‪.‬‬
‫ربما ستقول لي ان هناك الكثير من األحاديث تخالف ما تقول فمنها عن ابي عبد اللَّه‪«‬ان‬
‫جة وانا‬‫األرض ال تخلو إال وفيها إمام»(((‪،‬واخر عن ابي الحسن‪«‬ان األرض ال تخلو من ُح ّ‬
‫جة في مقام‬ ‫ح ّ‬‫جة‪ ،‬نعم هو واللَّه ذلك ال ُ‬ ‫واللَّه ذلك الحجة»(((‪ ،‬فمرة يسميه إمام ومرة يسميه ُ‬
‫ح ّ‬
‫اإلمام «بعد الخلق»‪،‬ومن هنا استشف ان الحج كشعيرة على المعنى الظاهر هو هذه الطقوس‬
‫العبادية التي تؤدى في مكة في زمن معين وفي مكان معين‪ ،‬إال انه على الباطن الحج هو بلوغ‬
‫جة فقد حج‪.‬‬‫ح ّ‬‫جة اي من عرف مقام ال ُ‬‫ح ّ‬‫ال ُ‬
‫ّ‬
‫ومن هنا استطيع التفريق بين معنى كلمة الخليفة في الموارد التالية‪ ،‬األول‪ :‬قوله ْتعالى﴿إ ِ ِن‬
‫ف ال ْر ِض﴾(((‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ َّ َ َ ْ َ َ َ َ ً‬ ‫َ ً (((‬ ‫َ‬ ‫َْْ‬ ‫َ ٌ‬
‫جاعِل ِف الر ِض خل ِيفة ۖ﴾ ‪ ،‬والثاني‪ :‬قوله تعالى ْ َ﴿يا داوود إِنا جعلناك خل ِيفة ِ‬
‫ًَ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫والكثير من الناس يتصور ان مورد﴿إ ِ ِن َجاعِل ِف ال ْر ِض َخل ِيفة ۖ﴾ خاص بآدم‪ ‬النه جاء في‬
‫سياق قصة خلق آدم‪ ،‬إال ان الخليفة هنا هو الغاية التي سيخلق اللَّه من اجلها آدم وذريته‬
‫النه منصب ال يظهر إال في اخر الزمان‪ ،‬فيكون معنى الخليفة في مورد البقرة هو المقام االصلي‬
‫الدهري للفظ الذي سيظهر في ايام دولة العدل‪ ،‬اما معنى اللفظ في مورد «ص» فهو معنى تبعي‬
‫زماني يمكن ان يحوزه اي نبي او وصي في الدنيا‪.‬‬

‫((( اصول الكافي‪ /‬ج‪ /1‬كتاب الحجة‪ /‬باب ‪ /62‬ح ‪446‬‬


‫((( اصول الكافي‪ /‬ج‪ /1‬كتاب الحجة‪ /‬باب ‪ /62‬ح ‪453‬‬
‫((( البقرة‪30 /‬‬
‫(( ( ‪-‬ص‪26 /‬‬
‫اماا ‪ -‬ةفيلخلا ‪ -‬ةّجُحلا‬
‫ل‬ ‫‪87‬‬

‫وعليه يمكن وضع التعريفات األولية التالية‪:‬‬


‫جة‪ :‬هو مقام المعصوم بجهته إلى ربه‬
‫ح ّ‬
‫ال ُ‬
‫الخليفة‪ :‬مقام المعصوم بجهته إلى نفسه‬
‫اإلمام ‪ :‬مقام المعصوم بجهته إلى الخلق‬
‫او‬
‫جة‪ :‬الفقير إلى الخالق‬
‫ح ّ‬
‫ال ُ‬
‫الخليفة‪ :‬المستغني عن الخلق‬
‫اإلمام‪ :‬الذي يحتاجه الخلق وال يحتاج إلى احد‬
‫او‬
‫جه‪ :‬هو الحقيقة‬
‫ح ّ‬
‫ال ُ‬
‫الخليفة‪ :‬هو الحقيقة السائرة في كل شيء‬
‫اإلمام‪ :‬هو الحقيقة الظاهرة في كل شيء‬
‫او‬
‫جة‪ :‬غيب اللَّه في ذاته‬
‫ح ّ‬
‫ال ُ‬
‫الخليفة‪ :‬غيب اللَّه في خلقه‬
‫اإلمام‪ :‬ظاهر اللَّه في خلقه‬

‫اإلمام‬ ‫الخليفة‬ ‫الحجة‬


‫زمان‬ ‫دهر‬ ‫سرمد‬
‫مقام المعصوم بجهته إلى نفسه مقام المعصوم بجهته إلى الخلق‬ ‫مقام المعصوم‬
‫بجهته إلى ربه‬
‫الذي يحتاجه الخلق وال يحتاج إلى احد‬ ‫الفقير إلى الخالق المستغني عن الخلق‬
‫هو الحقيقة الظاهرة في كل شيء‬ ‫هو الحقيقة السائرة في كل شيء‬ ‫هو الحقيقة‬
‫ظاهر اللَّه في خلقه‬ ‫غيب اللَّه في ذاته غيب اللَّه في خلقه‬
‫‪88‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫فترة حكم ر�سول اهلل �ص ّلى اهلل عليه و�آله و�سلّم‬


‫جعلت فداك ان أصحابنا رووا عن شهاب عن جدك‪ ‬انه قال«ابى‬ ‫ُسئل اإلمام الرضا‪ُ ،‬‬
‫اللَّه تبارك وتعالى ان يملك احد ما ملك رسول اللَّه‪ ‬ثالث وعشرون سنة‪ ،‬قال‪«‬ان كان‬
‫ابو عبد اللَّه ‪ ‬قاله جاء كما قال»‪ .‬فقلت جعلت فداك واي شيء تقول انت؟ فقال«ما احسن‬
‫الصبر وانتظار الفرج اما سمعت قول العبد الصالح فارتقبوا اني معكم رقيب وانتظروا اني معكم‬
‫من المنتظرين‪ ،‬فعليكم بالصبر فانه انما يجيء الفرج على الياس وقد كان الذين من قبلكم اصبر‬
‫منكم»(((‪.‬‬
‫ربما االستنتاج األول الذي سيبرز في ذهن كل قارئ بعد قراءة الحديث هو انه ال احد بعد‬
‫رسول اللَّه‪ ‬يحكم اكثر من ثالث وعشرين سنة‪ ،‬وربما سيعتقد ان الحديث يشير إلى قاعدة‬
‫ُمطلقة يمكن ان تجري على كل مراحل التاريخ تحت فهمه لعبارة «ابى اللَّه تبارك وتعالى ان‬
‫يملك احد ما ملك رسول اللَّه‪ ‬ثالث وعشرون سنة»‪ ،‬وربما البعض سيسعى لجعلها قاعدة‬
‫عامة‪ ،‬علماً ان اإلمام الرضا‪ ‬لم يؤكد هذه المعلومة بالكلية لقوله «ان كان» اي انه يضع شرطاً‬
‫علما انه يعلم ان ابا عبد اللَّه الصادق‪ ‬قاله او لم يقله‪.‬‬
‫والحقيقة ان هذا الحديث وامثاله عادة ما يمر عليها القارئ وال ينتبه للمعاني الدقيقة الواردة‬
‫فيه‪ ،‬وكل استنتاج يمكن استخالصه من اي حديث يجب ان يمر بمرحلة بحث وتدقيق منطلقين‬
‫من فهم رئيسي هو هل الحديث يذهب للمعنى العام ام الخاص‪.‬‬
‫والمشهور في التاريخ ان مدة بعثة رسول اللَّه ‪ ‬هي «‪ »23‬سنة‪ ،‬والتي يسميها الحديث‬
‫« ُملك رسول اللَّه‪ ،»‬وال ادري بالضبط هل هي المدة الممتدة من يوم بعثته إلى يوم وفاته‬
‫ام هي الفترة الممتدة من يوم نزول اول آية في القرآن إلى يوم نزول اخر آية في القرآن وان كان‬
‫الفارق ربما ال يذكر‪ ،‬والحديث عن ابي عبد اللَّه‪ ‬يحدد فترة نزول القرآن بعشرين سنة‪ .‬عن ابي‬
‫عبد اللَّه‪«‬نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ثم نزل طوال عشرين‬
‫سنة»(((‪ ،‬مما يعزز كون فترة نزول القرآن ليس كل ُملك رسول اللَّه‪ ‬فإذا اضفنا لها فترة الثالث‬
‫سنوات التي كانت فيها الدعوة سرية فيمكن القول كاستنتاج اولي ان مدة«‪ »23‬سنة هي فترة‬

‫(( ( بحار االنوار‪ /‬ج‪ /52‬ص‪ /110‬ح‪ 17‬كذلك الكافي‪ /‬الكليني‪ /‬ج‪ /1‬ص ‪380‬‬
‫((( الكافي‪628 /2 /‬‬
‫مّلسو هلآو هيلع هللا ىّلص هللا لوسر مكح ةرتف‬ ‫‪89‬‬

‫الدعوة التي اغلبها فترة نزول القرآن‪ ،‬والمشهور تاريخياً ان رسول اللَّه‪ ‬قضى هذه المدة ما‬
‫بين مكة والمدينة‪ ،‬في مكة«‪ »13‬سنة وفي المدينة«‪ »10‬سنوات‪.‬‬
‫والموضوع يجب ان يفهم اوالً من خالل فهم المعنى العام للحديث‪ ،‬فاحد السائلين يسأل‬
‫اإلمام الرضا‪ ‬عن معلومة وردت في كالم جده اإلمام ابي عبد اللَّه جعفر الصادق‪ ‬يقول‬
‫فيها اي الصادق‪«‬ابى اللَّه تبارك وتعالى ان يملك احد ما ملك رسول اللَّه‪ ‬ثالث وعشرون‬
‫سنة»‪ ،‬فاجابه اإلمام الرضا‪«‬ان كان ابو عبد اللَّه ‪ ‬قاله جاء كما قال»‪ ،‬والعبارة بهذه الصياغة‬
‫تحتاج إلى تحليل فعبارة«ان كان» تشير إلى انه لم يُق ّر ولم يُنكر في نفس الوقت‪ ،‬بمعنى ان‬
‫اإلمام الرضا‪ ‬صاغ عبارة تجعل الجواب ُمعلّق يمكن ان يُصرف إلى عدة وجوه‪.‬‬
‫عن أبي عبد اللَّه‪ ‬قال «إني ألتكلم على سبعين وجهاً لي في كلها المخرج»(((‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد اللَّه‪ ‬قال«أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كالمنا‪ ،‬أن كالمنا لينصرف على سبعين‬
‫وجهاً»(((‪.‬‬
‫وبما ان الحديث يشترك فيه اثنان من األئمة المعصومين اإلمام الصادق واإلمام الرضا‬
‫عليهما السالم فيجب متابعة الموضوع من جهتيهما وسنتناول اوال معنى الحديث من جهة‬
‫اإلمام الصادق‪ ‬كالتالي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ربما يكون قصد السائل ان يسأل عن مدة حكم الثالثة الذين حكموا بعد رسول اللَّه‬
‫كون ابي بكر حكم سنتان واشهر‪ ،‬وعمر بن الخطاب حكم عشرة سنوات واشهر‪ ،‬وعثمان بن‬
‫عفان حكم اثنا عشر سنة‪ ،‬ولكن هذا االحتمال ضعيف بل غير وارد الن الناس في زمن اإلمام‬
‫الصادق‪ ‬يعرفون كم حكم هؤالء وبالتالي ال داللة يمكن ان يستفاد منها السائل في سؤاله‬
‫إذا كان هذا مقصده‪ ،‬فهذا االحتمال مستبعد نهائيا ولكنه يفيدنا كمصداق تاريخي على المعنى‬
‫األولي انه ال احد ممن يسمونهم بالخلفاء الراشدين قد حكم اكثر من مدة ُملك رسول اللَّه‪‬‬
‫إذا عرفنا ان اإلمام علي‪ ‬لم يحكم إال اربعة سنوات وتسعة اشهر‪.‬‬
‫‪ - 2‬االحتمال االرجح ان السائل كان يفهم انه ال احد من بني امية يحكم اكثر من «‪ »23‬سنة‬
‫باعتبار ان اإلمام الصادق‪ ‬عاش في زمن بني امية إلى نهاية ُملكهم وعاصر الفترة األولى من‬
‫ُملك بني العباس‪ ،‬ولو راجعت هذا الموضوع تاريخياً لوجدت ان بني امية حكموا فترة «‪- 41‬‬
‫‪ »132‬هجري اي «‪ »91‬سنة موزعة على «‪ »14‬حاكم اموي لم يحكم اي واحد منهم فترة «‪»23‬‬

‫(( ( بصائر الدرجات ‪ /‬محمد حسن الصفار‪ /‬ج‪ / 7‬باب ‪ / 9‬ح‪1‬‬


‫(( ( بصائر الدرجات ‪ /‬محمد حسن الصفار‪ /‬ج‪ / 7‬باب ‪ / 9‬ح‪6‬‬
‫‪90‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫سنة متواصلة واكبر فترة حكم هي فترة حكم معاوية بن ابي سفيان البالغة«‪ »20‬سنة وبعض‬
‫حكامهم حكموا اشهر قليلة‪ ،‬وهذا التناغم في العدد كون عدد آل البيت‪ ‬هو «‪ »14‬شخص‬
‫وعدد من حكم من بني امية هو ايضا«‪ »14‬فيه قرينة تشير ان اإلمام الصادق‪ ‬في عبارته كون‬
‫ال احد يحكم اكثر من فترة حكم رسول اللَّه‪ ‬هو خاص ببني امية فقط كونه معاصر لنهاية‬
‫ملكهم وربما قالها في تلك الفترة ليؤكد زوال ملكهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬لعل البعض يقول ربما ان هذا الكالم صدر من اإلمام الصادق‪ ‬في فترة حكم بني‬
‫العباس باعتباره عاصر اول ملكهم فيكون معنى العبارة لوصف حال ملوك بني العباس ايضا؟‬
‫نعم االحتمال وارد كون اإلمام الصادق‪ ‬ولد سنة«‪ »83‬هجرية ومات وعمره «‪ »65‬سنة اذ‬
‫توفي سنة «‪ »128‬هجري وهو بهذا الشكل قد عاصر من حكام بني امية في زمن إمامته إبراهيم‬
‫بن الوليد ومروان الحمار‪ ،‬وعاصر من بني العباس السفاح وابو جعفر المنصور‪ ،‬وبما ان ملك‬
‫بني امية انتهى سنة«‪ »132‬هجري واإلمام الصادق‪ ‬مات سنة«‪ »148‬هجري فهذا معناه ان‬
‫عاش «‪ »16‬سنة من عمره الشريف في حكم بني العباس‪ ،‬وبالتالي يمكن ان تكون هذه المعلومة‬
‫صدرت منه في هذه الفترة فتكون داللتها باتجاه بني العباس‪.‬‬
‫الحقيقة ان ملك بني العباس امتد للفترة من «‪ »656 - 132‬هجري اي «‪ »524‬سنة تولى‬
‫الحكم فيها «‪ »37‬حاكم منهم‪ ،‬والواقع التاريخي لهؤالء يشير ان بعضا منهم حكم اكثر من‬
‫«‪ »23‬سنة منهم هارون العباسي والمقتدر الذي حكم «‪ »29‬سنة والناصر لدين اللَّه الذي حكم‬
‫«‪ »47‬سنة‪ ،‬فال يمكن ان تنطبق هذه القاعدة على من حكم من بني العباس‪.‬‬
‫وال ادري بالضبط هل ان العبارة التي يوردها الحديث عن اإلمام الصادق‪ ‬كانت من‬
‫كالمه المباشر ام ان احد سأله فاجاب بهذه المعلومة‪،‬فالحديث ال يعطينا تصور عن ذلك وانما‬
‫هي معلومة يقول بها شخص سأل اإلمام الرضا‪ ‬عنها كون جده الصادق‪ ‬قالها‪ ،‬وبالتالي‬
‫فنحن ال نعرف الظروف الذاتية والموضوعية التي صدر فيها الكالم والجهة التي سألت وجهة‬
‫الجواب فكل هذه االمور نعالجها هنا من جهة التخمين والقرائن المتصلة بكل استنتاج‪ ،‬ويمكن‬
‫القول بشكل ظني ان هذا السؤال ُسئل لإلمام الصادق‪ ‬في زمن الحاكم ابي جعفر المنصور‬
‫الذي حكم «‪ »21‬سنة فربما طول فترة حكمة والظلم الذي تعرض له الشيعة قد جعل البعض‬
‫يسال او يتذمر من طول فترة حكمه فاجابه الصادق‪ ‬بهذه العبارة ليطمئنه مثال وهو احتمال‬
‫وان كان وارد اال ان اثباته صعب لعدم وجود القرينة ولوجود من حكم من بني العباس اكثر من‬
‫«‪ »23‬سنة بعد اإلمام الصادق‪ ‬مما يشير إلى ان الحديث ربما خاص بملك بني امية وال يشير‬
‫إلى ملك بني العباس‪.‬‬
‫مّلسو هلآو هيلع هللا ىّلص هللا لوسر مكح ةرتف‬ ‫‪91‬‬

‫‪ - 4‬لو تابعت بصورة عامة فترات حكم السالطين من العثمانيين الذين حكموا بالد‬
‫المسلمين والذين حكموا في دول اخرى مثل حكم االمويين في االندلس وحكم الفاطميين‬
‫وغيرهم ستجد جملة منهم من حكم الكثر من «‪ »23‬سنة مما يرجح ان القاعدة خاصة وليست‬
‫عامة‪ ،‬وهذا يؤكده عبارة اإلمام الرضا‪ ‬في نفس الحديث قوله «ان كان ابو عبد اللَّه ‪ ‬قاله‬
‫جاء كما قال»‪ ،‬اال كونها تشير إلى ملك بني امية النها جاءت كما قال ابو عبد اللَّه‪ ،‬اي‬
‫هي قاعدة جارية عليهم فقط وما بعدها يفعل اللَّه ما يشاء لذلك لم يؤكد اإلمام الرضا‪ ‬هذه‬
‫المعلومة بجواب نعم مثال النه يعلم ان هناك من سيحكم اكثر من «‪ »23‬سنة في بني العباس(((‪.‬‬
‫هذه بعض المعاني التي نستشفها من الحديث إذا نظرنا اليه من جهة اإلمام الصادق‪‬‬
‫وعصره اما إذا نظرنا إلى الحديث من جهة اإلمام الرضا‪ ‬وعصره يمكن ان نخرج بالمعاني‬
‫التالية‬
‫‪ - 1‬لم يؤكد اإلمام الرضا‪ ‬المعلومة بشكل مباشر بل اجاب بعبارة تتحمل اكثر من معنى‬
‫مما اضطر السائل ان يقول لإلمام‪«‬فقلت جعلت فداك واي شيء تقول انت» واالمام هنا ايضا‬
‫لم يجبه بشكل مباشر بل قال له«ما احسن الصبر وانتظار الفرج» وهي عبارة اخرى تشير إلى ان‬
‫اإلمام يحاول ان يبقي األمر مبهما وال يريد الجواب المباشر‪.‬‬
‫‪ - 2‬عبارة اإلمام ‪«‬ما احسن الصبر وانتظار الفرج اما سمعت قول العبد الصالح فارتقبوا‬
‫اني معكم رقيب وانتظروا اني معكم من المنتظرين‪ ،‬فعليكم بالصبر فانه انما يجيء الفرج على‬
‫الياس وقد كان الذين من قبلكم اصبر منكم» تشير إلى انه يقول للسائل بشكل غير مباشر وما‬
‫يهمك ان حكم فالن او فالن «‪ »23‬سنة او اكثر فتكليفكم هو انتظار القائم‪ ‬وليس زوال ملك‬
‫فالن او ملك فالن‪ ،‬وعلما يبدوا ان متابعة زوال ال ُملك في زمن األئمة ‪ ‬كان موضوع متداول‬
‫بكثرة كما هو الحال في ايامنا هذه‪ ،‬فكل شخص يهتم بموضوع اإلمام المهدي‪ ‬يجد نفسه من‬
‫حيث يعلم وال يعلم مهتم بمتابعة اخبار الملوك ومدة حكمهم مما جعل اإلمام الرضا‪ ‬يجيب‬
‫باالهتمام بموضوع االنتظار حصرا ً‪.‬‬
‫‪ - 3‬ربما اإلمام الرضا‪ ‬لم يجب السائل بشكل مباشر كأن يقول له نعم قال جدي ذلك‬
‫بل اختار عبارة لها عدة معاني وهي «ان كان ابو عبد اللَّه ‪ ‬قاله جاء كما قال» لكي يبقى‬

‫((( لعله من الممكن ان نشير الى امر حدث في تاريخنا المعاصر حيث حكم صدام حسين العراق من يوم ‪1979/6/16‬‬
‫ولغاية يوم ‪ 2003 /4/9‬ومجموعها ‪ 23‬سنة وتسعة اشهر و‪ 23‬يوم فربما وال َّله العالم ان الرقم ‪ 23‬له خصوصية في هالك‬
‫الظالمين واالحاديث ايضا تذكر ان جبرائيل‪ ‬سوف ينادي يوم الثالث والعشرون من شهر رمضان في سنة خروج القائم‬
‫ومن ضمن ندائه( انتهت مدة الجبارين)‬
‫‪92‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫منطوق الجواب متعلق باإلمام الصادق ‪ ‬الذي هو متوفي في هذه الفترة فال يستطيع احد ان‬
‫يفعل له شيء‪ ،‬الن اإلمام الرضا‪ ‬عاش ظرف تاريخي وسياسي جدا ً صعب و ُمعقد من فترات‬
‫حكم بني العباس وخصوصا انه عاش في زمن فيه تداعيات خطيرة اعقبت عملية قتل والده‬
‫االمام موسى بن جعفر‪ ‬وخوف بني العباس من ان تتحول هذه الحادثة إلى نار تؤجج ثورات‬
‫علوية او جماهيرية كما حدث بعد قتل اإلمام الحسين‪ ‬وعانت منها الدولة االموية لذلك‬
‫قام المأمون العباسي بتقريب اإلمام الرضا‪ ‬واعالن والية العهد‪،‬وهذا التصرف فيه داللة على‬
‫خطورة الموقف في ذلك الوقت‪ ،‬فتم تقريب اإلمام الرضا‪ ‬من الحكم لكي يمتصوا زخم‬
‫التمرد او الثورات‪ ،‬وحسب هذا الوضع السياسي المتأزم إذا ُسئل اإلمام الرضا‪ ‬هكذا سؤال‬
‫واجاب بنعم فهذا معناه انه يقول انه ال احد من بني العباس يحكم اكثر من «‪ »23‬سنة مما قد‬
‫يثير الخلفاء عليه‪.‬‬
‫‪ - 4‬ربما السائل سأل اإلمام الرضا‪ ‬هذا السؤال الن هناك واقع تاريخي عاصره كون‬
‫هارون العباسي الذي حكم قبل اإلمام الرضا‪ ‬قد حكم «‪ »23‬سنة فيكون قصد السائل ضمنا‬
‫انه كيف يقول اإلمام الصادق‪ ‬انه ال احد يحكم كما حكم رسول اللَّه‪ ‬وهذا هارون العباسي‬
‫قد حكم مثله مما جعل اإلمام الرضا‪ ‬يجيب بهذا الشكل‪ ،‬ولو تابعت حياة اإلمام الرضا‪‬‬
‫لوجدت هناك جملة من األحاديث تشير إلى انهم سألوه عن اشياء قالها اإلمام الصادق بالذات‬
‫مما يشير إلى وجود جهة تحاول ان تبين للناس ان كالمهم ‪ ‬فيه تناقض وحاشاهم(((‪.‬‬
‫‪ - 5‬ربما اإلمام الرضا‪ ‬لم يؤكد الرقم لعلمه بان البداء جاري على مدة حكم الملوك اي‬
‫يكون معنى الحديث ضمنا ان كل ملك او حاكم ال يتجاوز حكمه اكثر من مدة حكم رسول‬
‫اللَّه‪ ‬البالغة«‪ »23‬سنة اال إذا حصل البداء‬
‫وجل نبياً حتى يأخذ عليه‬
‫عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه ‪ ‬قال‪«:‬ما بعث اللَّه ع ّز ّ‬
‫ثالث خصال‪ :‬االقرار بالعبودية‪ ،‬وخلع األنداد‪ ،‬وإن اللَّه يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء» ‪.‬‬
‫(((‬

‫((( واليك حديث سؤل فيه اإلمام الرضا (ع) عن كالم قاله اإلمام الصادق(ع)‬

‫عن الحسن بن علي الخزّ از قال‪ :‬دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا‪ ‬فقال له‪ :‬أنت إمام؟ فقال(نعم)‪ .‬فقال‪ :‬إنّي‬
‫سمعت جدّ ك جعفر بن محمد‪ ‬يقول‪ :‬اليكون اإلمام إال ول ُه عقب‪ .‬فقال‪( :‬أنسيت ياشيخ أم تناسيت؟ ليس هكذا قال‬
‫جعفر(ع) أنما قال جعفر‪ ‬اليكون اإلمام اال ول ُه عقب إال الذي يخرج عليه الحسين بن علي‪ ‬فانه ال عقب له)‪ .‬فقال‬
‫له‪ :‬صدقت ُجعلت فداك هكذا سمعت جدّ ك يقول) الغيبة للطوسي‪ 188 /224 :‬كذلك االيقاظ من الهجعةبالبرهان على‬
‫الرجعة‪ /‬الحر العاملي‪ /‬الباب ‪ /10‬ح‪ /96‬ص ‪353‬‬
‫(( ( الكافي‪ /‬االصول‪ /‬باب ‪ /49‬ح‪366‬‬
‫��������������������������������������������‬ ‫‪93‬‬

‫ر�سول اهلل �ص ّلى اهلل عليه و�آله و�سلّم وال�شيطان‬


‫ورد بكثرة في أحاديث العامة حديث ان لرسول اللَّه‪ ‬شيطان ولكنه اسلم‪.‬‬
‫عن احمد عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول اللَّه‪«‬ليس منكم من احد اال وقد وكّل به قرينه‬
‫من الشياطين»‪ .‬قالوا‪ :‬وانت يا رسول اللَّه؟ قال«نعم‪ ،‬ولكن اللَّه اعانني عليه فاسلم»(((‪.‬‬
‫روى مسلم عن ابن مسعود قال‪ :‬قال رسول اللَّه‪«‬ما منكم من احد إال وقد وكّل به قرينه‬
‫من الجن وقرينه من المالئكة»‪ .‬قالوا‪ :‬واياك يا رسول اللَّه؟ قال«واياي‪ ،‬ولكن اللَّه اعانني عليه‬
‫فاسلم‪ ،‬فال يأمرني اال بخير»‪.‬‬
‫عن عائشة من حديث‪ .‬قال رسول اللَّه‪«‬افاخذك شيطانك؟»‪ .‬قالت‪ :‬يا رسول اللَّه اومعي‬
‫شيطان؟ قال«نعم»‪ .‬قلت‪ :‬ومع كل انسان؟ قال«نعم»‪ .‬قلت‪ :‬ومعك يا رسول اللَّه؟ قال«نعم‪،‬‬
‫ولكن ربي اعانني عليه»(((‪.‬‬
‫وعلى ما يبدوا ان بعض علمائهم لم يطمئن لظاهر الحديث كون الرسول‪ ‬له شيطان‪ ،‬بل‬
‫ومن الممكن ان يُسلم‪،‬مما يدعوا للتساؤل وهل الشياطين ت ُسلم؟ بل ويأمره لقوله«فال يأمرني‬
‫إال بخير»‪ ،‬وما هو الشيء الذي امر به ذلك الشيطان ال ُمسلم رسول اللَّه‪ ‬فعمل به؟وهذا ربما‬
‫يقود البعض بالضرورة للطعن في موضوع الوحي بالذات وبالتالي سالمة القرآن نفسه‪ ،‬فكيف‬
‫نأمن على نبي له شيطان‪ ،‬وله كالم امر به الشيطان نفسه‪ ،‬فقالوا في الحديث بعض التأويالت‬
‫لتخفيف شدة العبارات الن الحديث عندهم بهذه الصياغة ُمشكل‪ ،‬ومن الطبيعي جدا ً انهم إذا‬
‫ارادوا ان يُعالجوا مثل هذا الموضوع وغيره سيلجؤون اوال للصياغة اللغوية للكالم‪.‬‬
‫«قال الترمذي‪ :‬عن سفيان بن عيينة في قول النبي‪«‬ولكن اللَّه اعانني عليه فاسلم»‪ .‬قال‪:‬‬
‫يعني اسلم انا منه‪ ....‬قال سفيان‪ :‬والشيطان ال يسلم»‪ ،‬وقالوا ان «اسلم» بفتح الميم اي اسلم‬
‫شيطانه وصار مسلماً(((‪ ،‬وبعضهم قال «اسلم» بالرفع اي انه ‪ ‬سلم من شره وفتنته‪ ،‬وقال ابن‬
‫االثير‪ :‬اي انقاد واستسلم وكف عن وسوستي‪.‬‬
‫والحق ان بعضهم وجد تأويل اخر في حديث انس بن مالك‪«،‬ان رسول اللَّه‪ ‬اتاه‬
‫جبريل‪ ‬وهو يلعب مع الغلمان فاخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ‬

‫(( ( مسلم ‪ 2814‬احمد ‪358 /1‬‬


‫((( احمد ‪ 115/6‬ومسلم ‪2815‬‬
‫((( هذه القرأة بالفتح رجحها عياض والنووي في شرح مسلم‬
‫‪94‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم المه«اي جمعه» ثم اعاده في مكانه»‬
‫قال انس وقد كنت ارى اثر ذلك المخيط في صدره»(((‪.‬‬
‫ومعنى الحديث ان رسول اللَّه‪ ‬في اصل تكوينه فيه علقة للشيطان‪،‬وهذه قد انتزعت من‬
‫رسول اللَّه‪ ‬وهو طفل صغير وهو يلعب مع الصبيان وهو قبل الوحي بكثير مما ال يشكل‬
‫شائبة على موضوع العصمة ال على اقل تقدير في فترة ما بعد الوحي‪ ،‬لكن هذه التخريجة ال‬
‫تصمد امام األحاديث السابقة النها ت ُق ّر ان شيطان النبي قد اسلم بل ويأمره ايضاً‪ ،‬وهذه عبارات‬
‫تدل بشكل واضح ان هذا الشيطان استمر تواجده مع رسول اللَّه‪ ‬حتى بعد الرسالة النه يقول‬
‫عنه «اسلم»‪.‬‬
‫ويخالف هذه التخريجةايضا الحديث الذي يروونه كون رسول اللَّه‪ ‬كان يتعوذ من‬
‫الشيطان في كل ليلة‪ ،‬فكيف يكون اسلم ورسول اللَّه‪ ‬يدعوا عليه كل ليلة كما في الحديث«ان‬
‫رسول اللَّه‪ ‬إذا اخذ مضجعه من الليل قال‪ :‬بسم اللَّه وضعت جنبي‪ ،‬اللَّهم اغفر لي ذنبي‪،‬‬
‫واخسأ شيطاني‪ ،‬وفك رهاني‪ ،‬واجعلني في الندي االعلى»(((‪ ،‬وفي رواية اخرى «تخزي‬
‫شيطاني»‪ ،‬فكيف يقول عنه «انه ال يأمرني إال بخير» وهو يتعوذ منه كل ليلة‪.‬‬
‫ولعل هذه األحاديث وامثالها هي التي جعلت البعض منهم يقول بوجود حالين في شخص‬
‫الرسول‪ ،‬الحال األول هو حال النبي وما يتعلق به من نزول الوحي والتشريع وادارة شؤون‬
‫االمة‪ ،‬والثاني هو حال اإلنسان الذي يجري عليه ما يجري على الناس وموضوع العصمة متعلق‬
‫بالحال األول فقط‪ ،‬وعالقته مع الشيطان الذي اسلم متعلق بالموضوع الثاني‪.‬‬
‫والحقيقة انهم ال يمكنهم ان يُخ ّرجوا هذه األحاديث بطريقة سليمة النهم يرون في الشيطان‬
‫صفة داخلية في اإلنسان ولم يخطر ببالهم بل ال يعرفون اصال ان الشياطين انواع منهم االنسي‬
‫ومنهم الجني وهؤالء لهم تحقق في الخارج على هيئة اشخاص‪.‬‬
‫والحق ان في القرآن وأحاديث اهل بيت العصمة صلوات اللَّه عليهم تصور اخر يختلف‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ّ َ َ ُ ًّ َ َ َ ْ‬
‫ال ِّن ﴾(((‪،‬‬ ‫نس و ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ب عدوا شي َاطِني َِّ‬ ‫عما يقوله ابناء العامة‪ ،‬قوله تعالى﴿وكذٰل ِك جعلنا ل ِك ن ّ‬
‫ِ‬
‫َ ُ ْ َ َ ِ ٍ َ ُ َّ َ ٰ َ ُ ٌّ َ َ َ ْ َ‬
‫ك﴾(((‪،‬‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ِز‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫آد‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫وقد ورد عداوة الشيطان لألنبياء في موارد اخرى﴿فقل‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حتى ان عملية هبوط آدم وإبليس وصفت بانها عداوة ﴿قال اهب ِ َطا مِن َها جِيعا ۖ َبعضك ْم لِ َع ٍض‬
‫َع ُد ٌّو ۖ﴾(((‪.‬‬

‫(( ( مسلم ‪ 261‬احمد ‪ 149/3‬ابن حبان ‪242/14‬‬


‫(( ( سنن ابو داود ‪5054‬‬
‫(( ( األنعام‪112 /‬‬
‫(( ( طه‪117 /‬‬
‫(( ( طه‪123/‬‬
‫��������������������������������������������‬ ‫‪95‬‬

‫واآلية صريحة بوجود اعداء لألنبياء من الشياطين من «االنس والجن» وقد التفت بعض‬
‫علماء العامة لجو اآلية كون فيها مخرج لهذه األحاديث النها تثبت ان للنبي عدوا من الشياطين‬
‫ولكنه «اسلم»‪ ،‬ولكن اآلية لو اعتمدوا عليها كمصداق للحديث فانها ستوقعهم باشكال اكبر‬
‫كون هؤالء الشياطين من االنس والجن‪ ،‬وبالتالي يجعل المتأمل يسأل نفسه من هم هؤالء‬
‫االنسيين؟ ولماذا اسلم شيطان الرسول‪ ‬ولم يسلم غيره؟ وهذا ما سيوضحه لنا الحديث‬
‫التالي‪.‬‬
‫عن ابي عبد اللَّه‪ ‬قال«ما بعث اللَّه رسوالً إال وفي وقته شيطانان يؤذيانه ويفتنانه ويضالن‬
‫الناس بعده‪ ،‬فأما الخمسة أولو العزم من ال ُرسل‪ :‬نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ‪ ،‬فأما‬
‫صاحبا نوح فطنطينوس وخرام‪ ،‬واما صاحبا إبراهيم فمكيل ورذام‪ ،‬واما صاحبا موسى فالسامري‬
‫ومرعقيبا‪ ،‬واما صاحبا عيسى فينواس ومريسون‪ ،‬واما صاحبا محمد‪ ‬فحبتر وزريق»(((‪.‬‬
‫والحديث ت ُص ّدقه اآلية‪ ،‬الن اآلية تقول بوجود جهتين«انس وجن» والحديث يقول بوجود‬
‫اثنان سماهما «شيطانان»‪ ،‬وكذلك اآلية تسميهم شياطين‪ ،‬والحديث يشير إلى هؤالء«الشيطانان»‬
‫ال ينطبق عليهم مفهموم كون الشيطان «يسري من بني ادم سريان الدم في العروق»‪ ،‬بل هما‬
‫موضعان خارجيان متشخصان باشخاص ولهم اسماء إال ان احدهم جني واخر انسي‪ ،‬فال‬
‫يصح بعدها القول ان لرسول اللَّه‪ ‬شيطان بمعنى انه يسري منه مسرى الدم في العروق كما‬
‫هو حال الناس‪ ،‬بل له شيطانان بمعنى «عدوان من االنس والجن» متشخصين في الخارج ولهم‬
‫اسماء يتسمون بهما‪ ،‬فوجود هؤالء مع األنبياء من باب الضدية في الصراع النهم اعداء‪ ،‬وبما‬
‫ان التكليف لالنس والجن فكان اعداء األنبياء منهم ظاهرين من االنس والجن‪ ،‬وهؤالء وان‬
‫كانوا من االنس والجن اال انه سماهم شياطين النهم منافقون َيظهرون اإلسالم ويضمرون الكفر‬
‫َ َ ْ ْ َ ُ َ َّ ُ َّ ُ ْ ُ َ‬
‫كن‬‫اب آمنا ۖ قل ل ْم تؤمِنوا َول ٰ ِ‬‫ت العر‬
‫ومن َهنا قال عنهم «اسلم» كما في روايات العامة ﴿قال ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ ُ ْ َ ُ ُ ُ‬
‫ك ْم ۖ﴾(((‪ ،‬ولو كان الشيطان هنا صفة كما يقولون ما قال‬ ‫اليمان ِف قل ِ‬
‫وب‬ ‫قولوا أسلمنا ولما يدخ ِل ِ‬
‫عنه «اسلم»‪ ،‬وهذه العبارة لوحدها دالة على تشخصه في الخارج على هيئة انسان‪ ،‬الن الذي‬
‫في الداخل ال يمكن ان يسلم اما الذي في الخارج لكونه شيطان فمن الممكن ان يسلم «خوفا‬
‫طمعا»‪ ،‬وحسب روايات العامة كون هذا الشيطان اسلم فاننا ال نعرف هل الذي اسلم الشيطان‬
‫الجني ام الشيطان االنسي‪.‬‬
‫والعبارة الواردة في حديث اإلمام ابي عبد اللَّه‪«‬صاحبا محمد» قصدية الداللة كونهما‬
‫موضوعان خارجيان بل شخصان معروفان‪ ،‬بل استخدمها مع كل األنبياء كما في الحديث‪،‬‬

‫(( ( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /3‬ص ‪ /85‬ح ‪2‬‬


‫(( ( الحجرات‪١٤ /‬‬
‫‪96‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ولفظة«صاحب» تدل بشكل واضح ان كل هؤالء لم تكن عداوتهم ُمعلنة واال لم يسميهما‬
‫صاحبان‪ ،‬بل كانت عداوتهما ُمضمرة والناس تسميهم «أصحاب»‪ ،‬لذلك ع ّبر عنها الحديث‬
‫بعبارة اسم «اعانني اللَّه عليه فاسلم»‪ ،‬اي اسلم ظاهرا ً‪ ،‬وهذه علما يبدوا ُس ّنة جارية في تاريخ‬
‫األنبياء كون كل هؤالء الشياطين محيطين باألنبياء وهم من خاصة أصحابهم‪ ،‬وعلما يبدوا ان‬
‫امثال هؤال يُفتتن بهم الناس في كل الديانات بعد رحيل األنبياء‪ ،‬وهذه الشخصيات التي ذكرها‬
‫الحديث الوارد عن ابي عبيد اللَّه‪ ‬بحاجة لتقصي تاريخي مفرد لمعرفة طبيعة عملهم وطبيعة‬
‫صراعهم مع األنبياء وطبيعة التحريف الذي حصل في الديانات‪.‬‬
‫ولكن من هما «حبتر وزريق»؟ والشيعي ال يحتاج إلى دليل لتحديد هوية هاذين الشيطانين‬
‫االنسي والجني الن األحاديث كثيرة جدا بتحديد شخصيتهما‪.‬‬
‫ََ َ ْ َ ُ ََْ ّ ُّ‬
‫ِك بَاب ّمِنْ ُه ْم ُج ْز ٌء َّم ْق ُس ٌ‬
‫وم﴾(((‪.‬‬ ‫اب ل ِ ٍ‬ ‫في قوله تعالى﴿لها سبعة أبو ٍ‬
‫عن ابي عبد اللَّه‪«‬يؤتى بجهنم لها سبعة ابواب بابها األول للظالم وهو زريق‪ ،‬وبابها‬
‫الثاني لحبتر‪ ،‬والباب الثالث للثالث‪ ،‬والرابع لمعاوية‪ ،‬والباب الخامس لعبد الملك‪ ،‬والباب‬
‫السادس لعسكر بن هوسر‪ ،‬والباب السابع البي سالمة‪ ،‬فهم ابواب لمن تبعهم»(((‪.‬‬
‫عن ابي عبد اللَّه‪«‬كانت امرأة من االنصار تدعى حسرة تغشى آل محمد ‪ ‬وتحن‪ ،‬وان‬
‫زفر وحبتر لقياها ذات يوم فقاال‪ :‬اين تذهبين يا حسرة؟ فقالت‪ :‬اذهب إلى آل محمد فاقضي من‬
‫حقهم واحدث بهم غدا‪ ،‬فقال‪ :‬ويلك انه ليس لهم حق انما كان هذا على عهد رسول اللَّه‪،‬‬
‫فانصرفت حسرة ولبثت ايام ثم جاءت فقالت لها ام سلمة زوجة النبي‪ ‬ما ابطأ بك عنا يا‬
‫حسرة؟ فقالت‪ :‬استقبلني زفر وحبتر فقاال‪ :‬اين تذهبين يا حسرة؟ فقلت‪ :‬اذهب إلى آل محمد‬
‫فاقضي من حقهم الواجب‪ ،‬فقاال‪ :‬انه ليس لهم حق انما كان هذا على عهد النبي‪ ،‬فقالت ام‬
‫(((‪.‬‬
‫سلمة‪ :‬كذبا لعنهما اللَّه ال يزال حقهما واجبا على المسلمين إلى يوم القيامة»‬
‫عن اسحاق بن عمار الصيرفي سألت اإلمام الكاظم‪ ‬هذا السؤال ُجعلت فداك حدثني‬
‫بحديث في ابي بكر وعمر فقد سمعت من ابيك أحاديث عدة‪ .‬فقال‪«‬يا اسحاق األول بمنزلة‬
‫العجل والثاني بمنزلة السامري‪.(((»..................‬‬

‫(( ( الحجر‪٤٤ /‬‬


‫((( البرهان‪345 / 2 :‬‬
‫(( ( ثواب االعمال وعقاب االعمال‪ /‬ص ‪ 216‬الخصال‪ /‬ص ‪199‬‬
‫(( ( ثواب االعمال وعقاب االعمال‪ /‬ص ‪ 216‬الخصال‪ /‬ص ‪199‬‬
‫ايندلا رمع‬ ‫‪97‬‬

‫عمر الدنيا‬

‫جعلت فداك ان الناس يزعمون ان الدنيا عمرها سبعة آالف سنة‪.‬‬


‫قال رجل ألبي عبد اللَّه‪ُ ‬‬
‫فقال «ليس كما يقولون ان اللَّه خلق لها خمسين الف عام فتركها قاعاً قفراً خاوية عشرة آالف‬
‫عام‪ ،‬ثم بدأ فخلق فيها خلقاً ليس من الجن وال من المالئكة وال من االنس وقدر لها عشرة آالف‬
‫عام‪ ،‬فلما قربت آجالهم افسدوا فيها فدمر اللَّه عليهم تدميراً‪ ،‬ثم تركها قاعاً قفراً خاوية عشرة‬
‫آالف عام ثم خلق فيها الجن وقدر لهم عشرة آالف عام فلما قربت آجالهم افسدوا فيها وسفكوا‬
‫ادل َِم َ‬
‫ك ّ‬ ‫َ ََُْ َ َ ُْ ُ َ ََْ ُ‬
‫اء﴾((( كما سفكت بنو الجان‬ ‫الدماء وهو قول المالئكة ﴿أتعل فِيها من يفسِد فِيها ويسفِ‬
‫فاهلكهم اللَّه ثم بدأ فخلق ادم وقرر له عشرة آالف وقد مضى من ذلك سبعة آالف عام ومائتان‬
‫وانتم في آخر الزمان»(((‪.‬‬
‫ال ادري على وجه الدقة ان الدنيا كمفهوم زماني من اين تبدأ وإلى اين تنتهي‪ ،‬وهل هي فترة‬
‫زمنية تشغل عدة مخلوقات ويدخل فيها كل االوادم السابقين؟ ام هي فترة تواجد آدمنا فقط؟‬
‫والذي اظنه ان الدنيا كمفهوم زماني متعلق بموضوع التكليف‪ ،‬فكل مخلوق يُكلف فهو في‬
‫الدنيا(((‪ ،‬فتكون الدنيا هي فترة التكليف الممتدة من خروج آدم من الجنة إلى يوم رجوع ذريته‬
‫اليها في الرجعة‪ ،‬والرجعة نهاية الدنيا بالنسبة الينا وبداية عالم البرزخ الكوني‪.‬‬
‫والحديث بحد ذاته بحاجة لبحث مفرد‪ ،‬اال انه يُعطينا معلومة كون «الدنيا» خمسين الف‬
‫عام‪ ،‬ويُشير لى ان الدنيا كمفهوم زماني يمكن ان تتواجد فيه عدة مخلوقات بشكل متسلسل‪،‬‬
‫وان فترة تواجد آدمنا وذريته هي فترة محدودة من الدنيا«عشرة آالف سنة» وليست هي كل الدنيا‪،‬‬
‫قسم الدنيا إلى خمسة اقسام كل قسم عشرة آالف سنة‪.‬‬
‫ويُ ّ‬
‫(( ( البقرة‪٣٠ /‬‬
‫(( ( تفسير العياشي‪31 /1 :‬‬
‫(( ( ال اقصد من هذا الكالم ان التكليف سينقطع نهائي ًا بعد نهاية الدنيا‪ ,‬فال قوام الي كائن اال بتكليف‪ ،‬الن تكليفه هو عين‬
‫وجوده كما في قوله تعالى ﴿كل قد علم صالته وتسبيحه﴾(النور‪ )41/‬ولكن التكليف انواع يختلف باختالف العوالم‪,‬‬
‫فالتكليف في كل عالم حسب جنس ذلك العالم‪ ،‬ففي الجنة مثال تكليفهم هو عين نعيمهم‪ ،‬وعندما اقول ان كل مخلوق‬
‫ُيكلف فهو في الدنيا اقصد منه التكليف الذي على موجبه سيحاسب اما الى الجنة واما الى لنار اما بقية التكاليف ما بعد‬
‫الدنيا فهي تابعة للدرجة التي وصل اليها المخلوق والعالم الذي يحل فيه‪.‬‬
‫‪98‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫‪ -1‬عشرة آالف سنة قاعاً قفرا ً‬


‫‪ -2‬عشرة آالف سنة فيها خلق ليسوا من المالئكة وال الجن وال اإلنسان‬
‫‪ -3‬عشرة آالف سنة قاعاً قفرا ً‬
‫‪ -4‬عشرة آالف سنة فترة الجن‬
‫‪ -5‬عشرة آالف سنة المدة المقررة آلدم‬
‫والبعض يتصور ان مفهوم الدنيا يبدأ من اول خلق آدم ولكن الحديث يعطينا تصور اخر ان‬
‫الدنيا لم تبدأ من يوم خلق آدم ابو دورتنا بل هي قبله بكثير‪ ،‬وبهذا تكون الدنيا فيها عدة مراحل‬
‫نحن في اخرها الذي مضى منها سبعة آالف ومائتان من يوم صدور هذا الحديث‪.‬‬
‫ويمكن اجراء عملية حسابيه بسيطة لمعرفة كم تبقى من الدنيا على موجب فترة العشرة‬
‫آالف سنة التي حددها الحديث‪ ،‬فالحديث صدر في زمن اإلمام الصادق‪ ‬اي ان الوقت الذي‬
‫صدر فيه الحديث يكون قد مضى من الدنيا«‪ »7200‬عام وبقي منها في يوم صدور الحديث‬
‫«‪ »2800‬عام‪ ،‬وبما ان اإلمام الصادق‪ ‬توفي سنة «‪ 138‬هـ» وبما اننا اليوم بتاريخ «‪1436‬‬
‫هـ ـ ‪2015‬م» فيكون التالي‪:‬‬
‫‪1298 =138 -1436‬‬
‫«‪ »1298‬عام هو ما مضى من العشرة آالف سنة بعد صدور الحديث‪ ،‬فإذا جمعناه مع ما‬
‫مضى من العشرة آالف سنة قبل صدور الحديث وهو«‪ »7200‬يكون التالي‪:‬‬
‫‪8498 =1298 +7200‬‬
‫«‪ »8498‬عام هو ما مضى من العشرة آالف سنة إلى يومنا هذا‬
‫‪ 1502 =8498 -10000‬عام وهو المتبقي من العشرة آالف سنة‬
‫ولكن هنا يبرز لنا سؤال هل ان نهاية هذه العشرة آالف سنة هو بداية يوم القيامة والحساب‬
‫والثواب ام ان المتبقي«‪ »1502‬فيه احداث اخرى‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫اقول‪ :‬ال يمكن ان تنتهي الدنيا اال إذا حكم آل محمد‪ ‬وهي قوله تعالى﴿إ ِ ِن َجاعِل‬
‫ايندلا رمع‬ ‫‪99‬‬
‫َ ُ َْ‬ ‫َ َّ َ ْ ْ َ َ ُ َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫َ ًَ‬ ‫َْ‬
‫الصال ِون﴾(((‪ ،‬وقوله﴿ َوقالوا ال ْم ُد‬ ‫ِف ال ْر ِض خل ِيفة ۖ﴾(((‪ ،‬وقوله﴿أن الرض ي ِرثها عِبادِي‬
‫اء ۖ فَن ِْع َم أَ ْ‬
‫ج ُر الْ َعا ِمل َ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ َّ َ ْ ُ‬
‫ث ن َ َش ُ‬ ‫َّ َّ‬
‫ِني﴾(((‪،‬‬ ‫ِلِ الِي صدقنا وعده وأورثنا الرض نتبوأ مِن النةِ حي‬
‫فيكون ملك آل محمد‪ ‬من ضمن العشرة آالف سنة المقررة لتواجد آدم وذريته وهو من ضمن‬
‫«‪ »1502‬المتبقية‪ ،‬ولكن األحاديث تقول عن هذا الملك انه طويل كما ورد في الدعاء «وتمتعه‬
‫فيها طويال» فكم هي فترة دولة القائم من ضمن «‪ »1502‬المتبقية؟‬
‫باالسناد عن بريده االسلمي قال‪ :‬قال رسول اللَّه‪« ‬كيف إذا استيأست أمتي من المهدي‬
‫فيأتيها مثل قرن الشمس يستبشر به أهل السماء وأهل األرض فقلت يا رسول اللَّه ‪ ‬بعد‬
‫الموت؟ فقال ‪ ‬واللَّه أن بعد الموت هدى وأيمان ونوراً قلت يا رسول اللَّه ‪ ‬أي العمرين‬
‫أطول قال ‪« ‬األخر بالضعف»(((‪.‬‬
‫عن اإلمام الحسن بن علي‪«‬أنه مر في مسجد رسول اللَّه‪ ‬بحلقة فيها قوم من بني امية‪،‬‬
‫فتغامزوا به وذلك عندما تغلب معاوية على ظاهر أمره‪ .‬فرآهم وتغامزهم به‪ ،‬فصلى ركعتين ثم‬
‫جاءهم فلما رأوه جعل كل واحد منهم يتنحى عنه مجلسه له‪ ،‬فقال لهم‪«:‬كونوا كما أنتم فإني‬
‫لم أرد الجلوس معكم ولكن قد رأيت تغامزكم بي‪ :‬أما واللَّه ال يملكون يوماً أال ملكنا يومين وال‬
‫شهراً أال ملكنا شهرين وال سنة أال ملكنا سنتين‪.(((».....‬‬
‫هذه األحاديث تشير صراحة إلى ان فترة ملك آل محمد في اخر الزمان هو ضعف فترة ملك‬
‫اعدائهم‪ ،‬وبما ان بني امية حكموا قرابة«‪ »91‬عام وبني العباس حكم قرابة«‪ »508‬عام فيكون‬
‫مجموع ما حكم اعداء آل محمد‪ »599«‬اي تقريبا «‪ »600‬عام فيكون ضعفه هو «‪»1200‬‬
‫عام فيكون التالي‪:‬‬
‫‪302 =1200-1502‬عام‬
‫وقد يضن البعض ان «‪ »302‬هو الفترة المتبقية لظهور اإلمام المهدي‪ ‬وهو غير صحيح‬
‫الن األحداث الخاصة بما بعد اإلمام المهدي طويلة جدا ومنها احداث نزول المسيح وظهور‬

‫(( ( البقرة‪30 /‬‬


‫((( األنبياء‪105/‬‬
‫(( ( الزمر‪74/‬‬
‫(( ( االيقاظ من الهجعة‪/‬الحر العاملي‪/‬باب‪ /9‬ح ‪/101‬ص‪289‬‬
‫((( بحار األنوار‪ /‬المجلسي‪ – 90/44 :‬ومثله في مناقب آل أبي طالب‪175/3 :‬‬
‫‪100‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الدجال وطلوع الشمس من مغربها ورجعة اإلمام الحسين ‪ ‬واإلمام علي‪ ‬وهذه قد‬
‫تشغل مساحة زمنية قد تصل إلى «‪ »300‬سنة وخصوصا ان المرويات تقول ان اإلمام المهدي‬
‫يحكم«‪ »19‬سنة ويموت وله فترة حكم اخرى تبلغ سبعة سنوات كل سنة بعشر سنين من سنيكم‬
‫هذه فتبقى فترة ال«‪ »300‬فترة معقولة لكي تجري فيه كل هذه األحداث وبالنتيجة النهائية‬
‫وحسب هذه االرقام فان الظهور قريب ان شاء اللَّه‬
‫اما إذا احتج علينا البعض كون األحاديث تذكر ان رسول اللَّه ‪ ‬في رجعته سيحكم‬
‫«‪ »50000‬سنة واإلمام علي‪ ‬يحكم«‪ »44000‬سنة فهذه ليست من فترة الدنيا بل من فترة‬
‫البرزخ الكوني الذي ستصل اليه الخالئق في رحتلها الوجودية في نهاية الرجعة‪.‬‬
‫ةكرحلا موهفم لالخ نم ظافلألا ضعب ةعباتم‬ ‫‪101‬‬

‫متابعة بع�ض الألفاظ من خالل مفهوم الحركة‬


‫الواضح جدا ً ان لكل لفظ معنى هو الذي يسمونه المعنى اللغوي‪ ،‬والمعروف ان األلفاظ‬
‫تتعدد معانيها نتيجة تعدد االستخدام اللغوي لها‪ ،‬فاأللفاظ يمكن ان تتغير معانيها حسب داللة‬
‫الجملة التي يستخدم فيها اللفظ‪ ،‬والبد هنا من التساؤل هل من الممكن ايجاد طرق اخرى غير‬
‫المعنى اللغوي لفهم مدلوالت بعض األلفاظ؟ هل من الممكن ان نفهم معاني األلفاظ بداللة‬
‫مفهوم معين؟ كما لو نفهم بعض معاني األفعال بداللة مفهوم الحركة‪ ،‬او فهم معاني بعض‬
‫األلفاظ بداللة مفهوم الزمن مثال‪ ،‬وهنا سنجري وراء هذا التصور في محاولة لوضع تعاريف‬
‫اولية لبعض األلفاظ ليس القصد منها ايجاد انطباق كلي على مواردها القرآنية فهذا امر غير‬
‫َ ّ ََ َ َْ ْ ُ َ َْ َ َ َ‬
‫نف َد َك َِم ُ‬ ‫ُ َّ َ َ ْ ْ َ ً ّ َ‬
‫ات‬ ‫ميسور وقد قال ع ّز من قال﴿قل ل ْو كن الَح ُر مِدادا ل ِك َِم ِ‬
‫ات ر ِب لفِد الحر قبل أن ت‬
‫ْ‬ ‫ّ َ‬
‫َر ِب َول ْو ِجئْ َنا ب ِ ِمثلِهِ َم َد ًدا﴾(((‪ ،‬وعن الصادق‪ ‬قال«ان للقرآن ظهر وبطن وللبطن بطن حتى‬
‫سبعة ابطن»‪ ،‬وقالوا ‪«‬ان لنا في كل لفظ سبعون وجها ولنا في كلها المخرج»‪.‬‬
‫وهنا اريد ان اخرج بشكل معين من دائرة فهم اللفظ لغويا‪ ،‬وادور حول معانيه الجزئية من‬
‫خالل متابعة معاني هذا االلفظ من خالل دالة يمكن ان تعمل عليه‪ ،‬وسنتابع الفاظ خاصة من‬
‫خالل مفهوم الحركة ومفهوم الوقت‪.‬‬

‫((( الكهف‪١٠٩ /‬‬


‫‪102‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫‪ - 1‬السقوط‪:‬‬
‫هو حركة الشيء من االعلى إلى االسفل بشكل مستقيم او مائل غير مسيطر عليها إلى‬
‫مكان غير معلوم‪« ،‬الحظ الشكل ‪ -‬ا»‪ ،‬كما تقول «سقطت الطائرة» او «سقط النيزك»‪ ،‬فانت ترى‬
‫الحركة ولكن ال تعرف اين سيستقر بها الحال‪ ،‬فالسقوط حركة مرتبطة بالمجهول مكاناً وبعدم‬
‫السيطرة فعالً‪ ،‬وعادة ما يتبع السقوط دمار او عذاب ﴿أَ ْو ن ُ ْسقِ ْط َعلَيْه ْم ك َِس ًفا ّم َِن َّ‬
‫الس َماءِ ۚ﴾(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ - 2‬النزول‪:‬‬
‫وهو حركة الشيء من االعلى إلى االسفل بشكل مستقيم عمودي حصرا ً«الحظ الشكل ‪-‬‬
‫الس َماءِ َم ً‬
‫اء﴾(((‪ ،‬والنزول حركة‬ ‫ب»‪ ،‬كما تقول «نزل المطر» او «نزل المصعد»‪ ،‬قوله﴿ َوأَ َ‬
‫نز َل م َِن َّ‬
‫مسيطر عليها وتنتهي إلى مكان معلوم‪ ،‬وحسب هذا الفهم الحركي لمعنى السقوط والنزول ال‬
‫يصح ان تقول سقوط المطر بل نزول المطر‪.‬‬
‫‪ - 3‬الصعود‪:‬‬
‫هو حركة الشيء من االسفل إلى االعلى بشكل خط مستقيم او مائل منضبطة ومسيطر‬
‫عليها «الحظ الشكل ‪ -‬ج» كما في حركة صعود الجبل او الصعود إلى العمارة او صعود الطائرة‪.‬‬
‫‪ - 4‬الهبوط‪:‬‬
‫هو حركة الشيء من االعلى إلى االسفل بشكل خط مستقيم او مائل وهي حركة منضبطة‬
‫مسيطر عليها تنتهي إلى مكان معلوم ومقرر سلفا‪ ،‬كما تقول «هبطت الطائرة» فهي حركة منضبطة‬
‫مسيطر عليها تنتهي إلى مكان معلوم مسبقا وهو ارض المطار‪ ،‬وكذلك عندما تقول هبطت‬
‫المضلة‪ ،‬او كما تقول هبطت المالئكة وهكذا لذلك إذا هبطت الطائرة استقرت وإذا سقطت‬
‫تدمرت «الحظ الشكل ‪ -‬د»‪.‬‬
‫والهبوط له عدة معاني منها معنى هندسي مرتبط بالحركة من االعلى إلى االسفل كما‬
‫ذكرنا‪ ،‬ومنه معنى رتبي بالهبوط من حال عالي إلى حإلى داني كما تقول «هبطت المعنويات» او‬
‫ُ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫بمعنى تغيير الحال‪ ،‬والهبوط بالمعنى الرتبي و تغير الحال كما في قوله﴿قال اهب ِ ُطوا َب ْعضك ْم‬
‫لِ َ ْع ٍض َع ُد ٌّو ۖ ﴾(((‪ ،‬وقد يجتمع المعنى الهندسي والرتبي في حركة واحدة كما في المورد القرآني‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ ُ‬
‫ك ْم ِف ال ْر ِض ُم ْس َتق ٌّر﴾‪ ،‬وبما ان الهبوط‬ ‫اعاله ايضا‪ ،‬والهبوط يتبعه استقرار لذلك قال ﴿ول‬

‫(( ( سبأ‪٩ /‬‬


‫(( ( البقرة‪22/‬‬
‫(( ( طه‪123 /‬‬
‫ةكرحلا موهفم لالخ نم ظافلألا ضعب ةعباتم‬ ‫‪103‬‬

‫ينتهي إلى منطقة معلومة سميت تلك االماكن «مهابط» كما ورد بعبارة«مهبط الوحي» او «مهبط‬
‫المالئكة»‪.‬‬
‫وحسب هذا الفهم الحركي لمعنى النزول والهبوط ال يصح ان تقول نزلت الطائرة بل هبطت‬
‫الطائرة‪.‬‬
‫‪ - 4‬االنزال‪:‬‬
‫كما ان السقوط والهبوط يشتركان بكونهما حركة من االعلى إلى االسفل ولكنهما يختلفان‬
‫بالخصائص‪ ،‬كذلك النزول واالنزال يشتركان بمعنى الحركة من االعلى إلى االسفل ولكن‬
‫يختلفان بالخصائص‪.‬‬
‫فاالنزال حركة الشيء من االعلى إلى االسفل يرافقها تمايل ذات اليمين وذات الشمال‬
‫اي حركة موجية‪« ،‬الحظ الشكل ‪ -‬هـ» النها تحمل في طياتها معنى حركة الشيء العظيم من‬
‫االعلى إلى االسفل‪ ،‬وكمعنى علوي تحمل معنى الفيض في حركة ظهور الشيء من االجمال‬
‫َ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ‬
‫ك الْك َِت َ‬
‫اب﴾(((‪.‬‬ ‫إلى التفصيل﴿ونزلا علي‬
‫فالسقوط والنزول والهبوط واالنزال بينهم تشابه عام من حيث الحركة من اعلى إلى اسفل‬
‫ولكن يختلفون من ناحية القيمة معنوياً واعتبارياً‪ ،‬فمثالً الهابط من الناحية المعنوية ينقص من‬
‫قدره او من مميزاته شيء‪ ،‬كما في عملية هبوط آدم وإبليس‪ ،‬لذلك ع ّبر عنها بالهبوط ولم يقل‬
‫نزال النهما فقدا الكثير من خصائصهمها في هذه العملية‪ ،‬وكذلك المالئكة إذا انتلقت من العالم‬
‫َ‬
‫العلوي إلى األرض تفقد صورتها المالئكية وتظهر بالصورة البشرية كما في قوله تعالى﴿ َول ْو‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً ََ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َ َ ً َّ َ ْ‬
‫ل َعل َناهُ َر ُجل َوللبَ ْس َنا َعليْ ِهم َّما يَلب ِ ُسون﴾(((‪ ،‬اما االنزال ففيه ال يفقد ال ُمن ّزل من‬ ‫جعلناه ملك‬
‫قيمته شيء كما هو «نزول القرآن» ولم يقل هبوطه‪.‬‬
‫ويمكن ان تالحظ معنى معين في عبارة الزيارة الجامعة«وما نزلت به رسله وهبطت به‬
‫مالئكته»‪ ،‬ففي هذ العبارة جمعت النزول والهبوط في سياق واحد‪ ،‬ويمكن ان يكون الرسل هنا‬
‫هم انفسهم المالئكة‪ ،‬ولكن عندما تأتي المالئكة بامر خاص او تشريعي يقال عنها نزلت‪ ،‬كما‬
‫ورد في األحاديث ان «جبريل ينزل على رسول اللَّه‪ ،»‬وإذا جائت بامر خارج التشريع قيل‬
‫هبطت‪ ،‬فحركة المالئكة تشريعياً نزول وهو يحمل معنى الوحي‪ ،‬وحركتها كتنفيذ وتدبير هبوط‪.‬‬

‫(( ( النحل‪٨٩ /‬‬


‫((( األنعام‪ ٩ /‬‬
‫‪104‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫‪ - 5‬العروج‪:‬‬
‫هي حركة من االسفل إلى االعلى على شكل خط مستقيم ذات اليمين وذات الشمال اي‬
‫حركة موجية «الحظ الشكل ‪ -‬و»‪ ،‬وهي بمعنى صعود االدنى إلى االعلى‪ ،‬وهو مبدأ الوسيلة‬
‫التي من خاللها يتقبل العمل‪ ،‬كما ورد «الصالة معراج المؤمن»‪ ،‬وعلى ظاهر القرآن الكريم فان‬
‫حركة العروج حركة سماوية فقط كما في قوله تعالى﴿ َو َما يَزن ُل م َِن َّ‬
‫الس َماءِ َو َما َي ْع ُر ُج ف َ‬
‫ِيها ۚ﴾(((‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فالذي يتحرك من السماء إلى األرض نزول‪ ،‬والذي يتحرك داخل السماء فهو عروج‪ ،‬فالعروج‬
‫على المعنى السماوي هو حركة من سماء الخرى لذلك قيل اإلسراء والمعراج‪ ،‬فاإلسراء حسب‬
‫هذا التصور هو الوصول إلى السماء‪ ،‬اما المعراج فهو الحركة فيها‪.‬‬
‫وإذا اردنا ان نربط بعض هذه األلفاظ مع مفهوم اخر غير الحركة وهو نوع الوقت فيكون‬
‫لدينا معاني لهذه المفاهيم من خالل الحركة ونوع الوقت‪.‬‬
‫فقد ذكرنا سابقا ان هناك اوقات متعددة في الكون فهناك العالم ذو الوقت الدهري‪ ،‬وهناك‬
‫العالم ذو الوقت الزماني وما بينهما العالم ذو الوقت البرزخي فيمكن القول‪.‬‬
‫العروج‪ :‬هو حركة من االسفل إلى االعلى من الزمان إلى الدهر او هو حركة داخل االعلى‬
‫َْ َ َ ْ َ ُُ َْ َ ََْ‬ ‫َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ُ َ ُّ ُ َ‬
‫وح إِلْهِ ِف يو ٍم كن مِقداره خسِني ألف‬ ‫فقط اي داخل الدهر فكلها عروج ﴿تعرج الملئِكة والر‬
‫َس َن ٍة﴾(((‪.‬‬
‫والهبوط‪ :‬هو حركة من االعلى إلى االسفل من الدهر إلى البرزخ او من البرزخ إلى الزمان‪.‬‬
‫والنزول‪ :‬هو حركة من االعلى إلى االسفل في الزمان‬

‫((( سبأ‪34 /‬‬


‫(( ( المعارج‪٤ /‬‬
‫�����������������������������������������‬ ‫‪105‬‬

‫جو ال�سماء ‪ -‬الموج المكفوف ‪ -‬البحر المكفوف‬


‫َ َ‬ ‫َ ّ َّ َ َ ُ ْ ُ ُ َّ َّ َّ ُ َّ‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ َ َّ ْ ُ َ َّ‬
‫الل ۗ إِن ِف ذٰل ِك‬ ‫ي مسخ َر ٍ‬
‫ات ِف جوِ السماءِ ما يمسِكهن إِل‬ ‫قال تعالى ﴿ألم يروا إِل الط ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ات ل ِق ْو ٍم يُؤم ُِنون﴾(((‪.‬‬
‫لي ٍ‬
‫المعنى الغالب للفظة السماء هي كل ما يرتفع فوق الرأس فهي تبدأ من فوق الرأس إلى ما‬
‫شاء اللَّه‪ ،‬واآلية الكريمة تشير إلى وجود جزء من السماء له تسميه خاصة سمته «جو السماء»‪،‬‬
‫ولعل قصد اآلية الكريمة بموضوع «جو السماء» هو ما نسميه حاليا «الغالف الجوي لألرض»‪،‬‬
‫دليل ذلك من نفس سياق اآلية الكريمة كون الطير مسخرات في جو السماء‪ ،‬والطير يعيش‬
‫في الغالف الجوي األرضي وال يتعداه‪ ،‬والغالف الجوي األرضي يتكون من عدة غازات‬
‫وهو كمعدل يمتد إلى اكثر من «‪ »100‬كيلو متر عن سطح األرض‪ ،‬وكلما ارتفعنا عن سطح‬
‫األرض قلت كثافة الغازات‪ ،‬وهو يتكون من اربع طبقات اساسية «التروبوسفير ‪ -‬الستراتوسفير‬
‫‪ -‬الميزوسفير ‪ -‬الثيروسفير»‪ ،‬وتعتبر طبقة التروبوسفير األولى التي تمتد لمسافه «‪ »14‬كيلومتر‬
‫هي اهم طبقات الغالف الجوي األرضي ويعتمد عليها اإلنسان والحيوان والنبات في العيش‬
‫والتنفس وهي المساحة التي تستغلها الطيور كفضاء لها في الطيران‪ ،‬وبعد مسافة «‪»100‬‬
‫كيلومتر يبدأ الفضاء الخارجي‬
‫الحظ الشكل«‪.»1‬‬

‫(( ( النحل‪٧٩ /‬‬


‫‪106‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الشكل «‪»1‬‬

‫شكل «‪»2‬‬
‫�����������������������������������������‬ ‫‪107‬‬

‫ويؤيد هذا المعنى الحديث التالي‬


‫ورد في خطبة عيد الفطر لإلمام علي‪«‬وجرت الرياح اللواقح في جو السماء والسحاب»‬
‫(((‬

‫وبهذا يكون جو السماء هو الفضاء الذي تتحرك فيه الطيور والرياح والسحاب وهو‬
‫المعروف عندنا بالغالف الجوي األرضي الحظ الشكل«‪.»2‬‬
‫وان الذي سمته اآلية الكريمة بجو السماء له تسمية اخرى في األحاديث وهو الهواء كما في‬
‫(((‬
‫حديث اإلمام علي‪«‬بين السماء والهواء بحر عجاج يتالطم به االمواج»‬
‫وتذكر األحاديث ان في هذا الهواء مخلوقات ال نراها وال نعرفها بل الواضح ان هذه المنطقة‬
‫مشحونة بالحياة كما في األحاديث التالية‪.‬‬
‫عن صفوان الجمال قال‪ :‬كنت بالحيرة مع ابي عبد اللَّه‪ ‬اذ اقبل الربيع وقال‪ :‬أجب أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬فلم يلبث ان عاد‪ ،‬قلت‪ :‬اسرعت االنصراف‪ ،‬قال«انه سألني عن شيء فاسأل الربيع‬
‫عنه»‪ ،‬فقال صفوان‪ :‬وكان بيني وبين الربيع لطف‪ ،‬فخرجت إلى الربيع فسألته فقال‪ :‬اخبرك‬
‫العجب ان االعراب خرجوا يجتنون الكمأة فاصابوا في البر خلقاً ُملقى‪ ،‬فأتوني به فادخلته على‬
‫الخليفة‪ ،‬فلما رأه قال‪ :‬نحه وادع جعفرا‪ ،‬فدعوته فقال‪ :‬يا ابا عبد اللَّه اخبرني عن الهواء ما فيه؟‬
‫قال«في الهواء موج مكفوف»‪ ،‬قال‪ :‬فيه سكان؟ قال«نعم»‪ ،‬قال‪ :‬وما سكانه؟ قال«خلق ابدانهم‬
‫ابدان الحيتان‪ ،‬ورؤوسهم رؤوس الطير‪ ،‬ولهم اعراف كأعراف الديكة‪ ،‬ونغانغ كنغانغ الديكة‪،‬‬
‫واجنحة كاجنحة الطير من الوان اشد بياضا من الفضة المجلوة»‪ ،‬فقال الخليفة‪ :‬هلم الطشت‪،‬‬
‫فجئت به وفيها ذلك الخلق وإذا هو واللَّه كما وصفه جعفر‪ ،‬فلما خرج جعفر قال‪ :‬يا ربيع هذا‬
‫الشجا المعترض في حلقي من اعلم الناس»(((‪.‬‬
‫وال اعرف على الحقيقة المعنى اللغوي لعبارة«الموج المكفوف» ففي المعاجم في مادة‬
‫كف الثياب اي طيها‪ ،‬ومنها الكفيف بمعنى فاقد البصر‪ ،‬وإذا اخذنا‬‫«كف» عدة معاني منها ّ‬
‫ّ‬
‫هاذين المعنيين مع ُمجمل ما ورد في األحاديث حول الموج المكفوف يمكن القول بان الموج‬
‫المكفوف هو الفضاء ذو المراتب المطوية الذي ال يُرى‪ ،‬والمعنى العام يمكن ان ينطبق على‬
‫طبقات الغالف الجوي كونها طبقات غير مرئية‪ ،‬ومن الحديث يتبين ان الهواء فيه كائنات‬
‫والواضح انها كائنات غير مرئية ولكنها إذا اقتربت كثيرا من اجوائنا المالمسة لألرض يمكن‬

‫((( مفاتيح الجنان‪ /‬خطبة عيد الفطر‬


‫((( المناقب‪433 /2 :‬‬
‫((( بحار األنوار‪238 /56 :‬‬
‫‪108‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫رؤيتها كما حدث في هذا المخلوق الذي تحدث عنه الحديث اعاله‪ ،‬ويوجد حديث اخر يحدد‬
‫وجود حيات في الهواء تصيدها البزاة‪ ،‬عنهم ‪«‬ان بين السماء واألرض حيات خضر تصيدها‬
‫بزاة شهب يمتحن بها اوالد األنبياء»(((‪ ،‬وما دامت التي تصيدها هي البزاة فهو طير ال يرتفع اكثر‬
‫من «‪ »5‬كيلومتر فهذه الكائنات البد وان تكون في غالفنا الجوي‪ ،‬ويمكن تفسير عدم امكانية‬
‫رؤيتها اما الن اجسامها من سنخ الهواء فهي رقيقة برقته فال يمكن رؤيتها في عالمها اال إذا‬
‫وصلت لمستوى األرض فتتثكف ويمكن رؤيتها‪ ،‬او ان طبيعة الطبقات العليا للهواء مانعة من‬
‫رؤيتها كما نرى في كائنات البحر فانت تستطيع ان ترى بعينيك كائنات البحر على مستوى‬
‫عشرات االمتار ولكن بعد ان يصبح عمق البحر مئات االمتار فلن ترى شيء سوى الظالم علما‬
‫ان قاع البحر مشحون بالحياة ونحن ال نراه‪ ،‬وربما هكذا كلما توغلنا في الفضاء زاد الظالم‬
‫وقلت امكانية الرؤيا‪ ،‬او يمكن القول ان هذه الكائنات وان كانت موجودة في الغالف الجوي‬
‫األرضي اال انها تعيش بفضاءات مغلقة خاصة بها اشبه بالمحميات البيئية فهي ما دامت في‬
‫تلك المحميات فال احد يراها اما إذا خرجت منها سقطت على األرض وراها الناس‪.‬‬
‫وبصورة عامة اجواء هذه األحاديث تشير إلى ادلة تساند النظريات التي تؤمن بوجود‬
‫كائنات فضائية والنظريات التي تؤمن بوجود عوالم غير عوالمنا‪ ،‬وهو الموضوع الذي اثير حوله‬
‫جدل كبير في االوساط الغربية من وجود كائنات فضائية لها زيارات عديدة لألرض‪ ،‬وتوجد‬
‫مؤشرات واضحة في ارث اغلب الحضارت القديمة تشير إلى هذا الموضوع‪ ،‬واالرث الديني‬
‫غني باالمثلة عنها ولكنهم يعتقدون ان تلك العوالم خارج نطاق كوكبنا األرضي بكثير اال ان هذه‬
‫األحاديث وهذا التحليل الذي نورده ربما يشير إلى ان قسما منها قريب م ّنا جدا ً بل في غالفنا‬
‫الجوي‪ ،‬وبالنتيجة يمكن القول ان الهواء والفضاء مشحون بالحياة اال ان انماط هذه الحياة‬
‫ليست مالوفة لدينا كتركيب وماهية وطريقة عيش‪.‬‬
‫وقد ورد في المرويات كالم عن الموج المكفوف كونه السماء الدنيا‪ ،‬سئل رسول اللَّه ‪‬‬
‫عن السماء قال«هذا موج مكفوف عنكم»‪ ،‬وعن أمير المؤمنين‪ ‬سئل عن السماء الدنيا مما‬
‫هي؟ قال«من موج مكفوف»(((‪.‬‬
‫وهناك تعبير اخر ورد في المرويات ليس «الموج المكفوف» بل «الجو المكفوف»‪.‬‬

‫((( بحار األنوار‪339/56 :‬‬


‫((( الخصال‪3 :‬‬
‫�����������������������������������������‬ ‫‪109‬‬

‫عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب‪«‬اللَّهم رب السقف المرفوع والجو المكفوف الذي‬
‫جعلته مغيضاً لليل والنهار ومجرى للشمس والقمر ومختلفا للنجوم السيارة وجعلت سكانه‬
‫(((‬
‫سبطا من مالئكتك‪».......‬‬
‫عن اإلمام علي بن الحسين‪«‬ان من اآليات التي قدرها اللَّه للناس مما يحتاجون اليه البحر‬
‫الذي خلقه اللَّه بين السماء واألرض‪ ،‬قال‪ :‬وان اللَّه قدر فيه مجاري الشمس والقمر والنجوم‬
‫والكواكب‪.(((».....‬‬
‫وحديث اخر يبين ان هذا البحر بين «السماء والهواء»‬
‫عن اإلمام علي‪«‬بين السماء والهواء بحر عجاج يتالطم به االمواج»(((‪.‬‬
‫وهذا كما يبدوا ليس غالفنا الجوي الذي تسميه األحاديث «الهواء» و«الموج المكفوف»‬
‫بل هو فضاء اعلى من غالفنا الجوي الن فيه مجرى الشمس والقمر والنجوم والكواكب وسكانه‬
‫من المالئكة‪ ،‬وما دام القمر يجري في «الجو المكفوف» فهذا معناه ان حدود البحر المكفوف‬
‫تبدأ من اسفل فلك القمر إلى بداية السماء الدنبا‪ ،‬فهو ما يقابل عندنا الفضاء الخارجي الذي‬
‫تنعدم فيه الجاذبية‪.‬‬
‫وعليه يمكن وضع جدول لترتيب هذت المثابات من األرض إلى السماء األولى‬

‫الغالف الجوي األرضي‬ ‫الهواء ‪ -‬الموج المكفوف‬


‫الفضاء الخارجي‬ ‫الجو المكفوف‬
‫السماء الدنيا‬ ‫السماء‬
‫وبهذا يمكن رسم خارطة اولية للمسافة الممتدة من األرض إلى السماء الدنيا بداللة اآلية‬
‫الكريمة ومجمل الروايات‬
‫الحظ الشكل «‪»3‬‬

‫((( نهج البالغة ‪318 /1 :‬‬


‫((( الكافي ‪379 /8 :‬‬
‫((( المناقب‪433 /2 :‬‬
‫‪110‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الشكل«‪»3‬‬
‫�����������������������������‬ ‫‪111‬‬

‫ت�أمالت باطنية في الع�صا والحجر‬


‫ّ َ َ َ َْ َ َ َ َ َ َ ْ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َُُْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ت مِن ُه‬ ‫اضب بِعصاك الجر ۖ فانبجس‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫م‬‫و‬ ‫ق‬ ‫اه‬ ‫ق‬‫س‬ ‫ت‬ ‫اس‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫قوله تعالى﴿ َوأ ْو َحيْ َنا إ ِ َ ٰل ُم َ ٰ‬
‫وس‬
‫ِ‬
‫اس َّم ْ َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ً َ ْ َ ُ ُّ ُ َ‬
‫(((‬
‫ش َب ُه ْم ۚ ﴾‬ ‫شة عينا ۖ قد عل َِم ك أن ٍ‬ ‫اثنتا ع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ َ َ‬
‫است ْسقاهُ ق ْو ُم ُه أ ِن‬ ‫عن اإلمام الباقر‪ ‬من حديث في قوله تعالى﴿ َوأ ْو َحيْ َنا إ ِ َ ٰل ُم َ ٰ‬
‫وس إِذِ‬
‫اس َّم ْ َ‬ ‫ّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ً َ ْ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ش َب ُه ْم ۚ﴾ قال«‪.....‬‬ ‫شة عينا ۖ قد عل َِم ك أن ٍ‬ ‫اضب بِعصاك الجر ۖ فانبجست مِنه اثنتا ع‬ ‫ِ‬
‫فإذا زوجت فاطمة من علي فعلي العصا وفاطمة الحجر يخرج منها احد عشر اماما من صلب‬
‫علي يتم اثنا عشر اماما لعلي حياة المتك تهتدي كل امة بامامها في زمنه ويعلم كل قوم كما علم‬
‫قوم موسى مشربهم فهذا تاويل هذه اآلية وكان بين تزويج علي بفاطمة في السماء وتزويجها في‬
‫األرض اربعون يوما»(((‪.‬‬
‫وعن اإلمام الصادق‪«‬ان في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن كانت فيه اسماء‬
‫(((‬
‫الرجال فالقيت انما االسم الواحد منه في وجوه ال تحصى يعرف ذلك الوصاة»‬
‫وقد ورد في كالم الشيخ االحسائي والسيد كاظم الرشتي والحاج محمد كريم خان نفس‬
‫المعنى كون لهذه اآلية باطن وهو ان موسى‪ ‬فيها هو رسول اللَّه‪ ،‬والعصا هو اإلمام‬
‫علي‪ ،‬والحجر هو موالتنا فاطمة‪ ،‬ويمكن ان ابني تصور على هذا الفهم الباطني لآلية(((‪.‬‬
‫اك ْ َ‬
‫ال َج َر ۖ﴾ ان‬
‫ْ‬
‫اضب ّب َع َص َ‬ ‫فيكون معنى اآلية على الباطن‪ ،‬إنّا اوحينا لمحمد‪َِ ﴿‬ن‬
‫ِ ِ‬
‫اك﴾ ونسبها لنفسه ولم يقل «اضرب بالعصى» الن‬ ‫اضب ّب َع َص َ‬
‫«يزوج النور بالنور»(((‪ ،‬وقال ﴿ ِ ْ‬
‫ِ‬
‫((( األعراف ‪160 /‬‬
‫((( صحيفة األبرار‪ /‬الميرزا محمد تقي‪ /‬الجزء الثاني من القسم األول‪ /‬ح ‪9‬‬
‫((( تفسير العياشي‬
‫((( ورد عن األئمة ‪«‬لو تدبر شيعتنا القرآن اللفيتمونا مسمين» وورد عنهم ايضا «ان موسى في القرآن سبعة»وهذه كلها‬
‫اشارات باطنية يمكن من خاللها النظر إلى بواطن القرآن الكريم ومعرفة المدلوالت العميقة للنص كما ورد عنهم صلوات‬
‫اللَّه عليهم «ان القرآن ظاهره انيق وباطنه عميق»‬
‫((( عن اإلمام الحسن‪ ‬قال «بينما رسول اللَّه‪ ‬في بيت ام سلمة اذ هبط عليه ملك له عشرون راس في كل راس الف لسان‬
‫يسبح اللَّه ويقدسه بلغة ال تشبه االخرى فقال لرسول اللَّه‪‬انا صرصائيل «محمود» بعثني اللَّه اليك ويقول لك زوج النور‬
‫بالنور فقال النبي‪ ‬من ممن؟ قال فاطمة من عليفلذا زوج النبي‪ ‬فاطمة ‪ ‬بشهادة جبرئيل وميكائيل وصرصائيل‬
‫وكان هذا ازواج في األرض‬
‫‪112‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫َْ‬
‫العصا منه واليه‪ ،‬وربما رمز لها بالحجر النه ليس لها‪ ‬كفؤ((( إال علي‪ ‬فينبجس منها ﴿اثن َتا‬
‫اس َّم ْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫َع ْ َ َ َ ْ ً‬
‫ش َب ُه ْم ۚ﴾ والناس هنا الشيعة‪ ،‬والراجح‬ ‫شة عينا ۖ﴾ يعني اثنا عشر اماماً‪﴿ ،‬قد عل َِم ك أن ٍ‬
‫ان هذا المقام ليس مقام زماني بل هو مقام ملكوتي علوي الن األحاديث تقول ان اللَّه زوج‬
‫علي من فاطمة عليهما السالم في السماء قبل األرض باربعين يوم‪ ،‬وهذا هو مقام الحجية لها‬
‫صلوات اللَّه عليها على كل المعصومين لقول اإلمام العسكري‪«‬نحن حجج اللَّه على خلقه‬
‫وجدتنا فاطمة حجة اللَّه علينا»((( النها هناك ينبوع علل وجودهم ومنها تخرج العيون االثنا عشر‬
‫َ‬ ‫((( َ َ ُ ْ‬ ‫ات ال ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫التي هي مقام فلك الكرسي والبروج االثنا عشر ﴿ َو َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وج﴾ ﴿فل أقسِم بِمواق ِعِ‬ ‫ب ِ‬ ‫الس َماءِ ذ ِ‬
‫وم﴾((( والنجوم هنا األئمة ومواقع النجوم هي موالتنا فاطمة على الباطن‪.‬‬ ‫ج ِ‬‫انلُّ ُ‬

‫ولو تأملت لوجدت اآلية تتحدث عن اربعة دوال هي «موسى ‪ -‬العصا ‪ -‬الحجر ‪ -‬العيون»‬
‫وهي على الباطن «محمد ‪ -‬علي ‪ -‬فاطمة ‪ -‬األئمة» وهي على الباطن العلل األربعة للتخليق‪،‬‬
‫وعلى باطن الباطن«نبوة ‪ -‬والية ‪ -‬عصمة ‪ -‬امامة»‬

‫وهو ال ُمقدم وجودا ً والمؤخر ظهورا ً‬ ‫العلة الغائية‬ ‫الرسول محمد‪‬‬


‫«محل فعل اللَّه»‬ ‫العلة الفاعلة‬ ‫العصا‬ ‫اإلمام علي‪‬‬
‫الرحم الكوني الذي منه صور األئمة‪‬‬ ‫العلة المادية‬ ‫الحجر‬ ‫موالتنا فاطمة‪‬‬
‫البروج اإلثنا عشر‬ ‫العلة الصورية‬ ‫العيون‬ ‫األئمة االثنا عشر‪‬‬

‫((( عن المفضل عن ابي عبد اللَّه‪ ‬قال «لوال ان اللَّه تعالى خلق أمير المؤمنين‪ ‬لم يكن لفاطمة كفؤ على ظهر األرض‬
‫من آدم فما دونه» تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /5‬ص ‪ /468‬ح ‪10‬‬
‫((( اطيب البيان في تفسير القران‪ /‬ج‪ /13‬ص ‪225‬‬
‫((( البروج‪1 /‬‬
‫((( الواقعة‪75/‬‬
‫��������������������������������������������������‬ ‫‪113‬‬

‫�أ�سياف ر�سول اهلل �ص ّلى اهلل عليه و�آله و�سلّم الخم�سة‬


‫عن ابي عبد اللَّه‪ ‬سأله رجل من شيعته عن حروب أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه‬
‫فقال ‪«‬بعث اللَّه محمدا ً‪ ‬بخمسة اسياف‪ ،‬ثالثة منها شاهرة((( التغمد حتى تضع الحرب‬
‫اوزارها‪ ،‬ولن تضع الحرب اوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها‪ ،‬فإذا طلعت من مغربها آمن‬
‫ت ِف‬ ‫ت مِن َقبْ ُل أَ ْو َك َس َب ْ‬ ‫آم َن ْ‬
‫ك ْن َ‬ ‫َ َُ َْ َ ُ‬ ‫َ َ َْ‬
‫الناس كلهم ذلك اليوم فيومئذ﴿ل يَنف ُع نف ًسا إِيمانها لم ت‬
‫يا ۗ﴾(((‪ ،‬وسيف مكفوف‪ ،‬وسيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا وحكمه الينا‪.‬‬ ‫يمان َِها َخ ْ ً‬
‫إ َ‬
‫ِ‬
‫َ ْ ُ‬
‫وجل﴿فاق ُتلوا‬ ‫ّ‬ ‫فاما السيوف الثالثة الشاهرة فسيف على مشركي العرب‪ ،‬قال اللَّه ع ّز‬
‫الص َلةَ‬ ‫اموا َّ‬ ‫ك َم ْر َصد ۚ فَإن تَابُوا َوأَقَ ُ‬ ‫ْ ُ ْ َ َ ْ ُ َ َ ُّ ُ ُ ْ َ ُ ُ ُ ْ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ ُ ْ ُ َّ‬
‫شك ِني حيث وجدتموهم وخذوهم واحصوهم واقعدوا لهم‬
‫ٍ ِ‬ ‫الم ِ‬
‫ٌ (((‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ ُ َّ َ َ َ َ ُّ َ َ ُ ْ َّ َّ َ َ ُ‬
‫وآتوا الزكة فخلوا سبِيلهم ۚ إِن الل غفور رحِيم﴾ ‪ ،‬هؤالء ال يقبل منهم إال القتل او الدخول في‬
‫اإلسالم‪ ،‬واموالهم فيء وذراريهم سبي على ما سن رسول اللَّه‪ ‬فانه سبى وعفى وقبل الفداء‪.‬‬
‫ُ ُ‬
‫اس ُح ْس ًنا﴾(((‪ ،‬نزلت هذه اآلية‬ ‫والسيف الثاني على اهل الذمة قال اللَّه سبحانه ﴿ َوقولوا ل َِّلن ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َّ َ َ ْ َ َّ َ ْ‬
‫ِين ل يُؤم ُِنون بِاللِ َول بِالَ ْو ِم الخ ِِر َول يَ ّ ِر ُمون‬ ‫في اهل الذمة ونسخها قوله تعالى﴿قات ِلوا ال‬
‫ال ْز َي َة َعن يدَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ّ َ َّ َ ُ ُ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ت يعطوا ِ‬ ‫ما حرم الل ورسول ول يدِينون دِين ال ِق مِن الِين أوتوا الكِتاب ح ٰ‬
‫َ‬
‫َو ُه ْم َصاغ ُِرون﴾(((‪ ،‬فمن كان منهم في دار اإلسالم فلن يقبل منهم إال الجزية او القتل ومالهم‬
‫ح ّرمت اموالهم وحلت‬‫ح ّرم علينا سبيهم و ُ‬
‫فيئ وذراريهم سبي فإذا قبلوا الجزية على انفسهم ُ‬
‫ح ّل لنا سبيهم واموالهم ولم تحل لنا مناكحتهم ولم‬
‫مناكحتهم‪ ،‬ومن كان منهم في دار الحرب ُ‬
‫يقبل منهم اال دخول دار اإلسالم والجزية او القتل‪.‬‬
‫والسيف الثالث على ُمشركي العجم كالترك والديلم والخرز‪ ،‬قال اللَّه عز وجل في اول‬
‫َ َّ ٰ َ َ ْ َ ُ ُ‬ ‫َ َ ْ َ َّ‬
‫نت ُموه ْم‬ ‫اب حت إِذا أث‬ ‫الرق ِ‬
‫السورة ْالتي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهمْ ثم َقال ﴿فضب ِ‬
‫َ‬ ‫ت تَ َض َع َ‬
‫ال ْر ُب أ ْو َز َار َها ۚ ﴾(((‪ ،‬فاما قوله﴿فإ ِ َّما َم ًّنا َب ْع ُد﴾‬ ‫اء َح َّ ٰ‬ ‫اق فَإ َّما َم ًّنا َب ْع ُد َّ‬
‫ِإَوما ف َِد ً‬ ‫ََ َ‬ ‫َ ُ‬
‫فش ُّدوا الوث‬
‫ِ‬
‫((( الشاهرة‪ :‬المجردة من الغمد‬
‫((( األنعام‪158/‬‬
‫((( التوبة‪5 /‬‬
‫(( ( البقرة‪٨٣ /‬‬
‫((( التوبة‪29 /‬‬
‫((( محمد‪4 /‬‬
‫‪114‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫اء﴾ يعني المفاداة بينهم وبين اهل اإلسالم‪،‬فهؤالء ال يقبل منهم‬ ‫يعني بعد السبي منهم‪َّ ﴿،‬‬
‫ِإَوما ف َِد ً‬
‫إال القتل او الدخول في اإلسالم وال يحل لنا نكاحهم ما داموا في دار الحرب‪.‬‬
‫ان م َِن‬ ‫َ ََ‬
‫والتأويل قال اللَّه ﴿ِإَون طائِفت ِ‬ ‫واما السيف المكفوف فسيف على اهل البغي‬
‫ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ ٰ َ َ ُ َّ َ ْ َ َّ َ َ َٰ‬
‫ت ت ِفء إِل‬ ‫المؤ ِمن ِني اقتتلوا فأصل ِحوا بينهما ۖ فإِن بغت إِحداهما ع الخرى فقات ِلوا ال ِت تب ِغ ح ٰ‬
‫َ ْ َّ‬
‫اللِۚ﴾((( فلما نزلت هذه اآلية قال رسول اللَّه ‪ ‬ان منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما‬ ‫أم ِر‬
‫فسئل النبي‪ ‬من هو؟ فقال ‪ -‬خاصف النعل ‪ -‬يعني أمير المؤمنين‪- ‬‬ ‫قاتلت على التنزيل‪ُ ،‬‬
‫وقال عمار بن ياسر‪ :‬قاتلت بهذه الراية مع رسول اللَّه‪ ‬ثالثا‪ ،‬وهذه الرابعة واللَّه لو ضربونا‬
‫حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر لعلمنا انّا على حق وانهم على الباطل‪ ،‬وكانت السيرة فيهم‬
‫من أمير المؤمنين‪ ‬ما كان من رسول اللَّه‪ ‬في اهل مكة يوم فتحها فانه لم يسب لهم ذرية‬
‫وقال‪ :‬من اغلق بابه فهو امن‪ ،‬ومن القى سالحه فهو امن‪ ،‬وكذلك قال أمير المؤمنين‪ ‬يوم‬
‫البصرة نادى فيهم ال تسبوا لهم ذرية‪ ،‬وال تدففوا على جريح‪ ،‬وال تتبعوا مدبرا‪ ،‬ومن اغلق بابه‬
‫والقى سالحه فهو امن‪.‬‬
‫ي‬‫والسيف المغمود الذي يقام به القصاص‪ ،‬قال اللَّه عز وجل﴿انلَّ ْف َس بانلَّ ْفس َوالْ َع ْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫َْْ‬
‫ي﴾(((‪ ،‬فسلّه إلى اولياء المقتول وحكمه الينا‪ ،‬فهذه السيوف التي بعث بها محمدا ً‪ ‬فمن‬ ‫بِالع ِ‬
‫جحدها او جحد واحدا منها او شيئا من سيرها واحكامها فقد كفر بما انزل اللَّه تبارت وتعالى‬
‫(((‬
‫على محمد‪»‬‬
‫للسيف في تاريخ الحضارات واالديان رمزية كبيرة وخاصة ومتعددة‪ ،‬فهو رمز للسلطة‬
‫والقانون والموت والقوة والبطش والشرف والواجب‪ ،‬ولطالما ارتبطت السيوف الخاصة مع‬
‫ابطال الحق االلهيين‪ ،‬وعبارات الحديث توحي بان داللة السيف ال تقتصر على كونه ألة من‬
‫معدن‪ ،‬بل تشير إلى معنى القانونية الرتباطها مع مفهوم اآلية‪ ،‬فلفظ اآلية يعني في بعض معانيه‬
‫القانون‪ ،‬فتكون آيات السيف هي آيات قوانين القتال‪ ،‬فمعنى السيف ومعنى اآلية ومعنى القانون‬
‫ينطبق احدهما على االخر‪ ،‬فكل آية قانون والبد للقانون من شخص يطبقه والبد من إله للتنفيذ‪،‬‬
‫فيصح انطباق داللة احدهما على االخر‪ ،‬وفي االرث الروائي تم اطالق مفهوم السيف على‬

‫((( الحجرات‪9 /‬‬


‫((( المائدة‪45 /‬‬
‫((( وسائل الشيعة‪ :‬الحر العاملي‪ /‬ج‪ /15‬كتاب الجهاد‪ /‬ص ‪ / 25‬ح ‪ 19938‬ورواه الكليني ايضا في الكافي وشيخ الطائفة‬
‫في التهذيب‬
‫��������������������������������������������������‬ ‫‪115‬‬

‫شخص خاص‪ ،‬عن رسول اللَّه‪ ‬في وصف أمير المؤمنين‪ ‬انه«وسيف اللَّه وسيفي»(((‪،‬‬
‫وجل‬
‫وال غرابة ان يكون السيف مصداق لآلية كما ورد ان سيف ذو الفقار هو من آيات اللَّه ع ّز ّ‬
‫واشتهرت به مقولة جبرائيل‪«‬ال سيف اال ذو الفقار ال فتى اال علي»‪.‬‬
‫لقد ذكر جملة من المفسرين اكثر من عشرين آية قرآنية يسمونها آيات القتال ولو راجعتها‬
‫لوجدت ان قسماً منها ليس فيه امر بالقتال‪ ،‬انما فيه ذكر لموضوع القتال والحث على القتال‬
‫والتهيئة للقتال واعداد العدة والوعد بالنصر وشروط القتال وغيرها‪ ،‬ولكن مدار الكالم عندهم‬
‫َّ َّ َ َ‬ ‫َّ َّ َ َ ُ َ ُ َ َ‬ ‫على آيات معينة منها قوله تعالى﴿ َوقَات ِلُوا ف َ‬
‫الل ل‬ ‫ِين ُيقات ِلونك ْم َول ت ْع َت ُدوا ۚ إِن‬ ‫يل اللِ ال‬ ‫ِ َ ِ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِين ؀ َواق ُتلوه ْم َحيْث ثقِف ُت ُموه ْم َوأخ ِرجوهم مِن حيث أخ َرجوكم ۚ َوالفِتنة أشد م َِن‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ْ ُ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫ِب ال ْ ُم ْع َتد َ‬ ‫ُي ُّ‬
‫وه ْم ۗ َك َذٰل َِك َج َز ُ‬ ‫َ َ َُ ُ ْ َ ُُْ ُ‬ ‫ْ َ َ َ َّ َ ُ ُ‬ ‫َْ ْ ََ َُ ُ ُ ْ َ َْ ْ‬
‫اء‬ ‫ت ُيقات ِلوك ْم فِيهِ ۖ فإِن قاتلوكم فاقتل‬ ‫ج ِد الر ِام ح ٰ‬ ‫القت ِل ۚ ول تقات ِلوهم عِند المس ِ‬
‫َ َ ُ ُ ْ َ َّ ٰ َ َ ُ َ ْ َ ٌ َ َ ُ َ ّ ُ َّ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫الل َغ ُف ٌ‬ ‫انت َه ْوا فَإ َّن َّ َ‬ ‫ين ؀ فَإن َ‬ ‫الْ َكف ِر َ‬
‫ِين ِلِۖ‬ ‫ِيم ؀ وقات ِلوهم حت ل تكون ف ِتنة ويكون ادل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ (((‬ ‫َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ َّ َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫فإ ِ ِن انتهوا فل عدوان إِل ع الظال ِ ِمني﴾ ‪.‬‬
‫َْ‬
‫ِيحوا ِف ال ْر ِض‬ ‫ِني ؀ فَس ُ‬ ‫ِين َع َهدتُّم ّم َِن ال ْ ُم ْشك َ‬ ‫ولِ إ َل َّال َ‬ ‫َ َ ٌ ّ َ َّ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫وقوله تعالى﴿ب َراءة مِن اللِ ورس ِ ِ‬
‫َّ‬ ‫ََ ٌ‬ ‫الل ُمْزي الْ َكف ِر َ‬ ‫اللِ ۙ َوأَ َّن َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫ي ُم ْ‬ ‫ك ْم َغ ْ ُ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ َ َّ ُ‬
‫ولِ‬‫ين ؀ َوأذان ّم َِن اللِ َو َر ُس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ز‬
‫ِ‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫أربعة أشه ٍر واعلموا أن‬
‫َ ْ َ ْ َ ّ ْ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ ٌ ّ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ُ ُ َ ُ ْ ُ ْ َ ُ َ َ ْ ٌ َّ ُْ‬ ‫َ‬
‫شك ِني ۙ ورسول ۚ فإِن تبتم فهو خي لكم ۖ ِإَون‬ ‫ِ‬ ‫ب أن الل ب ِريء مِن الم‬ ‫ِ‬ ‫اس يوم ال ِج الك‬ ‫إِل انلَّ ِ‬
‫َّ َّ َ َ َ ُّ‬ ‫َ َ َ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ َ ّ َّ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك ْم َغيْ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َّ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ َّ ُ‬
‫اب أ ِل ٍم ؀ إِل الِين عهدتم‬ ‫ش الِين كف َروا بِعذ َ ٍ‬ ‫ج ِزي اللِ ۗ وب ِ ِ‬ ‫مع ِ‬ ‫تولتم فاعلموا أن‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ُْ ْ َ ُ‬
‫ِني ث َّم ل ْم يَنقصوك ْم شيئا َول ْم ُيظاه ُِروا عليْك ْم أحدا فأت ُِّموا إِلْ ِه ْم عهده ْم إ ِ ٰل مدت ِ ِه ْم‬ ‫شك‬
‫مِن الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ال ُر ُم فاق ُتلوا ال ُم ْشك َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الل ُي ُّ‬ ‫ۚ إ َّن َّ َ‬
‫ُ ُ‬
‫ِني َحيْث َو َجدت ُموه ْم َوخذوه ْم‬
‫ُ‬ ‫انسل َخ الش ُه ُر ُ‬ ‫ني ؀ فإذا َ‬ ‫ِب ال ُم َّتق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللَ‬ ‫َّ َ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ ُّ َ َ ُ ْ َّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫صوهم َواقعدوا لهم ك م ْرص ٍد ۚ فإِن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكة فخلوا سبِيلهم ۚ إِن‬ ‫َواح ُ‬
‫ٌ (((‬
‫ور َّرحِيم﴾‬ ‫َغ ُف ٌ‬

‫وهذه التي يطلق عليها المفسرون آية القتال او آية السيف ولكل منها مناسبة خاصة‪،‬‬
‫واختلف العلماء في فهم آية السيف فمنهم من يقول بانها نسخت جميع آيات الصفح والكف‬
‫عن المشركين‪ ،‬وقال بعضهم انها ليست ناسخة لتلك اآليات ولكن االحوال تختلف حسب قوة‬
‫وضعف المسلمين‪.‬‬

‫((( االمالي‪ /‬الصدوق‪ /‬ص ‪271‬‬


‫((( البقرة‪193 - 190 /‬‬
‫((( التوبة‪5-1/‬‬
‫‪116‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وقد استخدم التفسير العشوائي والشخصي والفئوي لهذه اآليات حالها حال بقية القرآن في‬
‫وجل‪ ،‬فقد تم تسييسها باتجاهات مختلفة‬‫زمننا الحالي وفي كل زمان بشكل خارج مراد اللَّه ع ّز ّ‬
‫خدمة لمصالح معينة لجهات متنازعة‪ ،‬ومن هنا نفهم لماذا حث االرث الروائي آلل محمد‪‬‬
‫بعدم القتال إال تحت راية معصوم النه الوحيد العارف باحوال هذه اآليات وعلى من تشهر هذه‬
‫السيوف‪.‬‬
‫والحديث مورد الكالم بيّن ان هناك خمسة اسياف اي خمسة قوانين تشرحها خمسة آيات‬
‫قرآنية خاصة بالقتال‪ ،‬بل ليس كلها للقتال فبعضها للقصاص‪ ،‬وهذه االسياف ثالثة ُمشهرة‪،‬‬
‫والرابع مكفوف‪ ،‬والخامس ُمغمد‪ ،‬والذي افهم من كلمة ُمشهرة انه سيف ُمجرد عن غمده‪،‬‬
‫اي في حال استعمال‪ ،‬فهي آيات ثالثة وسيوف ثالثة ُمشرعة معمول بها على طول خط الزمن‬
‫إلى موعد معين إلى ان تضع الحرب اوزارها‪ ،‬وال تضع الحرب اوزارها إلَّ بطلوع الشمس‬
‫من مغربها‪ ،‬وفي الحديث داللة على ان طلوع الشمس من مغربها هو من اخر العالمات بعد‬
‫القائم‪ ‬وليس قبله كما يتصور البعض‪ ،‬فلو طلعت الشمس من مغربها قبل ظهور القائم‪‬‬
‫فهذا معناه ان الحرب وضعت اوزارها قبل القائم‪ ‬وهو خالف األحاديث التي تذكر بعد‬
‫القائم‪ ‬حروب كثيرة‪ ،‬فبعد طلوع الشمس من مغربها ستنتهي المعارك وستغمد هذه السيوف‬
‫الثالثة ويتوقف العمل بهذه االيات فال يوجد بعدها كافر على األرض‪ ،‬ولن تقبل التوبة من احد‬
‫وتظهر دولة العدل فال مشركين وال كفار فتغمد هذه السيوف ويتوقف العمل بهذه اآليات النتفاء‬
‫الموضوع الخاص بها‪.‬‬
‫آم َن ْ‬ ‫ََْ َ َْ ُ َ َّ َ َ َ َ ُ َْ ً َ َُ َْ َ ُ‬
‫ك ْن َ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ات ربِك ل ينفع نفسا إِيمانها لم ت‬ ‫عن َابي جعفر‪ ‬في قوله﴿يوم يأ ِت بعض آي ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫انتظ ُروا إنا ُم َ‬
‫نت ِظ ُرون﴾‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يمان َِها خ ً‬
‫ت﴾ قال نزلت‪ :‬او اكتسبت ﴿ف إ َ‬ ‫مِن َقبْ ُل أ ْو َك َس َب ْ‬
‫(((‬
‫ِ‬ ‫يا ۗ ق ِل ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال«إذا طلعت الشمس من مغربها فكل من آمن في ذلك اليوم ال ينفعه ايمانه»(((‪.‬‬
‫والحديث المبارك موضوع البث حدد اسياف وقوانين القتال والقصاص بخمسة كالتالي‬
‫مشهر األول‪:‬‬
‫السيف ال ُ‬
‫ُّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِني َحيْث َو َجدت ُموه ْم‬ ‫اق ُتلُوا ال ْ ُم ْشك َ‬
‫َ ْ‬
‫قال ‪«‬فسيف على مشركي العرب‪ ،‬قال اللَّه عز وجل﴿ف‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫خلوا َسبيل ُهمْ‬‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ َ َ َ ُ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ ُ ْ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ ُ ْ ُ َّ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫وخذوهم واحصوهم واقعدوا لهم ك مرص ٍد ۚ فإِن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكة ف‬
‫ِيم﴾‪ ،‬هؤالء ال يقبل منهم إال القتل او الدخول في اإلسالم‪ ،‬واموالهم فيء‬ ‫الل َغ ُف ٌ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫ۚ إ َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫وذرارءهم سبي على ما سن رسول اللَّه‪ ‬فانه سبى وعفى وقبل الفداء»‪.‬‬

‫((( األنعام‪158/‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /3‬ص ‪ /121‬ح ‪1‬‬
‫��������������������������������������������������‬ ‫‪117‬‬

‫الراجح ان عبارة « ُمشركي العرب» تعني العرب الذين قاتلوا رسول اللَّه‪ ‬في حياته في‬
‫بدر وأُحد وحنين وغيرها‪ ،‬وهم من قريش ومن تحالف معها لذلك سماهم ُمشركي العرب‪ ،‬فان‬
‫غلبهم رسول اللَّه‪ ‬وهم على كفرهم قتلهم واموالهم فيء وذراريهم سبي‪ ،‬وان امنوا عفي‬
‫خ ُّلوا َسبيلَ ُه ْم ۚ إ َّن َّ َ‬
‫الل‬
‫َّ َ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ‬
‫ف‬ ‫ة‬‫ك‬ ‫الز‬ ‫ا‬‫و‬ ‫آت‬ ‫و‬ ‫ة‬‫ل‬ ‫الص‬ ‫وا‬ ‫ختمت اآلية بقوله﴿فَإن تَابُوا َوأَقَ ُ‬
‫ام‬ ‫عنهم‪ ،‬لذلك ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِيم﴾‪ ،‬وهؤالء هم انفسهم الذين دخل عليهم رسول اللَّه‪ ‬عند فتح مكة وقال «من‬ ‫َغ ُف ٌ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫دخل داره فهو امن» فمن تاب منهم واسلم عفا عنه‪.‬‬
‫وقد يتصور البعض ان مفهوم« ُمشركي العرب» قد انتهى بعد ان سيطر رسول اللَّه‪ ‬على‬
‫مكة وشاع اإلسالم في كل الحجاز وجزيرة العرب‪ ،‬فبعد موت رسول اللَّه‪ ‬البد وان هذا‬
‫العنوان قد انتهى‪ ،‬والحق ان هذا العنوان موجود على طول خط الزمن وإلى االن الن كل سيف‬
‫مشهور غير ُمغمد البد وان له انطباق على ارض الواقع عبر التاريخ الن له عالقة بموضوع‬
‫نصب اإلمام علي ‪ ‬من بعده خليفة على المسلمين‬ ‫الشرك‪ ،‬فرسول اللَّه‪ ‬قبل رحيله قد ّ‬
‫ونصب غيره هو ُمشرك‪ ،‬النه جعل مع امر رسول اللَّه‪‬‬ ‫في يوم الغدير‪ ،‬فكل من خرج عليه ّ‬
‫َ َ َ ُ ُ َّ ُ ُ َ ُ ُ ُ َ َ َ َ ُ‬
‫اك ْم َعنْهُ‬‫امر اخر وشخص اخر وهذا العمل والشرك سواء ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نه‬
‫انت ُهواۚ﴾(((‪ ،‬وحسب قرأتي لألحاديث فان اإلمام المهدي‪ ‬في اول ظهوره سيقاتل« ُمشركي‬ ‫فَ َ‬
‫العرب» وهم اهل مكة والمدينة بهذا السيف ايضا‪ ،‬فإذا لم يتوبوا قتلهم فاموالهم فيء وذراريهم‬
‫سبي‪.‬‬
‫السيف المشهر الثاني‪:‬‬
‫ُ ُ‬
‫اس ُح ْس ًنا﴾‪ ،‬نزلت‬ ‫قال ‪«‬والسيف الثاني على اهل الذمة قال اللَّه سبحانه ﴿ َوقولوا ل َِّلن ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َّ َ َ ْ َ َّ َ ْ‬
‫ِين ل يُؤم ُِنون بِاللِ َول بِالَ ْو ِم الخ ِِر َول‬ ‫هذه اآلية في اهل الذمة ونسخها قوله تعالى﴿قات ِلوا ال‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ال ْز َية َعن‬
‫ْ‬ ‫اب َح َّ ٰ ُ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِين أوتُوا الك َِت َ‬ ‫ُ َ ّ ُ َ َ َ َّ َ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ َ َ ْ َ‬
‫ال ّق م َِن َّال َ‬
‫ت يعطوا ِ‬ ‫ي ِرمون ما حرم الل ورسول ول يدِينون دِين ِ‬
‫َ‬
‫يَ ٍد َو ُه ْم َصاغ ُِرون﴾(((‪ ،‬فمن كان منهم في دار اإلسالم فلن يقبل منهم إال الجزية او القتل ومالهم‬
‫ح ّرمت اموالهم وحلت‬ ‫ح ّرم علينا سبيهم و ُ‬ ‫فيئ وذراريهم سبي فإذا قبلوا الجزية على انفسهم ُ‬
‫ح ّل لنا سبيهم واموالهم ولم تحل لنا مناكحتهم ولم‬ ‫مناكحتهم‪ ،‬ومن كان منهم في دار الحرب ُ‬
‫يقبل منهم اال دخول دار اإلسالم والجزية او القتل»‪.‬‬

‫((( الحشر‪7 /‬‬


‫((( التوبة‪29 /‬‬
‫‪118‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫اهل الذمة هم اهل الديانات االخرى من اليهود والنصارى الذين يجمعهم عنوان اهل‬
‫ح ّرمت انفسهم‬
‫الكتاب والذين يعيشون كما قال الحديث في دار اإلسالم‪ ،‬فمن دفع الجزية منهم ُ‬
‫واموالهم وحلت مناكحتهم‪ ،‬ومن كان منهم في دار الحرب حلت اموالهم وسبيهم ولم تحل‬
‫مناكحتهم‬
‫مشهر الثالث‪:‬‬
‫السيف ال ُ‬
‫وجل في‬ ‫قال ‪«‬والسيف الثالث على ُمشركي العجم كالترك والديلم والخزر‪ ،‬قال اللَّه ع ّز ّ‬
‫َ َّ ٰ َ َ ْ َ ُ ُ ُ‬
‫وهمْ‬ ‫َ َ ْ َ َّ‬
‫اب حت إِذا أثنتم‬‫الرق ِ‬
‫قصتهم ثم َقال ﴿فضب ِ‬ ‫اول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُّ ْ َ َ َ َ َّ َ ًّ َ ْ ُ َّ َ ً َ َّ ٰ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ‬
‫فشدوا الوثاق فإِما منا بعد ِإَوما ف ِداء حت تضع الرب أوزارها ۚ﴾ ‪ ،‬فاما قوله﴿فإِما منا بعد﴾‬
‫(((‬

‫اء﴾ يعني المفاداة بينهم وبين اهل اإلسالم‪ ،‬فهؤالء ال يقبل منهم‬ ‫يعني بعد السبي منهم‪َّ ﴿،‬‬
‫ِإَوما ف َِد ً‬
‫إال القتل او الدخول في اإلسالم وال يحل لنا نكاحهم ما داموا في دار الحرب»‪.‬‬
‫هؤالء ليسوا من ُمشركي العرب وليسوا من بقية االديان من اهل الذمة بل هم من ملل اخرى‬
‫سماهم مشركي العجم‪ ،‬ولفظة العجم في بعض اطالقاتها تشيرإلى كل من ليس بعربي مثل‬
‫«الترك والديلم والخزر»‬
‫سورة محمد‪ ‬آية فينا وآية في عدونا‪ ،‬والدليل على ذلك قوله‬ ‫عن ابي عبد اللَّه‪ ‬قال«في‬
‫َ ْ َ َ ُ ْ َ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ّ َ‬ ‫ض ُب َّ ُ‬‫َ َ َ َ ْ‬
‫اب﴾ إلى قوله‬
‫الرق ِ‬
‫اس أمثالهم ؀ فإِذا لقِيتم الِين كفروا فضب ِ‬‫الل ل َِّلن ِ‬ ‫تعالى ﴿كذٰل ِك ي ِ‬
‫ص مِنْ ُه ْم﴾ فهذا السيف على مشركي العجم من الزنادقة ومن ليس معه كتاب من عبدة‬ ‫﴿ َل َ‬
‫نت َ َ‬
‫النيران والكواكب»(((‪.‬‬
‫والحديث يبين ان هؤالء ليس لهم كتاب على خالف اهل الذمة الذين لهم كتاب‪ ،‬فهؤالء‬
‫ال يقبل منهم إال القتل او الدخول في اإلسالم وال يحل لنا نكاحهم ما داموا في دار الحرب‪.‬‬
‫هذه هي االسياف الثالثة المشهرة ولفظة «المشهرة» وعبار«التغمد حتى تضع الحرب‬
‫اوزارها‪ ،‬ولن تضع الحرب اوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها» تدل بشكل واضح ان هؤالء‬
‫سيظلون عبر التاريخ في حالة حرب مع المسلمين إلى ان تضع الحرب اوزارها بطلوع الشمس‬
‫من مغربها‪.‬‬
‫السيف الرابع المكفوف‪:‬‬
‫ان م َِن‬ ‫َ ََ‬
‫قال ‪« ‬واما السيف المكفوف فسيف على اهل البغي والتأويل قال اللَّه ﴿ِإَون طائِفت ِ‬

‫((( محمد‪4 /‬‬


‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /7‬ص ‪ /206‬ح ‪1‬‬
‫��������������������������������������������������‬ ‫‪119‬‬

‫َ َ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ ٰ َ َ ُ َّ َ‬ ‫اق َت َتلُوا فَأَ ْ‬


‫ُْ ْ َ ْ‬
‫ى فقات ِلوا ال ِت تبْ ِغ‬ ‫صل ُِحوا بَيْ َن ُه َما ۖ ‪ -‬صلحا ‪ -‬فإِن بغت إِحداهما ع الخر‬ ‫المؤ ِمن ِني‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َّ ٰ َ‬
‫ت ت ِف َء إ ِ ٰل أم ِر اللِ ۚ﴾((( فلما نزلت هذه اآلية قال رسول اللَّه ‪ ‬ان منكم من يقاتل بعدي‬ ‫ح‬
‫فسئل النبي‪ ‬من هو؟ فقال ‪ -‬خاصف النعل ‪ -‬يعني أمير‬ ‫على التأويل كما قاتلت على التنزيل‪ُ ،‬‬
‫المؤمنين‪ - ‬وقال عمار بن ياسر‪ :‬قاتلت بهذه الراية مع رسول اللَّه‪ ‬ثالثا‪ ،‬وهذه الرابعة واللَّه‬
‫لو ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر لعلمنا انّا على حق وانهم على الباطل‪ ،‬وكانت‬
‫السيرة فيهم من أمير المؤمنين‪ ‬ما كان من رسول اللَّه‪ ‬في اهل مكة يوم فتحها فانه لم يسب‬
‫لهم ذرية وقال‪ :‬من اغلق بابه فهو امن‪ ،‬ومن القى سالحه فهو امن‪ ،‬وكذلك قال أمير المؤمنين‪‬‬
‫يوم البصرة نادى فيهم ال تسبوا لهم ذرية‪ ،‬وال تدففوا على جريح‪ ،‬وال تتبعوا مدبرا‪ ،‬ومن اغلق‬
‫بابه والقى سالحه فهو امن»‬
‫وهذا السيف الرابع المسمى بالمكفوف والذي بعده المغمد ليست كالثالثة األولى‪ ،‬فالثالثة‬
‫األولى ُمشهرة اما هذه فتستخدم الغراض خاصة حددها الحديث‪ ،‬ورد في األحاديث عبارة‬
‫«البحر المكفوف» وهو من المثابات السماوية وال اعرف على نحو الدقة ما داللة هذا اللفظ‬
‫ولماذا سماه«السيف المكفوف» وهو سيف يشهر على اهل البغي والتأويل‪ ،‬والواضح ان رسول‬
‫اللَّه‪ ‬لم يستخدم هذا السيف النه قاتل على التنزيل‪ ،‬ولكن قال انه سيستخدمه ولي اللَّه اإلمام‬
‫علي‪ ‬بعد رسول اللَّه‪ ‬في معارك التاويل وقتال اهل البغي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُْ ْ َ ْ‬
‫اق َت َتلُوا فَأ ْ‬ ‫َ‬
‫صل ُِحوا‬ ‫ان مِن المؤ ِمن ِني‬
‫ِ‬ ‫عن ابي بصير عن ابي عبد اللَّه‪ ،‬قلت‪ِ﴿:‬إَون َطائِف َت‬
‫َ َّ ٰ َ َ َ ٰ َ ْ َّ َ َ َ ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َ َ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ ٰ َ َ ُ َّ َ‬
‫اءت‬ ‫ى فقات ِلوا ال ِت تبْ ِغ حت ت ِفء إِل أم ِر اللِ ۚ فإِن ف‬ ‫بينهما ۖ فإِن بغت إِحداهما ع الخر‬
‫ْ‬ ‫ََ‬
‫فأ ْصل ُِحوا بَيْ َن ُه َما بِال َع ْد ِل﴾ قال«الفئتان‪ ،‬انما جاء تأويل هذه اآلية يوم البصرة‪ ،‬وهم اهل هذه‬
‫اآلية‪ ،‬وهم الذين بغوا على أمير المؤمنين‪ ،‬فكان الواجب عليه قتالهم وقتلهم حتى يفيئوا‬
‫إلى امر اللَّه‪ ،‬ولو لم يفيئوا لكان الواجب عليه فيما انزل اللَّه ان ال يرفع السيف عنهم حتى‬
‫يفيئوا ويرجعوا عن رأيهم‪ ،‬النهم بايعوا طائعين غير كارهين‪ ،‬وهي الفئة الباغية‪ ،‬كما قال اللَّه ع ّز‬
‫وجل‪ ،‬فكان الواجب على أمير المؤمنين‪ ‬ان يعدل فيهم حيث كان ظفر بهم كما عدل رسول‬ ‫ّ‬
‫اللَّه‪ ‬في اهل مكة‪ ،‬م ّن عليهم وعفا‪ ،‬وكذلك صنع أمير المؤمنين باهل البصرة حيث ظفر بهم‬
‫ْ َْ ََ‬
‫مثل ما صنع رسول النبي‪ ‬باهل مكة حذو النعل بالنعل» قال‪ :‬قلت‪ :‬قوله تعالى﴿ َوال ُمؤت ِفكة‬

‫((( الحجرات‪9 /‬‬


‫‪120‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُْ ْ َ َ ََْ‬ ‫َ‬


‫أ ْه َو ٰ‬
‫ت ۚ أتت ُه ْم ُر ُسل ُهم بِالْيِن ِ‬
‫ات ۖ﴾‪ ،‬قال«اولئك قوم‬ ‫ى﴾(((‪ ،‬قال«هم اهل البصرة»‪ ،‬قلت﴿والمؤتفِك ِ‬
‫لوط ائتفكت عليهم‪ ،‬انقلبت عليهم»(((‪.‬‬
‫وهؤالء سماهم اهل البغي النهم مسلمين بايعوا االمام الحق علي بن ابي طالب‪ ‬اال‬
‫انهم خرجوا عليه وهو ما حدث في معارك أمير المؤمنين‪ ‬الثالثة«الجمل وصفين والنهروان»‪،‬‬
‫«الناكثين والمارقين والقاسطين»‪ ،‬فاهل مكة والذين من قبلهم سماهم «مشركي العرب» ولهم‬
‫سيف خاص النهم ربما اسلموا مكرهين‪ ،‬اما هؤالء فسماهم اهل البغي والتاويل النهم مسلمين‬
‫اساساً وبايعوا طائعين ومن يخرج عن هذه البيعة فهو باغي‪ ،‬عن أمير المؤمنين‪«‬من سل سيف‬
‫البغي قتل به»(((‪ ،‬وهم المقصودين بقول رسول اللَّه‪«‬يا عمار تقتلك الفئة الباغية»‪ ،‬وربما‬
‫سماهم اهل التأويل النهم اجتهدوا في ارائهم ولم ياخذوا الدين من اهله فقالوا «ان الحكم اال‬
‫َ‬ ‫اق َت َتلُوا فَأَ ْ‬
‫َ ُْ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫صل ُِحوا بَيْ َن ُه َما ۖ فإِن‬ ‫ان مِن المؤ ِمن ِني‬
‫ِ‬ ‫للَّه» فكانت هذه اآليات خاصة بهم ‪ِ﴿:‬إَون َطائِف َت‬
‫ت فَأَ ْ‬
‫َ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ ٰ َ َ ُ َّ َ ْ َ َّ ٰ َ َ َ ٰ َ ْ َّ َ َ َ ْ‬
‫صل ُِحوا بَيْ َن ُه َما‬ ‫بغت إِحداهما ع الخرى فقات ِلوا ال ِت تب ِغ حت ت ِفء إِل أم ِر اللِ ۚ فإِن فاء‬
‫ْ‬
‫بِال َع ْد ِل﴾ وهي مما تأويله بعد تنزيله‪ ،‬واإلمام علي‪ ‬تصرف مع هؤالء كما تصرف رسول اللَّه‬
‫مع اهل مكة‪.‬‬
‫ربما يتسائل البعض كيف يمكن ان يتقاتل صنقان من الناس كلهم مؤمنين‪ ،‬اعتقد ان هذا‬
‫دليل واضح على ان لمفهوم اإليمان مراتب كما ان للتوحيد مراتب وكلهم يقال لهم موحدين‪،‬‬
‫وللعبادة مراتب وكلهم يقال لهم عابدين‪ ،‬والعلم مراتب وكلهم يقال لهم علماء‪ ،‬كما ان‬
‫الشيعة مفهوم يطلق على كل من امن بوالية وعصمة األئمة االثنا عشر وهم ايضا مراتب لقول‬
‫الصادق‪«‬شيعتنا مراتب» واألحاديث كثيرة كون سلمان في المرتبة العاشرة والمقداد وابا ذر‬
‫دونه وهم كلهم مؤمنين‪.‬‬
‫فالبد من القول بان الطائفتين من المؤمنين المتقاتلتين ليسوا بدرجو واحدة «ولو يعلم ابا‬
‫ذر ما في قلب سلمان لقتله» وبالتالي فالبد ان احد الفئتين لها ايمان باقرار ظاهري واالخرى لها‬
‫ايمان متعلق بحقيقة االقرار‪.‬‬
‫وبهذا يكون أمير المؤمنين‪ ‬قد قاتل بالسيوف ال ُمشهرة والسيف المغمد‪ ،‬فهو قاتل مشركي‬
‫العرب في بدر واحد وحنين وقاتل اهل الذمة في خيبر في حياة رسول اللَّه‪ ،‬وقاتل بعد رسول‬

‫(( ( النجم‪٥٣ /‬‬


‫((( الكافي‪ :‬ج‪ /8‬ص ‪ /180‬ح ‪ 202‬كذلك تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /7‬ص ‪ /258‬ح ‪1‬‬
‫((( نهج البالغة‪ /‬ج‪ /4‬ص ‪81‬‬
‫��������������������������������������������������‬ ‫‪121‬‬

‫اللَّه‪ ‬بالسيف المكفوف اهل البغي والتاويل‪ ،‬فهو قاتل بسيف ُمشهر وسيف مكفوف‪ ،‬ولعل‬
‫هذا يشير إلى معنى من معاني قول أمير المؤمنين‪«‬انا الضارب بالسيفين»(((‪ ،‬وهو ايضا قول‬
‫اإلمام السجاد‪ ‬في وصف أمير المؤمنين‪«‬هو الضارب بسيفين»‪ ،‬نعم يمكن ان يكون أمير‬
‫المؤمنين‪ ‬على ظاهر الفاظ هذه العبارات انه يستخدم سيفين في المعارك‪ ،‬ولكن حسب‬
‫اجواء هذه الحديث المبارك مورد الكالم يمكن ان يكون السيفين هما السيف المشهر والسيف‬
‫المكفوف‪.‬‬
‫والذي يجول في خاطري القاصر ان اإلمام الحسين‪ ‬قد قاتل في كربالء بهذا السيف‬
‫نصبه اللَّه ورسوله‪‬‬
‫المكفوف الن هؤالء هم ايضا مسلمين من اهل البغي خرجوا عن طاعة من ّ‬
‫خليفة للمسلمين‪،‬‬
‫السيف الخامس المغمود‪:‬‬
‫قال ‪«‬والسيف المغمود الذي يقام به القصاص‪ ،‬قال اللَّه عز وجل﴿نلَّ ْف َس بانلَّ ْفس َوالْ َع ْ َ‬
‫ي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫َْْ‬
‫ي﴾(((‪ ،‬فسلّه إلى اولياء المقتول وحكمه الينا‪ ،‬فهذه السيوف التي بعث بها محمدا ً‪ ‬فمن‬ ‫بِالع ِ‬
‫جحدها او جحد واحدا منها او شيئا من سيرها واحكامها فقد كفر بما انزل اللَّه تبارت وتعالى‬
‫على محمد‪»‬‬
‫سل اال لالخذ بالقصاص‪ ،‬فسلّه‬ ‫وهذا سيف ليس للحرب بل للقصاص وهو مغمد وال يُ ّ‬
‫الولياء المقتول وحكمه آلل محمد‪.‬‬
‫ْ َ ََْْ َْْ َ َْ َ َْ‬ ‫َّ ْ َ‬
‫نف﴾‬ ‫ي والنف بِال ِ‬ ‫َّ‬
‫عن احدهما عليهما السالم في قوله تعالى﴿انلفس بِانلف ِس والعي بِالع ِ‬
‫اآلية قال «هي محكمة»(((‪.‬‬
‫عن حماد الحلبي عن ابي عبد اللَّه‪ ‬قال في الرجل يقتل المرأة متعمدا فأراد اهل المرأة‬
‫ان يقتلوه‪ ،‬قال«ذلك لهم‪ ،‬إذا ا ّدوا إلى اهله نصف الدية‪ ،‬وان قبلوا الدية فلهم نصف ديّة الرجل‪،‬‬
‫وان قتلت المرأة الرجل قُتلت به وليس لهم اال نفسها»(((‪.‬‬

‫((( امالي الصدوق‪77/‬‬


‫((( المائدة‪45 /‬‬
‫((( التهذيب‪ :‬ج‪ /10‬ص ‪ /183‬ح ‪718‬‬
‫((( الكافي‪ :‬ج‪ /7‬ص ‪ /298‬ح‪2‬‬
‫‪122‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫شأن هذه السيوف بعد مقتل اإلمام الحسين عليه السالم‪:‬‬

‫ولهذه اآليات الكريمة والسيوف المرتبطة بها شأن في حياة األئمة بعد مقتل اإلمام الحسين‪‬‬
‫فاألئمة ‪ ‬بعد اإلمام الحسين‪ ‬من اإلمام السجاد‪ ‬إلى اإلمام الحسن العسكري‪ ‬لم‬
‫يستخدموا هذه السيوف المشهرة الثالثة والسيف والمكفوف السباب تتعلق بقانون المزايلة إلى‬
‫حين خروج الودائع المؤمنين من اصالب الكافرين وخروج الكافرين من اصالب المؤمنين كما‬
‫شرحناه بالتفصيل في كتابنا المزايلة فراجع‪.‬‬
‫واخبار السيوف لها الحظ االوفر في زمن ظهور اإلمام المهدي‪ ،‬وسيتم العمل بكل‬
‫هذه االسياف في زمانه‪،‬لقول اإلمام العسكري‪«‬وسيظهر حجة اللَّه على الخلق بالسيف‬
‫المسلول»(((‪ ،‬فسوف يقاتل بالسيف المشهر األول مشركي العرب من اهل مكة والمدينة(((‪،‬‬
‫ويقاتل بالسيف المشهر الثاني اهل الذمة من اليهود والنصارى‪ ،‬وبقاتل بالسيف المشهر الثالث‬
‫مشركي العجم(((‪ ،‬ويقاتل بالسيف المكفوف اهل البغي والتأويل وعلما يبدوا انهم من الوسط‬

‫((( مسند اإلمام العسكري‪ /‬عزيز اللَّه العطاردي‪ /‬باب‪ /14‬ح ‪4‬‬
‫((( قال ابو جعفر‪«‬ثم يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش‪ ،‬وهو قول علي بن ابي طالب‪ ‬واللَّه لودت قريش اي‬
‫عندها موقفا واحدا جزر جزور بكل ما ملكت وكل ما طلعت عليه الشمس او غربت‪ ،‬ثم يحدث حدثاً فإذا هو فعل ذلك‬
‫قالت قريش اخرجوا بنا إلى هذه الطاغية فواللَّه ان لو كان محمدياً ما فعل ولو كان علوياً ما فعل ولو كان فاطمياً ما فعل‪،‬‬
‫فيمنحه اللَّه اكتافهم‪ ،‬فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية»‪ .‬تفسير العياشي‪ /‬ج‪ /2‬سورة األنفال‪ /‬ح ‪49‬‬
‫قال ابو جعفر‪«‬ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه انهم قد قتلوا عامله فيرجع اليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرة اليها‬
‫بشيء‪ ،‬ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه والوالية لعلي بن ابي طالب ‪ ‬والبراءة من عدوه »‬
‫عن اإلمام الباقر‪«‬من حديث طويل‪ ......‬يسير إلى المدينة فيسير الناس حتى يرضى اللَّه عز وجل فيقتل الفاً‬
‫وخمسمائة قرشي ليس فيهم إال فرخ زنية»‪ .‬دالئل االمامة‪241 :‬‬
‫((( عن ابي جعفر‪ ‬في ذكر احوال المهدي‪ .....«‬ومعه سيف مخترط يفتح اللَّه له الروم والديلم والسند والهند وكابل‬
‫شاه والخزر‪ »....‬الغيبة‪ /‬ص ‪234‬‬
‫عن أمير المؤمنين‪«‬فينتهي الخبر إلى القائم فيسير إلى ملك الروم في جيوشه فيواقعه في اسفل الرقة بعشر فراسخ‬
‫فتصبح بها الواقعة حتى يتغير ماء الشط بالدم وينتن جانبها بالجيف الشديدة فيهزم ملك الروم إلى االنطاكية فيتبعه المهدي‬
‫إلى فئة العباس تحت القطورا فيبعث ملك الروم إلى المهدي ويؤدي له الخراج فيجيبه إلى ذلك حتى على ان ال يروح من بلد‬
‫الروم وال يبقى امير عنده اال اخرجه إلى اهله فيفعل ذلك ويبقى تحت طاعته» الزام الناصب‪170 /2 :‬‬
‫عن أمير المؤمنين‪«‬ثم ان المهدي «عج» يسير هو ومن معه فينزل قسطنطينية في محل ملك الروم فيخرج منها ثالث‬
‫كنوز كنز من الجواهر وكنز من الذهب وكنز من الفضة ثم يقسم المال على عساكره بالقفافيز‪ »....‬الزام الناصب‪170 /2 :‬‬
‫عن ابي جعفر‪«‬ثم يعقد بها القائم ‪ ‬ثالث رايات لواء إلى القسطنطينية يفتح اللَّه له ولواء إلى الصين فيفتح له ولوا‬
‫إلى جبال الديلم فيفتح له» بحار األنوار‪388 /53 :‬‬
‫��������������������������������������������������‬ ‫‪123‬‬

‫الشيعي(((‪ ،‬وهذا السيف هو من السيوف المغمدة كما جاء عن رسول اللَّه‪ ‬من حديث طويل‬
‫فيه اخبار القائم‪ ‬قال«‪ ....‬وله سيف مغمد فإذا حان وقت خروجه اختلع ذلك السيف من‬
‫غمده‪ ،(((».....‬اما السيف ال ُمغمد فهو سيف القصاص حيث سيقيم كل الحدود‪.‬‬
‫وهنا يمكن ان نضع جواب لتساؤل كان يُثار دائما هنا وهناك حول قول األئمة ‪ ‬عن‬
‫القائم‪ ‬انه«يضع السيف على عاتقه ثمانية اشهر»‪.‬‬
‫عن اإلمام الصادق‪ ‬قال«ولكن صاحب األمر الطريد الشريد الموتور بابيه المكنى بعمه‬
‫يضع السيف على عاتقه ثمانية اشهر»(((‪،‬عن ابي عبد اللَّه‪ .....«‬ويضع السيف على عاتقه‬
‫ثمانية اشهر هرجا هرجا حتى يرضى اللَّه‪ ،(((»......‬عن أمير المؤمنين‪ .......«‬بأبي ابن خيرة‬
‫االماء ال يعطيم اال السيف هرجاً هرجا موضوعا على عاتقه ثمانية اشهر حتى تقول قريش لو كان‬
‫(((‬
‫هذا من ولد فاطمة لرحمنا‪»......‬‬
‫وقد ضن البعض من خالل هذه األحاديث ان ُجملة معارك اإلمام المهدي‪ ‬بعد الظهور‬
‫تستغرق ثمانية اشهر فقط فيما تشير جملة من المرويات ان معاركه تستمر لسنين وخصوصاً‬
‫تلك المعارك التي يفتح بها كل بلدان العالم‪،‬والحقيقة ان هذا التساؤل يمكن ان نجد له فهم‬
‫من خالل القول ان هذا السيف الذي سيضعه عى عاتقه لمدة ثمانية اشهر هو واحد من تلك‬
‫السيوف الخمسة‪ ،‬والذي استشفه هو السيف المكفوف الذي يقاتل به اهل البغي والتأويل من‬
‫المسلمين في اول ظهوره ‪ ،‬ولو تابعت معارك اإلمام المهدي منذ خروجه من مكة وما يفعله‬
‫بالمدينة وما يفعله عند دخوله الكوفة إلى حين معركة االبدال مع بقايا السفياني في الشام ستجد‬

‫((( قال ابو جعفر‪«‬لكأني أنظر اليهم مصعدين من نجف الكوفة ثالثمائة وبضعة عشر رجال كأن قلوبهم زبر الحديد‪،‬‬
‫جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره يسير الرعب امامه شهر وخلفه شهر امده اللَّه بخمسة آالف من المالئكة مس ّومين‬
‫حتى إذا صعد النجف قال ألصحابه تعبدوا ليلتكم هذه فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلى اللَّه حتى إذا اصبح قال‪:‬‬
‫خذوا بنا طريق النخيلةوعلى الكوفة جند مج ّند قلت‪ :‬جند مجند؟ قال‪ :‬اي واللَّه حتى ينتهي إلى مسجد إبراهيم‪‬‬
‫بالنخيلة فيصلي فيه ركعتين فيخرج اليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني فيقول ألصحابه استطردوا‬
‫لهم ثم يقول مروا عليهم‪.‬‬

‫قال ابو جعفر‪ ‬وال يجوز واللَّه الخندق منهم مخبر ثم يدخل الكوفة فال يبقى مؤمن اال كان فيها او حن اليها وهو قول أمير‬
‫المؤمنين علي‪ »‬تفسير العياشي‪ /‬ج‪ /2‬سورة األنفال‪ /‬ح ‪49‬‬
‫((( عيون اخبار الرضا‪ /‬باب ‪ / 6‬ح ‪29‬‬
‫((( كمال الدين وتمام النعمة‪ :‬ج‪ /1‬باب ‪ /30‬ح ‪5‬‬
‫((( غيبة النعماني ‪ :‬باب ‪ / 10‬ح ‪5‬‬
‫((( ينابيع المودة‪ :‬ص ‪ 498‬باب ‪ 9‬كذلك منتحب االثر‬
‫‪124‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫انها كلها مع المسلمين من اهل القبلة وهؤالء يقاتلهم بسيف«المكفوف» وستالحظ انها فترة‬
‫ثمانية اشهر اما بعد االنتصار عليهم وانتقال المعارك مع فئات من خارج هذا الدين فيقاتلهم‬
‫بالسيوف ال ُمشهرة‪.‬‬
‫���������������������‬ ‫‪125‬‬

‫الحنفية وملّة �إبراهيم‬


‫هل هناك فرق بين الفطرة والحنفية‪ ،‬ام ان هناك اتحاد بينهما بالمعنى بوجه معين؟‬
‫هناك حديث يجمع بينهما ويقول انهما واحد وهما فعال واحد من حيث المبدأ‪.‬‬
‫ِني بِهِ ۚ﴾((( قلت‬ ‫ي ُم ْشك َ‬ ‫اء ِ َّلِ َغ ْ َ‬ ‫وجل ﴿ ُح َن َف َ‬ ‫عن زرارة قال سألت ابا جعفر‪ ‬عن قوله ع ّز ّ‬
‫ِ‬
‫م الحنفيه؟ قال«هي الفطرة»(((‪ ،‬وتؤيده الموارد القرآنية التي وردت فيها اللفظتين بنفس السياق‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ً ْ َ َ َّ َّ َ َ َ َّ َ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ََ ْ َ ْ َ َ‬
‫ِين حن ِيفا ۚ ف ِطرت اللِ ال ِت فطر انلاس عليها ۚ﴾ ‪ ،‬وقوله‬
‫(((‬
‫قوله تعالى﴿فأق ِم وجهك ل ِدل ِ‬ ‫كما في‬
‫ُْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُْ ْ‬
‫﴿قل بَل مِلة إِب َراهِيم حن ِيفا ۖ﴾(((‪﴿ ،‬قل صدق الل ۗ فاتبِعوا مِلة إِب َراهِيم حن ِيفا﴾(((‪ ،‬وقوله ﴿قل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫ِينا ق َِي ًما ّم َِّل َة إب ْ َراه َ‬
‫صاط ُّم ْس َتقيم د ً‬ ‫ّ َ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ِيم َحن ِيفا ۚ﴾(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫إِن ِن هد ِان َر ِب إ ِ ٰل ِ َ ٍ‬
‫وأحاديث اخرى تصف الفطرة بانها التوحيد‪،‬عن ابي عبد اللَّه‪ ‬في قوله تعالى﴿ف ِْط َر َ‬
‫ت‬
‫(((‬
‫اس َعليْ َها ﴾((( قال ‪ :‬التوحيد»‬
‫َ‬ ‫اللِ َّالت َف َط َر انلَّ َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وأحاديث اخرى تصفها بانها اإلسالم اي المعنى العام للدين الذي جاءت به كل األنبياء‪ ،‬عن‬
‫ْ َ َ َّ َّ‬
‫َّه‪«‬الحنفية هي اإلسالم» ‪،‬عن ابي عبد اللَّه‪ ‬في قوله تعالى ﴿ف ِطرت ِالل ِ‬
‫ت‬ ‫ال‬ ‫ابي عبد الل‬
‫(((‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ َ‬
‫فطر انلاس عليها ﴾ ما تلك الفطرة؟ قال «هي اإلسالم فطرهم اللَّه حين اخذ عليهم ميثاقهم على‬
‫ََ ْ ُ َّ ُ‬
‫ك ْم ۖ﴾ وفيم المؤمن والكافر»(‪ ،((1‬فالحنفية هي الفطرة وهي اإلسالم‬ ‫التوحيد قال﴿ألست بِرب ِ‬
‫ُ‬
‫حاق َو َي ْعق َ‬ ‫َ‬ ‫ِيم ْ‬
‫ِإَوس َ‬ ‫ت مِلة آبَائي إب ْ َراه َ‬‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وعليها كل األنبياء﴿ َو َّات َب ْع ُ‬
‫وب ۚ ﴾(‪ ،((1‬ويؤيدها الحديث‬ ‫ِ ِ‬
‫صان ًِّيا﴾‬‫ِيم َي ُهودِيًّا َو َل نَ ْ َ‬ ‫التالي‪ ،‬عن ابي عبد اللَّه‪‬قال«قال أمير المؤمنين‪َ ﴿‬ما َك َن إب ْ َراه ُ‬
‫ِ‬
‫((( الحج‪٣١ /‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج ‪ /5‬ص ‪ /292‬ح ‪7‬‬
‫((( الروم ‪30 /‬‬
‫((( البقرة‪135 /‬‬
‫((( آل عمران‪95 /‬‬
‫((( األنعام‪161 /‬‬
‫((( الروم ‪30 /‬‬
‫((( تفسير البرهن‪ /‬ج‪ /6‬ص ‪ /150‬ح ‪2‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني ‪ /‬ج‪ /1‬ص ‪ /337‬ح ‪1‬‬
‫(‪ ((1‬تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج ‪ /6‬ص ‪ /152‬ح‪9‬‬
‫(‪ ((1‬يوسف‪38 /‬‬
‫‪126‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫كن كن َحن ِيفا ُّم ْسل ًِما﴾(((يقول‬ ‫يهوديا يصلي إلى المغرب وال نصرانيا يصلي إلى المشرق﴿ َول ٰ ِ‬
‫كان على دين محمد‪.(((»‬‬
‫ُ‬
‫اإلبراهيمية﴿ث َّم‬ ‫ومن هنا سنفهم لماذا امر اللَّه رسوله الكريم‪ ‬باتباع ملّة إبراهيم‪ ‬والحنفية‬
‫َ َْْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج َه ل ِ َِّلي َف َط َر َّ‬ ‫ّ َ َّ ْ ُ َ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ ْ َّ َ ْ َ َ‬
‫ات والرض‬ ‫السماو ِ‬ ‫أوحينا إِلك أ ِن اتبِع مِلة إِبراهِيم ﴾ ‪ ،‬وقوله ﴿إ ِ ِن وجهت و ِ‬
‫(((‬

‫ً‬
‫َحن ِيفا ۖ ﴾(((‪ ،‬الن ملة إبراهيم‪ ‬هي اإلسالم والتوحيد والفطرة التي جاءت بها كل الرساالت‪،‬‬
‫ورسول اللَّه‪«‬كان نبياً وآدم بين الماء والطين»‪ ،‬فشريعته هي اإلسالم ومنها اخذ كل األنبياء‪،‬‬
‫ون ل ِلْ َعالَم َ‬
‫ني نَذ ً‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َّ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ ٰ َ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫ِيرا﴾(((‪ ،‬ولفظة‬ ‫ِ‬ ‫ع عبْ ِده ِ ِلك‬ ‫ار َك الِي نزل الفرقان‬ ‫دليله قوله تعالى ﴿تب‬
‫«العالمين» دالة على عموم رسالته على كل العوالم وكل الشرائع وكل األنبياء‪ ،‬فكل األنبياء‬
‫عاملين بدين اإلسالم وال دين غيره اال ان الشرائع فيها نسخ ببعض المسائل المخصوصة حسب‬
‫زمان األنبياء فنسخت بعض مسائل آدم في زمن نوح ونسخت بعض مسائل وشرع نوح في زمن‬
‫إبراهيم وهكذا فلم يكن رسول اللَّه قبل البعثة متعبدا اال بدينه وهو التوحيد والفطرة واإلسالم ال‬
‫غيرها وهم الذين علموا المالئكة الدين في اول الخلق‪.‬‬
‫والحديث التالي يبين وجه آخر للحنفية كونها الشرائع التي لم تنسخ وعليها كل شرائع‬
‫األنبياء‪،‬علي بن إبراهيم«الحنفية العشرة التي جاء بها إبراهيم‪ ‬التي لم تنسخ إلى يوم القيامة»(((‪،‬‬
‫ومن هنا يتضح ان رسول اللَّه مامور بهذه الشرائع التي ال تنسخ‪ ،‬والحديث التالي يبين هذه‬
‫العشرة‪.‬‬
‫عن اإلمام جعفر بن محمد الصادق‪« ‬قال فيما وصف له شرائع الدين «ان اللَّه ال يكلف‬
‫نفسا اال وسعها‪ ،‬وال يكلفها فوق طاقتها»«وافعال العباد مخلوقة خلق تقدير ال خلق تكوين»«واللَّه‬
‫وجل البريء بالسقيم»«وال‬ ‫ّ‬ ‫خالق كل شيء»«وال تقول بالجبر والتفويض»«وال ياخذ اللَّه عز‬
‫ْ‬ ‫ّ ََ َ ُ َ ٌَ َْ ُ‬
‫ىۗ﴾‬ ‫َ‬
‫يعذب اللَّه عز وجل االبناء بذنوب االباء فانه قال في محكم كتابه﴿ول تزر وازرة وزر أخر ٰ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وجل ان يعفو وان يتفضلو ليس له‬
‫َّ‬
‫ان إِل َما َس َ ٰ‬
‫ع﴾(((»«وللَّه ع ّز ّ‬ ‫َ َ َّ ْ َ ْ َ‬
‫وقال عز وجل﴿وأن ليس ل ِِلنس ِ‬
‫تعالى ان يظلم»«وال يفرض اللَّه تعالى على عباده طاعة من يعلم انه يغويهم ويضلهم»«وال يختار‬

‫((( آل عمران‪67 /‬‬


‫((( ‪-‬تفسير البرهان‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪ /53‬ح ‪3‬‬
‫((( النحل‪123/‬‬
‫((( األنعام‪79 /‬‬
‫(( ( ‪-‬الفرقان‪1/‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪ /330‬ح‪1‬‬
‫(( ( النجم‪٣٩ /‬‬
‫���������������������‬ ‫‪127‬‬

‫لرسالته وال يصطفي من عباده من يعلم انه يكفر به ويعبد الشيطان دونه»«وال يتخذ على عباده‬
‫(((‬
‫اال معصوما»»‬
‫علي بن إبراهيم‪ :‬انزل اللَّه تعالى على إبراهيم‪ ‬الحنفية وهي الطهارة وهي عشر اشياء‬
‫خمسة في الراس وخمسة في البدن فاما التي في الراس فخذ الشارب واعفاء اللحى وط ّم‬
‫الشعر((( والسواك والخالل واما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وقلم االظفار‬
‫والغسل من الجنابة والطهور بالماء وهي الحنفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ وال‬
‫(((‬
‫تنسخ إلى يوم القيامة»‬
‫وقد يتصور البعض ان هناك تعارض بين الحديثين كون الحديث األول يذكر عشرة اشياء‬
‫لها عالقة بالعقائد فيما الحديث الثاني يذكر عشرة اشياء خاصة بالتكاليف الشرعية حول النظافة‬
‫عموما وال تعارض في األحاديث فربما موضوع العشرة متكرر حسب وجوه الشريعة التي ال‬
‫تنسخ‪ ،‬فمرة عشرة مواضيع في الطهارات ال تنسخ‪ ،‬ومرة عشرة مواضيع في القوانين واالعتقادات‬
‫ال تنسخ وهكذا‪ ،‬دليله قول اإلمام الصادق‪ ‬ما ابقت الحنفية شيئا‪ ،‬عن ابي جعفر‪«‬ما ابقت‬
‫الحنفية شيئاً حتى ان منها قص الشارب وقلم االظفار والختان»(((‪.‬‬
‫وربما ما مشهور في الديانة اليهودية «بالوصايا العشرة» هي نفسها موضوع الحنفية‬
‫اإلبراهيمية او القوانين العشرة التي ال تنسخ وعليها مدار كل الشرائع وهي عند اليهود هكذا«ال‬
‫تكن لك آلهة اخرى امامي»«ال تصنع لك تمثاال منحوتا وال صورة ما مما في السماء من فوق‬
‫وما في األرض من تحت وما في الماء من تحت األرض وال تسد لهن وال تعبدهن»«ال تحلف‬
‫باسم االهك باطال»«اذكر يوم السبت لتقدسه»«اكرم اباك وامك لكي تطول ايامك على األرض‬
‫التي يعطيك الرب»«ال تقتل»«ال تزن»«ال تسرق» «ال تشهد شهادة زور»«ال تشته بيت قريبك ال‬
‫تشته امراة قريبك وال عبده وال امته وال ثوره وال حماره وال شيئا مما لقريبك»‪.‬‬
‫ولو راجعت جملة من آيات القرآن الكريم لوجدتها تشير إلى اوامر اساسية ال تختلف عليها‬
‫الشرائع إذا عددتها كانت ايضا عشرة منها‪،‬‬

‫((( تفسير البرهان‪ /‬ج‪ /3‬ص ‪ /130‬ح ‪9‬‬


‫((( ط ّم الشعر‪ :‬جزه او عقصه‪ /‬القاموس المحيط مادة طمم‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /1‬ص ‪ /337‬ح ‪3‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني ‪ /‬ج‪ /1‬ص ‪ /337‬ح‪2‬‬
‫‪128‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫َ ْ ً َ َْ َ ْ ْ ً‬ ‫ُ ْ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َّ َ َ ُّ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َّ ُ ْ ُ‬
‫ح َساناۖ‬ ‫شكوا بِهِ شيئا ۖ وبِالو ِالي ِن إ ِ‬ ‫قوله تعالى﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ۖ أل ت ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ْ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ َ َ َ ُ‬
‫َول تق ُتلوا أ ْولدكم ّم ِْن إ ِ ْمل ٍق ۖ ن ُن ن ْر ُزقك ْم ِإَويَّاه ْم ۖ َول تق َر ُبوا الف َواحِش َما ظ َه َر مِن َها َو َما‬
‫َ‬ ‫َ َّ ُ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َّ ْ َ َّ َ َّ َ َّ ُ َّ‬
‫ال ّ ِق ۚ ذٰل ِك ْم َو َّصاكم بِهِ ل َعلك ْم ت ْعقِلون ؀ َول‬ ‫بطن ۖ ول تقتلوا انلفس ال ِت حرم الل إِل ب ِ‬
‫َ ُ َ ُّ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َ َّ َ ْ ُ َ َ ُ َّ ُ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ ْ‬
‫زيان بِالقِ ْس ِط ۖ ل نكل ِف‬ ‫ت يبلغ أشده ۖ وأوفوا الكيل وال ِم‬ ‫َت ْق َر ُبوا َمال الَتِي ِم إِل بِال ِت ِه أحسن ح ٰ‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ ُ َ ُ‬ ‫اعدِلوا َول ْو َك َن َذا قُ ْر َ ٰ‬
‫َ ُ ُْ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬
‫ب ۖ َوب ِ َع ْه ِد اللِ أ ْوفوا ۚ ذٰل ِك ْم َو َّصاكم بِهِ ل َعلك ْم‬ ‫نف ًسا إِل ُو ْس َع َها ۖ ِإَوذا قلتم ف‬
‫َ َ ُ َ (((‬
‫َّ‬
‫تذكرون﴾‬
‫ََ ۡ َُ َۡ ٗ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َُ َ ۡ َُ َ‬ ‫ٱنظ ۡر َك ۡي َف فَ َّض ۡل َنا َب ۡع َض ُه ۡم َ َ ٰ َ ۡ‬ ‫ُ‬
‫ضيل‬ ‫ت وأكب تف ِ‬ ‫ٰ‬
‫ض ولٓأۡلخِرة أكب درج ٖ‬ ‫ع بع ٖ ۚ‬ ‫وقوله تعالى﴿‬
‫ۡ‬ ‫ٓ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٰ َ‬ ‫َ‬ ‫ٗ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ۡ َ ۡ َ َ َّ ٰ ً َ َ‬
‫َ‬
‫ض َر ُّبك أل ت ۡع ُب ُد ٓوا إِل إِيَّاهُ َوبِٱل َو ٰ ِ َليۡ ِن‬ ‫وما مذول ؀ ۞وق‬ ‫اخ َر ف َتق ُع َد َمذ ُم ٗ‬ ‫؀ ل تعل مع ٱللِ إِلها ء‬
‫َ َ ۡ َ َ َ َ ُ ُ َ ٓ َ ۡ َ ُ َ َ َ َ ُ َّ ُ َ ٓ ُ ّ َ َ َ ۡ َ ۡ ُ َ َ ُ َّ ُ َ َ ۡ ٗ‬ ‫َُ‬
‫س ًنا ۚ إ ِ َّما َي ۡبلغ َّن عِندك ٱلكِب أحدهما أو ِكهما فل تقل لهما أ ٖف ول تنهرهما وقل لهما قول‬ ‫إ ِ ۡح َ ٰ‬
‫ُ‬ ‫ح ُه َما َك َما َر َّب َيان َصغِ ٗ‬ ‫َ ۡ ۡ َ ُ َ َ َ َ ُّ ّ َ َّ ۡ َ َ ُ َّ ّ ۡ َ ۡ‬ ‫َ ٗ‬
‫ريا ؀ َّر ُّبك ۡم‬ ‫ِ‬ ‫ب ٱر‬ ‫كرِيما ؀ وٱخفِض لهما جناح ٱذل ِل مِن ٱلرحةِ وقل ر ِ‬
‫ۡ‬ ‫َ َ َّ ُ َ َ ۡ َ َّ ٰ َ َ ُ‬ ‫َ ُ ُ ْ َ‬ ‫َ َۡ‬
‫ب َح َّقهۥُ‬ ‫ات َذا ٱل ُق ۡر َ ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حني فإِنهۥ كن ل ِلوبِني غفورا ؀ وء ِ‬ ‫ٗ‬ ‫ٰ‬
‫أعلم بِما ِف نفوسِك ۚم إِن تكونوا صل ِ ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫نيۖ َوكن ٱلش ۡي َطٰ ُن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُٓ َۡ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ۡ‬
‫َّ ُ َ‬ ‫ٱلسب َ َ ُ َ ّ ۡ َ ۡ ً‬ ‫ِني َو ۡٱب َن َّ‬ ‫َوٱلۡم ۡسك َ‬
‫يل ول تبذِر تبذِيرا ؀ إِن ٱلمبذِرِين كنوا إِخوٰن ٱلشيٰ ِط ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ‬ ‫ٗ‬
‫وها ف ُقل ل ُه ۡم ق ۡول َّم ۡي ُس ٗ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ ۡ َ َّ َ ۡ ُ ُ ۡ َ َ َ ۡ َ ّ َّ ّ َ َ ۡ ُ َ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬
‫ل َِر ّبهِۦ ك ُف ٗ‬
‫ورا ؀ ول‬ ‫ورا ؀ ِإَوما تعرِضن عنهم ٱبتِغاء رحةٖ مِن ربِك ترج‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َ ُ َ َ ٗ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َۡ‬
‫ورا ؀ إِن َر َّبك يَ ۡب ُس ُط‬ ‫م ُس ً‬ ‫ت َعل يَ َد َك َمغلولة إ ِ ٰل ع ُن ِقك َول ت ۡب ُس ۡط َها ك ٱلبَ ۡس ِط فتقعد ملوما‬
‫َ َ ۡ ُ ْ َ َ ُ َ ۡ َ َ َّ ۡ‬ ‫ٱلر ۡز َق ل َِمن ي َ َشا ٓ ُء َو َي ۡقد ُِر إنَّ ُهۥ َك َن ب ِع َبادِه ِۦ َخب َ‬
‫ريا ؀ َول تق ُتل ٓوا أ ۡول ٰ َدك ۡم خش َية إ ِ ۡمل ٰ ٖقۖ ن ُن‬ ‫ريۢا بَ ِص ٗ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِۚ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫ٗ‬ ‫َ َ َ ۡ َ ُ ْ ّ َ ٰٓ َّ ُ َ َ َ ٰ َ ٗ ٓ‬ ‫اك ۡم إ َّن َق ۡتلَ ُه ۡم َك َن خ ۡ ٗ‍ٔ َ ٗ‬ ‫َ ۡ ُ ُ ُ ۡ َّ ُ‬
‫حشة َو َسا َء َسبِيل ؀‬ ‫ٱلزن ۖ إِنهۥ كن ف ِ‬ ‫ِطا كبِريا ؀ ول تقربوا ِ‬ ‫ۚ ِ‬ ‫نرزقهم ِإَوي‬
‫َۡ ّ َ َ ُ َ َ ۡ ُ ٗ َ َ ۡ َ َ ۡ َ َ ّ ُ ۡ َ ٗ َ َ ُ ۡ‬ ‫َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َّ ۡ َ َّ َ َّ َ َّ ُ َّ‬
‫سف‬ ‫ول تقتلوا ٱنلفس ٱل ِت حرم ٱلل إِل بِٱل ِقۗ ومن قتِل مظلوما فقد جعلنا ل ِو ِلِهِۦ سلطٰنا فل ي ِ‬
‫َ َ ۡ َ ُ َ َّ َ ۡ ُ َ َ ُ َّ ُ َ َ ۡ ُ ْ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ْ َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫ّف ۡٱل َق ۡتل إنَّ ُهۥ َك َن َم ُ‬
‫ت يبلغ أشده ۚۥ وأوفوا‬ ‫ورا ؀ َول َت ۡق َر ُبوا َمال ٱلَتِي ِم إِل بِٱل ِت ِه أحسن ح ٰ‬ ‫نص ٗ‬
‫ِۖ ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ٱل ُم ۡس َت ِقي ِم ذٰل َِك َخ ۡي‪ٞ‬‬‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٗ‬ ‫َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫ۡ‬
‫ۚ‬ ‫سول ؀ َوأ ۡوفوا ٱلك ۡيل إِذا كِ ُت ۡم َوزِنوا بِٱل ِق ۡس َط ِ‬ ‫بِٱل َع ۡه ِدۖ إِن ٱل َع ۡه َد كن َم ُ‍ٔ‬
‫ۡ ٌ َّ َّ ۡ َ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ َ َ ُ ُّ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َۡ ُ‬ ‫َۡ ٗ‬ ‫َ‬
‫ص َوٱلفؤاد ك أ ْو ٰٓلئِك كن ع ۡن ُه‬ ‫َوأ ۡح َس ُن تأوِيل ؀ َول تقف َما ل ۡي َس لك بِهِۦ عِل ۚم إِن ٱلسمع وٱل‬
‫ُ ُّ َ َ‬ ‫ٗ‬ ‫َ َ ً َّ َ َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ َ َ ۡ ُ َ ۡ َ‬ ‫َۡ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ۡ ُ ٗ‬
‫ٱل َبال ُطول ؀ ك ذٰل ِك‬ ‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ۡرض‬ ‫ٱل‬ ‫ق‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫اۖ‬ ‫ح‬ ‫ر‬‫م‬ ‫ِ‬
‫ۡرض‬ ‫سول ؀ َول ت ۡم ِش ِف ٱل‬ ‫م ‍ٔ‬
‫َ َّ َ َ ُۡ ٗ‬ ‫َ َ‬
‫وها ﴾(((‪.‬‬ ‫كن َس ّي ِ ُئ ُهۥ عِند ربِك مكر‬

‫((( األنعام‪152 - 1151 /‬‬


‫((( اإلسراء‪38 - 22 /‬‬
‫���������������������‬ ‫‪129‬‬

‫فكل من يؤمن باللَّه وبرسول اللَّه يجب ان يكون على هذه الملة وهذه الحنفية‪ ،‬عن‬
‫اإلمام الحسين بن علي ‪«‬ما اعلم احدا على ملة إبراهيم اال نحن وشيعتنا»(((‪ ،‬ويؤيده قوله‬
‫ِيم﴾(((‪ ،‬وقوله ﴿ ُح َن َف َ‬
‫اء‬ ‫ِينا ّم َِّم ْن أَ ْسلَ َم َو ْ‬
‫ج َه ُه ِ َّلِ َو ُه َو ُمْس ٌِن َو َّات َب َع م َِّل َة إب ْ َراه َ‬ ‫ح َس ُن د ً‬‫تعالى﴿ َو َم ْن أَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اء﴾(((‪،‬‬ ‫مل ِِص َني ُ َل ّ ِادل َ‬
‫ين ُح َن َف َ‬ ‫َّ َ ْ ُ ُ َ َّ ْ ُ‬
‫ِني بِهِ ۚ﴾(((‪ ،‬وقوله ﴿ َو َما أم ُِروا إِل ل ِعبدوا الل‬ ‫ي ُم ْشك َ‬ ‫ِ َّلِ َغ ْ َ‬
‫ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ ّ َّ ْ َ َ َّ‬
‫ِيم إِل َمن َسفِ َه نف َس ُه ۚ﴾(((‪.‬‬ ‫وقوله﴿ومن يرغب عن مِلةِ إِبراه‬

‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني ‪/‬ج‪ /2‬ص ‪ /69‬ح ‪1‬‬


‫((( النساء‪125 /‬‬
‫((( الحج‪31 /‬‬
‫((( البينة‪5 /‬‬
‫((( البقرة‪130/‬‬
‫‪130‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الروح والمغناطي�سية‬
‫عن المفضل بن عمر عن أبي عبد اللَّه ‪ ‬قال «‪ ....‬إن األرواح ال تمازج البدن وال تواكلهُ ‪،‬‬
‫وانما هي كلل للبدن ُمحيطة به»(((‪.‬‬
‫يمكن ان افهم معنى للحديث إذا افترضنا ان الروح طاقة ُمشغّلة للجسم وعالقتها بالجسم‬
‫كعالقة المغناطيس بالمغناطيسية‪ ،‬فنحن نرى المغناطيس ولكننا ال نرى المغناطيسية‪ ،‬كذلك‬
‫نرى الجسم وال نرى الروح‪ ،‬ولكننا نحس باثار الروح كما نحس بأثار المغناطيسية‪ ،‬وبما ان‬
‫المغناطيسية ت ُحيط بالمغناطيس كذلك الروح تحيط بالجسم كما يقول الحديث‪ ،‬ويمكن ان‬
‫تعكس هذا التصور على كوكب األرض فان جرم الكوكب هو جسمه‪ ،‬والمغناطيسية التي تحيط‬
‫به هو روحه وهي طاقته ال ُمشغّله‪ ،‬لذلك إذا ماتت االجرام فقدت مغناطيسيتها كما يفقد الجسم‬
‫الروح‪ ،‬ومن هنا يمكنك ان تتابع قوة المغناطيسية في الكواكب السيارة لصياغة تصور حول‬
‫امكانية تواجد الحياة عليها استنادا لقوة مجالها المغناطيسي‪.‬‬
‫والقاعدة العلمية تقول ان المغناطيس يفقد مغناطيسيته بالطرق والتسخين‪،‬فإذا طرقت‬
‫المغناطيس بشدة يفقد مغناطيسيته ويتحول إلى مادة الحديد فقط‪ ،‬والمغناطيسية كظاهرة‬
‫فيزياوية ناتجة من ترتيب ذرات المادة بشكل معين‪ ،‬فلكل ذرة مجال مغناطيسي فإذا ترتبت هذه‬
‫الذرات بحيت تكون ُمحصلة جمع القوى المغناطيسية لذراتها باتجاه واحد ظهرت المغناطيسية‬
‫على المادة‪ ،‬وان عملية الطرق والتسخين تؤدي إلى خلل وبعثرة في ذرات المادة وهذا بدوره‬
‫يؤدي إلى فقدان المغناطيسية‪.‬‬
‫ويمكن توصيف حالة الموت بهذا الفهم الفيزياوي للمغناطيسية فمفارقة الروح للجسد‬
‫كما تفارق المغناطيسية المغناطيس‪ ،‬فيصبح حديدة ومادة بال روح‪ ،‬فالكائن الحي اكتسب صفة‬
‫الحياة الن خالياه موزعة ومرتبة بشكل ُمعين يضمن له استمرار الحياة فيه‪ ،‬ولكن إذا انحلّت‬
‫او فسدت او تغير نظامها نتيجة المرض او الشيخوخة او االنحالل البطيئ فان الكائن سيموت‬
‫نتيجة فساد البنية‪ ،‬وهذا يقودنا إلى تصور اخر عن الموت والقتل كما تقول األحاديث «ان‬
‫الموت موت والقتل قتل»(((‪ ،‬فالقتل هو تدخل مباشر لتهديم ال ُبنية فهو حتما حسب هذا التصور‬

‫((( بحار األنوار ‪/‬ج‪/58‬باب حقيقة النفس والروح‪/‬ح‪/11‬ص‪.40‬‬


‫((( عن زرارة قال‪ :‬كرهت أن أسأل أبا جعفر ‪ ‬فأحتلت مسألة لطيفة ألبلغ بها حاجتي‪ ،‬فقلت أخبرني عمن مات أقتل؟ قال‪:‬‬
‫�������������������‬ ‫‪131‬‬

‫يختلف عن الموت العادي‪ ،‬والقتل حاله حال الضرب على المغناطيس الذي يفقد مغناطيسيته‬
‫بالضرب والتسخين‪.‬‬
‫فسر لنا بعض حاالت النزاع عند الموت كما‬ ‫وهذا المثل العلمي حول المغناطيس ربما يُ ّ‬
‫تقول األحاديث ان بعض الناس يكون الموت عندهم هو عبارة عن نشر بالمناشير او رضخ‬
‫بالحجارة‪،‬فامثال هؤالء روحهم متمسكة بشكل كبير في مادة الجسم فال تنفصل عنه إال بالضرب‬
‫الشديد‪ ،‬كما تنفصل المغناطيسية عن المغناطيس بالضرب الشديد‪ ،‬وهذه احوال ليست ثابتة‬
‫فربما تجري على البعض وال تجري على البعض االخر وخصوصاً ان األحاديث تصف حاالت‬
‫اخرى للموت كونها اشبه بان يشم اإلنسان ريحاً طيبة‪.‬‬
‫وهنا ياتينا استنتاج وهو ان الروح ليس لها تحقق إال من خالل واقع مادي تعمل وتظهر من‬
‫خالله‪،‬فهذه ثنائية ال تنفك كثنائية المادة والطاقة‪ ،‬فال يمكن حسب هذا التصور ان توجد روح‬
‫ُمجردة بمعزل عن المادة تماماً‪ ،‬كما ال توجد مغناطيسية بمعزل عن الحديد تماماً‪ ،‬اما ما ورد‬
‫إل ان هذا العالم له مادة رقيقة جدا ً تتناسب‬
‫في األحاديث كون هناك عالم لالرواح فهو صحيح َّ‬
‫ورقة الروح‪ ،‬فعالم الروح ايضاً من مادة وروح ولكن هناك غلبة لعنصر الروح فيه ُ‬
‫فس ّمي بعالم‬
‫الروح‪،‬فال تظهر اثار المادة بشكل واضح لغلبة عنصر الروح‪،‬وعالم الدنيا فيه مادة وروح إال ان‬
‫فس ّمي بعالم المادة‪.‬‬
‫الغلبة لكثافة المادة ُ‬
‫واالن لدينا سؤال وهو إذا كانت المغناطيسية صفة فيزياوية من صفات المادة ناتجة من‬
‫ترتيب ُمعين لذراتها‪ ،‬فاصل المغناطيسية هو المادة وحركتها الداخلية اي حركة ذراتها وطبيعة‬
‫ذراتها‪،‬فليس كل مادة قابلة للتحول إلى مغناطيس على خالف الجاذبية التي هي صفة من‬
‫صفات المادة مهما تغيرت المادة وتنوعت‪ ،‬والعلماء لحد االن لم يضعوا تعريف واضح للكتلة‪،‬‬
‫وبالتالي إذا عرفنا ما هي الكتلة عرفنا ما هي الجاذبية‪ ،‬فالبد من وجود خصيصة في ذرات المادة‬
‫يجعلها ذات جاذبية «والجاذبية في المادة نوع من المغناطيسية إال انها بفعالية واحدة اي تجذب‬
‫وال تنفر» فالمغناطيسية قوة جذب لبعض المواد وتنافر مع مثيالتها‪ ،‬اما الجاذبية فهي جذب وال‬
‫تنافر‪.‬‬

‫«ال‪ ،‬الموت موت والقتل قتل»‪ .‬فقلت له‪ :‬ما أحد يقتل إال مات‪ :‬قال‪ :‬فقال «يا زرارة قول اللَّه أصدق من قولك»‪ ،‬قد فرق‬
‫َّ ْ َ ُ َ‬‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ََ‬
‫بين الموت والقتل في القرآن فقال﴿أفإن َّم َ‬
‫ون﴾‪،‬‬ ‫ع أعقابِك ْم ۚ﴾‪ ،‬وقال ﴿ َولئِن ُّم ُّت ْم أ ْو قت ِل ُت ْم ِلل اللِ تش‬
‫ات أ ْو قت ِل انقلبْ ُت ْم ٰ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َّ َ‬ ‫َّ َّ َ ْ َ َ ٰ َ ْ ُ ْ َ َ ُ‬
‫ِني أنف َس ُه ْم َوأ ْم َوال ُهم بِأن ل ُه ُم‬ ‫ليس كما قلت يا زرارة الموت موت والقتل قتل وقد قال اللَّه تعالى﴿۞ إِن الل اشتى مِن المؤ ِمن‬
‫َ َُ ْ‬ ‫ُ ُّ ْ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ َ َّ َ ُ َ ُ َ‬
‫ون ۖ َو ْع ًدا َعليْهِ َحقا﴾‪ ،‬وقال ﴿ك َنف ٍس ذائِقة ال َم ْو ِت ۗ﴾ قال‪ :‬ليس من قتل بالسيف‬ ‫يل اللِ فيقتلون ويقتل‬ ‫َ‬
‫النة ۚ يقات ِلون ِف سب ِ ِ‬
‫كمن مات على فراشه‪ ،‬أن من قتل البد ان يرجع إلى الدنيا حتى يذوق الموت» مختصر البصائر‪/‬عز الدين الحلي‪ /‬باب‬
‫الكرات وحاالتها«ح‪/ »7/61‬ص ‪.92‬‬
‫‪132‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وقد عرفنا ان المغناطيس يفقد مغناطيسيته بالطرق والتسخين‪ ،‬فربما توجد طريقة لجعل‬
‫الكتلة او المادة فاقدة لخصيصة الجاذبية او قوة الجذب‪ ،‬وبالتالي امكانية رفع االشياء بدون‬
‫ادنى تكلف او صرف جهد كما نراه في األفالم العلمية‪ ،‬او ربما بالعكس ربما توجد في المادة‬
‫خصيصة تولّد جاذبية معكوسة بحيت تتنافر المواد من بعضها كما تتافر اقطاب المغناطيس‬
‫المتشابهة‪.‬‬
‫وربما هناك مادة تزيد في جاذبيتها نتيجة ظروف اخرى ال تتعلق بالكتلة بل بتوزيع ذراتها‬
‫كما حدث في عصا موسى‪ ‬عندما تلقف ما يؤفكون‪ ،‬وهو ما يُس ّمى علميا باالنهيار الجذبي‬
‫للمادة كما هو الحال في الثقوب السوداء‪ ،‬وربما لهذا السبب آمن السحرة بموسى‪ ‬الن‬
‫سحرهم يعتمد على معرفة بعض خصائص المادة واستثمارها في تحريك االشياء‪ ،‬اما ما قام به‬
‫موسى‪ ‬فهو«تغيير طبيعة المادة» وهو المعروف عندنا حاليا بعلم النانو اي «اعادة بناء المادة»‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن القول افتراضاً ان المادة يمكن ان تفقد قابليتها على الجذب نتيجة اعادة بناء‬
‫المادة بمواصفات معينة‪ ،‬وربما ال يجري هذا التصور على كل مادة بل على مواد خاصة كما ان‬
‫المغناطيسية ال تتواجد في كل مادة بل في مواد خاصة‪.‬‬
‫ةداملا نع ةيملع ةيئاور ةقيقح‬ ‫‪133‬‬

‫حقيقة روائية علمية عن المادة‬


‫عن اإلمام ابي عبد اللَّه الصادق‪«‬في الربوبية ال ُعظمى واإللهية الكُبرى ال ُيك ّون الشيء‬
‫ال من شيء إال اللَّه‪ ،‬وال ينقل الشيء من جوهريته إلى جوهر اخر إال اللَّه‪ ،‬وال ينقل الشيء من‬
‫(((‬
‫الوجود إلى العدم اال اللَّه»‬
‫ال بد ان الكل سمع وعلى االخص المهتمين بدنيا العلوم عن الجهود الحثيثة التي يبذلها‬
‫علماء الفيزياء بالذات للغور في دقائق المادة‪ ،‬وهذه المعرفة ال تتحقق إال من خالل تحطيم المادة‬
‫نفسها لمعرفة اجزائها‪ ،‬فإذا اردت ان تدرس شيء البد في البداية ان تعرف اجزاءة والوحدات‬
‫االساسية التي تك ّون منها‪ ،‬والعلماء يهدفون من خالل هذه العملية إلى معرفة اسرار الكون‬
‫وكيف بدء ومصيره‪ ،‬وإلى بدايات القرن العشرين كان االعتقاد السائد ان الذرة هي اصغر وحدة‬
‫بنائية في المادة‪ ،‬ولكن بعد اكتشاف النشاط االشعاعي لبعض العناصر وبناء المفاعالت النووية‬
‫ودراسة النشاط االشعاعي للعناصر المشعة تمكنوا من تحطيم ذرات المواد بطاقة المفاعالت‬
‫الكبيرة‪ ،‬وتبين لهم ان الذرة مكونة من ثالث وحدات اساسية«البروتون والنيترون وااللكترون»‪،‬‬
‫وكلما زادت طاقة المفاعل كلما زاد التحطيم وظهور اجزاء اخرى للمادة فكلما حطمت جزء‬
‫من المادة ظهر لك جزء اخر وهكذا إلى ان وصل العلماء إلى اكتشاف عشرات الجسيمات‬
‫جل الجسيمات النووية‪ ،‬فكلما زاد‬ ‫النووية‪ ،‬والمفاعالت النووية تزداد طاقتها كلما زاد قطر ُمع ّ‬
‫جل زادت الطاقة وهذا بدوره يؤدي إلى امكانية اكبر في تجزئة المادة‪ ،‬ومن هنا جاء‬ ‫قطر ال ُمع ّ‬
‫التساؤل المهم وهو كم نحتاج من الطاقة لكي نصل إلى اخر مستوى من تجزءة المادة‪ ،‬اي‬
‫جل الذي يمكننا من الحصول على اخر مستوى من التجزئة‪ ،‬وبمعادالت‬ ‫كم سيكون قطر ال ُمع ّ‬
‫رياضية طويلة ومعقدة تمكن العلماء من حساب هذه العملية والقياسات الالزمة لتحقيقها‪،‬‬
‫واخيرا ً وبفضل التقنية العالية في نهايات القرن العشرين تم بناء اضخم مفاعل على األرض وهو‬
‫المسمى«مصادم الهايدرون» الذي من خالله سيتمكن العلماء من تعجيل الجسيمات النووية‬
‫إلى سرعة اقرب لسرعة الضوء والتي من المفروض إذا تصادمت جزيئات المادة وهي بهذه‬
‫السرعة هو ان نصل إلى اخرى مستوى من التهشيم والبد ان الجسيمات الناتجة هي الوحدات‬
‫االساسية للمادة‪.‬‬

‫((( بحار األنوار‪ :‬ج‪ /4‬ص ‪ 147‬كذلك توحيد الصدوق ص ‪32‬‬


‫‪134‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫جل للجسيمات النووية ومحيط دائرته تبلغ«‪ 27‬كيلو‬ ‫ومصادم الهايدرون هو اضخم ُمع ّ‬
‫متر»‪ ،‬وبُني على عمق «‪ 175‬متر» تحت األرض في منطقة الحدود الفرنسية السويسرية‪،‬‬
‫وتقوم بتمويله المنظمة االوربية لالبحاث النووية‪ ،‬وتعاون في بناءه اكثر من«‪ »10000‬فيزيائي‬
‫جل في ايصال‬ ‫ومهندس من«‪ »100‬دولة‪ ،‬ومئات الجامعات والمختبرات‪ ،‬ويستخدم هذا ال ُمع ّ‬
‫جل‬‫الجزيئات النووية إلى سرعة مقاربة لسرعة الضوء ثم تصطدم مع مثيالتها في داخل هذا ال ُمع ّ‬
‫للوصول إلى اقصى عملية تهشيم النه اليوجد سرعة اكبر من سرعة الضوء وبالتالي فان التهشيم‬
‫سيصل إلى اخر مرحلة التي ستكون هي اخر اجزاء المادة‪.‬‬
‫ويسعى العلماء من خالل هذا المصادم لالجابة على جملة من االسئلة العلمية والفكرية‬
‫والفلسفية حول طبيعة المادة والكون منها‪ ،‬ما هي طبيعة المادة؟ كيف بني الكون من هذه المادة؟‬
‫ما هي طبيعة القوى الرابطة للمادة؟ وهل للمادة اجزاء ال تتجزء؟ هل للمادة مادة نقيضة؟ هل‬
‫توجد ابعاد اخرى في الكون غير األبعاد الثالثة المعروفة؟‬
‫وربما يقول البعض ما هو الهدف من كل ذلك؟ والسؤال إذا كان بهذا المعنى البسيط فهو‬
‫غير صحيح الن العلم بحد ذاته مطلب واالكتشاف يحرك العقول‪ ،‬والحق ان الهدف ال ُمعلن هو‬
‫هدف علمي صرف‪ ،‬وهو معرفة الوحدات االساسية للمادة من خالل تهشيم المادة باعلى سرعة‬
‫ممكنة‪ ،‬ولكن هناك اهداف فلسفية وفكرية البد وان ترافق اي هدف علمي‪ ،‬والفهم الفلسفي‬
‫للمادة وبداية الكون هو المحور االساسي لهكذا جهود‪ ،‬النهم يريدون ان يعرفوا حقيقة وهي‬
‫هل ان اعلى مستوى لتهشيم المادة يُح ّول المادة إلى طاقة بالكلية‪ ،‬ام اننا سنصل إلى الجزء‬
‫االخير من المادة والدقيق جدا ً والمفروض ان يكون جزء المادة الذي ال يتجزأ اي جوهرها‬
‫الحقيقي‪.‬‬
‫وعلى حد متابعتي للموضوع وحدود معرفتي الشخصية اعتقد انهم سيصلون إلى النتيجة‬
‫التالية والفهم التالي‪ ،‬وهي ان الوحدة االساسية لتركيب المادة هي « ُمجزء ال يتجزء»‪ ،‬وهذا الفهم‬
‫استدل عليه بالشكل التالي‪:‬‬
‫فقد ثبت عندي من خالل القرآن والمرويات والحكمة والفلسفة ان كل شيء دون اللَّه‬
‫وجل‪ ،‬وكل مخلوق البد ان يكون ُمركّباً‪ ،‬وال بسيط‬
‫ّ‬ ‫مخلوق حادث‪ ،‬وال قديم إال اللَّه ع ّز‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الل الص َم ُد﴾(((‪،‬‬
‫وجل وهو مصداق قوله تعالى﴿ ُ‬
‫ّ‬ ‫على الحقيقة بمعنى عدم لتركيب إال اللَّه ع ّز‬
‫والصمد هو الذي ليس له جزء‪،‬عن اإلمام الصادق‪«‬الن ما سوى الواحد متج ّزئ واللَّه واحد‬

‫((( االخالص‪2/‬‬
‫ةداملا نع ةيملع ةيئاور ةقيقح‬ ‫‪135‬‬

‫شء َخلَ ْق َنا َز ْو َج ْ‬ ‫ُّ ْ‬


‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ال متج ّزئ»(((‪ ،‬ودليل تركيب المخلوقات من القرآن قوله تعالى﴿ َومِن ِك َ ٍ‬
‫َ َ َّ ُ َ َ َّ َ‬
‫ك ْم تذك ُرون﴾(((‪ ،‬اما من المرويات‪ ،‬فعن اإلمام الرضا‪ ‬في حديثه مع عمران الصابي«‪.....‬‬ ‫لعل‬
‫ولم يخلق شيئا فرداً قائماً بنفسه دون غيره للذي اراد من الداللة على نفسه واثبات وجوده فاللَّه‬
‫تبارك وتعالى فردا واحد ال ثاني معه»(((‪ ،‬وقالوا في الحكمة«كل ممكن زوج تركيبي»‪.‬‬
‫والمادة بهذا المعنى حتى في ظهورها األولي ليست بسيطة وال احدية التكوين فال احدية‬
‫إال للَّه‪ ،‬فالمادة حسب هذا الفهم ُمركّبة من جزئين على اقل تقدير وال يمكن الي جزء منهما‬
‫ان يكون ُمستقالً قبل التركيب‪ ،‬وعلى حد اصطالح الفالسفة فهما «وجود وماهية» او «مادة‬
‫وصورة»‪ ،‬وعلى مستوى ما نريد اثباته هنا فالمادة لها «جوهر وعرض»‪ ،‬فالجوهر حقيقة الشيء‬
‫او هو ما يرادف ذاته‪ ،‬اما عرض الشيء فهي الخواص التي تلحق بالجوهر‪ ،‬وما تظهر به المادة‬
‫و ما يلحق بها من خواص هي اعراض‪ ،‬والعرض هو كل شيء يلحق بجوهر المادة من ثقل‬
‫وجاذبية وطول وكثافة ولون ووزن وغيرها‪ ،‬فإذا ازلت عن المادة هذه االعراض بقي جوهرها‪ ،‬وقد‬
‫يتصور البعض من الناحية الفلسفية ان هذا الجوهر بسيط‪ ،‬اي غير ُمركّب‪ ،‬اي احدي الماهية‪،‬‬
‫واعتقد انه خطأ فكري وفلسفي باعتبار اننا لحد االن لم نتحقق منه علمياً فنتكلم عنه فلسفيا‬
‫النه ال بسيط على الحقيقة اال اللَّه وكل شيء دونه هو زوج تركيبي اال ان اجزاء هذا الجوهر ال‬
‫تتجزء فال وجود لهذه االجزاء بشكل مفرد بل توجد بشكل ُمركّب مع بعضها وال وجود للجوهر‬
‫إال باجتماع اجزاءه‪ ،‬فيكون حكم هذه االجزاء حكم تضايفي واقصد بالتضايف هو وجود اجزاء‬
‫الشيء كلها دفعة واحدة ليس احدهما قبل االخر‪ ،‬الن وجود احدهما يعتمد على االخر‪،‬‬
‫فجوهر المادة هو ُمركّب ال يتجزء اجزاءه متضايفة مع بعضها ومن هنا قال اإلمام‬
‫الصادق‪«‬مشيئة واردة واختراع هي واحدة واسماؤها ثالثة» وهي حقيقة جوهر االشياء ثالثية‬
‫ال تتجزاء وال يمكن الي جزء منها ان يوجد منفردا وبمعزل عن بقية االجزاء وهي كما اعتقد‬
‫ايضا حقيقة النفس كونها كينونة ثالثية االجزاء وال يمكن ان تكون احدية الجوهر فهي من‬
‫الخارج واحد ائتالفي ومن الداخل مركب ثالثي ال يتجزأ محكومة بحكم التضايف وهو جوهر‬
‫ال يمكن ان يتجزء اال بقدرة اللَّه‪ ،‬ومن هنا فان الجواهر ال تتجزأ وان كانت مجزءة من الداخل‬
‫وهو سر كينونتها وجودها وديمومتها كما في عبارة ابي عبد اللَّه الصادق‪«‬وال ينقل الشيء من‬
‫جوهريته إلى جوهر اخر إال اللَّه‪ ،‬وال ينقل الشيء من الوجود إلى العدم اال اللَّه»‪ ،‬لذلك ربط‬

‫((( التوحيد‪ /‬الشيخ الصدوق‪ /‬باب‪ / 29‬ح‪6‬‬


‫((( الذاريات‪49 /‬‬
‫((( توحيد عيون اخبار الرضا‪/‬ج‪ /1‬باب ‪ /11‬ح ‪51‬‬
‫‪136‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫مفهوم الجوهر مع العدم فإذا تفككت االشياء انتفت جوهريتها وتنتقل من الوجود إلى العدم‬
‫«وال ينقل الشيء من الوجود إلى العدم اال اللَّه»‪ ،‬لذلك فوجود الشيء بتركيبه ولوال التركيب فهو‬
‫معدوم‪.‬‬
‫�����������������������������‬ ‫‪137‬‬

‫�إبلي�س والف�ضاء ومقاعد ال�سمع‬


‫الصراع بين الخير والشر هو قصة التاريخ واإلنسان نفسه‪ ،‬ولطالما افتتحت الكتب المقدسة‬
‫بالكالم عنه‪ ،‬وبدأ الصراع بعد ان رفضت جهات وبصراحة أمر اللَّه بالسجود آلدم‪ ،‬واصبحت‬
‫ُ ُ‬ ‫ُْ ْ‬
‫حدد له اجل معلوم ﴿ َوقل َنا اهب ِ ُطوا َب ْعضك ْم‬‫المقرر لهذا الصراع الذي ُ‬ ‫األرض هي المكان‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ُ ْ َ ٌّ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ٌّ َ َ ُ ْ‬ ‫َْ‬
‫ٰ‬
‫لِ ع ٍض عدو ۖ ولكم ِف الر ِض مستقر ومتاع إِل ح ٍ‬
‫ِني﴾(((‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الحين إلى اليوم والصراع قائم على قدم وساق بين آدم وذريته وإبليس وذريته‪،‬‬
‫وجل بارسال‬
‫ّ‬ ‫وقد استطاعت قوى الشر من الحصول على انتصارات كبيرة لوال رحمة اللَّه ع ّز‬
‫جهز طرفي الصراع بكل االدوات واالسلحة ألدامة‬ ‫الرسل واألنبياء واالوصياء والصالحين بعد ان ُ‬
‫زخم الصراع وصوالً للغايات لكي ال يكون للناس على اللَّه حجة من بعد الرسل بعد ان قضت‬
‫العناية اإللهية ان يكون العدل هو الميزان في العطاء‪ ،‬والرحمة هي الميزان في القبول‪ ،‬وال جبر‬
‫وال تفويض ولكن منزلة بين منزلتين‪.‬‬
‫وال نريد هنا ان نكتب بحث مستقل عن إبليس وان كان الموضوع يستحق التفكير والمتابعة‬
‫الن هذا المخلوق لم ياخذ حقة من البحث‪ ،‬فلو تابعت نتاج العقول المتدينة تجد فيها كم هائل‬
‫من المؤلفات التي تتحدث عن اللَّه وصفاته واسمائه وقدرته وكتبه المقدسة وعن انبيائه ورسله‬
‫وحياتهم وبعثتهم وحكمتهم إلى اخره من المواضيع المرتبطة بعنوان الخير‪ ،‬إال انك ال تجد ما‬
‫يوازي هذه البحوث من حيث الكم والكيف في التعرف على جانب الشر وخصوصاً قائد هذا‬
‫الطرف إبليس‪ ،‬فاغلب الكالم الذي يدور حول هذا المخلوق كونه ملعون والنظرة العامة الغلب‬
‫الناس حوله تتعلق بالتعوذ منه والتسفيه في اغلب االحيان‪ ،‬وال ادري لماذا يستبعد الناس ان‬
‫يكون مخلوق ذكي وان كان ملعوناً وخارجاً عن رحمة اللَّه‪ ،‬فال زال الناس يعيشون حياتهم‬
‫وكأن هذا الكائن غير موجود‪ ،‬لذلك تجد ان اغلب الناس عندما تصدر منه المعصية يسارع إلى‬
‫«التعوذ من شر إبليس» النه يتصور ان سبب هذه المعصية هو إبليس فقط وما يدري اإلنسان‬
‫انه سبب المعصية وإبليس اعانه عليها‪ ،‬والحقيقة عندما يذنب اإلنسان ويتعوذ من إبليس فهو‬
‫علي»‪ ،‬وال نريد هنا ان ننزه ساحة إبليس‬
‫يضحك عليه ويقول له«انت فعلتها فلماذا ترمي بذنبك ّ‬
‫بالمرة من ذنوب اإلنسان ولكن المعادلة ليست بطرف واحد‪ ،‬بل المعادلة ذات طرفين طرف بيد‬

‫((( البقرة‪36/‬‬
‫‪138‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫إبليس وطرف بيدنا‪ ،‬وانت واقف بينهما‪ ،‬وان كان اإلنسان في بعض االحيان يرتكب ذنوب لم‬
‫يرتكبها إبليس نفسه‪ ،‬وفي هذه الحالة يكون اإلنسان هو معلم إلبليس وليس العكس‪.‬‬
‫ولعل البعض اتهم إبليس بالغباء النه يظن انه قد وقف بوجه اإلله ورفض امر السجود لذلك‬
‫اعتقدوا بانه غبي فمن ذا الذي يحاول ان يكون ند للَّه إال االغبياء‪.‬‬
‫ولكن الموضوع ال يجري وفق هذا التصور الن إبليس مخلوق ذو عمر طويل وعبادة‬
‫طويلة ومعلومات اصلية‪ ،‬فهو على يقين بانه ليس هناك مساحة يمكن من خاللها ان يضع نفسه‬
‫بالمباشر ندا ً للَّه فهو ال يعدو طوره‪ ،‬فمن هو وما خطره حتى يكون في الصراع مقابل اللَّه ع ّز‬
‫وجل‪ ،‬وهذه النقطة استفاد منها إبليس في تعظيم شأنه‪ ،‬الن المتدين يظن ان الصراع بين إبليس‬ ‫ّ‬
‫وجل خارج‬ ‫واللَّه وهو خطأ فادح‪ ،‬بل الصراع بين إبليس واإلنسان اي بين البشر والجن‪،‬واللَّه ع ّز ّ‬
‫الصراع النه جهة حاكمة‪.‬‬
‫لذلك لم تكن ساحة عمل إبليس وملعبة هي ساحة اإلله بل ملعبه هو األرض واإلنسان‪.‬‬
‫ولكن الشي الذي ال يعرفه الناس ان إبليس عندما لُعن وطُرد وفقدن كرامته ومرتبته الملكوتية قد‬
‫ظل محتفظاً بمواهبه التي اكتسبها نتيجة عبادة سابقة له‪.‬‬
‫وبالنتيجة فان الناس يعيشون على هذا الكوكب ناسين تواجد هذا الكائن وذريته معهم‬
‫النهم تعودوا بالتربية ان يمارسون حياتهم معتقدين بأنهم وحدهم على هذا الكوكب‪ ،‬بل هناك‬
‫نسبة منهم تعتقد اننا وحدنا في الكون‪ ،‬وهو تصور ستكون له انتكاسات خطيرة في الزمن‬
‫القريب القادم عندما يصحوا اإلنسان في ايام قادمة فاتحاً عينيه على جملة من المخلوقات‬
‫ستغزو حياته‪ ،‬النها مثلنا ُمكلّفة ولها غايات ولها مشروعها الخفي‪.‬‬
‫فاإلنسان يعيش حياته وهو غير ُمدرك ان الكوكب الذي نعيش فيه والفضاء الذي يغلّفه‬
‫مشحون شحناً بانواع مختلفة من الكائنات«مالئكة وجان»‪ ،‬والخطاب القرآني صريح بتواجد‬
‫عالم الجن معنا بل لهم تكليف ويتحدون معنا في الغايات‪ ،‬اما عالم المالئكة فأكبر من ان‬
‫يوصف وما من شاردة وواردة في هذا الكوكب بل في هذا الكون إال وعليها ملك موكل بها‪،‬‬
‫وفي اآليات والروايات الشيء الكثير من ذكر تفاصيلهم واحوالهم بما ليس بحاجة إلى بيان‪.‬‬
‫هذا من ناحية الجانب غير المرئي اما من ناحية الجانب المرئي فاألرض مكتظة بانواع‬
‫المخلوقات من الحيوانات والطيور واالسماك والنباتات ت ًحيط بنا ولها نظامها واغلب الناس‬
‫يعيشن حياتهم وال ينتبهون لها‪.‬‬
‫�����������������������������‬ ‫‪139‬‬

‫ان هذه الحالة الغير ُمدركة من قبل اغلب الناس كونهم تعودوا ان يعيشوا تحت قناعة‬
‫وشعور جمعي انهم لوحدهم على هذه الرض قد استُثمرت من قبل جانب الشر األستثمار‬
‫االمثل‪ ،‬النهم كانوا وما يزالون يركّزون هذا التصور في الذاكرة والسلوك اإلنساني لكي ال ينصرف‬
‫الناس للتفكير والتأمل والبحث عن العوالم االخرى‪ ،‬فبحث اإلنسان عن هذه العوالم سيقوده‬
‫للتعرف عليها وعلى طبيعتها واهدافها وقد يصل به التفكر إلى معرفة ال ُمحركات التي تحرك‬
‫هذه الجهة بالخفاء وبالتالي معرفة حقيقة الجهات المتنفذه في هذا العالم التي قد يتصورهم‬
‫البعض انهم مثلنا لكنهم في الحقيقة صنائع إبليس الذين لبسوا االبدان االدمية وذريته التي‬
‫تنتمي اليه وتطيعه وتعطيه الوالء وهم على قسمين‪ ،‬األول‪ :‬منتمي إلى جهة الشر اال انه غير‬
‫ُمدرك لهذا االنتماء فهو سائر بفعل الحركة الكلية للمجتمع والشعور الجمعي لعموم الناس فهم‬
‫ُدمى إبليس يُحركهم كيف يشاء بوسائل عديدة اقواها االعالم ورغبات اإلنسان من غريزة وطعام‬
‫وملبس وهم سواد الناس وعمومهم ومساحة عمل إبليس المثالية‪ ،‬الثانية‪ :‬هم المنتمين لطرف‬
‫الشر عن وعي ودراية فهم ُمدركون حقيقة هذا االنتماء وهم قيادات واتباع موالين يعملون ضمن‬
‫منهج ولهم غاية وبيدهم تجتمع كل الخيوط السياسية واالقتصادية والموارد البشرية وقنوات‬
‫االعالم والمصارف والتجارة العالمية وسوق االموال وكل المرافق الحيوية على األرض وهم‬
‫يمارسون عملهم تحت غطاء السرية ويطرحون انفسهم كناس عاديين لهم مؤهالت كبيرة النهم‬
‫كسيدهم إبليس يعرفون كيف يخفون انفسهم في مجاميع الناس‪ ،‬فسيدهم إبليس استطاع ان‬
‫يُخفي نفسه داخل مجاميع المالئكة سنين طويلة فالبد وانه عندما بدأ صراعه مع اإلنسان قد‬
‫مارس نفس الدور وعلّمه التباعة‪ ،‬لذلك فان مسألة تشخيص قيادات الشر واالتباع العاملين معنا‬
‫في هذا الكوكب بحاجة إلى دقة نظر للفرز‪ ،‬وبما ان اغلب الناس بعيدين عن هذا التصور فقد‬
‫انتصر إبليس واتباعه في هذه المعركة انتصارا ً ساحقاً الننا كلنا نتعامل مع هذه القوى وكأنها غير‬
‫موجودة‪.‬‬
‫هذه ُمقدمة بسيطة سقناها كمدخل لالجابة على تساؤل يتعلق بموضوع الكالم وهو‬
‫«إبليس والفضاء»‪ ،‬فيا ترى ما هي غاية الدول الكبرى مثل أمريكا من مشروع كمشروع البحث‬
‫في الفضاء؟ ولماذا هذا االنفاق المالي الكبير عليه؟ اما كان األفضل من الجانب اإلنساني‬
‫واالقتصادي ان ت ُنفق هذه االموال على مشاريع أكثر اهمية النقاذ البشرية من الجوع والمرض‬
‫والفقر والجهل التي تفتك بالبشر؟‬
‫هذا المشروع وغيره الذي جعل أمريكا تشرد شعوب وتفقر دول وتتسلط على حكومات‬
‫من اجل مواردها وتحويلها إلى اسواق كبيرة لتجارتها والدامة زخم حركة رأس المال من اجل‬
‫‪140‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫تمويل هكذا مشاريع عمالقة‪ ،‬وحتى تضيع حقيقة غايات مثل هكذا مشاريع فقد طرحت القوى‬
‫المتنفذة هكذا مشاريع من خالل وسائلها االعالمية الجبارة تحت شعار التكنلوجيا والتقدم‬
‫العلمي‪.‬‬
‫ربما ستقول لي‪ ،‬ان رغبة اإلنسان في تبني مشاريع عمالقة هو ديدن اإلنسانية منذ بدء‬
‫الخليقة وشواهد التاريخ واالثار تدل بشكل واضح على ان لإلنسان محاوالت كثيرة لعمل‬
‫مشاريع ضخمة لعدة دوافع عقائدية او اقتصادية او سياسية كما في مشروع بناء االهرامات مثال‬
‫الذي البد ان يكون في زمنه قد استهلك الكثير من جهد اإلنسان وموارده وبالتالي فال احد‬
‫يستطيع ان يلوم اإلنسان إذا سعى بهذا االتجاه إذا كان له طموح علمي او رغبة في االستكشاف‪،‬‬
‫وخصوصت وان العقل البشري بطبيعته طموح وخالّق‪ ،‬فما المانع من اطالق العنان لهذا العقل‬
‫في سبر اغوار الكون ودقائق االشياء وكشف القناع عما كان ُمغيب لفهم ظواهر االشياء‪ ،‬فما هو‬
‫الضير من االنفاق على هكذا مشاريع إذا كانت الغايات المرجوة منها عظيمة ولها عالقة بالعلم‬
‫ومصير اإلنسان؟‬
‫واالشخاص الذين يتبنون هكذا طرح يُ ّدعمون رأيهم بجملة االنجازات العلمية الراقية‬
‫وال ُمذهلة التي توصل اليها البحث العلمي نتيجة البحث المستمر ومن جملة االنجازات‬
‫الضخمة التي صنعها اإلنسان نتيجة تبنيه لمشروع البحث الفضائي والسفن الفضائية منها‬
‫منظومة االقمار الصناعية المحيطة بكل كوكب األرض والتي من خاللها يتم رصد ونقل كل‬
‫شاردة وواردة في حياتنا من برامج تلفزيونية واتصاالت ومعامالت مالية وتجارية ومالحة بحرية‬
‫وجوية والتي اصبحت من ُمسلّمات هذا الزمن‪ ،‬وأصحاب هذه القناعة لهم حق في ذكر هذه‬
‫المنجزات النها كلها تندرج تحت عنوان«البحث العلمي»‪ ،‬لكنهم عندما يضعون امامك قائمة‬
‫جملة‬‫طويلة من هذه االنجازات وال ُمخترعات واالجهزة ينسون وربما يتناسون قائمة اخرى فيها ُ‬
‫من المواضيع كان العلم والتقدم سبباً في تشويهها وخصوصاً ما يتعلق بالجوانب الروحية‬
‫واإليمانية واألخالقية‪ ،‬فالتطور العلمي والتكنلوجي رافقه انحدار سريع في الجوانب األخالقية‬
‫بشكل ال يتناسب مع تطور العلم ناهيك عن جملة االخطار الصحية والبيئية مثل االمراض‬
‫الجديدة واالحتباس الحراري واستنزاف موارد األرض التي رافقت هذا التطور العلمي‪.‬‬
‫فايهما افضل ان نخترع اجهزة وادوية تشافي الناس من االمراض ام ان نقذف إلى الحياة‬
‫بالمبيدات والمواد الكيماوية الصناعية لتنتج لنا امراض جديدة‪ ،‬وإذا نظرت للتطور العلمي من‬
‫هذا الجانب فهو عملية هدم وبناء في نفس الوقت‪.‬‬
‫�����������������������������‬ ‫‪141‬‬

‫هذه بعض اهداف وتفاصيل ونتائج هذه المشاريع من الجانب ال ُمعلن‪ ،‬اما الجانب غير‬
‫ال ُمعلن فهو مخفي يظهر إلى حيز الوجود بالتدريج النني اعتقد ان إبليس وصنائع إبليس هم‬
‫الذين وراء هذا التقدم العلمي والتكنلوجي الذي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب‪ ،‬وهم يسيرون‬
‫وفق اهداف كبيرة ونوايا خطيرة وخطط ستراتيجية ويرصدون كل جهد علمي وكل عقل ذكي‪،‬‬
‫وقد اجتمعت في هذه الجهات عدة مميزات فهم اذكياء ودهاة وخبثاء وعلماء ومغرورون على‬
‫حد سواء‪.‬‬
‫فإبليس بعد ان لُعن وطُرد وفقد مركزه الملكوتي ظل مع آدم محبوساً في افق األرض التي‬
‫اصبحت مركزا ً للصراع‪ ،‬ونتيجة هذا الوضع الجديد فقد إبليس واعوانه قابلية الصعود للسماء‬
‫وقابلية معرفة االوامر النه ملعون ال يستحق ان يكون واحد من اهل السماء وخصوصاً ان إبليس‬
‫واعوانه من الجن قد تعرضوا ألمر ضيّق عليهم الخناق جدا ً وقيّد حركتهم اكثر وهو عملية نزول‬
‫القرآن الكريم على الرسول الخاتم‪ ‬فقد ذكرت المرويات انه بعد نزول القرآن اغلقت عليهم‬
‫السماء بشكل كلي وانحصر عملهم على كوكب األرض فمنعت اعينهم واسماعهم من استراق‬
‫السمع والتي يتبعها بالضرورة ضيق افق في معرفة المستقبل وبطء في الحركة وقد شرحت سورة‬
‫الجن احوال الجن وما سيؤل اليه امرهم وقابلياتهم بعد نزول القرآن‬
‫َ ُّ‬ ‫َْ‬ ‫قوله تعالى﴿ َو َأنَّا َظ َن َّنا أَن َّلن ُّن ْعج َز َّ َ‬
‫ج َزهُ َه َر ًبا﴾(((‪،‬الحظ انهم‬
‫ِ‬ ‫الل ِف ال ْر ِض َولن ن ْع‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬
‫متواجدون في األرض واال لقالوا«في األرض والسماء»‪ ،‬وقوله تعالى﴿وأنا لمسنا السم َ‬
‫اء‬
‫ََ َ َْ َ ُ َ ْ َ ًَ َ ً ُ‬
‫ِيدا َوش ُه ًبا﴾(((‪ ،‬الحظ انهم هنا «يلمسون» السماء اي واقفون على‬ ‫فوجدناها مل ِئت حرسا شد‬
‫اطرافها وال يستطيعون الدخول اليها على الرغم من محاوالتهم‪ ،‬علماً انهم لديهم «مقاعد‬
‫للسمع» اي مراصد للترصد على االخبار إال ان هذه المراصد اصبح لها مقابل وهو«شهاب‬
‫َ َ َّ ُ َّ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫ي ْد ُل ش َِهابًا َّر َص ًدا﴾(((‪،‬‬
‫رصدا»قوله تعالى﴿وأنا كنا نقعد مِنها مقاعِد ل ِلسمعِ ۖ فمن يست ِمعِ الن ِ‬
‫َ َ َّ ُ َ َ َ ٌ ّ َ ْ‬
‫نس‬‫ال ِ‬
‫القرآني بوجود تعامل مستمر بين الجن واالنس﴿وأنه كن رِجال مِن ِ‬ ‫فيما يذكر النص‬
‫َُ ُ َ َ ّ َ ْ ّ ََ ُ ُ ْ ًََ‬
‫ال ِن فزادوهم رهقا﴾ ‪ ،‬وهي دالة بشكل واضح على وجود تعاون مستمر‬ ‫(((‬
‫ال مِن ِ‬
‫يعوذون ب ِ ِرج ٍ‬
‫بين جنس اإلنسان وجنس الجان ال يقتصر على زمن ُمعين بل مستمر باستمرار الصراع وهو‬
‫تعاون يدل بوضوح على امكانية االتصال مع بقية العوالم ونقل المعلومات‪.‬‬

‫((( الجن‪12/‬‬
‫((( الجن‪8 /‬‬
‫((( الجن‪9 /‬‬
‫((( الجن‪6/‬‬
‫‪142‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وبما ان السماء قد اغلقت عليهم و ُملئت حرساً شديدا ً وشُ هباً ومن يحاول االختراق يجد‬
‫له شهاباً رصدا ً‪ ،‬وبما ان هناك امكانية لالتصال والتعاون ما بين اإلنسان والجان فما هو المانع‬
‫إذا غُلقت عليهم ابواب السماء ان يساعدوا اإلنسان بمعلومات وان يتعاونوا معه لكي يقوم‬
‫اإلنسان بهذا األمر بالنيابة عنهم للوصول إلى نفس الغاية وهي «استراق السمع» بشرط ان ال‬
‫يعي اإلنسان هذا الهدف‪ ،‬فهم علّموا اإلنسان كيف يصنع «المراصد» التي هي «مقاعد للسمع»‪،‬‬
‫فاخذ اإلنسان بدون وعي لالغلبية وبوعي من قبل االتباع من تنفيذ خطة إبليس تحت غطاء‬
‫التطور العلمي‪ ،‬وان اخفاء هذه الحقيقة عن ذهن اإلنسان هو ما عبرت عنه آيات سورة الجن‬
‫ً‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫وه ْم َر َهقا﴾‪،‬فالنتيجة الحتمية للتعاون بين االنس والجن لفك هذا‬ ‫باوضح بيان بقوله﴿فزاد‬
‫الحصار او لغيره من المشاريع هو ان يُرهق اإلنسان وهو ما نراه حالياً في كل مفاصل الحياة التي‬
‫اصبحت ًمرهقة فعال على الرغم من كل هذا التطور الذي طُرح في البداية تحت عنوان راحة‬
‫اإلنسان ورفاهيته‪.‬‬
‫فاإلنسان له القابلية العقلية على فهم مديات اوسع تؤهله للوصول إلى هذه اآلفاق‬
‫المحجوبة عن الجن وعن إبليس‪ ،‬فالبد من استثمار اإلنسان بالشكل االمثل لكي يقوم بهذا‬
‫الدور بدل إبليس وجنوده فيمارس دور ناقل االخبار بطريقة يضمن فيها إبليس وصول الخبر اليه‬
‫بدون استفادة اإلنسان منه‪،‬فاإلنسان يستفاد من المعلومات والصور والبيانات لمعرفة كيف يعمل‬
‫النظام الشمسي ومما تتكون الكواكب وخصائصها وغيرها من المعلومات العلمية التي ال تمثل‬
‫إلبليس واتباعه شيء‪ ،‬فهذه حصة اإلنسان من العملية‪ ،‬اما ما موجود خلف هذه المعلومات‬
‫من حقائق ترتبط باخبار السماء فهي حصة إبليس التي ال يعرفها اإلنسان ولن يسمح إبليس له‬
‫بمعرفتها‪.‬‬
‫ومن خالل التعاون بين اإلنسان والجان تم تجنيد كل امكانيات الدول الكبرى الدامة زخم‬
‫هكذا مشاريع من خالل مجموعة من النتائج حصلت عليها هذه الدول كالتفوق العسكري‬
‫والتكنلوجي والصناعي والمصرفي‪ ،‬الن إبليس بحاجة لهؤالء لكي ينفذ مشروعه‪،‬وعلى‬
‫المستوى الشخصي ال استبعد بل متيقن بان إبليس هو الذي جهز هذه الدول بالمعلومات‬
‫للوصول لهكذا غايات‪ ،‬فليس كل نتاج علمي هو عقلي خالص‪ ،‬فكما ان للرحمن وحي نزل‬
‫على صفوة عباد اللَّه وهم األنبياء والمرسلين فيه معلومات فيها صالح البشرية‪ ،‬فالوحي ليس‬
‫نتاج عقول األنبياء بل هو معلومات جاهزة من اللَّه لإلنسان لكي تستقيم الحياة‪ ،‬كذلك هناك‬
‫وحي للشيطان يتم من خالله ايصال معلومات لإلنسان الشرير لكي يستخدمها في تهديم‬
‫�����������������������������‬ ‫‪143‬‬

‫َّ َّ َ َ َ ُ َ َ َ‬
‫(((‬
‫وحون إ ِ ٰل أ ْو ِلَائ ِ ِه ْم﴾‬‫الحياة‪ ،‬قوله تعالى﴿ِإَون الشياطِني لُ‬

‫خر إبليس اعوانه من االنس وهم عادة رؤوس متنفذة‬ ‫ومن خالل هذا الوحي الشيطاني يُس ّ‬
‫في الواقع وأصحاب سلطة كان البد لهم ان يدخلوا هذه الدائرة عن وعي كما ان األنبياء يدخلون‬
‫دائرة الرحمن عن وعي ويخدمون اللَّه موالهم‪ ،‬كذلك هؤالء الناس الذين يدخلون ساحة إبليس‬
‫عن وعي ودراية فهم في خدمة موالهم مقابل مميزات اعطيت لهم من قبل إبليس كالسلطة‬
‫والمال والنفوذ لكي ينفذوا مشاريع إبليس ومنها مشروع الفضاء والمراصد لتي اعدت للسمع‪.‬‬
‫ومن خالل هذا التقدم العلمي والمراصد الفلكية وال ُمعدات الضخمة يستطيع إبليس رصد‬
‫السماء ومنها رصد ظهور «المذنب الموعود» قبل ان تظهر طالئع انواره فالملعون يعرف ان لهذا‬
‫ُ ّ َّ َ‬
‫األمر توقيتات﴿ َو َما ن َؤخ ُِرهُ إِل ِل َج ٍل َّم ْع ُدو ٍد﴾(((‪ ،‬وهذه المعرفة توفر له وقت لالعداد المسبق‬
‫لهكذا حدث اعالمياً وعسكرياً وفكرياً‪ ،‬وهذا ما يؤكده الواقع الحالي من خالل نشر مئات‬
‫المراصد العمالقة على األرض والمراصد المتقدمة الموضوعة على ارتفاعات عالية في الفضاء‬
‫الخارجي والمسابير الفضائية التي تهبط على بقية الكواكب‪«....‬وما خفي كان أعظم»‪.‬‬
‫هذا واحد من مشاريع إبليس اما المشروع االخر االكثر خطورة فهو مشروع تخريب الطبيعة‬
‫وبالتالي تخريب الكوكب وجعله غير صالح للحياة‪ ،‬فال احد يُنكر االخطار التي يواجهها كوكبنا‬
‫ونظامنا الطبيعي من عدة ظواهر ومنها ظاهرة االحتباس الحراري التي هي من نتائج التقدم‬
‫الصناعي وبالتالي تسارع ذوبان الثلوج وتغير دورة الرياح والتصحر والتطرف المناخي بعد ان‬
‫استهلك التقدم الصناعي موارد األرض قاذفاّ الى اجوائنا بكل سموم ودخان المصانع نتيجة‬
‫عمليات االحتراق ادت إلى ظهور معادلة غير متوازنة بين استهالك موارد الطبيعة و ُمخلفات‬
‫الصناعة مما دفع جملة من العلماء والدول ان تدق ناقوس الخطر بعد نتائج تم الحصول عليها‬
‫من دراسات عديدة تنذر بحصول ازمة حقيقية على المدى القريب‪.‬‬
‫ربما ستقول لي ما هي الفائدة التي سيجنيها إبليس واعوانه من تخريب النظام الطبيعي؟‬
‫وربما يتوقع البعض ان االجابة على هذا السؤال تحتاج إلى مقدمات طويلة وبحوث خاصة‬
‫فالجواب بسيط‪ .‬الن إبليس ال يعمل للَّه وكل عمل ليس لله ال ينمو فخراب هذا الكوكب نتيجة‬
‫حتمية لعمل إبليس‪ ،‬وفعله هذا سيقوده إلى نهايته هو النه نفسه سيوصل االمور إلى درجة انها‬
‫«تملئ ظلماً وجورا»‪،‬فهو اراد ان يؤخر ظهور المنقذ ولكنه س ّرع بحضوره‪ ،‬فهو واقع في تناقض‬

‫((( األنعام‪121/‬‬
‫((( هود‪104/‬‬
‫‪144‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫كبير‪ ،‬فلو ان إبليس توقف ولم يغوي الناس وهذا ًمحال النه خالف طبيعتة لرجح مشروع األنبياء‬
‫وانتصر الخير‪ ،‬ولو انه عمل واغوى الناس حصل اعبث بالنظام وبالطبيعة وهو المطلوب فهي‬
‫الل ۖ َو َّ ُ‬ ‫ََ َُ ََ َ‬
‫ك َر َّ ُ‬
‫الل‬ ‫«ستملئ ظلماً وجورا ً» وهو المطلوب وهو ما سيحققه إبليس نفسه﴿ومكروا وم‬
‫ين﴾(((‪ ،‬فكل عمل ضد قوانين اللَّه يوصل إلى نتيجة حتمية‪ ،‬فالقانون سيضرب‬ ‫ي ال ْ َماكِر َ‬
‫َخ ْ ُ‬
‫ِ‬
‫عاجالً ام اجالً‪.‬‬

‫((( آل عمران‪54/‬‬
‫ءاروزلا تناك انه اه‬ ‫‪145‬‬

‫ها هنا كانت الزوراء‬


‫بغداد ‪ -‬الزوراء ‪ -‬المزورة ‪ -‬ام البالء ‪ -‬اخت العار ‪ -‬دار الفاسقين ‪ -‬طينة الجبارين‪ ،‬كل هذه‬
‫عناوين جاءت في األحاديث في سياق الكالم عن مدينة بغداد‪ ،‬وهي ارض موعودة بالخراب‬
‫والخسف في آخر الزمان‪ ،‬وهذه جولة سريعة في متابعة هذا الموضوع لمعرفة تاريخ ومستقبل‬
‫هذه المدينة‪.‬‬
‫تاريخ بغداد قديماً‪:‬‬
‫المعروف من الدراسات االثارية ومن جملة االثار الشاخصة حول بغداد حاليا التي منها‬
‫«المدائن ‪ -‬سلوقية ‪ -‬بابل ‪ -‬عكركوف »‪ ،‬ان بعض الشعوب قد عاشت في العراق ولها تواجد‬
‫واضح في هذه البقعة كالبابليين والكيشيين‪ ،‬ومن هنا خلط بعض الباحثين بين بغداد وبابل وبين‬
‫بغداد والمدائن‪ ،‬وهذا ما يؤكده المؤرخ«جاك ريسلر» بقوله«كانت بغداد مدينة قديمة بابلية على‬
‫الشاطئ الغربي من نهر دجلة»(((‪ ،‬وجهة الغرب من دجلة وهي الجهة التي ستذكرها األحاديث‪،‬‬
‫وهي نفسها الجهة التي بنا فيها المنصور العباسي مدينة بغداد كما سنذكر الحقا‪.‬‬
‫وذكر الخطيب البغدادي‪ ،‬وابن الجوزي‪ ،‬وياقوت الحموي‪ ،‬قولهم«ان اسم بغداد كان‬
‫يُعرف قديماً قبل المنصور‪ ،‬وكانت بغداد ايام مملكة العجم قرية تقوم بها الفرس كل سنة سوقاً‬
‫عظيمة»‪.‬‬
‫وجولة سريعة في التاريخ تبين لك انه مدينة بغداد بنيت في ارض لها تاريخ قديم جدا ً‪ ،‬فقد‬
‫قامت بغداد في موضع يقع إلى الجنوب من نهر الصراة يسمى«سوق بغداد»‪ ،‬يجتمع فيه التجار‬
‫في رأس كل سنة‪ ،‬وتقوم للفرس فيه سوق عظيمة‪ ،‬مما جعلها مركزا ً تجارياً عالمياً‪ ،‬وبقي األمر‬
‫كذلك إلى حين ما يسمونه بالفتح اإلسالمي‪.‬‬
‫وهناك دالئل تاريخية كثيرة على تسمية هذه المنطقة باسم بغداد‪ ،‬فقد ورد اسم مدينة باسم‬
‫«بكداد» من زمن حمورابي القرن«‪ 18‬ق م»‪ ،‬وورد اسم اقليم باسم «بغدادي» في لوح يرجع إلى‬
‫زمن الملك الكيش «‪ 1316‬ق م»‪ ،‬وهناك حجر حددوه من زمن الملك الكيشي «مردوخ بالدان‬
‫األول» يرجع تاريخه إلى القرن«‪ 12‬ق‪.‬م» ورد فيه ذكر موضع «بكدادي»‪.‬‬

‫((( الحضارة العربية‪ /‬ص ‪127‬‬


‫‪146‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وقال بعض المؤرخين ان اسم بغداد ُمح ّرف عن «بعل جاد»‪ ،‬ومعناها «معسكر بعل»‪،‬‬
‫على اعتبار انها معسكر للجيش البابلي‪ ،‬وقال البعض انها تحريف «بعل داد» اي مدينة «االله‬
‫الشمس»‪ ،‬ولعلها بُنيت لعبادة «البعل» إله الشمس فسميت باسمه‪ ،‬ومنهم من يرى ان اسم‬
‫بغداد لفظ كلداني في االصل وهو «بلداد» مشتق من «بل» وهو اسم االله الكلداني «داد»‪،‬‬
‫وهي لفظة ارامية قديمة معناها «فتك»‪ ،‬وقال البعض ان اصل بناء بغداد قد يرتقي إلى عهد‬
‫حمورابي‪ ،‬وقد اجمع عدد من المؤرخين المسلمين على ان لفظة بغداد فارسية االصل واعطوها‬
‫تفسيرات مختلفة‪ ،‬والبعض يرى ان «بغ» اسم لصنم فتكون «بغ داد» اي «الصنم اعطاني»‪ ،‬وقال‬
‫البعض ان «بغ» هو البستان و«داد» اعطى‪ ،‬اما المستشرق «لسترانج» فيقول ان االسم مشتق من‬
‫الكلمتين الفارسيتين القديمتين«بغ» اي «اللَّه» و «اذ» اي «تأسست» او «تأسيس»‪ ،‬فيكون لفظ‬
‫بغداد «اسسها اللَّه»‪ ،‬فيما فسر المؤرخين المسلمين القدماء والجغرافيين اسم بغداد بمعنى‬
‫«عطية الصنم» او «عطية الشيطان» او «عطية الملك»‪.‬‬
‫وبالجملة اذ احتكمنا إلى أحاديث آل محمد‪ ‬حول معنى الكلمة على اختالف تفسيرات‬
‫الباحثين والمؤرخين فان األحاديث تذم هذه األرض التي بنى فيها العباسيون مدينتهم اشد‬
‫الذم‪ ،‬وتقول عنها انها ارض ملعونة‪ ،‬وموعودة بالخسف والخراب‪ ،‬وال اعلم ما هي داللة ان‬
‫تكون األرض ملعونة‪ ،‬فهل النها مقر لعبادة االوثان‪ ،‬ام هي مقر للشيطان‪ ،‬كما ان بعض االماكن‬
‫المقدسة المباركة مقر الجساد األولياء‪ ،‬فال ندري من دفن في هذ االراضي الملعونة‪ ،‬وكل‬
‫جح كونها مكان شيطاني وهي باالصل مقر لعبادة االصنام‬ ‫هذه المؤشرات في األحاديث ت ُر ّ‬
‫او الشيطان‪ ،‬وعلما يبدوا انها من مراكز الشيطان المهمة‪ ،‬والتي ربما تعود لما قبل كل هذه‬
‫التواريخ‪.‬‬
‫ءاروزلا تناك انه اه‬ ‫‪147‬‬

‫أحاديث بغداد في مرويات آل محمد عليهم السالم‬

‫لم يكن العرب قبل اإلسالم يعرفون شيء عن بغداد بل ال يعرفون عن العراق شيء اال‬
‫كونه مستعمرة فارسية‪ ،‬ولم يكن احد يتوقع ان الرسالة المحمدية‪ ‬ستصل إلى العراق وإلى‬
‫العالم‪ ،‬واول معلومة عن بغداد في التاريخ اإلسالمي هي المعلومة التي وردت في حديث‬
‫رسول اللَّه‪.‬‬
‫عن اإلمام علي‪ ‬قال«سمعت حبيبي محمداً‪ ‬يقول‪ :‬فيكون لبني عمي مدينة من قبل‬
‫المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة‪ ،‬يشيد فيها بالخشب واآلجر والجص والذهب‪،‬‬
‫يسكنها شرار خلق اللَّه وجبابرة امتي‪ ،‬اما ان هالكها على يد السفياني‪ ،‬كاني بها واللَّه قد صارت‬
‫خاوية على عروشها»(((‪.‬‬
‫عن رسول اللَّه‪ ‬قال«تُبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل‪ ،‬تُجبا اليها كنوز‬
‫األرض‪ ،‬يخسف بها فلهي اسرع ذهابا في األرض من الحديدة المحماة في األرض الخوارة»(((‪،‬‬
‫عن مالك بن انس عن نافع عن ابي عمر قال هدم المنافقون مسجدا ً بالمدينة ليالً فاستعضم‬
‫أصحاب رسول اللَّه‪ ‬ذلك‪ ،‬فقال رسول اللَّه‪«‬ال تنكروا ذلك فان هذا المسجد يُع ّمر‪ ،‬ولكن‬
‫إذا هدم مسجد براثا بطل الحاج»‪ ،‬قيل له واين مسجد براثا؟ قال «في غربي الزوراء من ارض‬
‫العراق صلى فيه سبعون نبيا ووصيا واخر من يصلي فيه هذا واشار بيده إلى موالنا علي‪.(((»‬‬
‫اما المثابة االساسية لتحديد موقع مدينة بغداد فقد اقترنت بمسجد براثا‪ ،‬وهو المسجد الذي‬
‫امر اإلمام علي‪ ‬الراهب حباب ببنائه بعد رجوعه من قتاله اهل النهروان واألحاديث التالية‬
‫تبين هذا الموضوع بالتفصيل‪.‬‬
‫عن جابر بن عبد اللَّه االنصاري قال حدثنا انس بن مالك وكان خادم رسول اللَّه‪ ‬قال‪:‬‬
‫لما رجع أمير المؤمنين علي بن ابي طالب‪ ‬من قتال اهل النهروان نزل براثا‪ ،‬وكان بها راهب‬
‫في قاليته وكان اسمه حباب‪ ،‬فلما سمع الراهب الصيحة والعسكر اشرف من قاليته إلى األرض‬
‫فنظر إلى عسكر أمير المؤمنين‪ ‬فاستفضع ذلك فنزل مبادرا ً‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا؟ ومن رئيس هذا‬
‫العسكر؟ فقيل له‪ :‬هذا أمير المؤمنين وقد رجع من قتال اهل النهروان‪ ،‬فجاء الحباب مبادرا ً‬

‫((( معجم بلدان عصر الظهور‪ /‬عبد الرسول زين الدين ص ‪ 65‬نقال عن تاريخ بغداد ج‪38 /1‬‬
‫((( مالحم ابن المنادي‪43 :‬‬
‫((( المالحم والفتن‪ :‬ابن طاووس ‪ /‬الباب الثامن واالربعون‪ /‬ص ‪117‬‬
‫‪148‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫يتخطا الناس حتى وقف على أمير المؤمنين ‪ ‬فقال‪ :‬السالم عليك يا أمير المؤمنين حقاً حقا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وما علمك بأني امير الؤمنين حقاً حقا‪ ،‬قال له‪ :‬بذلك اخبرنا علماؤنا واحبارنا‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫يا حباب‪ ،‬فقال الراهب‪ :‬وما علمك باسمي؟ فقال‪ :‬اعلمني بذلك حبيبي رسول اللَّه‪ ،‬فقال‬
‫له الحباب‪ :‬مد يدك فأنا اشهد ان ال إله إال اللَّه وان محمدا ً رسول اللَّه‪ ‬وانك علي بن ابي‬
‫طالب وصيه‪ ،‬فقال أمير المؤمنين‪ :‬واين تأوي؟ فقال‪ :‬اكون في قالية لي ها هنا‪ ،‬فقال له أمير‬
‫المؤمنين‪ ‬بعد يومك هذا ال تسكن فيها ولكن ابن ها هنا مسجدا ً وسمه باسم بانيه‪ ،‬فبناه رجل‬
‫اسمه براثا فسمي المسجد براثا باسم الباني له‪ ،‬ثم قال‪ :‬ومن اين تشرب يا حباب؟ فقال‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين من دجلة ههنا‪ ،‬قال‪ :‬فلم ال تحفر ها هنا عينا او بئ ًر؟ فقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين كلما‬
‫حفرنا بئرا وجدناها مالحة غير عذبة‪ ،‬فقال له أمير المؤمنين‪ ‬احفر ها هنا بئرا ً فحفر فخرجت‬
‫عليهم صخرة لم يستطيعوا قلعها‪ ،‬فقلعها أمير المؤمنين ‪ ‬فانقلعت عن عين احلى من الشهد‬
‫وألذ من الزبد‪ ،‬فقال له‪ :‬يا حباب يكون شربك من هذه العين‪ ،‬اما انه يا حباب ستُبنى إلى جنب‬
‫مسجدك هذا مدينة وتكثر الجبابرة فيها ويعظم البالء حتى انه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون‬
‫الف فرج حرام‪ ،‬فإذا عظم بالهم سدوا على مسجدك بقنطرة((( ثم بنوه مرتين‪ ،‬ال يهدمه اال كافر‬
‫فإذا فعلوا ذلك منعوا الحج ثالث سنين»(((‪.‬‬
‫عن ابي جعفر ‪ ‬قال«ان أمير المؤمنين‪ ‬لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء‪،‬‬
‫فقال للناس‪ :‬انها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها‪ ،‬ان الخسف اسرع اليها من الوتد في النخالة‪ ،‬فلما‬
‫اتى موضعا من ارضها قال‪ :‬ما هذه األرض؟ قيل‪ :‬ارض نجرا‪ ،‬فقال‪ :‬ارض سباخ جنبوا ويمنوا‪،‬‬
‫فلما اتى يمنه السواد إذا هو براهب في صومعة فقال له‪ :‬يا راهب انزل ها هنا؟ فقال له الراهب‪:‬‬
‫ال تنزل هذه األرض بجيشك‪ ،‬فقال‪ :‬ولم؟ قال‪ :‬النه ال ينزلها اال نبي او وصي نبي بجيشه يقاتل‬
‫وجل هكذا نجد في كتبنا‪ ،‬فقال له أمير المؤمنين‪ :‬أنا ذلك‪ ،‬فنزل الراهب اليه‬
‫في سبيل اللَّه ع ّز ّ‬
‫فقال‪ :‬خذ علي شرائع اإلسالم إني وجدت في اإلنجيل نعتك وانك تنزل ارض براثا بيت مريم‬
‫وارض عيسى عليهما السالم‪ ،‬فقال أمير المؤمنين‪ :‬قف وال تخبرنا بشيء‪ ،‬ثم اتى موضعا فقال‬
‫الكزوا هذا فلكزه برجله‪ ‬فانبجست عين خرارة‪ ،‬فقال‪ :‬هذه عين مريم التي انبعث لها‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫اكشفوا ها هنا عل سبعة عشر ذراع فإذا بصخرة بيضاء‪ ،‬فقال ‪ :‬على هذه وضعت مريم عيسى‬
‫من عاتقها وصلت ها هنا‪ ،‬فنصب أمير المؤمنين‪ ‬الصخرة وصلى اليها واقام هناك اربعة ايام‬
‫يتم الصالة وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دعوة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ارض براثا هذا بيت مريم‬

‫((( في مصدر اخر «فطوة»‬


‫((( بحار األنوار‪/‬ج ‪ 99‬ص ‪26‬‬
‫ءاروزلا تناك انه اه‬ ‫‪149‬‬

‫عليها السالم هذا الموضع المقدس صلى فيها األنبياء‪ ،‬قال ابو جعفر محمد بن علي عليهما‬
‫السالم ولقد وجدنا انه صلى فيه إبراهيم قبل عيسى عليهما السالم»(((‪.‬‬
‫الحديث يحدد ان أمير المؤمنين‪ ‬مر بهذه األرض بعد ان انتهى من قتال الخوارج اي سنة‬
‫«‪ 38‬هـ ‪ 659‬م»‪ ،‬وانه مر بارض سماها بالزوراء وحذر الناس منها النها ارض سريعة الخسف‪،‬‬
‫ثم التقى بعدها في موضع اخر بالراهب حباب وامره ان يبني مسجد سماه باسم بانيه براثا‪،‬‬
‫والمهم في الحديث ان اإلمام علي‪ ‬يحدد للراهب حباب انه «يا حباب س ُتبنى إلى جنب‬
‫مسجدك هذا مدينة وتكثر الجبابرة فيها ويعظم البالء حتى انه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون‬
‫الف فرج حرام»‪ ،‬والواضح ان هناك مسافة ما بين موقع بناء المدينة وارض براثا‪ ،‬الن اإلمام‬
‫علي‪ ‬بعد ان اجتاز الزوراء مر بارض نجرا ثم بيمين السواد ثم التقى بالراهب‪ ،‬والحديث‬
‫يذكر ان اإلمام علي قال«س ُتبنى إلى جنب مسجدك هذا مدينة» ولم يقل «ستبنى حول مسجدك‬
‫مدينة»‪ ،‬فالمدينة ستبنى في جانب من جوانب المسجد والذي سنتكلم عنه الحقا‪ ،‬ثم يحدد‬
‫الحديث انه إذا هدم المسجد منع الحاج ثالث سنوات(((‪.‬‬
‫وعلى حد اطالعي على المصادر التي تناولت موضوع بناء العباسيين لمدينة بغداد‪ ،‬فلم‬
‫تذكر هذه المصادر المعلومات الواضحة في أحاديث أهل البيت ‪ ‬حول موقع المدينة او من‬
‫سيبنيها التي قال عنها الحديث انهم «بني العباس» ولم تشر هذه المصادر لهذا األمر من قريب‬
‫وال من بعيد‪ ،‬حتى الخبر المشهور الذي يتعلق ببناء جامع براثا بعد ان أمر اإلمام علي‪ ‬الراهب‬
‫حباب ببنائه وقال له انه ستبنى جنب مسجده هذه المدينة‪ ،‬واغلب من كتب في هذا الموضوع‬
‫ياخذ معلوماته من كتب التاريخ وال يؤخذ بشيء من كالم آل محمد‪ ،‬والراجح ان لهذا األمر‬
‫السن ّية‪ ،‬وخصوصاً االكاديميين منهم‬
‫سبب كون اغلب من كتب عن بغداد ذو ميول للطائفة ُ‬
‫الذين يعتمدون على كتب التاريخ فقط وال يقيمون اي وزن ألحاديث آل محمد‪ ‬حتى لو كان‬
‫الس ّنة وهو ُمسبقا يعتبر‬
‫فيها معلومة تاريخية‪ ،‬وبما ان كتب التاريخ ومن نقل عنهم من مذهب ُ‬
‫بني العباس هم رعاة الدين والعلم واهل الحضارة اإلسالمية فال يمكن ان يتناول المعلومات‬
‫الواردة عن أهل البيت‪ ‬حول بناء المدينة وخصوصا ان األحاديث تذكر انه سيسكنها الجبابرة‬

‫((( بحار األنوار‪/‬ج ‪33‬ص ‪437‬‬


‫((( قال السليلي مصنف الكتاب فرايت مسجد براثا قد هدمه الحنبليون وحفروا واخذوا اقواما قد حفر لهم قبور فغلبوا اهل‬
‫الميت ودفنوهم فيه ارادة قبورا ففيه تعطيل المسجد وتصير مقبرة وكان فيه نخل فقطع واحرق جذعه وسقوفه وذلك سنة‬
‫‪ 312‬هـ فبطل تلك السنة الحج وقد كان خرج سلمان بن الحسين يعني القرامطة في اول هذه السنة فقطع على الحاج‬
‫وقتلهم وعطل الحج ووقع الثلج ببغداد فاحترق نخلهم من البرد فهلك » المالحم والفتن‪ :‬ابن طاووس‪ /‬الباب الثامن‬
‫واالربعون‪ /‬ص ‪117‬‬
‫‪150‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وفي حديث اخر يسميهم ملوك بني الشيصبان ويقول عنها انها منها تخرج طينة الجبارين وهذا‬
‫كله خالف ما يقال حول تاريخ ومصير المدينة ومن بناها‪.‬‬

‫وحتى ان «بعض» الخرائط المختصة بمعالم بغداد قديماً وحديثاً تذكر كل معالم بغداد‬
‫القديمة والحديثة باستثناء معلم واحد اال هو مسجد براثا فقد خلت بعض تلك الخرائط من‬
‫اشارة اليه‪ ،‬وربما هناك تقصد بعدم ادراج موقع جامع براثا في هذه الخرائط لكي تضيع معه‬
‫أحاديث آل محمد‪ ‬حوله‪ ،‬ولو صحت مالحظتي هذه فهي تشير إلى وجود ايادي خفيه‬
‫الضاعة الموقع الجغرافي الحقيقي لبغداد التي بناها العباسيين‪.‬‬

‫بناء المدينة من قبل العباسيين‬

‫حكم بنو امية للفترة «‪ 132 - 41‬هـ» اي «‪ 750 - 622‬م»‪ ،‬وبدأ حكم بني العباس سنة‬
‫«‪132‬هـ »‪ ،‬وباستالم بني العباس السلطة شرع خليفتهم الثاني ابو جعفر المنصور ببناء عاصمته‬
‫الجديدة «مدينة السالم» سنة «‪ 145‬هـ»‪ ،‬اي بعد ‪ 13‬سنة من استالمهم السلطة وقد اختلف‬
‫المؤرخون في تحديد العوامل التي دفعت ابي جعفر المنصور لبناء بغداد لتكون حاضرة الدولة‬
‫العباسية ويمكن اختصارها بثالث نقاط‪.‬‬

‫‪ - 1‬كان من المقرر على الدولة العباسية الناشئة اقامة عاصمة لهم تليق بدولتهم الجديدة‬
‫مقابل عاصمة اعدائهم االمويين في الشام‪.‬‬

‫‪ - 2‬كراهة المنصور العباسي من االقامة على مقربة من الكوفة مركز الشيعة الموالين ألهل‬
‫البيت‪ ‬والذين لهم موقف عدائي من العباسيين‪.‬‬

‫‪ - 3‬كراهة المنصور االقامة في الهاشمية للحركات الخطيرة التي شهدها العصر العباسي‬
‫األول‪.‬‬

‫وقد بُنيت المدينة على الضفة الغربية من دجلة‪ ،‬وصممت على شكل قلعة مدورة‪ ،‬واحاطها‬
‫بعدة اسوار‪ ،‬وجعل لها اربعة ابواب كبار‪ ،‬وكان كل مدخل نظير المدخل االخر في تصميمه‪،‬‬
‫واتم المنصور بنائها سنة «‪ 149‬هـ‪766 -‬م» اي استمر بنائها لمدة اربعة سنوات‪ ،‬وهذه المدينة‬
‫تحدها دجلة من الشرق ونهر الصراة من الجنوب والخندق الذي بنوه من الغرب والشمال‪.‬‬
‫ءاروزلا تناك انه اه‬ ‫‪151‬‬

‫وبعد ان أنشأت العاصمة الجديدة اقبل الناس على السكن في جوارها فاتسعت قرية الكرخ‬
‫التي في جنوب المدينة وصارت تعرف باسم محلة الكرخ‪ ،‬وقد انشئ خلف المدينة من الجهة‬
‫الشرقية سور وخندق للدفاع عن العمران الذي انتشر حول المدينة المدورة‬
‫ثم دخلت بغداد مرحلة جديدة في تطورها بعد ان انزل المنصور ابنه وولي عهده المهدي في‬
‫الجانب الشرقي من نهر دجلة وجعل مقر جنده هناك وعرفت المحلة الجديدة اوال باسم«عسكر‬
‫المهدي» ثم ُسميت «الرصافة»‪ ،‬واول بناء شيد فيها هو جامع الرصافة الكبير‪ ،‬ثم عقب بعدها‬
‫بناء قصر المهدي‪ ،‬وقد انشئ حول المعسكر سور يدور حوله خندق عمال بما تقتضيه االحوال‬
‫العسكرية‪.‬‬
‫وعندما بُنيت الرصافة بنيت مقابل مدينة المنصور المدورة من الجانب االخر من نهر دجله‬
‫على وجه التقريب وبدأ العمل بها سنة«‪151‬هـ ‪ 768 -‬م» وانتهت سنة «‪ 157‬هـ ‪773 -‬م» اي‬
‫استغرق بنائها ستة سنوات‪.‬‬
‫مساحة المدينة‬
‫هناك عدة روايات لتحديد مساحة المدينة التي بناها المنصور‬
‫‪ - 1‬رواية اليعقوبي((( ان المساحة بين كل باب من االبواب الخارجية هي خمسة آالف ذراع‬
‫بالذراع السوداء‪ ،‬وبهذا يكون محيط المدينة عشرون الف ذراع‪ ،‬ولما كان الذراع السوداء تساوي‬
‫«‪ 50 - 49‬سنتمتر»‪ ،‬فيكون محيط المدينة قرابة «‪ 10‬كيلو متر» والمسافة بين كل باب وباب‬
‫قرابة «‪ »3000‬متر اي ثالث كيلو مترات‪ ،‬فتكون مساحة بغداد حسب هذه األبعاد اكثر من سبعة‬
‫كيلو مترات مربعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬رواية الخطيب البغدادي((( يذكر ان مساحة المدينة وخنادقها وسورها «‪ »130‬جريبا‬
‫ويؤيد ابن الجوزي هذه الرواية ايضا(((‪ ،‬والجريب يساوي «‪ 1284‬متر مربع» وبذلك تكون‬
‫مساحة بغداد قرابة«‪ 180‬الف متر مربع»‪،‬‬
‫‪ - 3‬بينما ذكر الخطيب البغدادي ان المنصور خط المدينة ميل في ميل((( والميل العربي‬
‫حوالي «اربعة آالف ذراع» اي ما يقارب الفي متر فتكون مساحة المدينة المدورة اكثر من ثالث‬
‫كيلو مترات مربعة‪.‬‬

‫((( كتاب البلدان‪ :‬ص ‪238‬‬


‫((( تاريخ بغداد‪ /‬ج‪ / 1‬ص ‪69‬‬
‫((( مناقب بغداد ‪ /‬ص‪9‬‬
‫((( تاريخ بغداد ‪:‬ج‪ /1‬ص ‪70‬‬
‫‪152‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫‪ - 4‬وللخطيب البغدادي رواية اخرى اذ يقول ان المدينة المدورة قطرها من باب خراسان‬
‫إلى باب الكوفة الفا ذراع ومائتا ذراع ومن باب البصرة إلى باب الشام الفا ذراع ومائتا ذراع وهذه‬
‫الرواية تشير إلى استدارة كاملة ومساحتها تكون «‪714‬ر‪ »950‬متر مربع‪.‬‬
‫عوامل اختيار المكان‪:‬‬
‫يشترك الطبري((( وابن الجوزي((( وابن طباطبا((( وياقوت الحموي((( في رواية تدور حول‬
‫اختيار مكان بغداد‪ ،‬تقول الرواية«انه كان على مقربة من المكان الذي ارتاده المنصور دير وسأل‬
‫راهب من رهبانه احد رجال المنصور وهو علي بن يقطين عن اسم الخليفة‪ ،‬فأجاب ان اسمه‬
‫عبد اللَّه‪ ،‬فسأل هل للخليفة اسم اخر؟ فأجاب بان كنيته ابو جعفر ولقبه المنصور‪ ،‬فقال الراهب‬
‫ليس هذا الذي يبنيها‪ ،‬فتسائل علي بن يقطين عن السبب فاجاب الراهب ألنا قد وجدنا في‬
‫كتاب عندنا نتوارثه قرناً عن قرن ان الذي يبني هذا المكان رجل يقال له مقالص‪ ،‬ونقل ابن‬
‫يقطين هذا الحديث إلى المنصور فاستبشر المنصور وقال انه كان يطلق عليه وهو صبي اسم‬
‫مقالص وكان قد سرق غزل مربية له عجوز فاطلقت عليه العجوز هذا االسم نسبة إلى لص‬
‫اشتهر في ذلك العصر وكان اسمه مقالص‪ ،‬وقال المنصور االن عرفت اين ابن هذه المدينة»(((‪.‬‬
‫ولقد حاول بعض الباحثين ان يستخف بهذه الرواية ويصفونها انها من نسج الخيال‪ ،‬علما‬
‫ان الذي نقلها خيرة كتب التاريخ التي ينقلون منها معلوماتهم‪ ،‬واعتقد ان السبب واضح الن‬
‫تصديقهم بهذه الرواية سيقودهم حتما إلى التصديق بحادثة مرور اإلمام علي‪ ‬ولقائه بالراهب‬
‫حباب وامره له ببناء مسجد في هذه األرض وقوله‪ ‬لحباب «يا حباب س ُتبنى إلى جنب مسجدك‬
‫هذا مدينة وتكثر الجبابرة فيها ويعظم البالء حتى انه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون الف فرج‬
‫حرام» فلو اعتمدوا على هذه الرواية لثبت ان بني العباس هم جبابرة هذه االمة‪.‬‬
‫ومن غير المستبعد ان اإلمام علي‪ ‬قد اخبر حباب الراهب بتفاصيل اكثر حول هذه‬
‫المدينة‪ ،‬دليله ان الرواية التي تنقلها كتب التاريخ تقول ان هذا الراهب الذي التقى به المنصور‬

‫((( تاريخ الطبري‪ :‬ج‪ /9‬ص ‪240 - 239‬‬


‫((( مناقب بغداد ‪ :‬ص ‪7‬‬
‫((( الفهرس‪ :‬ص ‪118 - 117‬‬
‫((( معجم البلدان‪ :‬ص ‪459‬‬
‫((( قال ابو جعفر كانت واللَّه امي تلقبني في صغري مقالصا«تاريخ بغداد‪ ،»87 /1 :‬مقالص‪ :‬اسم لص كانت تضرب به‬
‫االمثال وكان ابو جعفر المنصور صبيا سرق غزال لعجوز كانت تخدمه وباعه لينفق على اتراب له فلما علمت بفعلته سمته‬
‫مقالصا وغلب عليه هذا اللقب»«النهاي‪108 / 10 :‬‬
‫ءاروزلا تناك انه اه‬ ‫‪153‬‬

‫لديه كتاب يتوارثونه قرناً عن قرن مكتوب فيه ان الذي يبني المدينة شخص اسمه «مقالص»‪،‬‬
‫والراهب يعلم ان هناك مدينة ستبنى قرب المكان الذي يسكن فيه‪ ،‬مما يدل انهم توارثوا هذه‬
‫المعلومات قبل اكثر من مئة سنة‪ ،‬دليل ذلك ان اإلمام علي مر بحباب سنة «‪ 38‬هـ » والمدينة‬
‫بنيت سنة «‪145‬هـ » والفرق بينهما تقريبا «‪ 107‬سنوات»‪ ،‬فال بد ان حباب وثق هذه الحادثة في‬
‫كتاب توارثه من جاء بعده‪ ،‬والحديث التالي يؤيد مجمل الكالم كون الذي يبنيها هو «مقالص»‪.‬‬
‫من خطبة ألمير المؤمنين‪ ‬على منبر الكوفة قال فيما قال في اخرها«اال واني ظاعن عن‬
‫قريب ومنطلق إلى المغيب فارتقبوا الفتنة االموية والمملكة الكسروية واماتة ما احياه اللَّه واحياء‬
‫ما اماته اللَّه واتخذوا صوامعكم بيوتكم مثل جمر الغضا واذكروا اللَّه كثيرا فذكره اكبر لو كنتم‬
‫تغلمون‪ ،‬ثم قال‪ :‬وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل والفرات فلو رأيتموها مشيدة‬
‫بالجص واآلجر مزخرفة بالذهب والفضة واالزورد والمرمر والرخام وابواب العاج واالبنوس‬
‫والخيم والقباب والستائر وقد غلبت بالساج والعرعر والصنوبر وشيدت بالقصور وتوالت عليها‬
‫ملك بني الشيصبان اربعة وعشرون ملكاً فيهم السفاح والمقالص والجموح والخدوع والمظفر‬
‫والمؤنث والنظار والكبش والمهتور والمصطلم والمستصعب والعالم والرهبان والخليع والسيار‬
‫والمترف والكديد واالكتب والنترف واالكلب والوسيم والظالم والغيوق‪.(((»...........‬‬
‫والحديث واضح كون مدينة الزوراء ت ُبنى بين دجلة والفرات ودجيل‪ ،‬وان من يبنيها هو‬
‫«مقالص» ثاني ملوك بني الشيصبان(((‪.‬‬
‫ثم ان كتب التاريخ تقص لنا ان المنصور استشار هؤالء الرهبان حول بناء المدينة ومن‬
‫خالل النص الذي سنورده يتبين ان هؤالء الرهبان على علم باحداثيات هذه المدينة‪ ،‬فيروي‬
‫الطبري((( ان المنصور قصد هذا الدير((( الذي حدثه علي بن يقطين عن حواره مع راهبه ودعا‬
‫صاحب الدير والبطريق وغيرهما فسألهم ن احوال المناخ في تلك المنطقة بل سألهم عما قد‬

‫((( الخطبة اللؤلؤية‪ ،‬كفاية االثر‪ 213/‬المناقب‪108 / 2 :‬‬


‫((( يقال ان الشيصبان اسم من اسماء الشيطان او قبيلة من قبائل الجن ولعل ذلك يعيدنا إلى ما قلناه حول اسم بغداد كونها‬
‫مدينة الشيطان وقد وردت عبارة بني الشيصبان كاشارة إلى بني العباس في كالم ابن مهزيار مع اإلمام المهدي‪«‬فقال لي‬
‫«اي اإلمام المهدي ‪ »‬يا ابن مهزيار كيف خلفت اخوانك في العراق؟ قلت‪ :‬في ضنك عيش وهناة قد تواترت عليهم‬
‫سيوف بني الشيصبان فقال ‪ :‬قاتلهم اللَّه انى يؤفكون‪ »......‬كمال الدين وتمام النعمة‪ /‬الشيخ الصدوق‪ /‬ج‪ /2‬باب ‪44‬‬
‫من شاهد القائم‪ ‬ورأه وكلمه‪23 /‬‬
‫((( تاريخ الطبري‪ :‬ج‪ /6‬ص ‪2976 237‬‬
‫((( يسمى هذاالدير العتيق او دير «مابرقيتون»من الجانب الغربي من بغداد وقد اصبح فيما بعد محاذيا لقصر الخلد وهذا يدل‬
‫على ان هؤالء الرهبان كانوا في دير قريب جدا من موقع المدينة‬
‫‪154‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫يكون فيها من هوام وحشرات واستدعى المنصور اليه دهقان قرية مجاورة فطلب منه المشورة‬
‫والرأي فقال الدهقان ان سألتني عن هذه االمكنة وطيبها وما يختار منها فالذي ارى يا أمير‬
‫المؤمنين ان تنزل قرية طساسيج في الجانب الغربي طسوجين وهما «قطربل وبادوربا» وفي‬
‫الجانب الشرقي طسوجين وهما نهر بوق ‪ -‬وكلواذين((( فانت تكون بين نخل وقرب ماء فان‬
‫اجدب طسوج وتاخرت عمارته كان في الطسوج االخر العمارات وانت يا أمير المؤمنين على‬
‫الصراة تجيئك الميرة في السفن من الصين والهند والبصرة وواسط في دجلة وتجيئك الميرة‬
‫من ارمينية وما اتصل بها في «شامرا»((( حتى تصل الزاب وتجيئك الميرة من الروم والجزيرة‬
‫والموصل في دجلة وانت بين انهار ال يصل اليك عدوك وانت بين دجلة والفرات ال يجيئك‬
‫احد من الشرق والغرب اال احتاج العبور‪ ......‬ثم قال هذا الدهقان ان دجلة والفرات خنادق‬
‫ألمير المؤمنين»‪.‬‬
‫وكما تالحظ ان هذا الراهب قد ذكر مجموعة من األحداثيات والمسميات تنطبق تماماً على‬
‫ما جاء في األحاديث حول موقع هذ المدينة منها قطربل ونهر الصراة الذي تجري فيه السفن‬
‫وكذلك كون المدينة واقعة بين دجلة والفرات‪.‬‬
‫واغلب من بحث في اسم «الزوراء» ذهب إلى المعنى اللغوي كونها ُسميت بالزوراء‬
‫الزورار ابوابها‪ ،‬والراجح عندي حسب اجواء األحاديث ان بغداد ُسميت بالزوراء النها بُنيت‬
‫على ارض اسمها الزوراء بداللة الحديث‪،‬عن ابي جعفر ‪ ‬قال «ان أمير المؤمنين‪ ‬لما رجع‬
‫من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء‪ ،‬فقال للناس‪ :‬انها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها»‪ ،‬وانما اكتشفوا‬
‫بعد بناء المدينة انها بُنيت على ارض اسمها الزوراء بسبب شياع األحاديث حولها فقالوا انها‬
‫سميت الزوراء الزورار ابوابها‪.‬‬
‫تساؤل مهم ‪:‬‬
‫لو تابعت موضوع بغداد تاريخياً البد انك تتسائل عن هذه المدينة الكبرى التي بناها بني‬
‫العباس والذين كانوا من اكبر القوى السياسية واالقتصادية والعسكرية في العالم واستمروا فيها‬
‫الكثر من خمسمائة سنة‪ ،‬والراجح ان هؤالكو لم يدمرها بالمرة فلماذا يدمر مدينة بهذه العظمة‬
‫وال يجعلها مقرا ً له‪ ،‬ولو قرأت عن بغداد في زمن العباسيين وما تذكره كتب التاريخ عن معالم‬

‫((( طوسج كلواذي ‪ :‬قال ياقوت في معجم البلدان ج‪ 4‬ص ‪ 301‬انها قرب مدينة السالم وناحية الجانب الشرقي من بغداد‬
‫((( قال ياقوت في معجم البلدان ج‪ 1‬ص ‪ 813 - 812‬وهو طوسج من سواد بغداد بالجانب الشرقي وله نهر واسع يحمل‬
‫السفن ايام المرور‬
‫ءاروزلا تناك انه اه‬ ‫‪155‬‬

‫العمران الضخمة من قصور للخليفة وما يحيط بها من ملحقات ودواوين الدولة والقاعات‬
‫والقباب والمسجد الكبير والزينة التي تحيط بالمدينة عند كل مناسبة والسور العظيم الذي كان‬
‫يحيط بها والمفروض انه سور قد صمم لصد اعتى الهجمات والبد ان بني العباس على طوال‬
‫‪ 500‬عام قد اضافوا عليها وخصوصا انها لم تتعرض لغزوا كبير اال ايام هوالكو‪.‬‬
‫وبالتالي لو بحثنا االن عن اثر لبغداد المدورة هل نجدمنها شيء‪ ،‬الحقيقة ال تجد االن اي‬
‫دليل عمراني على وجود هكذا مدينة استمرت تحكم العالم اإلسالمي اكثر من خمسة قرون‪،‬‬
‫ونحن نعرف ان كل حضارة تنتهي البد ان يبقى شيء من اثارها العمرانية وإذا لم يبقى منه شيء‬
‫بقيت اسماء محتوياتها‪ ،‬وإذا لم تبقى االسماء يبقى اساس السور او البنيان‪ ،‬والمتابع يالحظ‬
‫ان بغداد التي بناها المنصور لم يبقى منها شيء وال حتى المسميات وال حتى السور وال حتى‬
‫االساسات والذي يدفعنا للتساؤل مرة اخرى اين ذهبت هذه المدينة هكذا وبدون ان تترك اي‬
‫اثر‪.‬‬
‫ومن هنا فاني اميل للقول بان بغداد حسب الواقع التاريخي والتنبؤ الديني لمستقبلها تمر‬
‫بمراحل‪.‬‬
‫المرحلة األولى‪:‬مرحلة مرت وهي الفترة الممتدة من يوم بنائها إلى يوم احتاللها من قبل‬
‫هوالكو سنة «‪ 656‬هـ ‪ 1258 -‬م» والقول بان هوالكو دمرها نهائيا امر غير متصور‪ ،‬واألحاديث‬
‫تسميها قبل بنائها بالزوراء‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪:‬وهي الفترة الممتدة من يوم اجتياحها من قبل هوالكو سنة «‪ 656‬هـ ‪-‬‬
‫‪1258‬م» إلى يومنا هذا‪ ،‬وهوالكو نهب واحرق ولكنه لم يُخ ّربها كغيرها من المدن التي فتحها‬
‫النهم كانوا يريدون اتخاذها مقرا ً لهم وهو امر منطقي جدا ً فلماذ يخربها وهي صالحة لسكنه‬
‫وسكن عسكره‪ ،‬وبقيت بغداد بعد هذه الحادثة تتقاذفها الحروب إلى ان احتلها السلطان‬
‫مراد الرابع سنة«‪ 1048‬هـ ‪ 1638 -‬م» فقد حكم فيها االليخانيون «‪ »82‬سنة ثم اعقبهم‬
‫الجالئريون«‪ »57‬سنة واستولى تيمورلنك على بغداد سنة «‪1393‬م» ولم يلحق ضرر بالمدينة‬
‫وفي سنة «‪1508‬م» غزا الشاه إسماعيل الصفوي بغداد وظلت بحوزة الصفويين حتى عام‬
‫«‪1534‬م» حيث احتلها االتراك بقيادة سليمان األول‪ ،‬ثم استولى عليها عباس الصفوي سنة‬
‫«‪1623‬م»‪ ،‬ثم استعادها االتراك سنة «‪1628‬م» وبقيت بغداد بهذا الشكل من سيء إلى اسوء‬
‫تتقاذفها الحروب والفيضانات وقد ذكر اخبارها وانهيار مبانيها واسوارها جملة من الرحالة وقد‬
‫تعرضت المدينة إلى فيضانات خطيرة في السنوات «‪- 1907 - 1896 - 1894 - 1884‬‬
‫‪156‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫‪1915‬م» ولكل هذه االسباب وبسبب ضعف االدارة واالضطرابات االمنية المتواصلة تضرر‬
‫جدا سور المدينة واستعملت حجارته في بناء االبنية ودفن الخندق واكثر اجزائها تداخل مع‬
‫االبنية الجديدة كما ان الغرق المتكرر من فيضان دجلة كان له االثر الكبير في تخريب اكثر‬
‫اقسامها اثناء الفيضانات‪ ،‬وبقي السد الترابي وصار يعرف بعد االحتالل البريطاني سنة ‪1917‬‬
‫بسدة المدينة وبهذا لم يبقى من بغداد واسوارها شي‪.‬‬
‫وحسب هذا الواقع التاريخي للمدينة عبر الزمن يمكن القول ان بغداد التي بناها المنصور‬
‫اندثرت بالتدريج عبر الزمن واعتقد هي المعنية بعبارة الحديث المروي عن اإلمام الصادق‪«‬ها‬
‫هنا كانت الزوراء»‪.‬‬
‫قال المفضل‪ :‬يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت؟ قال‪«‬في لعنة اللَّه‬
‫وسخطه وبطشه تخ ًربها الفتن وتتركها حمما((( فالويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر‬
‫ورايات المغرب ومن يجلب الجزيرة ومن الرايات التي تسير اليها من كل قريب وبعيد واللَّه‬
‫لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر االمم المتمردة من اول الدهر إلى اخره ولينزلن بها‬
‫من العذاب ما ال عين رأت وال أذن سمعت بمثله وال يكون طوفان اهلها اال بالسيف فالويل لمن‬
‫اتخذ بها مسكنا فان المقيم بها يبقى بشقائه والخارج منها برحمة اللَّه‪ ،‬واللَّه ليبقى من اهلها في‬
‫الدنيا حتى يقال هي الدنيا وان دورها وقصورها هي الجنة وان بناتها ه ّن الحور العين وان ولدانها‬
‫هم الولدان وليظنن ان اللَّه لم يقسم رزق للعباد اال بها وليظهرن من األفتراء على اللَّه وعلى‬
‫رسوله‪ ‬والحكم بغير كتاب اللَّه ومن شهادات الزور وشرب الخمور واكل السحت وسفك‬
‫الدماء ما ال يكون في الدنيا كلها اال دونه ثم ليخربها اللَّه تعالى بتلك الفتن وتلك الرايات حتى‬
‫(((‬
‫لو مر عليها مار لقال ها هنا كانت الزوراء‪»......‬‬
‫االغلب يعتقد ان هذه مواصفات بغداد اخر الزمان‪ ،‬ولو تأملت في الحديث جيدا ً وحسب‬
‫الواقع التاريخي لهذه المدينة كما ذكرناه لرأيت الحديث يشير إلى بغداد التي بناها المنصور‪،‬‬
‫كما يذكر الحديث ان نسائها الحور العين وان ولدانها هم الولدان وانه يظن ان اللَّه ال يقسم رزق‬
‫للعباد اال بها النها مركز العالم في زمان العباسيين بل يقال انها هي الدنيا‪ ،‬ونتيجة هذا الواقع‬
‫سيطمع بها كل الملوك ستُخ ّرب نتيجة ما ينزل بها من صنوف العذاب لكثرة الرايات التي تسير‬
‫اليها من قريب وبعيد‪ ،‬والحديث يحدد صراحة ان خراب بغداد من الفتن والرايات التي تمر‬

‫((( في بعض النسخ جماء‬


‫((( مختصر البصائر‪ /‬الشيخ عز الدين الحسن بن سليمان الحلي‪ /‬تتمة ما تقدم من أحاديث الرجعة‪5 /512 /‬‬
‫ءاروزلا تناك انه اه‬ ‫‪157‬‬

‫عليها ولم يذكر ان خرابها على يد السفياني كما تشير اليه أحاديث اخرى مما يعزز كونها احداث‬
‫مضت‪ ،‬ونتيجة هذه الفتن والرايات ستخرب ولن يبقى منها اثر حتى إذا م ّر عليها مار قال «ها هنا‬
‫كانت الزوراء»‪ ،‬والحقيقة في زماننا هذا لو استطعت ان تحدد الموقع الجغرافي لمدينة بغداد‬
‫التي بناها المنصور فلن تجد لها اي اثر وستجد فيها ابنية ومعالم حديثة فإذا سألك احد قل له‬
‫«ها هنا كانت الزوراء»‪ ،‬وهي مصداق لقوله تعالى﴿ َوقَد ِْم َنا إ َ ٰل َما َعملُوا م ِْن َع َمل فَ َ‬
‫ج َعلْ َناهُ َه َب ً‬
‫اء‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ُ ً (((‬
‫منثورا﴾‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬وهي المرحلة المتعلقة بالنبؤات المستقبلية لهذه المدينة وما يجري عليها‬
‫في اخر الزمان‪ ،‬الن بغداد كمدينة وبفعل العمران الذي جرى فيها بقيت اسمها بغداد وان‬
‫اختفت منها معالم بغداد المدورة التي بناه المنصور وهي بغداد التي نعرفها حالياً‪،‬‬
‫وخراب بغداد في اخر الزمان يكون من جهتين جهة الخسف وجهة السفياني القتران خرابها‬
‫مع ظاهرة فلكية كبيرة وهي اقتراب جرم من األرض‪.‬‬
‫عن ابي عبد اللَّه‪ُ «‬يزجر الناس قبل قيام القائم‪ ‬عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء‬
‫(((‬
‫وحمرة تجلل السماء وخسف ببغداد وخسف ببلدة البصرة‪».....‬‬
‫عن أمير المؤمنين‪ ‬من حديث طويل«ال يقوم القائم حتى تفقأ عين الدنيا وتظهر الحمرة‬
‫في السماء‪ ...............‬وخراب دار الفراعنة ومسكن الجبابرة ومأوى الوالة الظلمة وام البالء‬
‫(((‬
‫واخت العار تلك ورب علي يا عمر بن سعد بغداد اال لعنة اللَّه على العصاة من بني امية‪»......‬‬
‫بسنده عن كعب االحبار انه قال«ان القائم من ولد علي ‪ ‬له غيبة كغيبة يوسف ورجعة‬
‫كرجعة عيسى بن مريم ثم يظهر بعد غيبته مع طلوع النجم االحمر وخراب الزوراء وهي الري‬
‫وخراب المزورة وهي بغداد وخروج السفياني»(((‪.‬‬
‫والسنة التي تسبق ظهور القائم‪ ‬تسميها األحاديث «سنة كثيرة الزالزل» والراجح علمياً ان‬
‫كثرة الزالزل بسبب هذا الجرم الذي سيؤثر على طبيعة األرض‪ ،‬واألحاديث ايضا تذكر ان بغداد‬
‫مبنية على ارض رخوة‬

‫((( الفرقان‪23/‬‬
‫((( االرشاد‪161 /‬‬
‫((( غيبة النعماني ‪147 /‬‬
‫((( غيبة النعماني‪ 146 /‬ح ‪4‬‬
‫‪158‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫عن رسول اللَّه‪ ‬قال«تُبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل‪ ،‬تُجبا اليها كنوز‬
‫األرض‪ ،‬يخسف بها فلهي اسرع ذهابا في األرض من الحديدة المحماة في األرض الخوارة»(((‪،‬‬
‫عن أبا جعفر ‪ ‬يقول«إن أمير المؤمنين ‪ ‬لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء‪،‬‬
‫فقال للناس‪ :‬إنها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها‪ ،‬فان الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة»‪.‬‬
‫كم ان األحاديث تشير إلى خرابها على يد السفياني‬
‫عن اإلمام علي‪ ‬قال «سمعت حبيبي محمداً‪ ‬يقول‪ :‬فيكون لبني عمي مدينة من قبل‬
‫المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة‪ ،‬يشيد فيها بالخشب واآلجر والجص والذهب‪،‬‬
‫يسكنها شرار خلق اللَّه وجبابرة امتي‪ ،‬اما ان هالكها على يد السفياني‪ ،‬كاني بها واللَّه قد صارت‬
‫(((‬
‫خاوية على عروشها»‬
‫عن النبي ‪ ‬في ذكر احوال السفياني«‪ .....‬حتى ينزلوا بارض بابل وهي المدينة الملعونة‬
‫يعني بغداد فيقتلون اكثر من ثالثة آالف ويفضحون بها اكثر من مائة امرأة ويقتلون بها ثالثمائة‬
‫كبش من بني العباس»(((‪.‬‬
‫الحظ انه ‪ ‬هنا يذكر خرابها على يد السفياني وليس هوالكو وهذا دليل على انها ستخرب‬
‫في اخر الزمان‪.‬‬
‫وربما يتسائل البعض هل ان كل بغداد الحالية مشمولة بالخسف والخراب واللعن‪،‬الحقيقة‬
‫ان هناك تعميم في اطالق موضوع اللعن والخسف على كل بغداد الحالية‪ ،‬نعم قد تكون ُمجمل‬
‫بغداد الحالية معرضة للخطر في اخر الزمان من قبل السفياني او غيره من اهل الرايات‪ ،‬اال ان‬
‫موضوع اللعن والخسف يخص منطقة معينة فقط وهي المنطقة الجغرافية التي بنا فيها المنصور‬
‫العباسي مدينته المدورة‪ ،‬دليل ذلك ان اإلمام علي‪ ‬عندما مر بجيشه والتقى بالراهب حباب‬
‫امره ان يبني مسجد في تلك المنطقة ولوال انها ارض مقدسة لما امره بذلك النه صلى بها‬
‫جملة من األنبياء واالوصياء‪ ،‬علماً ان اإلمام علي‪ ‬قال لحباب «ستبنى إلى جنب مسجدك‬
‫مدينة» ولم يقل له ستبنى حول مسجدك مدينة‪ ،‬فلو قال له ستبنى حول مسجدك مدينة لكانت‬
‫ربما الكثير من مناطق بغدا الحالية مشمولة باللعن والخسف‪ ،‬ولكنه قال ستبنى جنب مسجدك‬
‫مدينة مما يدل على ان بغداد الملعونة والموعودة في الخسف هي فقط تلك البقعة الجغرافية‬

‫((( مالحم ابن المنادي‪43 :‬‬


‫((( معجم بلدان عصر الظهور‪ /‬عبد الرسول زين الدين ص ‪ 65‬نقال عن تاريخ بغداد ج‪38 /1‬‬
‫((( بحار األنوار ‪187 /2 :‬تاريخ الطبري ‪481 :1 :‬‬
‫ءاروزلا تناك انه اه‬ ‫‪159‬‬

‫الموجودة على جنب مسجد براثا فبراثا ليس من حدود تلك لمدينة هذا باالضافة إلى كون منطقة‬
‫الكاظمية ارض مقدسة دفن فيها اثنان من األئمة المعصومين ‪ ‬وهي ارض مقدسة وطيبة‪.‬‬
‫وهنا ساجيب عن الموضوع بشكل ظني وحسب قناعتي التي توصلت اليها من خالل‬
‫متابعة هذا الموضوع وهو القول ان المنطقة الموعودة بالخسف هي نفس المنطقة التي بنا‬
‫عليها المنصور العباسي مدينته المدورة والتي اختفت معالمها نتيجة كثرة الفتن عليها وهي‬
‫نفسها المنطقة التي بنا عليها البعثيون قصورهم‪ ،‬وهي نفسها مركز الحكومة الحالية اوما يسمونه‬
‫بالمنطقة الخضراء وهي التي بنيت عليها حاليا السفارة االمريكية وهذا ما تؤكده األحاديث كون‬
‫سيسكنها صنفان من الناس كما جاء عن رسول اللَّه‪«‬يسكنها شرار خلق اللَّه وجبابرة امتي»‪،‬‬
‫فشرار خلق اللَّه هم األمريكان وجبابرة االمة هم عموم من يحكم العراق كما ورد في أحاديث‬
‫العامة قول رسول اللَّه‪«‬سيكون من بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء امراء‪ ،‬ومن بعد االمراء‬
‫ملوك‪ ،‬ومن بعد الملوك جبابرة‪ ،‬ثم يخرج رجل من اهل بيتي يمأل األرض عدال كما ملئت‬
‫جورا»‪ ،‬وهذه البقعة هي التي يسميها اإلمام علي‪«‬دار الفراعنة ومسكن الجبابرة ومأوى الوالة‬
‫الظلمة وام البالء واخت العار»‬
‫فيمكن القول انه ليس كل بغداد المعروفة حاليا بكل امتداداتها هي المعنية بالخسف‬
‫واللعن‪ ،‬بل المعنية باللعن والخسف هي المنطقة الجغرافية التي بنيت عليها المدينة المدورة‪،‬‬
‫اما ما يُحيط بها فهي تتضرر نتيجة الحروب واحداث اخر الزمان كمنطقة فعاليات عسكرية‪.‬‬
‫‪160‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ال�شعارات المجفورة‬
‫وردت عدة أحاديث متعلقة باخبار عصر ظهور اإلمام المهدي‪ ‬تحتوي على معلومات‬
‫رقمية تشير إلى معلومات مجفورة تم اخفائها السباب عديدة‪.‬‬
‫الحديث األول‪:‬‬
‫عن ابي بصير عن ابي جعفر‪ ‬قال «إذا ظهر القائم على نجف الكوفه خرج اليه قراء الكوفة‬
‫(((‬
‫وقد علّقوا المصاحف على اعناقهم وفي اطراف رماحهم شعارهم «يا ‪ 22121‬يا ‪ 247‬تر»‬
‫ويقولون‪ :‬ال حاجة لنا فيك يا ابن فاطمة قد جربناكم فما وجدنا عندكم خيراً ارجعوا من حيث‬
‫جئتم حتى ال يبقى منهم مخبر»(((‪.‬‬
‫الحديث الثاني‪:‬‬
‫وهم ان يكسر الحائط‬
‫عن اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللَّه قال«إذا قدم القائم«اللَّه‪ّ (((»144‬‬
‫الذي على القبر بعث اللَّه ريحاً شديداً وصواعق ورعوداً حتى يقول الناس‪ :‬انما ذا لذا فيتفرق‬
‫أصحابه عنه حتى اليبقى معهُ أحد فيأخذ المعول بيده فيكون أول من يضرب بالمعول ثم يرجع‬
‫إليه أصحابه إذا رأوه يضرب بالمعول فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم‬
‫اليه فيهدمون الحائط ثم يخرجهما غضين طريين فيلعنهما ويتب ّرأ منهما ويصلبهما ثم ينزلهما‬
‫ويحرقهما ثم يذريهما في الريح»(((‪.‬‬
‫الحديث الثالث‪:‬‬
‫عن ابي بصير عن ابي جعفر‪ ‬قال«إذا قام القائم ودخل الكوفة امر بهدم المساجد األربعة‬
‫حتى يبلغ اساسها ويصي ّرها عريشاً كعريش موسى‪ ‬وتكون المساجد كلها جماء الشُ َر َ‬
‫ف‬

‫((( في منتخب األنوار المضيئة‪ /‬السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم النيلي النجيفي‪/‬الفصل الثاني عشر‪/‬ص‪ /193‬ورد‬
‫الرقم كاالتي«‪ 642121‬يا ‪»247‬‬
‫((( سرور اهل اإليمان في عالمات ضهور صاحب الزمان ‪ /‬للسيد بهاء الدين بن عبد الكريم النيلي النجيفي ‪/‬ح‪/47‬ص‪67‬‬
‫((( في منتخب األنوار المضيئة‪/‬للنيلي النجيفيي ورد الرقم هكذا«‪ »514421‬وفي بعض نسخه «‪ »514421‬وهي ليست في‬
‫البحار‬
‫((( سرور اهل اإليمان‪ /‬للنيلي النجيفي‪/‬ح‪ /46‬ص‪ 66‬وكذلك في منتحب األنوار المضيئة ‪/‬للنيلي النجيفي‪/‬الفصل الثاني‬
‫عشر‪ /‬ص‪193‬‬
‫�����������������‬ ‫‪161‬‬

‫لها كما كانت على عهد رسول اللَّه‪ ‬ويوسع الطريق االعظم فيصير ستين ذراعاً ويهدم كل‬
‫مسجد على الطريق وكل جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق‪ ..............‬وال يلبث اال قليالً‬
‫حتى يخرج عليه مارقة الموالي ب ُرميلة الدسكرة (((عشرة آالف شعارهم«يا ‪ 7‬و‪(((»145‬فيدعوا‬
‫رجالً من الموالي فيقلّده سيفه ثم يخرجهم فيقتلهم حتى اليبقى منهم احد‪.(((»..............‬‬
‫من خالل النظر في هذه األحاديث الثالثة يتضح انهاال تتحدث عن امور تقع في زمن‬
‫ما قبل ظهور اإلمام المهدي‪ ،‬بل في زمن مرافق لظهوره ‪ ،‬فهذه رايات وفرق مشاركة‬
‫في األحداث‪ ،‬وان فهم هذه المعلومات «الرقمية» في األحاديث يمكن النظر اليها من عدة‬
‫احتماالت‪.‬‬
‫االحتمال األول‪ :‬ان تكون هذه األحاديث صدرت فعالً من المعصومين بهذا الشكل اي فيها‬
‫ارقام تشير إلى امور مجهولة وهذا االسلوب لم نألفه في أحاديث آل محمد‪ ‬إال اللَّهم في موارد‬
‫قليلة جدا ً واسلوبها ال يشابه اسلوب األحاديث السابقة مثل األحاديث التي ذكرت الرقم«‪»313‬‬
‫وهم عدة أصحاب القائم‪ ،‬بل ان هذا الرقم ف ُّسر من قبل األئمة ‪ ‬بعدة أحاديث كونه يمثل‬
‫عدد أصحاب القائم‪ ،‬فيما ذكرت مرويات اخرى اسمائهم واماكن سكناهم وهذا األمر يدفعنا‬
‫لالعتقاد بان هذا االسلوب في وضع االرقام في األحاديث ليس من اسلوب المعصومين‪ ‬بل‬
‫من وضع الرواة(((‪.‬‬

‫((( الدسكرة‪ :‬األرض المستويه‪ ،‬قرية كبيرة بنواحي نهر الملك غربي بغداد‪ ،‬وايضا قرية في طريق خراسان وايضا قرية‬
‫بحوزستان والرميلة تصغير الرملة ‪ :‬منزل في طريق البصرة إلى مكة‪ ،‬وقرية في البحرين‪ ،‬وقرية في بيت المقدس‪0‬‬
‫(( ( ‪-‬في منتحب األنوار المضيئة‪/‬للنيلي النجيفي‪/‬الفصل الثاني عشر‪/‬ص‪ /194‬ورد الرقم«‪ »51457‬وورد الحديث ايضا في‬
‫كتاب الغيبة‪/‬للطوسي‪/‬ح‪ - 498‬ص‪475‬‬
‫((( سرور اهل اإليمان‪ /‬للنيلي النجيفي‪/‬ح‪ /49‬ص‪69‬‬
‫((( ولعل هذه االرقام تذكرنا بالرقم المهم الذي ورد في احدايث المعصومين ‪ ‬حول عدد أصحاب اإلمام المهدي‪‬‬
‫وهو «‪ »313‬فربما هو ايضا اسلوب مجفور في نقل المعلومة‪ ،‬وربما تناول هذا الرقم من باب علم الجفر قد يقودنا‬
‫إلى معلومات عنه‪ ،‬فمن صفات هذا الرقم انه غير قابل للقسمه اال على نفسه‪ ،‬فيما ذكرت مرويات مطوله عن أهل‬
‫البيت تفاصيل كثيرة حول أسماء أصحاب القائم‪ ‬وبلدانهم واعدادهم‪ ،‬فيا ت ُرى لماذا تصدر من المعصومين ‪ ‬هكذا‬
‫معلومات وهي عبارة عن وثائق مهمة فيها اسماء أصحاب القائم«عج» واعدادهم وبلدانهم مما يسهل على قوى الشر‬
‫من متابعتهم واالمساك بهم‪ ،‬ام ان في الموضوع أمر اخر‪،‬وربما في هذه األحاديث أمر أخر كونها عبارة عن رسالة مجفره‬
‫تحتوي على أسماء وارقام‪ ،‬وهذه الرسالة مطروحة للبحث والتدقيق الن فيها مجموعة من المعلومات الرقمية والتاريخية‬
‫والزمنية والمكانية الحداث عصر الظهور‪ ،‬فال بد من وجود مفتاح لفك هذه الرموز وهذه الرسالة كما اتوقع ستبقى على‬
‫حالها إلى زمن معين‪ ،‬فهي ذات توقيت فعند حضور الوقت ستُفك طالسمها وتظهر مكنوناتها فعلينا ان ال نستهين بهذه‬
‫المعلومات الواردة فيها فالكثير ينظرون لهذه األحاديث بالذات نظرة الالمباالة وهذه واحدة من موارد القوة في هذه‬
‫األحاديث وهي كونها مهمله‪،‬‬
‫‪162‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫االحتمال الثاني‪ :‬ان المعصوم‪ ‬ذكر الحديث كامالً بدون تحويل المعلومة إلى رقم ولكنه‬
‫اشار إلى الراوي بان يُب ّدل بعض العبارات بأرقام «حسب نظام الجفر» وهذا االحتمال ضعيف‬
‫جدا ً الن هناك امور جسيمة وعظيمة ذكرتها األحاديث صراح ًة فيها اسماء وتوقيتات وردت‬
‫صراح ًة ولم تحول إلى نظام االرقام‪.‬‬

‫ي‬ ‫ط‬ ‫ح‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫هـ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ب‬ ‫ا‬
‫‪10‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫ق‬ ‫ص‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ك‬
‫‪100‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪50 40 30‬‬ ‫‪20‬‬
‫غ‬ ‫ظ‬ ‫ض‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ث‬ ‫ش ت‬ ‫ر‬
‫‪1000‬‬ ‫‪900‬‬ ‫‪800‬‬ ‫‪700‬‬ ‫‪600‬‬ ‫‪500 400 300‬‬ ‫‪200‬‬

‫االحتمال الثالث‪:‬وهو االحتمال الراجح عندي‪ ،‬ان هذه األحاديث فيها كلمات او عبارات‬
‫قد حذفت من الحديث وتم تحويلها إلى ارقام حسب نظام الجفر وهي من اجتهادات الرواة‪،‬‬
‫فراوي الحديث ربما لظروف سياسية او اجتماعية خاصة بزمنة خاف من ذكر هذه الكلمات‬
‫او العبارات صراح ًة فاستبدلها بما يساويها من نظام االرقام على امل ان يكون قارئ الحديث‬
‫له المام بعلم الجفر فيقوم بتحويل هذه االرقام إلى كلمات او عبارات مرة اخرى لكي يعلم‬
‫الحقيقية‪ ،‬ولكن األمر هنا اصبح صعب جدا ً الن تحويل الكلمات والعبارات من النظام الحروفي‬
‫إلى النظام الرقمي حسب قواعد الجفر امر جدا ً سهل اما العملية المعكوسة اي تحويل االرقام‬
‫إلى كلمات فاألمر صعب جدا ً هذا إذا كانت االرقام مكونه من «رقمين فقط» اما إذا كانت االرقام‬
‫مكونة من«ثالثة ارقام فما فوق» كما ورد في األحاديث السابقة فاألمر ليس صعب بل مستحيل‬
‫الن العملية هنا ستكون خاضعة لنظام احتماالت صعب جدا ً شرحة‪ ،‬وصعب جدا ً تطبيقة‪،‬وقد‬
‫تبلغ فيه االحتماالت إلى اكثر من مليون احتمال‪.‬‬
‫والذي دفع الرواة إلى هذا االسلوب باالضافة لما ذكرناه هو امر اخر تبينه األحاديث مما‬
‫شكّل لدى الراوي حراجة واضحة في ذكر هذه المعلومات وهو ان هذه المعلومات خاصة‬
‫لوصف حال بعض الفئات «الشيعية» المعاندين لالمام المهدي‪ ‬في اخر الزمان كما ذكره‬
‫الحديث رقم«‪ »1‬السابق بعبارة«خرج اليه قراء اهل الكوفة» شاكين سالحهم عليه يقولون له‬
‫ارجع من حيث اتيت‪ ،‬وكما هو معلوم فان الكوفة كانت وما تزال علوية التاريخ واالنتماء‪.‬‬
‫�����������������‬ ‫‪163‬‬

‫اما المعلومات الواردة في الحديث الثاني فهي تشير إلى معلومات ربما تكون في زمن‬
‫الراوي استفزازية للجانب االخر‪ ،‬وخصوصا ان الحديث يشير من خالل معلومات واضحة فيه‬
‫وبداللة أحاديث اخرى ان القائم‪ ‬سوف ينبش قبور األول والثاني مما دفع الراوي لجفر هذه‬
‫المعلومة التي ربما تشكل له في زمانه مشكلة اجتماعية او عقائدية او سياسية‪.‬‬
‫فربما لم يستوعب الراوي او خاف او تحير او استثقل هذه المعلومات التي قد تشكل‬
‫عالمات استفهام محيرة البناء طائفته‪ ،‬وبما ان الراوي كان حريص على ايصال الحقيقة وفي‬
‫نفس الوقت اليستطيع ان يهمل او يلغي الحديث لذلك اضطر الستخدام هذه الطريقة لكي ال‬
‫يتوصل إلى مراد الحديث كل شخص‪.‬‬
‫وهنا علينا ان نتابع زمنياً سلسلة المصادر والرواة الذين نقلوا هذه األحاديث لكي نعرف من‬
‫هو المسؤول عن هذا الترقيم‪.‬‬
‫عند المتابعة وجدنا ان الطوسي«‪ »460-385‬هجري ذكر الحديث «الثالث» ولم يذكر‬
‫الرقم ولكن بدل الرقم توجد عبارة «ياعثمان يا عثمان» اما في كتاب بحار األنوار للمجلسي‬
‫«‪ »1111-1037‬هجري فال توجد هذه العبارات وال االرقام المقابلة لها‪.‬‬
‫وبالنتيجة لم ينقل احد هذه االرقام اال «السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم بن عبد‬
‫الحميد الحسيني النيلي النجيفي ‪ -‬والذي كان حيا سنة‪ 803‬هجري» في كتابيه «منتخب االنور‬
‫المضيئة و كتاب سرور اهل اإليمان»‪،‬فيبقى اصل السؤال قائماً من اين نقل النيلي النجيفي هذه‬
‫األحاديث؟على اعتبار ان الطوسي قبلة والمجلسي بعده‪.‬‬
‫عموما لم اجد لهذه االرقام وجود في المصادر التي تحت يدي بل كلها تذكر األحاديث‬
‫مجردة عن هذه االرقام‪ ،‬فتبرز لنا عدة اسئلة‪.‬‬
‫‪ -1‬ما هي المصادر التي اعتمد عليها النيلي النجيفي فينقل هذه األحاديث فلم يذكرها في‬
‫كتابيه؟‬
‫‪ -2‬هل وصلت هذه األحاديث للنيلي النجيفي بهذا الشكل ام هو نفسه الذي قام بتحويلها‬
‫إلى ارقام ربما لخطورة العبارة من وجهة نظره؟‬
‫‪ -3‬هل يحق لراوي الحديث ان يقوم بهكذا امر؟‬
‫‪ -4‬لماذا لم يذكر الطوسي في كتاب الغيبة هذه االرقام وهو المتاخر عن النجيفي زمنياً‬
‫«اكثر من ‪ 300‬سنة»؟‬
‫‪164‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫‪ -5‬لماذا لم يذكر المجلسي هذه االرقام وهو المتقدم زمنيا عن النجيفي علما انه في كتابه‬
‫بحار األنوار يعتمد على كتابي النجيفي«منتخب األنوار المضيئة وسرور اهل اإليمان»؟‬
‫واالن نريد ان نعرف هل لهذه االرقام معنى؟‬
‫ال يوجد لدينا حل اال من خالل التصور ان هذه االرقام هي عبارة عن كلمات او عبارات‬
‫مجفورة حسب نظام الجفر‪ ،‬فعلم الجفر هو العلم الخاص بتحويل الكلمات إلى ارقام من‬
‫خالل جمع القيم العددية للحروف المكونة لكل كلمة‪.‬‬
‫فإذا اخذنا الحديث «الثاني» فلن نجد صعوبة في معرفة داللة الرقم«‪ »144‬بدون الرجوع‬
‫إلى علم الجفر الن مجمل الحديث وبداللة أحاديث اخرى تحمل نفس المعنى ان القائم‪‬‬
‫سينبش قبر األول والثاني الذين دفنا بجوار قبر جده رسول اللَّه‪ ‬فيكون الرقم«‪ »144‬اما‬
‫يعني«المدينه» او «طيبة» او «قبر جده» او «مسجد الرسول» او اي عبارة لها عالقة بالمسجد‬
‫النبوي او قبر رسول اللَّه‪ ‬والعبارة تنتج معنى اساسي ليس غريب عمن قراء األحاديث فقد‬
‫ذكرت هذه الواقعة مصادر اخرى تحمل نفس المضمون والمعنى(((‪.‬‬
‫اما الحديثان االخران«األول والثالث» ففيهما ارقام كبيرة بحاجة إلى تفكيك وتحليل وهو‬
‫امر كما ذكرنا مستحيل فكما هو معروف فان القيمة العددية للحرف«غ» تساوي«‪ »1000‬وهو‬
‫اعلى قيمة عددية لكل الحروف‪ ،‬وهذا معناه انه من النادر ان يكون هناك كلمة واحدة جفرها‬
‫اكثر من «‪ ،»2000‬وإذا اردنا الدقة فال توجد كلمة واحدة جفرها اكثر من«‪ »3000‬او اكثر‪ ،‬النه‬
‫من الصعوبه ان تتجمع الحروف ذات الجفر العالي بكلمة واحده وهي«خ ‪ -‬ذ ‪ -‬ض ‪ -‬ط ‪ -‬غ»‪.‬‬
‫وعليه يكون الرقم«‪ »22121‬او«‪ »642121‬عبارة عن جملة طويلة تحوي على اقل‬
‫تقدير«‪ »10‬كلمات وهذا شعار طويل جدا ً الن الرقم تسبقه لفظة«يا» وهذه اللفظة بصورة عامة‬
‫ياتي بعدها اسم او صفة‪ ،‬لذلك يكون الشعار الطويل بهذه الكيفية وهو امر مستبعد‪ ،‬فاما ان‬
‫تكون هذه االرقام مخطوئه او انها تعني شيء اخر‪.‬‬
‫الحديث الثالث فيه الرقم«يا ‪ 7‬و‪ »145‬وهو بهذه الكيفية اقرب للمعقول في نظام الجفر‬
‫فيمكن حسب طريقة االحتماالت معرفة مإذا يعني الرقو«‪ ،»7‬الن هناك احتماالت قليلة للكلمات‬
‫التي جفرها «‪ ،»7‬اما الرقم «‪ »145‬فاالحتماالت كثيرة جدا ً وليس من السهولة بمكان حصرها‬

‫((( وردت أحاديث حول هذه الواقعة في كتاب«مختصر البصائر» للشيخ عز الدين الحلي ‪/‬ص‪ 450 - 447‬وكذلك في‬
‫كتاب«البحار‪ /‬للمجلسي‪ 52:386 /‬ح‪ »201‬وكذلك في منتحب األنوار المضيئة‬
‫�����������������‬ ‫‪165‬‬

‫النها مكونة من ثالث ارقام‪ ،‬ولكن الرقم معقول ويمكن ان نخمن انه اسم او صفة او لقب‪.‬‬
‫وهذا الرقم «‪ »145‬ورد نفسه في كتاب منتخب األنوار المضيئة كاالتي«‪ »51457‬وكما‬
‫تالحظ هناك تفارب بين«يا ‪ 7‬و‪ »145‬وبين «‪ »51457‬مما يوحي إلى انه فعالً هناك سوء‬
‫نقل من قبل النساخ حصل فيه تجزئه لهذه االرقام مما يدفعنا لالعتقاد ان االرقام «‪»22121‬‬
‫و«‪ »642121‬الواردة في األحاديث السابقة هي ايضا وقع عليها سوء النقل والتجزئه فيتحول‬
‫مضمون الرقم من «عبارات» إلى «كلمات» وهو االقرب للتصديق والفهم‪.‬‬
‫النتائج النهائية للتحليل‪:‬‬
‫‪ -1‬ان هذه االرقام في هذه األحاديث هي عبارة عن كلمات تمثل شعارات لجهات ستقاتل‬
‫اإلمام المهدي ‪ ‬عند ظهوره وهي شعارات لجهات شيعية كما يؤكد احد األحاديث وربما‬
‫لغير شيعية في أحاديث اخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬ان الراوي قد اتخذ هذا االسلوب في اخفاء بعض المعلومات التي اعتقد انها خطيره او‬
‫غير مقبولة لجهات شيعية وجهات مخالفة ربما لوضع سياسي او اجتماعي او عقائدي فشكلت‬
‫هذه األحاديث حراجة للرواي فاتخذ هذا االسلوب للسالمة وعدم اضاعة المعلومة‪.‬‬
‫‪ -3‬على اإلنسان المؤمن المنتظر والمراقب لالحداث ان يقوم بعملية جفر لكل الكلمات‬
‫التي يراها او يسمعها والتي تشكل شعارات او هتافات للرايات التي ستخرج في اخر الزمان إذا‬
‫ان انطباق احد االرقام الموجودة في هذه األحاديث على اي راية سيوفر له معلومة حقيقية في‬
‫معرفة الرايات الضالة وما اكثرها في اخر الزمان‪.‬‬
‫‪166‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الفرات في �آخر الزمان‬


‫عن النبي‪ ‬قال«ينحسر الفرات عن جبل من ذهب وفضة فيقتل عليه من كل تسعة سبعة‬
‫فأذا ادركتموه فال تقربوه»(((‪.‬‬
‫قال رسول اللَّه ‪«‬الفتنه الرابعة ثمانية عشر عاماً ثم تجلي حين تجلي وقد حسر الفرات‬
‫على جبل من ذهب تكب عليه األمة فيقتل عليه من كل تسعه سبعة»(((‪.‬‬
‫عن رسول اللَّه‪«‬يوشك الفرات ان ينحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فال يأخذ منه‬
‫(((‬
‫شيا ًء»‬
‫عن أمير المؤمنين ‪«‬وقد ُسئل ما اقرب الحوادث الدالة على ظهوره؟ فدمعت عيناه وقال‬
‫«إذا فتق شق في الفرات فبلغ أزقة الكوفة فليتهيأ شيعتنا للقاء القائم»(((‪.‬‬
‫عن الصادق‪« ‬قدام القائم لسنة غيداقه تفسد التمر في النخل فال تشكوا في ذلك وعام‬
‫الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل الماء على ازقة الكوفة»(((‪.‬‬
‫عن كعب قال‪« :‬يكون ناحية الفرات في ناحية الشام او بعدها بقليل مجتمع عظيم فيقتلون‬
‫على األموال فيقتل من كل تسعة سبعة وذاك بعد الهدة والواهية في شهر رمضان وبعد افتراق‬

‫((( كفاية االثر ص ‪ 213‬بحار األنوار ‪ 268/52‬الكتاب المبين ‪.314/4‬‬


‫((( ابن حماد ‪ :‬ح ‪ 980‬عقد الدرر ص‪ 58‬ب‪ 4:‬ف ‪1 :‬‬
‫((( البخاري‪ :‬ج‪ 9‬ص ‪.73‬‬

‫وفي روايات العامة أحاديث اخرى لها نفس المضمون‬


‫عن ابي هريرة عن رسول اللَّه‪«‬ال تقوم الساعة حتى ينحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من‬
‫كل مائة تسعة وتسعون فيقول كل رجل منهم‪ :‬لعلي اكون انا انجو»‪.‬عن رسول اللَّه‪«‬يوشك الفرات ان ينحسر عن كنز من‬
‫ذهب فمن حضره فال ياخذ منه شيئا»‪.‬عن ابي بن كعب قال‪ :‬ال يزال الناس مختلفة اعناقهم في طلب الدنيا؟ قلت‪ :‬اجل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فاني سمعت رسول اللَّه‪ ‬يقول«يوشك الفرات ان ينحسر عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا اليه فيقول من‬
‫عنده لئن تركنا الناس ياخذون منه ليذهبن به كله‪ .‬قال‪ :‬فيقتتلون عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون»‪.‬عن ابي هريرة قال‪:‬‬
‫قال رسول اللَّه‪«‬ال تذهب الدنيا حتى ينجلي فراتكم عن جزيرة من ذهب فيقتتلون عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون»‬
‫((( الصراط المستقيم‪258 : 2 :‬‬
‫((( منتخب األنوار المضيه النيلي النجيفي ص‪ 35‬االنبثاق ‪ :‬بثق النهر اي انكسر حطه‪ .‬كذلك غيبة الشيخ ‪ 273 /‬االسناد ‪361‬‬
‫��������������������‬ ‫‪167‬‬

‫ثالث رايات يطلب كل واحد منهم الملك لنفسه فيهم رجل أسمه عبد اللَّه»(((‪.‬‬
‫الفرات مثابة طبيعية وتاريخية حاضره في كل االرث الديني‪ ،‬وشاهد على كل وقائع التاريخ‪،‬‬
‫واألحاديث تصفه كونه «من انهار الجنة» وهو من االنهار المهمة التي ذكرتها بعض الكتب‬
‫المقدسة‪ ،‬وال يخلو التراث الديني للديانات الكبيرة الثالثة «اليهودية النصرانية اإلسالمية» من‬
‫ارتباطات لهذا النهر مع المسيرة التاريخية لهذه الديانات‪.‬‬
‫وبما ان هذا النهر يمر في ارض الرساالت واألنبياء والحضارات فال بد وان شرب منه‬
‫واغتسل فيه ودفن بجانبه اكثر األنبياء والمرسلين وهو الشاهد الحي على مأساة كربالء بعد أن‬
‫قتل بجانبه ذراري رسول اللَّه ‪.‬‬
‫والمتتبع ألحداث التاريخ يجد ان هناك عالقة ربط بين نهايات الظلمة وعبور هذا النهر‬
‫فكم من طاغية انكسر ظهره وذاب ملكه بعد ان عبر هذا النهر ظلماً وعدواناً‪ ،‬حتى ان األحاديث‬
‫تذكر ان السفياني في اخر الزمان إذا ظهر سيتقشف ويزهد ويعدل بين الناس حتى يقال «ماقيل‬
‫عنه كذب» ولكنه عندما يدخل إلى العراق ويعبر الفرات «ينقلب إلى وحش كاسر» كما تذكر‬
‫األحاديث‪.‬‬
‫والبد والحال هكذا ان يكون لهذا النهر عالقة بأحداث أخر الزمان‪ ،‬فليست المسألة ان يعبر‬
‫هذا النهر فالن او فالن وليست المسألة ان يظهر فيه الكنز او ال ولكنه قام على سر سيفصح عنه‬
‫الزمن القادم سيشكل نقطة مهمة في تسلسل األحداث‪.‬‬
‫واألحاديث المتعلقة بأخر الزمان تذكر ان الفرات «سينحسر» ونتيجة هذا االنحسار سيظهر‬
‫«كنز» يقتتل عليه الناس والناجون منهم قليل‪ ،‬ثم تذكر األحاديث فعالية اخرى بعد «االنحسار»‬
‫وهي كون الفرات «سينبثق» ويدخل ازقة الكوفة في نفس السنة التي يخرج بها القائم ‪ ‬وهي‬
‫سنة الفتح‪ ،‬فياترى ما هي اسباب هذا «االنحسار» وما هي نتائج هذا «االنبثاق»‪.‬‬
‫يمكن ان نضع عدة سيناريوهات او محاور متوقعة لعملية انحسار الفرات‪.‬‬
‫المحور األول‪ :‬عوامل سياسية واقتصادية «حرب المياه»‪:‬‬
‫معلوم ان الفرات ينبع من تركيا ويمر بسوريا ويخترق العراق وهو قاسم مشترك بيئي بين‬
‫هذه الدول الثالثة وعليه االعتماد كمياه للشرب والزراعة‪ ،‬وهذا الوضع يُمكّن احد الدولتين تركيا‬
‫او سوريا بحجز مياه هذا النهر بالسدود من الوصول إلى العراق والسيطرة االكثر في هذا األمر‬
‫لتركيا كما هو واضح‪.‬‬

‫((( ابن حماد ‪:‬ح ‪.979‬‬


‫‪168‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وبما ان المشهد السياسي الذي ترسمه لنا أحاديث اخر الزمان حول العالقة بين هذه الدول‬
‫(((‬
‫الثالثة هو مشهد مضطرب جدا ً وعدائي جدا ً حتى ان األحاديث تذكران معركة قرقيسيا الكبيره‬
‫ستحدث بين السفياني الذي سيسيطر على بالد الشام وبين االتراك وستكون الغلبة للسفياني‪،‬‬
‫فربما تكون احد دوافع هذه الحرب هو محاولة قطع الماء عن الفرات من قبل الجانب التركي‪،‬‬
‫والمشهد السياسي الحالي والمتوقع للسنين القادمة حسب معطيات هذا الزمن يشير بما ال يقبل‬
‫الشك باندفاع األحداث نحو هذا الصراع بين سوريا وتركيا‪ ،‬وبالنتيجة قد يكون الصراع السياسي‬
‫واالقتصادي بين الدول المستفاده من الفرات هو الدافع الذي سيدفع احداهما «تركيا او سوريا»‬
‫لقطع منابع الفرات للضغط على الدول االخرى للحصول على تنازالت معينة وهذا ما يصطلح‬
‫‪.‬‬
‫عليه حالياً «بحرب المياه»‬
‫وان عملية قطع مياه الفرات من قبل الجانب التركي ليست باألمر اليسير فهي بحاجة إلى‬
‫جوانب فنية كبيرة متعلقة بحجم السدود وبقرار سياسي يضمن لها مصلحة معينة‪ .‬اما من قبل‬
‫الجانب السوري فال يزال هناك كالم وتخطيط من قبل دول بالد الشام «سوريا ‪ -‬االردن ‪ -‬إسرائيل»‬
‫لالستفادة من تحويل مياه الفرات باتجاه االردن وإسرائيل مقابل مكاسب سياسية ومالية كبيرة‪،‬‬
‫والمشروع كما يتحدثون عنه يتلخص بأنشاء شبكة انابيب من مناطق معينة في سوريا لنقل مياه‬
‫الفرات إلى االردن وإسرائيل وحرمان العراق منه أو على اقل تقدير «بيع» الماء للعراق وهذا‬
‫المشروع من الناحية الفنية هو الراجح الن عملية قطع مياه الفرات عن العراق بواسطة السدود‬
‫أمر ُمكلف إذا لم يكن مستحيل‪ ،‬فالحل االسلم للضغط على العراق أو لالستفادة مادياً منه هو‬
‫قطع مياه الفرات عنه بتحويل مجرى النهر إلى دول اخرى واالستفادة واضحه الن كل االطراف‬
‫ستستفاد اال العراق(((‪.‬‬

‫((( قرقيسيا مدينه صغيرةعند مصب نهر الخابور في نهر الفرات وهي حاليا قرب مدينة دير الزور السورية عند الحدود السورية‬
‫العراقية وقريبة من الحدود السورية التركية‬

‫عن جابر الجعفي قال‪ :‬قال لي ابو جعفر‪«‬من حديث طويل‪....‬يختلفون عند ذلك على ثالث رايات راية االصهب وراية‬
‫االبقع وراية السفياني فيلقى السفياني االبقع فيقتله ومن معه ويقتل االصهب ثم اليكون همه اال االقبال نحو العراق ويمر‬
‫جيشه بقرقيسيا فيقتلون بها مائة الف رجل من الجبارين»«االختصاص ‪ /‬المفيد ‪»255 /‬‬
‫((( شهد الزمان الذي نعيشه محاولة لسد نهر الفرات من قبل تنظيم داعش االرهابي‪ .‬فقد قام هذا التنظيم بالقاء اطنان من‬
‫الحصى في نهر الفرات في المناطق التي يسيطر عليها للضغط على العراق بسبب محاصرة الجيش العراقي للفلوجة وقد‬
‫ارتفع منسوب المياه عند الفلوجة فيما تراجع منسوب المياه عند المسيب والحلة وباقي محافظات جنوب العراق والوسط‬
‫والعملية بمجملة تشير إلى امكانية تدخل عدة جهات من خالل ردم النهر وتحويل مجراه‬
‫��������������������‬ ‫‪169‬‬

‫وهذا السيناريو حالياً ال يمكن تطبيقه لوجود النزاع الداخلي والخارجي بين اطراف القضية‬
‫ولكنه راجح التطبيق في بدايات زمن السفياني في بالد الشام حيث ذكرت األحاديث انه سيسيطر‬
‫على الكور الخمس «دمشق ‪ -‬حلب ‪ -‬قنسرين ‪ -‬االردن ‪ -‬فلسطين»‪ ،‬فيكون تطبيق هذا المشروع‬
‫من قبل هكذا شخص له هذه السيطرة أمر وارد وخصوصاً ان األحاديث تذكر ان السفياني‬
‫سيظهر في نفس سنة ظهور القائم وان الفرات سينحسر أيضاً في هذه السنة وهي عام الفتح‪.‬‬
‫ولكن هذا التحليل يعترضه كون مدة ُملك السفياني كما ذكرت األحاديث هي «‪ »15‬شهر‬
‫منها ستة اشهر معارك في بالد الشام لتصفية مناوئيه والتسعة الباقية يدخل فيها إلى العراق‬
‫والحجاز وهذه المدة القصيره المليئة بالحروب واالضطرابات ال توفر له وقت لكي ينفذ هكذا‬
‫مشروع إال في حالة واحده كون مشروع تحويل مياه الفرات بواسطة االنابيب ُمنفّذ قبل ظهور‬
‫السفياني في بالد الشام وما يقوم به السفياني هو تفعيل وتطبيقه على ارض الواقع وخصوصاً ان‬
‫السفياني البد وان يقوم بهكذا عمل قبل دخوله للعراق النها اداة ضغط وتصفية للبنية االقتصادية‬
‫لمن يحكم العراق حينذاك وخصوصاً إذا عرفنا ان «الخرساني» عدو «السفياني» يكون في هذه‬
‫الفترة قد استعد لدخول العراق أيضاً وهذان الطرفان كما هو واضح على طرفي نقيض عقائدياً‬
‫فالحديث المروي عن األئمة ‪ ‬يقول «السفياني والخرساني واليماني في سنة واحده في يوم‬
‫واحد» وحديث اخر يقول «السفياني والخراساني يتسابقون إلى الكوفه كفرسي رهان»‪.‬‬
‫والذي يُرجح كون هذا المشروع سيتم تنفيذه قبل خروج السفياني هو الوضع السياسي‬
‫الحالي في بالد الشام وكذلك الوضع الدولي الداعي لتغيير جملة من الحكومات العربية‬
‫باالضافة إلى األحاديث الصريحة والمتواترة عن آل البيت ‪ ‬كون بالد الشام ستشهد تغييرات‬
‫جسيمة تنشئ على موجبها دولة تعادي العراق وشعبه ذو الميول واالعتقاد العلوي الشيعي‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬عوامل وكوارث بيئية‪:‬‬
‫يمكن ان تجف بعض االنهار ومنها الفرات نتيجة عوامل او كوارث بيئية منها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ظاهرة االحتباس الحراري التي يعاني منها كوكب األرض حالياً اذ ربما تتفاقم هذه‬
‫الظاهرة في السنين القادمة والدراسات العلمية تشير بشكل خطير إلى هكذا احتمال وهذه تؤدي‬
‫بدورها إلى حدوث ارتفاع شديد في درجات الحرارة تؤدي إلى ذوبان الجليد في الجبال التركية‬
‫في موسم الشتاء على غير المعتاد مما يؤدي إلى جفاف منابع الفرات لموسم او لموسمين او‬
‫اكثر حسب قوة هذه الظاهرة مما يدفع الجانب التركي والسوري لألحتفاظ بما لديه من مياه في‬
‫هذا النهر ومنابعه بواسطة السدود خوفاً على وضعه االقتصادي والحياتي مما يؤدي إلى عدم‬
‫‪170‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وصول المياه إلى العراق وبالتالي جفاف الفرات‪.‬‬


‫والذي يؤيد هذا االحتمال هو جملة من المرويات التي تؤكد انه قبل القائم «سنة شديدة‬
‫الحر» «بيوح أو يبوح» يفسد فيها التمر‪.‬‬
‫ويعترض هذا التحليل كون هذه الظاهرة إذا حدثت ستكون سبباً في جفاف الكثير من‬
‫االنهار ومنها دجلة أيضاً وليس الفرات لوحده فال تبقى خصوصية لجفاف الفرات بهذه الحاله‬
‫إذا ع ّمت هذه الظاهره كل األرض ولكن تبقى للفرات خصيصه واحده هو ظهور هذا الكنز فيه‬
‫بعد انحساره‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ربما يكون سبب انحسار الفرات هو عامل جيولوجي متمثالً بحدوث زلزال قد يسبب‬
‫بحدوث صدع في األرض قد تعترض مسير نهر الفرات في اي منطقة مما يؤدي إلى تسرب مياهه‬
‫إلى باطن األرض ويؤيد هذا االحتمال وجود عدة هزات وزالزل في بالد الشام قبل احداث‬
‫الظهور ومنها الرجفة في الشام التي ستكون سببا في موت مئة الف ويؤيده أيضاً األحاديث التي‬
‫تقول ان السنة التي قبل القائم سنة كثيرة الزالزل‪.‬‬
‫ولكن يعترض هذا التحليل كون الفرات إذا انحسر نتيجة هذا الزالزل فأنه لن يعود للظهور‬
‫ثانية بينما كل المرويات تشير إلى ان الفرات بعد انحسارة سيرجع مرة اخرى كما في قولهم ‪‬‬
‫«ينبثق الفرات ويدخل ازقة الكوفة» بل ان المرويات الكثيرة تشير إلى استمرارية تواجد الماء في‬
‫الفرات إلى ما بعد احداث عصر الظهور‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬تغيرات كونية‪.‬‬
‫ذكرت جملة من المرويات ان هناك مجموعة من االجرام السماوية ستقترب من األرض‬
‫«كوكب ‪ -‬مذنب ‪ -‬نيزك» وستكون هذه االجرام سبباً في حدوث جملة من الظواهر الطبيعية‬
‫المتطرفة والكوارث البيئية والتغيرات السياسية واالجتماعية فمثالً المرويات تشير إلى حدوث‬
‫ظاهرة الكسوف والخسوف خالف العادة وظهور نار من المشرق من ثالث إلى سبعة ايام‬
‫وصواعق وقذف بالشهب وغيرها(((‪.‬‬
‫وهذه االجرام على اختالف انواعها واحجامها إذا اقتربت من األرض ستؤدي إلى تغيرات‬
‫بيئية واضحه فال زالت المدونات العلمية والفلكية تذكر لنا الكثير من المشاهدات والتغييرات‬

‫((( لقد ناقشنا هذه االحتماالت والظواهر بشكل مفصل في كتابنا «نجم يتغلب في اآلفاق» وشرحنا فيه الجملة العالمات‬
‫السماوية التي تسبق ظهور اإلمام المهدي«عج» فراجع‪.‬‬
‫��������������������‬ ‫‪171‬‬

‫البيئية التي حدثت عام «‪ »1905‬عندما اصطدم جرم مجهول الهوية باألرض في روسيا ومنها انه‬
‫سبب في ارتفاع واضح لدرجات الحرارة بل ان بعض االنهار انحسرت منها المياه لمدة معينة ثم‬
‫رجعت بعد فترة لما كانت عليه‪.‬‬
‫وبما ان القمر كجرم تابع لألرض هو السبب في حصول ظاهرة المد والجزر البحري فمن‬
‫الراجح جدا ً ان أقتراب اي جرم من األرض يؤدي إلى انحسار ماء االنهار ثم رجوعها لما كانت‬
‫عليه بعد ابتعاده‪ ،‬وهذا األمر إذا حصل فلن يكون الفرات كنهر وحده المتأثر بل سيتأثر أيضاً كل‬
‫انهار العالم‪ ،‬وهذه الحالة ربما تفسر لنا سبب غرق مجموعة من البلدان نتيجة ظواهر طبيعية‬
‫قبل ظهور القائم ‪ ‬بفترة قصيرة(((‪.‬‬
‫وعليه فال تبقى لكارثة جفاف الفرات خصوصية إذا شاركته بقية االنهار وتبقى الخصوصيه‬
‫هو لظهور الكنز فيه‪.‬‬
‫أين مكان هذا الكنز‬
‫جاء في رواية ابن حماد عن كعب قال«يكون ناحية الفرات في ناحية الشام او بعدها بقليل‬
‫مجمع عظيم فيقتتلون على االموال فيقتل من كل تسعة سبعة وذلك بعد الهدة والواهية في شهر‬
‫(((‬
‫رمضان وبعد افتراق ثالث رايات يطلب كل واحد منه الملك لنفسه فيسم رجل اسمه عبد اللَّه»‬
‫الخبر الذي يرويه كعب يذكر أمر مهم كون هناك اقتتال على االموال قرب الفرات «بعد‬
‫الهدة والواهية»‪ ،‬ولو ان الخبر لم يذكر انحسار الفرات اال ان المعلومات الموجوده فيه مقارنة‬
‫مع أحاديث انحسار نهر الفرات تشير إلى أحاديث كنز الفرات ال غيره‪ ،‬والهدة والواهية حسب‬
‫األحاديث هي ظاهرة طبيعية سماوية ستصيب اهل األرض مما يعزز كون انحسار الفرات نابع‬
‫من هذه الظاهرة‪.‬‬
‫ولعل في هذا الخبر اشاره إلى مكان هذا الكنز كونه من ناحية دمشق اي داخل االراضي‬
‫السورية حالياً بقرينة ان يقتل من كل تسعة سبعة واختالف ثالث رايات التي تذكر األحاديث انها‬
‫ستبرز بعد الصراع في بالد الشام ويضيف الخبر عالمة مهمه كون الحديث يقع بعد الواهية في‬
‫شهر رمضان وهي الهده يوم ‪ 15‬منه‪.‬‬

‫((( «فقيل سألت علي بن محمد العسكري متى ينتظرون الفرج قال‪ :‬إذا ظهر الماء على وجه األرض» الكتاب المبين ‪/‬‬
‫الكرماني ‪ /‬ج‪ / 4‬ص ‪ / 317‬ح‪16‬‬

‫اقول‪ :‬ربما الحديث يذهب إلى حدوث حاالت فيضانات او مد مائي على بقاع كثيرة من األرض نتيجة تغيرات مانخية او بيئية‬
‫او خارجية عبر عنها بعبارة«إذا ظهر الماء على وجه األرض»‬
‫((( عقد الدر ‪58 /‬‬
‫‪172‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ومستبعد ان يكون المكان الذي سيظهر فيه هذا الكنز في تركيا‪،‬فالحديث الذي يذكره كعب‬
‫فيه عبارة«يكون ناحية الفرات في ناحية الشام او بعدها بقليل»‪ ،‬ولوجود عدة قرائن تفيد كون‬
‫االقتتال حول الملك من قبل ثالث جهات في الشام بسبب ظهور الكنز فالحديث يحدد من‬
‫طرف معين الموقع الجغرافي لهذا الكنز‪.‬‬
‫فإذا كان الكنز يظهر فى االراضي السورية التي يمر بها الفرات فالرايات الثالثة المتصارعة‬
‫عليه هي نفسها المتصارعة في بالد الشام ايام السفياني وهي«السفياني واالصهب واالبقع»‪،‬‬
‫اي يكون الحدث في سوريا كلياً وبالتالي فأن جفاف الفرات سيحدث في فترة الصراع داخل‬
‫بالد الشام بين السفياني ومناؤيه وهم االصهب واالبقع واألحاديث تؤكد ان الصراع بين رايات‬
‫ثالثة «افتراق ثالث رايات يطلب كل واحد منهم الملك لنفسه» وهذا يؤدي بالضرورة إلى ان‬
‫حادثة انحسار الفرات هي فعالً ظاهرة طبيعية متطرفه وليست من فعل اإلنسان بغلق مصدر الماء‬
‫بالسدود او تحويل مجرى النهر كما ذكرنا‪.‬‬
‫او تكون هذه المنطقة التي يظهر فيها الكنز على خط سير الفرات هي في المنطقة الحدودية‬
‫الفاصله بين العراق وسوريا اي منطقة دخول نهر الفرات للعراق‪ ،‬وبما ان سوريا والعراق في‬
‫تلك األحداث تتعدد الجهات الحاكمة والمتنفذه فيها فمن غير المستبعد ان تتصارع ثالث‬
‫رايات في هذه المنطقة المشتركة النفوذ وكل منهم يطلب الملك لنفسه‪.‬‬
‫واالحتمال االخيران تكون هذه المنطقة التي يظهر بها هذا الكنز على خط سير الفرات في‬
‫العراق عموماً وفي المنطقة الغربية خصوصاً بعد دخول الفرات إلى الحدود العراقية السباب‬
‫سنذكرها في الفقرة الالحقة وبما ان العراق في تلك الفترة فيه عدة قوى سياسية وعسكرية نافذة‬
‫لوجود حالة الصراع السلطوي بين ابناءه المنحدرين من عدة انتمائات طائفية فالصراع واقع‬
‫بينهم المحالة إذا ظهر الكنز داخل االراضي العراقية‪.‬‬
‫طبيعة هذا الكنز‬
‫األحاديث تذكر صفة واحدة لهذا الكنز كونه «جبل من ذهب وفضة» وإذا اخذنا المعنى‬
‫على ظاهره فهو واضح كون الفرات ان انحسر فسيظهر تحته في احد المناطق كمية كبيرة من‬
‫معدن الذهب والفضة ع ّبر عنها الحديث كونها «جبل»‪ ،‬ولفظة جبل ربما ال تشير إلى نتؤء عالي‬
‫من األرض بل ربما تشير إلى الكثرة‪ ،‬والمعروف ان معدن الذهب والفضة ال يوجد هكذا على‬
‫سطح األرض بل في اعماقها ويحتاج إلى عمليات تصفية واستخالص للحصول عليه‪ ،‬اما ان‬
‫يظهر على هيئة قطع كبيرة كالحجاره او الجبال فهو امر لم نسمع به‪ ،‬والحديث بهذا المعنى اما‬
‫��������������������‬ ‫‪173‬‬

‫ان يرجح كونه فعالً جبل من ذهب وفضة اي كتلة كبيرة واحده من هذا المعدن بحجم الجبل‪،‬‬
‫او هو عبارة عن مصوغات وقطع ذهبية ربما من الحضارات السابقة تم دفنها تحت الفرات ومن‬
‫كثرتها فهي بحجم الجبل وكال االحتمالين راجح‪.‬‬
‫وبالنتيجة فأن ظهور هكذا كنز باي شكل كان سيؤدي إلى حالة اقتتال مميته للحصول عليه‬
‫وخصوصاً انه سيظهر كما قلنا في منطقة ذات نفوذ مشترك لعدة جهات متصارعه ومختلفة في‬
‫كل شيء مما يؤدي إلى ان تجري عملية قتل متسلسلة فكل من يحصل على شيء يأتي اخر‬
‫ويقتله ويأخذ منه ما سلبه ويأتي ثالث ويقتل الثاني وهكذا وبالنتيجة ال ينجو من هذه العملية‬
‫اال نسبة قليله وهي كما تقول األحاديث «فيقتل عليه من كل تسعة سبعة» فإذا شارك في العملية‬
‫«‪ »900‬شخص سيبقى «‪ »200‬وإذا شارك «‪ »9000‬سيبقى «‪ »2000‬وهكذا ولكن األحاديث‬
‫لم تذكر لنا هل ان الناجين سيحصلون على الكنز ام ال فلم تذكر لنا األحاديث شيء عن مصير‬
‫الكنز وال عن من سيحصل عليه‪.‬‬
‫ولكن األحاديث تذكر امر واحد متكرر وهو تحذير بعدم االقتراب من ذلك الكنز عند‬
‫ظهوره وهذا األمر فيه احتماالت‪:‬‬
‫‪ -1‬ان هذه المنطقة منطقة قتل سريع القتتال االطراف الثالثة على هذا الكنز وبما انها‬
‫اطراف قوية ومتنفذه فأن اقتراب اي شخص من منطقة الصراع البد وان يُعرض نفسه للهالك ال‬
‫محاله‪.‬‬
‫‪ -2‬ان يكون هذا الكنز بطبيعته «قاتل» فكل من يأخذ منه يموت لذلك وردت عبارة في‬
‫الحديث تؤكد هذا المعنى «فمن حضره فال يأخذ منه شيء» اي حتى لو قُ ّدر لك ان تحصل على‬
‫شيئ من هذا الكنز فال تأخذ منه النه «قاتل»‪.‬‬
‫وهذا األمر يمكن ان نفسره من خالل كون هذا الذهب او الفضة هي عبارة عن مادة « ُمش ّعه»‬
‫جح كون هذا‬ ‫فكل من يأخذ منه او يقترب منه سيصاب بخطر االشعاع وهذا التحليل ربما يُر ّ‬
‫الكنز سيظهر في العراق وفي المنطقة الغربية بالذات قريباً من الحدود السورية الن هذه األرض‬
‫غنية بمادة الفوسفات واالكتشافات التنقيبية دلت بشكل واضح ومؤكد على وجود نسبة من‬
‫اليورانيوم في هذه المنطقة صالحة لالنتاج التجاري فأذا كان هذا الكنز من الذهب والفضة‬
‫مدفون تحت ارض الفرات في هذه المنطقة الغنية باليورانيوم فال بد وانه على مر السنين قد تأثر‬
‫بهذه المواد واكتسب منها صفة االشعاع الن العناصر المشعة ال توجد في الطبيعة بشكل حر بل‬
‫توجد وهي متحده مع غيرها من العناصر لشدة فعاليتها‪.‬‬
‫‪174‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وبما ان الفرات يمر بهذه األرض منذ اآلالف السنين فالبد وانه جزء من هذه العناصر‬
‫استقرت في قعره النها عناصر ثقيلة فترسبت في قعره وهذه العملية هي بالضبط المعمول بها‬
‫حالياً عند استخالص اليورانيوم بواسطة اجهزة الطرد المركزي بانفصال العنصر الثقيل عن غيره‬
‫بالحركة الدورانية لالجهزة‪ ،‬وبالتالي فان هذا الكنز ليس هو مادة اليورانيوم الخالص الن الكل‬
‫يعرف انها مادة مميته فال يقترب منها احد ولكنه فعالً ذهب وفضة اصبح مشبعاً نتيجة تعامله مع‬
‫المواد المشعه آلالف السنين‪.‬‬
‫وهنا ربما يقول البعض إذا كانت هذه المادة المشعة موجودة تحت الفرات فلماذا ال تؤذي‬
‫الناس وهي مادة خطرة؟‬
‫هناك حقيقة علمية ربما يجهلها الكثير من الناس وهي ان الماء مادة توقف االشعاع لذلك‬
‫ت ُخ ّزن النفايات النووية تحت مياه البحار فإذا حصلت اي عملية تصفية للمواد المشعة او اثرت‬
‫على غيرها من المواد المجاورة لها يبقى تأثيرها محدود تحت الماء فقط‪ ،‬فإذا انحسر الفرات‬
‫وزال الماء المانع لظهور هذا االشعاع وظهر كنز الذهب والفضة فهو يكون مادة قاتله لكل من‬
‫اخذ منه‪ ،‬وبالنتيجة إذا كان هذا التحليل صحيح فال يمكن السيطرة على هكذا امر اال باالبتعاد‬
‫عنه ويكون الحل الحقيقي هو ان تغمر هذه المنطقة بالماء اليقاف تدفق االشعاع وعلى ما يبدوا‬
‫ان هذا األمر سيحصل الن الفرات بعد انحساره ستعود اليه المياه مما يؤدي إلى انبثاقه ودخوله‬
‫ازقة الكوفه‪.‬‬
‫انبثاق الفرات‬
‫انبثق السيل انفجر‪ ،‬وانبثق الجدار انشق‪ ،‬انبثق الكالم اندفع‪ ،‬وانبثق السيل اقبل فجأة‪ ،‬وانبثق‬
‫الماء اندفع‪ ،‬وانبثق انثقب‪ ،‬والبثق هو المكان الذي ينبثق منه الماء‪ ،‬والبثق‪ :‬هو كسر الشط اي‬
‫تهدم جانب من جوانبه وخروج الماء منه‪ ،‬وعملية االنبثاق تجري بشكل سريع ومتدفق‪.‬‬
‫اما لماذا ينبثق الفرات في منطقة الكوفه بالذات فهذا امر نجهله لكن الراجح عندي ان‬
‫االنحسار يكون اوالً ثم بعده بفترة تحدث حالة االنبثاق كون القرائن تؤكد ان االنحسار يحدث‬
‫في زمن السفياني واالنبثاق في سنة ظهور القائم‪ ‬اي قبل القائم بقليل وهو ما يؤكده الحديث‬
‫كون انبثاق الفرات ودخوله ازقة الكوفه في اخر عالمة قبل القائم‪.‬‬
‫الجفاف االنحسار‬
‫يقول البعض ان الفرات في اخر الزمان سيجف بينما تقول األحاديث انه ينحسر فما هو‬
‫الفرق بين الجفاف واالنحسار‪.‬‬
‫��������������������‬ ‫‪175‬‬

‫الجفاف‪ :‬هو اليباس‪ ،‬جفت األرض يبست‪ ،‬وجفت البئر لم يعد فيها ماء‪ ،‬وجفت السماء لم‬
‫تمطر‪ ،‬وجفت الثياب زال عنها الماء والرطوبة‪ ،‬وجفت الصحف انتهى االمر‪ ،‬وجفاف النهر هو‬
‫ذهاب ماء النهر نتيجة نضوب منبعه نتيجة عوامل بيئية او بتدخل انساني بخزن الماء في السدود‬
‫او بتحويل مجرى النهر ومدته قد تكون قصيره او طويله‪.‬‬
‫االنحسار‪:‬انحسر البصر اي ضعف‪ ،‬وانحسار البحر تراجع تدريجي له ينتج بروز اليابسة‪،‬‬
‫وانحسر الثلج تقلص‪ ،‬وانحسر يعني انكشف‪ ،‬وانحسار الماء تقلصه كما تقول انحسر الظالم‬
‫باالنسحاب التدريجي‪ ،‬وانحسر مقدم شعر الراس إذا سقط‪ ،‬ويقال عن الرجل مكشوف الراس‬
‫انه حاسر الرأس‪.‬‬
‫فيكون االنحسار هو انسحاب الماء من مجراه نتيجة تأثير طبيعي خارجي كما في حالة‬
‫المد والجزر بالقمر عندما يقترب من األرض تحدث حالة المد وعندما يبتعد تحدث حالة‬
‫«الجزر» وهي اقرب لمعنى االنحسار‪ ،‬فإذا جف النهر ال نعرف بالضبط متى يعود الماء اليه اما‬
‫إذا انحسر فالبد وان الماء عائد اليه بعد مدة معلومة اي بعد انتهاء العامل المؤثر عليه‪.‬‬
‫وهذا الفهم لمعنى «االنحسار» يؤكد ان انحسار ماء الفرات وربما غيره من االنهار ناتج من‬
‫اقتراب جرم من األرض يؤثر على مستوى المياه في كل األرض وبعد ذهاب هذا الجرم يعود‬
‫الماء إلى مجراه كما في عملية المد والجزر‪ ،‬وبهذا يمكن ان نضع مقابلة لاللفاظ بعضها مقابل‬
‫بعض كالتالي‪:‬‬
‫«فيضان عكسه جفاف»‬
‫«انحسار عكسه انبثاق»‬
‫«مد عكس جزر»‬
‫وبهذا تكون عملية انحسار الفرات عملية قصيرة قد تدوم بضعة اشهر وربما اليام فقط‬
‫وبعدها يعود الماء ونتيجة هذه العودة سيتدفق بشكل سريع مما يؤدي إلى انبثاق الفرات في‬
‫منطقة تقع قريبة منها وهي الكوفة‪ ،‬اما لماذا الكوفة بالذات فال بد من سبب‪.‬‬
‫وربما ينبثق الفرات في مناطق اخرى غير الكوفة ولكن ربما هناك ميزة خاصة بالكوفة‬
‫بالذات هي سبب ذكرها في األحاديث‬
‫ويمكن ان ننظر لمسألة دخول ماء الفرات على ازقة الكوفة بالذات من زاوية اخرى‪ ،‬فما‬
‫دامت األحاديث تذكر ان هذا الماء سيدخل ازقة الكوفة بالذات فالبد وان يكون للموضوع معنى‬
‫‪176‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫او غاية‪ ،‬والراجح عندي ان الكوفة وهي «النجف وما بجوارها» وهي مدفن األنبياء والصالحين‬
‫والمؤمنين على طول التاريخ ودفن فيها آالف األنبياء واالوصياء وهذا التقصد في الدفن في‬
‫هذه المنطقة بالذات البد وانه ناتج من خصوصية معينة منها كونها ارض مباركة‪ ،‬ولكن أحاديث‬
‫الرجعة تعطينا صورة اخرى فأن كل الراجعين ممن محض اإليمان محضاً سيرجع ويُبعث‬
‫من ارض الكوفة ورجوع االموات هذا سيكون على شكل افواج ولعل دخول ماء الفرات إلى‬
‫ازقة الكوفة هو عمل تمهيدي لهذا الحدث الجلل فالعملية هي اشبه بالسقي لنمو بذور ابدان‬
‫الراجعين الذين شُ حنت ارض الكوفة شحناً بأجسادهم‪.‬‬
‫���������������������‬ ‫‪177‬‬

‫�أمريكا في �أخر الزمان‬

‫كان من نتائج أنتهاء الحرب العالمية الثانية عام «‪ »1945‬بروز قوتان أساسيتان تحكمان‬
‫العالم هما أمريكا‪ ،‬واالتحاد‪ ،‬السوفيتي‪ ،‬وتقاسمت خمسة دول كُبرى حق النقض«الفيتو» في‬
‫مجلس االمن وهي «أمريكا االتحاد السوفيتي‪ ،‬الصين‪ ،‬فرنسا‪ ،‬انكلترا»‪.‬‬
‫وعند متابعة مجمل النشاط البحثي المتعلق بقراءة النصوص الدينية حول موضوع عالمات‬
‫واحداث عصر ظهور اإلمام المهدي «عج» في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى تسعينات‬
‫القرن العشرين ال تكاد تجد اهتمام في تناول هذا الموضوع بنوع من المتابعة والتحليل فقد‬
‫عانت هذه الفترة الزمنية من خمول بحثي حول هذا الموضوع وكل متعلقاته ولم تنتج المؤسسة‬
‫الدينية الشيعية والسنية نتاج ملحوظ على المستوى البحثي يمكن االشارة له بنوع من االهتمام‬
‫بل اقتصرت كل الجهود على فهرست وتبويب أحاديث اخر الزمان فتشابهت كل نتاجاتهم من‬
‫جهة المادة واالخراج وال تجد فيها شيء من جهة المضمون‪.‬‬
‫وهذا امر غريب جدا ً إذا نظرنا اليه من جانب متبنيات الطائفة الشيعية بالذات كونها تعتقد‬
‫ان مستقبل الدين والحياة مرتبط بظهور شخص من اوالد النبي المصطفى‪ ‬من اإلمام علي‬
‫‪ ‬بالذات يملئها قسطاً وعدالً بعد ان رفع القرآن الكريم شعارا ً واضحاً الثبات الغاية النهائية من‬
‫َ َّ ْ َ ْ َ َ ُ َ َ َ َّ ُ َ‬
‫(((‬
‫الون﴾‪.‬‬‫ارسال الرسل واألنبياء وهي قوله تعالى﴿أن الرض ي ِرثها عِبادِي الص ِ‬

‫اما االشخاص المهتمين من خارج الوسط البحثي والذين نطلق عليهم عنوان «المؤمنين»‬
‫فقد اقتصرت رؤيتهم على ما هو متداول بين الناس من الموروث الديني والثقافة الشعبية التي‬
‫احتفظت لنفسها من خالل الشعائر الحسينية بكم هائل من االرث الروائي والعقائدي ولم ترتقي‬
‫افكارهم في كل االحوال للنظر إلى مشروع اإلمام المهدي‪ ‬باتجاه عالمية الحدث فبقي‬
‫عندهم يدور في خانة محلية الحدث وبمقدار ارتباطه بالمراسيم الدينية العاشورائية وبعض‬
‫الشعائر الدينية‪.‬‬

‫((( ويمكن ان يرصد المتابع نتاج فكري فيه تحليل للمشروع المهدوي وهو كتاب موسوعة اإلمام المهدي باربعة اجزاء للسيد‬
‫محمد محمد صادق الصدر وفيه رؤية للمؤلف لمجمل المشروع المهدوي وتفصيل تاريخي‪.‬‬
‫‪178‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫اما الصنف االخر الذي يمكن ان نسميه «المؤمنون المثقفون او المتفقهون» فقد ظلوا‬
‫ينظرون ويحللون األحداث طيلة هذه الفترة وفق هذا الواقع السياسي الجديد‪ ،‬المقسوم بين‬
‫معسكرين سياسيين وعسكريين واقتصاديين كبيرين هما الواليات المتحدة االمريكية واالتحاد‬
‫السوفيتي وقد قرأوا المستقبل من خالل هذا الوضع القائم بوجود هاتين القوتين وبما ان قصور‬
‫الرؤيا كان واضحاً جدا ً عند هؤالء المؤمنين المثقفين للنقص الواضح في ثقافتهم الدينية وعدم‬
‫وجود الرؤية الناضجة الكلية للنظر للمشروع السماوي ولسيادة الثقافة الفقهية على عقول‬
‫ووجدان هذه الفئة ولعدم اختمار المنظومة الفكرية الالزمة للتعامل مع هكذا موضوع كبير فقد‬
‫اصطدمت اذواقهم «الفقهية» مع جملة من المرويات واألحاديث التي تتناول مواضيع متعددة‬
‫وغريبة وخطيرة خارج نطاق تفكير وذوق هذه الفئة من المتدينيين شكلت لهم حراجة واضحة‬
‫بالتعامل معها النها تخالف وضع العالم الذي يعيشون فيه مما اضطرهم كما سنبين الحقاً بان‬
‫يتبنون ثقافة التفسير وفق «المنهج الرمزي» بتحويل كل عالئق ومثابات ومواضيع احداث اخر‬
‫الزمان إلى مفاهيم «رمزية» ذات بُعد حسي وليس واقعي لكي يتخلصوا من التناقض الواضح‬
‫بين ارثهم الديني ومايرون على واقع الحياة النهم حاولوا ان يفسروا المستقبل بآليات ومفاهيم‬
‫الحاضر فكان مستقبل الدين عندهم مبهم جدا ً‪.‬‬
‫وقد تبلور هذا الفهم بشكل واضح على مر الزمن عند الجانب «السني» بغلق االبواب‬
‫واعالن نفسه حارساً للشريعة رافعاً شعار خاتمية الرسالة وبقيت نظرته للدين محصورة بيوم‬
‫القيامة فليس لإلنسان اي مستقبل اال يوم القيامة فاما إلى الجنة واما إلى النار فيما تجاوز الفكر‬
‫والذوق الشيعي هذه االزمة من بواكير نشأته باعالنه فتح دائرة االمامة التي هي عنده مكملة بل‬
‫مطابقة للنبوة في كل مفرداتها‪.‬‬
‫وهذه النظرة بقيت مسيطرة على اذهان المتدينين والمثقفين طيلة هذه الفترة مما جعلهم‬
‫كما ذكرت يتبنون المنهج الرمزي لتفسير األحداث كونهم اعتقدوا ان هذا الواقع السياسي الكبير‬
‫المتنازع بين هاتين القوتين باقي على طول خط الصراع وهي قناعة خاطئة جدا ً ناتجه من عدم‬
‫فهم حركة التاريخ بكال جانبيه «الواقعي» حسب قوانين التطور االجتماعي و«الديني» حسب‬
‫رؤية النصوص المقدسة‪.‬‬
‫ولم يتوقع أحد منهم مإذا ستؤل اليه األحداث إذا اختفت او ضعفت احدى هاتين القوتين‬
‫وهذا ما حدث بالفعل عام «‪ »1991‬عند ضعف االتحاد السوفيتي وانفصال عدد من دويالته‬
‫بعد ان أصابه الضعف سياسياً واقتصادياً وعسكرياً‪.‬‬
‫���������������������‬ ‫‪179‬‬

‫وهذا بدوره أدى إلى انتهاء الحرب الباردة وصراع التسلح المحموم بين هاتين القوتين‪،‬‬
‫وظهورواقع سياسي جديد وبروز أمريكا كقطب سياسي واحد يحكم العالم وانفرادها بالهيمنه‬
‫على كثير من مقدرات الشعوب والدول‪.‬‬
‫خلد المتدين المثقف المتفقة‬ ‫وفي الحقيقة كانت هناك مجموعة من الهواجس تدور في ُ‬
‫في التعامل مع األحاديث والروايات في هذه الفترة الزمنية فهم عندما يقرؤن الروايات الواردة‬
‫عن الرسول ‪ ‬وأهل البيت ‪ ‬يرون انها تتحدث عن ظهور راية اساسية في الصراع عند‬
‫ظهور اإلمام المهدي‪ ‬من إيران وهي راية الخراساني ولكنهم عندما ينظرون إلى الساحة‬
‫السياسية والواقع السياسي في فترة الستينات والسبيعينات يرون إيران غير مؤهلة لهكذا دور‬
‫كون سياسة الشاه واضحة بتبعيتها ألمريكا فكيف يمكن تغيير هذا الواقع بوجود أمريكا القوية‬
‫والشاه الموالي لها ولم يتوقع احد انه في يوم من االيام ستنقلب الصورة رأسا على عقب بظهور‬
‫ثورة السيد الخميني وانتهاء الشاه حاملة معها قراءة جديدة للواقع السياسي وقراءة جديدة لالرث‬
‫الديني‪.‬‬
‫وبعد انهيار االتحاد السوفيتي أخذ الباحثون يحللون احداث عصر الظهور وفق هذا الواقع‬
‫الجديد بوجود أمريكا كقوه «عسكرية واقتصادية وسياسية» منفردة في العالم‪.‬‬
‫والبد لنا من االستفادة من دروس التاريخ ونظرة النص الديني للمستقبل ونسأل أنفسنا‬
‫سؤال أفتراضي وهو‪ :‬مإذا سيحدث وكيف سنحلل أحداث عصر الظهور أذا أختفت أمريكا أو‬
‫أنهارت او ضعفت نتيجة حدث معين؟‬
‫وقد يتهمنا البعض بأن هذه المحاولة هي عبارة عن خيال ال يع ّول عليه وأن األمور تجري‬
‫عاد ًة حسب الواقع الذي نلمسه وحسب ال ُمعطيات التي نراها‪ ،‬وقد يرى اخرون بأن هذا الطرح‬
‫هو مجرد أفتراض قد يصح وقد ال يصح فأمريكا واقع سياسي وعسكري كبير واضح وقوي وأن‬
‫هكذا افتراض البد له من مقدمات وأدلة لكي يصمد أمام النقد والتحليل‪.‬‬
‫واضح أن هذه االعتراضات متوقعة وفيها الكثير من المنطق‪ ،‬ولكنني أتسائل‪ :‬الم تنتهي‬
‫الدولة االموية في يوم من االيام؟ الم تنتهي الدولة العباسية في يوم من االيام؟ الم تنتهي الدولة‬
‫العثمانية في يوم من االيام؟ الم تنتهي المانيا النازية في يوم من االيام؟ هل كان ضعف االتحاد‬
‫السوفيتي خيال أم واقع؟ وهل كان يتوقع أحد من ال ُمحللين والباحثين بل حتى المنجمين هذا‬
‫التغيير الدراماتيكي السريع لهذه القوة التي تسلحت بفكرة وعقيدة أستمرت ألكثر من «‪»70‬‬
‫عام آمن بها نصف سكان الكرة األرضية وكانت الدرع الواقي لكل الحركات التحررية والشعبية‬
‫‪180‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫في دول العالم الثالث‪ .‬أما إذا اخذنا األمر من وجهة النظر الدينية وحسب ُمعطيات وقوانين‬
‫النصوص المقدسة فهل كان غرق قوم نوح‪ ‬وغرق فرعون وجنوده وهالك عاد وثمود وقوم‬
‫لوط‪ ‬هل هذه األحداث التاريخية خياالت ام حقائق واقعية أدت إلى تغير العالم وما يتصل‬
‫به من حضارات ودول‪ ،‬علماً أن هكذا تغيرات سريعة وقوية ليست بمستبعده لكل من قرأ تاريخ‬
‫االمم والشعوب والحضارات‪.‬‬
‫وعليه فأن ضعف أمريكا او انهيارها أو أختفائها من الساحة الدولية والسياسية نتيجة‬
‫مقدمات واحداث سنذكرها ليس بامر مستبعد وليس نوع من الخيال بل هو واقع تفرضه علينا‬
‫سنن اللَّه وقوانين التاريخ العاملة على طول خط الزمن‪ ،‬علماً أن احداث أخر الزمان كما وردت‬
‫في المرويات كلها من نمط األحداث السريعة والغريبة والغير متصورة وهي أقرب إلى المعجزة‬
‫ُفسر حدث فيه هذا الكم الهائل من المعطيات المعجزة‬ ‫منها إلى الواقع فكيف يمكن أن ن ّ‬
‫والسريعة والغريبة بتحليالت يريد البعض ان تكون كلها واقعية‪.‬‬
‫أن تفسير احداث اخر الزمان ضمن أطار الواقع المعروف وال ُمعاش لدى كل باحث أدى‬
‫إلى ارباك وعدم فهم تسلسل األحداث‪ ،‬ودونك المحاوالت التفسيريه التي حاولت تفسير‬
‫أحداث أخر الزمان ضمن الواقع الملموس فكلها انتهت بالفشل ومنها المنهج الرمزي الذي‬
‫حاول أن يفسر أحداث اخر الزمان برموز واقعية معاصرة كأن يكون «السفياني» هو أمريكا او‬
‫هي الدجال‪ ،‬واالتحاد السوفيتي هو «ياجوج ومأجوج»‪ ،‬والنداء الذي هو صوت جبرئيل‪ ‬بأنه‬
‫عبارة عن وسائل االعالم المعروفة حالياً‪ ،‬وطلوع الشمس من مغربها هو كناية عن ظهور شخص‬
‫االمام‪ ،‬وهي محاوله بارده جدا ً لاليحاء إلى القواعد الشعبية بأن الظهور المبارك سيكون من‬
‫الغرب وليس من الشرق وهكذا الحال مع جملة من عالمات اخر الزمان‪.‬‬
‫وما ان دارت االيام حتى ضعف االتحاد السوفيتي ولم يخرج يأجوج ومأجوج‪ ،‬ثم نحن ال‬
‫ندري اين هذا السد«الردم» الذي تم حجز االتحاد السوفيتي فيه وما عالقتهم بذي القرنين‪ ،‬بينما‬
‫أكدت األحاديث المروية عن رسول اللَّه‪ ‬بأن ياجوج ومأجوج من عالمات الساعة وليس من‬
‫عالمات ظهور اإلمام المهدي«عج» الن المهدي «عج» نفسه هو من عالمات الساعة‪.‬‬
‫روى الشيخ الصدوق بسنده عن حذيفة بن ا ُسيد الغفاري قال‪ :‬كنا جلوساً في المدينة في‬
‫ظل حائط‪ ،‬قال‪ :‬وكان رسول اللَّه‪ ‬في غرفة فأطلع علينا وقال«فيم انتم» فقلنا‪ :‬نتحدث‪ ،‬قال‬
‫«عم»‪ .‬قلنا‪:‬عن الساعة فقال‪«:‬انكم ال ترون الساعة حتى ترون قبلها عشر أيات‪ :‬طلوع الشمس‬‫ّ‬
‫من مغربها‪ ،‬والدجال‪ ،‬ودابة األرض وثالث خسوفات في األرض‪ :‬خسف بالمشرق وخسف‬
‫���������������������‬ ‫‪181‬‬

‫بالمغرب وخسف بجزيرة العرب‪ ،‬وخروج عيسى‪ ،‬وخروج يأجوج ومأجوج وتكون أخرها نار‬
‫(((‬
‫تخرج من اليمن»‬
‫وكذلك وردت أحاديث اخرى بنفس المعنى تضيف عالمات اخرى مثل خروج‬
‫المهدي«عج» والدخان وتحذف بعض العالمات وكلها قبل الساعة‪ ،‬واستنادا ً لهذا الحديث‬
‫المبارك فـ«يأجوج ومأجوج» واقع متقدم يظهر بعد ظهور اإلمام الحجة«عج» بزمن طويل بعد‬
‫خروج الدجال ونزول السيد المسيح‪ ‬وبعد ان تستتب االمور في دولة االمام‪ ،‬وإذا ص ّدقنا‬
‫التحليل الذي يورده أصحاب المنهج الرمزي فان االتحاد السوفيتي سيبقى إلى ما بعد ظهور‬
‫االمام‪ ‬وهذا يخالف واقع دولة االمام‪ ‬التي ستملئ قسطاً وعدالً وال تجد فيهل موضع على‬
‫األرض ال ينادي به بـ «ال إله إال اللَّه»‪.‬‬
‫ان المنهج الرمزي في تفسير األحداث قد اربك المنتظرين للمشروع المهدوي من حيث‬
‫قصد تكريمه فتحويل مجموعه العالئق والمكونات الخاصة بأحداث عصر الظهور إلى‬
‫مجموعة رموز لها عدة مصاديق وتجريدها من حقيقتها يؤدي بالضرورة إلى سؤال حتمي لتطور‬
‫هذا المنهج وهو لماذا ال يكون المهدي ‪ ‬هو ايضاً رمزا ً‪ ،‬اي ان المهدي‪ ‬حسب المنهج هو‬
‫«عنوان» وليس«شخص» وبأمكان اي شخص أن يمارس هذا الدور إذا توفرت عناصر التغيير‬
‫وهذا بالضبط ما تبناه الفكر الصوفي منذ بدايته‪.‬‬
‫هذا الفكر الذي يؤمن بأن المهدي هو «تنصيب» وليس «تشخيص» أي انه ليس بالضروره‬
‫ان يكون المهدي المنتظر‪ ‬االبن المباشر لإلمام الحسن العسكري ‪ ‬شخصياً‪ ،‬بل المهدوية‬
‫هي «منصب» كل من يحقق شروطها في اي زمان يفوز ويرتقي هذا «المنصب»‪،‬فالبعض منهم‬
‫يعتقد ان اإلمام المهدي‪ ‬ليس هو االبن المباشر لإلمام الحسن العسكري‪ ‬الن اإلمام‬
‫الحسن العسكري‪ ‬عندهم عقيم وليس له عقب‪،‬فالمهدي‪ ‬عندهم شخص يولد في أخر‬
‫يعي دوره‪ ،‬وال‬
‫الزمان«قد يكون من نسل علوي فاطمي» وسوف «يصلحه اللَّه في ليله»‪ ،‬فهوال ّ‬
‫يعي شخصيته إال بعد تلك الليلة الموعوده‪ ،‬وهذه واحده من أساليب تجميد فكرة االمامة وفكرة‬
‫ّ‬
‫اإلمام المهدي‪‬لمئات السنين وهي نفس الفكرة التي لعب عليها كل ادعياء المهدوية في زمن‬
‫الغيبة الصغرى والكبرى فإذا سارت االمور بشكل جيد على يد احد ادعياء المهدوية قال «انا‬
‫المهدي»‪ ،‬وإذا لم تسير االمور بما يشتهي قال «انا ممهد للمهدي» وهكذا‪.‬‬

‫((( الخصال‪ /‬الصدوق‬


‫‪182‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وتاريخ اإلسالم زاخر بهذه األحداث واالدعاءات التي هي واحدة من بُنات أفكار المنهج‬
‫الرمزي والنتيجة الحتمية لهذا الفكر‪ ،‬وسيالحظ القارئ المتابع ألحاديث آل البيت ‪ ‬الخاصة‬
‫بأحداث اخر الزمان كثرة المرويات التي تتحدث عن خروج عدد من الكذابين والمدعين قبل‬
‫خروج اإلمام المهدي«عج» بل ان المرويات حددت خروج اكثر من «‪ »70‬كذاباً و«‪ »12‬راية‬
‫كلهم يدعوا لهذا االمر‪.‬‬
‫وال يخفى عن بال القارئ البصير ان وجود هذا العدد الهائل من الكذابين و ُم ّدعي المهدوية‬
‫قبل خروج اإلمام«عج» لهو دليل على وجود منظومة فكرية واطار عقائدي له بُعد تاريخي‬
‫وفكري بحيث يستوعب هذا الكم الهائل من التناقضات واالكاذيب‪.‬‬
‫وسيالحظ القارئ المتابع أيضاً تركيز أحاديث آل البيت‪ ‬على نقطة جوهرية في موضوع‬
‫اإلمام المهدي‪ ،‬فهم في كل مناسبة يؤكدون أن المهدي هو «تشخيص» اي هو شخص معين‬
‫بذاته وهو االبن المباشر لإلمام الحسن العسكري‪ ،‬وهو سليل هذه الذرية الطاهرة حصرا ً‪،‬‬
‫وانه ولد وأستمر به العمر إلى يومنا هذا‪ ،‬ولكن طول فترة الغيبة اوقعت اغلب الناس بعدة‬
‫متاهات‪ ،‬بينما كان طول هذه الفترة هو سبب لتمحيص وغربلة المؤمنين وهو امر أكدت عليه‬
‫أغلب مرويات أهل البيت‪.‬‬
‫وهنالك أمر جعل بعض الباحثين يميلون إلى تفسير احداث اخر الزمان من خالل فهم‬
‫الواقع حسب قوانين التطور االجتماعي مما حدى بهم إلى ان يهملوا ويتركوا من هذه األحاديث‬
‫كل غريب «من وجهة نظرهم» وال يستطيعون تفسيره أو أنزاله إلى ارض الواقع‪ ،‬وهذا بالضرورة‬
‫ادى إلى انكار جملة من األحاديث الخاصة تحت عنوان انها خيالية او سفسطائية ومبالغ بها‬
‫وكان الحل عندهم الهمال هذه المرويات هو «ضعف السند»‪ ،‬فيما اتهم من يؤمن بها او يتحدث‬
‫بها بالغلو‪.‬‬
‫ولعلي اجد عذر لمن اليصدق هكذا أحاديث من عبارة اإلمام أمير المؤمنين علي ‪ ‬بمقولته‬
‫المشهورة «العجب كل العجب بين جمادي ورجب»‪ ،‬فال الوم هؤالء الباحثين لعدم أستيعابهم‬
‫وتصديقهم لهذه األحاديث التي يقول عنها أمير المؤمنين‪ ‬انها عجب‪ ،‬فالمشروع االلهي‬
‫يسير وفق قوانين ونواميس القرآن وليس وفق قوانين وضعية ناتجه عن المالحظه والتجربة قد‬
‫تكون صالحة في وقت وغير صالحه في وقت أخر كقوانين التطور االجتماعي التي تجري على‬
‫شعب او امة وال تجري على أمة أخرى ألختالفات عرقية وفكرية واقتصادية‪ ،‬وحتى أصحاب‬
‫الفكر المادي قد أقروا بان هذه القوانين ال تجري بوتيره واحده على كل المجتمعات بل هي دالة‬
‫متغيرة حسب خصائص كل مجتمع‪.‬‬
‫���������������������‬ ‫‪183‬‬

‫وعليه فأن قوانين التطور االجتماعي وحركة التاريخ ليست حتمية وال يمكن ربط المشروع‬
‫االلهي بها‪ ،‬فالمشروع المهدوي مرتبط بالحكمة وله غايات تشمل كل التاريخ بل الحياة بل‬
‫خلق اإلنسان وهو ال يعالج فترة محدده او يخاطب شعب أو أمة معينة‬ ‫الغاية التي من اجلها ُ‬
‫فعنوانه يشمل التاريخ واإلنسانية والحياة بكل مراحلها‪.‬‬
‫وهنا البد أن نذكر مثال بسيط لكي نوضح للقارئ الكريم طريقة تفكير هذه المجموعة من‬
‫الباحثين وان كان هذا المثل سيخرجنا عن موضوعنا االصلي ولكن الشيء بالشيء يذكر‪.‬‬
‫فمن المالحظ ان الزي العربي القديم المتمثل بالعمامة «كغطاء رأس» أخذ باالنقراض منذ‬
‫بدايات القرن العشرين اال من قبل رجال الدين واستبدل عوضاً عنه«وان كان موجود باالصل»‬
‫العقال العربي وهو زي شائع في منطقة الخليج العربي وبعض دول بالد الشام والعراق فقد ظل‬
‫محافظاً على وضعه‪ ،‬لذلك اصطدم الكثير من الباحثين بالموضوع الخاص بلباس اإلمام«عج»‪،‬‬
‫أذ ان المرويات تشير إلى انه سيخرج ُمعتماً بعمامة رسول اللَّه ‪ ‬وجبته ونعليه ودرعه‪ ،‬بل‬
‫ذكرت هذه المرويات بعض خصائص هذه المقتنيات بل حتى ذكرت لها أسماء خاصة بها‬
‫مثل العمامة«صفراء خضراء بيضاء ـ» واسمها «السحاب»‪ ،‬والنعل المخصوف والدرع المسماه‬
‫«السابغة» التي ال تستوي اال على جسده الشريف وسيفه «الصمصام» وهو من سيوف رسول‬
‫اللَّه ‪.‬‬
‫وبما ان هذا الزي المتمثل بالعمامة والعباءه والدرع والسيف قد أخذ باالندثار وطغيان‬
‫المالبس المدنية الحديثة من «بنطال وستره وقمصان» التي أصبحت شائعه ومتداوله لدى االعم‬
‫االغلب من الناس فقد وجد هؤالء الباحثين في فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات من‬
‫القرن العشرين حراجه في تخريج هكذا أحاديث النهم ظنوا«حسب قوانين التطور االجتماع»‬
‫ان هذا اللباس ال يتناسب مع أحداث زمن الظهور الذي تصوروا بانه زمن تسود فيه الواقعيات‬
‫وكيفيات معينة خاصة بأهل ذلك الزمان‪،‬وعليه فان خروج اإلمام بهذه الهيئة من المالبس سوف‬
‫لن يناسب روح ذلك العصر مما حدا بهم إلى االلتفاف على النصوص في محاولة لتحويل هذه‬
‫المقتنيات إلى رموز كأن يكون السيف هو رمز للقوة‪ ،‬والعمامة داللة على علمه وهكذا‪ ،‬لذلك‬
‫سادت افكار خاصة بهؤالء الباحثين والمتدينين مفادها‪ ،‬ان خروج اإلمام الحجة «عج» سيكون‬
‫ذو طابع يتناسب مع ايقاع زمن ظهوره فإذا كان أهل ذلك الزمان يرتدون «بنطال والستره» فهو‬
‫أيضاً كذلك وإذا كانوا يرتدون«الجينز» فهو أيضاً كذلك النه يمثل واقع ذلك العصر‪.‬‬
‫‪184‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وما أن دار الزمن وسارت األحداث حتى أثبتت األيام خطأ هذا االعتقاد فما ان أطلت علينا‬
‫االلفية الثالثة والقرن الحادي والعشرون حتى زخت علينا االيام بمجموعة من رجال الدين ممن‬
‫يرتدون العمامة والجبه وممن لهم سيطرة سياسية واقتصادية ودينية في كل بقاع األرض واصبح‬
‫هذا الزي لرجل الدين شائع ومعروف بعد ان ملئت صورهم واخبارهم كل وسائل االعالم‬
‫اكثر من الفنانين والعبي كرة القدم بل حتى اكثر من «قناني البيبسي كوال» مما يدفعنا لألعتقاد‬
‫جازمين بأن نوعية المالبس التي ذكرت لإلمام الحجة «عج» هي نفسها ألن األحاديث الواردة‬
‫عن أهل بيت النبوه صلوات اللَّه وسالمه عليهم اجمعين تتعامل مع األحداث بما ستؤل اليه‬
‫وليس كما نريد‪.‬‬
‫وبعد هذه المقدمة التي كان البد منها نعود إلى نفس السؤال الذي طرحناه في بداية الكالم‬
‫وهو‪ :‬مإذا سيحدث وكيف سنحلل األحداث في عصر الظهور إذا اختفت او انهارت او ضعفت‬
‫الواليات المتحدة االمريكية نتيجة حدث معين‪.‬‬
‫في الحقيقة هناك عدة دالئل واستنتاجات وسيناريوهات لهذا التصور‪.‬‬
‫الدالئل‬
‫‪ -1‬وجود حوادث تؤكد أختفاء وانهيار دول وحضارات بصورة مباشرة او غير مباشره نتيجة‬
‫مقدمات معينة قديماً وحديثاً‪،‬كما يذكر لنا التاريخ سقوط عدة ممالك وانظمة نتيجة صراعات‬
‫داخلية وخارجية وسيجد قارئ التاريخ أمثله عديدة من هذا النمط‪،‬اما االمثله من النصوص‬
‫الدينية فهو هالك قوم نوح‪ ‬وهالك قوم فرعون وهالك عاد وثمود وقوم لوط‪ ‬وهذه كانت‬
‫عبارة عن حضارات ودول تم هالكها بواسطة ظواهر طبيعية مدمره بل ان واقع القرآن الكريم‬
‫ََْ ََ ٰ َ‬
‫(((‬
‫ى ل ُهم ّمِن بَاق َِي ٍة﴾‬ ‫يشير إلى هالكهم بصورة مباشرة وسريعة ﴿فهل تر‬
‫‪ - 2‬ال يوجد في أحاديث الرسول‪ ‬وأهل البيت ‪ ‬التي تناولت احداث أخر الزمان دليل‬
‫على وجود قوة عسكرية وسياسية أسمها أمريكا حتى عن طريق الرمز فقد ذكرت هذه األحاديث‬
‫عدة جهات وعدة قوى اساسية وثانوية في صراع اخر الزمان وال وجود ألمريكا من ضمنها وهي‪:‬‬
‫الروم‪ :‬وهم أوربا‬
‫الترك‪ :‬وهو االتراك وتركيا حالياً‪.‬‬
‫السروسي‪ :‬والكلمة كما ال يخفى تصحيف لكلمة «الروسي»‪.‬‬

‫((( الحاقة‪8/‬‬
‫���������������������‬ ‫‪185‬‬

‫الرايات الصفر‪ :‬تاتي من المغرب العربي‬


‫الديلم‪ :‬القسم الجبلي شمال قزوين‪.‬‬
‫االصهب واالبقع‪ :‬وهم من اعداء السفياني في بالد الشام‪.‬‬
‫«السفياني‪ ،‬الخراساني‪ ،‬اليماني»‪ :‬وهي القوى العسكرية الرئيسية على ساحة احداث عصر‬
‫الظهور وهي الرايات الثالثة التي حددها األئمة ‪ ‬في كثير من احاديثهم‪.‬‬
‫فعن أبي جعفر ‪ ‬انه قال«خروج السفياني واليماني والخرساني في سنة واحده في شهر‬
‫(((‬
‫واحد في يوم واحد نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه‪»......‬‬
‫وكما هو معلوم من خالل األحاديث ان الروم «اوربا» هم من يدعم السفياني وان االتراك‬
‫سيهزمون في معركة قرقيسيا كما ان السفياني سيقضي على مناوئيه في بالد الشام وهم االبقع‬
‫واالصهب أما السروسي والديلم والرايات االخرى فهي رايات ثانوية وذات تأثير محدد وال‬
‫تقاس برايات «الخرساني والسفياني واإليماني» التي ستكون محور الصراع في بالد الشام‬
‫والعراق والحجاز وهذه المرويات التي ذكرت هذه الرايات واألحداث المتصله بها لم تذكر او‬
‫تشير من قريب اومن بعيد لوجود قوة اسمها «أمريكا» لها هذا النفوذ المعروف حاليا‪.‬‬
‫وعليه يجب التعامل في تحليل األحداث حسب الواقع الذي ستؤل اليه وليس حسب‬
‫الواقع السياسي والتاريخي القائم حالياً فإذا كانت أمريكا كقوة سياسية وعسكرية واقتصادية‬
‫موجوده حالياً ومسيطرة على األحداث في العالم فليس من االنصاف أن نضل ننتظر تسلسل‬
‫األحداث وكأن أمريكا باقية التزول‪.‬‬
‫وعليه فهناك عدة سيناريوهات سياسية ودينية وطبيعية يجب أن نأخذها بنظر االعتبار لتقوية‬
‫األفتراضات والسؤال الوارد في بداية البحث وكما ذكرت يجب ان ننظر إلى االمور بما ستؤل‬
‫اليه ال كما نريدها‪.‬‬
‫وهذه السيناريوهات المتوقعة هي‪:‬‬
‫السيناريو األول‪:‬‬
‫انسحاب أمريكا عسكريا من منطقة الشرق االوسط وملئ الفراغ بأنشاء حكومات منتخبة‬
‫في هذه البلدان عن طريق الديمقراطية‪،‬لكي تثبت للعالم بأنها أستطاعت ان تحقق الديمقراطية‬
‫في هذه الدول وان أدارة هذه الدول هو من شأن ابناءها طبعاً مع المحافظة على مصالح أمريكا‬

‫((( الغيبة للطوسي‬


‫‪186‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫في هذه البلدان بترك بعض القواعد العسكرية للتدخل السريع‪.‬‬


‫وبعدها ستقوم بتحرك عمالئها الموجودين في المنطقة وما اكثرهم بعد ان استطاعت ان‬
‫تقسم هذه البلدان تقسيم عرقي وطائفي ولكل طائفة جيش «ميليشات» خاصة بها مما يؤدي إلى‬
‫تناحر ابناء البلد الواحد فيما بينهم من جديد وتستمر أمريكا في تغذية هذا الصراع عن بعد في‬
‫عملية حلب واستنزاف مستمره لكل االطراف والفائز والمقرب من أمريكا من يحفظ مصالحها‬
‫وينفذ اوامرها وهكذا دواليك‪.‬‬
‫وبالنظر لتعدد أطراف الصراع في هذه الدول واختالفها عقائدياً وفكرياً فهذا الصراع مقرر‬
‫له أن يستمر إلى ما شاء اللَّه‪ ،‬وان هذا الصراع الحاصل في هذه الدول التي ستنسحب منها‬
‫أمريكا ليس الهدف منه أضعاف تلك الدول وحدها بل الهدف منه تضخيم ظاهرة االرهاب من‬
‫خالل تحويلها إلى بعبع يهدد كل دول العالم مما يضمن ألمريكا التدخل في اي مكان وفي كل‬
‫زمان بحجة مطاردة اإلرهاب‪ ،‬هذا اإلرهاب الذي من المقرر له أن يصدر إلى كل دول المنطقة‬
‫من خالل تقويته في مناطق الصراع «العراق ‪ -‬افغانستان ‪ -‬الشام ‪ -‬الحجاز» وزخه بطرق معينة‬
‫إلى سوريا وإيران والسعودية ولبنان بل حتى بقية دول الخليج ألضعاف هذه المنطقة وزعزعتها‬
‫فالكل مشمولون بهذا السيناريو تمهيدا ً ألضعاف كل المنطقة والسيطرة عليها فيما بعد‪ ،‬وان هذا‬
‫التحليل هو االقرب إلى الواقع‪ ،‬وحسب هذا السيناريو تكون أمريكا موجودة في فترة احداث‬
‫الظهور إال انها ال تشارك بصورة مباشرة بل تديم زخم الصراع بين االطراف المتنازعة وتنتظر‬
‫للتصادم مع الجهة التي ستفوز‪.‬‬
‫السيناريو الثاني‪:‬‬
‫حدوث كارثة طبيعية تؤثر على واليات أمريكا او«القارة االمريكيه» مثل حادثة الغرق الناتجه‬
‫عن ذوبان ثلوج القطب الشمالي نتيجة ظاهرة االحتباس الحراري حيث اكدت التقارير العلمية‬
‫الخاصة بمتابعة ذوبان الثلوج في منطقة القطب الشمالي ودراسة اثار االحتباس الحراري ان‬
‫السنوات الـ«‪ »50‬القادمة كحد أعلى هو المعدل الزمني الالزم لتحويل هذا األمر من ظاهرة‬
‫غير محسوسة إلى ظاهرة مدمرة‪ ،‬وان كل دول العالم الصناعي المتقدم بدأت تعقد المؤتمرات‬
‫الجادة للتوصل إلى حل يمكن من خالله التقليل من أنبعاث الغازات الدفيئه المسببه لهذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬أذ أن التقارير الصادرة من المراكز العلمية المعتمدة تنذر بكارثة حقيقية لو استمرت‬
‫عملية تدفق هذه الغازات بهذه المعدالت للسنوات القادمة علماً ان عملية ذوبان الثلوج في‬
‫السنوات القادمة ستكون بمعدالت اسرع من معدالت السنوات الماضية‪ ،‬وبما ان أمريكا كقارة‬
‫«تحيط بها المياه من كل جوانبها» فهي المنطقة رقم واحد المتضرره من هذه الكارثة إذا وقعت‬
‫خصوصاً ان كل مدن أمريكا المتقدمة صناعياُ وتجارياً تقع على السواحل مما قد يؤدي إلى‬
‫���������������������‬ ‫‪187‬‬

‫أضرار بالغة قد ت ُنهي أمريكا كدولة عظمىى وتبقي بعدها متفرغه للعق جراحها‪.‬‬
‫السيناريو الثالث‪:‬‬
‫سقوط نيزك في البحر قرب أمريكا يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه بصورة سريعة ومفاجئة‬
‫(((‬

‫وكما ذكرت ان أمريكا محاطة بالماء من كل الجوانب وبما ان مراكزها الصناعية واالقتصادية‬
‫موجوده على الشواطى وبما ان أغلب قوة أمريكا العسكرية هي قوة بحرية وهي عبارة عن‬
‫غواصات وفرقاطات وحامالت طائرات وقاذفات فمن شأن هكذا حادثة أن تقصم ظهر أمريكا‬
‫إلى نصفين ال تقوم بعدها لهم قائمه‪ ،‬وهناك مرويات عن رسول اللَّه ‪ ‬وعن أهل البيت‪‬‬
‫وكذلك نصوص انجيلية تشير إلى هكذا حدث يقع في أخر الزمان سنذكر بعضها ألهميتها‪.‬‬
‫‪ - 1‬عن عبد اللَّه بن مسعود عن النبي‪ ‬قال«إذا كانت صيحة في رمضان فأنه يكون‬
‫معمعه في شوال وتميز القبائل في ذي العقده وتسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم وما المحرم‬
‫يقولها ثالث هيهات يقتل الناس فيها هرجاً هرجاً» قلنا وما الصيحة يا رسول اللَّه‪‬؟ قال ‪:‬هده‬
‫في النصف من رمضان ليلة جمعة وتكون هدّ ه توقض النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من‬
‫خدورهن في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزالزل فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة فادخلوا بيوتكم‬
‫واغلقوا ابوابكم وسدوا كوركم ودثرو انفسكم وسدوا اذانكم فإذا أحسستم بالصيحة فخروا للَّه‬
‫(((‬
‫تعالى سجداً وقولوا سبحان القدوس فانه من فعل ذلك نجا ومن لم يفعل هلك»‬
‫والحديث المبارك يسمى هذه الظاهرة بـ«الصيحة» والصيحة مفردة قرآنية وردة في «‪»13‬‬
‫مورد في القرأن الكريم وقد استخدمت لوصف هالك االمم السابقة‪.‬‬
‫َّ ُ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫الصيْ َحة﴾((( وهي تصف هالك قوم صالح‪.‬وقوله‬ ‫ِين ظل ُموا‬ ‫ت ال‬ ‫قوله تعالى﴿ َوأخذ ِ‬
‫ني﴾ ((( وهي تصف هالك قوم‬ ‫حوا ف دِيَاره ِْم َجاثِم َ‬ ‫ح ُة فَأَ ْ‬
‫ص َب ُ‬ ‫ِين َظلَ ُموا َّ‬
‫الصيْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ت‬
‫تعالى﴿وأخ ِ‬
‫ذ‬
‫حة ُم ْشق َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شعيب‪ ،‬وقوله تعالى﴿فأ َخذتْ ُه ُم َّ‬
‫الصيْ َ‬
‫ِني﴾((( تصف هالك قوم لوط‪ ،‬وقوله تعالى‬ ‫ِ‬
‫ني﴾ ((( تصف هالك أصحاب الحجر‪.‬‬ ‫ح ُة ُم ْصبح َ‬ ‫﴿فَأَ َخ َذتْ ُه ُم َّ‬
‫الصيْ َ‬
‫ِ ِ‬

‫((( كما حدث في حادثة تسونامي«‪ »2006‬وان كانت هذه الحادثة ناتجه عن ارتفاع وانخفاض األرض تحت سطح البحر‬
‫وليس بسبب نيزك ولكننا نذكرها هنا للتشبيه‪.‬‬
‫((( عقد الدرر‬
‫((( هود‪67 /‬‬
‫((( هود ‪94 /‬‬
‫((( الحجر ‪73 /‬‬
‫(( ( ‪-‬الحجر ‪83 /‬‬
‫‪188‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ورسول اللَّه ‪ ‬يوضح نوعية هذه الصيحه ويصفها بأنها «ه ّده» وهذه المفرده تدل على‬
‫سقوط شيء وارتطامه باألرض فـ«اله ّده» هي التي تهد األرض وتحركها ويصاحبها صوت غير‬
‫مفهوم ومدوي وهذه الصفه ال تنطبق اال على جسم يرتطم باألرض كما ان الحديث يشير اشاره‬
‫واضحه إلى ان الكالم الموجه فيه ليس لعامة الناس بل للمسلمين فقط فهو يقول«إذا صليتم‬
‫الفجر» وهذ الصالة من خصائص المسلمين وحدهم باالضافة إلى ان الحديث يحدد زمن هذه‬
‫الظاهرة وهي ليلة الجمعة من النصف من رمضان مما يدل على ان هذا الجرم الساقط او هذه‬
‫الظاهرة هي ظاهرة مرصودة ومعروفة قبل حدوثها فلو كانت تحدث بصورة مفاجئه وغير متوقعه‬
‫فال داعي لذكر االجراءات الوقائية التي ذكرها الحديث‪ ،‬وبما انها ستحدث وتكون معلومة‬
‫الزمن بل وحتى معروفة المكان لذلك صدرت من الرسول االعظم‪ ‬مجموعة من االجراءات‬
‫الوقائية للتوقي من هذه الظاهرة الكارثيه فقال ‪«‬ادخلوا بيوتكم واغلقوا ابوابكم وسدوا كواكم‬
‫ودثروا انفسكم وسدوا اذانكم فإذا احسستم بالصيحة فقعوا للَّه تعالى سجداً وقولوا سبحان‬
‫القدوس سبحان القدوس فأنه من فعل ذلك نجا ومن لم يفعل هلك»‪.‬‬
‫هذه االمور تدفعنا لألعتقاد أن أرض المسلمين هي أرض غير مشموله بهذه الكارثة بل هي‬
‫كارثة ستقع في الجانب االخر من األرض ولكن المسلمين سينالها بعض تأثيراتها‪ ،‬فأن سقوط‬
‫هكذا جرم على األرض بالقرب من أمريكا يؤدي إلى موجه من الهزات االرتدادية تشمل كل‬
‫بقاع األرض ومنها أرض المسلمين لذلك ذكر الحديث هذه التعليمات للتوقي من أثار هذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬ولو كانت هذه اله ّده تقع على ارض المسلمين المرهم رسول اللَّه ‪ ‬بترك ارضهم‬
‫وكيف تقع هكذا كارثه على ارض فيها كل تراث األنبياء واألولياء‪ ،‬كما ان األحاديث تشير إلى ان‬
‫العراق وبالد الشام والحجاز وإيران هي مسرح احداث اخر الزمان ومنها يخرج المهدي وفيها‬
‫عاصمته«اقصد العراق» فستكون هذه األرض ببركة تواجد أهل البيت‪ ‬عليها بمنئى عن هكذا‬
‫ظواهر مدمره‪ ،‬كما ان في هذا الحديث اشاره دقيقة لوقت حدوث هذه الكارثة وهي قوله‪‬‬
‫«فإذا صليتم الفجر» وهذا يدل على ان هذه الكارثه ستقع بعد صالة الفجر وهو ما نسميه‬
‫بـ«الصباح» وهذا الوقت بالذات يتناغم ويتطابق مع الواقع القرآني الذي حدد في اكثر من مورد‬
‫َ َ َََ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ُْ َ‬
‫نذر َ‬
‫ين﴾(((‪،‬قوله‬ ‫العذاب في وقت الصباح‪ ،‬قوله تعالى ﴿فإِذا نزل بِساحت ِ ِهم فساء صباح الم ِ‬ ‫نزول‬
‫ُ‬
‫حة ُم ْصبح َ‬‫الصيْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تعالى﴿فأ َخذت ُه ُم َّ‬
‫(((‬
‫ني﴾‬ ‫ِ ِ‬

‫((( الصافات‪177/‬‬
‫((( الحجر ‪83 /‬‬
‫���������������������‬ ‫‪189‬‬

‫كما ان هناك عدة أحاديث اخرى عن ائمة أهل البيت‪ ‬تحدد الجانب الذي ستقع فيه هذه‬
‫الكارثة وتسميه«غربي األرض»‪.‬‬
‫عن أمير المؤمنين أيضاً ‪ :‬قال‪ :‬في ذكر عالمات المهدي «عج» «‪ ....‬اال ايها الناس‬
‫سلوني قبل ان تفقدوني وقبل ان تشغر برجلها فتنة شرقية تطأ في خطامها بعد موت وحياة أو‬
‫(((‬
‫تشب نار بالحطب الجزل غربي األرض رافع ًة ذيلها تدعوا يا ويلها بذحله او مثلها‪».....‬‬
‫وعنهم ‪ ‬عندما سئل من قبل اهل قم‪ :‬متى ينتظرون الفرج قال‪«‬إذا ظهر الماء على وجه‬
‫األرض»(((‪.‬‬
‫والذي استشفه من الحديث ان هذه النار نار مغربية تقع غربي األرض وهي عبارة عن‬
‫قصف سماوي بالشهب والنيازك والحجارة كما ان الحديث السابق يصف نتيجة هذا الحدث‬
‫وهو ظهور الماء على وجه األرض دالله على غرق مناطق كبيرة‪ ،‬وان هذه الحادثه إذا وقعت‬
‫بهذا الشكل ال تؤثر على أمريكا وحدها بل ستؤثر على غربي اوربا وافريقيا إذا حدثت شرقي‬
‫أمريكا‪ ،‬وستؤثر على اليابان واستراليا إذا حدثت غربي أمريكا‪ ،‬وهذه الدول سيكون الضرر‬
‫بها كبيرا ً النها دول ذات سواحل طويله والبحر يحيطها من كل جوانبها أما مناطق المسلمين‬
‫وبالذات«العراق ‪ -‬بالد الشام ‪ -‬الحجاز ‪ -‬إيران» فهي في مأمن من هذا الخطر لبعدها عن البحار‬
‫اوالً ولبعدها عن مركز تأثير هذه «اله ّده» ثانياً‪ ،‬وهذا ربما يفسر لنا لماذا تندفع كل هذه القوى‬
‫العسكرية في اخر الزمان إلى هذه المناطق وذلك النها المناطق الوحيده الغير متضرره من هذه‬
‫الكارثه‪.‬‬
‫قال اإلمام الصادق‪« ‬ال يكون هذا األمر حتى يذهب ثلثي الناس فقيل له واين نكون نحن‬
‫(((‬
‫قال‪ :‬أما ترضون ان تكونوا في الثلث الباقي»‬
‫وهذا الحديث فيه دالله واضحه على حجم الدمار والضرر الناتج من هذه الظاهره وإلى‬
‫عدم شمول ارض المسلمين بهذه الكارثه‪.‬‬
‫‪ - 2‬هناك ايضاً رؤية انجيلية لهذه الحادثة وهي ما وردت تفاصيله في رؤيا «يوحنا» وسنورد‬
‫بعض المقاطع من هذه الرؤيه النطباقها على تفاصيل هذه الظاهرة ومكانها‪.‬‬

‫((( بشارة اإلسالم‪.‬‬


‫((( االختصاص ‪ /‬البحار‬
‫((( بشارة اإلسالم‪.‬‬
‫‪190‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫«‪.....‬ورأيت بعد ذلك مالكاً أخر نازالً من السماء له سلطان عظيم فاستنارت األرض من‬
‫بهائه وصاح باعلى صوته«سقطت سقطت بابل العظيمة» صارت مسكناً للشياطين ومأوى لجميع‬
‫االرواح النجسه وجميع الطيور النجسه البغيضه الن االمم كلها شربت من فورة خمرها زناها‪.‬‬
‫وملوك األرض زنوا بها وتجار العالم إغتنوا من كثرة نعيمها‪ ....‬أفرحي أيتها السماء لخرابها‬
‫أفرحوا ايها القديسون والرسل واألنبياءألن اللَّه عاقبها على ما فعلت بكم‪ ...‬وتناول مالك جبار‬
‫حجرا ً كحجر طاحونه عظيمه ورماه في البحر وقال«هكذا ترمى بابل العظيمة بعنف ولن توجد‬
‫(((‬
‫من بعد ابدا ً»‬
‫وكما تالحظ ان هذا النص اإلنجيلي يحدد ان مالك الرب سيرمي في البحر حجر عظيم‬
‫كحجر الطاحونه وهذا يتناغم مع سقوط النيزك الذي هو حجر عظيم وسقوط هذا الحجر في‬
‫البحر هو السبب في حدوث هذه الكارثة «الغرق»‪ ،‬باألضافة إلى «اله ّده» وهو الصوت الناتج‬
‫عن اختراق هذا الجرم للغالف الجوي األرضي وارتطامه بالبحر‪ ،‬ويبدو ان سرعة هذا الحجر‬
‫ستؤهله كي يخترق ماء البحر ويضرب األرض التي هي قعر البحر‪ ،‬أما «بابل العظيمة» الوارده‬
‫في النص فهي ليست بابل الموجوده في العراق قطعاً النها ليست قريبة من الماء كما ان مفسروا‬
‫اإلنجيل أستبعدوا هذا الرآي فبابل المذكوره في النص لها هيمنه على شعوب العالم الن ملوك‬
‫األرض زنوا بها وصارت مسكناً للشياطين وان تجار العالم أغتنوا من نعيمها‪ ،‬كما انها قريبة من‬
‫البحر وهذه االوصاف ال تنطبق اال على أمريكا «بابل أخر الزمان»‪ ....‬العظيمة‪....‬الزانيه‪.‬‬
‫كما ان رؤيا يوحنا رؤيه طويله جدا ً ال نستطيع ان نذكرها كلها في هذا البحث ولكن إذا رجع‬
‫اليها القارى الكريم سيجد هناك الكثير من االدله والقراءات الواضحه والمضمرة التي تؤكد له‬
‫هوية«بابل العظيمة»‪.‬‬
‫أن مسئلة انتهاء أمريكا بظاهره طبيعية ليست ضرباً من الخيال أو قراءة عابرة للنص السماوي‬
‫فأن هذه النهايات الحتمية للشر والتكبر قد طرحها القرآن الكريم في اكثر من مورد وهي ُسنه‬
‫الهية جرت على االمم السابقة وتجري على االمم الألحقة كهالك قوم نوح‪ ‬وقوم فرعون‬
‫َ ْ ُ َّ ْ َ َ َ ْ ُ َّ ْ َ ُ‬
‫حة‬ ‫وقوم ثمود وعاد‪ ،‬وقد وصفها القرآن الكريم ببيان شامل‪ ،‬قوله تعالى ﴿ومِنهم من أخذته الصي‬
‫َ ْ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬
‫َومِنْ ُهم َّم ْن َخ َسف َنا بِهِ ال ْرض َومِنْ ُهم َّم ْن أغ َرق َنا ۚ﴾(((‪.‬‬

‫((( اإلنجيل‪ /‬رؤيا يوحنا‬


‫((( العنكبوت ‪40 /‬‬
‫���������������������‬ ‫‪191‬‬

‫وهذا مصير كل متكبر اليؤمن بيوم الحساب‪ ،‬فهذه األثام المتكدسه واذالل أمريكا لشعوب‬
‫العالم واإلنسانية سيواجه برد فعل للطبيعة ضمن قوانين الهية‪ ،‬فتصرفات اإلنسان وأعماله يقابلها‬
‫رد فعل للطبيعة في عملية جدل مترابطة بين فعل اإلنسان وقوانين الطبيعة‪ ،‬فإن كان خيرا ً فخير‬
‫وان كان شرا ً فشر‪ ،‬وهذا هو عين ما حصل في االمم السابقة التي تم هالكها بظواهر طبيعية‬
‫مدمره وردت في القرآن الكريم تحت عدة عناوين «الصيحة ‪ -‬الخسف ‪ -‬الغرق ‪ -‬مطر السوء‬
‫‪-‬ريحاً صرصاً‪.»...‬‬
‫السيناريو الرابع‪:‬‬
‫هناك عدة ظواهر طبيعية تحدث بشكل دوري ال يتنبه لها أحد أال اهل االختصاص وهذه‬
‫الظواهر تحدث وتمر وال تسبب أي مشكلة ولكنها في ظروف معينة قد تؤدي إلى كوارث‬
‫ضخمه‪ ،‬فمنها ظاهرة طبيعية تحدث في ايام معينة من السنة تسمى «ظاهرة زخات الشهب» وهي‬
‫تؤدي إلى حدوث منظرا ً جميل جدا ً إذا حدثت بنزول زخات من الشهب متتالية قد يصل عدد‬
‫الشهب فيها لكل زخه اكثر من «‪ »100‬شهاب وترتبط زخات الشهب بالمذنبات فخالل دوران‬
‫األرض حول الشمس تصادف أن تمر في الحزام الغباري الحد المذنبات وبسبب الجاذبية‬
‫األرضيه تدخل الحبيبات الغبارية والحصى والجليد إلى الغالف الجوي مما يسبب سقوط‬
‫زخات من الشهب تعد بالمئات في كل زخه وقد تمر األرض بمدار المذنب مره اخرى فيحدث‬
‫بسبب ذلك المذنب زخه واحده تتفاوت شدتها من خالل قرب األرض منها وفي حالة مرور‬
‫األرض مرتين بالحزام تحدث زختان كما هو الحال مع مذنب «هالي» حيث تحدث زخات‬
‫«ايتا» «الدلويات» في «مايو‪/‬ايار» وزخة الجباريات في «اكتوبر‪ /‬تشرين اول»‪.‬‬
‫باألضافة إلى سبب اخر وهو أخطر من األول هو أحتمالية أقتراب مذنب أو ذيل المذنب‬
‫من الغالف الجوي األرضي فهذه المذنبات ذات ذيول طويله جدا ً قد تصل إلى «‪ »150‬مليون‬
‫كيلومتر وذات سرعة عالية قد تصل إلى «‪ »50‬كيلو متر كل ثانية فإذا حدثت هذه الحالة في‬
‫مسافة قريبة من المجال الجوي األرضي فأن هذا الحدث سيعطل أو يدمر منظومه االقمار‬
‫الصناعية الموجوده حول األرض فيؤدي بدوره إلى حدوث فوضى معلوماتيه وسياسيه‬
‫واجتماعيه واقتصاديه نتيجة لتعطل االتصاالت والنظام المصرفي والنظام المالحي والبورصه‬
‫واسواق المال وحركة المواصالت الجوية والبحرية بل كافة مرافق الحياة المدنية‪ ،‬وان عملية‬
‫السيطره على هكذا ضرر متوقع هو امر ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض فإنه يوجد حالياً‬
‫آالف االقمار الصناعية تدور حول األرض ترتبط بها كافة نواحي الحياة المدنية واالقتصادية وان‬
‫عطل او تلف هذه االقمار الكثر من عدة أيام سيؤدي إلى نهاية سريعة ومهوله للنظام العالمي‬
‫‪192‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وأمريكا هي اول المتضررين الن مصالحها في كل بقاع األرض فيؤدي إلى تبعثر قواها وانهيارها‬
‫السريع وخصوصاً ان هناك عدد ال يستهان به من أحاديث اخر الزمان التي تحدد بشكل صريح‬
‫عن ظهور واقتراب عدد من االجرام السماوية والتي ستكون سبباً في عدة ظواهر مدمره‪.‬‬
‫وبصورة عامة كل التقارير العلمية تحذر بشكل واضح من ظاهرة االحتباس الحراري‬
‫وتداعياتها وإذا كنا متفائلين فنتائجها ستظهر بعد خمسين عاما وإذا كنا متشائمين فالنتائج ستظهر‬
‫خالل الثالثين سنة القادمة وهذا معناه ان ابنائنا سيعيشون هذا الحدث الصعب وحتى لو فرضنا‬
‫ان هناك مبالغة فيما يقول العلماء واستثنينا ظاهرة االحتباس الحراري والعواصف الشمسية او‬
‫سقوط نيزك او اقتراب مذنب وغيرها فال احد ينكر ان هذا الكوكب بدأ يدق ناقوس الخطر معلنا‬
‫نفاد موارده الطبيعية من النفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري التي هي مصادر الطاقة األولى‬
‫للصناعة ومجمل الحياة نتيجة االستهالك الغير مسيطر عليه من قبل الشركات المنتجة فالنتيجة‬
‫المنطقية لنفاد موارد لطاقة هو الحرب بين االطراف الكبرى للسيطرة على ما تبقى منها لضمان‬
‫االستمرار وبالتالي فان العقود القادمة ال تخلو من حروب طاحنة للسيطرة على موارد الطاقة‬
‫والتي تؤدي بالضرورة إلى فرز نظام اقتصادي وسياسي وعسكري جديد‪.‬‬
‫وهذا التحليل الذي يتبنى فكرة عدم وجود أمريكا كقوة عسكرية وسياسية في أحداث‬
‫أخر الزمان وفق هذه السيناريوهات والدالئل التي ذكرناها‪ ،‬يفسر لنا عدد من جوانب وحيثيات‬
‫الصراع الذي يحدث في أخر الزمان ومنها‪:‬‬
‫‪ - 1‬ان هذا التحليل يفسر لنا لماذا يساعد الروم«اوربا» السفياني في معاركه في بالد الشام‪.‬‬
‫فقد رؤى الشيخ الطوسي بسنده عن بشر بن غالب قال«يقبل السفياني من بالد الروم ُمتنصرا ً في‬
‫عنقه صليب وهو صاحب القوم»(((‪.‬‬
‫وقد دلت المرويات انهم ي ّعدونه لهذا األمر ويدعمونه بالجند والسالح في معاركه فهل من‬
‫المعقول ان تقوم «اوربا» بهكذا عمل عسكري ضخم في بالد الشام والعراق وبهذا المستوى‬
‫الخطير بدون علم أمريكا وتدخلها‪.‬‬
‫وعليه يكون التصور الصحيح لهكذا تساؤل هو كما قلنا بعدم وجود أمريكا كطرف في‬
‫صراع اخر الزمان النفراد اوربا كقوة سياسية وعسكرية تدعم السفياني للسيطرة على مناطق‬
‫الثروات ناهيك عن الدوافع العقائدية للروم فهم مسيحيون اوالً واخرا ً «هذا إذا لم يكن الصراع‬

‫((( غيبة الطوسي‪ /‬ص ‪278‬‬


‫���������������������‬ ‫‪193‬‬

‫باالصل عقائدي بالدرجة األولى وليس سياسي» فالمسيحيون لهم دوافع عقائدية لخوض هذا‬
‫الصراع ال تقل اهمية عن الدوافع السياسية واالقتصادية والعسكرية‪.‬‬
‫‪ - 2‬هذا التحليل يفسر لنا امرا ً قد ذكرته مرويات أهل البيت‪ ‬سنذكره اجماالً وهو ان‬
‫ظهور السفياني في بالد الشام مسنودا ً من قبل الروم يمكنه من السيطرة على بالد الشام خالل‬
‫ستة اشهر بعد تصفية مناوئيه وهم«االصهب واالبقع» وخصوصاً بعد انتصاره في معركة قرقيسيا‬
‫المشهورة وانكسار الترك واتباع المشرقي وهم اطراف هذه المعركة فتصفو للسفياني بالد الشام‬
‫كلها‪.‬‬
‫فعن ابي منصور البجلي قال‪ :‬سألت ابا عبد اللَّه ‪ ‬عن السفياني‪ ،‬فقال‪«:‬وما تصنع بأسمه‬
‫إذا ملك كور الشام الخمسة دمشق وحمص وفلسطين واالردن وقنسرين فتوقعوا عند ذلك‬
‫الفرج»(((‪.‬‬
‫هنا سيبرز لنا سؤال مهم وهو‪ :‬كيف يستطيع السفياني ان يسيطر على هذه الكور الخمسة‬
‫ومن ضمنها فلسطين وهي الزالت تحت سيطرة اليهود وهم كما هو معروف ليسوا بقوة سهلة‬
‫عسكريا وسياسيا واقتصاديا‪.‬‬
‫ان انهيار أمريكا سند إسرائيل القوي قبل احداث السفياني هو السبب في ضعف إسرائيل‬
‫وانكشاف غطائها الدولي بعد انهيار حليفتها الكبيرة أمريكا او انهم يضطرون لعدم مواجهة‬
‫السفياني ألحتواء زخم الموقف مما يضطرهم إلى تبني فكرة التراجع إلى الخلف خطوتين‬
‫والتربص لحين سنوح فرصة اخرى العادة امجادهم وخصوصاً ان اليهود كشعب تاريخياً لهم‬
‫خبرة واسعة في التعامل مع هكذا مواقف فهم ملّة معروفة بطول تشردها في بقاع األرض وقد‬
‫كما وصفهم ماركس بقوله«ليس هناك يهودي تائه او يهودي متجول بل هناك يهودي متحول»‪،‬‬
‫لذلك ال تجد في المرويات حدوث اي عمل عسكري للسفياني في فلسطين‪ ،‬وان مسألة سيطرة‬
‫السفياني على فلسطين سيكون له الوقع الكبير على نفوس المسلمين باعتبار انه حقق لهم املهم‬
‫في تحرير فلسطين والمسجد االقصى وهو في نفس الوقت يفسر لنا تكالب الناس واندفاعهم‬
‫باالنظمام تحت راية السفياني في بالد الشام بل سيكون هذا االنتصار هو السبب الرئيسي لغزو‬
‫العراق والحجاز ففي الحجاز«مكة» تكون حركة اإلمام المهدي‪ ‬بداءت بالظهور بعد االنهيار‬
‫السياسي الكبير لحكومة الحجاز‪.‬‬

‫((( بشارة اإلسالم‪ /‬الحائري‬


‫‪194‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫عن اإلمام الصادق‪«‬وهذا الملعون يظهر الزهد قبل خروجه ويتقشف ويتقنع بخبز الشعير‬
‫والملح والجريش ويبذل االموال فيجلب قلوب الجهال واالراذل ثم يدّ عي الخالفة فيبايعونه‬
‫ويتبعهم العلماء الذين يكتمون الحق ويظهرون الباطل فيقولون‪ :‬انه خير اهل األرض»‬
‫وواضح من خالل الحديث انه سيتبنى مشروع «الخالفة» كزعامة سياسية ودينية موهماً‬
‫الناس بالعمل على اعادة امجاد اإلسالم وتحقيق الدولة الموحدة بالسيطرة على مكة باعتبارها‬
‫المركز الديني لكل المسلمين‪.‬‬
‫�������������‬ ‫‪195‬‬

‫�أ�سئلة واجوبة‬
‫هناك مقولة قديمة تقول «كرر الكذبة أربعين مرة تصبح حقيقة»‪ ،‬وهذه بالضبط هي القاعدة‬
‫ألتي أستند ولعب عليها كل ال ُمح ّرفين والمزورين وطامسوا الحقائق عبر التاريخ‪ ،‬فالعملية‬
‫باألساس ال تعتمد على أنتاج كذبة بل على إدامة زخم وجودها بالتكرار‪.‬‬
‫وتراكم المعلومات الكاذبة وتكرارها على مر األيام يولّد شعور جماعي باتجاه تصديقها‪،‬‬
‫حتى يأتي اليوم الذي يكون فيه محاولة تكذيب هذه األكاذيب هو بدعة ومخالفة للواضحات‪،‬‬
‫وال نريد أن نذكر شواهد واضحة لهذه الحالة عبر تاريخ األمم والشعوب فهي من الكثرة بمكان‪،‬‬
‫حتى ليُخيّل إلى قارئ التاريخ أن التاريخ هو عبارة عن مجموعة من األكاذيب التي أخذت قوتها‬
‫نتيج ًة لتقادم الزمن عليها وقد صدق من قال « ُر َ‬
‫ب مشهو ًر ال أصل له»‪.‬‬
‫وما يخصنا هنا هو ما حدث في تاريخنا اإلسالمي‪ ،‬وحسبنا أن نذكر مثل واضح لهذا األمر‬
‫في تاريخنا وهو قرار معاوية بن أبي سفيان بإصدار أمر عام على كافة األمصار اإلسالمية أثناء‬
‫فترة حكمه بسب اإلمام علي ‪ ‬على المنابر حتى أن الخطباء كانوا يبدؤون خطبهم بعبارتهم‬
‫المشهورة «خير ما نبدأ به خطبتنا هو شتم علياً وأوالده»‪ ،‬وعندما ُسئل معاوية عن سبب هذا‬
‫التصرف قال «أستمروا بشتم علياً حتى يشيب عليها الصغير ويهرم عليها الكبير»‪ ،‬وكما تالحظ‬
‫أن هذه العبارة تنطبق أنطباقاً واضحاً على المثل الذي أوردناه في بداية هذه السطور بتكرار هذا‬
‫األمر فما بالك أذا عرفت أن هذه الحالة لم يكررها معاوية أربعين مره بل كررها وأبواقه األعالمية‬
‫على مدى «‪ »91‬سنة وهي و فترة حكم بني أميه‪ ،‬وال تجد في الفكر السني من يُشير أو ينتقد‬
‫هذا األمر وكأنهم من طرف خفي يقولون «نحن موافقون‪......‬نحن مستمرون»‪.‬‬
‫وفي هذه الفقرة لن اناقش حوادث كاذبة أو شخصيات مختلقة‪ ،‬ولكن ساناقش أسئلة‬
‫كاذبة‪ ،‬وأسئلة غريبة طُرحت على مر التاريخ اإلسالمي من جهة معاندة‪ ،‬فكانت االجابات من‬
‫جهة الموحدين‪.‬‬
‫وهذا األمر ال يقتصر على التاريخ والحياة االجتماعية عند الناس‪ ،‬بل عانت منه حتى العلوم‬
‫التجريبية‪ ،‬فقد أجهد العلماء أنفسهم بالمحاولة للحصول على إجابات ألسئلة خاطئة‪ ،‬فمثالً‪:‬‬
‫الفكرة التي طرحت كسؤال في علم الفيزياء والكهرباء والميكانيكا وهي‪ :‬هل يمكن اختراع آلة‬
‫أو محرك يتحرك حركة أبدية بنفس الطاقة المتولدة منه‪ ،‬والبد أن هذا السؤال يذكرنا بالسؤال‬
‫‪196‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫القديم«هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة»(((‪.‬‬


‫وقد وصل األمر بمناقشة هذا السؤال أن احد العلماء عندما عجز عن اإلجابة طرح فكرة‬
‫غريبة بقوله«أن الطبيعة تتآمر علينا»‪ ،‬والحقيقة ليس هناك تأمر بل هناك سؤال بحاجة إلى جواب‪،‬‬
‫والجواب على هذا السؤال هو‪ :‬أن السؤال نفسه أساساً خاطئ‪،‬فإذا كان السؤال خاطئ انتفى‬
‫الجواب‬
‫ولنبدأ الكالم حول الجهات المسؤولة عن صياغة هذه األسئلة‪.‬‬
‫مما ال يخفى على بال أحد‪ ،‬أن كل الجهات المتصارعة فيما بينها فكرياً أو عقائدياً أو‬
‫حتى عسكرياً يقوم كل طرف باستخدام أسلحة في هذا الصراع طمعاً بالنصر‪ ،‬وان نوع السالح‬
‫ال ُمستخدم في هذه المعارك يكشف عن الخلفية األخالقية لمستخدم السالح‪ ،‬فإذا تقابل جيشان‬
‫لكل منهم أسلحة تقليدية أو حديثة معروفة ومستخدمة كالسيف والرمح أو الدروع والطائرات‪،‬‬‫ً‬
‫فهذه معركة نستطيع أن نقول عنها بأنها معركة شريفة أذا جاز التعبير‪ ،‬فعندما حاربت أمريكا‬
‫اليابان في الحرب العالمية الثانية كان لكال الطرفين أسلحة معروفة ومعلومة ولكن استخدام‬
‫أمريكا للسالح النووي بضرب منطقتين تعجان بالمدنيين راح ضحيتها أكثر من «‪ »200‬ألف‬
‫شخص لهو داللة على استخدام غير شريف للسالح‪ ،‬فخرجت المعركة من الطابع التقليدي‬
‫للصراع ودخلت في جانب الخساسة األخالقية‪.‬‬
‫أما جانب الخير فتجده دائماً يستخدم سالحاً شريفاً‪ ،‬ألن الخير يؤمن بأن للرجال شرف‬
‫وللمحارب شرف(((‪ ،‬لذلك تجد أن اإلمام علي ‪ ‬في معركة صفين قد سمح لجيوش خصمه‬
‫أن تشرب من الماء على الرغم من سيطرته عليه ألنه ‪ ‬يؤمن أن الماء ملك عام لكل الخالئق‬
‫وال يحق ألحد حتى عند المعركة من منع أعداءه منه‪ ،‬وهذا تصرف يدل على شرف اإلنسان‬
‫وشرف ال ُمحارب‪ ،‬ولكن هذه األمة قابلت أحسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ‬باألساءة‬
‫عندما حرمت الحسين ‪ ‬وأوالده و ذراري رسول اللَّه ‪ ‬وحتى األطفال من شربة ماء‪ ،‬فماتوا‬

‫((( «ومنذ بدء التاريخ المدون كانت «آلة الحركة الدائمة» األسطورية التي تدور لألبد من دون ضياع في الطاقة بمنزلة ألكاس‬
‫المقدسة للمخترعين والعلماء والمحتالين والفنانين المخادعين أيضا والنسخة األفضل منها عبارة عن آلة تخلق طاقة أكثر‬
‫مما تستهلك مثال المضخة اإللكترونية التي تخلق طاقة مجانية بال حدود» فيزياء المستحيل‪ /‬ميشو كاكو‪ -‬ترجمة د‪ .‬سعد‬
‫الدين خرفان ‪ -‬سلسلة عالم المعرفة ‪ -‬العدد ‪ - 2013/399‬الباب الثالث مستحيالت من الصنف الثالث‬
‫((( يعتقد الكثير من الناس أن مفهوم الشرف مرتبط فقط «باألنثى» لكن في الحقيقة هذا المفهوم جدا واسع ويشمل مواضيع‬
‫كثيرة من مواقف وسلوك وتصرفات لذلك ورد عن اإلمام الحسين‪ ‬قوله «شرف المؤمن صالته بالليل» فالشرف بهذا‬
‫المعنى هو سلوك أيماني مرتبط بعالقة جدا خاصة بين المؤمن وخالقه‪.‬‬
‫�������������‬ ‫‪197‬‬

‫عطشاً قبل أن يموتوا بالسيف‪،‬فهذا تصرف غير شريف بان يمنع جيش يزيد بن معاوية المؤلف‬
‫من «‪ »20‬ألف مقاتل‪ ،‬سبعون نفرا ً أو يزيدون من الماء في رمضاء كربالء‪.‬‬
‫أما في الجانب الفكري والعقائدي فال يخلو الصراع من استخدام هذه األسلحة غير‬
‫الشريفة‪ ،‬فعندما يتهمك الطرف األخر بما ليس فيك وعندما يُغ ّير المعلومة ويكذب ويزور لكي‬
‫يخدع االخرين فقد أستخدم سالحاً غير شريف‪ ،‬ومن ُجملة هذه األسلحة غير الشريفة هو‬
‫صياغة أسئلة ليس الهدف منها التفقه أو الفائدة بل الهدف منها التشويش وإثارة اللغط لحرف‬
‫موضوع معين عن وجهته‪ ،‬وقد قال أمير المؤمنين‪«‬سل تفقهاً وال تسل تعنتاً»‪.‬‬
‫ومن المالحظ أن هذا النوع من األسلحة له ميزات معينة وأهداف خاصة وله عاد ًة صفة‬
‫الذكاء ويرتكز على النقاط التالية ‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن يكون السؤال له صفة الدور‪ ،‬أي ان أوله مثل آخره ليصبح ليس له جواب لكي يظمن‬
‫صفة االستمرار«كما في السؤال المعروف هل البيضة من ألدجاجه أم ألدجاجه من البيضة»‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬يجب أن تكون اإلجابة على هذه األسئلة ذات صفة مزدوجة فإذا قلت «نعم» فالجواب‬
‫خاطئ وإذا قلت «ال» كان الجواب خاطئاً أيضاً‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬يجب أن يكون الهدف من اإلجابة على هذه األسئلة سوا ًء بـ «نعم» أم «ال» هو صياغة‬
‫عقيدة مشوشة تترتب على هذه اإلجابات‪.‬‬
‫أما الجهة المسؤولة عن أنتاج هكذا نوع من األسئلة فهي دائماً جهة تمثل قيادات أو رؤوس‬
‫متنفذه في أديان وملل كبيره‪ ،‬فمتابعة اولية لتاريخ اإلسالم بصورة عامة وخصوصاً في بدايات‬
‫حكم ابي بكر وعمر وعثمان وفترة خالفة أمير المؤمنين‪‬‬ ‫الرسالة المحمدية‪ ‬وبالذات فترة ُ‬
‫تالحظ أن هناك جهة ُمعينة مخصوصة وهي اليهود دائماً تسأل وجهه ُمعينة مخصوصة وهم أهل‬
‫البيت ‪ ‬دائماً تجيب‪.‬‬
‫وال يوجد في تاريخ البشرية منذ ظهوها إلى فنائها جهة تعرضت لسيل من االسئلة كما‬
‫تعرض له ائمة آل محمد‪ ،‬حتى ليُخيّل اليك ان حياتهم عبارة عن مجموعة اجوبة لمسائل‬
‫غيرهم‪ ،‬وهو الشعار الخالد الذي رفعه أمير المؤمنين‪ ‬بقوله «سلوني قبل ان تفقدوني»دليل‬
‫واضح على ذلك‪ ،‬وهذا حال القرآن ايضا الذي هو على الحقيقة في كل سوره وآياته عبارة عن‬
‫اجوبة لما سأله وسيسأله اإلنسان ولكن ال تبلغه عقول الرجال وال يعرف كل اجوبته إال من‬
‫قال «سلوني قبل ان تفقدوني» فكان هو وآل بيته المترجمين والشركاء الفعليين للقرآن وهما لن‬
‫‪198‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫يفترقان حتى يردى على رسول اللَّه‪ ‬على الحوض‪.‬‬


‫اما الجهة اليهودية التي دائماً تسأل فلهم دوافعهم بال شك باعتبار أنهم يعتقدون ويؤمنون‬
‫بأنهم شعب اللَّه المختار وهم المفضلون على أهل األرض وأن النبوة قد انحصرت في ولد‬
‫إسحاق بن إبراهيم ‪ ‬واستمرت في ذراري بني إسرائيل‪ ،‬ويعتقدون بعدم وجود نبوة أو رسالة‬
‫يمكن أن تخرج من غير هذا الخط النبوي‪ ،‬لذلك ناصبوا العداء للدين اإلسالمي منذ بداياته‬
‫األولى‪ ،‬وان خطورة هذه الملّة بالذات تأتي من كونهم أصحاب كتاب سماوي‪ ،‬وتاريخهم‬
‫حافل بعدد ال يستهان به من األنبياء‪ ،‬فهم يمتلكون من المعلومات الدينية والعقائدية ما ليس‬
‫لغيرهم‪ ،‬وهم بصورة عامة معروفين بتشددهم وكتمانهم لتعاليم عقيدتهم‪ ،‬حتى أن الفيلسوف‬
‫اليهودي «كار ماركس» صاحب النظرية االقتصادية المعروفة يقول «أبحث عن اليهودي في‬
‫دينه» ويقول«ليس هناك يهودي تائه أو يهودي متجول بل هناك يهودي متحول»‪ ،‬باإلضافة لما‬
‫تتمتع به رؤوس هذه الملّة ويشهد لهم التاريخ من ذكاء ودهاء وخيانة وتربص‪.‬‬
‫وإذا دققت في نوع األسئلة الموجهة من هذه الملّة تجدها ذات طابع ديني فيه معلومات‬
‫ال يستطيع اإلجابة عليها إال «الراسخون في العلم»‪ ،‬أما عامة الناس فال ترتقي معارفهم لإلجابة‬
‫على هكذا نوع من األسئلة‪ ،‬واليهود يعلمون بوجود جهة على درجة عالية من المعرفة في امة‬
‫اإلسالم وهم «أهل البيت ‪ »‬وحدهم من يستطيع اإلجابة على أسئلتهم ويكشف أالعيبهم‬
‫وال سيما إمام وقائد وسيد هذه المجموعة المباركة اإلمام علي بن ابي طالب ‪ ‬الذي ترك لنا‬
‫وللزمن عبارة مدوية ال زالت تصرخ في أذان األصدقاء واألعداء لم يقلها أح ٌد قبله وال ي ّدعيها‬
‫أح ٌد بعده‪ ،‬هذه العبارة التي هي بمثابة التحدي الواضح والتي تثبت كذب كل من أدعى العلم‬
‫والخالفة واإلمامة غيرهم ‪ ‬وهي قوله ‪«‬سلوني قبل أن تفقدوني»‪.‬‬
‫لهذا السبب بالذات اتخذت أسئلة اليهود منهجاً فيه الكثير من الدهاء ال ُمبطّن في صياغة‬
‫أسئلتها‪ ،‬فهي تعلم أمكانية الجهة األخرى التي سيقع على عاتقها اإلجابة‪،‬فقد صاغت أسئلتها‬
‫بطريقتين متغيرتين حسب الزمن الذي تتواجد فيه‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬زمن الرسول واألئمة صلوات اللَّه عليهم‬
‫وهي الفترة الزمنية التي تواجد بها رسول اللَّه‪ ‬وأهل بيته األئمة االثنا عشر المعصومين‬
‫عليهم صلوات اللَّه وسالمه والممتدة إلى ما يقارب سنة «‪ 250‬هـ» أي ابتداء الغيبة الصغرى‪،‬‬
‫وكانت نوعية األسئلة التي طرحت في هذه الفترة ليس القصد منها تشويش أو حرف موضوع‬
‫ُمعين ألنهم يعرفون أن هناك من يكشف أالعيبهم‪ ،‬بل من جملة أهدافهم الحصول على أجوبة‬
‫�������������‬ ‫‪199‬‬

‫خافية عنهم أنفسهم ولكنهم يصيغونها بطريقة يفهم منهم السامع أنهم يعرفون الجواب‪ ،‬وفي‬
‫الحقيقة ان بعض هذه األسئلة كان الجواب مجهول لهم أنفسهم‪ ،‬فتجدهم في حرج واضح‬
‫عندما تتم اإلجابة‪ ،‬لذلك تجد اإلمام علي ‪ ‬وأئمة أهل البيت ‪ ‬قد اتخذوا أسلوباً أخر‬
‫للكالم معهم وهو أن يضع السائل أمام اختيار وتحدي في نفس الوقت بأن يقول «‪ »‬لهم «هل‬
‫تسلمون إذا أجبتكم»‪ ،‬فيكون قد حاصرهم من اتجاهين‪.‬‬
‫‪ -1‬هو أنهم ال يعرفون الجواب وهم فعالً بحاجة اليه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن عدم رضاهم بشرط اإلمام هو ضعف في عقيدتهم نفسها‪ ،‬فلو رفضوا شرط اإلمام‬
‫ألثبتوا على أنفسهم حقاً كونهم غير واثقين بعقيدتهم وبما لديهم‪.‬‬
‫وهذا األسلوب الذي أتبعه اإلمام علي ‪ ‬مع هذه الفئة أشبه بأسلوب «التوريط» أذا جاز‬
‫التعبير‪ ،‬لذلك تراهم في أكثر من مناسبة ال يسألون اإلمام علي ‪ ‬مباشرةً‪ ،‬بل يسألون من‬
‫يعرفون أنهم ليسوا أهالً لإلجابة‪ ،‬وهم الثالثة الذين حكموا قبل اإلمام علي‪ ‬لكي يحققوا‬
‫عدة مأرب منها أثارة اللغط والتشويش حول هذه األسئلة‪،‬فهؤالء الحكام الثالثة ليس عندهم‬
‫جواب‪،‬فيثبتوا للمسلمين أنهم محكومين بمن ال علم له‪ ،‬ولكنهم في الحقيقة عندما أثبتوا عدم‬
‫كفاءة الثالثة فقد أثبتوا حقاً لإلمام ‪ ‬من حيث ال يدرون فوقعوا في شر أعمالهم‪.‬‬
‫وال نريد هنا أن نذكر أمثله لمثل هذه األسئلة في زمن الرسول ‪ ‬فهي معروفة لعامة‬
‫المسلمين ومنها أسئلتهم حول «الروح ‪ -‬اإلسراء والمعراج ‪ -‬ومعاجز األنبياء ‪-‬والوحي ‪-‬وذي‬
‫القرنين‪ ».....‬وغيرها الكثير(((‪ ،‬ولكن ما يهمنا هنا هو مجموعة من األسئلة التي وجهت لإلمام‬
‫علي ‪ ‬سنناقشها لغرابتها‪.‬‬
‫السؤال األول‪ :‬شيء ال يعلمه اللَّه‬
‫سأل يهودياً واحدا ممن حكم المسلمين سؤال فه ّم هذا الحاكم أن يبطش باليهودي الن‬
‫وجل «حاشاه»‪ ،‬لكن أنقذ الموقف أمير المؤمنين‬
‫ّ‬ ‫ظاهر سؤاله يوحي باالنتقاص من اللَّه ع ّز‬
‫اإلمام علي ‪.‬‬
‫سأل نصراني اإلمام علي ‪ ‬قال‪ :‬اخبرني ما هو الشيء الذي ليس لله‪ ،‬وليس عند اللَّه‪،‬‬
‫وال يعلمه اللَّه‪ .‬فقال أمير المؤمنين‪«‬ما ليس للَّه فان اللَّه تعالى ليس له صاحبة وال ولدا‪ ،‬واما‬

‫((( تجد جملة من هذه األسئلة واألجوبة في كتاب االحتجاج للطبرسي‪/‬ج‪ /1‬وهو الفصل الخاص باحتجاجات الرسول‬
‫األكرم‪ ‬على اليهود والنصارى والدهريه ومشركي العرب وقريش وهو من عيون األخبار في هذا الباب‪.‬‬
‫‪200‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫قولك وال من عند اللَّه فليس من اللَّه ظلم الحد‪ ،‬واما قولك ال يعلمه اللَّه فان اللَّه ال يعلم له‬
‫شريكا في الملك»(((‪.‬‬
‫واضح من خالل السؤال انه أُعد لكي ال تتم اإلجابة عليه‪ ،‬فما هو الشيء الذي ليس للَّه‬
‫وللَّه كل شيء‪ ،‬وما هو الشيء الذي ليس عند اللَّه واللَّه عنده كل شيء‪ ،‬وما هو الشيء الذي‬
‫ال يعلمه اللَّه وهو يعلم كل شيء‪ ،‬يا ترى كم تحتاج هذه األمة من وقت لكي تجيب على هكذا‬
‫نوع من األسئلة‪ ،‬ويا ترى ما هو حال المسلمين إذا لم يتم الجواب وا ّدعى هذا اليهودي انه يعرف‬
‫الجواب‪ ،‬ولكن اللَّه قد م ّن على هذه األمة بنعمة اإلمام علي ‪ ‬فليس هناك ما يعجزه‪.‬‬
‫فجزاك اللَّه يا أبا الحسن عن اإلسالم والمسلمين خير الجزاء‪ ،‬واللَّه لقد كنت شديد القوى‬
‫تقول فصالً وتحكم عدالً‪ ،‬واللَّه ستبقى رغم أنف األعداء حديث الدهر‪ ،‬وصدق من قال «واللَّه‬
‫لقد أتعبت بعدك»(((‪.‬‬
‫السؤال الثاني‪ :‬كلبا يطأ شاة‬
‫سأل اعرابياً اإلمام علي ‪ ‬فقال‪ :‬يا أبا الحسن رأيت كلباً وطئ شا ًة فاولده ولدا فما حكم‬
‫ذلك في الحل‪ ،‬فقال اإلمام‪«‬اعتبره في االكل‪ ،‬فان اكل لحما فهو كلب‪ ،‬وان رأيته ياكل علفا‬
‫فهو شاة»‪ ،‬فقال االعرابي‪ :‬وجدته تارة ياكل هذا‪ ،‬وتارة ياكل هذا‪ ،‬فقال اإلمام‪«‬اعتبره في‬

‫((( االحتجاج‪ /‬الطبرسي‪ 1:484 :‬ح‪ ،118‬البحار ‪ ،52:10‬عيون اخبار الرضا‪ ،1:141 ‬الفضائل ابن شاذان ‪ ،132‬امالي‬
‫الطوسي المجلس العاشر‪ 275 :‬ح ‪527‬‬
‫((( ال يصح تصور وجود شيء ال يتعلق به علم اللَّه‪ ،‬وال يمكن الحد ان يتصور وجود شيء ال يعلمه اللَّه‪ ،‬ومن هنا فالشريك‬
‫ممتنع المتناع تصوره لعدم وجود اثر له في الخارج والذهن كامتناع تصور العدم المحض‪ ،‬او الالشيء المحض‪ ،‬فلو كان‬
‫هناك شريك للَّه لظهرت اثاره‪ ،‬ولو كان العدم المحض موجود لكان الشريك موجود وهو ال ُمحال‪ ،‬فاللَّه قطعاّ ليس له‬
‫شريك‪ ،‬وبما ان اللَّه ال يُتصور في الوهم فوجود الشريك ايضا ال يتوهم وال يتصور وال يمكن وجوده‪ ،‬مع فارق ان اللَّه ال‬
‫يمكن تصوره ولكن له اثار يظهر بها‪ ،‬اما العدم المحض فهو ال يتصور وليس له اثار فال ظهور له‪ ،‬ومن هنا انتفى الشريك‬
‫الخارجي والذهني‪ ،‬فال يمكن تصور مفهومين ال يمكن تصورهما‪ ،‬فإذا كانت ذات اللَّه ال تتصور فال مفهوم يشترك معها‬
‫بهذا المعنى‪ ،‬فالذات وحدها ليس لها شريك‪ ،‬ومن هنا فلفظة «البسيط» التي يصف بها الفالسفة ذات اللَّه ويقصدون‬
‫بها عدم التركيب‪ ،‬هي عندي بمعنى انتفاء الشريك له سبحانه‪ ،‬فيكون كل شيء دونه ُمركّب وال ُمركّب يقتضي التشارك‬
‫لكي يظهر‪ ،‬ويبقى الذات وحده ال شريك له‪ ،‬ومن هنا نفهم شيء من كالم أمير المؤمنين ‪ ‬في وصف الذات البحت‬
‫بقوله «دليله آياته ووجوده اثباته»‪ ،‬فاثباته دليل على وجوده‪ ،‬وما ال يمكن اثباته ال وجود له‪ ،‬لذلك امتنع الشريك المتناع‬
‫االثبات‪ ،‬واللَّه ثبت وجوده باياته لقوله‪«‬دليله آياته»‪ ،‬اما الشريك او العدم المحض فال دليل له النه ليس له آيات فال‬
‫يمكن وجوده‪.‬‬
‫وعبارة «ال يعلم له شريكا» دالة بشكل واضح على استحالة وجود الشريك الن الشريك لو كان متعلق بعلم اللَّه لظهر‬
‫ومن هنا قال «ال يعلم» اي ال يمكن ان يكون في علم اللَّه ان له شريك‪.‬‬
‫�������������‬ ‫‪201‬‬

‫الشرب فان كرع فهو شاة‪ ،‬وان ولغ فهو كلب»‪ ،‬قال االعرابي وجدته يلغ مرة ويكرع اخرى‪ ،‬فقال‬
‫اإلمام‪«‬اعتبره في المشي مع الماشية‪ ،‬فان تاخر عنها فهو كلب‪ .‬وان تقدم او توسط فهو شاة»‪،‬‬
‫قال االعرابي‪ :‬وجدته مرة هكذا ومرة هكذا‪ ،‬فقال اإلمام‪«‬اعتبره في الجلوس‪ ،‬فان برك فهو‬
‫شاة‪ ،‬وان وجدت اقعى فهو كلب»‪ ،‬فقال االعرابي ان هذا مرة وهذا مرة‪ ،‬فقال اإلمام‪«‬اذبحه‬
‫فان وجدت له كرشا فهو شاة‪ ،‬وان وجدت له امعاء فهو كلب»(((‪.‬‬
‫أن أهمية هذا السؤال وهذا الجواب تكمن في اتجاهين‪ .‬األول‪ :‬هو إتجاه السؤال نفسه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬هو اتجاه الجواب‪.‬‬
‫فمن ناحية إتجاه السؤال فهو كما ترى على درجة عالية من الذكاء بل هو سؤال شخص‬
‫محترف‪ ،‬ألنه ببساطه سؤال «افتراضي»‪،‬فال يوجد في نظام الطبيعة حالة تجامع بين الكلب‬
‫والشاة ينتج عنها والدة لكائن أخر‪ ،‬وهنا قد يقول البعض أنه ربما تكون هذه الحالة فعالً موجودة‬
‫وحدثت كما قال االعرابي فلطالما كانت هناك قفزات وراثية أو جينية بين الكائنات أنتجت‬
‫هكذا مخلوقات‪.‬‬
‫وهذا الكالم غير صحيح ألن القفزات الوراثية والجينية تحدث في مخلوقات الصنف‬
‫الواحد‪ ،‬أي يمكن أن يتجامع حمار مع حصان إلنتاج البغل‪ ،‬أو يتجامع الكلب مع الذئب‬
‫أو الثعلب إلنتاج كائن يحمل صفات الكالب والذئاب والثعالب‪ ،‬أو يمكن في حاالت نادرة‬
‫تجامع أنواع معينة من صنف القطط كاألسد والنمر والكوجر‪ ،‬أما أن يتجامع نوعان من الكائنات‬
‫كل واحده تنتمي إلى نوع معين وصنف معين يختلف عن األخر كلياً في كل شيء وتكون لهذه‬
‫المجامعة نتيجة فهذا أمر غير وارد أصالً وال تقره قوانين الطبيعة والوراثة أيضاً‪ ،‬وإذا حدث فان‬
‫الناتج يكون ميتاً أصال وال تكتب له الحياة‪ ،‬وحتى لو سلّمنا من باب الفرض بوجود هكذا أمر‬
‫فلن يضر بالسؤال وال بالجواب كما سنبين‪.‬‬
‫أن صياغة هذا السؤال ذكية‪ ،‬ألنه كما ذكرت يعتمد على محور«األفتراض» الذي من الممكن‬
‫أن تتشعب منه عدة إجابات تؤدي إلى التناقض وهو مطلب صاحب السؤال‪ ،‬فاخترع السائل‬
‫كائناً ليس له وجود أصالً‪ ،‬فالسؤال وضع باألساس لغرض األعجاز‪ ،‬وخصوصاً انه سيوجه‬
‫لشخص أعلن مرارا ً وتكرارا ً مقولته المشهورة «سلوني قبل أن تفقدوني»‪ ،‬فصياغة هكذا سؤال‬

‫((( قضاء أمير المؤمنين ‪ 52 :‬الكشكول‪ .‬البحراني ‪ .111:3‬الحق المبين في قضاء أمير المؤمنين ‪ .‬ذبيح اللَّه محالتي‪:‬‬
‫‪193‬‬
‫‪202‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫افتراضي يضع صاحب الجواب في وضع ُمحرج‪ ،‬ولكن هيهات أن يعجز «باب مدينة العلم»(((‪.‬‬
‫لذلك فقد ضمن السائل أن عدم اإلجابة أو اإلجابة الخاطئة ستؤدي في كل األحوال إلى الهدف‬
‫الذي وضع من أجله السؤال وهو عدم اإلجابة عنه‪،‬ولكن السائل لم يحسبها بطريقة صحيحة‪،‬‬
‫ألنه ال يعلم أن الجواب سوف يُسقط السؤال نفسه‪.‬‬
‫والجانب األخر الذي يؤكد ذكاء السائل هو أنه قد ألزم صاحب الجواب بما ألزم به نفسه‬
‫عندما قال «سلوني قبل أن تفقدوني»‪،‬فعدم الجواب عن هذا السؤال األفتراضي هو سقوط لهذه‬
‫المقوله‪.‬‬
‫أما من ناحية إتجاه الجواب فأهميته ال تكمن باإلجابة فقط‪ ،‬بل بطريقة اإلجابة‪ ،‬فاإلمام‬
‫علي ‪ ‬قد أستخدم طريقة علمية منطقية في الجواب ألن هكذا إجابة يجب أن تكون متناسبة‬
‫مع هكذا سؤال «افتراضي»‪ ،‬فكانت عظمة اإلجابة كونها جاءت متدرجة وليس مباشرة‪ ،‬فلو‬
‫أجابه اإلمام‪ ‬بطريقة مباشرة وقال للسائل«اذبحه فان ودت له كرشا فهو شاة‪ ،‬وان وجدت له‬
‫امعاء فهو كلب»وهو أخر احتمال‪ ،‬لقال السائل أن هذا المخلوق مات منذ زمن ودفنته وهو أالن‬
‫ال يستطيع أن يقوم بعملية ذبحه واستخراج كرشه‪،‬فتبقى اإلجابة ُمعلّقه مما يستتبعها بقاء السؤال‬
‫نفسه على مر الزمن فما دام هذا المخلوق مات فقد مات الجواب معه‪.‬‬
‫لذلك أغلق اإلمام ‪ ‬هذا الباب أمام السائل بعدم ذكر الجواب مباشر ًة بل أدخله في‬
‫خانة «االحتماالت»‪ ،‬وهي الطريقة العلمية المعمول بها في كل العلوم التطبيقية وأشهرها علوم‬
‫الرياضيات‪ ،‬وذلك من خالل ذكر كافة االحتماالت المتعلقة بالموضوع ثم اسقاطها واحدا ً تلو‬
‫األخر ليثبت الحل النهائي‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ذكاء واضع السؤال إال انه لم ينتبه لهذا األمر‪ ،‬فقد وقع في هذا «المطب»‬
‫من أول إجابة عندما قال اإلمام ‪ ‬في بداية الجواب »«اعتبره في االكل‪ ،‬فان اكل لحما فهو‬
‫كلب‪ ،‬وان رأيته ياكل علفا فهو شاة»فبمجرد أن قال السائل «رأيته يفعل كذا وكذا» يكون قد سقط‬
‫االحتمال األول وسقط معه السائل أيضاً وهكذا تدريجياً لبقية أجزاء المسأله‪.‬‬
‫وبهذا يكون السائل قد أقر على نفسه بهذه االجوبة أن هذا المخلوق موجود وانه صاحبه‬
‫والحظه في كافة تفاصيل حياته ورصد حركاته وتابع تصرفاته وقد أصبح بحكم المعلوم من‬
‫حيث ال يدري انه أقر بوجود هذا المخلوق لديه حالياً‪ ،‬فكانت اإلجابة األخيرة كالصاعقة على‬

‫وعلي بابها»‬
‫ٌ‬ ‫((( قال رسول اللَّه ‪« ‬أنا مدينة العلم‬
‫�������������‬ ‫‪203‬‬

‫رأس السائل عندما قال له اإلمام ‪«‬اذبحه فان ودت له كرشا فهو شاة‪ ،‬وان وجدت له امعاء‬
‫فهو كلب»‪،‬فهذا األمر ليس فيه احتمال أن يكون له كرش وفي نفس الوقت ليس له كرش فال‬
‫يستطيع السائل أن يقول له «كذا وكذا» وفي الحالتين سوا ًء أكان له كرش أو لم يكن يكون قد تم‬
‫اإلجابة على السؤال‬
‫محال ليس بمحال‪:‬‬
‫فرض ال ُ‬
‫وهذا يقودنا لمناقشة بعض المقوالت السائدة في علم المنطق‪ ،‬اذ ربما كان منشئها من‬
‫سؤال خاطئ أو إجابة خاطئة ومنها مقولة أهل المنطق«فرض المحال ليس بمحال»‪.‬‬
‫أي بما معناه انك لو فرضت فرضاً ُمحاالً إلثبات أمر تريد أثباته فعملية فرض ال ُمحال بنفسها‬
‫ليست نافية ألصل الفرض‪ ،‬الن «فرض ال ُمحال ليس ب ُمحال»‪ .‬ونحن نرى أن هذه المقولة خاطئة‬
‫ألن أئمة الهدى من آل محمد‪ ‬عندما يسألهم البعض عن أمر ُمحال يقولون«ليس لل ُمحال‬
‫جواب»‪.‬‬
‫من سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد اللَّه الصادق‪ ‬في مسائل كثيرة‪ .‬قال‪:‬كيف يعبد اللَّه‬
‫الخلق ولم يروه؟‪ .‬قال‪«‬رأته القلوب بنور األيمان وأثبتته العقول بيقظتها أثبات العيان وأبصرته‬
‫األبصار بما رأته من ُحسن التركيب وأحكام التأليف ثم الرسل وآياتها والكتب و ُمحكماتها‬
‫واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته»‪ .‬قال الزنديق‪:‬أليس هو قادر أن يظهر لهم‬
‫حتى يروه فيعرفونه على اليقين؟‪ .‬قال‪«‬ليس لل ُمحال جواب»(((‪.‬‬
‫وكما تالحظ أن الزنديق عندما سأل حول أمكانية رؤية اللَّه من قبل الخلق أجابه اإلمام‪‬‬
‫كما في الحديث‪ ،‬ولكن الزنديق حاول أن يصرف الموضوع باتجاه أخر وهو«هل يمكن للخالق‬
‫أن يُري نفسه للمخلوق؟» ظناً منه أن اإلمام ‪ ‬سيجيبه «بنعم» أو «بال»‪ .‬فإذا أجاب «بال» أي ال‬
‫يمكن للَّه أن يُري نفسه للمخلوق فقد ح ّد القدرة كون أن هناك شيء ال يستطيع أن يفعله اللَّه‪،‬‬
‫وان أجاب«بنعم» فما الذي يمنعه من ذلك ويكون قد ناقض جوابه األول وسيؤدي ذلك إلى‬
‫خلل في الحكمة‪ ،‬وبالنتيجة يحصل التناقض مهما كان الجواب‪ .‬ولكن اإلمام‪ ‬قطع الطريق‬
‫على الزنديق بقوله«ليس للمحال جواب» أي أن سؤالك هو محال أصال وليس له جواب‪،.‬فإذا‬
‫كان السؤال خاطئ انتفى الجواب مباشرة‪.‬‬

‫((( االحتجاج ‪ /‬الطبرسي‪ /‬ج‪ / 2‬احتجاجات اإلمام الصادق‪ /‬ح‪ / 223‬ص ‪212‬‬
‫‪204‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫فلو كانت مقولة«فرض ال ُمحال ليس بمحال» صحيحة لصح سؤال الزنديق باعتباره يفرض‬
‫شيء ُمحال‪ ،‬وقد ورد عن اإلمام الرضا‪ ‬كلمة جامعة وكاملة في هذا المجال يجب أن يؤسس‬
‫عليها في علوم الفلسفة والكالم والحكميات وهي قوله ‪«‬ليس في ُمحال القول حجة وال في‬
‫المسألة عنه جواب وال في معناه للَّه تعظيم»(((‪.‬‬
‫وفقرات هذا الحديث كما افهم تعني التالي‪:‬‬
‫أوال‪«:‬ليس في ُمحال القول حجة» أي أن فرض ال ُمحال ألثبات شيء ليس بحجة‪.‬‬
‫ثانيا‪«:‬وال في المسألة عنه جواب» أي أن السؤال عن ال ُمحال ليس له جواب‪.‬‬
‫ثالثا‪« :‬وال في معناه للَّه تعظيم» أي أن المعنى الناتج من فرض ال ُمحال ليس فيه للَّه تعظيم‪.‬‬
‫الن كل شيء ُمحال تفرضه ليس له تصور في الذهن وال في الخارج ال تتعلق به القدرة‬
‫وال العلم‪ ،‬وكل شيء ليس بممكن ال يمكن للممكن ادراكه‪ ،‬الن كل شيء يدرك ما هو من‬
‫سنخ جنسه‪ ،‬لذلك ال يمكن الحد ان يفترض امكانية رؤية اللَّه النه يعتقد ان فرض ال ُمحال‬
‫ليس ب ُمحال‪ ،‬الن افتراض رؤية اللَّه خارج حدود الوهم والتصور في الذهن وفي الخارج‪ ،‬النها‬
‫خارج حدود امكانية البشر والعلم والتصور‪ ،‬فهي ُمحال من باب عدم القابلية في تصورها ذهنياً‬
‫وخارجياّ‪ ،‬والجله كان اللَّه ال شريك له حسب هذا التصور‪ ،‬الن استحالة تصور اللَّه يستتبعه‬
‫بالضرورة استحالة تصور الشريك‪،‬وإذا كان اللَّه ُمحال ان يُدرك‪ ،‬فهو محال ان يكون له شريك‬
‫ايضاً‪.‬‬
‫وقد الحظ بعض االذكياء ممن يعتقد بمقوالت المنطق ان هذه العبارة «فرض المحال‬
‫ليس بمحال» هي عبارة خاطئة‪ ،‬فحاول ان يزيل التناقض من خالل طرح عبارة اخرى مرادفة‬
‫لها وهي«الفرض المحال محال»‪ ،‬اي ان عبارة «فرض المحال ليس بمحال» صحيحة وعبارة‬
‫«الفرض المحال محال» هي الخاطئة‪ ،‬وبتأمل بسيط في العبارتين ستجدهما خاطئتين‪ ،‬والحق‬
‫ان كالم الصادقين ‪ ‬هو الصحيح «ليس في محال القول حجة»‬
‫فعبارة االمام ‪«‬ليس للمحال جواب» نفهم منها انه ليس كل االسئلة التي تطرح صحيحة‪،‬‬
‫فهناك اسئلة خاطئة ال جواب لها‪ ،‬وهذا االسلوب في اختيار االسئلة الخاطئة هو من االساليب‬
‫التي يتبعها الشيطان الظالل الناس‪،‬وحتى الملحدين يتبعون نفس الطريقة فهم دائما يوجهون‬
‫نفس السؤال للمتدين وهو«من خلق اللَّه»‪ ،‬والمتدين إذا حاول ان يجيب على هذا السؤال سيقع‬

‫((( عيون اخبار الرضا‪ /‬باب ‪ /11‬ح‪51‬‬


‫�������������‬ ‫‪205‬‬

‫في تناقضات كبيرة‪ ،‬والجواب هو «ان السؤال خاطئ»‪ ،‬النه ببساطة لو اني من باب الفرض اثبت‬
‫لك من الذي خلق اللَّه فستواجهني بنفس السؤال وهوان هذا االله الجديد الذي خلق اللَّه من‬
‫الذي خلقه‪ ،‬فالسؤال خاطئ النه يعتمد على الدور والدور عقالً باطل‪.‬‬
‫وال تتصور ان آل محمد‪ ‬دائماً يعلّقون الجواب على المحال‪ ،‬بل هو تعليق باسئلة خاصة‬
‫فقط‪ ،‬ودليل ذلك ان بعض االسئلة التي وجهت اليهم كانت جدا ً غريبة وربما البعض يصرفها‬
‫باتجاه ال ُمحال ولكنهم ‪ ‬اجابوا عليها ومنها سؤال الكلب والشاة السابق ولم يعلّقه اإلمام‬
‫علي‪ ‬على ال ُمحال واليك الحديث التالي‪.‬‬
‫سال معاوية بن ابي سفيان اإلمام الحسن بن علي عليهما السالم قال له‪ :‬يا ابا محمد‬
‫تزعمون انه «وال رطب وال يابس اال في كتاب مبين» فاين لحيتي ولحيتك من كتاب اللَّه؟‬
‫وكانت لحية اإلمام الحسن ‪ ‬مستديرة حسنة ولحية معاوية كوساء مشوهة‪ ،‬فاجابه اإلمام‬
‫الحسن ‪ ‬بقوله«اما لحيتي فقوله سبحانه«والبلد الطيب يخرج نباته بأذن ربه» فاما لحيتك فقوله‬
‫(((‬
‫سبحانه«والذي خبث ال يخرج اال نكدا»»‬
‫واإلمام الحسن‪ ‬هنا ال يقول لمعاوية ان ذلك ُمحال‪ ،‬اي ال يمكن استخراج هكذا امور‬
‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ْ َ ُّ ُ َ َّ ُ‬
‫ول ال ْم ِر مِن ُه ْم ل َعل َِم ُه‬ ‫ٰ‬
‫َّمن القرآن‪ ،‬بل اجابه باالستنباط لقوله تعالى﴿ولو ردوه إِل الرسو ِل ِإَول أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِين ي َ ْستنب ِ ُطون ُه مِنْ ُه ْم ۗ﴾(((‪ ،‬وهكذا اجابات تجدها كثيرة في سيرة آل محمد‪ ‬مع خصومهم‬ ‫ال‬
‫الذين يسأولون تعنتاً وليس تفقهاً‪.‬‬
‫فآل محمد‪ ‬ال يعلقون كل شيء على المحال‪ ،‬بل المحال يجري على امر خاص‪،‬‬
‫والمالحظ ان خصوم األئمة ‪ ‬يحاولون ايجاد اسئلة شيطانية لغرض احراج األئمة‪ ‬ولكن‬
‫األئمة ‪ ‬دائما يجيبون بشكل يسكت المقابل‪ ،‬فالمخالف بهذه االسئلة يبرز فضائل آل محمد‪‬‬
‫المخفية وعلمهم الواسع‪ ،‬وصدق رسول اللَّه‪ ‬عندما قال «ان اللَّه إذا اراد ان يظهر امرا سلط‬
‫عليه شرار خلقه»‬
‫طريقة عكس السؤال بسؤال‬
‫من جملة الطرق التي اتبعها ائمة آل محمد‪ ‬في الجواب هي طريقة عكس سؤال السائل‬
‫بجواب على شكل سؤال يجعل الخصم يتوقف مباشرة‬

‫((( االصول االصيلة‪ /‬ص ‪34‬‬


‫((( النساء‪83/‬‬
‫‪206‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫عن ابي حمزة قال‪ :‬سأل نافع بن األزرق أبا جعفر‪ ‬فقال‪ :‬اخبرني عن اللَّه متى كان؟‬
‫فقال‪«‬متى لم يكن حتى اخبرك متى كان سبحان من لم يزل وال يزال فردا صمدا لم يتخذ‬
‫(((‬
‫صاحبة وال ولدا»‬
‫عن عمر ابن الفرج الرخجي‪ ،‬قال‪ :‬قلت البي جعفر يعني الجواد‪ :‬ان شيعتك ت ّدعي أنك‬
‫تعلم كل ماء دجلة ووزنه‪ ،‬وكنا على شاطئ دجلة‪ .‬فقال‪ ‬لي«يقدر اللَّه على ان يفوض علم‬
‫ذلك إلى بعوضة من خلقه ام ال»؟‪ ،‬قلت‪ :‬نعم يقدر‪ .‬فقال‪«‬انا اكرم على اللَّه من بعوضة ومن‬
‫اكثر خلقه»(((‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬زمن الغيبة الكبرى‬

‫وهي الفترة الزمنية الممتدة بعد غيبة اإلمام الثاني عشر المهدي «عج» إلى يومنا هذا‪،‬‬
‫غياب شخص المعصوم‪ ‬هو نقطة أصبحت لصالح أعداء اللَّه‪ ،‬فال أحد يستطيع تحمل عبئ‬
‫اإلجابة على هكذا نوع من األسئلة‪ ،‬فالسؤال الكاذب إذا ظل بدون أجابه سوف تنطلي خدعته‬
‫على الناس ويحقق نتائجه سريعاً في التضليل والتحريف‪ ،‬وقد أثيرت في هذه الفترة كم كبير من‬
‫(((‬
‫األسئلة سنقتصر على سؤال واحد منها‪ ،‬وهو «هل يستطيع اللَّه أن يخلق إلهاً»‬
‫هناك صيغتان واضحتان للجواب‪ .‬أما أن تقول «نعم» يستطيع وبهذه الحالة يكون هناك‬
‫االهان وهذا يخالف صريح القرآن الكريم وعقيدة التوحيد‪ ،‬وإذا قلت «كال» فهذا معناه أنك‬
‫قد حددت قدرة اللَّه سبحانه بوجود شي ال يستطيع أن يفعله اللَّه‪ ،‬علماً أن هناك الكثير من‬
‫المرويات واألحاديث لإلمام علي ‪ ‬تحوي على أجابه ضمنيه لهذا السؤال‪.‬‬
‫فعندما قال أحد األشخاص في زمن «عمر بن الخطاب» مقولة غريبة وهي «أن لي في‬
‫األرض ما ليس للَّه في السماء» أراد عمر أن يبطش به لوال تدخل اإلمام علي ‪ ‬عندما قال ‪‬‬
‫«لقد أصاب الرجل ألنه له زوجه وأوالد واللَّه ليس له زوجه وال أوالد»‪ ،‬فاللَّه سبحانه قادر على‬
‫كل شيء ولكن في نفس الوقت قدرته هي حكمته فال نتصور وال يمكن أن نتصور أن هناك‬
‫أفعال ناتجة عن قدرة اللَّه ليست حكيمة‪ ،‬فعندما ال يكون للَّه زوجه وولدا ً تعالى ربنا علوا ً كبيرا ً‬
‫فأن القدرة والحكمة هي التي اقتضت هذا األمر وليس عدم القابلية‪.‬‬

‫((( الكافي‪ /‬كتاب التوحيد‪ /‬باب‪\28‬ح ح‪234‬‬


‫((( بحار األنوار‪100/50 :‬‬
‫((( لقد ناقش المرحوم العالمة«عالم سبيط النيلي» هذا السؤال في أحد مؤلفاته ووضع إجابة صحية له‬
‫�������������‬ ‫‪207‬‬

‫وبالنظر البتعاد هذه األمة عن المنبع األصيل للعلم والمعرفة وهم محمد وآل محمد ‪‬‬
‫فقد دخلت هذه األمة بصراع فكري طويل حول هذا السؤال وكل طرف من هذه األطراف طرف‬
‫الـ «نعم» وطرف الـ «ال» يأتي بادله وبراهين على صدق دعواه‪ ،‬وكما ترى أن هدف هذا السؤال‬
‫واضح ونتائجه واضحة‪ ،‬فقد تم تأسيس أفكار ورؤى فلسفيه وعقائدية على هذه اإلجابات‬
‫وبإمكانك أن تقدر حجم الفوضى الفكرية الناتجة عن هكذا نوع من األسئلة واإلجابات المترتبة‬
‫عليها‪ ،‬ولكن كما يقول المرحوم العالمة النيلي أن اإلجابة على هذا السؤال هي‪«:‬أن هذا السؤال‬
‫نفسه خاطئ» الن اللَّه لو خلق إل ًه أخر فهذا معناه أن االله «األخر» هو مخلوق وليس خالق‬
‫فتسقط عنه صفة االلوهية‪ ......‬وانتهى األمر‪.‬‬
‫وهناك سؤال أخر يترتب على أصل السؤال ربما أثير هنا وهناك بين الحين واألخر‬
‫وهو‪:‬عندما خلق اللَّه أول شيء البد وانه خلقه على تمام الصنع واالستقامة والكمال وهو الذي‬
‫تذكره أحاديث آل محمد‪ ‬وتسمية «نور النبي‪ »‬أو «المشيئة» لقول رسول اللَّه‪«‬أول‬
‫ما خلق اللَّه نور نبيك يا جابر ومنه خلق كل شيء»(((عن ابي عبد اللَّه‪«‬خلق اللَّه االشياء‬
‫بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها»(((‪ ،‬والذي يسميه الفالسفة بالصادر األول‪ ،‬فهو أول ظاهر بأول‬
‫وجل‪ .‬فيكون السؤال المترتب على هذا‬ ‫ظهور وهو مخلوق حادث وليس فوقه شيء إال اللَّه ع ّز ّ‬
‫الموضوع للتشكيك فيه هو«هل يستطيع اللَّه أن يخلق شيء أرقى وأكمل من الحقيقة المحمدية‬
‫عليه وعلى آله الصالة والسالم»؟‬
‫ربما هذا السؤال يقابل السؤال األقدم وهو«هل يستطيع اللَّه أن يخلق إله اخر»؟ فإذا قلت‬
‫ال يستطيع أن يخلق شيء أعظم وأكمل من الحقيقة المحمدية فقد حددت القدرة‪ ،‬وان قلت‬
‫يستطيع فلماذا لم يفعل ذلك وهكذا تتداخل األسئلة واالحتماالت للوصول إلى حالة شك‬
‫واضطراب كاملة‪.‬‬
‫وربما كان هذا السؤال يجول في خواطر الفالسفة والمتكلمين على مر التاريخ‪ ،‬والحق ان‬
‫اللَّه عندما خلق األشياء خلقها على ما هي عليه وليس على ما هو عليه‪ ،‬فلو خلقها على ما هو‬
‫َ‬
‫عليه ألصبحت هي هو‪ ،‬لذلك امتنع في الحكمة أن يفعل اللَّه كل ما هو قادر عليه﴿ َو َما ق َد ُروا‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫الل َح َّق ق ْدرِه ِ﴾(((‪.‬‬

‫((( بحار األنوار ‪ /‬ج‪ / 5‬ص‪/ 24‬ح‪43‬‬


‫((( اصول الكافي‪ /‬كتاب التوحيد‪ /‬باب ‪ /36‬ح ‪300‬‬
‫((( األنعام‪91/‬‬
‫‪208‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫اذن «القدرة والحكمة» موضوعان متالزمان في العمل والظهور فإذا فصلت أحداهما عن‬
‫األخر حصل التناقض وهي النتيجة التي تفرزها هكذا أسئلة‪ ،‬وإذا دمجتهما حصل التئالف‪،‬‬
‫فكل شيء بقدرة اللَّه ولكن حكمته تعمل حسب ما عليه األشياء حسب المصلحة وليس على‬
‫ما هو عليه‪.‬‬
‫نعم لو أن اللَّه عز وجل خلق الخلق وأعطاهم ما به قوامهم ورفع يده عن مدده للمخلوقات‬
‫لصح أن يُقال ان هناك إله اخر‪ ،‬ولكن الفيض لم ينقطع ويد اللَّه لم ترفع والخلق كلهم فقراء اليه‬
‫ولو انقطع فيضه طرفة عين النعدمت األشياء لذلك كانت رحمة نازلة متدفقة بدون انقطاع الن‬
‫الخلق قائم باللَّه قيام صدور وليس قيام استقالل فلو استقل الخلق النعدم‪ ،‬فعليه يكون الفيض‬
‫اق ۗ﴾(((‪.‬‬‫َ َّ َ‬ ‫َ ُ ْ َ َ ُ ََ‬ ‫َ‬
‫والمدد مستمر لقوله تعالى ﴿ما عِندكم ينفد ۖ وما عِند اللِ ب ٍ‬
‫فليس من الحكمة أن يفعل اللَّه كل ما هو قادر عليه الن األشياء من المخلوقات مهما علت‬
‫وترقت ال تستطيع ان تتحمل كامل القدرة وكامل العظمة‪ ،‬لذلك ورد حديث عن الرسول األعظم‬
‫عليه وعلى اله الصالة والسالم قوله «ما عرفناك حق معرفتك»‪.‬‬
‫وكذلك الحال مع الحقيقة المحمدية‪ ‬باعتبارها أول ما خلق اللَّه فليس من الحكمة أن‬
‫تظهر هذه الحقيقة كل قدرتها الن كل ما دونها ال يتحمل كمالها‪ ،‬لذلك قال اإلمام علي‪ ‬في‬
‫وصف عقل رسول اللَّه‪ ‬بقوله «ما تكلم رسول اللَّه مع احد بعقله كله» ألنه ال احد مؤهل‬
‫للكالم معه بكل عقل الحقيقة المحمدية‪ ،‬وكذلك الحال مع الحقيقة العلوية فال يستطيع احد أن‬
‫يبلغ غاية كمالها لذلك قال رسول اللَّه‪«‬يا علي ما عرف اللَّه إال أنا وأنت‪ ،‬وما عرفني إال اللَّه‬
‫وأنت‪ ،‬وما عرفك إال اللَّه وأنا»‪.‬‬
‫وجل ال يحتاج في عمله إلى التكرار وال‬ ‫هذا من جهة أما من الجهة األخرى فان الذات ع ّز ّ‬
‫يجري عليه بل التكرار هو فعل مخلوقاته وبما ان اللَّه خلق المشيئة وخلق األشياء بالمشيئة فيكون‬
‫التكرار من فعل المشيئة التي هي مخلوقة‪ ،‬فالذات «تمد» والمشيئة «تخلق» ولو كان التكرار‬
‫من فعل الذات ألصبح الذات حادثاً فالتكرار من صفات الحوادث لقول اإلمام الرضا‪«‬ال‬
‫َ َ‬
‫يجري عليه ما هو أجراه»(((‪ ،‬لذلك كان فعل اللَّه واحد ال يتكرر كما في قوله تعالى﴿ َو َما أ ْم ُرنا‬
‫َّ‬
‫إِل َواح َِدةٌ﴾(((‪ ،‬وما يحدث بعدها بالتكرار فهو من نتاج المخلوق‪.‬‬

‫((( النحل‪96/‬‬
‫((( عيون اخبار الرضا‬
‫((( القمر‪50 /‬‬
‫�������������‬ ‫‪209‬‬

‫وهكذا الحال بكل الرتب الوجودية فكل رتبة دنيا ال ترتقي لمعرفة الرتبة العليا بل تأخذ ما‬
‫يرشح منها وال تدركها بالكلية‪ ،‬فلو صح أن العوام يرتقون لمرتبة األنبياء لصح لألنبياء أن يرتقوا‬
‫إلى مرتبة الحقيقة المحمدية‪ ،‬ولصح للحقيقة المحمدية أن ترتقي إلى مستوى الواجب‪ ،‬وهذا‬
‫كله محال ألنه ال احد في الوجود يتجاوز مبدأه وكل شيء يدور في سنخ مادة وجوده وهو قوله‬
‫تعالى﴿ َو َما م َِّنا إ َّل َ ُل َم َق ٌ‬
‫ام َّم ْعلُ ٌ‬
‫وم﴾(((‪.‬‬ ‫ِ‬

‫((( الصافات‪164/‬‬

‫ولقد شاع في المسلك الصوفي اعتقاد ان اللَّه كتب على نفسه الرحمة‪ ،‬وبرحمته الواسعة التي وسعت كل شيء سيغفر إلبليس‬
‫في نهاية المطاف النه شيء‪ ،‬ومن هنا قالوا بعدم خلود اهل النار‪ ،‬وإذا قلت لهم ان اللَّه حكيم وعادل فالبد وانه يحاسب‬
‫الخلق ليعطي كل مخلوق حقه والرحمة هي للمقصرين وليس للملعونين‪ ،‬لقالوا لك ومن انت حتى تفرض على اللَّه مإذا‬
‫وجل«ولكن‬ ‫يفعل‪ ،‬والحقيقة السؤال نفسه موجه اليهم‪ ،‬من انتم حتى تقترحون على اللَّه ان يغفر إلبليس وهو القائل ع ّز ّ‬
‫حق القول مني ألمألن جهنم من الجنة والناس اجمعين»«السجدة‪ »13/‬وحسب فلسفتهم ان اللَّه لو اراد ان يدخل إبليس‬
‫لفعل النه قادر على كل شيء‪ ،‬نعم بال شك اللَّه قادر بالقدرة ولكنه عمل ممتنع بالحكمة‬

‫والحق ان هذا الكالم تاسست عليه فلسفة كاملة‪ ،‬فال تزال تجد عبر التاريخ من يدافع عن إبليس وعن افتراض نهايته السعيدة‬
‫بل البعض يعتبره سيد الموحدين ولكن علينا ان ال ننسى إذا كان اللَّه قادر فان قدرته مرتبطة بالحكمة وان هناك كثير من‬
‫الخلق يريد اللَّه ان يرحمهم النه رحيم اال ان قابلياتهم دائما ترفض الرحمة وقد امر اللَّه إبليس بالسجود كمظهر من‬
‫مظاهر الرحمة ورفض النه غير كامل االستعداد فيما سجد غيره‪ ،‬فاللَّه قادر اال ان إبليس نفسه غير مستعد‪ ،‬فليس الخلل‬
‫في الرحمة بل الخلل في القوابل نفسها‪ ،‬ولو تاملت في اصل السؤال لوجدته يفتح علينا ابواب السئلة عديدة يمكن ان‬
‫يسالها كل انسان إذا كان األمر بالشكل الذي يقول به المتصوفه‪ ،‬ومنها هل اللَّه قادر على ان يدخل األنبياء النار؟ هل اللَّه‬
‫قادر على ان يكذب؟ هل اللَّه قادر على ان يجعل لإلنسان الف يد وغيرها الكثير وقد قال عز من قال «فلو شاء اللَّه لهدى‬
‫الناس جميعا» لكنه لم يشأ النه خالف الحكمة‪.‬‬
‫‪210‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ت�أمالت �أولية في مو�ضوع بواطن القر�آن‬

‫النبي األكرم صلّى اللَّه عليه وآله أنّه قال «إنّ للقرآن ظهراً وبطناً‪ ،‬ولبطنه بطناً إلى سبعـة‬
‫ّ‬ ‫عن‬
‫أبطن» وفـي رواية «إلى سبعين بطناً» وفي أُخرى «سبعين ألف بطن»(((‪.‬‬
‫عن جابر قال‪ :‬سألت أبا جعفر‪ ‬عن شيء من تفسير القرآن فأجابني‪ ،‬ثم سألت ثانية‬
‫جعلت فداك كُنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل‬ ‫فأجابني بجواب آخر‪ ،‬فقلت‪ُ :‬‬
‫اليوم‪« ،‬فقال لي يا جابر ان للقرآن بطناً وللبطن بطن وظهراً وللظهر ظهراً‪ ،‬يا جابر وليس شيء‬
‫أبعد عن عقول الرجال من تفسير القرآن ان اآلية لتكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كالم‬
‫متصل ينصرف على وجوه»(((‪.‬‬
‫عن الفضيل بن يسار قال‪ :‬سألت أبا عبد اللَّه‪ ‬عن هذه الرواية‪ :‬مافي القرآن آية إال ولها‬
‫ظهر وبطن‪ ،‬وما فيه حرف إال وله حد‪ ،‬ولكل حد مطلع‪ ،‬ما يعني بقوله لها ظهر وبطن؟ قال‪:‬‬
‫«ظهره تنزيله وبطنه تأويله‪ ،‬منه ما مضى ومنه ما لم يجيء بعد‪ ،‬يجري كما تجري الشمس والقمر‬
‫ْ ْ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ ُ َّ َّ ُ َ َّ ُ َ‬
‫الراسِخون ِف العِل ِم﴾ نحن‬‫لكل ما جاء منه شيء وقع‪ ،‬قال اللَّه تعالى ﴿وما يعلم تأوِيله إِل الل ۗ و‬
‫(((‬
‫نعلمه»‬
‫ُسئل اإلمام الصادق ‪«‬ما بال القرآن ال يزداد عن النشر والدرس اال غضاضة»؟ قال ‪:‬‬
‫«ألن اللَّه لم يجعله لزمان دون زمان وال لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم‬
‫غض إلى يوم القيامة»(((‪.‬‬
‫َ ُّ َ‬
‫ِك ق ْو ٍم َها ٍد﴾‪« ،‬ان‬
‫عن عبد الرحيم القصير‪ ،‬عن أبي جعفر‪ ‬انه قال‪ :‬في قوله تعالى﴿ول ِ‬
‫القرآن حي ال يموت واآلية حية ال تموت فلو كانت اآلية إذا نزلت في االقوام وماتوا ماتت اآلية‬

‫إال ولها ظه ٌر وبطن‪،‬‬


‫سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله يقول‪« :‬ليس من القرآن آية ّ‬ ‫ُ‬ ‫((( عن اإلمام علي أمير المؤمنين ‪:‬‬
‫ُ‬
‫وما من حرف إالّ وله تأويل»‪ .‬وفي رواية أخرى‪« :‬وما منه حرف إالّ وله ح ٌّد ومطلع على ظهر القرآن وبطنه وتأويله «وعن‬
‫ولكل ح ّد مطلع»‪ .‬عن‬
‫ّ‬ ‫ولكل حرف حدّ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫«لكل آية ظهر وبطن‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اإلمام الحسن‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله‪:‬‬
‫الصادق‪ ‬قال‪« :‬ان للقرآن ظهر وبطن وللبطن بطن حتى سبعة ابطن»‪.‬‬
‫((( تفسير العياشي‪ /‬ج‪ /1‬ص ‪ /23‬ح‪8‬‬
‫((( تفسير العياشي ‪ /‬ج‪ /1‬ص‪ /22‬ح‪5‬‬
‫((( امالي الطوسي‪ ،850/‬بحار األنوار‪ ،38/2 :‬ميزان الحكمة‪3519 /3 :‬‬
‫������������������������������������‬ ‫‪211‬‬

‫لمات القرآن‪ ،‬ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين»‪ .‬وقال عبد الرحيم قال ابو‬
‫عبد اللَّه‪«‬ان القرآن حي لم يمت وانه يجري كما يجري الليل والنهار وكما تجري الشمس‬
‫(((‬
‫والقمر ويجري على اخرنا كما يجري على اولنا»‬
‫وأحاديث آل محمد ‪ ‬اوضحت بما ال يقبل الشك ان على المسلم ان يؤمن بظاهر القرآن‬
‫وباطنه وال يترك احدهما ويعتمد كلياً على اآلخر‪.‬‬
‫عن الهيثم بن عمروا التميمي‪ ،‬قال‪ :‬قال ابو عبد اللَّه‪« ‬يا هيثم التميمي ان قوماً آمنوا‬
‫بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم شيء‪ ،‬وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر‬
‫فلم ينفعهم ذلك شيء‪ ،‬وال ايمان ظاهر إال بباطن‪ ،‬وال باطن إال بظاهر»(((‪.‬‬
‫ج َرة أَقْ َل ٌم َو ْالَ ْ‬
‫ح ُر َي ُم ُّدهُ‬ ‫َ َ‬ ‫َْْ‬ ‫َ َ َّ‬
‫وهذه األحاديث كلها يُصدقها قوله تعالى﴿ َول ْو أن َما ِف الر ِض مِن ش ٍ‬
‫َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ ُ َّ َ َ ْ َ َ ُ َّ َّ َّ َ َ ٌ َ ٌ ﴾(((‪ ،‬وقوله ﴿قُل ل َّ ْو ك َ َن َالْ ْ‬
‫ح ُر‬ ‫مِن بع ِده ِ سبعة أب ٍر ما نفِدت ك ِمات اللِ ۗ إِن الل ع ِزيز حكِيم‬
‫ْ‬ ‫َ ّ ََ َ َْ ْ ُ َ َْ َ َ َ َ َ َ ُ ّ َ‬ ‫َ ً َّ‬
‫ات َر ِب َول ْو ِجئْ َنا ب ِ ِمثلِهِ َم َد ًدا﴾(((‪.‬‬ ‫مِدادا ل ِك َِم ِ‬
‫ات ر ِب ل ِفد الحر قبل أن تنفد ك ِم‬
‫وموضوع الباطن موضوع ُمشكل وليس بهين ويجب الولوج اليه برفق‪ ،‬فالفهم الخاطئ‬
‫للباطن يستوجب فهم خاطئ للعقيدة ومستقبل الدين‪ ،‬ويمكن القول بشكل اولي ان الباطن‬
‫هو أظهار معنى خفي للفظة‪ ،‬أو اآلية‪ ،‬او الموضوع‪ ،‬من خالل قرينة قرآنية‪ ،‬او روائية‪ ،‬او قرينة‬
‫عقلية ال يختلف عليها اثنان‪ ،‬ولهُ عدة مستويات وهدفهُ التبيين‪ ،‬فالباطن هو معرفة الدليل‪ ،‬والذي‬
‫يحصل على الدليل يحصل على الباطن‪.‬‬
‫وعملية االنتقال لفهم النص من ظاهره إلى باطنه عملية دقيقة جدا ً وبحاجة إلى ادوات‬
‫وفهم خاص‪ ،‬منها ان تكون معرفة الظاهر ُمقدمة على معرفة الباطن فال معرفة للباطن بدون فهم‬
‫الظاهر‪ ،‬ويجب ان تكون عملية االنتقال بشكل تدريجي وبدون قطع الصلة بين الظاهر والباطن‪،‬‬
‫فال بد من وجود جنس المالزمة بين الموضوعين‪ ،‬وهذه االنتقالة تحتاج إلى مشعر قلبي خاص‪،‬‬
‫وهذا المشعر إذا لم يكن موجود عند البعض تكون عملية توضيح واظهار الباطن لهم امر‬

‫((( تفسير العياشي‪/‬ج‪/2‬ص‪/218‬ح‪6‬‬


‫((( مختصر البصائر‪ /‬باب في نوار مختلفة‪ /‬ح ‪3/246‬‬
‫((( لقمان‪27 /‬‬
‫((( الكهف‪109 /‬‬

‫عن ابي عبد اللَّه‪ ‬في قوله«قل لو كان البحر مدادا ً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدد»‬
‫قال«قد اخبرتك ان كالم اللَّه ليس له اخر وال غاية وال ينقطع ابدا» تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /5‬ص ‪ /97‬ح ‪1‬‬
‫‪212‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ُمحال‪ ،‬لذلك ال يفهم من يتكلم بالباطن إال شخص مثلة يشترك معه في امتالك هذا المشعر‪.‬‬
‫والباطن ليس الغاء للظاهر بل هو نظرة اعمق للظاهر‪ ،‬وقد فهمت جملة من الفرق الباطنية‬
‫موضوع الباطن بشكل مغلوط اذ اعتبروا الباطن يلغي الظاهر‪ ،‬والحق ان الباطن يحمل معنى‬
‫التغيير اكثر من كونه الغاء‪ ،‬فانت عندما تعرف باطن امر من االمور يكون الفهم الناتج ان تفكيرك‬
‫ونظرتك قد تغيرت وليس معناه انك الغيت اصل الموضوع‪ ،‬ومن هنا حصل لبس عند البعض‬
‫في فهم الباطن النه يظن انه الغاء للظاهر‪.‬‬
‫وبما ان األحاديث تذكر ان للقرآن عدة بواطن فمن المنطقي ان يبحث اإلنسان عن الكيفية‬
‫او المائز الذي من خالله يمكن التمييز بين هذه البواطن‪ ،‬الن ايماننا بان لكل آية درجات يستتبع‬
‫وجود عدة طرق واليات للفهم‪ ،‬مما يجلنا في البداية نضع أمام انفسنا عدة اسئلة للتأمل منها‪«،‬هل‬
‫الباطن يلغي الظاهر؟»‪«،‬هل الباطن مختلف عن الظاهر؟»‪« ،‬هل الباطن عكس الظاهر؟»‪« ،‬هل‬
‫الباطن امتداد للظاهر؟»‪«،‬هل الباطن صورة اعمق للظاهر؟»‪ ،‬وهذه كلها ستقودنا لقول أمير‬
‫المؤمنين‪ ‬عن القرآن«ظاهره انيق وباطنه عميق»‪،‬‬
‫والبد من ذكر بعض األحاديث المباركة التي اظهرت بعض بواطن اآليات كمدخل مهم‬
‫للموضوع‪.‬‬
‫َ‬
‫ولِ إ َل انلَّ ِ َ ْ َ ْ َ ّ ْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ َ ٌ ّ َ َّ َ َ ُ‬
‫ب﴾‪.‬عن أبي عبد اللَّه‪‬‬
‫اس يوم ال ِج الك ِ‬ ‫في قوله تعالى ﴿وأذان مِن اللِ ورس ِ ِ‬
‫قال«يوم الحج االكبر يوم النحر‪ ،‬والحج االصغر العمرة»(((‪.‬‬
‫عن اإلمام جعفر بن محمد الصادق وعن اإلمام ابي جعفر عليهما السالم«في قول اللَّه‬
‫َ ْ َ َْ ّ ْ َ ْ‬
‫كَ‬ ‫ولِ إ َل انلَّ‬ ‫َ َ َ ٌ ّ َ َّ‬
‫اللِ َو َر ُ‬
‫ب﴾ قاال‪« :‬خروج القائم‪ ‬وأذان دعوته إلى‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫ال‬ ‫م‬‫و‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫اس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫﴿وأذان مِن‬
‫نفسه»(((‪.‬‬
‫عن عبد اللَّه بن سنان قال أتيت أبا عبد اللَّه‪ ‬فقلت له‪ُ :‬جعلت فداك ما معنى قول اللَّه‬
‫َََ‬ ‫ُ ْ ْ‬
‫عز وجل ﴿ث َّم لَق ُضوا تفث ُه ْم﴾((( قال«اخذ الشارب وقص االظفار وما اشبه ذلك» قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫َََ‬ ‫ْ ْ‬
‫جعلت فداك فان ذريحاً المحاربي حدثني عنك بحديث انك قلت ﴿لَق ُضوا تفث ُه ْم﴾ لقاء‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ ُْ ُ ُ ُ َ ُ‬
‫االمام‪﴿،‬ولوفوا نذورهم ﴾تلك المناسك؟ قال‪«‬صدق ذريح وصدقت‪ ،‬ان القرآن له ظاهر‬

‫((( تفسير العياشي‪ /‬ج‪ /2‬ص‪ /82‬ح‪16‬‬


‫((( تفسير العياشي‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪ /82‬ح‪15‬‬
‫((( الحج‪٢٩ /‬‬
‫������������������������������������‬ ‫‪213‬‬

‫وباطن ومن يحتمل ما يحتمل ذريح»(((‪.‬‬


‫ك َأ َّن َما أَ ْ‬
‫ََ ْ َ َْ َ َ َ‬
‫ح َيا‬ ‫وجل﴿ومن أحياها ف‬
‫عن فضيل بن يسار قال‪ :‬قلت البي عبد اللَّه‪ ‬قول اللَّه ع ّز ّ‬
‫ِيعا ۚ﴾(((‪ ،‬قال«من حرق او غرق»‪ ،‬قلت‪ :‬فمن اخرجها من ضالل إلى هدى؟ قال«ذلك‬ ‫اس َج ً‬‫انلَّ َ‬
‫تأويلها االعظم»(((‪.‬‬
‫واألحاديث اعاله ت ُعطينا باطن للنص‪ ،‬ولكن هل يستطيع احد ان يحدد ان هذا الباطن‬
‫هو األول ام الثاني ام الثالث‪ .....‬ام السابع؟ ومن هنا يترتب سؤال اخر‪ ،‬هل يوجد في االرث‬
‫الروائي آية ظهرت بواطنها السبعة؟‬
‫حسب تصوري يمكن فهم موضوع البواطن من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬ان النص دالة متعلقة بالزمن نفسه‪ ،‬وله صفة دورية في اظهار معانيه‪ ،‬ففي كل زمان له‬
‫وجه ومعنى وباطن‪ ،‬وهذا ما اكدته الروايات التي ذكرناها‪ ،‬قوله‪«‬يجري كما تجري الشمس‬
‫والقمر لكل ما جاء منه شيء وقع»‪ ،‬وقوله‪«‬فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم غض إلى‬
‫يوم القيامة»‪ ،‬وقد ورد «ان القرآن يفسره الزمن»‪.‬‬
‫‪ - 2‬يمكن ان يكون باطن النص دالة متعلقة بذات المتلقي نفسه والحال الذي يجري‬
‫عليه في كل مكان وزمان«اي متعلق بالحركة العرضية لإلنسان»‪ ،‬بمعنى ان اإلنسان إذا صفت‬
‫نفسه وارتقى روحياً يمكن ان يفهم من النص ما ال يفهمه غيره المشتركون معه في نفس الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬وبهذا يكون الباطن هنا موضوع ذاتي صرف خاص بحال هذا الشخص المترقي‬
‫وليس على الناس ان يؤمنوا به او ياخذوا به النه حال خاص وليس عام‪ ،‬فيمكن لإلنسان المترقي‬
‫ان يرى احوال البرزخ والحشر واالخرة ويفهم منها بواطن خاصة بالقرآن تتعلق بسلوكه ورحلته‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫‪ - 3‬يمكن ان يكون باطن النص متعلق بالحركة الكلية للموجودات«اي بالحركة الطولية‬
‫للموجودات»‪،‬فإذا كانت الحركة العرضية حركة ذاتية لإلنسان تنكشف فيها له البواطن لوحده‪،‬‬
‫فان هناك حركة كلية عامة للنظام طولية تشترك بها كل الخالئق‪ ،‬وكلما وصل النظام في حركته‬
‫إلى نقطة معينة ظهر فيها باطن معين يُبيّن ويشرح حال هذه النقطة وهذا الفهم سيشترك به الكل‬
‫بدون استثناء النه سيكون تكليفم في تلك النقطة من النظام‪ ،‬فاإلنسان المترقي بحركته العرضية‬

‫((( من ال يحضره الفقيه‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪ /290‬ح ‪1437‬‬


‫((( المائدة‪32 /‬‬
‫((( الكافي‪ /‬ج‪ /2‬ص‪ /168‬ح‪ 2‬كذلك تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج ‪ /2‬ص ‪ /438‬ح ‪4‬‬
‫‪214‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫يرى مثال احداث الظهور او اهوال القيامة وهي حالة ذاتية خاصة ال تستوجب اي تكليف‪ ،‬اما إذا‬
‫وصلت المخلوقات بحركة النظام الطولية القهرية إلى يوم الظهور او يوم القيامة فالبواطن التي‬
‫ستظهر ستكون هي عين تكليفهم والكل مشمولين بها‪ ،‬فالحركة العرضية حركة وجدان يستتبعها‬
‫فهم خاص‪ ،‬وحركة الطول حركة وجود يستتبعها فهم عام‪ ،‬واألول متعلق بالرحلة االختيارية‬
‫لإلنسان‪ ،‬والثاني متعلق بالرحلة القهرية للنظام‪ ،‬واقصد بالحركة القهرية للنظام هو وصول‬
‫اإلنسان إلى عوالم اخرى نتيجة حركة النظام نفسه‪ ،‬فمثال انا في الدنيا اعرف ظاهر النص وربما‬
‫شيء عن باطنه األول كما هو موجود في الروايات‪ ،‬فانا في الدنيا اعرف البرزخ وجداناً‪ ،‬ولكني‬
‫عندما اموت سيكون الموت هو حركة قهرية للنظام سأرى فيه قهرا ً باطناً جدي ًد‪ ،‬وسارى البرزخ‬
‫وجودا ً فاعرف الباطن الثاني او الثالث وهكذا كلما تحل في عالم يظهر لك باطن اي فهم جديد‬
‫متعلق بطبيعة العالم الذي تحل فيه‪ ،‬ومنطقيا وحكمياً على اإلنسان الذي يعرف الباطن الثالث‬
‫او الرابع ان ال يعمل به في الدنيا وال يامر االخرين بالعمل به‪ ،‬الن لكل باطن عالم خاص ال‬
‫يظهر اال بظهور ذلك العالم‪ ،‬ففي الدنيا تدرك البواطن وجداناً اما في رحلتك الكونية فستدركها‬
‫وجودا ً‪.‬‬
‫‪ - 4‬يمكن ان يكون باطن النص متعلق بطبيعة موقع الشخص من نفس الحدث او الفكرة‬
‫مقارنة بما عاشه اشخاص اخرون لنفس الحدث‪ ،‬مثال ذلك ان هناك معركة حدثت في مكان‬
‫معين في زمان معين‪ ،‬فيمكن لهذه القصة ان تروى لك بعدة صيغ وعدة تصورات حسب طبيعة‬
‫الشخص الناقل لها وعالقته بها كالتالي‪:‬‬
‫اوالً‪ :‬شخص يروى لنا المعركة وهو ُمشارك فيها كجندي اعتيادي يعرف من المعركة بمقدار‬
‫موقعه هو فقط‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬شخص يروي لنا المعركة وهو مشارك فيها كقائد يعرف حيثيات واسباب المعركة‬
‫والكثير من تفاصيلها المخفية‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬شخص يروي لنا المعركة بعد ان رأها وهو جالس على جبل ولم يشارك فيها‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬شخص يروي لنا المعركة بعد ان سمعها من شخص شارك في المعركة‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬شخص يروي لنا المعركة بعد ان قرأها في كتب التاريخ‪.‬‬
‫سادساً ‪:‬شخص يروي لنا الكثير من اسباب المعركة قبل وقوعها ولكننا بعد ان سمعنا نتائج‬
‫المعركة عرفنا اهمية كالمه‪.‬‬
‫������������������������������������‬ ‫‪215‬‬

‫سابعاً‪:‬شخص يروي لنا الكثير من نتائج وتداعيات المعركة بعد وقوعها وبالجمع بينها وبين‬
‫اسباب المعركة نفهم الكثير من حيثيات المعركة‪.‬‬
‫وهكذا يمكن ان تكون لهذه المعركة عدة روايات تختلف من جهة االجمال والتفصيل‬
‫والسرد والعمق حسب طبيعة االشخاص المشاركين او الراوين‪ ،‬فإذا انكشف الباطن الثاني او‬
‫الثالث لعدة اشخاص فال تتصور انهم كلهم سينقلون اليك نفس المعنى وان كان الحدث واحد‪،‬‬
‫لذلك ترى الكثير ممن تحدث لهم ُمكاشفات عن عالم البرزخ يختلفون في ذكر تفاصيله‪،‬فلكل‬
‫شخص قصته الخاصه وحسب ما يفهم وربما يختلف عن غيره في فهم الكثير من التفاصيل‪،‬‬
‫الن عالم البرزخ مثل قصة المعركة كل شخص سيرويها حسب موقعه‪ ،‬وعالم البرزخ واسع وله‬
‫جهات عديدة وكل يروي من جهته‪.‬‬
‫‪ - 5‬عن اإلمام ابي عبد اللَّه ‪ ‬انه قال«ال يكون شيء في األرض وال في السماء إال بهذه‬
‫الخصال السبعة‪ ،‬بمشيئة‪ ،‬وارادة‪ ،‬وقدر‪ ،‬وقضاء‪ ،‬وأذن‪ ،‬وكتاب‪ ،‬وأجل‪ ،‬فمن زعم على انه يقدر‬
‫(((‬
‫على نقض واحدة فقد كفر»‬
‫هذا الحديث ال ُمبارك يبين لنا خط سير نزول األمر االلهي من المشيئة إلى االجل في سبعة‬
‫مراحل‪ ،‬ومنه يمكن ان نستشف ان كل مرحلة تمثل باطن من بواطن القرآن الكريم حسب‬
‫تعلقها بسير األمر حسب هذه المراتب السبعة‪ ،‬من «المشيئة إلى االرادة إلى القدر إلى القضاء‬
‫إلى االمضاء إلى االجل إلى الكتاب»‪ ،‬فكل مرحلة من مراحل األمر هو باطن من بواطن القرآن‪،‬‬
‫فإذا عرفت معنى األمر في مرحلة الكتاب تكون قد عرفت الباطن األول‪.‬‬
‫وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة االجل تكون قد عرفت الباطن الثاني‪.‬‬
‫وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة االمضاء تكون قد عرفت الباطن الثالث«وهو ما يجري‬
‫في ليلة القدر»‪.‬‬
‫وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة القضاء تكون عرفت الباطن الرابع‬
‫وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة القدر تكون عرفت الباطن الخامس‬
‫وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة االرادة تكون عرفت الباطن السادس‬
‫وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة المشيئة تكون عرفت الباطن السابع‬
‫‪ - 6‬هناك تسلسل شائع عن الحكماء والفالسفة يتعلق بتسلسل المقامات الوجودية السبعة‬
‫لالشياء وهي تنازلياً كالتالي مقام «العقل‪ ،‬الروح‪ ،‬النفس‪ ،‬الطبيعة‪ ،‬المادة‪ ،‬المثال‪ ،‬الجسم»‪،‬‬

‫((( اصول الكافي‪/‬كتاب التوحيد‪/‬باب‪/47‬ح‪380‬‬


‫‪216‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫واإلنسان سائر في هذه المقامات السبعة الكلية وحسب استعداده‪.‬‬


‫فمن كان في مقام الجسم فيفهم من النص باطنه األول «المعنى الجسمي»‬
‫ومن كان في مقام المثال فيفهم من النص باطنه الثاني«المعنى المثالي»‬
‫ومن كان في مقام المادة فيفهم من النص باطنه الثالث«المعنى المادي»‬
‫ومن كان في مقام الطبيعة فيفهم من النص باطنه الرابع«المعنى الطبيعي»‬
‫ومن كان في مقام النفس فيفهم من النص باطنه الخامس«المعنى النفسي»‬
‫ومن كان في مقام الروح فيفهم من النص باطنه السادس«المعنى الروحي»‬
‫ومن كان في مقام العقل فيفهم من النص باطنه السابع «المعنى العقلي»‬
‫وبالتالي فان كل من عرف الباطن السابع فهو كائن عقلي‪ ،‬ومن عرف الباطن السادس هو‬
‫كائن روحي‪ ،‬ومن عرف الباطن الخامس هو كائن نفسي وهكذا‬
‫باطن من بواطن القرآن‬ ‫‪ - 7‬بما ان السماوات سبعة فيمكن القول ان اهل كل سماء يعيشون‬
‫َ َ ْ َْ‬
‫ْ َ ُ َّ َ َ َ َّ ُ‬ ‫َ ََ َ َْ َ َ َ‬ ‫َّ ُ َّ‬
‫ات ومِن الر ِض مِثلهن يتنل‬ ‫ويتنعمون به ويفهمونه وهو تكليفهم﴿الل الِي خلق سبع سماو ٍ‬ ‫َْ‬
‫ْ ُ َ ْ َ ُ َّ (((‬
‫المر بينهن﴾‬
‫فاهل السماء األولى تكليفهم متعلق بفهمهم للباطن األول‬
‫واهل السماء الثانية تكليفهم متعلق بفهمهم للباطن الثاني‬
‫واهل السماء الثالثة تكليفهم متعلق بفهمهم للباطن الثالث‬
‫واهل السماء الرابعة تكليفهم متعلق بفهمهم للباطن الرابع‬
‫واهل السماء الخامسة تكليفهم متعلق بفهمهم للباطن الخامس‬
‫واهل السماء السادسة تكليفهم متعلق بفهمهم للباطن السادس‬
‫واهل السماء السابعة تكليفهم متعلق بفهمهم للباطن السابع‬
‫وعلما يبدوا ان اهل كل سماء ال يعرفون إال مستوى باطنهم المتعلق به تكليفهم ونعيمهم‬
‫ويدركون باطنهم وجودا ً وما فوقهم وجداناً‪ ،‬ومن هنا ورد في األحاديث عن اهل جابلسا وجابلقا‬
‫خلق آدم ام ال‪ ،‬وهذه قاعدة عامة يجب ان نعمل عليها في الدنيا ايضا بأن نسعى‬ ‫انهم ال يدرون ُ‬
‫الدراك والتعلم ممن هم فوقنا‪ ،‬ونستغفر ونرحم من هم دوننا وقد قال الصادق‪«‬ان شيعتنا‬

‫((( الطالق‪12/‬‬
‫������������������������������������‬ ‫‪217‬‬

‫مراتب مرقاة بعده مرقاة فال تُسقّط من هو دونك ف ُيسقّطك الذي هو فوقك»‪ ،‬وعملية انكشاف‬
‫الباطن بشكل ُمفاجئ تؤدي إلى ُرعب واظطراب وربما إلى كفر‪ ،‬كما قال اإلمام الصادق‪ ‬عن‬
‫وجل كما علمناهم وان فيما نعلمهم ما لو تُلي على‬
‫اهل جابلسا وجابلقا «يتلون كتاب اللَّه ع ّز ّ‬
‫الناس لكفروا به وال نكروه»‪ ،‬لذلك وجب التسلسل في الوصول‪ ،‬والطفرة في الوجود باطلة‪.‬‬
‫‪ - 8‬يمكن ان يكون باطن القرآن ُمتعلق بطبيعة ظهورات اثار الفعل في المراتب الوجودية‪،‬‬
‫َ ٌ (((‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ َ َّ‬
‫فامر اللَّه واحد ﴿وما أمرنا إِل واحِدة﴾ ‪ ،‬ولكن هذا األمر ياخذ صور متعددة حسب طبيعة‬
‫العالم الذي يظهر فيه‪ ،‬فمثال إذا نظرت إلى شخص يكتب شيء بالقلم على ورقة في كتاب‬
‫فيمكن ان تفهم من ُمجمل هذا الفعل االمور التالية‪:‬‬
‫اوالً‪ :‬مرة تنظر إلى الكتاب كون فيه استقر الفعل وهو قت ظهور األمر في الواقع‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ومرة تنظر للكلمات على ورقة الكتاب لتفهم معنى ما كتبه الكاتب وهو وقت األمر‬
‫نفسه‪.‬‬
‫ثالثاُ‪ :‬ومرة تنظر للكلمات لترى براعة خط الكاتب وهو وقت ظهور األمر مشروح االسباب‬
‫مفصل العلل‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬ومرة تنظر لرشاقة وجمال حركة القلم على الورقة وهو اثر فعل الكاتب‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬ومرة تنظر لحركة يد الكاتب وظهور الحرف وهو مقام تقدير الحرف‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬ومرة تنظر لشخص الكاتب كونه الفاعل ومظهر االرادة واول التفصيل‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬ومرة تنظر لذات الكاتب كونه الفاعل ومصدر المشيئة ومقام االجمال‪.‬‬
‫الفاعل‬ ‫ذات الكاتب‬ ‫مداد‬ ‫مشيئة‬ ‫الباطن ‪7‬‬
‫الفعل‬ ‫شخص الكاتب‬ ‫قلم‬ ‫ارادة‬ ‫الباطن ‪6‬‬
‫القدرة‬ ‫يد الكاتب‬ ‫حروف‬ ‫قدر‬ ‫الباطن ‪5‬‬
‫المنفعل‬ ‫اثر فعل الكاتب‬ ‫لوح‬ ‫قضاء‬ ‫الباطن ‪4‬‬
‫جهوزية‬ ‫ظهور االمر‬ ‫كلمة‬ ‫امضاء‬ ‫الباطن ‪3‬‬
‫استحقاق‬ ‫وقت االمر‬ ‫آية‬ ‫اجل‬ ‫الباطن ‪2‬‬
‫تحقق‬ ‫تنفيذ االمر‬ ‫كتاب‬ ‫كتاب‬ ‫الباطن ‪1‬‬
‫وبالجمع بين كل هذه المفاهيم يمكن ان نرسم المخطط التالي‬

‫((( القمر‪50/‬‬
‫‪218‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الفاعل‬ ‫ذات الكاتب‬ ‫مداد‬ ‫عقل‬ ‫مشيئة‬ ‫السماء‪7‬‬ ‫الباطن ‪7‬‬


‫شخص الكاتب الفعل‬ ‫قلم‬ ‫روح‬ ‫ارادة‬ ‫السماء‪6‬‬ ‫الباطن‪6‬‬
‫القدرة‬ ‫يد الكاتب‬ ‫حروف‬ ‫نفس‬ ‫قدر‬ ‫السماء‪5‬‬ ‫الباطن‪5‬‬
‫اثر فعل الكاتب المنفعل‬ ‫لوح‬ ‫طبيعة‬ ‫قضاء‬ ‫السماء‪4‬‬ ‫الباطن‪4‬‬
‫جهوزية‬ ‫ظهور االمر‬ ‫كلمة‬ ‫مادة‬ ‫امضاء‬ ‫السماء‪3‬‬ ‫الباطن‪3‬‬
‫استحقاق‬ ‫وقت االمر‬ ‫آية‬ ‫مثال‬ ‫اجل‬ ‫السماء‪2‬‬ ‫الباطن‪2‬‬
‫تحقق‬ ‫تنفيذ االمر‬ ‫كتاب‬ ‫جسم‬ ‫كتاب‬ ‫السماء‪1‬‬ ‫الباطن‪1‬‬

‫ومن هنا نستطيع ان نفهم لماذا تختلف احوال الناس وايمانهم وعباداتهم وتوحيدهم‬
‫ومعرفتهم النهم مراتب‪.‬‬
‫فمن كان يعيش او يستشعر الباطن السابع فمقامه مقام العقل‪ ،‬فتوحيده عقلي‪ ،‬وعبادته‬
‫عقلية‪ ،‬وايمانه عقلي‪ ،‬وهم يفهمون مقام االجمال وجهة المشيئة‪،‬وهم رواق مدينة العلم‪،‬‬
‫والشرفاء الذين سجدوا آلدم‪ ‬والمعنيين بعبارة الزيارة الجامعة«طأطأ كل شريف لشرفكم»‪،‬‬
‫وهم أصحاب أمير المؤمنين‪ ‬حقا‪ ،‬وقد قالوا ‪« ‬سلمان م ّنا أهل البيت» واين الكالم من هذا‬
‫المقام‪.‬‬
‫ومن كان يعيش او يستشعر الباطن السادس فمقامه مقام الروح‪ ،‬فتوحيدة روحي‪ ،‬وعبادته‬
‫روحية‪ ،‬وايمانه روحي‪ ،‬وهم يفهمون اول مقام التفصيل‪ ،‬وجهة االرادة‪ ،‬ومقام الفعل‪ ،‬وهم‬
‫الواقفون على باب مدينة العلم والالئذون بجنابه آالفخم ومقامه ال ُمعظّم‪ ،‬وهم المرابطون في‬
‫الثغر الذي يلي إبليس(((‪ ،‬وهم الذين سيصمدون حينما يقرأ القائم‪ ‬ذلك الكتاب المختوم‬
‫بخاتم السيد االكبر‪.‬‬
‫ومن كان يعيش او يستشعر الباطن الخامس فمقامه مقام النفس‪ ،‬ومعرفة الرب «من عرف‬
‫نفسه عرف ربه»‪ ،‬فكان توحيده نفسي‪ ،‬وعبادته نفسية‪ ،‬وايمانه نفسي‪ ،‬وهو متوجه إلى جهة‬
‫القدرة ومقام «كلتا يديه يمين»‪ ،‬وهم المرابطون والماسكين بازمة قلوب الشيعة كما يمسك‬
‫الربان بسكّان السفينة(((‪.‬‬

‫((( اإلمام الصادق‪«‬علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته يمنعونهم من الخروج على ضعفاء شيعتنا‬
‫وعن ان يسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب‪ »...‬تفسير اإلمام الحسن العسكري‪ ‬كذلك االحتجاج للطبرسي‪،8/1‬‬
‫((( عن اإلمام علي بن محمد الهادي‪«‬لوال من يبقى بعد غيبة قائمكم ‪ ‬من العلماء الداعين اليه والدالين عليه والذابين‬
‫عن دينه بحجج اللَّه والمنقذين لضعفاء عباد اللَّه من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي احد اال ارتد عن‬
‫������������������������������������‬ ‫‪219‬‬

‫ومن كان يعيش او يستشعر الباطن الرابع فمقامه مقام الطبيعة‪ ،‬وهو الذي اعتدل مزاجه‪،‬‬
‫وصفت طبائعه‪ ،‬فكان مثل اللوح يظهر فيه اثر فعل الكاتب‪ ،‬فكان في مقام المنفعل وهو‬
‫مقام«اطعني تكن مثلي» فكانت عبادته وتوحيده وايمانه انعكاس لنور الكاتب‪ ،‬وهم القرى‬
‫الظاهرة التي هي انعكاس النوار القرى التي باركنا فيها(((‪.‬‬
‫اما من كان يعيش او يستشعر الباطن الثالث فهو الذي عرف مفصوله من موصوله النه‬
‫ت‬‫الواقف في عالم الذر وارض المحشر‪ ،‬وعرف سر كلمة «بلى» عندما جائهم األمر ﴿ َأل َ ْس ُ‬
‫َّ ُ َ ُ َ‬
‫ك ْم ۖ قالوا بَ ٰل ۛ﴾ وهم الواصلين إلى ذلك العالم الذي يرون الرب فيه ُمعاينة‪ ،‬وهم الذين بهم‬‫بِرب ِ‬
‫تمطرون وبهم ترزقون(((‪.‬‬
‫اما من كان يعيش او يستشعر الباطن الثاني فهم العلماء الفقهاء ممن روى االخبار وجاس‬
‫خالل الديار‪،‬وهم السياحون في األرض الحرام الذين ال يقر لهم قرار‪ ،‬وهم عموم الراجعين‬
‫ممن محض اإليمان محضا والذي يسميهم الحديث الشيعة الكاملين(((‪.‬‬

‫دين اللَّه ولكنهم الذين يمسكون ازمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها اولئك آالفضلون عند اللَّه»‬
‫تفسير اإلمام الحسن العسكري كذلك االحتجاج للطبرسي كذلك بحار األنوار ج‪ 2‬ص ‪6‬‬
‫((( قوله تعالى﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما امنين﴾‬
‫النور‪ ،35 /‬عن اإلمام الحجة ‪ ‬قال‪« :‬فنحن واللَّه القرى التي بارك اللَّه فيها وانتم القرى الظاهرة» تفسير البرهان‪ /‬ج‪ /6‬ص‬
‫‪ /332‬ح ‪5‬‬

‫((( عن أمير المؤمنين‪ ‬علي بن ابي طالب‪ ‬قال«خلقت األرض لسبعة بهم يرزقون وبهم ينصرون وبهم يمطرون عبد‬
‫اللَّه بن مسعود‪ ،‬وابو ذر‪ ،‬وعمار بن ياسر‪ ،‬وسلمان الفارسي‪ ،‬والمقداد بن االسود‪ ،‬وحذيفة‪ ،‬وانا امامهم السابع‪ ،‬قال‬
‫تعالى«واما بنعمة ربك فحدث» هؤالء الذين صلوا على فاطمة الزهراء» تفسير فرات ‪ :570‬ح‪ 732‬كذلك بحار األنوار‬
‫‪ 345 :22‬ح‪57‬‬
‫يقول الحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي«قال الصدوق‪ :‬خلقت األرض لسبعة نفر ليس يعني من ابتدائها إلى انتهائها‬
‫وانما يعني بذلك ان الفائدة في األرض قدرت في ذلك الوقت لمن شهد الصالة على فاطمة عليها السالم وهذا خلق تقدير ال‬
‫خلق تكوين» نفس الرحمان في فضائل سلمان‪/‬الباب العاشر‪ /‬ص ‪397‬‬

‫((( عن أمير المؤمنين‪ ‬قال«ولو لم يكن في األرض مؤمنين كاملين إذا لرفعنا اللَّه اليه» االصول الستة عشر ‪ 127‬ح‪20‬‬
‫كذلك بحار األنوار ‪ 350 : 64:‬ح ‪54‬عن ابي عبد اللَّه‪ ‬من حديث طويل «ولو لم يكن في األرض مؤمنين كاملين إذا‬
‫لرفعنا اللَّه اليه وانكرتموا األرض وانكرتموا السماء بل والذي نفسي بيده ان في األرض في اطرافها مؤمنين ما قدر الدنيا‬
‫كلها عندهم يعدل جناح بعوضة » الكتاب المبين‪ /‬محمد خان الكرماني‪ /‬ج‪ /3‬باب ‪ /1252‬ح‪ /2‬ص ‪190‬‬
‫‪220‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫اما من كان يعيش او يستشعر الباطن األول فهم عموم اهل المكاشفات واول غبار الطريق‪.‬‬
‫بقي هنا شيء اذ ربما يسأل البعض ويقول ان األحاديث تذكر ان للقرآن «سبعين او سبعمائة‬
‫او سبعة آالف بطن» فيما تقتصر هنا على شرح وبيان بواطن سبعة فقط؟‬
‫الذي يجول في خاطري القاصر تصورين لهذا السؤال‪:‬‬
‫التصور األول‪ :‬ان حركة البواطن من األول إلى السابع حركة طولية‪ ،‬اما حركة البواطن من‬
‫«سبعين إلى سبعمائة إلى سبعة آالف» فهي حركة عرضية‪ ،‬بمعنى ان الباطن األول فيه عشرة‬
‫اوجه عرضيه وهكذا إلى السابع فيكون المجموع سبعين بطناً‪ ،‬او ان الباطن األول فيه مئة وجه‬
‫عرضي وهكذا إلى السابع فيكون المجموع سبعمائة وكذلك الحال بالنسبة إلى سبعة آالف‪.‬‬
‫التصور الثاني‪ :‬وهو التصور المرتبط بتعدد العوالم واالكوان التي خلقها اللَّه التي ال يعلم‬
‫عدده اال هو‪ ،‬فيكون لكل عالم او كون سبعة بواطن فتصل البواطن إلى سبعة آالف باطن او إلى‬
‫ما هو اكثر على موجب كثرة العوالم‪.‬‬
‫��������������������������‬ ‫‪221‬‬

‫لتركبنّ �سُ نن الذي من قبلكم‬

‫الحديث الشائع عن رسول اللَّه‪ ‬عند الفريقين الذي ورد بعدة طرق وعدة صياغات‬
‫السنن في هذه االمة كما جرى في بني إسرائيل‪.‬‬
‫والذي يؤكد سريان ُ‬
‫عن رسول اللَّه ‪«‬يكون في هذه األمة كما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة‬
‫بالقذة»‪،‬وقوله‪«‬كل ما كان في األمم السابقة يكون مثله في هذه األمة حذو النعل بالنعل‬
‫والقذة بالقذة»‪،‬وقوله‪«‬لتركبن سنن الذين من قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة‪ .‬قيل يا‬
‫رسول اللَّه ‪ ‬من‪ .‬قال‪ :‬وهل غير بني إسرائيل هؤالء»‪.‬‬
‫عن أبي جعفر‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اللَّه‪«‬والذي نفسي بيده لتركبن ُسنن من كان قبلكم‬
‫حذو النعل بالنعل والق ّذة بالق ّذة حتى ال تُخطئوا طريقهم وال تُخطئكم ُس ّنة بني إسرائيل»(((‪.‬‬
‫عن أبي جعفر‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اللَّه ‪ ‬في قوله تعالى ﴿ لتركبن طبقاً عن طبق﴾ قال‪:‬‬
‫يقول‪ :‬حاالً بعد حال‪ .‬قال ‪«‬لتركبن ُسنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وال‬
‫ب‬‫تخطئون طريقهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع وباعاً بباع حتى أن كان من قبلكم دخل جحر ضَ ّ‬
‫لدخلتموه»‪ .‬قال‪ :‬قالوا‪ :‬اليهود والنصارى تعني يا رسول اللَّه ‪ ‬؟ قال‪«:‬ومن أعني ‪ -‬لتنقضن‬
‫ُعرى اإلسالم ُعروة ُعروة فيكون أول ما تنقضون من دينكم اإلمامة وآخره الصالة»(((‪.‬‬
‫وعن عبد األعلى أبن أعين قال‪ :‬قلت ألبي عبداللَّه ‪«‬حديث يرويه الناس أن رسول اللَّه‬
‫‪ ‬قال‪َ «:‬حدّ ث عن بني إسرائيل وال حرج»‪ .‬قال‪« :‬نعم»‪ .‬قلت‪ :‬فنحدث عن بني إسرائيل وال‬
‫حرج علينا ؟ قال«أما سمعت ما قال‪ ،‬كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع»‪ .‬قلت‪ :‬كيف هذا‬
‫حدث أنه كائن في هذه األمة وال حرج»(((‪.‬‬‫؟ قال«ما كان من الكتاب أنه كان في بني إسرائيل ُم ّ‬
‫عن اإلمام الصادق‪ ‬من حديث طويل«‪ ....‬فقد عرفت ان السنن واالمثال كائنة«قائمة»‬
‫لميكن شيء فيما مضى اال سيكون مثله حتى لو كانت «هناك» شاة برشاء كان هنا مثله‪.(((».....‬‬

‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني ‪ /‬ج‪ / 2‬ص ‪ / 422‬ج‪.3‬‬


‫((( تفسير القمي‪/‬ج‪ /2‬ص‪ ،407‬كذلك تفسير البرهان‪/‬للبحراني‪/‬ج‪ /8‬ص‪ / 245‬ح‪.2‬‬
‫((( قصص األنبياء‪ /‬نعمة اللَّه الجزائري‪.‬‬
‫((( مختصر البصائر‬
‫‪222‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫بل حديث رسول اللَّه‪ ‬يشير إلى ان القرآن والتوراة كتبت بقلم واحد‪.‬‬
‫عن رسول اللَّه‪«‬لتركبن امتي سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة‪،‬‬
‫شبراً بشبر وذرا ًع بذراع وباعاً بباع‪ ،‬حتى لو دخلوا ُجحر لدخلوا فيه معه‪ ،‬ان التوراة والقرآن كتبه‬
‫ملك واحد في رق واحد بقلم واحد‪ ،‬وجرت االمثال والسنن سواء»(((‪.‬‬
‫َ َ ْ َ ُ َّ ً‬
‫ب َط َبقا‬‫واألحاديث في هذا المعنى كثيرة‪ ،‬ومصداقها القرآني واضحوهو قوله تعالى ﴿لتك‬
‫ً‬ ‫َ ْ ُ َ َ َ َ ُ َّ َّ َ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫ُ َّ َ َّ‬ ‫َ َ َ‬
‫(((‬
‫الل تبْدِيل﴾‬
‫ين خل ْوا مِن قبل ۖ ولن ِتد ل ِسنةِ ِ‬ ‫ف ِال‬
‫عن طب ٍق﴾ ‪،‬وقوله ﴿سنة ِالل ِ‬
‫(((‬

‫هذا الموضوع في الحقيقة بحاجة إلى بحث ُمفرد‪ ،‬بل بحاجة إلى عمل جماعي وبحث‬
‫مؤسساتي لمتابعة تشعباته‪ ،‬النه ينفتح على قراءة تاريخ كل الديانات الرئيسية الثالثة«اليهودية‬
‫والمسيحية واإلسالمية»‪ ،‬بل يوفر لنا دعامات اساسية لفهم مستقبل كل هذه الديانات والغاية‬
‫المرتبطة بمشروع خالفة اللَّه على األرض‪ ،‬فهو باب من العلم يُفتح منه الف باب‪ ،‬فطبيعته‬
‫كطبيعة القرآن د ّوار يجري كما يجري الشمس والقمر‪ ،‬اذ من خالله يمكن قراءة تاريخ اإلسالم‬
‫بداللة تاريخ بني إسرائيل‪ ،‬ويُمكّن اإلنسان المتأمل ليس من معرفة تاريخ هذه االمة فقط بل‬
‫يفتح له افق لمعرفة مستقبلها ايضا‪ ،‬وهذا الباب لو تم التأصيل له بشكل معرفي صحيح لتمك ّنا‬
‫من قراءة الماضي بداللة الماضي‪ ،‬ومن قراءة الحاضر بداللة الماضي‪ ،‬وقراءة المستقبل بداللة‬
‫الماضي ايضاً‪ ،‬وقد قال رسول اللَّه ‪ ‬عن القرآن«فيه خبركم وخبر من قبلكم وخبر من بعدكم»‪،‬‬
‫فالطبيعة الدورية لالحداث عبر تاريخ الديانات التي تطرحها هذه الروايات تجعلنا نتوقع ما‬
‫سيحدث نتيجة اإليمان بامكانية تكرار الحوادث‪ ،‬وبما ان الموضوع كبير جدا ً وال يمكن ان‬
‫يحيط به بحث واحد فاني هنا ساقتصر على ايراد بعض المالحظات واالستنتاجات األولية التي‬
‫فصل‪.‬‬
‫ربما تكون نواة لبحث ُم ّ‬
‫جملة من االخبار‬
‫والس ّنة يرفضون ُ‬
‫والمفارقة الغريبة في هذا الحديث ان كال الفريقين الشيعة ُ‬
‫بحجة انها اسرائليات‪ ،‬والحديث يقول«حدّ ث عن بني إسرائيل وال حرج»‪ ،‬وان كانت العبارة‬
‫ُمقيدة بما تليها بحدوث ما ورد في القرآن بداللة عبارة اإلمام الصادق ‪ ‬في الحديث«ما كان‬
‫حدث أنه كائن في هذه األمة وال حرج»‪.‬‬‫من الكتاب أنه كان في بني إسرائيل ُم ّ‬
‫((( كتاب سليم بن قيس الهاللي‪163 /‬ص ‪163‬‬
‫((( االنشقاق‪.19/‬‬
‫((( االحزاب‪.42/‬‬
‫��������������������������‬ ‫‪223‬‬

‫ويجب اوال معرفة داللة عبارة «بني إسرائيل» في الحديث الني اعتقد انها مقصودة‬
‫وفيها معنى يجب مراعاته‪ ،‬فقد قال«حدث عن بني إسرائيل» ولم يقل«حدث عن اليهود»‪،‬‬
‫الن عبارة«بني إسرائيل» تشمل االمتداد التاريخي من ايام نبي اللَّه يعقوب‪ ‬إلى يوم رفع‬
‫المسيح‪ ،‬اما لو قال«حدث عن اليهود» لكانت امتداد تاريخي من موسى‪ ‬إلى المسيح‪،‬‬
‫النهم س ّموا باليهود بعد موسى‪ ،‬فبني إسرائيل ُعلقة نسبية‪ ،‬اما اليهود فرابطة دينية‪ ،‬اي بني‬
‫إسرائيل أصحاب البطن الواحد‪ ،‬واليهود أصحاب الدين الواحد‪ ،‬فبني إسرائيل االمتداد النسبي‬
‫ليعقوب واوالده‪ ،‬واليهود االمتداد التاريخي للديانة الموسوية‪ ،‬وحسب هذا المعنى فكل بني‬
‫إسرائيل يهود‪ ،‬وليس كل اليهود بني إسرائيل‪.‬‬
‫والراجح من هذا التصور ان ما جرى على بني إسرائيل كامتداد نسبي هو المقصود بالحديث‬
‫بشكل خاص‪ ،‬اما ما جرى على اليهود فهو مشمول بالحديث بقدر تعلق الحوادث ببني إسرائيل‪،‬‬
‫حدث أنه‬‫بل يوجد في الحديث تحديد واضح «ما كان من الكتاب أنه كان في بني إسرائيل ُم ّ‬
‫كائن في هذه األمة وال حرج»‪،‬فكل ما ّ‬
‫قصه علينا القرآن عن بني إسرائيل واقع ال محالة في هذه‬
‫السنن يجري علينا ما وقع على اليهود كما‬‫االمة على النحو الخاص‪ ،‬وربما من باب انطباق ُ‬
‫قلت بقدر تعلق الحوادث ببني إسرائيل‪.‬‬
‫واالستنتاج األولي من اجواء هذه األحاديث يُعطينا جواب عن سؤال لطالما تكرر في اذهان‬
‫الناس وهم يقرؤون القرآن وهو لماذا يذكر القرآن الكريم احوال بني إسرائيل بهذه الكثرة وهذا‬
‫صلب هذه األحاديث وهو ان القرآن كتاب له اساليبه في ايصال‬ ‫التفصيل‪ ،‬والجواب تجده في ُ‬
‫وجل يعرف ان هذه االمة‬
‫ّ‬ ‫المعلومات ومنها التاريخية والمستقبيلية بشكل غير مباشر‪ ،‬فاللَّه ع ّز‬
‫ستتدهور اوضاعها ويضيع تاريخها وتكثر ظلمتها‪ ،‬فكان هذا اسلوب قرآني اليصال المعلومة‬
‫وكأن رسول اللَّه‪ ‬يقول لنا يا ايها المسلمون إذا ضاع عليكم شيء من تاريخكم واردتم معرفة‬
‫حقيقة ما جرى وحقيقة ما سيجري في هذه االمة فتابعوا احوال بني إسرائيل الموجودة في‬
‫قص علينا ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا‬ ‫القرآن وهي من الكثرة بمكان‪ ،‬فالقرآن بهذا الشكل قد ّ‬
‫بطريقة «آياك اعني واسمعي يا جارة»‪ ،‬ولو دققت في أحاديث رسول اللَّه‪ ‬ستالحظ انها‬
‫تشير إلى انطباق احوال واحداث بني إسرائيل ليس على مستوى العموميات او الرئيسيات فقط‬
‫بل تشير إلى انطباق على ادق المسائل وادق الفرعيات وحتى االمور الثانوية منها كما تؤكده‬
‫عبارات األحاديث«حذو النعل بالنعل»«حذو القذة بالقذة»«ذراع بذراع»«باع بباع»«حدث عن‬
‫بني إسرائيل وال حرج»‪.‬‬
‫‪224‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وربما السؤال األول والمهم الذي يجول في ذهن اي باحث عندما يتأمل في هذا الموضوع‬
‫السنن التي جرت على بني إسرائيل ستنطبق على‬ ‫هو‪ ،‬هل ان هذه األحاديث تشير إلى انطباق ُ‬
‫هذه االمة بشكل حرفي لقوله «حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة» ام ستنطبق بمستوى ادنى من‬
‫السنن بشكل حرفي مشكلة بحد ذاتها اذ ال يمكن الي‬‫الحرفية؟ الحقيقة ان القول بانطباق هذه ُ‬
‫شخص ان ي ّدعي بانه يستطيع ايجاد انطباقات كاملة في تاريخ هذه االمة مع كل ما جرى في بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬فهذه معرفة ال يمتلكها اال المعصوم ‪ ،‬والتصور االسلم بالنسبة لي هو القول بان‬
‫السنن جارية على كل االمم بمعناها العام ولكن التفاصيل قد تختلف هنا وهناك ولكن المعنى‬ ‫ُ‬
‫العام واحد‪ ،‬مثال تحريف الكتب المقدسة جرى في كل االمم ولكن الكيفية تختلف من دين‬
‫كسنة وليس شرط ان‬‫الخر فتكون السنة جارية واالليات تختلف‪ ،‬فالتحريف واقع في هذه االمة ُ‬
‫يقع بكل تفاصيله الن التفاصيل هنا تحصيل حاصل‪.‬‬
‫والحقيقة ان هذا الكالم ربما ال يوافق عليه البعض الن صريح األحاديث ت ُشير إلى انطباق‬
‫حرفي «حذو النعل بالنعل ‪ -‬والقذة بالقذة ‪ -‬ذراع بذراع ‪ -‬وباع بباع وشبر بشبر»‬
‫اما السؤال الثاني فهو‪ ،‬هل ان ما جرى في بني إسرائيل فقط يجري على هذه االمة ام ان ما‬
‫جرى في الديانات السابقة مثل قوم نوح‪ ‬وعاد وثمود ايضا وخصوصاً ان الحديث يقول ُ‬
‫«سنن‬
‫الذين من قبلكم»؟ الحقيقة لو تأملت في األحاديث مورد الكالم اعاله لوجدت انه يخصص‬
‫بني إسرائيل بالذات‪ ،‬فيمكن ان يكون انطباق ما جرى في االمم السابقة بالمعنى العام على هذه‬
‫االمة‪ ،‬واما ما يجري في بني إسرائيل فينطبق بالمعنى الخاص والمخصوص في هذه االمة‪.‬‬
‫وهذه كلها تجعلنا نقرأ التاريخ بشكل دوري تصاعدي‪ ،‬وبما ان آل محمد‪ ‬قالوا «ان‬
‫في كالمنا ُمحكم ك ُمحكم القرآن ومتشابه كمتشابهه فردوا متشابهه إلى ُمحكمه» وقالوا«ان في‬
‫القران ظاهر وباطن وعام وخاص ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ ومطلق ومقيد» وقالوا «ان‬
‫للقران ظهر وبطن وللبطن بطن حتى سبعة ابطن»‪ ،‬فلو جمعت كل هذه الدول في بوتقة واحدة‬
‫ستخرج بتصور واضح ان عملية التطابق بحاجة إلى جهد معرفي مستقل تدخل فيه كل هذه‬
‫الدول‪ ،‬وهو يعود بنا الصل التساؤل ان مسالة التطابق الدقيق بين االمتين حاصل ولكن بعضه‬
‫ظهر في الماضي وبعضه ال يظهر اال في المستقبل وبعضه بحاجة لدقة نظر وبعضه مخفي‬
‫السباب تتعلق بموضوع الغيبة حصرا ً‪.‬‬
‫فالقرآن صحيح‪ ،‬واألحاديث صحيحة‪ ،‬واالنطباق يجب ان يكون حذو النعل بالنعل والقذة‬
‫بالقذة‪ ،‬ولكن حجم التشويه والتزوير واالكاذيب كبير خصوصاً في تاريخ بني إسرائيل‪ ،‬مما‬
‫��������������������������‬ ‫‪225‬‬

‫يجعل الكل ال يستطيعون ايجاد انطباقات إال بالنزر اليسير‪ ،‬وبالتالي فان تقريرات وأحاديث‬
‫السادة المعصومين ‪ ‬هي الكاشف الرئيسي لهذه االنطباقات‪ ،‬اما ما ال نجد له انطباق حاليا‬
‫بما هو متيسر في ايدينا من ماد تاريخية وروائية فنتوقف فيه لحين ظهور امامنا الغائب‪ ‬فهو‬
‫العارف بخفايا االمور وعند ظهوره ستجد حتما ان ما جرى على بني إسرائيل هو نفسه ما جرى‬
‫على هذه االمة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة بل كما يقول الحديث ذراع بذراع وباع بباع‪.‬‬
‫الس ًنة ‪ -‬النعل ‪ -‬القذة ‪ -‬الباع ‪ -‬الشبر‬
‫ُ‬
‫متابعة معاني هذه األلفاظ ومعرفة مدلوالتها ربما يوفر لنا فهم عام لمعنى هذه األحاديث‪،‬‬
‫الس ّنة‪ :‬القول الشائع في معنى هذه اللفظة انها تعني القانون‪ ،‬والقانون هو امر اللَّه وحكمه‬
‫ُ‬
‫«س ّنة» في الحديث تعني القانون لكان معناها االجبار ويقع‬ ‫على الموجودات‪ ،‬ولو كانت لفظة ُ‬
‫الس ّنة‬
‫االضطرار في التكليف‪ ،‬والعدل االلهي هو سريان امره بدون الجاء واضطرار‪ ،‬والحقيقة ان ُ‬
‫بمعنى القانون صحيح كما تقول ُس ّنة الموت‪ ،‬او ُس ّنة المزايلة‪ ،‬بمعنى قانون الموت وقانون‬
‫الس ّنة هنا في األحاديث تعني الطريقة او النهج‪ ،‬فمعنى قوله«لتركبن ُس ّنة‬
‫المزايلة‪ ،‬ولكن معنى ُ‬
‫من كان قبلكم» اي لتسيرن على نفس طريقتهم ونهجهم بدون الجاء وجبر‪.‬‬
‫وس ّنة محكومة فالحاكمة بمعنى القانون‪،‬‬
‫ويمكن القول بشكل ابتدائي ان هناك ُس ّنة حاكمة ُ‬
‫والمحكومة بمعنى الطريقة والنهج وهذه بحاجة لتأمل خاص‪.‬‬
‫النعل بالنعل‪:‬عندما تسير خلف شخص بحيث يكون وقع قدمك على نفس اثر قدم ذلك‬
‫الشخص تكون قد تبعته حذو النعل بالنعل‪ ،‬فالعبارة تشير إلى انطباق نفس الحوادث خطوة‬
‫بخطوة كتسلسل تاريخي‪ ،‬والعبارة بهذا الشكل تشير إلى تسلسل‪.‬‬
‫القذة بالقذة‪:‬القذة عن اهل اللغة هي «ريشة الطائر التي توضع في نهاية السهم»‪ ،‬ووضع‬
‫الريشة في نهاية السهم لغرض التوازن والسير المستقيم عند االنطالق‪ ،‬وهي إذا كانت بهذا‬
‫المعنى فهي تشير إلى التفاصيل واالستعدادات واالليات والوسائل التي تسبق وتهيئ للحدث‪،‬‬
‫وسمع في بني‬ ‫والقذة ايضا في اللغة اذن اإلنسان‪ ،‬وربما هذا المعنى يشير إلى ان كل ما قيل ُ‬
‫إسرائيل سيقال ويُسمع في هذه االمة‪ ،‬كما ورد في الحديث ان رسول اللَّه‪«‬لما خرج إلى‬
‫حنين مر بشجرة للمشركين يُقال لها ذات انواط يُعلقون عليها اسلحتهم فقالوا يا رسول اللَّه‬ ‫ُ‬
‫اجعل لنا ذات انواط كما لهم ذات انواط فقال النبي‪ ‬سبحان اللَّه كما قال قوم موسى اجعل‬
‫لنا إلها كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن ُس ّنة من كان قبلكم»‪.‬‬
‫‪226‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫شبراً بشبر وذراع بذراع‪ :‬الشائع ان الذراع جزء من اليد وهو وحدة قياس للطول‪ ،‬والشبر هو‬
‫المسافة بين نهاية الخنصر إلى نهاية االبهام عندما يفتح اإلنسان كفه على اخرها ويستخدم ايضا‬
‫كوحدة قياس للطول‪ ،‬فيمكن القول ان عبارة «وال تخطئون‪ ،‬طريقهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع »‬
‫تعني وقوع الحداث بمسافات مكانية متساوية‪ ،‬اي إذا جرى الحدث في بني إسرائيل في مكان‬
‫ضيق سيجري نفس الحدث في هذه االمة بمكان ضيق لذلك انهى الحديث بعبارة«حتى أن كان‬
‫ب لدخلتموه» لهذا المعنى‪،‬‬‫من قبلكم دخل جحر ضَ ّ‬
‫باع بباع‪ :‬كلمة باع في اللغة تستخدم لوصف خصيصة عند اإلنسان «الباع المسافة ما بين‬
‫الكتفين ‪ -‬طويل الباع طويل الجسم ‪ -‬ضيق الباع عاجز ‪ -‬رحب الباع سمح» فالعبارة كما ارى‬
‫تشير إلى تكرار نفس الشخوص وادوارهم‪.‬‬
‫وبصورة عامة كل العبارات في األحاديث تشير إلى معنى الترتيب والتوالي شيء بعد شيء‬

‫حدث‬ ‫الطريقة والمنهاج‬ ‫السنة‬


‫تسلسل‬ ‫االتباع والتسلسل‬ ‫النعل بالنعل‬
‫تفاصيل استعدادات االليات وسائل تسبق تهيئ تفاصيل‬ ‫القذة بالقذة‬
‫للحدث‬
‫مكان‬ ‫وقوع الحداث بمسافات مكانية متساوية‬ ‫شبرا بشير وذراع بذراع‬
‫شخوص‬ ‫تكرار نفس الشخوص وادوارهم‬ ‫باع بباع‬

‫ولو اجريت نظرة عامة على تاريخ اليهود والمسلمين وتأملت بشكل هادئ اليجاد انطباقات‬
‫ستجد انها متواجدة بعدة مستويات كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬االنطباق العام‪:‬‬
‫جملة من الحوادث انطبقت بشكل عام وواضح على امة المسلمين كما حدث في بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬مثل اختالف هذه االمة بعد نبيها‪ ،‬االختالف على الوصي بعد رحيل النبي‪ ،‬التالعب‬
‫بالنصوص‪ ،‬كتم االخبار الصحيحة وغيرها‪.‬‬
‫‪ - 2‬االنطباق الدقيق‬
‫بعض الحوادث في بني إسرائيل انطبقت بشكل حرفي وغريب في هذه االمة وخصوصاً‬
‫��������������������������‬ ‫‪227‬‬

‫َ َ َ ْ َ َ َ َّ ُ َ َ‬
‫الل مِيثاق بَ ِن‬ ‫فيما يتعلق بعدد االوصياء وموضوع الوصي‪ ،‬كما في قوله تعالى﴿ولقد أخذ‬
‫يبا ۖ ﴾(((‪،‬عن ابن مسعود عن رسول اللَّه‪«‬الخلفاء من بعدي‬ ‫ش نَقِ ً‬ ‫يل َو َب َعثْ َنا مِنْ ُه ُم اثْ َ ْ‬
‫ن َع َ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫إِسائ ِ‬
‫اثنا عشر خليفة كعدة بني إسرائيل»(((‪ ،‬والمعلوم ان خلفاء رسول اللَّه‪ ‬هم اثنا عشر اولهم أمير‬
‫المؤمنين علي بن ابي طالب‪ ‬واخرهم المهدي‪.‬‬
‫اما موضوع الوصي‪ ،‬فتجد احوال كثيرة جرت على يوشع بن نون‪ ‬وصي موسى‪‬‬
‫انطبقت بشكل واضح على احوال اإلمام علي‪ ،‬ومنها موضوع البيعة في«‪ 18‬ذي الحجة»(((‪،‬‬
‫وموضوع الثالثة الذين حكموا بعد موت موسى‪‬وقبل يوشع بن نون‪ ،‬والثالثة الذين حكموا‬
‫بعد وفاة رسول اللَّه‪ ‬قبل أمير المؤمنين‪ ،(((‬وموضوع قتال الصفيراء زوجة موسى‪ ‬ليوشع‬
‫بن نون ‪ ،‬فهذه كانت تركب زرافة وهذه كانت تركب جمل(((‪ ،‬ويوم ضرب ووفاة يوشع بن‬
‫نون‪ ‬في نفس يوم ضرب ووفاة اإلمام علي‪ ،(((‬وان اإلمام علي‪ ‬عاش بعد رسول اللَّه‪‬‬
‫ثالثين سنة كما عاش يوشع بن نون‪ ‬ثالثين سنة بعد موسى‪ ،(((‬وان الشمس قد ردت‬
‫ليوشع بن نون‪ ‬وهو يقاتل اعداءه‪ ،‬كما ردت ألمير المؤمنين‪ ‬وهو يقاتل اعداءه(((‪ ،‬وكما‬

‫((( المائدة‪12 /‬‬


‫((( البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج ‪ /2‬ص ‪ /417‬ح ‪4‬‬
‫((( ويوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير نصب فيه رسول اللَّه‪ ‬علياً اميرالمؤمنين‪ ‬اماما لالنام‪ ....‬وفيه نصب‬
‫موسى يوشع بن نون ونطق بفضله على رؤوس االشهاد‪ ،‬وفيه اظهر عيسى وصيه شمعون الصفا‪».....‬السرائر البن ادريس‬
‫الحلي ج‪ /1‬ص ‪418‬‬
‫((( عن الصادق‪«‬ان يوشع بن نون قام باألمر بعد موسى‪ ‬صابرا ً من الطواغيت على الألواء والضراء والجهد والبالء‬
‫حتى مضى منهم ثالثة طواغيت فقوي بعدهم امره فخرج عليه رجالن من منافقي قوم موسى بصفراء بنت شعيب امراة‬
‫موسى في مائة الف رجل‪ ............‬فاستتر األئمة بعد يوشع إلى زمان داود‪ ‬اربعمائة سنة وكانوا احد عشر وكان قوم‬
‫كل واحد منهم يختلفون اليه في وقته وياخذون عنه معالم دينهم حتى انتهى األمر إلى اخرهم فعاب عنهم‪ ».....‬البحار‪/‬‬
‫ج‪ /13‬ص ‪366‬و ‪445‬‬
‫((( عن ابي جعفر‪ ‬قال «ان امرأة موسى ‪ ‬خرجت على يوشع بن نون راكبة زرافة فكان لها اول النهار وله اخر النهار فظفر‬
‫بها‪ »...‬البحار‪ /‬ج‪ /13‬ص ‪/369‬‬
‫((( عن اإلمام علي‪ ‬انه قال ان الليلة التي ضربه فيها ابن ملجم «اما واللَّه انها الليلة التي ضرب فيها يوشع بن نون ليلة سبع‬
‫عشرة وقبض ليلة احدى وعشرين» مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪ 414‬عنهم ‪«‬وليلة احدى وعشرين اي من شهر رمضان وهي‬
‫الليلة التي اصيب فيها اوصياء األنبياء وفيها رفع عيسى بن مريم‪ ‬وقبض موسى ‪ » ‬تهذيب الطوسي ج‪ 1‬ص ‪32‬‬
‫البحار ج‪ /13‬ص ‪ 365‬عندما توفي أمير المؤمنين‪ ‬قام الحسن‪ ‬خطيبا فقال«ايها الناس في هذه الليلة رفع عبسى بن‬
‫مريم وفي هذه الليلة فتل يوشع بن نون» البحار ج‪ /13‬ص ‪376‬‬
‫((( عن رسول اللَّه‪ ....«‬قلت فمن وصيك يا رسول اللَّه؟ قال علي بن ابي طالب‪ ،‬فقلت كم يعيش من بعدك يا رسول اللَّه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثالثين سنة قان يوشع بن نون وصي موسى عاش من بعده ثالثين سنة» البحار‪ /‬ج‪ /13‬ص ‪367‬‬
‫((( قدم يوشع بن نون إلى اريحا في بني إسرائيل فدخلها وقتل بها الجبارين وبقيت منهم بفية وقد قاربت الشمس الغروب‬
‫فخشي ان يدركهم الليل فيعجزوه فدعا اللَّه تعلى ان يحبس عليه الشمس ففعل وحبسها حتى استاصلهم» البحار‪ /‬ج‪/13‬‬
‫ص ‪374‬‬
‫‪228‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ترى ان التطابق واضح ان هارون‪ ‬له ولدان هما شبر وشبير على غرار الحسن والحسين‪،‬‬
‫كما يمكنك ايجادانطباق قرآني من خالل لفظة فتى اذ سمى اللَّه سبحانه وتعالى يوشع بن‬
‫ْ َ َ ُ َ ٰ َ‬
‫وس ل ِف َتاهُ﴾(((‪ ،‬وقد اشتهر في األحاديث عبارة«ال فتى اال علي»‪ ،‬ويمكن‬‫نون‪ ‬به﴿ِإَوذ قال م‬
‫للمتابع والمدقق ان يجد انطباقات كثيرة من هذا النوع خصوصا فيما يتعلق بموضوع الوصي‪.‬‬
‫‪« - 3‬االنطباق ما قبل الحدث»‬

‫إذا اردنا ان نتابع تاريخ بني إسرائيل يجب ان ال نبدأ من نبي اللَّه موسى‪ ،‬الن تاريخ‬
‫بني إسرائيل ممتد قبل ظهور موسى ‪ ‬بكثير‪ ،‬ومصطلح بني إسرائيل يُطلق على كل ابناء نبي‬
‫اللَّه يعقوب‪ ‬إلى السيد المسيح‪ ‬وهي فترة زمنية تمتد الكثر من الفين سنة‪ ،‬فهو يشمل‬
‫يعقوب‪ ‬واوالدة االثنا عشر‪ ،‬ويوسف‪ ‬وموسى‪ ‬وهارون ‪ ‬وداود‪ ‬وسليمان‪ ‬وكل‬
‫أنبياء وذراري بني إسرائيل لغاية عمران‪ ‬وزكريا‪ ‬ومريم‪ ‬ويحيى‪ ‬وعيسى‪ ،‬وان‬
‫الفترة التاريخية الممتدة من يعقوب‪ ‬إلى موسى‪ ‬تشغل مساحة زمنية ال تقل عن «‪»500‬‬
‫عام‪ ،‬وبالتالي فان لدينا تاريخ لبني إسرائيل مدته «‪ »500‬عام قبل ظهور موسى‪ ،‬وهذه الفترة‬
‫داخلة في مضمون األحاديث مورد البحث كما اعتقد‪ ،‬فتصبح لدينا حقبتان زمنيتان مهمتان‬
‫في متابعة تاريخ بني إسرائيل‪ ،‬األولى قبل ظهور موسى‪ ،‬والثانية بعد ظهوره إلى يوم رفع‬
‫المسيح‪ ،‬وهنا يأتي السؤال‪ ،‬إذا كانت األحداث المرتبطة بموسى وهارون‪ ‬لها انطباقات‬
‫على ما حصل في هذه االمة بفترة رسول اللَّه‪ ‬واإلمام علي‪ ‬وما بعدها‪ ،‬فهل نجد في هذه‬
‫االمة انطباقات لما حدث في فترة ما قبل موسى‪ ‬مع فترة ما قبل رسول اللَّه‪‬؟‬
‫وهذا بحد ذاته موضوع دقيق ويجب ان يُبحث بشكل مفرد النه يستوجب منا ان نجد‬
‫انطباقات تاريخية وعقائدية وشخصية بين احوال أنبياء اللَّه إبراهيم وإسماعيل واسحاق‬
‫ويعقوب ويوسف ‪ ‬وابنائهم وتاريخهم مع شخصيات هاشم وعبد المطلب وابو طالب وعبد‬
‫اللَّه ‪ ‬اجداد رسول اللَّه‪ ‬اي نبحث عن تاريخ ما قبل ظهور رسول اللَّه‪ ‬بخمسمائة‬
‫عام‪ ،‬مرورا ً ببناء الكعبة من قبل إبراهيم وسدانة هذا البيت من قبل بني هاشم‪ ،‬وقصة ذبح‬
‫إسماعيل‪ ‬مقارنة بقصة ذبح عبد اللَّه‪ ‬واوالد يعقوب االثنا عشر واوالد عبد المطلب وغيرها‬
‫التي تستوجب م ّنا دراسة تاريخ وعقيدة وشخصيات إبراهيم‪ ‬واوالده لغاية موسى‪ ‬واوالد‬
‫هاشم إلى رسول اللَّه‪.‬‬

‫((( الكهف‪٦٠ /‬‬


‫��������������������������‬ ‫‪229‬‬

‫‪ - 3‬االنطباق التصحيحي‪:‬‬
‫هناك احداث حدثت في بني إسرائيل تجد لها انطباق في هذه االمة‪ ،‬وهناك احداث حدثت‬
‫في هذه االمة ال تجد لها مثيل في تاريخ بني إسرائيل المعروف‪ ،‬وبما ان اليهود ملّة معروفة في‬
‫التاريخ باخفاء تاريخها وعقائدها‪ ،‬فهنا نقترح الية ساندة لمعرفة ما أُخفي من تاريخ بني إسرائيل‬
‫أُطلق عليها االنطباق التصحيحي‪ ،‬وبما ان األحاديث تشير إلى ان دالة التطابق تسير من احداث‬
‫في بني إسرائيل وستقع في هذه االمة مثلها اي ان التاريخ يسير من اليمين إلى اليسار إذا جاز‬
‫التعبير‪ ،‬فاقصد باالنطباق التصحيحي هو االخذ بسير المعادلة من اليسار إلى اليمين‪ ،‬فيمكن‬
‫القول ان هناك امكانية لقراءة ما ضاع او ما ُغ ّيب من تاريخ بني إسرائيل من خالل ما وقع وثبت‬
‫في هذه االمة‪ ،‬فتكون لدينا طريقتان للتطابق‪.‬‬
‫األولى‪ :‬معرفة تاريخ امة اإلسالم بداللة تاريخ بني إسرائيل‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬معرفة تاريخ بني إسرائيل بداللة تاريخ المسلمين‪.‬‬
‫فيمكن استخراج التاريخ الضائع في بني إسرائيل من خالل ما معروف في تاريخ هذه‬
‫خفي في هذه‬‫االمة‪ ،‬فيكون حديث «لتركبن ُسنن الذين من قبلكم» بمعناه العام ذو اتجاهين‪ ،‬ما ُ‬
‫خفي من تاريخ بني إسرائيل يُعرف بما ظهر من‬ ‫االمة يُعرف بما ظهر من تاريخ بني إسرائيل‪ ،‬وما ُ‬
‫تاريخ هذه االمة‪.‬‬
‫واعتقد ان هذه النقطة جديدة في المبحث التاريخي النها تفتح لنا الباب الجراء مقاربات‬
‫تاريخية وعقائدية كثيرة تجعلنا نعيد قرأة تاريخ بني إسرائيل بشكل مختلف عما هو متعارف‬
‫عليه‪.‬‬
‫ويمكن ان اضرب بعض االمثلة األولية على موجب مضمون هذه الطريقة‪.‬‬
‫مثال«‪:»1‬‬
‫تذكر األحاديث ان الصفيراء بنت شعيب زوجة موسى‪ ‬هي التي قاتلت يوشع بن نون‪‬‬
‫وصي موسى‪ ‬بعد رحيل موسى‪ ،‬وكذلك قاتلت الحميراء بنت ابي بكر زوجة رسول اللَّه‪‬‬
‫اإلمام علي‪ ‬بعد وفاة رسول اللَّه‪ ‬في معركة الجمل‪ ،‬وبحكم االنطباق بين الحادثتين يجب‬
‫ان تكون الحميراء ابنة نبي الن الصفيراء بنت شعيب ابنة نبي‪،‬وشتان ما بين نبي اللَّه شعيب‪‬‬
‫وابي بكر‪ ،‬وهو في كل االحوال ال يرتقي ان يكون في خانة األنبياء وال االوصياء وال المؤمنين‬
‫وال حتى ادنى من ذلك‪ ،‬واالشكال هذا سيزول إذا عرفت ان زوجة موسى‪ ‬بنت شعيب‬
‫ََ ْ‬
‫است ْ‬ ‫َ َ َُْ ْ َ ُ َ‬
‫ح َيا ٍء‬ ‫اءته إِحداه َما ت ْم ِش ع ِ‬ ‫وصفها القرآن الكريم بوصف ادبي رفيع اذ قال عنها﴿فج‬
‫‪230‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫َ َ ْ َّ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫ت لَا ۚ﴾(((‪ ،‬ومن كانت بتلك المواصفات ويشهد لها‬ ‫قالت إِن أ ِب يدعوك ِلج ِزيك أجر ما سقي‬
‫القرآن ال تخرج على وصي زوجها بعد وفاته‪ ،‬فالبد من القول ان موسى‪ ‬له عدة زوجات كما‬
‫كان لرسول اللَّه‪ ‬عدة زوجات منهن الصالحات ومنهن الطالحات‪ ،‬فزوجة موسى‪ ‬ابنة‬
‫شعيب‪ ‬باعتبارها من بنات األنبياء يمكن ان تتطابق شخصيتها مع خديجة‪ ‬زوجة رسول‬
‫اللَّه‪ ‬باعتبار ان بنت شعيب اول زوجة لموسى‪ ،‬وخديجة‪ ‬اول زوجة لرسول اللَّه‪،‬‬
‫هذا من جانب القول بتعدد زوجات موسى‪ ‬مقارنة بتاريخ رسول اللَّه‪ ،‬اما من جانب اخر‬
‫فان ما يؤكده البياضي قوله«كان وصي موسى يوشع بن نون فخرجت عليه صافوراء‪ ،‬وهي‬
‫غير صفراء بنت شعيب امرأة موسى»(((‪ ،‬وقيل ان اسم الكبرى من بنات شعيب صفراء واسم‬
‫الصغرى صفيراء(((‪ ،‬وعلما يبدوا ان اسم صفراء ومجانساته كان شائعا في تلك الفترة كما هو‬
‫الحال في كل زمان ومكان من شياع اسماء متقاربة في كل ملّة او امة‪ ،‬وبالتالي فان لموسى‪‬‬
‫عدة زوجات منهن ممدوحات واخرى مذمومة هي «صافوراء» وهي التي خرجت على يوشع بن‬
‫نون‪ ،‬وقد ورد ان صفراء بنت شعيب من جملة النسوة األربعة الالتي دخلن على خديجة عند‬
‫والدتها موالتنا الزهراء‪ ،‬والصحيح هو ما ذكره الصدوق كون النساء الداخالت على خديجة‬
‫هن«سارة‪ ،‬آسية بنت مزاحم‪ ،‬ومريم بنت عمران‪ ،‬وكلثم اخت موسى بنت عمران»‪ ،‬وكما تالحظ‬
‫ان هذه الطريقة تمكننا من التفقه في المرويات وترجيح الصحيح بمرجحات قوية‪.‬‬
‫مثال«‪:»2‬‬
‫المعروف ان لكل نبي وصي‪ ،‬والواضح ان هناك شخصيتان ارتبطت بموسى‪ ‬نالت هذا‬
‫اللقب وهما هارون ويوشع عليهما السالم‪ ،‬وهارون‪ ‬مات قبل موسى‪ ‬وهو اخوه وهو نبي‬
‫ووصي ووزير‪ ،‬ويوشع بن نون‪ ‬هو الوصي بعد موت موسى‪ ،‬فكيف يصح انطباق ما جرى‬
‫على هارون ويوشع على شخص اإلمام علي‪ ‬فهاتان شخصيتان واإلمام علي‪ ‬شخص‬
‫واحد؟‬
‫الحديث التالي الذي سنورده يحل االشكال كون اإلمام علي‪ ‬خليفة رسول اللَّه‪‬‬
‫ووصيه في حياته وبعد مماته‪ ،‬فما يجري على هارون‪ ‬في حياة موسى‪ ‬يجري على اإلمام‬
‫علي‪ ‬في حياة رسول اللَّه‪ ،‬وما يجري على يوشع بن نون‪ ‬بعد وفاة موسى‪ ‬ينطبق‬
‫على اإلمام علي‪ ‬بعد وفاة رسول اللَّه‪.‬‬

‫((( القصص‪25 /‬‬


‫((( الصراط المستقيم‪ /‬علي بن يونس العاملي‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪45‬‬
‫((( راجع البحار ج‪ /13‬ص ‪ /21‬كذلك مجمع البيان ج‪ /7‬ص ‪430‬‬
‫��������������������������‬ ‫‪231‬‬

‫عن سلمان الفارسي والبراء بن عازب قال‪ :‬قالت ام سليم‪ :‬كنت أمرأة قد قرأت التوراة‬
‫واإلنجيل فعرفت اوصياء األنبياء‪ ،‬واحببت ان اعلم وصي محمد‪ ‬وخلّفت الركاب معنضي‬
‫المجي‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا رسول اللَّه‪ ‬ما من نبي إال وكان له خليفتان خليفة يموت قبله وخليفة‬
‫يبقى بعده‪ ،‬وكان خليفة موسى في حياته هارون فقبض قبل موسى‪ ،‬ثم كان وصيه بعد موته‬
‫يوشع بن نون‪ ،‬وكان وصي عيسى في حياته كالب بن يوحنا فتوفي كالب في حياة عيسى‪،‬‬
‫ووصيه بعد وفاته شمعون بن ح ّمون الصفا ابن عمة مريم‪ ،‬وقد نظرت في الكتب األولى فما‬
‫وجدت لك إال وصياً واحدا ً في حياتك وبعد وفاتك فبيّن لي انت يا رسول اللَّه من وصيك‪،‬‬
‫(((‬
‫فقال رسول اللَّه‪«‬ان لي وصياً واحداً في حياتي وبعد وفاتي»‪ ،‬فقلت له‪ :‬من هو؟‪».......‬‬
‫والحديث طويل يبين فيه ان وصيه هو اإلمام علي‪.(((‬‬
‫وبهذا إذا عرفنا ان لكل نبي خليفتان من خالل ما جرى في هذه االمة‪ ،‬فهل نستطيع ان نقرأ‬
‫تاريخ هارون ويوشع في بني إسرائيل لقلة ال ُمعطيات عنهم على موجب ال ُمعطيات الكثيرة التي‬
‫عندنا عن شخص اإلمام علي‪‬؟ والحقيقة هذا سؤال لو اطلقت له العنان في تفكيرك لخرجت‬
‫بتصورات كثيرة جدا ً بحاجة لمتابعة ما قيل عنهما في تاريخ بني إسرائيل‪ ،‬ولكن نقتصر هنا َعلى‬
‫ْ‬ ‫اج َعل ّل َوز ً‬
‫يرا ّم ِْن أه ِل‬ ‫اشارات اولية‪ ،‬فهارون وزير موسى‪ ‬في حياته كما في قوله تعالى﴿ َو ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫؀ هارون أ ِخ﴾‪ ،‬ورسول اللَّه‪ ‬في حياته يقول لإلمام علي‪«‬انت مني بمنزلة هارون من‬
‫موسى» فهو قبل موته وزيره‪ ،‬ويوشع بن نون‪ ‬بعد موت موسى‪ ‬هو الخليفة فربما منصب‬
‫الوزير ال يكون للوصي إال بوجود النبي‪ ،‬اما عند رحيل النبي فيكون الوصي هو الخليفة واللَّه‬
‫العالم‪ ،‬او يمكن القول ان كل ما جرى على هارون‪ ‬في ايام حياة موسى‪ ‬تجد له انطباق‬
‫على ما جرى على اإلمام علي‪ ‬اثناء حياة رسول اللَّه‪ ،‬وكل ما جرى على يوشع‪ ‬بعد‬
‫وفاة موسى‪ ‬تجد له انطباق على ما جرى على اإلمام علي‪ ‬بعد وفاة رسول اللَّه‪.‬‬
‫والمعروف ان أمير المؤمنين‪ ‬هو ابن عم رسول اللَّه‪ ‬نسبياً‪ ،‬وهو اخوه بقول رسول‬
‫اللَّه‪«‬انت مني بمنزلة هارون من موسى» وقوله‪«‬انت اخي» والذي تؤيده حادثة المؤخاة‬
‫اذ اخى رسول اللَّه‪ ‬بينه وبين اإلمام علي‪ ،‬فبحكم التقابل بين كل هذه الشخصيات يكون‬
‫السؤال‪ ،‬ماهي العالقة النسبية بين موسى‪ ‬ويوشع بن نون ‪ ‬هل هما ابنا عم؟‬
‫مثال«‪:»3‬‬
‫في تاريخ المسلمين حادثة عظيمة وهي حادثة مقتل اإلمام الحسين‪ ،‬وبما ان اإلمامين‬

‫((( صحيفة األبرار‪ /‬العالمة الميرزا محمد تقي‪ /‬الجزء الرابع القسم األول‪ /‬ح ‪ 49‬بحار األنوار ‪:‬ج‪ 25‬ص ‪186‬‬
‫((( بحار األنوار ‪:‬ج‪ 25‬ص ‪186‬‬
‫‪232‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الحسن والحسين عليهما السالم قد تسميا بهذه االسماء كما سمى هارون ابناءه «شبر وشبير»‪،‬‬
‫وبما اننا ال نملك اي معلومات عن شبر وشبير فهل يمكن ان نعرف شيء عن ابني هارون في‬
‫بني إسرائيل على موجب ما جرى على الحسن والحسين‪ ‬في هذه االمة؟‬
‫مثال «‪:»4‬‬
‫جملة االخبار التي نقلها علماء واحبار اليهود الذين اسلموا لمعرفة ما‬
‫يمكن االستفادة من ُ‬
‫خفي من تاريخ بني إسرائيل وما يمكن االستفادة منه في انطباقات على هذه االمة واليك المثل‬
‫التالي‪:‬‬
‫روى الطبري ان كعب جاء إلى عمر بن الخطاب قبل مقتله بثالث ايام وقال له‪ :‬اعهد فانك‬
‫وجل وفي التوراة‪ ،‬قال عمر‪:‬‬
‫ميت في ثالث ايام‪ ،‬قال‪ :‬وما يدريك؟ قال‪ :‬اجده في كتاب اللَّه ع ّز ّ‬
‫انك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال‪ :‬اللَّهم ال‪ ،‬ولكني اجد صفتك وانه فني اجلك(((‪.‬‬
‫وكل الباحثين والمتفقهين المعتمدين على آلية علم الرجال يعتبرون هكذا خبر مدسوس او‬
‫مبالغ فيه او من اإلسرائيليات‪ ،‬ولكنه في الحقيقة حسب قانونية «لتركبن سنن الذين من قبلكم»‬
‫صحيح‪ ،‬الن األحاديث التي ذكرناها تقول ان يوشع‪ ‬مات في نفس الليلة التي مات بها‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬وانه حكم قبل يوشع‪ ‬ثالثة من الطواغيت كما حكم قبل اإلمام علي‪‬‬
‫ثالثة من الطواغيت‪ ،‬فمن غير المستغرب ان كعب وهو من علماء اليهود يعرف تواريخ واعمار‬
‫الطواغيت الثالثة الذين حكموا بعد موسى‪ ،‬فهو لم يتكهن بموت عمر بل هو متيقن منه‪،‬‬
‫النه يعتمد على مصدرين كتاب اللَّه والتوراة‪ ،‬وكل الباحثين والمتفقهين ينظرون لهذه االخبار‬
‫التي يسمونها باإلسرائيليات كونه نتاج مؤامرة‪ ،‬حتى انهم قالوا ان هذا الكالم من كعب اشارة‬
‫على اشتراكه في قتل عمر‪ ،‬والحقيقة انا ارى في كالم كعب تلميحة ذكية تتناسق مع مضمون‬
‫األحاديث‪.‬‬
‫وبما ان هناك جملة من احبار اليهود وعلمائهم مثل كعب االحبار وعبداللَّه بن سالم وتميم‬
‫الداري قد اسلموا وهم عند الناس من «بني إسرائيل»‪ ،‬فمن غير المستبعد ان تكون عبارة «حدث‬
‫عن بني إسرائيل وال حرج» لها معنى عام واخر خاص‪ ،‬فالخاص هو حدثوا عن هؤالء اليهود من‬
‫بني إسرائيل الذين اسلموا وال حرج عليكم النهم مسلمين وخصوصا عبد اللَّه بن سالم الذي‬
‫قيل عنه انه من نسل يوسف‪ ‬وكان اليهود يقولون عنه انه «سيدنا وابن سيدنا واعلمنا وابن‬
‫اعلمنا» فهو من الناحية النسبية من بني إسرائيل وينطبق علية معنى عبارة الحديث بمعنى معين‬
‫كما اتصور‪ ،‬هذا إذا احذنا بنظر االعتبار ان بعض الشخصيات اليهودية كان لها نشاط منبري‬

‫((( الطبري‪ :‬تاريخ الرسل والملوك‪ /‬ج‪ /4‬ص ‪191‬‬


‫��������������������������‬ ‫‪233‬‬

‫في المدينة يتحدثون فيه عن نبي اخر الزمان والبد ان كالمهم مستقى من التوراة وهؤالء كانوا‬
‫يتحدثون بروايات بالمعنى التاريخي والمستقبلي فيما يصر المسلمون بوصفها روايات ذات‬
‫طابع مؤسساتي‪.‬‬
‫‪ - 4‬انطباقات لم تقع‬
‫هناك جملة من الحوادث حدثت في بني إسرائيل ال تجد لها انطباق على امة اإلسالم‪،‬‬
‫وهناك حوادث في امة اإلسالم ال تجد لها انطباق في بني إسرائيل بشكل كلي او جزئي‪ ،‬مثل‬
‫والدة المسيح ‪ ‬بدون اب‪ ،‬انفالق البحر لموسى‪ ‬او حادثة اإلسراء والمعراج‪ ،‬وان كانت‬
‫المرويات تشير إلى ان كل ما جرى على األنبياء سيجري على رسول اللَّه‪ ‬وما كان لرسول‬
‫اللَّه‪ ‬فهو آلل بيته والمروايات من الكثرة بمكان والتي ذكرت جملة من معاجز األنبياء ظهرت‬
‫على يد رسول اللَّه وآل بيته صلوات اللَّه عليهم اجمعين‪ ،‬ومن هنا فيمكن بيان هذا األمر بنقطتين‬
‫األولى‪ :‬ان هناك جملة من الحوادث جرت في تاريخ بني إسرائيل ولم تقع في حياة رسول‬
‫اللَّه‪ ‬او احد اوصيائة‪ ،‬ولكنها ستقع في المستقبل على يد اإلمام الحجة ابن الحسن‪ ‬في‬
‫الظهور المقدس وخصوصاً ان يوم الرجعة يوم طويل جدا ستظهر فيه عجائب اكبر مما حدث‬
‫في االمم السابقة‪ ،‬عن ابي عبد اللَّه جعفر بن محمد‪«‬ما من معجزة من معجزات األنبياء‬
‫(((‬
‫واالوصياء اال يظهر اللَّه تبارك وتعالى مثلها على يد قائمنا ألتمام الحجة على االعداء»‬
‫الثاني‪ :‬ربما عبارة «لتركبن سنن الذين من قبلكم» الخطاب فيها موجه لعامة االمة وال يشمل‬
‫الخطاب األنبياء واالوصياء اي ان ما جرى في بني إسرائيل سيقع فيكم بقدر تعلق هذا الحدث‬
‫بالنبي او بالوصي او بعموم الناس اما األحداث الخاصة باألنبياء واالوصياء لوحدهم فهي‬
‫غير مشمولة بهذا التصور مثل اإلسراء والمعراج او رحالت أمير المؤمنين في العوالم الن آل‬
‫محمد‪ ‬لهم ما لألنبياء وزيادة‪ ،‬والزيادة الواقعة في هذه االمة ال تجدها في تاريخ بني إسرائيل‪،‬‬
‫وبالنتيجة ما يجري في هذه االمة يغطي كل تاريخ بني إسرائيل اال ان ما يجري في بني إسرائيل‬
‫ال يغطي كل ما سيقع في هذه االمة من هذا الجانب‪ ،‬دليله األحداث الجسيمة التي ستقع في‬
‫الرجعة‪ ،‬وهذه النقطة تكون غير كاملة االستقراء إذا اعترفنا بان احداث الظهور والرجعة هو‬
‫حدث خاص بكل الديانات وتاريخه تاريخ كل الديانات‪.‬‬
‫‪ - 5‬االنطباق المستقبلي‬
‫ليس كل ما حدث في امة موسى‪ ‬في حياة موسى‪ ‬قد وقع في امة رسول اللَّه ‪ ‬في‬
‫حياة رسول اللَّه‪ ،‬وليس كل ما حدث في امة موسى بعد رحيل موسى‪ ‬قد وقع في امة‬

‫((( الشهاب الثاقب‪ /‬ج‪ /2‬ص‪8‬‬


‫‪234‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫رسول اللَّه ‪ ‬بعد وفاة رسول اللَّه‪ ،‬وبالتالي فان جملة منها سيقع في المستقبل‪.‬‬
‫وكل ما جرى في بني إسرائيل وهذه االمة يمكن متابعته من خالل تاريخ امتد من يوم دعوة‬
‫موسى‪ ‬إلى يومنا هذا‪ ،‬ومنها فترة الغيبة الكبرى باعتبار كل هذا تاريخ حدث ومضى ويمكن‬
‫المقارنة بين احداثة‪ ،‬اما هنا فنحن نبحث عن انطباق مستقبلي‪ ،‬اي انطباق ما جرى في بني‬
‫إسرائيل على ما سيجري على هذه االمة في المسقبل ومنها عالمات الظهور واحداث ظهور‬
‫اإلمام لمهدي‪ ،‬فيمكن االستفادة من تاريخ بني إسرائيل بعد موسى‪ ‬لمعرفة احوال الغيبة‬
‫واحوال الظهور‪.‬‬
‫وما جرى في بني إسرائيل ولم يتحقق في هذه االمة االن ربما سيحدث في قادم الزمان‪،‬‬
‫فال زال بطل اخر الزمان في غيبته‪ ،‬وعند ظهوره ستجري الكثير من األحداث التي جرت في‬
‫بني إسرائيل وال نجد لها انطباق في هذه االمة‪ ،‬ومنها «قصة طالوت وجالوت وعبور النهر»‪،‬‬
‫وأحاديث آل محمد‪ ‬تقول بان هذا الحدث سيجري مثله على أصحاب القائم‪ ،‬وموسى‬
‫‪ ‬شق البحر لقومه ولم يقع في هذه االمة مثله‪ ،‬ونحن نكون غير مجانبين للصواب إذا قلنا‬
‫ان مثل هذا األمر قد يقع في زمن اإلمام المهدي ‪ ‬وبالتالي فان بعض األحداث دالتها الزمن‬
‫المستقبلي‪ ،‬هذا على المعنى العام اما على المعنى الخاص باإلمام المهدي‪ ‬فاألحاديث‬
‫تذكر ان له من األنبياء سنن وسيجري عليه احوال جرت على جملة من األنبياء(((‪.‬‬
‫ََ‬
‫والنقطة االساسية لمتابعة هذا الموضوع تجدها في القرآن الكريم ابتداء من قوله تعالى﴿أل ْم‬
‫َ‬ ‫َ ْ ُ َ ٰ ْ َ ُ َ ّ َّ ُ ُ ْ َ ْ َ َ َ ً ُّ َ ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َْ َ‬
‫يل‬‫ب لهم ابعث لا مل ِك نقات ِل ِف سب ِ ِ‬ ‫ل مِن ب ِن إِسائِيل مِن بع ِد موس إِذ قالوا لِ ِ ٍ‬
‫تر إِل الم ِ‬
‫َّ‬
‫اللِ ۖ‪(((﴾ ..........‬وهي اآليات التي تكلمت عن احوال طالوت وجالوت وكيفية قتل جالوت‬
‫من قبل داود‪ ‬ثم استخالف األرض لبني إسرائيل في زمن سليمان‪ ،‬ومتابعة احوال ُملك‬
‫سليمان‪ ‬وكيف حشر اللَّه له جنوده من الجن واالنس والطير والريح وغيرها تعطينا افق لفهم‬
‫احوال القائم‪ ‬ودولته‪ ،‬علماً ان االستخالف الذي جرى في زمن سليمان‪ ‬هو استخالف‬
‫جزئي ونوذج ُمصغّر من دولة خالفة اللَّه على األرض في زمن اإلمام المهدي‪‬‬

‫((( عن اإلمام زين العابدين‪« ‬في القائم سنن من سبعة أنبياء‪ ،‬سمة من ابينا آدم وسنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من‬
‫موسى وسنة من عيسى وسنة من ايوب وسنة من محمد صلوات اللَّه عليهم‪ ،‬فاما من آدم ونوح فطول العمر‪ ،‬واما من‬
‫ابرهيم فخفاء الوالدة واعتزال الناس‪ ،‬واما من موسى فالخوف والغيبة‪ ،‬واما من عيسى فاختالف الناس فيه‪ ،‬واما من ايوب‬
‫فالفرج بعد البلوى واما من محمد فالخروج بالسيف» منتخب االثر‪ /‬ج‪ /2‬الفصل ‪ /39‬ج ‪1 /686‬‬
‫((( البقرة‪251 - 246 /‬‬
‫����������������������‬ ‫‪235‬‬

‫حبابة الوالبية وح�صاتها‬

‫اغلب القصص التي عرفناها وقرأناها لها بداية ونهاية‪ ،‬وعادة ما تظهر الغاية منها في‬
‫نهاياتها‪ ،‬اذ تظهر الفكرة او الحكمة المزبورة في احداثها‪ ،‬ولكن قليلة هي تلك القصص التي‬
‫تظل نهاياتها مفتوحة‪ ،‬فغاياتها وحكمتها موضوع متعلق باحداث المستقبل الذي سيحدث فيه‬
‫التغيير الكبير‪ ،‬فهي قد صيغت لتكون جزء من ذلك الحدث الكبير‪ ،‬وهكذا قصص بحكم سير‬
‫احداثها مع الزمن تصاعدياً تظل مرتبطة بموضوع االنتظار حصرا ً‪ ،‬واألحداث والحكمة المتعلقة‬
‫بها تظل بانتظار ذلك الحدث‪ ،‬وقصة حبابة الوالبية وحصاتها العجيبة من هذا النوع‪ ،‬فهي لم‬
‫تفني حياتها لتحمل حصاة‪ ،‬بل هي فنت حياتها حاملة معها جزء من مشروع االنتظار نفسه‪ ،‬اذ‬
‫بقيت حبابة تسأل سؤال واحد «من هو الوصي بعدك»‪ ،‬فقد مسكت حبابة حصاتها كالمؤمن‬
‫القابض على دينه‪ ،‬فحبابة سألت عن محور الدين الذي هو اإلمامة‪ ،‬وحصاتها كانت الدليل‬
‫على شخوص األئمة ‪ ،‬وستكون دليل من جملة االدلة لمعرفة صاحب الزمان ‪.‬‬
‫هي حبابة الوالبية من بني اسد من اليمن‪ ،‬وهي من المعمرات وادركت ثمانية من األئمة‬
‫المعصومين ‪ ‬وماتت في ايام الرضا‪ ،‬عدها أصحاب الرجال من أصحاب اإلمام الحسن‪‬‬
‫ومن أصحاب الباقر‪ ‬وممن روى عن أمير المؤمنين‪ ‬وعن ابي جعفر‪ ،‬وقيل انها ام‬
‫هاني‪،‬وام غانم‪ ،‬وام الندى‪ ،‬وام سليم‪ ،‬وام اسلم‪.‬‬
‫ولحبابة وحصاتها قصة عجيبة استمرت اكثر من مئة سنة وعاصرت جملة من المعصومين‬
‫‪ ،‬ولمعرفة شخصية حبابة وقصة حصاتها البد من متابعتها بشكل متسلسل حسب تواجدها‬
‫مع المعصومين ‪.‬‬
‫مع رسول اللَّه ‪:‬‬
‫عن سلمان والبراء قاال‪ :‬قالت ام سليم‪ :‬كنت أمرأة قد قرأت التوراة واإلنجيل فعرفت اوصياء‬
‫األنبياء‪ ،‬واحببت ان اعلم وصي محمد‪ ،‬فلما قدمت ركبنا المدينة اتيت رسول اللَّه‪‬‬
‫وحلفت الركاب مع الحي‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اللَّه ما من نبي إال وكان له خليفتان‪ ،‬خليفة يموت‬
‫قبله وخليفة يبقى بعده‪ ،‬وكان خليفة موسى في حياته هارون ‪ ‬ثم كان وصيه بعد موته يوشع‬
‫بن نون‪ ،‬وكان وصي عيسى ‪ ‬في حياته كالب بن يوفنا فتوفي كالب في حياة عيسى ووصيه‬
‫‪236‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫بعد وفاته شمعون بن حمون الصفا ابن عمة مريم‪ ،‬وقد نظرت في الكتب األولى فما وجدت‬
‫لك إال وصي واحد في حياتك وبعد وفاتك‪ ،‬فبين لي بنفسي انت يا رسول اللَّه من وصيك؟‬
‫فقال رسول اللَّه‪ :‬ان لي وصياً واحدا ً في حياتي وبعد وفاتي‪ .‬قلت له‪ :‬من هو؟ فقال‪ :‬ايتيني‬
‫بحصاة‪ ،‬فرفعت اليه حصاة من األرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده كسحيق الدقيق ثم عجنها‬
‫فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه فبدا النقش فيها للناظرين‪ ،‬ثم اعطانيها وقال‪ :‬من استطاع‬
‫مثل هذا فهو وصيي‪ .‬قالت‪ :‬ثم قال لي‪ :‬يا ام سليم وصيي من يستغني بنفسه في جميع حاالته‬
‫كما انا مستغن‪ ،‬فنظرت إلى رسول اللَّه وقد ضرب بيده اليمنى إلى السقف وبيده اليسرى إلى‬
‫األرض قائماً ال ينحني في حالة واحدة إلى األرض وال يرفع نفسه بطرف قدميه‪ .‬قالت‪ :‬فخرجت‬
‫فرأيت سلمان يكنف((( علياً ويلوذ بعقوته دون من سواه من اسرة محمد وصحابته على حداثة‬
‫سنه‪ ،‬فقلت في نفسي هذا سلمان صاحب الكتب األولى قبلي‪ ،‬صاحب االوصياء وعنده من‬
‫العلم ما لم يبلغني فيوشك ان يكون صاحبي‪ ،‬فاتيت علياً‪ ‬فقلت‪ :‬انت وصي محمد‪‬؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬ما تريدين؟ قلت‪ :‬ما عالمة ذلك؟ فقال اتيني بحصاه‪ .‬قالت‪ :‬فرفعت اليه حصاة‬
‫من األرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده فجعلها كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة‬
‫حمراء ثم ختمها‪ ،‬فبدا النقش فيها للناظرين ثم مشى نحو بيته فاتبعته الساله عن الذي صنعه‬
‫رسول اللَّه‪ ‬فالتفت الي ففعل مثل الذي فعله‪ .‬فقلت‪ :‬من وصيك يا ابا الحسن؟ فقال‪ :‬من‬
‫يفعل مثل هذا‪ .‬فقالت ام سليم‪ :‬فلقيت الحسن بن علي‪ ‬فقلت‪ :‬انت وصي ابيك هذا؟ وانا‬
‫اعجب من صغره وسؤالي اياه مع اني كنت عرفت صفتهم االثنا عشر إماماً وابوهم سيدهم‬
‫وافضلهم فوجدت ذلك في الكتب األولى‪ .‬فقال لي‪ :‬نعم اناوصي ابي‪ .‬فقلت‪ :‬ما عالمة ذلك؟‬
‫فقال‪ :‬ايتيني بحصاه‪ .‬قلت‪ :‬فرفعت اليه حصاه فوضعها بين كفيه ثم سحقها كسحق الدقيق ثم‬
‫الي‪ ،‬قلت له‪ :‬فمن وصيك؟‬ ‫عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فبدا النقش فيها ثم دفعها ّ‬
‫قال‪ :‬من يفعل مثل هذا الذي فعلت‪ ،‬ثم مد يده اليمنى حتى جازت سطوح المدينة وهو قائم‬
‫ثم طأطأ يده اليسرى فضرب بها األرض من غير ان ينحني او يتصعد‪ ،‬فقلت‪ :‬في نفسي‪ :‬من‬
‫يرى وصيه؟ فخرجت من عنده فلقيت الحسين‪ ‬وكنت عرفت نعته من الكتب السالفة بصفته‬
‫وتسعة من ولده اوصياء بصفاتهم غير اني انكرت حليته لصغر سنه فدنوت منه وهو على كسرة‬
‫رحبة المسجد‪ ،‬فقلت له‪ :‬من انت يا سيدي؟ قال‪ :‬انا طلبتك يا ام سليم‪ ،‬انا وصي االوصياء‬
‫وانا ابو التسعة األئمة الهادية‪ ،‬وانا وصي اخي الحسن‪ ،‬واخي وصي ابي علي‪ ،‬وعلي وصي‬
‫جدي رسول اللَّه‪ .‬فعجبت من قوله فقلت‪ :‬ما عالمة ذلك؟ فقال‪ :‬ايتيني بحصاة‪ .‬فرفعت اليه‬

‫((( كنف الشيء صانه وحفضه‬


‫����������������������‬ ‫‪237‬‬

‫حصاة من األرض‪ .‬قالت ام سليم‪ :‬فلقد نظرت اليه فوضعها بين كفيه فجعلها كهيئة السحيق من‬
‫الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء فختمها بخاتمه فثبت النقش فيها ثم دفعها إلي وقال لي‪:‬‬
‫انظري فيها يا ام سليم فهل ترين فيها شيئا؟ قالت ام سليم‪ :‬فنظرت فإذا فيها رسول اللَّه‪ ‬وعلي‬
‫والحسن والحسين وتسعة من األئمة صلوات اللَّه عليهم اوصياء من ولد الحسين‪ ‬قد تواطئت‬
‫اسمائهم اال اثنين منهم‪ ،‬احدهما جعفر واالخر موسى‪ ،‬وهكذا قرأت في اإلنجيل‪ ،‬فعجبت‬
‫وقلت في نفسي‪ :‬قد اعطاني اللَّه الدالئل ولم يعطها من كان قبلي‪ ،‬فقلت‪ :‬يا سيدي اعد علي‬
‫عالمة اخرى‪ .‬قال‪ :‬فتبسم وهو قاعد ثم قام فمد يده اليمنى إلى السماء فواللَّه لكأنها عمود من‬
‫نار تخرق الهواء حتى توارى عن عيني وهو قائم ال يعبئ بذلك وال يتحفز‪ ،‬فاسقطت وصعقت‬
‫فما افقت اال ورايت في يده طاقة من آس يضرب بها منخري‪ .‬فقلت في نفسي‪ :‬مإذا اقول له بعد‬
‫هذا؟ وقمت وانا واللَّه اجد إلى ساعتي رائحة هذه الطاقة من اآلس‪ ،‬وهي واللَّه عندي لم تذو‬
‫ولم تذبل وال انتقص من ريحها شيء‪ ،‬واوصيت اهلي ان يضعوها في كفني‪ ،‬فقلت‪ :‬يا سيدي‬
‫من وصيك؟ قال‪ :‬من فعل مثل فعلي‪ ،‬قالت‪ :‬فعشت إلى ايام علي بن الحسين‪.(((»‬‬
‫لم تكن حبابة امرأة عادية بل هي عالمة بالكتب‪ ،‬قرأت التوراة واإلنجيل‪ ،‬او كما تسميها‬
‫الكتب األولى‪ ،‬ولعل هذه الكتب األولى غير التوراة واإلنجيل‪ ،‬وهذه المعرفة مكنتها من معرفة‬
‫شخص الرسول واوصيائه صلوات اللَّه عليهم اجمعين‪ ،‬وجعلتها تسأل عن قانون خاص باألنبياء‬
‫والديانات كون لكل نبي وصي‪ ،‬وبما ان الكتب ذكرت اسماء األنبياء واوصيائهم فالبد ان النبي‬
‫الخاتم‪ ‬له وصي‪ ،‬بل هي تؤكد ان لكل نبي وصيان احدهما يموت في حياته واالخر يموت‬
‫بعد مماته اال انها وجدت ان اخر األنبياء له وصي واحد‪ ،‬وحبابة امرآة ذكية النها عرفت ان‬
‫مستقبل اي دين مرتبط بشخص الوصي فكان السؤال عن الوصي هو محور حياتها‪.‬‬
‫واول لقاء لها مع رسول اللَّه‪ ‬كان في المدينة‪ ،‬وعلما يبدوا انها لم تدرك فترة تواجد‬
‫الرسول‪ ‬في مكة‪ ،‬فكان سؤال حبابة سؤال واحد ال غير‪ ،‬من هو وصيك يا رسول اللَّه‪‬؟‬
‫وكان بامكان رسول اللَّه‪ ‬ان يقول لها ان وصيي علي‪ ‬وهو مكتوب عندها في الكتب‬
‫األولى‪ ،‬اال انه وضعها أمام اثبات عملي بسحق الحصاة وعجنها بيديه وتحويلها إلى ياقوت‬
‫احمر ثم ختمها حتى تبين النقش في الحصاة‪ ،‬وبين لها ان من يقوم بنفس هذا العمل هو الوصي‬
‫لكي ال ي ّدعي احد وصاية رسول اللَّه‪ ‬اال بهذا االختبار االعجازي‪.‬‬

‫((( بحار األنوار ‪:‬ج‪ 25‬ص ‪186‬‬


‫‪238‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ثم يذكر الحديث حركة قام بها رسول اللَّه‪ ‬وهي«فنظرت إلى رسول اللَّه وقد ضرب بيده‬
‫اليمنى إلى السقف وبيده اليسرى إلى األرض قائماً ال ينحني في حالة واحدة إلى األرض وال‬
‫يرفع نفسه بطرف قدميه» والحقيقة لم افهم بالضبط معنى هذه الحركة لكن الواضح انها تشير‬
‫إلى امر اعجازي‪ ،‬ثم يذكر الحديث ان حبابة اهتدت إلى ان اإلمام علي‪ ‬هو وصي رسول‬
‫اللَّه‪ ‬ففعل لها بحصاة كما فعل رسول اللَّه‪ ،‬ثم فعل لها اإلمام الحسن‪ ‬كذلك‪ ،‬ثم فعل‬
‫لها اإلمام الحسين‪ ‬كذلك‪ ،‬والظاهر ان حبابة ادركتهم جميعا في نفس الوقت وربما في نفس‬
‫اليوم‪ ،‬وهم جميعا قاموا بنفس الحركة التي قام بها رسول اللَّه‪ ‬الثبات كونهم اوصياء‪.‬‬
‫وفي الحديث امر مهم وهو ان كل هذه االختام والنقوشات لم تجري على حصاة واحدة بل‬
‫حصيات‬ ‫النبي وكل امام صلوات اللَّه عليهم ختم لها على حصاة مفردة مما يشير إلى وجود اربع ُ‬
‫جرى عليها النقش‪ ،‬وسنتكلم عن هذا األمر في حديث لقاء حبابة مع اإلمام علي‪ ‬وبقية األئمة‬
‫حصيات متعددة‪ ،‬والغريب ان حبابة تقول انها‬ ‫كونهم كلهم طبعوا لها على حصاة واحدة وليس ُ‬
‫عرفت ان الحسن والحسين عليهما السالم وصيان على الرغم من صغر سنهما مما يشير إلى‬
‫ان لالوصياء عالمات مميزة حتى في صباهم‪ ،‬ويذكر الحديث ان الحصاة التي ختم فيها اإلمام‬
‫الحسين‪ ‬رأت فيها صور واسماء رسول اللَّه واألئمة االثنا عشر صلوات اللَّه عليهم اجمعين‪.‬‬
‫مع أمير المؤمنين ‪ :‬‬
‫روى محمد بن يعقوب باسناده عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عن حبابة الوالبية‪،‬‬
‫قالت‪ :‬رأيت أمير المؤمنين ‪ ‬في شرطة الخميس ومعه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي‬
‫الجري والمارماهي والزمار ويقول لهم يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان‪ ،‬فقام اليه‬
‫فرات بن احنف فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين وما جند بني مروان؟ قال‪ :‬فقال له‪ :‬اقوام حلقوا اللحى‬
‫وفتلوا الشوارب فمسخوا فلم ار ناطقاً احسن نطقا منه‪ ،‬ثم اتبعته فلم ازل اقفو اثره حتى قعد في‬
‫رحبة المسجد فقلت له‪ :‬يا أمير المؤمنين ما داللة االمامة يرحمك اللَّه؟ قالت‪ :‬فقال‪:‬أتيني‬
‫بتلك الحصاة‪ ،‬وأشار بيده إلى حصاة‪ ،‬فطبع لي فيها بخاتمه‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬ياحبابه أذا أدعى ُم ّدع‬
‫األمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فأعلمي أنه إمام مفترض الطاعة‪ ،‬واإلمام ال يعزب عنه شيء‬
‫يريده‪ ،‬قالت‪ :‬ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين ‪ ،‬فجئت إلى الحسن‪ ‬وهو في مجلس‬
‫أمير المؤمنين والناس يسألونه ‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا حبابة‪ .‬فقلت‪ :‬نعم يا موالي‪ ،‬قال‪ :‬هاتي ما معك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فاعطيته الحصاة‪ ،‬فطبع لي فيها كما طبع أمير المؤمنين‪ ،‬ثم اتيت الحسين‪ ‬وهو في‬
‫مسجد الرسول‪ ‬فقرب ورحب ثم قال لي اتريدين داللة اإلمام؟ فقلت‪ :‬نعم يا سيدي‪ .‬قال‪:‬‬
‫هاتي ما معك‪ ،‬فناولته الحصاة فطبع لي فيها‪ .‬قالت‪ :‬ثم أتيت علي بن الحسين ‪ ‬وقد بلغ‬
‫����������������������‬ ‫‪239‬‬

‫بي الكبر إلى أن أرعشت‪ ،‬وانا أعد يومئذ مائة وثالث عشرة سنة‪ ،‬فرأيته راكعاً ساجدا ً ومشغوالً‬
‫بالعبادة‪ ،‬فيئست من الداللة‪ ،‬فأومأ ألي بالسبابة فعاد إلي شبابي‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬ياسيدي كم‬
‫مضى من الدنيا وكم بقي؟ فقال‪ :‬اما ما مضى فنعم‪ ،‬وأما ما بقي فال‪ ،‬قالت‪ :‬ثم قال لي‪ :‬هاتي‬
‫ما معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها‪ ،‬ثم أتيت أبا جعفر محمد بن علي‪ ‬فطبع لي فيها‪ ،‬ثم‬
‫أتيت أبا عبد اللَّه جعفر بن محمد ‪ ‬فطبع لي فيها ثم أتيت ابا الحسن موسى بن جعفر‪ ‬فطبع‬
‫(((‬
‫لي فيها‪ ،‬ثم أتيت الرضا‪ ‬فطبع لي فيها»‬
‫الراجح ان لقاء حبابة مع أمير المؤمنين‪ ‬في الكوفة مقر حكم أمير المؤمنين‪ ‬في خالفته‬
‫بداللة موضوع شرطة الخميس في الحديث(((‪ ،‬كما ان الحديث يذكر ان أمير المؤمنين‪ ‬كان‬
‫يضرب بياعي الجري وتؤكد أحاديث اخرى تحمل نفس المعنى ان هكذا امر حدث في اسواق‬
‫الكوفة وليس في المدينة‪.‬‬
‫وعلما يبدوا ان هذا اللقاء الذي يذكره الحديث مع أمير المؤمنين‪ ‬وبقية األئمة ‪ ‬يختلف‬
‫عن اللقاء الذي ذكرناه في الحديث السابق عندما التقت حبابة مع رسول اللَّه‪ ‬وسألته عن‬
‫الوصي من بعده‪.،‬‬
‫قال القطب الراوندي‪ :‬وصاحبات الحصى ثالث احداهن هي وتكنى ام غانم‪ ،‬والثانية ام‬
‫الهدى حبابة بن جعفر الوالبية‪ ،‬واألولى اسمها سعاد من بني سعد بن ابي بكر بن عبد مناف‪،‬‬
‫والثالثة تدعى ام سليم كانت قارئة الكتب ولكل واحدة خبر(((‪.‬‬
‫قال ابو عبد اللَّه بن عياش‪ :‬هذه ام غانم صاحبة الحصاة غير تلك صاحبة الحصاة وهي ام‬
‫الندى حبابة بنت جعفر الوالبية االسدية وهي غير صاحبة الحصاة األولى التي طبع فيها رسول‬
‫اللَّه‪ ‬وأمير المؤمنين‪ ‬فانها ام سليم وكانت وارثة الكتب فهم ثالث ولكل واحدة منهن(((‪.‬‬
‫وال ادري على وجه الدقة هل هناك فعال عدة شخصيات بهذا االسم‪ ،‬ام الفروقات بين‬
‫الحديثين هي التي جعلتهم يذهبون إلى تعدد هذه الشخصية والقول بوجود ثالث نساء‬
‫صاحبات الحصى‪ ،‬ففي حديث لقائها مع رسول اللَّه‪ ‬كما ذكرت انها لم تكن حصاة واحدة‬

‫((( مدينة المعاجز‪/‬العالمة هاشم البحراني‪ ،‬الكافي‪ :‬ج‪ /1‬ص ‪ ،346‬كمال الدين وتمام النعمة‬
‫((( شرطة الخميس هم مجموعة من أصحاب أمير المؤمنين ‪ ‬عددهم ستة آالف وكان بينهم وبين أمير المؤمنين شرط اذ‬
‫ضمن لهم أمير المؤمنين‪ ‬الجنة ان هم شارطوه على الموت وهم مستعدين للموت في كل حين تحت رايته وهم صفوة‬
‫من أصحاب أمير المؤمنين‪‬‬
‫((( الخرائج‪ /‬القطب الراوندي‪428 /1 :‬‬
‫((( بحار األنوار‪ /‬ح‪ /25‬ص ‪180‬‬
‫‪240‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫بل كل من رسول اللَّه‪ ‬واإلمام علي واإلمام الحسن واإلمام الحسين عليهم افضل الصالة‬
‫والسالم طبع لها بحصاة مفردة بينما حديث لقائها مع اإلمام علي‪ ‬تذكر ان كل األئمة طبعوا‬
‫لها على حصاة واحدة‪ ،‬فيما حديث لقائها مع رسول اللَّه‪ ‬يذكر انها عاشت إلى ايام اإلمام‬
‫علي بن الحسين السجاد‪ ،‬فيما حديث لقائها مع اإلمام علي‪ ‬تذكر فيه انها ادركت اإلمام‬
‫الرضا‪ ،‬كما ان لقاء حبابة في المدينة مع اإلمام الحسن واإلمام الحسين‪ ‬كانا فيه صغيرين‬
‫اما في حديث لقائها مع اإلمام علي‪ ‬فلم يطبعا لها اال بعد استشهاد أمير المؤمنين‪ ‬وهما‬
‫كبيرين كل في زمانه‪ ،‬وهذا ربما دفعهم للقول بتعدد الشخصيات‪ ،‬ولكن يمكن القول بشكل‬
‫ظني بوحدة الشخصية على فرض انها روت حديث لقائها مع رسول اللَّه‪ ‬في زمن اإلمام‬
‫السجاد‪ ،‬وانها روت حديث لقائها مع أمير المؤمنين في زمن اإلمام الرضا‪ ،‬وفي كل‬
‫االحوال نحن نقصد حبابة التي اعاد لها اإلمام السجاد‪ ‬شبابها والتي ادركت اإلمام الرضا‪‬‬
‫وماتت في زمانه‪ ،‬ونقصد تلك الحصاة الوحيدة التي طبع بل كل هؤالء األئمة عليهم افضل‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬وعلما يبدوا ان هذه الحصاة التي اول من طبع بها أمير المؤمنين‪ ‬لم يكن‬
‫فيها لرسول اللَّه‪ ‬طبع‪ ،‬فكل حاالت تحويل الحصاة إلى عجين وتحويلها إلى ياقوت كانت‬
‫في زمن رسول اللَّه‪ ‬وفي وقت واحد‪ ،‬اما الحصاة التي طبع لها أمير المؤمنين‪ ‬فهي واحدة‬
‫انتقلت إلى كل األئمة‪ ،‬وكان الفارق بين كل عملية طبع لسنوات عديدة الن كل إمام طبع لها‬
‫في حياته وبعد موته تذهب حبابة لإلمام الذي يليه ليطبع لها لكي تعرف انه إمام‪.‬‬
‫ولعل ما يستوقفنا في الحديثين انه في حديث لقائها مع رسول اللَّه‪ ‬كانت تجري على‬
‫الحصاة عدة فعاليات«فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة‬
‫حمراء ختمها بخاتمه فبدا النقش فيها للناظرين» بينما في حديث لقائها مع اإلمام علي‪ ‬كانت‬
‫عبارة«طبع لها»‪ ،‬فهل هناك فرق بين «الختم» و«الطبع» ام اللفظتين من المترادفات‬
‫طبع على الشيء وضع عليه عالمة مميزة‪ ،‬او ترك فيه اثر‪ ،‬وطبع الشيء رسمه ونقشه‪ ،‬وطبع‬
‫النقود سكها‪ ،‬وطبع على الورق اي كتب عليه‪ ،‬وختم بالشمع االحمر اغلق بصورة محكمة‪،‬‬
‫وختم «بفتح الخاء»‪ ،‬هو قطعة صغيرة من المعدن او الحجر او غيرها منقوش عليها رسم او‬
‫كتابة او صورة او رمز إذا ما وضعتها على الشمع او الحبر ثم ضربت بها الورقة ظهرت صورة‬
‫ذلك النقش في الورقة او الشمع‪ ،‬وورد معنى الختم في األحاديث بعبارات مثل «مختوم بخاتم‬
‫السيد االكبر»(((‪.‬‬

‫((( عن ابي الحسن الرضا‪ ‬في ذكر قصة الخضر وقتل الغالم قال«واما الغالم فكان ابواه مؤمنين وطُبع كافرا ً» كذا نزلت‬
‫فنظرت إلى جبينه وعليه مكتوب طُبع كافرا ً تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /5‬ص ‪ /51‬ح‪4‬‬
‫����������������������‬ ‫‪241‬‬

‫ووردت لفظة«طبع» في القرآن في عدة موارد اغلبها مربوط بالقلب مثل قوله تعالى﴿ َو َط َب َع‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ ُ َ َ ٰ ُ ُ‬
‫ع قلوب ِ ِه ْم ف ُه ْم ل َي ْعل ُمون﴾(((‪ ،‬ولم يرد لفظ الطبع مع السمع والبصر‪ ،‬اما لفظة «ختم» فقد‬ ‫الل‬
‫وردت في القرآن بعدة موارد مرتبطة بالقلب والسمع والبصر واألفواه‪ ،‬كما في قوله تعالى﴿ َخت َمَ‬
‫ُ َ ّ‬ ‫َ ْ ْ َ َْ ُ ََٰ َ ْ‬ ‫ع َأب ْ َصاره ِْم غ َِش َ‬
‫ع َس ْمعِ ِه ْم ۖ َو َ َ ٰ‬
‫ع قُلُوب ِه ْم َو َ َ ٰ‬
‫الل َ َ ٰ‬
‫َّ ُ‬
‫ع أف َواهِ ِه ْم َوتكل ُِم َنا‬ ‫اوةٌ ۖ﴾(((‪ ،‬وقوله ﴿الوم نتِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫أيْدِي ِه ْم﴾(((‪ ،‬واللفظتين بحاجة لبحث مفرد يخرجنا عن اصل موضوعنا‪.‬‬
‫وبما ان اللفظتين في األحاديث السابقة استخدمت لترك اثر على الحصاة‪ ،‬فيمكن القول‬
‫بشكل اولي ان الختم هو ترك اثر لصورة او رمز او حتى كتابة كما ورد في حديث لقائها مع‬
‫رسول اللَّه‪ ‬عبارة «ختمها بخاتمه فبدا النقش فيها للناظرين»‪ ،‬وفي نفس الحديث عندما‬
‫التقت مع اإلمام الحسين‪ ‬كانت العبارة «ثم دفعها إلي وقال لي‪ :‬انظري فيها يا ام سليم فهل‬
‫ترين فيها شيئا؟ قالت ام سليم‪ :‬فنظرت فإذا فيها رسول اللَّه‪ ‬وعلي والحسن والحسين وتسعة‬
‫من األئمة صلوات اللَّه عليهم اوصياء من ولد الحسين‪ ‬قد تواطئت اسمائهم اال اثنين منهم‪،‬‬
‫احدهما جعفر واالخر موسى» فهي هنا رأت اشياء مصورة‪،‬‬
‫اما الطبع فهو ترك اثر كتابة‪ ،‬فيكون الختم اقرب للمفهوم الرمزي والطبع اقرب لمفهوم‬
‫الكتابة‪.‬‬
‫مع اإلمام الحسن ‪:‬‬
‫راجع األحاديث السابقة ستجد ان حبابة التقت باإلمام الحسن‪ ‬مرتين األولى على عهد‬
‫رسول اللَّه‪ ‬والثانية بعد ان قبض أمير المؤمنين‪‬‬
‫مع اإلمام الحسين ‪:‬‬
‫راجع األحاديث السابقة ستجد ان حبابة التقت باإلمام الحسين‪ ‬مرتين‪ ،‬األولى على عهد‬
‫رسول اللَّه‪ ‬والثانية في مسجد رسول اللَّه‪ ‬والراجح انها التقت به ‪ ‬بعد رحيل اإلمام‬
‫الحسن‪ ‬النها تبحث عن داللة االمامة‪.‬‬
‫وعلما ما يبدوا ان عالقة حبابة مع اإلمام الحسين‪ ‬فيها خصوصية‪ ،‬ففي حديث لقائها‬
‫مع رسول اللَّه‪ ‬عندما التقت بالحسين‪ ‬كان صغيرا في العمر واعطاها في حصاتها شيء‬

‫((( التوبة‪93/‬‬
‫((( البقرة‪7/‬‬
‫((( يس‪65 /‬‬
‫‪242‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫مميز وهو انها رأت فيها صور األئمة ‪ ‬كما انه منحها طاقة آس لم تذو ولم تذبل وال انتقص‬
‫من ريحها شيء حتى انها طلبت ان توضع في كفنها عند موتها‪ ،‬اما حديث لقائها مع اإلمام‬
‫الحسين‪ ‬بعد رحيل أمير المؤمنين‪ ‬فوردت فيه عبارة «ثم اتيت الحسين‪ ‬وهو في مسجد‬
‫الرسول‪ ‬فقرب ورحب» اي قربني اليه ورحب بمقدمي‪ ،‬والحديث التالي يؤكد عالقتها‬
‫الخاصة مع اإلمام الحسين‪‬‬
‫علي امرأة من بني والبة قد احترق وجهها من‬ ‫عن صالح بن ميثم االسدي قال‪ :‬دخلت ّ‬
‫السجود يُقال لها حبابة‪ ،‬قالت‪ :‬با ابن أخ اال احدثك‪ ،‬كنت زوارة البي عبد اللَّه الحسين‪‬‬
‫علي واحتبست عليه اياماً فسأل ّ‬
‫علي‪ ،‬فقال‪ :‬يا حبابة ما‬ ‫فحدث بين عيني وضح فشق ذلك ّ‬
‫(((‬

‫علي؟ فقلت‪ :‬يا بن رسول اللَّه‪ ‬حدث بي هذا وكشفت القناع‪ ،‬فتفل ‪ ‬وقال‪ :‬يا‬ ‫ابطأ بك ّ‬
‫حبابة احدثي لله شكرا ً فان اللَّه قد درأه عنك‪ .‬قالت‪ :‬فخررت ساجده للَّه‪ ،‬فقال‪ :‬يا حبابة ارفعي‬
‫رأسك وانظري في مرآتك‪ ،‬فرفعت رأسي ونظرت في المرآة فلم احس منه شيئاً‪ ،‬قالت‪ :‬فحمدت‬
‫إلي وقال‪ :‬يا حبابة نحن وشيعتنا على الفطرة وسائر الناس منها براء»(((‪.‬‬‫اللَّه فنظر ّ‬
‫واضح من الحديث ان حبابة دائمة التردد على ابي عبد اللَّه الحسين‪ ‬لقولها انها كانت‬
‫«زوارة البي عبد اللَّه‪ »‬ولعل حبابة قد سمعت من األئمة ‪ ‬فضل زيارة الحسين‪ ،‬ولما‬
‫تاخرت عن زيارتها عن اإلمام الحسين‪ ‬سأل عنها فاخبرته ان فيها «وضح او برص بين عينيها»‬
‫فتفل اإلمام عليه فبرئت فامرها ان تحدث شكرا‪ ،‬بل بلغ األمر بقربها منهم ‪ ‬انها تطلب طلبات‬
‫خاصة‪ ،‬والحديث التالي انها طلبت معرفة مصير ابن اخيها‪.‬‬
‫عن حبابة الوالبية قالت‪ :‬قلت البي عبد اللَّه ‪ ‬ان لي ابن اخ وهو يعرف فضلكم واني‬
‫احب ان تعلمني امن شيعتكم؟ قال‪ :‬وما اسمه قالت‪ :‬قلت فالن بن فالن‪ ،‬قالت فقال‪ :‬يا فالنة‬
‫هات الناموس فجائت بصحيفة تحملها كبيرة فنشرها ثم نظر فيها فقال‪ :‬نعم ذا اسمه واسم ابيه‬
‫(((‬
‫هيهنا»‬

‫((( وفي حديث اخر انه برص‬


‫((( الدعوات‪ /‬الراوندي‪ /‬ص ‪65‬‬
‫((( بصائر الدرجات ‪/‬ج‪ /4‬باب ‪ /3‬ح‪1‬‬

‫الناموس هو ديوان عند ال محمد‪ ‬فيه اسماء الشيعة‪ .‬عن داود الرقي قال‪ :‬قلت البي الحسن الماضي‪ ‬اسمي عندكم في‬
‫السفط التي فيها اسماء شيعتكم؟ فقال‪ :‬اي واللَّه في الناموس» بصائر الدرجات ‪/‬ج‪ /4‬باب ‪ /3‬ح‪7‬‬
‫����������������������‬ ‫‪243‬‬

‫مع اإلمام علي بن الحسين السجاد ‪:‬‬


‫العالمة المميزة في حياة حبابة الوالبية بعد حصاتها هي مسألة اعادة اإلمام السجاد‪‬شبابها‬
‫لها‪ ،‬وهي تذكرنا بحادثة رد شباب زليخة من قبل نبي اللَّه يوسف‪.‬‬
‫كما ورد في الحديث «‪.....‬ثم أتيت علي بن الحسين ‪ ‬وقد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت‪،‬‬
‫وانا أعد يومئذ مائة وثالث عشرة سنة‪ ،‬فرأيته راكعاً ساجدا ً ومشغوالً بالعبادة‪ ،‬فيئست من الداللة‪،‬‬
‫فأومأ ألي بالسبابة فعاد إلي شبابي»‬
‫محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر‪ ‬قال‪ :‬حدثني ابي عن ابيه موسى بن جعفر عن‬
‫ابيه جعفر بن محمد عن ابيه محمد بن علي ‪ :‬ان حبابة الوالبية دعا لها علي بن الحسين فرد‬
‫اللَّه عليها شبابها فاشار اليها باصبعه فحاضت لوقتها ولها يومئذ مائة سنة وثالث عشرة سنة»(((‪.‬‬
‫ومسألة اعادة شببها تدل على ان حبابة صاحبة مشروع سيستمر إلى ايام اإلمام الرضا‪‬‬
‫وبما انها كبرت وبلغت مائة وثالث عشرة سنة فاعادة الشباب لها لم يكن السباب شخصية بل‬
‫السباب تتعلق بمهمتها مع حصاتها‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فجئت إلى علي بن الحسين عليهما السالم وهو في منوله قائما يصلي وكان يطول‬
‫فيها وال يتحوز فيها وكان يصلي الف ركعة في اليوم والليلة‪ ،‬فجلست ملياً فلم ينصرف من‬
‫صالته فاردت القيام فلما هممت به حانت مني التفاتة إلى خاتم في اصبعه عليه فص حبشي‬
‫فإذا هو مكتوب‪ :‬مكانك يا ام سليم آتيك بما جئت له‪ ،‬قلت فاسرع في صالته فلما سلّم قال لي‪:‬‬
‫يا ام سليم ايتيني بحصاة من غير ان اساله عما جئت له‪ ،‬فدفعت له حصاة من األرض فاخذها‬
‫فجعلها بين كفيه فجعلها كهيئة الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فثبت فيها‬
‫النقش فنظرت واللَّه إلى القوم باعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين‪ ،‬فقلت له‪ :‬فمن وصيك‬
‫جعلني اللَّه فداك‪ ،‬قال‪ :‬الذي يفعل مثل ما فعلت وال تدركين من بعدي مثلي(((‪ .‬قالت ام سليم‪:‬‬
‫فأنسيت ان اساله ان يفعل مثل ما كان قبله من رسول اللَّه وعلي والحسن والحسين صلوات اللَّه‬
‫عليهم‪ ،‬قلما خرجت من البيت ومشيت شوطاً ناداني‪ :‬يا ام سليم‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك‪ ،‬قال‪ :‬ارجعي‪،‬‬
‫فرجعت فإذا هو واقف في صرحة((( داره وسطا‪ ،‬ثم مشى فدخل البيت وهو يتبسم ثم قال‪:‬‬

‫((( كمال الدين وتمام النعمة‪ /‬الشيخ الصدوق‪ /‬ص ‪ 537‬ومثله في بحار األنوار‪ /‬ج‪ /25‬ص‪178‬‬
‫((( هذه العبارة محل تأمل عندي وربما معنى العبارة انك لن تدركي شخص من بعدي مثلي كوني االبن المباشر لإلمام‬
‫الحسين‪ ‬واللَّه العالم‬
‫((( الصرحة ‪ :‬الدار ساحتها‬
‫‪244‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫اجلسي يا ام سليم‪ ،‬فجلست فمد يده اليمنى فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة وغابت‬
‫يده عني‪ ،‬ثم قال‪ :‬خذي ام سليم‪ ،‬فناولني واللَّه كيساً فيه دنانير وقرط من ذهب وفصوص كانت‬
‫لي من جزع في حق لي في منزلي‪ ،‬فقلت‪ :‬اما الحق فاعرفه‪ ،‬واما ما فيه فال ادري ما فيه غير اني‬
‫اجدها ثقيال‪ ،‬قال‪ :‬خذيها وامضي لسبيلك‪ ،‬قلت‪ :‬فخرجت من عنده ودخلت منزلي وقصدت‬
‫الحق فلم اجد الحق في موضعه فإذا الحق حقي قالت‪ :‬فعرفتهم حق معرفتهم بالبصيرة والهداية‬
‫فيهم من ذلك اليوم والحمد للَّه رب العالمين»(((‪.‬‬
‫والحديث يذكر انها ادركت اإلمام السجاد‪ ‬وعمرها مئة وثالث عشر سنة فاعاد لها اإلمام‬
‫السجاد شبابها‪ ،‬والواضح ان لقائها مع اإلمام السجاد كان بعد واقعة الطف فبعد استشهاد اإلمام‬
‫الحسين‪ ‬اصبح السجاد‪ ‬إماماً‪ ،‬وبما ان واقعة الطف حدثة سنة «‪ »61‬هجري‪ ،‬فنستكشف‬
‫ان عمرها يوم لقائها مع رسول اللَّه‪ ‬في المدينة ما بين االربعين والخمسين سنة‪.‬‬
‫ولكن الحديث هنا يذكر ان اإلمام السجاد قال لها «فلما سلّم قال لي‪ :‬يا ام سليم ايتيني‬
‫بحصاة من غير ان اساله عما جئت له‪ ،‬فدفعت له حصاة من األرض فاخذها فجعلها بين كفيه‬
‫فجعلها كهيئة الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فثبت فيها النقش فنظرت واللَّه‬
‫إلى القوم باعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين‪»‬‬
‫بينما حديثها لقائها مع اإلمام علي‪ ‬فيه العبارة التالية«ثم أتيت علي بن الحسين ‪ ‬وقد‬
‫بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت‪ ،‬وانا أعد يومئذ مائة وثالث عشرة سنة‪ ،‬فرأيته راكعاً ساجدا ً ومشغوالً‬
‫بالعبادة‪ ،‬فيئست من الداللة‪ ،‬فأومأ ألي بالسبابة فعاد إلي شبابي‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬ياسيدي كم‬
‫مضى من الدنيا وكم بقي؟ فقال‪ :‬اما ما مضى فنعم‪ ،‬وأما ما بقي فال‪ ،‬قالت‪ :‬ثم قال لي‪ :‬هاتي ما‬
‫معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها»‬
‫مما يشير إلى لقائين لحبابة مع اإلمام السجاد‪ ،‬األول فعل بالحصاة كما فعل رسول اللَّه‬
‫واألئمة عليهم الصالة والسالم «فجعلها بين كفيه فجعلها كهيئة الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة‬
‫حمراء ثم ختمها»‪ ،‬اما اللقاء الثاني فقد طالبها بنفس الحصاة التي عندها «ثم قال لي‪ :‬هاتي‬
‫ما معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها»‪ ،‬فعملية تحويل الحصاة إلى ياقوت هو اللقاء األول‬
‫على حصيات متعددة اما اللقاء الثاني فهو طبع على حصاة واحدة كلهم ‪ ‬طبعوا فيها‪ ،‬والذي‬
‫سيؤكده الحديث الالحق الذي سنذكره ان هذه الحصاة وصلت إلى اإلمام الحسن العسكري‪‬‬
‫فطبع لها‪.‬‬

‫((( بحار األنوار‪ /‬ج‪ /25‬ص ‪190‬‬


‫����������������������‬ ‫‪245‬‬

‫مع اإلمام محمد بن علي الباقر‪:‬‬


‫كما ورد في حديث لقاء حبابة مع اإلمام علي‪«‬ثم أتيت أبا جعفر محمد بن علي‪ ‬فطبع‬
‫لي فيها»‪.‬‬
‫دخلت حبابة الوالبية على ابي جعفر ‪ ‬محمد بن علي عليهما السالم‪ ،‬قال يا حبابة ما‬
‫الذي ابطأك؟ قالت‪ :‬قلت بياض عرض لي في مفرق رأسي كثرت له همومي‪ ،‬فقال‪ :‬يا حباة‬
‫ادنينيه‪ ،‬قال‪ :‬فدنوت منه‪ ،‬فوضع يده في مفرق راسي ثم قال أئتوا لها بالمرآة‪ ،‬فنظرت فإذا شعر‬
‫(((‬
‫مفرق رأسي قد اسود فسررت بذلك وسر ابو جعفر ‪ ‬بسروري»‬
‫على ما يبدوا انها كانت «زوارة» لكل األئمة ‪‬وهم يقولون لها دائما ما الذي ابطاء بك ع ًنا‪،‬‬
‫وكما تالحظ ان حبابة ابطأت عن اإلمام الحسين‪«‬لوضح بين عينيها» وهنا تتاخر عن اإلمام‬
‫الباقر‪«‬لبياض عرض لها في مفرق رأسها»‪ ،‬والحقيقة ان اإلمام السجاد‪ ‬قد اعاد لها شبابها‬
‫لكن فترة امامة اإلمام السجاد كانت طويلة مما ادى ان يظهر الشيب ثانية في راس حبابة فقالت‬
‫«كثرت له همومي» اذ ربما اعاد لها هذا الشيب هموم الكبر في السن‪ ،‬والواضح ان حبابة تعود‬
‫آلل البيت في كل شاردة وواردة‬
‫مع اإلمام جعفر بن محمد الصادق‪:‬‬
‫كما ورد في حديث لقاء حبابة مع اإلمام علي‪ ‬ثم أتيت أبا عبد اللَّه جعفر بن محمد ‪‬‬
‫فطبع لي فيها»‬
‫مع اإلمام موسى بن جعفر الكاظم‪‬‬
‫كما ورد في حديث لقاء حبابة مع اإلمام علي‪«‬ثم أتيت ابا الحسن موسى بن جعفر‪‬‬
‫فطبع لي فيها»‬
‫مع اإلمام علي بن موسى الرضا‪‬‬
‫كما ورد في حديث لقاء حبابة مع اإلمام علي‪«‬ثم أتيت الرضا‪ ‬فطبع لي فيها»‬
‫لما وصلت حبابة إلى اإلمام الرضا‪ ‬ورأت شخصه ضحكت‪ ،‬فقالوا قد خرفت يا حبابة‬
‫ونقص عقلك‪ ،‬فقال اإلمام الرضا‪«‬ما خرفت حبابه وال نقص من عقلها ولكن جدي أمير‬
‫المؤمنين‪ ‬اخبرها بانها عند لقائي تكون منيتها‪ ،‬وانها تكون من المكرورات مع المهدي‪ ‬من‬

‫((( بصائر الدرجات‪ /‬الصفار‪ /‬ص ‪200‬‬


‫‪246‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ولدي فضحكت شوقا لذلك وسرورا به وفرحا بقربها منه»‬


‫ووصولها إلى اإلمام الرضا‪ ‬هو مسك الختام لحياتها وتوفيت في زمن اإلمام الرضا‪‬‬
‫وقد كفنها بثوبه ‪ ‬ودفنت في البقيع بالمدينة المنورة بعد ان صلى اإلمام الرضا‪ ‬على جثمانها‬
‫الطاهر‪ ،‬وبهذا يكون عمرها اكثر من مئتي سنة على اقل تقدير‬

‫مع اإلمام محمد الجواد‪:‬‬

‫بعد وفاة حبابة في زمن اإلمام الرضا‪ ‬ال ندري مإذا حصل بعدها بحصاتها‪ ،‬والمفروض‬
‫ان الحصاة هذه ستمر على بقية األئمة ويطبعون عليها‪ ،‬والذي يؤكد هذا الكالم حديث سنذكره‬
‫الحقا حول لقاء احد احفاد حبابة باإلمام الحسن العسكري‪ ‬مما يدل ان اوالد واحفاد حبابة‬
‫قاموا بهذه المهمة بعد موتها في زمن اإلمام الرضا‪ ‬والبد وانهم قد تابعوا نفس المسير بالبحث‬
‫عن الوصي والبد وانهم وصلوا إلى اإلمام الجواد واإلمام الهادي عليهما السالم‬

‫مع اإلمام علي الهادي‪:‬‬

‫نفس الكالم السابق‬

‫مع اإلمام الحسن العسكري‪:‬‬

‫عن داود بن القاسم قال ‪ :‬كنت عند ابي محمد‪ ‬فاستؤذن لرجل من اهل اليمن فدخل‬
‫عليه رجل جميل طويل جسيم فسلم عليه بالوالية فرد عليه بالقبول‪ ،‬وامره بالجلوس إلى جنبي‬
‫فقلت في نفسي ليت شعري من هذا؟ فقال ابو محمد‪ ‬هذا من ولد االعرابية صاحبة الحصاة‬
‫التي طبع آبائي فيها بخواتيمهم فانطبعت‪ ،‬ثم قال فاخرج حصاة وفي جانب منها موضع املس‬
‫فاخذها واخرج خاتمه فطبع فيها فانطبع وكأني اقرأ الخاتم الساعة‪ ،‬الحسن بن علي‪ ،‬فقلت‬
‫لليماني‪ :‬رأيته قط قبل هذا؟ فقال‪ :‬ال واللَّه واني منذ دهر لحريص على رؤيته حتى كان الساعة‬
‫أتاني شاب لست اراه فقال‪ :‬قم فادخل فدخلت ثم نهض وهو يقول‪ :‬رحمة اللَّه وبركاته عليكم‬
‫أهل البيت ذرية بعضها من بعض اشهد ان حقك لواجب كوجوب حق أمير المؤمنين واليك‬
‫انتهت الحكمة واالمامة‪ ،‬وانك ولي اللَّه الذي ال عذر الحد في الجهل به فسألت عن اسمه‬
‫فقال‪ :‬اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن ام غانم وهي االعرابية صاحبة‬
‫الحصاة التي ختم فيها أمير المؤمنين عليه الصالة والسالم»(((‪.‬‬

‫((( البحار‪ /‬ج‪179 /25‬‬


‫����������������������‬ ‫‪247‬‬

‫واضح من الحديث المبارك ان مشروع حبابة وحصاتها قد توارثه ابنائها واحفادها بعد‬
‫وفاتها في زمن اإلمام الرضا‪ ،‬وما وصلت تلك الحصاة إلى اإلمام الحسن العسكري‪ ‬اال‬
‫وقد مرت على اإلمام الجواد واإلمام الهادي ‪ ،‬وقد اورد اإلمام الحسن العسكري هذا المعنى‬
‫بقوله «التي طبع آبائي فيها بخواتيمهم فانطبعت»‪ ،‬والمعنى العام لتوارث ابناء واحفاد حبابة‬
‫لهذه الحصاةيدل على ان الحصاة مشروع تظهر اثاره ومعناه في المستقبل‪ ،‬وهؤالء االشخاص‬
‫أصحاب تكليف خاص سيستمر إلى يوم ظهور صاحب األمر ‪.‬‬
‫مع اإلمام المهدي الحجة ابن الحسن‪ :‬‬
‫عن المفضل بن عمر قال‪ :‬سمعت ابا عبد اللَّه‪ ‬يقول«يكون مع القائم ثالثة عشرة امرأة»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وما يصنع بهن؟ قال‪«‬يداوين الجرحى ويقمن على المرضى كما ك ّن مع رسول اللَّه‬
‫‪ .»‬قلت‪ :‬فس ّمهن لي‪ .‬قال«القنواء بنت رشيد‪ ،‬وأم أيمن‪ ،‬وحبابة الوالبية‪ ،‬وسمية أم عمار بن‬
‫(((‬
‫ياسر‪ ،‬وزبيدة‪ ،‬وأم خالد األحمسية‪ ،‬وأم سعيد الحنفية‪ ،‬وصبانة الماشطة‪ ،‬وأم خالد الجهنية»‬
‫عن اإلمام الرضا‪«‬وانا ُمبشرك بأنك من المكرورات من المؤمنات مع اإلمام المهدي‪‬‬
‫من ذريتي إذا اظهر اللَّه امره»‪.‬‬
‫حبابة من المكرورات ومن المشموالت بالرجعة مع اإلمام المهدي‪ ‬حين ظهوره‪ ،‬والبد‬
‫ان حبابة ستعرض حصاتها على اإلمام المهدي‪ ‬لكي تتأكد انه الوصي‪ ،‬والراجح حسب هذا‬
‫الواقع الذي تذكره األحاديث ان ابناء حبابة نسلهم سيستمر طيلة فترة الغيبة الكبرى وهم يتوارثون‬
‫هذه الحصاة من ايام اإلمام الرضا‪ ‬إلى يوم ظهور القائم‪ ‬وربما سيسلمونها إلى حبابة يوم‬
‫رجعتها‪ ،‬وهذا بحد ذاته مشروع سري ال يمكن متابعته عبر التاريخ لعدم وجود معطيات عنه‬
‫اال ان واقع األحاديث كما قلت يشير إلى هكذا امر‪ ،‬والبد وان ختم اإلمام المهدي‪ ‬على‬
‫هذه الحصاة يوم ظهوره سيظهر الغاية والمعنى من كل هذه القصة التي حتما ستكون دليال‬
‫على انه وارث األنبياء واالوصياء‪ ،‬وخصوصاً ان هذه الحصاة فيها صور جميع األئمة ‪ ‬ومن‬
‫ضمنها صورة اإلمام المهدي‪ ‬نفسه فتكون هذه الصورة وختم اإلمام المهدي‪ ‬عليها دال‬
‫بشكل واضح على انتسابه آلل محمد‪ ،‬واليقين الذي عندي ان لهذه الحصاة شان سيظهر‬
‫مع ظهور الحجة ابن الحسن ‪ ‬إذا البد ان يختم القائم‪ ‬عليها الن الختم على هذه الحصاة‬
‫علما يبدوا مشروع له غاية ستظهر في اخر الزمان فإذا ختم عليها خاتم االوصياء ظهر سرها‬
‫المكنون‪ ،‬فمشروع حبابة يُحسم برحلة الحصاة نفسها النها تكشف ان الختم عليها حقيقة ال‬

‫((( اثباة الهداة‪ 575 /3 :‬كذلك دالئل االمامة‪259 /‬‬


‫‪248‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫تجري اال على يد معصوم‪ ،‬والموضوع في اخر الزمان سيكون فيه فرج وطمأنينة لقلوب شيعة‬
‫أمير المؤمنين‪ ‬فهي معجزة لمعرفة شخص اإلمام في زمن يكثر فيه الفتن والمدعين‪.‬‬
‫ولو تابعت التاريخ الديني ستجد جملة من القصص حول اشياء تركها األنبياء واالوصياء‬
‫السابقين لمن سياتي بعدهم من الالحقين والتي تفصل بينهم سنوات قد تصل الكثر من الفي‬
‫سنة‪.‬‬
‫من حديث طويل «فلما كان من امر علي ‪ ‬ما كان توجهنا معه فلما رجعنا من صفين‬
‫نزلنا ارضا قفرا ليس بها ماء‪ ،‬فشكونا ذلك إلى علي‪ ،‬فانطلق يمشي على قدميه حتى انتهينا‬
‫إلى موضع كان يعرفه فقال‪ :‬احفروا ههنا‪ .‬فحفرنا إذا بصخرة صماء عظيمة‪ ،‬قال‪ :‬اقلعوها‪ .‬قال‪:‬‬
‫فجهدنا ان نقلعها فما استطعنا‪ .‬قال‪ :‬فتبسم أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه من عجزنا عنها‪ ،‬ثم‬
‫اهوى اليها بيديه جميعا كأنما كانت في يده كرة‪ ،‬فإذا تحتها عين بيضاء كأنها من شدة بياضها‬
‫اللجين المجلو‪ ،‬فقال‪ :‬دونكم فاشربوا واسقوا وتزودوا ثم آذنوني بها‪ .‬قال‪ :‬ففعلنا ثم اتيناه‪.‬‬
‫فاقبل يمشي اليها بغير رداء وال حذاء فتناول الصخرة بيده ثم دحى بها في فم العين فالقمها إياها‬
‫ثم حثا بيده التراب عليها وكان ذلك بعين الديراني وكان بالقرب منها ومنا يرانا ويسمع كالمنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فنزل فقال‪ :‬اين صاحبكم؟ فانطلقنا به إلى علي‪ ‬فقال‪ :‬اشهد ان ال اله إال اللَّه واشهد ان‬
‫محمدا رسول اللَّه‪ ‬وانك وصي محمد ‪ ‬ولقد كنت ارسلت بالسالم عني وعن صاحب‬
‫لي مات كان اوصاني بذلك مع جيش لكم منذ كذا وكذا من السنين‪ ،‬قال سهل‪ :‬فقلت يا أمير‬
‫المؤمنين هذا الديراني الذي كنت ابلغتك عنه وعن صاحبه السالم‪ .‬قال‪ :‬وذكر الحديث يوم‬
‫مررنا مع خالد فقال له علي‪ :‬وكيف علمت اني وصي رسول اللَّه‪‬؟ قال‪ :‬اخبرني ابي وكان‬
‫قد اتى عليه من العمر مثل ما اتى علي‪ ،‬عن ابيه عن جده عمن قاتل مع يوشع بن نون وصي‬
‫موسى حين توجه فقاتل الجبارين بعد موسى باربعين سنة انه مر بهذا المكان وأصحابه عطشوا‬
‫فشكوا اليه العطش‪ ،‬فقال‪ :‬اما ان بقربكم عيناً نزلت من الجنة استخرجها آدم‪ ،‬فقام اليها يوشع‬
‫بن نون فنزع عنها الصخرة ثم شرب وشرب أصحابه وسقوا‪ ،‬ثم قلب الصخرة وقال ألصحابه ال‬
‫يقلبها إال نبي او وصي نبي قال‪ :‬فتخلف نفر من أصحاب يوشع بعد ما مضي فجهدوا الجهد‬
‫على ان يجدوا موضعها فلم يجدوا وانما بني هذا الدير على هذه العين وعلى بركتهاوطلبتها‬
‫(((‬
‫فعلمت حين استخرجتها انك وصي رسول اللَّه احمد الذي كنت اطلب»‬

‫((( البحار‪ /‬ج‪ /10‬ص ‪69 67‬‬


‫����������������������‬ ‫‪249‬‬

‫واضح من الحديث ان هناك امور يتوارثها بعض الناس تتعلق بتاريخ األنبياء واالوصياء الكثر‬
‫من الف سنة فلم يتحقق كالم ابو هذا الراهب اال بعد اكثر من الفي سنة بين يوشع‪ ‬واإلمام‬
‫علي‪ ،‬وهذه الصخرة ال يقلبها إال وصي‪ ،‬وتلك الحصاة ال يختم عليها إال وصي‪،‬فاالوصياء‬
‫السابقين يتركون اثر لالوصياء الالحقين وهناك اشخاص يتابعون الموضوع إلى حين ظهور‬
‫الوصي الالحق‪ ،‬فنحن نكون غير مجانبين للصواب إذا قلنا ان هناك من يتوارث هذ الحصاة إلى‬
‫يوم ظهور القائم لتكون داللة على وصايته‪.‬‬
‫وال تستغرب ان يكون لحبابة حجر يسير مع التاريخ بشكل سري إلى ان يصل إلى قائم آل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ َ َ‬
‫است ْسقاهُ ق ْو ُم ُه أ ِن‬ ‫محمد‪ ‬وقد ذكر القرآن الكريم ان لموسى‪ ‬حجر﴿ َوأ ْو َحيْ َنا إ ِ َ ٰل ُم َ ٰ‬
‫وس إِذِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ً َ ْ َ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫اس مشبهم ۚ﴾ ‪ ،‬وقد‬
‫(((‬
‫اضب بِعصاك الجر ۖ فانبجست مِنه اثنتا عشة عينا ۖ قد عل ِم ك أن ٍ‬ ‫ِ‬
‫ذكرت المرويات عن آل محمد‪ ‬ان هذا الحجر سيظهر مع القائم‪.‬‬
‫عن ابي جعفر‪«‬ان القائم إذا قام بمكة واراد ان يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه اال يحمل‬
‫احد منكم ما ًء وال شراباً ويحمل حجر موسى بن عمران‪ ‬وهو وقر بعير فال ينزل منزالً اال‬
‫انبعث منه عين‪ ،‬فمن كان جائعاً شبع‪ ،‬ومن كان ظامئاً روي‪ ،‬فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من‬
‫ظهر الكوفة»(((‪.‬‬

‫((( األعراف‪160/‬‬
‫((( الكافي‪ :‬ج‪ /1‬ص ‪ /180‬ح‪3‬‬
‫‪250‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫مفهوم الحركة البُعدية لل�سماوات والأر�ضين‬


‫عالمنا الذي نعيش فيه ثالثي األبعاد‪ ،‬وهي «الطول‪ ،‬والعرض‪ ،‬واالرتفاع» وهي التي يسمونها‬
‫في الهندسة «األحداثيات الديكارتية»‪ ،‬والنظريات العلمية الحديثة ومنها النظرية النسبية ونظرية‬
‫الكم وغيرها تؤكد وجود ابعاد اخرى قد تصل إلى «‪ »11‬بُعد‪ ،‬وقد تبنت النظرية النسبية مفهوم‬
‫ال ُبعد الرابع الذي هو الزمن‪،‬والزمن بُعد ليس له واقع هندسي كما هو حال األبعاد الثالثة‪ ،‬بل‬
‫هو بُعد من نوع آخر‪ ،‬وان عملية شرح او توصيل فكرة مفهومة وواضحة عن ال ُبعد الرابع مسألة‬
‫ليست سهلة‪ ،‬كما هو الحال لو رأيت موضوع في احد احالمك فانك تقول للناس اني رأيت‬
‫الموضوع الفالني وتشرحه للناس‪ ،‬ولكن ال يمكنك في كل االحوال ومهما بلغت من التعبير ان‬
‫تصف لهم حلمك بما هو عليه إال في حالة واحدة وهي انك ت ُدخل االخرين في احالمك وهذا‬
‫شُ به ُمحال‪ ،‬فموضوع البُعد الرابع اشبه بهذا االمر‪ ،‬فهو بحاجة إلى خيال خصب للتصور وفهم‬
‫دقيق لبعض مفاهيم المعادالت الرياضية المعقدة‪ ،‬وال يوجد لحد االن تصور عملي يمكن‬
‫االعتماد عليه في توضيح معنى ال ُبعد الرابع او األبعاد المتعددة‪ ،‬فكل هذه األبعاد يتم البرهنة‬
‫عليها رياضياً‪ ،‬ويستشعرها الفيزياويون والفالسفة وغيرهم حسياً‪ ،‬إال ان انطباقها على ارض‬
‫الواقع لم يحصل بعد ولم يحن اوانه بعد‪ ،‬ولكن هناك مثل يمكن من خالله تقريب المعنى‪.‬‬
‫افرض ان هناك نملة تعيش على خيط رفيع‪ ،‬وهي بموجب تواجدها في هذا العالم ذو ال ُبعد‬
‫الواحد فهي تستطيع الحركة لالمام والخلف فقط‪ ،‬وهي ُمتكيفة حسب الواقع الهندسي الذي‬
‫تعيش فيه‪ ،‬واالن تصور ان اللَّه ارسل إلى هذه النملة نبي ليقول لها ان هناك عالم اخر من بُعدين‪،‬‬
‫طبعاً النملة ال تستطيع ان تتخيل وجود هكذا عالم النها ال تعرف وال تحس إال بما تراه حواسها‪،‬‬
‫وعندما سألت النملة هذا النبي وقالت له ما معنى البُعدين؟ قال لها النبي معناه امكانية الحركة‬
‫إلى االمام وإلى الخلف وإلى اليمين وإلى اليسار‪ ،‬طبعاً النملة استغربت الموضوع ومهما‬
‫قلنا لها من ادلة فانها ربما تصدق من باب اإليمان بكون هذا النبي ليس بكاذب‪ ،‬إال انها على‬
‫المستوى اليقيني ال يمكن ان تتصور عالم ببعدين‪ ،‬فكان الحل النهائي ان يقوم هذا النبي بنقل‬
‫هذه النملة من عالمها ذو ال ُبعد الواحد إلى عالم جديد فيه بُعدين‪ ،‬وهنا ادركت النملة يقيناً مإذا‬
‫يعني الُبعد الثاني‪ ،‬النها تعاملت معه وعرفت مإذا يعني يمين ومإذا يعني يسار‪ ،‬وهكذا بقيت‬
‫النملة تعيش في هذا العالم لمئات السنين وتعلمت كل االجيال التي جاءت بعدها بان تعيش‬
‫����������������������������������������‬ ‫‪251‬‬

‫في عالم ذو بعدين وال تعرف غيره‪ ،‬وبعد مئات السنين جاء نبي لمجتمع النمل الذي يعيش‬
‫في بُعدين وقال لهم ان هناك بُعد ثالث‪ ،‬طبعاً العملية ستتكرر وهؤالء ال يفهمون ما هو البعد‬
‫الثالث‪ ،‬فقالوا للنبي وما هو ال ُبعد الثالث؟ فقال لهم ان االشكال فيه ُمجسمة وتستطيعون الحركة‬
‫إلى االمام والخلف‪ ،‬واليمين واليسار‪ ،‬والفوق والتحت‪ ،‬فقالوا له وما هو الفوق والتحت؟ ولم‬
‫تنفع كل وسائل االيضاح الفهامهم المعنى‪ ،‬فلم يبقى اال حل واحد وهو ان ياخذ النبي النمل‬
‫إلى عالم األبعاد الثالثة وعندها اصبح لديهم يقيناً ما هو البُعد الثالث‪.‬‬
‫واالن نحن نعيش في عالم ثالثي األبعاد وجائنا من يقول لنا ان هناك بُعد رابع‪ ،‬هنا سيأتي‬
‫نفس السؤال‪ ،‬وما هو ال ُبعد الرابع؟ طبعاً سيقوم األنبياء والصالحين بايضاح المفاهيم الحكمية‬
‫لهذا الموضوع‪ ،‬وسيقوم العلماء التجريبيين من اجراء التجارب ووضع المعادالت الرياضية‬
‫في محاولة الفهام الناس هذا المعنى‪ ،‬ولكن في الحقيقة المعنى كبير وهو بحاجة لمعرفة يقينية‬
‫للتفهيم‪ ،‬ومن هنا وضع اللَّه االحالم في تركيبة وطبيعة اإلنسان لكي يُعطيه معنى عن ال ُبعد‬
‫الرابع(((‪ ،‬كون االحالم فيها اشياء يراها ويفعلها اإلنسان كالطيران والخوارق مما ال يمكنه من‬
‫فعلها في عالم األبعاد الثالثة‪ ،‬وفي الحقيقة ان كل الناس في يوم من االيام سيرون ال ُبعد الرابع‬
‫عند الموت عندما يدخلون لالفق البرزخي‪ ،‬والخواص منهم من ماحضي اإليمان سيرونه في‬
‫«عالم الرجعة» عالم الجنة البرزخية(((‪.‬‬
‫فعليه يكون«الطول والعرض واالرتفاع» هو المكان‪ ،‬اما ال ُبعد الرابع فهو الزمان‪ ،‬فتكون‬
‫عبارة «الزمان والمكان» تعني «األبعاد األربعة»‪ ،‬وفي عالم األبعاد األربعة يمكن رؤية الشكل‬

‫((( عن ابي الحسن‪ ‬قال «ان االحالم لم تكن فيما مضى في اول الخلق وانما حدثت‪ ،‬فقلت‪ :‬وما العلة في ذلك؟ فقال‪ :‬ان‬
‫اللَّه عز ذكره بعث رسوال إلى اهل زمانه فدعاهم إلى عبادة اللَّه وطاعته فقالوا‪ :‬ان فعلنا ذلك فما لنا‪ ،‬فواللَّه ما انت باكثرنا‬
‫ماال وال باعزنا عشيرة‪ .‬فقال‪ :‬ان اطعتموني ادخلكم اللَّه الجنة وان عصيتموني ادخلكم اللَّه النار‪ .‬فقالوا‪ :‬وما الجنة وما‬
‫النار؟ فوصف لهم ذلك فقالوا‪ :‬متى نصير إلى ذلك؟ فقال‪ :‬إذا متم‪ .‬فقالوا‪ :‬لقد رأينا امواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً‪ ،‬فازدادوا‬
‫وجل فيهم االحالم فاتوه فاخبروه بما رأوا وما انكروا من ذلك‪ .‬فقال‪ :‬ان اللَّه ع ّز‬ ‫له تكذيبا وبه استخفافا‪ ،‬فاحدث اللَّه ع ّز ّ‬
‫وجل اراد ان يحتج عليكم بهذا‪ ،‬وهكذا تكون ارواحكم إذا متم وان بليت ابدانكم تصير االرواح إلى عقاب حتى تبعث‬ ‫ّ‬
‫االبدان»الكافي‪/‬الروضة‪ /‬ح‪1798‬‬

‫والحديث صريح كون االحالم موضوع استحدث واضيف إلى البشر وهو اشبه بالبرنامج الذي يمكن ان تضيفه للحاسبة‬
‫فتظهر خصائص جديدة ومن غير المستبعد في اخر الزمان ان تضاف لإلنسان برامج خارجية تجعله يعي ويفهم الكثير من‬
‫شؤنات الكون بشكل ال نتخيله االن‪.‬‬
‫((( ولو تخيلت نفسك سمكة تعيش في الماء تسير وفق ابعاد ثالثة وهي ال تعلم ان هناك عالم اخر خارج الماء وقال لها‬
‫احدهم ان خارج الماء عالم كامل فيه ابعاد اخرى لم تصدقه ولكنها إذا خرجت من الماء سنرى ذلك العالم ولكنها‬
‫ستموت فلن يظهر البعد الرابع اال عند الموت اما االن فنحن نتصوره ولكن ال ندركه‪.‬‬
‫‪252‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الهندسي الواحد بعدة اشكال‪.‬‬


‫واألبعاد الثالثة مستقيمة‪ ،‬اما البعد الرابع فهو ُمنحني كما يقول انشتاين‪ ،‬ويقول بعض‬
‫الفيزياويون ان البُعد الرابع ينتج من «انحناء األبعاد المكانية الثالثة»‪ ،‬اي إذا فقدت األبعاد الثالثة‬
‫«الطول والعرض واالرتفاع» حالتها المستقيمة وانحنت نتج من االنحناء البُعد الرابع‪ ،‬ومن هنا‬
‫استطاع انشتاين ان يفسر موضوع الجاذبية كونها قوة تنتج من انحناء نسيج الزمان والمكان بفعل‬
‫ضغط كتلة الكواكب‪.‬‬
‫واذ كان ال ُبعد الرابع « ُمنحني» بهذا الفهم فهم يعتقدون ان البعد الخامس «ملتوي»‪ ،‬ويمكن‬
‫تعميم هذا التصور على طبيعة العوالم فيمكن القول ان األبعاد الثالثة تك ّون عالم الزمان‪،‬‬
‫واألبعاد األربعة تك ّون عالم البرزخ‪ ،‬واألبعاد الخمسة تك ّون عالم الدهر وهكذا تنتج العوالم‬
‫بتعدد األبعاد‪.‬‬
‫وبهذا المعنى قد يكون مفهوم السماوات السبع واألرضين السبع تعني تعدد األبعاد‪ ،‬ولكل‬
‫سماء وارضها بحد ذاتها نوعين من األبعاد‪ ،‬نوع ايجابي«جهة ايجابية»‪ ،‬مادة ايجابية نورانية‪،‬‬
‫وهو الجنة وهو تلك السماء‪ ،‬وبُعد سلبي«مادة سلبية ظلمانية جهة سلبية»‪ ،‬هي النار وهي تلك‬
‫األرض‪ ،‬ويمكن ان تجد لهذا التصور مدخل من خالل فهم موضوع «المادة النقيضة»(((‪.‬‬
‫وبهذا المعنى تكون السماوات متسلسلة((( كما هو في الحديث‪،‬عن الحسين بن خالد‬
‫ك﴾‬ ‫ات ْ ُ‬
‫ال ُب ِ‬
‫َ‬ ‫وجل﴿ َو َّ‬
‫الس َماءِ ذ ِ‬ ‫ّ‬ ‫عن ابي الحسن الرضا‪ ‬قال‪ :‬قلت له اخبرني عن قول اللَّه ع ّز‬
‫فقال‪«:‬هي محبوكة إلى األرض»‪ ،‬وشبك بين اصابعه‪ ،‬فقلت‪ :‬كيف تكون محبوكة إلى األرض‬
‫َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ي ع َم ٍد ت َر ْون َها ۖ﴾(((‪ ،‬فقال«سبحان اللَّه اليس اللَّه يقول﴿‬ ‫واللَّه تعالى يقول﴿ َر َف َع َّ‬
‫الس َم َ‬
‫ات بِغ ِ‬
‫او ِ‬
‫َْ َ َ َ‬
‫ي ع َم ٍد ت َر ْون َها ۖ﴾»‪ ،‬قلت بلى‪ ،‬قال‪« :‬فثم عمد ولكن ال ترونها»‪ ،‬فقلت‪ :‬وكيف ذلك جعلني‬ ‫بِغ ِ‬
‫اللَّه فداك؟ قال‪ :‬فبسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها‪ ،‬فقال‪« :‬هذه ارض الدنيا والسماء‬
‫الدنيا فوقها قبة‪ ،‬واألرض الثانية فوق سماء الدنيا والسماء الثانية فوقها قبة‪ ،‬واألرض الثالثة فوق‬

‫((( يعتقد العلماء ان هناك جسم مضاد او نقيض لاللكترون يسمونه البويزترون مساوي له في الكتلة ويختلف معه في‬
‫الشحنة‪ ،‬فإذا كان االلكترون سالب الشحنة فالبويزترون موجب الشحنة‪ ،‬وهناك نقيض للبروتون الموجب هو بروتون‬
‫سالب الشحنة‪ ،‬وبما ان المادة العادية تتكون من تجمع الذرات وهذه الذرات تتكون من البروتونات وااللكترونات التي‬
‫يسمونها الجسيمات األولية فمنطقيا يمكن ان تكون هناك ذرة نقيضة تتكون من االلكترون النقيض والبروتون النقيض‬
‫وبالتالي تتكون المادة النقيضة من تجمع الذرات النقيضة‪ ،‬وإذا وجدت المادة النقيضة يتكون العالم النقيض وبالتالي‬
‫الكون النقيض‪.‬‬
‫((( ربما متسلسلة ومتداخلة في نفس الوقت‬
‫((( الرعد‪٢ /‬‬
‫����������������������������������������‬ ‫‪253‬‬

‫السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة‪.......‬واألرض السابعة فوق السماء السادسة والسماء‬
‫َ َ‬
‫وجل﴿خل َق‬
‫السابعة فوقها قبة‪ ،‬وعرش الرحمن تبارك وتعالى فوق السماء السابعة وهو قوله ع ّز ّ‬
‫ْ َ ُ َّ َ َ َ َّ ُ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫نل ال ْم ُر بَيْ َن ُه َّن﴾‪ ،‬فاما صاحب األمر فهو رسول‬ ‫ات﴾ طباقا﴿ َوم َِن ال ْر ِض مِثلهن يت‬ ‫َ َْ َ َ َ‬
‫سبع سماو ٍ‬
‫اللَّه‪ ‬والوصي بعد رسول اللَّه‪ ‬قائم على وجه األرض‪ ،‬فانما يتنزل األمر اليه من فوق‬
‫السماء من بين السماوات واألرضين»‪ .‬قلت‪ :‬فما تحتنا اال ارض واحدة؟ فقال‪« :‬ما تحتنا إال‬
‫(((‬
‫ارض واحدة وان الست لهن فوقنا»‬
‫فكلما دخلت بُعد جديدة رأيت سماء وجنة وارض ونار‪ ،‬فيكون مفهموم السماوات السبع‬
‫مفهوم ليس مكاني صرف‪ ،‬بل هو مفهوم بُعدي ُمتعلق بتغير األحداثيات وتعددها‪ ،‬فيمكن الهل‬
‫اي سماء ان يروا ما فوقهم وما تحتهم في الجنة‪ ،‬ولكن االنتقال يحتاج إلى معرفة باألبعاد‪ ،‬فيبقى‬
‫كل في درجته ولكن يستطيع ان ينظر لغيره(((‪.‬‬
‫وكل بعد من هذه األبعاد يمكن الدخول اليه من مداخل سماها القرآن ابواب﴿ َف َف َت ْ‬
‫ح َنا‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السماءِ بِما ٍء منه ِم ٍر﴾(((‪ ،‬ومن هنا قال عن السماء انها مبنية ﴿والسماءِ وما بناها﴾(((‪،‬‬ ‫َأب ْ َو َ‬
‫اب َّ‬
‫وربما مفهوم البناء ال يعني هيكلها الخارجي بل ما موجود فيها من بناء‪ ،‬كما تقول بنيت البلد‬
‫اي جعلت فيه مساكن وابنية وغيرها‪ ،‬الن كل مجموعة ابعاد بالبداهة تبني اشكال‪ ،‬فهناك اشكال‬
‫رباعية األبعاد‪ ،‬واخرى خماسية وهكذا‪ ،‬وتكون االبواب هي مداخل االنتقال من بُعد الخر‪.‬‬
‫ومن هنا افهم ان عملية االنتقال من سماء إلى اخرى ال بد ان ترتبط بلفظ خاص وهو‬
‫لفظ «العروج»‪ ،‬الذي يوحي لي انه في بعض معانيه االنتقال من بُعد الخر‪ ،‬وقد ارتبطت لفظة‬

‫((( تفسير البرهان‪ /‬ج‪ /4‬ح ‪ /2‬ص ‪ 243‬كذلك تفسير القمي ‪ /‬ج‪304 /2‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ورا َو َج َعل الش ْم َس َس ً‬ ‫َ َْ‬ ‫ً‬
‫‪؉‬و َج َعل الق َم َر فِيه َّن نُ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ْ َ ْ ْ‬
‫اجا﴾«نوح‪16/‬ــ‪»17‬هذه‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اوات ط َِباقا َ‬
‫((( قوله تعالى﴿ألم ت َروا كيف خلق الل سبع سم ٍ‬
‫اآلية الكريمة تدل على أن نوح ‪ ‬وقومه كانوا يرون هذه «السماوات السبع» اذ لو لم يكن لهم هذه القابلية على رؤية هذه‬
‫السماوات السبع العترضوا عليه ولقالوا له أننا ال نرى أال سماء واحده‪ ،‬فلو عكسنا هذا األمر على واقعنا الحالي وجاءنا‬
‫من يقول «انظروا إلى هذه السماوات السبع» ألنكرنا عليه ذلك وقلنا أننا ال نرى أال هذه السماء الدنيا‪.‬‬

‫فظاهر اآلية يوحي ان هناك سبع سماوات مرئية في فترة نوح ‪ ‬الن هذه الحقيقة متعلقة بنوع النظام الفلكي الذي كان سائدا ً‬
‫على األرض قبل الطوفان‪ ،‬لذلك ذكرهم بهذه النعمة عليهم‪ ،‬ثم أكدت اآلية التي تليها هذا المعنى وهي قوله تعالى‬
‫«وجعلنا القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراج» فعبارة «القمر فيهن» يدل على أن القمر موجود في هذه السماوات السبع‬
‫أو على اقل تقدير هو متحرك ضمن السماوات السبع بالتتابع‪.‬‬
‫((( القمر‪ 14/‬ووردت لفظة االبواب مقترنة مع الجنة ومع النار في القرآن الكريم‬
‫((( الشمس‪5/‬‬
‫‪254‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫َ‬ ‫العروج مع لفظة الباب في احد الموارد القرآنية كما في قوله تعالى ﴿ َول َ ْو َف َت ْ‬
‫ح َنا َعليْ ِهم بَابًا‬
‫َ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫الس َماءِ فظلوا فِيهِ َي ْع ُر ُجون﴾(((‪ ،‬فالعروج ليس حركة في مكان صرف‪ ،‬بل هو حركة بُعدية‬ ‫ّم َِن َّ‬
‫لدخول العوالم‪ ،‬لذلك ارتبطت لفظة العروج في القرآن مع المالئكة والسماء‪ ،‬فالمالئكة كائنات‬
‫َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ُ َ ُّ ُ َ‬
‫وح إِلْهِ ﴾(((‪ ،‬والسماء هو‬ ‫لها القابلية على الحركة «البُعدية» اي العروج﴿تعرج الملئِكة والر‬
‫الس َماءِ َو َما َي ْع ُر ُج فِيها ۚ﴾(((‪ ،‬الحظ عبارة«يعرج‬
‫َ‬ ‫الحيز الذي تتم فيه الحركة البعدية﴿ َو َما يَزن ُل م َِن َّ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فيها»الدالة بشكل واضح على ان العروج حركة في السماء‪ ،‬وإذا توخينا الدقة فان الحركة في‬
‫السماء من االعلى إلى االسفل «نزول»‪ ،‬والحركة في السماء من االسفل إلى االعلى «عروج»‪،‬‬
‫الني اتصور ان حركة النزول حركة مستقيمة الشكل‪ ،‬اما العروج فهي حركة «موجية»‪.‬‬
‫فيكون ال ُبعد الرابع هو ال ُبعد المالئكي المرتبط بحركة العروج‪ ،‬فكل مخلوق انسان او جان‬
‫يصل إلى هذا البُعد بجانبه االيجابي فهو «ملك»‪ ،‬وكل انسان او جان يصل إلى هذا البُعد بجانبه‬
‫السلبي فهو«مسخ»‪ ،‬فيكون البُعد الرابع هو اول ابواب السماء‪ ،‬وهو باب الجنة وباب النار‪،‬‬
‫وعليه يمكن القول افتراضا التالي‪:‬‬
‫السماء األولى‪ :‬هي سماء الجسم النوراني واألبعاد األربعة‬
‫السماء الثانية‪ :‬هي سماء المثال اللطيف واألبعاد الخمسة‬
‫السماء الثالثة‪ :‬هي سماء المادة((( واألبعاد الستة‬
‫السماء الرابعة‪ :‬هي سماء الطبائع((( واألبعاد السبعة‬
‫السماء الخامسة‪ :‬هي سماء النفس واألبعاد الثمانية‬
‫السماء السادسة‪ :‬هي سماء الروح واألبعاد التسعة‬
‫السماء السابعة‪ :‬هي سماء العقل واألبعاد العشرة‬
‫وبهذه الحالة تكون ارضنا ذات «األبعاد الثالثة» كما هو واضح‪ ،‬وعلى فرض ان قصة‬
‫الخليقة قد حدثت في واقع برزخي اي في حالة «بُعدية» ما بين البعد الرابع السماوي واألبعاد‬
‫الثالثية األرضية‪ ،‬فتكون عملية الهبوط من السماء إلى األرض والتي يتحدث عنها القرآن الكريم‬

‫((( الحجر‪14/‬‬
‫((( المعارج‪4/‬‬
‫((( سبأ‪2/‬‬
‫((( نفصد بالمادة مادة التخليق األولى «نار هواء ماء تراب»‬
‫((( نفصد بالطبائع «الحرارة البرودة اليبوسة الرطوبة»‬
‫����������������������������������������‬ ‫‪255‬‬

‫بنزول ادم وإبليس هي عملية االنتقال من ال ُبعد الرابع إلى األبعاد الثالثية‪ ،‬وربما لهذا السبب قال‬
‫لهم «اهبطوا»‪ ،‬فهم بهبوطهم البد ان يلبسوا جسم ثالثي يتناسب مع الواقع الجديد(((‪.‬‬

‫((( يقول الحاج عبد الرضا خان اإلبراهيمي«‪ ......‬والجسد البرزخي موجود في محله في عالم البرزخ الذي هو باطن هذا‬
‫العالم الظاهر وال يتحول من هذه االمكنة العرضية وال يذهب إلى جهة من هذه الجهات الستة اال ان الشخص إذا مات‬
‫انعدم ظهوره في هذه الدنيا وبقي جسمه وجسده البرزخي في البرزخ على حاله كما كان وما يقال ان روحه صعدت إلى‬
‫السماء الن لطافة عالم البرزخ بالنسبة إلى العالم الظاهر مثل لطافة السماء بالنسبة إلى األرض بل الطف وإذا وجد بدن‬
‫في الدنيا مرة اخرى ظهرت فيه الروح وقيل انها هبطت إلى األرض وهذا معنى هبوط آدم ‪ ‬إلى األرض ال كما يزعمه‬
‫العوام مثل الحجر النازل من السماء او من احد الكرات إلى األرض فمعنى اإلسراء او الذهاب إلى السماء هو هذا يعني‬
‫انعدام ظهوره في األرض ال انه صار مثل الصواريخ التي يطلقونها في هذه االيام إلى الهواء وتسير إلى جهة من الجهات‬
‫الستة وان اردنا ان نضع اصطالحا لذلك فالبد من ان نقول ان الروح صعدت إلى االعلى في الجهة السابعة وهذا هو‬
‫طريق وارتباط الجسد الدنياوي بالجسد البرزخي الذي ليس في أي جهة من الجهات الستة وإذا اردنا التعبير باصطالح‬
‫الرياضيات قلنا انه عمود على الجهات الستة ومن الذي قال ان الجهات منحصرة في هذه الجهات الستة المعروفة‬
‫نعم هذه الجمادات جهاتها منحصرة بهذه الجهات الستة فإذا ارتفعت عن الجمادية صارت لها جهة سابعة ةتسير فيها‬
‫والسماوات واقعة في طول هذا الطريق والعرش في نهايته ورزقنا يصل الينا من هذا الطريق ونحن اوالد ادم ‪ ‬جئنا من‬
‫هذا الطريق ونرجع من هذا الطريق ولكن العوام واهل الظاهر يزعمون ان الجهات منحصرة بهذه الجهات الستة وكل ما‬
‫يسمعون يحملونه على متفاهمهم ويتورون في فهم معاني االخبار وكلمات الحكماء واالخبار» رسالة مسائل طهران‪ /‬ص‬
‫‪/10‬مطبعة الغدير‬
‫‪256‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الجان والجن‬
‫قبل الولوج في معنى لفظتي الجان والجن البد من متابعة هاتين اللفظتين ومدلولهما قرآنيا‪،‬‬
‫َ ْ َ َّ‬
‫ان َخلَ ْق َناهُ مِن َقبْ ُل مِن نَّار َّ‬
‫الس ُم ِ‬
‫وم﴾(((‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فقد وردت لفظة «الجان» في سبعة موارد منها﴿وال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َّ‬
‫ٌّ‬
‫نس َول َجان﴾(((‪ ،‬وكما‬ ‫ان مِن َّمار ٍج ّمِن نَّار﴾(((‪َ ﴿،‬ف َي ْو َمئذ ل ي ُ ْسأل َعن ذنبهِ إ ٌ‬ ‫وقوله﴿وخلق ال‬
‫ِ ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تالحظ ان النصوص تذكر ان منشأ «الجان» من «نار السموم‪ ،‬مارج من نار» فهم من النار‪ ،‬اما‬
‫«الجن» فلم يذكر القرآن منشأهم‪ ،‬والكثير يعتقدون ان منشأ إبليس من النار النهم ال يف ّرقون بين‬
‫ََ َ ٌْ ْ َ َْ‬
‫ي ّمِن ُه ۖ خلق َت ِن‬ ‫الجن والجان‪ ،‬لذلك قال الحديث عن إبليس الجني انه كاذب حينما قال﴿أنا خ‬
‫ِني﴾‪ ،‬النه مخلوق من طين‪ ،‬فهو من الجن وليس من الجان‪.‬‬ ‫مِن نَّ َ َ َ ْ َ ُ‬
‫ار وخلقته مِن ط ٍ‬ ‫ٍ‬
‫«أي شيء يقول أصحابك في قول إبليس‬ ‫عن اسحاق بن جرير‪ ،‬قال‪ :‬قال ابو عبد اللَّه‪ّ ‬‬
‫ِني﴾»‪ .‬قلت‪ُ :‬جعلت فداك قد قال ذلك وذكره اللَّه في كتابه‪.‬‬ ‫ط‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫﴿ َخلَ ْق َتن مِن نَّار َو َخلَ ْق َت ُ‬
‫ه‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فقال‪«:‬كذب إبليس لعنه اللَّه‪ ،‬يا اسحاق ما خلقه اللَّه إال من الطين» ثم قال‪ :‬قال اللَّه ﴿الِي‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ ّ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ ً َ َ َ‬
‫ارا فإِذا أ ُنتم ّمِنْ ُه توق ُِدون﴾ خلقه اللَّه من تلك النار‪ ،‬والنار من‬ ‫ضن‬
‫جعل لكم مِن الشج ِر الخ ِ‬
‫تلك الشجرة‪ ،‬والشجرة اصلها من طين»(((‪.‬‬
‫وعلى هذا التصور يكون «الجن» فرع من «الجان» ويؤيده األحاديث التالية‪:‬‬
‫عن اإلمام الرضا‪ ‬عن آبائه ‪ ‬قال‪ :‬سأل الشامي أمير المؤمنين‪ ‬عن اسم ابي الجان‪،‬‬
‫فقال‪« :‬شومان‪ ،‬وهو الذي خلق من مارج من نار»‪ ،‬وسأله هل بعث اللَّه نبياً إلى الجن؟‬
‫وجل فقتلوه»(((‪.‬‬
‫فقال‪«:‬نعم‪ ،‬بعث اليهم نبيا يقال له يوسف فدعاهم إلى اللَّه ع ّز ّ‬
‫عن ابي بصير‪ ،‬عن الصادق جعفر بن محمد ‪ ‬انه قال‪ :‬اخبرني عن خلق آدم كيف خلقه‬
‫اللَّه تعالى؟ قال‪« :‬ان اللَّه تعالى لما خلق نار السموم وهي نار ال حر لها وال دخان فخلق منها‬
‫َ ْ َ َّ‬
‫ان َخلَ ْق َناهُ مِن َقبْ ُل مِن نَّار َّ‬
‫الس ُم ِ‬
‫وم﴾ وسماه مارجاً وخلق‬ ‫ِ‬ ‫الجان فذلك معنى قوله تعالى﴿وال‬

‫((( الحجر‪27 /‬‬


‫((( الرحمن‪15 /‬‬
‫((( الرحمن‪39 /‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /6‬ص ‪ /519‬ح‪3‬‬
‫((( علل الشرائع‪ 198 :‬كذلك عيون اخبار الرضا‪134 : ‬‬
‫نجلاو ناجلا‬ ‫‪257‬‬

‫منه زوجه وسماها مارجة فواقعها فولدت الجان ثم ولد الجان ولداً سماه لجن ومنه تفرعت قبائل‬
‫الجن ومنهم إبليس اللعين‪.(((».....‬‬
‫والحديث يذكر معلومة مهمة وهي ان ابو الجان هو شومان وخلق منه زوجته مارجة‪ ،‬وهذا‬
‫يذكرنا بخلق حواء من آدم‪ ،‬والموضوع يشير إلى ان بداية كل خلق زوجته ت ُخلق منه‪ ،‬فبداية خلق‬
‫الجن من شومان ومنه خلقت زوجته مارجة‪ ،‬وبداية البشرية هي من آدم ومنه خلقت زوجته‬
‫حواء‪ ،‬فعلى ما يبدوا ان هذه نقطة تاسيسية لكل بداية خلق‪.‬‬
‫فيكون «الجن» الذي إبليس منهم هم فرع من «الجان»‪ ،‬فالجان اصل مستقل خلقوا من‬
‫النار كما آدم اصل مستقل خلق من الطين‪،‬فالجان اقدم من الجن الن الجان اصل والجن فرع‪،‬‬
‫فيكون الجن فرع من اصل وليسوا اصل مستقل وإبليس من مواليدهم‪ ،‬او يمكن القول ان‬
‫«الجان» هو لقب عام لهذا الجنس كما ان آدم اسم عام لهذا الجنس‪ ،‬فيكون الجن بنوا الجان‬
‫كما تقول الناس بنو آدم‪.‬‬
‫وال ندري بالضبط كيف خرج الجن من الجان‪ ،‬ولكن يمكن القول بالنظر لشؤون ادم‪،‬‬
‫ان آدم من طين وابنائه من نطفة‪ ،‬فيكون الجان من النار وابنائهم من نطفهم‪ ،‬لذلك قيل في‬
‫األحاديث «الجن بنو الجان»‪ ،‬فالمستشف ان الجن هو الجيل الثاني من الجان(((‪ .‬والحديث‬
‫التالي يبين الكثير من احوال الجن والجان‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ ‬من حديث طويل «‪.......‬حين قال ربك للمالئكة الذين ْكانوا في األرض مع‬
‫ًَ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ٌ‬
‫ف ال ْر ِض َخل ِيفة ۖ﴾ بدال‬
‫إبليس وقد طردوا عنها الجن بني الجان وحقت العبادة ﴿ إ ِ ِن جاعِل ِ‬
‫(((‬

‫((( بيان العارفين في احوال الجن والشياطين‪ /‬عبد الرسول زين الدين‪/‬ح ‪ /397‬ص ‪ /263‬نقال عن تفسير البرهان‪329/2 :‬‬
‫عن تحفة االخوان‬
‫((( او ربما من خالل تعاقب االجيال فيهم اصبح الجن نوع ادنى من الجان كما ان اوالد آدم العاديين اقل منه مرتبة‪ ،‬او ربما‬
‫من انتكس من دورة الجان اصبح جن‪ ،‬كما ان الذي ينتكس من بني آدم من دورتنا يصبح مسخ فيكون الجن مسوخات‬
‫عالم الجان‪ ،‬وربما من انتكس منهم واصبح جن اضيف إلى عالمنا بهيئات آدمية او حيوانية وخصوصا ان الحديث يحدد‬
‫انهم خمس انواع حيات وعقارب وكالب وآدميين وعلى موجب هذا التصور بقي الجن معنا في هذه األرض اما الجان‬
‫فهم في اقليمهم الخاص‪ ،‬او يمكن القول ان من بقي منهم على ايمانه وصالحه وحافظ على العهد والميثاق بقي على‬
‫اصله «جان» اما من سفك الدماء وخالف العهد والميثاق اصبح «جن»‪ ،‬كما ان ابناء آدم من األنبياء واألولياء والصالحين‬
‫الذين بقوا على ايمانهم بقوا بشر انعم اللَّه عليهم‪ ،‬اما من كان من بني آدم وافسد فهو في اسفل سافلين فهو بشر بالصورة‬
‫ومسخ بالحقيقة‬
‫((( في مصادر اخرى خفت‬
‫‪258‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫منكم ورافعكم منها‪ ،(((»......‬والحديث واضح الداللة كون الجن ينحدرون من الجان لقوله‬
‫«الجن بني الجان»‪ ،‬وانهم افسدوا في األرض فتم طردهم من قبل المالئكة ومن ظمنهم إبليس‪،‬‬
‫وفي الحديث معلومة مهمة جدا ً كونهم بعد هذا الحدث تم رفعهم من األرض مما يؤكد ان‬
‫حادثة خلق آدم سماوية وان الذين اعترضوا هبطوا إلى األرض وهذا يفسر لنا تواجد إبليس على‬
‫األرض وفي السماء في قصة الخليقة(((‪.‬‬

‫((( تفسير اإلمام الحسن العسكري كذلك بحار األنوار‪118 /11 /‬‬
‫((( عن سلمان الفارسي ‪« ‬من حديث طويل عن احوال إبليس‪ ......‬فقل لهم«اي إبليس» اسمعوا مني معاشر الناكثين‬
‫وجل‬
‫وجل في الجان اثنتي عشرة الف سنة فلما اهلك اللَّه الجان شكوت إلى اللَّه ع ّز ّ‬
‫والقاسطين والمارقين عبدت اللَّه ع ّز ّ‬
‫الوحدة فعرج بي إلى السماء الدنيا فعبدت اللَّه في السماء الدنيا اثني عشر الف سنة اخرى في جملة المالئكة‪».......‬‬
‫صحيفة األبرار‪ /‬ج‪ /1‬الزء األول من القسم األول‪ /‬ح‪18‬‬
‫��������‬ ‫‪259‬‬

‫�ضلع �آدم‬
‫خلقت من احد اضالع‬ ‫الرأي الشائع عند اتباع المؤسسات الدينية وعامة الناس ان حواء ُ‬
‫ادم‪ ،‬وترتب على هذا االعتقاد ان اضالع الرجل ناقصة‪ ،‬والواقع التشريحي لجسم اإلنسان‬
‫يبين بما ال يقبل الشك ان عدد اضالع الرجل تساوي عدد اضالع المرأة والبالغة اثنا عشر زوج‬
‫من األضالع‪.‬‬
‫وهم يستشهدون بالحادثة التي حكم فيها اإلمام علي‪ ‬على ذلك المخلوق«ال ُمختلط»‬
‫لتحديد نوع جنسه كونه ذكر ام وأنثى من خالل عد اضالعه‪ ،‬فإذا كان ناقص األضالع فهو رجل‬
‫وان كان كامل األضالع فهي انثى‪.‬‬
‫عن أبي جعفر‪ ‬قال‪« :‬ان شريحاً القاضي بينما هو في مجلس القضاء‪ ،‬إذ أتته امرأة فقالت‪:‬‬
‫أيها القاضي‪ ،‬اقض بيني وبين خصمي‪ .‬فقال لها ومن خصمك؟ قالت‪ :‬أنت‪ ،‬قال‪ :‬افرجوا لها‪،‬‬
‫فافرجوا لها‪ ،‬فدخلت‪ ،‬فقال لها‪ :‬وما ظالمتك؟ قال‪ :‬إن لي ما للرجال وما للنساء‪ .‬قال شريح‪:‬‬
‫فان أمير المؤمنين يقضي على المبال‪ .‬قالت‪ :‬فأني ابول بهما جميعاً ويسكنان معاً‪ .‬قال شريح‪:‬‬
‫واللَّه ما سمعت بأعجب من هذا؟ قالت‪ :‬واعجب من هذا‪ .‬قال‪ :‬وما هو؟ قالت‪ :‬جامعني زوجي‬
‫فولدت منه‪ ،‬وجامعت جاريتي فولدت مني‪ .‬فضرب شريح احدى يديه على االخرى متعجباً‪ ،‬ثم‬
‫علي شيء ما سمعت باعجب منه‪،‬‬ ‫جاء إلى أمير المؤمنين‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬لقد ورد ّ‬
‫قص عليه قصة المرأة‪ .‬فسألها أمير المؤمنين‪ ‬عن ذلك؟ فقالت‪ :‬هو كما ذكر‪ ،‬فقال أمير‬ ‫ثم ّ‬
‫المؤمنين‪ ‬لها‪ :‬من زوجك؟ فقالت‪ :‬فالن‪ ،‬فبعث اليه فدعاه‪ ،‬فقال‪ :‬اتعرف هذه؟ قال؟ نعم‪،‬‬
‫هي زوجتي‪ ،‬فسأله عما قالت‪ ،‬فقال‪ :‬هو كذلك‪.‬‬
‫فقال له أمير المؤمنين‪ :‬أنت أجرأ من خاص األسد‪ ،‬حيث تقدم عليها بهذا الحال‪ .‬ثم‬
‫قال‪ :‬يا قنبر أدخلها بيتاً مع امرأة ت ّعد أضالعها‪ ،‬فقال زوجها‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬ال آمن عليها رجالً‪،‬‬
‫علي بدينار الخصي‪ ،‬وكان من صالحي أهل الكوفة‪ ،‬وكان‬ ‫وال آمن عليها امرأة‪ .‬فقال علي‪ّ ‬‬
‫يثق به‪ ،‬فقال له‪ :‬يا دينار ادخلها بيتاً وع ّرها من ثيابها ومرها أن تشد مئزرا ً وع ّد أضالعها ففعل‬
‫دينار ذلك‪ ،‬وكان أضالعها سبعة عشر‪ ،‬تسعة في اليمين وثمانية في اليسار‪ ،‬فألبسها ‪ ‬ثياب‬
‫الرجال والقلنسوة والنعلين والقى عليه الرداء والحقه بالرجال‪ .‬فقال زوجها‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫أبنة عمي‪ ،‬وقد ولدت مني تلحقها بالرجال‪ .‬فقال‪ :‬أني حكمت عليها بحكم اللَّه‪ ،‬إن اللَّه تبارك‬
‫‪260‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وتعالى خلق حواء من ضلع آدم االيسر االقصى واضالع الرجال تنقص واضالع النساء تمام»(((‪.‬‬
‫هذا الموضوع ننظر اليه من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫اوالً‪ :‬الحديث ال يتحدث عن آدم وحواء بل يتحدث عن مخلوق من عموم الناس وان كان‬
‫حكم ُمتعلق باحوال آدم وحواء‪.‬‬
‫ال ُ‬
‫ثانياً‪ :‬هذا المخلوق ليس كامل االعضاء بل فيه تشوهات اخرى وهو كونه له سبعة عشر‬
‫ضلع فيما اإلنسان العادي المكتمل له اربعة وعشرون ضلعاً‪ ،‬فهو حالة شاذة والحكم فيه يكون‬
‫خاص‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬ان اإلمام علي‪ ‬عندما حكم بكون هذا المخلوق رجل استنادا ً إلى ان آدم ‪ ‬ناقص‬
‫لضلع‪ ،‬فهو ‪ ‬احتكم الحوال آدم ولم يحتكم الحوال عامة الناس‪ ،‬الن آدم يختلف عن عامة‬
‫الناس بخصائص كثيرة ال نعرفها نحن بل يعرفها االوصياء‪ ،‬فطبيعة آدم‪ ‬كونه مخلوق اصل‬
‫خلقت منه حواء وال يجري هذا التصور على عموم الناس‪.‬‬ ‫ربما فيها نقص في األضالع عندما ُ‬
‫رابعاً‪ :‬هذه الحالة التي حكم بها أمير المؤمنين‪ ‬حالة شاذة والحالة الشاذة ال تقاس‬
‫بالعموميات بل تقاس باالصل‪ ،‬فادم اصل تقاس من خالله هذه الحاالت‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬هذا المخلوق تساوت فيه الرجولة واالنوثة والحكم في هذه الحالة على عدة امور‬
‫منها«المبال ‪ -‬االحتالم ام الحيض ‪ -‬ظهور الثديين»‬
‫عن اإلمام الحسن بن علي‪«‬من حديث طويل انه ُسئل عن «المؤنث»‪....‬قال‪«‬واما‬
‫المؤنث فهو الذي ال يدري أذكر أم أنثى‪ ،‬فانه ينتظر به فان كان ذكراً احتلم وان كانت وأنثى‬
‫حاضت وبدا ثدييها واال قيل له بل على الحائط»(((‪.‬‬

‫((( صحيفة األبرار‪ /‬الميرزا محمد تقي‪ /‬ج‪ /1‬الجزء الخامس من القسم األول‪/‬ح‪23‬‬
‫((( االحتجاج‪ /‬الطبرسي‪262/1 :‬‬

‫الخنثى او ثنائية الجنس هو كائن حي له اعضاء تكاثرية انثوية وذكرية وتكثر هذه الحالة في الكائنات التي ليس لها جنس‬
‫منفصل اي ليست مخصصه إلى ذكر ووأنثى فهي تنتج الحيوانات المنوية والبويضات في نفس الجسم ولكن الحيوانات‬
‫المنوية والبويضات تنتج في فترات مختلفة ال تتصادف مع بعضها لذلك البد من وجود حيوان اخر من نفس النوع التمام‬
‫عملية التكاثر ومن ابرز االمثلة على ذلك دودة األرض‪.‬‬

‫والمعروف لدينا حالياً ان الذي ال يُعرف كونه ذكر ام وأنثى يسمى «خنثى»‪ ،‬والذي يهمنا من الحديث ان هناك فرق بين مدلول‬
‫لفظة«انثى» ومدلول لفظة «مؤنث»‪ ،‬وبالنتيجة يكون هناك فرق بالمدلول بين لفظة«ذكر» ولفظة «مذكر»‪ ،‬فالوأنثى اسم‬
‫نوع انساني مقابل الذكر يتم التفريق بينهما بواسطة االعضاء التناسلية‪ ،‬اما المؤنث بداللة الحديث فموضوع «مختلط»‪،‬‬
‫��������‬ ‫‪261‬‬

‫والواضح ان هذا المخلوق تساوت فيه الرجولة واالنوثة النه يمتلك العضوين‪ ،‬بل انه يلد‬
‫ويولد له‪ ،‬فهو له رحم‪ ،‬وهو يحتلم ويحيض‪ ،‬وهو يبول بهما جميعا‪ ،‬فالبد من االحتكام إلى‬
‫دالة اخرى للفصل بين الموضوعين وهي األضالع‪ ،‬واختاره أمير المؤمنين‪ ‬كحل نهائي‪ ،‬فهذا‬
‫حكم لحالة شاذة وليس لعموم الناس‪.‬‬
‫وهذه حالة بايولوجية نادرة وال ندري هل يوجد في تراث الشعوب او المدونات الطبية حالة‬
‫شبيه لها‪ ،‬نعم نحن نسمع عن وجود بعض الناس لهم العضوين التناسليين الذكري واالنثوي‪،‬‬
‫ولكننا لم نسمع ان احدهم ولد واولد‪.‬‬
‫بقي هنا امر ان هذا المخلوق عندما جاء إلى شريح القاضي قال له «انت خصمي» وال‬
‫ندري ما وجه ظالمته عند شريح‪ ،‬فهي باالصل موضوع ُمختلط من ذكر وأنثى فما عالقة شريح‬
‫بهذا‪ ،‬والمالحظ في الحديث انها لم تشتكي من احد‪ ،‬ولماذا وهي بهذا الشكل ولها زوج واوالد‬
‫تعرض نفسها على احد‪ ،‬فالموضوع اساسا ليس فيه احد متهم‪ ،‬وهل تعتقد ان شريح القاضي‬
‫سيحل لها مشكلتها البايولوجية‪ ،‬هذه كلها تجعلنا نذهب إلى ان هذا موضوع مقصود‪ ،‬وال ادري‬
‫لماذا يجول في خاطري القاصر ان هذا المخلوق ليس من جنس اإلنسان‪ ،‬فربما هو صنيعة من‬
‫صنائع إبليس او هو إبليس نفسه الذي تقول عنه األحاديث انه يلد ويبيض‪ ،‬فربما هذه لعبة من‬
‫االعيبه اراد بها ان يحرج أمير المؤمنين‪ ‬بسؤال ليس له مثيل‪ ،‬ولكن هيهات ان يعجز باب‬
‫مدينة العلم‪.‬‬
‫واإلنسان ككائن بايولوجي قابل لالنتكاس دليلة اآليات القرآنية التي تذكر مسخ اقوام إلى‬
‫قردة وخنازير‪ ،‬والبد ان حالة المخلوق المختلط حالة شديدة االنتكاس حالها حال إبليس الذي‬
‫يلد ويبيض وربما واللَّه العالم كثير من هذه الكائنات ينكحون ويُنكحون وقد ورد في جملة من‬
‫المرويات تم تحويل بعضهم من ذكور إلى اناث على يد الولي بل ان بعضهم تزوج وانجب‪.‬‬
‫هنا ستقول لي هل ان آدم‪ ‬ناقص األضالع؟‬

‫والواضح ان الحديث يسميه «مؤنث» ونحن نسميه حاليا باصطالحنا«خنثى»‪ ،‬ولكن في النهاية يجب ان يكون هناك مائز‬
‫من خالله يمكن تصنيف هكذا مخلوق ضمن خانة الذكور او االناث ومنها اتجاه البول وعدد األضالع والحيظ واالحتالم‪،‬‬
‫وال نستطيع متابعة مفهوم«المؤنث والمذكر» قرآنياً لعدم وجود هاتين اللفظتين بل ورد في القرآن«ذكر وانثى»‪.‬‬

‫ولفظة«مؤنث ومذكر» حاليا تستخدم في وصف اشياء وكائنات اخرى غير اإلنسان والحيوان فمثالً يُقال«الشمس مؤنث والقمر‬
‫مذكر» وال يقال «الشمس ذكر والقمر انثى» ويقال «الجبل مذكر والصخرة مؤنث» وال يقال «الجبل ذكر والصخرة انثى»‬
‫الن مفهوم «الذكر واالنثى» مفهوم له عالقة بالجانب الجنسي والفسيولوجي حصرا ً اما مفهوم الذكورة واالنوثة فله عالقة‬
‫بتصنيف الكائنات في بعض العلوم ومنها اللغة كما تقول«جمع مذكر سالم» او «جمع مؤنث سالم» وهكذا‪.‬‬
‫‪262‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫إذا افترضنا ان آدم‪ ‬ناقص األضالع فهذا ليس شيء معيب الن آدم اصل وما يجري عليه‬
‫ال يجري على التكرار من ذريته فهو له احوال خاصة تتعلق بمادة منشأة ونوع العالم الذي كان‬
‫يعيش فيه واالحوال التي تجري عليه‪ ،‬واألحاديث حول موضوع الضلع وردت بعدة صيغ‪.‬‬
‫منها ما يشير إلى عموم مسألة خلق حواء من آدم ومنها‪،‬عن الصادق‪«‬سميت حواء النها‬
‫خلقت من حي يعني آدم‪ ،(((»‬عنهم ‪«‬سميت المرأة امرأة النها خلقت من المرء يعني‬
‫خلقت من ادم»(((‪.‬‬
‫ومنها ما يشير إلى خلق حواء من الضلع‪ ،‬عن أمير المؤمنين‪ ‬قال«خلقت حواء من‬
‫ُصيري جنب آدم«والقصيري هو الضلع االصغر» وابدل اللَّه مكانه لحما»(((‪.‬‬
‫ق َ‬
‫خلقت منه حواء‪ ،‬عن ابي عبد‬
‫ومنها ما يشير إلى المكان المخصص من آدم الذي ُ‬
‫اللَّه‪«‬وخلق زوجته من سنخه فبرأها من اسفل اضالعه»(((‪ ،‬عنهم ‪«‬خلقت حواء من جنب‬
‫ادم وهو راقد»(((‪.‬‬
‫خلقت من فاضل طينة ادم مما يدل على وحدة المنشأ‪ ،‬عن‬ ‫ومنها ما يشير إلى كون حواء ُ‬
‫(((‬
‫اإلمام الباقر‪«‬انها خلقت من فضل طينة آدم‪ ‬عند دخوله الجنة»‬
‫عن عمرو بن ابي المقدام عن ابيه قال‪ :‬سألت ابا جعفر‪ ‬من اي شيء خلق اللَّه حواء؟‬
‫فقال‪« :‬اي شيء يقولون هذا الخلق؟» قلت‪ :‬يقولون ان اللَّه خلقها من ضلع من اضالع آدم‪،‬‬
‫فقال‪« :‬كذبوا كان يعجزه ان يخلقها من غير ضلعه»‪ .‬فقلت‪ :‬جعلت فداك يا ابن رسول اللَّه من‬
‫اي شيء خلقها؟ قال‪« :‬اخبرني ابي عن آبائه قال‪ :‬قال رسول اللَّه ‪ ‬ان اللَّه تبارك وتعالى قبض‬
‫قبضة من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضلت من الطين فضلة فخلق‬
‫منها حواء»(((‪.‬‬
‫وبالتالي يمكن الجمع بين كل هذه األحاديث بالقول ان لفظة الضلع قد تطلق ويُراد منها‬
‫خلقت من ظلع آدم تعني من طينته» الن الضلع هو جزء من‬ ‫الطينة او بالعكس فتكون عبارة « ُ‬
‫((( قصص األنبياء‪ /‬نعمة اللَّه الجزائري‪ /‬الباب األول‪ /‬الفصل األول‪ /‬ص ‪38‬‬
‫((( قصص األنبياء‪ /‬نعمة اللَّه الجزائري‪ /‬الباب األول‪ /‬الفصل األول‪ /‬ص ‪42‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪ /154‬ح‪5‬‬
‫((( قصص األنبياء‪ /‬نعمة اللَّه الجزائري‪ /‬الباب األول‪ /‬الفصل األول‪ /‬ص ‪45‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪ /154‬ح‪6‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪/2‬ص‪ /153‬ح‪4‬‬
‫((( قصص األنبياء‪ /‬نعمة اللَّه الجزائري‪ /‬الباب األول‪ /‬الفصل األول‪ /‬ص ‪46‬‬
‫��������‬ ‫‪263‬‬

‫الشيء كما ان طينة حواء جزء من طينة آدم وإذا قال الحديث «فبرأها من اسفل اضالعه» ربما‬
‫تعني من اسفل طينته‪.‬‬
‫ودليله الحديث التالي‪.‬‬
‫عن رسول اللَّه‪....«‬اذ اقبل الحسن بن علي‪ ‬يمشي على هدوء ووقار فنظر اليه رسول‬
‫اللَّه‪ ‬وقال‪« :‬ان جبرئيل يهديه وميكائيل يسدده وهو ولدي والظاهر من نفسي وضلع من‬
‫(((‬
‫اضالعي هذا سبطي وقرة عيني بابي هو‪»...‬‬
‫فيكون معنى الضلع هو «الجزء» فهو ضلع من اضالعي اي جزء من اجزائي وينطبق‬
‫الحديث على اإلمام الحسين‪ ‬ايضا لقول الرسول الكريم‪«‬حسين مني وانا من حسين»‪.‬‬
‫وفي هذه الفقرة عموما احاول الوصول فيها إلى فهم يتعلق بموضوع تعارض األحاديث‪،‬‬
‫فكلنا يعلم ان في األحاديث متعارضات‪ ،‬وهناك اساليب عديدة وردت في أحاديث آل محمد‪‬‬
‫لفهم التعارض‪ ،‬حتى ع ّدو سالم اللَّه عليهم فهم التعارض من اعلى مراتب التفقه لقولهم‬
‫‪«‬انتم افقه الناس إذا عرفتم معاريض كالمنا» او معاني كالمنا‪ ،‬والتعارض عندي ليس في‬
‫كالمهم ‪ ‬بل في عقولنا الننا جعلنا عقولنا ميزان قبل كالمهم‪ ،‬فإذا لم نفهم الحديث قلنا عنه‬
‫متعارض‪ ،‬وهنا ساخذ نموذج كثر فيه الكالم‪ ،‬وهو موضوع خلق حواء من ضلع ادم‪ ،‬فهناك‬
‫في األحاديث ما يشير إلى انها خلقت من ضلعه‪ ،‬وهناك ما يشير إلى انها خلقت من فاضل‬
‫طينته‪ ،‬وملخص ما اريد قوله اننا إذا بقينا نفكر بالمعنى اللغوي العام لاللفاظ وبالتبادر الذهني‬
‫للمعاني بموضوع الضلع كونه موضوع بايولوجي ربما لن نصل إلى نتيجة واضحة‪ ،‬وليس‬
‫هناك تعارض في األحاديث بل كل حديث يشرح جانب من جوانب الموضوع ويستدل عليه‬
‫بطريقة مختلفة‪ ،‬على سبيل المثال هناك حديثان متعارضان يمكن فهم التعارض بالقول ان األول‬
‫يُفهم فلسفياً والثاني يُفهم علمياً او رياضياً او اي دليل معرفي‪ ،‬وفي هذه الفقرة يمكن ان يكون‬
‫موضوع خلق حواء من ضلع آدم‪ ‬له عدة طرق للشرح والبيان‪ ،‬منها طريقة بايولوجية كما يفهم‬
‫البعض‪ ،‬ومنها طريقة رقمية عددية كما نحاول اثباته‪.‬‬
‫المعروف في النص الديني اإلسالمي ان حواء خلقت من ضلع آدم‪ ،‬والمتبادر الذهني‬
‫لمعنى الضلع هو ذلك العظم الموجود في صدر اإلنسان‪ ،‬وتؤيد هذا المعنى بعض النصوص‬
‫الروائية‪ ،‬وبعض النصوص تشير إلى ان حواء خلقت من بقية طينة آدم‪ ‬فيكون الضلع هنا‬

‫((( صحيفة األبرار‪ /‬ج‪ / 2‬ح‪ /43‬ص ‪164‬‬


‫‪264‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫بمعنى الجزء او المتبقي من الشيء‪ ،‬وبعض المعاني تشير إلى ان الضلع هو ركن من اركان‬
‫الشيء كما تقول اضالع المربع كشكل هندسي‪ .‬وقد تكلم الشيخ احمد االحسائي في بعض‬
‫مؤلفاته كون مفهوم الضلع في آدم‪ ‬هو نظام رقمي له اضالع‪ ،‬مما يفتح افق جديد لفهم بعض‬
‫النصوص الدينية وفق مبادئ رياضية‪ ،‬فهو هنا ال يتعامل مع آدم ككائن عضوي بل كمنظومة‬
‫رقمية عددية تجعلك تنظر للنص الروائي نظرة اخرى‪.‬‬
‫يقول الشيخ االحسائي«اقول اعلم ان المثلث اول االشكال واعظمها وهو شكل ابينا ادم ‪‬‬
‫الن آدم ‪ ‬ابو البشر واولها وهذا ابو االشكال واولها والن السطح اقل ما يتركب من ثالث نقط‬
‫وانما قيل انه شكل آدم ‪ ‬الن بسايطه خمسة واربعون وهذا مثاله‬
‫‪6‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪4‬‬
‫ثالثة اضالع كل ضلع خمسة عشر ومجموعها خمسة واربعون وهو مجموع آدم ‪ ‬وينسب‬
‫إلى شيث ‪ ‬النه ابن آدم وحواء واسم حواء خمسة عشر وذلك ضلع واحد من المثلث الذي‬
‫مجموعه آدم ‪ ‬فحواء من ضلع آدم اال ان حوا من ضلع المثلث المائي الن طبع الذكر حار‬
‫يابس وطبع الوأنثى بارد رطب والمثلث له اربع صور كما ذكرنا‪ .................‬فحواء من‬
‫(((‬
‫الشكل المائي من الضلع االيسر الذي في وسطه الواحد‪ ».......‬انتهى كالمه‬
‫وبقصد الشيخ االحسائي بعبارته«الن بسايطه خمسة واربعون»‪ ،‬بمعنى انك لو جمعت‬
‫االعداد «‪ »9+8+7+6+5+4+3+2+ 1‬لكان الناتج «‪،»45‬واسم ادم في علم الجفر يساوي‬
‫«‪ »45‬كالتالي‪:‬‬
‫ادم «ا ‪ +‬د ‪+‬م» «‪»45« »40 + 4 + 1‬‬
‫والرقم «‪ »45‬في علم االوفاق يرسم هكذا‬
‫‪6‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪4‬‬

‫(( ( جوامع الكلم‪ /‬الشيخ احمد االحسائي‪ /‬ج‪ /8‬الرسالة الرشتية‪ /‬ص ‪/ 370 - 369‬مطبعة الغدير‬
‫��������‬ ‫‪265‬‬

‫ولما كانت عناصر التخليق اربعة‪ ،‬فيكون كل ضلع عنصر من عناصر التخليق األربعة‪ ،‬النار‬
‫والهواء والماء والتراب‪ ،‬يتبعها اربعة اضالع‪ ،‬الضلع الناري‪ ،‬والضلع الهوائي‪ ،‬والضلع المائي‪،‬‬
‫والضلع الترابي‪ ،‬وحواء خلقت من الضلع االيسر المائي كما في الرسم التوضيحي ادناه‪.‬‬

‫الضلع الناري اعلى‬


‫الضلع المائي ايسر‬ ‫‪8‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫الضلع الهوائي ايمن‬
‫‪1‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪2‬‬
‫الضلع الترابي اسفل‬

‫ولو دققت النظر في هذه االرقام لوجدت ان كل عملية جمع لهذه االرقام من اليسار إلى‬
‫اليمين او من اليمين إلى اليسار او من االعلى إلى االسفل او من االسفل إلى االعلى او حتى‬
‫بشكل متعرج ستجد الناتج دائما هو «‪ »15‬وحواء في علم الجفر تساوي «‪.»15‬‬
‫حواء «ح ‪ +‬و ‪ +‬ا» «‪»15« »1 + 6 + 8‬‬
‫الحظ ان الضلع االيسر المائي تسلسل ارقامه هي «‪ »6 + 1 + 8‬وهي مطابقة لحروف كلمة‬
‫حواء لذلك قال انها خلقت من الضلع االيسر المائي‪.‬‬
‫وللشيخ االحسائي كالم اخر في مورد اخر فيه شيء من الصعوبة واالبهام ولكن معناه العام‬
‫كما فهمته هو كما شرحت لك اعاله(((‪.‬‬
‫ويمكن ان نستثمر هذا التصور الذي يقول به الشيخ االحسائي الستخراج معاني اخرى‬
‫حول آدم وحواء والطبيعة البشرية عموماً‪ ،‬من خالل القول ان آدم‪ ‬وقصة الخليقة يمكن فهمها‬
‫من جوانب اخرى متعلقة بآدم كصورة وشكل هندسي ونظام رقمي‪ ،‬فادم باالصل منظومة رقمية‬
‫على هيئة وفق اضالعة الطبائع األربعة‪ ،‬فآدم‪ ‬خلق من تراب اال ان ذلك التراب قد استجنت‬
‫فيه النار والماء والهواء ولكن الغلبة كانت لعنصر التراب‪ ،‬فآدم كمعنى اخر منظومة رقمية‬
‫وهندسية حواء احد اضالعها‪ ،‬وهذا ما يؤكد الشيخ االحسائي بقوله«‪ .........‬نقص منه الضلع‬
‫االيسر اشعارا بانها انما اخذت من ظاهره اي من صفته ال من جسده كما يقول الجاهلون‪.(((»...‬‬

‫((( راجع جوامع الكلم‪ /‬الشيخ احمد االحسائي‪ /‬ج‪ /8‬الرسالة الرشتية‪ /‬ص ‪/ 628 -627 -626‬مطبعة الغدير‬
‫((( جوامع الكلم‪ /‬الشيخ احمد االحسائي‪ /‬ج‪ /8‬الرسالة الرشتية‪ /‬ص ‪ / 628‬مطبعة الغدير‬
‫‪266‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ووبما ان مجموع االرقام في كل ضلع يساوي«‪ ،»15‬فكل ضلع يعطي حواء‪ ،‬اال ان الشيخ‬
‫االحسائي يقول «والمائي مفتاحه البيت االوسط من الضلع االيسر»(((‪ ،‬اي الرقم «‪ ،»1‬اي‬
‫ان حواء المائية مفتاح ظلعها هو الرقم«‪ ،»1‬ويمكن من خالل النظر للجدول اعاله القول ان‬
‫حواء النارية اي الضلع االعلى مفتاحها الرقم«‪ ،»3‬وحواء الهوائية اي الضلع االيمن مفتاحها‬
‫الرقم«‪ ،»9‬وحواء الترابية اي الضلع االسفل مفتاحها الرقم«‪ ،»7‬فربما تكون لهذه االرقام دالالت‬
‫خاصة في علم الجفر نستطيع ان نفهم منها شيء‪ ،‬ولكن المالحظ ان هذه االرقام التي هي‬
‫مفاتيح األضالع كلها ارقام فردية‪ ،‬مما يشير إلى ان آدم باالصل زوجي وحواء فردية‪ ،‬وربما فيه‬
‫ُ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫داللة لقوله تعالى﴿ ل َِّذل َكر مِثْ ُل َح ّ ِظ ْالنثَ َي ْي ۚ﴾(((‪ ،‬او قوله ﴿ َول ّ‬
‫ِلر َجا ِل َعليْ ِه َّن َد َر َجة ۗ﴾(((‪،‬اي ان‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذكر ياخذ حصة مضاعفة من حصة االنثى‪ ،‬وبالتالي دائماً سهم الرجل زوجي وسهم المرأة‬
‫فرديا‪ ،‬مما يؤكد ان لالحكام الشرعية اصل رياضي هندسي تخليقي تابع لطبيعة المخلوق نفسه‪،‬‬
‫وربما في كالم الشيخ االحسائي اشارة إلى معنى اخر اذ قال«ولما خلق ادم ‪ ‬كان لقربه من‬
‫النور فيه الوجود والعقل اكثر من حواء لبعدها بالنسبة اليه عن النور فكان فيه ثلثان من العقل‬
‫اجا﴾ فكان قد خلق حواء من نفس‬ ‫ِك ْم أَ ْز َو ً‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫وثلث من النفس قال تعالى﴿خل َق لكم ّم ِْن أنفس‬
‫آدم ‪ ‬ال من عقله فكان فيها ثلثان من النفس وثلت من العقل فالخلق من آدم ‪ ‬من النوع‬
‫والمقدار والوضع ال من الذات والمثال الجامع لذلك شكل المثلث وهو باعتبار وضعه اربعة‬
‫(((‬
‫اقسام ناري وترابي وهوائي ومائي»‬
‫وعليه يمكن القول ان كل ضلع له مواصفات خاصة تابعة للتسلسل الرقمي في ذلك‬
‫الضلع‪،‬‬
‫فالضلع الناري تسلسله الرقمي هو«‪»8+3+4‬‬
‫والضلع الهوائي تسلسله الرقمي «‪»2+9+4‬‬
‫والضلع المائي االيسر تسلسه الرقمي هو«‪»6 +1 +8‬‬
‫والضلع الترابي االسفل تسلسله الرقمي هو «‪»6+7+2‬‬
‫وهذه ارقام وان كان مجموعها واحد وهو «‪ »15‬لكل ظلع اال انك لو حذفت عالمة الجمع‬

‫((( جوامع الكلم‪ /‬الشيخ احمد االحسائي‪ /‬ج‪ /8‬الرسالة الرشتية‪ /‬ص ‪ /627‬مطبعة الغدير‬
‫((( النساء‪11/‬‬
‫((( البقرة‪228 /‬‬
‫((( جوامع الكلم‪ /‬الشيخ احمد االحسائي‪ /‬ج‪ /8‬الرسالة الرشتية‪ /‬ص ‪ /627‬مطبعة الغدير‬
‫��������‬ ‫‪267‬‬

‫لكانت االرقام هكذا«‪ »276«»16 8«»492«»438‬وهذه ق ّيم مختلفة كما ترى يتبعها اختالف‬
‫في طبيعة كل حواء فحواء المائية ال تشبه الترابية والترابية ال تشبه النارية وهكذا الن هذا نظام‬
‫هندسي رقمي‪ ،‬وهذا التصور تجد له مطابق في النظام الحروفي‪ ،‬فكما انه يمكن تشكيل عدة‬
‫ارقام من ثالث اعداد كما في األضالع كذلك يمكن تشكيل عدة الفاظ من ثالث حروف‪ ،‬مثل‬
‫الحروف الثالثة «ق ‪ -‬ر ‪ -‬ب»‪ ،‬فيمكن ان تكون «قبر»‪ ،‬ويمكن ان تكون «بقر»‪ ،‬ويمكن ان تكون‬
‫«برق»‪ ،‬وكما ترى الحروف نفسها إال ان اختالف ترتيبها يعطي مفاهيم مختلفة جدا ً‪ ،‬وكذلك‬
‫المرأة الترابية والنارية والهوائية والمائية كل واحدة لها خصيصة ومعنى حسب تسلسلها في‬
‫عالمها الرقمي الذي اسمه الضلع‪.‬‬
‫وهذا معنى ان حواء خلقت من ضلع ادم‪ ‬على موجب الفهم الرقمي والمنظومة الهندسية‬
‫لخلق االشياء‪ ،‬ومن هنا افهم بشكل ذوقي لماذا حلل اللَّه للرجل اربعة نساء﴿فَانك ُ‬
‫حوا َما َط َ‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ّ َ ّ َ َ َْٰ َُ َ‬
‫ن َوثلث َو ُر َباع ۖ ﴾(((‪ .‬الن ادم في اصل تخليقه من اربعة اضالع يمكن ان‬ ‫لكم مِن النِساءِ مث‬
‫تكون له زوجة من ظلعه الناري او الترابي او المائي او الهوائي‪ ،‬لذلك ورد في األحاديث على‬
‫ما اذكر ان المؤمن ال يدخل إلى الجنة إال إذا ُعقد له على اربعة نساء‪ ،‬الن هذا هو استحقاقه‬
‫التخليقي‪ ،‬ولكنه في الدنيا في عالم الخلط والمزج ال تعتدل طبائعه لذلك ال يستطيع ان يعدل‬
‫َ‬
‫َ ْ َ َ ْ ُ ْ (((‬ ‫َ‬ ‫ََ َْ َ ُ َ َْ ُ ََْ ّ‬
‫بين النساء ﴿ولن تست ِطيعوا أن تعدِلوا بي النِساءِ ولو حرصتم ۖ﴾ ‪ ،‬لكن المؤمن في الجنة تعتدل‬
‫طباعه وتصفوا امزجته ويعود الصل منشأه‪ ،‬فيستطيع ان يعدل بين اربعة نساء وكل واحدة منهن‬
‫تمثل جزء من اصله التخليقي‪.‬‬
‫خلقت من الضلع المائي الدم‪ ‬كما يقول الشيخ احمد االحسائي«الن طبع الذكر‬ ‫وحواء ُ‬
‫حار يابس وطبع االنثى بارد رطب»‪ ،‬والذي اضنه ان حواء خلقت من الضلع المائي بالذات‬
‫لغلبة عنصر التراب على ادم‪ ‬وهو طبع الحار اليابس‪ ،‬والتراب يميل للماء اكثر من بقية‬
‫العناصر النه بارد رطب‪ ،‬فبه يمتزج التراب متحوال إلى طين‪ ،‬فحواء ادم من الماءال تخلق من‬
‫ضلع النار او الهواء او التراب لعدم امكانية امتزاج هذه العناصر مع التراب‪ ،‬وقوله تعالى ﴿ َوم ِْن‬
‫ُ َّ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ ََ ُ ّ ُ‬
‫ُ َ َ ٌ َ َ ُ َ (((‬ ‫َ‬
‫اب ثم إِذا أنتم بش تنت ِشون﴾ ‪ ،‬اي غلبة عنصر التراب عليه واستجنان‬ ‫آياتِهِ أن خلقكم مِن تر ٍ‬
‫بقية العناصر فيه‪ ،‬كما قال الرسول الكريم‪«‬ما بُعث نبياً إال وهو صاحب ُمرة سوداء»‪ ،‬والذي‬
‫افهمه ان ال ُمرة السوداء من االخالط األربعة التي تغلب على اإلنسان الذي فيه نسبة التراب اكثر‪،‬‬

‫((( النساء‪3/‬‬
‫((( النساء‪129/‬‬
‫((( الروم‪20/‬‬
‫‪268‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫لذلك كان األنبياء اعقل الناس فمن زاد فيه التراب زاد فيه العقل‪.‬‬
‫ومن هنا ال يستطيع اإلنسان في الدنيا ان يعدل مع اربعة نساء الن اإلنسان في الدنيا عناصره‬
‫ليست صافية وال معتدلة‪ ،‬اما في الجنة فتعتدل الطبائع ويستطيع ذلك بان تخلق له من كل ضلع‬
‫زوجة‪ ،‬فهو باعتداله يستطيع االمتزاج مع الترابية والنارية والهوائية والمائية‪.‬‬
‫واقصد بالترابيات هي التي مكوناتها يغلب عليها عنصر التراب(((‪ ،‬واقصد بالمائيات هي‬
‫التي مكوناتها يغلب عليها عنصر الماء‪ ،‬والهوائيات هي التي مكوناتها يغلب عليها عنصر الهواء‪،‬‬
‫فالتي تُخلق من التراب «ادمية»‪ ،‬اي يغلب عليها عنصر التراب‬
‫والتي ت ُخلق من النار «جنية»‪ ،‬اي يغلب عليها عنصر النار‬
‫التي تُخلق من الهواء «ملكية» حورية‪ ،‬اي يغلب عليها عنصر الهواء‬
‫والتي ت ُخلق من الماء «انسية»‪ ،‬اي يغلب عليها عنصر الماء‬
‫وحسب هذا التصور الرقمي الهندسي القانوني تكون امهات األنبياء واالوصياء مائيات‪،‬‬
‫اي يغلب عليهن العنصر المائي كما هو حال حواء‪ ،‬فه ّن حسب هذا التصور ال يُطلق عليهن‬
‫اسم ادميات بل «انسيات»‪ ،‬والتي تخلق من الضلع الناري البد ان تكون «جنية»‪ ،‬وقد ورد في‬
‫الحديث زواج ابن آدم‪ ‬من الجنية(((‪،‬وهذا النظام الرقمي القانوني بهذا الشكل يشير إلى‬
‫َّ َ َ ُ َّ ْ َ ْ َ ْ ْ ُ َّ ٌ َ َ‬
‫نس قبْل ُه ْم‬‫اصات الطر ِف لم يط ِمثهن إ ِ‬
‫امكانية زواج البشر من الجنيات‪،‬قوله تعالى﴿فِي ِهن ق ِ‬
‫ٌّ‬ ‫َ‬
‫َول َجان﴾(((‪ ،‬والتي ت ُخلق من الضلع الهوائي هي الملكية اي «الحورية» و ُه ّن من سكان الجنة‬
‫حصرا ً‪ ،‬والتي تخلق من الضلع الترابي هي «االدمية» و ُه ّن عموم النساء االدميات‪ ،‬اما امهات‬

‫((( ربما ستقول لي انك قلت ان األنبياء اصبحوا أنبياء الن في اصل تخليقهم نسبة التراب اكثر وانت هنا تقول ان النساء في‬
‫الدنيا ترابيات لغلبة عنصر التراب عليهن فهن بهذه الحالة مع األنبياء سواء؟ اقول‪ :‬كلنا في هذه الدنيا ترابيين سواء أنبياء ام‬
‫رجال ام اناث لغلبة عنصر التراب على كل صنف اإلنسان ولكن هذه النسبة تختلف من مخلوق الخر ففي األنبياء عالية‬
‫جدا وفي المؤمنين اقل وفي الرجال اقل وفي النساء اقل واقصد بالغلبة انها ال تسمح الحد العناصر االخرى ان تتغلب‬
‫عليها على سبيل المثال لو كان في األنبياء اربعة عناصر كما في كل البشر «نار هواء ما تراب» فهم ترابيين مثال لكون‬
‫«‪ »%90‬من تركيبهم ترابي والمؤمن «‪ »%80‬من تركيه ترابي والرجل «‪ »%70‬من تركيبه ترابي والمراة «‪ »%60‬من تركيبها‬
‫ترابي فكلهم غلب على تركيبهم عنصر التراب باعتباره لم ينقص عن نسبة«‪ »%50‬اال انهم يختلفون في كمية التراب‬
‫وجل‬
‫((( عن ابي عبد اللَّه‪.....«‬من حديث طويل في احوال آدم‪....‬قال‪ :‬ثم ولد له اثر عناق قابيل فلما ادرك أظهر اللَّه ع ّز ّ‬
‫جنية من ولد الجان يقال لها جهانة في صورة انسية فلما رأها قابيل أحبها فأوحى اللَّه إلى آدم ان يزوج جهانه من قابيل‪»....‬‬
‫قصص األنبياء‪ /‬نعمة اللَّه الجزائري ‪ /‬في قصص ادم وحواء واوالدهما‪ /‬ص‪75‬‬
‫((( الرحمن‪56 /‬‬
‫��������‬ ‫‪269‬‬

‫االوصياء فه ّن «موضع سر اللَّه» النه ّن من الماء‪ ،‬لذلك كانت احوالهن تختلف عن بقية النساء‬
‫من حيث طهارة المنبع وطهارة األرحام حتى ورد في الحديث «ان بنات األنبياء ال يطمثن‬
‫وال يجري عليهن ما يجري على النساء» وبالتالي فان هذه الخصائص المائية ستنعكس على‬
‫المواليد الذين يخرجون منهم‪ ،‬وقد ذكرت األحاديث ان اإلمام علي واوالده من الماء‪ ،‬قوله‬
‫َ َ َ َ ْ َ َ َ ً َ َ َ َ ُ َ َ ً َ ْ ً َ َ َ َ ُّ َ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ً (((‬
‫ك قدِيرا﴾‬ ‫صهرا ۗ وكن رب‬ ‫تعالى﴿ َوه َو الِي خلق مِن الماءِ بشا فجعله نسبا و ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ َْ ََ ً َ َ َ َُ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ص ْه ًرا ۗ َوكن‬
‫شا فجعله ن َس ًبا َو ِ‬ ‫عن اإلمام الباقر‪«‬في قوله تعالى﴿ َوه َو الِي خلق مِن الماءِ ب‬
‫ِيرا﴾‪،‬قال«هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصالة والسالم» وفي‬ ‫ك قَد ً‬
‫َ ُّ َ‬
‫رب‬
‫رواية «البشر الرسول والنسب فاطمة والصهر علي صلوات اللَّه عليهم اجمعين»(((‪.‬‬
‫والذي يجول في خاطري القاصر ان األئمة عليهم السالم في الدنيا إذا ارادوا ان يُنجبوا‬
‫االوصياء تزوجوا بالمائيات اي االنسيات وهم يعرفونهن لعلم خاص عندهم‪ ،‬وإذا ارادوا ان‬
‫ينجبوا من هو دون الوصي تزوجوا من الترابيات اي االدميات‪ ،‬وربما واللَّه العالم يكون لهذه‬
‫القانونية ظهورات اخرى حسب هذا التصور‪ ،‬فان امهات ابناء األئمة ‪ ‬الذين هم دون مرتبة‬
‫االمامة والوصاية‪ ،‬تالحظ المهاتهم شأن خاص‪ ،‬والوالدهن ايضا شأن خاص‪ ،‬فه ًن اعلى من‬
‫االدميات وادنى من االنسيات مثل ام البنين واوالدها عليهم سالم اللَّه اجمعين‪.‬‬
‫والراجح واللَّه العالم اما ان تكون موالتنا الزهراء عليها السالم من الضلع المائي فقط وهو‬
‫عندي غير صحيح النها ستتساوى مع االنسيات وهذا محال لكونها «سيدة نساء العالمين»‪ ،‬واما‬
‫ان تكون من المائي والهوائي معا فتكون هي «حوراء انسية» كما ورد في الدعاء «السالم على‬
‫الحوراء االنسية»‪ ،‬او هي فيها كل خواص األضالع األربعة فتكون هي «الحجة عليهم» كما ورد‬
‫حجيتها عليهم‬ ‫جة علينا»‪ ،،‬وهذا هو مقام ُ‬ ‫في الحديث عن اإلمام العسكري‪«‬وجدتي فاطمة ُح ّ‬
‫صلوات اللَّه عليهم اجمعين‪ ،‬ومن هنا لم يكن لها عليها السالم كفؤ حتى من األنبياء إال اإلمام‬
‫علي ‪ ،‬فال احد من األنبياء يمكن ان تجتمع فيه العلل األربعة للتخليق‪ ،‬الن األنبياء ليسوا علّة‬
‫بل معلولين‪ ،‬وآل محمد‪ ‬هم علّة كل شيء‪،‬فالعلّة ليس لها كفؤ إال علّة مثلها‪ ،‬فال يمكن ان‬
‫تتساوى العلّة مع المعلول‪ ،‬وال الموصوف مع الصفة‪ ،‬وال المؤثر مع االثر‪ ،‬والشرفية دائما للعلّة‪،‬‬
‫والتبعية دائما للمعلول‪ ،‬الن العلّة خالق والمعلول مخلوق‪ ،‬وموالتنا فاطمة الزهراء‪ ‬كونها علّة‬
‫ليست علّة لالشياء بل هي علّة للعلل‪ ،‬فهي ينبوع علل األئمة ‪ ‬ومنها الصورة‪ ،‬واإلمام علي‪‬‬

‫((( الفرقان‪54 /‬‬


‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /5‬ص ‪ /468‬ح ‪8‬‬
‫‪270‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫استَ ْس َقاهُ‬‫وس إذِ ْ‬ ‫هو علّة كل شيء ومنه المادة‪ ،‬فكان هو العصا وهي الحجر﴿ َوأَ ْو َحيْ َنا إ َ ٰ ُ َ‬
‫لم ٰ ِ‬ ‫ّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ ً َ ْ َ َ ُ ُّ ِ ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫اس م َ‬ ‫َ‬ ‫الج َر ۖ فانبجست مِنه اثنتا ع َ‬ ‫َُُْ َ ْ‬
‫اضب بعصاك َ‬
‫شبهم ۚ﴾(((‪.‬‬ ‫شة عينا ۖ قد عل ِم ك أن ٍ‬ ‫قومه أ ِن ِ ِ‬
‫ومن مقامها كعلّة لهم صلوات اللَّه عليهم نعرف لماذا اقترنت ليلة القدر بها كون االوامر‬
‫تنزل على األئمة في تلك الليلة لسنة كاملة‪ ،‬عن ابي عبد اللَّه‪ ‬من حديث «‪ ......‬واما قوله‬
‫َْ َ‬ ‫تعالى ﴿ َلْلَ ُة الْ َق ْدر َخ ْ ٌ‬
‫(((‬
‫ي ّم ِْن أل ِف ش ْه ٍر﴾((( يعني فاطمة سالم اللَّه عليها‪»......‬‬ ‫ِ‬
‫ومن هنا كانت عليها السالم سيدة نساء العالمين لعدم وجود هذه الخصيصة التخليقية في‬
‫ْ َ َ‬
‫ت‬‫غيرها كونها علّة‪ ،‬فمريم‪ ‬اصطفيت النها الوحيدة في زمانها من الضلع المائي﴿ِإَوذ قال ِ‬
‫ني﴾(((‪ ،‬ومن هنا نستنتج‬ ‫ِ‬ ‫اص َط َفاكِ َ َ ٰ‬
‫ع ن َِساءِ الْ َعالَم َ‬ ‫كِ‬ ‫اكِ‬
‫ْ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ َّ َّ َ ْ‬
‫اص َط َف َو َط َّه َر َو ْ‬
‫الملئِكة يا مريم إِن الل‬
‫ان طهارة بنات األنبياء وامهات األنبياء واالوصياء لها اصل قانوني كونهن من منشأ مائي‪،‬‬
‫ني﴾ في زمانها‪،‬‬ ‫ع ن َِساءِ الْ َعالَم َ‬
‫ِ‬ ‫فكانت مريم‪ ‬في زمانها سيدة المعلوالت‪،‬لذلك قال عنها﴿ َ َ ٰ‬
‫اما الزهراء‪ ‬فاصطفائها كونها علّة‪ ،‬فهي اما من ضلعين او من اربعة اضالع‪ ،‬والراجح ان لكل‬
‫حال مقام‪ ،‬فاجتماع األضالع األربعة فيها‪ ‬في مقام كونها علّة لالئمة‪ ‬وهو مقام دهري‪ ،‬اما‬
‫في مقامها الزماني فهي من ضلعين مائي وهوائي‪ ،‬اما من كانت علّة لكل زمان فهي «سيدة نساء‬
‫ني» ال تخص عالم واحد بل كل ما خلق اللَّه مما يرجح كونها عليها‬ ‫العالمين»‪ ،‬ولفظة «الْ َعالَم َ‬
‫ِ‬
‫الصالة والسالم حاوية لالضالع األربعة‪ ،‬وليس لها كفوا اال الذي فيه األضالع األربعة واللَّه‬
‫العالم‪.‬‬
‫ومن هنا ال يمكن ان يكون لموالتنا الزهراء‪ ‬كفؤ إال اإلمام علي ‪ ‬الن اضالعة األربعة‬
‫كلها زهراء‪ ،‬وال يمكن الي نبي ان يصل إلى مرتبتها النها على قمة االعتدال والصفاء فال‬
‫يتزوجها اال من كان على قمة االعتدال والصفاء‪ ،‬فلم يجمع اإلمام علي‪ ‬مع الزهراء زوجة في‬
‫حياتها النها ال يعادلها احد من النساء‪.‬‬
‫ومن هنا نعرف ان طهارة االنسيات المائيات لها داللة اخرى كون الشيطان ال يستطيع‬
‫االقتراب منه ّن لهذه الخصيصة الموجودة في اصل طبيعتهن‪ ،‬فالشيطان ناري واقترابه من الماء‬

‫((( األعراف ‪160 /‬‬


‫((( القدر‪٣ /‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /8‬ص ‪ /324‬ح‪27‬‬
‫((( آل عمران‪42/‬‬
‫��������‬ ‫‪271‬‬

‫ّ ُ ُ َ َ َ ُ ّ َّ َ َ َ َّ‬
‫الشيْ َطان َّ‬
‫الر ِجي ِم﴾(((‪ ،‬وهذه الخصيصة ايضا تشمل‬ ‫ِ‬ ‫ِإَون أعِيذها بِك وذرِيتها مِن‬
‫ينهي وجوده‪ِ ﴿ ،‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذريتها بنص اآلية‪ ،‬بينما يستطيع الشيطان ان يشارك اإلنسان باالدميات الترابيات ﴿ َوشارِك ُه ْم ِف‬
‫ََْْ َ ََْْ‬
‫ِ‬
‫الموا ِل والولد﴾ ‪،‬‬
‫(((‬

‫ومن هنا يمكن ان نفهم ان امهات االوصياء في اصل تخليقهن يختلفن عن بقية النساء(((‪.‬‬
‫ومن جانب اخر فلفظة آدم كما افهم ليست اسم علم‪ ،‬بل هي رتبة وتعني «االصل في‬
‫كل شيء»‪ ،‬فاصل كل شيء ادمه‪ ،‬وبالتالي يتعدد مفهوم آدم حسب طبيعة كل مفهموم‪ ،‬فهناك‬
‫آدم كبير وهو االصل لكل االوادم كرتبة وهو حقيقة الرسول المصطفى‪ ،‬وهناك آدم وسيط‬
‫وهو خليفة آدم الكبير في كل العوالم وهو حقيقة اإلمام علي‪ ،‬وهناك آدم الصغير الذي هو‬
‫آدم دورتنا الذي انحدر منه النوع اإلنساني‪ ،‬وهناك آدم الذي هو كل افراد النوع‪ ،‬وبالتالي فان‬
‫حواء كمفهوم بتعدد االوادم ايضاً‪ ،‬فحواء آدم الكبير السيد االكبر يجب ان تكون هي حواء‬
‫الكبرى‪ ،‬وحواء الكبرى هنا ال تحمل مفهوم الزوجة بل تحمل مفهوم «البضعة»‪ ،‬كما قال رسول‬
‫اللَّه‪«‬فاطمة بضعة مني»‪ ،‬وحواء آدم الوسيط هي حواء الوسيطة «سيدة نساء العالمين» ليس‬
‫لها كفوء إال آدم الوسيط‪ ،‬فاوالدها من علي‪ ‬وابوهم الرسول محمد‪ ‬لهذه الخصيصة‬
‫العجيبة التي تشترك بها مع ادم الكبير وآدم الوسيط‪ ،‬ومن هنا قال اإلمام الصادق ‪«‬انما سميت‬

‫((( آل عمران‪39 /‬‬


‫((( اإلسراء‪64/‬‬

‫ِ‬
‫فداك‬ ‫جعلت‬‫عن ابي بصير قال‪ :‬قال ابو عبداللَّه‪« ‬يا أبا محمد أي شيئ يقول الرجل منكم أذا دخلت عليه امرأته»؟ قلت‪ُ :‬‬
‫أيستطيع الرجل ان يقول شيئاً؟ قال«االأعلمك ما تقول»؟ قلت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬تقول«بكلمات اللَّه أستحللت فرجها وفي امان‬
‫اللَّه أخذتها اللَّهم أن قضيت لي في رحمها شيئاً فاجعله بارا ً تقياً واجعله مسلماً سوياً وال تجعل فيه شركاً للشيطان» قلت‪:‬‬
‫وباي شيئ ي ُعرف ذلك؟ قال‪« :‬أما تقرأ كتاب اللَّه عز وجل‪ .‬ثم ابتداء هو﴿وشاركهم في االموال واألوالد﴾ فإن الشيطان‬
‫حدث الرجل ويُنكح كما ينكح»‪ .‬قلت‪ :‬بأي شيئ ي ُعرف‬ ‫حدث كما ي ُ‬ ‫يجئ حتى يقعد من المرأه كما يقعد الرجل منها وي ُ‬
‫ذلك؟ قال«بحبنا وبغضنا فمن أحبنا كان من نطفه العبد ومن أبغضنا كان من نطفه الشيطان» الكافي‪/‬الكليني‪ /‬ج‪ / 5‬ص‬
‫‪ / 502‬ج‪ 2‬نقالً عن البرهان‪/‬ج‪ / 4‬ص ‪ /577‬ح‪3‬‬

‫راجع كتابنا المزايلة فقد فصلنا فيه الكالم حول هذا الموضوع‬
‫((( ان اختالف نسب مكونات االدميات الترابيات من امراة إلى اخرى ربما يقودنا إلى استنتاجات كثيرة فكل االدميات‬
‫يتساوين بنسبة التراب اال ان بقية العناصر ربما تزيد وتنقص من واحدة إلى اخرى فعلى سبيل المثال إذا افترضنا ان كل‬
‫امراة متكونة من «‪ »100‬جزء «‪ »70‬جزئ ترابي و «‪ »20‬ماء و «‪ »5‬هواء و «‪ »5‬نار‪ ،‬ومن خالل هذ النسبة تكون االدميات‬
‫ترابيات لغلبة عنصر التراب ولو زادت نسبة الماء في احدهن بحيث اصبحت اعلى من المقرر بان تكون «‪ »35‬ماء وقلت‬
‫فيها نسبة الهواء والنار فهي اقرب للطهارة من بقية النساء االدميات وهكذا وربما من زادن فيها نسبة النار عن المقرر كانت‬
‫عرضة لمس الجان مثال واللَّه العالم‬
‫‪272‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫فاطمة فاطمة الن الخلق فُطموا عن معرفتها»‪ ،‬اما حواء آدم الصغير هي ام البشرية المخلوقة من‬
‫ضلعه المائي‪ ،‬وربما كل امهات األنبياء واالوصياء حواء بهذا المعنى‪ ،‬اما حواء الترابية فهي‬
‫حواء كل انسان‪ ،‬اي حواء النوع اإلنساني‪ ،‬وهي متعددة بتعدد افراد النوع‪ ،‬وهي عموم نساء‬
‫االوادم‪.‬‬
‫ولفظة الضلع يمكن ان تجري على ادم الكبير كون اضالعه األربعة هم أهل بيته صلوات‬
‫اللَّه عليهم اجمعين ويؤيده الحديث التالي‪.‬‬
‫عن رسول اللَّه‪....«‬اذ اقبل الحسن بن علي‪ ‬يمشي على هدوء ووقار فنظر اليه‬
‫رسول اللَّه‪ ‬وقال«ان جبرئيل يهديه وميكائيل يسدده وهو ولدي والظاهر من نفسي وضلع من‬
‫اضالعي هذا سبطي وقرة عيني بابي هو‪.(((»...‬‬
‫فالبد ان اضالع رسول اللَّه األربعة هي «علي وفاطمة والحسن والحسين» صلوات اللَّه‬
‫عليهم اجمعين‪ ،‬فهو العلّة السرمدية لهم وهم العلّة الدهرية لالشياء‪.‬‬
‫ويمكن القول بمعنى اخر ان حواء الكبرى«الصديقة الكبرى» حواء ادم الكبير كونها علّة‬
‫وجودية فيها األضالع األربعة للتخليق‪ ،‬اما حواء ادم الوسيط فهي من ضلعين وهي «الحوراء‬
‫االنسية» ام الحسنين صلوات اللَّه عليهم اجمعين‪ ،‬ومن هنا نفهم إذا تزوج النور من النور ولد‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َ ْ َ ٌ َّ َ ْ َ‬ ‫َ َ َ ْ ْ َ ْ َ َْ َ‬
‫ان ؀ فبِأ ِّي آلءِ َر ّبِك َما‬ ‫ان ؀ بينهما برزخ ل يبغِي ِ‬ ‫اللؤلؤ والمرجان﴿مرج الَحري ِن يلتقِي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ ْ ُ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫ان ؀ ي ُر ُج مِنْ ُه َما اللؤل ُؤ َوال َم ْر َجان﴾(((‪ ،‬الن اإلمام علي وفاطمة عليهما السالم في قمة‬
‫تكذِب ِ‬
‫اعتدال الطبائع واصفى العناصر‪ ،‬فالعصى والحجر هم من اعتدل طبائعهم وتوحدت طينتهم‬
‫َ َ َ َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ً َ ْ َ َ ُ ُّ ُ َ‬
‫اس‬ ‫فما خرج منهم ليس بالوالدة بل باالنبجاس﴿فانبجست مِنه اثنتا عشة عينا ۖ قد عل ِم ك أن ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َّم ْ َ‬
‫ش َب ُه ْم ۚ﴾(((‪ ،‬فالعصى ادم الدهري ورب الكرسي‪ ،‬والحجر حواء الدهرية وام النجوم﴿فل‬

‫((( صحيفة األبرار‪ /‬ج‪ / 2‬ح‪ /43‬ص ‪164‬‬


‫((( الرحمن‪22-19/‬‬
‫عن ابي عبد اللَّه‪ ‬في قوله عز وجل«مرج البحرين يلتقيان‪ .‬بينهما برزخ ال يبغيان» قال‪ :‬علي وفاطمة عليهما السالم‪،‬‬
‫بحران عميقان ال يبغي احدهما على صاحبه‪« ،‬يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان» الحسن والحسين عليهما السالم» تفسير‬
‫البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /7‬ص ‪/386‬ح‪1‬‬

‫عن ابن عباس في قوله عز وجل «مرج البحرين يلتقبان بينهما برزخ ال يبغيان» قال«مرج البحرين» علي وفاطمة عليهما السالم‬
‫«بينهما برزخ ال يبغيان» قال‪ :‬النبي‪« ‬يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان» قال‪ :‬الحسن والحسين عليهما السالم» تاويل‬
‫االيات‪/‬ج‪/2‬ص ‪ /636‬ح‪ ،13‬كذلك تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪/7‬ص‪ /378‬ح‪5‬‬
‫((( األعراف ‪160 /‬‬
‫��������‬ ‫‪273‬‬

‫ج ِ‬
‫وم﴾(((‪ ،‬اما ما دون ذلك اي حواء ادم الصغير فال ترتقي لما فوقها ابدا ً الن تلك‬ ‫أُقْس ُِم ب َم َواق ِعِ انلُّ ُ‬
‫ِ‬
‫مقامات التي فُطم الخلق عن معرفتها والتي على معرفتها دارت القرون األولى‪.‬‬
‫محاولة لشرح عبارة الحاج الكرماني‬
‫وللتوسع اكثر يمكن ان نستفاد من كالم الحاج محمد كريم خان الكرماني في هذا الموضوع‬
‫في معرض شرحه عن مقطع من حديث النورانية لإلمام علي ‪ ‬وهي عبارة الحديث «وصار‬
‫محمد طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى»‪.‬‬
‫يقول«فاعلم ان «طا» قواه تسعة وهي تمام اآلحاد ومبادى االعداد عليه يدور رحي جميع‬
‫المراتب وكل االعداد من تنزالته وتنزالت تنزالته وهكذا‪ ،‬و«الهاء» تنزل االلف بعد حركته‪ ،‬وقواه‬
‫خمسة‪ ،‬وهي مع التسعة اربعة عشر‪ ،‬والهاء قطب التسعة يدور رحاها‪ ،‬وإذا ضرب «الطاء» في‬
‫«الهاء» حصل «مه»‪ ،‬وإذا ضرب «الطاء» في نفسه حصل «فا»‪ ،‬فإذا تطرفا «الطا» حصل «فاطمة»‬
‫وهي مجمع األربعة عشر‪ ،‬و «الطا» بزبره وبيناته عشرة‪ ،‬و«الهاء» ستة فإذا ضرب العشرة في‬
‫الستة حصل ستون‪ ،‬وهي «س» كما مر انه اسم محمد‪ ،‬وإذا ضرب عشرة في خمسة حصل‬
‫«نون» وهو ايضا محمد‪ ،‬فعلى اي حال«طه» هو مجموع األربعة عشر وهو محمد في مقام‬
‫ٰ‬ ‫َ َ َ َْ َ َْ َ ُْ ْ َ َ ْ َ‬
‫الجمع وقوله﴿ما أنزلا عليك القرآن ل ِتشق﴾ هو علي‪ ‬انزله اللَّه عليه لينعم ال ليشقى النه‬
‫نعمة اللَّه عليه وهو الكتاب الناطق الذي انزله اللَّه على محمد‪ ‬الذي احصى كل شيء فيه‬
‫شء أَ ْ‬
‫ح َصيْ َناهُ ف إ َمام ُّ‬ ‫ُ َّ َ‬
‫ني﴾ وهو ناصره ومعينه ويده وسيفه ونعيمه وجنته‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ب‬‫م‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كما قال﴿ َوك ْ ٍ‬
‫وروحه وريحانه» انتهى كالمه(((‪.‬‬
‫والعبارة بمجملها تحتاج إلى شرح تفصيلي‪ ،‬وفيها دليل من خالل علم الجفر والرياضيات‬
‫على المفاهيم التي يتحدث عنها القرآن واألحاديث والزيارات‪ ،‬ولها واقع هندسي رياضي‬
‫يمكن من خاللها معرفة قانونية عمل االشياء‪ ،‬وقانونية العالقة بين األنوار األربعة عشر‪ ،‬وقانونية‬
‫ظهوراتهم في العوالم والرتب‪ ،‬وصفات مراتبهم صلوات اللَّه عليهم‪ ،‬وهو كما ارى باب من‬
‫العلم ال ينفد‪.‬‬
‫ولكي يكون معنا القارئ في الصورة فعلم الجفر هو علم يتم فيه تحويل الحروف إلى ارقام‬
‫من خالل معرفة القيمة العددية لكل حرف كما في الجدول ادناه‪.‬‬

‫((( الواقعة‪75 /‬‬


‫((( مكارم األبرار‪ /‬الحاج محمد كريم خان الكرماني‪ /‬شرح حديث المعرفة بالنورانية‪ /‬ج‪ /3‬ص ‪129 - 128‬‬
‫‪274‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫ي‬ ‫ط‬ ‫ح‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫هـ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ب‬ ‫ا‬
‫‪10‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫ق‬ ‫ص‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ك‬
‫‪100‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪40 30‬‬ ‫‪20‬‬
‫غ‬ ‫ظ‬ ‫ض‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ر‬
‫‪1000‬‬ ‫‪900‬‬ ‫‪800‬‬ ‫‪700‬‬ ‫‪600‬‬ ‫‪500‬‬ ‫‪400 300‬‬ ‫‪200‬‬

‫فكلمة «اللَّه» مثال في النظام الرقمي هكذا «ا‪+‬ل‪+‬ل‪+‬ه»«‪»5+30+30+1‬‬


‫ومحمد ‪ ،92‬علي ‪ ،110‬طه ‪ 14‬وهكذا‬
‫فقول الحاج الكرماني «فاعلم «طا» قواه تسعة وهي تمام اآلحاد ومبادى االعداد عليه يدور‬
‫رحي جميع المراتب وكل االعداد من تنزالته وتنزالت تنزالته وهكذا»‪ ،‬معناه ان حرف «ط»‬
‫حسب علم الجفر هو «‪ »9‬وهو تمام اآلحاد اي هو نهاية اعداد االحاد من «‪ »1‬إلى «‪ »9‬الن بعده‬
‫تاتي «العشرات» الذي اوله «ي» فتنزالت االعداد من «‪ »1‬إلى «‪ »9‬هي التنزل األول من «‪»10‬‬
‫إلى «‪ »90‬والتزل الثاني من «‪ »100‬إلى «‪.»900‬‬
‫وقوله«و«الهاء» تنزل االلف بعد حركته‪ ،‬وقواه خمسة‪ ،‬وهي مع التسعة اربعة عشر‪ ،‬والهاء‬
‫قطب التسعة يدور رحاها»‪ ،‬يعني ان «الهاء» قواه خمسة النه حركة «االلف» خمسة مرات اي‬
‫«الهاء» هو ناتج من جمع خمسة «الف»‪ ،‬وبما ان «االلف» قواه «‪ »1‬فبحركة «االلف» خمسة مرات‬
‫ينتج «الهاء» وهو جاري في كل الحروف‪ ،‬وهو يقول ذلك لخصيصة موجوده في حرف«الهاء»‬
‫بالنسبة لمقام اآلحاد الن «الهاء» هي وسط اآلحاد‪ ،‬اي هي وسط بن «‪ »1‬و «‪ ،»9‬فيكون «‪،2 ،1‬‬
‫‪ »4،3‬على يمينها و «‪ »6،7،8،9‬على يسارها فهو القطب الذي تودر عليه مراتب اآلحاد وهذه‬
‫واحدة من اسرار «الهاء» في كلمة «هو»‪ ،‬وربما انتهاء اسم «فاطمة» بحرف الهاء فيه داللة على‬
‫قطبيتها سالم اللَّه عليها في عالم «اآلحاد» النه عالم االجمال واالصل األول وعلل االعداد‪ ،‬اما‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُّ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ارك ٍة َزيْ ُتون ٍة‬ ‫إذا نظرنا لعبارة «هي فاطمة» حسب هذا التصور فهي الزيتونة﴿يُوق ُد مِن شجر ٍة مب‬
‫َ َ‬ ‫َّل َ ْ‬
‫شق َِّي ٍة َول غ ْرب ِ َّي ٍة﴾((( التي هي قطب لنفسها وقطب لما سواها وهو مقام «السر المقنع بسر»‬
‫ومقام «الكلمة التي انزجر لها العمق االكبر» ومقام«اسم اللَّه االعظم الذي لم يخرج منه اال اليه»‬
‫فإذا جمعت «الطاء» مع «الهاء» كان «طه»‪ ،‬وعدده«‪ »14 =5+9‬وهو مقام الظلة الخضراء بقول‬

‫((( النور‪35 /‬‬


‫��������‬ ‫‪275‬‬

‫الصادق‪«‬كنا نعبد اللَّه في ظلة خضراء قبل ان يخلق الخلق» حيث مقام اآلحاد حيث ال سماء‬
‫مبنية وال ارض مدحية وال شمس تنير وال قمر سار وال نجم يلمع صلوات اللَّه وسالمه عليهم‬
‫اجمعين‪ ،‬فهي هناك صلوات اللَّه عليها قطبهم وسرهم الخاص الذي يدورون عليه وهو السر‬
‫المستودع فيها‪ ،‬والذي سيبقى سر تدور عليه رحى القرون‪.‬‬
‫وقوله «وإذا ضرب «الطاء» في «الهاء» حصل «مه»‪ ،‬وإذا ضرب «الطاء» في نفسه حصل‬
‫«فا»‪ ،‬فإذا تطرفا «الطا» حصل «فاطمة» وهي مجمع األربعة عشر»‪.‬‬
‫يعني إذا ضرب «ط ‪ x‬هـ»«‪»٤٥ = ٥ x ٩‬‬
‫الن «م ‪ +‬هـ» «‪ »45= 5+40‬فيكون «طه مه»‬
‫وإذا ضرب «الطاء» في نفسه اي « ‪»81= 9x9‬‬
‫و«فا» هي «ف‪+‬ا» «‪»81 =1+80‬‬
‫وقوله «فإذا تطرفا «الطاء» يعني ان يكون «فا» على الطرف االيمن من «ط»‪ ،‬و«مه» على‬
‫الطرف االيسر من «ط» نتج اسم «فاطمة»‪ ،‬وبالنتيجة هذه قانونية حسابية حروفيه رقمية باستخراج‬
‫اسم «فاطمة» من «طه»‪ ،‬الن «طه» مجمع األربعة عشر فتكون «فاطمة» بحكم التقابل العددي‬
‫هي ايضا مجمع األربعة عشر‪ ،‬وهذا امر يجب النظر اليه بعين خاصة الن التأمل فيه يظهر اسرار‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫وقوله «و«الطا» بزبره وبيناته عشرة‪ ،‬و«الهاء» ستة فإذا ضرب العشرة في الستة حصل ستون‪،‬‬
‫وهي «س» كما مر انه اسم محمد‪ ،‬وإذا ضرب عشرة في خمسة حصل «نون» وهو ايضا‬
‫محمد‪.»‬‬
‫وهنا يستخدم الحاج الكرماني مستوى اخر من علم الجفر اليجاد العالقة الرقمية بين «ط‪،‬‬
‫هـ‪ ،‬س‪ ،‬ن» وهو موضوع «الزبر والبينات»‪ ،‬فحرف«ط» قواه «‪ ،»9‬اما إذا كُتب «طا» اي من‬
‫جرفين «ط‪ »1+‬فيكوم «‪ »10= 1+9‬فيكون «‪ »9‬هو زبر «ط» و «ا» بينات «ط»‪ ،‬وكذلك «ها»‬
‫فهي إذا كتبت «هـ» فقط كانت قواه«‪ »٥‬اما إذا كتبت«ها» اي «‪ ،»6 = 1+5‬فيكون«ها» زبره‬
‫وبيناته هو «‪.»6‬‬
‫فإذا ضربت «ط‪ x‬هـ» بزبرها وبيناتها يكون «‪ ،»60= 6 x 10‬والستين هو القيمة الرقميه‬
‫للحرف«س» الذي هو اسم من اسماء رسول اللَّه ‪ ‬كما ورد في األحاديث على اعتبار ان‬
‫‪276‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫كلمة «ياسين» الياء فيها للنداء واالسم هو «س»(((‪ ،‬واذ ضربت «‪ ،»50 = 5 x 10‬وخمسون هي‬
‫القيمة العددية للحرف«ن» الذي هو ايضا اسم من اسماء رسول اللَّه‪ ،‬والنتيجة ان فاطمة هي‬
‫روح محمد صلوات اللَّه عليهم‪ ،‬وهو كما قلنا مقام االجمال لقول رسول اللَّه ‪«‬فاطمة روحي‬
‫التي بين جنبي»‪ ،‬وبقية كالمه ال تحتاج إلى توضيح‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬


‫آن الْكِي ِم ‪ ؉‬إِن َك ل ِم َن ال ُم ْر َسل َِني﴾‪ ،‬فسمى اللَّه النبي‪ ‬بهذا االسم حيث قال‬ ‫َ ْ‬
‫((( عن أمير المؤمنين‪ ‬في قوله ﴿يس والقر ِ‬
‫«يس والقران الحكيم انك لمن المرسلين»‪ .‬االحتجاج الطبرسي‪ :‬ص ‪ 253‬كذلك تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /6‬ص‬
‫‪ /380‬ح‪3‬‬

‫عن ابي جعفر‪ ‬قال«ان ارسول اللَّه‪ ‬اثنى عشر اسما خمسة منها في القرآن‪ ،‬محمد‪ ،‬واحمد‪ ،‬وعبد اللَّه‪ ،‬ويس‪ ،‬ونون»‬
‫تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /6‬ص ‪ /381‬ح‪4‬‬
‫����������������������������������������‬ ‫‪277‬‬

‫جنة الح�ضائر ‪ :‬م�ؤمنو الجن وف�ساق ال�شيعة‬


‫عن محمد بن مسلم قال سألت ابا عبد اللَّه‪ ‬عن الجهنميين‪ .‬فقال‪« :‬كان ابو جعفر‪‬‬
‫يقول‪ :‬يخرجون منها ف ُينتهى بهم إلى عين عند باب الجنة تسمى عين الحيوان فينضح عليهم من‬
‫(((‬
‫مائها‪ ،‬ف ُينبتون كما ينبت الزرع‪ ،‬تُنبت لحومهم وجلودهم وشعورهم»‬
‫عن ابي بصير قال‪ :‬سمعت ابا جعفر‪ ‬يقول ‪« :‬ان قوما ُيحرقون بالنار حتى إذا صاروا‬
‫حمماً ادركتهم الشفاعة قال ف ُينطلق بهم إلى نهر يخرج من رشح اهل الجنة فيغتسلون فيه‬
‫ف ُينبت لحومهم ودمائهم ويذهب عنهم قشف النار ويدخلون الجنة فيسمون الجهنميين ف ُينادون‬
‫باجمعهم اللَّهم اذهب عنا هذا االسم قال فيذهب عنهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا ابا بصير ان اعداء علي هم‬
‫الخالدون في النار ال تدركهم الشفاعة»(((‪.‬‬
‫ُسئل العالم‪ ‬عن مؤمني الجن ايدخلون الجنة؟ فقال«ال‪ ،‬ولكن للَّه حظائر بين الجنة‬
‫والنار‪ ،‬ويكون فيها مؤمنو الجن وف ُّساق الشيعة»(((‪.‬‬
‫الواضح ان هذه ليست الجنة النهائية النه يقول«ما بين الجنة والنار حضائر»‪ ،‬فهي جنة بحالة‬
‫وسطية يسكنها نوعيات بحاالت وسطية سماهم «مؤمنو الجن وفساق الشيعة»‪ ،‬فاما موضوع‬
‫مؤمنو الجن فواضح الن الجن ليس من سنخ اإلنسان المؤمن فهو ال يدخل جنة المؤمن‪،‬‬
‫وبهذا فللجن الصالحين جنة خاصة بهم من شعاع جنة المؤمنين‪ ،‬فمؤمن الجن ال يرتقي في‬
‫كل االحوال ان يحصل على درجة اإلنسان المؤمن الن رتبة اإلنسان في تسلسل الرتب الوجوية‬
‫اعلى من الجان‪.‬‬
‫اما الموضوع ال ُمح ّير فهو موضوع «ف ُّساق الشيعة» ولماذا تم جمعهم مع صالحي الجن‬
‫حب محمد وآل محمد‪ ‬فمن‬ ‫في جنة واحدة؟ ان مسألة دخول الجنة والنار تابع لموضوع ُ‬
‫احبهم دخل الجنة‪ ،‬ومن ابغضهم دخل النار‪ ،‬ومن لم يحبهم ولم يُبغضهم اي لم يعرفهم ف ُيجدد‬
‫له تكليف بان يُرد إلى دار البالء بعدة احوال‪ ،‬وهذا يجعلنا ننظر إلى ان موضوع «ف ُّساق الشيعة»‬

‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /4‬ص ‪ /139‬ح‪2‬‬


‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪/‬ج‪ /4‬ص ‪ /140‬ح‪6‬‬
‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪/‬ج‪/7‬ص ‪ /199‬ح‪ 2‬كذلك تفسير القمي‪:‬ج‪/2‬ص ‪275‬‬

‫الواضح من الحديث ان مؤمن الجن اما بدرجة فاسق الشيعة‪ ،‬او ال يرتقي إلى مرتبة‬
‫‪278‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫كونهم نتاج خلط جملة من االحوال والمفاهيم الجيدة والرديئة‪ ،‬فهو «شيعي» وفي نفس الوقت‬
‫«فاسق»‪ ،‬وهذا معناه انه كان يحب محمد وآل محمد‪ ‬ومن هنا فهو شيعي‪ ،‬ويحب اعدائهم او‬
‫يساويهم بهم او يعتبرهم مسلمين ومن هنا فهو «فاسق»‪ ،‬وهؤالء الذين تسميهم األحاديث«اعور»‪.‬‬
‫كما ورد في الحديث انقدم رجل على أمير المؤمنين‪ ‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين اني احبك‬
‫واحب فالناً وسمى بعض اعدائه‪ .‬فقال‪« ‬اما االن فانت اعور فأما ان تعمى واما انت تبصر»(((‪،‬‬
‫حب اعداء علي‪‬‬ ‫فاما ان يكون ف ُّساق الشيعة من هذا المستوى والمعنى عندي بعيد‪ ،‬الن ُ‬
‫مشكلة كبيرة جدا ً تستحق ان يتعذب عليها اإلنسان في نار جهنم‪ ،‬او يكون ف ُّساق الشيعة هم من‬
‫المحبين ولكن لديهم قصور واضح في عموم التكاليف الشرعية فيعذبون على قدرها في النار‪.‬‬
‫وبهذا اما ان يكون ف ُّساق الشيعة هم انفسهم الجهنميين الذين يُعذوبون لفترة ويخرجون من‬
‫النار وال يدخلون الجنات االصلية بل جنات الحضائر‪ ،‬واما ان يكونوا من اهل الثواب المشفوع‬
‫لهم‪ ،‬وبذلك ال يدخلون النار وفي نفس الوقت ال يدخلون الجنة االصلية للشيعة الكاملين‬
‫فيبقون في الحضائر هم ومؤمنو الجن(((‪.‬‬
‫وبما ان اللَّه عادل وال يجور فانه سوف يُعاقبهم على فسقهم ويكافئهم على تشيعهم بان‬
‫يدخلهم جنات اوطأ من جنات الشيعة الكاملين فيسكنهم مع الجن النهم اوطاء مرتبة من مرتبة‬
‫الشيعي الكامل‪.‬‬
‫وهذا معناه ان آدم عندما هبط إلى األرض لم يكن لوحده بل وجد امثال هؤالء من االنس‬
‫والجن من االوادم السابقين كما ورد في األحاديث «قبل ادمكم هذا الف الف آدم» وهذا ما‬
‫تؤكده جملة من المرويات كون اوالد آدم‪ ‬تزوجوا من حوريات الجنة وه ّن في الحقيقة النساء‬
‫المؤمنات «انسيات وجنيات» الموجودات في جنة الحضائر من االوادم السابقين الدمنا(((‪،‬‬

‫((( وهؤالء الشيعة تجد لهم تواجد واضح في كل زمان ومكان وهم في زماننا موجودين ويروجون لنظرية التقارب بين‬
‫المذاهب وحوار االديان في محاولة لمسك العصا من الوسط‪.‬‬
‫((( عن الفرات بن احنف قال‪ :‬كنت عند ابي عبد اللَّه‪ ‬اذ دخل عليه رجل من هؤالء المالعين فقال‪ :‬واللَّه ألسوءنه في‬
‫ألي فلم يقبل اليه‪ ،‬فاعاد فلم يقبل اليه‪ ،‬ثم اعاد الثالثة فقال‪ :‬ها انا ذا مقبل فقل ةلن تقول‬
‫شيعته فقال‪ :‬يا ابا عبد اللَّه اقبل ّ‬
‫خيرا‪ ،‬فقال‪ :‬ان شيعتك يشربون النبيذ‪ ،‬فقال‪ :‬وما بأس بالنبيذ اخبرني ابي عن جابر عن بن عبد اللَّه ان أصحاب رسول‬
‫اللَّه‪ ‬كانوا يشربون النبيذ‪ ،‬فقال‪ :‬لست اعنيك النبيذ اعنيك المسكر‪ ،‬فقال‪ :‬شيعتنا ازكى واطهر من ان يجري للشيطان‬
‫في امعائهم رسيس‪ ،‬وان فعل ذلك المخذول منهم فيجد ربّاً رؤوفا ونبياً باالستغفار له عطوفا ووليا له عند الحوض ولوفا‬
‫وتكون وأصحابك ببرهوت عطوفا‪ »......‬بحار األنوار‪ :‬ج‪/4‬ص ‪381‬‬
‫((( عن ابي عبد اللَّه‪«‬ان اللَّه عز وجل انزل حوراء من الجنة إلى آدم فزوجها احد ابنيه وتزوج االخر إلى الجن فولدتا جميعا‬
‫فما كان من الناس من جمال وحسن الخلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجان وانكر ان يكون‬
‫زوج بنيه من بناته» قصص األنبياء‪/‬نعمة اللَّه الجزائري‪/‬الباب األول‪/‬ص‪77‬‬
‫����������������������������������������‬ ‫‪279‬‬

‫وحصل االختالط بينهم اي االختالط بين ذرية آدم وما موجود من المخلوقات على األرض إلى‬
‫درجة انه اصبحت في األرض عدة اجناس كما يقول اإلمام علي‪«‬اجناس بني آدم سبعون»‬
‫والبد من وجود اكثر من جنس حتى تصبح هذه االجناس سبعون(((‪.‬‬
‫ويمكن ان تجد مصداق قرآني يؤيد ان آدم عندما هبط إلى األرض وجدها مشحونة بالحياة‬
‫افهم هم الذين يسميهم القرآن«ذرية‬ ‫بل حتى ان اوالده تزوجوا من حوريات تلك الجنة وهم كما‬
‫َْ ُ‬ ‫ََ ُْْ ْ ُ ْ ََْ َ ْ ْ‬ ‫ن ُذو َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫ك الْ َغ ُّ‬ ‫َ َ ُّ َ‬
‫حةِ ۚ إِن يشأ يذهِبكم ويستخل ِف مِن بعدِكم‬ ‫ِ‬ ‫قوما اخرين» َكما َفي قوله تعالى﴿ورب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كم ّمِن ُذ ّر َّيةِ قَ ْ‬ ‫َّ َ َ ُ َ َ َ ُ‬
‫عملية تدبر دقيق النها تشير‬ ‫إلى‬ ‫بحاجة‬ ‫‪،‬واآلية‬ ‫(((‬
‫﴾‬ ‫ين‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫آخ‬ ‫م‬
‫ٍ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ما يشاء كما أنشأ‬
‫ََ ْ ُْ ْ ُ ْ ََْ َ ْ ْ‬
‫في طياتها إلى تجديد الخلق دورة بعد دورة من خالل قوله﴿إِن يشأ يذهِبكم ويستخل ِف مِن‬
‫ين﴾ هم الموجودين في األرض الذين هم بقايا الدورات‬ ‫آخر َ‬ ‫ُ ّ َّ َ ْ َ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ذ‬ ‫و﴿‬ ‫﴾‪،‬‬ ‫َب ْعد ُِكم َّما ي َ َش ُ‬
‫اء‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫السابقة كما افهم ويؤيده أحاديث األئمة ‪ ‬بقولهم«قبل ادمكم الف الف آدم»‪.‬‬
‫وبهذا فان آدم عندما هبط على األرض البد وانها كانت تعج بالحياة‪ ،‬النه وجد فيها مالئكة‬
‫وهو ما تقول عنه األحاديث عنهم ‪«‬ان المالئكة كانت تُرى إلى غاية نبي اللَّه ادريس» وكان‬
‫هناك البشر والجن الصالحين من سكان جنات الحضائر‪.‬‬

‫عن ابي عبد اللَّه‪«‬من حديث طويل‪ ....‬فلما ادرك اظهر اللَّه عز وجل جنية من ولد الجان يقال لها جهانة في صورة انسية‬
‫فلما رآها قابيل احبها فاوحى اللَّه إلى ادم ان يزوج جهانة من قابيل‪ ،‬ثم ولد الدم هابيل فلما ادرك اهبط اللَّه إلى ادم حوراء‬
‫واسمها نزلة الحوراء فلما رآها هابيل احبها فاوحى اللَّه إلى ادم ان يزوجها من هابيل ففعل ذلك» قصص األنبياء‪ /‬نعمة‬
‫اللَّه الجزائري‪ /‬الباب األول‪ /‬ص‪75‬‬

‫الراجح ان هذا العالم كان موجودا في فترة ما قبل ادمناولكنه لم يكن محجوب بل هو قريب من األرض ربما في السماء الدنيا‬
‫او ربما كال العالمين المثال والدنيا متحد فيستطيع اهل الدنيا ان يتعاملوا مع مخلوقات ذلك العالم وحدث االنفصال‬
‫نتيجة ذنوب بني ادم‪.‬‬

‫وربما هؤالء هم انفسهم الذين يقول عنهم النص التوراتي ان ابناء اللَّه قد تزوجوا من بنات البشر‪ ،‬ولعل عبارة«ابناء اللَّه»‬
‫تعني ابناء ادم‪ ،‬وبنات البشر هم ممن بقى من الدورات السابقة‪ ،‬حتى ان كتاب اخنوخ عندما وصف هبوط «المالئكة‬
‫الساقطون» الذين رفضوا السجود قاموا باول عملية لهم على األرض بانهم تدنسوا مع بنات البشر‪ ،‬وكل هذه القرائن تفيد‬
‫ان على األرض اجناس من البشر عند هبوط ادم وإبليس‬
‫((( عن أمير المؤمنين‪ ‬ان النبي‪ُ ‬سئل‪ :‬م ّم خلق اللَّه عز وجل الكلب؟ قال‪ :‬خلقه من بزاق إبليس‪ .‬قال‪ :‬وكيف ذلك‬
‫يا رسول اللَّه؟ قال‪ :‬لما اهبط اللَّه عز وجل آدم وحواء إلى األرض اهبطهما كالفرخين المرتعشين فغدا إبليس الملعون‬
‫إلى السباع وكانوا قبل آدم في األرض‪ »........‬قصص األنبياء‪ /‬نعمة اللَّه الجزائري‪ /‬الباب األول ‪ /‬الفصل األول‪ /‬ص‪68‬‬

‫الحديث يدل على ان إبليس على األرض قبلهما وان األرض فيها حياة‪.‬‬
‫((( األنعام‪133 /‬‬
‫‪280‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫العظام ثم اللحم‬
‫َََ ْ َ ََْ ْ َ َ‬
‫ان مِن ُس َللَة ّمِن طِني ؀ ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة ف قَ َر َّ‬
‫ِني ؀‬ ‫ار م َك ٍ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫النس‬‫قوله تعالى﴿ولقد خلقنا ِ‬
‫ُ َّ َ َ ْ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ ً َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ً َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ ً َ َ‬
‫ك َس ْونَا الْع َظ َ‬
‫ام لْ ًما ُثمَّ‬ ‫ِ‬ ‫ثم خلقنا انلطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عِظاما ف‬
‫الالِق َ‬ ‫الل أَ ْ‬
‫ح َس ُن ْ َ‬ ‫َ َ َْ ُ َ ًْ َ‬
‫آخ َر ۚ َف َت َب َ‬
‫ار َك َّ ُ‬
‫ني﴾(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أنشأناه خلقا‬
‫يعترض العلمانيون والملحدون على ترتيب الفعاليات الحياتية لنمو الجنين في هذه اآلية‪،‬‬
‫َ َ َ َْ ْ َ َ َ‬
‫ام لْ ًما﴾‪،‬فيما الواقع الحياتي لنمو‬ ‫الن التسلسل يذكر ظهور العظام قبل اللحم ﴿فكسونا العِظ‬
‫الجنين في بطن امه يشير إلى ان العظام تنشأ داخل كتلة اللحم‪ ،‬فتكون عملية ظهور العظام‬
‫متساوقة مع ظهور اللحم وليس كما يرتبها القرآن ان العظم يظهر أول مرة ثم يتم اكسائه باللحم‬
‫حسب ظاهر سياق اآلية الكريمة‪.‬‬
‫اما المتدينون فيردون هذه الشبهة بقولهم ان العلم الحديث اثبت ان االنسجة الغضروفية‬
‫للجنين تظهر قبل اللحم‪ ،‬وهذه بدورها ستتحول إلى عظام‪ ،‬فلغويا الغضروف هو عظم‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك تنمو خاليا العضالت حول الغضروف فيتكون اللحم الذي يكسوا العظام‪ ،‬وال زال‬
‫الموضوع بين الطرفين محل نزاع فكل له ادلته في اثبات رأيه‪.‬‬
‫والعلمانيون يحتجون بالعلم وبظواهر االشياء ولهم الحق النها ادواتهم في تحليل االمور‪،‬‬
‫ولكن الغريب ان المسلمين دائما يحتجون بالعلم الثبات صحة مطالب آيات القرآن الكريم‪،‬‬
‫فهم ال يستطيعون الدفاع عن القرآن إال بنتائج العلم‪ ،‬وهم بهذا من حيث يشعرون وال يشعرون‬
‫يجعلون القرآن تابع للعلم وليس العكس‪ ،‬وهذه التبعية قد تاصلت في ذهن المسلم بل سادت‬
‫حتى في مناهجهم البحثية وسببها واضح هو ان الفهم اللغوي الشائع في التفسير ال يغطي‬
‫مساحة االسئلة التي تطرحها آيات القرآن فالبد من العلوم التجريبة لسد هذا الفراغ‪ ،‬وهذه مشكلة‬
‫ظهرت نتيجة ابتعاد المسلمين عن أحاديث وعلوم حملة القرآن انفسهم ‪ ‬وقد قال عز من‬
‫َ َ َ َ ّ َ َ ُ ْ ُ َ َ َّ ٰ ُ َ ّ ُ َ َ َ‬
‫ِيما ش َج َر بَيْ َن ُه ْم﴾(((‪.‬‬ ‫قال﴿فل وربِك ل يؤمِنون حت يكِموك ف‬

‫(( ( المؤمنون‪14-12/‬‬
‫((( النساء‪٦٥ /‬‬
‫محللا مث ماظعلا‬ ‫‪281‬‬

‫وهنا سنسلك مسلك ثالث لفهم اجواء اآلية المباركة من خالل التمعن ببعض األحاديث‬
‫ذات الصلة‪ ،‬الني اعتقد ان مسألة التركيز على المعنى الظاهر للنص القرآني يسبب لنا اشكاالت‬
‫حجة‪ ،‬فنحن دائما ننظر لظاهر النص وال نتوقع ان يكون للنص معنى‬ ‫كثيرة وان كان ظاهر القرآن ُ‬
‫أخر قد يشير إلى افق أخر‪ ،‬وهناك قاعدة ُمهمة يتبناها بعض العلماء االعالم مفادها «ان كل نص‬
‫قرآني ال تجد له انطباق في الخارج يجب ان يؤول»‪ ،‬بمعنى ان ظاهر كل آية إذا لم ينطبق على‬
‫موضوعها في الخارج فيجب ان تؤول بان نبحث لها على انطباق لموضوع اخر مخفي وبحاجه‬
‫للبحث لكي يظهر‪ ،‬وكأن هذه اآليات تُصاغ بشكل معين لألشارة إلى معاني باطنية‪.‬‬
‫واستنادا لهذه المقدمة يمكن القول ان آية المؤمنون مورد الكالم ال تشير إلى المعنى العام‬
‫لعملية تكوين اإلنسان في األرحام بل تشير إلى معنى خاص‪ ،‬فهي ال تتحدث عن عملية خلق‬
‫ََ‬
‫عامة الناس بل تتحدث عن خلق «اول مخلوق» من جنس اإلنسان بداللة بداية اآلية ﴿ َولق ْد‬
‫ُ َ َ ّ‬ ‫َ ََْ ْ َ َ‬
‫خلق من طين وليس عامة‬ ‫ِني﴾‪ ،‬فهي تتحدث عن انسان خاص ُ‬ ‫النسان مِن سلل ٍة مِن ط ٍ‬
‫خلقنا ِ‬
‫الناس الذين خرجوا منه بعد ذلك والذين خلقوا من نطفة‪ ،‬فاإلنسان المخصوص في هذه اآلية‬
‫«األول من صنفه»‪.‬‬
‫ُ َ َ ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َََ ْ َ ََْ‬
‫ِني﴾ تشير إلى اول‬ ‫النسان مِن سلل ٍة مِن ط ٍ‬
‫هنا ستقول لي ان بداية اآلية﴿ولقد خلقنا ِ‬
‫مخلوق‪ ،‬ولكن ما بعدها الذي يذكر النطفة والعلقة والمضغة والعظام واللحم وهي تخص عامة‬
‫الناس‪ ،‬فيكون مطلع اآلية لوصف اول مخلوق الذي هو األول من نوعه وبقية االيات تصف‬
‫احوال ذريته الذين هم تكرار من النطف‪.‬‬
‫الحظ ان االداة «ثم» تفصل بين الموضوعين و«ثم» تفيد الترتيب والتتابع فهذه فعاليات‬
‫متتابعة غير مفصولة ويؤيده بقية اآلية التي تفصل فيها «ثم» بين مواضيع اخرى‪.‬‬
‫ِني﴾ فكيف تفسر موضوع‬ ‫ربما ستقول لي ان اآلية تقول﴿ ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة ف قَ َر َّ‬
‫ار مك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫النطفة وموضوع القرار المكين الذي هو الرحم‪ ،‬فمن اين كان لإلنسان األول رحم انثوي توضع‬
‫فيه نطفته‪ ،‬وبالتالي فان النطفة البد ان تكون اتت من اب‪ ،‬والرحم البد ان يكون عند االنثى‪،‬‬
‫وبالتالي فان هذا اإلنسان في اآلية له ام واب فكيف تقول عنه انه األول من نوعه؟‬
‫ِني﴾وليس من النطفة‪ ،‬الن «ثم»‬ ‫ُ َ َ ّ‬
‫ان موضوع هذا اإلنسان في اآلية يبدأ من ﴿سلل ٍة مِن ط ٍ‬
‫تفصل بين الموضوعين وتفيد الترتيب‪،‬والساللة هي الصفوة من الشيء‪ ،‬فساللة الطين صفوته‪،‬‬
‫وهذه الصفوة من الطين تتحول «باالستحالة» إلى نطفة بفعل عوامل داخلية وخارجية كما يتحول‬
‫الطعام في بطن اإلنسان إلى نطفة‪ ،‬فالطعام في داخل اإلنسان تجري عليه فعاليات متعددة من‬
‫‪282‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫خالل اجهزة معينة يتحول فيها إلى نطفة‪ ،‬وهذه الساللة من الطين تجري عليها ذاتيا مجموعة‬
‫فعاليات حياتية تحولها من طين إلى نطفة‪ ،‬ولكن ال تنظر إلى الطين في اآلية كونه الطين العادي‪،‬‬
‫بل هو طين خاص يمثل المادة الخام االصلية للتخليق‪ ،‬وحتى الطين العادي هو حاضنة ينتج‬
‫منها الكثير من االحياء المختلفة إذا جرت عليها سلسلة من فعاليات الطبيعة المختلفة من حرارة‬
‫ورطوبة ودوران للفلك‪ ،‬وقد ورد بكثرة في المأثور الروائي عن آل محمد‪ ‬ان الطينة األولى‬
‫التي خلق اللَّه منها الخلق اجرى عليها الماء العذب والماء المالح لمدة«‪ »40‬يوم حتى ان بعض‬
‫النصوص تشير إلى حالة مهمة حدثت لهذه الطينة وهي عملية «االختمار»‪.‬‬
‫وجل قبض قبضة من تراب التربة‬
‫عن أبا جعفر‪ ‬من حديث قال «حدثني أبي أن اللَّه ع ّز ّ‬
‫فصب عليها الماء العذب الفرات ثم تركها اربعين صباحاً ثم ّ‬
‫صب عليها‬ ‫ّ‬ ‫التي خلق منها آدم‪‬‬
‫الماء االجاج فتركها اربعين صباحاً فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركاً شديداً فخرجوا‬
‫كالذر من يمينه وشماله‪.(((».....‬‬
‫الحظ ان عملية صب الماء العذب والمالح على التراب تولد عجينة الطين التي بدورها لو‬
‫تركت فترة من الزمن الختمرت‪ ،‬وناتج التخمير واضح هو خروج الذر منها‪ ،‬والذي يصفه حديث‬
‫اخر كونهم «خرجوا يدبّون»‪ ،‬بل وصفه الرسول الكريم ‪ ‬في حديث «يخرجون كما يخرج‬
‫النبات من األرض»‪ ،‬وهذه العملية تشبه ما يجري يومياً في الطبيعة كما تخرج البكتريا من الطين‬
‫او من العجين حين االختمار‪ ،‬وبالتالي فان عملية خروج الذر من هذه الطينة هي عملية استحالة‬
‫تتحول فيها المادة الطينية إلى كائنات اشبه بالنطف«الذر»‪ ،‬فتكون عملية استحالة الطين إلى‬
‫نطفة امر جاري في اصل التخليق‪.‬‬
‫ِني﴾ والذي يتصوره البعض انه الرحم‪ ،‬والحقيقة ان هذا‬ ‫ار َّمك‬ ‫ر‬‫وهذه النطفة ستوضع في ﴿قَ َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ُ ُّ‬
‫المعنى صحيح لكنه على الظاهر ينطبق على عامة الناس كما في قوله تعالى﴿ألم نلقكم مِن‬
‫ِني﴾(((‪،‬هنا يسميه الماء المهين اي النطفة اإلنسانية‪ ،‬والقرار‬ ‫ج َعلْ َناهُ ف قَ َر َّ‬
‫َّماء َّمهني ؀ فَ َ‬
‫ار مك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬
‫المكين هنا رحم االم‪ ،‬فتكون اآلية عامة لكل الناس‪ ،‬اما اإلنسان المخصوص الذي نتحدث عنه‬
‫ِني﴾ والتي ستتحول بدورها إلى نطفة‪ ،‬اما اإلنسان‬ ‫ُ َ َ ّ‬
‫في مورد المؤمنون فانه ﴿مِن سلل ٍة مِن ط ٍ‬
‫العام فالغذاء يتحول إلى نطفة‪.‬‬

‫((( مختصر البصائر‪ /‬الشيخ عز الدين الحسين بن سليمان الحلي‪ /‬أحاديث الذر‪ /‬ح ‪2/440‬‬
‫((( المرسالت‪21 /‬‬
‫محللا مث ماظعلا‬ ‫‪283‬‬

‫وبالنتيجة البد ان يكون القرار المكين في كل حالة من نفس جنس مادة المخلوق‪ ،‬فالذي‬
‫مادته اصالً من الطين وهو اإلنسان الخاص يوضع في قرار مكين «رحم» من مادة الطين وهي‬
‫األرض‪ ،‬والذي مادته من نطفة وهو اإلنسان العام يوضع في قرار مكين«رحم» من نفس مادته‬
‫وهو الرحم البايولوجي‪.‬‬
‫اما على اإلنسان الخاص فالقرار المكين هنا هو األرض‪ ،‬فاألرض إذا احتظنت هذه النطفة‬
‫يصح ان تكون هي رحم لها اي قرار مكين‪ ،‬والذي يؤيد ان القرار في بعض موارده يعني األرض‬
‫َ َْ َ َ‬ ‫َ‬
‫قوله تعالى﴿أ َّمن َج َعل ال ْرض ق َر ًارا﴾((( فإذا وضعت هذه الصفوة من الطين التي استحالت إلى‬
‫نطفة في األرض تستمر بقية الفعاليات بالظهور‪ ،‬فتكون عملية خلق اإلنسان األول هو عملية‬
‫وضع المادة الفعالة من الطين األول التي هي الساللة في حواضن األرض التي هي القرار‬
‫المكين‪.‬‬
‫وبالتالي ما دام هناك نطفة مصدرها الغذاء ونطفة مصدرها ساللة من طين‪ ،‬وما دام هناك‬
‫رحم بايولوجي ورحم ترابي‪ ،‬فيمكن القول ان الذي نطفته من الطين ورحمه األرض هو اإلنسان‬
‫األول‪ ،‬اما الذي نطفته من الغذاء ورحمه في االنثى فهو اإلنسان التكرار وهو عامة الناس‪ ،‬فيكون‬
‫مورد المؤمنون خاص وليس عام‪.‬‬
‫وبالتالي ما دام هذا اإلنسان المخلوق من ساللة من طين والذي نشأ في رحم األرض‬
‫يختلف عن عموم الناس فعليه تكون سلسلة الفعاليات االحيائية الجارية عليه تختلف عن بقية‬
‫الناس النه اصل‪ ،‬ونحن لم نشهد عملية خلق اإلنسان األول فيمكن ان يجري عليه ما ال يجري‬
‫استقر‬ ‫خلق منها ونوع الرحم الذي‬ ‫على من ياتي بعده‪ ،‬الن هذا شي تقتضيه طبيعة المادة التي ُ‬
‫ُ َّ َ َ ْ َُ‬
‫فيه‪ ،‬فتظهر العظام قبل اللحم اي ان اللحم يكسي العظام لذلك قال في نهاية اآلية ﴿ثم أنشأناه‬
‫آخ َر ۚ﴾ اي‬‫َ ًْ َ‬
‫ني﴾((( لذلك لم يسميه خلق بل سماه ﴿خلقا‬ ‫الالِق َ‬ ‫الل أَ ْ‬
‫ح َس ُن ْ َ‬ ‫َ ًْ َ‬
‫آخ َر ۚ َف َت َب َ‬
‫ار َك َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫خلقا‬
‫ليس مثلكم في التخليق‪ ،‬الن الخلق هنا مباشر من احسن الخالقين اي على االصالة‪ ،‬على‬
‫خالف اإلنسان العادي الذي يكون خلقه بواسطة امه واباه اي بالتبعية‪.‬‬
‫فنشأة اإلنسان األول وفق فعاليات الطبيعة العنصرية للمواد‪ ،‬اما اإلنسان العام فينشأ وفق‬
‫الفعاليات البايولوجية لإلنسان‪ ،‬واقصد بالطبيعة العنصرية هي تحول مادة الطين كمادة تخليقية‬
‫للعناصر األولى إلى نطفة من خالل فعاليات في عالم سابق او ذو طبيعة نجهلها‪ ،‬على خالف‬

‫(( ( النمل‪٦١ /‬‬


‫((( المؤمنون‪١٤ /‬‬
‫‪284‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫اإلنسان العام الذي مادتة التخليقية ليست عنصرية بل احيائية وهي نطفة االب وبويضة االم في‬
‫عالم طبيعته معلومة لدينا‪.‬‬
‫وإذا تتبعت بعض موارد القرآن الكريم ستجد ان عملية احياء الموتى كما جرى على صاحب‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الل َب ْع َد َم ْوت َِها ۖ فأ َمات ُه‬‫ن ُيْي َهٰ ِذه ِ َّ ُ‬ ‫ع ُع ُروش َِها قَ َال أ َّ ٰ‬ ‫ه َخاو َي ٌة َ َ ٰ‬ ‫الحمار﴿أ ْو َك َّلِي َم َّر َ َ ٰ‬
‫ع قَ ْر َي ٍة َو ِ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ َ َ ُ َّ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ ً َ ْ َ ْ َ ِ َ ْ َ َ َ َّ ْ‬
‫الل مِائة ع ٍم ثم بعثه ۖ قال كم لِثت ۖ قال لِثت يوما أو بعض يو ٍم ۖ قال بل لِثت مِائة ع ٍم‬
‫َ ُ َ ْ‬ ‫ك آيَ ًة ّل َّ‬ ‫َ ُ ْ َ ٰ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ ُ ْ َ ٰ ِ َ َ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ام‬‫انظ ْر إِل العِ َظ ِ‬ ‫اس ۖ و‬ ‫ِلن ِ‬ ‫فانظر إِل طعامِك وشابِك لم يتسنه ۖ وانظر إِل حارِك ولِ جعل‬
‫ِير﴾(((‪ ،‬ستالحظ‬
‫َ‬
‫ش ٍء قد ٌ‬ ‫عك ْ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي َ ُل قَ َال أَ ْعلَ ُم أَ َّن َّ َ‬
‫الل‬ ‫لْ ًما ۚ فَلَ َّما تَبَ َّ َ‬‫َ ْ َ ُ ُ َ ُ َّ َ ْ ُ َ َ‬
‫نشها ثم نكسوها‬ ‫كيف ن ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ام كيْف ن ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫نشها ث َّم نك ُسوها لْ ًما ۚ﴾‪،‬‬ ‫هنا ايضا قدم خلق العظام على اللحم﴿ َوانظ ْر إِل العِظ ِ‬
‫ووجود «ثم» تدل على ترتيب الفعاليات من العظام إلى اللحم‪ ،‬مما يوحي بوجود تناغم مع مورد‬
‫المؤمنون‪ ،‬فكل عملية خلق خارج األرحام المتعارف عليها يكون فيه العظام قبل اللحم(((‪ ،‬وهي‬
‫الحالة المتوقعة عن الحشر في الرجعة او في القيامة النهائية عندما يخرج الموتى من قبورهم‪،‬‬
‫الن هذه نشأة األرض وليست نشأة األرحام‪.‬‬
‫ولو تأملت لرأيت ان اإلنسان في الرجعة وفي الحشر النهائي ال يتم انتاجه من نطفة بل من‬
‫«طينة»‪،‬‬
‫عن عمار بن موسى عن ابي عبد اللَّه‪ ‬قال‪ُ :‬سئل عن الميت يُبل جسده؟ قال‪«:‬نعم حتى‬
‫ال يبقى لهُ لحم وال عظم اال طينته التي خُلق منها فأنها ال تُبلى تبقى في القبر مستديرة حتى ُيخلق‬
‫منها كما خُلق أول مرة»(((‪.‬‬
‫خلق منها في عالم الذر وهذه ستبقى في األرض بعد موت‬ ‫وهي نفس الطينة األولى التي ُ‬
‫اإلنسان لحين الحشر فإذا سقط عليها ماء السماء كما تقول األحاديث انه في الرجعة وفي‬
‫الحشر النهائي ستمطر السماء لمدة اربعين يوما(((‪ ،‬ومن هذا الماء النازل ستتلقح هذه الطينة‬

‫((( البقرة‪259/‬‬
‫((( ربما ستقول لي ان العلم إذا استطاع ان ينتج انسان بالكامل خارج األرحام البايولوجية من خالل اعداد ارحام صناعية ربما‬
‫ستكون فيه ظهور الفعاليات الحياتية بان يظهر العظم قبل اللحم‪ ،‬اقول‪ :‬ال‪ ،‬بل ستتم العملية ان نجحت كما هو المعلوم‬
‫عندنا لسبب ان هذا اإلنسان تكون من نطفة وبويضة انسان مثله‪ ،‬اما هنا فنحن نناقش خلق انسان من استحالة الطين إلى‬
‫نطفة‪.‬‬
‫((( الكافي‪ /‬ج‪ / 3‬ص‪ : 251‬باب النوادر‬
‫((( ‪-‬عن األمام الصادق ‪ ‬قال‪....« :‬وإذا آن قيامه ُمطر الناس جمادي اآلخرة وعشرة أيام من رجب مطرا ً لم يرى الخالئق‬
‫مثله‪ .‬فينبت اللَّه لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من‬
‫التراب»‪« .‬مختصر بصائر الدرجات‪/‬الصفار»‬
‫محللا مث ماظعلا‬ ‫‪285‬‬

‫ْ ُ ًَ‬ ‫ُ‬ ‫ان مِن ُس َللَة ّ‬‫َََ ْ َ ََْ ْ َ َ‬


‫ِني ؀ ث َّم َج َعل َناهُ ن ْطفة‬
‫ٍ‬ ‫ط‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫ٍ‬ ‫النس‬‫فتتحول إلى نطفة في قرار مكين ﴿ولقد خلقنا ِ‬
‫ُ َّ َ َ ْ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ ً َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ً َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ ً َ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِني ؀ ثم خلقنا انلطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عِظاما فكسونا‬ ‫ٍ‬ ‫ار َّمك‬
‫ٍ‬ ‫ِف ق َر‬
‫ح َس ُن ْ َ‬
‫الالِق َ‬ ‫الل أَ ْ‬ ‫ْ َ َ َ ْ ً ُ َّ َ َ ْ َ ُ َ ْ ً َ‬
‫آخ َر ۚ َف َت َب َ‬
‫ار َك َّ ُ‬
‫ني﴾ فيخرج من قبره انسان كامل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العِظام لما ثم أنشأناه خلقا‬
‫وبهذا تكون آيات سورة المؤمنون شارحة الحوال خلق اول انسان وكذلك احوال المنشورين‬
‫يوم القيامة الن المبدأ هو نفسه المعاد‪.‬‬
‫وهنا يجب ان نجري مقارنة بين مورد «المؤمنون‪ »14/‬ومورد «الحج‪ »5/‬للتفريق بين احوال‬
‫اإلنسان الخاص واإلنسان العام «التكرار»‪.‬‬
‫ُ‬
‫اب ث َّم مِن‬ ‫اكم ّمِن تُ َ‬
‫ر‬
‫َ ْ ّ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ ُ‬
‫ن‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫اس إن ُك ُ‬
‫نت ْ‬ ‫قوله تعالى ﴿يَا َأ ُّي َها انلَّ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬
‫اء إ ِ َلٰ‬
‫ام َما ن َ َش ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ ْ َ ُّ َ َّ َ َ َ ْ ُ َ َّ َ ّ ُ َ ّ َ َ‬
‫ي ملق ٍة ِلب ِي لكم ۚ ون ِقر ِف الرح ِ‬ ‫ُّ ْ َ ُ َّ ْ َ َ َ ُ َّ‬
‫َنطف ٍة ثم مِن علق ٍة ثم مِن مضغ ٍة ملق ٍة و َغ ِ‬
‫َ ُّ َ ًّ ُ َّ ُ ْ ُ ُ ْ ْ ً ُ َّ َ ْ ُ ُ ُ َّ ُ‬
‫ك ْم ۖ﴾(((‪.‬‬ ‫أج ٍل مسم ثم ن ِرجكم طِفل ثم لِ بلغوا أشد‬
‫والذي نستشفه من الموردين ان مورد«المؤمنون» يتحدث عن انسان «خاص» ومورد‬
‫«الحج» يتحدث عن عموم الناس لالسباب التالية‪:‬‬
‫َََ ْ َ ََْ ْ َ َ‬
‫نسان﴾بينما يتحدث مورد الحج‬ ‫ال‬
‫المؤمنون يتحدث عن «اإلنسان»﴿ولقد خلقنا ِ‬ ‫‪ -1‬مورد‬
‫ْ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫نت ْم ف َريْ ّ‬ ‫ُ‬
‫اس إن ك ُ‬ ‫َ‬
‫عن «الناس»﴿يَا أ ُّي َها انلَّ ُ‬
‫اكم﴾‬ ‫ث فإِنا خلقن‬ ‫ب م َِن الَع ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ‬
‫‪ -2‬مورد المؤمنون يذكر ان اصل التخليق لإلنسان الخاص هو ساللة من طين ﴿ َولق ْد‬
‫ُ َ َ ّ‬ ‫َ ََْ ْ َ َ‬
‫ِني﴾‪،‬بينما مورد الحج يتحدث عن اصل التخليق للناس هو‬ ‫النس َان مِن سلل ٍة مِن ط ٍ‬ ‫خلقنا ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫نت ْم ِف َريْب ّم َِن الَ ْع ِ َّ َ َ ُ ّ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫اس إن ك ُ‬ ‫التراب ﴿يَا أ ُّي َها انلَّ ُ‬
‫اب﴾(((‪.‬‬
‫ث فإِنا خلقناكم مِن تر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫((( الحج‪٥ /‬‬


‫((( لدينا هنا شاهد روائي يبين كيف ان التراب يدخل في تخليق اإلنسان العادي في نشأة األرحام‬

‫وجل خلق خلقاً خالّقين فان أراد أن يخلق خلقاً أمرهم فأخذوا من التربة التي قال في‬
‫ّ‬ ‫عن أبي عبد اللَّه‪ ‬قال‪«:‬ان اللَّه ع ّز‬
‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫َْ‬
‫ك ْم تَ َارةً أ ْخ َر ٰى﴾ فعجن النطفة بتلك التربة التي يُخلق منها بعد أن‬
‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ُ‬
‫ِيدك ْم َومِن َها ن ِرج‬ ‫كتابه﴿۞ مِنها خلقناكم وفِيها نع‬
‫أسكنها الرحم أربعين ليلة فإذا تمت له أربعة أشهر قالوا‪ :‬يا رب تخلق ماذا؟ فيأمرهم بما يريد من ذكر أو أنثى ابيض أو‬
‫أسود فإذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه النطفة بعينها منه كائناً ما كان صغيرا ً أو كبيرا ً ذكرا ً أو أنثى فلذلك يغسل‬
‫الميت غسل الجنابة»بحار األنوار‪ :‬ج‪ /57‬ص‪337‬‬

‫فيكون التربة هي حقيقة اإلنسان وليس النطفة‬


‫‪286‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫َََ ْ َ ََْ ْ َ َ‬
‫نسان مِن‬ ‫ال‬
‫«التراب» يستحيالن إلى نطفة﴿ولقد خلقنا ِ‬ ‫‪ -3‬في كال الموردين «الطين» و‬
‫ُ ُ ْ َ ْ ّ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ث فإِنا خلقناكم‬ ‫ب مِن الع ِ‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫نت‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ُ‬
‫اس‬ ‫ُس َللَ ٍة ّمِن طِني ؀ ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة﴾﴿يا أيها انلَّ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُّ ْ َ‬ ‫ّ َُ ُ‬
‫اب ث َّم مِن نطف ٍة﴾‪.‬‬ ‫مِن تر ٍ‬
‫ِني﴾‪،‬بينما في‬ ‫‪ -4‬في مورد المؤمنون وضعت هذه النطفة في﴿ ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة ف قَ َر َّ‬
‫ار مك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َْْ َ ِ َ ََ‬ ‫ُ‬
‫مورد الحج يسميها صراحة رحم﴿ َونقِ ُّر ِف الرحام ما نشاء﴾‪ ،‬فيكون القرار المكين هو الرحم‬
‫ُ‬
‫العنصري لإلنسان الخاص‪ ،‬والرحم هو هذا الجهاز البايولوجي الدموي اللحمي لإلنسان العام‪.‬‬
‫‪ -5‬في مورد المؤمنون عندما يتحدث عن اإلنسان الخاص يذكر عدة مراحل«النطفة‪ ،‬علقة‪،‬‬
‫َ َ ََ ً َ َ َْ‬ ‫ُ َ َْ‬
‫ِني ؀ ث َّم خلق َنا انلُّ ْطفة َعلقة فخلق َنا‬ ‫مضغة‪ ،‬العظام‪ ،‬اللحم»﴿ ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة ف قَ َر َّ‬
‫ار م َك ٍ‬ ‫ِ ْ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ََ َ ُ ْ َ ً َ َ َْ َ ُْ ْ َ َ َ ً َ َ َ‬
‫اما فك َس ْونا العِظام لما﴾‪ ،‬بينما في مورد الحج يذكر«النطفة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫العلقة مضغة فخلقنا المضغة عِظ‬
‫ُّ ْ َ ُّ َ َّ َ َ َ ْ ُ َ َّ َ‬ ‫ُّ ْ َ ُ َّ ْ َ َ َ َُّ‬ ‫ُ َّ‬
‫ي ملق ٍة﴾وال يوجد في‬ ‫ثم علقة‪ ،‬ثم مضغة »﴿ثم مِن نطف ٍة ثم مِن علق ٍة ثم مِن مضغ ٍة ملق ٍة وغ ِ‬
‫مورد الحج ذكر للعظام واللحم مما يوحي على ان هذا اإلنسان العام في األرحام البايولوجية‬
‫بعد مرحلة المضغة تكون الفعاليات جارية فيه بالتساوق اي يظهر العظم واللحم بنفس الوقت‬
‫كفعاليات متداخلية ليس احدهما قبل االخر‪.‬‬
‫َ ًْ َ‬
‫آخ َر ۚ﴾داللة على االصل والخصوصية‪ ،‬اما مورد‬ ‫‪ -6‬مورد المؤمنون يسمي الناتج ﴿خلقا‬
‫ًْ‬ ‫ُ َّ ُ ْ ُ ُ‬
‫ك ْم طِفل﴾ وهي الحالة العامة لعموم الناس‪ ،‬فليس كل من يخرج من‬ ‫الحج فيسميه﴿ثم ن ِرج‬
‫بطن امه هو خلقا آخر‪ ،‬بل كل من يخرج من بطن امه يكون طفال‪.‬‬
‫‪ -7‬في بعض الموارد القرآنية التي تتناول عملية الخلق يذكر النطفة فقط‪ ،‬وفي بعضها االخر‬
‫يذكر عندما يذكر احوال النطفة يتوقف عند العلقة كما في الموارد التالية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ ُْ‬ ‫ََ‬ ‫ُّ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ ُ ّ َُ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫اب ؀ ث َّم مِن ن ْطف ٍة ث َّم م ِْن َعلق ٍة ؀ ث َّم ن ِر ُجك ْم‬‫ً قال تعالى﴿هو الِي خلقكم مِن تر ٍ‬
‫ْ‬
‫(((‬
‫طِفل﴾‬
‫َ َ َ ْ‬ ‫خلَ َق فَ َس َّو ٰ‬
‫ُ َّ َ َ َ َ َ ً َ َ‬ ‫ك ُن ْط َف ًة ّمِن َّم ّ‬‫ََْ َ ُ‬
‫ج َعل مِن ُه‬ ‫ى؀ف‬ ‫ن ؀ ثم كن علقة ف‬ ‫ن ُي ْم َ ٰ‬
‫ٍِ‬ ‫قال تعالى﴿ألم ي‬
‫َّ ْ َ ْ َّ َ ْ ُ‬
‫نث﴾(((‪.‬‬ ‫اذلك َر َوال َ ٰ‬ ‫ي‬‫الزوج ِ‬
‫اما موضوع ما بعد العلقة الذي هو العظام واللحم فلم يذكر اال في مورد المؤمنون والذي‬
‫يؤيد انه مورد خاص وليس عام‪.‬‬

‫((( غافر‪67/‬‬
‫((( القيامة‪39 - 37 /‬‬
‫محللا مث ماظعلا‬ ‫‪287‬‬

‫ْ ُ ًَ‬ ‫ُ‬ ‫ان مِن ُس َللَة ّ‬ ‫َََ ْ َ ََْ ْ َ َ‬


‫ِني ؀ ث َّم َج َعل َناهُ ن ْطفة‬ ‫ٍ‬ ‫ط‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ٍ‬ ‫النس‬ ‫‪ -8‬الحظ مورد المؤمنون﴿ولقد خلقنا ِ‬
‫ُ َّ َ َ ْ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ ً َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ً َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ ً َ َ َ ْ َ‬ ‫ِف قَ َ‬
‫ِني ؀ ثم خلقنا انلطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عِظاما فكسونا‬ ‫ٍ‬ ‫ار َّمك‬‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ٍ َ ْ ً ُ َّ َ َ ْ َ ُ َ ْ ً َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُ ْ‬
‫العِظام لما ثم أنشأناه خلقا آخر ۚ فتبارك الل أحسن الالِقِني﴾‪ ،‬فهو عندما يرتب فعاليات‬
‫الخلق يفصل بين كل موضوع بفعل خاص«خلقنا ‪ -‬جعلنا ‪ -‬خلقنا‪ -‬فخلقنا ‪ -‬فخلقنا ‪ -‬فكسونا ‪-‬‬
‫انشأنا» والفعل «خلقنا» يتكرار مما يشير إلى ان هذه عملية طويلة نسبيا وفيها اعتناء النها عملية‬
‫خلق اإلنسان االصل‪.‬‬
‫ُ ُ ْ َ ْ ّ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ ُ ّ ُ َ ُ‬
‫اب ث َّم‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫اك‬ ‫ن‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ع‬‫ال‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫نت‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫الحظ مورد الحج ﴿يَا َأ ُّي َها انلَّ ُ‬
‫اس‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬
‫اء إ ِ َلٰ‬
‫ام َما ن َ َش ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي ملق ٍة ِلب ِي لكم ۚ ونقِر ِف الرح ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ ْ َ ُّ َ َّ َ َ َ ْ ُ َ َّ َ ّ ُ َ ّ َ َ‬ ‫ُّ ْ َ ُ َّ ْ َ َ َ ُ َّ‬
‫َمِن نطف ٍة ثم مِن علق ٍة ثم مِن مضغ ٍة ملق ٍة َوغ ِ‬
‫ُ ْ (((‬ ‫ُُ ُ‬ ‫ًْ ُ‬ ‫َ ُّ َ ًّ ُ َّ ُ ْ ُ ُ‬
‫ك ْم طِفل ث َّم لِ َبْلغوا أش َّدكم ۖ﴾‬ ‫أج ٍل مسم ثم نرِج‬
‫فهو هنا يذكر الفعل «خلقناكم» مرة واحدة ويشمل كل المراحل من تراب إلى نطفة إلى‬
‫علقة إلى مضغة مما يدل على انها فعاليات متتابعة بزمن قصير وكانها عملية واحده‪.‬‬
‫‪ -9‬إذا راجعت األحاديث ال ُمباركة عن اهل بيت العصمة عليهم افضل الصالة السالم حول‬
‫موضوع خلق اإلنسان في األرحام ستجدها ان «بعضها» ال تذكر العظم واللحم بل تذكر النطفة‬
‫والعلقة والمضغة«هذا على حد ما وقع تحت يدي من األحاديث»‪.‬‬
‫عن اإلمام الرضا‪ ‬قال ابو جعفر‪«‬ان النطفة تكون في الرحم اربعين يوما‪ ،‬ثم تصير علقة‬
‫اربعين يوما‪ ،‬ثم تصير مضغة اربعين يوما‪ ،‬فإذا كمل اربعة اشهر بعث اللَّه ملكين خالقين فيقوالن‬
‫(((‬
‫يا رب ما تخلق‪»........‬‬
‫فيما ورد حديث اخر يذكر اللحم وال يذكر العظم‪.‬‬
‫عن ابي جعفر‪«‬من حديث‪ ....‬فتصل النطفة إلى الرحم‪ ،‬فتردد فيه اربعين يوما‪ ،‬ثم تصير‬
‫علقة اربعين يوما‪ ،‬ثم تصير مضغة اربعين يوما‪ ،‬ثم تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة»(((‪،‬‬
‫وهي دالة بشكل واضح على مراحل نمو اإلنسان العام وليس اإلنسان الخاص‪.‬‬

‫((( الحج‪٥ /‬‬


‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /5‬ص ‪ /333‬ح‪2‬‬
‫((( ربما ستقول لي ان مرحلة العظام في هذا الحديث ربما سقطت من الحديث او لم ينتبه اليها الناسخ‪ ،‬اقول‪ :‬هذا امر‬
‫ممكن‪ ،‬ولكن ورد حديث عنهم ‪«‬انقله بالمعنى»«ان اإلمام قال في بعض اقواله «اللَّهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على‬
‫دينك»‪ ،‬فقال احد السامعين ياسيدي انما هي «اللَّهم يا مقلب القلوب واالبصار»‪ ،‬فقال االمام انا اعلم بان اللَّه مقلب‬
‫القلوب واالبصار ولكن قل كما اقول» ونحن هنا نلتزم بالنص كما وردنا ال نزيد فيه وال ننقص‪.‬‬
‫‪288‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫يبقى هنا سؤال‪ :‬إذا كان اإلنسان في مورد المؤمنون هو انسان خاص على خالف مورد‬
‫الحج الذي يتكلم عن عموم الناس‪ ،‬فهل اإلنسان في مورد المؤمنون هو «آدم» ام غيره؟‬
‫لنا هنا عدة تصورات‪:‬‬
‫اوالً‪ :‬ال يوجد في مورد المؤمنون ما يشير إلى موضوع «النفخ» التي هي من مختصات‬
‫َ ًْ َ‬
‫آخ َر ۚ﴾‪ ،‬والمستشف من احوال خلق آدم‪ ‬ان اللَّه في البداية قام‬ ‫آدم‪ ،‬وبالتالي فان هذا ﴿خلقا‬
‫بأعداد القالب او الهيكل الذي ستحل به الروح‪ ،‬واألحاديث تقول عن هذا البدن انه طرح على‬
‫باب الجنة فترة‪ ،‬وبالتالي فان هذا القالب البد وانه تم تصنيعه بعد خلق روح آدم الن «االرواح‬
‫قبل االبدان» فادم ذات وليس قالب كما ان اإلنسان العادي نفس وذات وليس نطفة‪ ،‬لذلك سماه‬
‫هنا «انسان» من باب عدم التشخص النه اصل القوالب وليس اصل ذات البشرية الن اصل ذات‬
‫البشرية نفوس وارواح‪.‬‬
‫فتكون آيات سورة المؤمنون تتحدث عن عملية اعداد القالب الطيني الذي استحال إلى‬
‫جسم دموي لحمي لكي تحل به روح آدم‪ ،‬والراجح عندي ان هذا البدن ليس هو بدن آدم في‬
‫السماء‪ ،‬الن بدن آدم في السماء نوراني ليس من جنس هذا العالم‪ ،‬ولكن آيات سورة المؤمنون‬
‫تتحدث عن القالب الدموي اللحمي لوجود موضوع النطفة والعلقة والمضغة والعظام واللحم‬
‫والذي ستحل فيه ذات آدم النورانية عندما يهبط إلى األرض‪.‬‬
‫فايآت سورة المؤمنون تشير إلى حدث ارضي وليس سماوي‪ ،‬الن الصناعة في السماء ال‬
‫َ َ‬
‫تمر بمرحلة «النطفة والمضغة والعلقة والعظام واللحم»‪ ،‬لذلك استحالت صفوة الطين﴿ ُسلل ٍة‬
‫ِني﴾ التي منشأها سماوي إلى نطفة في القرار المكين وهو األرض‪ ،‬وجرت عليها بقية‬ ‫ّ‬
‫مِن ط ٍ‬
‫الفعاليات‪ ،‬فظهر «انسان» بدن بال روح‪ ،‬او قالب من منشأ سماوي وصناعة ارضية ستحل‬
‫فيه ذات آدم‪ ‬النورانية‪ ،‬لذلك فهنا يسميه«انسان» اي كمظهر وليس كتشخص الن آدم هو‬
‫التشخص والبدن هو مظهره‪ ،‬فتكون اإلنسانية هي المظهر الخارجي‪ ،‬والبشرية هي التشخص‬
‫الداخلي‪ ،‬لذلك كان السجود للبشر وليس لإلنسان‪.‬‬
‫فيكون اعداد هذا ْالقالب من استحالة الطين إلى نطفة داخل األرض التي هي القرار المكين‬
‫َ َ َ ُ َ ًْ َ‬
‫آخ َر ۚ ﴾ الن عملية االنشاء تحمل في طياتها مفهوم النمو واالنماء‬ ‫هو الخلق االخر﴿أنشأناه خلقا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُ ْ‬
‫فقال بعدها ﴿فتبارك الل أحسن الالِقِني﴾‪.‬‬
‫والراجح ان آية المؤمنون تتحدث عن هذا اإلنسان الذي هو قالب من اصل طيني استحال‬
‫إلى قالب دموي لحمي لكنه خالي من الروح لكي يكون مؤهل الستقبال روح ادم التي ستحل‬
‫محللا مث ماظعلا‬ ‫‪289‬‬

‫فيه عن طريق النفخ‪ ،‬وبعد عملية النفخ اصبح هذا المخلوق اسمه ادم النه سيكون اصل لغيره‬
‫ثانياً‪ :‬ربما اآلية تشير إلى ساللة من اإلنسانية غير آدم يمكن انتاجها في اي وقت من خالل‬
‫فعاليات الطبيعة نفسها‪ ،‬ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى على لسان نوح‪ ‬وهو يخاطب‬
‫َ ً‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ ُ َ َ َ ُ‬
‫كم ّم َِن ال ْر ِض ن َباتا﴾(((وعملية االنبات تشير إلى حواضن الطين واالنشاء‬ ‫قومه﴿والل أنبت‬
‫َ ْ َ ْ َ َ ُْ‬ ‫ُ َ َ َ ُ ّ َ ْ َْ‬
‫من األرض‪ ،‬او كما في قوله تعالى مخاطبا قوم صالح ﴿ه َو أنشأكم مِن الر ِض واستعمركم‬
‫(((‬ ‫ف َ‬
‫ِيها﴾‬
‫ثالثاً‪ :‬انني اعتقد ان الزمن األول لظهور آدم‪ ‬على األرض ذو طبيعة تختلف عما نألفه‬
‫حالياً‪ ،‬فهو نظام برزحي يختلط فيه مفهوم السماء واألرض‪ ،‬فإذا كان مورد المؤمنون يتحدث عن‬
‫حدث ارضي كما ذكرنا فالبد ان طبيعة ذلك الوقت وخصائصه تختلف عما عندنا االن‪ ،‬فتكون‬
‫في ذلك النظام قابلية على هكذا فعاليات طبيعية يكون فيها ظهور العظم قبل اللحم النها نشأة‬
‫األرض في ذلك الوقت وفي ذلك النظام‪.‬‬

‫((( نوح‪17/‬‬
‫((( هود‪61/‬‬
‫‪290‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫حديث النفو�س الأربعة‬


‫ورد عن أمير المؤمنين‪ ‬حديثان كون النفوس اربعة‪.‬‬
‫الحديث األول‪:‬‬
‫عن كميل بن زياد قال‪ :‬سألت موالنا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ‪ ‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين روحي فداك اريد ان تعرفني نفسي‪ ،‬قال«يا كميل اي النفس تريد ان اعرفك»‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا موالي وهل هي اال نفس واحدة‪ ،‬قال«يا كميل انما هي اربعة‪ ،‬النامية النباتية‪،‬‬
‫والحسية الحيوانية‪ ،‬والناطقة القدسية‪ ،‬والكلية«الملكية» اإللهية‪ ،‬ولكل واحدة من هذه خمس‬
‫قوى وخاصيتان‪ ،‬فالنامية النباتية لها خمس قوى ماسكة وجاذبة وهاضمة ودافعة ومربية‪ ،‬ولها‬
‫خاصيتان الزيادة والنقصان‪ ،‬وانبعاثها من الكبد‪ ،‬وهي اشبه االشياء بانفس الحيوانات‪ ،‬والحسية‬
‫الحيوانية لها خمس قوى سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الرضا والغضب وانبهاثها‬
‫من القلب وهي اشبه االشياء بانفس االناسي‪ ،‬والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم‬
‫وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي اشبه االشياء بالنفوس الملكية«الكلية» ولها خاصيتان‬
‫النزاهة والحكمة‪ ،‬والكلية«الملكية» اإللهية لها خمس قوى بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في‬
‫ذل وفقر في غناء وصبر في بالء ولها خاصيتان الرضا والتسليم‪ ،‬وهذه مبدؤها من اللَّه واليه تعود‬
‫َ َ ْ‬
‫قال اللَّه تعالى «ف َنفخ َنا فِيهِ مِن ُّروح َِنا» وقال«يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية‬
‫مرضية والعقل وسط الكل»(((‪.‬‬
‫الحديث الثاني‪:‬‬
‫روي ان اعرابياً سأل أمير المؤمنين‪ ‬عن النفس فقال له ‪«‬عن اي نفس تسأل»؟ فقال‪:‬‬
‫يا موالي هل النفس انفس عديدة؟ فقال ‪«‬نعم نفس نامية نباتية‪ ،‬ونفس حسية حيوانية‪ ،‬ونفس‬
‫ناطقة قدسية‪ ،‬ونفس إلهية ملكوتية كلية»‪.‬قال‪ :‬يا موالي ما النامية النباتية؟ قال«قوة اصلها‬
‫الطبائع االربع بدو ايجادها مسقط النطفة‪ ،‬مقرها الكبد‪ ،‬مادتها من لطايف االغذية‪ ،‬فعلها النمو‬
‫والزيادة‪ ،‬وسبب فراقها اختالف المتولدات فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة‬

‫((( الكلمات المكنونة‪ /‬المال محسن القاشاني‪ ،78 /‬االثنى عشرية‪ /‬محمد بن محمد بن حسن الشهير بابن قاسم العاملي‪،‬‬
‫كتاب المشاعر‪/‬صدر الدين الشيرازي‪ /‬ص ‪ ،119‬تفسير الصافي‪ /‬الفيض الكاشاني‪ /‬ج‪ /3‬ص ‪111‬‬
‫�������������������‬ ‫‪291‬‬

‫ال عود مجاورة»‪ ،‬فقال‪ :‬يا موالي وما النفس الحسية الحيوانية؟ قال«قوة فلكية وحرارة غريزية‬
‫اصلها األفالك بدو ايجادها عند الوالدة الجسمانية فعلها الحياة والحركة والظلم والغشم والغلبة‬
‫واكتساب االموال والشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختالف المتولدات فإذا فارقت‬
‫عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة ال عود مجاورة فتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها‬
‫ويضمحل تركيبها»‪ ،‬فقال‪ :‬يا موالي وما النفس الناطقة القدسية؟ قال«قوة الهوتية بدو ايجادها‬
‫عند الوالدة الدنياوية‪ ،‬مقرها العلوم الحقيقية الدينية‪ ،‬موادها التأييدات العقلية‪ ،‬فعلها المعارف‬
‫الربانية‪ ،‬سبب فراقها تحلل اآلالت الجسمانية‪ ،‬فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود مجاورة‬
‫ال عود ممازجة»‪ ،‬فقال‪ :‬يا موالي وما النفس الالهوتية الملكوتية الكلية؟ فقال«قوة الهوتية‬
‫جوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدت وعنه دعت واليه دلت وأشارت وعودتها اليه‬
‫إذا كملت وشابهته‪ ،‬ومنها بدأت الموجودات واليها تعود بالكمال فهو ذات اللَّه العليا وشجرة‬
‫طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى‪ ،‬من عرفها لم يشق‪ ،‬ومن جهللها ضل سعيه وغوى»‪ ،‬فقال‬
‫السائل‪ :‬يا موالي وما العقل؟ قال«جوهر د ّراك محيط باالشياء من جميع جهاته عارف بالشيء‬
‫قبل كونه‪ ،‬فهو علّة الموجودات ونهاية المطاب»(((‪.‬‬
‫جملة ممن كتب في موضوع النفس يذهب للقول بان النفوس ثالثة منطلقين من ورود هذه‬ ‫ُ‬
‫التسميات الثالثة في القرآن الكريم وهي‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُ ْ ُ َّ ْ‬
‫األولى‪ :‬النفس اللوامة﴿ول أقسِم بِانلف ِس اللوامةِ﴾ ‪.‬‬
‫(((‬

‫َ‬ ‫ََ َُّ ُ‬


‫ئ َن ْف ِس ۚ إ َّن انلَّ ْف َس َل َّم َ‬
‫ارةٌ ب ُّ‬
‫(((‬
‫السوءِ﴾‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الثانية‪ :‬النفس االمارة بالسوء﴿وما أب ِر‬
‫َ ٰ َ ّ َ َ ً َّ ْ ً‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ ُ َ َّ ْ ُ ْ ُ ْ َ َّ ُ‬
‫ض َّية ؀‬
‫اضية مر ِ‬
‫كر ِ‬ ‫ج ِع إِل رب ِ ِ‬ ‫الثالثة‪ :‬النفس المطمئنة ﴿يا أيتها انلفس المطمئِنة ؀ ار ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫(((‬
‫فاد ُخ ِل ِف ع َِبادِي ؀ َواد ُخ ِل َج َّن ِت﴾‪.‬‬
‫وكالمهم على عمومه صحيح وحق ال ريب فيه النه مما نطق به القرآن‪ ،‬وقد بنوا ابحاثهم‬
‫على تصور قرآني صرف ُمهملين ما ورد عن اهل بيت النبي األكرم‪ ‬من روايات حول هذا‬
‫الموضوع وقد قال الرسول الكريم‪«‬اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا‬

‫((( بحار األنوار‪ :‬ج‪ 58‬ص ‪ ،85‬مكارم األبرار‪ /‬الحاج محمد كريم خان‪ /‬ج‪ /10‬طريق النجاة ج‪ 1‬ص ‪ ،17‬الكلمات المكنونة‬
‫‪ /‬المال محسن القاشاني‬
‫((( القيامة‪.2/‬‬
‫((( يوسف‪.53/‬‬
‫((( الفجر‪.30 - 27/‬‬
‫‪292‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫كتاب اللَّه وعترتي اهل بيتي فانهما لن يفترقان حتى يردا علي الحوض»‪ ،‬فال تتضح حقيقة االشياء‬
‫والموجودات والمفاهيم اال باالخذ والربط ما بين هاذين المنبعين‪ ،‬فما ورد في القرآن ُمجمال‬
‫ستجده في أحاديث أهل البيت ‪ُ ‬مفصال وهذا ما ستعرفه من حديث اإلمام علي‪ ‬موضوع‬
‫كالمنا اذ يحدد فيه تفصيل لمفهوم النفس من خالل انواع اربعة وهي «النفس النباتية‪ ،‬والنفس‬
‫الحيوانية‪ ،‬والنفس الناطقة القديبة‪ ،‬والنفس الكلية اإللهية» فكل انواع النفوس ومراتبها تندرج‬
‫تحت هذا التقسيم الرباعي‪ ،‬اذ سيتضح ان النفس النباتية والنفس الحيوانية ماهية واحدة عند‬
‫كل الناس وهي عوارض تلحق باإلنسان يستطيع من خاللها ان ياكل ويشرب وينكح ويتحرك‬
‫ويسمع ويشم ويتذوق وياكل ويشرب ويظلم‪ ،‬فان مات تفككت هاتين النفسين وعادت إلى ما‬
‫منه بدأت وتبقى حقيقة اإلنسان او ذاته المعبر عنها «انا» قائمة في عالمها اما مؤمنة او كافرة‪،‬‬
‫اما النفس الكلية اإللهية فهي خاصة لرسول اللَّه‪ ‬وأهل بيته صلوات اللَّه عليهم اجمعين وال‬
‫يشاركهم فيها احد فهي من جهة المبدأ ومن سنخ النور الذي ال ضالم فيه والكمال الذي ال‬
‫نقص يعتريه‪.‬‬
‫ولحديث النفوس األربعة مورد الكالم اصل معرفي خاص النه يبين االصل الذي تتكون‬
‫وتتالف منه هذه النفوس اذ تتكون النفس النباتية من الطبائع األربعة‪ ،‬والنفس الحيوانية من‬
‫األفالك‪ ،‬والناطقية القدسية من عالمها البرزخي الذي يسبق عالم الزمان رتبة‪ ،‬والنفس الكلية‬
‫اإللهية مبدؤها من اللَّه وتعود اليه‪.‬‬
‫ومن هنا كانت اهمية معرفة النفس النها آية معرفة الرب وبها وصف اللَّه نفسه لعبده وصف‬
‫تعريف إذا عرفها العبد عرف ربه وعبد ربه وقد قال الرسول الكريم «من عرف نفسه فقد عرف‬
‫ربه»(((‪.‬‬
‫والحديثان فيهما وحدة موضوعية اذ جمعتهما‪ ،‬فكالهما يتحدثان عن نفوس اربعة‪ ،‬ويذكر‬
‫كل حديث خصائص لهما‪ ،‬فمرة يتحدث عن قوى وخصائص ومرة يتحدث عن مبدء وافعال‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬النفس النامية النباتية‪:‬‬
‫ما ورد عنها في الحديث األول‪:‬‬
‫«فالنامية النباتية لها خمس قوى ماسكة وجاذبة وهاضمة ودافعة ومربية‪ ،‬ولها خاصيتان‬
‫الزيادة والنقصان‪ ،‬وانبعاثها من الكبد‪ ،‬وهي اشبه االشياء بانفس الحيوانات»‬

‫((( بحار األنوار‪ /‬ج‪ /2‬ص ‪32‬‬


‫�������������������‬ ‫‪293‬‬

‫ما ورد عنها في الحديث الثاني‪:‬‬


‫«قوة اصلها الطبائع االربع بدو ايجادها مسقط النطفة‪ ،‬مقرها الكبد‪ ،‬مادتها من لطايف‬
‫االغذية‪ ،‬فعلها النمو والزيادة‪ ،‬وسبب فراقها اختالف المتولدات فإذا فارقت عادت إلى ما منه‬
‫بدأت عود ممازجة ال عود مجاورة»‬
‫النفس النباتية هي الوظيفة الطبيعية الموجودة في النبات والتي تتشكل من اجتماع القوى‬
‫والفعاليات الخمسة الطبيعية «ماسكة وجاذبة وهاضمة ودافعة ومربية»‪ ،‬واصلها من الطبائع‬
‫األربعة التي هي «الحرارة‪ ،‬والبرودة‪ ،‬والرطوبة‪ ،‬واليبوسة»‪ ،‬فبحركة هذه الطبائع األربعة ودورانها‬
‫على عناصر الطبيعة الموجودة في التراب تتكون النفس النباتية‪ ،‬فتاثير حرارة الشمس على‬
‫الهواء وتبخير الماء وامتزاجه بالتراب تظهر هذه النفس التي تمثل في النبات لطائف االغذية‪،‬‬
‫والطبائع فيها قوى منفعلة وهي الرطوبة واليبوسة ومنها قوى فاعلة وهي الحرارة والبرودة‪ ،‬فإذا‬
‫اجتمعت وعملت فيها الحرارة او البرودة خرجت صوافيها وصارت نباتا‪ ،‬فتتكون لها قوى جاذبة‬
‫من نارها وهاضمة من هوائها ودافعة من مائها وماسكة من ترابها‪.‬‬
‫واقصد بلطائف وصوافي االغذية هي تلك القوة الطبيعية الموجودة في النبات والتي‬
‫تتركز في الجسم بعد االكل فعندما ياكل اإلنسان اي نبات او فاكهة فصافي ذلك الغذاء هو‬
‫النفس النباتية وهو الذي يتغذى عليه الجسم‪ ،‬اما ما يتبقى من مادة النبات في الجسم فتطرح‬
‫إلى الخارج على هيئة فضالت وهو الحالة المادية والعنصرية للنبات‪ ،‬وعندما يتعالج اإلنسان‬
‫باالعشاب النباتية فانه يستخلص النفس النباتية من تلك االعشاب التي هي صوافيها وبمثابة‬
‫العقارات فالنفس النباتية لها نفس تاثيرات العقارات وفائدتها‪.‬‬
‫وهذه القوة الطبيعية وفعالياتها التي تمثل بمجموعها النفس النباتية هي قوة وطبيعة موجودة‬
‫في كل انسان فكل انسان فيه نفس نباتية وهي متشابهة عند الكل فليس هناك نفس نباتية خاصة‬
‫بزيد واخرى بعمر بل هي طبيعة واحدة موجودة في كل الناس كما ان قوة الجذب والهضم‬
‫والدفع والمسك موجودة في كل الناس‪ ،‬وهذه النفس بدايتها في اإلنسان تكون من النطفة‪ ،‬اذ‬
‫تجري هذه النفس في اإلنسان مع الدم كما يحمل الدم الغذاء إلى كافة اجزاء الجسم وثمرة هذه‬
‫النفس هي المني الذي هو اشبه ببذر نبات اخر‪ ،‬اذ يمكن القول ان النطفة نفس نباتية تكونت‬
‫من لطائف االغذية التي يتناولها اإلنسان بعد ان كرت عليها تلك القوى وتلك الطبائع في‬
‫بدن اإلنسان‪ ،‬اما انبعاثها بعد االكتمال فتكون في الكبد‪ ،‬لذلك ترى الكبد له طبيعة النبات إذا‬
‫اقتطعت من قطعة يمكن ان يعوضها كما ن النبات إذا قطعت منه غصن انتج غصن اخر وفيه‬
‫‪294‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫يتخلص اإلنسان من االعراض‪ ،‬اما خاصية الزيادة التي هي النمو والنقصان الذي هو الذبول‬
‫التي في النبات فهي نفسها في اإلنسان فإذا ولد نما إلى ان يهرم ويذبل‪ ،‬فإذا هرم اإلنسان وذبل‬
‫فبسبب ذبول النفس النباتية‪ ،‬وكل خلل عضوي في اإلنسان بهذه القوى الخمسة «ماسكة وجاذبة‬
‫وهاضمة ودافعة ومربية» والفعاليات المرتبطة بها فهو بسبب خلل في هذه النفس النباتية التي‬
‫انبعاثها من الكبد‪.‬‬
‫وهذه النفس إذا مات اإلنسان ماتت معه وعادت إلى عناصرها عود ممازجة ال عود مجاورة‪،‬‬
‫اذ يعود النار إلى النار‪ ،‬والهواء إلى الهواء‪ ،‬والماء لى الماء‪ ،‬والتراب إلى التراب‪ ،‬فتتالشى‬
‫وتنتهي ويبطل عملها وترد إلى الجمادية‪ ،‬كما ان جسم اإلنسان يتحلل بعد الموت إلى عناصر‬
‫الطبيعة ويظل في مرتبة الجماد‪ ،‬ومن هنا فالنفس النباتية نفس زمانية فال ذكر لها اال في الزمان‪،‬‬
‫فهي تخرج من خزانة الزمان وتعود اليه‪ ،‬والنفس النباتية ليست د ّراكة بل هي مسؤولة عن بعض‬
‫الفعاليات في اإلنسان وبعرفنا الحالي وحسب اصطالحاتنا الحالية فان مجموع فعالياتها يمكن‬
‫ان نسميها برامج‪ ،‬وبهذا المعنى فان لهذه النفس اصل كيمياوي بل ان ظهور النفس النباتية هي‬
‫حتمية كيمياوية‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َََ ْ َ ََْ ْ َ َ‬
‫نسان مِن ُسلل ٍة‬‫ال‬
‫والذي اتصوره ان هذه النفس هي المقصودة بقوله تعالى﴿ولقد خلقنا ِ‬
‫ِني﴾‬ ‫ّمِن طِني ؀ ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة ف قَ َر َّ‬
‫ار مك ٍ‬ ‫ِ‬
‫(((‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ِني﴾‪ ،‬هو نفسه الذي يسميه الحديث «قوة اصلها الطبائع االربع»‬ ‫ُ َ َ ّ‬
‫فموضوع ﴿سلل ٍة مِن ط ٍ‬
‫الن الطين جامع للطبائع األربعة ممتزجة‪ ،‬التي منها تنشأ النفس النباتية‪ ،‬التي تتحول بدورها إلى‬
‫لطائف االغذية التي ياكلها اإلنسان فتتحول إلى نطفة لذلك قال الحديث «بدو ايجادها مسقط‬
‫النطفة»‪ ،‬فالنفس النباتية تنشأ من ساللة من طين والساللة هي الصفوة من الشيء‪ ،‬فساللة الطين‬
‫صفوته‪ ،‬وهذه الصفوة من الطين تتحول «باالستحالة» إلى ان تنتج صوافي االغذية بفعل عوامل‬
‫داخلية وخارجية‪ ،‬الداخلية هي طبيعة الطينة نفسها اذ انها ساللة‪ ،‬والخارجية هي فعاليات‬
‫المالئكة عليها التي تمثل قوى الطبيعة نفسها‪ ،‬وكذك دوران الفلك عليها‪ ،‬وهذه الفعاليات‬
‫هي التي تحول هذه الساللة من الطين إلى نمط اخر من الحياة داخل اإلنسان وهو النطفة‪،‬‬
‫كما يتحول الطعام في بطن اإلنسان إلى نطفة‪ ،‬وكما تنضج الثمار نتيجة دوران الفلك بتعدد‬
‫شروق وغروب الشمس عليها‪ ،‬فالطعام في داخل اإلنسان تجري عليه فعاليات متعددة من‬
‫خالل اجهزة معينة يتحول فيها إلى نطفة‪ ،‬وحتى الطين العادي في زماننا وفي عالمنا لو تابعته‬

‫((( المؤمنون‪.13 -12/‬‬


‫�������������������‬ ‫‪295‬‬

‫ستجد انه حاضنة ينتج منها الكثير من االحياء المختلفة إذا جرت عليها سلسلة من فعاليات‬
‫الطبيعة المختلفة من حرارة ورطوبة ودوران للفلك‪.‬‬
‫الحظ الحديث التالي‬
‫عن ابي جعفر‪ ‬من حديث طويل«‪.......‬وهما ساللة من الطين‪ ،‬ثم آمر المالئكة األربعة‬
‫الشمال والجنوب والصبا والدبور ان يجولوا على هذه الساللة من الطين فابرأوها وأنشأوها ثم‬
‫(((‬
‫ج ّزأوها وفصلوها واجروا فيها الطبائع األربعة‪ ،‬الريح‪ ،‬والدم‪ ،‬والمرة‪ ،‬والبلغم‪»..........‬‬
‫فالنفس الناتية هي مجموعة قوى وطبائع ستكون الحقا جزء من فعاليات اإلنسان ومظهر من‬
‫مظاهر الحياة‪ ،‬فالنفس النباتية ذات اصل عنصري فالعناصر الزمانية من «هيدروجين واوكسجين‬
‫ونتروجين‪ .....‬وغيرها» من اشكال المادة‪ ،‬واتحادها مع بعضها لتكوين المركبات الكيمياوية‬
‫هي المقدمة البسيطة لظهور ادنى مظاهر الحياة التي بتفاعلها مع التربة والطبائع األربعة تك ّون‬
‫النفس النباتية التي هي«مادتها من لطايف االغذية»‪،‬‬
‫ومما ال شك فيه ان طبيعة االغذية التي ياكلها اإلنسان والتي تتكون منها النطفة ستكون‬
‫سببا في ايجاد النفس النباتية فيه حسب طبيعة ذلك الطعام مما يرجعنا لجملة من األحاديث‬
‫التي تتعلق بخصائص تكون لإلنسان عندما تاكل امه نوع خاص من االغذية في فترة الحمل‬
‫فالنفس النباتية إذا كانت من صوافي االغذية فالبد ان نوع الغذاء له دور في اظهار فعالياتها‬
‫داخل الجسم الحقا سلبا او ايجابا(((‪.‬‬

‫((( تفسير البرهان‪ /‬البحراني‪ /‬ج‪ /1‬ص ‪ / 170‬ح‪5‬‬


‫((( تتكون الحياة على األرض من ستة عناصر «كربون ‪ -‬هيدروجين ‪ -‬اوكسجين ‪ -‬نتروجين ‪ -‬كبريت ‪ -‬فسفور» وهي المكونات‬
‫الالزم اجتماعها لتشكيل ابسط انواع الحياة وقد اجرى بعض العلماء تجارب على هذه العناصر بتعريضها إلى تيار‬
‫كهربائي فأنتجت حوامض امينية التي هي الوحدة االساسية لبناء البروتين‪ ،‬وان هذه التجارب توفر لنا فهم علمي المكانية‬
‫تواجد انماط حياة عضوية مختلفة في انظمة كوكبية اخرى مما يعزز نظرية الكائنات الفضائية‪.‬‬

‫يقول الدكتور ميشيو كاكو «شكلت التجربة الشهيرة التي اجراها «ستانلي ميلر» و«هارولد يوري» عام ‪ 1953‬المثال االكثر‬
‫بروزا حوال اهمية الكربون واظهرت ان الشكل التلقائي للحياة قد يكون النتاج الطبيعي الثانوي لكيمياء الكربون‪ .‬أخذا‬
‫محلوال من االمونيا والميثان ومواد كيمائية سامة اخرى اعتقدوا انها وجدت في المراحل األولى لتشكل األرض ووضعاها‬
‫في قارورة وع ّرضاها لتيار كهربائي صغير ثم ببساطة انتظرا‪ .‬وخالل اسبوع استطاع مالحظة دليل على تشكل االحماض‬
‫االمينية تلقائيا في القارورة‪ .‬كان التيار الكهربائي كافيا لتحطيم الروابط الكربونية في االمونيا والميثان ثم اعادة ترتيب‬
‫الذرات إلى احماض امينية وهي التي تشكل البروتينات‪ .‬وبمعنى ما فالحياة يمكن ان تتشكل تلقائيا ومنذ ذلك الوقت‬
‫وجدت االحماض االمينية داخل الشهب وفي سحب الغازات في اعماق الفضاء» فيزياء المستحيل‪ /‬الدكتور ميشيو كاكو‪/‬‬
‫عالم المعرفة‪ /‬العدد‪ / 399‬ص ‪.156‬‬
‫‪296‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫والنفس النباتية التي في النبات والتي عند اإلنسان في زمن الرجعة ستصفوا الن الطبائع‬
‫ستصفو وتعتدل في ذلك الزمان فتصفو تبعا لها النفس النباتية النها«قوة اصلها الطبائع االربع»‪،‬‬
‫لذلك ورد في األحاديث ان االشجار في زمن الرجعة ستعطي ثمارها في السنة مرتين‪ ،‬وان عدة‬
‫عديدة من الرجال يجتمعون على الرمانة الواحدة فتكفيهم وتزيد‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬النفس الحسية الحيوانية‪:‬‬
‫ما ورد عنها في الحديث األول‪:‬‬
‫«والحسية الحيوانية لها خمس قوى سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الرضا‬
‫والغضب وانبعاثها من القلب وهي اشبه االشياء بانفس االناسي»‪،‬‬
‫ما ورد عنها في الحديث الثاني‪:‬‬
‫«قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها األفالك بدو ايجادها عند الوالدة الجسمانية فعلها الحياة‬
‫والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب االموال والشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها‬
‫اختالف المتولدات فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة ال عود مجاورة فتنعدم‬
‫صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها»‬
‫وهي تلك القوة الطبيعية الحسية الموجودة في اإلنسان والحيوان وهي مشاعر ظاهرية‬
‫خمسة والتي نسميها الحواس الخمسة«سمع وبصر وشم وذوق ولمس»‪ ،‬وكذلك الفعاليات‬
‫واالنفعاالت التي يسميها الحديث«الحياة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب االموال‬
‫والشهوات الدنيوية»‪ ،‬فمجموع ما يمارسه اإلنسان من اكل وشرب وجماع ولمس وحركة وظلم‬
‫وسعي وراء الشهوات والتي يشترك فيها مع الحيوان تسمى بالنفس الحيوانية‪ ،‬فالبنار تبصر‪،‬‬
‫وبالهواء تسمع‪ ،‬وبالماء تشم‪ ،‬وبالتراب تذوق وبالمجموع تلمس‪ ،‬وهذه النفس ايضا مؤلفة من‬
‫بسائط عالم الزمان وقوة الفلك الزماني وموجودة في خزانة الزمان منه تبدأ واليه تعود‪ ،‬وعند‬
‫موت اإلنسان تعود إلى اصلها الزماني عود ممازجة ال عود مجاورة «فإذا فارقت عادت إلى ما منه‬
‫بدأت عود ممازجة ال عود مجاورة فتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها»‪،‬‬
‫فالموت بهذا المعنى هو انحالل النفس الحيوانية والنباتية إلى اصلهما والتحاق الناطقة القدسية‬
‫إلى مقرها واصل منشأها‪ ،‬والنفس الحيوانية كالنفس النباتية متساوية عند كل الناس فال توجد‬
‫نفس حيوانية لزيد واخرى لعمر بل كلها حقيقة واحدة موجودة عند كل الناس وعند الحيوان‬
‫فكل الناس والحيوانات لها بصر وسمع وضم وذوق‪.‬‬
‫�������������������‬ ‫‪297‬‬

‫وإذا كانت الطبائع األربعة هي سبب تولد النفس النباتية فان حركة األفالك هي سبب تولد‬
‫النفس الحيوانية كما يقول الحديث انها «قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها األفالك بدو ايجادها‬
‫عند الوالدة الجسمانية»‪.‬‬
‫والقوة الفلكية هي تلك القوة الطبيعية الناتجة من حركة األفالك‪ ،‬واقصد بحركة األفالك او‬
‫دوران األفالك هو مجموع الفعاليات الفلكية الجارية بشكل يومي كشروق وغروب الشمس‬
‫وانتقال القمر في منازله وطلوع النجوم وافولها فلكل جرم سماوي اضائة خاصة لها تأثير خاص‬
‫على ظهور النفس الحيوانية‪.‬‬
‫وإذا كانت النفس النباتية كما يذكر الحديث اصلها الطبائع األربعة مما يدل على وجود‬
‫اصل كيميائي للحياة‪ ،‬فان قول أمير المؤمنين‪ ‬ان النفس الحيوانية اصلها األفالك يدل على‬
‫ان اصل الحياة العضوية هو حركة األفالك واشتعال ضوئها‪ ،‬مما يشير إلى ان فعاليات الطبيعة‬
‫حصرا هي المسؤولة عن تكوين النفس النباتية والنفس الحيوانية التي بدورها تك ّون الجسم‬
‫اإلنساني ذو الطبيعة الكيمياوية واالحيائية التي تتعلق به حقيقة اإلنسان في الدنيا ويتركه في‬
‫الدنيا بعد الموت‪.‬‬
‫والنفس الحيوانية تتكون من الدم‪ ،‬والدم األصفر بالذات الذي هو خالصة االغذية‪ ،‬فعند‬
‫تفاعل الطبائع األربعة «الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة» يرتفع منها بخار في القلب تقع عليه‬
‫اشعة الكواكب ودوران الفلك فينضج إلى شيء واحد متشاكل وهو الدم األصفر‪ ،‬ليس له طبيعة‬
‫العناصر مستعد لقبول النفوس الفلكية‪ ،‬اذ الدم األصفر بمثابة الدهن للسراج فيدفعه القلب‬
‫إلى كافة انحاء الجسم لذلك قال الحديث عن النفس الحيوانية «وانبعاثها من القلب» و«مقرها‬
‫القلب» وكل خلل في القلب يؤدي إلى خلل في وظائف هذه النفس‪ ،‬فالنفس الحيوانية قائمة‬
‫بالعناصر قيام ظهور وقائم باألفالك قيام صدور‪.‬‬
‫وهذه القوة الفلكية تكون سببا في تولد ذلك البخار وهي المسؤولة عن حركة القلب‬
‫وجملة من الفعاليات التي يسمونها في اصطالح الطب«األفعال الالارادية» فحركة القلب وتدفق‬
‫الدم والتمثيل الغذائي والتصفية كلها فعاليات ال ارادية بفعل هذه الميكانيكية‪ ،‬لذلك كانت‬
‫النفس الحيوانية هي المسيطرة على الفعاليات البايولوجية واالحيائية في اإلنسان اال انها غير‬
‫د ّراكة النها من تفاعل البخار مع اشعة األفالك اال ان النفس «الناطقة القدسية» التي هي حقيقة‬
‫اإلنسان المعبر عنها «انا» عندما تحل في هذا المركب النباتي الحيواني ترتقي تلك النفس‬
‫الحيوانية إلى الحس فيتمكن اإلنسان من السمع والبصر والذوق والشم واللمس‪.‬‬
‫‪298‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫وكما ذكرت سابقا في فقرة النفس النباتية ان النطفة من مظاهر النفس النباتية وعلما‬
‫يبدوا ان الجنين ليس له اال نفس نباتية‪ ،‬فان النفس الحيوانية عند المخلوق ال تكتمل اال بعد‬
‫الوالدة كما قال الحديث «بدو ايجادها عند الوالدة الجسمانية»‪ ،‬وهذا يؤكده قوله تعالى ﴿ َو َّ ُ‬
‫الل‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ُ َّ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ ً َ َ َ َ َ ُ ُ َّ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ‬ ‫َ َْ َ ُ‬
‫ار َوالفئ ِ َدةَ ۙ ل َعلك ْم‬ ‫ون أمهات ِكم ل تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والبص‬ ‫ِ‬
‫كم ّمِن ُب ُ‬
‫ط‬ ‫أخرج‬
‫َ‬ ‫َْ ُ‬
‫تشك ُرون﴾(((‪ ،‬فعملية ظهور الحواس الخمسة التي هي من مختصات النفس الحيوانية ال تتفعل‬
‫اال بعد الوالدة‪ ،‬فالجنين في بطن امه يمتلك اداة السمع التي هي االذن ويمتلك اداة البصر التي‬
‫هي العين وغيرها من الحواس اال انها خاملة ما دام في رحم امه وعند الوالدة تتفعل وهي قوى‬
‫النفس الحيوانية التي«بدو ايجادها عند الوالدة الجسمانية»‪.‬‬
‫والنفس الحيوانية بعرفنا الحالي وبحسب اصطالحاتنا هي ما نسميه في احد جوانبه بالغريزة‬
‫التي ياكل ويشرب وينكح بها اإلنسان‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن ان نعرف وجه العالقة بين علم التنجيم الذي يسعى أصحابه لمعرفة سمات‬
‫الشخص وقابلياته وربما مستقبله عن طريق مواقع النجوم وخصوصاً تلك القواعد التي يعملون‬
‫عليها كون هذا الشخص برجه ناري او ترابي او مائي او هوائي او انه يتأثر بالكوكب الفالني‬
‫والبرج الفالني ربما منشأها من كون النفس الحيوانية «قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها األفالك»‬
‫وهذه مسالة بحاجة لبحث مستقل‪.‬‬
‫وبما ان األفالك في زمن الرجعة ستلبث وتعتدل‪ ،‬وبما ان النفس الحيوانية قوة مصدرها‬
‫األفالك فمن الطبيعي في زمن الرجعة ان تكون النفس الحيوانية في اإلنسان على قمة االعتدال‪،‬‬
‫فإذا اعتدلت األفالك عادت الحياة كما بدأت فتصفو الطبائع وتعتدل االمزجة وتقوى الحواس‪،‬‬
‫وقد ذكرت المرويات انه في الرجعة ستطول االعمار وتقوى االجسام‬
‫ثالثاً‪ :‬النفس الناطقة القدسية‪:‬‬
‫ما ورد عنها في الحديث األول‪:‬‬
‫«والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي‬
‫اشبه االشياء بالنفوس الملكية«الكلية» ولها خاصيتان النزاهة والحكمة»‪.‬‬
‫ما ورد عنها في الحديث الثاني‪:‬‬
‫«قوة الهوتية بدو ايجادها عند الوالدة الدنياوية‪ ،‬مقرها العلوم الحقيقية الدينية‪ ،‬موادها‬

‫((( النحل‪78/‬‬
‫�������������������‬ ‫‪299‬‬

‫التأييدات العقلية‪ ،‬فعلها المعارف الربانية‪ ،‬سبب فراقها تحلل االالت الجسمانية‪ ،‬فإذا فارقت‬
‫عادت إلى ما منه بدأت عود مجاورة ال عود ممازجة»‬
‫الكالم عن النفس اإلنسانية أمر حارت به العقول وتاهت به األوهام وتعددت فيه اآلراء‪ ،‬فقد‬
‫ورد عن الرسول الكريم ‪ ‬قوله «أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه»‪ ،‬وعن أمير المؤمنين اإلمام علي‬
‫‪ ‬قوله«من عرف نفسه فقد عرف ربه»‪.‬‬
‫وقد أختلف العلماء والحكماء بالمعنى المراد من هذه الكلمات ولهم في شرحها بيانات‬
‫كثيرة‪ ،‬منها ماهو ظاهري ومنها ماهو باطني ومنها ما هو ذوقي‪ ،‬حتى ان بعضهم حمل المعنى‬
‫في هذه العبارات «بالتعلق على المحال» فمعرفة النفس محال فكذلك معرفة ربها‪ ،‬وال يعرفها‬
‫على الحقيقة إال أولياء اللَّه واصفياءه النهم مستودع سر اللَّه‪ ،‬فالنفس بهذا المعنى عندهم سر‪.‬‬
‫عند متابعة لفظة النفس «قرآنيا» نجد انها تشير إلى معان ثالثة‪.‬‬
‫األول‪ :‬تطلق لفظة النفس ويُراد بها «معنى الشيء»«نفس الشيء» كما تقول«نفس الحجر‪-‬‬
‫نفس المكان ‪ -‬نفس الطريقة ‪ -‬نفس الكالم ‪ -‬وهكذا»‪ ،‬فعندما تقول «نفس الحجر» مرادك هو‬
‫َْ‬ ‫َ َ‬
‫الحجر وليس شيء آخر كالماء ولهذا المعنى موارد قرآنية منها قوله تعالى ﴿ت ْعل ُم َما ِف نف ِس‬
‫َْ َ‬ ‫َ َ َْ‬
‫ِك ۚ﴾(((‪ ،‬فليس المراد هنا ان اللَّه ل ُه نفس أو روح أو جسم‪ ،‬بل هو «ذاته»‬ ‫َول أعل ُم َما ِف نفس‬
‫َ ُ َ ّ ُ ُ ُ ُ َّ َ ْ‬ ‫َّ ْ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َٰ َ ْ‬
‫الل نف َس ُه ۗ﴾(((‪.‬‬ ‫حة ۚ﴾(((‪ ،‬قال تعالى﴿ويحذِركم‬ ‫سهِ الر‬
‫ع نف ِ‬ ‫أو «معناه»‪ ،‬قال تعالى﴿كتب‬
‫الثاني‪ :‬ت ُطلق لفظة النفس ويُراد بها «هذا اإلنسان ال ُمركّب من عدة أجزاء»‪ ،‬أي ببعده المادي‬
‫والروحي كما في قوله تعالى﴿ َمن َق َت َل َن ْف ًسا ب َغ ْي َن ْفس﴾(((‪ ،‬وقوله ﴿أَ َق َتلْ َ‬
‫ت َن ْف ًسا َزك َِّي ًة ب َغ ْ‬
‫ي‬‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ُ َّ ْ َ َّ َ َّ َ ُ َّ َّ َ‬ ‫َْ‬
‫ت حرم الل إِل بِال ِق ۚ﴾ ‪ ،‬وفي كل هذه الموارد وغيرها‬
‫(((‬
‫نف ٍس﴾ ‪ ،‬وقوله ﴿ول تقتلوا انلفس ال ِ‬
‫(((‬

‫يقع فعل القتل على اإلنسان بمعناه ال ُمركّب‪.‬‬


‫الثالث‪ :‬ت ُطلق لفظة النفس ويُراد بها ذلك «القسم» من اإلنسان ال ُمركّب‪ ،‬أي ذلك الجزء‬
‫َّ ْ َ ُ‬ ‫المقابل للروح والجسم‪ ،‬أي «ذات اإلنسان» أو«حقيقة اإلنسان»‪ ،‬قال تعالى ﴿ َّ ُ‬
‫الل َي َت َوف النف َس‬

‫((( المائدة‪.116/‬‬
‫((( األنعام‪.12/‬‬
‫((( آل عمران‪.28/‬‬
‫((( المائدة‪.32/‬‬
‫((( الكهف‪74 /‬‬
‫(( ( ‪-‬األنعام‪.151 /‬‬
‫‪300‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫َ َُ ْ‬ ‫ُُّ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫حِني م ْوت َِها﴾(((‪ ،‬وقوله ﴿ك نف ٍس ذائِقة ال َم ْو ِ‬
‫ت ۗ﴾(((‪.‬‬
‫وهذا االطالق األخير هو موضع كالمنا‪.‬‬
‫وهذه النفس في الحديث مورد البحث هي النفس الناطقة القدسية والتي هي حقيقة اإلنسان‬
‫المعبر عنها بلفظة«انا»‪ ،‬وهي التي من عرفها عرف ربه‪،‬‬
‫فكل إنسان له نفس خاصة به‪ ،‬أي «ذات»‪ ،‬فهناك نفس لـ «زيد» ونفس لـ «عمر» وهكذا‪،‬‬
‫وقرآنياً اتصلت بالمواضيع اآلتية «الموت الحياة‪ .‬الوفاة القتل‪.‬العرض الحساب البعث الكسب‬
‫التكليف‪ .‬اإليمان‪ .‬الظلم‪ .‬الهدى‪ .‬الجزاء‪ .‬القضاء النوم الحركة وغيرها» فهي بصورة عامة‬
‫موضوع الخلق وغايته(((‪ .‬وهي موضوع التكليف وعليها مدار الحساب الثواب والعقاب التي‬
‫بها يثاب وبها يعاقب‪ ،‬فليس اإلنسان جسم يمتلك نفس بل هو نفس تمتلك جسم‪ ،‬وهي في‬
‫الجسد كالمعنى في اللفظ‪ ،‬وال معنى ما لم يكن لفظ وال لفظ ما لم يكن معنى‪.‬‬
‫وهذه النفس بطبيعتها « ُمدركة ُمفكرة ُمميزة» لوجود ماهية العقل المستج ّنة فيها التي تمكنها‬
‫من االستنتاج والتحليل‪ ،‬والتي قال عنها الحديث«مقرها العلوم الحقيقية الدينية‪ ،‬موادها التأييدات‬
‫العقلية‪ ،‬فعلها المعارف الربانية» لذلك كانت مدار الثواب والعقاب والتكليف بصورة عامة‪،‬‬
‫والنفس الناطقة القدسية حقيقة وحدانية وهي المعنية بحديث «من عرف نفسه فقد عرف‬
‫ربه» والمعنية بقول اإلمام علي‪« ‬خلق اإلنسان ذا نفس ناطقة ان زهاها بالعلم والعمل فقد‬
‫(((‬
‫شابهت جواهر اوائل عللها فان اعتدل مزاجها وفارقت االضداد فقد شارك بها السبع الشداد»‬
‫النها ذات اإلنسان واصله في المبدأ والمعاد وهي نوعين اما تتعين بعلوم دينية الهية وهي‬
‫نفس المؤمن‪ ،‬او بعلوم باطلة شيطانية وهي نفس الكافر‪ ،‬فالنفس المؤمنة لها الصورة اإلنسانية‪،‬‬
‫والكافرة لها الصورة الشيطانية‪ ،‬فإذا صدر من اإلنسان اعمال الخير ُسميت نفس ناطقة قدسية‬
‫وان صدر منه اعمال الشر ُسميت نفس ناطقة شيطانية‪.‬‬
‫وإذا كانت النفس النباتية والنفس الحيوانية الموجودة في اإلنسان تموت بموت اإلنسان‬
‫النها اعراض تنتهي بموته وهو ما عبر عنه الحديث بانها تعود عود ممازجة ال عود مجاور اي‬
‫تتحلل وتعود إلى طبائع وعناصر النظام الطبيعي والفلكي‪ ،‬فالنفس الناطقة القدسية بعد الموت‬

‫((( الزمر‪.43/‬‬
‫((( األنعام‪.35 /‬‬
‫((( بأمكانك مراجعة الموارد القرآنية الخاصة بالنفس المرتبطة بهذه المواضيع وهي كثيرة جدا في القرآن‪.‬‬
‫((( مصباح البالغة«مستدرك نهج البالغة»‪ /‬الميرجهاني‪/‬ج‪ /2‬ص ‪244‬‬
‫�������������������‬ ‫‪301‬‬

‫ال تتحلل وال تعود عود ممازجة بل تعود عود مجاورة وتذهب إلى عالم مجانس لها مستقلة‬
‫متحققة بذاتها تجد اعمالها حاضرة امامها ان كانت خيرا ام شر كما قال الحديث «سبب فراقها‬
‫تحلل االالت الجسمانية‪ ،‬فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود مجاورة ال عود ممازجة»‪.‬‬
‫والنفس الناطقة ليست جسمانبة المبدء وال تنبعث من الجسم لذلك قال«وليس لها انبعاث»‬
‫الن انبعاثها من العلوم الحقيقية الدينية التي مقرها المدد العقلي النها«قوة ال هوتية» من اصل‬
‫برزخي وصورتها من ذلك العالم وهي في كل انسان بحسبه فنفس عمر ليست كنفس زيد الن‬
‫نفس عمر هي حقيقته ونفس زيد هي حقيقة زيد لذلك قال عنها الحديث«مقرها العلوم الحقيقية‬
‫الدينية‪ ،‬موادها التأييدات العقلية‪ ،‬فعلها المعارف الربانية»‬
‫والنفس الناطقة القدسية مؤلفة من بسائط البرزخ ما بين الدهر والزمان اعالها دهرية‬
‫واسفلها زمانية مقرها ارض هورقليا فهي مرتبطة بالدهر صدورا ومن اسفلها مرتبطة بالزمان‬
‫وعناصره الزمانية ظهورا (((‪.‬‬
‫والنفس الناطقة دركة النها من اثر العقل الذي يقول عنه اإلمام علي‪« ‬جوهر دراك محيط‬
‫باالشياء من جميع جهاته ولها خمس قوى «والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم‬
‫وحلم ونباهة» وهي مشاعر باطنية خمسة‪ ،‬وبهذه المشاعر الباطنية تستطيع ان تدرك بعض‬
‫العوالم اذ صفت ومنها عالم االحالم بعد ان يضغف ارتباطها بالبدن نتيجة النوم وكما روي انما‬
‫خلق اللَّه الرؤيا ليتمكن الناس من فهم امكان البعث والمعاد‪ ،‬وهذه الحواس باطنية كامنة إذا‬
‫استطاع اإلنسان بالمجاهدات تفعيلها حصلت لديه المكاشفات‪.‬‬
‫فإذا تفرقت النفس النباتية والنفس الحيوانية في اإلنسان في الزمان بعد الموت بقيت الناطقة‬
‫في البرزخ ما بقيت افالك وبسائط البرزخ‪ ،‬فالنفس النباتية والحيوانية هي بمثابة المرآة وهو‬
‫الجسد‪ ،‬والنفس الناطقة القدسية بمثابة الصورة فيها‪ ،‬فهي انعكاس لتلك النفس في البرزخ‪،‬‬
‫فإذا جاء الموت تحطمت المرآة وفنيت النباتية والحيواني وانتهت الصورة التي في المراة وبقيت‬
‫النفس الناطقة في برزخها وهي التي تتشخص بعد الموت‪ ،‬وتظهر هذه النفس عند اعتدال‬
‫النفس الحيوانية كما قال الحديث «بدو ايجادها عند الوالدة الدنياوية»‪.‬‬
‫والجسد في عالم الزمان ُمقدم على النفس الناطقة وجودا ً اذ يتكون الجنين ثم تظهر النفس‬
‫الناطقة عند الوالدة الدنياوية‪ ،‬والنفس الناطقة متقدمة على الجسد في البرزخ وجودا ً كما ورد في‬

‫((( راجع كتاب «عالم الذر» للمؤلف حول عالم هورقليا‬


‫‪302‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫الحديث «خلق االرواح قبل االبدان بالفي عام»‪ ،‬ومن هنا نستنتج خطأ مقولة مال صدرا بقوله«ان‬
‫النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء»‪ ،‬والذي افهمه من عبارته انه يعتقد ان منشأ النفس‬
‫اوالً من المادة الزمانية وتخرج كخروج ما في القوة إلى الفعل بالحركة الجوهرية اي ان النفس‬
‫كامنة في المادة والحق ان النفس الناطقة وحقيقة اإلنسان موجودة في عالمها قبل تك ّون جسدها‬
‫الدنيوي ولكنها تسبقه وجودا ً وتتاخر عنه ظهورا ً‪.‬‬
‫وهذه النفس الناطقة القدسية عندما تنزل من عالمها البرزخي حين الوالدة الدنياوية تمر‬
‫بعوالم عديدة النها ُمقدمة على جسدها العنصري بالفي عام‪ ،‬فتاخذ من مقام الطبيعة البرزخية‬
‫طبائعها‪ ،‬ومن المادة البرزخية حصتها‪ ،‬وما االظلة صورتها‪ ،‬ثم تنزل إلى عرش الزمان‪ ،‬ثم إلى‬
‫كرسي الزمان‪ ،‬ثم إلى األفالك الزمانية «زحل ثم المشتري ثم المريخ ثم الشمس ثم الزهرة ثم‬
‫عطارد ثم القمر‪ ،‬ثم كرة النار‪ ،‬ثم كرة الهواء‪ ،‬ثم كرة الماء‪ ،‬ثم التراب وتلحق بها جملة من‬
‫اعراض تلك العوالم‬
‫فبحصتها من الشمس تدرك الحقائق‪ ،‬وبحصتها من زحل تدرك المعاني الكلية‪ ،‬وبحصتها‬
‫من المشتري تدرك بها الصور الكلية‪ ،‬وبحصتها من المريخ تدرك المعاني الجزئية‪ ،‬وبحصتها‬
‫من الزهرة تدرك الصور المجردة‪ ،‬وبحصته من عطارد تدرك النسب الحكمية‪ ،‬وبحصتها القمرية‬
‫تدرك الصور البرزخية‪ ،‬وما تاخذه من النار تدرك به االضواء‪ ،‬وما تاخذه من الهواء تدرك به‬
‫االصوات‪ ،‬وما تاخذه من الماء تدرك بها الروائح‪ ،‬وما تاخذه من التراب تدرك به الطعوم‪ ،‬وهذه‬
‫بدورها ستنطبع على الحواس في النفس الحيوانية فيبصر ويسمع ويلتذ ويحس‪.‬‬
‫وإذا اردنا ان نجد لفظ او مفهوم للنفس الناطقة ينطبق على ما موجود في عرفنا واصطالحنا‬
‫الحالي فهي حسب اصطالحاتنا «وعي»‪ ،‬وكل ما يصيب اإلنسان من امراض عضوية وفسلجية‬
‫فهو بسبب خلل في النفس النباتية والنفس الحيوانية‪ ،‬وما يصيب اإلنسان من مرض نفسي فهو‬
‫بسبب خلل في الناطقة القدسية‪ ،‬فاالمراض العضوية سببها عوارض عضوية واحيائية وفسلجية‬
‫اما االمراض النفسية فسببها عوارض شيطانية‪.‬‬
‫اما في الرجعة نتيجة لبوث الفلك واعتدال النفس النباتية والنفس الحيوانية في االنسان‬
‫فستظهر النفس الناطقة بكل حيويتها وستتفعل كل حواسها الظاهرية والباطنية فيتمكن االنسان‬
‫من رؤية عوالم اخرى ويتعامل مع مخلوقات اخرى كالمالئكة والجن‪ ،‬وقد ورد في المرويات‬
‫ان اإلمام المهدي‪ ‬في زمن الرجعة سيظهر سبعة وعشرون حرفا من العلم الن القابلية اإلنسانية‬
‫ستصبح مستعدة لتلقي تلك العلوم‬
‫�������������������‬ ‫‪303‬‬

‫رابعاً ‪ :‬النفس الكلية اإللهية «الالهوتية ‪ -‬الملكوتية»‬


‫ما ورد عنها في الحديث األول‪:‬‬
‫والكلية«الملكية» اإللهية لها خمس قوى بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل وفقر‬
‫في غناء وصبر في بالء ولها خاصيتان الرضا والتسليم‪ ،‬وهذه مبدؤها من اللَّه واليه تعود قال اللَّه‬
‫تعالى «ونفخنا فيه من روحنا» وقال«يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية‬
‫والعقل وسط الكل»‬
‫ما ورد عنها في الحديث الثاني‪:‬‬
‫وما النفس الالهوتية الملكوتية الكلية؟ فقال«قوة الهوتية جوهرة بسيطة حية بالذات اصلها‬
‫العقل منه بدت وعنه دعت واليه دلت وأشارت وعودتها اليه إذا كملت وشابهته‪ ،‬ومنها بدأت‬
‫الموجودات واليها تعود بالكمال فهو ذات اللَّه العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة‬
‫المأوى‪ ،‬من عرفها لم يشق‪ ،‬ومن جهلها ضل سعيه وغوى»‪.‬‬
‫وهذه هي نفس المعصوم عليه افضل الصالة والسالم وال تظهر في غيره ابدا‪ ،‬وهي ليست‬
‫نفس زمانية او برزخية بل هي من منشأ علوي اقرب شيء إلى المبدأ‪ ،‬وعبارات الحديثين تشير‬
‫إلى انها ذات جهتين‪ ،‬األولى‪ :‬جهتها إلى خالقها وهي قوله‪«‬مبدؤها من اللَّه واليه تعود» وهي‬
‫هنا فعل اللَّه ومشيئته وارادته‪ ،‬والثانية‪ :‬جهتها إلى الخلق وهي هنا علّة الخلق وهي قوله‪«‬ومنها‬
‫بدأت الموجودات واليها تعود»‪ ،‬وهي هنا عين اللَّه ويده وجنبه ونوره وبرهانه«فهو ذات اللَّه‬
‫العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى‪ ،‬من عرفها لم يشق‪ ،‬ومن جهلها ضل سعيه‬
‫وغوى»‪ ،‬وفي هذه الجهة تكون قوة الهوتية اصلها العقل منه بدأت واليه تعود‪ ،‬فهي ال تنطق عن‬
‫الهوى ان هو اال وحي يوحى‪ ،‬لذلك وصفها الحديث بمواصفات عالية «لها خمس قوى بقاء‬
‫في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل وفقر في غناء وصبر في بالء ولها خاصيتان الرضا والتسليم»‬
‫والثابت عقال ونقال ان كل شيء في الوجود دون اللَّه له جهتين‪ ،‬الن كل شيء دون اللَّه‬
‫ُمركّب وال بسيط بمعنى عدم التركيب اال اللَّه عز وجل‪ ،‬فكل شيء له جهة إلى ربه ما منه وجوده‪،‬‬
‫وله جهة إلى نفسه ما منه ماهيته‪ ،‬ومما ال شك فيه ان اعتبار جهة الرب اعلى من اعتبار جهة‬
‫النفس‪ ،‬الن جهة الرب جهة الوحدة وجهة النفس جهة الكثرة‪ ،‬ومن هنا كانت النفوس اربعة‬
‫النها جهة الكثرة‪.‬‬
‫فالنفس النباتية والنفس الحيوانية غلبت جهة النفس فيها على جهة الرب فكانت مقر‬
‫للفعاليات الدنيوية والظلم والغشم‪ ،‬اما النفس الناطقة القدسية ففي اصل منشأها يجب ان‬
‫‪304‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫تتساوى فيها جهة الرب وجهة النفس لكي تتحقق العدالة ويصح االختيار واالختبار﴿إنَّا َه َد ْي َناهُ‬
‫ِ‬
‫ورا﴾(((‪ ،‬فان كان شاكرا غلبت جهة الرب وصار انسان بنفس ناطقة‬ ‫ِإَوما َك ُف ً‬ ‫َّ َ‬
‫يل إ َّما َشاك ًِرا َّ‬
‫السب ِ ِ‬
‫قدسية‪ ،‬وان كان كفور صار انسان بنفس ناطقة شيطانية‪.‬‬
‫اما النفس الكلية اإللهية فليس فيها هذا التمايز الن كال جهتيها متشاكلتان فجهتهم إلى‬
‫ربهم نفس جهتهم إلى انفسهم وللعكس صحيح النها من عالم السرمد الذي فيه األول هو‬
‫االخر والظاهر هو الباطن فهي ُمركّب ال تمايز في اجزائه النه صرافة النور‪.‬‬

‫((( اإلنسان ‪3/‬‬


‫�������‬ ‫‪305‬‬

‫الم�صادر‬
‫القرآن الكريم‬
‫نهج البالغة‬
‫الكافي‪ /‬الشيخ محمد بن يعقوب الكليني‬
‫بحار األنوار‪ /‬الشيخ محمد باقر المجلسي‬
‫وسائل الشيعة ‪ /‬الحر العاملي‬
‫من ال يحضره الفقيه‪ /‬الشيخ الصدوق‬
‫التهذيب ‪ /‬الشيخ الطوسي‬
‫تفسير البرهان‪ /‬السيد هاشم البحراني‬
‫تفسير القمي‪ /‬علي بن إبراهيم القمي‬
‫تفسير اإلمام الحسن العسكري‬
‫تفسير العياشي ‪ /‬محمد بن مسعود ابن عياش‬
‫كمال الدين وتمام النعمة ‪ /‬الشيخ الصدوق‬
‫االمالي‪ /‬الشيخ الصدوق‬
‫التوحيد‪ /‬الشيخ الصدوق‬
‫معاني االخبار‪ /‬الشيخ الصدوق‬
‫الخصال‪ /‬الشيخ الصدوق‬
‫علل الشرائع‪ /‬الشيخ الصدوق‬
‫عيون اخبار الرضا‪ /‬الشيخ الصدوق‬
‫‪306‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫االحتجاج ‪ /‬الطبرسي‬
‫سرور اهل اإليمان‪ /‬السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم النيلي النجيفي‬
‫منتخب األنوار المضيئة‪ /‬السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم النيلي النجيفي‬
‫رجال الكشي‪ /‬الكشي‬
‫بصائر الدرجات ‪ /‬محمد حسن الصفار‬
‫مختصر البصائر‪ /‬الشيخ عز الدين الحسين بن سليمان الحلي‬
‫االيقاظ من الهجعة بالبرهان عن الرجعة‪ /‬الحر العاملي‬
‫الغيبة للنعماني‪ /‬ابن ابي زينب النعماني‬
‫الغيبة للطوسي‪ /‬ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي‬
‫مسند اإلمام العسكري‪ /‬عزيز اللَّه العطاردي‬
‫االرشاد‪ /‬الشيخ المفيد‬
‫روضة الواعظين‪/‬محمد بن فتال النيسابوري‬
‫اعالم الورى‪ /‬الشيخ الطبرسي‬
‫كشف الغمة‪ /‬ابن ابي الفتح االربلي‬
‫مصباح المتهجد‪ /‬ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي‬
‫السرائر‪ /‬ابن ادريس الحلي‬
‫مهج الدعوات‪ /‬ابن طاووس‬
‫بشارة اإلسالم‪ /‬السيد حيدر الكاظمي‬
‫المالحم او عالئم اخر الزمان‪ /‬الشيخ حسين طاوئي همداني‬
‫المالحم والفتن‪ /‬ابن طاووس‬
‫مناقب آل أبي طالب‪ /‬ابن شهر اشوب‬
‫�������‬ ‫‪307‬‬

‫الصراط المستقيم‪ /‬علي بن يونس العاملي‬


‫نفس الرحمان في فضائل سلمان‪ /‬الميرزا حسين النوري‬
‫المحجة البيضاء‪ /‬محسن الكاشاني‬
‫جوامع الكلم‪ /‬الشيخ االحسائي‬
‫جواهر الحكم‪ /‬السيد كاظم الرشتي‬
‫الكتاب المبين‪ /‬الحاج محمد كريم خان الكرماني‬
‫صحيفة األبرار‪ /‬العالمة محمد تقي‬
‫الخطب النادرة ألمير المؤمنين‪ / ‬عبد الرسول زين الدين‬
‫بيان العارفين في احوال الجن والشياطين‪ /‬عبد الرسول زين الدين‬
‫معجم بلدان عصر الظهور‪ /‬عبد الرسول زين الدين‬
‫عدة الداعي‪ /‬الشيخ احمد بن فهد الحلي‬
‫اثباة الهداة‪ /‬الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي‬
‫دالئل االمامة‪ /‬محمد بن جرير بن رستم الطبري‬
‫ينابيع المودة‪ /‬القندوزي‬
‫منتخب االثر‪ /‬الشيخ لطف اللَّه الصافي‬
‫جامع االخبار او معارج اليقين في اصول الدين‪ /‬الشيخ محمد بن محمد السبزواري‬
‫كنز العمال ‪ /‬المتقي الهندي‬
‫مدينة المعاجز‪/‬العالمة هاشم البحراني‬
‫الخرائج‪ /‬القطب الراوندي‬
‫الدعوات‪ /‬الراوندي‬
‫قصص األنبياء‪ /‬الراوندي‬
‫‪308‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫قصص األنبياء‪ /‬السيد نعمة اللَّه الجزائري‬


‫مالحم ابن المنادي‪ /‬ابن المنادي‬
‫اإلنجيل‬
‫المالحم والفتن ‪ /‬ابن حماد‬
‫عقد الدر‪ /‬المقدسي الشافعي‬
‫المفردات‪ /‬الراغب االصفهاني‬
‫المفاجأة بشراك يا قدس‪ /‬محمد عبسى داود‬
‫صحيح مسلم‬
‫صحيح البخاري‬
‫سنن ابو داود‬
‫تاريخ بغداد‬
‫مناقب بغداد‬
‫تاريخ الطبري‬
‫تاريخ الرسل والملوك‪ /‬الطبري‬
‫معجم البلدان‪ /‬ياقوت الحموي‬
‫كون انشتاين‪ /‬ميشيو كاكو‬
‫����������‬ ‫‪309‬‬

‫كتب للم�ؤلف‬
‫‪ - 1‬نجم يتقلب في اآلفاق‪«:‬بحث تحليلي نقدي للعالمات السماوية التي تسبق ظهور‬
‫اإلمام المهدي ‪ ‬ودور الجبال في ظهور جنة االستخالف»‬
‫‪ - 2‬المزايلة‪« :‬ودائع مؤمنين في أصالب قوم كافرين» «حرب االصالب واألرحام غير‬
‫المعلنة» «معركة سالالت الدم»‬
‫‪ - 3‬الرجعة‪ :‬حجر رفضه البناؤون‪ /‬ظهور الباطن وانتصار التأويل‬
‫‪ - 4‬ايام اللَّه‪ :‬جغرافيا الكون وتكرار األبدية ‪ /‬ونظرية لبوث الفلك‬
‫دراسة لوصف حركة الموجودات في عوالم الوجود وطبيعة أوقاتها من السرمد إلى الدهر‬
‫إلى الزمان مع شرح لمفهوم اليوم وتسلسل أيام اللَّه القادمة ورؤية جديدة لقصة ذي القرنين من‬
‫خالل واقع فلكي كان سائدا ً على األرض قبل الطوفان مع دراسة قرآنية روائية علمية لكيفية‬
‫ظهور الجنتان المدهامتان في آخر الزمان من خالل نظرية لبوث الفلك ودور الجبال في تغير‬
‫النظام الطبيعي‪.‬‬
‫‪ - 5‬مقاصد الجمع في القرآن‪ :‬متابعة اللفاظ قرآنية ُ‬
‫جمعت بصيغتين‪.‬‬
‫‪ - 6‬آية ورواية‪ :‬تأمالت وتساؤالت في كالم القرآن والعترة‪.‬‬
‫‪ -7‬البداء‪ :‬محو ام الغاء ام تغيير‬
‫‪ - 8‬حدث وحديث‪ :‬تصور أولي اجمالي ألحاديث واحداث ما قبل وما بعد ظهور اإلمام‬
‫المهدي ‪‬‬
‫‪ - 9‬كربالء في العوالم ‪ :‬نون والقلم وكربالء وما يسطرون‬
‫‪ - 10‬جامع أحاديث الذر‪ :‬روايات ائمة أهل البيت صلوات اللَّه عليهم عن عالم الذ ّر‬
‫‪ - 12‬عالم الذر‪ :‬فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه‪/‬ارشيف التكّوين وكواليس‬
‫الخليقة‪/‬رحلة اإلنسان الوجودية من البداية إلى الغاية‬
‫‪310‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫‪13‬ـ ال من شيء‪ :‬بحث روائي فلسفي عن ماهية «الشيء» و «الالشيء» و «ال من شيء»‬
‫و «العدم » و «الفراغ»‪.‬‬

‫البريد االلكتروني للمؤلف‪reedali2010@yahoo.com:‬‬


‫تم الفراغ منه في بغداد ‪2018 /‬‬
‫������‬ ‫‪311‬‬

‫الفهر�س‬

‫المقدمة ‪5...................................................................................‬‬
‫هلك فيك اثنان ‪6...........................................................................‬‬
‫أروه عن أبي ‪7..............................................................................‬‬
‫زكاة الظفر ‪9................................................................................‬‬
‫الكذابين والك ّذابة ‪11.......................................................................‬‬
‫حديث العزوبة ‪13..........................................................................‬‬
‫المبطلون‪15................................................................................‬‬
‫المكر االلهي‪16............................................................................‬‬
‫غاية ترقي المؤمنين‪17......................................................................‬‬
‫الرويبضة والمحاضير والفيس بوك‪18.......................................................‬‬
‫من هو «سفيهنا» ‪19........................................................................‬‬
‫العالم والعليم والخبير‪21...................................................................‬‬
‫الخلق والرزق والموت والحياة ‪22..........................................................‬‬
‫العبودية التكوينية والعبودية التشريعية‪25....................................................‬‬
‫ذا الكفل ‪26................................................................................‬‬
‫أم القرى ‪29................................................................................‬‬
‫الذكر الغائب‪33............................................................................‬‬
‫وأشرقت األرض بنور ربها‪35...............................................................‬‬
‫كتاب مختوم بخاتم من ذهب ‪40...........................................................‬‬
‫أولئك يفتح الله على أيديهم الدين ‪42......................................................‬‬
‫تجدد سلطان بني العباس «قراءة جديدة» ‪46................................................‬‬
‫حديث اخر‪48............................................................................ :‬‬
‫‪312‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫المقام والمرتبة ‪50..........................................................................‬‬


‫الغل ‪52....................................................................................‬‬
‫ّ‬
‫تراجمة الوحي ‪53..........................................................................‬‬
‫استغفار المعصوم عليه السالم ‪56...........................................................‬‬
‫السنة الدهرية ‪60...........................................................................‬‬
‫كالم ذوقي في آيات سورة التكوير ‪63.......................................................‬‬
‫عالقة الناس بالنبي والولي‪68...............................................................‬‬
‫الموازين ‪70................................................................................‬‬
‫نظرة في أشكال التدين ‪72..................................................................‬‬
‫مصر ومنبرها ‪73............................................................................‬‬
‫صاحب كتاب المفاجأة ‪75.................................................................‬‬
‫التقويم اإلسالمي الجديد ‪77...............................................................‬‬
‫جة ‪ -‬الخليفة ‪ -‬االمام ‪83................................................................‬‬
‫ح ّ‬
‫ال ُ‬
‫جة‪84............................................................................. :‬‬
‫ح ّ‬
‫ال ُ‬
‫الخليفة‪84............................................................................ :‬‬
‫اإلمام‪84.............................................................................. :‬‬
‫فترة حكم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ‪88..........................................‬‬
‫رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والشيطان ‪93..........................................‬‬
‫عمر الدنيا‪97...............................................................................‬‬
‫متابعة بعض األلفاظ من خالل مفهوم الحركة ‪101..........................................‬‬
‫‪ - 1‬السقوط‪102......................................................................:‬‬
‫‪ - 2‬النزول‪102....................................................................... :‬‬
‫‪ - 3‬الصعود‪102......................................................................:‬‬
‫‪ - 4‬الهبوط‪102...................................................................... :‬‬
‫‪ - 4‬االنزال‪103...................................................................... :‬‬
‫‪ - 5‬العروج‪104.......................................................................:‬‬
‫������‬ ‫‪313‬‬

‫جو السماء ‪ -‬الموج المكفوف ‪ -‬البحر المكفوف ‪105......................................‬‬


‫تأمالت باطنية في العصا والحجر ‪111......................................................‬‬
‫أسياف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الخمسة ‪113..................................‬‬
‫السيف ال ُمشهر األول‪116............................................................ :‬‬
‫السيف المشهر الثاني‪117............................................................ :‬‬
‫السيف ال ُمشهر الثالث‪118........................................................... :‬‬
‫السيف الرابع المكفوف‪118.......................................................... :‬‬
‫السيف الخامس المغمود‪121........................................................ :‬‬
‫شأن هذه السيوف بعد مقتل اإلمام الحسين عليه السالم‪122.......................... :‬‬
‫الحنفية وملّة إبراهيم‪125...................................................................‬‬
‫الروح والمغناطيسية ‪130..................................................................‬‬
‫حقيقة روائية علمية عن المادة ‪133.........................................................‬‬
‫إبليس والفضاء ومقاعد السمع ‪137........................................................‬‬
‫ها هنا كانت الزوراء‪145...................................................................‬‬
‫تاريخ بغداد قديماً‪145....................................................................:‬‬
‫أحاديث بغداد في مرويات آل محمد عليهم السالم‪147................................‬‬
‫بناء المدينة من قبل العباسيين ‪150.....................................................‬‬
‫مساحة المدينة‪151....................................................................‬‬
‫عوامل اختيار المكان‪152............................................................ :‬‬
‫تساؤل مهم ‪154......................................................................:‬‬
‫الشعارات المجفورة‪160...................................................................‬‬
‫الحديث األول‪160...................................................................:‬‬
‫الحديث الثاني‪160...................................................................:‬‬
‫الحديث الثالث‪160.................................................................. :‬‬
‫النتائج النهائية للتحليل‪165...........................................................:‬‬
‫الفرات في آخر الزمان ‪166.................................................................‬‬
‫‪314‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫المحور األول‪ :‬عوامل سياسية واقتصادية «حرب المياه»‪167..........................:‬‬


‫المحور الثاني‪ :‬عوامل وكوارث بيئية‪169............................................. :‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬تغيرات كونية‪170.....................................................‬‬
‫أين مكان هذا الكنز ‪171...............................................................‬‬
‫طبيعة هذا الكنز‪172...................................................................‬‬
‫انبثاق الفرات ‪174.....................................................................‬‬
‫الجفاف االنحسار‪174.................................................................‬‬
‫أمريكا في أخر الزمان ‪177.................................................................‬‬
‫الدالئل ‪184...........................................................................‬‬
‫السيناريو األول‪185.................................................................. :‬‬
‫السيناريو الثاني‪186.................................................................. :‬‬
‫السيناريو الثالث‪187................................................................. :‬‬
‫السيناريو الرابع‪191.................................................................. :‬‬
‫أسئلة واجوبة‪195..........................................................................‬‬
‫أوالً‪ :‬زمن الرسول واألئمة صلوات اللَّه عليهم ‪198.........................................‬‬
‫السؤال األول‪ :‬شيء ال يعلمه اللَّه‪199......................................................‬‬
‫السؤال الثاني‪ :‬كلبا يطأ شاة ‪200...........................................................‬‬
‫فرض ال ُمحال ليس بمحال‪203........................................................... :‬‬
‫طريقة عكس السؤال بسؤال ‪205...........................................................‬‬
‫ثانياً‪ :‬زمن الغيبة الكبرى ‪206...............................................................‬‬
‫تأمالت أولية في موضوع بواطن القرآن‪210.................................................‬‬
‫لتركب ّن ُسنن الذي من قبلكم ‪221...........................................................‬‬
‫‪ -1‬االنطباق العام‪226................................................................ :‬‬
‫‪ - 2‬االنطباق الدقيق‪226...............................................................‬‬
‫‪« - 3‬االنطباق ما قبل الحدث» ‪228....................................................‬‬
‫‪ - 3‬االنطباق التصحيحي‪229.........................................................:‬‬
‫������‬ ‫‪315‬‬

‫مثال«‪229......................................................................... :»1‬‬
‫مثال«‪230......................................................................... :»2‬‬
‫مثال«‪231......................................................................... :»3‬‬
‫مثال «‪232.........................................................................:»4‬‬
‫‪ - 4‬انطباقات لم تقع ‪233..............................................................‬‬
‫‪ - 5‬االنطباق المستقبلي‪233...........................................................‬‬
‫حبابة الوالبية وحصاتها ‪235................................................................‬‬
‫مع رسول اللَّه ‪235............................................................... :‬‬
‫مع أمير المؤمنين ‪238.............................................................:‬‬
‫مع اإلمام الحسن ‪241............................................................ :‬‬
‫مع اإلمام الحسين ‪241............................................................:‬‬
‫مع اإلمام علي بن الحسين السجاد ‪243...........................................:‬‬
‫مع اإلمام محمد بن علي الباقر‪245................................................:‬‬
‫مع اإلمام جعفر بن محمد الصادق‪245............................................:‬‬
‫مع اإلمام موسى بن جعفر الكاظم‪245............................................. ‬‬
‫مع اإلمام علي بن موسى الرضا‪245................................................‬‬
‫مع اإلمام محمد الجواد‪246.......................................................:‬‬
‫مع اإلمام علي الهادي‪246........................................................ :‬‬
‫مع اإلمام الحسن العسكري‪246.................................................. :‬‬
‫مع اإلمام المهدي الحجة ابن الحسن‪247........................................ :‬‬
‫مفهوم الحركة ال ُبعدية للسماوات واألرضين‪250............................................‬‬
‫الجان والجن‪256..........................................................................‬‬
‫ضلع آدم ‪259..............................................................................‬‬
‫محاولة لشرح عبارة الحاج الكرماني ‪273..............................................‬‬
‫جنة الحضائر ‪ :‬مؤمنو الجن وفساق الشيعة ‪277............................................‬‬
‫العظام ثم اللحم‪280.......................................................................‬‬
‫‪316‬‬ ‫ه سياحة في أحاديث آل محمد ‪‬‬
‫وانُ ُ‬ ‫مختَلِ ٌ‬
‫ف أل َ‬ ‫اب ُ‬
‫شَ َر ٌ‬

‫حديث النفوس األربعة‪290................................................................‬‬


‫الحديث األول‪290...................................................................:‬‬
‫الحديث الثاني‪290.................................................................. :‬‬
‫أوالً ‪ :‬النفس النامية النباتية‪292....................................................... :‬‬
‫ثانياً‪ :‬النفس الحسية الحيوانية‪296.................................................... :‬‬
‫ثالثاً‪ :‬النفس الناطقة القدسية‪298..................................................... :‬‬
‫رابعاً ‪ :‬النفس الكلية اإللهية «الالهوتية ‪ -‬الملكوتية» ‪303..............................‬‬
‫المصادر ‪305..............................................................................‬‬
‫كتب للمؤلف ‪309.........................................................................‬‬
‫الفهرس ‪٣١١...............................................................................‬‬

You might also like