Professional Documents
Culture Documents
شراب مختلف
شراب مختلف
خت ِل ٌ
ف ُم َ
ألوا ُن ُه
َ
سياحة في أحاديث آل محمد
ابش َر ٌ َ
خت ِل ٌ
ف ُم َ
ألوا ُن ُه
َ
سياحة في أحاديث آل محمد
المقدمة
ُ ُ َ َ َ ٌ ُّ ْ ٌ ُ ّ َّ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ َ ّ ُ ُ ً َ ْ ُ ُ
اب م َتل ِفك ذلل ۚ ي ُر ُج مِن بطون ِها ش ات فاسل ِك سبل رب ِ ِ ك اثلمر ِ ِ قال تعالى﴿ث َّم ِك مِن
َ َ ً َّ َ
َ َّ َ َّ
اس ۗ إِن ِف ذٰل َِك ليَة ل ِق ْو ٍم َي َتفك ُرون﴾(((.ِلن ِ أل ْ َوانُ ُه فِيهِ ش َِف ٌ
اء ّل َّ
لن اكون ُمبالغاً إذا قلت ان كل حديث من أحاديث آل محمد بحاجة إلى بحث ُمفرد،
الن هذه طبيعة النور الذي تنكشف به االشياء ،ولن اكون ُمبالغاً إذا قلت ان كل حديث يرتبط مع
غيره بنحو ما ،النها عيون صافية يصب بعضها في بعض ،فاألحاديث عندي كالحديقة المملؤة
بانواع واصناف الورود كل وردة لها شكلها الخاص ،وعطرها الخاص ،وتاثيرها الخاص ،اال انها
كلها تشترك في ارض واحدة و﴿ي ُ ْس َ ٰ
ق ب ِ َما ٍء َواح ٍِد﴾(((.
وكان من عادتي ان افتتح يومي بالتأمل بحديث او حديثين من كالمهم صلوات اللَّه عليهم،
فاجتمعت في ذهني واوراقي عشرات المالحظات وعشرات المطالب حول جملة من األحاديث
احببت ان اجمعها في كتاب واحد ،مما ولّد لي حيرة في اختيار عنوان الكتاب.
وعلى الرغم من ان الكتاب يطغى عليه الجانب الروائي إال انه ال يخلوا من تناول آية ،او
فهم فلسفي ،او معلومة تاريخية ،او تصور علمي ،والتي بمجموعها تحمل الفائدة والمتعة
والتي ربما تقود القارى في بعض فقراته إلى نشاط ذهني.
((( النحل69/
((( الرعد 4/
6 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
�أروه عن �أبي
قال :قلت :البي عبد اللَّه نسمع الحديث منكم فال ادري منك او من ابيك« ،فقال :ما
سمعته مني فاروه عن أبي وما سمعته مني فاروه عن رسول اللَّه.(((»
ربما يتسائل البعض لماذا يأمر اإلمام الصادق السائل بان يُروى حديثه عن ابيه الباقر
او عن رسول اللَّه؟ والتأمل في احوال وحياة اإلمام الصادق يقودنا إلى عدة اسباب لفهم
هذا األمر منها:
-1ان اإلمام الصادق عاش في وضع سياسي خطير جدا ً وهي فترة تغير الحكم من بني
امية إلى بني العباس ،فربما هكذا وضع جعل اإلمام يأمر السائل ان ينسب الحديث لرسول
اللَّه او البيه اإلمام الباقر لكي ال يُشكّل الكالم مصدر تهديد لإلمام الصادق من القوة
السياسية الصاعدة والتي ربما صدر فيها كالم عن اإلمام الصادق بما يتناسب وواقع الحال
االجتماعي والسياسي ،ونسبة هكذا أحاديث لرسول اللَّه او لإلمام الباقر ت ُبعد اي شُ بهة
حول اإلمام الصادق ،فيكون اإلمام الصادق بهذا االسلوب قد اوصل ُمراده إلى الناس
وفي نفس الوقت حمى نفسه ،الن كالمه يُنسب لرسول اللَّه او اإلمام الباقر ،فهذا اسلوب
ووسيلة يتعلق بالوضع السياسي وادارة عموم الصراع في تلك االيام.
-2في زمن اإلمام الصادق ظهرت المدارس الفقهية والمذاهب العقائدية ،وبما ان اإلمام
الصادق رأس مدرسة أهل البيت في زمانه فربما وهو االكيد ان خصومه من بقية المدارس
ال يأخذون بقوله النهم ببساطة خصوم ،وبما ان تلك المدارس الفقهية التي ظهرت في زمن
اإلمام الصادق ال تستطيع رد الخبر عن رسول اللَّه او اإلمام الباقر النهم يتمتعون
بنسبة كبيرة من االحترام عند المخالفين،فاسناد الكالم لرسول اللَّه او اإلمام الباقر يكون
ابلغ بالحجة عليهم.
-3ربما هذا األمر يتعلق بذات السائل نفسه ،فربما السائل غير متفقه بالحديث وال بالعقيدة
كون آل محمد كلهم واحد ونور واحد وكالمهم واحد فارجع اإلمام الصادق السائل إلى
رسول اللَّه او اإلمام الباقر ،اذ ربما السائل قليل التفقه والدراية وهو يثق ببعض األئمة
دون غيرهم ،وهذا هو اسلوب المداراة الذي اتبعه األئمة مع عموم الناس ومع جهلتهم
وحتى مع شيعتهم.
رفظلا ةاكز 9
زكاة الظفر
عن أمير المؤمنين من حديث طويل يذكر فيه جملة من احوال اإلمام المهدي
قال« ......يهلك اللَّه فيها جيش السفياني ويمضي هارباً فياخذه رجل من الموالي اسمه صباح
فيأتي به إلى المهدي وهو يصلي العشاء االخرة فيبشره ،فيخفف في الصالة ويخرج ويكون
وسحب فيوقفه بين يديه فيقول السفياني للمهدي يا ابن السفياني قد ُجعلت عمامته في ُعنقه ُ
علي بالحياة اكون «كذا» سيفاً بين يديك واجاهد اعداءك والمهدي جالس بين أصحابه عمي ُم ّن ّ
وهو احيى من عذراء فيقول خلوه فيقول أصحاب المهدي يا ابن رسول اللَّه تمن عليه بالحياة
وقد قتل اوالد رسول اللَّه ،ما نصبر على ذلك ،فيقول :شأنكم واياه اصنعوا به ما شئتم وقد
خله وافلته فيلحقه صباح في جماعة إلى عند السدرة فيضجعه ويذبحه وياخذ رأسه ويأتي كان ّ
به المهدي فينظر شيعته إلى الرأس فيكبرون ويهللون ويحمدون اللَّه على ذلك ثم يامر المهدي
(((
بدفنه ثم يسير في عساكره فينزل دمشق»..........
كلما اقرأ هذا الحديث اقف ُمحتارا في فهم مقصد اإلمام المهدي في اطالق سراح
السفياني ،فلماذا يقبل استرحامه ويعفو عنه وقد فعل ما فعل؟ ولكن الواضح انني جاهل انظر
إلى االمور دائماً على ظاهرها ،وآل محمد هم اهل الحكمة وفي كل تصرف من تصرفاتهم
حكمة ،فهم ال تسيرهم العواطف واالهواء مهما كان الجرم كبيرا ً.
وفي الحديث امر البد من التوقف عنده قبل تفسير عفو اإلمام المهدي عن السفياني،
فاإلمام المهدي عفا عنه «خاله وافلته» ،ولكن أصحاب اإلمام المهدي يعترضون ويقولون
«ما نصبر على ذلك» ،والعبارة تذكرني برد المالئكة اذ قالوا ﴿ َأ َتْ َع ُل ف َ
ِيها َمن ُي ْفس ُِد ف َ
ِيها﴾(((،
وال ادري كم نحتاج من السنين الضوئية لكي ينضج وعينا وال نرد على قول آل محمد اال
بعبارة «سمعنا واطعنا».
ثم وجدت حديث يفسر لي مثل هذا التصرف ،عن اإلمام الصادق قال«المعروف زكاة
النعم ،والشفاعة زكاة الجاه ،والعلل زكاة االبدان ،والعفو زكاة الظفر ،وما اديت زكاته فهو مأمون
((( معجم أحاديث اإلمام المهدي /الشيخ علي الكوراني /ج /3ص 95
(( ( البقرة٣٠ /
10 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
(((
السلب»....
نعم «العفو زكاة الظفر» ،وقد ظفر اإلمام المهدي بالسفياني فتكون عملية العفو هنا
زكاة ،اما نحن فعندنا الظفر انتقام ،لذلك قال الحديث «وقد كان خاله وافلته» اي اعطاه حريته
ولكن أصحاب المهدي ارادوا القصاص فسمح لهم اإلمام بعد ان خاله وافلته فظفروا به
وذبحوه ،ومن هنا فقد نال حسابه وقد قال الحديث «وما اديت زكاته فهو مأمون السلب» ،اما
امر اإلمام المهدي بدفنه فهذه اخالق اوالد األنبياء فهم ال يمثلون بالميت وان كان عدوا لهم
وان كان كلباً عقورا ً.
الكذابين والكذّابة
علي الك ّذابة ،فمن كذب
الحديث المشهور عن رسول اللَّه قوله «يا ايها الناس قد كثرت ّ
علي ُمتعمداً فليتبوأ مقعده من النار».
ّ
تكذيب األنبياء هي ُس ّنة الذين كفروا ،وهي جارية على طول تاريخ الديانات،ويشهد
َ َّ َ ْ َ وح ال ْ ُم ْر َسل ََ َّ َ ْ َ ُ
ت ع ٌد ِني﴾((( ،وقوله﴿كذب ت ق ْو ُم ن ٍ بها القرآن الكريم كما في قوله تعالى﴿كذب
َ َ َّ َ ْ َ ُ ْ ال ْ ُم ْر َسل َ
ت ث ُمود ال ُم ْر َسل َِني﴾((( ،ورسول اللَّهايضاً كُذّب من قبل قومه﴿فإِن ِني﴾((( ،وقوله﴿كذب
ِب ُر ُسل ّمِن قبْل َِك﴾((( ،ولكن هناك فرق بين شخص يُكذّبك ،وشخص يكذب
َ ٌ َك َّذبُ َ
وك َف َق ْد ُك ّذ َ
عليك ،وشخص يكون عليك كذّابة ،فالشخص الذي يُكذّب رسول اللَّه بمعنى انه يقول
عنه انه ليس بنبي ،والشخص الذي يكذب عليه بمعنى انه ينقل عنه معلومة خاطئة او مخترعة،
علي الك ّذابة» ،فمن هم «الكذّابة»؟ علي الكذابين» ،بل قال «كثرت ّ والحديث لم يقل «كثرت ّ
ولعل االغلب االعم من الناس وحسب التبادر الذهني لمعنى الكذب في الحديث يفهمون
منه ان رسول اللَّه يقصد انه كثر من يكذب عليه ،بمعنى ان البعض يخترع حديث وينسبه
إلى رسول اللَّه ،والحق ان هذا المعنى هو الشائع حتى في علم الرجال ،فهم عندما يقولون
عن فالن بانه كذّاب يقصدون انه يخترع حديث لم يقله رسول اللَّه ويدسه مع األحاديث ،لذا
يقولون دائما في علم الجرح والتعديل عن ناقل الحديث كونه «كذّاب وضّ اع» ،وسترى ان هذا
المعنى صحيح في وقت الحق من تاريخ اإلسالم،كما ورد عن ابي عبد اللَّه« إنّا أهل البيت
صادقون ال نخلو من ك ّذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه عند الناس ،(((»......اما في حياة
الرسول فللحديث معنى اخر تبينه لنا أحاديث األئمة حول معنى «الكذّابة».
عن ابي إبراهيم قال«قال رسول اللَّه:اال هل عسى رجل يُك ّذبُني وهو على حشاياه
ُم ّتكئ ،قالوا يا رسول اللَّه ومن ذا الذي يُك ّذبك ،قال الذي يبلغه الحديث فيقول ما قال رسول
اللَّه قط ،فما جائكم عني من حديث موافق للحق فأنا قلته ،وما أتاكم عني من حديث ال
يوافق الحق فلم أقله ،ولن اقول َّ
إل الحق»(((.
عن ابي إبراهيم قال «قال رسول اللَّه اتقوا تكذيب اللَّه»قيل يا رسول اللَّه وكيف
وجل كذبت لم اقله ،ويقول لم يقل اللَّه ،فيقول
ذلك؟قال«يقول احدكم قال اللَّه ،فيقول اللَّه ع ّز ّ
وجل كذبت قد قلته»(((.
ع ّز ّ
فالكذّابة ليس من يخترع حديث وينسبه لرسول اللَّه ،بل الكذّابة هو الذي يسمع
الحديث منسوب لرسول اللَّه ويقول لم يقل رسول اللَّه هكذا ،اي يُكذّب صدور الكالم
عن رسول اللَّه ،وهذا النوع من الناس موجودين حتى في الوسط الشيعي الذي عاصر األئمة
،فإذا ورده حديث عن احد األئمة ال يتحمل معناه قال من تلقاء نفسه ما قال األئمة هكذا
فيكون من ضمن «الكذّابة» ،كما يشهد به الحديث التالي،عن اإلمام الصادق«الهالك ان
ُيحدّ ث أحدكم بشيء منه ال يحتمله فيقول :واللَّه ما كان هذا شيئاً واالنكار هو الكفر»(((.
لذلك سماهم رسول اللَّه كذّابة ولم يسمهم كذابين،والكذّابة صيغة مبالغة تفيد التاكيد
على الكذب ،الن الكذّاب هو الذي يخترع الحديث او المعلومة وهو اقرب لل ُمح ّرف او
الوضّ اع ،اما الكذّابة فهو الذي يقطع بعدم صدور الحديث من المعصوم .
والذي يؤديد المعنى انه في زمن النبي األكرم كانت الدعوة محصورة في مكة والمدينة،
وعملية اختراع نص واسناده إلى الرسول في ذلك الوقت صعبة جدا ً ،ولكن عملية تكذيب
ما يقوله الرسول امر ممكن وطريق اسهل في ذلك الوقت لذلك سماهم الحديث «كذّابة»
وليس كذابين.
اما بعد رحيل صاحب الرسالة واختالف االمة من بعده واقصاء أهل بيته عن حقهم،
واتخاذ الصراع شكله السياسي والعقائدي والفكري فقد كثرت جيوش الكذابين والكذّابة في
كل طوائف االمة.
وعليه فان العامل على آلية علم الرجال والقائل بان الحديث الفالني ضعيف او غير صحيح
او منسوب للرسول وان الرسول لم يقله اعتمادا على وثاقة الرجال فهو من الكذّابة،
ويجب ان يسمى علم الرجل بهذا المعنى «بعلم الكذّابة».
حديث العزوبة
ورد بكثرة في المأثور الروائي لكال الفريقين روايات تتحدث عن االنهيار واالنحالل
األخالقي والعقائدي الحاصل في آخر الزمان ،وستالحظ من جملة المرويات ان هناك تركيز في
ذكر االنهيار في جانب العالقة الجنسية بين الرجل والمرأة ،بحيث تنقلب فيها الموازين وتتشبه
النساء بالرجال ،وتتشبه الرجال بالنساء ،وتكتفي الرجال بالرجال ،وتكتفي النساء بالنساء،
ولصعوبة ايجاد الزوجة الصالحة والظرف االجتماعي واإلنساني المالئم لتأسيس اسرة في ذلك
الزمان تجد ان هناك نص يشير إلى استحالل العزوبية في تلك االيام وترك الزواج ،علماً ان
الزواج ُس ّنة مؤكدة عن رسول اللَّه والعزوبية امر مكروه جدا ً في الشريعة وذمته جملة من
النصوص ولكن الخبر التالي يُشير إلى حل ّية العزوبية في تلك االيام.
ورد عن الرسول االكرم«سيأتي زمان على أمتي تحل لهم العزوبية والرهبانية وان تلد
المرأة حية خير من ان تلد الولد»(((.
عن عبد اللَّه بن مسعود قال :قال رسول اللَّه«ليأتين على الناس زمان ال يسلم لذي دين
دينه إال من ف ّر بدينه من قرية إلى قرية ،ومن شاهق إلى شاهق ،ومن حجر إلى حجر ،كالثعلب
الذي يراوغ» ،قالوا :ومتى ذلك يا رسول اللَّه؟ قال«إذا لم تُنل المعيشة إال بمعاصي اللَّه ع ّز
وجل ،فإذا كان ذلك الزمان حلّت العزوبة» قال :وكيف ذاك يا رسول اللَّه وقد امرتنا بالتزويج؟
ّ
قال«النه إذا كان ذلك الزمان كان هالك الرجل على يدّ ي ابويه ،فان لم يكن له ابوان فعلى يدّ ي
زوجته وولد ،فان لم يكن له زوجة وال ولد فعلى يدّ ي قرابته» قالوا :وكيف ذلك يا رسول اللَّه؟
قال رسول اللَّه«يعيرونه بضيق المعيشة ،فيتكلف ما ال يطيق حتى يورده مورد الهلكة»(((.
وربما يتسائل البعض ويقول ان حاالت االنهيار األخالقي تظهر بشكل تدريحي وتصاعدي
في المجتمع ،وان جملة من هذه الحاالت موجودة في كل زمان ومكان ،وبالتالي ال يمكن
تحديد الفترة التي يمكن ان نقول عنها انها اخر الزمان بالضبط؟ الحقيقة هناك حديث اخر عن
رسول اللَّه يشير إلى تحديد السنة التي تحل فيها العزوبة«،إذا اتى على امتي مائة وثمانون
((( المالحم او عالئم اخر الزمان /الشيخ حسين طاوئي همداني /ح /25ص ،48كذلك عقود الجواهر382 :
((( المحجة البيضاء 20 /4 :وورد كذلك في جملة من مصادر العامة
14 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
سنة بعد االلف فقد حلّت العزوبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال».....
(((
وبما اننا حاليا في سنة 1438هجري فيكون التالي« »258 =1180 – 1438فقد حلت
العزوبة لهذه االمة منذ 258سنة «واللَّه العالم».
((( المالحم او عالئم اخر الزمان /الشيخ حسين طاوئي همداني /ح /24ص .47روح البيان 73 :س 27في تفسير روح
البيان في تفسير قوله تعالى«اسكن انت وزوجك الجنة»
نولطبملا 15
المبطلون
عن اإلمام ابي محمد الحسن العسكري في ذكر بعض شؤون الغيبة قال« ....اما انه له
غيبة يحار فيها الجاهلون ،ويهلك فيها ال ُمبطلون ،ويكذب فيها الوقاتون.(((»...
ربما يتسائل البعض ما هو معنى ومدلول لفظة ال ُمبطلون؟
تم تعريف مفهوم ال ُمبطل بحديث اخر وهو قول اإلمام ابي محمد الحسن العسكري....«
وانتم ُمخالفون و ُمبطلون الذي ال يعرف إماماً وال يتولى ولياً.(((»...
وعلى موجب الحديث يمكن القول ان ال ُمبطل هو الذي ال يعرف إماماً او ال يتولى ولياً من
آل محمد ،وربما هو ال ُمنتحل لإلمامة كما في الحديث التالي عن اإلمام الصادق«طوبى
للذين هم كما قال رسول اللَّه يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف
الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهليت»((( ،فال ُمنتحل المر االمة هو ال ُمبطل لها.
وجسب قول اهل اللغة فال ُمبطل هو ال ُمفسد ،ابطل العمل اي افسده ،ابطل األمر افسده،
ابطل الحكم الغاه ،ابطل في حديثه هزل ،ابطل مفعول القنبلة جعلها ال تنفجر ،فيمكن القول
ال ُمبطل هو المفسد في امر االمامة
((( مسند اإلمام العسكري /الشيخ عزيز اللَّه العطاردي /باب /16ح 10
((( مسند اإلمام العسكري /الشيخ عزيز اللَّه العطاردي /باب /17ح 5
((( مسند اإلمام العسكري /الشيخ عزيز اللَّه العطاردي /باب / 9ح 4
16 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
المكر الإلهي
الل َخ ْ ُ
الل ۖ َو َّ ُ ََ َُ ََ َ
ك َر َّ ُ
ي المكر في القرآن الكريم ورد كصفة للخالق والمخلوق﴿ومكروا وم
ين﴾((( ،وان وصف اللَّه نفسه بانه ماكر بل خير الماكرين ربما ح ّيرت الكثيرين ،الن ال ْ َماكِر َ
ِ
المتعارف في االستعمال ان المكر ليست صفة ممدوحة ،فالمكر عند اهل اللغة هو خداع الغير
بحيلة ،حتى ان العالمة آنشتاين في محاولته للحصول على نظرية كل شيء من خالل ربط
نظريته «النسبية» مع نظرية «الكم»قال «ان الرب ذكي لكنه ليس ماكر» ،لكن بعد ان ارهقته هذه
المحاولة ولم يصل الى نتيجة فيها حتى آخر عمره قال «لقد غيرت رأيي فعلى ما يبدوا ان الرب
ماكر»((( .
علينا ان نفهم ان كل شيئ يُنسب الى اللَّه يجب ان يكون في محله وصحيح وجميل
بانتسابه اليه ،عكس اإلنسان اذا نُسبت إليه االشياء ،فاما ان تكون جميلة أو قبيحة ،صحيحة
أو خاطئة ،فمثالً الغضب يكون مذموم اذا كان من صفات اإلنسان ولكنه اذا نسب الى اللَّه
يكون مهيباً ،والمكر اذا نُسب الى اإلنسان ربما يكون اشارة للذم والخداع كما تقول هذا ثعلب
مكار ،ولكن اذا نسبته الى اللَّه يعني االتقان في اظهار االشياء المخفية ،فالمكر عند اللَّه بمعنى
االستدراج حتى يقع العاصي في شر اعماله ،يقول اإلمام علي« التكبر على المتكبر فضيلة»
ومع ان التكبر صفة سيئة لكن استخدامه ضد المتكبر نفسه يسمى فضيلة ،وكذلك المكر فهو
عند الناس صفة سئية لكن استخدامه ضد الماكر فضيلة.
ولكن هناك بعض الصفات تبقى قبيحة في كل األحوال كالكذب ،فهي ت ُنسب لإلنسان فقط
وال يمكن ان ت ُنسب للَّه ،وكذلك الفقر اذا نُسب لإلنسان العادي فهو شيء ُمشين ،واذا نسبته
لألنبياء كان فخرا ً ومنها قول رسول اللَّه« الفقر فخري» ،وال يمكن ان ينسب للَّه النه الغني
وعباد الفقراء.
((( آل عمران54/
(( ( كون آنشتاين /ميشيو كاكو
������������������ 17
((( المطففين26/
18 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
والمحاضير عند اهل المعاجم هو الشديد العدو وهو ينطبق على معنى المستعجل ايضا،
ولكني هنا اتسائل ،اال ترون ان كل هذه الصفات «الرويبضة -التافه -الفاسق -المحاضير -
المستعجلون» تنطبق على من يتكلم هذه االيام في الفيس بوك.
من هو «�سفيهنا»
عن اإلمام الصادق في كالمه عن احوال نبي اللَّه إبراهيم قال« ثم استجاب اللَّه
ْ ُ َ َ ّ َ
ت ۖ﴾((( ،وهذه آية متشابهة ومعناها انه سأل عن ب أرِ ِن كيْ َف تْي ال َم ْو َ ٰ دعوته حين قال ﴿ر ِ
ِ
وجل ،متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب وال عرض في ّ الكيفية ،والكيفية من فعل اللَّه ع ّز
َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ََ
وجل ﴿أولم تؤمِن ۖ قال ب ٰل﴾((( ،هذا شرط عام لمن آمن به متى ّ توحيده نقص ،فقال اللَّه ع ّز
وجلّ ُسئل واحد منهم ،اولم تؤمن وجب ان يقول :بلى ،كما قال إبراهيم ولما قال اللَّه ع ّز
ََ ْ ُ َّ ُ َ ُ َ
ك ْم ۖ قالوا بَ ٰل﴾((( كان اول من قال بلى محمد فصار لجميع ارواح بني ادم ﴿ألست بِرب ِ
بسبقه إلى بلى سيد األولين واالخرين وافضل النبيين والمرسلين فمن لم يجب عن هذه المسألة
َ َ َ ْ َ ُ َ ّ َّ ْ َ َ َّ
ِيم إِل َمن َسفِ َه بجواب إبراهيم فقد رغب عن ملته قال اللَّه عز وجل﴿ومن يرغب عن مِلةِ إِبراه
َ ْ َ ُ ((( (((
نفس ۚه﴾ »
َ
للفظة السفيه في القرآن الكريم عدة مدلوالت ومعاني منها الجاهل كما في قوله تعالى﴿ َول
ُّ َ َ َ َ ْ َ َ ُ ُُْ
ك ُم﴾((( ،والسفيه عند اهل اللغة هو الذي يذر ماله في ما ال ينبغي ،و هو تؤتوا السفهاء أموال
الجاهل ،وهو الفظاظة ،وهو الحمق ،وهو خفة العقل ،او الخفة في كل شيء ،اال ان كالمنا
يدور حول معنى للسفيه نستشفه من الحديث مورد الكالم.
َ ََ ْ ُ َّ ُ
ك ْم ۖ﴾ ،فمن قال﴿بَ ٰل﴾ كان على ملّة فعندما جائهم النداء في عالم الذر﴿ألست بِرب ِ
التوحيد ،وهي الملّة التي جاء بها إبراهيم ،ومن لم يقل بلى لم يكن موحدا ً وال على ملّة
َْ َ َ َ ْ َ ُ َ ّ َّ ْ َ َ َّ
ِيم إِل َمن َسفِ َه نف َس ُ ۚه﴾ ،فالسفيه إبراهيم وهو«السفيه» ومن هنا قال ﴿ومن يرغب عن مِلةِ إِبراه
حسب المعنى الذي يذكره الحديث هو الخارج عن ملّة إبراهيم وصاحب االجابة الغير موفقة
في عالم الذر ،فانقسم الناس هناك إلى موحدين وسفهاء ،فهناك معنى للسفاهة في الدنيا ومعنى
آخر في عالم الذر يذكره الحديث .وبما ان رسول اللَّه هو اول من اجاب ببلى في عالم الذر
((( الروم40/
((( العنكبوت64/
((( الكافي /كتاب التوحيد /باب العرش والكرسي /ح335
((( العرش في اللغة جاء بمعنى سرير الملك ،وسقف البيت ،ورئيس القوم ،والخيمة ،وعش الطائر ،ويقال للفلك التاسع
الذي هو اعلى من فلك البروج بانه عرش النه مثل السقف للعالم كله ،وجاء في اخبار آل محمد معاني كثيرة للعرش
منها المشيئة والعلم والملك ومظهر الرحمانية والعقل والقلم والدين وسقف الجنة.
ةايحلاو توملاو قزرلاو قلخلا 23
واالحاطة لها معنيان ،األولى :االحاطة بالمعنى الهندسي كما تحيط الدائرة بما في داخلها،
والثاني :احاطة بمعنى المعرفة فمن احاط بشيء عرف كل تفاصيلة ،وهذا المعنى هو االكثر
شيوعاً في األحاديث كون العرش هو العلم الذي من يحمله يحيط معرفة بكل االشياء ،والعرش
كمعنى اخر يُطلق على نهاية كل عالم كلي يُحيط علماً بكل حيثيات ذلك العالم،وهو مقام
االجمال ،والذي يسميه الحكماء«الفلك االطلس» ،والعرش هو سقف كل عالم ،كما يقال
«عريش العنب» النه يعلوه ويغطيه ،او هو اعلى مقام في كل عالم ،والعرش هو كل ال ُملك وهو
بمعنى السيطرة والتملك ،وبما ان العوالم متعددة فيتعدد مفهوم العرش بتعدد العوالم.
فاول العوالم الكلية هو عالم الجبروت ووقته السرمد وعرشه المشيئة التي خلقها اللَّه بنفسها
وهي ُمحيطة بكل ذلك العالم بل بكل العوالم ،الن المشيئة هي اول المراتب الوجودية ،وهي
ينبوع علل االشياء ،فالحقيقة المحمدية هي عرش هذا العالم.
وثاني العوالم الكلية عالم الملكوت ووقته الدهر ونهايته عرش الملكوت ،وهو الذي
ُ ََ ْ َ َ
تقول عنه األحاديث «الجنة سقفها العرش» ،وهو قوله تعالى﴿ َوكن َع ْرش ُه ع ال َماءِ﴾(((والماء
هو العلم ،فالعرش هنا هو محل ذلك العلم وهو الذي يسموه «فلك المنازل» وهي الحروف
التكوينية الدهرية واالبداع الثاني ومقام التفصيل الذي منه تفصلت االشياء ،والحقيقة العلوية
هي عرش هذا العالم.
وثالث العوالم الكلية عالم الزمان وعرشه المحيط به هو قلب المعصوم الذي تنزل عليه
االوامر في ليلة القدر ،وهو المعني باألحاديث بقولهم «قلب المؤمن عرش الرحمن» ،فكل
معصوم من األئمة االثنا عشر في زمانه هو عرش عالم الزمان ،اما االن فعرش عالم الزمان هو
صاحب الزمان وعليه تنزل االوامر في ليلة القدر.
َ َ َ ُ ْ ُ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َّ ُ ُ ُ َّ ُ َّ
يتك ْم الل الِي خلقكم ثم رزقكم ثم ي ِم واالركان األربعة للعرش يجمعها قوله تعالى﴿
ُ َّ ُ ْ ُ
يك ْم ۖ ﴾وهي «ركن الخلق ،ثم ركن الرزق ،ثم ركن الممات ،ثم ركن الحياة» وكل واحدة ثم يي ِ
تمثل نور من األنوار األربعة «االبيض و واألصفر ،واألخضر ،واالحمر» التي ذكرها الحديث
عن اإلمام علي اعاله ،واألنوار األربعة هي الحقائق الجبروتيةلالربعة العالين وعلل االشياء
وهم «محمد وعلي والحسن والحسين» عليهم افضل الصالة والسالم ،وتحت كل نور ملك من
المالئكة األربعة وعنصر من عناصر التخليق كما في الجدول ادناه.
والعرش كما قلنا منظومة كونية وهو في كل عالم العلم المحيط في ذلك العالم ،ففي
عالم الجبروت العلم المحيط عند األنوار األربعة للعالين ،وكلما نزلت العوالم رتبة ظهرت
اربعة مفاهيم تتناسب مع طبيعة كل عالم حاملة لركن من اركان العرش في ذلك العالم ،فيكون
المالئكة األربعة «ميكائيل واسرافيل وعزرائيل وجبرائيل» هم وسائط االمداد لكل عالم حسب
مقتضيات ذلك العالم ،فهم في عالم الجبروت جبروتيين وفي عالم الملكوت ملكوتيين وفي
َ ْ َ ً ََ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ً َّ َ ْ
ل َعل َناهُ َر ُجل َوللبَ ْس َنا َعليْ ِهم َّما يَلب ِ ُسون﴾((( ،وتحت كل عالم الزمان زمانيون ﴿ولو جعلناه ملك
ملك طبيعة من الطبائع األربعة ومنها يتكون عالم الطبائع ،وتحت كل طبع عنصر من العناصر
ومنه يتكون عالم العناصر وهكذا إلى اخر مراتب الوجود.
ومن هذا التصور تالحظ ان ركن الحياة من مختصات اإلمام الحسين وال حياة اال مع
الحسين النه هو الجنة وهو الحياة.
((( مريم93/
26 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ذا الكفل
الصابر َ ْ َ َ ْ َ َ َ ْ ْ ُ ٌّ
ك ّم َِن َّ
ين﴾(((. ِِ قوله تعالى﴿ِإَوسماعِيل ِإَودرِيس وذا الكِف ِل ۖ
َ
ْ ْ ُ ٌّ َ ْ ْ َ ْ ْ ُ
قوله تعالى﴿ َواذك ْر إ ِ ْس َماعِيل َوال َي َس َع َوذا الكِف ِل ۖ َوك ّم َِن الخ َيارِ﴾(((.
هناك اختالف عند المفسرين في تحديد شخصية ذي الكفل ،واكثرهم يذهب إلى انه من
أنبياء بني إسرائيل النه ورد في سياق الكالم مذكورا مع األنبياء ،ويقول البعض انه «الياس»
المسمى«ايليا» ،وقيل انه خليفة اليسع ،وقيل انه عوبديا الذي له كتاب من كتب أنبياء اليهود،
ويعتقد البعض انه ليس نبي بل رجل صالح ولم يذكر القرآن الكريم قصته فغاية ما ذكره انه من
الصابرين ومن االخيار.
ويبقى السؤال من هو ذا الكفل؟
ما يجول في ذهني ان ذا الكفل في احد هاذين الموردين هو «ابو طالب» لالسباب التالية:
- 1قوله اإلمام الصادق«ان في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن كانت فيه اسماء
الرجال فالقيت انما االسم الواحد منه في وجوه ال تحصى يعرف ذلك الوصاة»(((.
فاالسماء في القرآن الكريم بداللة الحديث«في وجوه ال تحصى» ،فيمكن لالسم الواحد
ان يشير إلى عدة شخصيات ،كما في الدليل الروائي التالي ،فاسم إسماعيل في مورد قرآني
الذي يعتقد البعض انه ابن إبراهيم اال انه إسماعيل بن حزقيال.
عن يزيد بن معاوية العجلي قال :قلت ألبي عبداللَّه :يا بن رسول اللَّه أخبرني
َ َّ
اب إ ِ ْس َماعِيل ۚ إِن ُه عن إسماعيل الذي ذكره اللَّه تعالى في كتابه حيث يقول﴿ َواذْ ُك ْر ف الْك َ
ِت
ِ ِ
ً َّ َ ْ ْ َ َ َ َ
كن َصادِق ال َوع ِد َوكن َر ُسول نب ِ ًّيا﴾((( ،أكان إسماعيل بن إبراهيم ؟ فأن الناس يزعمون أنه
إسماعيل بن إبراهيم .فقال«إسماعيل مات قبل إبراهيم وأن إبراهيم كان حجة للَّه
قائماً صاحب شريعة فإلى من أرسل إسماعيل إذاً»؟ قلت :فمن كان جعلت فداك ؟ قال :
((( األنبياء85/
((( ص48 /
((( تفسير العياشي
((( مريم٥٤ /
لفكلا اذ 27
«ذاك إسماعيل بن حزقيال النبي ،بعثه اللَّه إلى قومه فكذبوه وقتلوه وسلخوا وجهه ،فغضب
اللَّه تعالى عليهم فوجه إليه سطاطائيل – ملك العذاب -فقال له :يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك
العذاب وج ّهني رب العزة إليك ألعذب قومك بأنواع العذاب أن شئت .فقال له إسماعيل :ال
حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل .فأوحى اللَّه إليه :ما حاجتك يا إسماعيل؟ فقال إسماعيل:
يا رب أنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد بالنبوة وألوصيائه بالوالية وأخبرت خير
خلقك بما تفعله أمته بالحسين بن علي من بعد نبيها ،وأنك وعدت الحسين أن تُـ ِك َّره إلى
الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به ،فحاجتي إليك يا رب أن تُك ّـرني إلى الدنيا حتى أنتقم
وجل إسماعيل بن حزقيل ذلك فهو ممن فعل بي ما فعل كما تُكر الحسين .فوعد اللَّه ع ّز ّ
(((
يك ّـر مع الحسين بن علي.»..
- 2األحاديث تقول ان هناك أنبياء ُمستعلنين وأنبياء ُمستخفين والمتابع يالحظ ان ُجملة
األنبياء ال ُمستعلنين المذكورين في القرآن هم من بني يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم ،اما
المستخفين فهم من بني إسماعيل ابن إبراهيم فلم يذكر القرآن الكريم واحد من األنبياء من
ساللة إسماعيل اال رسول اللَّه ،فيكون جملة اجداد رسول اللَّه إلى إسماعيل هم من
األنبياء المستخفين كما اثبتناه في كتابنا «المزايلة» فراجح ،فيكون ابو طالب نبي ،والموردين
القرانيين اعاله فيهما ذكر إلسماعيل مع ذا الكفل مما يوحي بعالقة بنحو ما ،اذ البد من وجود
رابط معين لكي يُذكرا بسياق واحد.
- 3ليس بالضرورة ان يكون ذا الكفل شخص واحد فقد ذكرت الرواية السابقة ان إسماعيل
ً َّ َ ْ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ
اب إ ِ ْس َماعِيل ۚ إِن ُه كن َصادِق ال َوع ِد َوكن َر ُسول نب ِ ًّيا﴾((( انه
في قوله تعالى ﴿واذكر ِف الكِت ِ
إسماعيل بن حزقيال وليس إسماعيل بن إبراهيم .
- 4يمكن ان يكون «ذا الكفل» لقب وليس اسم كما ان «ذا النون» لقب لنبي اللَّه يونس،
و«ذا القرنين» لقب لشخص اسمه عياش ،كما ان «ابو طالب» كنية ،وهناك جملة من آيات
القرآن الكريم ذكرت اشخاص بعناوين خاصة وتكفلت المرويات ببيان اسمائهم الحقيقية ،كما
َ ْ ْ
اب﴾((( ،الذي قالت عنه األحاديث انه اصف بن برخيا ِ ِندهُ عِل ُم الك َِت
في قوله تعالى﴿ َو َم ْن ع
َّ َّ ْ َّ
وصي نبي اللَّه سليمان ،وقوله ﴿ َو َعل ْم َناهُ مِن ُلنا عِل ًما﴾((( ،الذي تقول عنه األحاديث انه
ْ َ ْ َ َ ُُْ َ َ
يمان ُه﴾((( الذي تقول عنه األحاديث َ َ َ َ ُ ٌ ُّ ْ ٌ ّ ْ
الخضر ،وقوله ﴿وقال رجل مؤمِن مِن آ ِل ف ِرعون يكتم إ ِ
ان حزقيل مؤمن ال فرعون.
- 5وعلى االرجح ان يكون «ذا الكفل» عنوان ،اي كل شخص يكفل نبي او شخصية
عظيمة البد ان يسمى «ذا الكفل» ،وعلى موجب هذا الموقف فيمكن ان يكون لقب زكريا«ذا
َ َّ َ َ
الكفل» النه كفل مريم﴿ َوكفل َها َزك ِر َّيا ۖ﴾((( ،ويمكن ان يكون ابو طالب «ذا الكفل» النه كافل
اليتيم محمد ،ونتيجة هذه الكفالة العظيمة يسمى ذا الكفل ،وقد ورد في كتاب سرائر واسرار
النطقاء «ان ابي طالب اسمه عمران وعبد مناف وذو الكفل .....فسمي ابو طالب ذو الكفل
(((
لكفالته محمد»
- 6ال ادري لماذا ورد ذكر «ادريس» في مورد األنبياء بعد إسماعيل علما ان ادريس من
أنبياء ما قبل الطوفان ،وال ادري ما هي الوحدة الموضوعية بين هؤالء األنبياء الثالثة«إسماعيل
وادريس وذا الكفل» مع وجود الفارق الزمني الكبير بينهم ،وإذا اخذنا بنظر االعتبار الحديث
الذي ذكرناه حول االسماء في القرآن «االسم الواحد منه في وجوه ال تحصى» ،والخبر الذي
يقول ان ادريس ُس ّمي ادريساً «لكثرة دراسته الكتب» إذا المعروف ان لدى ادريس عشرات
الكتب ،عن رسول اللَّه«انزل اللَّه على ادريس ثالثين صحيفة»((( ،فمن الراجح ان هناك
اكثر من ادريس إذا قلنا ان ادريس ليس اسم علم بل هو لقب لكل من تعمق في دراسة الكتب،
جح ان ادريس لقب وليس اسم، وخصوصا ان ادريس ما قبل الطوفان اسمه «اخنوخ» مما يُر ّ
فيمكن القول ان هناك عالقة ربط نسبية بين «إسماعيل وادريس وذا الكفل» إذا اعتبرنا ادريس
في هذه اآلية ليس اخنوخ ما قبل الطوفان.
((( غافر28/
((( آل عمران37/
((( سرائر واسرار النطقاء /تاليف الداعي جعفر بن منصور اليمن /تحقيق وتقديم الدكتور مصطفى غالب/
((( قصص األنبياء /السيد نعمة اللَّه الجزائري /الباب الثاني /في قصص ادريس /ص 85
�������� 29
�أم القرى
عن أمير المؤمنين«ان اللَّه خلقنا فاكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا امناءه وحفظته وخزانه على
ما في السماوات وما في األرض وجعل لنا اضداداً واعداءاً فسمانا في كتابه وكنى عن اسمائنا
باحسن االسماء واحبها اليه تكنية عن العدو ،وسمى اضدادنا واعداءنا في كتابه وكنى عن
اسمائهم وضرب لهم االمثال في كتابه في ابغض االسماء اليه وإلى عباده المتقين»(((.
داللة الحديث واضحة كون اللَّه سمى آل محمد في القرآن الكريم باحسن االسماء
واحبها اليه ولكنها تكنية عن العدو لكي ال يعرفها إلَّ المؤمنين ،وكذلك الحال مع اعدائهم
حيث كنى عن اسمائهم بابغض االسماء ،وان عملية معرفة اسماء آل محمد وكناهم في
القرآن الكريم ليست بالصعوبة التي قد يتصورها البعض الن جملة من األحاديث بينت هذه
االسماء.
َّ َ َ َ ُ ٌ َ ُ ّ َ
ِك ق ْو ٍم َها ٍد﴾(((،
عن ابا بصير قال :قلت البي عبد اللَّه قوله تعالى ﴿إِنما أنت منذِر ۖ ول ِ
فقال«رسول اللَّه المنذر وعلي الهادي ،يا ابا محمد هل من هاد اليوم؟» قلت :بلى
جعلت فداك ما زال منكم هاد من نور هاد حتى ُرفعت اليك ،فقال«رحمك اللَّه يا ابا محمد لو ُ
كان إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت اآلية ،مات الكتاب ،ولكنه حي يجري
فيمن بقي كما جرى فيمن مضى»(((.
والحديث واضح كون المنذر من اسماء رسول اللَّه والهادي من اسماء أمير المؤمنين.
عن محمد بن الفضيل قال :قلت البي الحسن الرضا :اخبرني عن قول اللَّه ع ّز
َ َّ ْ ُ َ ّ اتل َ َّ ْ ُ
و ّ َ ّ
ون﴾ الحسن والحسين»، ون﴾((( إلى اخر السورة ،فقال«﴿و ِاتل ِني والزيت ِ
ِني والزيت ِ جل﴿و ِ
ِني﴾((( ،قال«ليس هو طور سنين ولكن طور سيناء» ،قال :فقلت وطور سيناء، فقلت ﴿ َو ُطور سِين َ
ِ
َ َ َ ْ َ َْ
ِني﴾((( ،قال «هو رسول اللَّه امن ِ ل الم فقال«نعم هو أمير المؤمنين ،»قلت ﴿وهٰذا الَ ِ
ْ َ َْ َ َ َ ْ ََ ْ َ ََْ
يم﴾((( ،قال«ذاك ابو النسان ِف أحس ِن تقوِ ٍ الناس به من النار إذا اطاعوه» ،قلت﴿:لقد خلقنا ِ
فصيل حين اخذ اللَّه الميثاق له بالربوبية ولمحمد بالنبوة ،والوصيائه بالوالية فأق ّر وقال
َ ((( َ ُ َّ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ
نعم اال ترى انه قال ﴿ثم رددناه أسفل سافِل ِني﴾ يعني الدرك االسفل حين نكص وفعل بآل
محمد ما فعل.(((»....
واألحاديث التي ص ّرحت باالسماء بهذا المعنى كثيرة ال نستطيع استقصائها جميعا ،ولكن
هناك اسماء آلل محمد في القرآن بحاجة لتدبر وقرائن لمعرفتها ،وقد اشار إلى هذا المعنى
اإلمام الصادق بقوله «لو قرأ القرآن كما انزل اللفيتمونا ُمس ّمين» ،وقوله «لو تدبر شيعتنا
القرآن أللفيتمونا ُمس ّمين» ،وهنا سنحاول التدبر بايتين قرآنيتين كريمتين الستخراج احد هذه
االسماء كما افهم.
ُ ار ٌك ُّم َص ّد ُِق َّالِي َب ْ َ نز ْلَاهُ ُم َب َ َ
َ
ى َو َم ْن َح ْول َها ۚ ي يَ َديْهِ َولِ ُنذ َِر أ َّم الْ ُق َر ٰ قوله تعالى﴿ َو َهٰ َذا ك َِت ٌ
اب أ َ
ُ ُ َ َ ُ ْ َ َٰ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ْ
ع َصلت ِ ِه ْم يَاف ِظون﴾(((. ِين يُؤم ُِنون بِالخ َِرة ِ يُؤم ُِنون بِهِ ۖ وهم وال
ْ ُ َ
ى َو َم ْن َح ْول َ َها َوتُنذ َِر يَ ْو َم َ
ال ْمعِ ك قُ ْرآنًا َع َرب ًّيا ّ ِلُنذ َِر أ َّم الْ ُق َر ٰ َ َ َٰ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ
قوله تعالى﴿وكذل ِك أوحينا إِل
ِ
َّ ْ َ َّ َ َ ٌ َ ٌ َ َْ َ
ري﴾(((. ل ريب فِيهِ ۚ ف ِريق ِف الن ِة وف ِريق ِف الس ِع ِ
ُ
ى َو َم ْن َح ْول َها﴾ قد تكرر في كال اآليتين،
َ الحظ هنا ان ال ُمركّب اللغوي﴿ ّ ِلُنذ َِر أ َّم الْ ُق َر ٰ
ومتابعة اولية للتراكيب اللغوية القرآنية التي تتكرر يُرجح ان كل ُمركّب لغوي قرآني يتكرر مرتين
ال يعني انه يشير إلى موضوع واحد ،بل كل ُمركّب في سياق معين يشير إلى داللة ثانية ليست
كداللته في الموارد االخرى((( ،وبما ان القرآن كما يصفه المعصوم كونه «يجري مجرى
الشمس والقمر» فالبد ان هذه التراكيب اللغوية لها معاني باطنة تتناسب مع حركة بواطن القرآن
لقد ورد معنى القرى كونها رجال في كثير من موارد القران الكريم منها قوله تعالى«وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا» فالقرى
كابنية بحد ذاتها ال تظلم ولكن من يسكن فيها من الناس يظلم فسماهم هنا قرى وهم ناس ،وقوله تعالى«وكذلك اخذ
ربك إذا اخذ القرى وهي ظالمة» وقد قال اإلمام السجاد « ان القرى رجال» ،وقد قال في عدة مواضع «اهل القرى» كما
في قوله تعالى««اتيا اهل قرية استطعما اهلها» فهنا يحدد ان لهذه القرية اهل اما الموارد التي ليس فيها اهل فهي رجال.
((( الرعد7 /
32 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ك ْالَقْ َرب َ
ني﴾
((( ََ ْ َ ََ َ
خاص لعشيرته االقربين ثم لعموم الناس ﴿وأنذِر عشِ ريت
ِ
(فام القرى في مورد االنعام على الباطن هي موالتنا فاطمة الزهراء عليها السالم ،والذين
َ (((
َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ َّ َ ّ ْ َ ُ َ َ
ب ال َعال ِمني﴾
حولها هم ابنائها القرى المباركة ﴿بورِك من ِف انلارِ ومن حولها وسبحان اللِ ر ِ
فارجوا االنتباه لالشارة وال تقتصر على العبارة).
الذكر الغائب
وردت لفظة «ذكر» في القرآن الكريم بعدة اشتقاقات مثل«ذكرى» و«ذكري» و«يذكرون»
ََ َْ
نزلَا وغيرها ،ولها عدة مدلوالت في االستخدام القرآني ،وقد وردت بمعنى القرآن كما في قوله﴿وأ
َ ْ َُ َ َْ ّ ْ اذل ِْك َر لِ ُبَ ّ َ
َْ َ ّ
اسألوا أهل ِاذلك ِر إِن اس﴾((( ،وقد ورد ان لهذا الذكر اهل كما في قوله﴿ف ي ل َِّلن ِ ِ إِلك
َ ْ َ َ َ ُ َّ َ َ ْ َ َ ُك ُ
نت ْم ل تعل ُمون﴾((( ،ووردت بمعنى شخص مخصوص كما في قوله تعالى ﴿قد أنزل الل
ً ُْ َّ ُ َ ّ َ ً ُْ ََ ُ ْ َ ُ
ات﴾((( ،فهو ع ّرف «ذكرا» كونه ﴿ َّر ُسول َيتلو إِلْك ْم ذِك ًرا َّر ُسول َيتلو عليْك ْم آيَ ِ
ات اللِ مبيِن ٍ
َّ ُ َ ّ َ ََ ُ
ات﴾ ،فال يمكن ان يكون الذكر في هذا المورد بمعنى القرآن الن القرآن ات اللِ مبيِن ٍ عليْك ْم آيَ ِ
كتاب والكتاب ال يقوم بعملية التالوة بل الشخص هو الذي يتلوا ،فهذا «ذكرا» هو شخص
صفاته انه «رسوال» و«يتلوا» وهو شخص الرسول الكريم عليه وعلى آله أفضل الصالة والسالم
عن اإلمام الرضا«قال في حديث مجلس المأمون» قال«الذكر رسول اللَّه ونحن
َ َ َّ ُ َّ َ ُ
اب الل يَا أول ْال ْلَ أهله وذلك ب ّين في كتاب اللَّه عز وجل حيث يقول في سورة الطالق ﴿فاتقوا
ِ ِ َّ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ ْ
َّ
اللِ ُم َب ّي َ َ ْ َّ ُ ً َ ْ ُ َ َ ْ ُ ً
ات﴾ قال«:فالذكر ن
ِ ٍ ات
ِ آي م ك ي ل ع ول تي ول سر ار ِك الِين آمنوا ۚ قد أنزل الل إِلكم ذ
رسول اللَّه ونحن اهله»(((.
ُ َََ ْ
ض ُب َعنك ُم المعنى للفظة الذكر كونه شخص يمكن التأمل في قوله تعالى﴿أفن ِ ومن هذا
َ ْ ُّ ً ْ َ ْ ُ ُ ّ ْ َ ْ ً َ
سفِني﴾((( ،وان كان الغالب في كتب التفسير ان الذكر في هذه َ
اذلِكر صفحا أن كنتم قوما م ِ
اآلية هو القرآن بمعنى «افحسبتم ان نترككم بال تذكير او بال حساب او عقاب».
والحقيقة ان هذه التركيبة اللغوية لآلية عندي ُمح ّيرة ،ولكن لو جرينا وراء المعاني المتعددة
للفظة «الذكر» وقلنا ان الذكر له اهل بداللة االية ،وان الذكر قد تعني شخص بداللة اآلية
والحديث اعاله ،فكل شخص من األئمة هو ذكر ،ويكون هذا المورد على الباطن خاص
باإلمام المهدي ،فيكون الضرب هنا بمعنى الغيبية اي اتحسبون اننا نقطع نور االمامة ان كنتم
((( النحل44/
((( النحل43/
((( الطالق11 - 10/
((( عيون اخبار الرضا /ج /1ص /216ح ،1تفسير البرهان /ج / 8ح / 2ص 45
((( الزخرف 5 /
34 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
((( راجع كتابنا «نجم يتقلب في اآلفاق» ،وكتابنا «ايام اللَّه» حول هذا الموضوع
((( الزمر69/
((( تفسير القمي/ج/2ص 224كذلك تفسير البرهان /البحراني /ج /6ص /565ح1
((( سرور اهل اإليمان /للنيلي النجيفي
((( روضة الواعظين ،264/2:أعالم الورى ،432:كشف الغمة256 /3 :
((( األيقاظ من الهجعة /الحر ألعاملي/باب/9ح /26ص 257وكذلك أرشاد المفيد381 :2 :
36 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
األول :قد يكون هذا النور وهذه االضاءة هو نور شخص اإلمام نفسه ،ولطالما ذُكر في
المرويات أنهم«نور اللَّه» ،وهذا شأن من شؤون اإلمامة خارج مداركنا.
الثاني :ربما العبارة تشير إلى أن األرض ستضاء «بعلم اإلمام» ،الن دول العدل اإللهي يظهر
بها سبعة وعشرون حرف من العلم ،فيكون هذا العلم خارج توقعاتنا ومعرفتنا الحالية.
ُفسر هذا األمر من خالل ما موجود في ايدينا من العلوم المتعلقة بقوانين الثالث :يمكن أن ن ّ
المادة وحاالتها ،باالنطالق من حديث اإلمام الرضا ....«وقد علم ذووا االلباب ان االستدالل
على ما هناك ال يكون اال بما هيهنا ،(((»...واللَّه جعل لكل شيأ سبباً ،فالبد أن علم اإلمام سيظهر
باألسباب ،وان كانت األحاديث تؤكد أن علوم دوله اإلمام اكبر مما نتخيله.
وما يجول في خاطري القاصر هو تحليل مرتبط بما نفهمه حالياً من قوانين الفيزياء الصرفة،
فالثابت علمياً أن كل مغناطيس تنبعث منه وت ُحيط به خطوط قوة تسمى الحقل المغناطيسي،
موصل نتجت الكهرباء ،وكذلك إذا م ّر تيار كهربائي في ّ وإذا تقاطع هذا الحقل مع معدن
مفصل ولها
سلك تولد المجال المغناطيسي ،وهذه الظاهرة مشروحة في كتب الفيزياء بشكل ّ
قوانين رياضية دقيقة لمعرفة تأثيراتها وخواصها ،فيمكن القول أن تطور العلوم في دولة اإلمام
المهدي المتعلقة بظهور سبعة وعشرون حرفاً من العلم يمكن من خاللها أنتاج الطاقة من
المجال المغناطيس األرضي نفسه ،فربما تُستثمر مغناطيسية األرض إلنتاج طاقة ال تنضب
من خالل تقاطع خطوط الفيض المغناطيس األرضي مع معادن خاصة ،وخصوصاً في زماننا
هذا تجري ابحاث جدا ً ضخمة اليجاد مصادر للطاقة بديلة عن النفط والفحم ،ومنها التجارب
األولية للحصول على طاقة كهربائية باستثمار امواج البحر نفسها.
وهذا التصور الذي اتكلم عنه استوحيه من أحوال المدينتين «جابلسا وجابلقا» التي ذكرتها
أحاديث آل محمد ،عن أبي عبد اللَّه قال أن الحسن قال«:ان للّه مدينتين أحداهما
(((
بالمشرق واألخرى بالمغرب عليهما سور من حديد»........
وكال المدينتين محاطتان «بسور من حديد» وهذه الميزة بالذات تثير تساؤل وهو :ما فائدة
وجود هذا السور؟ فأصل السور يوضع للحماية،وهل هناك أعداء يتربصون بهذه المدن فتم بناء
سور من حديد لحمايتها؟ وكيف يصح ذلك واألحاديث تذكر أنهم يعيشون بسالم بل هم في
حالة انتظار خروج القائم.
اعتقد «واللَّه العالم»أن فائدة هذا السور ليس للحماية ،بل هو نظام لتوليد الطاقة ،يمكن
من خالله أن تحيط نفسها بحقل طاقة جبار من كل مكان ،مثال ذلك ما تراه في األفالم العلمية
الحديثة كون هناك ُمدن ت ُحاط بدرع من الطاقة على شكل نصف كرة ،والحديث يسميها «مدن»
ولم يقل عنها أنها كواكب ،فهي بهذا المعنى جزء من كوكب ،فإذا تقاطعت مغناطيسية هذا
موصل والذي من المفروض ان يكون سور على ّ الكوكب مع سور الحديد الذي هو معدن
شكل دائرة ألنتجت الطاقة الكهربائية من المجال المغناطيسي لذلك الكوكب ،وبما ان المجال
المغناطيسي على شكل كرة او قبة فان حقل الطاقة سيكون بهذا الشكل يحيط بتلك المدن
ويضيء لهم ما في داخل القبة فال يحتاجون بعدها لضوء الشمس والقمر ،ولعل مفهوم القبة
الذي ورد في بعض األحاديث يشير إلى هذا المعنى،
ُسئل اإلمام ابي عبد اللَّه عن قبة آدم فقيل له :هذه قبة آدم؟ قال«نعم للَّه قبب كثيرة ،اما
(((
ان خلف مغربكم تسعة وثالثين مغربا ارضا بيضاء مملوءة خلقا يستضيئون بنورها»....
وال استبعد أن يكون النظام على األرض في دولة العدل مثل هذه األنظمة الطاقوية،
ض َب َ ُ
أن النص القرآني يؤكد وجود السور الفاصل بين أهل الجنة وأهل النار ﴿ف ِ وخصوصاً
َ ْ َ ُ ُ َّ
ُ َ ٌ (((
ور ل باب﴾ ،وبعض األحاديث التي ذكرناها عن الجنتان المدهامتان في كتابنا ايام بينهم بِس ٍ
اللَّه تشير إلى وجود أسوار حولها فراجع.
أما عبارة «يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر» ،فتشير بشكل مؤكد أن الواقع
الفلكي للشمس والقمر يختلف في تلك األيام،فحركة القمر مرتبطة بحركة األرض بالتبعية ،فإذا
ابطأت األرض بالدوران حول الشمس،أبطئ القمر بالدوران حول األرض،فإذا بطئت الحركة
االنتقالية بطئت بالتبعية الحركة الدورانية حول نفسها.
فإذا أكملت األرض دورتها حول الشمس بألف سنة مما تعدون ،فالقمر يبطئ من دورته
حول األرض بالتبعية ،وبما ان القمر حاليا يكمل « »12دورة حول األرض كلما دارت األرض
حول الشمس دورة واحدة ،فهذا معناه إذا دارت األرض حول الشمس بمدة ألف سنة مما تعدون،
البد وان القمر في هذه األلف سنة قد دار أيضا حول األرض« »12دورة فتكون مدة الدورة للقمر
حول األرض في ذلك النظام كالتالي:
« 83/3 =12 ÷12 1000سنة» وبهذا تكون منازل القمر الثمانية والعشرين طويلة جدا ً قد
تصل فترة كل منزل إلى أكثر من سنتين بقياساتنا الحالية.
وحسب هذه القياسات االفتراضية فان أهل الجنتان المدهامتان التي ستظهر في زمن اإلمام
المهدي في اخر الرجعات ال يرون من منازل القمر إال الهالل في بداية دورته ،والهالل
في نهاية دورته ،أو ربما ال يرونه بالمرة الن رؤية الهالل في أول منزلة وأخرها صعبة جدا ً،
وبهذا المعنى تكاد تكون رؤية القمر نهائيا معدومة لصعوبة رؤيته في أول يوم وفي أخر يوم من
الشهر،أما بقية المنازل فال يرونها ،فأهل الجنتان المدهامتان ال يرون الشمس وال القمر.
والحقيقة العلمية تؤكد ان القوة المغناطيسية للمغناطيس تكون اقوى عند االقطاب فمثال
خطوط الفيض المغناطيسي األرضي تنبع من القطب الجنوبي وتنتهي إلى القطب الشمالي،
فتكون القوة المغناطيسية لكوكب األرض اقوى عند القطب الشمالي والجنوبي وهنا امر مهم
نريد ان نصل اليه وهو انك إذا استعملت البوصله لتحديد جهة الشمال فان المؤشر دائما يشير
إلى جهة الشمال ،اما إذا وقفت في نقطة صدور فيض المجال المغناطيسي األرضي الشمالي او
الجنوبي عندها ستدور البوصلة في كل االتجاهات وتبقى تدور الن خطوط الفيض قد تساوت
عليه من كل الجهات.
ومن هنا يمكن القول ان عملية انتاج كهرباء من تقاطع خطوط الفيض في هذه النقاط
ممكنة إذا مرت هذه الخطوط من خالل حلقة من الحديد ،اي بما معناه على مستوى الفرض
انك لو بنيت سور من الحديد في منطقة الفيض المغناطيسي الشمالي او الجنوبي ستتمكن
من انتاج كهرباء ،مع فارق واحد ان احدهما سيكون جريان التيار الكهربائي فيه من اليمين إلى
اليسار واالخر من اليسار إلى اليمين حسب قاعدة اليد اليمنى في تحديد اتجاه التيار الكهربائي
المعروفة ،ولربما بُنيت هذه المدن «جابلسا وجابلقا» على هذا االساس العلمي.
هنا ستقول لي ان هذه المدن ذكرت األحاديث عنها انها في المشرق والمغرب بينما انت
تتكلم عنه من خطوط الفيض وقوتها هو في الشمال والجنوب؟
نحن هنا ال نتكلم عن مدن تقع على األرض بل في افاق اخرى ولكننا نستفاد من اجوائها
لفهم ما في ايدينا من علوم.
وهذه المدن موجودة حالياً بداللة األحاديث ،وربما هي قريبة م ّنا في اي نظام كوكبي قريب
من األرض ولكننا ال نراها ،اذ ربما حقل الطاقة الذي حولها يجعلها من الداخل مضيئة ومن
الخارج غير مرئية ،فإذا م ّر بقربها اي احد ال يراها ،كما هو حال «الزجاج الزئبقي» المستعمل
������������������������ 39
عندنا حاليا في صناعة الشبابيك ،فمن كان داخل الغرفة يرى الذي خارجها ،اما الذي خارج
الغرفة فال يرى الذي في داخلها ،فهي بهذا الحال ُمدن مخفية ،لذلك ورد في الحديث عن
اإلمام الصادق في احوال سكان هاتين المدينتين قوله «لهم طريق اعلم به من الخلق إلى
حيث يريد اإلمام.»
40 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ولعل كل الذين تمعنوا في أحاديث ظهور اإلمام المهدي قد استوقفتهم هذه األحاديث
مورد الكالم التي البد وان تجعل ُجملة من المعاني تدور في ذهن المتأمل ،وربما هذه الحالة
دافعها الفضول القوي الذي يتولد داخل كل انسان لمعرفة ما مكتوب في ذلك الكتاب الذي
محتواه يجعل خيرة أصحاب اإلمام المهدي يجفلون عنه اجفال الغنم ،وقد حاول الكثير فك
مرموزات هذه األحاديث واستنباط معنى ولو جزئي لمحتوى الكتاب الذي سيقرأه ،إال ان
كل المؤشرات تشير إلى انه موضوع ُمقفل وال يمكن فك شفرته إال في ذلك اليوم الذي يتكلم
به قائم آل محمد ويظهر اسراره ،والحقيقة ان قرأة كتاب من قبل القائم فيه اسرار ال ت ُحتمل
امر ليس فيه غرابة ،وخصوصاّ ان كل المنتظرين يعلمون ان ظهوره ال يخلوا من ظهور اسرار
كثيرة ،إال ان األمر ال ُمح ّير هو سلوك أصحابه وفرارهم عند سماعهم ذلك المحتوى ،مما يُعيدك
الصل الحيرة والرغبة في معرفة محتوى هذا الكتاب.
وعلى الرغم من وجود فارق مهم بين الحديثين كون الحديث األول يقول ان الكتاب
س ُيقرأ على أصحاب القائم ،فيما يقول الحديث الثاني انه سيقرأه على الناس ،إال ان الوحدة
الموضوعية بينهما ثابتة ،وخصوصاً ان كال الحديثين يتحدان في نفس المكان الذي هو منبر
الكوفة ،وان الجميع ينفر من حوله إال «الوزير واحد عشر نقيباً» ،ويمكن الجمع بين الحديثين
بالقول ان من حول القائم في ذلك اليوم هم أصحابه الخواص الثالثمائة وثالثة عشر ومعهم
عامة الناس ،فيكون الموقف واحد وردود األفعال واحدة ،فإذا ف ّر أصحاب المهدي كما يف ّر
الغنم فمن دونهم اولى بذلك ايضاً.
والذي اراه ان اي محاولة لمعرفة مضمون الكتاب ستؤدي بنا إلى تأويالت تعسفية والحل
االسلم عندي القول باحد امرين ،األول :هو الصمت والتوقف وايكال علم هكذا حديث إلى
قائم آل محمد نفسه لقولهم «ما جائكم ع ّنا ولم تفهموه توقفوا وكلوا علمه إلى العالم
من آل محمد ،»الثاني :ان من حق المنتظر ان يتأمل ويتفقه بالصعب من أحاديثهم صلوات
اللَّه عليهم إال ان الجزم بالقول بمعرفة فحوى الكتاب يحتاج إلى قرائن قوية لالثبات ،وإذا كان
الثالثمائة وثالثة عشر أصحاب اإلمام المهدي وهم صفوة الناس في ذلك الزمان سيفرون
عند سماعه فما بلك ببقية الناس امثالنا ،لذلك يجب ان نتأدب في قرارة انفسنا ونقول ان التدبر
والتفقه مسموح وممدوح إال انه ال يجعلك تصل إلى ادعاء معرفة الغيب نفسه ،والتفقه والتأدب
هنا هو ان تحوم حول معنى للحديث ،وإذا لم تصل إلى معنى تؤيده القرائن عليك بالتوقف
والقول«القول مني ما قال آل محمد »
42 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
والثاني :هو العبارة التي تخص هؤالء الثط كونهم«يفتح اللَّه على ايديهم الدين ويكونون
سبباً المرنا».
وهاذين العنوانين ال ينطبقان على المغول او السالجقة او البويهيين وكل مرحلة تاريخيه
سابقة مما يؤكد كون الحديث يشرح احداث ستقع في اخر الزمان تكون سبباً في بداية ظهور
امر القائم ،فمن هؤالء «الثط» وكيف سيكون دخولهم«سبباً المرنا».
وردت في األحاديث لفظتان متقاربتان هما«الزط» و«الثط»
الزط :او كما تسميهم بعض المصادر«السيابجة» وهم قوم جوالون يتنقلون من مكان إلى
اخر طلباً للرزق او هم «الغجر» ،وقد استُخدمت اللفظة لوصف المقاتلين المرتزقة ،والزط في
اللغة هو الخداع والمكر والدهاء ،ويمتاز لدى البعض بأحتوائه على عوامل اباحية ،فالمزطوط
هو الذي يقع عليه فعل الزط ،والزاطط هو الفائز وهو القائم بعملية الزط ،وهذه اللفظة عند
بعض الشعوب تعني شتيمة قاسية جدا بمعنى انه ينحدر من ساللة سيئة.
حل غجر ،او كما يسميهم اهل العراق«الكيولية» ،وهم ينحدرون
وبصورة عامة الزط قوم ُر ّ
من انساب مختلطة وليس لهم اصل واحد ،ومن مهاراتهم الرقص والغناء ،والتوجد بينهم
ضوابط اخالقية في العالقات الجنسية مما يعزز ضياع اصولهم الختالط اعراقهم.
اما الثط :قال الفيروز ابادي :الثط :الكوسج القليل شعر اللحية والحاجبين والمرد جمع
امرد وهو الذي ليس لبدنه شعر ،والثط الكوسج الذي ُعري وجهه من الشعر /الجوهري.
وكما هو واضح فان هذه الصفات «للزط والثط» التنطبق على المغول الذين اسقطوا
الخالفة العباسية فهؤالء لهم أحاديث خاصة تصفهم كونهم«صغار االعين -فطس االنوف -
وجوههم المجان المطرقة -ينتعلون الشعر».
والختالف صفات الزط او الثط عن صفات المغول يمكن ان نقول ان الحديث يشير إلى
حدث مستقبلي سيقع على اهل العراق من هؤالء الثط او الزط في اخر الزمان ،وهذه الصفات
كونهم«غجر -ذوي انساب مختلطة -وخليط من عدة اعراق -مقاتلين مرتزقة -يغلب عليهم
الطابع االباحي في عالقاتهم الجنسية -محبين للرقص والغناء» وكل هذه العناوين تنطيق في
الوقت الحاضر بشكل واضح على«األمريكان» الذين اجتاحوا العراق.
وعلى موجب هذا التصور سنتابع فقرات الحديث كونه يتحدث عن حدث مستقبلي.
- 1الحظ ان الحديث يحث الناس على الحج من قبل ان يُهدم مسجد في العراق النه على
44 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
مايبدو ان هدم هذا المسجد سيكون سبباً في انقطاع الحاج ويؤيده الحديث التالي.
عن رسول اللَّه هدم المنافقون مسجد بالمدينة ليالً فأستعظم أصحاب رسول اللَّه
ذلك فقال رسول اللَّه«ال تنكروا ذلك فان هذا المسجد يُع ّمر ولكن إذا هُدم مسجد براثا بطل
الحاج» ،قيل له واي مسجد براثا هذا ،قال«غربي الزوراء من ارض العراق صلى فيه سبعون
(((
نبياً ووصياً وآخر من يصلي فيه هذا واشار بيده إلى علي بن ابي طالب»
- 2عبارة «فويل لكم يا اهل العراق إذا جائتكم الرايات من خراسان».
هذه العبارة تخص اهل العراق وتحذرهم من ويل ياتيهم من رايات قادمة من خراسان ،وقد
يعتقد البعض ان العبارة تشيير إلى دخول تلك الرايات من خراسان ايام ابو مسلم الخراساني
والتي مهدت لصعود العباسيين لدفة الخالفة ،وهذا غير صحيح الن العبارة التي تليها تقول«الويل
الهل الري من الترك» ،وكما هو معلوم ان الري هي طهران حاليا وما يجاورها وهي على المعنى
السياسي حاليا إيران ،واليوجد خبر تاريخي يؤكد ان الترك تعرضوا للري ايام نشؤء الخالفة
العباسية ،ولوجود هذه العالقة بين العبارتين فمن المستبعد ان يكون الحديث يشير إلى رايات
ابو مسلم الخراساني ،علما ان نهاية الحديث تذكر ان كل هذه االطراف ستنال الويل من «الثط»،
وليس في ايام دخول رايات ابو مسلم من خراسان إلى العراق اي وجود او اثر «للثط» كما ان
الحديث يؤكد ان هذه الراية فيها الويل لقوله«الويل لكم يااهل العراق».
- 3الحديث يذكر عبارة مترابطة ومتصله مع بعضها وهي «وتظلكم الفتن من جميع اآلفاق
فويل لكم يا اهل العراق إذا جائتكم الرايات من خراسان وويل ألهل الري من الترك وويل ألهل
العراق من اهل الري وويل لهم ثم ويل لهم من الثط».
وهذا الحدث الذي تذكره العبارة وقع في تاريخنا المعاصر وال زلنا نعاني من اثاره،
فعبارة«وتظلكم الفتن من كل جانب» تخص اهل العراق فقد جائتهم الفتن من كل دول الجوار
بعد دخول«الثط» ارضهم عام« ،»2003وعبارة الفتن هنا ليست بحاجة لبيان فهي«مفخخات -
حرب طائفية -قتل على الهويه -انتهاك للمقدسات.».....
ثم يذكر الحديث صفات لهؤالء الثط التي تنطبق بشكل واضح على صفات األمريكان«اذانهم
كأذان الفار الصغير -لباسهم الحديد -كالمهم ككالم الشياطين -صغار الحدق -مرد جرد».
اما العبارة الهامة جدا في الحديث والتي تؤكد بشكل واضح ان الحديث يتكلم عن حدث
مستقبلي وهي عبارة تتعلق بهؤالء الثط وهي«وأولئك يفتح اللَّه على ايديهم الدين ويكونون
سبباً ألمرنا» ،وقد يعتبر البعض هذه العبارة غريبة إال انها اصابت كبد الحقيقة ،الن األحاديث
تذكر«ان الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه» ،وكذلك قولهم«ان اللَّه لينصر هذا الدين بالرجل
الفاسق» ،وقولهم «ان اللَّه إذا اراد ان ينتقم لنفسه انتقم بولية وإذا اراد ان ينتقم لولية انتقم له
بالظالم» ،وقولهم «ان اللَّه إذا اراد ان ُيظهر امراً سلّط عليه شرار خلقه» وغيرها من األحاديث
التي تؤكد نفس المعنى.
ولم نجد في تاريخ العراق على امتداده على الرغم من كثرة من احتله جهة كانت سبباً
في فتح الدين على ايديهم ،بل كل من احتل العراق ض ّيق عليه وعلى اهله سياسيا واقتصاديا
واجتماعيا وعقائديا ،ولكن األحداث التي جرت بعد دخول األمريكان إلى العراق كانت سبباً
واضحاً بان يتمتع شيعة العراق بحرية عقائدية واضحة في ممارسة طقوسهم الدينية ،وأمريكا
التستطيع منع هذا األمر النها دخلت تحت ستار الديمقراطية واحترام عقائد وتراث الشعوب،
وهذه الممارسات العقائدية الشيعية التي ظهرت بشكل كبير جعلت «الوعي الجمعي» عند
شيعة العراق يلتصق بشكل نادر مع عنوان «المهدي» ،وتبلور هذا الوعي بشكل لم يشهد له
تاريخ العراق مثيل اال بعد دخول القوات االمريكية للعراق ،وان الحرب الطائفية التي عمت
البلد لسنوات جعلت اإلنسان الشيعي يدرك بفطرته الشيعية من حيث يدري وال يدري بانه
مستهدف من كل الجهات ،فجعله نتيجة هذا الضغط ينتبه ويعود الصوله وجذوره العقائدية،
فادرك بالفطرة السليمة التي جلتها المصائب والويالت عليه على مر التاريخ ان خالصه الوحيد
هو بتبني مشروع اإلمام المهدي بعد ان «اظلتكم الفتن من كل اآلفاق» وهذا ادى بالضرورة
إلى نشوء جيل له هدف مركزي وهو المهدي وتوج هذا الوعي بشكل واضح وقوي من
خالل مشروع الحسينالمتمثل بالممارسة السنوية للماليين سيرا على االقدام ولعدة ايام في
ذكرى اربعينية اإلمام الحسين ،هذه الممارسة في الحقيقة هي مرحلة اعداد ضخمة الستقبال
خليفة اللَّه في ارضه ،فهي بيعة لالمل القادم والوالء لكل العناوين المقدسة التي جمعتها سفينة
الحسين ،فهم بهذه الشعيرة المقدسة«يطئون موطأ يغيض الكفار» ولهذا انتهى الحديث
بعبارة «ويكونون سببا المرنا»
46 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
- 3يمكن ترجيح احتمال ان السفياني المقصود في هذا الحديث ليس هو سفياني اخر
الزمان بل هو واحد من الخارجين من بني سفيان على الحكم العباس ،والتاريخ يذكر لنا جملة
من االمويين السفيانيين ممن خرجوا على بني العباس اثناء ملكهم.
ابن حجر قال«السفياني هو ابو المعيطر علي بن عبد اللَّه من ولد ابي سفيان بن حرب
(((
استغل القتال بين االمين والمأمون في بغداد فاستقل بدولة في الشام»
المدائني قال«كان في ولد ابي سفيان رجل به وضح ومرض ....انه قال انا السفياني الذي
يذهب ملك بني العباس على يديه»(((.
ومنهم الخارج على الخالفة العباسية«علي بن عبد اللَّه بن خالد بن يزيد بن معاوية بن
ابي سفيان ابن حرب بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف ابو الحسن االموي المعروف«بابي
العميطر» بويع بالخالفة بدمشق في والية االمين في ذي الحجة سنة .(((»195
«السفياني :االمير ابو الحسن«علي بن عبد اللَّه بن خالد بن معاوية بن ابي سفيان» القرشي
االموي الدمشقي ويعرف«بابي المعيطر» كان سيد قومه وشيخهم في زمانه بويع بالخالفة
بدمشق في زمن االمين»(((«وكان علي بن عبد اللَّه ابو المعيطر من ولد يزيد بن معاوية بن ابي
سفيان وكان بنو امية يروون فيه الروايات ويذكرون ان فيه عالمات السفياني وان اموره ال تتم اال
بكلب وانهم انصاره»(((.
وكذلك خروج ابو حرب المبرقع اليماني على الدولة العباسية في زمن المعتصم العباسي
ظهر في الشام وفلسطين سنة 277وزعم انه السفياني»((( ،فيما ذكر ابن االثير«ثم تحصن في
رؤوس الجبال وهو مبرقع ....فاتبعه على ذلك خلق كثير من الحرانيين وغيرهم وقالوا هذا هو
السفياني المذكور انه يملك الشام فاستفحل امره جدا واتبعه نحو مئة الف مقاتل فبعث اليه
(((
المعتصم»......
والحديث مورد الكالم مروي عن اإلمام الرضا الذي عاش« 203 - 148هـ» ،وكما
تالحظ ان بعض هؤالء قد ظهروا في زمن اإلمام الرضا وبعضهم بعد وفاته ،فيمكن ان يكون
السائل قد سئل عن احد هؤالء السفيانيين المتواجدين في عصره او ان اإلمام في جوابه
يقصد احدهم وليس سفياني اخر الزمان.
- 4اعتقد استنادا لقولهم «ان لنا في كل لفظة سبعون وجها ولنا في كلها المخرج» ،ان
في كالم اإلمام الرضا سر مخفي يتعلق بموضوع بني العباس والسفياني استشفه من خالل
ُ َ
معرفة نوع ودوافع الصراع بين قيادات الخير وقيادات الشر كما قال القرآن الكريم﴿ َو َي ْمك ُرون
ين﴾((( ،والمكر المنسوب إلى اللَّه هنا ليس االخذ غيلة بل تهيئة ي ال ْ َماكِر َ
الل َخ ْ ُ
الل ۖ َو َّ ُ ََْ ُ
ك ُر َّ ُ ويم
ِ
االمور بشكل سري لكي يقع المخالفين في شر اعمالهم ،وبما ان بني هاشم في صراع تاريخي
وعقائدي وفكري مع االمويين والعباسيين فما المانع ان يجعل األئمة الصراع بين االمويين
والعباسيين انفسهم ،فبني العباس اخذوا الملك من بعد بني امية والبد وان بني امية يعتبرون
بني العباس غاصبين لملكهم ،فالراجح ان صدور مثل هذه األحاديث من قبل المعصومين
يؤجج الصراع بينهم ،الن بني امية سيرون في هذا الكالم نبوءة في استرجاع ملكهم مما يجعل
االمل يرتفع لديهم في قتال بني العباس وهم يعلمون ان آل محمد ال يتكلمون اال بالحق،
فإذا سمعت قيادات االمويين ان اإلمام الرضا يقول ان السفياني يخرج وان ُملك بني العباس
ال زال قائماً فهم يفهمون منه امكانية تاريخية للثورة على بني العباس ،كما ان دولة بني العباس
قامت على نبوءات تتعلق برايات خراسان المشرقية ،واعتقد ان هذا الحديث اعد بهذا الشكل
وبهذه الصياغة للوقيعة بين بني امية وبني العباس لكي يخف شرهم على الشيعة ،فهذه تخريجة
نفهم منا عبارة اإلمام الرضا وقد ورد في بعض األحاديث ان في كالمهم ُ محكم ومتشابه،
عن اإلمام الرضا«ان في اخبارنا ُمتشابهاً كمتشابه القرآن ،و ُمحكماً ك ُمحكم القرآن ،فردوا
متشابهها إلى ُمحكمها ،وال تتبعوا متشابهها دون ُمحكمها فتضلوا»((( ،وورد انهم يفتون
االعداء بالضاللة التي ال هدى فيها،عمن حدثه من أصحابنا،عن ابي عبد اللَّه قال :جاء رجل
فلما نظر اليه ابو عبد اللَّه قال«اما واللَّه الُضلّ ًنه اما واللَّه الوهم ّنه» فجلس الرجل فسأله مسألة
فافتاه ،فلما خرج قال ابو عبد اللَّه«لقد افتيته بالضاللة التي ال هداية فيها»(((.
حديث اخر:
ولكن الحديث التالي سيعيدنا إلى اصل التساؤل ان ملك بني العباس سيتجدد في اخر
الزمان.
عن اإلمام الكاظم قال«لو ان اهل السماوات واألرض خرجوا على بني العباس لسقيت
األرض بدمائهم حتى يخرج السفياني» قلت :يا سيدي امره من المحتوم ،قال«من المحتوم
«ثم اطرق رأسه» وقال :ملك بني العباس مكر وخداع يذهب حتى لم يبقى منه شيء ويتجدد
حتى يقال ما مر به شيء»(((.
بالجمع بين الحديث مورد الكالم مع الحديث اعاله يمكن ان نستشف االمور التالية:
- 1ان الحديث األول مروي عن اإلمام الرضا والحديث الثاني مروي عن اإلمام الكاظم،
وقد قالوا « خذوا بما جائكم عن اخرنا» ،واألحاديث ينسخ بعضها بعضاً كما تنسخ اآليات
القرآنية بعضها بعضاً ،لذلك يمكن ترجيح القرائن المتعلقة بالحديث األول اكثر من القرائن
المتعلقة بالحديث الثاني.
- 2ورد عن األئمة في اكثر من مورد ان هذا األمر قد تأجل عدة مرات ،عن اإلمام الصادق
في وصيته لالحول المعروف بمؤمن الطاق قال«فواللَّه لقد قرب هذا األمر ثالث مرات فاذعتموه
فاخره اللَّه........وانتم قد قرب امركم فاخره اللَّه ،(((»....بمعنى ان هذا األمر قد كان من المقرر
له زمان معين لكن بسبب االذاعة تم تأجيلة ثالث مرات ،ومنه نستشف ان الموضوع كلما تم
تاخيره إلى اجل ثاني البد وان تجري عليه بعض االضافات «وليس التغييرات» ،فالعالمات
االساسية للموضوع ثابته مهما تغير الموعد ومنها النداء والصيحة والخسف وقتل النفس الزكية
التي تسميها األحاديث بالمحتومات ولكن ربما نتيجة هذا التغيير في الموعد تجري بعض
االضافات على الموضوع اما من باب البداء او من باب الناسخ والمنسوخ فتصدر أحاديث
جديدة كلما جرى تغيير في الموعد تتناسب مع هذا التغيير ،والراجح ان نوع االضافات على
الحدث ال يشمل المحتومات بل يشمل الفرعيات فمثال كان من المقرر ان يظهر السفياني
وسلطان بني العباس قائم اال ان التغيير في موعد هذا األمر نتيجة االذاعة ادت إلى ان يجري
البداء على هذا الموضوع فيمكن ان يخرج السفياني في اخر الزمان وبني العباس غير موجودين
مثال وهو ال يغير من مسار المحتومات شيء ،فربما كان من المقرر ان يظهر السفياني على ملك
بني العباس اال ان اذاعة هذا الخبر احدث تغيير في الموعد سحب معه توقيت ظهور السفياني
نفسه وهالك بني العباس انفسهم فجاء هوالكو فانهى وجودهم ولم يخرج السفياني في زمانهم
الن السفياني من المحتومات على خالف تجدد ملك بني العباس فهو من الفرعيات ،فهالك
بني العباس على يد السفياني إذا لم تذيعوا الخبر اما وانكم قد اذعتموه فمن الممكن ان ال
يخرج عليهم.
المقام والمرتبة
المقام والمرتبة لفظتان وردتا في األحاديث حالها حال الفاظ اخرى مثل «الدرجة -والمنزلة
-والمكانة» ،وتطلق عند الناس بدون اي ضابطة او ُمحدد ،والبد من نظرة اولية في مدلولهما،
واستقصاء موارد هذه األلفاظ ليس امر هين وتحديد مفهومها بحاجة لنظر مستمر لذلك ساقتصر
على مالحظات اولية.
اقول ابتدا ًء ان االستعمال القرآني للفظة المقام هو الحد الفاصل في تمييزها عن بقية
َ َ َ َ ٰ َ المفاهيم كما في قوله تعالى ﴿ َو َما م َِّنا إ َّل َ ُل َم َق ٌ
ام َّم ْعلُ ٌ
س أن َيبْ َعثك َر ُّبك
وم﴾((( ،وقوله﴿ع َ
َِ َ َ َّ ْ ُ َّ َ َ َ ً َّ
ْ ُ ً (((
ف مقا ٍم أم ٍِني﴾ ،ويؤيده دعاء رجب «وآياتك ومقاماتك
(((
مقاما ممودا﴾ ،وقوله ﴿إِن المتقِني ِ
التي ال تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك ال فرق بينك وبينهم إال انهم عبادك
وخلقك»(((.
وحسب الموارد القرآنية فالمقام هو اقصى ما يصل اليه المخلوق في كماالته ،فالمقام هو
مبدأ كل شيء ،فمن وصل إلى مبدأه وصل إلى مقامه ،فاقصى ما تصل اليه هو مبدأك ،فما يصله
الرسول هو المقام المحمود ،وما يصله المؤمنون هو المقام االمين،
فمقام الشيء هو ترقيه في سلسلة الطول
ومرتبة الشيء هو ترقيه في سلسلة العرض
وبالنتيجة كل مقام يتكون من عدة مراتب ،فحركتك من مقام إلى مقام حركة طولية ،وحركتك
في نفس المقام حركة رتبية من مرتبة إلى مرتبة ،فقد تكون انت ومؤمن اخر في نفس المقام ،إال
انك اعلى منه رتبة وهكذا ،والمقام هو جهة المخلوق إلى ربه ،والرتبة هي جهة المخلوق إلى
َ َ َ َّ ْ
مثله ،فاألنبياء كلهم في مقام النبوة إال انهم يتفاضلون بينهم بالرتب ،لذلك قال﴿ َولق ْد فضل َنا
ع َب ْع ٍض ۖ﴾((( ،فالتفضيل الهل نفس المقام بالمرتبة ،وسيد ذلك المقام هو سيدني َ َ ٰ
َب ْع َض انلَّب ّي َ
ِِ
كل المراتب ،والرسول في مقام األنبياء اعالهم مرتبة ،والذين من بعده من اولي العزم اقل
من الرسول مرتبة ،وهم اعلى من بقية األنبياء رتبة وهكذا ،فانت لك جهتان جهة إلى ربك
هي مقامك ،وجهة إلى مثلك وهي مرتبتك ،فالمقام ال يقاس إال بنسبته للَّه ،والمرتبة ال تقاس
إال بنسبتها لمخلوق مثلك ،والخلق يمكن ان يتساوون او يختلفون في المقامات والرتب ،اما آل
محمد فهم في كل مقام وكل رتبة اعلى من الكل ،الن مقامهم جهتهم إلى اللَّه هي اعلى جهة
ال يدركها احد غيرهم ،ورتبتهم هي جهتهم إلى المخلوقات وهم افضل المخلوقات كونهم ال
يقاس بهم الناس ،لذلك قال في زيارة عاشوراء «لعن اللَّه امة دفعتكم عن مقاماتكم وازالتكم
عن مراتبكم التي رتبكم اللَّه فيها» ،النك حينما تقول انهم صلوات اللَّه عليهم غير ّ
منصبين من
اللَّه تكون قد دفعتهم عن مقامهم ،وعندما تقول انهم مثل الناس تكون قد دفعتهم عن مراتبهم،
وفي كال الحالتين من يقول بذلك ملعون.
والمقام يعني ايضاً المكانة من النفس ،والمرتبة تعني المكان بالقرب والبعد((( ،فإذا ورد في
الحديث عن رسول اللَّه«الشيعة جيراني في الجنة» ،او عبارة«انت في درجتي في الجنة»،
او «انت معي في الجنة» ،فهذا معناه قرب مكاني وليس قرب مكانة ،فالمرتبة هي التي تحدد
من هو األول ،ومن هو الثاني ،ومن هو الثالث وهكذا ،فالمرتبة هي افضلية في نفس المقام،
اما المقام فهو الذي يحدد من هو االقرب للنفس اي المكانة ،فالمرتبة هو ما تحصل عليه عند
سيرك في المقام.
((( يقول السيد كاظم الرشتي«الرتبة هي مكان االثر من مؤثره بالقرب والبعد» /جواهر الحكم /ج /11ص 539
52 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
الغ ّل
ب أَن َي ُغ َّل ۚ َو َمن َي ْغلُ ْل يَأْت ب َما َغ َّل يَ ْو َم الْق َي َ
امةِ ۚ﴾(((. قوله تعالى﴿ َو َما َك َن لِ َ ّ
ِ ِ ِ ٍِ
َ َ َ َ َ ّ َ َ ُ َّ
ب أن يغل ۚ﴾ فصدق اللَّه لم يكن اللَّه ليجعل جعفرْ في قوله َتعالى﴿ ْوما كن لِ ِ ٍ عن ابي
َ َ ْ َ َّ َ ْ ُ ْ َ َ
غل شيئاً رآه يوم القيامة في النار ثم يكلف ت ب ِ َما غل يوم القِ َيامةِ ۚ﴾ ومن ّ نبياً غاالً ﴿ َومن يغلل يأ ِ
ان يدخل اليه فيخرجه من النار»(((.
عندما يقرأ اإلنسان هذه اآليه الكريمة فانه يتصور بحكم التبادر الذهني وسياق الكالم ان
غل وهذا الغل سيوافيهم يوم القيامة((( ،اال المعنى هو ان األنبياء من الممكن ان يصدر منهم ّ
ان في الحديث الشريف يوضح خالف هذا التصور ،اذ اآلية تتكون من مقطعين ،األول :يخص
َ َ َ َ َ ّ َ ُ َّ
ب أن َيغل ۚ﴾ ،واإلمام في الحديث يؤكد عدم ظهور الغل من األنبياء وهو قوله ﴿وما كن لِ ِ ٍ
ْ َّ َ ْ ْ ُ ْ
قبل األنبياء ،الثاني :قوله ﴿ َو َمن َيغلل يَأت ب َما غل يَ ْو َم الق َي َ
امةِ ۚ﴾ فهو يخص عامة الناس ،فمن ِ ِ ِ
غل منهم رأه يوم القيامة في النار فيدخل اليها ويخرجه منها.
وهذا التركيب لآلية الشريفة يؤكد الحديث الذي يقول ان بعض آيات القران الكريم بدايتها
شيء ونهايتها شيء اخر.
عن جابر قال :سألت أبا جعفر عن شيء من تفسير القرآن فأجابني ،ثم سألت ثانية
جعلت فداك كُنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل فأجابني بجواب آخر ،فقلتُ :
اليوم« ،فقال لي يا جابر ان للقرآن بطناً وللبطن بطن وظهراً وللظهر ظهراً ،يا جابر وليس شيء
أبعد عن عقول الرجال من تفسير القرآن ان اآلية لتكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كالم
(((
متصل ينصرف على وجوه»
تراجمة الوحي
ورد في الزيارة الجامعة لمقامات وفضائل آل محمد ،قوله « وخزنة لعلمه ومستودعاً
لحكمته وتراجمة لوحيه» ،فما هي داللة الترجمة هنا؟
الترجمة كما هو المتعارف عليه عند البشر هي نقل الكالم حرفياً او بالمعنى من لغة الخرى
لتوضيح ُمراد المتكلم وافهام السامع ،او هي نقل معنى الكالم من لغة الخرى.
اما الترجمة بالمعنى االلهي فهي اخذ الفيض من العالي واظهاره للداني بما يتحمله الداني،
فال يظهر فيض العالي بالمباشر بل يظهر من خالل المترجم ،وكل عملية ترجمة تقتضي وجود
ثالث جهات.
األولى :صاحب النص الذي نُريد ان نعرف مقصده من الكالم ونرمز له «ا».
والثاني :المترجم ونرمز له «ب».
والثالث :ال ُمترجم له ونرمز له «ج».
وفي الترجمة بين البشر يكون عادة «ا» و «ج» ال يعرف احدهما لغة االخر ،فيحتاجون إلى
المترجم«ب» لكي يُترجم من وإلى الطرفين معنى كالمهم ،وبالتالي فان «ب» او المترجم من
هذه الناحية افضل من «ا» ومن «ج» النه يعرف كال اللغتين سواء نقلها بشكل حرفي او بالمعنى.
اما الترجمة بالمعنى االلهي فليست هكذا الن«ا» هو المصدر ويعرف حاجة «ج» ،وبما
ان «ج» قابلياته محدودة و «ا» قابلياته ُمطلقة لذلك اقتضت الحكمة ان يكون «ب» واسطة بين
المطلق والمحدود ،الن «ا» المطلق ال يتكلم مع الداني ،بل يتكلم مع «ب» الذي هو الراقي،
والراقي يوصل للداني مراد المطلق ،ويبقى «ب» هو الوحيد الذي يعرف ُمراد «ا» اما «ج» فياخذ
معنى من معاني الكالم حسب قابليته وحسب استعداده ،لذلك يقوم «ب» بترجمة معنى من
معاني مراد المتكلم إلى «ج» الن «ج» ال يتحمل كل المعاني ،ومن هنا قال آل محمد«ان
لنا في كل لفظ سبعون وجهاً»((( ،النهم ادرى بُمراد اللَّه ،فاللَّه ال يظهر لمخلوقاته بذاته بل
يظهر لهم بخلقه ،وخلقه هم نوره ،الن الداني ال يتحمل العالي بذاته بل بصورته حسب مقامه،
((( عن أبي عبد اللَّه انه قال «أني ألتكلم على سبعين وجهاً لي في كلها تخريجة» مختصر البصائر.
54 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
عن ابي الصلت الهروي قال :كان الرضا يُكلم الناس بلغاتهم ،وكان واللَّه افصح الناس
واعلمهم بكل لسان ولغة ،فقلت له يوما :يابن رسول اللَّه إنّي ألعجب من معرفتك بهذه
جة
جة اللَّه على خلقه ،وما كان اللَّه ليتخذ ًح ّ
اللغات على اختالفها ،فقال«يا ابا الصلت ،أنا ُح ّ
على قوم وهو ال يعرف لغاتهم ،اما بلغك ما قال أمير المؤمنين وأوتينا فصل الخطاب ،فهل
فصل الخطاب إال معرفة اللغات»(((.
إذا اللغة االم هي العربية وكل النصوص ترجع اليها ولكن اللَّه يخاطب كل قوم بلسانهم،إذا
هناك قراءة باللغة العربية لكل الكتب السماوية يعرفها من امتلك فصل الخطاب وكل الكتب
السماوية الموجودة حاليا مترجمة عن العربية بواسطة الوحي.
عن النبي«ان الرجل االعجمي من امتي ليقرأ القرآن بعجمة فترفعه المالئكة على
عربيته»((( ،وعن رسول اللَّه«ان سين بالل عند اللَّه شين»(((.
ومن هنا فال تستغرب إذا عرفت ان هناك ُجملة من النصوص المقدسة كانت متداولة في
الديانات السابقة وقد ذكرها آل محمد في كالمهم على شكل ادعية ومناجاة النهم يمتلكون
فصل الخطاب.
عن اإلمام الصادق جعفر بن محمد عن ابيه الباقر عليهما السالم قال«ما انزل اللَّه تبارك
وتعالى كتاباً وال وحياً إال بالعربية ،فكان يقع في مسامع األنبياء بألسنة قومهم ،وكان يقع في
مسامع نبينا بالعربية ،فإذا كلم به قومه كلمهم بالعربية فيقع في مسامعهم بلسانهم ،وكل
احد ال يخاطب رسول اللَّه باي لسان خاطبه إال وقع في مسامعه بالعربية كل ذلك يترجم
جبرئيل له وعنه تشريفاً من اللَّه ع ّز ّ
وجل »(((.
ولعل هذا يذكرنا بالنداء الذي سينادي به جبرئيل ليلة الثالث والعشرون من شهر رمضان
قبل ظهور اإلمام المهدي حيث سيسمعه كل قوم بلغتهم((( ،فالنداء بالعربية النه كالم الوحي
ويترجم إلى كل الناس حسب لغاتهم ،ومن هنا فان اإلمام المهدي كرسول اللَّه ستظهر
ُمعجزة امتالكهم «فصل الخطاب» عند ظهوره ،فهو يتكلم بالعربية ولكن كل اهل لغة يسمعونه
حجج اللَّه على خلقه في تلك االيام ،فال احد يدعي معرفة كل اللغاتبلسانهم ،وهي من ابين ُ
اال هم صلوات اللَّه عليهم.
فالشيعة بهذا المعنى هم ظاهر اإلمام ،فتنظيف الثوب ال يدل على وساخة الذات ،فطلب
المغفرة من قبل المعصوم لشيعته اشبه يتنظيف الثوب الظاهر ،والثوب ليس هو صاحب الثوب،
ويؤيده الحديث التالي.
ّ ْ َّ َ َ ْ َ َ َ
ك َفتْ ً
حا ُّمب ً
ينا ِلَغ ِف َر ِ وجل ﴿إِنا فتحنا ل
عن ابي الحسن الثالث انه َ ُسئل عن قوله ع ّز ّ
ك َو َما تأخ َر﴾((( ،فقال«وأي ذنب كان لرسول اللَّهُ متقدماً او
َ َّ َ َ َ َ َّ ُ َ َ َ َّ َ
لك الل ما تقدم مِن ذنب ِ
ُمتأخراً؟ وإنما ح ّمله اللَّه ذنوب شيعة علي من مضى منهم ومن بقي ثم غفرها له»(((.
والحديث واضح الداللة وال يحتاج إلى مزيد بيان ،فهم صلوات اللَّه عليهم يتحملون
ذنوب شيعتهم النهم منسوبين اليهم كما ترى في الشرع وفي الحياة إذا ضمن شخص دين
شخص اخر وجب عليه ايفاءه ،فهم ينسبون تلك المعاصي إلى انفسهم كما ينسب الضامن
الدين لنفسه ،فهو ضامن لشيعة علي ان يغفر لهم ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر ،فيستغفرون
وجل وهو ُمقتضى كرمهم صلوات اللَّه عليهم ومقام شفاعتهم ّ ويبكون ويتضرعون للَّه ع ّز
للمذنبين من الشيعة.
- 4النقطة الثالثة اعاله هي اصل الموضوع بداللة الحديث ،ويمكن ان نضيف نقطة اخرى
بداللة حديث اخر ،فعن رسول اللَّه وهو يدعوا لعلي بان ال يُنسيه اللَّه شيء ،فقال أمير
علي النسيان يا رسول اللَّه؟ قال «ال» ولكني احب ان ادعوا لك «نقلت
المؤمنين اتخاف ّ
الحديث بالمعنى» ،ومن هذا الحديث ال ُمبارك يمكن القول بل هو االكيد ان المعصوم ال
يُذنب وال يُخطأ وال يسهو ومع ذلك هو دائم الدعاء واالستفغار النه «يحب ذلك».
- 5األحاديث تبين معاني اخرى الستغفار المعصومين فعلى الرغم من كمالهم هم
يدركون ان طاعة اللَّه على الكلية ال يدركها احد كما ورد اإلمام الصادق قوله«علم اللَّه ع ّز
وجل اال يقوم احد من خلقه بحقه»ّ
- 6الحديث التالي يبين بما ال يقبل الشك ان المعصوم ال يذنب لقوله «فال تذهبن بك
المذاهب» من حديث لإلمام ابي جعفر مع حمران في احوال األئمة المعصومين قال«....
وما كان الذي اصابهم ذلك يا حمران لذنب اقترفوه وال لعقوبة معصية خالفوا اللَّه فيها ولكن
لمنازل وكرامة اراد ان يبلغوها فال تذهبن بك المذاهب»((( ،فاالستغفار هو لطلب تلك المنازل
وليس لذنب اقترفوه.
- 7نحن القاصرين ال نُدرك ما يدركونه عندما يذكرون جالل اللَّه سبحانه ،والمؤمن
العادي الصالح ال ُمطيع المؤدب حتى وان لم يكن له ذنب وال عيب ووقف أمام خالقه او أمام
المعصوم البد وانه يرى في نفسه القصور في حضرتهم وهذا من كمال التادب ،وهم صلوات
اللَّه عليهم عندما يقفون أمام اللَّه يستغفرون وان لم يكن لهم اي ذنب وهو مقتضى تأدبهم مع
يم﴾ ك لَ َع َ ٰ ُ ُ َ
َّ َ
(((
ل خل ٍق ع ِظ ٍ وجل وهو قوله تعالى﴿ِإَون
اللَّه ع ّز ّ
وجل ُمركّب ،وال بسيط على الحقيقة بمعنى عدم التركيب إال - 8كل مخلوق دون اللَّه ع ّز ّ
اللَّه ،الن اللَّه هو الصمد الذي ليس له جزء ،وكل مخلوق دونه حادث ُمركّب من جهتين ،وهم
صلوات اللَّه عليهم لهم جهتين ،جهة إلى ربهم وهي الجهة التي ع ّرف اللَّه له نفسه بهم لهم كما
ورد في الحديث«تجلى لها بها» ،وهي المعنية بقول أمير المؤمنين«فالقى في هويتها مثاله
فاصدر عنها افعاله» ،وجهة ثانية إلى انفسهم وهي جهة عبوديتهم لله ،ووما ال شك فيه ان جهة
الرب اعلى من جهة العبد ،والمعصوم في مقام جهته إلى نفسه يُدرك ذلك الفرق ،فيقول كما
ورد عن رسول اللَّه«ما عرفناك حق معرفتك» وقوله«ما عبدناك حق عبادتك» فاستعغارهم
من هذا الباب كون جهتهم إلى انفسهم ادنى من جهتهم إلى ربهم وهو واضح ان شاء اللَّه.
- 9عقيدتي ان المعصوم يولد كامالً ،دليله األحاديث المتظافرة التي تشرح احوال
المعصوم منذ ايام نطفته ،كونه من نطفة ُمنعقدة من ماء سماوي ،وانه يقراء القرآن وهو في
بطن امه ،وانه يولد ساجد ،وغيرها من االحوال الخاصة التي ذكرتها المرويات والتي تدل على
كماله.
فاالشكال ليس في المعصوم نفسه بل في نظرتنا اليه ،فالمعصوم يولد كامالً ولكننا ال نُدرك
كماله لقصور قابلياتنا ،ومن هنا كانت االبتالءات والمحن الجارية عليه سبباً في اظهار وكشف
كماالته ،فيضن الناس انه يتكامل وهو في الحقيقة في حالة اظهار لكماالته ،كما ان كربالء لم
تكامل زينب ولكنها كانت سبباً في اظهار كماالتها ،فكيف اعرف ان زينب كاملة الصبر اال
من خالل كربالء ،فهي ذات صبر كامل لكن هذا الصبر لم يظهر إال في كربالء فكربالء كاشفة
لكماالت زينب ،لذلك لوال بالئهم لم نعرف كماالتهم.
ومن هنا التبس األمر على البعض وظن ان المعصوم في حالة تكامل ،والحق اننا ناقصين
ال نرى كمال المعصوم ،ونقصنا هذا يجعلنا ال نفهم كمالهم اال ببالئهم ،فهم يُظهرون الكمال
ونحن نقول انهم يتكاملون ،والفرق كبير بين الموضوعين.
-10ربما ستقول ان الحديث واضح كونهم في كل ليلة جمعة يزادونكما ورد عنهم
«نحن في كل ليلة جمعة نزاد ولوال اننا نزاد لنفد ما عندنا» ،وهذا الحديث المبارك وامثاله
هو الذي دفع بالبعض للقول بانهم في حالة تكامل الن الزيادة اليوم تقتضي النقص باالمس،
والذي افهمه ان هذا توهم عند البعض فهذه ليست زيادة في ذواتهم فهم في ذواتهم كاملين بل
هي زيادة لحاجة الخلق اليها كون ارزاق واجال ومصالح العباد تجري على ايديهم ،فالذي نزل
عليهم ليلة الجمعة هم يعرفونه النه جزء مما نزل عليهم في ليلة القدر ،إال ان نزوله عليهم هنا
للتنفيذ ،فهم يعلمون كل شيء وينتظرون اذن اللَّه في اجراءه وهو الذي يسميه الحديث زيادة
َ (((
َ َ ْ ُ َُ َْ ْ َ ُ َْ َ ْ َ ُ َ َْ َ ٌ ْ
اد ُّمك َر ُمون ل يسبِقونه بِالقو ِل وهم بِأمرِه ِ يعملون﴾ ، وهي مصداق قوله تعالى﴿ بل عِب
وهو الذي ع ّبر عنه حديث اخر كونه اشرف علومهم «قلت :جعلت فداك فأي شيء هو العلم؟
قال«:ما يحدث بالليل والنهار األمر بعد األمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة»(((.
فالزيادة هنا هو ما يحتاجه الناس وليس ما تحتاجه ذات المعصوم ،فلو ان هناك رجل
كامل عاقل حكيم يعطيه اللَّه كل شهر الف دينار يوزعها على الفقراء فإذا انقطع عنه المال ال
ينقص من ذات هذا الرجل شيء الن ذاته كاملة اال ان االموال نفذت منه فهو يحتاج من اللَّه
الزيادة لتمشيه امور العباد فهو في كل شهر يُزاد ولوال انه يُزاد لنفذ ما عنده.
ويمكن ان نستدل على ان الزيادة ليست لذواتهم بل للخلق من خالل دليل الحكمة،
ففي الحكمة كل شيء له مقامان ذاتي وعرضي ،فالذاتي هو نسبة الشيء إلى نفسه ،والعرضي
هو نسبة الشيء إلى غيره،وكذلك الحال مع آل محمد صلوات اللَّه عليهم فلهم مقامان ذاتي
وعرضي ،فمقامهم الذاتي بالنسبة النفسهم كامل النهم حجة اللَّه على خلقه وال يمكن بالحكمة
جة على خلقه غير كامل ،اما مقامهم العرضي فهو مقامهم بالنسبة للخلق، ح ّ
ان يجعل اللَّه ُ
والخلق ناقصين يحتاجون إلى مدد وتكميل ،ومن هنا كانت الزيادة لمقامهم العرض لحاجة
(((
الخلق وليس لمقامهم الذاتي فهم بمقامهم الذاتي يعلمون ما كان وما يكون
ال�سنة الدهرية
وجل لما خلق النور خلقه
ّ عن أبي عبد اللَّه من حديث طويل قال « ......ان اللَّه ع ّز
يوم الجمعة في تقديره في اول يوم من شهر رمضان ،وخلق الظلمة يوم االربعاء يوم عاشوراء في
مثل ذلك اليوم يوم العاشر من شهر محرم في تقديره وجعل لكل منهما شريعة ومنهاجا.(((»....
هذه التسميات لالشهر وااليام ليست هي اشهرنا وايامنا الزمانية ،بل هي االشهر وااليام
َّ
ِإَون يَ ْو ًما ع َ
ِند الدهرية َ التي كانت في بدء التكوين والتي كل يوم منها بالف سنة مما تعدون﴿
َ َ َّ َ َ ْ
ك كأل ِف َس َن ٍة ّم َِّما ت ُع ُّدون﴾((( ،بدليل قوله «لما خلق النور» ،والنور لم يُخلق في عالمنا رب ِ
خلق في النظام الدهري قبل هذه الدنيا ،لذلك عقب بعدها الحديث األرضي الزماني ،بل ُ
بعبارة«في تقديره» اي اول الخلق والتقدير ،والحديث يُعطينا اشارة عن الفارق الزمني الكبير بين
األحداث في النظام الدهري ،الن كل يوم في النظام الدهري هو بالف سنة من سنين الزمان ،فإذا
كانت السنة في الزمان« »360يوماً((( فالسنة في النظام الدهري « »360000سنة زمانية ،والشهر
في النظام الدهري« »30000سنة زمانية .كما يقول اإلمام الرضا ....«وقد علم ذووا االلباب
ان االستدالل على ما هناك ال يكون إال بما هيهنا.(((»...
وأحاديث آل محمد تقول ان السنة تبدأ بشهر رمضان عن رسول اللَّه«رمضان قلب
السنة فإذا سلم رمضان سلمت السنة كلها»((( ،وعن أمير المؤمنين«ان اول كل سنة اول يوم
من شهر رمضان»((( ،وقوله«وراس السنة شهر رمضان»((( .عن أمير المؤمنين من خطبة له
قال«......رجب شهر ذكر ،رمضان تمام السنين ،شوال يشال فيه امر القوم ،ذو القعدة يقعدون
(((
فيه ،ذو الحجة الفتح من اول العشر»....
وهو على خالف ما هو معمول به حالياً اذ تبدأ السنة عند المسلمين في شهر محرم ،وبما
ان الحديث مورد الكالم يقول ان اللَّه خلق النور في شهر رمضان ،فالنظام التقويمي النوري يبدأ
من رمضان في الدهر وفي الزمان الن «ما هناك ال يكون إال بما هيهنا» ،والحديث يذكر ان اللَّه
خلق الظلمة في عاشوراء اي في محرم ،فهذا معناه ان النظام المعمول به حاليا ببداية السنة من
شهر محرم هو نظام ظلماني ،والمستشف انه عند ظهور اإلمام المهدي سيعيد التقويم إلى
النظام النوراني اي تبدأ السنة في شهر رمضان يوم الجمعة بالذات.
ولو اجرينا عملية حسابية بسيطة سنجد ان الشهور تترتب كالتالي «رمضان -شوال -ذي
القعدة -ذي الحجة -محرم ».......فيكون الفارق الزمني بين خلق النور والظلمة هو «اربعة
اشهر وعشرة ايام» ،فإذا فرضنا ان كل شهر « »30يوم يكون الفرق« »130يوم بقياساتنا الزمانية،
خلق الظالم في العاشر من محرم ،فلم اما بالقياس الدهري فهي « »130000سنة ،اما لماذا ُ
اجد له قرينة إال بالقول انه هو نفسه ذلك اليوم الدهري الذي قتل فيه اإلمام الحسين في ذلك
العالم قبل عالمنا الزماني((( ،واللَّه لم يخلق الظلمة بذاته بل هي نتاج فعل مخلوقاته ،والراجح
حسب هذا التصور ان الحوادث التي جرت في عالم الدهر تعاد نفسها في عالم الزمان في نفس
التاريخ ،ومنها حادثة يوم الغدير التي حدثت في الثامن عشر من ذي الحجة فيجب ان تكون
حدثت في الثامن عشر من ذي الحجة في العالم الدهر ،والراجح ايضاً انه نفس اليوم الذي
سجدت فيه المالئكة آلدم في سنة دهرية اخرى ،وقس كل الحوادث المهمة على هذا التصور
حرفا بحرف فحادثة الغدير الدهرية حدثت في العالم النوري قبل خلق الظالم،ويؤيده قوله
َّ َ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ َ َ َ َ ْ ً َّ َّ َ ُّ ُ
ات والرض﴾ ،
(((
اب اللِ يوم خلق السماو ِتعالى﴿إِن عِدة الشهورِ عِند اللِ اثنا عش شهرا ِف كِت ِ
الحظ ان هذا النظام معمول به من يوم خلق اللَّه السماوات واألرض.
ويمكن ان نستفاد من هذا الحديث المبارك في النظر لحديث اخر وهو حديث خلق العقل
والجهل عن أبي عبد اللَّه« ان اللَّه عز وجل خلق العقل وهو اول خلق من الروحانيين عن
يمين العرش من نوره فقال له :أدبر فأدبر ،ثم قال له :أقبل فأقبل ،فقال اللَّه تبارك وتعالى :خلقتك
خلقا عظيما وكرمتك على جميع خلقي ،قال :ثم خلق الجهل من البحر األجاج ظلمانيا فقال له:
(((
أدبر فأدبر ،ثم قال له أقبل فلم يقبل ،فقال له :استكبرت ،فلعنه»
فاالداة «ثم» في الحديث التي تفيد التتابع وقد يرى البعض من خاللها ان اللَّه خلق الجهل
بعد العقل مباشرة ،والحق ان بينهما فترة زمنية طويلة كالفترة الفارقة بين خلق النور والظلمة الن
الجهل ابن الظلمة.
������������������������������ 63
((( -التكوير13-1/
64 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
((( القصص85/
َ َ ُْْ َ َ َ َ َّ َّ
آن ل َر ُّاد َك إ ِ ٰل َم َعا ٍد ۚ﴾ ،قال«نبيكم راجع إليكم» .تفسير البرهان/ َ
عن أبي عبداللَّه في قوله تعالى﴿إِن الِي ف َرض َعليْك القر
وال اعرف بالضبط تسلسل رجعتهم ،ثم ت ُختم الرجعات برجوع رسول اللَّه ،وبهذا يكون
رجوعهم ليس حسب تسلسل ظهورهم او حسب افضليتهم بل يصح عليهم مفهوم «تغير من
َ ۡ ج ُ َ
ٱنك َد َرت﴾ اي رجوع األئمة ليس حسب وم ِإَوذا ٱنلُّ ُانتشار الشيء» او «التناثر» فيكون معنى ﴿
تسلسلهم متناثرين.
َ ۡ َ ُ ُ َّ ۡ
يت﴾ :ذكرت في كتابي«نجم يتقلب في اآلفاق» ان النظام الطبيعي ٱلبال س ِِ﴿ -3إَوذا ِ
والفلكي لألرض سيتغير من خالل حركات الجبال الستة المذكورة في القرآن الكريم ومنها«الدك
والنسف والسير والرجف» وتكون حركة سير الجبال هي الممهدة لتغير الوضع الفلكي من
السريع إلى البطيء«اللبوث».
ار ُع ّطلَ ۡ َ ۡ َ
ت﴾ :تغير النظام الفلكي لألرض يستتبعه بالضرورة تغير في النظام ِ﴿ -4إَوذا ٱلعِش ُ ِ
المناخي والبيئي والزراعي تمهيدا لظهور بركات دولة العدل وهذه التغيرات بجملتها تقود إلى
تغير في خواص الحيوانات الفسلجية والسلوكية محولة اياها من المتوحشات إلى األليفات
وقد ذكرت جملة من المرويات عن خواص دولة العدل ان الذئب يرعى مع الشاة واالسد ياكل
التبن والجارية تف ّري االسد والطفل يعلب مع الحنش والتي تدل على انقالب نوعي في سلوك
الحيوانات التي هي «العشار» وتعطيلها هو تعطيل نظامها السابق واستبداله بنظام جديد فقال
ار ُع ّطلَ ۡ َ ۡ َ
ت﴾. ﴿ِإَوذا ٱلعِش ُ ِ
َ ُۡ ُ ُ ُ َ ۡ
شت﴾ :اعتقد ان هذا ال ُمركّب القرآني يُشير إلى خروج يأجوج ِ﴿ -5إَوذا ٱلوحوش ح ِ
ومأجوج الذين سماهم هنا «الوحوش» وربطهم بلفظة«الحشر» النهم يخرجون على شكل
جماعي ولو تدبرت النصوص الروائية لوجدت ان عملية خروج يأجوج وماجوج بعد احداث
الرجعة بكثير(((.
وربما يراد منه حشر الكفار ،الن الناس في القيامة على صور اعمالهم فللمؤمن صورة
انسانية تدخل الجنة ،وللكافر صورة وحشية حيوانية تدخل النار ،وسماهم وحوش من التوحش
ازاء االنس من المأنوسية.
َ ۡ َ ُ ُ ّ ۡ
ج َرت﴾ :السجر هو تهييج النار .وقد ذكرت في كتابي «نجم يتقلب في
ِ﴿ -6إَوذا ٱلِحار س ِ
اآلفاق» ان األرض عندما تلبث وتتوقف عن الحركة في اخر الزمان ستصبح جغرافيتها موزعة
على اربعة اجزاء.
((( لقد ناقشنا هذا الموضوع بشكل مفصل في كتابنا «ايام اللَّه»
66 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
القسم الرابع :وهم من امن بالظاهر والباطن اي بالنبي والولي اال انهم يستوحشون من
بعض مقامات الولي الصعبة المستصعبة وهؤالء هم «اهل الباطل من اهل الباطن».
القسم الخامس :وهم من امن بالظاهر والباطن اي بالنبي والولي اال انهم يعتقدون من
طرف خفي ان مقامات الولي ت ُدرك وهم «جهال الحكماء» ،فهم حكماءالنهم اقروا بمقامات
الولي ولم ينكروا منها شيء ،اال انهم جهال النهم يتصورون ان هذه المقامات يدركها بعض
البشر منهم.
70 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
الموازين
الكثير من الناس يتصورون ان الحساب يوم القيامة هو عبارة عن حساب اعداد السيئات
والحسنات،فمن كانت له عشرة حسنات وخمسة سيئات كعدد دخل الجنة ،ومن كان له العكس
دخل النار ،ومن تساوت سياته مع حسناته كان من أصحاب األعراف ،والمعنى العام لهذا
التصور هو الشائع ،ولكن القرآن يُعطينا تصور اخر لهذا الموضوع من خالل لفظ «الموازين» كما
امةِ﴾((( ،فالحساب ليس حساب اعداد بل حساب َ ِ ِ في قوله ﴿ َونَ َض ُع ال ْ َم َواز َ
ين الْق ْس َط ِلَ ْو ِم الْق َي َ
ِ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُّ ُ ْ ْ َ ُ َ َ ً
عمال ،فمدار الحساب
ً وزن،لذلك قال تعالى﴿لِ بلوهم أيهم أحسن عمل﴾ ولم يقل اكثر
(((
على نوعية العمل وليس على كميته ،فالميزان حساس بل واعي ويعرف قيمة كل عمل صغيرا ً
كان او كبيرا ً ،قليالً او كثيرا ً ،فقد توضع فيه حسنة واحدة بنوعية خاصة تطيش معها كل السيئات،
وقد توضع سيئة بنوعية خاصة تحرق كل الحسنات وقد قال الرسول الكريم«الحسد ياكل
الحسنات كما تاكل النار الحطب».
ولفظة الموازين بصيغة الجمع تجعلني اذهب إلى ان هناك معنى عام وخاص ،فالمعنى
العام هو الوزن الكلي لكل اعمالك وهي النتيجة النهائية للحساب فهو ميزان كلي ،والمعنى
الخاص كون هناك عدة موازين كل له حيثية معينة ومنها.
-1ميزان العمل :وهو المعنى العام للميزان اذ توضع فيه االعمال الحسنة والسيئة.
-2ميزان الكمية :هناك شخص يمتلك مليون دينار وتصدق بدينار واحد ،واخر له دينار
وتصدق بدينار ،فكالهما تصدقا بنفس المبلغ ،اال ان األول كميته واحد على مليون ،واالخر
كميته واحد على واحد ،فيكون ميزان الثاني اثقل من ناحية الكمية.
-3ميزان الجهة :وهو الميزان الذي يحدد هل ان الجهة التي ارتكب من اجلها العمل
مستحقة ،فمثال انت تتصدق ولكن ليس لجهة غير مستحقة كما ورد في الحديث«ال صدقة وذو
رحم محتاج».
-4ميزان الكيفية :وهو الميزان الذي يزن هل ان العمل سري ام علني كما ورد في
لحديث«الصدقة في السر تطفئ غضب الرب».
-5ميزان الوقت :وهو الميزان الذي يقاس فيه زمن العمل ،فمثال التصدق في يوم المجاعة
َ َ ْ َ ْ َ ٌ َ ْ ْ َ
(((
ليس كالتصدق في ايام اليسر﴿أو إِطعام ِف يو ٍم ذِي مسغب ٍة﴾
-6ميزان النية :وهو من اخطر الموازين وعليه مدار كل العمل اذ يوزن فيه هل العمل لوجه
اللَّه ام هو رياء للناس ام هو عادة ام اضطرار وهكذا.
-7ميزان الرتبة :وهو الميزان الذي يتم من خالله وزن العمل قياساً برتبة صاحبه ،فمثالً من
يترك صالة الليل من عموم الناس ال يحاسب النها اصالً استحباباً لعامة الناس ،اما خواص الناس
فيحاسبون عليها الن رتبتهم اعلى لذلك ورد في الحديث «حسنات األبرار سيئات لمقربين».
-8ميزان العقيدة :وهو ميزان خطير جدا ً وربما هو اخر الموازين ،فالشيعي مثالً تتساقط
كل ذنوبه في هذا الميزان ان كانت عقيدته صحيحة كما ورد في الحديث «حب علي حسنة ال
يضر معها سيئة».
-10ميزان الصورة :فكل عمل له صورته الخاصة فعمل الخير صورته النور ،وعمل الشر
صورته الظالم ،والنتيجة النهائية لهذا الميزان هو تجسم االعمال ،فيكون شكل صاحب االعمال
هو نفس صورة اعماله.
وبصورة عامة موازين الدنيا تزن وتقيس شيء واحد،فمثال تقيس الثقل فقط ،او الطول فقط،
او الحرارة فقط ،او القيمة فقط ،اما موازين االخرة فهي مفهوم يُعرف به كم الشيء وصفته ونوعه
وجنسه وجوهره وعرضه وحدوده وجهاته ويعلم به رجحانه من عدمه ،وإذا اردت القول الفصب
فالميزان هو الولي.
((( البلد14/
72 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
موضوع التدين تاريخياً يسير باتجاه غاية عظمى ستفصح عن نفسها إذا عرفنا كيف نُف ّرق
بين انواع التدين ،وفي رأيي التدين ثالثة انواع« ،تدين طقسي» و«تدين عملي» و«تدين فكر
وتأمل» ،ويمكن ان اوجز الكالم في هذه االنواع حسب الجدول التالي.
يتغير فــي زمــن القائم يتغير في زمن القائم وينتهي هو الغاية في دولة العدل وفي
وينتهي عند دخولهم الجنة عند دخولهم الجنة«يوم يغني الجنة «من عرف نفسه عرف
ربه» فيكون تكليفهم عين نعيمهم اللَّه كل من سعته»
����������� 73
م�صر ومنبرها
عن عباية االسدي قال :سمعت أمير المؤمنين صلى اللَّه عليه واله وهو «مشتكي»((( وانا
قائم عليه« ،البنين بمصر منبراً ،والنقضن دمشق حجراً حجرا ،والخرجن اليهود والنصارى من
كل كور العرب ،والسوقن العرب بعصاي هذه» .قال :قلت له :يا أمير المؤمنين كأنك تخبر انك
تحيى بعدما تموت .قال«هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني»(((.
عن اإلمام علي«ويسير الصديق االكبر براية الهدى والسيف ذو الفقار والمخصرة.........
ثم يسير إلى مصر فيعلو منبره ويخطب الناس فتستبشر األرض بالعدل»(((.
لقد اعتمد جملة من الباحثين على هذه الروايات وامثالها في اعالء شأن مصر في احداث
اخر الزمان ،النهم يفهمون منها ان اإلمام المهدي سيبني في مصر منبرا ً ،وفهموا من لفظ
المنبر انه سيكون لمصر دور اعالمي كبير في احداث الظهور.
ولو تابعت سياق الكالم في خطبة المخزون لرأيت ان المعني بها هو شخص اإلمام علي
النه هو «الصديق االكبر» اي هو الذي يسير إلى مصر فيعلوا منبره ،واعتقد ان استنتاج الشيخ
الصدوق صحيح كون اإلمام علي اتقى عباية كما في الحديث األول الن عباية وامثاله ال
يتحملون موضوع الرجعة ،الن اجواء كال الحديثين ال تشيران إلى حدث سيقع قبل القائم
وال حتى بعده بقليل بل كال الحديثين يتحدثان عن احداث ستجري في زمن رجعة اإلمام
علي وهي بعد القائم بكثير.
والمتابع لألحاديث من مصادرها سيجد ان اقدم رواية لموضوع منبر مصر في كتاب معاني
االخبار للصدوق ولكن فيها عبارة تقلب ما يذهب اليه البعض رأساً على عقب.
((( لعل اللفظة هي «متكئ» من االتكاء ،وتؤيده العبارة التي تليها «وانا قائم عليه» ،وفي مكيال المكارم /1ورد 146بلفظ
«وهو مشتكي»
((( بحار األنوار /ج /53ح /47ص 60 - 59
ويذكر المجلسي قول الصدوق عن الحديث ،قال الصدوق ان أمير المؤمنين اتقى عباية االسدي في هذا الحديث واتقى
ابن الكواء في الحديث األول النهما كانا غير محتملين السرار ال محمد
((( خطبة المخزون ألمير المؤمنين
74 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
عن عباية االسدي ،قال :سمعت أمير المؤمنين وهو «مسجل»((( وانا قائم عليه«آلتين
مصر مبيرا ،والنقضن دمشق حجراً حجرا ،والخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب،
والسوقن العرب بعصاي هذه» .قال :قلت له :يا أمير المؤمنين كأنك تخبرنا أنك تحيي بعد
موت ،فقال«هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يعقله((( رجل مني»(((.
وكما تالحظ الفرق كبير في المعنى بين عبارة حديث المجلسي«البنين بمصر منبراً» التي
يعتقد الباحثين انها تدل على صدارة اعالمية لمصر،وعبارة حديث الصدوق «آلتين مصر مبيرا»
التي تدل على خرابها ،وفي رأيي القاصر ان عبارة «آلتين مصر مبيرا» هي االصح النها تتفق مع
معاني الحديث كون اإلمام علي سينقض دمشق حجرا حجرا ويخرج اليهود والنصارى من
كل كور العرب ويسوق العرب بعصاه فيكون بيار مصر من جملة هذا الدمار ،ومعنى العبارة كما
افهم انه يجعل مصر ارضاً بورا ً كما هو حال الشام ،كما تقول هذه ارض بائرة ،او بضائعة
بائرة كاسدة ال رواج لها ،والسوق التي ال بيع فيها وال شراء تسمى سوق بائرة ،والبنت البائر التي
لم تتزوج ،والعمل البائر هو الذي لم تتحقق نتيجته ،وبار الشيء اي هلك ،وتؤيد المعنى جملة
من االخبار التي تدل على ان مصر ال تسلم من الخراب قبل الظهور بقليل وبعده ومنها الرايات
الصفر التي تجتاحها كما ورد في االخبار ان مصر «تفت كما تفت البعرة»(((.
وحتى لو كانت عبارة «البنين بمصر منبراً» هي الصحيحة فليس في سياق الكالم شيء يدل
على ان مصر ستصبح مركزا ً اعالمياً ،فليس كل منبر يرتقوه معناه ان ذلك المكان اصبحت له
خصيصة اعالمية دون غيره ،علماً ان كل األحاديث الواردة عن اهل بيت العصمة عليهم افضل
الصالة والسالم تؤكد ان الصدارة الدينية والسياسية واالعالمية والقيادية للعالم في زمن الظهور
هو للكوفة بالذات وليس لغيرها.
((( لعل اللفظ هو «مسجى» اي متمدد بهيئة النائم وليس «مسجل» وقد وردت هذه اللفظة في األحاديث بعدة صيغ منها
«مشتكي» ومنها «مشتمل»
((( في نسخة البحار «يفعله» بدل «يعقله»
((( معاني االخبار /الشيخ الصدوق /نوادر المعاني /ح /82ص 406
((( عن كعب«ليوشكن العراق يُعرك عرك االديم ،ويشق الشام شق الشعر ،وتفت مصر فت البعرة ،فعندها ينزل االمر» المالحم
والفتن /ابن حماد569 /
������������������� 75
((( المفاجأة بشراك يا قدس /محمد عيسى داود /ط /1دار المحبين /ص 247
((( المفاجأة بشراك يا قدس /محمد عيسى داود /ط /1دار المحبين /ص 247
76 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ولو دققت في اسم هاتين القبيلتين«آل حاصب» و «آل دوسع» ،وجعلت الحرف الثالث
مكان الرابع لكانت «آل حابص» و «آل دوعس» ،وقراءت العبارة من اليسار إلى اليمين لكانت
كالتالي «آل سعود» و «آل صباح» ،وهم المعروفين حاليا بحكام السعودية المنتسبين لجدهم
سعود وحكام الكويت المنتسبين لجدهم صباح ،والذهب الذي يملكونه حاليا الذي وصفه
الخبر بانه ليس باصفر وال احمر وال ابيض هو النفط الذي هو مصدر ثروتهم ،وسماهم الخبر
َّ َ ُ َ
ارون «آل قارون» و «اخوة قارون» الن قارون امتلك من الكنوز كما يقول عنه القرآن الكريم﴿إِن ق
ُْ ُْ ْ َ ُ َ ْ ُ َ ٰ ََ َٰ َ َْ ْ َ ََْ ُ َ ْ ُ
ول الق َّوة ِ﴾(((، ك ُنوز َما إ َّن َم َف ِ َ ُ َ َ ُ ُ َ َ
كن مِن قو ِم موس فبغ علي ِهم ۖ وآتيناه مِن ال
اته ل ُنوء بِالع َصبةِ ْأ ِ ِ ِ
ع عِل ٍم عِندِي ۚ﴾(((، وهم يعتبرونه حق ثابت لهم كما وصف اللَّه قارون بقوله﴿قَ َال إ َّن َما أوت ُ
ِيت ُه َ ٰ ِ
والخبر فيه الكثير من النقاط التي تشابه ما جاء في الماثور الروائي عن آل محمد عن كيفية
انهيار ُملك الحجاز الذي يتزامن مع ظهور اإلمام المهدي((( وان ملكهم ينتهي بغتة كانكسار
(((
فخارة سقطت من يد رجل ساه
لكن الغريب ان صاحب كتاب «المفاجئة» في كتابه يمدح كثيرا حكام الحجاز ويعتبرهم
في خدمة اإلسالم ولم ينتبه للمعنى الذي يذكره هذا الخبر الذي ينقله هو ،فالخبر يذمهم اشد
الذم لذلك يمكن القول ان هذا الخبر هو عبارة عن «مفاجئة تفاجئ صاحب كتاب المفاجئة»(((.
هكذا عندما يتكلم عن حكام الحجاز يمدحهم باجمل االلقاب اما عندما يتحدث عن المهدي فانظر مإذا يقول «وال يمنع
مطلقا ان يكون المهدي له سابق غفلة وصدود ومواطن غواية فينقله اللَّه لنقاء قلبه وصدق اضماره وحبه للمصطفى
ولفرط اشفاقه على امته ينقله اللَّه إلى منازل الهداية ومن ظلمات المخالفة والعصيان إلى انهار الخير والرضوان».....
المفاجأة بشراك يا قدس /محمد عيسى داود /ط /1دار المحبين /ص 103
ديدجلا يمالسإلا ميوقتلا 77
هذا الخبر من ُمعضالت االخبار ،ولم يرد على قدر اطالعي إال في كتاب «جامع االخبار»،
ووجدته ايضا في كتاب جوامع الكلم للشيخ احمد االحسائي وهو ينقله ايضا من كتاب جامع
االخبار((( ،وال يذكر صاحب كتاب «جامع االخبار» المصدر الذي ينقل منه.
ولعل اول ما يجول في الخاطر عند قراءة الحديث ان الزمن الذي يتحدث عنه هو التقويم
الهجري المعروف عندنا حالياً ،النه يذكر وقائع تحدث ما بين سنة « »700 - 600اي وقائع
القرن السابع الهجري ،ولو تابعت التاريخ اإلسالمي ال تجد هكذا وقائع حدثت في القرن
السابع الهجري وخصوصاً ان الحديث يذكر احداث جسيمة مثل خروج دابة األرض وموت
نصف الجن واالنس وغيرها بل لم تحدث وال واحدة منها لحد االن ،بل لم تحدث حتى بعد
هذا التاريخ ونحن نعيش حاليا في القرن الخامس عشر الهجري.
((( راجع كتاب جوامع الكلم /الشيخ االحسائي/ج /5رسالة في العصمة والرجعة /ص 288ــ /289مطبعة الغدير
ديدجلا يمالسإلا ميوقتلا 79
ولعل االغلب ينكر مثل هذه االخبار ،واحسنهم حاالً من يقول عنها ُمظطربة ،وال يمكن
ان نلوم احد إذا كانت هذه قناعته لعدم وجود مصداق تاريخي ينطبق على معلومات الخبر
وخصوصا انه يتحدث عن فترة مضت ،ومن غير المعقول ان هكذا احداث جسيمة تقع في
تاريخ المسلمين بل في تاريخ البشرية وال يوثقها احد ،فيكون انكار مثل هذه األحاديث امر
متوقع ،والذي اراه ان اي خبر ال تجد له مصداق تاريخي او انطباق مع الواقع ال يجب تكذيبه،
بل يجب تأويله ،والتأويل ليس امر هين فهو بحاجة لقرائن قوية لالثبات ،ويمكن الولوج لفهم
اجواء الخبر من خالل االحتمالين التاليين:
االحتمال األول :هو ان هذا الخبر يتحدث عن احداث ستقع بعد االلف الهجري األول
اي اعتبارا من« »1600لغاية « »1700هجري ،فبدال من ان يقول الف وستمائة وعشرة ،حذف
آالف وقال «العشر بعد الستمائة» ،وبما اننا نعيش حاليا في سنة « » # 1 438فيكون بيننا وبين
تحقق هذ األحداث في المستقبل
162 =1438 – 1600سنة
وهذا االحتمال عندي ضعيف الن الخبر ال يذكر ظهور اإلمام المهدي من جملة
األحداث مما يجعل ظهور دابة األرض قبل المهدي وهذا خالف األحاديث.
االحتمال الثاني :وهو الراجح عندي ،من خالل القول انه بعد ظهور اإلمام المهدي ينتهي
العمل بالتقويم الهجري الحالي ويبدأ تقويم جديد يبدأ من يوم ظهور القائم ،وخصوصاً ان
األحاديث تذكر ان اإلمام المهدي سيأتي بجملة من االشياء الجديدة منها «بكتاب جديد
على العرب شديد»((( ،والبد ان مشروع خالفة اللَّه على األرض يبدأ بتقويم خاص الذي هو
نفسه تقويم يوم الرجعة.
وبهذا يكون الخبر مورد الكالم يتحدث عن احداث ستقع بعد خروج اإلمام المهدي
بستمائة عام ،اي الخبر يتحدث عن احداث القرن السابع بعد خروج اإلمام المهدي وكلها
من احداث الرجعة.
والسبب الذي يجعلني اميل لهذا التصور كون كل األحداث التي يذكرها الخبر لو راجعت
مرويات آل محمد لرأيت اغلبها بعد ظهور القائم بكثير وخصوصاً ظهور دابة األرض
((( عن ابي جعفر«يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وبقضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه اال السيف ال يستتيب
احد وال ياخذه في اللَّه لومة الئم» .الغيبة /النعماني /ص 145
80 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
والفعاليات التي ستجري على الشمس ،وساتابع الموضوع من خالل االحتمال الثاني.
لقد ذكرت في كتابي «حدث وحديث» تصوري األولي حول احداث ما بعد ظهور اإلمام
المهدي ،وذكرت في الكتاب ان هذه الفترة طويلة جدا ً النها ستتداخل بشكل كلي مع يوم
الرجعة الذي هو يوم طويل جدا ً اللف سنة مما تعدون ،عن اإلمام الصادق«أيام اللَّه المرجوة
ثالثة ،يوم قيام القائم ،ويوم الك ّرة ،ويوم القيامة»((( ،وذكرت ان اإلمام المهدي سيموت بعد ان
يحكم « »19سنة ويكون الذي يدفنه اإلمام الحسين ،وبعدها تأتي خمسين سنة ،كما مذكور
في األحاديث التالية.
عن جابر قال :سمعت ابا جعفر يقول«واللَّه ليملكن رجل منا أهل البيت األرض بعد
موته ثالثمائة سنة ويزداد تسعة».قال :قلت :فمتى ذلك؟ قال«بعد موت القائم» .قال :قلت :وكم
يقوم القائم في عالمه حتى يموت؟ قال«تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى موته» .قال :قلت:
فيكون بعد موته هرج؟ قال«نعم خمسين سنة»(((.
عن أبي عبد اللَّه « :من حديث طويل .....قال :إذا جاء الحجة الموت فيكون الذي
يغسله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي وال يلي الوصي إال الوصي»(((.
وعلى موجب هذا التصور اعتقد ان احداث ما بعد ظهور القائم تمر بثالث مراحل مهمة
هي كالتالي:
اوالً :فترة حكم القائم األولى وما سيحدث فيها.
ثانياً :الخمسون سنة هرج وما سيحدث فيها.
ثالثاً :احداث الرجعة وما سيحدث فيها.
وحسب هذا التصور فان األحداث التي يذكرها الخبر مورد البحث ستكون بعد ستمائة سنة
او اقل بقليل من ظهور القائم ،وبالتالي فالسؤال واضح مإذا سيحدث في هذه الستمائة سنة
بعد القائم.
((( تفسير البرهان /البحراني /ج /7ص /178ح 4كذلك تأويل اآليات /ج /2ص /576ح3
((( تفسير العياشي :ج/2سورة الكهف /ح /24ص 452كذلك اإلمام المهدي في بحار األنوار /ج /2باب /29الرجعة/
ح /122ص ،596
وقد ورد نفس الحديث في مختصر البصائر/عز الدين الحلي/أحاديث في الرجعة من غير طريق سعد« .»42/142والغيبة/
النعماني /باب /26ح ،3وغيبة الطوسي /ح 505اال انه ال يذكر فترة الخمسين سنة فيه.
((( مختصر البصائر/عز الدين الحلي.
ديدجلا يمالسإلا ميوقتلا 81
ولقد ذكرت في كتابي «حدث وحديث» أن تسلسل األحداث بعد ظهور القائم ليس امرا ً
هيناً لتداخل جملة من األحداث مع بعضها ،ولكن األحاديث تذكر ان اإلمام الحسين يحكم
بعد القائم فترة « »309سنة.
عن ابي جعفر قال «ثم يخرج المنصور إلى الدنيا فيطلب بدمه ودم أصحابه فيقتل ويسبي
حتى يقال :لو كان ذا من ذرية األنبياء ما قتل الناس كل هذا القتل ،فيجتمع الناس عليه ابيضهم
واسودهم فيكثرون عليه حتى يلجؤنه إلى حرم اللَّه فإذا اشتد البالء عليه مات المنتصر وخرج
السفاح إلى الدنيا غضبا للمنتصر فيقتل كل عدو لنا جائر ويملك األرض كلها ويصلح اللَّه له
امره ويعيش ثالثمائة سنة ويزداد تسعاً»،
ثم قال ابو جعفر«يا جابر وهل تدري من المنتصر والسفاح؟ يا جابر المنتصر الحسين
والسفاح أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليهم اجمعين»(((.
ّ
فإذا جمعنا فترة حكم القائم البالغة « »19سنة مع فترة الهرج البالغة « »50سنة مع فترة
حكم اإلمام الحسين البالغة« »309سنة يكون المجموع« »378سنة ،فتكون هذه احداث
القرون األربعة األولى من احداث الرجعة ،وبما ان الروايات تشير إلى ان اإلمام علي سيرجع
ويُقتل ايضا ،فربما تكون احداث القرون الخامس والسادس هي حادث رجعة اإلمام علي
نفسه ،وهنا يمكن ان نضع احداث القرن السابع « »700 - 600بعدها كما ورد في الخبر
محل البحث ،اذ الخبر يبيدأ بعبارة مهمة وهي«ان في العشر بعد ستمائة الجرح والقتل وتملئ
األرض ظلما وجورا» وفي العشرين بعدها يقع موت العلماء وال يبقى الرجل بعد الرجل ،وفي
الثالثين ينقص النيل والفرات حتى يزرع الناس شطهما ،وفي االربعين بعدها تمطر السماء
الحجر كامثال البيض فيهلك فيها البهائم ،وفي الخمسين بعدها تُسلط عليم السباع ،وفي الستين
بعدها تنكسف الشمس فيموت نصف الجن واالنس ،وفي السبعين بعدها ال يولد المؤمن من
المؤمن ،وفي الثمانين تصير النساء كالبهم ،وفي التسعين بعدها تخرج دابة األرض ومعها عصا
آدم وخاتم سليمان ،وفي السبعمائة تطلع الشمس سوداء مظلمة ،وتسالوا عما ورائها» ،وكلها
احداث تشير إلى عملية خراب متسلسلة تهلك فيها الخالئق ،وربما عملية الجفاف وموت
البهائم والمطر الغريب وموت نصف الجن واالنس كلها تشير إلى تغير النظام الفلكي لألرض
والتي سيرافقها جملة من الفعاليات الطبيعية المتطرفة ،اما عبارة«تُسلط عليم السباع» فربما هي
((( تفسير العياشي :ج/2سورة الكهف /ح /24ص 452كذلك اإلمام المهدي في بحار األنوار /ج /2باب /29الرجعة/
ح /122ص 596
82 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
دالة على خروج يأجوج ومأجوج،اما عبارة«وفي الثمانين تصير النساء كالبهم» والتي تقابلها
عبارة الخبر الثاني«سنة ثمانين وستمائة تظهر امرأة يقال لها سعيدة مع لحية وسبال مثل الرجال،
تاتي من الصعيد في مائتي الف عنا وتسير إلى العراق» ،فهما عبارتين مترابطتين اذ لطالما ذكرت
المرويات عالمات االنحالل األخالقي في اخر الزمان ومنها «تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء
بالرجال» فربما تكون للنساء في ذلك الزمان سطوة وسلطة تمكنها من قيادة الجيوش وتعطينا
الخطبة اللؤلؤية لإلمام علي مقطع من هذا الحدث عن أمير المؤمنين«تظهر في الصعيد
امرأة يقال لها سعيدة ولها لحية وسبال ،وتظهر في ثمانين الف عنان ،واكثر اتباعها من بني تميم،
فتسير إلى ان تبلغ العراق وتنحدر إلى الرحبة ثم إلى االنبار والعراق ،وتصير إلى موضع يقال له
القنطرة العتيقة ،فيقتل بها مقتلة عظيمة ،وينشر لها على شاطئ دجلة اربعمائة علم احمر عند
الزوراء التي مرت بها أجمة ،(((».........واحدث الرجعة بصورة عامة كما افهم من الروايات
تنتهي بظهور دابة األرض وطلوع الشمس من مغربها وهذا ما انتهت به عبارات الخبر«وفي
التسعين بعدها تخرج دابة األرض ومعها عصا آدم وخاتم سليمان ،وفي السبعمائة تطلع الشمس
سوداء مظلمة ،وتسالوا عما ورائها» وقد جاء في المرويات ان دابة األرض وطلوع الشمس
من مغربها ايتان متالزمتنان ايهما حدثت تاتي االخرى على اثرها ،النه بعد طلوع الشمس من
مغربها يغلق باب التوبة ويبدأ الحساب وسيتم وسم الناس عن طريق دابة األرض «هذا مؤمن
وهذا كافر» ،وهذه األحداث كلها متصورة الن يوم الرجعة يوم طويل وهو بالف سنة مما تعدون.
((( الخطب النادرة ألمير المؤمنين /الخطبة اللؤلؤية /عبد الرسول زين الدين ،المجموع الرائق ،456 /2 :الكتاب المبين:
327 /4
اماا -ةفيلخلا -ةّجُحلا
ل 83
((( راجع كتابنا «ايام اللَّه» فقد بسطنا فيها الكالم حول هذه العوالم
84 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
بالتالي ستجد ان هذه األلفاظ «الحجة -الخليفة -اإلمام» ت ُع ّبر عن مقامات في عوالم
ُمعينة.
جة:
ح ّ
ال ُ
جة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق»(((.
ح ّ
عن ابي عبد اللَّه«ال ُ
الحجة هو اللفظ الدال على الظهور الكلي الجامع للمعصوم في مقام العلّة والمؤثرية،
جة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق» ،فمقام الفعل ح ّ اي هو جهة الفعل ،لذلك قال«ال ُ
ساري قبل الخلق ومع الخلق وبعد الحلق ،فإذا فُني المعلول بقيت العلّة ،وإذا فُني المفعول بقي
الفعل ،فهو قبل ومع وبعد الخلق ،وهو مقام ال يجري عليه فعل الموت ،النه وجه اللَّه الباقي
َّ ك َ ْ ُ ُّ
ش ٍء َهال ٌِك إِل َو ْج َه ُه ۚ﴾(((،وهو مقام جبروتي سرمدي تندرج تحت بعد فناء كل شيء ﴿
لواءه كل مقامات االسماء والصفات النه عالم األمر وعالم المعنى وعالم الفعل ،وهو جهة
المخلوق األول إلى ربه ومقام كُ ّن«قبل الخلق» ،فهو الدليل والبرهان لذلك فهو مقام الحقيقة
َ َّ ْ ُ ُ ْ َ ُ
ال َّجة الَال ِغة ۖ﴾(((. ﴿فل ِلهِ
الخليفة:
الخليفة هو اللفظ الدال على الظهور الكلي الجامع للمعصوم في مقام«الفعل والمنفعل»
في نفس الوقت ،وهو مقام دهري ملكوتي ،وهو جهة المخلوق األول إلى نفسه«مع الخلق»،
وهو مقام برزخي بين «الكاف والنون» اي بين «كُن فيكون» ،وهو الذي يًعطي لكل ذي حق حقه
ويسوق لكل مخلوق رزقه ،ومقام البرزخية هذا هو الذي تسميه األحاديث مقام الباب كما قالوا
ًَ َْ ٌ ّ
خلق الخلق ﴿إ ِ ِن َجاعِل ِف ال ْر ِض َخل ِيفة ۖ﴾(((،
« نحن باب اللَّه» ،وهو الغاية التي من اجلها ُ
وما خلقت سماء مبنية وال ارض مدخية إال لهم صلوات اللَّه عليهم.
اإلمام:
اإلمام هو اللفظ الدال على الظهور الكلي الجامع للمعصوم في مقام«المنفعل» ،وهو
جة هو الفعل ،فاإلمام هو المنفعل،
ح ّ
جهة المخلوق األول باتجاه الخلق«بعد الخلق» ،فإذا كان ال ُ
بمعنى ان اإلمام هو «محل فعل اللَّه»((( ،وهو مقام زماني ُملكي،عن ابي عبد اللَّه«ان األرض
ال تخلو إال وفيها إمام»((( ،وهي من اكثر األلفاظ ظهورا واستخداماً في األحاديث ،وهو مقام
يجري عليه فعل الموت إال انه يموت اخر الناس ،عن اإلمام جعفر بن محمد الصادق....«
ان اخر من يموت اإلمام.(((»....
وهذا المقامات الثالثة التي عبر عنها الحديث كونها «قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق»
جمعها الحديث التالي بالفاظ اخرى تدل على نفس المفهوم وهي «المعاني ،االبواب ،اإلمام »
عن اإلمام علي بن الحسين قال«يا جابر او تدري ما المعرفة ،المعرفة اثبات التوحيد
اوالً ،ثم معرفة المعاني ثانياً ،ثم معرفة االبواب ثالثاً ،ثم معرفة اإلمام رابعاً ،ثم معرفة االركان
خامساً ،ثم معرفة النقباء سادساً ،ثم معرفة النجباء سابعاً ،وهو قوله تعالى﴿قُل ل َّ ْو َك َن ْالَ ْ
ح ُر
َ ً ْ
جئْ َنا ب ِ ِمثلِهِ َم َددا﴾ ،وتال ايضا﴿ َول ْو ادا ّل َِك َِم ِ َ ّ َ َ َ ْ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ ّ َ َ ْ
َ ً
ات ر ِب لفِد الَ َحر قبل أن تنفد ك ِمات ر ِب ولو َِ َْ
مِد
اللَ َ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ َ َ ْ َ َ ُ َّ َّ َّ ُ ُّ ُ َ ْ ْ َ ٌ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ
أنما ِف الر ِض مِن شج َر ٍة أقلم والَح ُر يمده مِن بع ِده ِ سبعة أب ٍر ما نفِدت ك ِمات اللِ ۗ إِن
يز َحك ٌ
ِيم﴾(((. َعز ٌ
ِ
وبالجمع بين كل هذه العناوين ينتج عندنا المخطط التالي:
معنى مصدر حجة جهته لربه فعل جبروت سرمد قبل الخلق علة
بث باب جهته لنفسه خليفة خلق تقدير مع الخلق ملكوت دهر
مستقبل إمام معلول منفعل جهته للخلق إمام زمان بعد الخلق ملك
فالمعصوم عليه الصالة والسالم له عدة مقامات ناتجة من تعدد العوالم وبالتالي فلكل
مقام لفظ يدل على ذلك المفهوم والتعريف يجب ان يكون صادر من معرفة تلك المقامات في
تلك العوالم فهناك مقام فعلي في عالم الفعل يتبعه لفظ دال عليه ،وهناك مقام تكويني في عالم
التكوين يتبعه لفظ دال عليه ،وهناك مقام تشريعي في عالم التشريع وهناك لفظ دال عليه وهكذا
((( هذه العبارة هي تعريف الشيخ احمد االحسائي للفظة اإلمام /جوامع الكلم
((( اصول الكافي /ج /1كتاب الحجة /باب /62ح 446
((( اصول الكافي /ج /1كتاب الحجة /باب /63ح 460
(( ( صحيفة األبرار للعالمة محمد تقي /ج /2الحديث / 7الجزء الثالث من القسم الثاني ،كذلك ورد في الزام الناصب /الشيخ
علي اليزدي الحائري /ج /1الغصن األول /الثمرة الخامسة في معرفة اإلمام .كذلك بحار األنوار :ج /26ص ،8كذلك
كتاب االمامة من كتاب العوالم للشيخ الجليل عبد اللَّه البحراني عن استاذه العالمة محمد باقر تقي المجلسي عن والده
من كتاب عتيق جمعه بعض محدثي أصحابنا في فضائل أمير المؤمنين.
86 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
تتعدد المقامات بتعدد العوالم وتتعدد التعريفات بتعدد االلفاط إلى ما ال يحصيها اال اللَّه.
والضرب لك مثال ،هناك شخص صديق لك اسمه احمد وهو طبيب واستاذ جامعة وله ولد
يدعى صادق ،فانت بعالقتك الشخصية معه تقول له يا احمد ،وبعالقتك معه كمريض تقول له يا
دكتور ،وبعالقتك معه في الجامعة تقول له يا استاذ ،وبعالقتك الرسمية معه امام الناس تقول له
يا ابا صادق وهكذا كل هذه القاب لشخص واحد إال انها تظهر لها الفاظ خاصة بها عند ظهوراته
في العالم الخاص به والجهة التي يتوجها بها اليه.
وكذلك المعصوم انت تقول عنه حجة في مقام العلّة واألمر والمعنى والفعل ،وتقول عنه
خليفة في مقام التكوين واصل التشريع ومقام االسماء والصفات ،وتقول عنه امام في مقام
التبليغ والهداية ومحل ظهور الفعل ،وتقول عنه وصي في مقام حفظ مواريث األنبياء ،وتقول
عنه ولي في مقام التملك والتسلط على الشيء ،فالولي هو المعيار الذي توزن به االعمال
ويقاس به اإليمان.
ربما ستقول لي ان هناك الكثير من األحاديث تخالف ما تقول فمنها عن ابي عبد اللَّه«ان
جة وانااألرض ال تخلو إال وفيها إمام»(((،واخر عن ابي الحسن«ان األرض ال تخلو من ُح ّ
جة في مقام ح ّجة ،نعم هو واللَّه ذلك ال ُ واللَّه ذلك الحجة»((( ،فمرة يسميه إمام ومرة يسميه ُ
ح ّ
اإلمام «بعد الخلق»،ومن هنا استشف ان الحج كشعيرة على المعنى الظاهر هو هذه الطقوس
العبادية التي تؤدى في مكة في زمن معين وفي مكان معين ،إال انه على الباطن الحج هو بلوغ
جة فقد حج.ح ّجة اي من عرف مقام ال ُح ّال ُ
ّ
ومن هنا استطيع التفريق بين معنى كلمة الخليفة في الموارد التالية ،األول :قوله ْتعالى﴿إ ِ ِن
ف ال ْر ِض﴾(((،
َ َ َ ُ ُ َّ َ َ ْ َ َ َ َ ً َ ً ((( َ َْْ َ ٌ
جاعِل ِف الر ِض خل ِيفة ۖ﴾ ،والثاني :قوله تعالى ْ َ﴿يا داوود إِنا جعلناك خل ِيفة ِ
ًَ ٌ ّ
والكثير من الناس يتصور ان مورد﴿إ ِ ِن َجاعِل ِف ال ْر ِض َخل ِيفة ۖ﴾ خاص بآدم النه جاء في
سياق قصة خلق آدم ،إال ان الخليفة هنا هو الغاية التي سيخلق اللَّه من اجلها آدم وذريته
النه منصب ال يظهر إال في اخر الزمان ،فيكون معنى الخليفة في مورد البقرة هو المقام االصلي
الدهري للفظ الذي سيظهر في ايام دولة العدل ،اما معنى اللفظ في مورد «ص» فهو معنى تبعي
زماني يمكن ان يحوزه اي نبي او وصي في الدنيا.
(( ( بحار االنوار /ج /52ص /110ح 17كذلك الكافي /الكليني /ج /1ص 380
((( الكافي628 /2 /
مّلسو هلآو هيلع هللا ىّلص هللا لوسر مكح ةرتف 89
الدعوة التي اغلبها فترة نزول القرآن ،والمشهور تاريخياً ان رسول اللَّه قضى هذه المدة ما
بين مكة والمدينة ،في مكة« »13سنة وفي المدينة« »10سنوات.
والموضوع يجب ان يفهم اوالً من خالل فهم المعنى العام للحديث ،فاحد السائلين يسأل
اإلمام الرضا عن معلومة وردت في كالم جده اإلمام ابي عبد اللَّه جعفر الصادق يقول
فيها اي الصادق«ابى اللَّه تبارك وتعالى ان يملك احد ما ملك رسول اللَّه ثالث وعشرون
سنة» ،فاجابه اإلمام الرضا«ان كان ابو عبد اللَّه قاله جاء كما قال» ،والعبارة بهذه الصياغة
تحتاج إلى تحليل فعبارة«ان كان» تشير إلى انه لم يُق ّر ولم يُنكر في نفس الوقت ،بمعنى ان
اإلمام الرضا صاغ عبارة تجعل الجواب ُمعلّق يمكن ان يُصرف إلى عدة وجوه.
عن أبي عبد اللَّه قال «إني ألتكلم على سبعين وجهاً لي في كلها المخرج»((( ،عن
أبي عبد اللَّه قال«أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كالمنا ،أن كالمنا لينصرف على سبعين
وجهاً»(((.
وبما ان الحديث يشترك فيه اثنان من األئمة المعصومين اإلمام الصادق واإلمام الرضا
عليهما السالم فيجب متابعة الموضوع من جهتيهما وسنتناول اوال معنى الحديث من جهة
اإلمام الصادق كالتالي:
- 1ربما يكون قصد السائل ان يسأل عن مدة حكم الثالثة الذين حكموا بعد رسول اللَّه
كون ابي بكر حكم سنتان واشهر ،وعمر بن الخطاب حكم عشرة سنوات واشهر ،وعثمان بن
عفان حكم اثنا عشر سنة ،ولكن هذا االحتمال ضعيف بل غير وارد الن الناس في زمن اإلمام
الصادق يعرفون كم حكم هؤالء وبالتالي ال داللة يمكن ان يستفاد منها السائل في سؤاله
إذا كان هذا مقصده ،فهذا االحتمال مستبعد نهائيا ولكنه يفيدنا كمصداق تاريخي على المعنى
األولي انه ال احد ممن يسمونهم بالخلفاء الراشدين قد حكم اكثر من مدة ُملك رسول اللَّه
إذا عرفنا ان اإلمام علي لم يحكم إال اربعة سنوات وتسعة اشهر.
- 2االحتمال االرجح ان السائل كان يفهم انه ال احد من بني امية يحكم اكثر من « »23سنة
باعتبار ان اإلمام الصادق عاش في زمن بني امية إلى نهاية ُملكهم وعاصر الفترة األولى من
ُملك بني العباس ،ولو راجعت هذا الموضوع تاريخياً لوجدت ان بني امية حكموا فترة «- 41
»132هجري اي « »91سنة موزعة على « »14حاكم اموي لم يحكم اي واحد منهم فترة «»23
سنة متواصلة واكبر فترة حكم هي فترة حكم معاوية بن ابي سفيان البالغة« »20سنة وبعض
حكامهم حكموا اشهر قليلة ،وهذا التناغم في العدد كون عدد آل البيت هو « »14شخص
وعدد من حكم من بني امية هو ايضا« »14فيه قرينة تشير ان اإلمام الصادق في عبارته كون
ال احد يحكم اكثر من فترة حكم رسول اللَّه هو خاص ببني امية فقط كونه معاصر لنهاية
ملكهم وربما قالها في تلك الفترة ليؤكد زوال ملكهم.
- 3لعل البعض يقول ربما ان هذا الكالم صدر من اإلمام الصادق في فترة حكم بني
العباس باعتباره عاصر اول ملكهم فيكون معنى العبارة لوصف حال ملوك بني العباس ايضا؟
نعم االحتمال وارد كون اإلمام الصادق ولد سنة« »83هجرية ومات وعمره « »65سنة اذ
توفي سنة « »128هجري وهو بهذا الشكل قد عاصر من حكام بني امية في زمن إمامته إبراهيم
بن الوليد ومروان الحمار ،وعاصر من بني العباس السفاح وابو جعفر المنصور ،وبما ان ملك
بني امية انتهى سنة« »132هجري واإلمام الصادق مات سنة« »148هجري فهذا معناه ان
عاش « »16سنة من عمره الشريف في حكم بني العباس ،وبالتالي يمكن ان تكون هذه المعلومة
صدرت منه في هذه الفترة فتكون داللتها باتجاه بني العباس.
الحقيقة ان ملك بني العباس امتد للفترة من « »656 - 132هجري اي « »524سنة تولى
الحكم فيها « »37حاكم منهم ،والواقع التاريخي لهؤالء يشير ان بعضا منهم حكم اكثر من
« »23سنة منهم هارون العباسي والمقتدر الذي حكم « »29سنة والناصر لدين اللَّه الذي حكم
« »47سنة ،فال يمكن ان تنطبق هذه القاعدة على من حكم من بني العباس.
وال ادري بالضبط هل ان العبارة التي يوردها الحديث عن اإلمام الصادق كانت من
كالمه المباشر ام ان احد سأله فاجاب بهذه المعلومة،فالحديث ال يعطينا تصور عن ذلك وانما
هي معلومة يقول بها شخص سأل اإلمام الرضا عنها كون جده الصادق قالها ،وبالتالي
فنحن ال نعرف الظروف الذاتية والموضوعية التي صدر فيها الكالم والجهة التي سألت وجهة
الجواب فكل هذه االمور نعالجها هنا من جهة التخمين والقرائن المتصلة بكل استنتاج ،ويمكن
القول بشكل ظني ان هذا السؤال ُسئل لإلمام الصادق في زمن الحاكم ابي جعفر المنصور
الذي حكم « »21سنة فربما طول فترة حكمة والظلم الذي تعرض له الشيعة قد جعل البعض
يسال او يتذمر من طول فترة حكمه فاجابه الصادق بهذه العبارة ليطمئنه مثال وهو احتمال
وان كان وارد اال ان اثباته صعب لعدم وجود القرينة ولوجود من حكم من بني العباس اكثر من
« »23سنة بعد اإلمام الصادق مما يشير إلى ان الحديث ربما خاص بملك بني امية وال يشير
إلى ملك بني العباس.
مّلسو هلآو هيلع هللا ىّلص هللا لوسر مكح ةرتف 91
- 4لو تابعت بصورة عامة فترات حكم السالطين من العثمانيين الذين حكموا بالد
المسلمين والذين حكموا في دول اخرى مثل حكم االمويين في االندلس وحكم الفاطميين
وغيرهم ستجد جملة منهم من حكم الكثر من « »23سنة مما يرجح ان القاعدة خاصة وليست
عامة ،وهذا يؤكده عبارة اإلمام الرضا في نفس الحديث قوله «ان كان ابو عبد اللَّه قاله
جاء كما قال» ،اال كونها تشير إلى ملك بني امية النها جاءت كما قال ابو عبد اللَّه ،اي
هي قاعدة جارية عليهم فقط وما بعدها يفعل اللَّه ما يشاء لذلك لم يؤكد اإلمام الرضا هذه
المعلومة بجواب نعم مثال النه يعلم ان هناك من سيحكم اكثر من « »23سنة في بني العباس(((.
هذه بعض المعاني التي نستشفها من الحديث إذا نظرنا اليه من جهة اإلمام الصادق
وعصره اما إذا نظرنا إلى الحديث من جهة اإلمام الرضا وعصره يمكن ان نخرج بالمعاني
التالية
- 1لم يؤكد اإلمام الرضا المعلومة بشكل مباشر بل اجاب بعبارة تتحمل اكثر من معنى
مما اضطر السائل ان يقول لإلمام«فقلت جعلت فداك واي شيء تقول انت» واالمام هنا ايضا
لم يجبه بشكل مباشر بل قال له«ما احسن الصبر وانتظار الفرج» وهي عبارة اخرى تشير إلى ان
اإلمام يحاول ان يبقي األمر مبهما وال يريد الجواب المباشر.
- 2عبارة اإلمام «ما احسن الصبر وانتظار الفرج اما سمعت قول العبد الصالح فارتقبوا
اني معكم رقيب وانتظروا اني معكم من المنتظرين ،فعليكم بالصبر فانه انما يجيء الفرج على
الياس وقد كان الذين من قبلكم اصبر منكم» تشير إلى انه يقول للسائل بشكل غير مباشر وما
يهمك ان حكم فالن او فالن « »23سنة او اكثر فتكليفكم هو انتظار القائم وليس زوال ملك
فالن او ملك فالن ،وعلما يبدوا ان متابعة زوال ال ُملك في زمن األئمة كان موضوع متداول
بكثرة كما هو الحال في ايامنا هذه ،فكل شخص يهتم بموضوع اإلمام المهدي يجد نفسه من
حيث يعلم وال يعلم مهتم بمتابعة اخبار الملوك ومدة حكمهم مما جعل اإلمام الرضا يجيب
باالهتمام بموضوع االنتظار حصرا ً.
- 3ربما اإلمام الرضا لم يجب السائل بشكل مباشر كأن يقول له نعم قال جدي ذلك
بل اختار عبارة لها عدة معاني وهي «ان كان ابو عبد اللَّه قاله جاء كما قال» لكي يبقى
((( لعله من الممكن ان نشير الى امر حدث في تاريخنا المعاصر حيث حكم صدام حسين العراق من يوم 1979/6/16
ولغاية يوم 2003 /4/9ومجموعها 23سنة وتسعة اشهر و 23يوم فربما وال َّله العالم ان الرقم 23له خصوصية في هالك
الظالمين واالحاديث ايضا تذكر ان جبرائيل سوف ينادي يوم الثالث والعشرون من شهر رمضان في سنة خروج القائم
ومن ضمن ندائه( انتهت مدة الجبارين)
92 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
منطوق الجواب متعلق باإلمام الصادق الذي هو متوفي في هذه الفترة فال يستطيع احد ان
يفعل له شيء ،الن اإلمام الرضا عاش ظرف تاريخي وسياسي جدا ً صعب و ُمعقد من فترات
حكم بني العباس وخصوصا انه عاش في زمن فيه تداعيات خطيرة اعقبت عملية قتل والده
االمام موسى بن جعفر وخوف بني العباس من ان تتحول هذه الحادثة إلى نار تؤجج ثورات
علوية او جماهيرية كما حدث بعد قتل اإلمام الحسين وعانت منها الدولة االموية لذلك
قام المأمون العباسي بتقريب اإلمام الرضا واعالن والية العهد،وهذا التصرف فيه داللة على
خطورة الموقف في ذلك الوقت ،فتم تقريب اإلمام الرضا من الحكم لكي يمتصوا زخم
التمرد او الثورات ،وحسب هذا الوضع السياسي المتأزم إذا ُسئل اإلمام الرضا هكذا سؤال
واجاب بنعم فهذا معناه انه يقول انه ال احد من بني العباس يحكم اكثر من « »23سنة مما قد
يثير الخلفاء عليه.
- 4ربما السائل سأل اإلمام الرضا هذا السؤال الن هناك واقع تاريخي عاصره كون
هارون العباسي الذي حكم قبل اإلمام الرضا قد حكم « »23سنة فيكون قصد السائل ضمنا
انه كيف يقول اإلمام الصادق انه ال احد يحكم كما حكم رسول اللَّه وهذا هارون العباسي
قد حكم مثله مما جعل اإلمام الرضا يجيب بهذا الشكل ،ولو تابعت حياة اإلمام الرضا
لوجدت هناك جملة من األحاديث تشير إلى انهم سألوه عن اشياء قالها اإلمام الصادق بالذات
مما يشير إلى وجود جهة تحاول ان تبين للناس ان كالمهم فيه تناقض وحاشاهم(((.
- 5ربما اإلمام الرضا لم يؤكد الرقم لعلمه بان البداء جاري على مدة حكم الملوك اي
يكون معنى الحديث ضمنا ان كل ملك او حاكم ال يتجاوز حكمه اكثر من مدة حكم رسول
اللَّه البالغة« »23سنة اال إذا حصل البداء
وجل نبياً حتى يأخذ عليه
عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه قال«:ما بعث اللَّه ع ّز ّ
ثالث خصال :االقرار بالعبودية ،وخلع األنداد ،وإن اللَّه يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء» .
(((
((( واليك حديث سؤل فيه اإلمام الرضا (ع) عن كالم قاله اإلمام الصادق(ع)
عن الحسن بن علي الخزّ از قال :دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا فقال له :أنت إمام؟ فقال(نعم) .فقال :إنّي
سمعت جدّ ك جعفر بن محمد يقول :اليكون اإلمام إال ول ُه عقب .فقال( :أنسيت ياشيخ أم تناسيت؟ ليس هكذا قال
جعفر(ع) أنما قال جعفر اليكون اإلمام اال ول ُه عقب إال الذي يخرج عليه الحسين بن علي فانه ال عقب له) .فقال
له :صدقت ُجعلت فداك هكذا سمعت جدّ ك يقول) الغيبة للطوسي 188 /224 :كذلك االيقاظ من الهجعةبالبرهان على
الرجعة /الحر العاملي /الباب /10ح /96ص 353
(( ( الكافي /االصول /باب /49ح366
�������������������������������������������� 93
الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم المه«اي جمعه» ثم اعاده في مكانه»
قال انس وقد كنت ارى اثر ذلك المخيط في صدره»(((.
ومعنى الحديث ان رسول اللَّه في اصل تكوينه فيه علقة للشيطان،وهذه قد انتزعت من
رسول اللَّه وهو طفل صغير وهو يلعب مع الصبيان وهو قبل الوحي بكثير مما ال يشكل
شائبة على موضوع العصمة ال على اقل تقدير في فترة ما بعد الوحي ،لكن هذه التخريجة ال
تصمد امام األحاديث السابقة النها ت ُق ّر ان شيطان النبي قد اسلم بل ويأمره ايضاً ،وهذه عبارات
تدل بشكل واضح ان هذا الشيطان استمر تواجده مع رسول اللَّه حتى بعد الرسالة النه يقول
عنه «اسلم».
ويخالف هذه التخريجةايضا الحديث الذي يروونه كون رسول اللَّه كان يتعوذ من
الشيطان في كل ليلة ،فكيف يكون اسلم ورسول اللَّه يدعوا عليه كل ليلة كما في الحديث«ان
رسول اللَّه إذا اخذ مضجعه من الليل قال :بسم اللَّه وضعت جنبي ،اللَّهم اغفر لي ذنبي،
واخسأ شيطاني ،وفك رهاني ،واجعلني في الندي االعلى»((( ،وفي رواية اخرى «تخزي
شيطاني» ،فكيف يقول عنه «انه ال يأمرني إال بخير» وهو يتعوذ منه كل ليلة.
ولعل هذه األحاديث وامثالها هي التي جعلت البعض منهم يقول بوجود حالين في شخص
الرسول ،الحال األول هو حال النبي وما يتعلق به من نزول الوحي والتشريع وادارة شؤون
االمة ،والثاني هو حال اإلنسان الذي يجري عليه ما يجري على الناس وموضوع العصمة متعلق
بالحال األول فقط ،وعالقته مع الشيطان الذي اسلم متعلق بالموضوع الثاني.
والحقيقة انهم ال يمكنهم ان يُخ ّرجوا هذه األحاديث بطريقة سليمة النهم يرون في الشيطان
صفة داخلية في اإلنسان ولم يخطر ببالهم بل ال يعرفون اصال ان الشياطين انواع منهم االنسي
ومنهم الجني وهؤالء لهم تحقق في الخارج على هيئة اشخاص.
والحق ان في القرآن وأحاديث اهل بيت العصمة صلوات اللَّه عليهم تصور اخر يختلف
َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ّ َ َ ُ ًّ َ َ َ ْ
ال ِّن ﴾(((، نس و ِ ال ِ
ب عدوا شي َاطِني َِّ عما يقوله ابناء العامة ،قوله تعالى﴿وكذٰل ِك جعلنا ل ِك ن ّ
ِ
َ ُ ْ َ َ ِ ٍ َ ُ َّ َ ٰ َ ُ ٌّ َ َ َ ْ َ
ك﴾(((، ج
ِ و ِز ل و ك ل و د ع ا ذ ه نِ إ م آد ا ي ان وقد ورد عداوة الشيطان لألنبياء في موارد اخرى﴿فقل
ْ ُ ُ ْ ً َ ْ ْ َ َ
حتى ان عملية هبوط آدم وإبليس وصفت بانها عداوة ﴿قال اهب ِ َطا مِن َها جِيعا ۖ َبعضك ْم لِ َع ٍض
َع ُد ٌّو ۖ﴾(((.
واآلية صريحة بوجود اعداء لألنبياء من الشياطين من «االنس والجن» وقد التفت بعض
علماء العامة لجو اآلية كون فيها مخرج لهذه األحاديث النها تثبت ان للنبي عدوا من الشياطين
ولكنه «اسلم» ،ولكن اآلية لو اعتمدوا عليها كمصداق للحديث فانها ستوقعهم باشكال اكبر
كون هؤالء الشياطين من االنس والجن ،وبالتالي يجعل المتأمل يسأل نفسه من هم هؤالء
االنسيين؟ ولماذا اسلم شيطان الرسول ولم يسلم غيره؟ وهذا ما سيوضحه لنا الحديث
التالي.
عن ابي عبد اللَّه قال«ما بعث اللَّه رسوالً إال وفي وقته شيطانان يؤذيانه ويفتنانه ويضالن
الناس بعده ،فأما الخمسة أولو العزم من ال ُرسل :نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ،فأما
صاحبا نوح فطنطينوس وخرام ،واما صاحبا إبراهيم فمكيل ورذام ،واما صاحبا موسى فالسامري
ومرعقيبا ،واما صاحبا عيسى فينواس ومريسون ،واما صاحبا محمد فحبتر وزريق»(((.
والحديث ت ُص ّدقه اآلية ،الن اآلية تقول بوجود جهتين«انس وجن» والحديث يقول بوجود
اثنان سماهما «شيطانان» ،وكذلك اآلية تسميهم شياطين ،والحديث يشير إلى هؤالء«الشيطانان»
ال ينطبق عليهم مفهموم كون الشيطان «يسري من بني ادم سريان الدم في العروق» ،بل هما
موضعان خارجيان متشخصان باشخاص ولهم اسماء إال ان احدهم جني واخر انسي ،فال
يصح بعدها القول ان لرسول اللَّه شيطان بمعنى انه يسري منه مسرى الدم في العروق كما
هو حال الناس ،بل له شيطانان بمعنى «عدوان من االنس والجن» متشخصين في الخارج ولهم
اسماء يتسمون بهما ،فوجود هؤالء مع األنبياء من باب الضدية في الصراع النهم اعداء ،وبما
ان التكليف لالنس والجن فكان اعداء األنبياء منهم ظاهرين من االنس والجن ،وهؤالء وان
كانوا من االنس والجن اال انه سماهم شياطين النهم منافقون َيظهرون اإلسالم ويضمرون الكفر
َ َ ْ ْ َ ُ َ َّ ُ َّ ُ ْ ُ َ
كناب آمنا ۖ قل ل ْم تؤمِنوا َول ٰ ِت العر
ومن َهنا قال عنهم «اسلم» كما في روايات العامة ﴿قال ِ
ُ ُ ُ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ ُ ْ َ ُ ُ ُ
ك ْم ۖ﴾((( ،ولو كان الشيطان هنا صفة كما يقولون ما قال اليمان ِف قل ِ
وب قولوا أسلمنا ولما يدخ ِل ِ
عنه «اسلم» ،وهذه العبارة لوحدها دالة على تشخصه في الخارج على هيئة انسان ،الن الذي
في الداخل ال يمكن ان يسلم اما الذي في الخارج لكونه شيطان فمن الممكن ان يسلم «خوفا
طمعا» ،وحسب روايات العامة كون هذا الشيطان اسلم فاننا ال نعرف هل الذي اسلم الشيطان
الجني ام الشيطان االنسي.
والعبارة الواردة في حديث اإلمام ابي عبد اللَّه«صاحبا محمد» قصدية الداللة كونهما
موضوعان خارجيان بل شخصان معروفان ،بل استخدمها مع كل األنبياء كما في الحديث،
ولفظة«صاحب» تدل بشكل واضح ان كل هؤالء لم تكن عداوتهم ُمعلنة واال لم يسميهما
صاحبان ،بل كانت عداوتهما ُمضمرة والناس تسميهم «أصحاب» ،لذلك ع ّبر عنها الحديث
بعبارة اسم «اعانني اللَّه عليه فاسلم» ،اي اسلم ظاهرا ً ،وهذه علما يبدوا ُس ّنة جارية في تاريخ
األنبياء كون كل هؤالء الشياطين محيطين باألنبياء وهم من خاصة أصحابهم ،وعلما يبدوا ان
امثال هؤال يُفتتن بهم الناس في كل الديانات بعد رحيل األنبياء ،وهذه الشخصيات التي ذكرها
الحديث الوارد عن ابي عبيد اللَّه بحاجة لتقصي تاريخي مفرد لمعرفة طبيعة عملهم وطبيعة
صراعهم مع األنبياء وطبيعة التحريف الذي حصل في الديانات.
ولكن من هما «حبتر وزريق»؟ والشيعي ال يحتاج إلى دليل لتحديد هوية هاذين الشيطانين
االنسي والجني الن األحاديث كثيرة جدا بتحديد شخصيتهما.
ََ َ ْ َ ُ ََْ ّ ُّ
ِك بَاب ّمِنْ ُه ْم ُج ْز ٌء َّم ْق ُس ٌ
وم﴾(((. اب ل ِ ٍ في قوله تعالى﴿لها سبعة أبو ٍ
عن ابي عبد اللَّه«يؤتى بجهنم لها سبعة ابواب بابها األول للظالم وهو زريق ،وبابها
الثاني لحبتر ،والباب الثالث للثالث ،والرابع لمعاوية ،والباب الخامس لعبد الملك ،والباب
السادس لعسكر بن هوسر ،والباب السابع البي سالمة ،فهم ابواب لمن تبعهم»(((.
عن ابي عبد اللَّه«كانت امرأة من االنصار تدعى حسرة تغشى آل محمد وتحن ،وان
زفر وحبتر لقياها ذات يوم فقاال :اين تذهبين يا حسرة؟ فقالت :اذهب إلى آل محمد فاقضي من
حقهم واحدث بهم غدا ،فقال :ويلك انه ليس لهم حق انما كان هذا على عهد رسول اللَّه،
فانصرفت حسرة ولبثت ايام ثم جاءت فقالت لها ام سلمة زوجة النبي ما ابطأ بك عنا يا
حسرة؟ فقالت :استقبلني زفر وحبتر فقاال :اين تذهبين يا حسرة؟ فقلت :اذهب إلى آل محمد
فاقضي من حقهم الواجب ،فقاال :انه ليس لهم حق انما كان هذا على عهد النبي ،فقالت ام
(((.
سلمة :كذبا لعنهما اللَّه ال يزال حقهما واجبا على المسلمين إلى يوم القيامة»
عن اسحاق بن عمار الصيرفي سألت اإلمام الكاظم هذا السؤال ُجعلت فداك حدثني
بحديث في ابي بكر وعمر فقد سمعت من ابيك أحاديث عدة .فقال«يا اسحاق األول بمنزلة
العجل والثاني بمنزلة السامري.(((»..................
عمر الدنيا
الدجال وطلوع الشمس من مغربها ورجعة اإلمام الحسين واإلمام علي وهذه قد
تشغل مساحة زمنية قد تصل إلى « »300سنة وخصوصا ان المرويات تقول ان اإلمام المهدي
يحكم« »19سنة ويموت وله فترة حكم اخرى تبلغ سبعة سنوات كل سنة بعشر سنين من سنيكم
هذه فتبقى فترة ال« »300فترة معقولة لكي تجري فيه كل هذه األحداث وبالنتيجة النهائية
وحسب هذه االرقام فان الظهور قريب ان شاء اللَّه
اما إذا احتج علينا البعض كون األحاديث تذكر ان رسول اللَّه في رجعته سيحكم
« »50000سنة واإلمام علي يحكم« »44000سنة فهذه ليست من فترة الدنيا بل من فترة
البرزخ الكوني الذي ستصل اليه الخالئق في رحتلها الوجودية في نهاية الرجعة.
ةكرحلا موهفم لالخ نم ظافلألا ضعب ةعباتم 101
- 1السقوط:
هو حركة الشيء من االعلى إلى االسفل بشكل مستقيم او مائل غير مسيطر عليها إلى
مكان غير معلوم« ،الحظ الشكل -ا» ،كما تقول «سقطت الطائرة» او «سقط النيزك» ،فانت ترى
الحركة ولكن ال تعرف اين سيستقر بها الحال ،فالسقوط حركة مرتبطة بالمجهول مكاناً وبعدم
السيطرة فعالً ،وعادة ما يتبع السقوط دمار او عذاب ﴿أَ ْو ن ُ ْسقِ ْط َعلَيْه ْم ك َِس ًفا ّم َِن َّ
الس َماءِ ۚ﴾(((. ِ
- 2النزول:
وهو حركة الشيء من االعلى إلى االسفل بشكل مستقيم عمودي حصرا ً«الحظ الشكل -
الس َماءِ َم ً
اء﴾((( ،والنزول حركة ب» ،كما تقول «نزل المطر» او «نزل المصعد» ،قوله﴿ َوأَ َ
نز َل م َِن َّ
مسيطر عليها وتنتهي إلى مكان معلوم ،وحسب هذا الفهم الحركي لمعنى السقوط والنزول ال
يصح ان تقول سقوط المطر بل نزول المطر.
- 3الصعود:
هو حركة الشيء من االسفل إلى االعلى بشكل خط مستقيم او مائل منضبطة ومسيطر
عليها «الحظ الشكل -ج» كما في حركة صعود الجبل او الصعود إلى العمارة او صعود الطائرة.
- 4الهبوط:
هو حركة الشيء من االعلى إلى االسفل بشكل خط مستقيم او مائل وهي حركة منضبطة
مسيطر عليها تنتهي إلى مكان معلوم ومقرر سلفا ،كما تقول «هبطت الطائرة» فهي حركة منضبطة
مسيطر عليها تنتهي إلى مكان معلوم مسبقا وهو ارض المطار ،وكذلك عندما تقول هبطت
المضلة ،او كما تقول هبطت المالئكة وهكذا لذلك إذا هبطت الطائرة استقرت وإذا سقطت
تدمرت «الحظ الشكل -د».
والهبوط له عدة معاني منها معنى هندسي مرتبط بالحركة من االعلى إلى االسفل كما
ذكرنا ،ومنه معنى رتبي بالهبوط من حال عالي إلى حإلى داني كما تقول «هبطت المعنويات» او
ُ ُ َ َ ْ
بمعنى تغيير الحال ،والهبوط بالمعنى الرتبي و تغير الحال كما في قوله﴿قال اهب ِ ُطوا َب ْعضك ْم
لِ َ ْع ٍض َع ُد ٌّو ۖ ﴾((( ،وقد يجتمع المعنى الهندسي والرتبي في حركة واحدة كما في المورد القرآني
َ َْ ََ ُ
ك ْم ِف ال ْر ِض ُم ْس َتق ٌّر﴾ ،وبما ان الهبوط اعاله ايضا ،والهبوط يتبعه استقرار لذلك قال ﴿ول
ينتهي إلى منطقة معلومة سميت تلك االماكن «مهابط» كما ورد بعبارة«مهبط الوحي» او «مهبط
المالئكة».
وحسب هذا الفهم الحركي لمعنى النزول والهبوط ال يصح ان تقول نزلت الطائرة بل هبطت
الطائرة.
- 4االنزال:
كما ان السقوط والهبوط يشتركان بكونهما حركة من االعلى إلى االسفل ولكنهما يختلفان
بالخصائص ،كذلك النزول واالنزال يشتركان بمعنى الحركة من االعلى إلى االسفل ولكن
يختلفان بالخصائص.
فاالنزال حركة الشيء من االعلى إلى االسفل يرافقها تمايل ذات اليمين وذات الشمال
اي حركة موجية« ،الحظ الشكل -هـ» النها تحمل في طياتها معنى حركة الشيء العظيم من
االعلى إلى االسفل ،وكمعنى علوي تحمل معنى الفيض في حركة ظهور الشيء من االجمال
َ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ
ك الْك َِت َ
اب﴾(((. إلى التفصيل﴿ونزلا علي
فالسقوط والنزول والهبوط واالنزال بينهم تشابه عام من حيث الحركة من اعلى إلى اسفل
ولكن يختلفون من ناحية القيمة معنوياً واعتبارياً ،فمثالً الهابط من الناحية المعنوية ينقص من
قدره او من مميزاته شيء ،كما في عملية هبوط آدم وإبليس ،لذلك ع ّبر عنها بالهبوط ولم يقل
نزال النهما فقدا الكثير من خصائصهمها في هذه العملية ،وكذلك المالئكة إذا انتلقت من العالم
َ
العلوي إلى األرض تفقد صورتها المالئكية وتظهر بالصورة البشرية كما في قوله تعالى﴿ َول ْو
َ ْ َ ً ََ َ َ ْ َ ُ َ َ ً َّ َ ْ
ل َعل َناهُ َر ُجل َوللبَ ْس َنا َعليْ ِهم َّما يَلب ِ ُسون﴾((( ،اما االنزال ففيه ال يفقد ال ُمن ّزل من جعلناه ملك
قيمته شيء كما هو «نزول القرآن» ولم يقل هبوطه.
ويمكن ان تالحظ معنى معين في عبارة الزيارة الجامعة«وما نزلت به رسله وهبطت به
مالئكته» ،ففي هذ العبارة جمعت النزول والهبوط في سياق واحد ،ويمكن ان يكون الرسل هنا
هم انفسهم المالئكة ،ولكن عندما تأتي المالئكة بامر خاص او تشريعي يقال عنها نزلت ،كما
ورد في األحاديث ان «جبريل ينزل على رسول اللَّه ،»وإذا جائت بامر خارج التشريع قيل
هبطت ،فحركة المالئكة تشريعياً نزول وهو يحمل معنى الوحي ،وحركتها كتنفيذ وتدبير هبوط.
- 5العروج:
هي حركة من االسفل إلى االعلى على شكل خط مستقيم ذات اليمين وذات الشمال اي
حركة موجية «الحظ الشكل -و» ،وهي بمعنى صعود االدنى إلى االعلى ،وهو مبدأ الوسيلة
التي من خاللها يتقبل العمل ،كما ورد «الصالة معراج المؤمن» ،وعلى ظاهر القرآن الكريم فان
حركة العروج حركة سماوية فقط كما في قوله تعالى﴿ َو َما يَزن ُل م َِن َّ
الس َماءِ َو َما َي ْع ُر ُج ف َ
ِيها ۚ﴾(((، ِ
فالذي يتحرك من السماء إلى األرض نزول ،والذي يتحرك داخل السماء فهو عروج ،فالعروج
على المعنى السماوي هو حركة من سماء الخرى لذلك قيل اإلسراء والمعراج ،فاإلسراء حسب
هذا التصور هو الوصول إلى السماء ،اما المعراج فهو الحركة فيها.
وإذا اردنا ان نربط بعض هذه األلفاظ مع مفهوم اخر غير الحركة وهو نوع الوقت فيكون
لدينا معاني لهذه المفاهيم من خالل الحركة ونوع الوقت.
فقد ذكرنا سابقا ان هناك اوقات متعددة في الكون فهناك العالم ذو الوقت الدهري ،وهناك
العالم ذو الوقت الزماني وما بينهما العالم ذو الوقت البرزخي فيمكن القول.
العروج :هو حركة من االسفل إلى االعلى من الزمان إلى الدهر او هو حركة داخل االعلى
َْ َ َ ْ َ ُُ َْ َ ََْ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ُ َ ُّ ُ َ
وح إِلْهِ ِف يو ٍم كن مِقداره خسِني ألف فقط اي داخل الدهر فكلها عروج ﴿تعرج الملئِكة والر
َس َن ٍة﴾(((.
والهبوط :هو حركة من االعلى إلى االسفل من الدهر إلى البرزخ او من البرزخ إلى الزمان.
والنزول :هو حركة من االعلى إلى االسفل في الزمان
الشكل «»1
شكل «»2
����������������������������������������� 107
وبهذا يكون جو السماء هو الفضاء الذي تتحرك فيه الطيور والرياح والسحاب وهو
المعروف عندنا بالغالف الجوي األرضي الحظ الشكل«.»2
وان الذي سمته اآلية الكريمة بجو السماء له تسمية اخرى في األحاديث وهو الهواء كما في
(((
حديث اإلمام علي«بين السماء والهواء بحر عجاج يتالطم به االمواج»
وتذكر األحاديث ان في هذا الهواء مخلوقات ال نراها وال نعرفها بل الواضح ان هذه المنطقة
مشحونة بالحياة كما في األحاديث التالية.
عن صفوان الجمال قال :كنت بالحيرة مع ابي عبد اللَّه اذ اقبل الربيع وقال :أجب أمير
المؤمنين ،فلم يلبث ان عاد ،قلت :اسرعت االنصراف ،قال«انه سألني عن شيء فاسأل الربيع
عنه» ،فقال صفوان :وكان بيني وبين الربيع لطف ،فخرجت إلى الربيع فسألته فقال :اخبرك
العجب ان االعراب خرجوا يجتنون الكمأة فاصابوا في البر خلقاً ُملقى ،فأتوني به فادخلته على
الخليفة ،فلما رأه قال :نحه وادع جعفرا ،فدعوته فقال :يا ابا عبد اللَّه اخبرني عن الهواء ما فيه؟
قال«في الهواء موج مكفوف» ،قال :فيه سكان؟ قال«نعم» ،قال :وما سكانه؟ قال«خلق ابدانهم
ابدان الحيتان ،ورؤوسهم رؤوس الطير ،ولهم اعراف كأعراف الديكة ،ونغانغ كنغانغ الديكة،
واجنحة كاجنحة الطير من الوان اشد بياضا من الفضة المجلوة» ،فقال الخليفة :هلم الطشت،
فجئت به وفيها ذلك الخلق وإذا هو واللَّه كما وصفه جعفر ،فلما خرج جعفر قال :يا ربيع هذا
الشجا المعترض في حلقي من اعلم الناس»(((.
وال اعرف على الحقيقة المعنى اللغوي لعبارة«الموج المكفوف» ففي المعاجم في مادة
كف الثياب اي طيها ،ومنها الكفيف بمعنى فاقد البصر ،وإذا اخذنا«كف» عدة معاني منها ّ
ّ
هاذين المعنيين مع ُمجمل ما ورد في األحاديث حول الموج المكفوف يمكن القول بان الموج
المكفوف هو الفضاء ذو المراتب المطوية الذي ال يُرى ،والمعنى العام يمكن ان ينطبق على
طبقات الغالف الجوي كونها طبقات غير مرئية ،ومن الحديث يتبين ان الهواء فيه كائنات
والواضح انها كائنات غير مرئية ولكنها إذا اقتربت كثيرا من اجوائنا المالمسة لألرض يمكن
رؤيتها كما حدث في هذا المخلوق الذي تحدث عنه الحديث اعاله ،ويوجد حديث اخر يحدد
وجود حيات في الهواء تصيدها البزاة ،عنهم «ان بين السماء واألرض حيات خضر تصيدها
بزاة شهب يمتحن بها اوالد األنبياء»((( ،وما دامت التي تصيدها هي البزاة فهو طير ال يرتفع اكثر
من « »5كيلومتر فهذه الكائنات البد وان تكون في غالفنا الجوي ،ويمكن تفسير عدم امكانية
رؤيتها اما الن اجسامها من سنخ الهواء فهي رقيقة برقته فال يمكن رؤيتها في عالمها اال إذا
وصلت لمستوى األرض فتتثكف ويمكن رؤيتها ،او ان طبيعة الطبقات العليا للهواء مانعة من
رؤيتها كما نرى في كائنات البحر فانت تستطيع ان ترى بعينيك كائنات البحر على مستوى
عشرات االمتار ولكن بعد ان يصبح عمق البحر مئات االمتار فلن ترى شيء سوى الظالم علما
ان قاع البحر مشحون بالحياة ونحن ال نراه ،وربما هكذا كلما توغلنا في الفضاء زاد الظالم
وقلت امكانية الرؤيا ،او يمكن القول ان هذه الكائنات وان كانت موجودة في الغالف الجوي
األرضي اال انها تعيش بفضاءات مغلقة خاصة بها اشبه بالمحميات البيئية فهي ما دامت في
تلك المحميات فال احد يراها اما إذا خرجت منها سقطت على األرض وراها الناس.
وبصورة عامة اجواء هذه األحاديث تشير إلى ادلة تساند النظريات التي تؤمن بوجود
كائنات فضائية والنظريات التي تؤمن بوجود عوالم غير عوالمنا ،وهو الموضوع الذي اثير حوله
جدل كبير في االوساط الغربية من وجود كائنات فضائية لها زيارات عديدة لألرض ،وتوجد
مؤشرات واضحة في ارث اغلب الحضارت القديمة تشير إلى هذا الموضوع ،واالرث الديني
غني باالمثلة عنها ولكنهم يعتقدون ان تلك العوالم خارج نطاق كوكبنا األرضي بكثير اال ان هذه
األحاديث وهذا التحليل الذي نورده ربما يشير إلى ان قسما منها قريب م ّنا جدا ً بل في غالفنا
الجوي ،وبالنتيجة يمكن القول ان الهواء والفضاء مشحون بالحياة اال ان انماط هذه الحياة
ليست مالوفة لدينا كتركيب وماهية وطريقة عيش.
وقد ورد في المرويات كالم عن الموج المكفوف كونه السماء الدنيا ،سئل رسول اللَّه
عن السماء قال«هذا موج مكفوف عنكم» ،وعن أمير المؤمنين سئل عن السماء الدنيا مما
هي؟ قال«من موج مكفوف»(((.
وهناك تعبير اخر ورد في المرويات ليس «الموج المكفوف» بل «الجو المكفوف».
عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب«اللَّهم رب السقف المرفوع والجو المكفوف الذي
جعلته مغيضاً لليل والنهار ومجرى للشمس والقمر ومختلفا للنجوم السيارة وجعلت سكانه
(((
سبطا من مالئكتك».......
عن اإلمام علي بن الحسين«ان من اآليات التي قدرها اللَّه للناس مما يحتاجون اليه البحر
الذي خلقه اللَّه بين السماء واألرض ،قال :وان اللَّه قدر فيه مجاري الشمس والقمر والنجوم
والكواكب.(((».....
وحديث اخر يبين ان هذا البحر بين «السماء والهواء»
عن اإلمام علي«بين السماء والهواء بحر عجاج يتالطم به االمواج»(((.
وهذا كما يبدوا ليس غالفنا الجوي الذي تسميه األحاديث «الهواء» و«الموج المكفوف»
بل هو فضاء اعلى من غالفنا الجوي الن فيه مجرى الشمس والقمر والنجوم والكواكب وسكانه
من المالئكة ،وما دام القمر يجري في «الجو المكفوف» فهذا معناه ان حدود البحر المكفوف
تبدأ من اسفل فلك القمر إلى بداية السماء الدنبا ،فهو ما يقابل عندنا الفضاء الخارجي الذي
تنعدم فيه الجاذبية.
وعليه يمكن وضع جدول لترتيب هذت المثابات من األرض إلى السماء األولى
الشكل«»3
����������������������������� 111
َْ
العصا منه واليه ،وربما رمز لها بالحجر النه ليس لها كفؤ((( إال علي فينبجس منها ﴿اثن َتا
اس َّم ْ َ َ ْ َ ُ ُّ ُ َ َع ْ َ َ َ ْ ً
ش َب ُه ْم ۚ﴾ والناس هنا الشيعة ،والراجح شة عينا ۖ﴾ يعني اثنا عشر اماماً﴿ ،قد عل َِم ك أن ٍ
ان هذا المقام ليس مقام زماني بل هو مقام ملكوتي علوي الن األحاديث تقول ان اللَّه زوج
علي من فاطمة عليهما السالم في السماء قبل األرض باربعين يوم ،وهذا هو مقام الحجية لها
صلوات اللَّه عليها على كل المعصومين لقول اإلمام العسكري«نحن حجج اللَّه على خلقه
وجدتنا فاطمة حجة اللَّه علينا»((( النها هناك ينبوع علل وجودهم ومنها تخرج العيون االثنا عشر
َ ((( َ َ ُ ْ ات ال ْ ُ ُ َ التي هي مقام فلك الكرسي والبروج االثنا عشر ﴿ َو َّ
َ ُ
وج﴾ ﴿فل أقسِم بِمواق ِعِ ب ِ الس َماءِ ذ ِ
وم﴾((( والنجوم هنا األئمة ومواقع النجوم هي موالتنا فاطمة على الباطن. ج ِانلُّ ُ
ولو تأملت لوجدت اآلية تتحدث عن اربعة دوال هي «موسى -العصا -الحجر -العيون»
وهي على الباطن «محمد -علي -فاطمة -األئمة» وهي على الباطن العلل األربعة للتخليق،
وعلى باطن الباطن«نبوة -والية -عصمة -امامة»
((( عن المفضل عن ابي عبد اللَّه قال «لوال ان اللَّه تعالى خلق أمير المؤمنين لم يكن لفاطمة كفؤ على ظهر األرض
من آدم فما دونه» تفسير البرهان /البحراني /ج /5ص /468ح 10
((( اطيب البيان في تفسير القران /ج /13ص 225
((( البروج1 /
((( الواقعة75/
�������������������������������������������������� 113
اء﴾ يعني المفاداة بينهم وبين اهل اإلسالم،فهؤالء ال يقبل منهم يعني بعد السبي منهمَّ ﴿،
ِإَوما ف َِد ً
إال القتل او الدخول في اإلسالم وال يحل لنا نكاحهم ما داموا في دار الحرب.
ان م َِن َ ََ
والتأويل قال اللَّه ﴿ِإَون طائِفت ِ واما السيف المكفوف فسيف على اهل البغي
ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ ٰ َ َ ُ َّ َ ْ َ َّ َ َ َٰ
ت ت ِفء إِل المؤ ِمن ِني اقتتلوا فأصل ِحوا بينهما ۖ فإِن بغت إِحداهما ع الخرى فقات ِلوا ال ِت تب ِغ ح ٰ
َ ْ َّ
اللِۚ﴾((( فلما نزلت هذه اآلية قال رسول اللَّه ان منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما أم ِر
فسئل النبي من هو؟ فقال -خاصف النعل -يعني أمير المؤمنين- قاتلت على التنزيلُ ،
وقال عمار بن ياسر :قاتلت بهذه الراية مع رسول اللَّه ثالثا ،وهذه الرابعة واللَّه لو ضربونا
حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر لعلمنا انّا على حق وانهم على الباطل ،وكانت السيرة فيهم
من أمير المؤمنين ما كان من رسول اللَّه في اهل مكة يوم فتحها فانه لم يسب لهم ذرية
وقال :من اغلق بابه فهو امن ،ومن القى سالحه فهو امن ،وكذلك قال أمير المؤمنين يوم
البصرة نادى فيهم ال تسبوا لهم ذرية ،وال تدففوا على جريح ،وال تتبعوا مدبرا ،ومن اغلق بابه
والقى سالحه فهو امن.
يوالسيف المغمود الذي يقام به القصاص ،قال اللَّه عز وجل﴿انلَّ ْف َس بانلَّ ْفس َوالْ َع ْ َ
ِ ِ ُ
َْْ
ي﴾((( ،فسلّه إلى اولياء المقتول وحكمه الينا ،فهذه السيوف التي بعث بها محمدا ً فمن بِالع ِ
جحدها او جحد واحدا منها او شيئا من سيرها واحكامها فقد كفر بما انزل اللَّه تبارت وتعالى
(((
على محمد»
للسيف في تاريخ الحضارات واالديان رمزية كبيرة وخاصة ومتعددة ،فهو رمز للسلطة
والقانون والموت والقوة والبطش والشرف والواجب ،ولطالما ارتبطت السيوف الخاصة مع
ابطال الحق االلهيين ،وعبارات الحديث توحي بان داللة السيف ال تقتصر على كونه ألة من
معدن ،بل تشير إلى معنى القانونية الرتباطها مع مفهوم اآلية ،فلفظ اآلية يعني في بعض معانيه
القانون ،فتكون آيات السيف هي آيات قوانين القتال ،فمعنى السيف ومعنى اآلية ومعنى القانون
ينطبق احدهما على االخر ،فكل آية قانون والبد للقانون من شخص يطبقه والبد من إله للتنفيذ،
فيصح انطباق داللة احدهما على االخر ،وفي االرث الروائي تم اطالق مفهوم السيف على
شخص خاص ،عن رسول اللَّه في وصف أمير المؤمنين انه«وسيف اللَّه وسيفي»(((،
وجل
وال غرابة ان يكون السيف مصداق لآلية كما ورد ان سيف ذو الفقار هو من آيات اللَّه ع ّز ّ
واشتهرت به مقولة جبرائيل«ال سيف اال ذو الفقار ال فتى اال علي».
لقد ذكر جملة من المفسرين اكثر من عشرين آية قرآنية يسمونها آيات القتال ولو راجعتها
لوجدت ان قسماً منها ليس فيه امر بالقتال ،انما فيه ذكر لموضوع القتال والحث على القتال
والتهيئة للقتال واعداد العدة والوعد بالنصر وشروط القتال وغيرها ،ولكن مدار الكالم عندهم
َّ َّ َ َ َّ َّ َ َ ُ َ ُ َ َ على آيات معينة منها قوله تعالى﴿ َوقَات ِلُوا ف َ
الل ل ِين ُيقات ِلونك ْم َول ت ْع َت ُدوا ۚ إِن يل اللِ ال ِ َ ِِ ب س
َ َ
ُّ َ ُ َ ْ ْ ُ ْ ُ
ِين َواق ُتلوه ْم َحيْث ثقِف ُت ُموه ْم َوأخ ِرجوهم مِن حيث أخ َرجوكم ۚ َوالفِتنة أشد م َِن
ْ ُ ْ َ ْ ّ ُ ُ ْ ُ َ ْ ُ ْ ُ ُ ِب ال ْ ُم ْع َتد َ ُي ُّ
وه ْم ۗ َك َذٰل َِك َج َز ُ َ َ َُ ُ ْ َ ُُْ ُ ْ َ َ َ َّ َ ُ ُ َْ ْ ََ َُ ُ ُ ْ َ َْ ْ
اء ت ُيقات ِلوك ْم فِيهِ ۖ فإِن قاتلوكم فاقتل ج ِد الر ِام ح ٰ القت ِل ۚ ول تقات ِلوهم عِند المس ِ
َ َ ُ ُ ْ َ َّ ٰ َ َ ُ َ ْ َ ٌ َ َ ُ َ ّ ُ َّ ور َّرح ٌ الل َغ ُف ٌ انت َه ْوا فَإ َّن َّ َ ين فَإن َ الْ َكف ِر َ
ِين ِلِۖ ِيم وقات ِلوهم حت ل تكون ف ِتنة ويكون ادل ِ ِ ِ ِ
َ ((( َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ َّ َ َ َّ َ
فإ ِ ِن انتهوا فل عدوان إِل ع الظال ِ ِمني﴾ .
َْ
ِيحوا ِف ال ْر ِض ِني فَس ُ ِين َع َهدتُّم ّم َِن ال ْ ُم ْشك َ ولِ إ َل َّال َ َ َ ٌ ّ َ َّ َ َ ُ
ِ وقوله تعالى﴿ب َراءة مِن اللِ ورس ِ ِ
َّ ََ ٌ الل ُمْزي الْ َكف ِر َ اللِ ۙ َوأَ َّن َّ َ َّ ي ُم ْ ك ْم َغ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ َ َّ ُ
ولِين َوأذان ّم َِن اللِ َو َر ُس ِ ِ ِ ي ز
ِ جِ ع أربعة أشه ٍر واعلموا أن
َ ْ َ ْ َ ّ ْ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ ٌ ّ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ُ ُ َ ُ ْ ُ ْ َ ُ َ َ ْ ٌ َّ ُْ َ
شك ِني ۙ ورسول ۚ فإِن تبتم فهو خي لكم ۖ ِإَون ِ ب أن الل ب ِريء مِن الم ِ اس يوم ال ِج الك إِل انلَّ ِ
َّ َّ َ َ َ ُّ َ َ َ
ُ َّ َ َ ّ َّ َ َ َ ْ ُ ك ْم َغيْ
ُ َ َ َّ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ َّ ُ
اب أ ِل ٍم إِل الِين عهدتم ش الِين كف َروا بِعذ َ ٍ ج ِزي اللِ ۗ وب ِ ِ مع ِ تولتم فاعلموا أن
َّ ُ َ ُ َ ْ َ َ َ ً َ ُ َ َ َ َ ً ْ َ ُ ُ ُ َ ّ َ ُْ ْ َ ُ
ِني ث َّم ل ْم يَنقصوك ْم شيئا َول ْم ُيظاه ُِروا عليْك ْم أحدا فأت ُِّموا إِلْ ِه ْم عهده ْم إ ِ ٰل مدت ِ ِه ْم شك
مِن الم ِ
ُ ُّ ُ ْ
ال ُر ُم فاق ُتلوا ال ُم ْشك َ ُ ْ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ ْ الل ُي ُّ ۚ إ َّن َّ َ
ُ ُ
ِني َحيْث َو َجدت ُموه ْم َوخذوه ْم
ُ انسل َخ الش ُه ُر ُ ني فإذا َ ِب ال ُم َّتق َ
ِ ِ
ِ ِ
اللَ َّ َ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ ُّ َ َ ُ ْ َّ َّ ُ َ َ ُ َََ َ َ َّ ُ ْ ُ َ ُ ُ ْ ْ ُ ُ ْ
صوهم َواقعدوا لهم ك م ْرص ٍد ۚ فإِن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكة فخلوا سبِيلهم ۚ إِن َواح ُ
ٌ (((
ور َّرحِيم﴾ َغ ُف ٌ
وهذه التي يطلق عليها المفسرون آية القتال او آية السيف ولكل منها مناسبة خاصة،
واختلف العلماء في فهم آية السيف فمنهم من يقول بانها نسخت جميع آيات الصفح والكف
عن المشركين ،وقال بعضهم انها ليست ناسخة لتلك اآليات ولكن االحوال تختلف حسب قوة
وضعف المسلمين.
وقد استخدم التفسير العشوائي والشخصي والفئوي لهذه اآليات حالها حال بقية القرآن في
وجل ،فقد تم تسييسها باتجاهات مختلفةزمننا الحالي وفي كل زمان بشكل خارج مراد اللَّه ع ّز ّ
خدمة لمصالح معينة لجهات متنازعة ،ومن هنا نفهم لماذا حث االرث الروائي آلل محمد
بعدم القتال إال تحت راية معصوم النه الوحيد العارف باحوال هذه اآليات وعلى من تشهر هذه
السيوف.
والحديث مورد الكالم بيّن ان هناك خمسة اسياف اي خمسة قوانين تشرحها خمسة آيات
قرآنية خاصة بالقتال ،بل ليس كلها للقتال فبعضها للقصاص ،وهذه االسياف ثالثة ُمشهرة،
والرابع مكفوف ،والخامس ُمغمد ،والذي افهم من كلمة ُمشهرة انه سيف ُمجرد عن غمده،
اي في حال استعمال ،فهي آيات ثالثة وسيوف ثالثة ُمشرعة معمول بها على طول خط الزمن
إلى موعد معين إلى ان تضع الحرب اوزارها ،وال تضع الحرب اوزارها إلَّ بطلوع الشمس
من مغربها ،وفي الحديث داللة على ان طلوع الشمس من مغربها هو من اخر العالمات بعد
القائم وليس قبله كما يتصور البعض ،فلو طلعت الشمس من مغربها قبل ظهور القائم
فهذا معناه ان الحرب وضعت اوزارها قبل القائم وهو خالف األحاديث التي تذكر بعد
القائم حروب كثيرة ،فبعد طلوع الشمس من مغربها ستنتهي المعارك وستغمد هذه السيوف
الثالثة ويتوقف العمل بهذه االيات فال يوجد بعدها كافر على األرض ،ولن تقبل التوبة من احد
وتظهر دولة العدل فال مشركين وال كفار فتغمد هذه السيوف ويتوقف العمل بهذه اآليات النتفاء
الموضوع الخاص بها.
آم َن ْ ََْ َ َْ ُ َ َّ َ َ َ َ ُ َْ ً َ َُ َْ َ ُ
ك ْن َ ْ
ت ات ربِك ل ينفع نفسا إِيمانها لم ت عن َابي جعفر في قوله﴿يوم يأ ِت بعض آي ِ
َ َّ
انتظ ُروا إنا ُم َ
نت ِظ ُرون﴾ َ ُ ْ َ
يمان َِها خ ً
ت﴾ قال نزلت :او اكتسبت ﴿ف إ َ مِن َقبْ ُل أ ْو َك َس َب ْ
(((
ِ يا ۗ ق ِل ِ ِ ِ
قال«إذا طلعت الشمس من مغربها فكل من آمن في ذلك اليوم ال ينفعه ايمانه»(((.
والحديث المبارك موضوع البث حدد اسياف وقوانين القتال والقصاص بخمسة كالتالي
مشهر األول:
السيف ال ُ
ُّ ُ ُ
ِني َحيْث َو َجدت ُموه ْم اق ُتلُوا ال ْ ُم ْشك َ
َ ْ
قال «فسيف على مشركي العرب ،قال اللَّه عز وجل﴿ف
ِ
َ
خلوا َسبيل ُهمُّْ َ َ
َّ َ َ َ ُ َّ َ َ َ ُ َ ُ ُ ُ ْ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ ُ ْ ُ َّ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ
ِ وخذوهم واحصوهم واقعدوا لهم ك مرص ٍد ۚ فإِن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكة ف
ِيم﴾ ،هؤالء ال يقبل منهم إال القتل او الدخول في اإلسالم ،واموالهم فيء الل َغ ُف ٌ
ور َّرح ٌ ۚ إ َّن َّ َ
ِ
وذرارءهم سبي على ما سن رسول اللَّه فانه سبى وعفى وقبل الفداء».
((( األنعام158/
((( تفسير البرهان /البحراني /ج /3ص /121ح 1
�������������������������������������������������� 117
الراجح ان عبارة « ُمشركي العرب» تعني العرب الذين قاتلوا رسول اللَّه في حياته في
بدر وأُحد وحنين وغيرها ،وهم من قريش ومن تحالف معها لذلك سماهم ُمشركي العرب ،فان
غلبهم رسول اللَّه وهم على كفرهم قتلهم واموالهم فيء وذراريهم سبي ،وان امنوا عفي
خ ُّلوا َسبيلَ ُه ْم ۚ إ َّن َّ َ
الل
َّ َ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ
ف ةك الز او آت و ةل الص وا ختمت اآلية بقوله﴿فَإن تَابُوا َوأَقَ ُ
ام عنهم ،لذلك ُ
ِ ِ ِ
ِيم﴾ ،وهؤالء هم انفسهم الذين دخل عليهم رسول اللَّه عند فتح مكة وقال «من َغ ُف ٌ
ور َّرح ٌ
دخل داره فهو امن» فمن تاب منهم واسلم عفا عنه.
وقد يتصور البعض ان مفهوم« ُمشركي العرب» قد انتهى بعد ان سيطر رسول اللَّه على
مكة وشاع اإلسالم في كل الحجاز وجزيرة العرب ،فبعد موت رسول اللَّه البد وان هذا
العنوان قد انتهى ،والحق ان هذا العنوان موجود على طول خط الزمن وإلى االن الن كل سيف
مشهور غير ُمغمد البد وان له انطباق على ارض الواقع عبر التاريخ الن له عالقة بموضوع
نصب اإلمام علي من بعده خليفة على المسلمين الشرك ،فرسول اللَّه قبل رحيله قد ّ
ونصب غيره هو ُمشرك ،النه جعل مع امر رسول اللَّه في يوم الغدير ،فكل من خرج عليه ّ
َ َ َ ُ ُ َّ ُ ُ َ ُ ُ ُ َ َ َ َ ُ
اك ْم َعنْهُامر اخر وشخص اخر وهذا العمل والشرك سواء ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نه
انت ُهواۚ﴾((( ،وحسب قرأتي لألحاديث فان اإلمام المهدي في اول ظهوره سيقاتل« ُمشركي فَ َ
العرب» وهم اهل مكة والمدينة بهذا السيف ايضا ،فإذا لم يتوبوا قتلهم فاموالهم فيء وذراريهم
سبي.
السيف المشهر الثاني:
ُ ُ
اس ُح ْس ًنا﴾ ،نزلت قال «والسيف الثاني على اهل الذمة قال اللَّه سبحانه ﴿ َوقولوا ل َِّلن ِ
َ ْ َ ُ َّ َ َ ْ َ َّ َ ْ
ِين ل يُؤم ُِنون بِاللِ َول بِالَ ْو ِم الخ ِِر َول هذه اآلية في اهل الذمة ونسخها قوله تعالى﴿قات ِلوا ال
ُ
َ
ال ْز َية َعن
ْ اب َح َّ ٰ ُ ْ ُ ْ
ِين أوتُوا الك َِت َ ُ َ ّ ُ َ َ َ َّ َ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ َ َ ْ َ
ال ّق م َِن َّال َ
ت يعطوا ِ ي ِرمون ما حرم الل ورسول ول يدِينون دِين ِ
َ
يَ ٍد َو ُه ْم َصاغ ُِرون﴾((( ،فمن كان منهم في دار اإلسالم فلن يقبل منهم إال الجزية او القتل ومالهم
ح ّرمت اموالهم وحلت ح ّرم علينا سبيهم و ُ فيئ وذراريهم سبي فإذا قبلوا الجزية على انفسهم ُ
ح ّل لنا سبيهم واموالهم ولم تحل لنا مناكحتهم ولم مناكحتهم ،ومن كان منهم في دار الحرب ُ
يقبل منهم اال دخول دار اإلسالم والجزية او القتل».
اهل الذمة هم اهل الديانات االخرى من اليهود والنصارى الذين يجمعهم عنوان اهل
ح ّرمت انفسهم
الكتاب والذين يعيشون كما قال الحديث في دار اإلسالم ،فمن دفع الجزية منهم ُ
واموالهم وحلت مناكحتهم ،ومن كان منهم في دار الحرب حلت اموالهم وسبيهم ولم تحل
مناكحتهم
مشهر الثالث:
السيف ال ُ
وجل في قال «والسيف الثالث على ُمشركي العجم كالترك والديلم والخزر ،قال اللَّه ع ّز ّ
َ َّ ٰ َ َ ْ َ ُ ُ ُ
وهمْ َ َ ْ َ َّ
اب حت إِذا أثنتمالرق ِ
قصتهم ثم َقال ﴿فضب ِ اول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص
ُ ْ َ ًّ َ َّ َ َ ُ ُّ ْ َ َ َ َ َّ َ ًّ َ ْ ُ َّ َ ً َ َّ ٰ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ
فشدوا الوثاق فإِما منا بعد ِإَوما ف ِداء حت تضع الرب أوزارها ۚ﴾ ،فاما قوله﴿فإِما منا بعد﴾
(((
اء﴾ يعني المفاداة بينهم وبين اهل اإلسالم ،فهؤالء ال يقبل منهم يعني بعد السبي منهمَّ ﴿،
ِإَوما ف َِد ً
إال القتل او الدخول في اإلسالم وال يحل لنا نكاحهم ما داموا في دار الحرب».
هؤالء ليسوا من ُمشركي العرب وليسوا من بقية االديان من اهل الذمة بل هم من ملل اخرى
سماهم مشركي العجم ،ولفظة العجم في بعض اطالقاتها تشيرإلى كل من ليس بعربي مثل
«الترك والديلم والخزر»
سورة محمد آية فينا وآية في عدونا ،والدليل على ذلك قوله عن ابي عبد اللَّه قال«في
َ ْ َ َ ُ ْ َ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ّ َ ض ُب َّ َُ َ َ َ ْ
اب﴾ إلى قوله
الرق ِ
اس أمثالهم فإِذا لقِيتم الِين كفروا فضب ِالل ل َِّلن ِ تعالى ﴿كذٰل ِك ي ِ
ص مِنْ ُه ْم﴾ فهذا السيف على مشركي العجم من الزنادقة ومن ليس معه كتاب من عبدة ﴿ َل َ
نت َ َ
النيران والكواكب»(((.
والحديث يبين ان هؤالء ليس لهم كتاب على خالف اهل الذمة الذين لهم كتاب ،فهؤالء
ال يقبل منهم إال القتل او الدخول في اإلسالم وال يحل لنا نكاحهم ما داموا في دار الحرب.
هذه هي االسياف الثالثة المشهرة ولفظة «المشهرة» وعبار«التغمد حتى تضع الحرب
اوزارها ،ولن تضع الحرب اوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها» تدل بشكل واضح ان هؤالء
سيظلون عبر التاريخ في حالة حرب مع المسلمين إلى ان تضع الحرب اوزارها بطلوع الشمس
من مغربها.
السيف الرابع المكفوف:
ان م َِن َ ََ
قال « واما السيف المكفوف فسيف على اهل البغي والتأويل قال اللَّه ﴿ِإَون طائِفت ِ
اللَّه بالسيف المكفوف اهل البغي والتاويل ،فهو قاتل بسيف ُمشهر وسيف مكفوف ،ولعل
هذا يشير إلى معنى من معاني قول أمير المؤمنين«انا الضارب بالسيفين»((( ،وهو ايضا قول
اإلمام السجاد في وصف أمير المؤمنين«هو الضارب بسيفين» ،نعم يمكن ان يكون أمير
المؤمنين على ظاهر الفاظ هذه العبارات انه يستخدم سيفين في المعارك ،ولكن حسب
اجواء هذه الحديث المبارك مورد الكالم يمكن ان يكون السيفين هما السيف المشهر والسيف
المكفوف.
والذي يجول في خاطري القاصر ان اإلمام الحسين قد قاتل في كربالء بهذا السيف
نصبه اللَّه ورسوله
المكفوف الن هؤالء هم ايضا مسلمين من اهل البغي خرجوا عن طاعة من ّ
خليفة للمسلمين،
السيف الخامس المغمود:
قال «والسيف المغمود الذي يقام به القصاص ،قال اللَّه عز وجل﴿نلَّ ْف َس بانلَّ ْفس َوالْ َع ْ َ
ي ِ ِ ُ
َْْ
ي﴾((( ،فسلّه إلى اولياء المقتول وحكمه الينا ،فهذه السيوف التي بعث بها محمدا ً فمن بِالع ِ
جحدها او جحد واحدا منها او شيئا من سيرها واحكامها فقد كفر بما انزل اللَّه تبارت وتعالى
على محمد»
سل اال لالخذ بالقصاص ،فسلّه وهذا سيف ليس للحرب بل للقصاص وهو مغمد وال يُ ّ
الولياء المقتول وحكمه آلل محمد.
ْ َ ََْْ َْْ َ َْ َ َْ َّ ْ َ
نف﴾ ي والنف بِال ِ َّ
عن احدهما عليهما السالم في قوله تعالى﴿انلفس بِانلف ِس والعي بِالع ِ
اآلية قال «هي محكمة»(((.
عن حماد الحلبي عن ابي عبد اللَّه قال في الرجل يقتل المرأة متعمدا فأراد اهل المرأة
ان يقتلوه ،قال«ذلك لهم ،إذا ا ّدوا إلى اهله نصف الدية ،وان قبلوا الدية فلهم نصف ديّة الرجل،
وان قتلت المرأة الرجل قُتلت به وليس لهم اال نفسها»(((.
ولهذه اآليات الكريمة والسيوف المرتبطة بها شأن في حياة األئمة بعد مقتل اإلمام الحسين
فاألئمة بعد اإلمام الحسين من اإلمام السجاد إلى اإلمام الحسن العسكري لم
يستخدموا هذه السيوف المشهرة الثالثة والسيف والمكفوف السباب تتعلق بقانون المزايلة إلى
حين خروج الودائع المؤمنين من اصالب الكافرين وخروج الكافرين من اصالب المؤمنين كما
شرحناه بالتفصيل في كتابنا المزايلة فراجع.
واخبار السيوف لها الحظ االوفر في زمن ظهور اإلمام المهدي ،وسيتم العمل بكل
هذه االسياف في زمانه،لقول اإلمام العسكري«وسيظهر حجة اللَّه على الخلق بالسيف
المسلول»((( ،فسوف يقاتل بالسيف المشهر األول مشركي العرب من اهل مكة والمدينة(((،
ويقاتل بالسيف المشهر الثاني اهل الذمة من اليهود والنصارى ،وبقاتل بالسيف المشهر الثالث
مشركي العجم((( ،ويقاتل بالسيف المكفوف اهل البغي والتأويل وعلما يبدوا انهم من الوسط
((( مسند اإلمام العسكري /عزيز اللَّه العطاردي /باب /14ح 4
((( قال ابو جعفر«ثم يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش ،وهو قول علي بن ابي طالب واللَّه لودت قريش اي
عندها موقفا واحدا جزر جزور بكل ما ملكت وكل ما طلعت عليه الشمس او غربت ،ثم يحدث حدثاً فإذا هو فعل ذلك
قالت قريش اخرجوا بنا إلى هذه الطاغية فواللَّه ان لو كان محمدياً ما فعل ولو كان علوياً ما فعل ولو كان فاطمياً ما فعل،
فيمنحه اللَّه اكتافهم ،فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية» .تفسير العياشي /ج /2سورة األنفال /ح 49
قال ابو جعفر«ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه انهم قد قتلوا عامله فيرجع اليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرة اليها
بشيء ،ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه والوالية لعلي بن ابي طالب والبراءة من عدوه »
عن اإلمام الباقر«من حديث طويل ......يسير إلى المدينة فيسير الناس حتى يرضى اللَّه عز وجل فيقتل الفاً
وخمسمائة قرشي ليس فيهم إال فرخ زنية» .دالئل االمامة241 :
((( عن ابي جعفر في ذكر احوال المهدي .....«ومعه سيف مخترط يفتح اللَّه له الروم والديلم والسند والهند وكابل
شاه والخزر »....الغيبة /ص 234
عن أمير المؤمنين«فينتهي الخبر إلى القائم فيسير إلى ملك الروم في جيوشه فيواقعه في اسفل الرقة بعشر فراسخ
فتصبح بها الواقعة حتى يتغير ماء الشط بالدم وينتن جانبها بالجيف الشديدة فيهزم ملك الروم إلى االنطاكية فيتبعه المهدي
إلى فئة العباس تحت القطورا فيبعث ملك الروم إلى المهدي ويؤدي له الخراج فيجيبه إلى ذلك حتى على ان ال يروح من بلد
الروم وال يبقى امير عنده اال اخرجه إلى اهله فيفعل ذلك ويبقى تحت طاعته» الزام الناصب170 /2 :
عن أمير المؤمنين«ثم ان المهدي «عج» يسير هو ومن معه فينزل قسطنطينية في محل ملك الروم فيخرج منها ثالث
كنوز كنز من الجواهر وكنز من الذهب وكنز من الفضة ثم يقسم المال على عساكره بالقفافيز »....الزام الناصب170 /2 :
عن ابي جعفر«ثم يعقد بها القائم ثالث رايات لواء إلى القسطنطينية يفتح اللَّه له ولواء إلى الصين فيفتح له ولوا
إلى جبال الديلم فيفتح له» بحار األنوار388 /53 :
�������������������������������������������������� 123
الشيعي((( ،وهذا السيف هو من السيوف المغمدة كما جاء عن رسول اللَّه من حديث طويل
فيه اخبار القائم قال« ....وله سيف مغمد فإذا حان وقت خروجه اختلع ذلك السيف من
غمده ،(((».....اما السيف ال ُمغمد فهو سيف القصاص حيث سيقيم كل الحدود.
وهنا يمكن ان نضع جواب لتساؤل كان يُثار دائما هنا وهناك حول قول األئمة عن
القائم انه«يضع السيف على عاتقه ثمانية اشهر».
عن اإلمام الصادق قال«ولكن صاحب األمر الطريد الشريد الموتور بابيه المكنى بعمه
يضع السيف على عاتقه ثمانية اشهر»(((،عن ابي عبد اللَّه .....«ويضع السيف على عاتقه
ثمانية اشهر هرجا هرجا حتى يرضى اللَّه ،(((»......عن أمير المؤمنين .......«بأبي ابن خيرة
االماء ال يعطيم اال السيف هرجاً هرجا موضوعا على عاتقه ثمانية اشهر حتى تقول قريش لو كان
(((
هذا من ولد فاطمة لرحمنا»......
وقد ضن البعض من خالل هذه األحاديث ان ُجملة معارك اإلمام المهدي بعد الظهور
تستغرق ثمانية اشهر فقط فيما تشير جملة من المرويات ان معاركه تستمر لسنين وخصوصاً
تلك المعارك التي يفتح بها كل بلدان العالم،والحقيقة ان هذا التساؤل يمكن ان نجد له فهم
من خالل القول ان هذا السيف الذي سيضعه عى عاتقه لمدة ثمانية اشهر هو واحد من تلك
السيوف الخمسة ،والذي استشفه هو السيف المكفوف الذي يقاتل به اهل البغي والتأويل من
المسلمين في اول ظهوره ،ولو تابعت معارك اإلمام المهدي منذ خروجه من مكة وما يفعله
بالمدينة وما يفعله عند دخوله الكوفة إلى حين معركة االبدال مع بقايا السفياني في الشام ستجد
((( قال ابو جعفر«لكأني أنظر اليهم مصعدين من نجف الكوفة ثالثمائة وبضعة عشر رجال كأن قلوبهم زبر الحديد،
جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره يسير الرعب امامه شهر وخلفه شهر امده اللَّه بخمسة آالف من المالئكة مس ّومين
حتى إذا صعد النجف قال ألصحابه تعبدوا ليلتكم هذه فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلى اللَّه حتى إذا اصبح قال:
خذوا بنا طريق النخيلةوعلى الكوفة جند مج ّند قلت :جند مجند؟ قال :اي واللَّه حتى ينتهي إلى مسجد إبراهيم
بالنخيلة فيصلي فيه ركعتين فيخرج اليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني فيقول ألصحابه استطردوا
لهم ثم يقول مروا عليهم.
قال ابو جعفر وال يجوز واللَّه الخندق منهم مخبر ثم يدخل الكوفة فال يبقى مؤمن اال كان فيها او حن اليها وهو قول أمير
المؤمنين علي »تفسير العياشي /ج /2سورة األنفال /ح 49
((( عيون اخبار الرضا /باب / 6ح 29
((( كمال الدين وتمام النعمة :ج /1باب /30ح 5
((( غيبة النعماني :باب / 10ح 5
((( ينابيع المودة :ص 498باب 9كذلك منتحب االثر
124 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
انها كلها مع المسلمين من اهل القبلة وهؤالء يقاتلهم بسيف«المكفوف» وستالحظ انها فترة
ثمانية اشهر اما بعد االنتصار عليهم وانتقال المعارك مع فئات من خارج هذا الدين فيقاتلهم
بالسيوف ال ُمشهرة.
��������������������� 125
َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ
فطر انلاس عليها ﴾ ما تلك الفطرة؟ قال «هي اإلسالم فطرهم اللَّه حين اخذ عليهم ميثاقهم على
ََ ْ ُ َّ ُ
ك ْم ۖ﴾ وفيم المؤمن والكافر»( ،((1فالحنفية هي الفطرة وهي اإلسالم التوحيد قال﴿ألست بِرب ِ
ُ
حاق َو َي ْعق َ َ ِيم ْ
ِإَوس َ ت مِلة آبَائي إب ْ َراه ََ َّ وعليها كل األنبياء﴿ َو َّات َب ْع ُ
وب ۚ ﴾( ،((1ويؤيدها الحديث ِ ِ
صان ًِّيا﴾ِيم َي ُهودِيًّا َو َل نَ ْ َ التالي ،عن ابي عبد اللَّهقال«قال أمير المؤمنينَ ﴿ما َك َن إب ْ َراه ُ
ِ
((( الحج٣١ /
((( تفسير البرهان /البحراني /ج /5ص /292ح 7
((( الروم 30 /
((( البقرة135 /
((( آل عمران95 /
((( األنعام161 /
((( الروم 30 /
((( تفسير البرهن /ج /6ص /150ح 2
((( تفسير البرهان /البحراني /ج /1ص /337ح 1
( ((1تفسير البرهان /البحراني /ج /6ص /152ح9
( ((1يوسف38 /
126 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ً َ َ َ
كن كن َحن ِيفا ُّم ْسل ًِما﴾(((يقول يهوديا يصلي إلى المغرب وال نصرانيا يصلي إلى المشرق﴿ َول ٰ ِ
كان على دين محمد.(((»
ُ
اإلبراهيمية﴿ث َّم ومن هنا سنفهم لماذا امر اللَّه رسوله الكريم باتباع ملّة إبراهيم والحنفية
َ َْْ َ َ َ ج َه ل ِ َِّلي َف َط َر َّ ّ َ َّ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ ْ َّ َ ْ َ َ
ات والرض السماو ِ أوحينا إِلك أ ِن اتبِع مِلة إِبراهِيم ﴾ ،وقوله ﴿إ ِ ِن وجهت و ِ
(((
ً
َحن ِيفا ۖ ﴾((( ،الن ملة إبراهيم هي اإلسالم والتوحيد والفطرة التي جاءت بها كل الرساالت،
ورسول اللَّه«كان نبياً وآدم بين الماء والطين» ،فشريعته هي اإلسالم ومنها اخذ كل األنبياء،
ون ل ِلْ َعالَم َ
ني نَذ ً َ ُ َ َ َّ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ ٰ َ َ َ َ َّ
ِيرا﴾((( ،ولفظة ِ ع عبْ ِده ِ ِلك ار َك الِي نزل الفرقان دليله قوله تعالى ﴿تب
«العالمين» دالة على عموم رسالته على كل العوالم وكل الشرائع وكل األنبياء ،فكل األنبياء
عاملين بدين اإلسالم وال دين غيره اال ان الشرائع فيها نسخ ببعض المسائل المخصوصة حسب
زمان األنبياء فنسخت بعض مسائل آدم في زمن نوح ونسخت بعض مسائل وشرع نوح في زمن
إبراهيم وهكذا فلم يكن رسول اللَّه قبل البعثة متعبدا اال بدينه وهو التوحيد والفطرة واإلسالم ال
غيرها وهم الذين علموا المالئكة الدين في اول الخلق.
والحديث التالي يبين وجه آخر للحنفية كونها الشرائع التي لم تنسخ وعليها كل شرائع
األنبياء،علي بن إبراهيم«الحنفية العشرة التي جاء بها إبراهيم التي لم تنسخ إلى يوم القيامة»(((،
ومن هنا يتضح ان رسول اللَّه مامور بهذه الشرائع التي ال تنسخ ،والحديث التالي يبين هذه
العشرة.
عن اإلمام جعفر بن محمد الصادق« قال فيما وصف له شرائع الدين «ان اللَّه ال يكلف
نفسا اال وسعها ،وال يكلفها فوق طاقتها»«وافعال العباد مخلوقة خلق تقدير ال خلق تكوين»«واللَّه
وجل البريء بالسقيم»«وال ّ خالق كل شيء»«وال تقول بالجبر والتفويض»«وال ياخذ اللَّه عز
ْ ّ ََ َ ُ َ ٌَ َْ ُ
ىۗ﴾ َ
يعذب اللَّه عز وجل االبناء بذنوب االباء فانه قال في محكم كتابه﴿ول تزر وازرة وزر أخر ٰ
ِ ِ ِ
وجل ان يعفو وان يتفضلو ليس له
َّ
ان إِل َما َس َ ٰ
ع﴾(((»«وللَّه ع ّز ّ َ َ َّ ْ َ ْ َ
وقال عز وجل﴿وأن ليس ل ِِلنس ِ
تعالى ان يظلم»«وال يفرض اللَّه تعالى على عباده طاعة من يعلم انه يغويهم ويضلهم»«وال يختار
لرسالته وال يصطفي من عباده من يعلم انه يكفر به ويعبد الشيطان دونه»«وال يتخذ على عباده
(((
اال معصوما»»
علي بن إبراهيم :انزل اللَّه تعالى على إبراهيم الحنفية وهي الطهارة وهي عشر اشياء
خمسة في الراس وخمسة في البدن فاما التي في الراس فخذ الشارب واعفاء اللحى وط ّم
الشعر((( والسواك والخالل واما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وقلم االظفار
والغسل من الجنابة والطهور بالماء وهي الحنفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ وال
(((
تنسخ إلى يوم القيامة»
وقد يتصور البعض ان هناك تعارض بين الحديثين كون الحديث األول يذكر عشرة اشياء
لها عالقة بالعقائد فيما الحديث الثاني يذكر عشرة اشياء خاصة بالتكاليف الشرعية حول النظافة
عموما وال تعارض في األحاديث فربما موضوع العشرة متكرر حسب وجوه الشريعة التي ال
تنسخ ،فمرة عشرة مواضيع في الطهارات ال تنسخ ،ومرة عشرة مواضيع في القوانين واالعتقادات
ال تنسخ وهكذا ،دليله قول اإلمام الصادق ما ابقت الحنفية شيئا ،عن ابي جعفر«ما ابقت
الحنفية شيئاً حتى ان منها قص الشارب وقلم االظفار والختان»(((.
وربما ما مشهور في الديانة اليهودية «بالوصايا العشرة» هي نفسها موضوع الحنفية
اإلبراهيمية او القوانين العشرة التي ال تنسخ وعليها مدار كل الشرائع وهي عند اليهود هكذا«ال
تكن لك آلهة اخرى امامي»«ال تصنع لك تمثاال منحوتا وال صورة ما مما في السماء من فوق
وما في األرض من تحت وما في الماء من تحت األرض وال تسد لهن وال تعبدهن»«ال تحلف
باسم االهك باطال»«اذكر يوم السبت لتقدسه»«اكرم اباك وامك لكي تطول ايامك على األرض
التي يعطيك الرب»«ال تقتل»«ال تزن»«ال تسرق» «ال تشهد شهادة زور»«ال تشته بيت قريبك ال
تشته امراة قريبك وال عبده وال امته وال ثوره وال حماره وال شيئا مما لقريبك».
ولو راجعت جملة من آيات القرآن الكريم لوجدتها تشير إلى اوامر اساسية ال تختلف عليها
الشرائع إذا عددتها كانت ايضا عشرة منها،
َ ْ ً َ َْ َ ْ ْ ً ُ ْ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َّ َ َ ُّ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َّ ُ ْ ُ
ح َساناۖ شكوا بِهِ شيئا ۖ وبِالو ِالي ِن إ ِ قوله تعالى﴿ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ۖ أل ت ِ
ْ َ َ َ ْ َ َْ ُ َّ ْ َ ُ ُ َ َ َْ ُ َ َ َ ُ
َول تق ُتلوا أ ْولدكم ّم ِْن إ ِ ْمل ٍق ۖ ن ُن ن ْر ُزقك ْم ِإَويَّاه ْم ۖ َول تق َر ُبوا الف َواحِش َما ظ َه َر مِن َها َو َما
َ َ َّ ُ َ ُ َ ُ َْ َ ُ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َّ ْ َ َّ َ َّ َ َّ ُ َّ
ال ّ ِق ۚ ذٰل ِك ْم َو َّصاكم بِهِ ل َعلك ْم ت ْعقِلون َول بطن ۖ ول تقتلوا انلفس ال ِت حرم الل إِل ب ِ
َ ُ َ ُّ َ َ ْ َ ُ َ َّ َ ْ ُ َ َ ُ َّ ُ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َّ َّ َ ْ
زيان بِالقِ ْس ِط ۖ ل نكل ِف ت يبلغ أشده ۖ وأوفوا الكيل وال ِم َت ْق َر ُبوا َمال الَتِي ِم إِل بِال ِت ِه أحسن ح ٰ
َ َّ ُ ُ َّ َ ُ َ ُ اعدِلوا َول ْو َك َن َذا قُ ْر َ ٰ
َ ُ ُْ ْ َ ْ ُ َ َّ َْ
ب ۖ َوب ِ َع ْه ِد اللِ أ ْوفوا ۚ ذٰل ِك ْم َو َّصاكم بِهِ ل َعلك ْم نف ًسا إِل ُو ْس َع َها ۖ ِإَوذا قلتم ف
َ َ ُ َ (((
َّ
تذكرون﴾
ََ ۡ َُ َۡ ٗ َ َ ََ َُ َ ۡ َُ َ ٱنظ ۡر َك ۡي َف فَ َّض ۡل َنا َب ۡع َض ُه ۡم َ َ ٰ َ ۡ ُ
ضيل ت وأكب تف ِ ٰ
ض ولٓأۡلخِرة أكب درج ٖ ع بع ٖ ۚ وقوله تعالى﴿
ۡ ٓ َّ ْ َ َّ َ َ َ ٰ َ َ ٗ ُ ۡ َّ ۡ ۡ َ َّ َ ۡ َ ۡ َ َ َّ ٰ ً َ َ
َ
ض َر ُّبك أل ت ۡع ُب ُد ٓوا إِل إِيَّاهُ َوبِٱل َو ٰ ِ َليۡ ِن وما مذول ۞وق اخ َر ف َتق ُع َد َمذ ُم ٗ ل تعل مع ٱللِ إِلها ء
َ َ ۡ َ َ َ َ ُ ُ َ ٓ َ ۡ َ ُ َ َ َ َ ُ َّ ُ َ ٓ ُ ّ َ َ َ ۡ َ ۡ ُ َ َ ُ َّ ُ َ َ ۡ ٗ َُ
س ًنا ۚ إ ِ َّما َي ۡبلغ َّن عِندك ٱلكِب أحدهما أو ِكهما فل تقل لهما أ ٖف ول تنهرهما وقل لهما قول إ ِ ۡح َ ٰ
ُ ح ُه َما َك َما َر َّب َيان َصغِ ٗ َ ۡ ۡ َ ُ َ َ َ َ ُّ ّ َ َّ ۡ َ َ ُ َّ ّ ۡ َ ۡ َ ٗ
ريا َّر ُّبك ۡم ِ ب ٱر كرِيما وٱخفِض لهما جناح ٱذل ِل مِن ٱلرحةِ وقل ر ِ
ۡ َ َ َّ ُ َ َ ۡ َ َّ ٰ َ َ ُ َ ُ ُ ْ َ َ َۡ
ب َح َّقهۥُ ات َذا ٱل ُق ۡر َ ٰ َ َ
حني فإِنهۥ كن ل ِلوبِني غفورا وء ِ ٗ ٰ
أعلم بِما ِف نفوسِك ۚم إِن تكونوا صل ِ ِ ۡ ُ ُُ َ ُ
َّ
نيۖ َوكن ٱلش ۡي َطٰ ُن
َ َ َ َّ َ ُٓ َۡ َ ْ َ ّ ۡ
َّ ُ َ ٱلسب َ َ ُ َ ّ ۡ َ ۡ ً ِني َو ۡٱب َن َّ َوٱلۡم ۡسك َ
يل ول تبذِر تبذِيرا إِن ٱلمبذِرِين كنوا إِخوٰن ٱلشيٰ ِط ِ ِ ِ ِ
ََ ٗ
وها ف ُقل ل ُه ۡم ق ۡول َّم ۡي ُس ٗ َ َّ َ َّ ُ ۡ َ َّ َ ۡ ُ ُ ۡ َ َ َ ۡ َ ّ َّ ّ َ َ ۡ ُ َ ٓ َ
ل َِر ّبهِۦ ك ُف ٗ
ورا ول ورا ِإَوما تعرِضن عنهم ٱبتِغاء رحةٖ مِن ربِك ترج ِ
َ َّ َّ
َ ُ َ َ ٗ ۡ ُ ۡ َ ۡ َّ ُ َ َ ُ َ َ ً َ ُ ۡ ۡ َۡ
ورا إِن َر َّبك يَ ۡب ُس ُط م ُس ً ت َعل يَ َد َك َمغلولة إ ِ ٰل ع ُن ِقك َول ت ۡب ُس ۡط َها ك ٱلبَ ۡس ِط فتقعد ملوما
َ َ ۡ ُ ْ َ َ ُ َ ۡ َ َ َّ ۡ ٱلر ۡز َق ل َِمن ي َ َشا ٓ ُء َو َي ۡقد ُِر إنَّ ُهۥ َك َن ب ِع َبادِه ِۦ َخب َ
ريا َول تق ُتل ٓوا أ ۡول ٰ َدك ۡم خش َية إ ِ ۡمل ٰ ٖقۖ ن ُن ريۢا بَ ِص ٗ
ِ ِ ِۚ ِ
ّ
ٗ َ َ َ ۡ َ ُ ْ ّ َ ٰٓ َّ ُ َ َ َ ٰ َ ٗ ٓ اك ۡم إ َّن َق ۡتلَ ُه ۡم َك َن خ ۡ ٗٔ َ ٗ َ ۡ ُ ُ ُ ۡ َّ ُ
حشة َو َسا َء َسبِيل ٱلزن ۖ إِنهۥ كن ف ِ ِطا كبِريا ول تقربوا ِ ۚ ِ نرزقهم ِإَوي
َۡ ّ َ َ ُ َ َ ۡ ُ ٗ َ َ ۡ َ َ ۡ َ َ ّ ُ ۡ َ ٗ َ َ ُ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َّ ۡ َ َّ َ َّ َ َّ ُ َّ
سف ول تقتلوا ٱنلفس ٱل ِت حرم ٱلل إِل بِٱل ِقۗ ومن قتِل مظلوما فقد جعلنا ل ِو ِلِهِۦ سلطٰنا فل ي ِ
َ َ ۡ َ ُ َ َّ َ ۡ ُ َ َ ُ َّ ُ َ َ ۡ ُ ْ َّ َّ ْ َ ۡ َ ّف ۡٱل َق ۡتل إنَّ ُهۥ َك َن َم ُ
ت يبلغ أشده ۚۥ وأوفوا ورا َول َت ۡق َر ُبوا َمال ٱلَتِي ِم إِل بِٱل ِت ِه أحسن ح ٰ نص ٗ
ِۖ ِ ِ
اس ٱل ُم ۡس َت ِقي ِم ذٰل َِك َخ ۡيَٞ ۡ ۡ ْ ُ ۡ َ َ َ ۡ ْ ُ َ ٗ َ ۡ َ ۡ َّ ۡ
ۚ سول َوأ ۡوفوا ٱلك ۡيل إِذا كِ ُت ۡم َوزِنوا بِٱل ِق ۡس َط ِ بِٱل َع ۡه ِدۖ إِن ٱل َع ۡه َد كن َم ُٔ
ۡ ٌ َّ َّ ۡ َ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ َ َ ُ ُّ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َۡ ُ َۡ ٗ َ
ص َوٱلفؤاد ك أ ْو ٰٓلئِك كن ع ۡن ُه َوأ ۡح َس ُن تأوِيل َول تقف َما ل ۡي َس لك بِهِۦ عِل ۚم إِن ٱلسمع وٱل
ُ ُّ َ َ ٗ َ َ ً َّ َ َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ َ َ ۡ ُ َ ۡ َ َۡ َ َ َ ۡ ُ ٗ
ٱل َبال ُطول ك ذٰل ِك ِ غ ل ب ت ن ل و ۡرض ٱل ق ر
ِ ت ن ل ك ن ِ إ اۖ ح رم ِ
ۡرض سول َول ت ۡم ِش ِف ٱل م ٔ
َ َّ َ َ ُۡ ٗ َ َ
وها ﴾(((. كن َس ّي ِ ُئ ُهۥ عِند ربِك مكر
فكل من يؤمن باللَّه وبرسول اللَّه يجب ان يكون على هذه الملة وهذه الحنفية ،عن
اإلمام الحسين بن علي «ما اعلم احدا على ملة إبراهيم اال نحن وشيعتنا»((( ،ويؤيده قوله
ِيم﴾((( ،وقوله ﴿ ُح َن َف َ
اء ِينا ّم َِّم ْن أَ ْسلَ َم َو ْ
ج َه ُه ِ َّلِ َو ُه َو ُمْس ٌِن َو َّات َب َع م َِّل َة إب ْ َراه َ ح َس ُن د ًتعالى﴿ َو َم ْن أَ ْ
ِ ُ
اء﴾(((، مل ِِص َني ُ َل ّ ِادل َ
ين ُح َن َف َ َّ َ ْ ُ ُ َ َّ ْ ُ
ِني بِهِ ۚ﴾((( ،وقوله ﴿ َو َما أم ُِروا إِل ل ِعبدوا الل ي ُم ْشك َ ِ َّلِ َغ ْ َ
ِ
َْ َ َ َ ْ َ ُ َ ّ َّ ْ َ َ َّ
ِيم إِل َمن َسفِ َه نف َس ُه ۚ﴾(((. وقوله﴿ومن يرغب عن مِلةِ إِبراه
الروح والمغناطي�سية
عن المفضل بن عمر عن أبي عبد اللَّه قال « ....إن األرواح ال تمازج البدن وال تواكلهُ ،
وانما هي كلل للبدن ُمحيطة به»(((.
يمكن ان افهم معنى للحديث إذا افترضنا ان الروح طاقة ُمشغّلة للجسم وعالقتها بالجسم
كعالقة المغناطيس بالمغناطيسية ،فنحن نرى المغناطيس ولكننا ال نرى المغناطيسية ،كذلك
نرى الجسم وال نرى الروح ،ولكننا نحس باثار الروح كما نحس بأثار المغناطيسية ،وبما ان
المغناطيسية ت ُحيط بالمغناطيس كذلك الروح تحيط بالجسم كما يقول الحديث ،ويمكن ان
تعكس هذا التصور على كوكب األرض فان جرم الكوكب هو جسمه ،والمغناطيسية التي تحيط
به هو روحه وهي طاقته ال ُمشغّله ،لذلك إذا ماتت االجرام فقدت مغناطيسيتها كما يفقد الجسم
الروح ،ومن هنا يمكنك ان تتابع قوة المغناطيسية في الكواكب السيارة لصياغة تصور حول
امكانية تواجد الحياة عليها استنادا لقوة مجالها المغناطيسي.
والقاعدة العلمية تقول ان المغناطيس يفقد مغناطيسيته بالطرق والتسخين،فإذا طرقت
المغناطيس بشدة يفقد مغناطيسيته ويتحول إلى مادة الحديد فقط ،والمغناطيسية كظاهرة
فيزياوية ناتجة من ترتيب ذرات المادة بشكل معين ،فلكل ذرة مجال مغناطيسي فإذا ترتبت هذه
الذرات بحيت تكون ُمحصلة جمع القوى المغناطيسية لذراتها باتجاه واحد ظهرت المغناطيسية
على المادة ،وان عملية الطرق والتسخين تؤدي إلى خلل وبعثرة في ذرات المادة وهذا بدوره
يؤدي إلى فقدان المغناطيسية.
ويمكن توصيف حالة الموت بهذا الفهم الفيزياوي للمغناطيسية فمفارقة الروح للجسد
كما تفارق المغناطيسية المغناطيس ،فيصبح حديدة ومادة بال روح ،فالكائن الحي اكتسب صفة
الحياة الن خالياه موزعة ومرتبة بشكل ُمعين يضمن له استمرار الحياة فيه ،ولكن إذا انحلّت
او فسدت او تغير نظامها نتيجة المرض او الشيخوخة او االنحالل البطيئ فان الكائن سيموت
نتيجة فساد البنية ،وهذا يقودنا إلى تصور اخر عن الموت والقتل كما تقول األحاديث «ان
الموت موت والقتل قتل»((( ،فالقتل هو تدخل مباشر لتهديم ال ُبنية فهو حتما حسب هذا التصور
يختلف عن الموت العادي ،والقتل حاله حال الضرب على المغناطيس الذي يفقد مغناطيسيته
بالضرب والتسخين.
فسر لنا بعض حاالت النزاع عند الموت كما وهذا المثل العلمي حول المغناطيس ربما يُ ّ
تقول األحاديث ان بعض الناس يكون الموت عندهم هو عبارة عن نشر بالمناشير او رضخ
بالحجارة،فامثال هؤالء روحهم متمسكة بشكل كبير في مادة الجسم فال تنفصل عنه إال بالضرب
الشديد ،كما تنفصل المغناطيسية عن المغناطيس بالضرب الشديد ،وهذه احوال ليست ثابتة
فربما تجري على البعض وال تجري على البعض االخر وخصوصاً ان األحاديث تصف حاالت
اخرى للموت كونها اشبه بان يشم اإلنسان ريحاً طيبة.
وهنا ياتينا استنتاج وهو ان الروح ليس لها تحقق إال من خالل واقع مادي تعمل وتظهر من
خالله،فهذه ثنائية ال تنفك كثنائية المادة والطاقة ،فال يمكن حسب هذا التصور ان توجد روح
ُمجردة بمعزل عن المادة تماماً ،كما ال توجد مغناطيسية بمعزل عن الحديد تماماً ،اما ما ورد
إل ان هذا العالم له مادة رقيقة جدا ً تتناسب
في األحاديث كون هناك عالم لالرواح فهو صحيح َّ
ورقة الروح ،فعالم الروح ايضاً من مادة وروح ولكن هناك غلبة لعنصر الروح فيه ُ
فس ّمي بعالم
الروح،فال تظهر اثار المادة بشكل واضح لغلبة عنصر الروح،وعالم الدنيا فيه مادة وروح إال ان
فس ّمي بعالم المادة.
الغلبة لكثافة المادة ُ
واالن لدينا سؤال وهو إذا كانت المغناطيسية صفة فيزياوية من صفات المادة ناتجة من
ترتيب ُمعين لذراتها ،فاصل المغناطيسية هو المادة وحركتها الداخلية اي حركة ذراتها وطبيعة
ذراتها،فليس كل مادة قابلة للتحول إلى مغناطيس على خالف الجاذبية التي هي صفة من
صفات المادة مهما تغيرت المادة وتنوعت ،والعلماء لحد االن لم يضعوا تعريف واضح للكتلة،
وبالتالي إذا عرفنا ما هي الكتلة عرفنا ما هي الجاذبية ،فالبد من وجود خصيصة في ذرات المادة
يجعلها ذات جاذبية «والجاذبية في المادة نوع من المغناطيسية إال انها بفعالية واحدة اي تجذب
وال تنفر» فالمغناطيسية قوة جذب لبعض المواد وتنافر مع مثيالتها ،اما الجاذبية فهي جذب وال
تنافر.
«ال ،الموت موت والقتل قتل» .فقلت له :ما أحد يقتل إال مات :قال :فقال «يا زرارة قول اللَّه أصدق من قولك» ،قد فرق
َّ ْ َ ُ َُ َ َ َ ُ ْ َ ُ ََ َ َْ َ َ َ ُ َ ََ
بين الموت والقتل في القرآن فقال﴿أفإن َّم َ
ون﴾، ع أعقابِك ْم ۚ﴾ ،وقال ﴿ َولئِن ُّم ُّت ْم أ ْو قت ِل ُت ْم ِلل اللِ تش
ات أ ْو قت ِل انقلبْ ُت ْم ٰ ِ
َ َ َ َّ َ َّ َّ َ ْ َ َ ٰ َ ْ ُ ْ َ َ ُ
ِني أنف َس ُه ْم َوأ ْم َوال ُهم بِأن ل ُه ُم ليس كما قلت يا زرارة الموت موت والقتل قتل وقد قال اللَّه تعالى﴿۞ إِن الل اشتى مِن المؤ ِمن
َ َُ ْ ُ ُّ ْ ًّ َ َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ ْ َ ُ َ ْ َ َّ َ ُ َ ُ َ
ون ۖ َو ْع ًدا َعليْهِ َحقا﴾ ،وقال ﴿ك َنف ٍس ذائِقة ال َم ْو ِت ۗ﴾ قال :ليس من قتل بالسيف يل اللِ فيقتلون ويقتل َ
النة ۚ يقات ِلون ِف سب ِ ِ
كمن مات على فراشه ،أن من قتل البد ان يرجع إلى الدنيا حتى يذوق الموت» مختصر البصائر/عز الدين الحلي /باب
الكرات وحاالتها«ح/ »7/61ص .92
132 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
وقد عرفنا ان المغناطيس يفقد مغناطيسيته بالطرق والتسخين ،فربما توجد طريقة لجعل
الكتلة او المادة فاقدة لخصيصة الجاذبية او قوة الجذب ،وبالتالي امكانية رفع االشياء بدون
ادنى تكلف او صرف جهد كما نراه في األفالم العلمية ،او ربما بالعكس ربما توجد في المادة
خصيصة تولّد جاذبية معكوسة بحيت تتنافر المواد من بعضها كما تتافر اقطاب المغناطيس
المتشابهة.
وربما هناك مادة تزيد في جاذبيتها نتيجة ظروف اخرى ال تتعلق بالكتلة بل بتوزيع ذراتها
كما حدث في عصا موسى عندما تلقف ما يؤفكون ،وهو ما يُس ّمى علميا باالنهيار الجذبي
للمادة كما هو الحال في الثقوب السوداء ،وربما لهذا السبب آمن السحرة بموسى الن
سحرهم يعتمد على معرفة بعض خصائص المادة واستثمارها في تحريك االشياء ،اما ما قام به
موسى فهو«تغيير طبيعة المادة» وهو المعروف عندنا حاليا بعلم النانو اي «اعادة بناء المادة».
ومن هنا يمكن القول افتراضاً ان المادة يمكن ان تفقد قابليتها على الجذب نتيجة اعادة بناء
المادة بمواصفات معينة ،وربما ال يجري هذا التصور على كل مادة بل على مواد خاصة كما ان
المغناطيسية ال تتواجد في كل مادة بل في مواد خاصة.
ةداملا نع ةيملع ةيئاور ةقيقح 133
جل للجسيمات النووية ومحيط دائرته تبلغ« 27كيلو ومصادم الهايدرون هو اضخم ُمع ّ
متر» ،وبُني على عمق « 175متر» تحت األرض في منطقة الحدود الفرنسية السويسرية،
وتقوم بتمويله المنظمة االوربية لالبحاث النووية ،وتعاون في بناءه اكثر من« »10000فيزيائي
جل في ايصال ومهندس من« »100دولة ،ومئات الجامعات والمختبرات ،ويستخدم هذا ال ُمع ّ
جلالجزيئات النووية إلى سرعة مقاربة لسرعة الضوء ثم تصطدم مع مثيالتها في داخل هذا ال ُمع ّ
للوصول إلى اقصى عملية تهشيم النه اليوجد سرعة اكبر من سرعة الضوء وبالتالي فان التهشيم
سيصل إلى اخر مرحلة التي ستكون هي اخر اجزاء المادة.
ويسعى العلماء من خالل هذا المصادم لالجابة على جملة من االسئلة العلمية والفكرية
والفلسفية حول طبيعة المادة والكون منها ،ما هي طبيعة المادة؟ كيف بني الكون من هذه المادة؟
ما هي طبيعة القوى الرابطة للمادة؟ وهل للمادة اجزاء ال تتجزء؟ هل للمادة مادة نقيضة؟ هل
توجد ابعاد اخرى في الكون غير األبعاد الثالثة المعروفة؟
وربما يقول البعض ما هو الهدف من كل ذلك؟ والسؤال إذا كان بهذا المعنى البسيط فهو
غير صحيح الن العلم بحد ذاته مطلب واالكتشاف يحرك العقول ،والحق ان الهدف ال ُمعلن هو
هدف علمي صرف ،وهو معرفة الوحدات االساسية للمادة من خالل تهشيم المادة باعلى سرعة
ممكنة ،ولكن هناك اهداف فلسفية وفكرية البد وان ترافق اي هدف علمي ،والفهم الفلسفي
للمادة وبداية الكون هو المحور االساسي لهكذا جهود ،النهم يريدون ان يعرفوا حقيقة وهي
هل ان اعلى مستوى لتهشيم المادة يُح ّول المادة إلى طاقة بالكلية ،ام اننا سنصل إلى الجزء
االخير من المادة والدقيق جدا ً والمفروض ان يكون جزء المادة الذي ال يتجزأ اي جوهرها
الحقيقي.
وعلى حد متابعتي للموضوع وحدود معرفتي الشخصية اعتقد انهم سيصلون إلى النتيجة
التالية والفهم التالي ،وهي ان الوحدة االساسية لتركيب المادة هي « ُمجزء ال يتجزء» ،وهذا الفهم
استدل عليه بالشكل التالي:
فقد ثبت عندي من خالل القرآن والمرويات والحكمة والفلسفة ان كل شيء دون اللَّه
وجل ،وكل مخلوق البد ان يكون ُمركّباً ،وال بسيط
ّ مخلوق حادث ،وال قديم إال اللَّه ع ّز
َّ َّ
الل الص َم ُد﴾(((،
وجل وهو مصداق قوله تعالى﴿ ُ
ّ على الحقيقة بمعنى عدم لتركيب إال اللَّه ع ّز
والصمد هو الذي ليس له جزء،عن اإلمام الصادق«الن ما سوى الواحد متج ّزئ واللَّه واحد
((( االخالص2/
ةداملا نع ةيملع ةيئاور ةقيقح 135
مفهوم الجوهر مع العدم فإذا تفككت االشياء انتفت جوهريتها وتنتقل من الوجود إلى العدم
«وال ينقل الشيء من الوجود إلى العدم اال اللَّه» ،لذلك فوجود الشيء بتركيبه ولوال التركيب فهو
معدوم.
����������������������������� 137
((( البقرة36/
138 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
إبليس وطرف بيدنا ،وانت واقف بينهما ،وان كان اإلنسان في بعض االحيان يرتكب ذنوب لم
يرتكبها إبليس نفسه ،وفي هذه الحالة يكون اإلنسان هو معلم إلبليس وليس العكس.
ولعل البعض اتهم إبليس بالغباء النه يظن انه قد وقف بوجه اإلله ورفض امر السجود لذلك
اعتقدوا بانه غبي فمن ذا الذي يحاول ان يكون ند للَّه إال االغبياء.
ولكن الموضوع ال يجري وفق هذا التصور الن إبليس مخلوق ذو عمر طويل وعبادة
طويلة ومعلومات اصلية ،فهو على يقين بانه ليس هناك مساحة يمكن من خاللها ان يضع نفسه
بالمباشر ندا ً للَّه فهو ال يعدو طوره ،فمن هو وما خطره حتى يكون في الصراع مقابل اللَّه ع ّز
وجل ،وهذه النقطة استفاد منها إبليس في تعظيم شأنه ،الن المتدين يظن ان الصراع بين إبليس ّ
وجل خارج واللَّه وهو خطأ فادح ،بل الصراع بين إبليس واإلنسان اي بين البشر والجن،واللَّه ع ّز ّ
الصراع النه جهة حاكمة.
لذلك لم تكن ساحة عمل إبليس وملعبة هي ساحة اإلله بل ملعبه هو األرض واإلنسان.
ولكن الشي الذي ال يعرفه الناس ان إبليس عندما لُعن وطُرد وفقدن كرامته ومرتبته الملكوتية قد
ظل محتفظاً بمواهبه التي اكتسبها نتيجة عبادة سابقة له.
وبالنتيجة فان الناس يعيشون على هذا الكوكب ناسين تواجد هذا الكائن وذريته معهم
النهم تعودوا بالتربية ان يمارسون حياتهم معتقدين بأنهم وحدهم على هذا الكوكب ،بل هناك
نسبة منهم تعتقد اننا وحدنا في الكون ،وهو تصور ستكون له انتكاسات خطيرة في الزمن
القريب القادم عندما يصحوا اإلنسان في ايام قادمة فاتحاً عينيه على جملة من المخلوقات
ستغزو حياته ،النها مثلنا ُمكلّفة ولها غايات ولها مشروعها الخفي.
فاإلنسان يعيش حياته وهو غير ُمدرك ان الكوكب الذي نعيش فيه والفضاء الذي يغلّفه
مشحون شحناً بانواع مختلفة من الكائنات«مالئكة وجان» ،والخطاب القرآني صريح بتواجد
عالم الجن معنا بل لهم تكليف ويتحدون معنا في الغايات ،اما عالم المالئكة فأكبر من ان
يوصف وما من شاردة وواردة في هذا الكوكب بل في هذا الكون إال وعليها ملك موكل بها،
وفي اآليات والروايات الشيء الكثير من ذكر تفاصيلهم واحوالهم بما ليس بحاجة إلى بيان.
هذا من ناحية الجانب غير المرئي اما من ناحية الجانب المرئي فاألرض مكتظة بانواع
المخلوقات من الحيوانات والطيور واالسماك والنباتات ت ًحيط بنا ولها نظامها واغلب الناس
يعيشن حياتهم وال ينتبهون لها.
����������������������������� 139
ان هذه الحالة الغير ُمدركة من قبل اغلب الناس كونهم تعودوا ان يعيشوا تحت قناعة
وشعور جمعي انهم لوحدهم على هذه الرض قد استُثمرت من قبل جانب الشر األستثمار
االمثل ،النهم كانوا وما يزالون يركّزون هذا التصور في الذاكرة والسلوك اإلنساني لكي ال ينصرف
الناس للتفكير والتأمل والبحث عن العوالم االخرى ،فبحث اإلنسان عن هذه العوالم سيقوده
للتعرف عليها وعلى طبيعتها واهدافها وقد يصل به التفكر إلى معرفة ال ُمحركات التي تحرك
هذه الجهة بالخفاء وبالتالي معرفة حقيقة الجهات المتنفذه في هذا العالم التي قد يتصورهم
البعض انهم مثلنا لكنهم في الحقيقة صنائع إبليس الذين لبسوا االبدان االدمية وذريته التي
تنتمي اليه وتطيعه وتعطيه الوالء وهم على قسمين ،األول :منتمي إلى جهة الشر اال انه غير
ُمدرك لهذا االنتماء فهو سائر بفعل الحركة الكلية للمجتمع والشعور الجمعي لعموم الناس فهم
ُدمى إبليس يُحركهم كيف يشاء بوسائل عديدة اقواها االعالم ورغبات اإلنسان من غريزة وطعام
وملبس وهم سواد الناس وعمومهم ومساحة عمل إبليس المثالية ،الثانية :هم المنتمين لطرف
الشر عن وعي ودراية فهم ُمدركون حقيقة هذا االنتماء وهم قيادات واتباع موالين يعملون ضمن
منهج ولهم غاية وبيدهم تجتمع كل الخيوط السياسية واالقتصادية والموارد البشرية وقنوات
االعالم والمصارف والتجارة العالمية وسوق االموال وكل المرافق الحيوية على األرض وهم
يمارسون عملهم تحت غطاء السرية ويطرحون انفسهم كناس عاديين لهم مؤهالت كبيرة النهم
كسيدهم إبليس يعرفون كيف يخفون انفسهم في مجاميع الناس ،فسيدهم إبليس استطاع ان
يُخفي نفسه داخل مجاميع المالئكة سنين طويلة فالبد وانه عندما بدأ صراعه مع اإلنسان قد
مارس نفس الدور وعلّمه التباعة ،لذلك فان مسألة تشخيص قيادات الشر واالتباع العاملين معنا
في هذا الكوكب بحاجة إلى دقة نظر للفرز ،وبما ان اغلب الناس بعيدين عن هذا التصور فقد
انتصر إبليس واتباعه في هذه المعركة انتصارا ً ساحقاً الننا كلنا نتعامل مع هذه القوى وكأنها غير
موجودة.
هذه ُمقدمة بسيطة سقناها كمدخل لالجابة على تساؤل يتعلق بموضوع الكالم وهو
«إبليس والفضاء» ،فيا ترى ما هي غاية الدول الكبرى مثل أمريكا من مشروع كمشروع البحث
في الفضاء؟ ولماذا هذا االنفاق المالي الكبير عليه؟ اما كان األفضل من الجانب اإلنساني
واالقتصادي ان ت ُنفق هذه االموال على مشاريع أكثر اهمية النقاذ البشرية من الجوع والمرض
والفقر والجهل التي تفتك بالبشر؟
هذا المشروع وغيره الذي جعل أمريكا تشرد شعوب وتفقر دول وتتسلط على حكومات
من اجل مواردها وتحويلها إلى اسواق كبيرة لتجارتها والدامة زخم حركة رأس المال من اجل
140 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
تمويل هكذا مشاريع عمالقة ،وحتى تضيع حقيقة غايات مثل هكذا مشاريع فقد طرحت القوى
المتنفذة هكذا مشاريع من خالل وسائلها االعالمية الجبارة تحت شعار التكنلوجيا والتقدم
العلمي.
ربما ستقول لي ،ان رغبة اإلنسان في تبني مشاريع عمالقة هو ديدن اإلنسانية منذ بدء
الخليقة وشواهد التاريخ واالثار تدل بشكل واضح على ان لإلنسان محاوالت كثيرة لعمل
مشاريع ضخمة لعدة دوافع عقائدية او اقتصادية او سياسية كما في مشروع بناء االهرامات مثال
الذي البد ان يكون في زمنه قد استهلك الكثير من جهد اإلنسان وموارده وبالتالي فال احد
يستطيع ان يلوم اإلنسان إذا سعى بهذا االتجاه إذا كان له طموح علمي او رغبة في االستكشاف،
وخصوصت وان العقل البشري بطبيعته طموح وخالّق ،فما المانع من اطالق العنان لهذا العقل
في سبر اغوار الكون ودقائق االشياء وكشف القناع عما كان ُمغيب لفهم ظواهر االشياء ،فما هو
الضير من االنفاق على هكذا مشاريع إذا كانت الغايات المرجوة منها عظيمة ولها عالقة بالعلم
ومصير اإلنسان؟
واالشخاص الذين يتبنون هكذا طرح يُ ّدعمون رأيهم بجملة االنجازات العلمية الراقية
وال ُمذهلة التي توصل اليها البحث العلمي نتيجة البحث المستمر ومن جملة االنجازات
الضخمة التي صنعها اإلنسان نتيجة تبنيه لمشروع البحث الفضائي والسفن الفضائية منها
منظومة االقمار الصناعية المحيطة بكل كوكب األرض والتي من خاللها يتم رصد ونقل كل
شاردة وواردة في حياتنا من برامج تلفزيونية واتصاالت ومعامالت مالية وتجارية ومالحة بحرية
وجوية والتي اصبحت من ُمسلّمات هذا الزمن ،وأصحاب هذه القناعة لهم حق في ذكر هذه
المنجزات النها كلها تندرج تحت عنوان«البحث العلمي» ،لكنهم عندما يضعون امامك قائمة
جملةطويلة من هذه االنجازات وال ُمخترعات واالجهزة ينسون وربما يتناسون قائمة اخرى فيها ُ
من المواضيع كان العلم والتقدم سبباً في تشويهها وخصوصاً ما يتعلق بالجوانب الروحية
واإليمانية واألخالقية ،فالتطور العلمي والتكنلوجي رافقه انحدار سريع في الجوانب األخالقية
بشكل ال يتناسب مع تطور العلم ناهيك عن جملة االخطار الصحية والبيئية مثل االمراض
الجديدة واالحتباس الحراري واستنزاف موارد األرض التي رافقت هذا التطور العلمي.
فايهما افضل ان نخترع اجهزة وادوية تشافي الناس من االمراض ام ان نقذف إلى الحياة
بالمبيدات والمواد الكيماوية الصناعية لتنتج لنا امراض جديدة ،وإذا نظرت للتطور العلمي من
هذا الجانب فهو عملية هدم وبناء في نفس الوقت.
����������������������������� 141
هذه بعض اهداف وتفاصيل ونتائج هذه المشاريع من الجانب ال ُمعلن ،اما الجانب غير
ال ُمعلن فهو مخفي يظهر إلى حيز الوجود بالتدريج النني اعتقد ان إبليس وصنائع إبليس هم
الذين وراء هذا التقدم العلمي والتكنلوجي الذي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ،وهم يسيرون
وفق اهداف كبيرة ونوايا خطيرة وخطط ستراتيجية ويرصدون كل جهد علمي وكل عقل ذكي،
وقد اجتمعت في هذه الجهات عدة مميزات فهم اذكياء ودهاة وخبثاء وعلماء ومغرورون على
حد سواء.
فإبليس بعد ان لُعن وطُرد وفقد مركزه الملكوتي ظل مع آدم محبوساً في افق األرض التي
اصبحت مركزا ً للصراع ،ونتيجة هذا الوضع الجديد فقد إبليس واعوانه قابلية الصعود للسماء
وقابلية معرفة االوامر النه ملعون ال يستحق ان يكون واحد من اهل السماء وخصوصاً ان إبليس
واعوانه من الجن قد تعرضوا ألمر ضيّق عليهم الخناق جدا ً وقيّد حركتهم اكثر وهو عملية نزول
القرآن الكريم على الرسول الخاتم فقد ذكرت المرويات انه بعد نزول القرآن اغلقت عليهم
السماء بشكل كلي وانحصر عملهم على كوكب األرض فمنعت اعينهم واسماعهم من استراق
السمع والتي يتبعها بالضرورة ضيق افق في معرفة المستقبل وبطء في الحركة وقد شرحت سورة
الجن احوال الجن وما سيؤل اليه امرهم وقابلياتهم بعد نزول القرآن
َ ُّ َْ قوله تعالى﴿ َو َأنَّا َظ َن َّنا أَن َّلن ُّن ْعج َز َّ َ
ج َزهُ َه َر ًبا﴾(((،الحظ انهم
ِ الل ِف ال ْر ِض َولن ن ْع ِ
َ َّ َ ْ َ َ َّ ََ
متواجدون في األرض واال لقالوا«في األرض والسماء» ،وقوله تعالى﴿وأنا لمسنا السم َ
اء
ََ َ َْ َ ُ َ ْ َ ًَ َ ً ُ
ِيدا َوش ُه ًبا﴾((( ،الحظ انهم هنا «يلمسون» السماء اي واقفون على فوجدناها مل ِئت حرسا شد
اطرافها وال يستطيعون الدخول اليها على الرغم من محاوالتهم ،علماً انهم لديهم «مقاعد
للسمع» اي مراصد للترصد على االخبار إال ان هذه المراصد اصبح لها مقابل وهو«شهاب
َ َ َّ ُ َّ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ
ي ْد ُل ش َِهابًا َّر َص ًدا﴾(((،
رصدا»قوله تعالى﴿وأنا كنا نقعد مِنها مقاعِد ل ِلسمعِ ۖ فمن يست ِمعِ الن ِ
َ َ َّ ُ َ َ َ ٌ ّ َ ْ
نسال ِ
القرآني بوجود تعامل مستمر بين الجن واالنس﴿وأنه كن رِجال مِن ِ فيما يذكر النص
َُ ُ َ َ ّ َ ْ ّ ََ ُ ُ ْ ًََ
ال ِن فزادوهم رهقا﴾ ،وهي دالة بشكل واضح على وجود تعاون مستمر (((
ال مِن ِ
يعوذون ب ِ ِرج ٍ
بين جنس اإلنسان وجنس الجان ال يقتصر على زمن ُمعين بل مستمر باستمرار الصراع وهو
تعاون يدل بوضوح على امكانية االتصال مع بقية العوالم ونقل المعلومات.
((( الجن12/
((( الجن8 /
((( الجن9 /
((( الجن6/
142 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
وبما ان السماء قد اغلقت عليهم و ُملئت حرساً شديدا ً وشُ هباً ومن يحاول االختراق يجد
له شهاباً رصدا ً ،وبما ان هناك امكانية لالتصال والتعاون ما بين اإلنسان والجان فما هو المانع
إذا غُلقت عليهم ابواب السماء ان يساعدوا اإلنسان بمعلومات وان يتعاونوا معه لكي يقوم
اإلنسان بهذا األمر بالنيابة عنهم للوصول إلى نفس الغاية وهي «استراق السمع» بشرط ان ال
يعي اإلنسان هذا الهدف ،فهم علّموا اإلنسان كيف يصنع «المراصد» التي هي «مقاعد للسمع»،
فاخذ اإلنسان بدون وعي لالغلبية وبوعي من قبل االتباع من تنفيذ خطة إبليس تحت غطاء
التطور العلمي ،وان اخفاء هذه الحقيقة عن ذهن اإلنسان هو ما عبرت عنه آيات سورة الجن
ً ََ ُ ُ
وه ْم َر َهقا﴾،فالنتيجة الحتمية للتعاون بين االنس والجن لفك هذا باوضح بيان بقوله﴿فزاد
الحصار او لغيره من المشاريع هو ان يُرهق اإلنسان وهو ما نراه حالياً في كل مفاصل الحياة التي
اصبحت ًمرهقة فعال على الرغم من كل هذا التطور الذي طُرح في البداية تحت عنوان راحة
اإلنسان ورفاهيته.
فاإلنسان له القابلية العقلية على فهم مديات اوسع تؤهله للوصول إلى هذه اآلفاق
المحجوبة عن الجن وعن إبليس ،فالبد من استثمار اإلنسان بالشكل االمثل لكي يقوم بهذا
الدور بدل إبليس وجنوده فيمارس دور ناقل االخبار بطريقة يضمن فيها إبليس وصول الخبر اليه
بدون استفادة اإلنسان منه،فاإلنسان يستفاد من المعلومات والصور والبيانات لمعرفة كيف يعمل
النظام الشمسي ومما تتكون الكواكب وخصائصها وغيرها من المعلومات العلمية التي ال تمثل
إلبليس واتباعه شيء ،فهذه حصة اإلنسان من العملية ،اما ما موجود خلف هذه المعلومات
من حقائق ترتبط باخبار السماء فهي حصة إبليس التي ال يعرفها اإلنسان ولن يسمح إبليس له
بمعرفتها.
ومن خالل التعاون بين اإلنسان والجان تم تجنيد كل امكانيات الدول الكبرى الدامة زخم
هكذا مشاريع من خالل مجموعة من النتائج حصلت عليها هذه الدول كالتفوق العسكري
والتكنلوجي والصناعي والمصرفي ،الن إبليس بحاجة لهؤالء لكي ينفذ مشروعه،وعلى
المستوى الشخصي ال استبعد بل متيقن بان إبليس هو الذي جهز هذه الدول بالمعلومات
للوصول لهكذا غايات ،فليس كل نتاج علمي هو عقلي خالص ،فكما ان للرحمن وحي نزل
على صفوة عباد اللَّه وهم األنبياء والمرسلين فيه معلومات فيها صالح البشرية ،فالوحي ليس
نتاج عقول األنبياء بل هو معلومات جاهزة من اللَّه لإلنسان لكي تستقيم الحياة ،كذلك هناك
وحي للشيطان يتم من خالله ايصال معلومات لإلنسان الشرير لكي يستخدمها في تهديم
����������������������������� 143
َّ َّ َ َ َ ُ َ َ َ
(((
وحون إ ِ ٰل أ ْو ِلَائ ِ ِه ْم﴾الحياة ،قوله تعالى﴿ِإَون الشياطِني لُ
خر إبليس اعوانه من االنس وهم عادة رؤوس متنفذة ومن خالل هذا الوحي الشيطاني يُس ّ
في الواقع وأصحاب سلطة كان البد لهم ان يدخلوا هذه الدائرة عن وعي كما ان األنبياء يدخلون
دائرة الرحمن عن وعي ويخدمون اللَّه موالهم ،كذلك هؤالء الناس الذين يدخلون ساحة إبليس
عن وعي ودراية فهم في خدمة موالهم مقابل مميزات اعطيت لهم من قبل إبليس كالسلطة
والمال والنفوذ لكي ينفذوا مشاريع إبليس ومنها مشروع الفضاء والمراصد لتي اعدت للسمع.
ومن خالل هذا التقدم العلمي والمراصد الفلكية وال ُمعدات الضخمة يستطيع إبليس رصد
السماء ومنها رصد ظهور «المذنب الموعود» قبل ان تظهر طالئع انواره فالملعون يعرف ان لهذا
ُ ّ َّ َ
األمر توقيتات﴿ َو َما ن َؤخ ُِرهُ إِل ِل َج ٍل َّم ْع ُدو ٍد﴾((( ،وهذه المعرفة توفر له وقت لالعداد المسبق
لهكذا حدث اعالمياً وعسكرياً وفكرياً ،وهذا ما يؤكده الواقع الحالي من خالل نشر مئات
المراصد العمالقة على األرض والمراصد المتقدمة الموضوعة على ارتفاعات عالية في الفضاء
الخارجي والمسابير الفضائية التي تهبط على بقية الكواكب«....وما خفي كان أعظم».
هذا واحد من مشاريع إبليس اما المشروع االخر االكثر خطورة فهو مشروع تخريب الطبيعة
وبالتالي تخريب الكوكب وجعله غير صالح للحياة ،فال احد يُنكر االخطار التي يواجهها كوكبنا
ونظامنا الطبيعي من عدة ظواهر ومنها ظاهرة االحتباس الحراري التي هي من نتائج التقدم
الصناعي وبالتالي تسارع ذوبان الثلوج وتغير دورة الرياح والتصحر والتطرف المناخي بعد ان
استهلك التقدم الصناعي موارد األرض قاذفاّ الى اجوائنا بكل سموم ودخان المصانع نتيجة
عمليات االحتراق ادت إلى ظهور معادلة غير متوازنة بين استهالك موارد الطبيعة و ُمخلفات
الصناعة مما دفع جملة من العلماء والدول ان تدق ناقوس الخطر بعد نتائج تم الحصول عليها
من دراسات عديدة تنذر بحصول ازمة حقيقية على المدى القريب.
ربما ستقول لي ما هي الفائدة التي سيجنيها إبليس واعوانه من تخريب النظام الطبيعي؟
وربما يتوقع البعض ان االجابة على هذا السؤال تحتاج إلى مقدمات طويلة وبحوث خاصة
فالجواب بسيط .الن إبليس ال يعمل للَّه وكل عمل ليس لله ال ينمو فخراب هذا الكوكب نتيجة
حتمية لعمل إبليس ،وفعله هذا سيقوده إلى نهايته هو النه نفسه سيوصل االمور إلى درجة انها
«تملئ ظلماً وجورا»،فهو اراد ان يؤخر ظهور المنقذ ولكنه س ّرع بحضوره ،فهو واقع في تناقض
((( األنعام121/
((( هود104/
144 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
كبير ،فلو ان إبليس توقف ولم يغوي الناس وهذا ًمحال النه خالف طبيعتة لرجح مشروع األنبياء
وانتصر الخير ،ولو انه عمل واغوى الناس حصل اعبث بالنظام وبالطبيعة وهو المطلوب فهي
الل ۖ َو َّ ُ ََ َُ ََ َ
ك َر َّ ُ
الل «ستملئ ظلماً وجورا ً» وهو المطلوب وهو ما سيحققه إبليس نفسه﴿ومكروا وم
ين﴾((( ،فكل عمل ضد قوانين اللَّه يوصل إلى نتيجة حتمية ،فالقانون سيضرب ي ال ْ َماكِر َ
َخ ْ ُ
ِ
عاجالً ام اجالً.
((( آل عمران54/
ءاروزلا تناك انه اه 145
وقال بعض المؤرخين ان اسم بغداد ُمح ّرف عن «بعل جاد» ،ومعناها «معسكر بعل»،
على اعتبار انها معسكر للجيش البابلي ،وقال البعض انها تحريف «بعل داد» اي مدينة «االله
الشمس» ،ولعلها بُنيت لعبادة «البعل» إله الشمس فسميت باسمه ،ومنهم من يرى ان اسم
بغداد لفظ كلداني في االصل وهو «بلداد» مشتق من «بل» وهو اسم االله الكلداني «داد»،
وهي لفظة ارامية قديمة معناها «فتك» ،وقال البعض ان اصل بناء بغداد قد يرتقي إلى عهد
حمورابي ،وقد اجمع عدد من المؤرخين المسلمين على ان لفظة بغداد فارسية االصل واعطوها
تفسيرات مختلفة ،والبعض يرى ان «بغ» اسم لصنم فتكون «بغ داد» اي «الصنم اعطاني» ،وقال
البعض ان «بغ» هو البستان و«داد» اعطى ،اما المستشرق «لسترانج» فيقول ان االسم مشتق من
الكلمتين الفارسيتين القديمتين«بغ» اي «اللَّه» و «اذ» اي «تأسست» او «تأسيس» ،فيكون لفظ
بغداد «اسسها اللَّه» ،فيما فسر المؤرخين المسلمين القدماء والجغرافيين اسم بغداد بمعنى
«عطية الصنم» او «عطية الشيطان» او «عطية الملك».
وبالجملة اذ احتكمنا إلى أحاديث آل محمد حول معنى الكلمة على اختالف تفسيرات
الباحثين والمؤرخين فان األحاديث تذم هذه األرض التي بنى فيها العباسيون مدينتهم اشد
الذم ،وتقول عنها انها ارض ملعونة ،وموعودة بالخسف والخراب ،وال اعلم ما هي داللة ان
تكون األرض ملعونة ،فهل النها مقر لعبادة االوثان ،ام هي مقر للشيطان ،كما ان بعض االماكن
المقدسة المباركة مقر الجساد األولياء ،فال ندري من دفن في هذ االراضي الملعونة ،وكل
جح كونها مكان شيطاني وهي باالصل مقر لعبادة االصنام هذه المؤشرات في األحاديث ت ُر ّ
او الشيطان ،وعلما يبدوا انها من مراكز الشيطان المهمة ،والتي ربما تعود لما قبل كل هذه
التواريخ.
ءاروزلا تناك انه اه 147
لم يكن العرب قبل اإلسالم يعرفون شيء عن بغداد بل ال يعرفون عن العراق شيء اال
كونه مستعمرة فارسية ،ولم يكن احد يتوقع ان الرسالة المحمدية ستصل إلى العراق وإلى
العالم ،واول معلومة عن بغداد في التاريخ اإلسالمي هي المعلومة التي وردت في حديث
رسول اللَّه.
عن اإلمام علي قال«سمعت حبيبي محمداً يقول :فيكون لبني عمي مدينة من قبل
المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة ،يشيد فيها بالخشب واآلجر والجص والذهب،
يسكنها شرار خلق اللَّه وجبابرة امتي ،اما ان هالكها على يد السفياني ،كاني بها واللَّه قد صارت
خاوية على عروشها»(((.
عن رسول اللَّه قال«تُبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل ،تُجبا اليها كنوز
األرض ،يخسف بها فلهي اسرع ذهابا في األرض من الحديدة المحماة في األرض الخوارة»(((،
عن مالك بن انس عن نافع عن ابي عمر قال هدم المنافقون مسجدا ً بالمدينة ليالً فاستعضم
أصحاب رسول اللَّه ذلك ،فقال رسول اللَّه«ال تنكروا ذلك فان هذا المسجد يُع ّمر ،ولكن
إذا هدم مسجد براثا بطل الحاج» ،قيل له واين مسجد براثا؟ قال «في غربي الزوراء من ارض
العراق صلى فيه سبعون نبيا ووصيا واخر من يصلي فيه هذا واشار بيده إلى موالنا علي.(((»
اما المثابة االساسية لتحديد موقع مدينة بغداد فقد اقترنت بمسجد براثا ،وهو المسجد الذي
امر اإلمام علي الراهب حباب ببنائه بعد رجوعه من قتاله اهل النهروان واألحاديث التالية
تبين هذا الموضوع بالتفصيل.
عن جابر بن عبد اللَّه االنصاري قال حدثنا انس بن مالك وكان خادم رسول اللَّه قال:
لما رجع أمير المؤمنين علي بن ابي طالب من قتال اهل النهروان نزل براثا ،وكان بها راهب
في قاليته وكان اسمه حباب ،فلما سمع الراهب الصيحة والعسكر اشرف من قاليته إلى األرض
فنظر إلى عسكر أمير المؤمنين فاستفضع ذلك فنزل مبادرا ً ،فقال :من هذا؟ ومن رئيس هذا
العسكر؟ فقيل له :هذا أمير المؤمنين وقد رجع من قتال اهل النهروان ،فجاء الحباب مبادرا ً
((( معجم بلدان عصر الظهور /عبد الرسول زين الدين ص 65نقال عن تاريخ بغداد ج38 /1
((( مالحم ابن المنادي43 :
((( المالحم والفتن :ابن طاووس /الباب الثامن واالربعون /ص 117
148 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
يتخطا الناس حتى وقف على أمير المؤمنين فقال :السالم عليك يا أمير المؤمنين حقاً حقا،
فقال :وما علمك بأني امير الؤمنين حقاً حقا ،قال له :بذلك اخبرنا علماؤنا واحبارنا ،فقال له:
يا حباب ،فقال الراهب :وما علمك باسمي؟ فقال :اعلمني بذلك حبيبي رسول اللَّه ،فقال
له الحباب :مد يدك فأنا اشهد ان ال إله إال اللَّه وان محمدا ً رسول اللَّه وانك علي بن ابي
طالب وصيه ،فقال أمير المؤمنين :واين تأوي؟ فقال :اكون في قالية لي ها هنا ،فقال له أمير
المؤمنين بعد يومك هذا ال تسكن فيها ولكن ابن ها هنا مسجدا ً وسمه باسم بانيه ،فبناه رجل
اسمه براثا فسمي المسجد براثا باسم الباني له ،ثم قال :ومن اين تشرب يا حباب؟ فقال :يا أمير
المؤمنين من دجلة ههنا ،قال :فلم ال تحفر ها هنا عينا او بئ ًر؟ فقال له :يا أمير المؤمنين كلما
حفرنا بئرا وجدناها مالحة غير عذبة ،فقال له أمير المؤمنين احفر ها هنا بئرا ً فحفر فخرجت
عليهم صخرة لم يستطيعوا قلعها ،فقلعها أمير المؤمنين فانقلعت عن عين احلى من الشهد
وألذ من الزبد ،فقال له :يا حباب يكون شربك من هذه العين ،اما انه يا حباب ستُبنى إلى جنب
مسجدك هذا مدينة وتكثر الجبابرة فيها ويعظم البالء حتى انه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون
الف فرج حرام ،فإذا عظم بالهم سدوا على مسجدك بقنطرة((( ثم بنوه مرتين ،ال يهدمه اال كافر
فإذا فعلوا ذلك منعوا الحج ثالث سنين»(((.
عن ابي جعفر قال«ان أمير المؤمنين لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء،
فقال للناس :انها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها ،ان الخسف اسرع اليها من الوتد في النخالة ،فلما
اتى موضعا من ارضها قال :ما هذه األرض؟ قيل :ارض نجرا ،فقال :ارض سباخ جنبوا ويمنوا،
فلما اتى يمنه السواد إذا هو براهب في صومعة فقال له :يا راهب انزل ها هنا؟ فقال له الراهب:
ال تنزل هذه األرض بجيشك ،فقال :ولم؟ قال :النه ال ينزلها اال نبي او وصي نبي بجيشه يقاتل
وجل هكذا نجد في كتبنا ،فقال له أمير المؤمنين :أنا ذلك ،فنزل الراهب اليه
في سبيل اللَّه ع ّز ّ
فقال :خذ علي شرائع اإلسالم إني وجدت في اإلنجيل نعتك وانك تنزل ارض براثا بيت مريم
وارض عيسى عليهما السالم ،فقال أمير المؤمنين :قف وال تخبرنا بشيء ،ثم اتى موضعا فقال
الكزوا هذا فلكزه برجله فانبجست عين خرارة ،فقال :هذه عين مريم التي انبعث لها ،ثم قال:
اكشفوا ها هنا عل سبعة عشر ذراع فإذا بصخرة بيضاء ،فقال :على هذه وضعت مريم عيسى
من عاتقها وصلت ها هنا ،فنصب أمير المؤمنين الصخرة وصلى اليها واقام هناك اربعة ايام
يتم الصالة وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دعوة ،ثم قال :ارض براثا هذا بيت مريم
عليها السالم هذا الموضع المقدس صلى فيها األنبياء ،قال ابو جعفر محمد بن علي عليهما
السالم ولقد وجدنا انه صلى فيه إبراهيم قبل عيسى عليهما السالم»(((.
الحديث يحدد ان أمير المؤمنين مر بهذه األرض بعد ان انتهى من قتال الخوارج اي سنة
« 38هـ 659م» ،وانه مر بارض سماها بالزوراء وحذر الناس منها النها ارض سريعة الخسف،
ثم التقى بعدها في موضع اخر بالراهب حباب وامره ان يبني مسجد سماه باسم بانيه براثا،
والمهم في الحديث ان اإلمام علي يحدد للراهب حباب انه «يا حباب س ُتبنى إلى جنب
مسجدك هذا مدينة وتكثر الجبابرة فيها ويعظم البالء حتى انه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون
الف فرج حرام» ،والواضح ان هناك مسافة ما بين موقع بناء المدينة وارض براثا ،الن اإلمام
علي بعد ان اجتاز الزوراء مر بارض نجرا ثم بيمين السواد ثم التقى بالراهب ،والحديث
يذكر ان اإلمام علي قال«س ُتبنى إلى جنب مسجدك هذا مدينة» ولم يقل «ستبنى حول مسجدك
مدينة» ،فالمدينة ستبنى في جانب من جوانب المسجد والذي سنتكلم عنه الحقا ،ثم يحدد
الحديث انه إذا هدم المسجد منع الحاج ثالث سنوات(((.
وعلى حد اطالعي على المصادر التي تناولت موضوع بناء العباسيين لمدينة بغداد ،فلم
تذكر هذه المصادر المعلومات الواضحة في أحاديث أهل البيت حول موقع المدينة او من
سيبنيها التي قال عنها الحديث انهم «بني العباس» ولم تشر هذه المصادر لهذا األمر من قريب
وال من بعيد ،حتى الخبر المشهور الذي يتعلق ببناء جامع براثا بعد ان أمر اإلمام علي الراهب
حباب ببنائه وقال له انه ستبنى جنب مسجده هذه المدينة ،واغلب من كتب في هذا الموضوع
ياخذ معلوماته من كتب التاريخ وال يؤخذ بشيء من كالم آل محمد ،والراجح ان لهذا األمر
السن ّية ،وخصوصاً االكاديميين منهم
سبب كون اغلب من كتب عن بغداد ذو ميول للطائفة ُ
الذين يعتمدون على كتب التاريخ فقط وال يقيمون اي وزن ألحاديث آل محمد حتى لو كان
الس ّنة وهو ُمسبقا يعتبر
فيها معلومة تاريخية ،وبما ان كتب التاريخ ومن نقل عنهم من مذهب ُ
بني العباس هم رعاة الدين والعلم واهل الحضارة اإلسالمية فال يمكن ان يتناول المعلومات
الواردة عن أهل البيت حول بناء المدينة وخصوصا ان األحاديث تذكر انه سيسكنها الجبابرة
وفي حديث اخر يسميهم ملوك بني الشيصبان ويقول عنها انها منها تخرج طينة الجبارين وهذا
كله خالف ما يقال حول تاريخ ومصير المدينة ومن بناها.
وحتى ان «بعض» الخرائط المختصة بمعالم بغداد قديماً وحديثاً تذكر كل معالم بغداد
القديمة والحديثة باستثناء معلم واحد اال هو مسجد براثا فقد خلت بعض تلك الخرائط من
اشارة اليه ،وربما هناك تقصد بعدم ادراج موقع جامع براثا في هذه الخرائط لكي تضيع معه
أحاديث آل محمد حوله ،ولو صحت مالحظتي هذه فهي تشير إلى وجود ايادي خفيه
الضاعة الموقع الجغرافي الحقيقي لبغداد التي بناها العباسيين.
حكم بنو امية للفترة « 132 - 41هـ» اي « 750 - 622م» ،وبدأ حكم بني العباس سنة
«132هـ » ،وباستالم بني العباس السلطة شرع خليفتهم الثاني ابو جعفر المنصور ببناء عاصمته
الجديدة «مدينة السالم» سنة « 145هـ» ،اي بعد 13سنة من استالمهم السلطة وقد اختلف
المؤرخون في تحديد العوامل التي دفعت ابي جعفر المنصور لبناء بغداد لتكون حاضرة الدولة
العباسية ويمكن اختصارها بثالث نقاط.
- 1كان من المقرر على الدولة العباسية الناشئة اقامة عاصمة لهم تليق بدولتهم الجديدة
مقابل عاصمة اعدائهم االمويين في الشام.
- 2كراهة المنصور العباسي من االقامة على مقربة من الكوفة مركز الشيعة الموالين ألهل
البيت والذين لهم موقف عدائي من العباسيين.
- 3كراهة المنصور االقامة في الهاشمية للحركات الخطيرة التي شهدها العصر العباسي
األول.
وقد بُنيت المدينة على الضفة الغربية من دجلة ،وصممت على شكل قلعة مدورة ،واحاطها
بعدة اسوار ،وجعل لها اربعة ابواب كبار ،وكان كل مدخل نظير المدخل االخر في تصميمه،
واتم المنصور بنائها سنة « 149هـ766 -م» اي استمر بنائها لمدة اربعة سنوات ،وهذه المدينة
تحدها دجلة من الشرق ونهر الصراة من الجنوب والخندق الذي بنوه من الغرب والشمال.
ءاروزلا تناك انه اه 151
وبعد ان أنشأت العاصمة الجديدة اقبل الناس على السكن في جوارها فاتسعت قرية الكرخ
التي في جنوب المدينة وصارت تعرف باسم محلة الكرخ ،وقد انشئ خلف المدينة من الجهة
الشرقية سور وخندق للدفاع عن العمران الذي انتشر حول المدينة المدورة
ثم دخلت بغداد مرحلة جديدة في تطورها بعد ان انزل المنصور ابنه وولي عهده المهدي في
الجانب الشرقي من نهر دجلة وجعل مقر جنده هناك وعرفت المحلة الجديدة اوال باسم«عسكر
المهدي» ثم ُسميت «الرصافة» ،واول بناء شيد فيها هو جامع الرصافة الكبير ،ثم عقب بعدها
بناء قصر المهدي ،وقد انشئ حول المعسكر سور يدور حوله خندق عمال بما تقتضيه االحوال
العسكرية.
وعندما بُنيت الرصافة بنيت مقابل مدينة المنصور المدورة من الجانب االخر من نهر دجله
على وجه التقريب وبدأ العمل بها سنة«151هـ 768 -م» وانتهت سنة « 157هـ 773 -م» اي
استغرق بنائها ستة سنوات.
مساحة المدينة
هناك عدة روايات لتحديد مساحة المدينة التي بناها المنصور
- 1رواية اليعقوبي((( ان المساحة بين كل باب من االبواب الخارجية هي خمسة آالف ذراع
بالذراع السوداء ،وبهذا يكون محيط المدينة عشرون الف ذراع ،ولما كان الذراع السوداء تساوي
« 50 - 49سنتمتر» ،فيكون محيط المدينة قرابة « 10كيلو متر» والمسافة بين كل باب وباب
قرابة « »3000متر اي ثالث كيلو مترات ،فتكون مساحة بغداد حسب هذه األبعاد اكثر من سبعة
كيلو مترات مربعة.
- 2رواية الخطيب البغدادي((( يذكر ان مساحة المدينة وخنادقها وسورها « »130جريبا
ويؤيد ابن الجوزي هذه الرواية ايضا((( ،والجريب يساوي « 1284متر مربع» وبذلك تكون
مساحة بغداد قرابة« 180الف متر مربع»،
- 3بينما ذكر الخطيب البغدادي ان المنصور خط المدينة ميل في ميل((( والميل العربي
حوالي «اربعة آالف ذراع» اي ما يقارب الفي متر فتكون مساحة المدينة المدورة اكثر من ثالث
كيلو مترات مربعة.
- 4وللخطيب البغدادي رواية اخرى اذ يقول ان المدينة المدورة قطرها من باب خراسان
إلى باب الكوفة الفا ذراع ومائتا ذراع ومن باب البصرة إلى باب الشام الفا ذراع ومائتا ذراع وهذه
الرواية تشير إلى استدارة كاملة ومساحتها تكون «714ر »950متر مربع.
عوامل اختيار المكان:
يشترك الطبري((( وابن الجوزي((( وابن طباطبا((( وياقوت الحموي((( في رواية تدور حول
اختيار مكان بغداد ،تقول الرواية«انه كان على مقربة من المكان الذي ارتاده المنصور دير وسأل
راهب من رهبانه احد رجال المنصور وهو علي بن يقطين عن اسم الخليفة ،فأجاب ان اسمه
عبد اللَّه ،فسأل هل للخليفة اسم اخر؟ فأجاب بان كنيته ابو جعفر ولقبه المنصور ،فقال الراهب
ليس هذا الذي يبنيها ،فتسائل علي بن يقطين عن السبب فاجاب الراهب ألنا قد وجدنا في
كتاب عندنا نتوارثه قرناً عن قرن ان الذي يبني هذا المكان رجل يقال له مقالص ،ونقل ابن
يقطين هذا الحديث إلى المنصور فاستبشر المنصور وقال انه كان يطلق عليه وهو صبي اسم
مقالص وكان قد سرق غزل مربية له عجوز فاطلقت عليه العجوز هذا االسم نسبة إلى لص
اشتهر في ذلك العصر وكان اسمه مقالص ،وقال المنصور االن عرفت اين ابن هذه المدينة»(((.
ولقد حاول بعض الباحثين ان يستخف بهذه الرواية ويصفونها انها من نسج الخيال ،علما
ان الذي نقلها خيرة كتب التاريخ التي ينقلون منها معلوماتهم ،واعتقد ان السبب واضح الن
تصديقهم بهذه الرواية سيقودهم حتما إلى التصديق بحادثة مرور اإلمام علي ولقائه بالراهب
حباب وامره له ببناء مسجد في هذه األرض وقوله لحباب «يا حباب س ُتبنى إلى جنب مسجدك
هذا مدينة وتكثر الجبابرة فيها ويعظم البالء حتى انه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون الف فرج
حرام» فلو اعتمدوا على هذه الرواية لثبت ان بني العباس هم جبابرة هذه االمة.
ومن غير المستبعد ان اإلمام علي قد اخبر حباب الراهب بتفاصيل اكثر حول هذه
المدينة ،دليله ان الرواية التي تنقلها كتب التاريخ تقول ان هذا الراهب الذي التقى به المنصور
لديه كتاب يتوارثونه قرناً عن قرن مكتوب فيه ان الذي يبني المدينة شخص اسمه «مقالص»،
والراهب يعلم ان هناك مدينة ستبنى قرب المكان الذي يسكن فيه ،مما يدل انهم توارثوا هذه
المعلومات قبل اكثر من مئة سنة ،دليل ذلك ان اإلمام علي مر بحباب سنة « 38هـ » والمدينة
بنيت سنة «145هـ » والفرق بينهما تقريبا « 107سنوات» ،فال بد ان حباب وثق هذه الحادثة في
كتاب توارثه من جاء بعده ،والحديث التالي يؤيد مجمل الكالم كون الذي يبنيها هو «مقالص».
من خطبة ألمير المؤمنين على منبر الكوفة قال فيما قال في اخرها«اال واني ظاعن عن
قريب ومنطلق إلى المغيب فارتقبوا الفتنة االموية والمملكة الكسروية واماتة ما احياه اللَّه واحياء
ما اماته اللَّه واتخذوا صوامعكم بيوتكم مثل جمر الغضا واذكروا اللَّه كثيرا فذكره اكبر لو كنتم
تغلمون ،ثم قال :وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل والفرات فلو رأيتموها مشيدة
بالجص واآلجر مزخرفة بالذهب والفضة واالزورد والمرمر والرخام وابواب العاج واالبنوس
والخيم والقباب والستائر وقد غلبت بالساج والعرعر والصنوبر وشيدت بالقصور وتوالت عليها
ملك بني الشيصبان اربعة وعشرون ملكاً فيهم السفاح والمقالص والجموح والخدوع والمظفر
والمؤنث والنظار والكبش والمهتور والمصطلم والمستصعب والعالم والرهبان والخليع والسيار
والمترف والكديد واالكتب والنترف واالكلب والوسيم والظالم والغيوق.(((»...........
والحديث واضح كون مدينة الزوراء ت ُبنى بين دجلة والفرات ودجيل ،وان من يبنيها هو
«مقالص» ثاني ملوك بني الشيصبان(((.
ثم ان كتب التاريخ تقص لنا ان المنصور استشار هؤالء الرهبان حول بناء المدينة ومن
خالل النص الذي سنورده يتبين ان هؤالء الرهبان على علم باحداثيات هذه المدينة ،فيروي
الطبري((( ان المنصور قصد هذا الدير((( الذي حدثه علي بن يقطين عن حواره مع راهبه ودعا
صاحب الدير والبطريق وغيرهما فسألهم ن احوال المناخ في تلك المنطقة بل سألهم عما قد
يكون فيها من هوام وحشرات واستدعى المنصور اليه دهقان قرية مجاورة فطلب منه المشورة
والرأي فقال الدهقان ان سألتني عن هذه االمكنة وطيبها وما يختار منها فالذي ارى يا أمير
المؤمنين ان تنزل قرية طساسيج في الجانب الغربي طسوجين وهما «قطربل وبادوربا» وفي
الجانب الشرقي طسوجين وهما نهر بوق -وكلواذين((( فانت تكون بين نخل وقرب ماء فان
اجدب طسوج وتاخرت عمارته كان في الطسوج االخر العمارات وانت يا أمير المؤمنين على
الصراة تجيئك الميرة في السفن من الصين والهند والبصرة وواسط في دجلة وتجيئك الميرة
من ارمينية وما اتصل بها في «شامرا»((( حتى تصل الزاب وتجيئك الميرة من الروم والجزيرة
والموصل في دجلة وانت بين انهار ال يصل اليك عدوك وانت بين دجلة والفرات ال يجيئك
احد من الشرق والغرب اال احتاج العبور ......ثم قال هذا الدهقان ان دجلة والفرات خنادق
ألمير المؤمنين».
وكما تالحظ ان هذا الراهب قد ذكر مجموعة من األحداثيات والمسميات تنطبق تماماً على
ما جاء في األحاديث حول موقع هذ المدينة منها قطربل ونهر الصراة الذي تجري فيه السفن
وكذلك كون المدينة واقعة بين دجلة والفرات.
واغلب من بحث في اسم «الزوراء» ذهب إلى المعنى اللغوي كونها ُسميت بالزوراء
الزورار ابوابها ،والراجح عندي حسب اجواء األحاديث ان بغداد ُسميت بالزوراء النها بُنيت
على ارض اسمها الزوراء بداللة الحديث،عن ابي جعفر قال «ان أمير المؤمنين لما رجع
من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء ،فقال للناس :انها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها» ،وانما اكتشفوا
بعد بناء المدينة انها بُنيت على ارض اسمها الزوراء بسبب شياع األحاديث حولها فقالوا انها
سميت الزوراء الزورار ابوابها.
تساؤل مهم :
لو تابعت موضوع بغداد تاريخياً البد انك تتسائل عن هذه المدينة الكبرى التي بناها بني
العباس والذين كانوا من اكبر القوى السياسية واالقتصادية والعسكرية في العالم واستمروا فيها
الكثر من خمسمائة سنة ،والراجح ان هؤالكو لم يدمرها بالمرة فلماذا يدمر مدينة بهذه العظمة
وال يجعلها مقرا ً له ،ولو قرأت عن بغداد في زمن العباسيين وما تذكره كتب التاريخ عن معالم
((( طوسج كلواذي :قال ياقوت في معجم البلدان ج 4ص 301انها قرب مدينة السالم وناحية الجانب الشرقي من بغداد
((( قال ياقوت في معجم البلدان ج 1ص 813 - 812وهو طوسج من سواد بغداد بالجانب الشرقي وله نهر واسع يحمل
السفن ايام المرور
ءاروزلا تناك انه اه 155
العمران الضخمة من قصور للخليفة وما يحيط بها من ملحقات ودواوين الدولة والقاعات
والقباب والمسجد الكبير والزينة التي تحيط بالمدينة عند كل مناسبة والسور العظيم الذي كان
يحيط بها والمفروض انه سور قد صمم لصد اعتى الهجمات والبد ان بني العباس على طوال
500عام قد اضافوا عليها وخصوصا انها لم تتعرض لغزوا كبير اال ايام هوالكو.
وبالتالي لو بحثنا االن عن اثر لبغداد المدورة هل نجدمنها شيء ،الحقيقة ال تجد االن اي
دليل عمراني على وجود هكذا مدينة استمرت تحكم العالم اإلسالمي اكثر من خمسة قرون،
ونحن نعرف ان كل حضارة تنتهي البد ان يبقى شيء من اثارها العمرانية وإذا لم يبقى منه شيء
بقيت اسماء محتوياتها ،وإذا لم تبقى االسماء يبقى اساس السور او البنيان ،والمتابع يالحظ
ان بغداد التي بناها المنصور لم يبقى منها شيء وال حتى المسميات وال حتى السور وال حتى
االساسات والذي يدفعنا للتساؤل مرة اخرى اين ذهبت هذه المدينة هكذا وبدون ان تترك اي
اثر.
ومن هنا فاني اميل للقول بان بغداد حسب الواقع التاريخي والتنبؤ الديني لمستقبلها تمر
بمراحل.
المرحلة األولى:مرحلة مرت وهي الفترة الممتدة من يوم بنائها إلى يوم احتاللها من قبل
هوالكو سنة « 656هـ 1258 -م» والقول بان هوالكو دمرها نهائيا امر غير متصور ،واألحاديث
تسميها قبل بنائها بالزوراء.
المرحلة الثانية:وهي الفترة الممتدة من يوم اجتياحها من قبل هوالكو سنة « 656هـ -
1258م» إلى يومنا هذا ،وهوالكو نهب واحرق ولكنه لم يُخ ّربها كغيرها من المدن التي فتحها
النهم كانوا يريدون اتخاذها مقرا ً لهم وهو امر منطقي جدا ً فلماذ يخربها وهي صالحة لسكنه
وسكن عسكره ،وبقيت بغداد بعد هذه الحادثة تتقاذفها الحروب إلى ان احتلها السلطان
مراد الرابع سنة« 1048هـ 1638 -م» فقد حكم فيها االليخانيون « »82سنة ثم اعقبهم
الجالئريون« »57سنة واستولى تيمورلنك على بغداد سنة «1393م» ولم يلحق ضرر بالمدينة
وفي سنة «1508م» غزا الشاه إسماعيل الصفوي بغداد وظلت بحوزة الصفويين حتى عام
«1534م» حيث احتلها االتراك بقيادة سليمان األول ،ثم استولى عليها عباس الصفوي سنة
«1623م» ،ثم استعادها االتراك سنة «1628م» وبقيت بغداد بهذا الشكل من سيء إلى اسوء
تتقاذفها الحروب والفيضانات وقد ذكر اخبارها وانهيار مبانيها واسوارها جملة من الرحالة وقد
تعرضت المدينة إلى فيضانات خطيرة في السنوات «- 1907 - 1896 - 1894 - 1884
156 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
1915م» ولكل هذه االسباب وبسبب ضعف االدارة واالضطرابات االمنية المتواصلة تضرر
جدا سور المدينة واستعملت حجارته في بناء االبنية ودفن الخندق واكثر اجزائها تداخل مع
االبنية الجديدة كما ان الغرق المتكرر من فيضان دجلة كان له االثر الكبير في تخريب اكثر
اقسامها اثناء الفيضانات ،وبقي السد الترابي وصار يعرف بعد االحتالل البريطاني سنة 1917
بسدة المدينة وبهذا لم يبقى من بغداد واسوارها شي.
وحسب هذا الواقع التاريخي للمدينة عبر الزمن يمكن القول ان بغداد التي بناها المنصور
اندثرت بالتدريج عبر الزمن واعتقد هي المعنية بعبارة الحديث المروي عن اإلمام الصادق«ها
هنا كانت الزوراء».
قال المفضل :يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت؟ قال«في لعنة اللَّه
وسخطه وبطشه تخ ًربها الفتن وتتركها حمما((( فالويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر
ورايات المغرب ومن يجلب الجزيرة ومن الرايات التي تسير اليها من كل قريب وبعيد واللَّه
لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر االمم المتمردة من اول الدهر إلى اخره ولينزلن بها
من العذاب ما ال عين رأت وال أذن سمعت بمثله وال يكون طوفان اهلها اال بالسيف فالويل لمن
اتخذ بها مسكنا فان المقيم بها يبقى بشقائه والخارج منها برحمة اللَّه ،واللَّه ليبقى من اهلها في
الدنيا حتى يقال هي الدنيا وان دورها وقصورها هي الجنة وان بناتها ه ّن الحور العين وان ولدانها
هم الولدان وليظنن ان اللَّه لم يقسم رزق للعباد اال بها وليظهرن من األفتراء على اللَّه وعلى
رسوله والحكم بغير كتاب اللَّه ومن شهادات الزور وشرب الخمور واكل السحت وسفك
الدماء ما ال يكون في الدنيا كلها اال دونه ثم ليخربها اللَّه تعالى بتلك الفتن وتلك الرايات حتى
(((
لو مر عليها مار لقال ها هنا كانت الزوراء»......
االغلب يعتقد ان هذه مواصفات بغداد اخر الزمان ،ولو تأملت في الحديث جيدا ً وحسب
الواقع التاريخي لهذه المدينة كما ذكرناه لرأيت الحديث يشير إلى بغداد التي بناها المنصور،
كما يذكر الحديث ان نسائها الحور العين وان ولدانها هم الولدان وانه يظن ان اللَّه ال يقسم رزق
للعباد اال بها النها مركز العالم في زمان العباسيين بل يقال انها هي الدنيا ،ونتيجة هذا الواقع
سيطمع بها كل الملوك ستُخ ّرب نتيجة ما ينزل بها من صنوف العذاب لكثرة الرايات التي تسير
اليها من قريب وبعيد ،والحديث يحدد صراحة ان خراب بغداد من الفتن والرايات التي تمر
عليها ولم يذكر ان خرابها على يد السفياني كما تشير اليه أحاديث اخرى مما يعزز كونها احداث
مضت ،ونتيجة هذه الفتن والرايات ستخرب ولن يبقى منها اثر حتى إذا م ّر عليها مار قال «ها هنا
كانت الزوراء» ،والحقيقة في زماننا هذا لو استطعت ان تحدد الموقع الجغرافي لمدينة بغداد
التي بناها المنصور فلن تجد لها اي اثر وستجد فيها ابنية ومعالم حديثة فإذا سألك احد قل له
«ها هنا كانت الزوراء» ،وهي مصداق لقوله تعالى﴿ َوقَد ِْم َنا إ َ ٰل َما َعملُوا م ِْن َع َمل فَ َ
ج َعلْ َناهُ َه َب ً
اء ٍ ِ ِ
َّ ُ ً (((
منثورا﴾
المرحلة الثالثة :وهي المرحلة المتعلقة بالنبؤات المستقبلية لهذه المدينة وما يجري عليها
في اخر الزمان ،الن بغداد كمدينة وبفعل العمران الذي جرى فيها بقيت اسمها بغداد وان
اختفت منها معالم بغداد المدورة التي بناه المنصور وهي بغداد التي نعرفها حالياً،
وخراب بغداد في اخر الزمان يكون من جهتين جهة الخسف وجهة السفياني القتران خرابها
مع ظاهرة فلكية كبيرة وهي اقتراب جرم من األرض.
عن ابي عبد اللَّهُ «يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء
(((
وحمرة تجلل السماء وخسف ببغداد وخسف ببلدة البصرة».....
عن أمير المؤمنين من حديث طويل«ال يقوم القائم حتى تفقأ عين الدنيا وتظهر الحمرة
في السماء ...............وخراب دار الفراعنة ومسكن الجبابرة ومأوى الوالة الظلمة وام البالء
(((
واخت العار تلك ورب علي يا عمر بن سعد بغداد اال لعنة اللَّه على العصاة من بني امية»......
بسنده عن كعب االحبار انه قال«ان القائم من ولد علي له غيبة كغيبة يوسف ورجعة
كرجعة عيسى بن مريم ثم يظهر بعد غيبته مع طلوع النجم االحمر وخراب الزوراء وهي الري
وخراب المزورة وهي بغداد وخروج السفياني»(((.
والسنة التي تسبق ظهور القائم تسميها األحاديث «سنة كثيرة الزالزل» والراجح علمياً ان
كثرة الزالزل بسبب هذا الجرم الذي سيؤثر على طبيعة األرض ،واألحاديث ايضا تذكر ان بغداد
مبنية على ارض رخوة
((( الفرقان23/
((( االرشاد161 /
((( غيبة النعماني 147 /
((( غيبة النعماني 146 /ح 4
158 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
عن رسول اللَّه قال«تُبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل ،تُجبا اليها كنوز
األرض ،يخسف بها فلهي اسرع ذهابا في األرض من الحديدة المحماة في األرض الخوارة»(((،
عن أبا جعفر يقول«إن أمير المؤمنين لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء،
فقال للناس :إنها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها ،فان الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة».
كم ان األحاديث تشير إلى خرابها على يد السفياني
عن اإلمام علي قال «سمعت حبيبي محمداً يقول :فيكون لبني عمي مدينة من قبل
المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة ،يشيد فيها بالخشب واآلجر والجص والذهب،
يسكنها شرار خلق اللَّه وجبابرة امتي ،اما ان هالكها على يد السفياني ،كاني بها واللَّه قد صارت
(((
خاوية على عروشها»
عن النبي في ذكر احوال السفياني« .....حتى ينزلوا بارض بابل وهي المدينة الملعونة
يعني بغداد فيقتلون اكثر من ثالثة آالف ويفضحون بها اكثر من مائة امرأة ويقتلون بها ثالثمائة
كبش من بني العباس»(((.
الحظ انه هنا يذكر خرابها على يد السفياني وليس هوالكو وهذا دليل على انها ستخرب
في اخر الزمان.
وربما يتسائل البعض هل ان كل بغداد الحالية مشمولة بالخسف والخراب واللعن،الحقيقة
ان هناك تعميم في اطالق موضوع اللعن والخسف على كل بغداد الحالية ،نعم قد تكون ُمجمل
بغداد الحالية معرضة للخطر في اخر الزمان من قبل السفياني او غيره من اهل الرايات ،اال ان
موضوع اللعن والخسف يخص منطقة معينة فقط وهي المنطقة الجغرافية التي بنا فيها المنصور
العباسي مدينته المدورة ،دليل ذلك ان اإلمام علي عندما مر بجيشه والتقى بالراهب حباب
امره ان يبني مسجد في تلك المنطقة ولوال انها ارض مقدسة لما امره بذلك النه صلى بها
جملة من األنبياء واالوصياء ،علماً ان اإلمام علي قال لحباب «ستبنى إلى جنب مسجدك
مدينة» ولم يقل له ستبنى حول مسجدك مدينة ،فلو قال له ستبنى حول مسجدك مدينة لكانت
ربما الكثير من مناطق بغدا الحالية مشمولة باللعن والخسف ،ولكنه قال ستبنى جنب مسجدك
مدينة مما يدل على ان بغداد الملعونة والموعودة في الخسف هي فقط تلك البقعة الجغرافية
الموجودة على جنب مسجد براثا فبراثا ليس من حدود تلك لمدينة هذا باالضافة إلى كون منطقة
الكاظمية ارض مقدسة دفن فيها اثنان من األئمة المعصومين وهي ارض مقدسة وطيبة.
وهنا ساجيب عن الموضوع بشكل ظني وحسب قناعتي التي توصلت اليها من خالل
متابعة هذا الموضوع وهو القول ان المنطقة الموعودة بالخسف هي نفس المنطقة التي بنا
عليها المنصور العباسي مدينته المدورة والتي اختفت معالمها نتيجة كثرة الفتن عليها وهي
نفسها المنطقة التي بنا عليها البعثيون قصورهم ،وهي نفسها مركز الحكومة الحالية اوما يسمونه
بالمنطقة الخضراء وهي التي بنيت عليها حاليا السفارة االمريكية وهذا ما تؤكده األحاديث كون
سيسكنها صنفان من الناس كما جاء عن رسول اللَّه«يسكنها شرار خلق اللَّه وجبابرة امتي»،
فشرار خلق اللَّه هم األمريكان وجبابرة االمة هم عموم من يحكم العراق كما ورد في أحاديث
العامة قول رسول اللَّه«سيكون من بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء امراء ،ومن بعد االمراء
ملوك ،ومن بعد الملوك جبابرة ،ثم يخرج رجل من اهل بيتي يمأل األرض عدال كما ملئت
جورا» ،وهذه البقعة هي التي يسميها اإلمام علي«دار الفراعنة ومسكن الجبابرة ومأوى الوالة
الظلمة وام البالء واخت العار»
فيمكن القول انه ليس كل بغداد المعروفة حاليا بكل امتداداتها هي المعنية بالخسف
واللعن ،بل المعنية باللعن والخسف هي المنطقة الجغرافية التي بنيت عليها المدينة المدورة،
اما ما يُحيط بها فهي تتضرر نتيجة الحروب واحداث اخر الزمان كمنطقة فعاليات عسكرية.
160 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ال�شعارات المجفورة
وردت عدة أحاديث متعلقة باخبار عصر ظهور اإلمام المهدي تحتوي على معلومات
رقمية تشير إلى معلومات مجفورة تم اخفائها السباب عديدة.
الحديث األول:
عن ابي بصير عن ابي جعفر قال «إذا ظهر القائم على نجف الكوفه خرج اليه قراء الكوفة
(((
وقد علّقوا المصاحف على اعناقهم وفي اطراف رماحهم شعارهم «يا 22121يا 247تر»
ويقولون :ال حاجة لنا فيك يا ابن فاطمة قد جربناكم فما وجدنا عندكم خيراً ارجعوا من حيث
جئتم حتى ال يبقى منهم مخبر»(((.
الحديث الثاني:
وهم ان يكسر الحائط
عن اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللَّه قال«إذا قدم القائم«اللَّهّ (((»144
الذي على القبر بعث اللَّه ريحاً شديداً وصواعق ورعوداً حتى يقول الناس :انما ذا لذا فيتفرق
أصحابه عنه حتى اليبقى معهُ أحد فيأخذ المعول بيده فيكون أول من يضرب بالمعول ثم يرجع
إليه أصحابه إذا رأوه يضرب بالمعول فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم
اليه فيهدمون الحائط ثم يخرجهما غضين طريين فيلعنهما ويتب ّرأ منهما ويصلبهما ثم ينزلهما
ويحرقهما ثم يذريهما في الريح»(((.
الحديث الثالث:
عن ابي بصير عن ابي جعفر قال«إذا قام القائم ودخل الكوفة امر بهدم المساجد األربعة
حتى يبلغ اساسها ويصي ّرها عريشاً كعريش موسى وتكون المساجد كلها جماء الشُ َر َ
ف
((( في منتخب األنوار المضيئة /السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم النيلي النجيفي/الفصل الثاني عشر/ص /193ورد
الرقم كاالتي« 642121يا »247
((( سرور اهل اإليمان في عالمات ضهور صاحب الزمان /للسيد بهاء الدين بن عبد الكريم النيلي النجيفي /ح/47ص67
((( في منتخب األنوار المضيئة/للنيلي النجيفيي ورد الرقم هكذا« »514421وفي بعض نسخه « »514421وهي ليست في
البحار
((( سرور اهل اإليمان /للنيلي النجيفي/ح /46ص 66وكذلك في منتحب األنوار المضيئة /للنيلي النجيفي/الفصل الثاني
عشر /ص193
����������������� 161
لها كما كانت على عهد رسول اللَّه ويوسع الطريق االعظم فيصير ستين ذراعاً ويهدم كل
مسجد على الطريق وكل جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق ..............وال يلبث اال قليالً
حتى يخرج عليه مارقة الموالي ب ُرميلة الدسكرة (((عشرة آالف شعارهم«يا 7و(((»145فيدعوا
رجالً من الموالي فيقلّده سيفه ثم يخرجهم فيقتلهم حتى اليبقى منهم احد.(((»..............
من خالل النظر في هذه األحاديث الثالثة يتضح انهاال تتحدث عن امور تقع في زمن
ما قبل ظهور اإلمام المهدي ،بل في زمن مرافق لظهوره ،فهذه رايات وفرق مشاركة
في األحداث ،وان فهم هذه المعلومات «الرقمية» في األحاديث يمكن النظر اليها من عدة
احتماالت.
االحتمال األول :ان تكون هذه األحاديث صدرت فعالً من المعصومين بهذا الشكل اي فيها
ارقام تشير إلى امور مجهولة وهذا االسلوب لم نألفه في أحاديث آل محمد إال اللَّهم في موارد
قليلة جدا ً واسلوبها ال يشابه اسلوب األحاديث السابقة مثل األحاديث التي ذكرت الرقم«»313
وهم عدة أصحاب القائم ،بل ان هذا الرقم ف ُّسر من قبل األئمة بعدة أحاديث كونه يمثل
عدد أصحاب القائم ،فيما ذكرت مرويات اخرى اسمائهم واماكن سكناهم وهذا األمر يدفعنا
لالعتقاد بان هذا االسلوب في وضع االرقام في األحاديث ليس من اسلوب المعصومين بل
من وضع الرواة(((.
((( الدسكرة :األرض المستويه ،قرية كبيرة بنواحي نهر الملك غربي بغداد ،وايضا قرية في طريق خراسان وايضا قرية
بحوزستان والرميلة تصغير الرملة :منزل في طريق البصرة إلى مكة ،وقرية في البحرين ،وقرية في بيت المقدس0
(( ( -في منتحب األنوار المضيئة/للنيلي النجيفي/الفصل الثاني عشر/ص /194ورد الرقم« »51457وورد الحديث ايضا في
كتاب الغيبة/للطوسي/ح - 498ص475
((( سرور اهل اإليمان /للنيلي النجيفي/ح /49ص69
((( ولعل هذه االرقام تذكرنا بالرقم المهم الذي ورد في احدايث المعصومين حول عدد أصحاب اإلمام المهدي
وهو « »313فربما هو ايضا اسلوب مجفور في نقل المعلومة ،وربما تناول هذا الرقم من باب علم الجفر قد يقودنا
إلى معلومات عنه ،فمن صفات هذا الرقم انه غير قابل للقسمه اال على نفسه ،فيما ذكرت مرويات مطوله عن أهل
البيت تفاصيل كثيرة حول أسماء أصحاب القائم وبلدانهم واعدادهم ،فيا ت ُرى لماذا تصدر من المعصومين هكذا
معلومات وهي عبارة عن وثائق مهمة فيها اسماء أصحاب القائم«عج» واعدادهم وبلدانهم مما يسهل على قوى الشر
من متابعتهم واالمساك بهم ،ام ان في الموضوع أمر اخر،وربما في هذه األحاديث أمر أخر كونها عبارة عن رسالة مجفره
تحتوي على أسماء وارقام ،وهذه الرسالة مطروحة للبحث والتدقيق الن فيها مجموعة من المعلومات الرقمية والتاريخية
والزمنية والمكانية الحداث عصر الظهور ،فال بد من وجود مفتاح لفك هذه الرموز وهذه الرسالة كما اتوقع ستبقى على
حالها إلى زمن معين ،فهي ذات توقيت فعند حضور الوقت ستُفك طالسمها وتظهر مكنوناتها فعلينا ان ال نستهين بهذه
المعلومات الواردة فيها فالكثير ينظرون لهذه األحاديث بالذات نظرة الالمباالة وهذه واحدة من موارد القوة في هذه
األحاديث وهي كونها مهمله،
162 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
االحتمال الثاني :ان المعصوم ذكر الحديث كامالً بدون تحويل المعلومة إلى رقم ولكنه
اشار إلى الراوي بان يُب ّدل بعض العبارات بأرقام «حسب نظام الجفر» وهذا االحتمال ضعيف
جدا ً الن هناك امور جسيمة وعظيمة ذكرتها األحاديث صراح ًة فيها اسماء وتوقيتات وردت
صراح ًة ولم تحول إلى نظام االرقام.
ي ط ح ز و هـ د ج ب ا
10 9 8 7 6 5 4 3 2 1
ق ص ف ع س ن م ل ك
100 90 80 70 60 50 40 30 20
غ ظ ض ذ خ ث ش ت ر
1000 900 800 700 600 500 400 300 200
االحتمال الثالث:وهو االحتمال الراجح عندي ،ان هذه األحاديث فيها كلمات او عبارات
قد حذفت من الحديث وتم تحويلها إلى ارقام حسب نظام الجفر وهي من اجتهادات الرواة،
فراوي الحديث ربما لظروف سياسية او اجتماعية خاصة بزمنة خاف من ذكر هذه الكلمات
او العبارات صراح ًة فاستبدلها بما يساويها من نظام االرقام على امل ان يكون قارئ الحديث
له المام بعلم الجفر فيقوم بتحويل هذه االرقام إلى كلمات او عبارات مرة اخرى لكي يعلم
الحقيقية ،ولكن األمر هنا اصبح صعب جدا ً الن تحويل الكلمات والعبارات من النظام الحروفي
إلى النظام الرقمي حسب قواعد الجفر امر جدا ً سهل اما العملية المعكوسة اي تحويل االرقام
إلى كلمات فاألمر صعب جدا ً هذا إذا كانت االرقام مكونه من «رقمين فقط» اما إذا كانت االرقام
مكونة من«ثالثة ارقام فما فوق» كما ورد في األحاديث السابقة فاألمر ليس صعب بل مستحيل
الن العملية هنا ستكون خاضعة لنظام احتماالت صعب جدا ً شرحة ،وصعب جدا ً تطبيقة،وقد
تبلغ فيه االحتماالت إلى اكثر من مليون احتمال.
والذي دفع الرواة إلى هذا االسلوب باالضافة لما ذكرناه هو امر اخر تبينه األحاديث مما
شكّل لدى الراوي حراجة واضحة في ذكر هذه المعلومات وهو ان هذه المعلومات خاصة
لوصف حال بعض الفئات «الشيعية» المعاندين لالمام المهدي في اخر الزمان كما ذكره
الحديث رقم« »1السابق بعبارة«خرج اليه قراء اهل الكوفة» شاكين سالحهم عليه يقولون له
ارجع من حيث اتيت ،وكما هو معلوم فان الكوفة كانت وما تزال علوية التاريخ واالنتماء.
����������������� 163
اما المعلومات الواردة في الحديث الثاني فهي تشير إلى معلومات ربما تكون في زمن
الراوي استفزازية للجانب االخر ،وخصوصا ان الحديث يشير من خالل معلومات واضحة فيه
وبداللة أحاديث اخرى ان القائم سوف ينبش قبور األول والثاني مما دفع الراوي لجفر هذه
المعلومة التي ربما تشكل له في زمانه مشكلة اجتماعية او عقائدية او سياسية.
فربما لم يستوعب الراوي او خاف او تحير او استثقل هذه المعلومات التي قد تشكل
عالمات استفهام محيرة البناء طائفته ،وبما ان الراوي كان حريص على ايصال الحقيقة وفي
نفس الوقت اليستطيع ان يهمل او يلغي الحديث لذلك اضطر الستخدام هذه الطريقة لكي ال
يتوصل إلى مراد الحديث كل شخص.
وهنا علينا ان نتابع زمنياً سلسلة المصادر والرواة الذين نقلوا هذه األحاديث لكي نعرف من
هو المسؤول عن هذا الترقيم.
عند المتابعة وجدنا ان الطوسي« »460-385هجري ذكر الحديث «الثالث» ولم يذكر
الرقم ولكن بدل الرقم توجد عبارة «ياعثمان يا عثمان» اما في كتاب بحار األنوار للمجلسي
« »1111-1037هجري فال توجد هذه العبارات وال االرقام المقابلة لها.
وبالنتيجة لم ينقل احد هذه االرقام اال «السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم بن عبد
الحميد الحسيني النيلي النجيفي -والذي كان حيا سنة 803هجري» في كتابيه «منتخب االنور
المضيئة و كتاب سرور اهل اإليمان»،فيبقى اصل السؤال قائماً من اين نقل النيلي النجيفي هذه
األحاديث؟على اعتبار ان الطوسي قبلة والمجلسي بعده.
عموما لم اجد لهذه االرقام وجود في المصادر التي تحت يدي بل كلها تذكر األحاديث
مجردة عن هذه االرقام ،فتبرز لنا عدة اسئلة.
-1ما هي المصادر التي اعتمد عليها النيلي النجيفي فينقل هذه األحاديث فلم يذكرها في
كتابيه؟
-2هل وصلت هذه األحاديث للنيلي النجيفي بهذا الشكل ام هو نفسه الذي قام بتحويلها
إلى ارقام ربما لخطورة العبارة من وجهة نظره؟
-3هل يحق لراوي الحديث ان يقوم بهكذا امر؟
-4لماذا لم يذكر الطوسي في كتاب الغيبة هذه االرقام وهو المتاخر عن النجيفي زمنياً
«اكثر من 300سنة»؟
164 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
-5لماذا لم يذكر المجلسي هذه االرقام وهو المتقدم زمنيا عن النجيفي علما انه في كتابه
بحار األنوار يعتمد على كتابي النجيفي«منتخب األنوار المضيئة وسرور اهل اإليمان»؟
واالن نريد ان نعرف هل لهذه االرقام معنى؟
ال يوجد لدينا حل اال من خالل التصور ان هذه االرقام هي عبارة عن كلمات او عبارات
مجفورة حسب نظام الجفر ،فعلم الجفر هو العلم الخاص بتحويل الكلمات إلى ارقام من
خالل جمع القيم العددية للحروف المكونة لكل كلمة.
فإذا اخذنا الحديث «الثاني» فلن نجد صعوبة في معرفة داللة الرقم« »144بدون الرجوع
إلى علم الجفر الن مجمل الحديث وبداللة أحاديث اخرى تحمل نفس المعنى ان القائم
سينبش قبر األول والثاني الذين دفنا بجوار قبر جده رسول اللَّه فيكون الرقم« »144اما
يعني«المدينه» او «طيبة» او «قبر جده» او «مسجد الرسول» او اي عبارة لها عالقة بالمسجد
النبوي او قبر رسول اللَّه والعبارة تنتج معنى اساسي ليس غريب عمن قراء األحاديث فقد
ذكرت هذه الواقعة مصادر اخرى تحمل نفس المضمون والمعنى(((.
اما الحديثان االخران«األول والثالث» ففيهما ارقام كبيرة بحاجة إلى تفكيك وتحليل وهو
امر كما ذكرنا مستحيل فكما هو معروف فان القيمة العددية للحرف«غ» تساوي« »1000وهو
اعلى قيمة عددية لكل الحروف ،وهذا معناه انه من النادر ان يكون هناك كلمة واحدة جفرها
اكثر من « ،»2000وإذا اردنا الدقة فال توجد كلمة واحدة جفرها اكثر من« »3000او اكثر ،النه
من الصعوبه ان تتجمع الحروف ذات الجفر العالي بكلمة واحده وهي«خ -ذ -ض -ط -غ».
وعليه يكون الرقم« »22121او« »642121عبارة عن جملة طويلة تحوي على اقل
تقدير« »10كلمات وهذا شعار طويل جدا ً الن الرقم تسبقه لفظة«يا» وهذه اللفظة بصورة عامة
ياتي بعدها اسم او صفة ،لذلك يكون الشعار الطويل بهذه الكيفية وهو امر مستبعد ،فاما ان
تكون هذه االرقام مخطوئه او انها تعني شيء اخر.
الحديث الثالث فيه الرقم«يا 7و »145وهو بهذه الكيفية اقرب للمعقول في نظام الجفر
فيمكن حسب طريقة االحتماالت معرفة مإذا يعني الرقو« ،»7الن هناك احتماالت قليلة للكلمات
التي جفرها « ،»7اما الرقم « »145فاالحتماالت كثيرة جدا ً وليس من السهولة بمكان حصرها
((( وردت أحاديث حول هذه الواقعة في كتاب«مختصر البصائر» للشيخ عز الدين الحلي /ص 450 - 447وكذلك في
كتاب«البحار /للمجلسي 52:386 /ح »201وكذلك في منتحب األنوار المضيئة
����������������� 165
النها مكونة من ثالث ارقام ،ولكن الرقم معقول ويمكن ان نخمن انه اسم او صفة او لقب.
وهذا الرقم « »145ورد نفسه في كتاب منتخب األنوار المضيئة كاالتي« »51457وكما
تالحظ هناك تفارب بين«يا 7و »145وبين « »51457مما يوحي إلى انه فعالً هناك سوء
نقل من قبل النساخ حصل فيه تجزئه لهذه االرقام مما يدفعنا لالعتقاد ان االرقام «»22121
و« »642121الواردة في األحاديث السابقة هي ايضا وقع عليها سوء النقل والتجزئه فيتحول
مضمون الرقم من «عبارات» إلى «كلمات» وهو االقرب للتصديق والفهم.
النتائج النهائية للتحليل:
-1ان هذه االرقام في هذه األحاديث هي عبارة عن كلمات تمثل شعارات لجهات ستقاتل
اإلمام المهدي عند ظهوره وهي شعارات لجهات شيعية كما يؤكد احد األحاديث وربما
لغير شيعية في أحاديث اخرى.
-2ان الراوي قد اتخذ هذا االسلوب في اخفاء بعض المعلومات التي اعتقد انها خطيره او
غير مقبولة لجهات شيعية وجهات مخالفة ربما لوضع سياسي او اجتماعي او عقائدي فشكلت
هذه األحاديث حراجة للرواي فاتخذ هذا االسلوب للسالمة وعدم اضاعة المعلومة.
-3على اإلنسان المؤمن المنتظر والمراقب لالحداث ان يقوم بعملية جفر لكل الكلمات
التي يراها او يسمعها والتي تشكل شعارات او هتافات للرايات التي ستخرج في اخر الزمان إذا
ان انطباق احد االرقام الموجودة في هذه األحاديث على اي راية سيوفر له معلومة حقيقية في
معرفة الرايات الضالة وما اكثرها في اخر الزمان.
166 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ثالث رايات يطلب كل واحد منهم الملك لنفسه فيهم رجل أسمه عبد اللَّه»(((.
الفرات مثابة طبيعية وتاريخية حاضره في كل االرث الديني ،وشاهد على كل وقائع التاريخ،
واألحاديث تصفه كونه «من انهار الجنة» وهو من االنهار المهمة التي ذكرتها بعض الكتب
المقدسة ،وال يخلو التراث الديني للديانات الكبيرة الثالثة «اليهودية النصرانية اإلسالمية» من
ارتباطات لهذا النهر مع المسيرة التاريخية لهذه الديانات.
وبما ان هذا النهر يمر في ارض الرساالت واألنبياء والحضارات فال بد وان شرب منه
واغتسل فيه ودفن بجانبه اكثر األنبياء والمرسلين وهو الشاهد الحي على مأساة كربالء بعد أن
قتل بجانبه ذراري رسول اللَّه .
والمتتبع ألحداث التاريخ يجد ان هناك عالقة ربط بين نهايات الظلمة وعبور هذا النهر
فكم من طاغية انكسر ظهره وذاب ملكه بعد ان عبر هذا النهر ظلماً وعدواناً ،حتى ان األحاديث
تذكر ان السفياني في اخر الزمان إذا ظهر سيتقشف ويزهد ويعدل بين الناس حتى يقال «ماقيل
عنه كذب» ولكنه عندما يدخل إلى العراق ويعبر الفرات «ينقلب إلى وحش كاسر» كما تذكر
األحاديث.
والبد والحال هكذا ان يكون لهذا النهر عالقة بأحداث أخر الزمان ،فليست المسألة ان يعبر
هذا النهر فالن او فالن وليست المسألة ان يظهر فيه الكنز او ال ولكنه قام على سر سيفصح عنه
الزمن القادم سيشكل نقطة مهمة في تسلسل األحداث.
واألحاديث المتعلقة بأخر الزمان تذكر ان الفرات «سينحسر» ونتيجة هذا االنحسار سيظهر
«كنز» يقتتل عليه الناس والناجون منهم قليل ،ثم تذكر األحاديث فعالية اخرى بعد «االنحسار»
وهي كون الفرات «سينبثق» ويدخل ازقة الكوفة في نفس السنة التي يخرج بها القائم وهي
سنة الفتح ،فياترى ما هي اسباب هذا «االنحسار» وما هي نتائج هذا «االنبثاق».
يمكن ان نضع عدة سيناريوهات او محاور متوقعة لعملية انحسار الفرات.
المحور األول :عوامل سياسية واقتصادية «حرب المياه»:
معلوم ان الفرات ينبع من تركيا ويمر بسوريا ويخترق العراق وهو قاسم مشترك بيئي بين
هذه الدول الثالثة وعليه االعتماد كمياه للشرب والزراعة ،وهذا الوضع يُمكّن احد الدولتين تركيا
او سوريا بحجز مياه هذا النهر بالسدود من الوصول إلى العراق والسيطرة االكثر في هذا األمر
لتركيا كما هو واضح.
وبما ان المشهد السياسي الذي ترسمه لنا أحاديث اخر الزمان حول العالقة بين هذه الدول
(((
الثالثة هو مشهد مضطرب جدا ً وعدائي جدا ً حتى ان األحاديث تذكران معركة قرقيسيا الكبيره
ستحدث بين السفياني الذي سيسيطر على بالد الشام وبين االتراك وستكون الغلبة للسفياني،
فربما تكون احد دوافع هذه الحرب هو محاولة قطع الماء عن الفرات من قبل الجانب التركي،
والمشهد السياسي الحالي والمتوقع للسنين القادمة حسب معطيات هذا الزمن يشير بما ال يقبل
الشك باندفاع األحداث نحو هذا الصراع بين سوريا وتركيا ،وبالنتيجة قد يكون الصراع السياسي
واالقتصادي بين الدول المستفاده من الفرات هو الدافع الذي سيدفع احداهما «تركيا او سوريا»
لقطع منابع الفرات للضغط على الدول االخرى للحصول على تنازالت معينة وهذا ما يصطلح
.
عليه حالياً «بحرب المياه»
وان عملية قطع مياه الفرات من قبل الجانب التركي ليست باألمر اليسير فهي بحاجة إلى
جوانب فنية كبيرة متعلقة بحجم السدود وبقرار سياسي يضمن لها مصلحة معينة .اما من قبل
الجانب السوري فال يزال هناك كالم وتخطيط من قبل دول بالد الشام «سوريا -االردن -إسرائيل»
لالستفادة من تحويل مياه الفرات باتجاه االردن وإسرائيل مقابل مكاسب سياسية ومالية كبيرة،
والمشروع كما يتحدثون عنه يتلخص بأنشاء شبكة انابيب من مناطق معينة في سوريا لنقل مياه
الفرات إلى االردن وإسرائيل وحرمان العراق منه أو على اقل تقدير «بيع» الماء للعراق وهذا
المشروع من الناحية الفنية هو الراجح الن عملية قطع مياه الفرات عن العراق بواسطة السدود
أمر ُمكلف إذا لم يكن مستحيل ،فالحل االسلم للضغط على العراق أو لالستفادة مادياً منه هو
قطع مياه الفرات عنه بتحويل مجرى النهر إلى دول اخرى واالستفادة واضحه الن كل االطراف
ستستفاد اال العراق(((.
((( قرقيسيا مدينه صغيرةعند مصب نهر الخابور في نهر الفرات وهي حاليا قرب مدينة دير الزور السورية عند الحدود السورية
العراقية وقريبة من الحدود السورية التركية
عن جابر الجعفي قال :قال لي ابو جعفر«من حديث طويل....يختلفون عند ذلك على ثالث رايات راية االصهب وراية
االبقع وراية السفياني فيلقى السفياني االبقع فيقتله ومن معه ويقتل االصهب ثم اليكون همه اال االقبال نحو العراق ويمر
جيشه بقرقيسيا فيقتلون بها مائة الف رجل من الجبارين»«االختصاص /المفيد »255 /
((( شهد الزمان الذي نعيشه محاولة لسد نهر الفرات من قبل تنظيم داعش االرهابي .فقد قام هذا التنظيم بالقاء اطنان من
الحصى في نهر الفرات في المناطق التي يسيطر عليها للضغط على العراق بسبب محاصرة الجيش العراقي للفلوجة وقد
ارتفع منسوب المياه عند الفلوجة فيما تراجع منسوب المياه عند المسيب والحلة وباقي محافظات جنوب العراق والوسط
والعملية بمجملة تشير إلى امكانية تدخل عدة جهات من خالل ردم النهر وتحويل مجراه
�������������������� 169
وهذا السيناريو حالياً ال يمكن تطبيقه لوجود النزاع الداخلي والخارجي بين اطراف القضية
ولكنه راجح التطبيق في بدايات زمن السفياني في بالد الشام حيث ذكرت األحاديث انه سيسيطر
على الكور الخمس «دمشق -حلب -قنسرين -االردن -فلسطين» ،فيكون تطبيق هذا المشروع
من قبل هكذا شخص له هذه السيطرة أمر وارد وخصوصاً ان األحاديث تذكر ان السفياني
سيظهر في نفس سنة ظهور القائم وان الفرات سينحسر أيضاً في هذه السنة وهي عام الفتح.
ولكن هذا التحليل يعترضه كون مدة ُملك السفياني كما ذكرت األحاديث هي « »15شهر
منها ستة اشهر معارك في بالد الشام لتصفية مناوئيه والتسعة الباقية يدخل فيها إلى العراق
والحجاز وهذه المدة القصيره المليئة بالحروب واالضطرابات ال توفر له وقت لكي ينفذ هكذا
مشروع إال في حالة واحده كون مشروع تحويل مياه الفرات بواسطة االنابيب ُمنفّذ قبل ظهور
السفياني في بالد الشام وما يقوم به السفياني هو تفعيل وتطبيقه على ارض الواقع وخصوصاً ان
السفياني البد وان يقوم بهكذا عمل قبل دخوله للعراق النها اداة ضغط وتصفية للبنية االقتصادية
لمن يحكم العراق حينذاك وخصوصاً إذا عرفنا ان «الخرساني» عدو «السفياني» يكون في هذه
الفترة قد استعد لدخول العراق أيضاً وهذان الطرفان كما هو واضح على طرفي نقيض عقائدياً
فالحديث المروي عن األئمة يقول «السفياني والخرساني واليماني في سنة واحده في يوم
واحد» وحديث اخر يقول «السفياني والخراساني يتسابقون إلى الكوفه كفرسي رهان».
والذي يُرجح كون هذا المشروع سيتم تنفيذه قبل خروج السفياني هو الوضع السياسي
الحالي في بالد الشام وكذلك الوضع الدولي الداعي لتغيير جملة من الحكومات العربية
باالضافة إلى األحاديث الصريحة والمتواترة عن آل البيت كون بالد الشام ستشهد تغييرات
جسيمة تنشئ على موجبها دولة تعادي العراق وشعبه ذو الميول واالعتقاد العلوي الشيعي.
المحور الثاني :عوامل وكوارث بيئية:
يمكن ان تجف بعض االنهار ومنها الفرات نتيجة عوامل او كوارث بيئية منها:
أوالً :ظاهرة االحتباس الحراري التي يعاني منها كوكب األرض حالياً اذ ربما تتفاقم هذه
الظاهرة في السنين القادمة والدراسات العلمية تشير بشكل خطير إلى هكذا احتمال وهذه تؤدي
بدورها إلى حدوث ارتفاع شديد في درجات الحرارة تؤدي إلى ذوبان الجليد في الجبال التركية
في موسم الشتاء على غير المعتاد مما يؤدي إلى جفاف منابع الفرات لموسم او لموسمين او
اكثر حسب قوة هذه الظاهرة مما يدفع الجانب التركي والسوري لألحتفاظ بما لديه من مياه في
هذا النهر ومنابعه بواسطة السدود خوفاً على وضعه االقتصادي والحياتي مما يؤدي إلى عدم
170 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
((( لقد ناقشنا هذه االحتماالت والظواهر بشكل مفصل في كتابنا «نجم يتغلب في اآلفاق» وشرحنا فيه الجملة العالمات
السماوية التي تسبق ظهور اإلمام المهدي«عج» فراجع.
�������������������� 171
البيئية التي حدثت عام « »1905عندما اصطدم جرم مجهول الهوية باألرض في روسيا ومنها انه
سبب في ارتفاع واضح لدرجات الحرارة بل ان بعض االنهار انحسرت منها المياه لمدة معينة ثم
رجعت بعد فترة لما كانت عليه.
وبما ان القمر كجرم تابع لألرض هو السبب في حصول ظاهرة المد والجزر البحري فمن
الراجح جدا ً ان أقتراب اي جرم من األرض يؤدي إلى انحسار ماء االنهار ثم رجوعها لما كانت
عليه بعد ابتعاده ،وهذا األمر إذا حصل فلن يكون الفرات كنهر وحده المتأثر بل سيتأثر أيضاً كل
انهار العالم ،وهذه الحالة ربما تفسر لنا سبب غرق مجموعة من البلدان نتيجة ظواهر طبيعية
قبل ظهور القائم بفترة قصيرة(((.
وعليه فال تبقى لكارثة جفاف الفرات خصوصية إذا شاركته بقية االنهار وتبقى الخصوصيه
هو لظهور الكنز فيه.
أين مكان هذا الكنز
جاء في رواية ابن حماد عن كعب قال«يكون ناحية الفرات في ناحية الشام او بعدها بقليل
مجمع عظيم فيقتتلون على االموال فيقتل من كل تسعة سبعة وذلك بعد الهدة والواهية في شهر
(((
رمضان وبعد افتراق ثالث رايات يطلب كل واحد منه الملك لنفسه فيسم رجل اسمه عبد اللَّه»
الخبر الذي يرويه كعب يذكر أمر مهم كون هناك اقتتال على االموال قرب الفرات «بعد
الهدة والواهية» ،ولو ان الخبر لم يذكر انحسار الفرات اال ان المعلومات الموجوده فيه مقارنة
مع أحاديث انحسار نهر الفرات تشير إلى أحاديث كنز الفرات ال غيره ،والهدة والواهية حسب
األحاديث هي ظاهرة طبيعية سماوية ستصيب اهل األرض مما يعزز كون انحسار الفرات نابع
من هذه الظاهرة.
ولعل في هذا الخبر اشاره إلى مكان هذا الكنز كونه من ناحية دمشق اي داخل االراضي
السورية حالياً بقرينة ان يقتل من كل تسعة سبعة واختالف ثالث رايات التي تذكر األحاديث انها
ستبرز بعد الصراع في بالد الشام ويضيف الخبر عالمة مهمه كون الحديث يقع بعد الواهية في
شهر رمضان وهي الهده يوم 15منه.
((( «فقيل سألت علي بن محمد العسكري متى ينتظرون الفرج قال :إذا ظهر الماء على وجه األرض» الكتاب المبين /
الكرماني /ج / 4ص / 317ح16
اقول :ربما الحديث يذهب إلى حدوث حاالت فيضانات او مد مائي على بقاع كثيرة من األرض نتيجة تغيرات مانخية او بيئية
او خارجية عبر عنها بعبارة«إذا ظهر الماء على وجه األرض»
((( عقد الدر 58 /
172 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ومستبعد ان يكون المكان الذي سيظهر فيه هذا الكنز في تركيا،فالحديث الذي يذكره كعب
فيه عبارة«يكون ناحية الفرات في ناحية الشام او بعدها بقليل» ،ولوجود عدة قرائن تفيد كون
االقتتال حول الملك من قبل ثالث جهات في الشام بسبب ظهور الكنز فالحديث يحدد من
طرف معين الموقع الجغرافي لهذا الكنز.
فإذا كان الكنز يظهر فى االراضي السورية التي يمر بها الفرات فالرايات الثالثة المتصارعة
عليه هي نفسها المتصارعة في بالد الشام ايام السفياني وهي«السفياني واالصهب واالبقع»،
اي يكون الحدث في سوريا كلياً وبالتالي فأن جفاف الفرات سيحدث في فترة الصراع داخل
بالد الشام بين السفياني ومناؤيه وهم االصهب واالبقع واألحاديث تؤكد ان الصراع بين رايات
ثالثة «افتراق ثالث رايات يطلب كل واحد منهم الملك لنفسه» وهذا يؤدي بالضرورة إلى ان
حادثة انحسار الفرات هي فعالً ظاهرة طبيعية متطرفه وليست من فعل اإلنسان بغلق مصدر الماء
بالسدود او تحويل مجرى النهر كما ذكرنا.
او تكون هذه المنطقة التي يظهر فيها الكنز على خط سير الفرات هي في المنطقة الحدودية
الفاصله بين العراق وسوريا اي منطقة دخول نهر الفرات للعراق ،وبما ان سوريا والعراق في
تلك األحداث تتعدد الجهات الحاكمة والمتنفذه فيها فمن غير المستبعد ان تتصارع ثالث
رايات في هذه المنطقة المشتركة النفوذ وكل منهم يطلب الملك لنفسه.
واالحتمال االخيران تكون هذه المنطقة التي يظهر بها هذا الكنز على خط سير الفرات في
العراق عموماً وفي المنطقة الغربية خصوصاً بعد دخول الفرات إلى الحدود العراقية السباب
سنذكرها في الفقرة الالحقة وبما ان العراق في تلك الفترة فيه عدة قوى سياسية وعسكرية نافذة
لوجود حالة الصراع السلطوي بين ابناءه المنحدرين من عدة انتمائات طائفية فالصراع واقع
بينهم المحالة إذا ظهر الكنز داخل االراضي العراقية.
طبيعة هذا الكنز
األحاديث تذكر صفة واحدة لهذا الكنز كونه «جبل من ذهب وفضة» وإذا اخذنا المعنى
على ظاهره فهو واضح كون الفرات ان انحسر فسيظهر تحته في احد المناطق كمية كبيرة من
معدن الذهب والفضة ع ّبر عنها الحديث كونها «جبل» ،ولفظة جبل ربما ال تشير إلى نتؤء عالي
من األرض بل ربما تشير إلى الكثرة ،والمعروف ان معدن الذهب والفضة ال يوجد هكذا على
سطح األرض بل في اعماقها ويحتاج إلى عمليات تصفية واستخالص للحصول عليه ،اما ان
يظهر على هيئة قطع كبيرة كالحجاره او الجبال فهو امر لم نسمع به ،والحديث بهذا المعنى اما
�������������������� 173
ان يرجح كونه فعالً جبل من ذهب وفضة اي كتلة كبيرة واحده من هذا المعدن بحجم الجبل،
او هو عبارة عن مصوغات وقطع ذهبية ربما من الحضارات السابقة تم دفنها تحت الفرات ومن
كثرتها فهي بحجم الجبل وكال االحتمالين راجح.
وبالنتيجة فأن ظهور هكذا كنز باي شكل كان سيؤدي إلى حالة اقتتال مميته للحصول عليه
وخصوصاً انه سيظهر كما قلنا في منطقة ذات نفوذ مشترك لعدة جهات متصارعه ومختلفة في
كل شيء مما يؤدي إلى ان تجري عملية قتل متسلسلة فكل من يحصل على شيء يأتي اخر
ويقتله ويأخذ منه ما سلبه ويأتي ثالث ويقتل الثاني وهكذا وبالنتيجة ال ينجو من هذه العملية
اال نسبة قليله وهي كما تقول األحاديث «فيقتل عليه من كل تسعة سبعة» فإذا شارك في العملية
« »900شخص سيبقى « »200وإذا شارك « »9000سيبقى « »2000وهكذا ولكن األحاديث
لم تذكر لنا هل ان الناجين سيحصلون على الكنز ام ال فلم تذكر لنا األحاديث شيء عن مصير
الكنز وال عن من سيحصل عليه.
ولكن األحاديث تذكر امر واحد متكرر وهو تحذير بعدم االقتراب من ذلك الكنز عند
ظهوره وهذا األمر فيه احتماالت:
-1ان هذه المنطقة منطقة قتل سريع القتتال االطراف الثالثة على هذا الكنز وبما انها
اطراف قوية ومتنفذه فأن اقتراب اي شخص من منطقة الصراع البد وان يُعرض نفسه للهالك ال
محاله.
-2ان يكون هذا الكنز بطبيعته «قاتل» فكل من يأخذ منه يموت لذلك وردت عبارة في
الحديث تؤكد هذا المعنى «فمن حضره فال يأخذ منه شيء» اي حتى لو قُ ّدر لك ان تحصل على
شيئ من هذا الكنز فال تأخذ منه النه «قاتل».
وهذا األمر يمكن ان نفسره من خالل كون هذا الذهب او الفضة هي عبارة عن مادة « ُمش ّعه»
جح كون هذا فكل من يأخذ منه او يقترب منه سيصاب بخطر االشعاع وهذا التحليل ربما يُر ّ
الكنز سيظهر في العراق وفي المنطقة الغربية بالذات قريباً من الحدود السورية الن هذه األرض
غنية بمادة الفوسفات واالكتشافات التنقيبية دلت بشكل واضح ومؤكد على وجود نسبة من
اليورانيوم في هذه المنطقة صالحة لالنتاج التجاري فأذا كان هذا الكنز من الذهب والفضة
مدفون تحت ارض الفرات في هذه المنطقة الغنية باليورانيوم فال بد وانه على مر السنين قد تأثر
بهذه المواد واكتسب منها صفة االشعاع الن العناصر المشعة ال توجد في الطبيعة بشكل حر بل
توجد وهي متحده مع غيرها من العناصر لشدة فعاليتها.
174 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
وبما ان الفرات يمر بهذه األرض منذ اآلالف السنين فالبد وانه جزء من هذه العناصر
استقرت في قعره النها عناصر ثقيلة فترسبت في قعره وهذه العملية هي بالضبط المعمول بها
حالياً عند استخالص اليورانيوم بواسطة اجهزة الطرد المركزي بانفصال العنصر الثقيل عن غيره
بالحركة الدورانية لالجهزة ،وبالتالي فان هذا الكنز ليس هو مادة اليورانيوم الخالص الن الكل
يعرف انها مادة مميته فال يقترب منها احد ولكنه فعالً ذهب وفضة اصبح مشبعاً نتيجة تعامله مع
المواد المشعه آلالف السنين.
وهنا ربما يقول البعض إذا كانت هذه المادة المشعة موجودة تحت الفرات فلماذا ال تؤذي
الناس وهي مادة خطرة؟
هناك حقيقة علمية ربما يجهلها الكثير من الناس وهي ان الماء مادة توقف االشعاع لذلك
ت ُخ ّزن النفايات النووية تحت مياه البحار فإذا حصلت اي عملية تصفية للمواد المشعة او اثرت
على غيرها من المواد المجاورة لها يبقى تأثيرها محدود تحت الماء فقط ،فإذا انحسر الفرات
وزال الماء المانع لظهور هذا االشعاع وظهر كنز الذهب والفضة فهو يكون مادة قاتله لكل من
اخذ منه ،وبالنتيجة إذا كان هذا التحليل صحيح فال يمكن السيطرة على هكذا امر اال باالبتعاد
عنه ويكون الحل الحقيقي هو ان تغمر هذه المنطقة بالماء اليقاف تدفق االشعاع وعلى ما يبدوا
ان هذا األمر سيحصل الن الفرات بعد انحساره ستعود اليه المياه مما يؤدي إلى انبثاقه ودخوله
ازقة الكوفه.
انبثاق الفرات
انبثق السيل انفجر ،وانبثق الجدار انشق ،انبثق الكالم اندفع ،وانبثق السيل اقبل فجأة ،وانبثق
الماء اندفع ،وانبثق انثقب ،والبثق هو المكان الذي ينبثق منه الماء ،والبثق :هو كسر الشط اي
تهدم جانب من جوانبه وخروج الماء منه ،وعملية االنبثاق تجري بشكل سريع ومتدفق.
اما لماذا ينبثق الفرات في منطقة الكوفه بالذات فهذا امر نجهله لكن الراجح عندي ان
االنحسار يكون اوالً ثم بعده بفترة تحدث حالة االنبثاق كون القرائن تؤكد ان االنحسار يحدث
في زمن السفياني واالنبثاق في سنة ظهور القائم اي قبل القائم بقليل وهو ما يؤكده الحديث
كون انبثاق الفرات ودخوله ازقة الكوفه في اخر عالمة قبل القائم.
الجفاف االنحسار
يقول البعض ان الفرات في اخر الزمان سيجف بينما تقول األحاديث انه ينحسر فما هو
الفرق بين الجفاف واالنحسار.
�������������������� 175
الجفاف :هو اليباس ،جفت األرض يبست ،وجفت البئر لم يعد فيها ماء ،وجفت السماء لم
تمطر ،وجفت الثياب زال عنها الماء والرطوبة ،وجفت الصحف انتهى االمر ،وجفاف النهر هو
ذهاب ماء النهر نتيجة نضوب منبعه نتيجة عوامل بيئية او بتدخل انساني بخزن الماء في السدود
او بتحويل مجرى النهر ومدته قد تكون قصيره او طويله.
االنحسار:انحسر البصر اي ضعف ،وانحسار البحر تراجع تدريجي له ينتج بروز اليابسة،
وانحسر الثلج تقلص ،وانحسر يعني انكشف ،وانحسار الماء تقلصه كما تقول انحسر الظالم
باالنسحاب التدريجي ،وانحسر مقدم شعر الراس إذا سقط ،ويقال عن الرجل مكشوف الراس
انه حاسر الرأس.
فيكون االنحسار هو انسحاب الماء من مجراه نتيجة تأثير طبيعي خارجي كما في حالة
المد والجزر بالقمر عندما يقترب من األرض تحدث حالة المد وعندما يبتعد تحدث حالة
«الجزر» وهي اقرب لمعنى االنحسار ،فإذا جف النهر ال نعرف بالضبط متى يعود الماء اليه اما
إذا انحسر فالبد وان الماء عائد اليه بعد مدة معلومة اي بعد انتهاء العامل المؤثر عليه.
وهذا الفهم لمعنى «االنحسار» يؤكد ان انحسار ماء الفرات وربما غيره من االنهار ناتج من
اقتراب جرم من األرض يؤثر على مستوى المياه في كل األرض وبعد ذهاب هذا الجرم يعود
الماء إلى مجراه كما في عملية المد والجزر ،وبهذا يمكن ان نضع مقابلة لاللفاظ بعضها مقابل
بعض كالتالي:
«فيضان عكسه جفاف»
«انحسار عكسه انبثاق»
«مد عكس جزر»
وبهذا تكون عملية انحسار الفرات عملية قصيرة قد تدوم بضعة اشهر وربما اليام فقط
وبعدها يعود الماء ونتيجة هذه العودة سيتدفق بشكل سريع مما يؤدي إلى انبثاق الفرات في
منطقة تقع قريبة منها وهي الكوفة ،اما لماذا الكوفة بالذات فال بد من سبب.
وربما ينبثق الفرات في مناطق اخرى غير الكوفة ولكن ربما هناك ميزة خاصة بالكوفة
بالذات هي سبب ذكرها في األحاديث
ويمكن ان ننظر لمسألة دخول ماء الفرات على ازقة الكوفة بالذات من زاوية اخرى ،فما
دامت األحاديث تذكر ان هذا الماء سيدخل ازقة الكوفة بالذات فالبد وان يكون للموضوع معنى
176 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
او غاية ،والراجح عندي ان الكوفة وهي «النجف وما بجوارها» وهي مدفن األنبياء والصالحين
والمؤمنين على طول التاريخ ودفن فيها آالف األنبياء واالوصياء وهذا التقصد في الدفن في
هذه المنطقة بالذات البد وانه ناتج من خصوصية معينة منها كونها ارض مباركة ،ولكن أحاديث
الرجعة تعطينا صورة اخرى فأن كل الراجعين ممن محض اإليمان محضاً سيرجع ويُبعث
من ارض الكوفة ورجوع االموات هذا سيكون على شكل افواج ولعل دخول ماء الفرات إلى
ازقة الكوفة هو عمل تمهيدي لهذا الحدث الجلل فالعملية هي اشبه بالسقي لنمو بذور ابدان
الراجعين الذين شُ حنت ارض الكوفة شحناً بأجسادهم.
��������������������� 177
كان من نتائج أنتهاء الحرب العالمية الثانية عام « »1945بروز قوتان أساسيتان تحكمان
العالم هما أمريكا ،واالتحاد ،السوفيتي ،وتقاسمت خمسة دول كُبرى حق النقض«الفيتو» في
مجلس االمن وهي «أمريكا االتحاد السوفيتي ،الصين ،فرنسا ،انكلترا».
وعند متابعة مجمل النشاط البحثي المتعلق بقراءة النصوص الدينية حول موضوع عالمات
واحداث عصر ظهور اإلمام المهدي «عج» في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى تسعينات
القرن العشرين ال تكاد تجد اهتمام في تناول هذا الموضوع بنوع من المتابعة والتحليل فقد
عانت هذه الفترة الزمنية من خمول بحثي حول هذا الموضوع وكل متعلقاته ولم تنتج المؤسسة
الدينية الشيعية والسنية نتاج ملحوظ على المستوى البحثي يمكن االشارة له بنوع من االهتمام
بل اقتصرت كل الجهود على فهرست وتبويب أحاديث اخر الزمان فتشابهت كل نتاجاتهم من
جهة المادة واالخراج وال تجد فيها شيء من جهة المضمون.
وهذا امر غريب جدا ً إذا نظرنا اليه من جانب متبنيات الطائفة الشيعية بالذات كونها تعتقد
ان مستقبل الدين والحياة مرتبط بظهور شخص من اوالد النبي المصطفى من اإلمام علي
بالذات يملئها قسطاً وعدالً بعد ان رفع القرآن الكريم شعارا ً واضحاً الثبات الغاية النهائية من
َ َّ ْ َ ْ َ َ ُ َ َ َ َّ ُ َ
(((
الون﴾.ارسال الرسل واألنبياء وهي قوله تعالى﴿أن الرض ي ِرثها عِبادِي الص ِ
اما االشخاص المهتمين من خارج الوسط البحثي والذين نطلق عليهم عنوان «المؤمنين»
فقد اقتصرت رؤيتهم على ما هو متداول بين الناس من الموروث الديني والثقافة الشعبية التي
احتفظت لنفسها من خالل الشعائر الحسينية بكم هائل من االرث الروائي والعقائدي ولم ترتقي
افكارهم في كل االحوال للنظر إلى مشروع اإلمام المهدي باتجاه عالمية الحدث فبقي
عندهم يدور في خانة محلية الحدث وبمقدار ارتباطه بالمراسيم الدينية العاشورائية وبعض
الشعائر الدينية.
((( ويمكن ان يرصد المتابع نتاج فكري فيه تحليل للمشروع المهدوي وهو كتاب موسوعة اإلمام المهدي باربعة اجزاء للسيد
محمد محمد صادق الصدر وفيه رؤية للمؤلف لمجمل المشروع المهدوي وتفصيل تاريخي.
178 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
اما الصنف االخر الذي يمكن ان نسميه «المؤمنون المثقفون او المتفقهون» فقد ظلوا
ينظرون ويحللون األحداث طيلة هذه الفترة وفق هذا الواقع السياسي الجديد ،المقسوم بين
معسكرين سياسيين وعسكريين واقتصاديين كبيرين هما الواليات المتحدة االمريكية واالتحاد
السوفيتي وقد قرأوا المستقبل من خالل هذا الوضع القائم بوجود هاتين القوتين وبما ان قصور
الرؤيا كان واضحاً جدا ً عند هؤالء المؤمنين المثقفين للنقص الواضح في ثقافتهم الدينية وعدم
وجود الرؤية الناضجة الكلية للنظر للمشروع السماوي ولسيادة الثقافة الفقهية على عقول
ووجدان هذه الفئة ولعدم اختمار المنظومة الفكرية الالزمة للتعامل مع هكذا موضوع كبير فقد
اصطدمت اذواقهم «الفقهية» مع جملة من المرويات واألحاديث التي تتناول مواضيع متعددة
وغريبة وخطيرة خارج نطاق تفكير وذوق هذه الفئة من المتدينيين شكلت لهم حراجة واضحة
بالتعامل معها النها تخالف وضع العالم الذي يعيشون فيه مما اضطرهم كما سنبين الحقاً بان
يتبنون ثقافة التفسير وفق «المنهج الرمزي» بتحويل كل عالئق ومثابات ومواضيع احداث اخر
الزمان إلى مفاهيم «رمزية» ذات بُعد حسي وليس واقعي لكي يتخلصوا من التناقض الواضح
بين ارثهم الديني ومايرون على واقع الحياة النهم حاولوا ان يفسروا المستقبل بآليات ومفاهيم
الحاضر فكان مستقبل الدين عندهم مبهم جدا ً.
وقد تبلور هذا الفهم بشكل واضح على مر الزمن عند الجانب «السني» بغلق االبواب
واعالن نفسه حارساً للشريعة رافعاً شعار خاتمية الرسالة وبقيت نظرته للدين محصورة بيوم
القيامة فليس لإلنسان اي مستقبل اال يوم القيامة فاما إلى الجنة واما إلى النار فيما تجاوز الفكر
والذوق الشيعي هذه االزمة من بواكير نشأته باعالنه فتح دائرة االمامة التي هي عنده مكملة بل
مطابقة للنبوة في كل مفرداتها.
وهذه النظرة بقيت مسيطرة على اذهان المتدينين والمثقفين طيلة هذه الفترة مما جعلهم
كما ذكرت يتبنون المنهج الرمزي لتفسير األحداث كونهم اعتقدوا ان هذا الواقع السياسي الكبير
المتنازع بين هاتين القوتين باقي على طول خط الصراع وهي قناعة خاطئة جدا ً ناتجه من عدم
فهم حركة التاريخ بكال جانبيه «الواقعي» حسب قوانين التطور االجتماعي و«الديني» حسب
رؤية النصوص المقدسة.
ولم يتوقع أحد منهم مإذا ستؤل اليه األحداث إذا اختفت او ضعفت احدى هاتين القوتين
وهذا ما حدث بالفعل عام « »1991عند ضعف االتحاد السوفيتي وانفصال عدد من دويالته
بعد ان أصابه الضعف سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
��������������������� 179
وهذا بدوره أدى إلى انتهاء الحرب الباردة وصراع التسلح المحموم بين هاتين القوتين،
وظهورواقع سياسي جديد وبروز أمريكا كقطب سياسي واحد يحكم العالم وانفرادها بالهيمنه
على كثير من مقدرات الشعوب والدول.
خلد المتدين المثقف المتفقة وفي الحقيقة كانت هناك مجموعة من الهواجس تدور في ُ
في التعامل مع األحاديث والروايات في هذه الفترة الزمنية فهم عندما يقرؤن الروايات الواردة
عن الرسول وأهل البيت يرون انها تتحدث عن ظهور راية اساسية في الصراع عند
ظهور اإلمام المهدي من إيران وهي راية الخراساني ولكنهم عندما ينظرون إلى الساحة
السياسية والواقع السياسي في فترة الستينات والسبيعينات يرون إيران غير مؤهلة لهكذا دور
كون سياسة الشاه واضحة بتبعيتها ألمريكا فكيف يمكن تغيير هذا الواقع بوجود أمريكا القوية
والشاه الموالي لها ولم يتوقع احد انه في يوم من االيام ستنقلب الصورة رأسا على عقب بظهور
ثورة السيد الخميني وانتهاء الشاه حاملة معها قراءة جديدة للواقع السياسي وقراءة جديدة لالرث
الديني.
وبعد انهيار االتحاد السوفيتي أخذ الباحثون يحللون احداث عصر الظهور وفق هذا الواقع
الجديد بوجود أمريكا كقوه «عسكرية واقتصادية وسياسية» منفردة في العالم.
والبد لنا من االستفادة من دروس التاريخ ونظرة النص الديني للمستقبل ونسأل أنفسنا
سؤال أفتراضي وهو :مإذا سيحدث وكيف سنحلل أحداث عصر الظهور أذا أختفت أمريكا أو
أنهارت او ضعفت نتيجة حدث معين؟
وقد يتهمنا البعض بأن هذه المحاولة هي عبارة عن خيال ال يع ّول عليه وأن األمور تجري
عاد ًة حسب الواقع الذي نلمسه وحسب ال ُمعطيات التي نراها ،وقد يرى اخرون بأن هذا الطرح
هو مجرد أفتراض قد يصح وقد ال يصح فأمريكا واقع سياسي وعسكري كبير واضح وقوي وأن
هكذا افتراض البد له من مقدمات وأدلة لكي يصمد أمام النقد والتحليل.
واضح أن هذه االعتراضات متوقعة وفيها الكثير من المنطق ،ولكنني أتسائل :الم تنتهي
الدولة االموية في يوم من االيام؟ الم تنتهي الدولة العباسية في يوم من االيام؟ الم تنتهي الدولة
العثمانية في يوم من االيام؟ الم تنتهي المانيا النازية في يوم من االيام؟ هل كان ضعف االتحاد
السوفيتي خيال أم واقع؟ وهل كان يتوقع أحد من ال ُمحللين والباحثين بل حتى المنجمين هذا
التغيير الدراماتيكي السريع لهذه القوة التي تسلحت بفكرة وعقيدة أستمرت ألكثر من «»70
عام آمن بها نصف سكان الكرة األرضية وكانت الدرع الواقي لكل الحركات التحررية والشعبية
180 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
في دول العالم الثالث .أما إذا اخذنا األمر من وجهة النظر الدينية وحسب ُمعطيات وقوانين
النصوص المقدسة فهل كان غرق قوم نوح وغرق فرعون وجنوده وهالك عاد وثمود وقوم
لوط هل هذه األحداث التاريخية خياالت ام حقائق واقعية أدت إلى تغير العالم وما يتصل
به من حضارات ودول ،علماً أن هكذا تغيرات سريعة وقوية ليست بمستبعده لكل من قرأ تاريخ
االمم والشعوب والحضارات.
وعليه فأن ضعف أمريكا او انهيارها أو أختفائها من الساحة الدولية والسياسية نتيجة
مقدمات واحداث سنذكرها ليس بامر مستبعد وليس نوع من الخيال بل هو واقع تفرضه علينا
سنن اللَّه وقوانين التاريخ العاملة على طول خط الزمن ،علماً أن احداث أخر الزمان كما وردت
في المرويات كلها من نمط األحداث السريعة والغريبة والغير متصورة وهي أقرب إلى المعجزة
ُفسر حدث فيه هذا الكم الهائل من المعطيات المعجزة منها إلى الواقع فكيف يمكن أن ن ّ
والسريعة والغريبة بتحليالت يريد البعض ان تكون كلها واقعية.
أن تفسير احداث اخر الزمان ضمن أطار الواقع المعروف وال ُمعاش لدى كل باحث أدى
إلى ارباك وعدم فهم تسلسل األحداث ،ودونك المحاوالت التفسيريه التي حاولت تفسير
أحداث أخر الزمان ضمن الواقع الملموس فكلها انتهت بالفشل ومنها المنهج الرمزي الذي
حاول أن يفسر أحداث اخر الزمان برموز واقعية معاصرة كأن يكون «السفياني» هو أمريكا او
هي الدجال ،واالتحاد السوفيتي هو «ياجوج ومأجوج» ،والنداء الذي هو صوت جبرئيل بأنه
عبارة عن وسائل االعالم المعروفة حالياً ،وطلوع الشمس من مغربها هو كناية عن ظهور شخص
االمام ،وهي محاوله بارده جدا ً لاليحاء إلى القواعد الشعبية بأن الظهور المبارك سيكون من
الغرب وليس من الشرق وهكذا الحال مع جملة من عالمات اخر الزمان.
وما ان دارت االيام حتى ضعف االتحاد السوفيتي ولم يخرج يأجوج ومأجوج ،ثم نحن ال
ندري اين هذا السد«الردم» الذي تم حجز االتحاد السوفيتي فيه وما عالقتهم بذي القرنين ،بينما
أكدت األحاديث المروية عن رسول اللَّه بأن ياجوج ومأجوج من عالمات الساعة وليس من
عالمات ظهور اإلمام المهدي«عج» الن المهدي «عج» نفسه هو من عالمات الساعة.
روى الشيخ الصدوق بسنده عن حذيفة بن ا ُسيد الغفاري قال :كنا جلوساً في المدينة في
ظل حائط ،قال :وكان رسول اللَّه في غرفة فأطلع علينا وقال«فيم انتم» فقلنا :نتحدث ،قال
«عم» .قلنا:عن الساعة فقال«:انكم ال ترون الساعة حتى ترون قبلها عشر أيات :طلوع الشمسّ
من مغربها ،والدجال ،ودابة األرض وثالث خسوفات في األرض :خسف بالمشرق وخسف
��������������������� 181
بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ،وخروج عيسى ،وخروج يأجوج ومأجوج وتكون أخرها نار
(((
تخرج من اليمن»
وكذلك وردت أحاديث اخرى بنفس المعنى تضيف عالمات اخرى مثل خروج
المهدي«عج» والدخان وتحذف بعض العالمات وكلها قبل الساعة ،واستنادا ً لهذا الحديث
المبارك فـ«يأجوج ومأجوج» واقع متقدم يظهر بعد ظهور اإلمام الحجة«عج» بزمن طويل بعد
خروج الدجال ونزول السيد المسيح وبعد ان تستتب االمور في دولة االمام ،وإذا ص ّدقنا
التحليل الذي يورده أصحاب المنهج الرمزي فان االتحاد السوفيتي سيبقى إلى ما بعد ظهور
االمام وهذا يخالف واقع دولة االمام التي ستملئ قسطاً وعدالً وال تجد فيهل موضع على
األرض ال ينادي به بـ «ال إله إال اللَّه».
ان المنهج الرمزي في تفسير األحداث قد اربك المنتظرين للمشروع المهدوي من حيث
قصد تكريمه فتحويل مجموعه العالئق والمكونات الخاصة بأحداث عصر الظهور إلى
مجموعة رموز لها عدة مصاديق وتجريدها من حقيقتها يؤدي بالضرورة إلى سؤال حتمي لتطور
هذا المنهج وهو لماذا ال يكون المهدي هو ايضاً رمزا ً ،اي ان المهدي حسب المنهج هو
«عنوان» وليس«شخص» وبأمكان اي شخص أن يمارس هذا الدور إذا توفرت عناصر التغيير
وهذا بالضبط ما تبناه الفكر الصوفي منذ بدايته.
هذا الفكر الذي يؤمن بأن المهدي هو «تنصيب» وليس «تشخيص» أي انه ليس بالضروره
ان يكون المهدي المنتظر االبن المباشر لإلمام الحسن العسكري شخصياً ،بل المهدوية
هي «منصب» كل من يحقق شروطها في اي زمان يفوز ويرتقي هذا «المنصب»،فالبعض منهم
يعتقد ان اإلمام المهدي ليس هو االبن المباشر لإلمام الحسن العسكري الن اإلمام
الحسن العسكري عندهم عقيم وليس له عقب،فالمهدي عندهم شخص يولد في أخر
يعي دوره ،وال
الزمان«قد يكون من نسل علوي فاطمي» وسوف «يصلحه اللَّه في ليله» ،فهوال ّ
يعي شخصيته إال بعد تلك الليلة الموعوده ،وهذه واحده من أساليب تجميد فكرة االمامة وفكرة
ّ
اإلمام المهديلمئات السنين وهي نفس الفكرة التي لعب عليها كل ادعياء المهدوية في زمن
الغيبة الصغرى والكبرى فإذا سارت االمور بشكل جيد على يد احد ادعياء المهدوية قال «انا
المهدي» ،وإذا لم تسير االمور بما يشتهي قال «انا ممهد للمهدي» وهكذا.
وتاريخ اإلسالم زاخر بهذه األحداث واالدعاءات التي هي واحدة من بُنات أفكار المنهج
الرمزي والنتيجة الحتمية لهذا الفكر ،وسيالحظ القارئ المتابع ألحاديث آل البيت الخاصة
بأحداث اخر الزمان كثرة المرويات التي تتحدث عن خروج عدد من الكذابين والمدعين قبل
خروج اإلمام المهدي«عج» بل ان المرويات حددت خروج اكثر من « »70كذاباً و« »12راية
كلهم يدعوا لهذا االمر.
وال يخفى عن بال القارئ البصير ان وجود هذا العدد الهائل من الكذابين و ُم ّدعي المهدوية
قبل خروج اإلمام«عج» لهو دليل على وجود منظومة فكرية واطار عقائدي له بُعد تاريخي
وفكري بحيث يستوعب هذا الكم الهائل من التناقضات واالكاذيب.
وسيالحظ القارئ المتابع أيضاً تركيز أحاديث آل البيت على نقطة جوهرية في موضوع
اإلمام المهدي ،فهم في كل مناسبة يؤكدون أن المهدي هو «تشخيص» اي هو شخص معين
بذاته وهو االبن المباشر لإلمام الحسن العسكري ،وهو سليل هذه الذرية الطاهرة حصرا ً،
وانه ولد وأستمر به العمر إلى يومنا هذا ،ولكن طول فترة الغيبة اوقعت اغلب الناس بعدة
متاهات ،بينما كان طول هذه الفترة هو سبب لتمحيص وغربلة المؤمنين وهو امر أكدت عليه
أغلب مرويات أهل البيت.
وهنالك أمر جعل بعض الباحثين يميلون إلى تفسير احداث اخر الزمان من خالل فهم
الواقع حسب قوانين التطور االجتماعي مما حدى بهم إلى ان يهملوا ويتركوا من هذه األحاديث
كل غريب «من وجهة نظرهم» وال يستطيعون تفسيره أو أنزاله إلى ارض الواقع ،وهذا بالضرورة
ادى إلى انكار جملة من األحاديث الخاصة تحت عنوان انها خيالية او سفسطائية ومبالغ بها
وكان الحل عندهم الهمال هذه المرويات هو «ضعف السند» ،فيما اتهم من يؤمن بها او يتحدث
بها بالغلو.
ولعلي اجد عذر لمن اليصدق هكذا أحاديث من عبارة اإلمام أمير المؤمنين علي بمقولته
المشهورة «العجب كل العجب بين جمادي ورجب» ،فال الوم هؤالء الباحثين لعدم أستيعابهم
وتصديقهم لهذه األحاديث التي يقول عنها أمير المؤمنين انها عجب ،فالمشروع االلهي
يسير وفق قوانين ونواميس القرآن وليس وفق قوانين وضعية ناتجه عن المالحظه والتجربة قد
تكون صالحة في وقت وغير صالحه في وقت أخر كقوانين التطور االجتماعي التي تجري على
شعب او امة وال تجري على أمة أخرى ألختالفات عرقية وفكرية واقتصادية ،وحتى أصحاب
الفكر المادي قد أقروا بان هذه القوانين ال تجري بوتيره واحده على كل المجتمعات بل هي دالة
متغيرة حسب خصائص كل مجتمع.
��������������������� 183
وعليه فأن قوانين التطور االجتماعي وحركة التاريخ ليست حتمية وال يمكن ربط المشروع
االلهي بها ،فالمشروع المهدوي مرتبط بالحكمة وله غايات تشمل كل التاريخ بل الحياة بل
خلق اإلنسان وهو ال يعالج فترة محدده او يخاطب شعب أو أمة معينة الغاية التي من اجلها ُ
فعنوانه يشمل التاريخ واإلنسانية والحياة بكل مراحلها.
وهنا البد أن نذكر مثال بسيط لكي نوضح للقارئ الكريم طريقة تفكير هذه المجموعة من
الباحثين وان كان هذا المثل سيخرجنا عن موضوعنا االصلي ولكن الشيء بالشيء يذكر.
فمن المالحظ ان الزي العربي القديم المتمثل بالعمامة «كغطاء رأس» أخذ باالنقراض منذ
بدايات القرن العشرين اال من قبل رجال الدين واستبدل عوضاً عنه«وان كان موجود باالصل»
العقال العربي وهو زي شائع في منطقة الخليج العربي وبعض دول بالد الشام والعراق فقد ظل
محافظاً على وضعه ،لذلك اصطدم الكثير من الباحثين بالموضوع الخاص بلباس اإلمام«عج»،
أذ ان المرويات تشير إلى انه سيخرج ُمعتماً بعمامة رسول اللَّه وجبته ونعليه ودرعه ،بل
ذكرت هذه المرويات بعض خصائص هذه المقتنيات بل حتى ذكرت لها أسماء خاصة بها
مثل العمامة«صفراء خضراء بيضاء ـ» واسمها «السحاب» ،والنعل المخصوف والدرع المسماه
«السابغة» التي ال تستوي اال على جسده الشريف وسيفه «الصمصام» وهو من سيوف رسول
اللَّه .
وبما ان هذا الزي المتمثل بالعمامة والعباءه والدرع والسيف قد أخذ باالندثار وطغيان
المالبس المدنية الحديثة من «بنطال وستره وقمصان» التي أصبحت شائعه ومتداوله لدى االعم
االغلب من الناس فقد وجد هؤالء الباحثين في فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات من
القرن العشرين حراجه في تخريج هكذا أحاديث النهم ظنوا«حسب قوانين التطور االجتماع»
ان هذا اللباس ال يتناسب مع أحداث زمن الظهور الذي تصوروا بانه زمن تسود فيه الواقعيات
وكيفيات معينة خاصة بأهل ذلك الزمان،وعليه فان خروج اإلمام بهذه الهيئة من المالبس سوف
لن يناسب روح ذلك العصر مما حدا بهم إلى االلتفاف على النصوص في محاولة لتحويل هذه
المقتنيات إلى رموز كأن يكون السيف هو رمز للقوة ،والعمامة داللة على علمه وهكذا ،لذلك
سادت افكار خاصة بهؤالء الباحثين والمتدينين مفادها ،ان خروج اإلمام الحجة «عج» سيكون
ذو طابع يتناسب مع ايقاع زمن ظهوره فإذا كان أهل ذلك الزمان يرتدون «بنطال والستره» فهو
أيضاً كذلك وإذا كانوا يرتدون«الجينز» فهو أيضاً كذلك النه يمثل واقع ذلك العصر.
184 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
وما أن دار الزمن وسارت األحداث حتى أثبتت األيام خطأ هذا االعتقاد فما ان أطلت علينا
االلفية الثالثة والقرن الحادي والعشرون حتى زخت علينا االيام بمجموعة من رجال الدين ممن
يرتدون العمامة والجبه وممن لهم سيطرة سياسية واقتصادية ودينية في كل بقاع األرض واصبح
هذا الزي لرجل الدين شائع ومعروف بعد ان ملئت صورهم واخبارهم كل وسائل االعالم
اكثر من الفنانين والعبي كرة القدم بل حتى اكثر من «قناني البيبسي كوال» مما يدفعنا لألعتقاد
جازمين بأن نوعية المالبس التي ذكرت لإلمام الحجة «عج» هي نفسها ألن األحاديث الواردة
عن أهل بيت النبوه صلوات اللَّه وسالمه عليهم اجمعين تتعامل مع األحداث بما ستؤل اليه
وليس كما نريد.
وبعد هذه المقدمة التي كان البد منها نعود إلى نفس السؤال الذي طرحناه في بداية الكالم
وهو :مإذا سيحدث وكيف سنحلل األحداث في عصر الظهور إذا اختفت او انهارت او ضعفت
الواليات المتحدة االمريكية نتيجة حدث معين.
في الحقيقة هناك عدة دالئل واستنتاجات وسيناريوهات لهذا التصور.
الدالئل
-1وجود حوادث تؤكد أختفاء وانهيار دول وحضارات بصورة مباشرة او غير مباشره نتيجة
مقدمات معينة قديماً وحديثاً،كما يذكر لنا التاريخ سقوط عدة ممالك وانظمة نتيجة صراعات
داخلية وخارجية وسيجد قارئ التاريخ أمثله عديدة من هذا النمط،اما االمثله من النصوص
الدينية فهو هالك قوم نوح وهالك قوم فرعون وهالك عاد وثمود وقوم لوط وهذه كانت
عبارة عن حضارات ودول تم هالكها بواسطة ظواهر طبيعية مدمره بل ان واقع القرآن الكريم
ََْ ََ ٰ َ
(((
ى ل ُهم ّمِن بَاق َِي ٍة﴾ يشير إلى هالكهم بصورة مباشرة وسريعة ﴿فهل تر
- 2ال يوجد في أحاديث الرسول وأهل البيت التي تناولت احداث أخر الزمان دليل
على وجود قوة عسكرية وسياسية أسمها أمريكا حتى عن طريق الرمز فقد ذكرت هذه األحاديث
عدة جهات وعدة قوى اساسية وثانوية في صراع اخر الزمان وال وجود ألمريكا من ضمنها وهي:
الروم :وهم أوربا
الترك :وهو االتراك وتركيا حالياً.
السروسي :والكلمة كما ال يخفى تصحيف لكلمة «الروسي».
((( الحاقة8/
��������������������� 185
أضرار بالغة قد ت ُنهي أمريكا كدولة عظمىى وتبقي بعدها متفرغه للعق جراحها.
السيناريو الثالث:
سقوط نيزك في البحر قرب أمريكا يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه بصورة سريعة ومفاجئة
(((
وكما ذكرت ان أمريكا محاطة بالماء من كل الجوانب وبما ان مراكزها الصناعية واالقتصادية
موجوده على الشواطى وبما ان أغلب قوة أمريكا العسكرية هي قوة بحرية وهي عبارة عن
غواصات وفرقاطات وحامالت طائرات وقاذفات فمن شأن هكذا حادثة أن تقصم ظهر أمريكا
إلى نصفين ال تقوم بعدها لهم قائمه ،وهناك مرويات عن رسول اللَّه وعن أهل البيت
وكذلك نصوص انجيلية تشير إلى هكذا حدث يقع في أخر الزمان سنذكر بعضها ألهميتها.
- 1عن عبد اللَّه بن مسعود عن النبي قال«إذا كانت صيحة في رمضان فأنه يكون
معمعه في شوال وتميز القبائل في ذي العقده وتسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم وما المحرم
يقولها ثالث هيهات يقتل الناس فيها هرجاً هرجاً» قلنا وما الصيحة يا رسول اللَّه؟ قال :هده
في النصف من رمضان ليلة جمعة وتكون هدّ ه توقض النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من
خدورهن في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزالزل فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة فادخلوا بيوتكم
واغلقوا ابوابكم وسدوا كوركم ودثرو انفسكم وسدوا اذانكم فإذا أحسستم بالصيحة فخروا للَّه
(((
تعالى سجداً وقولوا سبحان القدوس فانه من فعل ذلك نجا ومن لم يفعل هلك»
والحديث المبارك يسمى هذه الظاهرة بـ«الصيحة» والصيحة مفردة قرآنية وردة في «»13
مورد في القرأن الكريم وقد استخدمت لوصف هالك االمم السابقة.
َّ ُ َّ َ َ َ َ َ َ
الصيْ َحة﴾((( وهي تصف هالك قوم صالح.وقوله ِين ظل ُموا ت ال قوله تعالى﴿ َوأخذ ِ
ني﴾ ((( وهي تصف هالك قوم حوا ف دِيَاره ِْم َجاثِم َ ح ُة فَأَ ْ
ص َب ُ ِين َظلَ ُموا َّ
الصيْ َ َ َّ ََ َ َ
ِ ِ ِ ال ت
تعالى﴿وأخ ِ
ذ
حة ُم ْشق َ ُ َ َ َ
شعيب ،وقوله تعالى﴿فأ َخذتْ ُه ُم َّ
الصيْ َ
ِني﴾((( تصف هالك قوم لوط ،وقوله تعالى ِ
ني﴾ ((( تصف هالك أصحاب الحجر. ح ُة ُم ْصبح َ ﴿فَأَ َخ َذتْ ُه ُم َّ
الصيْ َ
ِ ِ
((( كما حدث في حادثة تسونامي« »2006وان كانت هذه الحادثة ناتجه عن ارتفاع وانخفاض األرض تحت سطح البحر
وليس بسبب نيزك ولكننا نذكرها هنا للتشبيه.
((( عقد الدرر
((( هود67 /
((( هود 94 /
((( الحجر 73 /
(( ( -الحجر 83 /
188 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ورسول اللَّه يوضح نوعية هذه الصيحه ويصفها بأنها «ه ّده» وهذه المفرده تدل على
سقوط شيء وارتطامه باألرض فـ«اله ّده» هي التي تهد األرض وتحركها ويصاحبها صوت غير
مفهوم ومدوي وهذه الصفه ال تنطبق اال على جسم يرتطم باألرض كما ان الحديث يشير اشاره
واضحه إلى ان الكالم الموجه فيه ليس لعامة الناس بل للمسلمين فقط فهو يقول«إذا صليتم
الفجر» وهذ الصالة من خصائص المسلمين وحدهم باالضافة إلى ان الحديث يحدد زمن هذه
الظاهرة وهي ليلة الجمعة من النصف من رمضان مما يدل على ان هذا الجرم الساقط او هذه
الظاهرة هي ظاهرة مرصودة ومعروفة قبل حدوثها فلو كانت تحدث بصورة مفاجئه وغير متوقعه
فال داعي لذكر االجراءات الوقائية التي ذكرها الحديث ،وبما انها ستحدث وتكون معلومة
الزمن بل وحتى معروفة المكان لذلك صدرت من الرسول االعظم مجموعة من االجراءات
الوقائية للتوقي من هذه الظاهرة الكارثيه فقال «ادخلوا بيوتكم واغلقوا ابوابكم وسدوا كواكم
ودثروا انفسكم وسدوا اذانكم فإذا احسستم بالصيحة فقعوا للَّه تعالى سجداً وقولوا سبحان
القدوس سبحان القدوس فأنه من فعل ذلك نجا ومن لم يفعل هلك».
هذه االمور تدفعنا لألعتقاد أن أرض المسلمين هي أرض غير مشموله بهذه الكارثة بل هي
كارثة ستقع في الجانب االخر من األرض ولكن المسلمين سينالها بعض تأثيراتها ،فأن سقوط
هكذا جرم على األرض بالقرب من أمريكا يؤدي إلى موجه من الهزات االرتدادية تشمل كل
بقاع األرض ومنها أرض المسلمين لذلك ذكر الحديث هذه التعليمات للتوقي من أثار هذه
الظاهرة ،ولو كانت هذه اله ّده تقع على ارض المسلمين المرهم رسول اللَّه بترك ارضهم
وكيف تقع هكذا كارثه على ارض فيها كل تراث األنبياء واألولياء ،كما ان األحاديث تشير إلى ان
العراق وبالد الشام والحجاز وإيران هي مسرح احداث اخر الزمان ومنها يخرج المهدي وفيها
عاصمته«اقصد العراق» فستكون هذه األرض ببركة تواجد أهل البيت عليها بمنئى عن هكذا
ظواهر مدمره ،كما ان في هذا الحديث اشاره دقيقة لوقت حدوث هذه الكارثة وهي قوله
«فإذا صليتم الفجر» وهذا يدل على ان هذه الكارثه ستقع بعد صالة الفجر وهو ما نسميه
بـ«الصباح» وهذا الوقت بالذات يتناغم ويتطابق مع الواقع القرآني الذي حدد في اكثر من مورد
َ َ َََ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ُْ َ
نذر َ
ين﴾(((،قوله العذاب في وقت الصباح ،قوله تعالى ﴿فإِذا نزل بِساحت ِ ِهم فساء صباح الم ِ نزول
ُ
حة ُم ْصبح َالصيْ َ ْ َ َ َ
تعالى﴿فأ َخذت ُه ُم َّ
(((
ني﴾ ِ ِ
((( الصافات177/
((( الحجر 83 /
��������������������� 189
كما ان هناك عدة أحاديث اخرى عن ائمة أهل البيت تحدد الجانب الذي ستقع فيه هذه
الكارثة وتسميه«غربي األرض».
عن أمير المؤمنين أيضاً :قال :في ذكر عالمات المهدي «عج» « ....اال ايها الناس
سلوني قبل ان تفقدوني وقبل ان تشغر برجلها فتنة شرقية تطأ في خطامها بعد موت وحياة أو
(((
تشب نار بالحطب الجزل غربي األرض رافع ًة ذيلها تدعوا يا ويلها بذحله او مثلها».....
وعنهم عندما سئل من قبل اهل قم :متى ينتظرون الفرج قال«إذا ظهر الماء على وجه
األرض»(((.
والذي استشفه من الحديث ان هذه النار نار مغربية تقع غربي األرض وهي عبارة عن
قصف سماوي بالشهب والنيازك والحجارة كما ان الحديث السابق يصف نتيجة هذا الحدث
وهو ظهور الماء على وجه األرض دالله على غرق مناطق كبيرة ،وان هذه الحادثه إذا وقعت
بهذا الشكل ال تؤثر على أمريكا وحدها بل ستؤثر على غربي اوربا وافريقيا إذا حدثت شرقي
أمريكا ،وستؤثر على اليابان واستراليا إذا حدثت غربي أمريكا ،وهذه الدول سيكون الضرر
بها كبيرا ً النها دول ذات سواحل طويله والبحر يحيطها من كل جوانبها أما مناطق المسلمين
وبالذات«العراق -بالد الشام -الحجاز -إيران» فهي في مأمن من هذا الخطر لبعدها عن البحار
اوالً ولبعدها عن مركز تأثير هذه «اله ّده» ثانياً ،وهذا ربما يفسر لنا لماذا تندفع كل هذه القوى
العسكرية في اخر الزمان إلى هذه المناطق وذلك النها المناطق الوحيده الغير متضرره من هذه
الكارثه.
قال اإلمام الصادق« ال يكون هذا األمر حتى يذهب ثلثي الناس فقيل له واين نكون نحن
(((
قال :أما ترضون ان تكونوا في الثلث الباقي»
وهذا الحديث فيه دالله واضحه على حجم الدمار والضرر الناتج من هذه الظاهره وإلى
عدم شمول ارض المسلمين بهذه الكارثه.
- 2هناك ايضاً رؤية انجيلية لهذه الحادثة وهي ما وردت تفاصيله في رؤيا «يوحنا» وسنورد
بعض المقاطع من هذه الرؤيه النطباقها على تفاصيل هذه الظاهرة ومكانها.
«.....ورأيت بعد ذلك مالكاً أخر نازالً من السماء له سلطان عظيم فاستنارت األرض من
بهائه وصاح باعلى صوته«سقطت سقطت بابل العظيمة» صارت مسكناً للشياطين ومأوى لجميع
االرواح النجسه وجميع الطيور النجسه البغيضه الن االمم كلها شربت من فورة خمرها زناها.
وملوك األرض زنوا بها وتجار العالم إغتنوا من كثرة نعيمها ....أفرحي أيتها السماء لخرابها
أفرحوا ايها القديسون والرسل واألنبياءألن اللَّه عاقبها على ما فعلت بكم ...وتناول مالك جبار
حجرا ً كحجر طاحونه عظيمه ورماه في البحر وقال«هكذا ترمى بابل العظيمة بعنف ولن توجد
(((
من بعد ابدا ً»
وكما تالحظ ان هذا النص اإلنجيلي يحدد ان مالك الرب سيرمي في البحر حجر عظيم
كحجر الطاحونه وهذا يتناغم مع سقوط النيزك الذي هو حجر عظيم وسقوط هذا الحجر في
البحر هو السبب في حدوث هذه الكارثة «الغرق» ،باألضافة إلى «اله ّده» وهو الصوت الناتج
عن اختراق هذا الجرم للغالف الجوي األرضي وارتطامه بالبحر ،ويبدو ان سرعة هذا الحجر
ستؤهله كي يخترق ماء البحر ويضرب األرض التي هي قعر البحر ،أما «بابل العظيمة» الوارده
في النص فهي ليست بابل الموجوده في العراق قطعاً النها ليست قريبة من الماء كما ان مفسروا
اإلنجيل أستبعدوا هذا الرآي فبابل المذكوره في النص لها هيمنه على شعوب العالم الن ملوك
األرض زنوا بها وصارت مسكناً للشياطين وان تجار العالم أغتنوا من نعيمها ،كما انها قريبة من
البحر وهذه االوصاف ال تنطبق اال على أمريكا «بابل أخر الزمان» ....العظيمة....الزانيه.
كما ان رؤيا يوحنا رؤيه طويله جدا ً ال نستطيع ان نذكرها كلها في هذا البحث ولكن إذا رجع
اليها القارى الكريم سيجد هناك الكثير من االدله والقراءات الواضحه والمضمرة التي تؤكد له
هوية«بابل العظيمة».
أن مسئلة انتهاء أمريكا بظاهره طبيعية ليست ضرباً من الخيال أو قراءة عابرة للنص السماوي
فأن هذه النهايات الحتمية للشر والتكبر قد طرحها القرآن الكريم في اكثر من مورد وهي ُسنه
الهية جرت على االمم السابقة وتجري على االمم الألحقة كهالك قوم نوح وقوم فرعون
َ ْ ُ َّ ْ َ َ َ ْ ُ َّ ْ َ ُ
حة وقوم ثمود وعاد ،وقد وصفها القرآن الكريم ببيان شامل ،قوله تعالى ﴿ومِنهم من أخذته الصي
َ ْ ْ َْ َ ْ
َومِنْ ُهم َّم ْن َخ َسف َنا بِهِ ال ْرض َومِنْ ُهم َّم ْن أغ َرق َنا ۚ﴾(((.
وهذا مصير كل متكبر اليؤمن بيوم الحساب ،فهذه األثام المتكدسه واذالل أمريكا لشعوب
العالم واإلنسانية سيواجه برد فعل للطبيعة ضمن قوانين الهية ،فتصرفات اإلنسان وأعماله يقابلها
رد فعل للطبيعة في عملية جدل مترابطة بين فعل اإلنسان وقوانين الطبيعة ،فإن كان خيرا ً فخير
وان كان شرا ً فشر ،وهذا هو عين ما حصل في االمم السابقة التي تم هالكها بظواهر طبيعية
مدمره وردت في القرآن الكريم تحت عدة عناوين «الصيحة -الخسف -الغرق -مطر السوء
-ريحاً صرصاً.»...
السيناريو الرابع:
هناك عدة ظواهر طبيعية تحدث بشكل دوري ال يتنبه لها أحد أال اهل االختصاص وهذه
الظواهر تحدث وتمر وال تسبب أي مشكلة ولكنها في ظروف معينة قد تؤدي إلى كوارث
ضخمه ،فمنها ظاهرة طبيعية تحدث في ايام معينة من السنة تسمى «ظاهرة زخات الشهب» وهي
تؤدي إلى حدوث منظرا ً جميل جدا ً إذا حدثت بنزول زخات من الشهب متتالية قد يصل عدد
الشهب فيها لكل زخه اكثر من « »100شهاب وترتبط زخات الشهب بالمذنبات فخالل دوران
األرض حول الشمس تصادف أن تمر في الحزام الغباري الحد المذنبات وبسبب الجاذبية
األرضيه تدخل الحبيبات الغبارية والحصى والجليد إلى الغالف الجوي مما يسبب سقوط
زخات من الشهب تعد بالمئات في كل زخه وقد تمر األرض بمدار المذنب مره اخرى فيحدث
بسبب ذلك المذنب زخه واحده تتفاوت شدتها من خالل قرب األرض منها وفي حالة مرور
األرض مرتين بالحزام تحدث زختان كما هو الحال مع مذنب «هالي» حيث تحدث زخات
«ايتا» «الدلويات» في «مايو/ايار» وزخة الجباريات في «اكتوبر /تشرين اول».
باألضافة إلى سبب اخر وهو أخطر من األول هو أحتمالية أقتراب مذنب أو ذيل المذنب
من الغالف الجوي األرضي فهذه المذنبات ذات ذيول طويله جدا ً قد تصل إلى « »150مليون
كيلومتر وذات سرعة عالية قد تصل إلى « »50كيلو متر كل ثانية فإذا حدثت هذه الحالة في
مسافة قريبة من المجال الجوي األرضي فأن هذا الحدث سيعطل أو يدمر منظومه االقمار
الصناعية الموجوده حول األرض فيؤدي بدوره إلى حدوث فوضى معلوماتيه وسياسيه
واجتماعيه واقتصاديه نتيجة لتعطل االتصاالت والنظام المصرفي والنظام المالحي والبورصه
واسواق المال وحركة المواصالت الجوية والبحرية بل كافة مرافق الحياة المدنية ،وان عملية
السيطره على هكذا ضرر متوقع هو امر ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض فإنه يوجد حالياً
آالف االقمار الصناعية تدور حول األرض ترتبط بها كافة نواحي الحياة المدنية واالقتصادية وان
عطل او تلف هذه االقمار الكثر من عدة أيام سيؤدي إلى نهاية سريعة ومهوله للنظام العالمي
192 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
وأمريكا هي اول المتضررين الن مصالحها في كل بقاع األرض فيؤدي إلى تبعثر قواها وانهيارها
السريع وخصوصاً ان هناك عدد ال يستهان به من أحاديث اخر الزمان التي تحدد بشكل صريح
عن ظهور واقتراب عدد من االجرام السماوية والتي ستكون سبباً في عدة ظواهر مدمره.
وبصورة عامة كل التقارير العلمية تحذر بشكل واضح من ظاهرة االحتباس الحراري
وتداعياتها وإذا كنا متفائلين فنتائجها ستظهر بعد خمسين عاما وإذا كنا متشائمين فالنتائج ستظهر
خالل الثالثين سنة القادمة وهذا معناه ان ابنائنا سيعيشون هذا الحدث الصعب وحتى لو فرضنا
ان هناك مبالغة فيما يقول العلماء واستثنينا ظاهرة االحتباس الحراري والعواصف الشمسية او
سقوط نيزك او اقتراب مذنب وغيرها فال احد ينكر ان هذا الكوكب بدأ يدق ناقوس الخطر معلنا
نفاد موارده الطبيعية من النفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري التي هي مصادر الطاقة األولى
للصناعة ومجمل الحياة نتيجة االستهالك الغير مسيطر عليه من قبل الشركات المنتجة فالنتيجة
المنطقية لنفاد موارد لطاقة هو الحرب بين االطراف الكبرى للسيطرة على ما تبقى منها لضمان
االستمرار وبالتالي فان العقود القادمة ال تخلو من حروب طاحنة للسيطرة على موارد الطاقة
والتي تؤدي بالضرورة إلى فرز نظام اقتصادي وسياسي وعسكري جديد.
وهذا التحليل الذي يتبنى فكرة عدم وجود أمريكا كقوة عسكرية وسياسية في أحداث
أخر الزمان وفق هذه السيناريوهات والدالئل التي ذكرناها ،يفسر لنا عدد من جوانب وحيثيات
الصراع الذي يحدث في أخر الزمان ومنها:
- 1ان هذا التحليل يفسر لنا لماذا يساعد الروم«اوربا» السفياني في معاركه في بالد الشام.
فقد رؤى الشيخ الطوسي بسنده عن بشر بن غالب قال«يقبل السفياني من بالد الروم ُمتنصرا ً في
عنقه صليب وهو صاحب القوم»(((.
وقد دلت المرويات انهم ي ّعدونه لهذا األمر ويدعمونه بالجند والسالح في معاركه فهل من
المعقول ان تقوم «اوربا» بهكذا عمل عسكري ضخم في بالد الشام والعراق وبهذا المستوى
الخطير بدون علم أمريكا وتدخلها.
وعليه يكون التصور الصحيح لهكذا تساؤل هو كما قلنا بعدم وجود أمريكا كطرف في
صراع اخر الزمان النفراد اوربا كقوة سياسية وعسكرية تدعم السفياني للسيطرة على مناطق
الثروات ناهيك عن الدوافع العقائدية للروم فهم مسيحيون اوالً واخرا ً «هذا إذا لم يكن الصراع
باالصل عقائدي بالدرجة األولى وليس سياسي» فالمسيحيون لهم دوافع عقائدية لخوض هذا
الصراع ال تقل اهمية عن الدوافع السياسية واالقتصادية والعسكرية.
- 2هذا التحليل يفسر لنا امرا ً قد ذكرته مرويات أهل البيت سنذكره اجماالً وهو ان
ظهور السفياني في بالد الشام مسنودا ً من قبل الروم يمكنه من السيطرة على بالد الشام خالل
ستة اشهر بعد تصفية مناوئيه وهم«االصهب واالبقع» وخصوصاً بعد انتصاره في معركة قرقيسيا
المشهورة وانكسار الترك واتباع المشرقي وهم اطراف هذه المعركة فتصفو للسفياني بالد الشام
كلها.
فعن ابي منصور البجلي قال :سألت ابا عبد اللَّه عن السفياني ،فقال«:وما تصنع بأسمه
إذا ملك كور الشام الخمسة دمشق وحمص وفلسطين واالردن وقنسرين فتوقعوا عند ذلك
الفرج»(((.
هنا سيبرز لنا سؤال مهم وهو :كيف يستطيع السفياني ان يسيطر على هذه الكور الخمسة
ومن ضمنها فلسطين وهي الزالت تحت سيطرة اليهود وهم كما هو معروف ليسوا بقوة سهلة
عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
ان انهيار أمريكا سند إسرائيل القوي قبل احداث السفياني هو السبب في ضعف إسرائيل
وانكشاف غطائها الدولي بعد انهيار حليفتها الكبيرة أمريكا او انهم يضطرون لعدم مواجهة
السفياني ألحتواء زخم الموقف مما يضطرهم إلى تبني فكرة التراجع إلى الخلف خطوتين
والتربص لحين سنوح فرصة اخرى العادة امجادهم وخصوصاً ان اليهود كشعب تاريخياً لهم
خبرة واسعة في التعامل مع هكذا مواقف فهم ملّة معروفة بطول تشردها في بقاع األرض وقد
كما وصفهم ماركس بقوله«ليس هناك يهودي تائه او يهودي متجول بل هناك يهودي متحول»،
لذلك ال تجد في المرويات حدوث اي عمل عسكري للسفياني في فلسطين ،وان مسألة سيطرة
السفياني على فلسطين سيكون له الوقع الكبير على نفوس المسلمين باعتبار انه حقق لهم املهم
في تحرير فلسطين والمسجد االقصى وهو في نفس الوقت يفسر لنا تكالب الناس واندفاعهم
باالنظمام تحت راية السفياني في بالد الشام بل سيكون هذا االنتصار هو السبب الرئيسي لغزو
العراق والحجاز ففي الحجاز«مكة» تكون حركة اإلمام المهدي بداءت بالظهور بعد االنهيار
السياسي الكبير لحكومة الحجاز.
عن اإلمام الصادق«وهذا الملعون يظهر الزهد قبل خروجه ويتقشف ويتقنع بخبز الشعير
والملح والجريش ويبذل االموال فيجلب قلوب الجهال واالراذل ثم يدّ عي الخالفة فيبايعونه
ويتبعهم العلماء الذين يكتمون الحق ويظهرون الباطل فيقولون :انه خير اهل األرض»
وواضح من خالل الحديث انه سيتبنى مشروع «الخالفة» كزعامة سياسية ودينية موهماً
الناس بالعمل على اعادة امجاد اإلسالم وتحقيق الدولة الموحدة بالسيطرة على مكة باعتبارها
المركز الديني لكل المسلمين.
������������� 195
�أ�سئلة واجوبة
هناك مقولة قديمة تقول «كرر الكذبة أربعين مرة تصبح حقيقة» ،وهذه بالضبط هي القاعدة
ألتي أستند ولعب عليها كل ال ُمح ّرفين والمزورين وطامسوا الحقائق عبر التاريخ ،فالعملية
باألساس ال تعتمد على أنتاج كذبة بل على إدامة زخم وجودها بالتكرار.
وتراكم المعلومات الكاذبة وتكرارها على مر األيام يولّد شعور جماعي باتجاه تصديقها،
حتى يأتي اليوم الذي يكون فيه محاولة تكذيب هذه األكاذيب هو بدعة ومخالفة للواضحات،
وال نريد أن نذكر شواهد واضحة لهذه الحالة عبر تاريخ األمم والشعوب فهي من الكثرة بمكان،
حتى ليُخيّل إلى قارئ التاريخ أن التاريخ هو عبارة عن مجموعة من األكاذيب التي أخذت قوتها
نتيج ًة لتقادم الزمن عليها وقد صدق من قال « ُر َ
ب مشهو ًر ال أصل له».
وما يخصنا هنا هو ما حدث في تاريخنا اإلسالمي ،وحسبنا أن نذكر مثل واضح لهذا األمر
في تاريخنا وهو قرار معاوية بن أبي سفيان بإصدار أمر عام على كافة األمصار اإلسالمية أثناء
فترة حكمه بسب اإلمام علي على المنابر حتى أن الخطباء كانوا يبدؤون خطبهم بعبارتهم
المشهورة «خير ما نبدأ به خطبتنا هو شتم علياً وأوالده» ،وعندما ُسئل معاوية عن سبب هذا
التصرف قال «أستمروا بشتم علياً حتى يشيب عليها الصغير ويهرم عليها الكبير» ،وكما تالحظ
أن هذه العبارة تنطبق أنطباقاً واضحاً على المثل الذي أوردناه في بداية هذه السطور بتكرار هذا
األمر فما بالك أذا عرفت أن هذه الحالة لم يكررها معاوية أربعين مره بل كررها وأبواقه األعالمية
على مدى « »91سنة وهي و فترة حكم بني أميه ،وال تجد في الفكر السني من يُشير أو ينتقد
هذا األمر وكأنهم من طرف خفي يقولون «نحن موافقون......نحن مستمرون».
وفي هذه الفقرة لن اناقش حوادث كاذبة أو شخصيات مختلقة ،ولكن ساناقش أسئلة
كاذبة ،وأسئلة غريبة طُرحت على مر التاريخ اإلسالمي من جهة معاندة ،فكانت االجابات من
جهة الموحدين.
وهذا األمر ال يقتصر على التاريخ والحياة االجتماعية عند الناس ،بل عانت منه حتى العلوم
التجريبية ،فقد أجهد العلماء أنفسهم بالمحاولة للحصول على إجابات ألسئلة خاطئة ،فمثالً:
الفكرة التي طرحت كسؤال في علم الفيزياء والكهرباء والميكانيكا وهي :هل يمكن اختراع آلة
أو محرك يتحرك حركة أبدية بنفس الطاقة المتولدة منه ،والبد أن هذا السؤال يذكرنا بالسؤال
196 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
((( «ومنذ بدء التاريخ المدون كانت «آلة الحركة الدائمة» األسطورية التي تدور لألبد من دون ضياع في الطاقة بمنزلة ألكاس
المقدسة للمخترعين والعلماء والمحتالين والفنانين المخادعين أيضا والنسخة األفضل منها عبارة عن آلة تخلق طاقة أكثر
مما تستهلك مثال المضخة اإللكترونية التي تخلق طاقة مجانية بال حدود» فيزياء المستحيل /ميشو كاكو -ترجمة د .سعد
الدين خرفان -سلسلة عالم المعرفة -العدد - 2013/399الباب الثالث مستحيالت من الصنف الثالث
((( يعتقد الكثير من الناس أن مفهوم الشرف مرتبط فقط «باألنثى» لكن في الحقيقة هذا المفهوم جدا واسع ويشمل مواضيع
كثيرة من مواقف وسلوك وتصرفات لذلك ورد عن اإلمام الحسين قوله «شرف المؤمن صالته بالليل» فالشرف بهذا
المعنى هو سلوك أيماني مرتبط بعالقة جدا خاصة بين المؤمن وخالقه.
������������� 197
عطشاً قبل أن يموتوا بالسيف،فهذا تصرف غير شريف بان يمنع جيش يزيد بن معاوية المؤلف
من « »20ألف مقاتل ،سبعون نفرا ً أو يزيدون من الماء في رمضاء كربالء.
أما في الجانب الفكري والعقائدي فال يخلو الصراع من استخدام هذه األسلحة غير
الشريفة ،فعندما يتهمك الطرف األخر بما ليس فيك وعندما يُغ ّير المعلومة ويكذب ويزور لكي
يخدع االخرين فقد أستخدم سالحاً غير شريف ،ومن ُجملة هذه األسلحة غير الشريفة هو
صياغة أسئلة ليس الهدف منها التفقه أو الفائدة بل الهدف منها التشويش وإثارة اللغط لحرف
موضوع معين عن وجهته ،وقد قال أمير المؤمنين«سل تفقهاً وال تسل تعنتاً».
ومن المالحظ أن هذا النوع من األسلحة له ميزات معينة وأهداف خاصة وله عاد ًة صفة
الذكاء ويرتكز على النقاط التالية :
أوالً :أن يكون السؤال له صفة الدور ،أي ان أوله مثل آخره ليصبح ليس له جواب لكي يظمن
صفة االستمرار«كما في السؤال المعروف هل البيضة من ألدجاجه أم ألدجاجه من البيضة».
ثانياً :يجب أن تكون اإلجابة على هذه األسئلة ذات صفة مزدوجة فإذا قلت «نعم» فالجواب
خاطئ وإذا قلت «ال» كان الجواب خاطئاً أيضاً.
ثالثاً :يجب أن يكون الهدف من اإلجابة على هذه األسئلة سوا ًء بـ «نعم» أم «ال» هو صياغة
عقيدة مشوشة تترتب على هذه اإلجابات.
أما الجهة المسؤولة عن أنتاج هكذا نوع من األسئلة فهي دائماً جهة تمثل قيادات أو رؤوس
متنفذه في أديان وملل كبيره ،فمتابعة اولية لتاريخ اإلسالم بصورة عامة وخصوصاً في بدايات
حكم ابي بكر وعمر وعثمان وفترة خالفة أمير المؤمنين الرسالة المحمدية وبالذات فترة ُ
تالحظ أن هناك جهة ُمعينة مخصوصة وهي اليهود دائماً تسأل وجهه ُمعينة مخصوصة وهم أهل
البيت دائماً تجيب.
وال يوجد في تاريخ البشرية منذ ظهوها إلى فنائها جهة تعرضت لسيل من االسئلة كما
تعرض له ائمة آل محمد ،حتى ليُخيّل اليك ان حياتهم عبارة عن مجموعة اجوبة لمسائل
غيرهم ،وهو الشعار الخالد الذي رفعه أمير المؤمنين بقوله «سلوني قبل ان تفقدوني»دليل
واضح على ذلك ،وهذا حال القرآن ايضا الذي هو على الحقيقة في كل سوره وآياته عبارة عن
اجوبة لما سأله وسيسأله اإلنسان ولكن ال تبلغه عقول الرجال وال يعرف كل اجوبته إال من
قال «سلوني قبل ان تفقدوني» فكان هو وآل بيته المترجمين والشركاء الفعليين للقرآن وهما لن
198 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
خافية عنهم أنفسهم ولكنهم يصيغونها بطريقة يفهم منهم السامع أنهم يعرفون الجواب ،وفي
الحقيقة ان بعض هذه األسئلة كان الجواب مجهول لهم أنفسهم ،فتجدهم في حرج واضح
عندما تتم اإلجابة ،لذلك تجد اإلمام علي وأئمة أهل البيت قد اتخذوا أسلوباً أخر
للكالم معهم وهو أن يضع السائل أمام اختيار وتحدي في نفس الوقت بأن يقول « »لهم «هل
تسلمون إذا أجبتكم» ،فيكون قد حاصرهم من اتجاهين.
-1هو أنهم ال يعرفون الجواب وهم فعالً بحاجة اليه.
-2أن عدم رضاهم بشرط اإلمام هو ضعف في عقيدتهم نفسها ،فلو رفضوا شرط اإلمام
ألثبتوا على أنفسهم حقاً كونهم غير واثقين بعقيدتهم وبما لديهم.
وهذا األسلوب الذي أتبعه اإلمام علي مع هذه الفئة أشبه بأسلوب «التوريط» أذا جاز
التعبير ،لذلك تراهم في أكثر من مناسبة ال يسألون اإلمام علي مباشرةً ،بل يسألون من
يعرفون أنهم ليسوا أهالً لإلجابة ،وهم الثالثة الذين حكموا قبل اإلمام علي لكي يحققوا
عدة مأرب منها أثارة اللغط والتشويش حول هذه األسئلة،فهؤالء الحكام الثالثة ليس عندهم
جواب،فيثبتوا للمسلمين أنهم محكومين بمن ال علم له ،ولكنهم في الحقيقة عندما أثبتوا عدم
كفاءة الثالثة فقد أثبتوا حقاً لإلمام من حيث ال يدرون فوقعوا في شر أعمالهم.
وال نريد هنا أن نذكر أمثله لمثل هذه األسئلة في زمن الرسول فهي معروفة لعامة
المسلمين ومنها أسئلتهم حول «الروح -اإلسراء والمعراج -ومعاجز األنبياء -والوحي -وذي
القرنين ».....وغيرها الكثير((( ،ولكن ما يهمنا هنا هو مجموعة من األسئلة التي وجهت لإلمام
علي سنناقشها لغرابتها.
السؤال األول :شيء ال يعلمه اللَّه
سأل يهودياً واحدا ممن حكم المسلمين سؤال فه ّم هذا الحاكم أن يبطش باليهودي الن
وجل «حاشاه» ،لكن أنقذ الموقف أمير المؤمنين
ّ ظاهر سؤاله يوحي باالنتقاص من اللَّه ع ّز
اإلمام علي .
سأل نصراني اإلمام علي قال :اخبرني ما هو الشيء الذي ليس لله ،وليس عند اللَّه،
وال يعلمه اللَّه .فقال أمير المؤمنين«ما ليس للَّه فان اللَّه تعالى ليس له صاحبة وال ولدا ،واما
((( تجد جملة من هذه األسئلة واألجوبة في كتاب االحتجاج للطبرسي/ج /1وهو الفصل الخاص باحتجاجات الرسول
األكرم على اليهود والنصارى والدهريه ومشركي العرب وقريش وهو من عيون األخبار في هذا الباب.
200 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
قولك وال من عند اللَّه فليس من اللَّه ظلم الحد ،واما قولك ال يعلمه اللَّه فان اللَّه ال يعلم له
شريكا في الملك»(((.
واضح من خالل السؤال انه أُعد لكي ال تتم اإلجابة عليه ،فما هو الشيء الذي ليس للَّه
وللَّه كل شيء ،وما هو الشيء الذي ليس عند اللَّه واللَّه عنده كل شيء ،وما هو الشيء الذي
ال يعلمه اللَّه وهو يعلم كل شيء ،يا ترى كم تحتاج هذه األمة من وقت لكي تجيب على هكذا
نوع من األسئلة ،ويا ترى ما هو حال المسلمين إذا لم يتم الجواب وا ّدعى هذا اليهودي انه يعرف
الجواب ،ولكن اللَّه قد م ّن على هذه األمة بنعمة اإلمام علي فليس هناك ما يعجزه.
فجزاك اللَّه يا أبا الحسن عن اإلسالم والمسلمين خير الجزاء ،واللَّه لقد كنت شديد القوى
تقول فصالً وتحكم عدالً ،واللَّه ستبقى رغم أنف األعداء حديث الدهر ،وصدق من قال «واللَّه
لقد أتعبت بعدك»(((.
السؤال الثاني :كلبا يطأ شاة
سأل اعرابياً اإلمام علي فقال :يا أبا الحسن رأيت كلباً وطئ شا ًة فاولده ولدا فما حكم
ذلك في الحل ،فقال اإلمام«اعتبره في االكل ،فان اكل لحما فهو كلب ،وان رأيته ياكل علفا
فهو شاة» ،فقال االعرابي :وجدته تارة ياكل هذا ،وتارة ياكل هذا ،فقال اإلمام«اعتبره في
((( االحتجاج /الطبرسي 1:484 :ح ،118البحار ،52:10عيون اخبار الرضا ،1:141 الفضائل ابن شاذان ،132امالي
الطوسي المجلس العاشر 275 :ح 527
((( ال يصح تصور وجود شيء ال يتعلق به علم اللَّه ،وال يمكن الحد ان يتصور وجود شيء ال يعلمه اللَّه ،ومن هنا فالشريك
ممتنع المتناع تصوره لعدم وجود اثر له في الخارج والذهن كامتناع تصور العدم المحض ،او الالشيء المحض ،فلو كان
هناك شريك للَّه لظهرت اثاره ،ولو كان العدم المحض موجود لكان الشريك موجود وهو ال ُمحال ،فاللَّه قطعاّ ليس له
شريك ،وبما ان اللَّه ال يُتصور في الوهم فوجود الشريك ايضا ال يتوهم وال يتصور وال يمكن وجوده ،مع فارق ان اللَّه ال
يمكن تصوره ولكن له اثار يظهر بها ،اما العدم المحض فهو ال يتصور وليس له اثار فال ظهور له ،ومن هنا انتفى الشريك
الخارجي والذهني ،فال يمكن تصور مفهومين ال يمكن تصورهما ،فإذا كانت ذات اللَّه ال تتصور فال مفهوم يشترك معها
بهذا المعنى ،فالذات وحدها ليس لها شريك ،ومن هنا فلفظة «البسيط» التي يصف بها الفالسفة ذات اللَّه ويقصدون
بها عدم التركيب ،هي عندي بمعنى انتفاء الشريك له سبحانه ،فيكون كل شيء دونه ُمركّب وال ُمركّب يقتضي التشارك
لكي يظهر ،ويبقى الذات وحده ال شريك له ،ومن هنا نفهم شيء من كالم أمير المؤمنين في وصف الذات البحت
بقوله «دليله آياته ووجوده اثباته» ،فاثباته دليل على وجوده ،وما ال يمكن اثباته ال وجود له ،لذلك امتنع الشريك المتناع
االثبات ،واللَّه ثبت وجوده باياته لقوله«دليله آياته» ،اما الشريك او العدم المحض فال دليل له النه ليس له آيات فال
يمكن وجوده.
وعبارة «ال يعلم له شريكا» دالة بشكل واضح على استحالة وجود الشريك الن الشريك لو كان متعلق بعلم اللَّه لظهر
ومن هنا قال «ال يعلم» اي ال يمكن ان يكون في علم اللَّه ان له شريك.
������������� 201
الشرب فان كرع فهو شاة ،وان ولغ فهو كلب» ،قال االعرابي وجدته يلغ مرة ويكرع اخرى ،فقال
اإلمام«اعتبره في المشي مع الماشية ،فان تاخر عنها فهو كلب .وان تقدم او توسط فهو شاة»،
قال االعرابي :وجدته مرة هكذا ومرة هكذا ،فقال اإلمام«اعتبره في الجلوس ،فان برك فهو
شاة ،وان وجدت اقعى فهو كلب» ،فقال االعرابي ان هذا مرة وهذا مرة ،فقال اإلمام«اذبحه
فان وجدت له كرشا فهو شاة ،وان وجدت له امعاء فهو كلب»(((.
أن أهمية هذا السؤال وهذا الجواب تكمن في اتجاهين .األول :هو إتجاه السؤال نفسه.
والثاني :هو اتجاه الجواب.
فمن ناحية إتجاه السؤال فهو كما ترى على درجة عالية من الذكاء بل هو سؤال شخص
محترف ،ألنه ببساطه سؤال «افتراضي»،فال يوجد في نظام الطبيعة حالة تجامع بين الكلب
والشاة ينتج عنها والدة لكائن أخر ،وهنا قد يقول البعض أنه ربما تكون هذه الحالة فعالً موجودة
وحدثت كما قال االعرابي فلطالما كانت هناك قفزات وراثية أو جينية بين الكائنات أنتجت
هكذا مخلوقات.
وهذا الكالم غير صحيح ألن القفزات الوراثية والجينية تحدث في مخلوقات الصنف
الواحد ،أي يمكن أن يتجامع حمار مع حصان إلنتاج البغل ،أو يتجامع الكلب مع الذئب
أو الثعلب إلنتاج كائن يحمل صفات الكالب والذئاب والثعالب ،أو يمكن في حاالت نادرة
تجامع أنواع معينة من صنف القطط كاألسد والنمر والكوجر ،أما أن يتجامع نوعان من الكائنات
كل واحده تنتمي إلى نوع معين وصنف معين يختلف عن األخر كلياً في كل شيء وتكون لهذه
المجامعة نتيجة فهذا أمر غير وارد أصالً وال تقره قوانين الطبيعة والوراثة أيضاً ،وإذا حدث فان
الناتج يكون ميتاً أصال وال تكتب له الحياة ،وحتى لو سلّمنا من باب الفرض بوجود هكذا أمر
فلن يضر بالسؤال وال بالجواب كما سنبين.
أن صياغة هذا السؤال ذكية ،ألنه كما ذكرت يعتمد على محور«األفتراض» الذي من الممكن
أن تتشعب منه عدة إجابات تؤدي إلى التناقض وهو مطلب صاحب السؤال ،فاخترع السائل
كائناً ليس له وجود أصالً ،فالسؤال وضع باألساس لغرض األعجاز ،وخصوصاً انه سيوجه
لشخص أعلن مرارا ً وتكرارا ً مقولته المشهورة «سلوني قبل أن تفقدوني» ،فصياغة هكذا سؤال
((( قضاء أمير المؤمنين 52 :الكشكول .البحراني .111:3الحق المبين في قضاء أمير المؤمنين .ذبيح اللَّه محالتي:
193
202 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
افتراضي يضع صاحب الجواب في وضع ُمحرج ،ولكن هيهات أن يعجز «باب مدينة العلم»(((.
لذلك فقد ضمن السائل أن عدم اإلجابة أو اإلجابة الخاطئة ستؤدي في كل األحوال إلى الهدف
الذي وضع من أجله السؤال وهو عدم اإلجابة عنه،ولكن السائل لم يحسبها بطريقة صحيحة،
ألنه ال يعلم أن الجواب سوف يُسقط السؤال نفسه.
والجانب األخر الذي يؤكد ذكاء السائل هو أنه قد ألزم صاحب الجواب بما ألزم به نفسه
عندما قال «سلوني قبل أن تفقدوني»،فعدم الجواب عن هذا السؤال األفتراضي هو سقوط لهذه
المقوله.
أما من ناحية إتجاه الجواب فأهميته ال تكمن باإلجابة فقط ،بل بطريقة اإلجابة ،فاإلمام
علي قد أستخدم طريقة علمية منطقية في الجواب ألن هكذا إجابة يجب أن تكون متناسبة
مع هكذا سؤال «افتراضي» ،فكانت عظمة اإلجابة كونها جاءت متدرجة وليس مباشرة ،فلو
أجابه اإلمام بطريقة مباشرة وقال للسائل«اذبحه فان ودت له كرشا فهو شاة ،وان وجدت له
امعاء فهو كلب»وهو أخر احتمال ،لقال السائل أن هذا المخلوق مات منذ زمن ودفنته وهو أالن
ال يستطيع أن يقوم بعملية ذبحه واستخراج كرشه،فتبقى اإلجابة ُمعلّقه مما يستتبعها بقاء السؤال
نفسه على مر الزمن فما دام هذا المخلوق مات فقد مات الجواب معه.
لذلك أغلق اإلمام هذا الباب أمام السائل بعدم ذكر الجواب مباشر ًة بل أدخله في
خانة «االحتماالت» ،وهي الطريقة العلمية المعمول بها في كل العلوم التطبيقية وأشهرها علوم
الرياضيات ،وذلك من خالل ذكر كافة االحتماالت المتعلقة بالموضوع ثم اسقاطها واحدا ً تلو
األخر ليثبت الحل النهائي.
وعلى الرغم من ذكاء واضع السؤال إال انه لم ينتبه لهذا األمر ،فقد وقع في هذا «المطب»
من أول إجابة عندما قال اإلمام في بداية الجواب »«اعتبره في االكل ،فان اكل لحما فهو
كلب ،وان رأيته ياكل علفا فهو شاة»فبمجرد أن قال السائل «رأيته يفعل كذا وكذا» يكون قد سقط
االحتمال األول وسقط معه السائل أيضاً وهكذا تدريجياً لبقية أجزاء المسأله.
وبهذا يكون السائل قد أقر على نفسه بهذه االجوبة أن هذا المخلوق موجود وانه صاحبه
والحظه في كافة تفاصيل حياته ورصد حركاته وتابع تصرفاته وقد أصبح بحكم المعلوم من
حيث ال يدري انه أقر بوجود هذا المخلوق لديه حالياً ،فكانت اإلجابة األخيرة كالصاعقة على
وعلي بابها»
ٌ ((( قال رسول اللَّه « أنا مدينة العلم
������������� 203
رأس السائل عندما قال له اإلمام «اذبحه فان ودت له كرشا فهو شاة ،وان وجدت له امعاء
فهو كلب»،فهذا األمر ليس فيه احتمال أن يكون له كرش وفي نفس الوقت ليس له كرش فال
يستطيع السائل أن يقول له «كذا وكذا» وفي الحالتين سوا ًء أكان له كرش أو لم يكن يكون قد تم
اإلجابة على السؤال
محال ليس بمحال:
فرض ال ُ
وهذا يقودنا لمناقشة بعض المقوالت السائدة في علم المنطق ،اذ ربما كان منشئها من
سؤال خاطئ أو إجابة خاطئة ومنها مقولة أهل المنطق«فرض المحال ليس بمحال».
أي بما معناه انك لو فرضت فرضاً ُمحاالً إلثبات أمر تريد أثباته فعملية فرض ال ُمحال بنفسها
ليست نافية ألصل الفرض ،الن «فرض ال ُمحال ليس ب ُمحال» .ونحن نرى أن هذه المقولة خاطئة
ألن أئمة الهدى من آل محمد عندما يسألهم البعض عن أمر ُمحال يقولون«ليس لل ُمحال
جواب».
من سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد اللَّه الصادق في مسائل كثيرة .قال:كيف يعبد اللَّه
الخلق ولم يروه؟ .قال«رأته القلوب بنور األيمان وأثبتته العقول بيقظتها أثبات العيان وأبصرته
األبصار بما رأته من ُحسن التركيب وأحكام التأليف ثم الرسل وآياتها والكتب و ُمحكماتها
واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته» .قال الزنديق:أليس هو قادر أن يظهر لهم
حتى يروه فيعرفونه على اليقين؟ .قال«ليس لل ُمحال جواب»(((.
وكما تالحظ أن الزنديق عندما سأل حول أمكانية رؤية اللَّه من قبل الخلق أجابه اإلمام
كما في الحديث ،ولكن الزنديق حاول أن يصرف الموضوع باتجاه أخر وهو«هل يمكن للخالق
أن يُري نفسه للمخلوق؟» ظناً منه أن اإلمام سيجيبه «بنعم» أو «بال» .فإذا أجاب «بال» أي ال
يمكن للَّه أن يُري نفسه للمخلوق فقد ح ّد القدرة كون أن هناك شيء ال يستطيع أن يفعله اللَّه،
وان أجاب«بنعم» فما الذي يمنعه من ذلك ويكون قد ناقض جوابه األول وسيؤدي ذلك إلى
خلل في الحكمة ،وبالنتيجة يحصل التناقض مهما كان الجواب .ولكن اإلمام قطع الطريق
على الزنديق بقوله«ليس للمحال جواب» أي أن سؤالك هو محال أصال وليس له جواب،.فإذا
كان السؤال خاطئ انتفى الجواب مباشرة.
((( االحتجاج /الطبرسي /ج / 2احتجاجات اإلمام الصادق /ح / 223ص 212
204 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
فلو كانت مقولة«فرض ال ُمحال ليس بمحال» صحيحة لصح سؤال الزنديق باعتباره يفرض
شيء ُمحال ،وقد ورد عن اإلمام الرضا كلمة جامعة وكاملة في هذا المجال يجب أن يؤسس
عليها في علوم الفلسفة والكالم والحكميات وهي قوله «ليس في ُمحال القول حجة وال في
المسألة عنه جواب وال في معناه للَّه تعظيم»(((.
وفقرات هذا الحديث كما افهم تعني التالي:
أوال«:ليس في ُمحال القول حجة» أي أن فرض ال ُمحال ألثبات شيء ليس بحجة.
ثانيا«:وال في المسألة عنه جواب» أي أن السؤال عن ال ُمحال ليس له جواب.
ثالثا« :وال في معناه للَّه تعظيم» أي أن المعنى الناتج من فرض ال ُمحال ليس فيه للَّه تعظيم.
الن كل شيء ُمحال تفرضه ليس له تصور في الذهن وال في الخارج ال تتعلق به القدرة
وال العلم ،وكل شيء ليس بممكن ال يمكن للممكن ادراكه ،الن كل شيء يدرك ما هو من
سنخ جنسه ،لذلك ال يمكن الحد ان يفترض امكانية رؤية اللَّه النه يعتقد ان فرض ال ُمحال
ليس ب ُمحال ،الن افتراض رؤية اللَّه خارج حدود الوهم والتصور في الذهن وفي الخارج ،النها
خارج حدود امكانية البشر والعلم والتصور ،فهي ُمحال من باب عدم القابلية في تصورها ذهنياً
وخارجياّ ،والجله كان اللَّه ال شريك له حسب هذا التصور ،الن استحالة تصور اللَّه يستتبعه
بالضرورة استحالة تصور الشريك،وإذا كان اللَّه ُمحال ان يُدرك ،فهو محال ان يكون له شريك
ايضاً.
وقد الحظ بعض االذكياء ممن يعتقد بمقوالت المنطق ان هذه العبارة «فرض المحال
ليس بمحال» هي عبارة خاطئة ،فحاول ان يزيل التناقض من خالل طرح عبارة اخرى مرادفة
لها وهي«الفرض المحال محال» ،اي ان عبارة «فرض المحال ليس بمحال» صحيحة وعبارة
«الفرض المحال محال» هي الخاطئة ،وبتأمل بسيط في العبارتين ستجدهما خاطئتين ،والحق
ان كالم الصادقين هو الصحيح «ليس في محال القول حجة»
فعبارة االمام «ليس للمحال جواب» نفهم منها انه ليس كل االسئلة التي تطرح صحيحة،
فهناك اسئلة خاطئة ال جواب لها ،وهذا االسلوب في اختيار االسئلة الخاطئة هو من االساليب
التي يتبعها الشيطان الظالل الناس،وحتى الملحدين يتبعون نفس الطريقة فهم دائما يوجهون
نفس السؤال للمتدين وهو«من خلق اللَّه» ،والمتدين إذا حاول ان يجيب على هذا السؤال سيقع
في تناقضات كبيرة ،والجواب هو «ان السؤال خاطئ» ،النه ببساطة لو اني من باب الفرض اثبت
لك من الذي خلق اللَّه فستواجهني بنفس السؤال وهوان هذا االله الجديد الذي خلق اللَّه من
الذي خلقه ،فالسؤال خاطئ النه يعتمد على الدور والدور عقالً باطل.
وال تتصور ان آل محمد دائماً يعلّقون الجواب على المحال ،بل هو تعليق باسئلة خاصة
فقط ،ودليل ذلك ان بعض االسئلة التي وجهت اليهم كانت جدا ً غريبة وربما البعض يصرفها
باتجاه ال ُمحال ولكنهم اجابوا عليها ومنها سؤال الكلب والشاة السابق ولم يعلّقه اإلمام
علي على ال ُمحال واليك الحديث التالي.
سال معاوية بن ابي سفيان اإلمام الحسن بن علي عليهما السالم قال له :يا ابا محمد
تزعمون انه «وال رطب وال يابس اال في كتاب مبين» فاين لحيتي ولحيتك من كتاب اللَّه؟
وكانت لحية اإلمام الحسن مستديرة حسنة ولحية معاوية كوساء مشوهة ،فاجابه اإلمام
الحسن بقوله«اما لحيتي فقوله سبحانه«والبلد الطيب يخرج نباته بأذن ربه» فاما لحيتك فقوله
(((
سبحانه«والذي خبث ال يخرج اال نكدا»»
واإلمام الحسن هنا ال يقول لمعاوية ان ذلك ُمحال ،اي ال يمكن استخراج هكذا امور
ْ َ َْ َ ُ َ َ ْ َ ُّ ُ َ َّ ُ
ول ال ْم ِر مِن ُه ْم ل َعل َِم ُه ٰ
َّمن القرآن ،بل اجابه باالستنباط لقوله تعالى﴿ولو ردوه إِل الرسو ِل ِإَول أ ِ
َ َ َ
ِين ي َ ْستنب ِ ُطون ُه مِنْ ُه ْم ۗ﴾((( ،وهكذا اجابات تجدها كثيرة في سيرة آل محمد مع خصومهم ال
الذين يسأولون تعنتاً وليس تفقهاً.
فآل محمد ال يعلقون كل شيء على المحال ،بل المحال يجري على امر خاص،
والمالحظ ان خصوم األئمة يحاولون ايجاد اسئلة شيطانية لغرض احراج األئمة ولكن
األئمة دائما يجيبون بشكل يسكت المقابل ،فالمخالف بهذه االسئلة يبرز فضائل آل محمد
المخفية وعلمهم الواسع ،وصدق رسول اللَّه عندما قال «ان اللَّه إذا اراد ان يظهر امرا سلط
عليه شرار خلقه»
طريقة عكس السؤال بسؤال
من جملة الطرق التي اتبعها ائمة آل محمد في الجواب هي طريقة عكس سؤال السائل
بجواب على شكل سؤال يجعل الخصم يتوقف مباشرة
عن ابي حمزة قال :سأل نافع بن األزرق أبا جعفر فقال :اخبرني عن اللَّه متى كان؟
فقال«متى لم يكن حتى اخبرك متى كان سبحان من لم يزل وال يزال فردا صمدا لم يتخذ
(((
صاحبة وال ولدا»
عن عمر ابن الفرج الرخجي ،قال :قلت البي جعفر يعني الجواد :ان شيعتك ت ّدعي أنك
تعلم كل ماء دجلة ووزنه ،وكنا على شاطئ دجلة .فقال لي«يقدر اللَّه على ان يفوض علم
ذلك إلى بعوضة من خلقه ام ال»؟ ،قلت :نعم يقدر .فقال«انا اكرم على اللَّه من بعوضة ومن
اكثر خلقه»(((.
وهي الفترة الزمنية الممتدة بعد غيبة اإلمام الثاني عشر المهدي «عج» إلى يومنا هذا،
غياب شخص المعصوم هو نقطة أصبحت لصالح أعداء اللَّه ،فال أحد يستطيع تحمل عبئ
اإلجابة على هكذا نوع من األسئلة ،فالسؤال الكاذب إذا ظل بدون أجابه سوف تنطلي خدعته
على الناس ويحقق نتائجه سريعاً في التضليل والتحريف ،وقد أثيرت في هذه الفترة كم كبير من
(((
األسئلة سنقتصر على سؤال واحد منها ،وهو «هل يستطيع اللَّه أن يخلق إلهاً»
هناك صيغتان واضحتان للجواب .أما أن تقول «نعم» يستطيع وبهذه الحالة يكون هناك
االهان وهذا يخالف صريح القرآن الكريم وعقيدة التوحيد ،وإذا قلت «كال» فهذا معناه أنك
قد حددت قدرة اللَّه سبحانه بوجود شي ال يستطيع أن يفعله اللَّه ،علماً أن هناك الكثير من
المرويات واألحاديث لإلمام علي تحوي على أجابه ضمنيه لهذا السؤال.
فعندما قال أحد األشخاص في زمن «عمر بن الخطاب» مقولة غريبة وهي «أن لي في
األرض ما ليس للَّه في السماء» أراد عمر أن يبطش به لوال تدخل اإلمام علي عندما قال
«لقد أصاب الرجل ألنه له زوجه وأوالد واللَّه ليس له زوجه وال أوالد» ،فاللَّه سبحانه قادر على
كل شيء ولكن في نفس الوقت قدرته هي حكمته فال نتصور وال يمكن أن نتصور أن هناك
أفعال ناتجة عن قدرة اللَّه ليست حكيمة ،فعندما ال يكون للَّه زوجه وولدا ً تعالى ربنا علوا ً كبيرا ً
فأن القدرة والحكمة هي التي اقتضت هذا األمر وليس عدم القابلية.
وبالنظر البتعاد هذه األمة عن المنبع األصيل للعلم والمعرفة وهم محمد وآل محمد
فقد دخلت هذه األمة بصراع فكري طويل حول هذا السؤال وكل طرف من هذه األطراف طرف
الـ «نعم» وطرف الـ «ال» يأتي بادله وبراهين على صدق دعواه ،وكما ترى أن هدف هذا السؤال
واضح ونتائجه واضحة ،فقد تم تأسيس أفكار ورؤى فلسفيه وعقائدية على هذه اإلجابات
وبإمكانك أن تقدر حجم الفوضى الفكرية الناتجة عن هكذا نوع من األسئلة واإلجابات المترتبة
عليها ،ولكن كما يقول المرحوم العالمة النيلي أن اإلجابة على هذا السؤال هي«:أن هذا السؤال
نفسه خاطئ» الن اللَّه لو خلق إل ًه أخر فهذا معناه أن االله «األخر» هو مخلوق وليس خالق
فتسقط عنه صفة االلوهية ......وانتهى األمر.
وهناك سؤال أخر يترتب على أصل السؤال ربما أثير هنا وهناك بين الحين واألخر
وهو:عندما خلق اللَّه أول شيء البد وانه خلقه على تمام الصنع واالستقامة والكمال وهو الذي
تذكره أحاديث آل محمد وتسمية «نور النبي »أو «المشيئة» لقول رسول اللَّه«أول
ما خلق اللَّه نور نبيك يا جابر ومنه خلق كل شيء»(((عن ابي عبد اللَّه«خلق اللَّه االشياء
بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها»((( ،والذي يسميه الفالسفة بالصادر األول ،فهو أول ظاهر بأول
وجل .فيكون السؤال المترتب على هذا ظهور وهو مخلوق حادث وليس فوقه شيء إال اللَّه ع ّز ّ
الموضوع للتشكيك فيه هو«هل يستطيع اللَّه أن يخلق شيء أرقى وأكمل من الحقيقة المحمدية
عليه وعلى آله الصالة والسالم»؟
ربما هذا السؤال يقابل السؤال األقدم وهو«هل يستطيع اللَّه أن يخلق إله اخر»؟ فإذا قلت
ال يستطيع أن يخلق شيء أعظم وأكمل من الحقيقة المحمدية فقد حددت القدرة ،وان قلت
يستطيع فلماذا لم يفعل ذلك وهكذا تتداخل األسئلة واالحتماالت للوصول إلى حالة شك
واضطراب كاملة.
وربما كان هذا السؤال يجول في خواطر الفالسفة والمتكلمين على مر التاريخ ،والحق ان
اللَّه عندما خلق األشياء خلقها على ما هي عليه وليس على ما هو عليه ،فلو خلقها على ما هو
َ
عليه ألصبحت هي هو ،لذلك امتنع في الحكمة أن يفعل اللَّه كل ما هو قادر عليه﴿ َو َما ق َد ُروا
َ َّ َ
الل َح َّق ق ْدرِه ِ﴾(((.
اذن «القدرة والحكمة» موضوعان متالزمان في العمل والظهور فإذا فصلت أحداهما عن
األخر حصل التناقض وهي النتيجة التي تفرزها هكذا أسئلة ،وإذا دمجتهما حصل التئالف،
فكل شيء بقدرة اللَّه ولكن حكمته تعمل حسب ما عليه األشياء حسب المصلحة وليس على
ما هو عليه.
نعم لو أن اللَّه عز وجل خلق الخلق وأعطاهم ما به قوامهم ورفع يده عن مدده للمخلوقات
لصح أن يُقال ان هناك إله اخر ،ولكن الفيض لم ينقطع ويد اللَّه لم ترفع والخلق كلهم فقراء اليه
ولو انقطع فيضه طرفة عين النعدمت األشياء لذلك كانت رحمة نازلة متدفقة بدون انقطاع الن
الخلق قائم باللَّه قيام صدور وليس قيام استقالل فلو استقل الخلق النعدم ،فعليه يكون الفيض
اق ۗ﴾(((.َ َّ َ َ ُ ْ َ َ ُ ََ َ
والمدد مستمر لقوله تعالى ﴿ما عِندكم ينفد ۖ وما عِند اللِ ب ٍ
فليس من الحكمة أن يفعل اللَّه كل ما هو قادر عليه الن األشياء من المخلوقات مهما علت
وترقت ال تستطيع ان تتحمل كامل القدرة وكامل العظمة ،لذلك ورد حديث عن الرسول األعظم
عليه وعلى اله الصالة والسالم قوله «ما عرفناك حق معرفتك».
وكذلك الحال مع الحقيقة المحمدية باعتبارها أول ما خلق اللَّه فليس من الحكمة أن
تظهر هذه الحقيقة كل قدرتها الن كل ما دونها ال يتحمل كمالها ،لذلك قال اإلمام علي في
وصف عقل رسول اللَّه بقوله «ما تكلم رسول اللَّه مع احد بعقله كله» ألنه ال احد مؤهل
للكالم معه بكل عقل الحقيقة المحمدية ،وكذلك الحال مع الحقيقة العلوية فال يستطيع احد أن
يبلغ غاية كمالها لذلك قال رسول اللَّه«يا علي ما عرف اللَّه إال أنا وأنت ،وما عرفني إال اللَّه
وأنت ،وما عرفك إال اللَّه وأنا».
وجل ال يحتاج في عمله إلى التكرار وال هذا من جهة أما من الجهة األخرى فان الذات ع ّز ّ
يجري عليه بل التكرار هو فعل مخلوقاته وبما ان اللَّه خلق المشيئة وخلق األشياء بالمشيئة فيكون
التكرار من فعل المشيئة التي هي مخلوقة ،فالذات «تمد» والمشيئة «تخلق» ولو كان التكرار
من فعل الذات ألصبح الذات حادثاً فالتكرار من صفات الحوادث لقول اإلمام الرضا«ال
َ َ
يجري عليه ما هو أجراه»((( ،لذلك كان فعل اللَّه واحد ال يتكرر كما في قوله تعالى﴿ َو َما أ ْم ُرنا
َّ
إِل َواح َِدةٌ﴾((( ،وما يحدث بعدها بالتكرار فهو من نتاج المخلوق.
((( النحل96/
((( عيون اخبار الرضا
((( القمر50 /
������������� 209
وهكذا الحال بكل الرتب الوجودية فكل رتبة دنيا ال ترتقي لمعرفة الرتبة العليا بل تأخذ ما
يرشح منها وال تدركها بالكلية ،فلو صح أن العوام يرتقون لمرتبة األنبياء لصح لألنبياء أن يرتقوا
إلى مرتبة الحقيقة المحمدية ،ولصح للحقيقة المحمدية أن ترتقي إلى مستوى الواجب ،وهذا
كله محال ألنه ال احد في الوجود يتجاوز مبدأه وكل شيء يدور في سنخ مادة وجوده وهو قوله
تعالى﴿ َو َما م َِّنا إ َّل َ ُل َم َق ٌ
ام َّم ْعلُ ٌ
وم﴾(((. ِ
((( الصافات164/
ولقد شاع في المسلك الصوفي اعتقاد ان اللَّه كتب على نفسه الرحمة ،وبرحمته الواسعة التي وسعت كل شيء سيغفر إلبليس
في نهاية المطاف النه شيء ،ومن هنا قالوا بعدم خلود اهل النار ،وإذا قلت لهم ان اللَّه حكيم وعادل فالبد وانه يحاسب
الخلق ليعطي كل مخلوق حقه والرحمة هي للمقصرين وليس للملعونين ،لقالوا لك ومن انت حتى تفرض على اللَّه مإذا
وجل«ولكن يفعل ،والحقيقة السؤال نفسه موجه اليهم ،من انتم حتى تقترحون على اللَّه ان يغفر إلبليس وهو القائل ع ّز ّ
حق القول مني ألمألن جهنم من الجنة والناس اجمعين»«السجدة »13/وحسب فلسفتهم ان اللَّه لو اراد ان يدخل إبليس
لفعل النه قادر على كل شيء ،نعم بال شك اللَّه قادر بالقدرة ولكنه عمل ممتنع بالحكمة
والحق ان هذا الكالم تاسست عليه فلسفة كاملة ،فال تزال تجد عبر التاريخ من يدافع عن إبليس وعن افتراض نهايته السعيدة
بل البعض يعتبره سيد الموحدين ولكن علينا ان ال ننسى إذا كان اللَّه قادر فان قدرته مرتبطة بالحكمة وان هناك كثير من
الخلق يريد اللَّه ان يرحمهم النه رحيم اال ان قابلياتهم دائما ترفض الرحمة وقد امر اللَّه إبليس بالسجود كمظهر من
مظاهر الرحمة ورفض النه غير كامل االستعداد فيما سجد غيره ،فاللَّه قادر اال ان إبليس نفسه غير مستعد ،فليس الخلل
في الرحمة بل الخلل في القوابل نفسها ،ولو تاملت في اصل السؤال لوجدته يفتح علينا ابواب السئلة عديدة يمكن ان
يسالها كل انسان إذا كان األمر بالشكل الذي يقول به المتصوفه ،ومنها هل اللَّه قادر على ان يدخل األنبياء النار؟ هل اللَّه
قادر على ان يكذب؟ هل اللَّه قادر على ان يجعل لإلنسان الف يد وغيرها الكثير وقد قال عز من قال «فلو شاء اللَّه لهدى
الناس جميعا» لكنه لم يشأ النه خالف الحكمة.
210 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
النبي األكرم صلّى اللَّه عليه وآله أنّه قال «إنّ للقرآن ظهراً وبطناً ،ولبطنه بطناً إلى سبعـة
ّ عن
أبطن» وفـي رواية «إلى سبعين بطناً» وفي أُخرى «سبعين ألف بطن»(((.
عن جابر قال :سألت أبا جعفر عن شيء من تفسير القرآن فأجابني ،ثم سألت ثانية
جعلت فداك كُنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل فأجابني بجواب آخر ،فقلتُ :
اليوم« ،فقال لي يا جابر ان للقرآن بطناً وللبطن بطن وظهراً وللظهر ظهراً ،يا جابر وليس شيء
أبعد عن عقول الرجال من تفسير القرآن ان اآلية لتكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كالم
متصل ينصرف على وجوه»(((.
عن الفضيل بن يسار قال :سألت أبا عبد اللَّه عن هذه الرواية :مافي القرآن آية إال ولها
ظهر وبطن ،وما فيه حرف إال وله حد ،ولكل حد مطلع ،ما يعني بقوله لها ظهر وبطن؟ قال:
«ظهره تنزيله وبطنه تأويله ،منه ما مضى ومنه ما لم يجيء بعد ،يجري كما تجري الشمس والقمر
ْ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ ُ َّ َّ ُ َ َّ ُ َ
الراسِخون ِف العِل ِم﴾ نحنلكل ما جاء منه شيء وقع ،قال اللَّه تعالى ﴿وما يعلم تأوِيله إِل الل ۗ و
(((
نعلمه»
ُسئل اإلمام الصادق «ما بال القرآن ال يزداد عن النشر والدرس اال غضاضة»؟ قال :
«ألن اللَّه لم يجعله لزمان دون زمان وال لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم
غض إلى يوم القيامة»(((.
َ ُّ َ
ِك ق ْو ٍم َها ٍد﴾« ،ان
عن عبد الرحيم القصير ،عن أبي جعفر انه قال :في قوله تعالى﴿ول ِ
القرآن حي ال يموت واآلية حية ال تموت فلو كانت اآلية إذا نزلت في االقوام وماتوا ماتت اآلية
لمات القرآن ،ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين» .وقال عبد الرحيم قال ابو
عبد اللَّه«ان القرآن حي لم يمت وانه يجري كما يجري الليل والنهار وكما تجري الشمس
(((
والقمر ويجري على اخرنا كما يجري على اولنا»
وأحاديث آل محمد اوضحت بما ال يقبل الشك ان على المسلم ان يؤمن بظاهر القرآن
وباطنه وال يترك احدهما ويعتمد كلياً على اآلخر.
عن الهيثم بن عمروا التميمي ،قال :قال ابو عبد اللَّه« يا هيثم التميمي ان قوماً آمنوا
بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم شيء ،وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر
فلم ينفعهم ذلك شيء ،وال ايمان ظاهر إال بباطن ،وال باطن إال بظاهر»(((.
ج َرة أَقْ َل ٌم َو ْالَ ْ
ح ُر َي ُم ُّدهُ َ َ َْْ َ َ َّ
وهذه األحاديث كلها يُصدقها قوله تعالى﴿ َول ْو أن َما ِف الر ِض مِن ش ٍ
َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ ُ َّ َ َ ْ َ َ ُ َّ َّ َّ َ َ ٌ َ ٌ ﴾((( ،وقوله ﴿قُل ل َّ ْو ك َ َن َالْ ْ
ح ُر مِن بع ِده ِ سبعة أب ٍر ما نفِدت ك ِمات اللِ ۗ إِن الل ع ِزيز حكِيم
ْ َ ّ ََ َ َْ ْ ُ َ َْ َ َ َ َ َ َ ُ ّ َ َ ً َّ
ات َر ِب َول ْو ِجئْ َنا ب ِ ِمثلِهِ َم َد ًدا﴾(((. مِدادا ل ِك َِم ِ
ات ر ِب ل ِفد الحر قبل أن تنفد ك ِم
وموضوع الباطن موضوع ُمشكل وليس بهين ويجب الولوج اليه برفق ،فالفهم الخاطئ
للباطن يستوجب فهم خاطئ للعقيدة ومستقبل الدين ،ويمكن القول بشكل اولي ان الباطن
هو أظهار معنى خفي للفظة ،أو اآلية ،او الموضوع ،من خالل قرينة قرآنية ،او روائية ،او قرينة
عقلية ال يختلف عليها اثنان ،ولهُ عدة مستويات وهدفهُ التبيين ،فالباطن هو معرفة الدليل ،والذي
يحصل على الدليل يحصل على الباطن.
وعملية االنتقال لفهم النص من ظاهره إلى باطنه عملية دقيقة جدا ً وبحاجة إلى ادوات
وفهم خاص ،منها ان تكون معرفة الظاهر ُمقدمة على معرفة الباطن فال معرفة للباطن بدون فهم
الظاهر ،ويجب ان تكون عملية االنتقال بشكل تدريجي وبدون قطع الصلة بين الظاهر والباطن،
فال بد من وجود جنس المالزمة بين الموضوعين ،وهذه االنتقالة تحتاج إلى مشعر قلبي خاص،
وهذا المشعر إذا لم يكن موجود عند البعض تكون عملية توضيح واظهار الباطن لهم امر
عن ابي عبد اللَّه في قوله«قل لو كان البحر مدادا ً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدد»
قال«قد اخبرتك ان كالم اللَّه ليس له اخر وال غاية وال ينقطع ابدا» تفسير البرهان /البحراني /ج /5ص /97ح 1
212 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ُمحال ،لذلك ال يفهم من يتكلم بالباطن إال شخص مثلة يشترك معه في امتالك هذا المشعر.
والباطن ليس الغاء للظاهر بل هو نظرة اعمق للظاهر ،وقد فهمت جملة من الفرق الباطنية
موضوع الباطن بشكل مغلوط اذ اعتبروا الباطن يلغي الظاهر ،والحق ان الباطن يحمل معنى
التغيير اكثر من كونه الغاء ،فانت عندما تعرف باطن امر من االمور يكون الفهم الناتج ان تفكيرك
ونظرتك قد تغيرت وليس معناه انك الغيت اصل الموضوع ،ومن هنا حصل لبس عند البعض
في فهم الباطن النه يظن انه الغاء للظاهر.
وبما ان األحاديث تذكر ان للقرآن عدة بواطن فمن المنطقي ان يبحث اإلنسان عن الكيفية
او المائز الذي من خالله يمكن التمييز بين هذه البواطن ،الن ايماننا بان لكل آية درجات يستتبع
وجود عدة طرق واليات للفهم ،مما يجلنا في البداية نضع أمام انفسنا عدة اسئلة للتأمل منها«،هل
الباطن يلغي الظاهر؟»«،هل الباطن مختلف عن الظاهر؟»« ،هل الباطن عكس الظاهر؟»« ،هل
الباطن امتداد للظاهر؟»«،هل الباطن صورة اعمق للظاهر؟» ،وهذه كلها ستقودنا لقول أمير
المؤمنين عن القرآن«ظاهره انيق وباطنه عميق»،
والبد من ذكر بعض األحاديث المباركة التي اظهرت بعض بواطن اآليات كمدخل مهم
للموضوع.
َ
ولِ إ َل انلَّ ِ َ ْ َ ْ َ ّ ْ ْ َ َ
َ َ ٌ ّ َ َّ َ َ ُ
ب﴾.عن أبي عبد اللَّه
اس يوم ال ِج الك ِ في قوله تعالى ﴿وأذان مِن اللِ ورس ِ ِ
قال«يوم الحج االكبر يوم النحر ،والحج االصغر العمرة»(((.
عن اإلمام جعفر بن محمد الصادق وعن اإلمام ابي جعفر عليهما السالم«في قول اللَّه
َ ْ َ َْ ّ ْ َ ْ
كَ ولِ إ َل انلَّ َ َ َ ٌ ّ َ َّ
اللِ َو َر ُ
ب﴾ قاال« :خروج القائم وأذان دعوته إلى ِ ال جِ ال مو ي ِ
اس ِ ِ س ﴿وأذان مِن
نفسه»(((.
عن عبد اللَّه بن سنان قال أتيت أبا عبد اللَّه فقلت لهُ :جعلت فداك ما معنى قول اللَّه
َََ ُ ْ ْ
عز وجل ﴿ث َّم لَق ُضوا تفث ُه ْم﴾((( قال«اخذ الشارب وقص االظفار وما اشبه ذلك» قال :قلت:
َََ ْ ْ
جعلت فداك فان ذريحاً المحاربي حدثني عنك بحديث انك قلت ﴿لَق ُضوا تفث ُه ْم﴾ لقاء ُ
ْ َ ُْ ُ ُ ُ َ ُ
االمام﴿،ولوفوا نذورهم ﴾تلك المناسك؟ قال«صدق ذريح وصدقت ،ان القرآن له ظاهر
يرى مثال احداث الظهور او اهوال القيامة وهي حالة ذاتية خاصة ال تستوجب اي تكليف ،اما إذا
وصلت المخلوقات بحركة النظام الطولية القهرية إلى يوم الظهور او يوم القيامة فالبواطن التي
ستظهر ستكون هي عين تكليفهم والكل مشمولين بها ،فالحركة العرضية حركة وجدان يستتبعها
فهم خاص ،وحركة الطول حركة وجود يستتبعها فهم عام ،واألول متعلق بالرحلة االختيارية
لإلنسان ،والثاني متعلق بالرحلة القهرية للنظام ،واقصد بالحركة القهرية للنظام هو وصول
اإلنسان إلى عوالم اخرى نتيجة حركة النظام نفسه ،فمثال انا في الدنيا اعرف ظاهر النص وربما
شيء عن باطنه األول كما هو موجود في الروايات ،فانا في الدنيا اعرف البرزخ وجداناً ،ولكني
عندما اموت سيكون الموت هو حركة قهرية للنظام سأرى فيه قهرا ً باطناً جدي ًد ،وسارى البرزخ
وجودا ً فاعرف الباطن الثاني او الثالث وهكذا كلما تحل في عالم يظهر لك باطن اي فهم جديد
متعلق بطبيعة العالم الذي تحل فيه ،ومنطقيا وحكمياً على اإلنسان الذي يعرف الباطن الثالث
او الرابع ان ال يعمل به في الدنيا وال يامر االخرين بالعمل به ،الن لكل باطن عالم خاص ال
يظهر اال بظهور ذلك العالم ،ففي الدنيا تدرك البواطن وجداناً اما في رحلتك الكونية فستدركها
وجودا ً.
- 4يمكن ان يكون باطن النص متعلق بطبيعة موقع الشخص من نفس الحدث او الفكرة
مقارنة بما عاشه اشخاص اخرون لنفس الحدث ،مثال ذلك ان هناك معركة حدثت في مكان
معين في زمان معين ،فيمكن لهذه القصة ان تروى لك بعدة صيغ وعدة تصورات حسب طبيعة
الشخص الناقل لها وعالقته بها كالتالي:
اوالً :شخص يروى لنا المعركة وهو ُمشارك فيها كجندي اعتيادي يعرف من المعركة بمقدار
موقعه هو فقط.
ثانياً :شخص يروي لنا المعركة وهو مشارك فيها كقائد يعرف حيثيات واسباب المعركة
والكثير من تفاصيلها المخفية.
ثالثاً :شخص يروي لنا المعركة بعد ان رأها وهو جالس على جبل ولم يشارك فيها.
رابعاً :شخص يروي لنا المعركة بعد ان سمعها من شخص شارك في المعركة.
خامساً :شخص يروي لنا المعركة بعد ان قرأها في كتب التاريخ.
سادساً :شخص يروي لنا الكثير من اسباب المعركة قبل وقوعها ولكننا بعد ان سمعنا نتائج
المعركة عرفنا اهمية كالمه.
������������������������������������ 215
سابعاً:شخص يروي لنا الكثير من نتائج وتداعيات المعركة بعد وقوعها وبالجمع بينها وبين
اسباب المعركة نفهم الكثير من حيثيات المعركة.
وهكذا يمكن ان تكون لهذه المعركة عدة روايات تختلف من جهة االجمال والتفصيل
والسرد والعمق حسب طبيعة االشخاص المشاركين او الراوين ،فإذا انكشف الباطن الثاني او
الثالث لعدة اشخاص فال تتصور انهم كلهم سينقلون اليك نفس المعنى وان كان الحدث واحد،
لذلك ترى الكثير ممن تحدث لهم ُمكاشفات عن عالم البرزخ يختلفون في ذكر تفاصيله،فلكل
شخص قصته الخاصه وحسب ما يفهم وربما يختلف عن غيره في فهم الكثير من التفاصيل،
الن عالم البرزخ مثل قصة المعركة كل شخص سيرويها حسب موقعه ،وعالم البرزخ واسع وله
جهات عديدة وكل يروي من جهته.
- 5عن اإلمام ابي عبد اللَّه انه قال«ال يكون شيء في األرض وال في السماء إال بهذه
الخصال السبعة ،بمشيئة ،وارادة ،وقدر ،وقضاء ،وأذن ،وكتاب ،وأجل ،فمن زعم على انه يقدر
(((
على نقض واحدة فقد كفر»
هذا الحديث ال ُمبارك يبين لنا خط سير نزول األمر االلهي من المشيئة إلى االجل في سبعة
مراحل ،ومنه يمكن ان نستشف ان كل مرحلة تمثل باطن من بواطن القرآن الكريم حسب
تعلقها بسير األمر حسب هذه المراتب السبعة ،من «المشيئة إلى االرادة إلى القدر إلى القضاء
إلى االمضاء إلى االجل إلى الكتاب» ،فكل مرحلة من مراحل األمر هو باطن من بواطن القرآن،
فإذا عرفت معنى األمر في مرحلة الكتاب تكون قد عرفت الباطن األول.
وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة االجل تكون قد عرفت الباطن الثاني.
وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة االمضاء تكون قد عرفت الباطن الثالث«وهو ما يجري
في ليلة القدر».
وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة القضاء تكون عرفت الباطن الرابع
وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة القدر تكون عرفت الباطن الخامس
وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة االرادة تكون عرفت الباطن السادس
وإذا عرفت معنى األمر في مرحلة المشيئة تكون عرفت الباطن السابع
- 6هناك تسلسل شائع عن الحكماء والفالسفة يتعلق بتسلسل المقامات الوجودية السبعة
لالشياء وهي تنازلياً كالتالي مقام «العقل ،الروح ،النفس ،الطبيعة ،المادة ،المثال ،الجسم»،
((( الطالق12/
������������������������������������ 217
مراتب مرقاة بعده مرقاة فال تُسقّط من هو دونك ف ُيسقّطك الذي هو فوقك» ،وعملية انكشاف
الباطن بشكل ُمفاجئ تؤدي إلى ُرعب واظطراب وربما إلى كفر ،كما قال اإلمام الصادق عن
وجل كما علمناهم وان فيما نعلمهم ما لو تُلي على
اهل جابلسا وجابلقا «يتلون كتاب اللَّه ع ّز ّ
الناس لكفروا به وال نكروه» ،لذلك وجب التسلسل في الوصول ،والطفرة في الوجود باطلة.
- 8يمكن ان يكون باطن القرآن ُمتعلق بطبيعة ظهورات اثار الفعل في المراتب الوجودية،
َ ٌ ((( َ َ َ َ ْ ُ َ َّ
فامر اللَّه واحد ﴿وما أمرنا إِل واحِدة﴾ ،ولكن هذا األمر ياخذ صور متعددة حسب طبيعة
العالم الذي يظهر فيه ،فمثال إذا نظرت إلى شخص يكتب شيء بالقلم على ورقة في كتاب
فيمكن ان تفهم من ُمجمل هذا الفعل االمور التالية:
اوالً :مرة تنظر إلى الكتاب كون فيه استقر الفعل وهو قت ظهور األمر في الواقع.
ثانياً :ومرة تنظر للكلمات على ورقة الكتاب لتفهم معنى ما كتبه الكاتب وهو وقت األمر
نفسه.
ثالثاُ :ومرة تنظر للكلمات لترى براعة خط الكاتب وهو وقت ظهور األمر مشروح االسباب
مفصل العلل.
رابعاً :ومرة تنظر لرشاقة وجمال حركة القلم على الورقة وهو اثر فعل الكاتب.
خامساً :ومرة تنظر لحركة يد الكاتب وظهور الحرف وهو مقام تقدير الحرف.
سادساً :ومرة تنظر لشخص الكاتب كونه الفاعل ومظهر االرادة واول التفصيل.
سابعاً :ومرة تنظر لذات الكاتب كونه الفاعل ومصدر المشيئة ومقام االجمال.
الفاعل ذات الكاتب مداد مشيئة الباطن 7
الفعل شخص الكاتب قلم ارادة الباطن 6
القدرة يد الكاتب حروف قدر الباطن 5
المنفعل اثر فعل الكاتب لوح قضاء الباطن 4
جهوزية ظهور االمر كلمة امضاء الباطن 3
استحقاق وقت االمر آية اجل الباطن 2
تحقق تنفيذ االمر كتاب كتاب الباطن 1
وبالجمع بين كل هذه المفاهيم يمكن ان نرسم المخطط التالي
((( القمر50/
218 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ومن هنا نستطيع ان نفهم لماذا تختلف احوال الناس وايمانهم وعباداتهم وتوحيدهم
ومعرفتهم النهم مراتب.
فمن كان يعيش او يستشعر الباطن السابع فمقامه مقام العقل ،فتوحيده عقلي ،وعبادته
عقلية ،وايمانه عقلي ،وهم يفهمون مقام االجمال وجهة المشيئة،وهم رواق مدينة العلم،
والشرفاء الذين سجدوا آلدم والمعنيين بعبارة الزيارة الجامعة«طأطأ كل شريف لشرفكم»،
وهم أصحاب أمير المؤمنين حقا ،وقد قالوا « سلمان م ّنا أهل البيت» واين الكالم من هذا
المقام.
ومن كان يعيش او يستشعر الباطن السادس فمقامه مقام الروح ،فتوحيدة روحي ،وعبادته
روحية ،وايمانه روحي ،وهم يفهمون اول مقام التفصيل ،وجهة االرادة ،ومقام الفعل ،وهم
الواقفون على باب مدينة العلم والالئذون بجنابه آالفخم ومقامه ال ُمعظّم ،وهم المرابطون في
الثغر الذي يلي إبليس((( ،وهم الذين سيصمدون حينما يقرأ القائم ذلك الكتاب المختوم
بخاتم السيد االكبر.
ومن كان يعيش او يستشعر الباطن الخامس فمقامه مقام النفس ،ومعرفة الرب «من عرف
نفسه عرف ربه» ،فكان توحيده نفسي ،وعبادته نفسية ،وايمانه نفسي ،وهو متوجه إلى جهة
القدرة ومقام «كلتا يديه يمين» ،وهم المرابطون والماسكين بازمة قلوب الشيعة كما يمسك
الربان بسكّان السفينة(((.
((( اإلمام الصادق«علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته يمنعونهم من الخروج على ضعفاء شيعتنا
وعن ان يسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب »...تفسير اإلمام الحسن العسكري كذلك االحتجاج للطبرسي،8/1
((( عن اإلمام علي بن محمد الهادي«لوال من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين اليه والدالين عليه والذابين
عن دينه بحجج اللَّه والمنقذين لضعفاء عباد اللَّه من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي احد اال ارتد عن
������������������������������������ 219
ومن كان يعيش او يستشعر الباطن الرابع فمقامه مقام الطبيعة ،وهو الذي اعتدل مزاجه،
وصفت طبائعه ،فكان مثل اللوح يظهر فيه اثر فعل الكاتب ،فكان في مقام المنفعل وهو
مقام«اطعني تكن مثلي» فكانت عبادته وتوحيده وايمانه انعكاس لنور الكاتب ،وهم القرى
الظاهرة التي هي انعكاس النوار القرى التي باركنا فيها(((.
اما من كان يعيش او يستشعر الباطن الثالث فهو الذي عرف مفصوله من موصوله النه
تالواقف في عالم الذر وارض المحشر ،وعرف سر كلمة «بلى» عندما جائهم األمر ﴿ َأل َ ْس ُ
َّ ُ َ ُ َ
ك ْم ۖ قالوا بَ ٰل ۛ﴾ وهم الواصلين إلى ذلك العالم الذي يرون الرب فيه ُمعاينة ،وهم الذين بهمبِرب ِ
تمطرون وبهم ترزقون(((.
اما من كان يعيش او يستشعر الباطن الثاني فهم العلماء الفقهاء ممن روى االخبار وجاس
خالل الديار،وهم السياحون في األرض الحرام الذين ال يقر لهم قرار ،وهم عموم الراجعين
ممن محض اإليمان محضا والذي يسميهم الحديث الشيعة الكاملين(((.
دين اللَّه ولكنهم الذين يمسكون ازمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها اولئك آالفضلون عند اللَّه»
تفسير اإلمام الحسن العسكري كذلك االحتجاج للطبرسي كذلك بحار األنوار ج 2ص 6
((( قوله تعالى﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما امنين﴾
النور ،35 /عن اإلمام الحجة قال« :فنحن واللَّه القرى التي بارك اللَّه فيها وانتم القرى الظاهرة» تفسير البرهان /ج /6ص
/332ح 5
((( عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب قال«خلقت األرض لسبعة بهم يرزقون وبهم ينصرون وبهم يمطرون عبد
اللَّه بن مسعود ،وابو ذر ،وعمار بن ياسر ،وسلمان الفارسي ،والمقداد بن االسود ،وحذيفة ،وانا امامهم السابع ،قال
تعالى«واما بنعمة ربك فحدث» هؤالء الذين صلوا على فاطمة الزهراء» تفسير فرات :570ح 732كذلك بحار األنوار
345 :22ح57
يقول الحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي«قال الصدوق :خلقت األرض لسبعة نفر ليس يعني من ابتدائها إلى انتهائها
وانما يعني بذلك ان الفائدة في األرض قدرت في ذلك الوقت لمن شهد الصالة على فاطمة عليها السالم وهذا خلق تقدير ال
خلق تكوين» نفس الرحمان في فضائل سلمان/الباب العاشر /ص 397
((( عن أمير المؤمنين قال«ولو لم يكن في األرض مؤمنين كاملين إذا لرفعنا اللَّه اليه» االصول الستة عشر 127ح20
كذلك بحار األنوار 350 : 64:ح 54عن ابي عبد اللَّه من حديث طويل «ولو لم يكن في األرض مؤمنين كاملين إذا
لرفعنا اللَّه اليه وانكرتموا األرض وانكرتموا السماء بل والذي نفسي بيده ان في األرض في اطرافها مؤمنين ما قدر الدنيا
كلها عندهم يعدل جناح بعوضة » الكتاب المبين /محمد خان الكرماني /ج /3باب /1252ح /2ص 190
220 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
اما من كان يعيش او يستشعر الباطن األول فهم عموم اهل المكاشفات واول غبار الطريق.
بقي هنا شيء اذ ربما يسأل البعض ويقول ان األحاديث تذكر ان للقرآن «سبعين او سبعمائة
او سبعة آالف بطن» فيما تقتصر هنا على شرح وبيان بواطن سبعة فقط؟
الذي يجول في خاطري القاصر تصورين لهذا السؤال:
التصور األول :ان حركة البواطن من األول إلى السابع حركة طولية ،اما حركة البواطن من
«سبعين إلى سبعمائة إلى سبعة آالف» فهي حركة عرضية ،بمعنى ان الباطن األول فيه عشرة
اوجه عرضيه وهكذا إلى السابع فيكون المجموع سبعين بطناً ،او ان الباطن األول فيه مئة وجه
عرضي وهكذا إلى السابع فيكون المجموع سبعمائة وكذلك الحال بالنسبة إلى سبعة آالف.
التصور الثاني :وهو التصور المرتبط بتعدد العوالم واالكوان التي خلقها اللَّه التي ال يعلم
عدده اال هو ،فيكون لكل عالم او كون سبعة بواطن فتصل البواطن إلى سبعة آالف باطن او إلى
ما هو اكثر على موجب كثرة العوالم.
�������������������������� 221
الحديث الشائع عن رسول اللَّه عند الفريقين الذي ورد بعدة طرق وعدة صياغات
السنن في هذه االمة كما جرى في بني إسرائيل.
والذي يؤكد سريان ُ
عن رسول اللَّه «يكون في هذه األمة كما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة
بالقذة»،وقوله«كل ما كان في األمم السابقة يكون مثله في هذه األمة حذو النعل بالنعل
والقذة بالقذة»،وقوله«لتركبن سنن الذين من قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة .قيل يا
رسول اللَّه من .قال :وهل غير بني إسرائيل هؤالء».
عن أبي جعفر قال :قال رسول اللَّه«والذي نفسي بيده لتركبن ُسنن من كان قبلكم
حذو النعل بالنعل والق ّذة بالق ّذة حتى ال تُخطئوا طريقهم وال تُخطئكم ُس ّنة بني إسرائيل»(((.
عن أبي جعفر قال :قال رسول اللَّه في قوله تعالى ﴿ لتركبن طبقاً عن طبق﴾ قال:
يقول :حاالً بعد حال .قال «لتركبن ُسنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وال
بتخطئون طريقهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع وباعاً بباع حتى أن كان من قبلكم دخل جحر ضَ ّ
لدخلتموه» .قال :قالوا :اليهود والنصارى تعني يا رسول اللَّه ؟ قال«:ومن أعني -لتنقضن
ُعرى اإلسالم ُعروة ُعروة فيكون أول ما تنقضون من دينكم اإلمامة وآخره الصالة»(((.
وعن عبد األعلى أبن أعين قال :قلت ألبي عبداللَّه «حديث يرويه الناس أن رسول اللَّه
قالَ «:حدّ ث عن بني إسرائيل وال حرج» .قال« :نعم» .قلت :فنحدث عن بني إسرائيل وال
حرج علينا ؟ قال«أما سمعت ما قال ،كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع» .قلت :كيف هذا
حدث أنه كائن في هذه األمة وال حرج»(((.؟ قال«ما كان من الكتاب أنه كان في بني إسرائيل ُم ّ
عن اإلمام الصادق من حديث طويل« ....فقد عرفت ان السنن واالمثال كائنة«قائمة»
لميكن شيء فيما مضى اال سيكون مثله حتى لو كانت «هناك» شاة برشاء كان هنا مثله.(((».....
بل حديث رسول اللَّه يشير إلى ان القرآن والتوراة كتبت بقلم واحد.
عن رسول اللَّه«لتركبن امتي سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة،
شبراً بشبر وذرا ًع بذراع وباعاً بباع ،حتى لو دخلوا ُجحر لدخلوا فيه معه ،ان التوراة والقرآن كتبه
ملك واحد في رق واحد بقلم واحد ،وجرت االمثال والسنن سواء»(((.
َ َ ْ َ ُ َّ ً
ب َط َبقاواألحاديث في هذا المعنى كثيرة ،ومصداقها القرآني واضحوهو قوله تعالى ﴿لتك
ً َ ْ ُ َ َ َ َ ُ َّ َّ َ َّ َ َ َ ُ َّ َ َّ َ َ َ
(((
الل تبْدِيل﴾
ين خل ْوا مِن قبل ۖ ولن ِتد ل ِسنةِ ِ ف ِال
عن طب ٍق﴾ ،وقوله ﴿سنة ِالل ِ
(((
هذا الموضوع في الحقيقة بحاجة إلى بحث ُمفرد ،بل بحاجة إلى عمل جماعي وبحث
مؤسساتي لمتابعة تشعباته ،النه ينفتح على قراءة تاريخ كل الديانات الرئيسية الثالثة«اليهودية
والمسيحية واإلسالمية» ،بل يوفر لنا دعامات اساسية لفهم مستقبل كل هذه الديانات والغاية
المرتبطة بمشروع خالفة اللَّه على األرض ،فهو باب من العلم يُفتح منه الف باب ،فطبيعته
كطبيعة القرآن د ّوار يجري كما يجري الشمس والقمر ،اذ من خالله يمكن قراءة تاريخ اإلسالم
بداللة تاريخ بني إسرائيل ،ويُمكّن اإلنسان المتأمل ليس من معرفة تاريخ هذه االمة فقط بل
يفتح له افق لمعرفة مستقبلها ايضا ،وهذا الباب لو تم التأصيل له بشكل معرفي صحيح لتمك ّنا
من قراءة الماضي بداللة الماضي ،ومن قراءة الحاضر بداللة الماضي ،وقراءة المستقبل بداللة
الماضي ايضاً ،وقد قال رسول اللَّه عن القرآن«فيه خبركم وخبر من قبلكم وخبر من بعدكم»،
فالطبيعة الدورية لالحداث عبر تاريخ الديانات التي تطرحها هذه الروايات تجعلنا نتوقع ما
سيحدث نتيجة اإليمان بامكانية تكرار الحوادث ،وبما ان الموضوع كبير جدا ً وال يمكن ان
يحيط به بحث واحد فاني هنا ساقتصر على ايراد بعض المالحظات واالستنتاجات األولية التي
فصل.
ربما تكون نواة لبحث ُم ّ
جملة من االخبار
والس ّنة يرفضون ُ
والمفارقة الغريبة في هذا الحديث ان كال الفريقين الشيعة ُ
بحجة انها اسرائليات ،والحديث يقول«حدّ ث عن بني إسرائيل وال حرج» ،وان كانت العبارة
ُمقيدة بما تليها بحدوث ما ورد في القرآن بداللة عبارة اإلمام الصادق في الحديث«ما كان
حدث أنه كائن في هذه األمة وال حرج».من الكتاب أنه كان في بني إسرائيل ُم ّ
((( كتاب سليم بن قيس الهاللي163 /ص 163
((( االنشقاق.19/
((( االحزاب.42/
�������������������������� 223
ويجب اوال معرفة داللة عبارة «بني إسرائيل» في الحديث الني اعتقد انها مقصودة
وفيها معنى يجب مراعاته ،فقد قال«حدث عن بني إسرائيل» ولم يقل«حدث عن اليهود»،
الن عبارة«بني إسرائيل» تشمل االمتداد التاريخي من ايام نبي اللَّه يعقوب إلى يوم رفع
المسيح ،اما لو قال«حدث عن اليهود» لكانت امتداد تاريخي من موسى إلى المسيح،
النهم س ّموا باليهود بعد موسى ،فبني إسرائيل ُعلقة نسبية ،اما اليهود فرابطة دينية ،اي بني
إسرائيل أصحاب البطن الواحد ،واليهود أصحاب الدين الواحد ،فبني إسرائيل االمتداد النسبي
ليعقوب واوالده ،واليهود االمتداد التاريخي للديانة الموسوية ،وحسب هذا المعنى فكل بني
إسرائيل يهود ،وليس كل اليهود بني إسرائيل.
والراجح من هذا التصور ان ما جرى على بني إسرائيل كامتداد نسبي هو المقصود بالحديث
بشكل خاص ،اما ما جرى على اليهود فهو مشمول بالحديث بقدر تعلق الحوادث ببني إسرائيل،
حدث أنهبل يوجد في الحديث تحديد واضح «ما كان من الكتاب أنه كان في بني إسرائيل ُم ّ
كائن في هذه األمة وال حرج»،فكل ما ّ
قصه علينا القرآن عن بني إسرائيل واقع ال محالة في هذه
السنن يجري علينا ما وقع على اليهود كمااالمة على النحو الخاص ،وربما من باب انطباق ُ
قلت بقدر تعلق الحوادث ببني إسرائيل.
واالستنتاج األولي من اجواء هذه األحاديث يُعطينا جواب عن سؤال لطالما تكرر في اذهان
الناس وهم يقرؤون القرآن وهو لماذا يذكر القرآن الكريم احوال بني إسرائيل بهذه الكثرة وهذا
صلب هذه األحاديث وهو ان القرآن كتاب له اساليبه في ايصال التفصيل ،والجواب تجده في ُ
وجل يعرف ان هذه االمة
ّ المعلومات ومنها التاريخية والمستقبيلية بشكل غير مباشر ،فاللَّه ع ّز
ستتدهور اوضاعها ويضيع تاريخها وتكثر ظلمتها ،فكان هذا اسلوب قرآني اليصال المعلومة
وكأن رسول اللَّه يقول لنا يا ايها المسلمون إذا ضاع عليكم شيء من تاريخكم واردتم معرفة
حقيقة ما جرى وحقيقة ما سيجري في هذه االمة فتابعوا احوال بني إسرائيل الموجودة في
قص علينا ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا القرآن وهي من الكثرة بمكان ،فالقرآن بهذا الشكل قد ّ
بطريقة «آياك اعني واسمعي يا جارة» ،ولو دققت في أحاديث رسول اللَّه ستالحظ انها
تشير إلى انطباق احوال واحداث بني إسرائيل ليس على مستوى العموميات او الرئيسيات فقط
بل تشير إلى انطباق على ادق المسائل وادق الفرعيات وحتى االمور الثانوية منها كما تؤكده
عبارات األحاديث«حذو النعل بالنعل»«حذو القذة بالقذة»«ذراع بذراع»«باع بباع»«حدث عن
بني إسرائيل وال حرج».
224 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
وربما السؤال األول والمهم الذي يجول في ذهن اي باحث عندما يتأمل في هذا الموضوع
السنن التي جرت على بني إسرائيل ستنطبق على هو ،هل ان هذه األحاديث تشير إلى انطباق ُ
هذه االمة بشكل حرفي لقوله «حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة» ام ستنطبق بمستوى ادنى من
السنن بشكل حرفي مشكلة بحد ذاتها اذ ال يمكن اليالحرفية؟ الحقيقة ان القول بانطباق هذه ُ
شخص ان ي ّدعي بانه يستطيع ايجاد انطباقات كاملة في تاريخ هذه االمة مع كل ما جرى في بني
إسرائيل ،فهذه معرفة ال يمتلكها اال المعصوم ،والتصور االسلم بالنسبة لي هو القول بان
السنن جارية على كل االمم بمعناها العام ولكن التفاصيل قد تختلف هنا وهناك ولكن المعنى ُ
العام واحد ،مثال تحريف الكتب المقدسة جرى في كل االمم ولكن الكيفية تختلف من دين
كسنة وليس شرط انالخر فتكون السنة جارية واالليات تختلف ،فالتحريف واقع في هذه االمة ُ
يقع بكل تفاصيله الن التفاصيل هنا تحصيل حاصل.
والحقيقة ان هذا الكالم ربما ال يوافق عليه البعض الن صريح األحاديث ت ُشير إلى انطباق
حرفي «حذو النعل بالنعل -والقذة بالقذة -ذراع بذراع -وباع بباع وشبر بشبر»
اما السؤال الثاني فهو ،هل ان ما جرى في بني إسرائيل فقط يجري على هذه االمة ام ان ما
جرى في الديانات السابقة مثل قوم نوح وعاد وثمود ايضا وخصوصاً ان الحديث يقول ُ
«سنن
الذين من قبلكم»؟ الحقيقة لو تأملت في األحاديث مورد الكالم اعاله لوجدت انه يخصص
بني إسرائيل بالذات ،فيمكن ان يكون انطباق ما جرى في االمم السابقة بالمعنى العام على هذه
االمة ،واما ما يجري في بني إسرائيل فينطبق بالمعنى الخاص والمخصوص في هذه االمة.
وهذه كلها تجعلنا نقرأ التاريخ بشكل دوري تصاعدي ،وبما ان آل محمد قالوا «ان
في كالمنا ُمحكم ك ُمحكم القرآن ومتشابه كمتشابهه فردوا متشابهه إلى ُمحكمه» وقالوا«ان في
القران ظاهر وباطن وعام وخاص ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ ومطلق ومقيد» وقالوا «ان
للقران ظهر وبطن وللبطن بطن حتى سبعة ابطن» ،فلو جمعت كل هذه الدول في بوتقة واحدة
ستخرج بتصور واضح ان عملية التطابق بحاجة إلى جهد معرفي مستقل تدخل فيه كل هذه
الدول ،وهو يعود بنا الصل التساؤل ان مسالة التطابق الدقيق بين االمتين حاصل ولكن بعضه
ظهر في الماضي وبعضه ال يظهر اال في المستقبل وبعضه بحاجة لدقة نظر وبعضه مخفي
السباب تتعلق بموضوع الغيبة حصرا ً.
فالقرآن صحيح ،واألحاديث صحيحة ،واالنطباق يجب ان يكون حذو النعل بالنعل والقذة
بالقذة ،ولكن حجم التشويه والتزوير واالكاذيب كبير خصوصاً في تاريخ بني إسرائيل ،مما
�������������������������� 225
يجعل الكل ال يستطيعون ايجاد انطباقات إال بالنزر اليسير ،وبالتالي فان تقريرات وأحاديث
السادة المعصومين هي الكاشف الرئيسي لهذه االنطباقات ،اما ما ال نجد له انطباق حاليا
بما هو متيسر في ايدينا من ماد تاريخية وروائية فنتوقف فيه لحين ظهور امامنا الغائب فهو
العارف بخفايا االمور وعند ظهوره ستجد حتما ان ما جرى على بني إسرائيل هو نفسه ما جرى
على هذه االمة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة بل كما يقول الحديث ذراع بذراع وباع بباع.
الس ًنة -النعل -القذة -الباع -الشبر
ُ
متابعة معاني هذه األلفاظ ومعرفة مدلوالتها ربما يوفر لنا فهم عام لمعنى هذه األحاديث،
الس ّنة :القول الشائع في معنى هذه اللفظة انها تعني القانون ،والقانون هو امر اللَّه وحكمه
ُ
«س ّنة» في الحديث تعني القانون لكان معناها االجبار ويقع على الموجودات ،ولو كانت لفظة ُ
الس ّنة
االضطرار في التكليف ،والعدل االلهي هو سريان امره بدون الجاء واضطرار ،والحقيقة ان ُ
بمعنى القانون صحيح كما تقول ُس ّنة الموت ،او ُس ّنة المزايلة ،بمعنى قانون الموت وقانون
الس ّنة هنا في األحاديث تعني الطريقة او النهج ،فمعنى قوله«لتركبن ُس ّنة
المزايلة ،ولكن معنى ُ
من كان قبلكم» اي لتسيرن على نفس طريقتهم ونهجهم بدون الجاء وجبر.
وس ّنة محكومة فالحاكمة بمعنى القانون،
ويمكن القول بشكل ابتدائي ان هناك ُس ّنة حاكمة ُ
والمحكومة بمعنى الطريقة والنهج وهذه بحاجة لتأمل خاص.
النعل بالنعل:عندما تسير خلف شخص بحيث يكون وقع قدمك على نفس اثر قدم ذلك
الشخص تكون قد تبعته حذو النعل بالنعل ،فالعبارة تشير إلى انطباق نفس الحوادث خطوة
بخطوة كتسلسل تاريخي ،والعبارة بهذا الشكل تشير إلى تسلسل.
القذة بالقذة:القذة عن اهل اللغة هي «ريشة الطائر التي توضع في نهاية السهم» ،ووضع
الريشة في نهاية السهم لغرض التوازن والسير المستقيم عند االنطالق ،وهي إذا كانت بهذا
المعنى فهي تشير إلى التفاصيل واالستعدادات واالليات والوسائل التي تسبق وتهيئ للحدث،
وسمع في بني والقذة ايضا في اللغة اذن اإلنسان ،وربما هذا المعنى يشير إلى ان كل ما قيل ُ
إسرائيل سيقال ويُسمع في هذه االمة ،كما ورد في الحديث ان رسول اللَّه«لما خرج إلى
حنين مر بشجرة للمشركين يُقال لها ذات انواط يُعلقون عليها اسلحتهم فقالوا يا رسول اللَّه ُ
اجعل لنا ذات انواط كما لهم ذات انواط فقال النبي سبحان اللَّه كما قال قوم موسى اجعل
لنا إلها كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن ُس ّنة من كان قبلكم».
226 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
شبراً بشبر وذراع بذراع :الشائع ان الذراع جزء من اليد وهو وحدة قياس للطول ،والشبر هو
المسافة بين نهاية الخنصر إلى نهاية االبهام عندما يفتح اإلنسان كفه على اخرها ويستخدم ايضا
كوحدة قياس للطول ،فيمكن القول ان عبارة «وال تخطئون ،طريقهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع »
تعني وقوع الحداث بمسافات مكانية متساوية ،اي إذا جرى الحدث في بني إسرائيل في مكان
ضيق سيجري نفس الحدث في هذه االمة بمكان ضيق لذلك انهى الحديث بعبارة«حتى أن كان
ب لدخلتموه» لهذا المعنى،من قبلكم دخل جحر ضَ ّ
باع بباع :كلمة باع في اللغة تستخدم لوصف خصيصة عند اإلنسان «الباع المسافة ما بين
الكتفين -طويل الباع طويل الجسم -ضيق الباع عاجز -رحب الباع سمح» فالعبارة كما ارى
تشير إلى تكرار نفس الشخوص وادوارهم.
وبصورة عامة كل العبارات في األحاديث تشير إلى معنى الترتيب والتوالي شيء بعد شيء
ولو اجريت نظرة عامة على تاريخ اليهود والمسلمين وتأملت بشكل هادئ اليجاد انطباقات
ستجد انها متواجدة بعدة مستويات كالتالي:
-1االنطباق العام:
جملة من الحوادث انطبقت بشكل عام وواضح على امة المسلمين كما حدث في بني
إسرائيل ،مثل اختالف هذه االمة بعد نبيها ،االختالف على الوصي بعد رحيل النبي ،التالعب
بالنصوص ،كتم االخبار الصحيحة وغيرها.
- 2االنطباق الدقيق
بعض الحوادث في بني إسرائيل انطبقت بشكل حرفي وغريب في هذه االمة وخصوصاً
�������������������������� 227
َ َ َ ْ َ َ َ َّ ُ َ َ
الل مِيثاق بَ ِن فيما يتعلق بعدد االوصياء وموضوع الوصي ،كما في قوله تعالى﴿ولقد أخذ
يبا ۖ ﴾(((،عن ابن مسعود عن رسول اللَّه«الخلفاء من بعدي ش نَقِ ً يل َو َب َعثْ َنا مِنْ ُه ُم اثْ َ ْ
ن َع َ َ ْ َ َ
إِسائ ِ
اثنا عشر خليفة كعدة بني إسرائيل»((( ،والمعلوم ان خلفاء رسول اللَّه هم اثنا عشر اولهم أمير
المؤمنين علي بن ابي طالب واخرهم المهدي.
اما موضوع الوصي ،فتجد احوال كثيرة جرت على يوشع بن نون وصي موسى
انطبقت بشكل واضح على احوال اإلمام علي ،ومنها موضوع البيعة في« 18ذي الحجة»(((،
وموضوع الثالثة الذين حكموا بعد موت موسىوقبل يوشع بن نون ،والثالثة الذين حكموا
بعد وفاة رسول اللَّه قبل أمير المؤمنين ،(((وموضوع قتال الصفيراء زوجة موسى ليوشع
بن نون ،فهذه كانت تركب زرافة وهذه كانت تركب جمل((( ،ويوم ضرب ووفاة يوشع بن
نون في نفس يوم ضرب ووفاة اإلمام علي ،(((وان اإلمام علي عاش بعد رسول اللَّه
ثالثين سنة كما عاش يوشع بن نون ثالثين سنة بعد موسى ،(((وان الشمس قد ردت
ليوشع بن نون وهو يقاتل اعداءه ،كما ردت ألمير المؤمنين وهو يقاتل اعداءه((( ،وكما
ترى ان التطابق واضح ان هارون له ولدان هما شبر وشبير على غرار الحسن والحسين،
كما يمكنك ايجادانطباق قرآني من خالل لفظة فتى اذ سمى اللَّه سبحانه وتعالى يوشع بن
ْ َ َ ُ َ ٰ َ
وس ل ِف َتاهُ﴾((( ،وقد اشتهر في األحاديث عبارة«ال فتى اال علي» ،ويمكننون به﴿ِإَوذ قال م
للمتابع والمدقق ان يجد انطباقات كثيرة من هذا النوع خصوصا فيما يتعلق بموضوع الوصي.
« - 3االنطباق ما قبل الحدث»
إذا اردنا ان نتابع تاريخ بني إسرائيل يجب ان ال نبدأ من نبي اللَّه موسى ،الن تاريخ
بني إسرائيل ممتد قبل ظهور موسى بكثير ،ومصطلح بني إسرائيل يُطلق على كل ابناء نبي
اللَّه يعقوب إلى السيد المسيح وهي فترة زمنية تمتد الكثر من الفين سنة ،فهو يشمل
يعقوب واوالدة االثنا عشر ،ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان وكل
أنبياء وذراري بني إسرائيل لغاية عمران وزكريا ومريم ويحيى وعيسى ،وان
الفترة التاريخية الممتدة من يعقوب إلى موسى تشغل مساحة زمنية ال تقل عن «»500
عام ،وبالتالي فان لدينا تاريخ لبني إسرائيل مدته « »500عام قبل ظهور موسى ،وهذه الفترة
داخلة في مضمون األحاديث مورد البحث كما اعتقد ،فتصبح لدينا حقبتان زمنيتان مهمتان
في متابعة تاريخ بني إسرائيل ،األولى قبل ظهور موسى ،والثانية بعد ظهوره إلى يوم رفع
المسيح ،وهنا يأتي السؤال ،إذا كانت األحداث المرتبطة بموسى وهارون لها انطباقات
على ما حصل في هذه االمة بفترة رسول اللَّه واإلمام علي وما بعدها ،فهل نجد في هذه
االمة انطباقات لما حدث في فترة ما قبل موسى مع فترة ما قبل رسول اللَّه؟
وهذا بحد ذاته موضوع دقيق ويجب ان يُبحث بشكل مفرد النه يستوجب منا ان نجد
انطباقات تاريخية وعقائدية وشخصية بين احوال أنبياء اللَّه إبراهيم وإسماعيل واسحاق
ويعقوب ويوسف وابنائهم وتاريخهم مع شخصيات هاشم وعبد المطلب وابو طالب وعبد
اللَّه اجداد رسول اللَّه اي نبحث عن تاريخ ما قبل ظهور رسول اللَّه بخمسمائة
عام ،مرورا ً ببناء الكعبة من قبل إبراهيم وسدانة هذا البيت من قبل بني هاشم ،وقصة ذبح
إسماعيل مقارنة بقصة ذبح عبد اللَّه واوالد يعقوب االثنا عشر واوالد عبد المطلب وغيرها
التي تستوجب م ّنا دراسة تاريخ وعقيدة وشخصيات إبراهيم واوالده لغاية موسى واوالد
هاشم إلى رسول اللَّه.
- 3االنطباق التصحيحي:
هناك احداث حدثت في بني إسرائيل تجد لها انطباق في هذه االمة ،وهناك احداث حدثت
في هذه االمة ال تجد لها مثيل في تاريخ بني إسرائيل المعروف ،وبما ان اليهود ملّة معروفة في
التاريخ باخفاء تاريخها وعقائدها ،فهنا نقترح الية ساندة لمعرفة ما أُخفي من تاريخ بني إسرائيل
أُطلق عليها االنطباق التصحيحي ،وبما ان األحاديث تشير إلى ان دالة التطابق تسير من احداث
في بني إسرائيل وستقع في هذه االمة مثلها اي ان التاريخ يسير من اليمين إلى اليسار إذا جاز
التعبير ،فاقصد باالنطباق التصحيحي هو االخذ بسير المعادلة من اليسار إلى اليمين ،فيمكن
القول ان هناك امكانية لقراءة ما ضاع او ما ُغ ّيب من تاريخ بني إسرائيل من خالل ما وقع وثبت
في هذه االمة ،فتكون لدينا طريقتان للتطابق.
األولى :معرفة تاريخ امة اإلسالم بداللة تاريخ بني إسرائيل.
الثانية :معرفة تاريخ بني إسرائيل بداللة تاريخ المسلمين.
فيمكن استخراج التاريخ الضائع في بني إسرائيل من خالل ما معروف في تاريخ هذه
خفي في هذهاالمة ،فيكون حديث «لتركبن ُسنن الذين من قبلكم» بمعناه العام ذو اتجاهين ،ما ُ
خفي من تاريخ بني إسرائيل يُعرف بما ظهر من االمة يُعرف بما ظهر من تاريخ بني إسرائيل ،وما ُ
تاريخ هذه االمة.
واعتقد ان هذه النقطة جديدة في المبحث التاريخي النها تفتح لنا الباب الجراء مقاربات
تاريخية وعقائدية كثيرة تجعلنا نعيد قرأة تاريخ بني إسرائيل بشكل مختلف عما هو متعارف
عليه.
ويمكن ان اضرب بعض االمثلة األولية على موجب مضمون هذه الطريقة.
مثال«:»1
تذكر األحاديث ان الصفيراء بنت شعيب زوجة موسى هي التي قاتلت يوشع بن نون
وصي موسى بعد رحيل موسى ،وكذلك قاتلت الحميراء بنت ابي بكر زوجة رسول اللَّه
اإلمام علي بعد وفاة رسول اللَّه في معركة الجمل ،وبحكم االنطباق بين الحادثتين يجب
ان تكون الحميراء ابنة نبي الن الصفيراء بنت شعيب ابنة نبي،وشتان ما بين نبي اللَّه شعيب
وابي بكر ،وهو في كل االحوال ال يرتقي ان يكون في خانة األنبياء وال االوصياء وال المؤمنين
وال حتى ادنى من ذلك ،واالشكال هذا سيزول إذا عرفت ان زوجة موسى بنت شعيب
ََ ْ
است ْ َ َ َُْ ْ َ ُ َ
ح َيا ٍء اءته إِحداه َما ت ْم ِش ع ِ وصفها القرآن الكريم بوصف ادبي رفيع اذ قال عنها﴿فج
230 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
َ َ ْ َّ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ
ت لَا ۚ﴾((( ،ومن كانت بتلك المواصفات ويشهد لها قالت إِن أ ِب يدعوك ِلج ِزيك أجر ما سقي
القرآن ال تخرج على وصي زوجها بعد وفاته ،فالبد من القول ان موسى له عدة زوجات كما
كان لرسول اللَّه عدة زوجات منهن الصالحات ومنهن الطالحات ،فزوجة موسى ابنة
شعيب باعتبارها من بنات األنبياء يمكن ان تتطابق شخصيتها مع خديجة زوجة رسول
اللَّه باعتبار ان بنت شعيب اول زوجة لموسى ،وخديجة اول زوجة لرسول اللَّه،
هذا من جانب القول بتعدد زوجات موسى مقارنة بتاريخ رسول اللَّه ،اما من جانب اخر
فان ما يؤكده البياضي قوله«كان وصي موسى يوشع بن نون فخرجت عليه صافوراء ،وهي
غير صفراء بنت شعيب امرأة موسى»((( ،وقيل ان اسم الكبرى من بنات شعيب صفراء واسم
الصغرى صفيراء((( ،وعلما يبدوا ان اسم صفراء ومجانساته كان شائعا في تلك الفترة كما هو
الحال في كل زمان ومكان من شياع اسماء متقاربة في كل ملّة او امة ،وبالتالي فان لموسى
عدة زوجات منهن ممدوحات واخرى مذمومة هي «صافوراء» وهي التي خرجت على يوشع بن
نون ،وقد ورد ان صفراء بنت شعيب من جملة النسوة األربعة الالتي دخلن على خديجة عند
والدتها موالتنا الزهراء ،والصحيح هو ما ذكره الصدوق كون النساء الداخالت على خديجة
هن«سارة ،آسية بنت مزاحم ،ومريم بنت عمران ،وكلثم اخت موسى بنت عمران» ،وكما تالحظ
ان هذه الطريقة تمكننا من التفقه في المرويات وترجيح الصحيح بمرجحات قوية.
مثال«:»2
المعروف ان لكل نبي وصي ،والواضح ان هناك شخصيتان ارتبطت بموسى نالت هذا
اللقب وهما هارون ويوشع عليهما السالم ،وهارون مات قبل موسى وهو اخوه وهو نبي
ووصي ووزير ،ويوشع بن نون هو الوصي بعد موت موسى ،فكيف يصح انطباق ما جرى
على هارون ويوشع على شخص اإلمام علي فهاتان شخصيتان واإلمام علي شخص
واحد؟
الحديث التالي الذي سنورده يحل االشكال كون اإلمام علي خليفة رسول اللَّه
ووصيه في حياته وبعد مماته ،فما يجري على هارون في حياة موسى يجري على اإلمام
علي في حياة رسول اللَّه ،وما يجري على يوشع بن نون بعد وفاة موسى ينطبق
على اإلمام علي بعد وفاة رسول اللَّه.
عن سلمان الفارسي والبراء بن عازب قال :قالت ام سليم :كنت أمرأة قد قرأت التوراة
واإلنجيل فعرفت اوصياء األنبياء ،واحببت ان اعلم وصي محمد وخلّفت الركاب معنضي
المجي ،فقلت له :يا رسول اللَّه ما من نبي إال وكان له خليفتان خليفة يموت قبله وخليفة
يبقى بعده ،وكان خليفة موسى في حياته هارون فقبض قبل موسى ،ثم كان وصيه بعد موته
يوشع بن نون ،وكان وصي عيسى في حياته كالب بن يوحنا فتوفي كالب في حياة عيسى،
ووصيه بعد وفاته شمعون بن ح ّمون الصفا ابن عمة مريم ،وقد نظرت في الكتب األولى فما
وجدت لك إال وصياً واحدا ً في حياتك وبعد وفاتك فبيّن لي انت يا رسول اللَّه من وصيك،
(((
فقال رسول اللَّه«ان لي وصياً واحداً في حياتي وبعد وفاتي» ،فقلت له :من هو؟».......
والحديث طويل يبين فيه ان وصيه هو اإلمام علي.(((
وبهذا إذا عرفنا ان لكل نبي خليفتان من خالل ما جرى في هذه االمة ،فهل نستطيع ان نقرأ
تاريخ هارون ويوشع في بني إسرائيل لقلة ال ُمعطيات عنهم على موجب ال ُمعطيات الكثيرة التي
عندنا عن شخص اإلمام علي؟ والحقيقة هذا سؤال لو اطلقت له العنان في تفكيرك لخرجت
بتصورات كثيرة جدا ً بحاجة لمتابعة ما قيل عنهما في تاريخ بني إسرائيل ،ولكن نقتصر هنا َعلى
ْ اج َعل ّل َوز ً
يرا ّم ِْن أه ِل اشارات اولية ،فهارون وزير موسى في حياته كما في قوله تعالى﴿ َو ْ
ِ ِ َ ُ َ َ
هارون أ ِخ﴾ ،ورسول اللَّه في حياته يقول لإلمام علي«انت مني بمنزلة هارون من
موسى» فهو قبل موته وزيره ،ويوشع بن نون بعد موت موسى هو الخليفة فربما منصب
الوزير ال يكون للوصي إال بوجود النبي ،اما عند رحيل النبي فيكون الوصي هو الخليفة واللَّه
العالم ،او يمكن القول ان كل ما جرى على هارون في ايام حياة موسى تجد له انطباق
على ما جرى على اإلمام علي اثناء حياة رسول اللَّه ،وكل ما جرى على يوشع بعد
وفاة موسى تجد له انطباق على ما جرى على اإلمام علي بعد وفاة رسول اللَّه.
والمعروف ان أمير المؤمنين هو ابن عم رسول اللَّه نسبياً ،وهو اخوه بقول رسول
اللَّه«انت مني بمنزلة هارون من موسى» وقوله«انت اخي» والذي تؤيده حادثة المؤخاة
اذ اخى رسول اللَّه بينه وبين اإلمام علي ،فبحكم التقابل بين كل هذه الشخصيات يكون
السؤال ،ماهي العالقة النسبية بين موسى ويوشع بن نون هل هما ابنا عم؟
مثال«:»3
في تاريخ المسلمين حادثة عظيمة وهي حادثة مقتل اإلمام الحسين ،وبما ان اإلمامين
((( صحيفة األبرار /العالمة الميرزا محمد تقي /الجزء الرابع القسم األول /ح 49بحار األنوار :ج 25ص 186
((( بحار األنوار :ج 25ص 186
232 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
الحسن والحسين عليهما السالم قد تسميا بهذه االسماء كما سمى هارون ابناءه «شبر وشبير»،
وبما اننا ال نملك اي معلومات عن شبر وشبير فهل يمكن ان نعرف شيء عن ابني هارون في
بني إسرائيل على موجب ما جرى على الحسن والحسين في هذه االمة؟
مثال «:»4
جملة االخبار التي نقلها علماء واحبار اليهود الذين اسلموا لمعرفة ما
يمكن االستفادة من ُ
خفي من تاريخ بني إسرائيل وما يمكن االستفادة منه في انطباقات على هذه االمة واليك المثل
التالي:
روى الطبري ان كعب جاء إلى عمر بن الخطاب قبل مقتله بثالث ايام وقال له :اعهد فانك
وجل وفي التوراة ،قال عمر:
ميت في ثالث ايام ،قال :وما يدريك؟ قال :اجده في كتاب اللَّه ع ّز ّ
انك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال :اللَّهم ال ،ولكني اجد صفتك وانه فني اجلك(((.
وكل الباحثين والمتفقهين المعتمدين على آلية علم الرجال يعتبرون هكذا خبر مدسوس او
مبالغ فيه او من اإلسرائيليات ،ولكنه في الحقيقة حسب قانونية «لتركبن سنن الذين من قبلكم»
صحيح ،الن األحاديث التي ذكرناها تقول ان يوشع مات في نفس الليلة التي مات بها
أمير المؤمنين ،وانه حكم قبل يوشع ثالثة من الطواغيت كما حكم قبل اإلمام علي
ثالثة من الطواغيت ،فمن غير المستغرب ان كعب وهو من علماء اليهود يعرف تواريخ واعمار
الطواغيت الثالثة الذين حكموا بعد موسى ،فهو لم يتكهن بموت عمر بل هو متيقن منه،
النه يعتمد على مصدرين كتاب اللَّه والتوراة ،وكل الباحثين والمتفقهين ينظرون لهذه االخبار
التي يسمونها باإلسرائيليات كونه نتاج مؤامرة ،حتى انهم قالوا ان هذا الكالم من كعب اشارة
على اشتراكه في قتل عمر ،والحقيقة انا ارى في كالم كعب تلميحة ذكية تتناسق مع مضمون
األحاديث.
وبما ان هناك جملة من احبار اليهود وعلمائهم مثل كعب االحبار وعبداللَّه بن سالم وتميم
الداري قد اسلموا وهم عند الناس من «بني إسرائيل» ،فمن غير المستبعد ان تكون عبارة «حدث
عن بني إسرائيل وال حرج» لها معنى عام واخر خاص ،فالخاص هو حدثوا عن هؤالء اليهود من
بني إسرائيل الذين اسلموا وال حرج عليكم النهم مسلمين وخصوصا عبد اللَّه بن سالم الذي
قيل عنه انه من نسل يوسف وكان اليهود يقولون عنه انه «سيدنا وابن سيدنا واعلمنا وابن
اعلمنا» فهو من الناحية النسبية من بني إسرائيل وينطبق علية معنى عبارة الحديث بمعنى معين
كما اتصور ،هذا إذا احذنا بنظر االعتبار ان بعض الشخصيات اليهودية كان لها نشاط منبري
في المدينة يتحدثون فيه عن نبي اخر الزمان والبد ان كالمهم مستقى من التوراة وهؤالء كانوا
يتحدثون بروايات بالمعنى التاريخي والمستقبلي فيما يصر المسلمون بوصفها روايات ذات
طابع مؤسساتي.
- 4انطباقات لم تقع
هناك جملة من الحوادث حدثت في بني إسرائيل ال تجد لها انطباق على امة اإلسالم،
وهناك حوادث في امة اإلسالم ال تجد لها انطباق في بني إسرائيل بشكل كلي او جزئي ،مثل
والدة المسيح بدون اب ،انفالق البحر لموسى او حادثة اإلسراء والمعراج ،وان كانت
المرويات تشير إلى ان كل ما جرى على األنبياء سيجري على رسول اللَّه وما كان لرسول
اللَّه فهو آلل بيته والمروايات من الكثرة بمكان والتي ذكرت جملة من معاجز األنبياء ظهرت
على يد رسول اللَّه وآل بيته صلوات اللَّه عليهم اجمعين ،ومن هنا فيمكن بيان هذا األمر بنقطتين
األولى :ان هناك جملة من الحوادث جرت في تاريخ بني إسرائيل ولم تقع في حياة رسول
اللَّه او احد اوصيائة ،ولكنها ستقع في المستقبل على يد اإلمام الحجة ابن الحسن في
الظهور المقدس وخصوصاً ان يوم الرجعة يوم طويل جدا ستظهر فيه عجائب اكبر مما حدث
في االمم السابقة ،عن ابي عبد اللَّه جعفر بن محمد«ما من معجزة من معجزات األنبياء
(((
واالوصياء اال يظهر اللَّه تبارك وتعالى مثلها على يد قائمنا ألتمام الحجة على االعداء»
الثاني :ربما عبارة «لتركبن سنن الذين من قبلكم» الخطاب فيها موجه لعامة االمة وال يشمل
الخطاب األنبياء واالوصياء اي ان ما جرى في بني إسرائيل سيقع فيكم بقدر تعلق هذا الحدث
بالنبي او بالوصي او بعموم الناس اما األحداث الخاصة باألنبياء واالوصياء لوحدهم فهي
غير مشمولة بهذا التصور مثل اإلسراء والمعراج او رحالت أمير المؤمنين في العوالم الن آل
محمد لهم ما لألنبياء وزيادة ،والزيادة الواقعة في هذه االمة ال تجدها في تاريخ بني إسرائيل،
وبالنتيجة ما يجري في هذه االمة يغطي كل تاريخ بني إسرائيل اال ان ما يجري في بني إسرائيل
ال يغطي كل ما سيقع في هذه االمة من هذا الجانب ،دليله األحداث الجسيمة التي ستقع في
الرجعة ،وهذه النقطة تكون غير كاملة االستقراء إذا اعترفنا بان احداث الظهور والرجعة هو
حدث خاص بكل الديانات وتاريخه تاريخ كل الديانات.
- 5االنطباق المستقبلي
ليس كل ما حدث في امة موسى في حياة موسى قد وقع في امة رسول اللَّه في
حياة رسول اللَّه ،وليس كل ما حدث في امة موسى بعد رحيل موسى قد وقع في امة
رسول اللَّه بعد وفاة رسول اللَّه ،وبالتالي فان جملة منها سيقع في المستقبل.
وكل ما جرى في بني إسرائيل وهذه االمة يمكن متابعته من خالل تاريخ امتد من يوم دعوة
موسى إلى يومنا هذا ،ومنها فترة الغيبة الكبرى باعتبار كل هذا تاريخ حدث ومضى ويمكن
المقارنة بين احداثة ،اما هنا فنحن نبحث عن انطباق مستقبلي ،اي انطباق ما جرى في بني
إسرائيل على ما سيجري على هذه االمة في المسقبل ومنها عالمات الظهور واحداث ظهور
اإلمام لمهدي ،فيمكن االستفادة من تاريخ بني إسرائيل بعد موسى لمعرفة احوال الغيبة
واحوال الظهور.
وما جرى في بني إسرائيل ولم يتحقق في هذه االمة االن ربما سيحدث في قادم الزمان،
فال زال بطل اخر الزمان في غيبته ،وعند ظهوره ستجري الكثير من األحداث التي جرت في
بني إسرائيل وال نجد لها انطباق في هذه االمة ،ومنها «قصة طالوت وجالوت وعبور النهر»،
وأحاديث آل محمد تقول بان هذا الحدث سيجري مثله على أصحاب القائم ،وموسى
شق البحر لقومه ولم يقع في هذه االمة مثله ،ونحن نكون غير مجانبين للصواب إذا قلنا
ان مثل هذا األمر قد يقع في زمن اإلمام المهدي وبالتالي فان بعض األحداث دالتها الزمن
المستقبلي ،هذا على المعنى العام اما على المعنى الخاص باإلمام المهدي فاألحاديث
تذكر ان له من األنبياء سنن وسيجري عليه احوال جرت على جملة من األنبياء(((.
ََ
والنقطة االساسية لمتابعة هذا الموضوع تجدها في القرآن الكريم ابتداء من قوله تعالى﴿أل ْم
َ َ ْ ُ َ ٰ ْ َ ُ َ ّ َّ ُ ُ ْ َ ْ َ َ َ ً ُّ َ ْ ْ َ َ َ ََ َ َْ َ
يلب لهم ابعث لا مل ِك نقات ِل ِف سب ِ ِ ل مِن ب ِن إِسائِيل مِن بع ِد موس إِذ قالوا لِ ِ ٍ
تر إِل الم ِ
َّ
اللِ ۖ(((﴾ ..........وهي اآليات التي تكلمت عن احوال طالوت وجالوت وكيفية قتل جالوت
من قبل داود ثم استخالف األرض لبني إسرائيل في زمن سليمان ،ومتابعة احوال ُملك
سليمان وكيف حشر اللَّه له جنوده من الجن واالنس والطير والريح وغيرها تعطينا افق لفهم
احوال القائم ودولته ،علماً ان االستخالف الذي جرى في زمن سليمان هو استخالف
جزئي ونوذج ُمصغّر من دولة خالفة اللَّه على األرض في زمن اإلمام المهدي
((( عن اإلمام زين العابدين« في القائم سنن من سبعة أنبياء ،سمة من ابينا آدم وسنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من
موسى وسنة من عيسى وسنة من ايوب وسنة من محمد صلوات اللَّه عليهم ،فاما من آدم ونوح فطول العمر ،واما من
ابرهيم فخفاء الوالدة واعتزال الناس ،واما من موسى فالخوف والغيبة ،واما من عيسى فاختالف الناس فيه ،واما من ايوب
فالفرج بعد البلوى واما من محمد فالخروج بالسيف» منتخب االثر /ج /2الفصل /39ج 1 /686
((( البقرة251 - 246 /
���������������������� 235
اغلب القصص التي عرفناها وقرأناها لها بداية ونهاية ،وعادة ما تظهر الغاية منها في
نهاياتها ،اذ تظهر الفكرة او الحكمة المزبورة في احداثها ،ولكن قليلة هي تلك القصص التي
تظل نهاياتها مفتوحة ،فغاياتها وحكمتها موضوع متعلق باحداث المستقبل الذي سيحدث فيه
التغيير الكبير ،فهي قد صيغت لتكون جزء من ذلك الحدث الكبير ،وهكذا قصص بحكم سير
احداثها مع الزمن تصاعدياً تظل مرتبطة بموضوع االنتظار حصرا ً ،واألحداث والحكمة المتعلقة
بها تظل بانتظار ذلك الحدث ،وقصة حبابة الوالبية وحصاتها العجيبة من هذا النوع ،فهي لم
تفني حياتها لتحمل حصاة ،بل هي فنت حياتها حاملة معها جزء من مشروع االنتظار نفسه ،اذ
بقيت حبابة تسأل سؤال واحد «من هو الوصي بعدك» ،فقد مسكت حبابة حصاتها كالمؤمن
القابض على دينه ،فحبابة سألت عن محور الدين الذي هو اإلمامة ،وحصاتها كانت الدليل
على شخوص األئمة ،وستكون دليل من جملة االدلة لمعرفة صاحب الزمان .
هي حبابة الوالبية من بني اسد من اليمن ،وهي من المعمرات وادركت ثمانية من األئمة
المعصومين وماتت في ايام الرضا ،عدها أصحاب الرجال من أصحاب اإلمام الحسن
ومن أصحاب الباقر وممن روى عن أمير المؤمنين وعن ابي جعفر ،وقيل انها ام
هاني،وام غانم ،وام الندى ،وام سليم ،وام اسلم.
ولحبابة وحصاتها قصة عجيبة استمرت اكثر من مئة سنة وعاصرت جملة من المعصومين
،ولمعرفة شخصية حبابة وقصة حصاتها البد من متابعتها بشكل متسلسل حسب تواجدها
مع المعصومين .
مع رسول اللَّه :
عن سلمان والبراء قاال :قالت ام سليم :كنت أمرأة قد قرأت التوراة واإلنجيل فعرفت اوصياء
األنبياء ،واحببت ان اعلم وصي محمد ،فلما قدمت ركبنا المدينة اتيت رسول اللَّه
وحلفت الركاب مع الحي ،فقلت :يا رسول اللَّه ما من نبي إال وكان له خليفتان ،خليفة يموت
قبله وخليفة يبقى بعده ،وكان خليفة موسى في حياته هارون ثم كان وصيه بعد موته يوشع
بن نون ،وكان وصي عيسى في حياته كالب بن يوفنا فتوفي كالب في حياة عيسى ووصيه
236 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
بعد وفاته شمعون بن حمون الصفا ابن عمة مريم ،وقد نظرت في الكتب األولى فما وجدت
لك إال وصي واحد في حياتك وبعد وفاتك ،فبين لي بنفسي انت يا رسول اللَّه من وصيك؟
فقال رسول اللَّه :ان لي وصياً واحدا ً في حياتي وبعد وفاتي .قلت له :من هو؟ فقال :ايتيني
بحصاة ،فرفعت اليه حصاة من األرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده كسحيق الدقيق ثم عجنها
فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه فبدا النقش فيها للناظرين ،ثم اعطانيها وقال :من استطاع
مثل هذا فهو وصيي .قالت :ثم قال لي :يا ام سليم وصيي من يستغني بنفسه في جميع حاالته
كما انا مستغن ،فنظرت إلى رسول اللَّه وقد ضرب بيده اليمنى إلى السقف وبيده اليسرى إلى
األرض قائماً ال ينحني في حالة واحدة إلى األرض وال يرفع نفسه بطرف قدميه .قالت :فخرجت
فرأيت سلمان يكنف((( علياً ويلوذ بعقوته دون من سواه من اسرة محمد وصحابته على حداثة
سنه ،فقلت في نفسي هذا سلمان صاحب الكتب األولى قبلي ،صاحب االوصياء وعنده من
العلم ما لم يبلغني فيوشك ان يكون صاحبي ،فاتيت علياً فقلت :انت وصي محمد؟
قال :نعم ،ما تريدين؟ قلت :ما عالمة ذلك؟ فقال اتيني بحصاه .قالت :فرفعت اليه حصاة
من األرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده فجعلها كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة
حمراء ثم ختمها ،فبدا النقش فيها للناظرين ثم مشى نحو بيته فاتبعته الساله عن الذي صنعه
رسول اللَّه فالتفت الي ففعل مثل الذي فعله .فقلت :من وصيك يا ابا الحسن؟ فقال :من
يفعل مثل هذا .فقالت ام سليم :فلقيت الحسن بن علي فقلت :انت وصي ابيك هذا؟ وانا
اعجب من صغره وسؤالي اياه مع اني كنت عرفت صفتهم االثنا عشر إماماً وابوهم سيدهم
وافضلهم فوجدت ذلك في الكتب األولى .فقال لي :نعم اناوصي ابي .فقلت :ما عالمة ذلك؟
فقال :ايتيني بحصاه .قلت :فرفعت اليه حصاه فوضعها بين كفيه ثم سحقها كسحق الدقيق ثم
الي ،قلت له :فمن وصيك؟ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فبدا النقش فيها ثم دفعها ّ
قال :من يفعل مثل هذا الذي فعلت ،ثم مد يده اليمنى حتى جازت سطوح المدينة وهو قائم
ثم طأطأ يده اليسرى فضرب بها األرض من غير ان ينحني او يتصعد ،فقلت :في نفسي :من
يرى وصيه؟ فخرجت من عنده فلقيت الحسين وكنت عرفت نعته من الكتب السالفة بصفته
وتسعة من ولده اوصياء بصفاتهم غير اني انكرت حليته لصغر سنه فدنوت منه وهو على كسرة
رحبة المسجد ،فقلت له :من انت يا سيدي؟ قال :انا طلبتك يا ام سليم ،انا وصي االوصياء
وانا ابو التسعة األئمة الهادية ،وانا وصي اخي الحسن ،واخي وصي ابي علي ،وعلي وصي
جدي رسول اللَّه .فعجبت من قوله فقلت :ما عالمة ذلك؟ فقال :ايتيني بحصاة .فرفعت اليه
حصاة من األرض .قالت ام سليم :فلقد نظرت اليه فوضعها بين كفيه فجعلها كهيئة السحيق من
الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء فختمها بخاتمه فثبت النقش فيها ثم دفعها إلي وقال لي:
انظري فيها يا ام سليم فهل ترين فيها شيئا؟ قالت ام سليم :فنظرت فإذا فيها رسول اللَّه وعلي
والحسن والحسين وتسعة من األئمة صلوات اللَّه عليهم اوصياء من ولد الحسين قد تواطئت
اسمائهم اال اثنين منهم ،احدهما جعفر واالخر موسى ،وهكذا قرأت في اإلنجيل ،فعجبت
وقلت في نفسي :قد اعطاني اللَّه الدالئل ولم يعطها من كان قبلي ،فقلت :يا سيدي اعد علي
عالمة اخرى .قال :فتبسم وهو قاعد ثم قام فمد يده اليمنى إلى السماء فواللَّه لكأنها عمود من
نار تخرق الهواء حتى توارى عن عيني وهو قائم ال يعبئ بذلك وال يتحفز ،فاسقطت وصعقت
فما افقت اال ورايت في يده طاقة من آس يضرب بها منخري .فقلت في نفسي :مإذا اقول له بعد
هذا؟ وقمت وانا واللَّه اجد إلى ساعتي رائحة هذه الطاقة من اآلس ،وهي واللَّه عندي لم تذو
ولم تذبل وال انتقص من ريحها شيء ،واوصيت اهلي ان يضعوها في كفني ،فقلت :يا سيدي
من وصيك؟ قال :من فعل مثل فعلي ،قالت :فعشت إلى ايام علي بن الحسين.(((»
لم تكن حبابة امرأة عادية بل هي عالمة بالكتب ،قرأت التوراة واإلنجيل ،او كما تسميها
الكتب األولى ،ولعل هذه الكتب األولى غير التوراة واإلنجيل ،وهذه المعرفة مكنتها من معرفة
شخص الرسول واوصيائه صلوات اللَّه عليهم اجمعين ،وجعلتها تسأل عن قانون خاص باألنبياء
والديانات كون لكل نبي وصي ،وبما ان الكتب ذكرت اسماء األنبياء واوصيائهم فالبد ان النبي
الخاتم له وصي ،بل هي تؤكد ان لكل نبي وصيان احدهما يموت في حياته واالخر يموت
بعد مماته اال انها وجدت ان اخر األنبياء له وصي واحد ،وحبابة امرآة ذكية النها عرفت ان
مستقبل اي دين مرتبط بشخص الوصي فكان السؤال عن الوصي هو محور حياتها.
واول لقاء لها مع رسول اللَّه كان في المدينة ،وعلما يبدوا انها لم تدرك فترة تواجد
الرسول في مكة ،فكان سؤال حبابة سؤال واحد ال غير ،من هو وصيك يا رسول اللَّه؟
وكان بامكان رسول اللَّه ان يقول لها ان وصيي علي وهو مكتوب عندها في الكتب
األولى ،اال انه وضعها أمام اثبات عملي بسحق الحصاة وعجنها بيديه وتحويلها إلى ياقوت
احمر ثم ختمها حتى تبين النقش في الحصاة ،وبين لها ان من يقوم بنفس هذا العمل هو الوصي
لكي ال ي ّدعي احد وصاية رسول اللَّه اال بهذا االختبار االعجازي.
ثم يذكر الحديث حركة قام بها رسول اللَّه وهي«فنظرت إلى رسول اللَّه وقد ضرب بيده
اليمنى إلى السقف وبيده اليسرى إلى األرض قائماً ال ينحني في حالة واحدة إلى األرض وال
يرفع نفسه بطرف قدميه» والحقيقة لم افهم بالضبط معنى هذه الحركة لكن الواضح انها تشير
إلى امر اعجازي ،ثم يذكر الحديث ان حبابة اهتدت إلى ان اإلمام علي هو وصي رسول
اللَّه ففعل لها بحصاة كما فعل رسول اللَّه ،ثم فعل لها اإلمام الحسن كذلك ،ثم فعل
لها اإلمام الحسين كذلك ،والظاهر ان حبابة ادركتهم جميعا في نفس الوقت وربما في نفس
اليوم ،وهم جميعا قاموا بنفس الحركة التي قام بها رسول اللَّه الثبات كونهم اوصياء.
وفي الحديث امر مهم وهو ان كل هذه االختام والنقوشات لم تجري على حصاة واحدة بل
حصيات النبي وكل امام صلوات اللَّه عليهم ختم لها على حصاة مفردة مما يشير إلى وجود اربع ُ
جرى عليها النقش ،وسنتكلم عن هذا األمر في حديث لقاء حبابة مع اإلمام علي وبقية األئمة
حصيات متعددة ،والغريب ان حبابة تقول انها كونهم كلهم طبعوا لها على حصاة واحدة وليس ُ
عرفت ان الحسن والحسين عليهما السالم وصيان على الرغم من صغر سنهما مما يشير إلى
ان لالوصياء عالمات مميزة حتى في صباهم ،ويذكر الحديث ان الحصاة التي ختم فيها اإلمام
الحسين رأت فيها صور واسماء رسول اللَّه واألئمة االثنا عشر صلوات اللَّه عليهم اجمعين.
مع أمير المؤمنين :
روى محمد بن يعقوب باسناده عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عن حبابة الوالبية،
قالت :رأيت أمير المؤمنين في شرطة الخميس ومعه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي
الجري والمارماهي والزمار ويقول لهم يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان ،فقام اليه
فرات بن احنف فقال :يا أمير المؤمنين وما جند بني مروان؟ قال :فقال له :اقوام حلقوا اللحى
وفتلوا الشوارب فمسخوا فلم ار ناطقاً احسن نطقا منه ،ثم اتبعته فلم ازل اقفو اثره حتى قعد في
رحبة المسجد فقلت له :يا أمير المؤمنين ما داللة االمامة يرحمك اللَّه؟ قالت :فقال:أتيني
بتلك الحصاة ،وأشار بيده إلى حصاة ،فطبع لي فيها بخاتمه ،ثم قال لي :ياحبابه أذا أدعى ُم ّدع
األمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فأعلمي أنه إمام مفترض الطاعة ،واإلمام ال يعزب عنه شيء
يريده ،قالت :ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين ،فجئت إلى الحسن وهو في مجلس
أمير المؤمنين والناس يسألونه ،فقال لي :يا حبابة .فقلت :نعم يا موالي ،قال :هاتي ما معك.
قالت :فاعطيته الحصاة ،فطبع لي فيها كما طبع أمير المؤمنين ،ثم اتيت الحسين وهو في
مسجد الرسول فقرب ورحب ثم قال لي اتريدين داللة اإلمام؟ فقلت :نعم يا سيدي .قال:
هاتي ما معك ،فناولته الحصاة فطبع لي فيها .قالت :ثم أتيت علي بن الحسين وقد بلغ
���������������������� 239
بي الكبر إلى أن أرعشت ،وانا أعد يومئذ مائة وثالث عشرة سنة ،فرأيته راكعاً ساجدا ً ومشغوالً
بالعبادة ،فيئست من الداللة ،فأومأ ألي بالسبابة فعاد إلي شبابي ،قالت :فقلت :ياسيدي كم
مضى من الدنيا وكم بقي؟ فقال :اما ما مضى فنعم ،وأما ما بقي فال ،قالت :ثم قال لي :هاتي
ما معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها ،ثم أتيت أبا جعفر محمد بن علي فطبع لي فيها ،ثم
أتيت أبا عبد اللَّه جعفر بن محمد فطبع لي فيها ثم أتيت ابا الحسن موسى بن جعفر فطبع
(((
لي فيها ،ثم أتيت الرضا فطبع لي فيها»
الراجح ان لقاء حبابة مع أمير المؤمنين في الكوفة مقر حكم أمير المؤمنين في خالفته
بداللة موضوع شرطة الخميس في الحديث((( ،كما ان الحديث يذكر ان أمير المؤمنين كان
يضرب بياعي الجري وتؤكد أحاديث اخرى تحمل نفس المعنى ان هكذا امر حدث في اسواق
الكوفة وليس في المدينة.
وعلما يبدوا ان هذا اللقاء الذي يذكره الحديث مع أمير المؤمنين وبقية األئمة يختلف
عن اللقاء الذي ذكرناه في الحديث السابق عندما التقت حبابة مع رسول اللَّه وسألته عن
الوصي من بعده.،
قال القطب الراوندي :وصاحبات الحصى ثالث احداهن هي وتكنى ام غانم ،والثانية ام
الهدى حبابة بن جعفر الوالبية ،واألولى اسمها سعاد من بني سعد بن ابي بكر بن عبد مناف،
والثالثة تدعى ام سليم كانت قارئة الكتب ولكل واحدة خبر(((.
قال ابو عبد اللَّه بن عياش :هذه ام غانم صاحبة الحصاة غير تلك صاحبة الحصاة وهي ام
الندى حبابة بنت جعفر الوالبية االسدية وهي غير صاحبة الحصاة األولى التي طبع فيها رسول
اللَّه وأمير المؤمنين فانها ام سليم وكانت وارثة الكتب فهم ثالث ولكل واحدة منهن(((.
وال ادري على وجه الدقة هل هناك فعال عدة شخصيات بهذا االسم ،ام الفروقات بين
الحديثين هي التي جعلتهم يذهبون إلى تعدد هذه الشخصية والقول بوجود ثالث نساء
صاحبات الحصى ،ففي حديث لقائها مع رسول اللَّه كما ذكرت انها لم تكن حصاة واحدة
((( مدينة المعاجز/العالمة هاشم البحراني ،الكافي :ج /1ص ،346كمال الدين وتمام النعمة
((( شرطة الخميس هم مجموعة من أصحاب أمير المؤمنين عددهم ستة آالف وكان بينهم وبين أمير المؤمنين شرط اذ
ضمن لهم أمير المؤمنين الجنة ان هم شارطوه على الموت وهم مستعدين للموت في كل حين تحت رايته وهم صفوة
من أصحاب أمير المؤمنين
((( الخرائج /القطب الراوندي428 /1 :
((( بحار األنوار /ح /25ص 180
240 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
بل كل من رسول اللَّه واإلمام علي واإلمام الحسن واإلمام الحسين عليهم افضل الصالة
والسالم طبع لها بحصاة مفردة بينما حديث لقائها مع اإلمام علي تذكر ان كل األئمة طبعوا
لها على حصاة واحدة ،فيما حديث لقائها مع رسول اللَّه يذكر انها عاشت إلى ايام اإلمام
علي بن الحسين السجاد ،فيما حديث لقائها مع اإلمام علي تذكر فيه انها ادركت اإلمام
الرضا ،كما ان لقاء حبابة في المدينة مع اإلمام الحسن واإلمام الحسين كانا فيه صغيرين
اما في حديث لقائها مع اإلمام علي فلم يطبعا لها اال بعد استشهاد أمير المؤمنين وهما
كبيرين كل في زمانه ،وهذا ربما دفعهم للقول بتعدد الشخصيات ،ولكن يمكن القول بشكل
ظني بوحدة الشخصية على فرض انها روت حديث لقائها مع رسول اللَّه في زمن اإلمام
السجاد ،وانها روت حديث لقائها مع أمير المؤمنين في زمن اإلمام الرضا ،وفي كل
االحوال نحن نقصد حبابة التي اعاد لها اإلمام السجاد شبابها والتي ادركت اإلمام الرضا
وماتت في زمانه ،ونقصد تلك الحصاة الوحيدة التي طبع بل كل هؤالء األئمة عليهم افضل
الصالة والسالم ،وعلما يبدوا ان هذه الحصاة التي اول من طبع بها أمير المؤمنين لم يكن
فيها لرسول اللَّه طبع ،فكل حاالت تحويل الحصاة إلى عجين وتحويلها إلى ياقوت كانت
في زمن رسول اللَّه وفي وقت واحد ،اما الحصاة التي طبع لها أمير المؤمنين فهي واحدة
انتقلت إلى كل األئمة ،وكان الفارق بين كل عملية طبع لسنوات عديدة الن كل إمام طبع لها
في حياته وبعد موته تذهب حبابة لإلمام الذي يليه ليطبع لها لكي تعرف انه إمام.
ولعل ما يستوقفنا في الحديثين انه في حديث لقائها مع رسول اللَّه كانت تجري على
الحصاة عدة فعاليات«فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة
حمراء ختمها بخاتمه فبدا النقش فيها للناظرين» بينما في حديث لقائها مع اإلمام علي كانت
عبارة«طبع لها» ،فهل هناك فرق بين «الختم» و«الطبع» ام اللفظتين من المترادفات
طبع على الشيء وضع عليه عالمة مميزة ،او ترك فيه اثر ،وطبع الشيء رسمه ونقشه ،وطبع
النقود سكها ،وطبع على الورق اي كتب عليه ،وختم بالشمع االحمر اغلق بصورة محكمة،
وختم «بفتح الخاء» ،هو قطعة صغيرة من المعدن او الحجر او غيرها منقوش عليها رسم او
كتابة او صورة او رمز إذا ما وضعتها على الشمع او الحبر ثم ضربت بها الورقة ظهرت صورة
ذلك النقش في الورقة او الشمع ،وورد معنى الختم في األحاديث بعبارات مثل «مختوم بخاتم
السيد االكبر»(((.
((( عن ابي الحسن الرضا في ذكر قصة الخضر وقتل الغالم قال«واما الغالم فكان ابواه مؤمنين وطُبع كافرا ً» كذا نزلت
فنظرت إلى جبينه وعليه مكتوب طُبع كافرا ً تفسير البرهان /البحراني /ج /5ص /51ح4
���������������������� 241
ووردت لفظة«طبع» في القرآن في عدة موارد اغلبها مربوط بالقلب مثل قوله تعالى﴿ َو َط َب َع
َ َ َ َ َّ ُ َ َ ٰ ُ ُ
ع قلوب ِ ِه ْم ف ُه ْم ل َي ْعل ُمون﴾((( ،ولم يرد لفظ الطبع مع السمع والبصر ،اما لفظة «ختم» فقد الل
وردت في القرآن بعدة موارد مرتبطة بالقلب والسمع والبصر واألفواه ،كما في قوله تعالى﴿ َخت َمَ
ُ َ ّ َ ْ ْ َ َْ ُ ََٰ َ ْ ع َأب ْ َصاره ِْم غ َِش َ
ع َس ْمعِ ِه ْم ۖ َو َ َ ٰ
ع قُلُوب ِه ْم َو َ َ ٰ
الل َ َ ٰ
َّ ُ
ع أف َواهِ ِه ْم َوتكل ُِم َنا اوةٌ ۖ﴾((( ،وقوله ﴿الوم نتِم ِ ِ َ
أيْدِي ِه ْم﴾((( ،واللفظتين بحاجة لبحث مفرد يخرجنا عن اصل موضوعنا.
وبما ان اللفظتين في األحاديث السابقة استخدمت لترك اثر على الحصاة ،فيمكن القول
بشكل اولي ان الختم هو ترك اثر لصورة او رمز او حتى كتابة كما ورد في حديث لقائها مع
رسول اللَّه عبارة «ختمها بخاتمه فبدا النقش فيها للناظرين» ،وفي نفس الحديث عندما
التقت مع اإلمام الحسين كانت العبارة «ثم دفعها إلي وقال لي :انظري فيها يا ام سليم فهل
ترين فيها شيئا؟ قالت ام سليم :فنظرت فإذا فيها رسول اللَّه وعلي والحسن والحسين وتسعة
من األئمة صلوات اللَّه عليهم اوصياء من ولد الحسين قد تواطئت اسمائهم اال اثنين منهم،
احدهما جعفر واالخر موسى» فهي هنا رأت اشياء مصورة،
اما الطبع فهو ترك اثر كتابة ،فيكون الختم اقرب للمفهوم الرمزي والطبع اقرب لمفهوم
الكتابة.
مع اإلمام الحسن :
راجع األحاديث السابقة ستجد ان حبابة التقت باإلمام الحسن مرتين األولى على عهد
رسول اللَّه والثانية بعد ان قبض أمير المؤمنين
مع اإلمام الحسين :
راجع األحاديث السابقة ستجد ان حبابة التقت باإلمام الحسين مرتين ،األولى على عهد
رسول اللَّه والثانية في مسجد رسول اللَّه والراجح انها التقت به بعد رحيل اإلمام
الحسن النها تبحث عن داللة االمامة.
وعلما ما يبدوا ان عالقة حبابة مع اإلمام الحسين فيها خصوصية ،ففي حديث لقائها
مع رسول اللَّه عندما التقت بالحسين كان صغيرا في العمر واعطاها في حصاتها شيء
((( التوبة93/
((( البقرة7/
((( يس65 /
242 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
مميز وهو انها رأت فيها صور األئمة كما انه منحها طاقة آس لم تذو ولم تذبل وال انتقص
من ريحها شيء حتى انها طلبت ان توضع في كفنها عند موتها ،اما حديث لقائها مع اإلمام
الحسين بعد رحيل أمير المؤمنين فوردت فيه عبارة «ثم اتيت الحسين وهو في مسجد
الرسول فقرب ورحب» اي قربني اليه ورحب بمقدمي ،والحديث التالي يؤكد عالقتها
الخاصة مع اإلمام الحسين
علي امرأة من بني والبة قد احترق وجهها من عن صالح بن ميثم االسدي قال :دخلت ّ
السجود يُقال لها حبابة ،قالت :با ابن أخ اال احدثك ،كنت زوارة البي عبد اللَّه الحسين
علي واحتبست عليه اياماً فسأل ّ
علي ،فقال :يا حبابة ما فحدث بين عيني وضح فشق ذلك ّ
(((
علي؟ فقلت :يا بن رسول اللَّه حدث بي هذا وكشفت القناع ،فتفل وقال :يا ابطأ بك ّ
حبابة احدثي لله شكرا ً فان اللَّه قد درأه عنك .قالت :فخررت ساجده للَّه ،فقال :يا حبابة ارفعي
رأسك وانظري في مرآتك ،فرفعت رأسي ونظرت في المرآة فلم احس منه شيئاً ،قالت :فحمدت
إلي وقال :يا حبابة نحن وشيعتنا على الفطرة وسائر الناس منها براء»(((.اللَّه فنظر ّ
واضح من الحديث ان حبابة دائمة التردد على ابي عبد اللَّه الحسين لقولها انها كانت
«زوارة البي عبد اللَّه »ولعل حبابة قد سمعت من األئمة فضل زيارة الحسين ،ولما
تاخرت عن زيارتها عن اإلمام الحسين سأل عنها فاخبرته ان فيها «وضح او برص بين عينيها»
فتفل اإلمام عليه فبرئت فامرها ان تحدث شكرا ،بل بلغ األمر بقربها منهم انها تطلب طلبات
خاصة ،والحديث التالي انها طلبت معرفة مصير ابن اخيها.
عن حبابة الوالبية قالت :قلت البي عبد اللَّه ان لي ابن اخ وهو يعرف فضلكم واني
احب ان تعلمني امن شيعتكم؟ قال :وما اسمه قالت :قلت فالن بن فالن ،قالت فقال :يا فالنة
هات الناموس فجائت بصحيفة تحملها كبيرة فنشرها ثم نظر فيها فقال :نعم ذا اسمه واسم ابيه
(((
هيهنا»
الناموس هو ديوان عند ال محمد فيه اسماء الشيعة .عن داود الرقي قال :قلت البي الحسن الماضي اسمي عندكم في
السفط التي فيها اسماء شيعتكم؟ فقال :اي واللَّه في الناموس» بصائر الدرجات /ج /4باب /3ح7
���������������������� 243
((( كمال الدين وتمام النعمة /الشيخ الصدوق /ص 537ومثله في بحار األنوار /ج /25ص178
((( هذه العبارة محل تأمل عندي وربما معنى العبارة انك لن تدركي شخص من بعدي مثلي كوني االبن المباشر لإلمام
الحسين واللَّه العالم
((( الصرحة :الدار ساحتها
244 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
اجلسي يا ام سليم ،فجلست فمد يده اليمنى فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة وغابت
يده عني ،ثم قال :خذي ام سليم ،فناولني واللَّه كيساً فيه دنانير وقرط من ذهب وفصوص كانت
لي من جزع في حق لي في منزلي ،فقلت :اما الحق فاعرفه ،واما ما فيه فال ادري ما فيه غير اني
اجدها ثقيال ،قال :خذيها وامضي لسبيلك ،قلت :فخرجت من عنده ودخلت منزلي وقصدت
الحق فلم اجد الحق في موضعه فإذا الحق حقي قالت :فعرفتهم حق معرفتهم بالبصيرة والهداية
فيهم من ذلك اليوم والحمد للَّه رب العالمين»(((.
والحديث يذكر انها ادركت اإلمام السجاد وعمرها مئة وثالث عشر سنة فاعاد لها اإلمام
السجاد شبابها ،والواضح ان لقائها مع اإلمام السجاد كان بعد واقعة الطف فبعد استشهاد اإلمام
الحسين اصبح السجاد إماماً ،وبما ان واقعة الطف حدثة سنة « »61هجري ،فنستكشف
ان عمرها يوم لقائها مع رسول اللَّه في المدينة ما بين االربعين والخمسين سنة.
ولكن الحديث هنا يذكر ان اإلمام السجاد قال لها «فلما سلّم قال لي :يا ام سليم ايتيني
بحصاة من غير ان اساله عما جئت له ،فدفعت له حصاة من األرض فاخذها فجعلها بين كفيه
فجعلها كهيئة الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فثبت فيها النقش فنظرت واللَّه
إلى القوم باعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين»
بينما حديثها لقائها مع اإلمام علي فيه العبارة التالية«ثم أتيت علي بن الحسين وقد
بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت ،وانا أعد يومئذ مائة وثالث عشرة سنة ،فرأيته راكعاً ساجدا ً ومشغوالً
بالعبادة ،فيئست من الداللة ،فأومأ ألي بالسبابة فعاد إلي شبابي ،قالت :فقلت :ياسيدي كم
مضى من الدنيا وكم بقي؟ فقال :اما ما مضى فنعم ،وأما ما بقي فال ،قالت :ثم قال لي :هاتي ما
معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها»
مما يشير إلى لقائين لحبابة مع اإلمام السجاد ،األول فعل بالحصاة كما فعل رسول اللَّه
واألئمة عليهم الصالة والسالم «فجعلها بين كفيه فجعلها كهيئة الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة
حمراء ثم ختمها» ،اما اللقاء الثاني فقد طالبها بنفس الحصاة التي عندها «ثم قال لي :هاتي
ما معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها» ،فعملية تحويل الحصاة إلى ياقوت هو اللقاء األول
على حصيات متعددة اما اللقاء الثاني فهو طبع على حصاة واحدة كلهم طبعوا فيها ،والذي
سيؤكده الحديث الالحق الذي سنذكره ان هذه الحصاة وصلت إلى اإلمام الحسن العسكري
فطبع لها.
بعد وفاة حبابة في زمن اإلمام الرضا ال ندري مإذا حصل بعدها بحصاتها ،والمفروض
ان الحصاة هذه ستمر على بقية األئمة ويطبعون عليها ،والذي يؤكد هذا الكالم حديث سنذكره
الحقا حول لقاء احد احفاد حبابة باإلمام الحسن العسكري مما يدل ان اوالد واحفاد حبابة
قاموا بهذه المهمة بعد موتها في زمن اإلمام الرضا والبد وانهم قد تابعوا نفس المسير بالبحث
عن الوصي والبد وانهم وصلوا إلى اإلمام الجواد واإلمام الهادي عليهما السالم
عن داود بن القاسم قال :كنت عند ابي محمد فاستؤذن لرجل من اهل اليمن فدخل
عليه رجل جميل طويل جسيم فسلم عليه بالوالية فرد عليه بالقبول ،وامره بالجلوس إلى جنبي
فقلت في نفسي ليت شعري من هذا؟ فقال ابو محمد هذا من ولد االعرابية صاحبة الحصاة
التي طبع آبائي فيها بخواتيمهم فانطبعت ،ثم قال فاخرج حصاة وفي جانب منها موضع املس
فاخذها واخرج خاتمه فطبع فيها فانطبع وكأني اقرأ الخاتم الساعة ،الحسن بن علي ،فقلت
لليماني :رأيته قط قبل هذا؟ فقال :ال واللَّه واني منذ دهر لحريص على رؤيته حتى كان الساعة
أتاني شاب لست اراه فقال :قم فادخل فدخلت ثم نهض وهو يقول :رحمة اللَّه وبركاته عليكم
أهل البيت ذرية بعضها من بعض اشهد ان حقك لواجب كوجوب حق أمير المؤمنين واليك
انتهت الحكمة واالمامة ،وانك ولي اللَّه الذي ال عذر الحد في الجهل به فسألت عن اسمه
فقال :اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن ام غانم وهي االعرابية صاحبة
الحصاة التي ختم فيها أمير المؤمنين عليه الصالة والسالم»(((.
واضح من الحديث المبارك ان مشروع حبابة وحصاتها قد توارثه ابنائها واحفادها بعد
وفاتها في زمن اإلمام الرضا ،وما وصلت تلك الحصاة إلى اإلمام الحسن العسكري اال
وقد مرت على اإلمام الجواد واإلمام الهادي ،وقد اورد اإلمام الحسن العسكري هذا المعنى
بقوله «التي طبع آبائي فيها بخواتيمهم فانطبعت» ،والمعنى العام لتوارث ابناء واحفاد حبابة
لهذه الحصاةيدل على ان الحصاة مشروع تظهر اثاره ومعناه في المستقبل ،وهؤالء االشخاص
أصحاب تكليف خاص سيستمر إلى يوم ظهور صاحب األمر .
مع اإلمام المهدي الحجة ابن الحسن :
عن المفضل بن عمر قال :سمعت ابا عبد اللَّه يقول«يكون مع القائم ثالثة عشرة امرأة».
قلت :وما يصنع بهن؟ قال«يداوين الجرحى ويقمن على المرضى كما ك ّن مع رسول اللَّه
.»قلت :فس ّمهن لي .قال«القنواء بنت رشيد ،وأم أيمن ،وحبابة الوالبية ،وسمية أم عمار بن
(((
ياسر ،وزبيدة ،وأم خالد األحمسية ،وأم سعيد الحنفية ،وصبانة الماشطة ،وأم خالد الجهنية»
عن اإلمام الرضا«وانا ُمبشرك بأنك من المكرورات من المؤمنات مع اإلمام المهدي
من ذريتي إذا اظهر اللَّه امره».
حبابة من المكرورات ومن المشموالت بالرجعة مع اإلمام المهدي حين ظهوره ،والبد
ان حبابة ستعرض حصاتها على اإلمام المهدي لكي تتأكد انه الوصي ،والراجح حسب هذا
الواقع الذي تذكره األحاديث ان ابناء حبابة نسلهم سيستمر طيلة فترة الغيبة الكبرى وهم يتوارثون
هذه الحصاة من ايام اإلمام الرضا إلى يوم ظهور القائم وربما سيسلمونها إلى حبابة يوم
رجعتها ،وهذا بحد ذاته مشروع سري ال يمكن متابعته عبر التاريخ لعدم وجود معطيات عنه
اال ان واقع األحاديث كما قلت يشير إلى هكذا امر ،والبد وان ختم اإلمام المهدي على
هذه الحصاة يوم ظهوره سيظهر الغاية والمعنى من كل هذه القصة التي حتما ستكون دليال
على انه وارث األنبياء واالوصياء ،وخصوصاً ان هذه الحصاة فيها صور جميع األئمة ومن
ضمنها صورة اإلمام المهدي نفسه فتكون هذه الصورة وختم اإلمام المهدي عليها دال
بشكل واضح على انتسابه آلل محمد ،واليقين الذي عندي ان لهذه الحصاة شان سيظهر
مع ظهور الحجة ابن الحسن إذا البد ان يختم القائم عليها الن الختم على هذه الحصاة
علما يبدوا مشروع له غاية ستظهر في اخر الزمان فإذا ختم عليها خاتم االوصياء ظهر سرها
المكنون ،فمشروع حبابة يُحسم برحلة الحصاة نفسها النها تكشف ان الختم عليها حقيقة ال
تجري اال على يد معصوم ،والموضوع في اخر الزمان سيكون فيه فرج وطمأنينة لقلوب شيعة
أمير المؤمنين فهي معجزة لمعرفة شخص اإلمام في زمن يكثر فيه الفتن والمدعين.
ولو تابعت التاريخ الديني ستجد جملة من القصص حول اشياء تركها األنبياء واالوصياء
السابقين لمن سياتي بعدهم من الالحقين والتي تفصل بينهم سنوات قد تصل الكثر من الفي
سنة.
من حديث طويل «فلما كان من امر علي ما كان توجهنا معه فلما رجعنا من صفين
نزلنا ارضا قفرا ليس بها ماء ،فشكونا ذلك إلى علي ،فانطلق يمشي على قدميه حتى انتهينا
إلى موضع كان يعرفه فقال :احفروا ههنا .فحفرنا إذا بصخرة صماء عظيمة ،قال :اقلعوها .قال:
فجهدنا ان نقلعها فما استطعنا .قال :فتبسم أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه من عجزنا عنها ،ثم
اهوى اليها بيديه جميعا كأنما كانت في يده كرة ،فإذا تحتها عين بيضاء كأنها من شدة بياضها
اللجين المجلو ،فقال :دونكم فاشربوا واسقوا وتزودوا ثم آذنوني بها .قال :ففعلنا ثم اتيناه.
فاقبل يمشي اليها بغير رداء وال حذاء فتناول الصخرة بيده ثم دحى بها في فم العين فالقمها إياها
ثم حثا بيده التراب عليها وكان ذلك بعين الديراني وكان بالقرب منها ومنا يرانا ويسمع كالمنا.
قال :فنزل فقال :اين صاحبكم؟ فانطلقنا به إلى علي فقال :اشهد ان ال اله إال اللَّه واشهد ان
محمدا رسول اللَّه وانك وصي محمد ولقد كنت ارسلت بالسالم عني وعن صاحب
لي مات كان اوصاني بذلك مع جيش لكم منذ كذا وكذا من السنين ،قال سهل :فقلت يا أمير
المؤمنين هذا الديراني الذي كنت ابلغتك عنه وعن صاحبه السالم .قال :وذكر الحديث يوم
مررنا مع خالد فقال له علي :وكيف علمت اني وصي رسول اللَّه؟ قال :اخبرني ابي وكان
قد اتى عليه من العمر مثل ما اتى علي ،عن ابيه عن جده عمن قاتل مع يوشع بن نون وصي
موسى حين توجه فقاتل الجبارين بعد موسى باربعين سنة انه مر بهذا المكان وأصحابه عطشوا
فشكوا اليه العطش ،فقال :اما ان بقربكم عيناً نزلت من الجنة استخرجها آدم ،فقام اليها يوشع
بن نون فنزع عنها الصخرة ثم شرب وشرب أصحابه وسقوا ،ثم قلب الصخرة وقال ألصحابه ال
يقلبها إال نبي او وصي نبي قال :فتخلف نفر من أصحاب يوشع بعد ما مضي فجهدوا الجهد
على ان يجدوا موضعها فلم يجدوا وانما بني هذا الدير على هذه العين وعلى بركتهاوطلبتها
(((
فعلمت حين استخرجتها انك وصي رسول اللَّه احمد الذي كنت اطلب»
واضح من الحديث ان هناك امور يتوارثها بعض الناس تتعلق بتاريخ األنبياء واالوصياء الكثر
من الف سنة فلم يتحقق كالم ابو هذا الراهب اال بعد اكثر من الفي سنة بين يوشع واإلمام
علي ،وهذه الصخرة ال يقلبها إال وصي ،وتلك الحصاة ال يختم عليها إال وصي،فاالوصياء
السابقين يتركون اثر لالوصياء الالحقين وهناك اشخاص يتابعون الموضوع إلى حين ظهور
الوصي الالحق ،فنحن نكون غير مجانبين للصواب إذا قلنا ان هناك من يتوارث هذ الحصاة إلى
يوم ظهور القائم لتكون داللة على وصايته.
وال تستغرب ان يكون لحبابة حجر يسير مع التاريخ بشكل سري إلى ان يصل إلى قائم آل
َ َ
ْ َ َ َ
است ْسقاهُ ق ْو ُم ُه أ ِن محمد وقد ذكر القرآن الكريم ان لموسى حجر﴿ َوأ ْو َحيْ َنا إ ِ َ ٰل ُم َ ٰ
وس إِذِ
ْ ُ َ َ َّ ْ ّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ً َ ْ َ َ ُ ُّ ُ َ ْ
اس مشبهم ۚ﴾ ،وقد
(((
اضب بِعصاك الجر ۖ فانبجست مِنه اثنتا عشة عينا ۖ قد عل ِم ك أن ٍ ِ
ذكرت المرويات عن آل محمد ان هذا الحجر سيظهر مع القائم.
عن ابي جعفر«ان القائم إذا قام بمكة واراد ان يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه اال يحمل
احد منكم ما ًء وال شراباً ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير فال ينزل منزالً اال
انبعث منه عين ،فمن كان جائعاً شبع ،ومن كان ظامئاً روي ،فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من
ظهر الكوفة»(((.
((( األعراف160/
((( الكافي :ج /1ص /180ح3
250 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
في عالم ذو بعدين وال تعرف غيره ،وبعد مئات السنين جاء نبي لمجتمع النمل الذي يعيش
في بُعدين وقال لهم ان هناك بُعد ثالث ،طبعاً العملية ستتكرر وهؤالء ال يفهمون ما هو البعد
الثالث ،فقالوا للنبي وما هو ال ُبعد الثالث؟ فقال لهم ان االشكال فيه ُمجسمة وتستطيعون الحركة
إلى االمام والخلف ،واليمين واليسار ،والفوق والتحت ،فقالوا له وما هو الفوق والتحت؟ ولم
تنفع كل وسائل االيضاح الفهامهم المعنى ،فلم يبقى اال حل واحد وهو ان ياخذ النبي النمل
إلى عالم األبعاد الثالثة وعندها اصبح لديهم يقيناً ما هو البُعد الثالث.
واالن نحن نعيش في عالم ثالثي األبعاد وجائنا من يقول لنا ان هناك بُعد رابع ،هنا سيأتي
نفس السؤال ،وما هو ال ُبعد الرابع؟ طبعاً سيقوم األنبياء والصالحين بايضاح المفاهيم الحكمية
لهذا الموضوع ،وسيقوم العلماء التجريبيين من اجراء التجارب ووضع المعادالت الرياضية
في محاولة الفهام الناس هذا المعنى ،ولكن في الحقيقة المعنى كبير وهو بحاجة لمعرفة يقينية
للتفهيم ،ومن هنا وضع اللَّه االحالم في تركيبة وطبيعة اإلنسان لكي يُعطيه معنى عن ال ُبعد
الرابع((( ،كون االحالم فيها اشياء يراها ويفعلها اإلنسان كالطيران والخوارق مما ال يمكنه من
فعلها في عالم األبعاد الثالثة ،وفي الحقيقة ان كل الناس في يوم من االيام سيرون ال ُبعد الرابع
عند الموت عندما يدخلون لالفق البرزخي ،والخواص منهم من ماحضي اإليمان سيرونه في
«عالم الرجعة» عالم الجنة البرزخية(((.
فعليه يكون«الطول والعرض واالرتفاع» هو المكان ،اما ال ُبعد الرابع فهو الزمان ،فتكون
عبارة «الزمان والمكان» تعني «األبعاد األربعة» ،وفي عالم األبعاد األربعة يمكن رؤية الشكل
((( عن ابي الحسن قال «ان االحالم لم تكن فيما مضى في اول الخلق وانما حدثت ،فقلت :وما العلة في ذلك؟ فقال :ان
اللَّه عز ذكره بعث رسوال إلى اهل زمانه فدعاهم إلى عبادة اللَّه وطاعته فقالوا :ان فعلنا ذلك فما لنا ،فواللَّه ما انت باكثرنا
ماال وال باعزنا عشيرة .فقال :ان اطعتموني ادخلكم اللَّه الجنة وان عصيتموني ادخلكم اللَّه النار .فقالوا :وما الجنة وما
النار؟ فوصف لهم ذلك فقالوا :متى نصير إلى ذلك؟ فقال :إذا متم .فقالوا :لقد رأينا امواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً ،فازدادوا
وجل فيهم االحالم فاتوه فاخبروه بما رأوا وما انكروا من ذلك .فقال :ان اللَّه ع ّز له تكذيبا وبه استخفافا ،فاحدث اللَّه ع ّز ّ
وجل اراد ان يحتج عليكم بهذا ،وهكذا تكون ارواحكم إذا متم وان بليت ابدانكم تصير االرواح إلى عقاب حتى تبعث ّ
االبدان»الكافي/الروضة /ح1798
والحديث صريح كون االحالم موضوع استحدث واضيف إلى البشر وهو اشبه بالبرنامج الذي يمكن ان تضيفه للحاسبة
فتظهر خصائص جديدة ومن غير المستبعد في اخر الزمان ان تضاف لإلنسان برامج خارجية تجعله يعي ويفهم الكثير من
شؤنات الكون بشكل ال نتخيله االن.
((( ولو تخيلت نفسك سمكة تعيش في الماء تسير وفق ابعاد ثالثة وهي ال تعلم ان هناك عالم اخر خارج الماء وقال لها
احدهم ان خارج الماء عالم كامل فيه ابعاد اخرى لم تصدقه ولكنها إذا خرجت من الماء سنرى ذلك العالم ولكنها
ستموت فلن يظهر البعد الرابع اال عند الموت اما االن فنحن نتصوره ولكن ال ندركه.
252 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
((( يعتقد العلماء ان هناك جسم مضاد او نقيض لاللكترون يسمونه البويزترون مساوي له في الكتلة ويختلف معه في
الشحنة ،فإذا كان االلكترون سالب الشحنة فالبويزترون موجب الشحنة ،وهناك نقيض للبروتون الموجب هو بروتون
سالب الشحنة ،وبما ان المادة العادية تتكون من تجمع الذرات وهذه الذرات تتكون من البروتونات وااللكترونات التي
يسمونها الجسيمات األولية فمنطقيا يمكن ان تكون هناك ذرة نقيضة تتكون من االلكترون النقيض والبروتون النقيض
وبالتالي تتكون المادة النقيضة من تجمع الذرات النقيضة ،وإذا وجدت المادة النقيضة يتكون العالم النقيض وبالتالي
الكون النقيض.
((( ربما متسلسلة ومتداخلة في نفس الوقت
((( الرعد٢ /
���������������������������������������� 253
السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة.......واألرض السابعة فوق السماء السادسة والسماء
َ َ
وجل﴿خل َق
السابعة فوقها قبة ،وعرش الرحمن تبارك وتعالى فوق السماء السابعة وهو قوله ع ّز ّ
ْ َ ُ َّ َ َ َ َّ ُ ْ َ َْ
نل ال ْم ُر بَيْ َن ُه َّن﴾ ،فاما صاحب األمر فهو رسول ات﴾ طباقا﴿ َوم َِن ال ْر ِض مِثلهن يت َ َْ َ َ َ
سبع سماو ٍ
اللَّه والوصي بعد رسول اللَّه قائم على وجه األرض ،فانما يتنزل األمر اليه من فوق
السماء من بين السماوات واألرضين» .قلت :فما تحتنا اال ارض واحدة؟ فقال« :ما تحتنا إال
(((
ارض واحدة وان الست لهن فوقنا»
فكلما دخلت بُعد جديدة رأيت سماء وجنة وارض ونار ،فيكون مفهموم السماوات السبع
مفهوم ليس مكاني صرف ،بل هو مفهوم بُعدي ُمتعلق بتغير األحداثيات وتعددها ،فيمكن الهل
اي سماء ان يروا ما فوقهم وما تحتهم في الجنة ،ولكن االنتقال يحتاج إلى معرفة باألبعاد ،فيبقى
كل في درجته ولكن يستطيع ان ينظر لغيره(((.
وكل بعد من هذه األبعاد يمكن الدخول اليه من مداخل سماها القرآن ابواب﴿ َف َف َت ْ
ح َنا ُ
َ َ َ َ َ َ َّ َ َ ْ ُّ َ َ
السماءِ بِما ٍء منه ِم ٍر﴾((( ،ومن هنا قال عن السماء انها مبنية ﴿والسماءِ وما بناها﴾(((، َأب ْ َو َ
اب َّ
وربما مفهوم البناء ال يعني هيكلها الخارجي بل ما موجود فيها من بناء ،كما تقول بنيت البلد
اي جعلت فيه مساكن وابنية وغيرها ،الن كل مجموعة ابعاد بالبداهة تبني اشكال ،فهناك اشكال
رباعية األبعاد ،واخرى خماسية وهكذا ،وتكون االبواب هي مداخل االنتقال من بُعد الخر.
ومن هنا افهم ان عملية االنتقال من سماء إلى اخرى ال بد ان ترتبط بلفظ خاص وهو
لفظ «العروج» ،الذي يوحي لي انه في بعض معانيه االنتقال من بُعد الخر ،وقد ارتبطت لفظة
((( تفسير البرهان /ج /4ح /2ص 243كذلك تفسير القمي /ج304 /2
َّ َ
ورا َو َج َعل الش ْم َس َس ً َ َْ ً
؉و َج َعل الق َم َر فِيه َّن نُ ً َ َ َ
َ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ ََ
ْ َ ْ ْ
اجا﴾«نوح16/ــ»17هذهِ ِ
اوات ط َِباقا َ
((( قوله تعالى﴿ألم ت َروا كيف خلق الل سبع سم ٍ
اآلية الكريمة تدل على أن نوح وقومه كانوا يرون هذه «السماوات السبع» اذ لو لم يكن لهم هذه القابلية على رؤية هذه
السماوات السبع العترضوا عليه ولقالوا له أننا ال نرى أال سماء واحده ،فلو عكسنا هذا األمر على واقعنا الحالي وجاءنا
من يقول «انظروا إلى هذه السماوات السبع» ألنكرنا عليه ذلك وقلنا أننا ال نرى أال هذه السماء الدنيا.
فظاهر اآلية يوحي ان هناك سبع سماوات مرئية في فترة نوح الن هذه الحقيقة متعلقة بنوع النظام الفلكي الذي كان سائدا ً
على األرض قبل الطوفان ،لذلك ذكرهم بهذه النعمة عليهم ،ثم أكدت اآلية التي تليها هذا المعنى وهي قوله تعالى
«وجعلنا القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراج» فعبارة «القمر فيهن» يدل على أن القمر موجود في هذه السماوات السبع
أو على اقل تقدير هو متحرك ضمن السماوات السبع بالتتابع.
((( القمر 14/ووردت لفظة االبواب مقترنة مع الجنة ومع النار في القرآن الكريم
((( الشمس5/
254 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
َ العروج مع لفظة الباب في احد الموارد القرآنية كما في قوله تعالى ﴿ َول َ ْو َف َت ْ
ح َنا َعليْ ِهم بَابًا
َ َ َ ُّ
الس َماءِ فظلوا فِيهِ َي ْع ُر ُجون﴾((( ،فالعروج ليس حركة في مكان صرف ،بل هو حركة بُعدية ّم َِن َّ
لدخول العوالم ،لذلك ارتبطت لفظة العروج في القرآن مع المالئكة والسماء ،فالمالئكة كائنات
َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ُ َ ُّ ُ َ
وح إِلْهِ ﴾((( ،والسماء هو لها القابلية على الحركة «البُعدية» اي العروج﴿تعرج الملئِكة والر
الس َماءِ َو َما َي ْع ُر ُج فِيها ۚ﴾((( ،الحظ عبارة«يعرج
َ الحيز الذي تتم فيه الحركة البعدية﴿ َو َما يَزن ُل م َِن َّ
ِ ُ
فيها»الدالة بشكل واضح على ان العروج حركة في السماء ،وإذا توخينا الدقة فان الحركة في
السماء من االعلى إلى االسفل «نزول» ،والحركة في السماء من االسفل إلى االعلى «عروج»،
الني اتصور ان حركة النزول حركة مستقيمة الشكل ،اما العروج فهي حركة «موجية».
فيكون ال ُبعد الرابع هو ال ُبعد المالئكي المرتبط بحركة العروج ،فكل مخلوق انسان او جان
يصل إلى هذا البُعد بجانبه االيجابي فهو «ملك» ،وكل انسان او جان يصل إلى هذا البُعد بجانبه
السلبي فهو«مسخ» ،فيكون البُعد الرابع هو اول ابواب السماء ،وهو باب الجنة وباب النار،
وعليه يمكن القول افتراضا التالي:
السماء األولى :هي سماء الجسم النوراني واألبعاد األربعة
السماء الثانية :هي سماء المثال اللطيف واألبعاد الخمسة
السماء الثالثة :هي سماء المادة((( واألبعاد الستة
السماء الرابعة :هي سماء الطبائع((( واألبعاد السبعة
السماء الخامسة :هي سماء النفس واألبعاد الثمانية
السماء السادسة :هي سماء الروح واألبعاد التسعة
السماء السابعة :هي سماء العقل واألبعاد العشرة
وبهذه الحالة تكون ارضنا ذات «األبعاد الثالثة» كما هو واضح ،وعلى فرض ان قصة
الخليقة قد حدثت في واقع برزخي اي في حالة «بُعدية» ما بين البعد الرابع السماوي واألبعاد
الثالثية األرضية ،فتكون عملية الهبوط من السماء إلى األرض والتي يتحدث عنها القرآن الكريم
((( الحجر14/
((( المعارج4/
((( سبأ2/
((( نفصد بالمادة مادة التخليق األولى «نار هواء ماء تراب»
((( نفصد بالطبائع «الحرارة البرودة اليبوسة الرطوبة»
���������������������������������������� 255
بنزول ادم وإبليس هي عملية االنتقال من ال ُبعد الرابع إلى األبعاد الثالثية ،وربما لهذا السبب قال
لهم «اهبطوا» ،فهم بهبوطهم البد ان يلبسوا جسم ثالثي يتناسب مع الواقع الجديد(((.
((( يقول الحاج عبد الرضا خان اإلبراهيمي« ......والجسد البرزخي موجود في محله في عالم البرزخ الذي هو باطن هذا
العالم الظاهر وال يتحول من هذه االمكنة العرضية وال يذهب إلى جهة من هذه الجهات الستة اال ان الشخص إذا مات
انعدم ظهوره في هذه الدنيا وبقي جسمه وجسده البرزخي في البرزخ على حاله كما كان وما يقال ان روحه صعدت إلى
السماء الن لطافة عالم البرزخ بالنسبة إلى العالم الظاهر مثل لطافة السماء بالنسبة إلى األرض بل الطف وإذا وجد بدن
في الدنيا مرة اخرى ظهرت فيه الروح وقيل انها هبطت إلى األرض وهذا معنى هبوط آدم إلى األرض ال كما يزعمه
العوام مثل الحجر النازل من السماء او من احد الكرات إلى األرض فمعنى اإلسراء او الذهاب إلى السماء هو هذا يعني
انعدام ظهوره في األرض ال انه صار مثل الصواريخ التي يطلقونها في هذه االيام إلى الهواء وتسير إلى جهة من الجهات
الستة وان اردنا ان نضع اصطالحا لذلك فالبد من ان نقول ان الروح صعدت إلى االعلى في الجهة السابعة وهذا هو
طريق وارتباط الجسد الدنياوي بالجسد البرزخي الذي ليس في أي جهة من الجهات الستة وإذا اردنا التعبير باصطالح
الرياضيات قلنا انه عمود على الجهات الستة ومن الذي قال ان الجهات منحصرة في هذه الجهات الستة المعروفة
نعم هذه الجمادات جهاتها منحصرة بهذه الجهات الستة فإذا ارتفعت عن الجمادية صارت لها جهة سابعة ةتسير فيها
والسماوات واقعة في طول هذا الطريق والعرش في نهايته ورزقنا يصل الينا من هذا الطريق ونحن اوالد ادم جئنا من
هذا الطريق ونرجع من هذا الطريق ولكن العوام واهل الظاهر يزعمون ان الجهات منحصرة بهذه الجهات الستة وكل ما
يسمعون يحملونه على متفاهمهم ويتورون في فهم معاني االخبار وكلمات الحكماء واالخبار» رسالة مسائل طهران /ص
/10مطبعة الغدير
256 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
الجان والجن
قبل الولوج في معنى لفظتي الجان والجن البد من متابعة هاتين اللفظتين ومدلولهما قرآنيا،
َ ْ َ َّ
ان َخلَ ْق َناهُ مِن َقبْ ُل مِن نَّار َّ
الس ُم ِ
وم﴾(((، ِ فقد وردت لفظة «الجان» في سبعة موارد منها﴿وال
َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ ْ َ َّ
ٌّ
نس َول َجان﴾((( ،وكما ان مِن َّمار ٍج ّمِن نَّار﴾(((َ ﴿،ف َي ْو َمئذ ل ي ُ ْسأل َعن ذنبهِ إ ٌ وقوله﴿وخلق ال
ِ ِ ٍِ ٍ ِ
تالحظ ان النصوص تذكر ان منشأ «الجان» من «نار السموم ،مارج من نار» فهم من النار ،اما
«الجن» فلم يذكر القرآن منشأهم ،والكثير يعتقدون ان منشأ إبليس من النار النهم ال يف ّرقون بين
ََ َ ٌْ ْ َ َْ
ي ّمِن ُه ۖ خلق َت ِن الجن والجان ،لذلك قال الحديث عن إبليس الجني انه كاذب حينما قال﴿أنا خ
ِني﴾ ،النه مخلوق من طين ،فهو من الجن وليس من الجان. مِن نَّ َ َ َ ْ َ ُ
ار وخلقته مِن ط ٍ ٍ
«أي شيء يقول أصحابك في قول إبليس عن اسحاق بن جرير ،قال :قال ابو عبد اللَّهّ
ِني﴾» .قلتُ :جعلت فداك قد قال ذلك وذكره اللَّه في كتابه. ط ِن
م ﴿ َخلَ ْق َتن مِن نَّار َو َخلَ ْق َت ُ
ه
َّ ٍ ٍ ِ
فقال«:كذب إبليس لعنه اللَّه ،يا اسحاق ما خلقه اللَّه إال من الطين» ثم قال :قال اللَّه ﴿الِي
َ ُ َ َ َ َ ُ ّ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ ً َ َ َ
ارا فإِذا أ ُنتم ّمِنْ ُه توق ُِدون﴾ خلقه اللَّه من تلك النار ،والنار من ضن
جعل لكم مِن الشج ِر الخ ِ
تلك الشجرة ،والشجرة اصلها من طين»(((.
وعلى هذا التصور يكون «الجن» فرع من «الجان» ويؤيده األحاديث التالية:
عن اإلمام الرضا عن آبائه قال :سأل الشامي أمير المؤمنين عن اسم ابي الجان،
فقال« :شومان ،وهو الذي خلق من مارج من نار» ،وسأله هل بعث اللَّه نبياً إلى الجن؟
وجل فقتلوه»(((.
فقال«:نعم ،بعث اليهم نبيا يقال له يوسف فدعاهم إلى اللَّه ع ّز ّ
عن ابي بصير ،عن الصادق جعفر بن محمد انه قال :اخبرني عن خلق آدم كيف خلقه
اللَّه تعالى؟ قال« :ان اللَّه تعالى لما خلق نار السموم وهي نار ال حر لها وال دخان فخلق منها
َ ْ َ َّ
ان َخلَ ْق َناهُ مِن َقبْ ُل مِن نَّار َّ
الس ُم ِ
وم﴾ وسماه مارجاً وخلق ِ الجان فذلك معنى قوله تعالى﴿وال
منه زوجه وسماها مارجة فواقعها فولدت الجان ثم ولد الجان ولداً سماه لجن ومنه تفرعت قبائل
الجن ومنهم إبليس اللعين.(((».....
والحديث يذكر معلومة مهمة وهي ان ابو الجان هو شومان وخلق منه زوجته مارجة ،وهذا
يذكرنا بخلق حواء من آدم ،والموضوع يشير إلى ان بداية كل خلق زوجته ت ُخلق منه ،فبداية خلق
الجن من شومان ومنه خلقت زوجته مارجة ،وبداية البشرية هي من آدم ومنه خلقت زوجته
حواء ،فعلى ما يبدوا ان هذه نقطة تاسيسية لكل بداية خلق.
فيكون «الجن» الذي إبليس منهم هم فرع من «الجان» ،فالجان اصل مستقل خلقوا من
النار كما آدم اصل مستقل خلق من الطين،فالجان اقدم من الجن الن الجان اصل والجن فرع،
فيكون الجن فرع من اصل وليسوا اصل مستقل وإبليس من مواليدهم ،او يمكن القول ان
«الجان» هو لقب عام لهذا الجنس كما ان آدم اسم عام لهذا الجنس ،فيكون الجن بنوا الجان
كما تقول الناس بنو آدم.
وال ندري بالضبط كيف خرج الجن من الجان ،ولكن يمكن القول بالنظر لشؤون ادم،
ان آدم من طين وابنائه من نطفة ،فيكون الجان من النار وابنائهم من نطفهم ،لذلك قيل في
األحاديث «الجن بنو الجان» ،فالمستشف ان الجن هو الجيل الثاني من الجان((( .والحديث
التالي يبين الكثير من احوال الجن والجان.
قال اإلمام من حديث طويل «.......حين قال ربك للمالئكة الذين ْكانوا في األرض مع
ًَ َ ّ َ ٌ
ف ال ْر ِض َخل ِيفة ۖ﴾ بدال
إبليس وقد طردوا عنها الجن بني الجان وحقت العبادة ﴿ إ ِ ِن جاعِل ِ
(((
((( بيان العارفين في احوال الجن والشياطين /عبد الرسول زين الدين/ح /397ص /263نقال عن تفسير البرهان329/2 :
عن تحفة االخوان
((( او ربما من خالل تعاقب االجيال فيهم اصبح الجن نوع ادنى من الجان كما ان اوالد آدم العاديين اقل منه مرتبة ،او ربما
من انتكس من دورة الجان اصبح جن ،كما ان الذي ينتكس من بني آدم من دورتنا يصبح مسخ فيكون الجن مسوخات
عالم الجان ،وربما من انتكس منهم واصبح جن اضيف إلى عالمنا بهيئات آدمية او حيوانية وخصوصا ان الحديث يحدد
انهم خمس انواع حيات وعقارب وكالب وآدميين وعلى موجب هذا التصور بقي الجن معنا في هذه األرض اما الجان
فهم في اقليمهم الخاص ،او يمكن القول ان من بقي منهم على ايمانه وصالحه وحافظ على العهد والميثاق بقي على
اصله «جان» اما من سفك الدماء وخالف العهد والميثاق اصبح «جن» ،كما ان ابناء آدم من األنبياء واألولياء والصالحين
الذين بقوا على ايمانهم بقوا بشر انعم اللَّه عليهم ،اما من كان من بني آدم وافسد فهو في اسفل سافلين فهو بشر بالصورة
ومسخ بالحقيقة
((( في مصادر اخرى خفت
258 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
منكم ورافعكم منها ،(((»......والحديث واضح الداللة كون الجن ينحدرون من الجان لقوله
«الجن بني الجان» ،وانهم افسدوا في األرض فتم طردهم من قبل المالئكة ومن ظمنهم إبليس،
وفي الحديث معلومة مهمة جدا ً كونهم بعد هذا الحدث تم رفعهم من األرض مما يؤكد ان
حادثة خلق آدم سماوية وان الذين اعترضوا هبطوا إلى األرض وهذا يفسر لنا تواجد إبليس على
األرض وفي السماء في قصة الخليقة(((.
((( تفسير اإلمام الحسن العسكري كذلك بحار األنوار118 /11 /
((( عن سلمان الفارسي « من حديث طويل عن احوال إبليس ......فقل لهم«اي إبليس» اسمعوا مني معاشر الناكثين
وجل
وجل في الجان اثنتي عشرة الف سنة فلما اهلك اللَّه الجان شكوت إلى اللَّه ع ّز ّ
والقاسطين والمارقين عبدت اللَّه ع ّز ّ
الوحدة فعرج بي إلى السماء الدنيا فعبدت اللَّه في السماء الدنيا اثني عشر الف سنة اخرى في جملة المالئكة».......
صحيفة األبرار /ج /1الزء األول من القسم األول /ح18
�������� 259
�ضلع �آدم
خلقت من احد اضالع الرأي الشائع عند اتباع المؤسسات الدينية وعامة الناس ان حواء ُ
ادم ،وترتب على هذا االعتقاد ان اضالع الرجل ناقصة ،والواقع التشريحي لجسم اإلنسان
يبين بما ال يقبل الشك ان عدد اضالع الرجل تساوي عدد اضالع المرأة والبالغة اثنا عشر زوج
من األضالع.
وهم يستشهدون بالحادثة التي حكم فيها اإلمام علي على ذلك المخلوق«ال ُمختلط»
لتحديد نوع جنسه كونه ذكر ام وأنثى من خالل عد اضالعه ،فإذا كان ناقص األضالع فهو رجل
وان كان كامل األضالع فهي انثى.
عن أبي جعفر قال« :ان شريحاً القاضي بينما هو في مجلس القضاء ،إذ أتته امرأة فقالت:
أيها القاضي ،اقض بيني وبين خصمي .فقال لها ومن خصمك؟ قالت :أنت ،قال :افرجوا لها،
فافرجوا لها ،فدخلت ،فقال لها :وما ظالمتك؟ قال :إن لي ما للرجال وما للنساء .قال شريح:
فان أمير المؤمنين يقضي على المبال .قالت :فأني ابول بهما جميعاً ويسكنان معاً .قال شريح:
واللَّه ما سمعت بأعجب من هذا؟ قالت :واعجب من هذا .قال :وما هو؟ قالت :جامعني زوجي
فولدت منه ،وجامعت جاريتي فولدت مني .فضرب شريح احدى يديه على االخرى متعجباً ،ثم
علي شيء ما سمعت باعجب منه، جاء إلى أمير المؤمنين ،فقال :يا أمير المؤمنين ،لقد ورد ّ
قص عليه قصة المرأة .فسألها أمير المؤمنين عن ذلك؟ فقالت :هو كما ذكر ،فقال أمير ثم ّ
المؤمنين لها :من زوجك؟ فقالت :فالن ،فبعث اليه فدعاه ،فقال :اتعرف هذه؟ قال؟ نعم،
هي زوجتي ،فسأله عما قالت ،فقال :هو كذلك.
فقال له أمير المؤمنين :أنت أجرأ من خاص األسد ،حيث تقدم عليها بهذا الحال .ثم
قال :يا قنبر أدخلها بيتاً مع امرأة ت ّعد أضالعها ،فقال زوجها :يا أمير المؤمنين ،ال آمن عليها رجالً،
علي بدينار الخصي ،وكان من صالحي أهل الكوفة ،وكان وال آمن عليها امرأة .فقال عليّ
يثق به ،فقال له :يا دينار ادخلها بيتاً وع ّرها من ثيابها ومرها أن تشد مئزرا ً وع ّد أضالعها ففعل
دينار ذلك ،وكان أضالعها سبعة عشر ،تسعة في اليمين وثمانية في اليسار ،فألبسها ثياب
الرجال والقلنسوة والنعلين والقى عليه الرداء والحقه بالرجال .فقال زوجها :يا أمير المؤمنين
أبنة عمي ،وقد ولدت مني تلحقها بالرجال .فقال :أني حكمت عليها بحكم اللَّه ،إن اللَّه تبارك
260 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
وتعالى خلق حواء من ضلع آدم االيسر االقصى واضالع الرجال تنقص واضالع النساء تمام»(((.
هذا الموضوع ننظر اليه من خالل النقاط التالية:
اوالً :الحديث ال يتحدث عن آدم وحواء بل يتحدث عن مخلوق من عموم الناس وان كان
حكم ُمتعلق باحوال آدم وحواء.
ال ُ
ثانياً :هذا المخلوق ليس كامل االعضاء بل فيه تشوهات اخرى وهو كونه له سبعة عشر
ضلع فيما اإلنسان العادي المكتمل له اربعة وعشرون ضلعاً ،فهو حالة شاذة والحكم فيه يكون
خاص.
ثالثاً :ان اإلمام علي عندما حكم بكون هذا المخلوق رجل استنادا ً إلى ان آدم ناقص
لضلع ،فهو احتكم الحوال آدم ولم يحتكم الحوال عامة الناس ،الن آدم يختلف عن عامة
الناس بخصائص كثيرة ال نعرفها نحن بل يعرفها االوصياء ،فطبيعة آدم كونه مخلوق اصل
خلقت منه حواء وال يجري هذا التصور على عموم الناس. ربما فيها نقص في األضالع عندما ُ
رابعاً :هذه الحالة التي حكم بها أمير المؤمنين حالة شاذة والحالة الشاذة ال تقاس
بالعموميات بل تقاس باالصل ،فادم اصل تقاس من خالله هذه الحاالت.
خامساً :هذا المخلوق تساوت فيه الرجولة واالنوثة والحكم في هذه الحالة على عدة امور
منها«المبال -االحتالم ام الحيض -ظهور الثديين»
عن اإلمام الحسن بن علي«من حديث طويل انه ُسئل عن «المؤنث»....قال«واما
المؤنث فهو الذي ال يدري أذكر أم أنثى ،فانه ينتظر به فان كان ذكراً احتلم وان كانت وأنثى
حاضت وبدا ثدييها واال قيل له بل على الحائط»(((.
((( صحيفة األبرار /الميرزا محمد تقي /ج /1الجزء الخامس من القسم األول/ح23
((( االحتجاج /الطبرسي262/1 :
الخنثى او ثنائية الجنس هو كائن حي له اعضاء تكاثرية انثوية وذكرية وتكثر هذه الحالة في الكائنات التي ليس لها جنس
منفصل اي ليست مخصصه إلى ذكر ووأنثى فهي تنتج الحيوانات المنوية والبويضات في نفس الجسم ولكن الحيوانات
المنوية والبويضات تنتج في فترات مختلفة ال تتصادف مع بعضها لذلك البد من وجود حيوان اخر من نفس النوع التمام
عملية التكاثر ومن ابرز االمثلة على ذلك دودة األرض.
والمعروف لدينا حالياً ان الذي ال يُعرف كونه ذكر ام وأنثى يسمى «خنثى» ،والذي يهمنا من الحديث ان هناك فرق بين مدلول
لفظة«انثى» ومدلول لفظة «مؤنث» ،وبالنتيجة يكون هناك فرق بالمدلول بين لفظة«ذكر» ولفظة «مذكر» ،فالوأنثى اسم
نوع انساني مقابل الذكر يتم التفريق بينهما بواسطة االعضاء التناسلية ،اما المؤنث بداللة الحديث فموضوع «مختلط»،
�������� 261
والواضح ان هذا المخلوق تساوت فيه الرجولة واالنوثة النه يمتلك العضوين ،بل انه يلد
ويولد له ،فهو له رحم ،وهو يحتلم ويحيض ،وهو يبول بهما جميعا ،فالبد من االحتكام إلى
دالة اخرى للفصل بين الموضوعين وهي األضالع ،واختاره أمير المؤمنين كحل نهائي ،فهذا
حكم لحالة شاذة وليس لعموم الناس.
وهذه حالة بايولوجية نادرة وال ندري هل يوجد في تراث الشعوب او المدونات الطبية حالة
شبيه لها ،نعم نحن نسمع عن وجود بعض الناس لهم العضوين التناسليين الذكري واالنثوي،
ولكننا لم نسمع ان احدهم ولد واولد.
بقي هنا امر ان هذا المخلوق عندما جاء إلى شريح القاضي قال له «انت خصمي» وال
ندري ما وجه ظالمته عند شريح ،فهي باالصل موضوع ُمختلط من ذكر وأنثى فما عالقة شريح
بهذا ،والمالحظ في الحديث انها لم تشتكي من احد ،ولماذا وهي بهذا الشكل ولها زوج واوالد
تعرض نفسها على احد ،فالموضوع اساسا ليس فيه احد متهم ،وهل تعتقد ان شريح القاضي
سيحل لها مشكلتها البايولوجية ،هذه كلها تجعلنا نذهب إلى ان هذا موضوع مقصود ،وال ادري
لماذا يجول في خاطري القاصر ان هذا المخلوق ليس من جنس اإلنسان ،فربما هو صنيعة من
صنائع إبليس او هو إبليس نفسه الذي تقول عنه األحاديث انه يلد ويبيض ،فربما هذه لعبة من
االعيبه اراد بها ان يحرج أمير المؤمنين بسؤال ليس له مثيل ،ولكن هيهات ان يعجز باب
مدينة العلم.
واإلنسان ككائن بايولوجي قابل لالنتكاس دليلة اآليات القرآنية التي تذكر مسخ اقوام إلى
قردة وخنازير ،والبد ان حالة المخلوق المختلط حالة شديدة االنتكاس حالها حال إبليس الذي
يلد ويبيض وربما واللَّه العالم كثير من هذه الكائنات ينكحون ويُنكحون وقد ورد في جملة من
المرويات تم تحويل بعضهم من ذكور إلى اناث على يد الولي بل ان بعضهم تزوج وانجب.
هنا ستقول لي هل ان آدم ناقص األضالع؟
والواضح ان الحديث يسميه «مؤنث» ونحن نسميه حاليا باصطالحنا«خنثى» ،ولكن في النهاية يجب ان يكون هناك مائز
من خالله يمكن تصنيف هكذا مخلوق ضمن خانة الذكور او االناث ومنها اتجاه البول وعدد األضالع والحيظ واالحتالم،
وال نستطيع متابعة مفهوم«المؤنث والمذكر» قرآنياً لعدم وجود هاتين اللفظتين بل ورد في القرآن«ذكر وانثى».
ولفظة«مؤنث ومذكر» حاليا تستخدم في وصف اشياء وكائنات اخرى غير اإلنسان والحيوان فمثالً يُقال«الشمس مؤنث والقمر
مذكر» وال يقال «الشمس ذكر والقمر انثى» ويقال «الجبل مذكر والصخرة مؤنث» وال يقال «الجبل ذكر والصخرة انثى»
الن مفهوم «الذكر واالنثى» مفهوم له عالقة بالجانب الجنسي والفسيولوجي حصرا ً اما مفهوم الذكورة واالنوثة فله عالقة
بتصنيف الكائنات في بعض العلوم ومنها اللغة كما تقول«جمع مذكر سالم» او «جمع مؤنث سالم» وهكذا.
262 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
إذا افترضنا ان آدم ناقص األضالع فهذا ليس شيء معيب الن آدم اصل وما يجري عليه
ال يجري على التكرار من ذريته فهو له احوال خاصة تتعلق بمادة منشأة ونوع العالم الذي كان
يعيش فيه واالحوال التي تجري عليه ،واألحاديث حول موضوع الضلع وردت بعدة صيغ.
منها ما يشير إلى عموم مسألة خلق حواء من آدم ومنها،عن الصادق«سميت حواء النها
خلقت من حي يعني آدم ،(((»عنهم «سميت المرأة امرأة النها خلقت من المرء يعني
خلقت من ادم»(((.
ومنها ما يشير إلى خلق حواء من الضلع ،عن أمير المؤمنين قال«خلقت حواء من
ُصيري جنب آدم«والقصيري هو الضلع االصغر» وابدل اللَّه مكانه لحما»(((.
ق َ
خلقت منه حواء ،عن ابي عبد
ومنها ما يشير إلى المكان المخصص من آدم الذي ُ
اللَّه«وخلق زوجته من سنخه فبرأها من اسفل اضالعه»((( ،عنهم «خلقت حواء من جنب
ادم وهو راقد»(((.
خلقت من فاضل طينة ادم مما يدل على وحدة المنشأ ،عن ومنها ما يشير إلى كون حواء ُ
(((
اإلمام الباقر«انها خلقت من فضل طينة آدم عند دخوله الجنة»
عن عمرو بن ابي المقدام عن ابيه قال :سألت ابا جعفر من اي شيء خلق اللَّه حواء؟
فقال« :اي شيء يقولون هذا الخلق؟» قلت :يقولون ان اللَّه خلقها من ضلع من اضالع آدم،
فقال« :كذبوا كان يعجزه ان يخلقها من غير ضلعه» .فقلت :جعلت فداك يا ابن رسول اللَّه من
اي شيء خلقها؟ قال« :اخبرني ابي عن آبائه قال :قال رسول اللَّه ان اللَّه تبارك وتعالى قبض
قبضة من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضلت من الطين فضلة فخلق
منها حواء»(((.
وبالتالي يمكن الجمع بين كل هذه األحاديث بالقول ان لفظة الضلع قد تطلق ويُراد منها
خلقت من ظلع آدم تعني من طينته» الن الضلع هو جزء من الطينة او بالعكس فتكون عبارة « ُ
((( قصص األنبياء /نعمة اللَّه الجزائري /الباب األول /الفصل األول /ص 38
((( قصص األنبياء /نعمة اللَّه الجزائري /الباب األول /الفصل األول /ص 42
((( تفسير البرهان /البحراني /ج /2ص /154ح5
((( قصص األنبياء /نعمة اللَّه الجزائري /الباب األول /الفصل األول /ص 45
((( تفسير البرهان /البحراني /ج /2ص /154ح6
((( تفسير البرهان /البحراني /ج/2ص /153ح4
((( قصص األنبياء /نعمة اللَّه الجزائري /الباب األول /الفصل األول /ص 46
�������� 263
الشيء كما ان طينة حواء جزء من طينة آدم وإذا قال الحديث «فبرأها من اسفل اضالعه» ربما
تعني من اسفل طينته.
ودليله الحديث التالي.
عن رسول اللَّه....«اذ اقبل الحسن بن علي يمشي على هدوء ووقار فنظر اليه رسول
اللَّه وقال« :ان جبرئيل يهديه وميكائيل يسدده وهو ولدي والظاهر من نفسي وضلع من
(((
اضالعي هذا سبطي وقرة عيني بابي هو»...
فيكون معنى الضلع هو «الجزء» فهو ضلع من اضالعي اي جزء من اجزائي وينطبق
الحديث على اإلمام الحسين ايضا لقول الرسول الكريم«حسين مني وانا من حسين».
وفي هذه الفقرة عموما احاول الوصول فيها إلى فهم يتعلق بموضوع تعارض األحاديث،
فكلنا يعلم ان في األحاديث متعارضات ،وهناك اساليب عديدة وردت في أحاديث آل محمد
لفهم التعارض ،حتى ع ّدو سالم اللَّه عليهم فهم التعارض من اعلى مراتب التفقه لقولهم
«انتم افقه الناس إذا عرفتم معاريض كالمنا» او معاني كالمنا ،والتعارض عندي ليس في
كالمهم بل في عقولنا الننا جعلنا عقولنا ميزان قبل كالمهم ،فإذا لم نفهم الحديث قلنا عنه
متعارض ،وهنا ساخذ نموذج كثر فيه الكالم ،وهو موضوع خلق حواء من ضلع ادم ،فهناك
في األحاديث ما يشير إلى انها خلقت من ضلعه ،وهناك ما يشير إلى انها خلقت من فاضل
طينته ،وملخص ما اريد قوله اننا إذا بقينا نفكر بالمعنى اللغوي العام لاللفاظ وبالتبادر الذهني
للمعاني بموضوع الضلع كونه موضوع بايولوجي ربما لن نصل إلى نتيجة واضحة ،وليس
هناك تعارض في األحاديث بل كل حديث يشرح جانب من جوانب الموضوع ويستدل عليه
بطريقة مختلفة ،على سبيل المثال هناك حديثان متعارضان يمكن فهم التعارض بالقول ان األول
يُفهم فلسفياً والثاني يُفهم علمياً او رياضياً او اي دليل معرفي ،وفي هذه الفقرة يمكن ان يكون
موضوع خلق حواء من ضلع آدم له عدة طرق للشرح والبيان ،منها طريقة بايولوجية كما يفهم
البعض ،ومنها طريقة رقمية عددية كما نحاول اثباته.
المعروف في النص الديني اإلسالمي ان حواء خلقت من ضلع آدم ،والمتبادر الذهني
لمعنى الضلع هو ذلك العظم الموجود في صدر اإلنسان ،وتؤيد هذا المعنى بعض النصوص
الروائية ،وبعض النصوص تشير إلى ان حواء خلقت من بقية طينة آدم فيكون الضلع هنا
بمعنى الجزء او المتبقي من الشيء ،وبعض المعاني تشير إلى ان الضلع هو ركن من اركان
الشيء كما تقول اضالع المربع كشكل هندسي .وقد تكلم الشيخ احمد االحسائي في بعض
مؤلفاته كون مفهوم الضلع في آدم هو نظام رقمي له اضالع ،مما يفتح افق جديد لفهم بعض
النصوص الدينية وفق مبادئ رياضية ،فهو هنا ال يتعامل مع آدم ككائن عضوي بل كمنظومة
رقمية عددية تجعلك تنظر للنص الروائي نظرة اخرى.
يقول الشيخ االحسائي«اقول اعلم ان المثلث اول االشكال واعظمها وهو شكل ابينا ادم
الن آدم ابو البشر واولها وهذا ابو االشكال واولها والن السطح اقل ما يتركب من ثالث نقط
وانما قيل انه شكل آدم الن بسايطه خمسة واربعون وهذا مثاله
6 1 8
7 5 3
2 9 4
ثالثة اضالع كل ضلع خمسة عشر ومجموعها خمسة واربعون وهو مجموع آدم وينسب
إلى شيث النه ابن آدم وحواء واسم حواء خمسة عشر وذلك ضلع واحد من المثلث الذي
مجموعه آدم فحواء من ضلع آدم اال ان حوا من ضلع المثلث المائي الن طبع الذكر حار
يابس وطبع الوأنثى بارد رطب والمثلث له اربع صور كما ذكرنا .................فحواء من
(((
الشكل المائي من الضلع االيسر الذي في وسطه الواحد ».......انتهى كالمه
وبقصد الشيخ االحسائي بعبارته«الن بسايطه خمسة واربعون» ،بمعنى انك لو جمعت
االعداد « »9+8+7+6+5+4+3+2+ 1لكان الناتج «،»45واسم ادم في علم الجفر يساوي
« »45كالتالي:
ادم «ا +د +م» «»45« »40 + 4 + 1
والرقم « »45في علم االوفاق يرسم هكذا
6 1 8
7 5 3
2 9 4
(( ( جوامع الكلم /الشيخ احمد االحسائي /ج /8الرسالة الرشتية /ص / 370 - 369مطبعة الغدير
�������� 265
ولما كانت عناصر التخليق اربعة ،فيكون كل ضلع عنصر من عناصر التخليق األربعة ،النار
والهواء والماء والتراب ،يتبعها اربعة اضالع ،الضلع الناري ،والضلع الهوائي ،والضلع المائي،
والضلع الترابي ،وحواء خلقت من الضلع االيسر المائي كما في الرسم التوضيحي ادناه.
ولو دققت النظر في هذه االرقام لوجدت ان كل عملية جمع لهذه االرقام من اليسار إلى
اليمين او من اليمين إلى اليسار او من االعلى إلى االسفل او من االسفل إلى االعلى او حتى
بشكل متعرج ستجد الناتج دائما هو « »15وحواء في علم الجفر تساوي «.»15
حواء «ح +و +ا» «»15« »1 + 6 + 8
الحظ ان الضلع االيسر المائي تسلسل ارقامه هي « »6 + 1 + 8وهي مطابقة لحروف كلمة
حواء لذلك قال انها خلقت من الضلع االيسر المائي.
وللشيخ االحسائي كالم اخر في مورد اخر فيه شيء من الصعوبة واالبهام ولكن معناه العام
كما فهمته هو كما شرحت لك اعاله(((.
ويمكن ان نستثمر هذا التصور الذي يقول به الشيخ االحسائي الستخراج معاني اخرى
حول آدم وحواء والطبيعة البشرية عموماً ،من خالل القول ان آدم وقصة الخليقة يمكن فهمها
من جوانب اخرى متعلقة بآدم كصورة وشكل هندسي ونظام رقمي ،فادم باالصل منظومة رقمية
على هيئة وفق اضالعة الطبائع األربعة ،فآدم خلق من تراب اال ان ذلك التراب قد استجنت
فيه النار والماء والهواء ولكن الغلبة كانت لعنصر التراب ،فآدم كمعنى اخر منظومة رقمية
وهندسية حواء احد اضالعها ،وهذا ما يؤكد الشيخ االحسائي بقوله« .........نقص منه الضلع
االيسر اشعارا بانها انما اخذت من ظاهره اي من صفته ال من جسده كما يقول الجاهلون.(((»...
((( راجع جوامع الكلم /الشيخ احمد االحسائي /ج /8الرسالة الرشتية /ص / 628 -627 -626مطبعة الغدير
((( جوامع الكلم /الشيخ احمد االحسائي /ج /8الرسالة الرشتية /ص / 628مطبعة الغدير
266 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
ووبما ان مجموع االرقام في كل ضلع يساوي« ،»15فكل ضلع يعطي حواء ،اال ان الشيخ
االحسائي يقول «والمائي مفتاحه البيت االوسط من الضلع االيسر»((( ،اي الرقم « ،»1اي
ان حواء المائية مفتاح ظلعها هو الرقم« ،»1ويمكن من خالل النظر للجدول اعاله القول ان
حواء النارية اي الضلع االعلى مفتاحها الرقم« ،»3وحواء الهوائية اي الضلع االيمن مفتاحها
الرقم« ،»9وحواء الترابية اي الضلع االسفل مفتاحها الرقم« ،»7فربما تكون لهذه االرقام دالالت
خاصة في علم الجفر نستطيع ان نفهم منها شيء ،ولكن المالحظ ان هذه االرقام التي هي
مفاتيح األضالع كلها ارقام فردية ،مما يشير إلى ان آدم باالصل زوجي وحواء فردية ،وربما فيه
ُ
ٌ َ داللة لقوله تعالى﴿ ل َِّذل َكر مِثْ ُل َح ّ ِظ ْالنثَ َي ْي ۚ﴾((( ،او قوله ﴿ َول ّ
ِلر َجا ِل َعليْ ِه َّن َد َر َجة ۗ﴾(((،اي ان
ِ ِ ِ
الذكر ياخذ حصة مضاعفة من حصة االنثى ،وبالتالي دائماً سهم الرجل زوجي وسهم المرأة
فرديا ،مما يؤكد ان لالحكام الشرعية اصل رياضي هندسي تخليقي تابع لطبيعة المخلوق نفسه،
وربما في كالم الشيخ االحسائي اشارة إلى معنى اخر اذ قال«ولما خلق ادم كان لقربه من
النور فيه الوجود والعقل اكثر من حواء لبعدها بالنسبة اليه عن النور فكان فيه ثلثان من العقل
اجا﴾ فكان قد خلق حواء من نفس ِك ْم أَ ْز َو ً
ُ َ ُ َ َ َ ُ
وثلث من النفس قال تعالى﴿خل َق لكم ّم ِْن أنفس
آدم ال من عقله فكان فيها ثلثان من النفس وثلت من العقل فالخلق من آدم من النوع
والمقدار والوضع ال من الذات والمثال الجامع لذلك شكل المثلث وهو باعتبار وضعه اربعة
(((
اقسام ناري وترابي وهوائي ومائي»
وعليه يمكن القول ان كل ضلع له مواصفات خاصة تابعة للتسلسل الرقمي في ذلك
الضلع،
فالضلع الناري تسلسله الرقمي هو«»8+3+4
والضلع الهوائي تسلسله الرقمي «»2+9+4
والضلع المائي االيسر تسلسه الرقمي هو«»6 +1 +8
والضلع الترابي االسفل تسلسله الرقمي هو «»6+7+2
وهذه ارقام وان كان مجموعها واحد وهو « »15لكل ظلع اال انك لو حذفت عالمة الجمع
((( جوامع الكلم /الشيخ احمد االحسائي /ج /8الرسالة الرشتية /ص /627مطبعة الغدير
((( النساء11/
((( البقرة228 /
((( جوامع الكلم /الشيخ احمد االحسائي /ج /8الرسالة الرشتية /ص /627مطبعة الغدير
�������� 267
لكانت االرقام هكذا« »276«»16 8«»492«»438وهذه ق ّيم مختلفة كما ترى يتبعها اختالف
في طبيعة كل حواء فحواء المائية ال تشبه الترابية والترابية ال تشبه النارية وهكذا الن هذا نظام
هندسي رقمي ،وهذا التصور تجد له مطابق في النظام الحروفي ،فكما انه يمكن تشكيل عدة
ارقام من ثالث اعداد كما في األضالع كذلك يمكن تشكيل عدة الفاظ من ثالث حروف ،مثل
الحروف الثالثة «ق -ر -ب» ،فيمكن ان تكون «قبر» ،ويمكن ان تكون «بقر» ،ويمكن ان تكون
«برق» ،وكما ترى الحروف نفسها إال ان اختالف ترتيبها يعطي مفاهيم مختلفة جدا ً ،وكذلك
المرأة الترابية والنارية والهوائية والمائية كل واحدة لها خصيصة ومعنى حسب تسلسلها في
عالمها الرقمي الذي اسمه الضلع.
وهذا معنى ان حواء خلقت من ضلع ادم على موجب الفهم الرقمي والمنظومة الهندسية
لخلق االشياء ،ومن هنا افهم بشكل ذوقي لماذا حلل اللَّه للرجل اربعة نساء﴿فَانك ُ
حوا َما َط َ
اب ِ
َ َ ُ ّ َ ّ َ َ َْٰ َُ َ
ن َوثلث َو ُر َباع ۖ ﴾((( .الن ادم في اصل تخليقه من اربعة اضالع يمكن ان لكم مِن النِساءِ مث
تكون له زوجة من ظلعه الناري او الترابي او المائي او الهوائي ،لذلك ورد في األحاديث على
ما اذكر ان المؤمن ال يدخل إلى الجنة إال إذا ُعقد له على اربعة نساء ،الن هذا هو استحقاقه
التخليقي ،ولكنه في الدنيا في عالم الخلط والمزج ال تعتدل طبائعه لذلك ال يستطيع ان يعدل
َ
َ ْ َ َ ْ ُ ْ ((( َ ََ َْ َ ُ َ َْ ُ ََْ ّ
بين النساء ﴿ولن تست ِطيعوا أن تعدِلوا بي النِساءِ ولو حرصتم ۖ﴾ ،لكن المؤمن في الجنة تعتدل
طباعه وتصفوا امزجته ويعود الصل منشأه ،فيستطيع ان يعدل بين اربعة نساء وكل واحدة منهن
تمثل جزء من اصله التخليقي.
خلقت من الضلع المائي الدم كما يقول الشيخ احمد االحسائي«الن طبع الذكر وحواء ُ
حار يابس وطبع االنثى بارد رطب» ،والذي اضنه ان حواء خلقت من الضلع المائي بالذات
لغلبة عنصر التراب على ادم وهو طبع الحار اليابس ،والتراب يميل للماء اكثر من بقية
العناصر النه بارد رطب ،فبه يمتزج التراب متحوال إلى طين ،فحواء ادم من الماءال تخلق من
ضلع النار او الهواء او التراب لعدم امكانية امتزاج هذه العناصر مع التراب ،وقوله تعالى ﴿ َوم ِْن
ُ َّ َ َ َ َ ْ َ ََ ُ ّ ُ
ُ َ َ ٌ َ َ ُ َ ((( َ
اب ثم إِذا أنتم بش تنت ِشون﴾ ،اي غلبة عنصر التراب عليه واستجنان آياتِهِ أن خلقكم مِن تر ٍ
بقية العناصر فيه ،كما قال الرسول الكريم«ما بُعث نبياً إال وهو صاحب ُمرة سوداء» ،والذي
افهمه ان ال ُمرة السوداء من االخالط األربعة التي تغلب على اإلنسان الذي فيه نسبة التراب اكثر،
((( النساء3/
((( النساء129/
((( الروم20/
268 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
لذلك كان األنبياء اعقل الناس فمن زاد فيه التراب زاد فيه العقل.
ومن هنا ال يستطيع اإلنسان في الدنيا ان يعدل مع اربعة نساء الن اإلنسان في الدنيا عناصره
ليست صافية وال معتدلة ،اما في الجنة فتعتدل الطبائع ويستطيع ذلك بان تخلق له من كل ضلع
زوجة ،فهو باعتداله يستطيع االمتزاج مع الترابية والنارية والهوائية والمائية.
واقصد بالترابيات هي التي مكوناتها يغلب عليها عنصر التراب((( ،واقصد بالمائيات هي
التي مكوناتها يغلب عليها عنصر الماء ،والهوائيات هي التي مكوناتها يغلب عليها عنصر الهواء،
فالتي تُخلق من التراب «ادمية» ،اي يغلب عليها عنصر التراب
والتي ت ُخلق من النار «جنية» ،اي يغلب عليها عنصر النار
التي تُخلق من الهواء «ملكية» حورية ،اي يغلب عليها عنصر الهواء
والتي ت ُخلق من الماء «انسية» ،اي يغلب عليها عنصر الماء
وحسب هذا التصور الرقمي الهندسي القانوني تكون امهات األنبياء واالوصياء مائيات،
اي يغلب عليهن العنصر المائي كما هو حال حواء ،فه ّن حسب هذا التصور ال يُطلق عليهن
اسم ادميات بل «انسيات» ،والتي تخلق من الضلع الناري البد ان تكون «جنية» ،وقد ورد في
الحديث زواج ابن آدم من الجنية(((،وهذا النظام الرقمي القانوني بهذا الشكل يشير إلى
َّ َ َ ُ َّ ْ َ ْ َ ْ ْ ُ َّ ٌ َ َ
نس قبْل ُه ْماصات الطر ِف لم يط ِمثهن إ ِ
امكانية زواج البشر من الجنيات،قوله تعالى﴿فِي ِهن ق ِ
ٌّ َ
َول َجان﴾((( ،والتي ت ُخلق من الضلع الهوائي هي الملكية اي «الحورية» و ُه ّن من سكان الجنة
حصرا ً ،والتي تخلق من الضلع الترابي هي «االدمية» و ُه ّن عموم النساء االدميات ،اما امهات
((( ربما ستقول لي انك قلت ان األنبياء اصبحوا أنبياء الن في اصل تخليقهم نسبة التراب اكثر وانت هنا تقول ان النساء في
الدنيا ترابيات لغلبة عنصر التراب عليهن فهن بهذه الحالة مع األنبياء سواء؟ اقول :كلنا في هذه الدنيا ترابيين سواء أنبياء ام
رجال ام اناث لغلبة عنصر التراب على كل صنف اإلنسان ولكن هذه النسبة تختلف من مخلوق الخر ففي األنبياء عالية
جدا وفي المؤمنين اقل وفي الرجال اقل وفي النساء اقل واقصد بالغلبة انها ال تسمح الحد العناصر االخرى ان تتغلب
عليها على سبيل المثال لو كان في األنبياء اربعة عناصر كما في كل البشر «نار هواء ما تراب» فهم ترابيين مثال لكون
« »%90من تركيبهم ترابي والمؤمن « »%80من تركيه ترابي والرجل « »%70من تركيبه ترابي والمراة « »%60من تركيبها
ترابي فكلهم غلب على تركيبهم عنصر التراب باعتباره لم ينقص عن نسبة« »%50اال انهم يختلفون في كمية التراب
وجل
((( عن ابي عبد اللَّه.....«من حديث طويل في احوال آدم....قال :ثم ولد له اثر عناق قابيل فلما ادرك أظهر اللَّه ع ّز ّ
جنية من ولد الجان يقال لها جهانة في صورة انسية فلما رأها قابيل أحبها فأوحى اللَّه إلى آدم ان يزوج جهانه من قابيل»....
قصص األنبياء /نعمة اللَّه الجزائري /في قصص ادم وحواء واوالدهما /ص75
((( الرحمن56 /
�������� 269
االوصياء فه ّن «موضع سر اللَّه» النه ّن من الماء ،لذلك كانت احوالهن تختلف عن بقية النساء
من حيث طهارة المنبع وطهارة األرحام حتى ورد في الحديث «ان بنات األنبياء ال يطمثن
وال يجري عليهن ما يجري على النساء» وبالتالي فان هذه الخصائص المائية ستنعكس على
المواليد الذين يخرجون منهم ،وقد ذكرت األحاديث ان اإلمام علي واوالده من الماء ،قوله
َ َ َ َ ْ َ َ َ ً َ َ َ َ ُ َ َ ً َ ْ ً َ َ َ َ ُّ َ َ ُ َّ
ً (((
ك قدِيرا﴾ صهرا ۗ وكن رب تعالى﴿ َوه َو الِي خلق مِن الماءِ بشا فجعله نسبا و ِ
َ َ َ َ َ َ َْ ََ ً َ َ َ َُ َ ُ َّ
ص ْه ًرا ۗ َوكن
شا فجعله ن َس ًبا َو ِ عن اإلمام الباقر«في قوله تعالى﴿ َوه َو الِي خلق مِن الماءِ ب
ِيرا﴾،قال«هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصالة والسالم» وفي ك قَد ً
َ ُّ َ
رب
رواية «البشر الرسول والنسب فاطمة والصهر علي صلوات اللَّه عليهم اجمعين»(((.
والذي يجول في خاطري القاصر ان األئمة عليهم السالم في الدنيا إذا ارادوا ان يُنجبوا
االوصياء تزوجوا بالمائيات اي االنسيات وهم يعرفونهن لعلم خاص عندهم ،وإذا ارادوا ان
ينجبوا من هو دون الوصي تزوجوا من الترابيات اي االدميات ،وربما واللَّه العالم يكون لهذه
القانونية ظهورات اخرى حسب هذا التصور ،فان امهات ابناء األئمة الذين هم دون مرتبة
االمامة والوصاية ،تالحظ المهاتهم شأن خاص ،والوالدهن ايضا شأن خاص ،فه ًن اعلى من
االدميات وادنى من االنسيات مثل ام البنين واوالدها عليهم سالم اللَّه اجمعين.
والراجح واللَّه العالم اما ان تكون موالتنا الزهراء عليها السالم من الضلع المائي فقط وهو
عندي غير صحيح النها ستتساوى مع االنسيات وهذا محال لكونها «سيدة نساء العالمين» ،واما
ان تكون من المائي والهوائي معا فتكون هي «حوراء انسية» كما ورد في الدعاء «السالم على
الحوراء االنسية» ،او هي فيها كل خواص األضالع األربعة فتكون هي «الحجة عليهم» كما ورد
حجيتها عليهم جة علينا» ،،وهذا هو مقام ُ في الحديث عن اإلمام العسكري«وجدتي فاطمة ُح ّ
صلوات اللَّه عليهم اجمعين ،ومن هنا لم يكن لها عليها السالم كفؤ حتى من األنبياء إال اإلمام
علي ،فال احد من األنبياء يمكن ان تجتمع فيه العلل األربعة للتخليق ،الن األنبياء ليسوا علّة
بل معلولين ،وآل محمد هم علّة كل شيء،فالعلّة ليس لها كفؤ إال علّة مثلها ،فال يمكن ان
تتساوى العلّة مع المعلول ،وال الموصوف مع الصفة ،وال المؤثر مع االثر ،والشرفية دائما للعلّة،
والتبعية دائما للمعلول ،الن العلّة خالق والمعلول مخلوق ،وموالتنا فاطمة الزهراء كونها علّة
ليست علّة لالشياء بل هي علّة للعلل ،فهي ينبوع علل األئمة ومنها الصورة ،واإلمام علي
استَ ْس َقاهُوس إذِ ْ هو علّة كل شيء ومنه المادة ،فكان هو العصا وهي الحجر﴿ َوأَ ْو َحيْ َنا إ َ ٰ ُ َ
لم ٰ ِ ّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ ً َ ْ َ َ ُ ُّ ِ ُ
ْ ُ َ ْ َّ
اس م َ َ الج َر ۖ فانبجست مِنه اثنتا ع َ َُُْ َ ْ
اضب بعصاك َ
شبهم ۚ﴾(((. شة عينا ۖ قد عل ِم ك أن ٍ قومه أ ِن ِ ِ
ومن مقامها كعلّة لهم صلوات اللَّه عليهم نعرف لماذا اقترنت ليلة القدر بها كون االوامر
تنزل على األئمة في تلك الليلة لسنة كاملة ،عن ابي عبد اللَّه من حديث « ......واما قوله
َْ َ تعالى ﴿ َلْلَ ُة الْ َق ْدر َخ ْ ٌ
(((
ي ّم ِْن أل ِف ش ْه ٍر﴾((( يعني فاطمة سالم اللَّه عليها»...... ِ
ومن هنا كانت عليها السالم سيدة نساء العالمين لعدم وجود هذه الخصيصة التخليقية في
ْ َ َ
تغيرها كونها علّة ،فمريم اصطفيت النها الوحيدة في زمانها من الضلع المائي﴿ِإَوذ قال ِ
ني﴾((( ،ومن هنا نستنتج ِ اص َط َفاكِ َ َ ٰ
ع ن َِساءِ الْ َعالَم َ كِ اكِ
ْ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ َّ َّ َ ْ
اص َط َف َو َط َّه َر َو ْ
الملئِكة يا مريم إِن الل
ان طهارة بنات األنبياء وامهات األنبياء واالوصياء لها اصل قانوني كونهن من منشأ مائي،
ني﴾ في زمانها، ع ن َِساءِ الْ َعالَم َ
ِ فكانت مريم في زمانها سيدة المعلوالت،لذلك قال عنها﴿ َ َ ٰ
اما الزهراء فاصطفائها كونها علّة ،فهي اما من ضلعين او من اربعة اضالع ،والراجح ان لكل
حال مقام ،فاجتماع األضالع األربعة فيها في مقام كونها علّة لالئمة وهو مقام دهري ،اما
في مقامها الزماني فهي من ضلعين مائي وهوائي ،اما من كانت علّة لكل زمان فهي «سيدة نساء
ني» ال تخص عالم واحد بل كل ما خلق اللَّه مما يرجح كونها عليها العالمين» ،ولفظة «الْ َعالَم َ
ِ
الصالة والسالم حاوية لالضالع األربعة ،وليس لها كفوا اال الذي فيه األضالع األربعة واللَّه
العالم.
ومن هنا ال يمكن ان يكون لموالتنا الزهراء كفؤ إال اإلمام علي الن اضالعة األربعة
كلها زهراء ،وال يمكن الي نبي ان يصل إلى مرتبتها النها على قمة االعتدال والصفاء فال
يتزوجها اال من كان على قمة االعتدال والصفاء ،فلم يجمع اإلمام علي مع الزهراء زوجة في
حياتها النها ال يعادلها احد من النساء.
ومن هنا نعرف ان طهارة االنسيات المائيات لها داللة اخرى كون الشيطان ال يستطيع
االقتراب منه ّن لهذه الخصيصة الموجودة في اصل طبيعتهن ،فالشيطان ناري واقترابه من الماء
ّ ُ ُ َ َ َ ُ ّ َّ َ َ َ َّ
الشيْ َطان َّ
الر ِجي ِم﴾((( ،وهذه الخصيصة ايضا تشمل ِ ِإَون أعِيذها بِك وذرِيتها مِن
ينهي وجودهِ ﴿ ،
ْ َ
ذريتها بنص اآلية ،بينما يستطيع الشيطان ان يشارك اإلنسان باالدميات الترابيات ﴿ َوشارِك ُه ْم ِف
ََْْ َ ََْْ
ِ
الموا ِل والولد﴾ ،
(((
ومن هنا يمكن ان نفهم ان امهات االوصياء في اصل تخليقهن يختلفن عن بقية النساء(((.
ومن جانب اخر فلفظة آدم كما افهم ليست اسم علم ،بل هي رتبة وتعني «االصل في
كل شيء» ،فاصل كل شيء ادمه ،وبالتالي يتعدد مفهوم آدم حسب طبيعة كل مفهموم ،فهناك
آدم كبير وهو االصل لكل االوادم كرتبة وهو حقيقة الرسول المصطفى ،وهناك آدم وسيط
وهو خليفة آدم الكبير في كل العوالم وهو حقيقة اإلمام علي ،وهناك آدم الصغير الذي هو
آدم دورتنا الذي انحدر منه النوع اإلنساني ،وهناك آدم الذي هو كل افراد النوع ،وبالتالي فان
حواء كمفهوم بتعدد االوادم ايضاً ،فحواء آدم الكبير السيد االكبر يجب ان تكون هي حواء
الكبرى ،وحواء الكبرى هنا ال تحمل مفهوم الزوجة بل تحمل مفهوم «البضعة» ،كما قال رسول
اللَّه«فاطمة بضعة مني» ،وحواء آدم الوسيط هي حواء الوسيطة «سيدة نساء العالمين» ليس
لها كفوء إال آدم الوسيط ،فاوالدها من علي وابوهم الرسول محمد لهذه الخصيصة
العجيبة التي تشترك بها مع ادم الكبير وآدم الوسيط ،ومن هنا قال اإلمام الصادق «انما سميت
ِ
فداك جعلتعن ابي بصير قال :قال ابو عبداللَّه« يا أبا محمد أي شيئ يقول الرجل منكم أذا دخلت عليه امرأته»؟ قلتُ :
أيستطيع الرجل ان يقول شيئاً؟ قال«االأعلمك ما تقول»؟ قلت :بلى .قال :تقول«بكلمات اللَّه أستحللت فرجها وفي امان
اللَّه أخذتها اللَّهم أن قضيت لي في رحمها شيئاً فاجعله بارا ً تقياً واجعله مسلماً سوياً وال تجعل فيه شركاً للشيطان» قلت:
وباي شيئ ي ُعرف ذلك؟ قال« :أما تقرأ كتاب اللَّه عز وجل .ثم ابتداء هو﴿وشاركهم في االموال واألوالد﴾ فإن الشيطان
حدث الرجل ويُنكح كما ينكح» .قلت :بأي شيئ ي ُعرف حدث كما ي ُ يجئ حتى يقعد من المرأه كما يقعد الرجل منها وي ُ
ذلك؟ قال«بحبنا وبغضنا فمن أحبنا كان من نطفه العبد ومن أبغضنا كان من نطفه الشيطان» الكافي/الكليني /ج / 5ص
/ 502ج 2نقالً عن البرهان/ج / 4ص /577ح3
راجع كتابنا المزايلة فقد فصلنا فيه الكالم حول هذا الموضوع
((( ان اختالف نسب مكونات االدميات الترابيات من امراة إلى اخرى ربما يقودنا إلى استنتاجات كثيرة فكل االدميات
يتساوين بنسبة التراب اال ان بقية العناصر ربما تزيد وتنقص من واحدة إلى اخرى فعلى سبيل المثال إذا افترضنا ان كل
امراة متكونة من « »100جزء « »70جزئ ترابي و « »20ماء و « »5هواء و « »5نار ،ومن خالل هذ النسبة تكون االدميات
ترابيات لغلبة عنصر التراب ولو زادت نسبة الماء في احدهن بحيث اصبحت اعلى من المقرر بان تكون « »35ماء وقلت
فيها نسبة الهواء والنار فهي اقرب للطهارة من بقية النساء االدميات وهكذا وربما من زادن فيها نسبة النار عن المقرر كانت
عرضة لمس الجان مثال واللَّه العالم
272 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
فاطمة فاطمة الن الخلق فُطموا عن معرفتها» ،اما حواء آدم الصغير هي ام البشرية المخلوقة من
ضلعه المائي ،وربما كل امهات األنبياء واالوصياء حواء بهذا المعنى ،اما حواء الترابية فهي
حواء كل انسان ،اي حواء النوع اإلنساني ،وهي متعددة بتعدد افراد النوع ،وهي عموم نساء
االوادم.
ولفظة الضلع يمكن ان تجري على ادم الكبير كون اضالعه األربعة هم أهل بيته صلوات
اللَّه عليهم اجمعين ويؤيده الحديث التالي.
عن رسول اللَّه....«اذ اقبل الحسن بن علي يمشي على هدوء ووقار فنظر اليه
رسول اللَّه وقال«ان جبرئيل يهديه وميكائيل يسدده وهو ولدي والظاهر من نفسي وضلع من
اضالعي هذا سبطي وقرة عيني بابي هو.(((»...
فالبد ان اضالع رسول اللَّه األربعة هي «علي وفاطمة والحسن والحسين» صلوات اللَّه
عليهم اجمعين ،فهو العلّة السرمدية لهم وهم العلّة الدهرية لالشياء.
ويمكن القول بمعنى اخر ان حواء الكبرى«الصديقة الكبرى» حواء ادم الكبير كونها علّة
وجودية فيها األضالع األربعة للتخليق ،اما حواء ادم الوسيط فهي من ضلعين وهي «الحوراء
االنسية» ام الحسنين صلوات اللَّه عليهم اجمعين ،ومن هنا نفهم إذا تزوج النور من النور ولد
ُ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ ٌ َّ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ َ َْ َ
ان فبِأ ِّي آلءِ َر ّبِك َما ان بينهما برزخ ل يبغِي ِ اللؤلؤ والمرجان﴿مرج الَحري ِن يلتقِي ِ
ُ ُّ ْ ُ ْ َْ ُ َ َّ
ان ي ُر ُج مِنْ ُه َما اللؤل ُؤ َوال َم ْر َجان﴾((( ،الن اإلمام علي وفاطمة عليهما السالم في قمة
تكذِب ِ
اعتدال الطبائع واصفى العناصر ،فالعصى والحجر هم من اعتدل طبائعهم وتوحدت طينتهم
َ َ َ َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ً َ ْ َ َ ُ ُّ ُ َ
اس فما خرج منهم ليس بالوالدة بل باالنبجاس﴿فانبجست مِنه اثنتا عشة عينا ۖ قد عل ِم ك أن ٍ
َ َ َّم ْ َ
ش َب ُه ْم ۚ﴾((( ،فالعصى ادم الدهري ورب الكرسي ،والحجر حواء الدهرية وام النجوم﴿فل
عن ابن عباس في قوله عز وجل «مرج البحرين يلتقبان بينهما برزخ ال يبغيان» قال«مرج البحرين» علي وفاطمة عليهما السالم
«بينهما برزخ ال يبغيان» قال :النبي« يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان» قال :الحسن والحسين عليهما السالم» تاويل
االيات/ج/2ص /636ح ،13كذلك تفسير البرهان /البحراني /ج/7ص /378ح5
((( األعراف 160 /
�������� 273
ج ِ
وم﴾((( ،اما ما دون ذلك اي حواء ادم الصغير فال ترتقي لما فوقها ابدا ً الن تلك أُقْس ُِم ب َم َواق ِعِ انلُّ ُ
ِ
مقامات التي فُطم الخلق عن معرفتها والتي على معرفتها دارت القرون األولى.
محاولة لشرح عبارة الحاج الكرماني
وللتوسع اكثر يمكن ان نستفاد من كالم الحاج محمد كريم خان الكرماني في هذا الموضوع
في معرض شرحه عن مقطع من حديث النورانية لإلمام علي وهي عبارة الحديث «وصار
محمد طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى».
يقول«فاعلم ان «طا» قواه تسعة وهي تمام اآلحاد ومبادى االعداد عليه يدور رحي جميع
المراتب وكل االعداد من تنزالته وتنزالت تنزالته وهكذا ،و«الهاء» تنزل االلف بعد حركته ،وقواه
خمسة ،وهي مع التسعة اربعة عشر ،والهاء قطب التسعة يدور رحاها ،وإذا ضرب «الطاء» في
«الهاء» حصل «مه» ،وإذا ضرب «الطاء» في نفسه حصل «فا» ،فإذا تطرفا «الطا» حصل «فاطمة»
وهي مجمع األربعة عشر ،و «الطا» بزبره وبيناته عشرة ،و«الهاء» ستة فإذا ضرب العشرة في
الستة حصل ستون ،وهي «س» كما مر انه اسم محمد ،وإذا ضرب عشرة في خمسة حصل
«نون» وهو ايضا محمد ،فعلى اي حال«طه» هو مجموع األربعة عشر وهو محمد في مقام
ٰ َ َ َ َْ َ َْ َ ُْ ْ َ َ ْ َ
الجمع وقوله﴿ما أنزلا عليك القرآن ل ِتشق﴾ هو علي انزله اللَّه عليه لينعم ال ليشقى النه
نعمة اللَّه عليه وهو الكتاب الناطق الذي انزله اللَّه على محمد الذي احصى كل شيء فيه
شء أَ ْ
ح َصيْ َناهُ ف إ َمام ُّ ُ َّ َ
ني﴾ وهو ناصره ومعينه ويده وسيفه ونعيمه وجنته ِ ٍ بم ٍ ِ ِ كما قال﴿ َوك ْ ٍ
وروحه وريحانه» انتهى كالمه(((.
والعبارة بمجملها تحتاج إلى شرح تفصيلي ،وفيها دليل من خالل علم الجفر والرياضيات
على المفاهيم التي يتحدث عنها القرآن واألحاديث والزيارات ،ولها واقع هندسي رياضي
يمكن من خاللها معرفة قانونية عمل االشياء ،وقانونية العالقة بين األنوار األربعة عشر ،وقانونية
ظهوراتهم في العوالم والرتب ،وصفات مراتبهم صلوات اللَّه عليهم ،وهو كما ارى باب من
العلم ال ينفد.
ولكي يكون معنا القارئ في الصورة فعلم الجفر هو علم يتم فيه تحويل الحروف إلى ارقام
من خالل معرفة القيمة العددية لكل حرف كما في الجدول ادناه.
ي ط ح ز و هـ د ج ب ا
10 9 8 7 6 5 4 3 2 1
ق ص ف ع س ن م ل ك
100 90 80 70 60 50 40 30 20
غ ظ ض ذ خ ث ت ش ر
1000 900 800 700 600 500 400 300 200
الصادق«كنا نعبد اللَّه في ظلة خضراء قبل ان يخلق الخلق» حيث مقام اآلحاد حيث ال سماء
مبنية وال ارض مدحية وال شمس تنير وال قمر سار وال نجم يلمع صلوات اللَّه وسالمه عليهم
اجمعين ،فهي هناك صلوات اللَّه عليها قطبهم وسرهم الخاص الذي يدورون عليه وهو السر
المستودع فيها ،والذي سيبقى سر تدور عليه رحى القرون.
وقوله «وإذا ضرب «الطاء» في «الهاء» حصل «مه» ،وإذا ضرب «الطاء» في نفسه حصل
«فا» ،فإذا تطرفا «الطا» حصل «فاطمة» وهي مجمع األربعة عشر».
يعني إذا ضرب «ط xهـ»«»٤٥ = ٥ x ٩
الن «م +هـ» « »45= 5+40فيكون «طه مه»
وإذا ضرب «الطاء» في نفسه اي « »81= 9x9
و«فا» هي «ف+ا» «»81 =1+80
وقوله «فإذا تطرفا «الطاء» يعني ان يكون «فا» على الطرف االيمن من «ط» ،و«مه» على
الطرف االيسر من «ط» نتج اسم «فاطمة» ،وبالنتيجة هذه قانونية حسابية حروفيه رقمية باستخراج
اسم «فاطمة» من «طه» ،الن «طه» مجمع األربعة عشر فتكون «فاطمة» بحكم التقابل العددي
هي ايضا مجمع األربعة عشر ،وهذا امر يجب النظر اليه بعين خاصة الن التأمل فيه يظهر اسرار
كثيرة.
وقوله «و«الطا» بزبره وبيناته عشرة ،و«الهاء» ستة فإذا ضرب العشرة في الستة حصل ستون،
وهي «س» كما مر انه اسم محمد ،وإذا ضرب عشرة في خمسة حصل «نون» وهو ايضا
محمد.»
وهنا يستخدم الحاج الكرماني مستوى اخر من علم الجفر اليجاد العالقة الرقمية بين «ط،
هـ ،س ،ن» وهو موضوع «الزبر والبينات» ،فحرف«ط» قواه « ،»9اما إذا كُتب «طا» اي من
جرفين «ط »1+فيكوم « »10= 1+9فيكون « »9هو زبر «ط» و «ا» بينات «ط» ،وكذلك «ها»
فهي إذا كتبت «هـ» فقط كانت قواه« »٥اما إذا كتبت«ها» اي « ،»6 = 1+5فيكون«ها» زبره
وبيناته هو «.»6
فإذا ضربت «ط xهـ» بزبرها وبيناتها يكون « ،»60= 6 x 10والستين هو القيمة الرقميه
للحرف«س» الذي هو اسم من اسماء رسول اللَّه كما ورد في األحاديث على اعتبار ان
276 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
كلمة «ياسين» الياء فيها للنداء واالسم هو «س»((( ،واذ ضربت « ،»50 = 5 x 10وخمسون هي
القيمة العددية للحرف«ن» الذي هو ايضا اسم من اسماء رسول اللَّه ،والنتيجة ان فاطمة هي
روح محمد صلوات اللَّه عليهم ،وهو كما قلنا مقام االجمال لقول رسول اللَّه «فاطمة روحي
التي بين جنبي» ،وبقية كالمه ال تحتاج إلى توضيح.
عن ابي جعفر قال«ان ارسول اللَّه اثنى عشر اسما خمسة منها في القرآن ،محمد ،واحمد ،وعبد اللَّه ،ويس ،ونون»
تفسير البرهان /البحراني /ج /6ص /381ح4
���������������������������������������� 277
الواضح من الحديث ان مؤمن الجن اما بدرجة فاسق الشيعة ،او ال يرتقي إلى مرتبة
278 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
كونهم نتاج خلط جملة من االحوال والمفاهيم الجيدة والرديئة ،فهو «شيعي» وفي نفس الوقت
«فاسق» ،وهذا معناه انه كان يحب محمد وآل محمد ومن هنا فهو شيعي ،ويحب اعدائهم او
يساويهم بهم او يعتبرهم مسلمين ومن هنا فهو «فاسق» ،وهؤالء الذين تسميهم األحاديث«اعور».
كما ورد في الحديث انقدم رجل على أمير المؤمنين فقال :يا أمير المؤمنين اني احبك
واحب فالناً وسمى بعض اعدائه .فقال« اما االن فانت اعور فأما ان تعمى واما انت تبصر»(((،
حب اعداء علي فاما ان يكون ف ُّساق الشيعة من هذا المستوى والمعنى عندي بعيد ،الن ُ
مشكلة كبيرة جدا ً تستحق ان يتعذب عليها اإلنسان في نار جهنم ،او يكون ف ُّساق الشيعة هم من
المحبين ولكن لديهم قصور واضح في عموم التكاليف الشرعية فيعذبون على قدرها في النار.
وبهذا اما ان يكون ف ُّساق الشيعة هم انفسهم الجهنميين الذين يُعذوبون لفترة ويخرجون من
النار وال يدخلون الجنات االصلية بل جنات الحضائر ،واما ان يكونوا من اهل الثواب المشفوع
لهم ،وبذلك ال يدخلون النار وفي نفس الوقت ال يدخلون الجنة االصلية للشيعة الكاملين
فيبقون في الحضائر هم ومؤمنو الجن(((.
وبما ان اللَّه عادل وال يجور فانه سوف يُعاقبهم على فسقهم ويكافئهم على تشيعهم بان
يدخلهم جنات اوطأ من جنات الشيعة الكاملين فيسكنهم مع الجن النهم اوطاء مرتبة من مرتبة
الشيعي الكامل.
وهذا معناه ان آدم عندما هبط إلى األرض لم يكن لوحده بل وجد امثال هؤالء من االنس
والجن من االوادم السابقين كما ورد في األحاديث «قبل ادمكم هذا الف الف آدم» وهذا ما
تؤكده جملة من المرويات كون اوالد آدم تزوجوا من حوريات الجنة وه ّن في الحقيقة النساء
المؤمنات «انسيات وجنيات» الموجودات في جنة الحضائر من االوادم السابقين الدمنا(((،
((( وهؤالء الشيعة تجد لهم تواجد واضح في كل زمان ومكان وهم في زماننا موجودين ويروجون لنظرية التقارب بين
المذاهب وحوار االديان في محاولة لمسك العصا من الوسط.
((( عن الفرات بن احنف قال :كنت عند ابي عبد اللَّه اذ دخل عليه رجل من هؤالء المالعين فقال :واللَّه ألسوءنه في
ألي فلم يقبل اليه ،فاعاد فلم يقبل اليه ،ثم اعاد الثالثة فقال :ها انا ذا مقبل فقل ةلن تقول
شيعته فقال :يا ابا عبد اللَّه اقبل ّ
خيرا ،فقال :ان شيعتك يشربون النبيذ ،فقال :وما بأس بالنبيذ اخبرني ابي عن جابر عن بن عبد اللَّه ان أصحاب رسول
اللَّه كانوا يشربون النبيذ ،فقال :لست اعنيك النبيذ اعنيك المسكر ،فقال :شيعتنا ازكى واطهر من ان يجري للشيطان
في امعائهم رسيس ،وان فعل ذلك المخذول منهم فيجد ربّاً رؤوفا ونبياً باالستغفار له عطوفا ووليا له عند الحوض ولوفا
وتكون وأصحابك ببرهوت عطوفا »......بحار األنوار :ج/4ص 381
((( عن ابي عبد اللَّه«ان اللَّه عز وجل انزل حوراء من الجنة إلى آدم فزوجها احد ابنيه وتزوج االخر إلى الجن فولدتا جميعا
فما كان من الناس من جمال وحسن الخلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجان وانكر ان يكون
زوج بنيه من بناته» قصص األنبياء/نعمة اللَّه الجزائري/الباب األول/ص77
���������������������������������������� 279
وحصل االختالط بينهم اي االختالط بين ذرية آدم وما موجود من المخلوقات على األرض إلى
درجة انه اصبحت في األرض عدة اجناس كما يقول اإلمام علي«اجناس بني آدم سبعون»
والبد من وجود اكثر من جنس حتى تصبح هذه االجناس سبعون(((.
ويمكن ان تجد مصداق قرآني يؤيد ان آدم عندما هبط إلى األرض وجدها مشحونة بالحياة
افهم هم الذين يسميهم القرآن«ذرية بل حتى ان اوالده تزوجوا من حوريات تلك الجنة وهم كما
َْ ُ ََ ُْْ ْ ُ ْ ََْ َ ْ ْ ن ُذو َّ
الر ْ َ ك الْ َغ ُّ َ َ ُّ َ
حةِ ۚ إِن يشأ يذهِبكم ويستخل ِف مِن بعدِكم ِ قوما اخرين» َكما َفي قوله تعالى﴿ورب
َ َ كم ّمِن ُذ ّر َّيةِ قَ ْ َّ َ َ ُ َ َ َ ُ
عملية تدبر دقيق النها تشير إلى بحاجة ،واآلية (((
﴾ ين ر
ِ آخ م
ٍ و ِ ما يشاء كما أنشأ
ََ ْ ُْ ْ ُ ْ ََْ َ ْ ْ
في طياتها إلى تجديد الخلق دورة بعد دورة من خالل قوله﴿إِن يشأ يذهِبكم ويستخل ِف مِن
ين﴾ هم الموجودين في األرض الذين هم بقايا الدورات آخر َ ُ ّ َّ َ ْ َ
م و ق ة
ِ ي ر ذ و﴿ ﴾، َب ْعد ُِكم َّما ي َ َش ُ
اء
ِ ٍ ِ
السابقة كما افهم ويؤيده أحاديث األئمة بقولهم«قبل ادمكم الف الف آدم».
وبهذا فان آدم عندما هبط على األرض البد وانها كانت تعج بالحياة ،النه وجد فيها مالئكة
وهو ما تقول عنه األحاديث عنهم «ان المالئكة كانت تُرى إلى غاية نبي اللَّه ادريس» وكان
هناك البشر والجن الصالحين من سكان جنات الحضائر.
عن ابي عبد اللَّه«من حديث طويل ....فلما ادرك اظهر اللَّه عز وجل جنية من ولد الجان يقال لها جهانة في صورة انسية
فلما رآها قابيل احبها فاوحى اللَّه إلى ادم ان يزوج جهانة من قابيل ،ثم ولد الدم هابيل فلما ادرك اهبط اللَّه إلى ادم حوراء
واسمها نزلة الحوراء فلما رآها هابيل احبها فاوحى اللَّه إلى ادم ان يزوجها من هابيل ففعل ذلك» قصص األنبياء /نعمة
اللَّه الجزائري /الباب األول /ص75
الراجح ان هذا العالم كان موجودا في فترة ما قبل ادمناولكنه لم يكن محجوب بل هو قريب من األرض ربما في السماء الدنيا
او ربما كال العالمين المثال والدنيا متحد فيستطيع اهل الدنيا ان يتعاملوا مع مخلوقات ذلك العالم وحدث االنفصال
نتيجة ذنوب بني ادم.
وربما هؤالء هم انفسهم الذين يقول عنهم النص التوراتي ان ابناء اللَّه قد تزوجوا من بنات البشر ،ولعل عبارة«ابناء اللَّه»
تعني ابناء ادم ،وبنات البشر هم ممن بقى من الدورات السابقة ،حتى ان كتاب اخنوخ عندما وصف هبوط «المالئكة
الساقطون» الذين رفضوا السجود قاموا باول عملية لهم على األرض بانهم تدنسوا مع بنات البشر ،وكل هذه القرائن تفيد
ان على األرض اجناس من البشر عند هبوط ادم وإبليس
((( عن أمير المؤمنين ان النبيُ سئل :م ّم خلق اللَّه عز وجل الكلب؟ قال :خلقه من بزاق إبليس .قال :وكيف ذلك
يا رسول اللَّه؟ قال :لما اهبط اللَّه عز وجل آدم وحواء إلى األرض اهبطهما كالفرخين المرتعشين فغدا إبليس الملعون
إلى السباع وكانوا قبل آدم في األرض »........قصص األنبياء /نعمة اللَّه الجزائري /الباب األول /الفصل األول /ص68
الحديث يدل على ان إبليس على األرض قبلهما وان األرض فيها حياة.
((( األنعام133 /
280 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
العظام ثم اللحم
َََ ْ َ ََْ ْ َ َ
ان مِن ُس َللَة ّمِن طِني ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة ف قَ َر َّ
ِني ار م َك ٍٍ ِ ٍ ٍ النسقوله تعالى﴿ولقد خلقنا ِ
ُ َّ َ َ ْ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ ً َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ً َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ ً َ َ
ك َس ْونَا الْع َظ َ
ام لْ ًما ُثمَّ ِ ثم خلقنا انلطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عِظاما ف
الالِق َ الل أَ ْ
ح َس ُن ْ َ َ َ َْ ُ َ ًْ َ
آخ َر ۚ َف َت َب َ
ار َك َّ ُ
ني﴾(((. ِ أنشأناه خلقا
يعترض العلمانيون والملحدون على ترتيب الفعاليات الحياتية لنمو الجنين في هذه اآلية،
َ َ َ َْ ْ َ َ َ
ام لْ ًما﴾،فيما الواقع الحياتي لنمو الن التسلسل يذكر ظهور العظام قبل اللحم ﴿فكسونا العِظ
الجنين في بطن امه يشير إلى ان العظام تنشأ داخل كتلة اللحم ،فتكون عملية ظهور العظام
متساوقة مع ظهور اللحم وليس كما يرتبها القرآن ان العظم يظهر أول مرة ثم يتم اكسائه باللحم
حسب ظاهر سياق اآلية الكريمة.
اما المتدينون فيردون هذه الشبهة بقولهم ان العلم الحديث اثبت ان االنسجة الغضروفية
للجنين تظهر قبل اللحم ،وهذه بدورها ستتحول إلى عظام ،فلغويا الغضروف هو عظم ،وبعد
ذلك تنمو خاليا العضالت حول الغضروف فيتكون اللحم الذي يكسوا العظام ،وال زال
الموضوع بين الطرفين محل نزاع فكل له ادلته في اثبات رأيه.
والعلمانيون يحتجون بالعلم وبظواهر االشياء ولهم الحق النها ادواتهم في تحليل االمور،
ولكن الغريب ان المسلمين دائما يحتجون بالعلم الثبات صحة مطالب آيات القرآن الكريم،
فهم ال يستطيعون الدفاع عن القرآن إال بنتائج العلم ،وهم بهذا من حيث يشعرون وال يشعرون
يجعلون القرآن تابع للعلم وليس العكس ،وهذه التبعية قد تاصلت في ذهن المسلم بل سادت
حتى في مناهجهم البحثية وسببها واضح هو ان الفهم اللغوي الشائع في التفسير ال يغطي
مساحة االسئلة التي تطرحها آيات القرآن فالبد من العلوم التجريبة لسد هذا الفراغ ،وهذه مشكلة
ظهرت نتيجة ابتعاد المسلمين عن أحاديث وعلوم حملة القرآن انفسهم وقد قال عز من
َ َ َ َ ّ َ َ ُ ْ ُ َ َ َّ ٰ ُ َ ّ ُ َ َ َ
ِيما ش َج َر بَيْ َن ُه ْم﴾(((. قال﴿فل وربِك ل يؤمِنون حت يكِموك ف
(( ( المؤمنون14-12/
((( النساء٦٥ /
محللا مث ماظعلا 281
وهنا سنسلك مسلك ثالث لفهم اجواء اآلية المباركة من خالل التمعن ببعض األحاديث
ذات الصلة ،الني اعتقد ان مسألة التركيز على المعنى الظاهر للنص القرآني يسبب لنا اشكاالت
حجة ،فنحن دائما ننظر لظاهر النص وال نتوقع ان يكون للنص معنى كثيرة وان كان ظاهر القرآن ُ
أخر قد يشير إلى افق أخر ،وهناك قاعدة ُمهمة يتبناها بعض العلماء االعالم مفادها «ان كل نص
قرآني ال تجد له انطباق في الخارج يجب ان يؤول» ،بمعنى ان ظاهر كل آية إذا لم ينطبق على
موضوعها في الخارج فيجب ان تؤول بان نبحث لها على انطباق لموضوع اخر مخفي وبحاجه
للبحث لكي يظهر ،وكأن هذه اآليات تُصاغ بشكل معين لألشارة إلى معاني باطنية.
واستنادا لهذه المقدمة يمكن القول ان آية المؤمنون مورد الكالم ال تشير إلى المعنى العام
لعملية تكوين اإلنسان في األرحام بل تشير إلى معنى خاص ،فهي ال تتحدث عن عملية خلق
ََ
عامة الناس بل تتحدث عن خلق «اول مخلوق» من جنس اإلنسان بداللة بداية اآلية ﴿ َولق ْد
ُ َ َ ّ َ ََْ ْ َ َ
خلق من طين وليس عامة ِني﴾ ،فهي تتحدث عن انسان خاص ُ النسان مِن سلل ٍة مِن ط ٍ
خلقنا ِ
الناس الذين خرجوا منه بعد ذلك والذين خلقوا من نطفة ،فاإلنسان المخصوص في هذه اآلية
«األول من صنفه».
ُ َ َ ّ َ َ ْ َََ ْ َ ََْ
ِني﴾ تشير إلى اول النسان مِن سلل ٍة مِن ط ٍ
هنا ستقول لي ان بداية اآلية﴿ولقد خلقنا ِ
مخلوق ،ولكن ما بعدها الذي يذكر النطفة والعلقة والمضغة والعظام واللحم وهي تخص عامة
الناس ،فيكون مطلع اآلية لوصف اول مخلوق الذي هو األول من نوعه وبقية االيات تصف
احوال ذريته الذين هم تكرار من النطف.
الحظ ان االداة «ثم» تفصل بين الموضوعين و«ثم» تفيد الترتيب والتتابع فهذه فعاليات
متتابعة غير مفصولة ويؤيده بقية اآلية التي تفصل فيها «ثم» بين مواضيع اخرى.
ِني﴾ فكيف تفسر موضوع ربما ستقول لي ان اآلية تقول﴿ ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة ف قَ َر َّ
ار مك ٍ ٍ ِ
النطفة وموضوع القرار المكين الذي هو الرحم ،فمن اين كان لإلنسان األول رحم انثوي توضع
فيه نطفته ،وبالتالي فان النطفة البد ان تكون اتت من اب ،والرحم البد ان يكون عند االنثى،
وبالتالي فان هذا اإلنسان في اآلية له ام واب فكيف تقول عنه انه األول من نوعه؟
ِني﴾وليس من النطفة ،الن «ثم» ُ َ َ ّ
ان موضوع هذا اإلنسان في اآلية يبدأ من ﴿سلل ٍة مِن ط ٍ
تفصل بين الموضوعين وتفيد الترتيب،والساللة هي الصفوة من الشيء ،فساللة الطين صفوته،
وهذه الصفوة من الطين تتحول «باالستحالة» إلى نطفة بفعل عوامل داخلية وخارجية كما يتحول
الطعام في بطن اإلنسان إلى نطفة ،فالطعام في داخل اإلنسان تجري عليه فعاليات متعددة من
282 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
خالل اجهزة معينة يتحول فيها إلى نطفة ،وهذه الساللة من الطين تجري عليها ذاتيا مجموعة
فعاليات حياتية تحولها من طين إلى نطفة ،ولكن ال تنظر إلى الطين في اآلية كونه الطين العادي،
بل هو طين خاص يمثل المادة الخام االصلية للتخليق ،وحتى الطين العادي هو حاضنة ينتج
منها الكثير من االحياء المختلفة إذا جرت عليها سلسلة من فعاليات الطبيعة المختلفة من حرارة
ورطوبة ودوران للفلك ،وقد ورد بكثرة في المأثور الروائي عن آل محمد ان الطينة األولى
التي خلق اللَّه منها الخلق اجرى عليها الماء العذب والماء المالح لمدة« »40يوم حتى ان بعض
النصوص تشير إلى حالة مهمة حدثت لهذه الطينة وهي عملية «االختمار».
وجل قبض قبضة من تراب التربة
عن أبا جعفر من حديث قال «حدثني أبي أن اللَّه ع ّز ّ
فصب عليها الماء العذب الفرات ثم تركها اربعين صباحاً ثم ّ
صب عليها ّ التي خلق منها آدم
الماء االجاج فتركها اربعين صباحاً فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركاً شديداً فخرجوا
كالذر من يمينه وشماله.(((».....
الحظ ان عملية صب الماء العذب والمالح على التراب تولد عجينة الطين التي بدورها لو
تركت فترة من الزمن الختمرت ،وناتج التخمير واضح هو خروج الذر منها ،والذي يصفه حديث
اخر كونهم «خرجوا يدبّون» ،بل وصفه الرسول الكريم في حديث «يخرجون كما يخرج
النبات من األرض» ،وهذه العملية تشبه ما يجري يومياً في الطبيعة كما تخرج البكتريا من الطين
او من العجين حين االختمار ،وبالتالي فان عملية خروج الذر من هذه الطينة هي عملية استحالة
تتحول فيها المادة الطينية إلى كائنات اشبه بالنطف«الذر» ،فتكون عملية استحالة الطين إلى
نطفة امر جاري في اصل التخليق.
ِني﴾ والذي يتصوره البعض انه الرحم ،والحقيقة ان هذا ار َّمك روهذه النطفة ستوضع في ﴿قَ َ
ٍ ٍ
ّ َ َ ْ َ ْ ُ ُّ
المعنى صحيح لكنه على الظاهر ينطبق على عامة الناس كما في قوله تعالى﴿ألم نلقكم مِن
ِني﴾(((،هنا يسميه الماء المهين اي النطفة اإلنسانية ،والقرار ج َعلْ َناهُ ف قَ َر َّ
َّماء َّمهني فَ َ
ار مك ٍ ٍ ِ ٍ ِ ٍ
المكين هنا رحم االم ،فتكون اآلية عامة لكل الناس ،اما اإلنسان المخصوص الذي نتحدث عنه
ِني﴾ والتي ستتحول بدورها إلى نطفة ،اما اإلنسان ُ َ َ ّ
في مورد المؤمنون فانه ﴿مِن سلل ٍة مِن ط ٍ
العام فالغذاء يتحول إلى نطفة.
((( مختصر البصائر /الشيخ عز الدين الحسين بن سليمان الحلي /أحاديث الذر /ح 2/440
((( المرسالت21 /
محللا مث ماظعلا 283
وبالنتيجة البد ان يكون القرار المكين في كل حالة من نفس جنس مادة المخلوق ،فالذي
مادته اصالً من الطين وهو اإلنسان الخاص يوضع في قرار مكين «رحم» من مادة الطين وهي
األرض ،والذي مادته من نطفة وهو اإلنسان العام يوضع في قرار مكين«رحم» من نفس مادته
وهو الرحم البايولوجي.
اما على اإلنسان الخاص فالقرار المكين هنا هو األرض ،فاألرض إذا احتظنت هذه النطفة
يصح ان تكون هي رحم لها اي قرار مكين ،والذي يؤيد ان القرار في بعض موارده يعني األرض
َ َْ َ َ َ
قوله تعالى﴿أ َّمن َج َعل ال ْرض ق َر ًارا﴾((( فإذا وضعت هذه الصفوة من الطين التي استحالت إلى
نطفة في األرض تستمر بقية الفعاليات بالظهور ،فتكون عملية خلق اإلنسان األول هو عملية
وضع المادة الفعالة من الطين األول التي هي الساللة في حواضن األرض التي هي القرار
المكين.
وبالتالي ما دام هناك نطفة مصدرها الغذاء ونطفة مصدرها ساللة من طين ،وما دام هناك
رحم بايولوجي ورحم ترابي ،فيمكن القول ان الذي نطفته من الطين ورحمه األرض هو اإلنسان
األول ،اما الذي نطفته من الغذاء ورحمه في االنثى فهو اإلنسان التكرار وهو عامة الناس ،فيكون
مورد المؤمنون خاص وليس عام.
وبالتالي ما دام هذا اإلنسان المخلوق من ساللة من طين والذي نشأ في رحم األرض
يختلف عن عموم الناس فعليه تكون سلسلة الفعاليات االحيائية الجارية عليه تختلف عن بقية
الناس النه اصل ،ونحن لم نشهد عملية خلق اإلنسان األول فيمكن ان يجري عليه ما ال يجري
استقر خلق منها ونوع الرحم الذي على من ياتي بعده ،الن هذا شي تقتضيه طبيعة المادة التي ُ
ُ َّ َ َ ْ َُ
فيه ،فتظهر العظام قبل اللحم اي ان اللحم يكسي العظام لذلك قال في نهاية اآلية ﴿ثم أنشأناه
آخ َر ۚ﴾ ايَ ًْ َ
ني﴾((( لذلك لم يسميه خلق بل سماه ﴿خلقا الالِق َ الل أَ ْ
ح َس ُن ْ َ َ ًْ َ
آخ َر ۚ َف َت َب َ
ار َك َّ ُ
ِ خلقا
ليس مثلكم في التخليق ،الن الخلق هنا مباشر من احسن الخالقين اي على االصالة ،على
خالف اإلنسان العادي الذي يكون خلقه بواسطة امه واباه اي بالتبعية.
فنشأة اإلنسان األول وفق فعاليات الطبيعة العنصرية للمواد ،اما اإلنسان العام فينشأ وفق
الفعاليات البايولوجية لإلنسان ،واقصد بالطبيعة العنصرية هي تحول مادة الطين كمادة تخليقية
للعناصر األولى إلى نطفة من خالل فعاليات في عالم سابق او ذو طبيعة نجهلها ،على خالف
اإلنسان العام الذي مادتة التخليقية ليست عنصرية بل احيائية وهي نطفة االب وبويضة االم في
عالم طبيعته معلومة لدينا.
وإذا تتبعت بعض موارد القرآن الكريم ستجد ان عملية احياء الموتى كما جرى على صاحب
ََ َ َ َ
الل َب ْع َد َم ْوت َِها ۖ فأ َمات ُهن ُيْي َهٰ ِذه ِ َّ ُ ع ُع ُروش َِها قَ َال أ َّ ٰ ه َخاو َي ٌة َ َ ٰ الحمار﴿أ ْو َك َّلِي َم َّر َ َ ٰ
ع قَ ْر َي ٍة َو ِ َ
ِ
َ ََ َ َّ ُ َ َ َ ُ َّ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ ً َ ْ َ ْ َ ِ َ ْ َ َ َ َّ ْ
الل مِائة ع ٍم ثم بعثه ۖ قال كم لِثت ۖ قال لِثت يوما أو بعض يو ٍم ۖ قال بل لِثت مِائة ع ٍم
َ ُ َ ْ ك آيَ ًة ّل َّ َ ُ ْ َ ٰ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ ُ ْ َ ٰ ِ َ َ َ َ ْ َ َ َ
امانظ ْر إِل العِ َظ ِ اس ۖ و ِلن ِ فانظر إِل طعامِك وشابِك لم يتسنه ۖ وانظر إِل حارِك ولِ جعل
ِير﴾((( ،ستالحظ
َ
ش ٍء قد ٌ عك َْ ّ ُ ٰ َ َ ي َ ُل قَ َال أَ ْعلَ ُم أَ َّن َّ َ
الل لْ ًما ۚ فَلَ َّما تَبَ َّ ََ ْ َ ُ ُ َ ُ َّ َ ْ ُ َ َ
نشها ثم نكسوها كيف ن ِ
َ ِ َ
َ ْ َ ُ َ ُ
ام كيْف ن ِ ُ َ َ َ ْ ُ
نشها ث َّم نك ُسوها لْ ًما ۚ﴾، هنا ايضا قدم خلق العظام على اللحم﴿ َوانظ ْر إِل العِظ ِ
ووجود «ثم» تدل على ترتيب الفعاليات من العظام إلى اللحم ،مما يوحي بوجود تناغم مع مورد
المؤمنون ،فكل عملية خلق خارج األرحام المتعارف عليها يكون فيه العظام قبل اللحم((( ،وهي
الحالة المتوقعة عن الحشر في الرجعة او في القيامة النهائية عندما يخرج الموتى من قبورهم،
الن هذه نشأة األرض وليست نشأة األرحام.
ولو تأملت لرأيت ان اإلنسان في الرجعة وفي الحشر النهائي ال يتم انتاجه من نطفة بل من
«طينة»،
عن عمار بن موسى عن ابي عبد اللَّه قالُ :سئل عن الميت يُبل جسده؟ قال«:نعم حتى
ال يبقى لهُ لحم وال عظم اال طينته التي خُلق منها فأنها ال تُبلى تبقى في القبر مستديرة حتى ُيخلق
منها كما خُلق أول مرة»(((.
خلق منها في عالم الذر وهذه ستبقى في األرض بعد موت وهي نفس الطينة األولى التي ُ
اإلنسان لحين الحشر فإذا سقط عليها ماء السماء كما تقول األحاديث انه في الرجعة وفي
الحشر النهائي ستمطر السماء لمدة اربعين يوما((( ،ومن هذا الماء النازل ستتلقح هذه الطينة
((( البقرة259/
((( ربما ستقول لي ان العلم إذا استطاع ان ينتج انسان بالكامل خارج األرحام البايولوجية من خالل اعداد ارحام صناعية ربما
ستكون فيه ظهور الفعاليات الحياتية بان يظهر العظم قبل اللحم ،اقول :ال ،بل ستتم العملية ان نجحت كما هو المعلوم
عندنا لسبب ان هذا اإلنسان تكون من نطفة وبويضة انسان مثله ،اما هنا فنحن نناقش خلق انسان من استحالة الطين إلى
نطفة.
((( الكافي /ج / 3ص : 251باب النوادر
((( -عن األمام الصادق قال....« :وإذا آن قيامه ُمطر الناس جمادي اآلخرة وعشرة أيام من رجب مطرا ً لم يرى الخالئق
مثله .فينبت اللَّه لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من
التراب»« .مختصر بصائر الدرجات/الصفار»
محللا مث ماظعلا 285
وجل خلق خلقاً خالّقين فان أراد أن يخلق خلقاً أمرهم فأخذوا من التربة التي قال في
ّ عن أبي عبد اللَّه قال«:ان اللَّه ع ّز
ُ ُْ َْ
ك ْم تَ َارةً أ ْخ َر ٰى﴾ فعجن النطفة بتلك التربة التي يُخلق منها بعد أن
ُ ُ ْ َْ َ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ُ
ِيدك ْم َومِن َها ن ِرج كتابه﴿۞ مِنها خلقناكم وفِيها نع
أسكنها الرحم أربعين ليلة فإذا تمت له أربعة أشهر قالوا :يا رب تخلق ماذا؟ فيأمرهم بما يريد من ذكر أو أنثى ابيض أو
أسود فإذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه النطفة بعينها منه كائناً ما كان صغيرا ً أو كبيرا ً ذكرا ً أو أنثى فلذلك يغسل
الميت غسل الجنابة»بحار األنوار :ج /57ص337
َََ ْ َ ََْ ْ َ َ
نسان مِن ال
«التراب» يستحيالن إلى نطفة﴿ولقد خلقنا ِ -3في كال الموردين «الطين» و
ُ ُ ْ َ ْ ّ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ ُ َ
ث فإِنا خلقناكم ب مِن الع ِ ي ر ف م نت ك ن إ ُ
اس ُس َللَ ٍة ّمِن طِني ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة﴾﴿يا أيها انلَّ
َ ُّ َ
ٍ ِ ِ ٍ
ُّ ْ َ ّ َُ ُ
اب ث َّم مِن نطف ٍة﴾. مِن تر ٍ
ِني﴾،بينما في -4في مورد المؤمنون وضعت هذه النطفة في﴿ ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة ف قَ َر َّ
ار مك ٍ ٍ ِ
َْْ َ ِ َ ََ ُ
مورد الحج يسميها صراحة رحم﴿ َونقِ ُّر ِف الرحام ما نشاء﴾ ،فيكون القرار المكين هو الرحم
ُ
العنصري لإلنسان الخاص ،والرحم هو هذا الجهاز البايولوجي الدموي اللحمي لإلنسان العام.
-5في مورد المؤمنون عندما يتحدث عن اإلنسان الخاص يذكر عدة مراحل«النطفة ،علقة،
َ َ ََ ً َ َ َْ ُ َ َْ
ِني ث َّم خلق َنا انلُّ ْطفة َعلقة فخلق َنا مضغة ،العظام ،اللحم»﴿ ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة ف قَ َر َّ
ار م َك ٍ ِ ْ ٍ
َ َ َْ ََ َ ُ ْ َ ً َ َ َْ َ ُْ ْ َ َ َ ً َ َ َ
اما فك َس ْونا العِظام لما﴾ ،بينما في مورد الحج يذكر«النطفة،
ً ْ العلقة مضغة فخلقنا المضغة عِظ
ُّ ْ َ ُّ َ َّ َ َ َ ْ ُ َ َّ َ ُّ ْ َ ُ َّ ْ َ َ َ َُّ ُ َّ
ي ملق ٍة﴾وال يوجد في ثم علقة ،ثم مضغة »﴿ثم مِن نطف ٍة ثم مِن علق ٍة ثم مِن مضغ ٍة ملق ٍة وغ ِ
مورد الحج ذكر للعظام واللحم مما يوحي على ان هذا اإلنسان العام في األرحام البايولوجية
بعد مرحلة المضغة تكون الفعاليات جارية فيه بالتساوق اي يظهر العظم واللحم بنفس الوقت
كفعاليات متداخلية ليس احدهما قبل االخر.
َ ًْ َ
آخ َر ۚ﴾داللة على االصل والخصوصية ،اما مورد -6مورد المؤمنون يسمي الناتج ﴿خلقا
ًْ ُ َّ ُ ْ ُ ُ
ك ْم طِفل﴾ وهي الحالة العامة لعموم الناس ،فليس كل من يخرج من الحج فيسميه﴿ثم ن ِرج
بطن امه هو خلقا آخر ،بل كل من يخرج من بطن امه يكون طفال.
-7في بعض الموارد القرآنية التي تتناول عملية الخلق يذكر النطفة فقط ،وفي بعضها االخر
يذكر عندما يذكر احوال النطفة يتوقف عند العلقة كما في الموارد التالية.
ُ ُ ُْ ََ ُّ َ ُ ُ َ ََ ُ ّ َُ ُ َ َّ
اب ث َّم مِن ن ْطف ٍة ث َّم م ِْن َعلق ٍة ث َّم ن ِر ُجك ْمً قال تعالى﴿هو الِي خلقكم مِن تر ٍ
ْ
(((
طِفل﴾
َ َ َ ْ خلَ َق فَ َس َّو ٰ
ُ َّ َ َ َ َ َ ً َ َ ك ُن ْط َف ًة ّمِن َّم ََّْ َ ُ
ج َعل مِن ُه ىف ن ثم كن علقة ف ن ُي ْم َ ٰ
ٍِ قال تعالى﴿ألم ي
َّ ْ َ ْ َّ َ ْ ُ
نث﴾(((. اذلك َر َوال َ ٰ يالزوج ِ
اما موضوع ما بعد العلقة الذي هو العظام واللحم فلم يذكر اال في مورد المؤمنون والذي
يؤيد انه مورد خاص وليس عام.
((( غافر67/
((( القيامة39 - 37 /
محللا مث ماظعلا 287
يبقى هنا سؤال :إذا كان اإلنسان في مورد المؤمنون هو انسان خاص على خالف مورد
الحج الذي يتكلم عن عموم الناس ،فهل اإلنسان في مورد المؤمنون هو «آدم» ام غيره؟
لنا هنا عدة تصورات:
اوالً :ال يوجد في مورد المؤمنون ما يشير إلى موضوع «النفخ» التي هي من مختصات
َ ًْ َ
آخ َر ۚ﴾ ،والمستشف من احوال خلق آدم ان اللَّه في البداية قام آدم ،وبالتالي فان هذا ﴿خلقا
بأعداد القالب او الهيكل الذي ستحل به الروح ،واألحاديث تقول عن هذا البدن انه طرح على
باب الجنة فترة ،وبالتالي فان هذا القالب البد وانه تم تصنيعه بعد خلق روح آدم الن «االرواح
قبل االبدان» فادم ذات وليس قالب كما ان اإلنسان العادي نفس وذات وليس نطفة ،لذلك سماه
هنا «انسان» من باب عدم التشخص النه اصل القوالب وليس اصل ذات البشرية الن اصل ذات
البشرية نفوس وارواح.
فتكون آيات سورة المؤمنون تتحدث عن عملية اعداد القالب الطيني الذي استحال إلى
جسم دموي لحمي لكي تحل به روح آدم ،والراجح عندي ان هذا البدن ليس هو بدن آدم في
السماء ،الن بدن آدم في السماء نوراني ليس من جنس هذا العالم ،ولكن آيات سورة المؤمنون
تتحدث عن القالب الدموي اللحمي لوجود موضوع النطفة والعلقة والمضغة والعظام واللحم
والذي ستحل فيه ذات آدم النورانية عندما يهبط إلى األرض.
فايآت سورة المؤمنون تشير إلى حدث ارضي وليس سماوي ،الن الصناعة في السماء ال
َ َ
تمر بمرحلة «النطفة والمضغة والعلقة والعظام واللحم» ،لذلك استحالت صفوة الطين﴿ ُسلل ٍة
ِني﴾ التي منشأها سماوي إلى نطفة في القرار المكين وهو األرض ،وجرت عليها بقية ّ
مِن ط ٍ
الفعاليات ،فظهر «انسان» بدن بال روح ،او قالب من منشأ سماوي وصناعة ارضية ستحل
فيه ذات آدم النورانية ،لذلك فهنا يسميه«انسان» اي كمظهر وليس كتشخص الن آدم هو
التشخص والبدن هو مظهره ،فتكون اإلنسانية هي المظهر الخارجي ،والبشرية هي التشخص
الداخلي ،لذلك كان السجود للبشر وليس لإلنسان.
فيكون اعداد هذا ْالقالب من استحالة الطين إلى نطفة داخل األرض التي هي القرار المكين
َ َ َ ُ َ ًْ َ
آخ َر ۚ ﴾ الن عملية االنشاء تحمل في طياتها مفهوم النمو واالنماء هو الخلق االخر﴿أنشأناه خلقا
َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُ ْ
فقال بعدها ﴿فتبارك الل أحسن الالِقِني﴾.
والراجح ان آية المؤمنون تتحدث عن هذا اإلنسان الذي هو قالب من اصل طيني استحال
إلى قالب دموي لحمي لكنه خالي من الروح لكي يكون مؤهل الستقبال روح ادم التي ستحل
محللا مث ماظعلا 289
فيه عن طريق النفخ ،وبعد عملية النفخ اصبح هذا المخلوق اسمه ادم النه سيكون اصل لغيره
ثانياً :ربما اآلية تشير إلى ساللة من اإلنسانية غير آدم يمكن انتاجها في اي وقت من خالل
فعاليات الطبيعة نفسها ،ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى على لسان نوح وهو يخاطب
َ ً َْ َ َّ ُ َ َ َ ُ
كم ّم َِن ال ْر ِض ن َباتا﴾(((وعملية االنبات تشير إلى حواضن الطين واالنشاء قومه﴿والل أنبت
َ ْ َ ْ َ َ ُْ ُ َ َ َ ُ ّ َ ْ َْ
من األرض ،او كما في قوله تعالى مخاطبا قوم صالح ﴿ه َو أنشأكم مِن الر ِض واستعمركم
((( ف َ
ِيها﴾
ثالثاً :انني اعتقد ان الزمن األول لظهور آدم على األرض ذو طبيعة تختلف عما نألفه
حالياً ،فهو نظام برزحي يختلط فيه مفهوم السماء واألرض ،فإذا كان مورد المؤمنون يتحدث عن
حدث ارضي كما ذكرنا فالبد ان طبيعة ذلك الوقت وخصائصه تختلف عما عندنا االن ،فتكون
في ذلك النظام قابلية على هكذا فعاليات طبيعية يكون فيها ظهور العظم قبل اللحم النها نشأة
األرض في ذلك الوقت وفي ذلك النظام.
((( نوح17/
((( هود61/
290 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
((( الكلمات المكنونة /المال محسن القاشاني ،78 /االثنى عشرية /محمد بن محمد بن حسن الشهير بابن قاسم العاملي،
كتاب المشاعر/صدر الدين الشيرازي /ص ،119تفسير الصافي /الفيض الكاشاني /ج /3ص 111
������������������� 291
ال عود مجاورة» ،فقال :يا موالي وما النفس الحسية الحيوانية؟ قال«قوة فلكية وحرارة غريزية
اصلها األفالك بدو ايجادها عند الوالدة الجسمانية فعلها الحياة والحركة والظلم والغشم والغلبة
واكتساب االموال والشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختالف المتولدات فإذا فارقت
عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة ال عود مجاورة فتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها
ويضمحل تركيبها» ،فقال :يا موالي وما النفس الناطقة القدسية؟ قال«قوة الهوتية بدو ايجادها
عند الوالدة الدنياوية ،مقرها العلوم الحقيقية الدينية ،موادها التأييدات العقلية ،فعلها المعارف
الربانية ،سبب فراقها تحلل اآلالت الجسمانية ،فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود مجاورة
ال عود ممازجة» ،فقال :يا موالي وما النفس الالهوتية الملكوتية الكلية؟ فقال«قوة الهوتية
جوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدت وعنه دعت واليه دلت وأشارت وعودتها اليه
إذا كملت وشابهته ،ومنها بدأت الموجودات واليها تعود بالكمال فهو ذات اللَّه العليا وشجرة
طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى ،من عرفها لم يشق ،ومن جهللها ضل سعيه وغوى» ،فقال
السائل :يا موالي وما العقل؟ قال«جوهر د ّراك محيط باالشياء من جميع جهاته عارف بالشيء
قبل كونه ،فهو علّة الموجودات ونهاية المطاب»(((.
جملة ممن كتب في موضوع النفس يذهب للقول بان النفوس ثالثة منطلقين من ورود هذه ُ
التسميات الثالثة في القرآن الكريم وهي
َ َّ َّ َ َ ُ ْ ُ َّ ْ
األولى :النفس اللوامة﴿ول أقسِم بِانلف ِس اللوامةِ﴾ .
(((
((( بحار األنوار :ج 58ص ،85مكارم األبرار /الحاج محمد كريم خان /ج /10طريق النجاة ج 1ص ،17الكلمات المكنونة
/المال محسن القاشاني
((( القيامة.2/
((( يوسف.53/
((( الفجر.30 - 27/
292 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
كتاب اللَّه وعترتي اهل بيتي فانهما لن يفترقان حتى يردا علي الحوض» ،فال تتضح حقيقة االشياء
والموجودات والمفاهيم اال باالخذ والربط ما بين هاذين المنبعين ،فما ورد في القرآن ُمجمال
ستجده في أحاديث أهل البيت ُ مفصال وهذا ما ستعرفه من حديث اإلمام علي موضوع
كالمنا اذ يحدد فيه تفصيل لمفهوم النفس من خالل انواع اربعة وهي «النفس النباتية ،والنفس
الحيوانية ،والنفس الناطقة القديبة ،والنفس الكلية اإللهية» فكل انواع النفوس ومراتبها تندرج
تحت هذا التقسيم الرباعي ،اذ سيتضح ان النفس النباتية والنفس الحيوانية ماهية واحدة عند
كل الناس وهي عوارض تلحق باإلنسان يستطيع من خاللها ان ياكل ويشرب وينكح ويتحرك
ويسمع ويشم ويتذوق وياكل ويشرب ويظلم ،فان مات تفككت هاتين النفسين وعادت إلى ما
منه بدأت وتبقى حقيقة اإلنسان او ذاته المعبر عنها «انا» قائمة في عالمها اما مؤمنة او كافرة،
اما النفس الكلية اإللهية فهي خاصة لرسول اللَّه وأهل بيته صلوات اللَّه عليهم اجمعين وال
يشاركهم فيها احد فهي من جهة المبدأ ومن سنخ النور الذي ال ضالم فيه والكمال الذي ال
نقص يعتريه.
ولحديث النفوس األربعة مورد الكالم اصل معرفي خاص النه يبين االصل الذي تتكون
وتتالف منه هذه النفوس اذ تتكون النفس النباتية من الطبائع األربعة ،والنفس الحيوانية من
األفالك ،والناطقية القدسية من عالمها البرزخي الذي يسبق عالم الزمان رتبة ،والنفس الكلية
اإللهية مبدؤها من اللَّه وتعود اليه.
ومن هنا كانت اهمية معرفة النفس النها آية معرفة الرب وبها وصف اللَّه نفسه لعبده وصف
تعريف إذا عرفها العبد عرف ربه وعبد ربه وقد قال الرسول الكريم «من عرف نفسه فقد عرف
ربه»(((.
والحديثان فيهما وحدة موضوعية اذ جمعتهما ،فكالهما يتحدثان عن نفوس اربعة ،ويذكر
كل حديث خصائص لهما ،فمرة يتحدث عن قوى وخصائص ومرة يتحدث عن مبدء وافعال.
أوالً :النفس النامية النباتية:
ما ورد عنها في الحديث األول:
«فالنامية النباتية لها خمس قوى ماسكة وجاذبة وهاضمة ودافعة ومربية ،ولها خاصيتان
الزيادة والنقصان ،وانبعاثها من الكبد ،وهي اشبه االشياء بانفس الحيوانات»
يتخلص اإلنسان من االعراض ،اما خاصية الزيادة التي هي النمو والنقصان الذي هو الذبول
التي في النبات فهي نفسها في اإلنسان فإذا ولد نما إلى ان يهرم ويذبل ،فإذا هرم اإلنسان وذبل
فبسبب ذبول النفس النباتية ،وكل خلل عضوي في اإلنسان بهذه القوى الخمسة «ماسكة وجاذبة
وهاضمة ودافعة ومربية» والفعاليات المرتبطة بها فهو بسبب خلل في هذه النفس النباتية التي
انبعاثها من الكبد.
وهذه النفس إذا مات اإلنسان ماتت معه وعادت إلى عناصرها عود ممازجة ال عود مجاورة،
اذ يعود النار إلى النار ،والهواء إلى الهواء ،والماء لى الماء ،والتراب إلى التراب ،فتتالشى
وتنتهي ويبطل عملها وترد إلى الجمادية ،كما ان جسم اإلنسان يتحلل بعد الموت إلى عناصر
الطبيعة ويظل في مرتبة الجماد ،ومن هنا فالنفس النباتية نفس زمانية فال ذكر لها اال في الزمان،
فهي تخرج من خزانة الزمان وتعود اليه ،والنفس النباتية ليست د ّراكة بل هي مسؤولة عن بعض
الفعاليات في اإلنسان وبعرفنا الحالي وحسب اصطالحاتنا الحالية فان مجموع فعالياتها يمكن
ان نسميها برامج ،وبهذا المعنى فان لهذه النفس اصل كيمياوي بل ان ظهور النفس النباتية هي
حتمية كيمياوية.
َ َ َََ ْ َ ََْ ْ َ َ
نسان مِن ُسلل ٍةال
والذي اتصوره ان هذه النفس هي المقصودة بقوله تعالى﴿ولقد خلقنا ِ
ِني﴾ ّمِن طِني ُث َّم َج َعلْ َناهُ ُن ْط َف ًة ف قَ َر َّ
ار مك ٍ ِ
(((
ٍ ٍ
ِني﴾ ،هو نفسه الذي يسميه الحديث «قوة اصلها الطبائع االربع» ُ َ َ ّ
فموضوع ﴿سلل ٍة مِن ط ٍ
الن الطين جامع للطبائع األربعة ممتزجة ،التي منها تنشأ النفس النباتية ،التي تتحول بدورها إلى
لطائف االغذية التي ياكلها اإلنسان فتتحول إلى نطفة لذلك قال الحديث «بدو ايجادها مسقط
النطفة» ،فالنفس النباتية تنشأ من ساللة من طين والساللة هي الصفوة من الشيء ،فساللة الطين
صفوته ،وهذه الصفوة من الطين تتحول «باالستحالة» إلى ان تنتج صوافي االغذية بفعل عوامل
داخلية وخارجية ،الداخلية هي طبيعة الطينة نفسها اذ انها ساللة ،والخارجية هي فعاليات
المالئكة عليها التي تمثل قوى الطبيعة نفسها ،وكذك دوران الفلك عليها ،وهذه الفعاليات
هي التي تحول هذه الساللة من الطين إلى نمط اخر من الحياة داخل اإلنسان وهو النطفة،
كما يتحول الطعام في بطن اإلنسان إلى نطفة ،وكما تنضج الثمار نتيجة دوران الفلك بتعدد
شروق وغروب الشمس عليها ،فالطعام في داخل اإلنسان تجري عليه فعاليات متعددة من
خالل اجهزة معينة يتحول فيها إلى نطفة ،وحتى الطين العادي في زماننا وفي عالمنا لو تابعته
ستجد انه حاضنة ينتج منها الكثير من االحياء المختلفة إذا جرت عليها سلسلة من فعاليات
الطبيعة المختلفة من حرارة ورطوبة ودوران للفلك.
الحظ الحديث التالي
عن ابي جعفر من حديث طويل«.......وهما ساللة من الطين ،ثم آمر المالئكة األربعة
الشمال والجنوب والصبا والدبور ان يجولوا على هذه الساللة من الطين فابرأوها وأنشأوها ثم
(((
ج ّزأوها وفصلوها واجروا فيها الطبائع األربعة ،الريح ،والدم ،والمرة ،والبلغم»..........
فالنفس الناتية هي مجموعة قوى وطبائع ستكون الحقا جزء من فعاليات اإلنسان ومظهر من
مظاهر الحياة ،فالنفس النباتية ذات اصل عنصري فالعناصر الزمانية من «هيدروجين واوكسجين
ونتروجين .....وغيرها» من اشكال المادة ،واتحادها مع بعضها لتكوين المركبات الكيمياوية
هي المقدمة البسيطة لظهور ادنى مظاهر الحياة التي بتفاعلها مع التربة والطبائع األربعة تك ّون
النفس النباتية التي هي«مادتها من لطايف االغذية»،
ومما ال شك فيه ان طبيعة االغذية التي ياكلها اإلنسان والتي تتكون منها النطفة ستكون
سببا في ايجاد النفس النباتية فيه حسب طبيعة ذلك الطعام مما يرجعنا لجملة من األحاديث
التي تتعلق بخصائص تكون لإلنسان عندما تاكل امه نوع خاص من االغذية في فترة الحمل
فالنفس النباتية إذا كانت من صوافي االغذية فالبد ان نوع الغذاء له دور في اظهار فعالياتها
داخل الجسم الحقا سلبا او ايجابا(((.
يقول الدكتور ميشيو كاكو «شكلت التجربة الشهيرة التي اجراها «ستانلي ميلر» و«هارولد يوري» عام 1953المثال االكثر
بروزا حوال اهمية الكربون واظهرت ان الشكل التلقائي للحياة قد يكون النتاج الطبيعي الثانوي لكيمياء الكربون .أخذا
محلوال من االمونيا والميثان ومواد كيمائية سامة اخرى اعتقدوا انها وجدت في المراحل األولى لتشكل األرض ووضعاها
في قارورة وع ّرضاها لتيار كهربائي صغير ثم ببساطة انتظرا .وخالل اسبوع استطاع مالحظة دليل على تشكل االحماض
االمينية تلقائيا في القارورة .كان التيار الكهربائي كافيا لتحطيم الروابط الكربونية في االمونيا والميثان ثم اعادة ترتيب
الذرات إلى احماض امينية وهي التي تشكل البروتينات .وبمعنى ما فالحياة يمكن ان تتشكل تلقائيا ومنذ ذلك الوقت
وجدت االحماض االمينية داخل الشهب وفي سحب الغازات في اعماق الفضاء» فيزياء المستحيل /الدكتور ميشيو كاكو/
عالم المعرفة /العدد / 399ص .156
296 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
والنفس النباتية التي في النبات والتي عند اإلنسان في زمن الرجعة ستصفوا الن الطبائع
ستصفو وتعتدل في ذلك الزمان فتصفو تبعا لها النفس النباتية النها«قوة اصلها الطبائع االربع»،
لذلك ورد في األحاديث ان االشجار في زمن الرجعة ستعطي ثمارها في السنة مرتين ،وان عدة
عديدة من الرجال يجتمعون على الرمانة الواحدة فتكفيهم وتزيد.
ثانياً :النفس الحسية الحيوانية:
ما ورد عنها في الحديث األول:
«والحسية الحيوانية لها خمس قوى سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الرضا
والغضب وانبعاثها من القلب وهي اشبه االشياء بانفس االناسي»،
ما ورد عنها في الحديث الثاني:
«قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها األفالك بدو ايجادها عند الوالدة الجسمانية فعلها الحياة
والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب االموال والشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها
اختالف المتولدات فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة ال عود مجاورة فتنعدم
صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها»
وهي تلك القوة الطبيعية الحسية الموجودة في اإلنسان والحيوان وهي مشاعر ظاهرية
خمسة والتي نسميها الحواس الخمسة«سمع وبصر وشم وذوق ولمس» ،وكذلك الفعاليات
واالنفعاالت التي يسميها الحديث«الحياة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب االموال
والشهوات الدنيوية» ،فمجموع ما يمارسه اإلنسان من اكل وشرب وجماع ولمس وحركة وظلم
وسعي وراء الشهوات والتي يشترك فيها مع الحيوان تسمى بالنفس الحيوانية ،فالبنار تبصر،
وبالهواء تسمع ،وبالماء تشم ،وبالتراب تذوق وبالمجموع تلمس ،وهذه النفس ايضا مؤلفة من
بسائط عالم الزمان وقوة الفلك الزماني وموجودة في خزانة الزمان منه تبدأ واليه تعود ،وعند
موت اإلنسان تعود إلى اصلها الزماني عود ممازجة ال عود مجاورة «فإذا فارقت عادت إلى ما منه
بدأت عود ممازجة ال عود مجاورة فتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها»،
فالموت بهذا المعنى هو انحالل النفس الحيوانية والنباتية إلى اصلهما والتحاق الناطقة القدسية
إلى مقرها واصل منشأها ،والنفس الحيوانية كالنفس النباتية متساوية عند كل الناس فال توجد
نفس حيوانية لزيد واخرى لعمر بل كلها حقيقة واحدة موجودة عند كل الناس وعند الحيوان
فكل الناس والحيوانات لها بصر وسمع وضم وذوق.
������������������� 297
وإذا كانت الطبائع األربعة هي سبب تولد النفس النباتية فان حركة األفالك هي سبب تولد
النفس الحيوانية كما يقول الحديث انها «قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها األفالك بدو ايجادها
عند الوالدة الجسمانية».
والقوة الفلكية هي تلك القوة الطبيعية الناتجة من حركة األفالك ،واقصد بحركة األفالك او
دوران األفالك هو مجموع الفعاليات الفلكية الجارية بشكل يومي كشروق وغروب الشمس
وانتقال القمر في منازله وطلوع النجوم وافولها فلكل جرم سماوي اضائة خاصة لها تأثير خاص
على ظهور النفس الحيوانية.
وإذا كانت النفس النباتية كما يذكر الحديث اصلها الطبائع األربعة مما يدل على وجود
اصل كيميائي للحياة ،فان قول أمير المؤمنين ان النفس الحيوانية اصلها األفالك يدل على
ان اصل الحياة العضوية هو حركة األفالك واشتعال ضوئها ،مما يشير إلى ان فعاليات الطبيعة
حصرا هي المسؤولة عن تكوين النفس النباتية والنفس الحيوانية التي بدورها تك ّون الجسم
اإلنساني ذو الطبيعة الكيمياوية واالحيائية التي تتعلق به حقيقة اإلنسان في الدنيا ويتركه في
الدنيا بعد الموت.
والنفس الحيوانية تتكون من الدم ،والدم األصفر بالذات الذي هو خالصة االغذية ،فعند
تفاعل الطبائع األربعة «الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة» يرتفع منها بخار في القلب تقع عليه
اشعة الكواكب ودوران الفلك فينضج إلى شيء واحد متشاكل وهو الدم األصفر ،ليس له طبيعة
العناصر مستعد لقبول النفوس الفلكية ،اذ الدم األصفر بمثابة الدهن للسراج فيدفعه القلب
إلى كافة انحاء الجسم لذلك قال الحديث عن النفس الحيوانية «وانبعاثها من القلب» و«مقرها
القلب» وكل خلل في القلب يؤدي إلى خلل في وظائف هذه النفس ،فالنفس الحيوانية قائمة
بالعناصر قيام ظهور وقائم باألفالك قيام صدور.
وهذه القوة الفلكية تكون سببا في تولد ذلك البخار وهي المسؤولة عن حركة القلب
وجملة من الفعاليات التي يسمونها في اصطالح الطب«األفعال الالارادية» فحركة القلب وتدفق
الدم والتمثيل الغذائي والتصفية كلها فعاليات ال ارادية بفعل هذه الميكانيكية ،لذلك كانت
النفس الحيوانية هي المسيطرة على الفعاليات البايولوجية واالحيائية في اإلنسان اال انها غير
د ّراكة النها من تفاعل البخار مع اشعة األفالك اال ان النفس «الناطقة القدسية» التي هي حقيقة
اإلنسان المعبر عنها «انا» عندما تحل في هذا المركب النباتي الحيواني ترتقي تلك النفس
الحيوانية إلى الحس فيتمكن اإلنسان من السمع والبصر والذوق والشم واللمس.
298 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
وكما ذكرت سابقا في فقرة النفس النباتية ان النطفة من مظاهر النفس النباتية وعلما
يبدوا ان الجنين ليس له اال نفس نباتية ،فان النفس الحيوانية عند المخلوق ال تكتمل اال بعد
الوالدة كما قال الحديث «بدو ايجادها عند الوالدة الجسمانية» ،وهذا يؤكده قوله تعالى ﴿ َو َّ ُ
الل
َ َّ ُ ُ َّ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ ً َ َ َ َ َ ُ ُ َّ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َْ َ ُ
ار َوالفئ ِ َدةَ ۙ ل َعلك ْم ون أمهات ِكم ل تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والبص ِ
كم ّمِن ُب ُ
ط أخرج
َ َْ ُ
تشك ُرون﴾((( ،فعملية ظهور الحواس الخمسة التي هي من مختصات النفس الحيوانية ال تتفعل
اال بعد الوالدة ،فالجنين في بطن امه يمتلك اداة السمع التي هي االذن ويمتلك اداة البصر التي
هي العين وغيرها من الحواس اال انها خاملة ما دام في رحم امه وعند الوالدة تتفعل وهي قوى
النفس الحيوانية التي«بدو ايجادها عند الوالدة الجسمانية».
والنفس الحيوانية بعرفنا الحالي وبحسب اصطالحاتنا هي ما نسميه في احد جوانبه بالغريزة
التي ياكل ويشرب وينكح بها اإلنسان.
ومن هنا يمكن ان نعرف وجه العالقة بين علم التنجيم الذي يسعى أصحابه لمعرفة سمات
الشخص وقابلياته وربما مستقبله عن طريق مواقع النجوم وخصوصاً تلك القواعد التي يعملون
عليها كون هذا الشخص برجه ناري او ترابي او مائي او هوائي او انه يتأثر بالكوكب الفالني
والبرج الفالني ربما منشأها من كون النفس الحيوانية «قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها األفالك»
وهذه مسالة بحاجة لبحث مستقل.
وبما ان األفالك في زمن الرجعة ستلبث وتعتدل ،وبما ان النفس الحيوانية قوة مصدرها
األفالك فمن الطبيعي في زمن الرجعة ان تكون النفس الحيوانية في اإلنسان على قمة االعتدال،
فإذا اعتدلت األفالك عادت الحياة كما بدأت فتصفو الطبائع وتعتدل االمزجة وتقوى الحواس،
وقد ذكرت المرويات انه في الرجعة ستطول االعمار وتقوى االجسام
ثالثاً :النفس الناطقة القدسية:
ما ورد عنها في الحديث األول:
«والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي
اشبه االشياء بالنفوس الملكية«الكلية» ولها خاصيتان النزاهة والحكمة».
ما ورد عنها في الحديث الثاني:
«قوة الهوتية بدو ايجادها عند الوالدة الدنياوية ،مقرها العلوم الحقيقية الدينية ،موادها
((( النحل78/
������������������� 299
التأييدات العقلية ،فعلها المعارف الربانية ،سبب فراقها تحلل االالت الجسمانية ،فإذا فارقت
عادت إلى ما منه بدأت عود مجاورة ال عود ممازجة»
الكالم عن النفس اإلنسانية أمر حارت به العقول وتاهت به األوهام وتعددت فيه اآلراء ،فقد
ورد عن الرسول الكريم قوله «أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه» ،وعن أمير المؤمنين اإلمام علي
قوله«من عرف نفسه فقد عرف ربه».
وقد أختلف العلماء والحكماء بالمعنى المراد من هذه الكلمات ولهم في شرحها بيانات
كثيرة ،منها ماهو ظاهري ومنها ماهو باطني ومنها ما هو ذوقي ،حتى ان بعضهم حمل المعنى
في هذه العبارات «بالتعلق على المحال» فمعرفة النفس محال فكذلك معرفة ربها ،وال يعرفها
على الحقيقة إال أولياء اللَّه واصفياءه النهم مستودع سر اللَّه ،فالنفس بهذا المعنى عندهم سر.
عند متابعة لفظة النفس «قرآنيا» نجد انها تشير إلى معان ثالثة.
األول :تطلق لفظة النفس ويُراد بها «معنى الشيء»«نفس الشيء» كما تقول«نفس الحجر-
نفس المكان -نفس الطريقة -نفس الكالم -وهكذا» ،فعندما تقول «نفس الحجر» مرادك هو
َْ َ َ
الحجر وليس شيء آخر كالماء ولهذا المعنى موارد قرآنية منها قوله تعالى ﴿ت ْعل ُم َما ِف نف ِس
َْ َ َ َ َْ
ِك ۚ﴾((( ،فليس المراد هنا ان اللَّه ل ُه نفس أو روح أو جسم ،بل هو «ذاته» َول أعل ُم َما ِف نفس
َ ُ َ ّ ُ ُ ُ ُ َّ َ ْ َّ ْ َ َ َ َ َ َ َٰ َ ْ
الل نف َس ُه ۗ﴾(((. حة ۚ﴾((( ،قال تعالى﴿ويحذِركم سهِ الر
ع نف ِ أو «معناه» ،قال تعالى﴿كتب
الثاني :ت ُطلق لفظة النفس ويُراد بها «هذا اإلنسان ال ُمركّب من عدة أجزاء» ،أي ببعده المادي
والروحي كما في قوله تعالى﴿ َمن َق َت َل َن ْف ًسا ب َغ ْي َن ْفس﴾((( ،وقوله ﴿أَ َق َتلْ َ
ت َن ْف ًسا َزك َِّي ًة ب َغ ْ
يِ ِ ِ ِ ٍ
ّ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َّ ْ َ َّ َ َّ َ ُ َّ َّ َ َْ
ت حرم الل إِل بِال ِق ۚ﴾ ،وفي كل هذه الموارد وغيرها
(((
نف ٍس﴾ ،وقوله ﴿ول تقتلوا انلفس ال ِ
(((
((( المائدة.116/
((( األنعام.12/
((( آل عمران.28/
((( المائدة.32/
((( الكهف74 /
(( ( -األنعام.151 /
300 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
َ َُ ْ ُُّ َ ْ َ َ
حِني م ْوت َِها﴾((( ،وقوله ﴿ك نف ٍس ذائِقة ال َم ْو ِ
ت ۗ﴾(((.
وهذا االطالق األخير هو موضع كالمنا.
وهذه النفس في الحديث مورد البحث هي النفس الناطقة القدسية والتي هي حقيقة اإلنسان
المعبر عنها بلفظة«انا» ،وهي التي من عرفها عرف ربه،
فكل إنسان له نفس خاصة به ،أي «ذات» ،فهناك نفس لـ «زيد» ونفس لـ «عمر» وهكذا،
وقرآنياً اتصلت بالمواضيع اآلتية «الموت الحياة .الوفاة القتل.العرض الحساب البعث الكسب
التكليف .اإليمان .الظلم .الهدى .الجزاء .القضاء النوم الحركة وغيرها» فهي بصورة عامة
موضوع الخلق وغايته((( .وهي موضوع التكليف وعليها مدار الحساب الثواب والعقاب التي
بها يثاب وبها يعاقب ،فليس اإلنسان جسم يمتلك نفس بل هو نفس تمتلك جسم ،وهي في
الجسد كالمعنى في اللفظ ،وال معنى ما لم يكن لفظ وال لفظ ما لم يكن معنى.
وهذه النفس بطبيعتها « ُمدركة ُمفكرة ُمميزة» لوجود ماهية العقل المستج ّنة فيها التي تمكنها
من االستنتاج والتحليل ،والتي قال عنها الحديث«مقرها العلوم الحقيقية الدينية ،موادها التأييدات
العقلية ،فعلها المعارف الربانية» لذلك كانت مدار الثواب والعقاب والتكليف بصورة عامة،
والنفس الناطقة القدسية حقيقة وحدانية وهي المعنية بحديث «من عرف نفسه فقد عرف
ربه» والمعنية بقول اإلمام علي« خلق اإلنسان ذا نفس ناطقة ان زهاها بالعلم والعمل فقد
(((
شابهت جواهر اوائل عللها فان اعتدل مزاجها وفارقت االضداد فقد شارك بها السبع الشداد»
النها ذات اإلنسان واصله في المبدأ والمعاد وهي نوعين اما تتعين بعلوم دينية الهية وهي
نفس المؤمن ،او بعلوم باطلة شيطانية وهي نفس الكافر ،فالنفس المؤمنة لها الصورة اإلنسانية،
والكافرة لها الصورة الشيطانية ،فإذا صدر من اإلنسان اعمال الخير ُسميت نفس ناطقة قدسية
وان صدر منه اعمال الشر ُسميت نفس ناطقة شيطانية.
وإذا كانت النفس النباتية والنفس الحيوانية الموجودة في اإلنسان تموت بموت اإلنسان
النها اعراض تنتهي بموته وهو ما عبر عنه الحديث بانها تعود عود ممازجة ال عود مجاور اي
تتحلل وتعود إلى طبائع وعناصر النظام الطبيعي والفلكي ،فالنفس الناطقة القدسية بعد الموت
((( الزمر.43/
((( األنعام.35 /
((( بأمكانك مراجعة الموارد القرآنية الخاصة بالنفس المرتبطة بهذه المواضيع وهي كثيرة جدا في القرآن.
((( مصباح البالغة«مستدرك نهج البالغة» /الميرجهاني/ج /2ص 244
������������������� 301
ال تتحلل وال تعود عود ممازجة بل تعود عود مجاورة وتذهب إلى عالم مجانس لها مستقلة
متحققة بذاتها تجد اعمالها حاضرة امامها ان كانت خيرا ام شر كما قال الحديث «سبب فراقها
تحلل االالت الجسمانية ،فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود مجاورة ال عود ممازجة».
والنفس الناطقة ليست جسمانبة المبدء وال تنبعث من الجسم لذلك قال«وليس لها انبعاث»
الن انبعاثها من العلوم الحقيقية الدينية التي مقرها المدد العقلي النها«قوة ال هوتية» من اصل
برزخي وصورتها من ذلك العالم وهي في كل انسان بحسبه فنفس عمر ليست كنفس زيد الن
نفس عمر هي حقيقته ونفس زيد هي حقيقة زيد لذلك قال عنها الحديث«مقرها العلوم الحقيقية
الدينية ،موادها التأييدات العقلية ،فعلها المعارف الربانية»
والنفس الناطقة القدسية مؤلفة من بسائط البرزخ ما بين الدهر والزمان اعالها دهرية
واسفلها زمانية مقرها ارض هورقليا فهي مرتبطة بالدهر صدورا ومن اسفلها مرتبطة بالزمان
وعناصره الزمانية ظهورا (((.
والنفس الناطقة دركة النها من اثر العقل الذي يقول عنه اإلمام علي« جوهر دراك محيط
باالشياء من جميع جهاته ولها خمس قوى «والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم
وحلم ونباهة» وهي مشاعر باطنية خمسة ،وبهذه المشاعر الباطنية تستطيع ان تدرك بعض
العوالم اذ صفت ومنها عالم االحالم بعد ان يضغف ارتباطها بالبدن نتيجة النوم وكما روي انما
خلق اللَّه الرؤيا ليتمكن الناس من فهم امكان البعث والمعاد ،وهذه الحواس باطنية كامنة إذا
استطاع اإلنسان بالمجاهدات تفعيلها حصلت لديه المكاشفات.
فإذا تفرقت النفس النباتية والنفس الحيوانية في اإلنسان في الزمان بعد الموت بقيت الناطقة
في البرزخ ما بقيت افالك وبسائط البرزخ ،فالنفس النباتية والحيوانية هي بمثابة المرآة وهو
الجسد ،والنفس الناطقة القدسية بمثابة الصورة فيها ،فهي انعكاس لتلك النفس في البرزخ،
فإذا جاء الموت تحطمت المرآة وفنيت النباتية والحيواني وانتهت الصورة التي في المراة وبقيت
النفس الناطقة في برزخها وهي التي تتشخص بعد الموت ،وتظهر هذه النفس عند اعتدال
النفس الحيوانية كما قال الحديث «بدو ايجادها عند الوالدة الدنياوية».
والجسد في عالم الزمان ُمقدم على النفس الناطقة وجودا ً اذ يتكون الجنين ثم تظهر النفس
الناطقة عند الوالدة الدنياوية ،والنفس الناطقة متقدمة على الجسد في البرزخ وجودا ً كما ورد في
الحديث «خلق االرواح قبل االبدان بالفي عام» ،ومن هنا نستنتج خطأ مقولة مال صدرا بقوله«ان
النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء» ،والذي افهمه من عبارته انه يعتقد ان منشأ النفس
اوالً من المادة الزمانية وتخرج كخروج ما في القوة إلى الفعل بالحركة الجوهرية اي ان النفس
كامنة في المادة والحق ان النفس الناطقة وحقيقة اإلنسان موجودة في عالمها قبل تك ّون جسدها
الدنيوي ولكنها تسبقه وجودا ً وتتاخر عنه ظهورا ً.
وهذه النفس الناطقة القدسية عندما تنزل من عالمها البرزخي حين الوالدة الدنياوية تمر
بعوالم عديدة النها ُمقدمة على جسدها العنصري بالفي عام ،فتاخذ من مقام الطبيعة البرزخية
طبائعها ،ومن المادة البرزخية حصتها ،وما االظلة صورتها ،ثم تنزل إلى عرش الزمان ،ثم إلى
كرسي الزمان ،ثم إلى األفالك الزمانية «زحل ثم المشتري ثم المريخ ثم الشمس ثم الزهرة ثم
عطارد ثم القمر ،ثم كرة النار ،ثم كرة الهواء ،ثم كرة الماء ،ثم التراب وتلحق بها جملة من
اعراض تلك العوالم
فبحصتها من الشمس تدرك الحقائق ،وبحصتها من زحل تدرك المعاني الكلية ،وبحصتها
من المشتري تدرك بها الصور الكلية ،وبحصتها من المريخ تدرك المعاني الجزئية ،وبحصتها
من الزهرة تدرك الصور المجردة ،وبحصته من عطارد تدرك النسب الحكمية ،وبحصتها القمرية
تدرك الصور البرزخية ،وما تاخذه من النار تدرك به االضواء ،وما تاخذه من الهواء تدرك به
االصوات ،وما تاخذه من الماء تدرك بها الروائح ،وما تاخذه من التراب تدرك به الطعوم ،وهذه
بدورها ستنطبع على الحواس في النفس الحيوانية فيبصر ويسمع ويلتذ ويحس.
وإذا اردنا ان نجد لفظ او مفهوم للنفس الناطقة ينطبق على ما موجود في عرفنا واصطالحنا
الحالي فهي حسب اصطالحاتنا «وعي» ،وكل ما يصيب اإلنسان من امراض عضوية وفسلجية
فهو بسبب خلل في النفس النباتية والنفس الحيوانية ،وما يصيب اإلنسان من مرض نفسي فهو
بسبب خلل في الناطقة القدسية ،فاالمراض العضوية سببها عوارض عضوية واحيائية وفسلجية
اما االمراض النفسية فسببها عوارض شيطانية.
اما في الرجعة نتيجة لبوث الفلك واعتدال النفس النباتية والنفس الحيوانية في االنسان
فستظهر النفس الناطقة بكل حيويتها وستتفعل كل حواسها الظاهرية والباطنية فيتمكن االنسان
من رؤية عوالم اخرى ويتعامل مع مخلوقات اخرى كالمالئكة والجن ،وقد ورد في المرويات
ان اإلمام المهدي في زمن الرجعة سيظهر سبعة وعشرون حرفا من العلم الن القابلية اإلنسانية
ستصبح مستعدة لتلقي تلك العلوم
������������������� 303
تتساوى فيها جهة الرب وجهة النفس لكي تتحقق العدالة ويصح االختيار واالختبار﴿إنَّا َه َد ْي َناهُ
ِ
ورا﴾((( ،فان كان شاكرا غلبت جهة الرب وصار انسان بنفس ناطقة ِإَوما َك ُف ً َّ َ
يل إ َّما َشاك ًِرا َّ
السب ِ ِ
قدسية ،وان كان كفور صار انسان بنفس ناطقة شيطانية.
اما النفس الكلية اإللهية فليس فيها هذا التمايز الن كال جهتيها متشاكلتان فجهتهم إلى
ربهم نفس جهتهم إلى انفسهم وللعكس صحيح النها من عالم السرمد الذي فيه األول هو
االخر والظاهر هو الباطن فهي ُمركّب ال تمايز في اجزائه النه صرافة النور.
الم�صادر
القرآن الكريم
نهج البالغة
الكافي /الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
بحار األنوار /الشيخ محمد باقر المجلسي
وسائل الشيعة /الحر العاملي
من ال يحضره الفقيه /الشيخ الصدوق
التهذيب /الشيخ الطوسي
تفسير البرهان /السيد هاشم البحراني
تفسير القمي /علي بن إبراهيم القمي
تفسير اإلمام الحسن العسكري
تفسير العياشي /محمد بن مسعود ابن عياش
كمال الدين وتمام النعمة /الشيخ الصدوق
االمالي /الشيخ الصدوق
التوحيد /الشيخ الصدوق
معاني االخبار /الشيخ الصدوق
الخصال /الشيخ الصدوق
علل الشرائع /الشيخ الصدوق
عيون اخبار الرضا /الشيخ الصدوق
306 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
االحتجاج /الطبرسي
سرور اهل اإليمان /السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم النيلي النجيفي
منتخب األنوار المضيئة /السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم النيلي النجيفي
رجال الكشي /الكشي
بصائر الدرجات /محمد حسن الصفار
مختصر البصائر /الشيخ عز الدين الحسين بن سليمان الحلي
االيقاظ من الهجعة بالبرهان عن الرجعة /الحر العاملي
الغيبة للنعماني /ابن ابي زينب النعماني
الغيبة للطوسي /ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي
مسند اإلمام العسكري /عزيز اللَّه العطاردي
االرشاد /الشيخ المفيد
روضة الواعظين/محمد بن فتال النيسابوري
اعالم الورى /الشيخ الطبرسي
كشف الغمة /ابن ابي الفتح االربلي
مصباح المتهجد /ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي
السرائر /ابن ادريس الحلي
مهج الدعوات /ابن طاووس
بشارة اإلسالم /السيد حيدر الكاظمي
المالحم او عالئم اخر الزمان /الشيخ حسين طاوئي همداني
المالحم والفتن /ابن طاووس
مناقب آل أبي طالب /ابن شهر اشوب
������� 307
كتب للم�ؤلف
- 1نجم يتقلب في اآلفاق«:بحث تحليلي نقدي للعالمات السماوية التي تسبق ظهور
اإلمام المهدي ودور الجبال في ظهور جنة االستخالف»
- 2المزايلة« :ودائع مؤمنين في أصالب قوم كافرين» «حرب االصالب واألرحام غير
المعلنة» «معركة سالالت الدم»
- 3الرجعة :حجر رفضه البناؤون /ظهور الباطن وانتصار التأويل
- 4ايام اللَّه :جغرافيا الكون وتكرار األبدية /ونظرية لبوث الفلك
دراسة لوصف حركة الموجودات في عوالم الوجود وطبيعة أوقاتها من السرمد إلى الدهر
إلى الزمان مع شرح لمفهوم اليوم وتسلسل أيام اللَّه القادمة ورؤية جديدة لقصة ذي القرنين من
خالل واقع فلكي كان سائدا ً على األرض قبل الطوفان مع دراسة قرآنية روائية علمية لكيفية
ظهور الجنتان المدهامتان في آخر الزمان من خالل نظرية لبوث الفلك ودور الجبال في تغير
النظام الطبيعي.
- 5مقاصد الجمع في القرآن :متابعة اللفاظ قرآنية ُ
جمعت بصيغتين.
- 6آية ورواية :تأمالت وتساؤالت في كالم القرآن والعترة.
-7البداء :محو ام الغاء ام تغيير
- 8حدث وحديث :تصور أولي اجمالي ألحاديث واحداث ما قبل وما بعد ظهور اإلمام
المهدي
- 9كربالء في العوالم :نون والقلم وكربالء وما يسطرون
- 10جامع أحاديث الذر :روايات ائمة أهل البيت صلوات اللَّه عليهم عن عالم الذ ّر
- 12عالم الذر :فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه/ارشيف التكّوين وكواليس
الخليقة/رحلة اإلنسان الوجودية من البداية إلى الغاية
310 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
13ـ ال من شيء :بحث روائي فلسفي عن ماهية «الشيء» و «الالشيء» و «ال من شيء»
و «العدم » و «الفراغ».
الفهر�س
المقدمة 5...................................................................................
هلك فيك اثنان 6...........................................................................
أروه عن أبي 7..............................................................................
زكاة الظفر 9................................................................................
الكذابين والك ّذابة 11.......................................................................
حديث العزوبة 13..........................................................................
المبطلون15................................................................................
المكر االلهي16............................................................................
غاية ترقي المؤمنين17......................................................................
الرويبضة والمحاضير والفيس بوك18.......................................................
من هو «سفيهنا» 19........................................................................
العالم والعليم والخبير21...................................................................
الخلق والرزق والموت والحياة 22..........................................................
العبودية التكوينية والعبودية التشريعية25....................................................
ذا الكفل 26................................................................................
أم القرى 29................................................................................
الذكر الغائب33............................................................................
وأشرقت األرض بنور ربها35...............................................................
كتاب مختوم بخاتم من ذهب 40...........................................................
أولئك يفتح الله على أيديهم الدين 42......................................................
تجدد سلطان بني العباس «قراءة جديدة» 46................................................
حديث اخر48............................................................................ :
312 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ
مثال«229......................................................................... :»1
مثال«230......................................................................... :»2
مثال«231......................................................................... :»3
مثال «232.........................................................................:»4
- 4انطباقات لم تقع 233..............................................................
- 5االنطباق المستقبلي233...........................................................
حبابة الوالبية وحصاتها 235................................................................
مع رسول اللَّه 235............................................................... :
مع أمير المؤمنين 238.............................................................:
مع اإلمام الحسن 241............................................................ :
مع اإلمام الحسين 241............................................................:
مع اإلمام علي بن الحسين السجاد 243...........................................:
مع اإلمام محمد بن علي الباقر245................................................:
مع اإلمام جعفر بن محمد الصادق245............................................:
مع اإلمام موسى بن جعفر الكاظم245.............................................
مع اإلمام علي بن موسى الرضا245................................................
مع اإلمام محمد الجواد246.......................................................:
مع اإلمام علي الهادي246........................................................ :
مع اإلمام الحسن العسكري246.................................................. :
مع اإلمام المهدي الحجة ابن الحسن247........................................ :
مفهوم الحركة ال ُبعدية للسماوات واألرضين250............................................
الجان والجن256..........................................................................
ضلع آدم 259..............................................................................
محاولة لشرح عبارة الحاج الكرماني 273..............................................
جنة الحضائر :مؤمنو الجن وفساق الشيعة 277............................................
العظام ثم اللحم280.......................................................................
316 ه سياحة في أحاديث آل محمد
وانُ ُ مختَلِ ٌ
ف أل َ اب ُ
شَ َر ٌ