You are on page 1of 60

‫اﻝﻤﺤور اﻷول‬

‫ﻤﻔﻬوم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ وأﻫداﻓﻬﺎ‬


‫وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى‬

‫اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻷوﻝﻰ‬
‫ﻤﻔﻬوم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وطﺒﻴﻌﺘﻬﺎ وأﻫداﻓﻬﺎ‬

‫ﺘﻤﻬﻴد‪:‬‬
‫ﻴﺠﻤــﻊ اﻝﺒــﺎﺤﺜون ﻓــﻲ ﻋﻠــم " اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ " ﻋﻠــﻰ ّأﻨــﻪ ﻋﻠــم ﺤــدﻴث اﻝﻌﻬــد‪ ،‬إذا ﻤــﺎ ﻗــﻴس ﺒــﺒﻌض‬
‫أن اﻝﺒﺤـث ﻓـﻲ ﺸـؤون اﻹﻨﺴـﺎن واﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت‬ ‫اﻝﻌﻠوم اﻷﺨـرى ﻜﺎﻝﻔﻠﺴـﻔﺔ واﻝطـب واﻝﻔﻠـك ‪ ..‬وﻏﻴرﻫـﺎ‪ .‬إﻻّ ّ‬
‫اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ ﻗ ــدﻴم ﻗ ــدم اﻹﻨﺴ ــﺎن‪ ،‬ﻤ ــذ وﻋ ــﻰ ذاﺘ ــﻪ وﺒ ــدأ ﻴﺴ ــﻌﻰ ﻝﻠﺘﻔﺎﻋ ــل اﻹﻴﺠ ــﺎﺒﻲ ﻤـ ـﻊ ﺒﻴﺌﺘ ــﻪ اﻝطﺒﻴﻌﻴ ــﺔ‬
‫واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪.‬‬
‫ﻝﻘد درج اﻝﻌﻠﻤﺎء واﻝﻔﻼﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻜـل ﻤﻜـﺎن وزﻤـﺎن ﻋﺒـر اﻝﺘـﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ‪ ،‬ﻋﻠـﻰ وﻀـﻊ ﻨظرﻴـﺎت‬
‫ﻋن طﺒﻴﻌﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ‪ ،‬وﻤـﺎ ﻴـدﺨل ﻓـﻲ ﻨﺴـﻴﺠﻬﺎ وأﺒﻨﻴﺘﻬـﺎ ﻤـن دﻴـن أو ﺴـﻼﻝﺔ‪ ،‬وﻤـن ﺜ ّـم ﺘﻘﺴـﻴم‬
‫ﻜ ـ ّل ﻤﺠﺘﻤــﻊ إﻝــﻰ طﺒﻘــﺎت ﺒﺤﺴــب ﻋﺎداﺘﻬــﺎ وﻤﺸــﺎﻋرﻫﺎ وﻤﺼــﺎﻝﺤﻬﺎ‪ .‬وﻗــد أﺴــﻬﻤت اﻝــرﺤﻼت اﻝﺘﺠﺎرﻴــﺔ‬
‫واﻻﻜﺘﺸﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬وأﻴﻀﺎً اﻝﺤروب‪ ،‬ﺒدور ﻫﺎم ﻓﻲ ﺤدوث اﻻﺘﺼﺎﻻت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺒﻴن اﻝﺸـﻌوب واﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت‬
‫ﻗرﺒت ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ وأﺘﺎﺤت ﻤﻌرﻓﺔ ﻜـ ّل ﻤﻨﻬـﺎ ﺒـﺎﻵﺨر‪ ،‬وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻤـﺎ ﻴﺘﻌﻠّـق ﺒﺎﻝﻠﻐـﺔ واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد‬
‫اﻝﺒﺸرﻴﺔ‪ ،‬ﺤﻴث ّ‬
‫ﻤﻌﻴن ﻝﺒداﻴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪.‬‬‫واﻝﻘﻴم ‪ ..‬وﻝذﻝك‪ ،‬ﻓﻤن اﻝﺼﻌوﺒﺔ ﺒﻤﻜﺎن‪ ،‬ﺘﺤدﻴد ﺘﺎرﻴﺦ ّ‬
‫أوﻻً‪-‬ﻤﻔﻬوم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‬
‫إن ﻝﻔظ ــﺔ أﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ‪ ،Anthropology‬ﻫ ــﻲ ﻜﻠﻤ ــﺔ إﻨﻜﻠﻴزﻴ ــﺔ ﻤﺸ ــﺘﻘّﺔ ﻤ ــن اﻷﺼ ــل اﻝﻴوﻨ ــﺎﻨﻲ‬ ‫ّ‬
‫اﻝﻤﻜون ﻤـن ﻤﻘطﻌـﻴن ‪ :‬أﻨﺜروﺒـوس ‪ ،Anthropos‬وﻤﻌﻨـﺎﻩ " اﻹﻨﺴـﺎن " و ﻝوﺠـوس ‪ ،Locos‬وﻤﻌﻨـﺎﻩ "‬ ‫ّ‬
‫ﻋﻠم "‪ .‬وﺒذﻝك ﻴﺼﺒﺢ ﻤﻌﻨـﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻤـن ﺤﻴـث اﻝﻠﻔـظ " ﻋﻠـم اﻹﻨﺴـﺎن " أي اﻝﻌﻠـم اﻝـذي ﻴـدرس‬
‫‪1‬‬
‫اﻹﻨﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎن ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ﺒﺄﻨﻬﺎ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس اﻹﻨﺴﺎن ﻤن ﺤﻴث ﻫو ﻜﺎﺌن ﻋﻀوي ﺤﻲ‪،‬‬ ‫ﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ّ ،‬‬ ‫وﻝذﻝك‪ّ ،‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨــﺔ ‪ ..‬وﻴﻘــوم ﺒﺄﻋﻤــﺎل ﻤﺘﻌـ ّـددة‪،‬‬
‫ﻴﻌــﻴش ﻓــﻲ ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﺘﺴــودﻩ ﻨظــم وأﻨﺴــﺎق اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻓــﻲ ظ ـ ّل ﺜﻘﺎﻓــﺔ ّ‬
‫وﻴﺴــﻠك ﺴــﻠوﻜﺎً ﻤﺤـ ّـدداً؛ وﻫــو أﻴﻀ ـﺎً اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴــدرس اﻝﺤﻴــﺎة اﻝﺒداﺌﻴــﺔ‪ ،‬واﻝﺤﻴــﺎة اﻝﺤدﻴﺜــﺔ اﻝﻤﻌﺎﺼ ـرة‪،‬‬
‫اﻝﺘﻨﺒــؤ ﺒﻤﺴــﺘﻘﺒل اﻹﻨﺴــﺎن ﻤﻌﺘﻤــداً ﻋﻠــﻰ ﺘطـ ّـورﻩ ﻋﺒــر اﻝﺘــﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ اﻝطوﻴــل‪ . .‬وﻝــذا ﻴﻌﺘﺒــر‬
‫وﻴﺤــﺎول ّ‬
‫‪2‬‬
‫ﻤﺘطو اًر‪ ،‬ﻴدرس اﻹﻨﺴﺎن وﺴﻠوﻜﻪ وأﻋﻤﺎﻝﻪ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ﻋﻠم دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن )اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ( ﻋﻠﻤﺎً‬
‫ﺒﺄﻨﻬـﺎ ﻋﻠـم )اﻷﻨﺎﺴـﺔ( اﻝﻌﻠـم اﻝـذي ﻴـدرس اﻹﻨﺴـﺎن ﻜﻤﺨﻠـوق‪ ،‬ﻴﻨﺘﻤـﻲ‬‫وﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ أﻴﻀـﺎً‪ّ ،‬‬
‫إﻝﻰ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤﻴواﻨﻲ ﻤن ﺠﻬﺔ‪ ،‬وﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى ّأﻨـﻪ اﻝوﺤﻴـد ﻤـن اﻷﻨـواع اﻝﺤﻴواﻨﻴـﺔ ﻜﻠّﻬـﺎ‪ ،‬اﻝـذي ﻴﺼـﻨﻊ‬
‫ﻴﺘﻤﻴز ﻋﻨﻬﺎ ﺠﻤﻴﻌﺎً‪. 3.‬‬
‫اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ وﻴﺒدﻋﻬﺎ‪ ،‬واﻝﻤﺨﻠوق اﻝذي ّ‬
‫ﺒﺄﻨﻬﺎ " ﻋﻠم دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن طﺒﻴﻌﻴﺎً واﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎً‬ ‫ﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺼورة ﻤﺨﺘﺼرة وﺸﺎﻤﻠﺔ ّ‬ ‫ﻜﻤﺎ ّ‬
‫‪4‬‬
‫أن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ﻻ ﺘ ــدرس اﻹﻨﺴ ــﺎن ﻜﻜ ــﺎﺌن وﺤﻴ ــد ﺒذاﺘ ــﻪ‪ ،‬أو ﻤﻨﻌ ــزل ﻋ ــن أﺒﻨ ــﺎء‬
‫وﺤﻀ ــﺎرﻴﺎً " أي ّ‬
‫ﺠﻨﺴﻪ‪ّ ،‬إﻨﻤـﺎ ﺘدرﺴـﻪ ﺒوﺼـﻔﻪ ﻜﺎﺌﻨـﺎً اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺎً ﺒطﺒﻌـﻪ‪ ،‬ﻴﺤﻴـﺎ ﻓـﻲ ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻤﻌ ّـﻴن ﻝــﻪ ﻤﻴ ازﺘـﻪ اﻝﺨﺎﺼـﺔ ﻓـﻲ‬
‫ﻤﻜﺎن وزﻤﺎن ﻤﻌﻴﻨﻴن ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒوﺼﻔﻬﺎ دراﺴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن ﻓﻲ أﺒﻌﺎدﻩ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬اﻝﺒﻴوﻓﻴزﻴﺎﺌﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻬــﻲ ﻋﻠــم ﺸــﺎﻤل ﻴﺠﻤــﻊ ﺒــﻴن ﻤﻴــﺎدﻴن وﻤﺠــﺎﻻت ﻤﺘﺒﺎﻴﻨــﺔ وﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻋــن ﺒﻌــض‪ ،‬اﺨــﺘﻼف ﻋﻠــم‬
‫اﻝﺘﺸـرﻴﺢ ﻋــن ﺘــﺎرﻴﺦ ﺘطـ ّـور اﻝﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري واﻝﺠﻤﺎﻋــﺎت اﻝﻌرﻗﻴـﺔ‪ ،‬وﻋــن د ارﺴــﺔ اﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻤــن‬
‫ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ واﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ وﻗراﺒﻴﺔ ودﻴﻨﻴﺔ وﻗﺎﻨوﻨﻴﺔ‪ ،‬وﻤـﺎ إﻝﻴﻬـﺎ ‪ ..‬وﻜـذﻝك ﻋـن اﻹﺒـداع اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ﻓـﻲ ﻤﺠـﺎﻻت‬ ‫ّ‬
‫اﻝﻤﺘﻨوﻋﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺸﻤل‪ :‬اﻝﺘراث اﻝﻔﻜـري وأﻨﻤـﺎط اﻝﻘـﻴم وأﻨﺴـﺎق اﻝﻔﻜـر واﻹﺒـداع اﻷدﺒـﻲ واﻝﻔﻨـﻲ‪ ،‬ﺒـل‬ ‫اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ّ‬
‫واﻝﻌــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد وﻤظــﺎﻫر اﻝﺴــﻠوك ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ‪ٕ ،‬وان ﻜﺎﻨــت ﻻ ﺘ ـزال ﺘﻌطــﻲ‬
‫‪5‬‬
‫ﻋﻨﺎﻴﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ‪.‬‬
‫أن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ‪" :‬ﻫ ــﻲ اﻝد ارﺴ ــﺔ اﻝﺒﻴوﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ‬
‫وﻫ ــذا ﻴﺘواﻓ ــق ﻤ ــﻊ ﺘﻌرﻴ ــف ) ﺘ ــﺎﻴﻠور( اﻝ ــذي ﻴ ــرى ّ‬
‫اﻝﻤﻘﺎرﻨـﺔ ﻝﻺﻨﺴــﺎن " إذ ﺘﺤـﺎول اﻝﻜﺸــف ﻋـن اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻤظـﺎﻫر اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ اﻝﻤوروﺜـﺔ ﻝﻺﻨﺴــﺎن‪ ،‬وﻤــﺎ‬
‫ﻴﺘﻠﻘــﺎﻩ ﻤــن ﺘﻌﻠــﻴم وﺘﻨﺸــﺌﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ .‬وﺒﻬــذا اﻝﻤﻌﻨــﻰ‪ ،‬ﺘﺘﻨــﺎول اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻤوﻀــوﻋﺎت ﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﻤــن‬
‫اﻝﺘﺨﺼﺼﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﺘﻌﻠّق ﺒﺎﻹﻨﺴﺎن ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اﻝﻌﻠوم و‬

‫ﺜﺎﻨﻴﺎً‪-‬طﺒﻴﻌﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‬
‫إن اﻝﺸﻌوب اﻝﻨﺎطﻘﺔ ﺒﺎﻝﻠﻐﺔ اﻹﻨﻜﻠﻴزﻴﺔ ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ‪ ،‬ﺘطﻠق ﻋﻠـﻰ ﻋﻠـم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ‪ " :‬ﻋﻠـم اﻹﻨﺴـﺎن‬ ‫ّ‬
‫وأﻋﻤﺎﻝﻪ " ﺒﻴﻨﻤﺎ ﻴطﻠق اﻝﻤﺼطﻠﺢ ذاﺘﻪ ﻓـﻲ اﻝﺒﻠـدان اﻷوروﺒﻴـﺔ ﻏﻴـر اﻝﻨﺎطﻘـﺔ ﺒﺎﻹﻨﻜﻠﻴزﻴـﺔ‪ ،‬ﻋﻠـﻰ " د ارﺴـﺔ‬
‫اﻝﺨﺼﺎﺌص اﻝﺠﺴﻤﻴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن"‪ .‬وﻴﺼل ﻫذا اﻻﺨﺘﻼف إﻝﻰ طﺒﻴﻌﺔ ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ‪ ..‬ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻴﻌﻨﻲ‬
‫ـﺈن‬
‫ﻓــﻲ أوروﺒــﺎ‪ ،‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻔﻴزﻴﻘﻴــﺔ‪ ،‬وﻴﻨظــر إﻝــﻰ ﻋﻠﻤــﻲ اﻵﺜــﺎر واﻝﻠﻐوﻴــﺎت ﻜﻔــرﻋﻴن ﻤﻨﻔﺼــﻠﻴن‪ ،‬ﻓـ ّ‬
‫اﻷﻤ ـرﻴﻜﻴﻴن ﻴﺴــﺘﺨدﻤون ﻤﺼــطﻠﺢ )اﻹﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ أو اﻹﺜﻨوﻏراﻓﻴــﺎ( ﻝوﺼــف )اﻹﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( واﻝﺘــﻲ‬
‫ﻴطﻠق ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻝﺒرﻴطﺎﻨﻴون )اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ( ‪.‬‬
‫ﻓﻔــﻲ إﻨﻜﻠﺘـ ار ﻤــﺜﻼً‪ ،‬ﻴطﻠــق ﻤﺼــطﻠﺢ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ د ارﺴــﺔ اﻝﺸــﻌوب وﻜﻴﺎﻨﺎﺘﻬــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪،‬‬
‫أن‬
‫أﻤ ـ ــﺎ ﻓ ـ ــﻲ أﻤرﻴﻜ ـ ــﺎ‪ ،‬ﻓﻴ ـ ــرى اﻝﻌﻠﻤ ـ ــﺎء ّ‬
‫ﻤ ـ ــﻊ ﻤﻴ ـ ــل ﺨ ـ ــﺎص ﻝﻠﺘﺄﻜﻴ ـ ــد ﻋﻠ ـ ــﻰ د ارﺴ ـ ــﺔ اﻝﺸ ـ ــﻌوب اﻝﺒداﺌﻴ ـ ــﺔ‪ّ .‬‬

‫‪3‬‬
‫أن ﻋﻠﻤــﺎء ﻓرﻨﺴــﺎ‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬ﻫــﻲ ﻋﻠــم د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ اﻝﺒداﺌﻴــﺔ واﻝﻤﻌﺎﺼ ـرة‪ ،‬ﻓــﻲ ﺤــﻴن ّ‬
‫‪6‬‬
‫ﻴﻌﻨون ﺒﻬذا اﻝﻤﺼطﻠﺢ‪ ،‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن ﻤن اﻝﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ‪ ،‬أي " اﻝﻌﻀوﻴﺔ " ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻴرّﻜز اﻫﺘﻤﺎﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﻜﺎﺌن واﺤد‪ ،‬ﻫـو اﻹﻨﺴـﺎن‪ ،‬وﻴﺤـﺎول ﻓﻬـم أﻨـواع اﻝظـﺎﻫرات‬
‫اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻝﺘﻲ ﺘؤﺜّر ﻓﻴﻪ ‪ ..‬ﻓﻲ ﺤﻴن ﺘرّﻜز اﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى اﻫﺘﻤﺎﻤﻬﺎ ﻋﻠـﻰ أﻨـواع ﻤﺤ ّـددة ﻤـن اﻝظـﺎﻫرات‬
‫ّأﻨــﻰ وﺠــدت ﻓــﻲ اﻝطﺒﻴﻌــﺔ‪ .‬وﻜــﺎن ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬وﻤــﺎ زال‪ ،‬ﻴﺤــﺎول ﻓﻬــم ﻜ ـ ّل ﻤــﺎ ﻴﻤﻜــن ﻓﻬﻤــﻪ أو‬
‫ﻤﻌرﻓﺘــﻪ ﻋــن طﺒﻴﻌــﺔ ﻫــذا اﻝﻤﺨﻠــوق اﻝﻐرﻴــب اﻝــذي ﻴﺴــﻴر ﻋﻠــﻰ ﻗــدﻤﻴن‪ ،‬وﻜــذﻝك ﻓﻬــم ﺴــﻠوﻜﻪ اﻝــذي ﻴﻔــوق‬
‫طﺒﻴﻌﺘﻪ اﻝﺠﺴﻤﻴﺔ ﻏراﺒﺔ ‪.‬‬
‫طورﺘﻬـ ــﺎ اﻝﻌﻠـ ــوم‬
‫أن ﻋﻠﻤـ ــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ‪ ،‬اﺴـ ــﺘطﺎﻋوا اﺴـ ــﺘﺨدام ﺒﻌـ ــض اﻷﺴـ ــﺎﻝﻴب اﻝﺘـ ــﻲ ّ‬
‫وﻤـ ــﻊ ّ‬
‫أن إﺴـﻬﺎﻤﻬم ﻓـﻲ‬ ‫ﻓﺈﻨﻬم ﻗﻠّﻤـﺎ اﻀـطروا إﻝـﻰ اﻨﺘظـﺎر ﺘط ّـور ﻤﺜـل ﻫـذﻩ اﻷﺴـﺎﻝﻴب ‪ ..‬واﻝواﻗـﻊ ّ‬ ‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ّ ،‬‬
‫ﺘطـ ّـور اﻝﻌﻠــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ ،‬ﻻ ﻴﻘ ـ ّل ﺸــﺄﻨﺎً ﻋــن إﺴــﻬﺎم ﻫــذﻩ اﻝﻌﻠــوم ﻓــﻲ ﺘطـ ّـور اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ .‬وﻝــذﻝك‪،‬‬
‫ﻴﻨﻘﺴـ ــم ﻋﻠـ ــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ إﻝـ ــﻰ ﻗﺴـ ــﻤﻴن أﺴﺎﺴـ ــﻴﻴن ﻜﺒﻴ ـ ـرﻴن ‪ :‬ﻴﺒﺤـ ــث اﻷول ﻓـ ــﻲ اﻹﻨﺴـ ــﺎن‪ ،‬وﻴﻌـ ــرف‬
‫ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺤﻴن ﻴﺒﺤث اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬وﻴﻌرف ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‬
‫‪7‬‬
‫اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ ‪.‬‬
‫واﺴ ــﺘﻨﺎداً إﻝ ــﻰ ﻫ ــذﻩ اﻝﻤﻨطﻠﻘ ــﺎت‪ ،‬ﻓﻘ ــد ﺤ ـ ّـددت اﻝﺒﺎﺤﺜ ــﺔ اﻷﻤرﻴﻜﻴ ــﺔ ) ﻤﺎرﻏرﻴ ــت ﻤﻴ ــد( طﺒﻴﻌ ــﺔ ﻋﻠ ــم‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ وأﺒﻌــﺎدﻩ‪ ،‬ﺒﻘوﻝﻬــﺎ ‪ّ " :‬إﻨﻨــﺎ ﻨﺼـ ّـﻨف اﻝﺨﺼــﺎﺌص اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻝﻠﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري )اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ‬
‫ـﺘم‬
‫واﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( ﻜﺄﻨﺴــﺎق ﻤﺘراﺒطــﺔ وﻤﺘﻐّﻴـرة‪ ،‬وذﻝــك ﻋــن طرﻴــق ﻨﻤــﺎذج وﻤﻘــﺎﻴﻴس وﻤﻨــﺎﻫﺞ ﻤﺘطـ ّـورة‪ .‬ﻜﻤــﺎ ﻨﻬـ ّ‬
‫أﻴﻀـ ـﺎً ﺒوﺼ ــف اﻝ ــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ واﻝﺘﻜﻨوﻝوﺠﻴ ــﺔ وﺘﺤﻠﻴﻠﻬ ــﺎ‪ ،‬إﻀ ــﺎﻓﺔ إﻝ ــﻰ اﻝﺒﺤ ــث ﻓ ــﻲ اﻹدراك اﻝﻌﻘﻠ ــﻲ‬
‫ﻝﻺﻨﺴــﺎن واﺒﺘﻜﺎ ارﺘــﻪ وﻤﻌﺘﻘداﺘــﻪ ووﺴــﺎﺌل اﺘﺼــﺎﻻﺘﻪ‪ .‬وﺒﺼــﻔﺔ ﻋﺎﻤــﺔ‪ ،‬ﻨﺴــﻌﻰ – ﻨﺤــن اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻴﻴن –‬
‫ﻝﺘﻔﺴﻴر ﻨﺘﺎﺌﺞ دراﺴﺎﺘﻨﺎ واﻝرﺒط ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ إطﺎر ﻨظرﻴﺎت اﻝﺘط ّـور‪ ،‬أو ﻀـﻤن ﻤﻔﻬـوم اﻝوﺤـدة اﻝﻨﻔﺴ ّـﻴﺔ‬
‫‪8‬‬
‫اﻝﻤﺸﺘرﻜﺔ ﺒﻴن اﻝﺒﺸر ‪"..‬‬
‫ﻓﺈن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻫﻲ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬وﻴدرس أوﺠـﻪ اﻝﺸـﺒﻪ‬
‫ﺘﻘدم‪ّ ،‬‬
‫وﺘﺄﺴﻴﺴﺎً ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ّ‬
‫اﻝﺤﻴﺔ اﻷﺨرى ﻤن ﺠﻬﺔ‪ ،‬وأوﺠـﻪ اﻝﺸـﺒﻪ واﻻﺨـﺘﻼف ﺒـﻴن اﻹﻨﺴـﺎن‬
‫وأوﺠﻪ اﻻﺨﺘﻼف ﺒﻴﻨﻪ وﺒﻴن اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ‬
‫وأﺨﻴﻪ اﻹﻨﺴﺎن ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى‪.‬‬
‫وﻓـﻲ اﻝوﻗـت ذاﺘـﻪ‪ ،‬ﻴـدرس اﻝﺴـﻠوك اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ﻀـﻤن اﻹطـﺎر اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ واﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﺒوﺠـﻪ ﻋـﺎم‪ .‬ﻓــﻼ‬
‫ـﺘم ﺒﺎﻹﻨﺴـﺎن اﻝـذي‬
‫ﺘﻬﺘم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺎﻹﻨﺴﺎن اﻝﻔرد‪ ،‬ﻜﻤﺎ ﺘﻔﻌل اﻝﻔﻴزﻴوﻝوﺠﻴﺎ أو ﻋﻠم اﻝـﻨﻔس‪ٕ ،‬واّﻨﻤـﺎ ﺘﻬ ّ‬
‫ّ‬
‫ﻴﻌﻴش ﻓﻲ ﺠﻤﺎﻋﺎت وأﺠﻨﺎس‪ ،‬وﺘدرس اﻝﻨﺎس ﻓﻲ أﺤداﺜﻬم وأﻓﻌﺎﻝﻬم اﻝﺤﻴﺎﺘﻴﺔ ‪.‬‬

‫ﺜﺎﻝﺜﺎً‪ -‬أﻫداف دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‬


‫ـﺈن د ارﺴـﺘﻬﺎ ﺘﺤﻘّـق ﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن اﻷﻫـداف‪ ،‬ﻴﻤﻜـن‬
‫اﺴﺘﻨﺎداً إﻝﻰ ﻤﻔﻬوم اﻻﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ وطﺒﻴﻌﺘﻬـﺎ‪ ،‬ﻓ ّ‬
‫ﺤﺼرﻫﺎ ﻓﻲ اﻷﻤور اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ ‪:‬‬
‫‪ -1‬وﺼف ﻤظﺎﻫر اﻝﺤﻴﺎة اﻝﺒﺸـرﻴﺔ واﻝﺤﻀـﺎرﻴﺔ وﺼـﻔﺎً دﻗﻴﻘـﺎً‪ ،‬وذﻝـك ﻋـن طرﻴـق ﻤﻌﺎﻴﺸـﺔ اﻝﺒﺎﺤـث‬
‫اﻝﻤﺠﻤوﻋ ــﺔ أو اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ اﻝﻤدروﺴ ــﺔ‪ ،‬وﺘﺴ ــﺠﻴل ﻜـ ـ ّل ﻤ ــﺎ ﻴﻘ ــوم ﺒ ــﻪ أﻓرادﻫ ــﺎ ﻤ ــن ﺴ ــﻠوﻜﺎت ﻓ ــﻲ‬
‫اﻝﻴوﻤﻴﺔ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ﺘﻌﺎﻤﻠﻬم‪ ،‬ﻓﻲ اﻝﺤﻴﺎة‬

‫‪4‬‬
‫‪ -2‬ﺘﺼﻨﻴف ﻤظﺎﻫر اﻝﺤﻴﺎة اﻝﺒﺸرﻴﺔ واﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ ﺒﻌد دراﺴﺘﻬﺎ دراﺴﺔ واﻗﻌﻴـﺔ‪ ،‬وذﻝـك ﻝﻠوﺼـول إﻝـﻰ‬
‫أﻨﻤــﺎط إﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻋﺎﻤــﺔ‪ ،‬ﻓــﻲ ﺴــﻴﺎق اﻝﺘرﺘﻴــب اﻝﺘطـ ّـوري اﻝﺤﻀــﺎري اﻝﻌــﺎم ﻝﻺﻨﺴ ـﺎن‪) :‬ﺒــداﺌﻲ‪-‬‬
‫زراﻋﻲ‪ -‬ﺼﻨﺎﻋﻲ – ﻤﻌرﻓﻲ – ﺘﻜﻨوﻝوﺠﻲ(‬
‫اﻝﺘﻐﻴــر وﻋﻤﻠﻴﺎﺘــﻪ ﺒدﻗّــﺔ ﻋﻠﻤﻴــﺔ ‪..‬‬
‫اﻝﺘﻐﻴــر اﻝــذي ﻴﺤــدث ﻝﻺﻨﺴــﺎن‪ ،‬وأﺴــﺒﺎب ﻫــذا ّ‬
‫‪ -3‬ﺘﺤدﻴــد أﺼــول ّ‬
‫وذﻝك ﺒﺎﻝرﺠوع إﻝﻰ اﻝﺘراث اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ورﺒطـﻪ ﺒﺎﻝﺤﺎﻀـر ﻤـن ﺨـﻼل اﻝﻤﻘﺎرﻨـﺔ‪ٕ ،‬واﻴﺠـﺎد ﻋﻨﺎﺼـر‬
‫اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪.‬‬
‫اﻝﺘوﻗﻌـﺎت ﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘﻐﻴﻴـر اﻝﻤﺤﺘﻤـل‪ ،‬ﻓـﻲ اﻝظـواﻫر اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ اﻝﺤﻀـﺎرﻴﺔ‬ ‫‪ -4‬اﺴﺘﻨﺘﺎج اﻝﻤؤ ّﺸرات و ّ‬
‫ـﺘﻤم د ارﺴــﺘﻬﺎ‪ ،‬وﺒﺎﻝﺘﺼـ ّـور ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ ﻹﻤﻜﺎﻨﻴــﺔ اﻝﺘﻨﺒــؤ ﺒﻤﺴــﺘﻘﺒل اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ اﻝﺘــﻲ‬ ‫اﻝﺘــﻲ ﺘـ ّ‬
‫‪9‬‬
‫أﺠرﻴت ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻝدراﺴﺔ‪.‬‬
‫أن اﻝﺘﺒــﺎﻴن اﻝﻌرﻗــﻲ ﺒــﻴن ﺒﻨــﻲ اﻝﺒﺸــر‪ ،‬ﻫــو اﻝﺨﺎﺼــﺔ اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ ﺘﺴــﺘﺄﺜر ﺒﺎﻫﺘﻤــﺎم اﻝﻌــﺎﻝِم‬‫وﻴﺒــدو ّ‬
‫اﻝﺤ ـدﻴث‪ ،‬أﻜﺜــر ﻤــن ﺴــﺎﺌر اﻝﺨ ـواص اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ اﻷﺨــرى ﻋﻨــد اﻹﻨﺴــﺎن‪ .‬وﻴﺒــذل اﻝﻤﺼـ ّـﻨﻔون اﻝﻌرﻗﻴــون‬
‫ﻝﻠﺘوﺼــل إﻝــﻰ ﺘﺼــﻨﻴف ﻋرﻗــﻲ ﻤﺜــﺎﻝﻲ‪ .‬ﻓﻜــﺎن ﻤــن ﻨﺘــﺎﺌﺞ اﻨﺸــﻐﺎل ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‬ ‫ّ‬ ‫ﻤﺤــﺎوﻻت داﺌﺒــﺔ‬
‫اﻝﺠﺴــﻤﻴﺔ ﺒﻤﺸــﻜﻠﺔ اﻝﻌــرق‪ ،‬أن اﻜﺘﺴــب ﻤﻔﻬــوم اﻝﻨــوع )اﻝﻌــرق( رﺴــوﺨﺎً أﻋــﺎق اﻝﺘﻔﻜﻴــر ﺒﺎﻝﻜــﺎﺌن اﻝﺒﺸــري‬
‫ذاﺘـﻪ‪ .‬ﻓﺎﻷﺼــﻨﺎف اﻝﻌرﻗﻴــﺔ اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ظﻠّــت‪ٕ ،‬واﻝــﻰ ﻋﻬــد ﻗرﻴــب‪ ،‬ﺘﻌﺘﺒــر ﻜﻴﺎﻨــﺎت ﺜﺎﺒﺘــﺔ ﻨﺴــﺒﻴﺎً‪ ،‬وﻗــﺎدرة ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻝﺘﻐﻴر اﻝﻔطرﻴﺔ‪.‬‬
‫اﻝﺼﻤود أﻤﺎم ﺘﺄﺜﻴرات اﻝﺒﻴﺌﺔ أو ﻗوى ّ‬
‫أدى إﻝ ــﻰ ﻓ ــرض ﻋ ــدد ﻤﺤ ــدود ﻤ ــن اﻝﺘﺼ ــﻨﻴﻔﺎت‬ ‫أن اﻝﺘط ـ ّـرف ﻓ ــﻲ ﺘﻤﺠﻴ ــد ﻓﻜـ ـرة اﻝﻌ ــرق‪ّ ،‬‬
‫وﻴﻼﺤ ــظ ّ‬
‫أدى ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ إﻝــﻰ زج اﻷﻓ ـراد ﻓــﻲ ﻫــذﻩ‬
‫اﻝﺼــﺎرﻤﺔ ﻋﻠــﻰ ﺒﻨــﻲ اﻝﺒﺸــر اﻝــذﻴن ﻴﻤﺘــﺎزون ﺒﺘﻨـ ّـوع ﻻ ﺤـ ّـد ﻝــﻪ‪ ،‬و ّ‬
‫‪10‬‬
‫اﻝﺘﺼﻨﻴﻔﺎت‪ ،‬ﺒﺼورة ﺘطﻤس ﺼﻔﺎﺘﻬم اﻷﺼﻠﻴﺔ اﻝﺨﺎﺼﺔ‪.‬‬
‫إن اﻫﺘﻤﺎم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒدراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬﺎ‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻝﻤﺴﺘوﻴﺎت اﻝﺤﻀـﺎرﻴﺔ ﻜﺎﻓـﺔ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اﻝﺘوﺴــﻊ ﻓــﻲ‬
‫ّ‬ ‫ﻴﻌﺘﺒــر ﻤﻨطﻠﻘ ـﺎً أﺴﺎﺴــﻴﺎً ﻓــﻲ ﻓﻠﺴــﻔﺔ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ وأﻫــداﻓﻬﺎ‪ .‬وﻝﻜــن ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن‬
‫ﻤﺠــﺎل اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ‪ ،‬ﻓﻤــﺎ ازﻝــت اﻻﻫﺘﻤﺎﻤــﺎت اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴــﺔ ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ وﺼــف‬
‫ﺘؤﻜد وﻻ‬ ‫اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت وأﺴﻠوب ﺤﻴﺎة اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت‪ ،‬ودراﺴﺔ اﻝﻠﻐﺎت واﻝﻠﻬﺠﺎت اﻝﻤﺤﻠﻴﺔ وآﺜﺎر ﻤﺎ ﻗﺒل اﻝﺘﺎرﻴﺦ‪ّ ،‬‬
‫‪11‬‬
‫ﺴﻴﻤﺎ ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع‪.‬‬ ‫ﻋﻤﺎ ﻋداﻫﺎ ﻤن اﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى‪ ،‬وﻻ ّ‬ ‫ﺘﻔرد ﻤﺠﺎل اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ّ‬ ‫ﺸك‪ّ ،‬‬
‫أﻫﻤﻴــﺔ اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ ﻓــﻲ ﺘﺤدﻴــد ﺼــﻔﺎت اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ‪ٕ ،‬واﻴﺠــﺎد‬
‫وﻤــن ﻫﻨــﺎ ﻜﺎﻨــت ّ‬
‫اﻝﺘﻌﺼــب واﻷﺤﻜــﺎم اﻝﻤﺴــﺒﻘﺔ اﻝﺘــﻲ ﻻ ﺘﺴــﺘﻨد إﻝــﻰ أﻴــﺔ أﺼــول‬
‫ّ‬ ‫اﻝﻘواﺴــم اﻝﻤﺸــﺘرﻜﺔ ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴﻨﻬــﺎ‪ ،‬ﺒﻌﻴــداً ﻋــن‬
‫ﻋﻠﻤﻴﺔ‪.‬‬
‫ٕواذا ﻜــﺎن ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬ﺒد ارﺴــﺎﺘﻪ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ‪ ،‬ﻗــد اﺴــﺘطﺎع أن ﻴــﻨﺠﺢ ﻓــﻲ إﺜﺒــﺎت اﻝﻜﺜﻴــر ﻤــن‬
‫ﻓﺈن أﻫ ّـم ﻤـﺎ أﺜﺒﺘـﻪ ﻫـو‪،‬‬
‫ﺘطورﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀﺎري‪ّ ،‬‬ ‫اﻝظواﻫر اﻝﺨﺎﺼﺔ ﺒﻨﺸﺄة اﻹﻨﺴﺎن وطﺒﻴﻌﺘﻪ‪ ،‬وﻤراﺤل ّ‬
‫أن اﻝﺸــﻌوب اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ﺒﺄﺠﻨﺎﺴــﻬﺎ اﻝﻤﺘﻌـ ّـددة‪ ،‬ﺘﺘﺸــﺎﺒﻪ إﻝــﻰ ﺤـ ّـد اﻝﺘطــﺎﺒق ﻓــﻲ طﺒﻴﻌﺘﻬــﺎ اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ‬
‫ّ‬
‫ﻓﻲ اﻝﻨواﺤﻲ اﻝﻌﻀوﻴﺔ واﻝﺤﻴوﻴﺔ ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ‬
‫ﻨﺸﺄة اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وﺘﺎرﻴﺨﻬﺎ‪:‬‬

‫أوﻻً‪ :‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻌﺼر اﻝﻘدﻴم ‪:‬‬


‫أن اﻝرﺤﻠﺔ اﻝﺘﻲ ﻗﺎم ﺒﻬـﺎ اﻝﻤﺼـرﻴون اﻝﻘـدﻤﺎء‬ ‫ﻴﺠﻤﻊ ﻤﻌظم ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎع واﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ّ‬
‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1493‬ﻗﺒل اﻝﻤﻴﻼد إﻝﻰ ﺒﻼد ﺒوﻨت )اﻝﺼـوﻤﺎل ﺤﺎﻝﻴـﺎً(ﺒﻬـدف اﻝﺘﺒـﺎدل اﻝﺘﺠـﺎري‪ ،‬ﺘﻌ ّـد ﻤـن أﻗـدم‬
‫اﻝرﺤﻼت اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻓﻲ اﻝﺘﻌﺎرف ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب‪ .‬وﻗد ﻜﺎﻨت اﻝرﺤﻠﺔ ﻤؤﻝّﻔﺔ ﻤن ﺨﻤﺴﺔ ﻤراﻜب‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻤـﺘن‬
‫ﻜ ّل ﻤﻨﻬﺎ ‪ /31/‬راﻜﺒﺎً‪ ،‬وذﻝك ﺒﻬدف ﺘﺴوﻴق ﺒﻀﺎﺌﻌﻬم اﻝﻨﻔﻴﺴﺔ اﻝﺘﻲ ﺸﻤﻠت اﻝﺒﺨور واﻝﻌطور‪.‬وﻨـﺘﺞ ﻋـن‬
‫ﻫــذﻩ اﻝرﺤﻠــﺔ اﺘﺼــﺎل اﻝﻤﺼ ـرﻴﻴن اﻝﻘــدﻤﺎء ﺒــﺄﻗزام أﻓرﻴﻘﻴــﺎ‪ .‬وﺘﺄﻜﻴــداً ﻹﻗﺎﻤــﺔ ﻋﻼﻗــﺎت ﻤﻌﻬــم ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻌــد‪ ،‬ﻓﻘــد‬
‫‪12‬‬
‫ﺼورت اﻝﻨﻘوش ﻓﻲ ﻤﻌﺒد اﻝدﻴر اﻝﺒﺤري‪ ،‬اﺴﺘﻘﺒﺎل ﻤﻠك وﻤﻠﻜﺔ ﺒﻼد ) ﺒوﻨت ( ﻝﻤﺒﻌوث ﻤﺼري ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪-1‬ﻋﻨد اﻹﻏرﻴق )اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴﻴن اﻝﻘدﻤﺎء (‪:‬‬
‫ﻴﻌد اﻝﻤؤرخ اﻹﻏرﻴﻘﻲ )اﻝﻴوﻨﺎﻨﻲ( ﻫﻴرودوﺘس ‪ ،Herodotus‬اﻝذي ﻋﺎش ﻓﻲ اﻝﻘـرن اﻝﺨـﺎﻤس ﻗﺒـل‬ ‫ّ‬
‫ﻤﺤﺒ ـﺎً ﻝﻸﺴــﻔﺎر‪ ،‬أول ﻤــن ﺼـ ّـور أﺤــﻼم اﻝﺸــﻌوب وﻋــﺎداﺘﻬم وطــرح ﻓﻜ ـرة وﺠــود‬
‫اﻝﻤــﻴﻼد‪ ،‬وﻜــﺎن رﺤﺎﻝــﺔ ّ‬
‫ﺘﻨوع وﻓوارق ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻤن ﺤﻴث اﻝﻨواﺤﻲ اﻝﺴﻼﻝﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻝﻠﻐوﻴـﺔ واﻝدﻴﻨﻴـﺔ‪ .‬وﻝـذﻝك‪ ،‬ﻴﻌﺘﺒـرﻩ ﻤﻌظـم‬ ‫ّ‬
‫اﻷول ﻓﻲ اﻝﺘﺎرﻴﺦ ‪.‬‬‫ﻤؤرﺨﻲ اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺒﺎﺤث اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ّ‬ ‫ّ‬
‫ـﻔﻴﺔ دﻗﻴﻘـﺔ ﻋـن ﻋـدد ﻜﺒﻴـر ﻤـن اﻝﺸـﻌوب ﻏﻴـر اﻷوروﺒﻴـﺔ‬
‫ﻓﻬو أول ﻤن ﻗﺎم ﺒﺠﻤـﻊ ﻤﻌﻠوﻤـﺎت وﺼ ّ‬
‫ـﻤﻴﺔ وأﺼـوﻝﻬم‬
‫)ﺤواﻝﻲ ﺨﻤﺴﻴن ﺸﻌﺒﺎً (‪ ،‬ﺤﻴث ﺘﻨﺎول ﺒﺎﻝﺘﻔﺼﻴل ﺘﻘﺎﻝﻴدﻫم وﻋـﺎداﺘﻬم‪ ،‬وﻤﻼﻤﺤﻬـم اﻝﺠﺴ ّ‬
‫‪13‬‬
‫ﻗدم وﺼﻔﺎً دﻗﻴﻘﺎً ﻝﻤﺼر وأﺤواﻝﻬﺎ وﺸﻌﺒﻬﺎ‪ ،‬وﻫو ﻗﺎﺌل اﻝﻌﺒـﺎرة اﻝﺸـﻬﻴرة‪:‬‬
‫اﻝﺴﻼﻝﻴﺔ ‪ .‬إﻀﺎﻓﺔ إﻝﻰ ّأﻨﻪ ّ‬
‫"ﻤﺼر ﻫﺒﺔ اﻝﻨﻴل"‪.‬‬
‫وﻤﻤــﺎ ﻴﻘوﻝ ــﻪ ﻓ ــﻲ ﻋ ــﺎدات اﻝﻤﺼـ ـرﻴﻴن اﻝﻘ ــدﻤﺎء‪ّ " :‬إﻨ ــﻪ ﻓ ــﻲ ﻏﻴ ــر اﻝﻤﺼـ ـرﻴﻴن‪ ،‬ﻴطﻠ ــق ﻜﻬﻨ ــﺔ اﻵﻝﻬ ــﺔ‬
‫ّ‬
‫أﻤﺎ ﻓﻲ ﻤﺼر ﻓﻴﺤﻠﻘوﻨﻬﺎ‪ .‬وﻴﻘﻀﻲ اﻝﻌرف ﻋﻨـد ﺴـﺎﺌر اﻝﺸـﻌوب‪ ،‬ﺒـﺄن ﻴﺤﻠـق أﻗـﺎرب اﻝﻤﺼـﺎب‬ ‫ﺸﻌورﻫم‪ّ ،‬‬
‫ـﺈﻨﻬم ﻴطﻠﻘــون ﺸــﻌر‬ ‫رؤوﺴــﻬم ﻓــﻲ أﺜﻨــﺎء اﻝﺤــداد‪ ،‬وﻝﻜــن اﻝﻤﺼ ـرﻴﻴن إذا ﻨزﻝــت ﺒﺴــﺎﺤﺘﻬم ﻤﺤﻨــﺔ اﻝﻤــوت‪ ،‬ﻓـ ّ‬
‫‪14‬‬
‫اﻝرأس واﻝﻠﺤﻴﺔ "‬
‫أن ﺜـوب أﺜﻴﻨـﺎ ودرﻋﻬـﺎ‬‫أﻤﺎ ﻋن اﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﻴن ﺒﻌـض اﻝﻌـﺎدات اﻹﻏرﻴﻘﻴـﺔ واﻝﻠﻴﺒﻴـﺔ‪ ،‬ﻓﻴﻘـول ‪ " :‬ﻴﺒـدو ّ‬
‫وّ‬
‫أن ﻋـذﺒﺎت دروﻋﻬـن‬ ‫أن ﻝﺒـﺎس اﻝﻠﻴﺒﻴـﺎت ﺠﻠـدي‪ ،‬و ّ‬ ‫وﺘﻤﺎﺜﻴﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻨﻘﻠﻬﺎ اﻹﻏرﻴق ﻋن اﻝﻨﺴﺎء اﻝﻠﻴﺒﻴﺎت‪ .‬ﻏﻴـر ّ‬
‫اﻝﻤﺼﻨوﻋﺔ ﻤن ﺠﻠد اﻝﻤـﺎﻋز ﻝﻴﺴـت ﺜﻌـﺎﺒﻴن‪ ،‬ﺒـل ﻫـﻲ ﻤﺼـﻨوﻋﺔ ﻤـن ﺴـﻴور ﺠﻠـد اﻝﺤﻴـوان‪ .‬وأﻤـﺎ ﻤـﺎ ﻋـدا‬
‫ﻓﺈن اﻝﺜوب واﻝدرع ﻓﻲ اﻝﺤﺎﻝﻴﺘﻴن ﺴواء‪ ..‬وﻤن اﻝﻠﻴﺒﻴﻴن ﺘﻌﻠّم اﻹﻏرﻴق ﻜﻴف ﻴﻘودون اﻝﻌرﺒﺎت ذات‬ ‫ذﻝك‪ّ ،‬‬
‫‪15‬‬
‫اﻝﺨﻴول اﻷرﺒﻌﺔ "‬
‫أن‬
‫واﺴــﺘﻨﺎداً إﻝــﻰ ﻫــذﻩ اﻹﺴــﻬﺎﻤﺎت اﻝﻤﺒﻜـرة واﻝﺠــﺎدة‪ ،‬ﻴﻌﺘﻘــد اﻝﻜﺜﻴــرون ﻤــن ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ّ ،‬‬
‫ﻤــﻨﻬﺞ ﻫﻴــرودوﺘس ﻓــﻲ وﺼــف ﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﺸــﻌوب وﺤﻴــﺎﺘﻬم وﺒﻌــض ﻨظﻤﻬــم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ ،‬ﻴﻨطــوي ﻋﻠــﻰ‬

‫‪6‬‬
‫ﺒﻌض أﺴﺎﺴﻴﺎت اﻝﻤﻨﻬﺞ )اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻲ( اﻝﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻝﻌﺼر اﻝﺤﺎﻀر ﺒﺎﺴم )ﻋﻠم اﻝﺸﻌوب( ‪.‬‬
‫أن أرﺴطو )‪ 322 -348‬ق‪.‬م( ﻜﺎن ﻤن أواﺌل اﻝذﻴن وﻀﻌوا ﺒﻌض أوﻝﻴـﺎت اﻝﻔﻜـر‬ ‫وﻜذﻝك ﻨﺠد ّ‬
‫وﺘطورﻫـﺎ ﻓـﻲ‬
‫ّ‬ ‫وﺘﺄﻤﻼﺘﻪ ﻓﻲ اﻝﺘرﻜﻴﺒﺎت اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴﺔ‬
‫اﻝﺤﻴﺔ‪ ،‬وذﻝك ﻤن ﺨﻼل ﻤﻼﺤظﺎﺘﻪ ّ‬ ‫اﻝﺘطوري ﻝﻠﻜﺎﺌﻨﺎت ّ‬ ‫ّ‬
‫اﻝﺤﻴـ ـوان ‪ ..‬ﻜﻤ ــﺎ ﻴﻨﺴ ــب إﻝﻴ ــﻪ أﻴﻀـ ـﺎً‪ ،‬ﺘوﺠﻴ ــﻪ اﻝﻔﻜ ــر ﻨﺤ ــو وﺼ ــف ﻨﺸ ــﺄة اﻝﺤﻜوﻤ ــﺎت وﺘﺤﻠﻴ ــل أﺸ ــﻜﺎﻝﻬﺎ‬
‫‪16‬‬
‫وأﻓﻀﻠﻬﺎ‪ ،‬اﻷﻤر اﻝذي ﻴﻌﺘﺒر ﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻤﺒدﺌﻴﺔ وﻫﺎﻤﺔ ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪.‬‬
‫إن اﻝـ ـ ــدارس أﻋﻤـ ـ ــﺎل اﻝﻔﻼﺴـ ـ ــﻔﺔ اﻝﻴوﻨـ ـ ــﺎﻨﻴﻴن ﻴﺼـ ـ ــل إﻝـ ـ ــﻰ ﻤﻌﻠوﻤـ ـ ــﺔ طرﻴﻔـ ـ ــﺔ وذات ﺼـ ـ ــﻠﺔ ﺒـ ـ ــﺎﻝﻔﻜر‬
‫ّ‬
‫أن اﻝﻴوﻨ ــﺎﻨﻴﻴن أﺨ ــذوا اﻝﻜﺜﻴ ــر ﻤ ــن اﻝﺤﻀ ــﺎرات اﻝﺘ ــﻲ ﺴ ــﺒﻘﺘﻬم‪ ،‬ﺤﻴ ــث اﻤﺘزﺠ ــت‬ ‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻲ‪ ،‬وﻫ ــﻲ‪ّ :‬‬
‫وﺘﻤﺨــض ﻋﻨﻬــﺎ ﻤــﺎ ﻴﻌــرف ﺒﺎﺴــم " اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻬﻴﻠﻴﻠﻨﻴــﺔ " ﺘﻠــك‬ ‫ّ‬ ‫ﻓﻠﺴــﻔﺘﻬم ﺒﺎﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ‪،‬‬
‫اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﺘﻲ ﺴﺎدت وازدﻫرت ﻓﻲ اﻝﻘرون اﻝﺜﻼﺜﺔ اﻝﺴﺎﺒﻘﺔ ﻝﻠﻤﻴﻼد‪.‬‬
‫وﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﻫــذا اﻝطــﺎﺒﻊ اﻝﻔﻠﺴــﻔﻲ اﻝــذي ﻴﻨــﺎﻗض – إﻝــﻰ ﺤـ ّـد ﻤــﺎ – ﻤــﺎ ﺘﺘّﺠــﻪ إﻝﻴــﻪ اﻝد ارﺴــﺎت‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ واﻝﺴوﺴـﻴوﻝوﺠﻴﺔ )ﻋﻠـم اﻻﺠﺘﻤـﺎع( ﻤـن د ارﺴـﺔ ﻤـﺎ ﻫـو ﻗـﺎﺌم‪ ،‬ﻻ ﻤـﺎ ﻴﺠـب أن ﺘﻜـون ﻋﻠﻴـﻪ‬
‫ﻓﺈن ﻓﻀـل اﻝﻔﻜـر اﻝﻔﻠﺴـﻔﻲ اﻝﻴوﻨـﺎﻨﻲ‪ ،‬وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻨـد ﻜﺒـﺎر ﻓﻼﺴـﻔﺘﻬم‪ ،‬ﻻ‬ ‫اﻷﺤوال اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ّ ،‬‬
‫ﻴﻤﻜن اﻝﺘﻘﻠﻴل ﻤن ﺸﺄﻨﻪ أﺒداً‪.‬‬

‫‪ -2‬ﻋﻨد اﻝروﻤﺎن ‪:‬‬


‫اﻤﺘ ـ ّـد ﻋﺼ ــر اﻹﻤﺒراطورﻴ ــﺔ اﻝروﻤﺎﻨﻴ ــﺔ ﺤـ ـواﻝﻲ ﺴ ــﺘﺔ ﻗ ــرون‪ ،‬ﺘ ــﺎﺒﻊ ﺨﻼﻝﻬ ــﺎ اﻝروﻤ ــﺎن ﻤ ــﺎ طرﺤ ــﻪ‬
‫اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴون ﻤن ﻤﺴﺎﺌل وأﻓﻜﺎر ﺤول ﺒﻨﺎء اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ وطﺒﻴﻌﺘﻬـﺎ‪ ،‬وﺘﻔﺴـﻴر اﻝﺘﺒـﺎﻴن واﻻﺨـﺘﻼف‬
‫وﺠﻬـوا د ارﺴـﺎﺘﻬم ﻨﺤـو‬ ‫وﻝﻜﻨﻬم ﻝم ﻴﺄﺨذوا ﺒﺎﻝﻨﻤﺎذج اﻝﻤﺜﺎﻝﻴـﺔ‪ /‬اﻝﻤﺠ ّـردة ﻝﻠﺤﻴـﺎة اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺒـل ّ‬ ‫ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ‪ّ ..‬‬
‫اﻝواﻗ ــﻊ اﻝﻤﻠﻤ ــوس واﻝﻤﺤﺴ ــوس‪ .‬وﻤ ــﻊ ذﻝ ــك‪ ،‬ﻻ ﻴﺠ ــد اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــون ﻓ ــﻲ اﻝﻔﻜ ــر اﻝروﻤ ــﺎﻨﻲ ﻤ ــﺎ ﻴﻤﻜ ــن‬
‫اﻋﺘﺒــﺎرﻩ ﻜﺈﺴــﻬﺎﻤﺎت أﺼــﻴﻠﺔ ﻓــﻲ ﻨﺸــﺄة ﻋﻠــم ﻤﺴــﺘﻘ ّل ﻝد ارﺴــﺔ اﻝﺸــﻌوب وﺜﻘﺎﻓــﺎﺘﻬم‪ ،‬أو ﺘﻘﺎﻝﻴــد ارﺴــﺨﺔ ﻝﻤﺜــل‬
‫ﻫذﻩ اﻝدراﺴﺎت ‪.‬‬
‫وﻝﻜــن‪ ،‬ﻴﻤﻜــن أن ﻴﺴــﺘﺜﻨﻰ ﻤــن ذﻝــك‪ ،‬أﺸــﻌﺎر ) ﻜــﺎروس ﻝوﻜرﺘﻴــوس ( اﻝﺘــﻲ اﺤﺘــوت ﻋﻠــﻰ ﺒﻌــض‬
‫ـﻤﻨﻬﺎ‬
‫اﻷﻓﻜــﺎر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻝﻬﺎﻤــﺔ‪ .‬ﻓﻘــد ﺘﻨــﺎول ﻤوﻀــوﻋﺎت ﻋـ ّـدة ﻋرﻀــﻬﺎ ﻓــﻲ ﺴــﺘﺔ أﺒ ـواب رﺌﻴﺴــﺔ‪ ،‬ﻀـ ّ‬
‫وﺨﺼــص اﻝﺒ ــﺎب‬
‫ّ‬ ‫أﻓﻜــﺎرﻩ وﻨظرﻴﺎﺘــﻪ ﻋ ــن اﻝﻤــﺎدة وﺤرﻜــﺔ اﻷﺠـ ـرام اﻝﺴــﻤﺎوﻴﺔ وﺸــﻜﻠﻬﺎ‪ ،‬وﺘﻜ ــوﻴن اﻝﻌــﺎﻝم‪..‬‬
‫اﻷول واﻝﻌﻘ ــد اﻻﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ‪،‬‬ ‫اﻝﺴ ــﺎدس ﻝﻌ ــرض ﻓﻜرﺘ ــﻲ‪ :‬اﻝﺘط ـ ّـور واﻝﺘﻘ ـ ّـدم‪ ،‬ﺤﻴ ــث ﺘﺤ ـ ّـدث ﻋ ــن اﻹﻨﺴ ــﺎن ّ‬
‫وﻨظــﺎﻤﻲ اﻝﻤﻠﻜﻴــﺔ واﻝﺤﻜوﻤــﺔ‪ ،‬وﻨﺸــﺄة اﻝﻠﻐــﺔ‪ ،‬إﻀــﺎﻓﺔ إﻝــﻰ ﻤﻨﺎﻗﺸــﺔ اﻝﻌــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد واﻝﻔﻨــون واﻷزﻴــﺎء‬
‫‪17‬‬
‫واﻝﻤوﺴﻴﻘﻰ‪.‬‬
‫ﻴﺘﺼور ﻤﺴﺎر اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻓﻲ‬
‫ّ‬ ‫أن ) ﻝوﻜرﺘﻴوس ( اﺴﺘطﺎع أن‬
‫وﻗد رأى ﺒﻌض اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﻴن‪ّ ،‬‬
‫ﺜم ﺤدﻴدﻴﺔ ‪ ..‬ﺒﻴﻨﻤﺎ رأى ﺒﻌﻀﻬم اﻵﺨر ﻓﻲ ﻓﻜر ﻝوﻜرﺘﻴوس‪ ،‬ﺘطﺎﺒﻘﺎً ﻤﻊ‬ ‫ﺜم ﺒروﻨزﻴﺔ‪ّ ،‬‬
‫ﻋﺼور ﺤﺠرﻴﺔ ّ‬
‫ﻓﻜر ﻝوﻴس ﻤورﺠﺎن –‪ (1881-1818) Morgan .L‬أﺤد أﻋﻼم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ‬
‫اﻝﺘﻘدم واﻻﻨﺘﻘﺎل‬
‫ﻋﺸر‪ .‬وذﻝك ﻤن ﺤﻴث رؤﻴﺔ ّ‬
‫ﻤردﻫﺎ ﻓﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴﺔ إﻝﻰ ﻋﻤﻠﻴﺎت‬
‫ﻤن ﻤرﺤﻠﺔ إﻝﻰ أﺨرى‪ ،‬ﻓﻲ إطﺎر ﺤدوث طﻔرات ﻤﺎدﻴﺔ‪ٕ ،‬وان ﻜﺎن ّ‬

‫‪7‬‬
‫‪18‬‬
‫واﺒﺘﻜﺎرات ﻋﻘﻠﻴﺔ‪.‬‬
‫ٕواذا اﺴــﺘﺜﻨﻴﻨﺎ أﺸــﻌﺎر ) ﻝوﻜرﺘﻴــوس ( ﻫــذﻩ وﻤــﺎ اﺤﺘوﺘﻬــﺎ ﻤــن أﻓﻜــﺎر ﺘﺘﻌﻠّــق ﺒطﺒﻴﻌــﺔ اﻝﻜــون وﻨﺸــﺄة‬
‫ﻓﺈﻨﻪ ﻤن اﻝﺼﻌوﺒﺔ ﺒﻤﻜﺎن أن ﺘﻨﺴب ﻨﺸـﺄة ﻋﻠـم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ إﻝـﻰ اﻝﻔﻜـر اﻝروﻤـﺎﻨﻲ‬ ‫وﺘطورﻩ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫اﻹﻨﺴﺎن‬
‫اﻝﻘدﻴم‪ ،‬ﻜﻤﺎ ﻫﻲ اﻝﺤﺎل ﻋﻨد اﻹﻏرﻴﻘﻴﻴن ‪.‬‬
‫أن اﻝروﻤـﺎن اﻫﺘﻤـوا ﺒـﺎﻝواﻗﻊ‪ ،‬ﻤـن ﺤﻴـث رﺒـط اﻝﺴـﻼﻻت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ﺒﺈﻤﻜﺎﻨﻴـﺔ اﻝﺘﻘ ّـدم‬ ‫وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ واﻝﺤرﻜﺔ اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻘد وﺠدوا ﻓﻲ أﻨﻔﺴﻬم اﻤﺘﻴﺎ اًز وأﻓﻀﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺸـﻌوب اﻷﺨـرى‪ .‬ﻓﻜـﺎن‬
‫أن اﻝروﻤــﺎن إذا أرادوا أن ﻴرﻓﻌ ـوا ﻤــن ﻗــدر إﻨﺴــﺎن أو ﺸــﺄن‬ ‫اﻝروﻤــﺎﻨﻲ ﻓــوق ﻏﻴ ـرﻩ ﺒﺤﻜــم اﻝﻘــﺎﻨون‪ ،‬ﺤﺘــﻰ ّ‬
‫‪19‬‬
‫أن ﻫـ ــذا اﻻﺘﺠـ ــﺎﻩ‬
‫وﻴﺒـ ــدو ّ‬ ‫ﺴـ ــﻼﻝﺔ‪ ،‬أﺼـ ــدرت اﻝدوﻝـ ــﺔ ﻗ ـ ـ ار اًر ﺒﻤـ ــﻨﺢ اﻝﺠﻨﺴـ ــﻴﺔ اﻝروﻤﺎﻨﻴـ ــﺔ ﻷي ﻤﻨﻬﻤـ ــﺎ‬
‫اﻝﻌﻨﺼري‪ ،‬وﺠد ﻓﻲ ﻤﻌظم اﻝﺤﻀـﺎرات اﻝﻘدﻴﻤـﺔ‪ ،‬وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ اﻝﺤﻀـﺎرات اﻝﺸـرﻗﻴﺔ ‪ :‬اﻹﻏرﻴﻘﻴـﺔ واﻝروﻤﺎﻨﻴـﺔ‬
‫واﻝﺼﻴﻨﻴﺔ ‪.‬‬

‫‪-3‬ﻋﻨد اﻝﺼﻴﻨﻴﻴن اﻝﻘدﻤﺎء‪:‬‬


‫ـؤرﺨﻴن‪ ،‬وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـون ﻤـﻨﻬم‪ّ ،‬أﻨـﻪ ﻋﻠـﻰ اﻝـرﻏم ﻤـن اﻫﺘﻤـﺎم اﻝﺼـﻴﻨﻴﻴن‬
‫ﻴﻌﺘﻘد ﺒﻌـض اﻝﻤ ّ‬
‫اﻝﻘدﻤﺎء ﺒﺎﻝﺤﻀﺎرة اﻝروﻤﺎﻨﻴﺔ وﺘﻘدﻴرﻫﺎ‪ ،‬ﻓﻠم ﻴﺠدوا ﻓﻴﻬﺎ ﻤﺎ ﻴﻨﺎﻓس ﺤﻀﺎرﺘﻬم‪.‬‬
‫ﻜـﺎن اﻝﺼـﻴﻨﻴون اﻝﻘـدﻤﺎء ﻴﺸـﻌرون ﺒـﺎﻷﻤن واﻝﻬـدوء داﺨـل ﺤـدود ﺒﻼدﻫـم‪ ،‬وﻜـﺎﻨوا ﻤﻜﺘﻔـﻴن ذاﺘﻴـﺎً ﻤـن‬
‫اﻝﻨﺎﺤﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ اﻝﻤﻌﺎﺸﻴﺔ‪ ،‬ﺤﺘﻰ أن ﺘﺠﺎرﺘﻬم اﻝﺨﺎرﺠﻴﺔ اﻨﺤﺼـرت ﻓﻘـط ﻓـﻲ ﺘﺒـﺎدل اﻝﺴـﻠﻊ واﻝﻤﻨـﺎﻓﻊ‪،‬‬
‫ﻤن دون أن ﻴﻜون ﻝﻬﺎ ﺘﺄﺜﻴرات ﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ‪ .‬ﻓﻠـم ﻴﻌﺒـﺄ اﻝﺼـﻴﻨﻴون ﻓـﻲ اﻝﻘـدﻴم ﺒﺎﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻷﺨـرى ﺨـﺎرج‬
‫ﺤــدودﻫم‪ ،‬وﻤــﻊ ذﻝــك‪ ،‬ﻝــم ﻴﺨ ـ ُل ﺘــﺎرﻴﺨﻬم ﻤــن ﺒﻌــض اﻝﻜﺘﺎﺒــﺎت اﻝوﺼــﻔﻴﺔ ﻝﻌــﺎدات اﻝﺠﻤﺎﻋــﺎت اﻝﺒرﺒرﻴــﺔ‪،‬‬
‫‪20‬‬
‫واﻝﺘﻲ ﻜﺎﻨت ﺘﺘّﺴم ﺒﺎﻻزدراء واﻻﺤﺘﻘﺎر‪.‬‬
‫وﻫذا اﻻﺘّﺠﺎﻩ ﻨﺎﺒﻊ ﻤن ﻨظرة اﻝﺼﻴﻨﻴﻴن اﻝﻘدﻤﺎء اﻝﻌﻨﺼرﻴﺔ‪ ،‬إذ ﻜـﺎﻨوا ﻴﻌﺘﻘـدون – ﻜﺎﻝروﻤـﺎن – ّأﻨﻬـم‬
‫ﻷﻴﺔ ﺤﻀﺎرة أو ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺨﺎرج ﺠﻨﺴﻬم‪ ،‬ﺒل ﻜﺎﻨوا ﻴرون ّأﻨﻬـم ﻻ ﻴﺤﺘـﺎﺠون‬ ‫أﻓﻀل اﻝﺨﻠق‪ ،‬و ّأﻨﻪ ﻻ وﺠود ّ‬
‫إﻝــﻰ ﻏﻴــرﻫم ﻓــﻲ ﺸــﻲء ‪ ..‬وﻝﻜــﻲ ﻴؤ ّﻜــد ﻤﻠــوﻜﻬم ﻫــذا اﻝواﻗــﻊ‪ ،‬أﻗــﺎﻤوا " ﺴــور اﻝﺼــﻴن اﻝﻌظــﻴم " ﺤﺘــﻰ ﻻ‬
‫‪21‬‬
‫ـﺘم ﻓﻼﺴـ ــﻔﺔ اﻝﺼـ ــﻴن اﻝﻘـ ــدﻤﺎء‪ ،‬ﺒـ ــﺎﻷﺨﻼق وﺸـ ــؤون‬ ‫ـدﻨس أرﻀـ ــﻬم ﺒﺄﻗـ ــدام اﻵﺨ ـ ـرﻴن‪ .‬وﻝـ ــذﻝك‪ ،‬اﻫـ ـ ّ‬
‫ﺘـ ـ ّ‬
‫اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت اﻝﺒﺸـ ـرﻴﺔ‪ ،‬ﻤ ــن ﺨ ــﻼل اﻻﺘﺠﺎﻫ ــﺎت اﻝواﻗﻌﻴ ــﺔ اﻝﻌﻤﻠﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ د ارﺴ ــﺔ أﻤ ــور اﻝﺤﻴ ــﺎة اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ‬
‫ﻷن ﻤﻌرﻓﺔ اﻷﻨﻤﺎط اﻝﺴﻠوﻜﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘرﺘﺒط ﺒﺎﻝﺒﻨـﺎء اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓـﻲ أي ﻤﺠﺘﻤـﻊ‪ ،‬ﺘﺴـﻬم ﻓـﻲ‬ ‫وﻤﻌﺎﻝﺠﺘﻬﺎ‪ّ ،‬‬
‫ﺘﻘدﻴم اﻝدﻝﻴل اﻝواﻀـﺢ ﻋﻠـﻰ اﻝﺘـراث اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ ﻝﻬـذا اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ‪ ،‬واﻝـذي ﻴﻜﺸـف ﺒﺎﻝﺘـﺎﻝﻲ ﻋـن ط ارﺌـق اﻝﺘﻌﺎﻤـل‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬم ﻤـن ﺠﻬـﺔ‪ ،‬وﻴﺤ ّـدد أﻓﻀـل اﻝط ارﺌـق ﻝﻠﺘﻌﺎﻤـل ﻤﻌﻬـم ﻤـن ﺠﻬـﺔ أﺨـرى‪ .‬وﻫـذا ﻤـﺎ ﻴﻔﻴـد اﻝﺒـﺎﺤﺜﻴن‬
‫ﺴﻴﻤﺎ ﺘﻠك اﻝﺘﻲ ﺘﻌﻨﻰ ﺒﺎﻹﻨﺴﺎن‪.‬‬ ‫ﻓﻲ اﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ﺜﺎﻨﻴﺎً‪ :‬اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻌﺼور اﻝوﺴطﻰ‬
‫ـؤرﺨﻴن أن ﻫ ــذﻩ اﻝﻌﺼ ــور‪ ،‬ﺘﻤﺘ ـ ّـد ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن اﻝ ارﺒ ــﻊ إﻝ ــﻰ اﻝﻘ ــرن اﻝ ارﺒ ــﻊ ﻋﺸـ ــر‬
‫ﻴﺠﻤ ــﻊ ﻤﻌظ ــم اﻝﻤ ـ ّ‬
‫اﻝﻤﻴﻼدي‪ .‬وﻗد اﺼطﻠﺢ ﻋﻠـﻰ ﺘﺴـﻤﻴﺘﻬﺎ ﺒﺎﻝﻌﺼـور اﻝوﺴـطﻰ ﻜوﻨﻬـﺎ ارﺘﺒطـت ﺒﺘـدﻫور اﻝﺤﻀـﺎرة اﻷورﺒﻴـﺔ‬

‫‪8‬‬
‫ﻷﻨﻬــﺎ ﻤــن ﺠﻬــﺔ وﻗﻌــت ﺒــﻴن ﻋﻬــدﻴن ﻫﻤــﺎ‪ :‬ﻨﻬﺎﻴــﺔ ازدﻫــﺎر‬ ‫وارﺘــداد اﻝﻔﻜــر إﻝــﻰ ﺤﻘﺒــﺔ ﻤظﻠﻤــﺔ ﻤــن ﺠﻬــﺔ‪ ،‬و ّ‬
‫اﻝﻔﻠﺴــﻔﺎت اﻷورﺒﻴــﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ )اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴــﺔ واﻝروﻤﺎﻨﻴــﺔ( وﺒداﻴــﺔ ﻋﺼــر اﻝﻨﻬﻀــﺔ اﻷورﺒﻴــﺔ )ﻋﺼــر اﻝﺘﻨــوﻴر(‬
‫واﻻﻨط ــﻼق إﻝ ــﻰ ﻤﺠ ــﺎﻻت ﺠدﻴ ــدة ﻤ ــن اﺴﺘﻜﺸ ــﺎف اﻝﻌـ ـواﻝم اﻷﺨ ــرى‪ٕ ،‬واﺤﻴ ــﺎء اﻝﺘـ ـراث اﻝﻔﻜ ــري اﻝﻘ ــدﻴم‪،‬‬
‫ٕواﺒــداﻋﺎت ﻓــﻲ اﻝﻔﻨــون واﻵداب اﻝﻤﺨﺘﻠﻔ ـﺔ‪ ،‬ﻓــﻲ اﻝوﻗــت اﻝــذي ﻜﺎﻨــت ﻓﻴــﻪ اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻌرﺒﻴــﺔ اﻹﺴــﻼﻤﻴﺔ‬
‫ﺘزدﻫر‪ ،‬وﺘﺘّﺴﻊ ﻝﺘﺸﻤل ﻤﺠﺎﻻت اﻝﻌﻠوم اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ‪.‬‬

‫‪ -1‬اﻝﻌﺼور اﻝوﺴطﻰ ﻓﻲ أورﺒﺎ ‪:‬‬


‫اﻝﻤؤرﺨون ّأﻨﻪ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻝﻌﺼور اﻝوﺴطﻰ )اﻝﻤظﻠﻤﺔ( ﺘدﻫور اﻝﺘﻔﻜﻴـر اﻝﻌﻘﻼﻨـﻲ‪ ،‬وأدﻴﻨـت ّأﻴـﺔ‬ ‫ّ‬ ‫ﻴذﻜر‬
‫ﺘﻘدﻤﻪ اﻝﻜﻨﻴﺴﺔ ﻤـن ﺘﻔﺴـﻴرات ﻝﻠﻜـون واﻝﺤﻴـﺎة اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺴـواء‬
‫اﻝﻤﺴﻴﺤﻴﺔ‪ ،‬أو ﻤﺎ ّ‬
‫ّ‬ ‫أﻓﻜﺎر ﺘﺨﺎﻝف اﻝﺘﻌﺎﻝﻴم‬
‫وﺠﻬــت ﻤﻨطﻠﻘــﺎت اﻝﻤﻌرﻓــﺔ‪،‬‬
‫ﻓــﻲ ﻤﻨﺸــﺌﻬﺎ أو ﻓــﻲ ﻤﺂﻝﻬــﺎ‪ .‬وﻝﻜــن إﻝــﻰ ﺠﺎﻨــب ذﻝــك‪ ،‬ﻜﺎﻨــت ﻤ ارﻜــز أﺨــرى ّ‬
‫ﻴﻀم ﻓﻲ اﻝﻌﺎدة‪،‬‬ ‫وﺤددت طﺒﻴﻌﺔ اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﻐرﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻝﻌﺼور‪ ،‬ﻜﺒﻼط اﻝﻤﻠوك ﻤﺜﻼً‪ ،‬اﻝذي ﻜﺎن ّ‬ ‫ّ‬
‫‪22‬‬
‫ﻓﺌﺎت ﻤن اﻝﻤﺜﻘﻔﻴن ﻜرﺠﺎل اﻹدارة واﻝﺴﻴﺎﺴﺔ واﻝﺸﻌراء‪.‬‬
‫اﻝﺘوﺴﻊ ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝﻘﺎﻨون )ﺠﺎﻤﻌـﺔ ﺒوﻝوﻨﻴـﺎ( ود ارﺴـﺔ اﻝﻔﻠﺴـﻔﺔ واﻝﻼﻫـوت )ﺠﺎﻤﻌـﺔ‬ ‫ّ‬ ‫ﻴﻀﺎف إﻝﻰ ذﻝك‬
‫ﻤﻤــﺎ ﻜﺎﻨــت ﻝ ــﻪ آﺜــﺎر واﻀــﺤﺔ ﻓــﻲ اﻝﺤﻴــﺎة اﻷورﺒﻴــﺔ اﻝﻌﺎﻤــﺔ )اﻝﺴﻴﺎﺴــﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‬
‫ﺒــﺎرﻴس( ّ‬
‫واﻝدﻴﻨﻴﺔ( وﻤﻬّد ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﻝﻠﻨﻬﻀﺔ اﻝﺘﻲ ﺸﻬدﺘﻬﺎ أوروﺒﺎ ﺒﻌد ﻫذﻩ اﻝﻌﺼور‪.‬‬
‫ﻝﻘــد ظﻬــرت ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻤرﺤﻠــﺔ ﻤﺤــﺎوﻻت ﻋـ ّـدة ﻝﻠﻜﺘﺎﺒــﺔ ﻋــن ﺒﻌــض اﻝﺸــﻌوب‪ ،‬إﻻّ ّأﻨﻬــﺎ اﺘّﺴــﻤت –‬
‫اﻝﺘﺨﻴﻠــﻲ‪ ،‬ﺒﻌﻴــدة ﻋــن اﻝﻤﺸــﺎﻫدة اﻝﻤﺒﺎﺸـرة ﻋﻠــﻰ أرض اﻝواﻗــﻊ‪ .‬ﻤﺜــﺎل ذﻝــك‪ ،‬ﻤــﺎ ﻗــﺎم ﺒــﻪ‬
‫ّ‬ ‫ﻏﺎﻝﺒـﺎً‪ -‬ﺒﺎﻝوﺼــف‬
‫اﻷﺴــﻘف ) إﺴــﻴدور ‪ ( Isidore‬اﻝــذي ﻋــﺎش ﻤــﺎ ﺒــﻴن )‪ (636 -560‬ﺤﻴــث أﻋـ ّـد ﻓــﻲ اﻝﻘــرن اﻝﺴــﺎﺒﻊ‬
‫اﻝﻤــﻴﻼدي ﻤوﺴــوﻋﺔ ﻋــن اﻝﻤﻌرﻓــﺔ‪ ،‬وأﺸــﺎر ﻓﻴﻬــﺎ إﻝــﻰ ﺒﻌــض ﺘﻘﺎﻝﻴــد اﻝﺸــﻌوب اﻝﻤﺠــﺎورة وﻋــﺎداﺘﻬم‪ ،‬وﻝﻜــن‬
‫اﻝﺘﺤﻴز‪.‬‬
‫ﺒطرﻴﻘﺔ وﺼﻔﻴﺔ ﻋﻔوﻴﺔ‪ ،‬ﺘﺘّﺴم ﺒﺎﻝﺴطﺤﻴﺔ و ّ‬
‫أن ﻗ ــرب اﻝﺸ ــﻌوب ﻤ ــن أورﺒ ــﺎ أو ﺒﻌ ــدﻫﺎ ﻋﻨﻬ ــﺎ‪ ،‬ﻴﺤ ـ ّـدد درﺠ ــﺔ ﺘﻘ ـ ّـدﻤﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻜﻠّﻤ ــﺎ ﻜﺎﻨ ــت‬
‫وﻤﻤ ــﺎ ذﻜـ ـرﻩ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫اﻝﻤﺴ ــﺎﻓﺔ ﺒﻌﻴ ــدة‪ ،‬ﻜ ــﺎن اﻻﻨﺤط ــﺎط واﻝﺘﻬ ــور اﻝﺤﻀ ــﺎري ﻤؤ ّﻜ ــدا ﻝﺘﻠ ــك اﻝﺸ ــﻌوب‪ .‬ووﺼ ــف اﻝﻨ ــﺎس اﻝ ــذﻴن‬
‫اﻝﺨﻠق‪ ،‬ﺤﻴث ﺘﺒدو وﺠوﻫﻬم ﺒﻼ أﻨوف ‪.‬‬ ‫ﺒﺄﻨﻬم ﻤن ﺴﻼﻻت ﻏرﻴﺒﺔ َ‬ ‫ﻴﻌﻴﺸون ﻓﻲ أﻤﺎﻜن ﻨﺎﺌﻴﺔ‪ّ ،‬‬
‫وﻗــد ظﻠّــت ﺘﻠــك اﻝﻤﻌﻠوﻤــﺎت ﺴــﺎﺌدة وﺸــﺎﺌﻌﺔ ﺤﺘــﻰ اﻝﻘــرن اﻝﺜﺎﻝــث ﻋﺸــر‪ ،‬ﺤﻴــث ظﻬــرت ﻤوﺴــوﻋﺔ‬
‫أﺨــرى أﻋـ ّـدﻫﺎ اﻝﻔرﻨﺴــﻲ ) ﺒــﺎﺘوﻝو ﻤــﺎﻜوس ‪ ،(Batholo Macus‬واﻝﺘــﻲ ﺤظﻴــت ﺒﺸــﻌﺒﻴﺔ ﻜﺒﻴـرة‪ ،‬ﻋﻠــﻰ‬
‫‪23‬‬
‫اﻝرﻏم ﻤن ّأﻨﻬﺎ ﻝم ﺘﺨﺘﻠف ﻜﺜﻴ اًر ﻋن ﺴﺎﺒﻘﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻝﺨﻴﺎل ‪.‬‬

‫‪ -2‬اﻝﻌﺼور اﻝوﺴطﻰ ﻋﻨد اﻝﻌرب ‪:‬‬


‫وﺘﻤﺘـ ّـد ﻤــن ﻤﻨﺘﺼــف اﻝﻘــرن اﻝﺴــﺎﺒﻊ اﻝﻤــﻴﻼدي‪ ،‬وﺤﺘــﻰ ﻨﻬﺎﻴــﺔ اﻝﻘــرن اﻝ ارﺒــﻊ ﻋﺸــر ﺘﻘرﻴﺒـﺎّ‪ .‬ﺤﻴــث ﺒــدأ‬
‫اﻹﺴﻼم ﻓﻲ اﻻﻨﺘﺸﺎر‪ ،‬وﺒدأت ﻤﻌﻪ ﺒوادر اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﻌرﺒﻴﺔ اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ آﻨذاك ﺒـﺎﻝﺘﻜوﻴن واﻻزدﻫـﺎر‪ .‬وﻗـد‬
‫ﺘﻀـ ّـﻤﻨت ﻫــذﻩ اﻝﺤﻀــﺎرة‪ :‬اﻵداب واﻷﺨــﻼق واﻝﻔﻠﺴــﻔﺔ واﻝﻤﻨطــق‪ ،‬ﻜﻤــﺎ ﻜﺎﻨــت ذات ﺘــﺄﺜﻴرات ﺨﺎﺼــﺔ ﻓــﻲ‬
‫اﻝﺤﻴﺎة اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝدوﻝﻴﺔ ‪.24‬‬

‫‪9‬‬
‫وﻗــد اﻗﺘﻀــت اﻷوﻀــﺎع اﻝﺠدﻴــدة اﻝﺘــﻲ أﺤــدﺜﺘﻬﺎ اﻝﻔﺘوﺤــﺎت اﻝﻌرﺒﻴــﺔ اﻹﺴــﻼﻤﻴﺔ‪ ،‬اﻻﻫﺘﻤــﺎم ﺒد ارﺴــﺔ‬
‫أﺤوال اﻝﻨﺎس ﻓﻲ اﻝﺒﻼد اﻝﻤﻔﺘوﺤﺔ وﺴﺒل إدارﺘﻬﺎ‪ ،‬ﺤﻴث أﺼﺒﺢ ذﻝك ﻤن ﻀرورات اﻝﺘﻨظﻴم واﻝﺤﻜم ‪.‬‬
‫وﻝــذﻝك‪ ،‬ﺒــرز اﻝﻌــرب ﻓــﻲ وﻀــﻊ اﻝﻤﻌــﺎﺠم اﻝﺠﻐراﻓﻴــﺔ‪ ،‬ﻜﻤﻌﺠــم )اﻝﺒﻠــدان( ﻝﻴــﺎﻗوت اﻝﺤﻤــوي‪ .‬وﻜــذﻝك‬
‫إﻋداد اﻝﻤوﺴوﻋﺎت اﻝﻜﺒﻴرة اﻝﺘﻲ ﺒﻠﻐت ذروﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺜﺎﻤن اﻝﻬﺠري )اﻝراﺒﻊ ﻋﺸر ﻤﻴﻼدي( ﻤﺜل "‬
‫ﻤﺴﺎﻝك اﻷﻤﺼﺎر " ﻹﺒن ﻓﻀل اﷲ اﻝﻌﻤري‪ ،‬و " ﻨﻬﺎﻴﺔ اﻷرب ﻓﻲ ﻓﻨون اﻝﻌرب " ﻝﻠﻨوﻴري ‪.‬‬
‫ﺘﻤﻴزت ﻤﺎدﺘﻬﺎ ﺒﺎﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ‬
‫اﻫﺘﻤﺎم ﻫذﻩ اﻝﻜﺘب اﻝﻤوﺴوﻋﻴﺔ ﺒﺸؤون اﻝﻌﻤران ‪ ،‬ﻓﻘد ّ‬
‫ّ‬ ‫ٕواﻝﻰ ﺠﺎﻨب‬
‫اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ‪ ،‬وﻫذا ﻤﺎ ﺠﻌﻠﻬﺎ ﻤﺎدة ﺨﺼﺒﺔ ﻤن ﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝﻤﻨﻬﺞ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ﻓﻲ دراﺴﺔ‬
‫ّ‬ ‫اﻝﻤﺸﺎﻫدة واﻝﺨﺒرة‬
‫اﻝﺸﻌوب واﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ‪.‬‬
‫ﺘﺨﺼص ﻓﻲ وﺼف إﻗﻠﻴم واﺤد ﻤﺜل) اﻝﺒﻴروﻨﻲ( اﻝذي ﻋﺎش ﻤـﺎ ﺒـﻴن )‪440 – 362‬‬ ‫ّ‬ ‫وﻫﻨﺎك ﻤن‬
‫ﻫﺠرﻴـﺔ( ووﻀـﻊ ﻜﺘﺎﺒـﺎً ﻋـن اﻝﻬﻨــد ﺒﻌﻨـوان " ﺘﺤرﻴـر ﻤــﺎ ﻝﻠﻬﻨـد ﻤــن ﻤﻘوﻝـﺔ ﻤﻘﺒوﻝـﺔ ﻓــﻲ اﻝﻌﻘـل أو ﻤرذوﻝــﺔ "‬
‫ـﺘم أﻴﻀـﺎً ﺒﻤﻘﺎرﻨـﺔ‬
‫‪.‬وﺼف ﻓﻴﻪ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻝﻬﻨدي ﺒﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻤـن ﻨظـم دﻴﻨﻴـﺔ واﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ وأﻨﻤـﺎط ﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ‪ .‬واﻫ ّ‬
‫ﺘﻠــك اﻝــﻨظم واﻝﺴــﻠوﻜﻴﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‪ ،‬ﺒﻤﺜﻴﻼﺘﻬــﺎ ﻋﻨــد اﻝﻴوﻨــﺎن واﻝﻌــرب واﻝﻔــرس‪ .‬وأﺒــرز اﻝﺒﻴروﻨــﻲ ﻓــﻲ ﻫــذا‬
‫ـؤدي اﻝ ــدور اﻝـ ـرﺌﻴس ﻓ ــﻲ ﺘﻜﺒﻴ ــل اﻝﺤﻴ ــﺎة اﻝﻬﻨدﻴ ــﺔ‪ ،‬وﺘوﺠﻴ ــﻪ ﺴ ــﻠوك اﻷﻓـ ـراد‬
‫أن اﻝ ــدﻴن ﻴ ـ ّ‬
‫اﻝﻜﺘ ــﺎب‪ ،‬ﺤﻘﻴﻘ ــﺔ ّ‬
‫‪25‬‬
‫واﻝﺠﻤﺎﻋﺎت‪ ،‬وﺼﻴﺎﻏﺔ اﻝﻘﻴم واﻝﻤﻌﺘﻘدات ‪.‬‬
‫ﻜﻤﺎ ﻜﺎﻨت ﻝرﺤﻼت اﺒن ﺒطوطﺔ وﻜﺘﺎﺒﺎﺘﻪ ﺨﺼﺎﺌص ذات طﺎﺒﻊ أﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ‪ ،‬ﺒرزت ﻓﻲ اﻫﺘﻤﺎﻤﻪ‬
‫ﻓﻤﻤـﺎ ﻜﺘﺒـﻪ‬
‫ﺒﺎﻝﻨﺎس ووﺼف ﺤﻴﺎﺘﻬم اﻝﻴوﻤﻴﺔ‪ ،‬وطﺎﺒﻊ ﺸﺨﺼﻴﺎﺘﻬم وأﻨﻤﺎط ﺴﻠوﻜﺎﺘﻬم وﻗـﻴﻤﻬم وﺘﻘﺎﻝﻴـدﻫم‪ّ .‬‬
‫ﻓــﻲ اﺴﺘﺤﺴــﺎن أﻓﻌــﺎل أﻫــل اﻝﺴــودان‪ " :‬ﻓﻤــن أﻓﻌــﺎﻝﻬم ﻗﻠّــﺔ اﻝظﻠــم‪ ،‬ﻓﻬــم أﺒﻌــد اﻝﻨــﺎس ﻋﻨــﻪ وﺴــﻠطﺎﻨﻬم ﻻ‬
‫ﻴﺴﺎﻤﺢ أﺤداً ﻓﻲ ﺸﻲء ﻤﻨﻪ‪ .‬وﻤﻨﻬﺎ ﺸﻤول اﻷﻤن ﻓﻲ ﺒﻼدﻫـم‪ ،‬ﻓـﻼ ﻴﺨـﺎف اﻝﻤﺴـﺎﻓر ﻓﻴﻬـﺎ وﻻ اﻝﻤﻘـﻴم ﻤـن‬
‫ﺘﻌرﻀ ــﻬم ﻝﻤ ــﺎل ﻤ ــن ﻴﻤ ــوت ﻓ ــﻲ ﺒﻼدﻫ ــم ﻤ ــن اﻝﺒﻴﻀ ــﺎن )اﻝﺒـ ــﻴض‬
‫ﺴ ــﺎرق وﻻ ﻏﺎﻀ ــب‪ .‬وﻤﻨﻬ ــﺎ ﻋ ــدم ّ‬
‫‪26‬‬
‫واﻷﺠﺎﻨب( وﻝو ﻜﺎن اﻝﻘﻨﺎطﻴر اﻝﻤﻘﻨطرة‪ٕ .‬واّﻨﻤﺎ ﻴﺘرﻜوﻨﻪ ﺒﻴد ﺜﻘﺔ ﻤن اﻝﺒﻴﻀﺎن‪ ،‬ﺤﺘﻰ ﻴﺄﺨذﻩ ﻤﺴﺘﺤﻘّﻪ‪.‬‬
‫أﻤــﺎ ﻜﺘــﺎب اﺒــن ﺨﻠــدون " اﻝﻌﺒــر ودﻴ ـوان اﻝﻤﺒﺘــدأ واﻝﺨﺒــر ﻓــﻲ أﻴــﺎم اﻝﻌــرب واﻝﻌﺠــم واﻝﺒرﺒــر‪ ،‬وﻤــن‬ ‫ّ‬
‫ﻤﻘدﻤﺘﻪ اﻝرﺌﻴﺴﺔ وﻋﻨواﻨﻬﺎ ‪" :‬‬ ‫ﻋﺎﺼرﻫم ﻤن ذوي اﻝﺴﻠطﺎن اﻷﻜﺒر " ﻓﻘد ﻨﺎل ﺸﻬرة ﻜﺒﻴرة وواﺴﻌﺔ ﺒﺴﺒب ّ‬
‫ﻓــﻲ اﻝﻌﻤ ـران وذﻜــر ﻤــﺎ ﻴﻌــرض ﻓﻴــﻪ ﻤــن اﻝﻌ ـوارض اﻝذاﺘﻴــﺔ ﻤــن اﻝﻤﻠــك واﻝﺴــﻠطﺎن‪ ،‬واﻝﻜﺴــب واﻝﻤﻌــﺎش‬
‫اﻝﻤﻘدﻤـﺔ ﻋﻤـﻼّ أﺼـﻴﻼً ﻓـﻲ ﺘﺴـﺠﻴل‬ ‫واﻝﻤﺼﺎﻨﻊ واﻝﻌﻠوم‪ ،‬وﻤـﺎ ﻝـذﻝك ﻤـن اﻝﻌﻠـل واﻷﺴـﺒﺎب "‪ .‬وﺘﻌﺘﺒـر ﻫـذﻩ ّ‬
‫اﻝﺤﻴــﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻝﺸــﻌوب ﺸــﻤﺎل أﻓرﻴﻘﻴــﺎ‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ اﻝﻌــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد واﻝﻌﻼﻗــﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ ،‬إﻝــﻰ‬
‫ﺠﺎﻨ ــب ﺒﻌ ــض اﻝﻤﺤ ــﺎوﻻت اﻝﻨظرﻴ ــﺔ ﻝﺘﻔﺴ ــﻴر ﻜـ ـ ّل ﻤ ــﺎ رآﻩ ﻤ ــن أﻨظﻤ ــﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﻤﺨﺘﻠﻔ ــﺔ‪ .‬وﻗ ــد ﺸـ ـ ّﻜﻠت‬
‫اﻝﻤﻘدﻤﺔ – ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد – اﻫﺘﻤﺎﻤﺎً رﺌﻴﺴﻴﺎً ﻓﻲ اﻝدراﺴﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻤوﻀوﻋﺎت ﻫذﻩ ّ‬
‫ﻤﻘدﻤﺘ ــﻪ‪ ،‬واﻝﺘ ــﻲ ﻝﻬ ــﺎ ﺼ ــﻠﺔ ﺒﺎﻫﺘﻤﺎﻤ ــﺎت‬ ‫وﻤ ــن أﻫ ـ ّـم اﻝﻤوﻀ ــوﻋﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﺘﻨﺎوﻝﻬ ــﺎ اﺒ ــن ﺨﻠ ــدون ﻓ ــﻲ ّ‬
‫رد اﺒــن ﺨﻠــدون –‬ ‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ‪ ،‬ﻫــﻲ ﺘﻠــك اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒـﻴن اﻝﺒﻴﺌــﺔ اﻝﺠﻐراﻓﻴــﺔ واﻝظـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪ .‬ﻓﻘــد ّ‬
‫اﺴ ــﺘﻨﺎداً إﻝ ــﻰ ﺘﻠ ــك اﻝدﻋﺎﻤ ــﺔ – اﺨ ــﺘﻼف اﻝﺒﺸ ــر ﻓ ــﻲ أﻝـ ـواﻨﻬم وأﻤ ــزﺠﺘﻬم اﻝﻨﻔﺴ ـ ّـﻴﺔ وﺼ ــﻔﺎﺘﻬم اﻝﺠﺴ ــﻤﻴﺔ‬
‫واﻝﺨﻠَﻘﻴ ــﺔ‪ ،‬إﻝ ــﻰ اﻝﺒﻴﺌ ــﺔ اﻝﺠﻐراﻓﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ اﻋﺘﺒرﻫ ــﺎ أﻴﻀـ ـﺎً ﻋ ــﺎﻤﻼً ﻫﺎﻤـ ـﺎً ﻓ ــﻲ ﺘﺤدﻴ ــد اﻝﻤﺴ ــﺘوى اﻝﺤﻀ ــﺎري‬
‫‪27‬‬
‫وﺘطورﻫ ــﺎ‬
‫ّ‬ ‫ـدول‬ ‫ـ‬ ‫ﻝ‬ ‫ا‬ ‫ـﺎم‬ ‫ـ‬ ‫ﻴ‬ ‫ﻗ‬ ‫ـﺄﻝﺔ‬ ‫ـ‬ ‫ﺴ‬‫ﻤ‬ ‫‪،‬‬‫ﺎ‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ﻀ‬ ‫أﻴ‬ ‫ـﻪ‬ ‫ـ‬ ‫ﺘ‬ ‫ﻤ‬‫ﻤﻘد‬
‫ّ‬ ‫ـﻲ‬ ‫ـ‬ ‫ﻓ‬ ‫ـدون‬ ‫ـ‬ ‫ﻠ‬ ‫ﺨ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ﺒ‬ ‫ا‬ ‫ـﺎول‬ ‫ـ‬ ‫ﻨ‬ ‫ﺘ‬ ‫ـﺎ‬ ‫ـ‬ ‫ﻤ‬‫ﻜ‬ ‫ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫وأﺤواﻝﻬﺎ‪ ،‬وﺒﻠور ﻨظرﻴﺔ )دورة اﻝﻌﻤران( ﺒﻴن اﻝﺒداوة واﻝﺤﻀﺎرة ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻝﻤﻤﺎﺜﻠﺔ ﺒﻴن ﺤﻴـﺎة اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ‬
‫اﻝﺒﺸرﻴﺔ وﺤﻴﺎة اﻝﻜﺎﺌن اﻝﺤﻲ‪.‬‬
‫ﺤد ﺴواء – ﻓـﻲ‬
‫وﻗد ﺴﻴطرت ﻫذﻩ اﻝﻔﻜرة ﻋﻠﻰ أذﻫﺎن ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻓﻲ اﻝﺸرق واﻝﻐرب – ﻋﻠﻰ ّ‬
‫اﻝﻌﺼـور اﻝوﺴـطﻰ ‪ ..‬ﺤﻴــث اﻋﺘﺒـر اﺒــن ﺨﻠـدون أن اﻝﺘطـ ّـور ﻫـو ﺴـّـﻨﺔ اﻝﺤﻴـﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ ،‬وﻫـو اﻷﺴــﺎس‬
‫اﻝذي ﺘﺴﺘﻨد إﻝﻴﻪ دراﺴﺔ اﻝظواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬
‫إن أﺤوال اﻝﻌﺎﻝم واﻷﻤم وﻋواﺌـدﻫم وﻨﺤﻠﻬـم‪ ،‬ﻻ ﺘـدوم ﻋﻠـﻰ وﺘﻴـرة واﺤـدة وﻤﻨﻬـﺎج‬ ‫ﻴﻘول ﻓﻲ ذﻝك ‪ّ " :‬‬
‫ـﺘﻘر‪ٕ ،‬واّﻨﻤــﺎ ﻫــو اﺨــﺘﻼف ﻋﻠــﻰ اﻷﻴــﺎم واﻷزﻤﻨــﺔ واﻨﺘﻘــﺎل ﻤــن ﺤــﺎل إﻝــﻰ ﺤــﺎل‪ .‬وﻜﻤــﺎ ﻴﻜــون ذﻝــك ﻓــﻲ‬
‫ﻤﺴـ ّ‬
‫اﻷﺸــﺨﺎص واﻷوﻗــﺎت واﻷﻤﺼــﺎر‪ ،‬ﻓﻜــذﻝك ﻴﻘــﻊ ﻓــﻲ اﻵﻓــﺎق واﻷﻗطــﺎر واﻷزﻤﻨــﺔ واﻝــدول‪ 28.‬ﻓﻌﻤــر اﻝــدول‬
‫ﻋﻨـد اﺒـن ﺨﻠـدون ﻜﻌﻤـر اﻝﻜـﺎﺌن اﻝﺒﺸـري‪ ،‬ﺘﺒـدأ ﺒـﺎﻝوﻻدة وﺘﻨﻤـو إﻝـﻰ اﻝﺸـﺒﺎب واﻝﻨﻀـﺞ واﻝﻜﻤـﺎل‪ ،‬ﺜ ّـم ﺘﻜﺒـر‬
‫وﺘﻬرم وﺘﺘﻼﺸﻰ إﻝﻰ اﻝزوال‪.‬‬
‫ﻝﻘد أرﺴﻰ اﺒن ﺨﻠدون اﻷﺴس اﻝﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ‪ ،‬ودورة اﻝﺤﻀﺎرات اﻝﺘﻲ ﺘﻤ ّـر‬
‫ـؤرﺨﻴن‪ ،‬أن‬ ‫ﺒﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻜﺎن ﺒذﻝك‪ ،‬أﺴﺒق ﻤن ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻓﻲ أوروﺒﺎ‪ .‬وﻝذﻝك‪ ،‬ﻴرى ﺒﻌض اﻝﻜﺘّـﺎب واﻝﻤ ّ‬
‫اﻝﻤؤﺴــس اﻝﺤﻘﻴﻘــﻲ ﻝﻌﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴــرى ﺒﻌﻀــﻬم اﻵﺨــر‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻠﻤــﺎء‬
‫ّ‬ ‫اﺒــن ﺨﻠــدون ﻴﻌﺘﺒــر‬
‫ﻤﻘدﻤﺔ اﺒن ﺨﻠدون ﺒﻌﻀﺎً ﻤن ﻤوﻀوﻋﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‬ ‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺒرﻴطﺎﻨﻴون‪ ،‬ﻓﻲ ّ‬
‫وﻤﻨﺎﻫﺠﻬﺎ ‪.‬وﻓﻲ أﻤرﻴﻜـﺎ‪ ،‬أﺸـﺎر )ﺠـون ﻫوﻨﺠﻴﻤـﺎن ( أﻴﻀـﺎً ﻓـﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ " ﺘـﺎرﻴﺦ اﻝﻔﻜـر اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ "‬
‫أن اﺒــن ﺨﻠــدون ﺘﻨــﺎول ﺒﻌــض اﻷﻓﻜــﺎر ذات اﻝﺼــﻠﺔ ﺒﻨظرﻴــﺔ ) ﻤــﺎرﻓﻴن ﻫــﺎرﻴس ( ﻋ ــن " اﻝﻤﺎدﻴــﺔ‬ ‫إﻝــﻰ ّ‬
‫أن اﺒـن ﺨﻠـدون وﻤـن ﻗﺒﻠـﻪ‬ ‫أن ) ﻫـﺎرﻴس ( ذاﺘـﻪ‪ ،‬ﻴـذﻜر ّ‬ ‫اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ –‪ " Cultural Materialism‬وﻨﺠـد ّ‬
‫اﻹدرﻴﺴـﻲ‪ ،‬ﻗ ّـدﻤﺎ أﻓﻜـﺎ اًر وﻤـواد ﺴـﺎﻋدت ﻓـﻲ ﺒﻠــورة ﻨظرﻴـﺔ اﻝﺤﺘﻤﻴـﺔ اﻝﺠﻐراﻓﻴـﺔ‪ ،‬اﻝﺘـﻲ ﺴـﺎدت إﺒـﺎّن اﻝﻘــرن‬
‫‪29‬‬
‫اﻝﺜﺎﻤن ﻋﺸر‪.‬‬
‫إن اﻝﻔﻼﺴــﻔﺔ واﻝﻤﻔ ّﻜ ـرﻴن اﻝﻌــرب أﺴــﻬﻤوا ﺒﻔﺎﻋﻠﻴــﺔ – ﺨــﻼل‬ ‫واﺴــﺘﻨﺎداّ إﻝــﻰ ﻤــﺎ ﺘﻘـ ّـدم ﻴﻤﻜــن اﻝﻘــول ‪ّ :‬‬
‫اﻝﻌﺼور اﻝوﺴطﻰ‪ -‬ﻓﻲ ﻤﻌﺎﻝﺠﺔ ﻜﺜﻴر ﻤن اﻝظواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻴﻤﻜن أن ﺘدﺨل ﻓﻲ اﻻﻫﺘﻤﺎﻤـﺎت‬
‫اﻝﺘﻨوع اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ )اﻝﺤﻀﺎري( ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب‪ ،‬ﺴواء ﺒدراﺴﺔ ﺨﺼﺎﺌص ﺜﻘﺎﻓﺔ أو‬ ‫ﺴﻴﻤﺎ ّ‬ ‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ﺤﻀ ــﺎرة ﺒ ــذاﺘﻬﺎ‪ ،‬أو ﺒﻤﻘﺎرﻨﺘﻬ ــﺎ ﻤ ــﻊ ﺜﻘﺎﻓ ــﺔ أﺨ ــرى‪ .‬وﻝﻜ ــن ﻋﻠ ــﻰ اﻝ ــرﻏم ﻤ ــن اﻋﺘﺒﺎرﻫ ــﺎ ﻤﺼ ــﺎدر ﻝﻠﻤ ــﺎدة‬
‫اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ درﺴــت )أﺴــﻠوب اﻝﺤﻴــﺎة ﻓــﻲ ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﻤﻌـ ّـﻴن وﺨــﻼل ﻓﺘ ـرة زﻤﻨﻴــﺔ ﻤﺤـ ّـددة( وﻻ ﺴ ـّﻴﻤﺎ‬
‫ﻓﺈن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺘـﻲ ﺘﺒﻠـورت ﻓـﻲ أواﺨـر اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر ﻜﻌﻠـم‬ ‫اﻝﻌﺎدات واﻝﻘﻴم وأﻨﻤﺎط اﻝﺤﻴﺎة‪ّ ،‬‬
‫ﺠدﻴ ــد ﻤﻌﺘ ــرف ﺒ ــﻪ‪ ،‬ﻝ ــم ﺘﻜ ــن ذات ﺼ ــﻠﺔ ﺘ ــذﻜر ﺒﻬ ــذﻩ اﻝد ارﺴ ــﺎت‪ ،‬وﻻ ﺒﻐﻴرﻫ ــﺎ ﻤ ــن اﻝد ارﺴ ــﺎت )اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴ ــﺔ‬
‫واﻝروﻤﺎﻨﻴﺔ( اﻝﻘدﻴﻤﺔ ‪.‬‬

‫ﺜﺎﻝﺜﺎً‪ -‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ ﻋﺼر اﻝﻨﻬﻀﺔ اﻷوروﺒﻴﺔ‬


‫أن ﻋﺼر اﻝﻨﻬﻀﺔ ﻓـﻲ أورﺒـﺎ‪ ،‬ﺒـدأ ﻓـﻲ ﻨﻬﺎﻴـﺔ اﻝﻘـرن اﻝ ارﺒـﻊ ﻋﺸـر اﻝﻤـﻴﻼدي‪،‬‬ ‫اﻝﻤؤرﺨون ﻋﻠﻰ ّ‬‫ّ‬ ‫ﻴﺘّﻔق‬
‫ﺤﻴــث ﺸــرع اﻷوروﺒﻴــون ﺒﻌﻤﻠﻴــﺔ د ارﺴــﺔ اﻨﺘﻘﺎﺌﻴــﺔ ﻝﻠﻌﻠــوم واﻝﻤﻌــﺎرف اﻹﻏرﻴﻘﻴــﺔ واﻝﻌرﺒﻴــﺔ‪ ،‬ﻤﺘراﻓﻘــﺔ ﺒﺤرﻜــﺔ‬
‫رﻴﺎدﻴــﺔ ﻨﺸــطﺔ ﻝﻼﺴﺘﻜﺸــﺎﻓﺎت اﻝﺠﻐراﻓﻴــﺔ‪ .‬وﺘﺒــﻊ ذﻝــك اﻻﻨﺘﻘــﺎل ﻤــن اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﻔﻠﺴــﻔﻲ إﻝــﻰ اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﻌﻠﻤــﻲ‬

‫‪11‬‬
‫اﻝﺘﺠرﻴﺒﻲ‪ ،‬ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝظواﻫر اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬واﻝذي ﺘﺒﻠور وﺘﻜﺎﻤل ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺴﺎﺒﻊ ﻋﺸر‪.‬‬
‫أدت إﻝ ــﻰ ﺘرﺴ ــﻴﺦ ﻋﺼ ــر اﻝﻨﻬﻀ ــﺔ أو ﻤ ــﺎ ﺴ ـ ّـﻤﻲ )ﻋﺼ ــر اﻝﺘﻨ ــوﻴر(‬ ‫اﻝﺘﻐﻴـ ـرات ﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺔ ّ‬
‫إن ﻫ ــذﻩ ّ‬‫ّ‬
‫وأﺴﻬﻤت ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﻓﻲ ﺒﻠـورة اﻻﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓـﻲ ﻨﻬﺎﻴـﺔ اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر‪ ،‬ﻜﻌﻠـم ﻴـدرس ﺘط ّـور اﻝﺤﻀـﺎرة‬
‫اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻓﻲ إطﺎرﻫﺎ اﻝﻌﺎم وﻋﺒر اﻝﺘـﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ‪ .‬اﻷﻤـر اﻝـذي اﺴـﺘﻠزم ﺘـواﻓر اﻝﻤوﻀـوﻋﺎت اﻝوﺼـﻔﻴﺔ‬
‫ﻋــن ﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﺸــﻌوب وﺤﻀــﺎراﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓــﻲ أوروﺒــﺎ وﺨﺎرﺠﻬــﺎ‪ ،‬ﻤــن أﺠــل اﻝﻤﻘﺎرﻨــﺎت‪ ،‬واﻝﺘﻌـ ّـرف إﻝــﻰ أﺴــﺎﻝﻴب‬
‫ﻤﻌﻴﻨــﺔ‪ ،‬ﺒﺤﻴــث ﻴﻀــﻊ ذﻝــك أﺴﺎﺴ ـﺎً ﻝﻨﺸــﺄة ﻋﻠــم‬
‫ﺤﻴــﺎة ﻫــذﻩ اﻝﺸــﻌوب وﺘرﺘﻴﺒﻬــﺎ ﺒﺤﺴــب ﻤ ارﺤــل ﺘطورّﻴــﺔ ّ‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ‪.‬‬
‫ـﺎﻓﻴﺔ ﻤﺸــﻬورة أﺜّــرت ﻓــﻲ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬ﻤــﺎ ﻗــﺎم ﺒﻬــﺎ )‬
‫ﻝﻌ ـ ّل أﻫـ ّـم رﺤﻠــﺔ أو) رﺤــﻼت( اﺴﺘﻜﺸـ ّ‬
‫ﻜرﻴﺴـﺘوف ﻜوﻝوﻤﺒــوس ( إﻝــﻰ اﻝﻘـﺎرة اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔ ﻤــﺎ ﺒــﻴن )‪ (1502 -1492‬ﺤﻴـث زﺨــرت ﻤذ ّﻜ ارﺘــﻪ ﻋــن‬
‫ﻤﺸﺎﻫداﺘﻪ واﺤﺘﻜﺎﻜﺎﺘﻪ ﺒﺴﻜﺎن اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺠدﻴد‪ ،‬ﺒﺎﻝﻜﺜﻴر ﻤن اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت واﻝﻤﻌﺎرف ﻋـن أﺴـﺎﻝﻴب ﺤﻴـﺎة ﺘﻠـك‬
‫اﻝﺸﻌوب وﻋﺎداﺘﻬﺎ وﺘﻘﺎﻝﻴدﻫﺎ‪ ،‬اﺘّﺴﻤت ﺒﺎﻝﻤوﻀوﻋﻴﺔ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻝﻠﻤﺸﺎﻫدة اﻝﻤﺒﺎﺸرة ‪.‬‬
‫إن أﻫـل ﺘﻠـك اﻝﺠـزرﻜﻠّﻬم‬ ‫وﻤﻤﺎ ﻗﺎﻝﻪ ﻓﻲ وﺼف ﺴﻜﺎن ﺠـزر اﻝﻜﺎرﻴﺒﻴـﺎن ﻓـﻲ اﻝﻤﺤـﻴط اﻷطﻠﺴـﻲ ‪ّ " :‬‬ ‫ّ‬
‫ﻓﺜﻤﺔ ﺒﻌض اﻝﻨﺴﺎء اﻝﻠواﺘﻲ ﻴﻐطﻴن‬ ‫ﻋراة ﺘﻤﺎﻤﺎً‪ ،‬اﻝرﺠﺎل ﻤﻨﻬم واﻝﻨﺴﺎء‪ ،‬ﻜﻤﺎ وﻝدﺘﻬم أ ‪‬ﻤﻬﺎﺘﻬم‪ .‬وﻤﻊ ذﻝك‪ّ ،‬‬
‫ﺘﻬن ﺒورق اﻝﺸﺠر‪ ،‬أو ﻗطﻌﺔ ﻤن ﻨﺴﻴﺞ اﻷﻝﻴﺎف ﺘﺼـﻨﻊ ﻝﻬـذا اﻝﻐـرض‪ .‬ﻝﻴﺴـت ﻝـدﻴﻬم أﺴـﻠﺤﺔ وﻤـواد‬ ‫ﻋور ّ‬
‫ﻤــن اﻝﺤدﻴــد أو اﻝﺼــﻠب وﻫــم ﻻ ﻴﺼــﻠﺤون ﻻﺴــﺘﺨداﻤﻬﺎ ﻋﻠــﻰ ّأﻴــﺔ ﺤــﺎل‪ .‬وﻻ ﻴرﺠــﻊ اﻝﺴــﺒب ﻓــﻲ ذﻝ ــك‬
‫إﻝ‹ﻀﻌف أﺠﺴـﺎدﻫم‪ٕ ،‬واّﻨﻤـﺎ إﻝـﻰ ﻜـوﻨﻬم ﺨﺠﻠـون وﻤﺴـﺎﻝﻤون ﺒﺸـﻜل ﻴﺜﻴـر اﻹﻋﺠـﺎب‪ . 30" ..‬وﻜﺘـب ﻓـﻲ‬
‫اﻝﺨﻠُــق‪ ،‬وﻗـ ّـوة اﻝﺒﻨﻴــﺔ اﻝﺠﺴــدﻴﺔ‪ .‬ﻜﻤــﺎ‬
‫اﻝﺨﻠــق و ُ‬
‫وﺼــﻔﻪ ﻝﺴــﻜﺎن أﻤرﻴﻜــﺎ اﻷﺼــﻠﻴﻴن‪ّ " :‬إﻨﻬــم ﻴﺘﻤﺘّﻌــون ﺒﺤﺴــن َ‬
‫ـرددون ﻓـﻲ إﻋطـﺎء ﻤـن ﻴﻘﺼـدﻫم ّأﻴـﺎً‬ ‫اﻝﺘﺼرف ﻓﻴﻤﺎ ﻴﻤﺘﻠﻜـون‪ ،‬إﻝـﻰ ﺤ ّـد ّأﻨﻬـم ﻻ ﻴﺘ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّأﻨﻬم ﻴﺸﻌرون ﺒﺤرﻴﺔ‬
‫‪31‬‬
‫ﻤن ﻤﻤﺘﻠﻜﺎﺘﻬم‪ ،‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ّأﻨﻬم ﻴﺘﻘﺎﺴﻤون ﻤﺎ ﻋﻨدﻫم ﺒرﻀﻰ وﺴرور ‪"..‬‬
‫وﻫﻜذا ﻜﺎن ﻝـرﺤﻼت ﻜوﻝـوﻤﺒس واﻜﺘﺸـﺎﻓﻪ اﻝﻌـﺎﻝم اﻝﺠدﻴـد )أﻤرﻴﻜـﺎ( ﻋـﺎم ‪1492‬أﺜرﻫـﺎ اﻝﻜﺒﻴـر ﻓـﻲ‬
‫ﻤﻤـﺎ‬
‫إدﺨﺎل أوروﺒﺎ ﺤﻘﺒﺔ ﺠدﻴدة‪ ،‬وﻓﻲ ﺘﻐﻴﻴر اﻝﻨظرة إﻝﻰ اﻹﻨﺴﺎن ﻋﺎﻤـﺔ‪ ،‬واﻹﻨﺴـﺎن اﻷوروﺒـﻲ ﺨﺎﺼـﺔ‪ّ ،‬‬
‫ﻷن ﻫـذﻩ اﻻﻜﺘﺸـﺎﻓﺎت اﻝﺠﻐراﻓﻴـﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ وﻤـﺎ ﺘﺒﻌﻬـﺎ‬ ‫أﺜّر ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﻓﻲ اﻝﻔﻜـر اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ‪ .‬وذﻝـك‪ّ ،‬‬
‫ﻤ ــن ﻤﻌرﻓ ــﺔ ﺴ ــﻜﺎن ﻫ ــذﻩ اﻷرض ﺒﻤﻴـ ـزاﺘﻬم وأﻨﻤ ــﺎط ﺤﻴ ــﺎﺘﻬم‪ ،‬أظﻬ ــرت ﺒوﻀ ــوح ﺘﻨ ـ ّـوع اﻝﺠ ــﻨس اﻝﺒﺸ ــري‪،‬‬
‫اﻝﺘطور ﻋﻨد اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ‪.‬‬ ‫وأﺜﺎرت ﻜﺜﻴ اًر ﻤن اﻝﻤﺴﺎﺌل واﻝدراﺴﺎت ﺤول ﻗﻀﺎﻴﺎ اﻝﻨﺸوء و ّ‬
‫ﺘﻤﻴز ﻋﺼـر اﻝﻨﻬﻀـﺔ اﻷورﺒﻴـﺔ‪ ،‬ﺒظـﺎﻫرة ﻜـﺎن ﻝﻬـﺎ ﺘـﺄﺜﻴر ﻓـﻲ ﺘوﻝﻴـد ﻨظرﻴـﺎت ﺠدﻴـدة ﻋـن اﻝﻌـﺎﻝم‬ ‫ﻝﻘد ّ‬
‫أن اﻝﻤﻔ ّﻜ ـرﻴن اﺘﻔﻘ ـوا‪ ،‬ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﺘﺒــﺎﻴن وﺠﻬــﺎت ﻨظــرﻫم‪ ،‬ﻋﻠــﻰ ﻤﻨﺎﻫﻀــﺔ ﻓﻠﺴــﻔﺔ‬‫واﻹﻨﺴــﺎن‪ ،‬وﻫــﻲ ّ‬
‫اﻝﻌﺼ ــور اﻝوﺴ ــطﻰ اﻝﻼﻫوﺘﻴ ــﺔ‪ ،‬اﻝﺘ ــﻲ أﻋﺎﻗ ــت ﻓﻀ ــول اﻝﻌﻘ ــل اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻲ إﻝ ــﻰ ﻤﻌرﻓ ــﺔ أﺼ ــول اﻷﺸ ــﻴﺎء‬
‫وﻤﺼــﺎدرﻫﺎ‪ ،‬وﺘﻜــوﻴن اﻝطﺒﻴﻌــﺔ وﻗواﻨﻴﻨﻬــﺎ‪ ،‬وﺼــﻔﺎت اﻹﻨﺴــﺎن اﻝﺠﺴــدﻴﺔ واﻝﻌﻘﻠﻴــﺔ واﻷﺨﻼﻗﻴــﺔ‪ 32.‬وظﻬــر‬
‫ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻝﻬذا اﻝﻤوﻗف اﻝﺠدﻴد اﺘّﺠﺎﻩ ﻝدراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻋرف ﺒﺎﻝﻤذﻫب اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ )اﻝﻌﻠﻤﻲ( اﻗﺘﻀـﻰ د ارﺴـﺔ‬
‫اﻝﻤﺎﻀﻲ ﻤن أﺠل ﻓﻬم اﻝﺤﺎﻀر‪ ،‬ﺤﻴث اﺘّﺠﻬت دراﺴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ وﻓﻬـم ﻤﺎﻫﻴﺘﻬـﺎ وأﺒﻌﺎدﻫـﺎ وﻓـق‬
‫اﻝﺘطورﻴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اﻝﻤراﺤل اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ‬
‫وﻗـد ﺘﺒﻠـور ﻫـذا اﻻﺘّﺠـﺎﻩ )اﻝﻤـذﻫب( اﻝﻌﻠﻤـﻲ ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺘﺠرﻴﺒﻴـﺔ واﻝرﻴﺎﻀـﻴﺔ‪ ،‬اﻝﺘـﻲ ظﻬـرت ﻓــﻲ‬

‫‪12‬‬
‫أﻋﻤﺎل ﺒﻌض ﻋﻠﻤﺎء اﻝﻘرن اﻝﺴﺎﺒﻊ ﻋﺸر‪ ،‬ﻤن أﻤﺜﺎل‪ :‬ﻓراﻨﺴﻴس ﺒﻴﻜـون ‪(1626-1561) F.Becon‬‬
‫ورﻴﻨﻴـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻪ دﻴﻜـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎرت ‪R.Decartes‬‬
‫)‪ (1650-1596‬واﺴـ ــﺤق ﻨﻴـ ــوﺘن ‪ ،(1727-1642) Newton‬وﻏﻴـ ــرﻫم‪ .‬ﺤﻴـ ــث أﺼـ ــﺒﺤت اﻝﻨظ ـ ـرة‬
‫اﻝﺠدﻴدة ﻝﻺﻨﺴﺎن ﻋل ّأﻨﻪ ظﺎﻫرة طﺒﻴﻌﻴﺔ‪ ،‬وﻴﻤﻜن دراﺴﺘﻪ ﻤن ﺨﻼل اﻝﺒﺤث اﻝﻌﻠﻤﻲ واﻝﻤﻨﻬﺞ اﻝﺘﺠرﻴﺒﻲ‪،‬‬
‫وﻤﻌرﻓــﺔ اﻝﻘـواﻨﻴن اﻝﺘــﻲ ﺘﺤﻜــم ﻤﺴــﻴرة اﻝﺘطـ ّـور اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ واﻝﺘﻘـ ّـدم اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ‪.‬وﻫــذا ﻤــﺎ أﺴــﻬم ﻓــﻲ ﺘﺸــﻜﻴل‬
‫أدى ﺒﺼـ ـ ــورة ﺘدرﻴﺠﻴـ ـ ــﺔ إﻝـ ـ ــﻰ ﺒﻠـ ـ ــورة اﻝﺒـ ـ ــداﻴﺎت اﻝﻨظرﻴـ ـ ــﺔ‬ ‫اﻝﻤﻨطﻠﻘـ ـ ــﺎت اﻝﻨظرﻴـ ـ ــﺔ ﻝﻠﻔﻜـ ـ ــر اﻻﺠﺘﻤـ ـ ــﺎﻋﻲ‪ ،‬و ّ‬
‫ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬ﺨﻼل ﻋﺼر اﻝﺘﻨوﻴر ‪.‬‬
‫أﻤ ـ ـﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴـ ــﺒﺔ ﻝﻠد ارﺴـ ــﺎت اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴـ ــﺔ )د ارﺴـ ــﺔ أﺴـ ــﻠوب اﻝﺤﻴـ ــﺎة واﻝﻌـ ــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـ ــد( واﻝد ارﺴـ ــﺎت‬
‫ّ‬
‫اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺔ )د ارﺴــﺔ ﻤﻘﺎرﻨــﺔ ﻷﺴــﺎﻝﻴب اﻝﺤﻴــﺎة ﻝﻠوﺼــول إﻝــﻰ ﻨظرﻴــﺔ اﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ (‪ ،‬واﻝد ارﺴــﺎت‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺜﻤﺔّ أﻋﻤﺎل ﻜﺜﻴرة ﻗﺎم ﺒﻬﺎ اﻝﻌدﻴد ﻤن اﻝﻌﻠﻤﺎء ‪.‬‬
‫وﻗـد ﺘﻜــون ﻤﺤﺎوﻝـﺔ اﻝرﺤﺎﻝــﺔ اﻹﺴـﺒﺎﻨﻲ )ﺠوزﻴــﻪ آﻜوﺴــﺘﺎ ‪ (J. Acosta‬ﻓــﻲ اﻝﻘـرن اﻝﺴــﺎدس ﻋﺸــر‪،‬‬
‫ﻝـ ـرﺒط ﻤﻼﺤظﺎﺘ ــﻪ اﻝﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺔ ﻋ ــن اﻝﺴ ــﻜﺎن اﻷﺼ ــﻠﻴﻴن ﻓ ــﻲ اﻝﻌ ــﺎﻝم اﻝﺠدﻴ ــد ﺒ ــﺒﻌض اﻷﻓﻜ ــﺎر اﻝﻨظرﻴ ــﺔ‪،‬‬
‫اﻝﻤﺤﺎوﻝﺔ اﻷوﻝﻰ ﻝﺘدوﻴن اﻝﻤﺎدة اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴﺔ واﻝﺘﻨظﻴر ﺒﺸﺄﻨﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺴـر‬
‫أن اﻝﻬﻨود اﻝﺤﻤـر ﻜـﺎﻨوا ﻗـد ﻨزﺤـوا أﺼـﻼً ﻤـن آﺴـﻴﺎ إﻝـﻰ أﻤرﻴﻜـﺎ‪ ،‬وﺒـذﻝك ّ‬
‫ﻓﻘد اﻓﺘرض آﻜوﺴﺘﺎ ّ‬
‫وﻗدم آﻜوﺴـﺘﺎ أﻴﻀـﺎً اﻓﺘ ارﻀـﺎً آﺨـر‬
‫اﺨﺘﻼف ﺤﻀﺎراﺘﻬم ﻋن ﺘﻠك اﻝﺘﻲ ﻜﺎﻨت ﺴﺎﺌدة ﻓﻲ أوروﺒﺎ ﺤﻴﻨذاك‪ّ .‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨﺔ‪ ،‬ﻤﻌﺘﻤداً ﻓﻲ ﺘﺼـﻨﻴﻔﻪ ﻋﻠـﻰ أﺴـﺎس ﻤﻌرﻓـﺔ اﻝﺸـﻌوب‬ ‫ﺘطور اﻝﺤﻀﺎرة اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻋﺒر ﻤراﺤل ّ‬ ‫ﺤول ّ‬
‫اﻝﻘراءة واﻝﻜﺘﺎﺒﺔ‪.‬‬
‫وﻗد وﻗﻔـت أوروﺒـﺎ ﻓـﻲ أﻋﻠـﻰ اﻝﺘرﺘﻴـب‪ ،‬وأﺘـت ﺒﻌـدﻫﺎ اﻝﺼـﻴن ﻓـﻲ اﻝﻤرﺘﺒـﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴـﺔ ﻝﻤﻌرﻓﺘﻬـﺎ اﻝﻜﺘﺎﺒـﺔ‪،‬‬
‫وﺼﻨﻔت اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى ﺒدرﺠﺎت ﻤﺘﺒﺎﻴﻨﺔ ﻓﻲ‬ ‫ّ‬ ‫ﺒﻴﻨﻤﺎ ﺠﺎءت اﻝﻤﻜﺴﻴك ﻓﻲ ﻤرﺘﺒﺔ أدﻨﻰ ﻤن ذﻝك ‪..‬‬
‫اﻝﻤواﻗﻊ اﻷدﻨﻰ ﻤن ﻫذا اﻝﺘرﺘﻴـب‪ 33.‬ورّﺒﻤـﺎ ﺸـ ّﻜل ﻫـذا اﻝﺘﺼـﻨﻴف أﺴﺎﺴـﺎً اﺴـﺘﻨد إﻝﻴـﻪ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـون –‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد‪ -‬ﻝﻠﺘﻤﻴﻴز ﺒﻴن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت‪.‬‬
‫وظﻬــر إﻝــﻰ ﺠﺎﻨــب )آﻜوﺴــﺘﺎ ( اﻹﺴــﺒﺎﻨﻲ ﻓــﻲ اﻝد ارﺴــﺔ اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺔ ﻋــن اﻝﺸــﻌوب اﻝﺒداﺌﻴــﺔ‪ ،‬ﻋــﺎﻝم‬
‫اﻻﺠﺘﻤ ــﺎع اﻝﻔرﻨﺴ ــﻲ‪) ،‬ﻤﻴﺸ ــﻴل دي ﻤوﻨﺘ ــﺎﻨﻲ( ‪ M.De.Montaigne‬اﻝ ــذي ﻋ ــﺎش ﻤ ــﺎ ﺒ ــﻴن )‪-1532‬‬
‫‪ (1592‬وأﺠـ ــرى ﻤﻘـ ــﺎﺒﻼت ﻤـ ــﻊ ﻤﺠﻤوﻋـ ــﺎت ﻤـ ــن اﻝﺴـ ــﻜﺎن اﻷﺼ ــﻠﻴﻴن ﻓـ ــﻲ أﻤرﻴﻜـ ــﺎ اﻝﻤﻜﺘﺸـ ــﻔﺔ‪ ،‬واﻝـ ــذﻴن‬
‫أﺤﻀرﻫم ﺒﻌض اﻝﻤﻜﺘﺸﻔﻴن إﻝﻰ أورﺒﺎ‪ .‬وﺒﻌد أن ﺠﻤﻊ ﻤـﻨﻬم اﻝﻤﻌﻠوﻤـﺎت ﻋـن اﻝﻌـﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد اﻝﺴـﺎﺌدة‬
‫ﻓــﻲ ﻤــوطﻨﻬم اﻷﺼــﻠﻲ‪ ،‬ﺨــرج ﺒﺎﻝﻤﻘوﻝــﺔ اﻝﺘﺎﻝﻴــﺔ‪ّ " :‬إﻨــﻪ ﻝﻜــﻲ ﻴﻔﻬــم اﻝﻌــﺎﻝم ﻓﻬﻤ ـﺎً ّ‬
‫ﺠﻴــداً‪ ،‬ﻻ ﺒـ ّـد ﻤــن د ارﺴــﺔ‬
‫اﻝﺘﻨـ ّـوع اﻝﺤﻀــﺎري ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺒﺸــرﻴﺔ واﺴﺘﻘﺼــﺎء أﺴــﺒﺎب ﻫــذا اﻝﺘﻨـ ّـوع " وﻴﻜــون ﺒــذﻝك ﻗــد طــرح ﻓﻜ ـرة‬
‫)اﻝﻨﺴﺒﻴﺔ اﻷﺨﻼﻗﻴﺔ(‪.‬‬
‫وﻤﻤــﺎ ﻗﺎﻝــﻪ ﻓــﻲ ﻫــذا اﻹطــﺎر ﻤــﺎ ﻜﺘﺒــﻪ ﻓــﻲ ﻤﻘﺎﻝــﻪ اﻝﺸــﻬﻴر ﻋــن " أﻜﻠــﺔ ﻝﺤــوم اﻝﺒﺸــر " وﺠــﺎء ﻓﻴــﻪ ‪" :‬‬
‫ّ‬
‫أن ﻝﻴس ﻝدﻴﻨﺎ أي ﻤﻌﻴﺎر ﻝﻠﺤﻘﻴﻘﺔ واﻝﺼواب‪ ،‬إﻻّ ﻓﻲ إطﺎر ﻤﺎ ﻨﺠدﻩ ﺴﺎﺌداً ﻤن آراء وﻋﺎدات ﻋﻠـﻰ‬ ‫ﻴﺒدو ّ‬
‫اﻷرض اﻝﺘـﻲ ﻨﻌـﻴش ﻋﻠﻴﻬــﺎ )أوروﺒـﺎ(‪ ،‬ﺤﻴــث ﻨﻌﺘﻘـد ﺒوﺠــود أﻜﻤـل اﻝــدﻴﺎﻨﺎت‪ ،‬وأﻜﺜـر اﻝط ارﺌــق ﻓﺎﻋﻠﻴـﺔ ﻓــﻲ‬
‫اﻝﺤﺼول ﻋﻠﻰ اﻷﺸﻴﺎء ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫إن ﻫــؤﻻء اﻝﻨــﺎس )أﻜﻠــﺔ ﻝﺤــوم اﻝﺒﺸــر( ﻓطرﻴــون طﺒﻴﻌﻴــون‪ ،‬ﻤﺜــل اﻝﻔﺎﻜﻬــﺔ اﻝﺒرّﻴــﺔ‪ .‬ﻓﻘــد ﺒﻘ ـوا ﻋﻠــﻰ‬
‫ّ‬
‫‪34‬‬
‫ﺤﺎﻝﻬم اﻝﺒﺴﻴطﺔ‪ ،‬ﻜﻤﺎ ﺸ ّﻜﻠﺘﻬم اﻝطﺒﻴﻌﺔ ﺒطرﻴﻘﺘﻬﺎ اﻝﺨﺎﺼﺔ‪ ،‬وﺘﺤ ّﻜﻤـت ﻓـﻴﻬم ﻗواﻨﻴﻨﻬـﺎ وﺴ ّـﻴرﺘﻬم‪ ".‬وﻤـن‬
‫ﻫذﻩ اﻝرؤﻴﺔ‪ ،‬ﻻﻗﻰ ﻜﺘﺎﺒﻪ اﻝﺸـﻬﻴر "اﻝﻤﻘـﺎﻻت" اﻝﺼـﺎدر ﻋـﺎم ‪ ،1579‬اﻫﺘﻤﺎﻤـﺎً ﻜﺒﻴـ اًر ﻝـدى ﻤـؤرﺨﻲ اﻝﻔﻜـر‬
‫اﻷوروﺒﻲ ﻋﺎﻤﺔ‪ ،‬واﻝﻔﻜر اﻝﻔرﻨﺴﻲ ﺨﺎﺼﺔ‪.‬‬
‫وﻴﺄﺘﻲ اﻝﻘرن اﻝﺜﺎﻤن ﻋﺸر‪ ،‬ﻝﻴﺤﻤل ﻤﻌﻪ ﻜﺘﺎﺒﺎت ﺠﺎن ﺠﺎك روﺴو ‪ ،J.J. Rossow‬اﻝﺘﻲ اﺤﺘﻠّـت‬
‫ـؤرﺨﻲ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬وذﻝــك ﺒــﺎﻝﻨظر ﻝﻤــﺎ ﺘﻀــﻤﻨﺘﻪ ﻓــﻲ د ارﺴــﺘﻬﺎ اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺔ‬
‫أﻫﻤﻴــﺔ ﻜﺒﻴـرة ﻝــدى ﻤـ ّ‬
‫ّ‬
‫ﻝﻠﺸﻌوب اﻝﻤﻜﺘﺸﻔﺔ )اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒداﺌﻴﺔ( ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻤﻊ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﻐرﺒﻴﺔ اﻷوروﺒﻴﺔ‪.‬‬
‫ـﺎﻝﺘﺠرد واﻝﻤوﻀـوﻋﻴﺔ‪ ،‬ﺤﻴـث ﺘﺠﻠّـﻰ ذﻝـك ﻓـﻲ‬ ‫روﺴـو ﺒ ّ‬ ‫ﺘﻤﻴزت وﺠﻬﺔ اﻝﻨظر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ﻋﻨد ّ‬ ‫ﻝﻘد ّ‬
‫ﻨﻘد ﺒﻌـض اﻝﻘـﻴم واﻝﺠواﻨـب اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ ﻓـﻲ ﻤﺠﺘﻤﻌـﻪ اﻝﻔرﻨﺴـﻲ‪ ،‬ﻤﻘﺎﺒـل اﺴﺘﺤﺴـﺎن ﺒﻌـض اﻝط ارﺌـق اﻝﺤﻴﺎﺘﻴـﺔ‬
‫ﻴﻌد ﻜﺘﺎﺒﻪ " اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ" ﻤن اﻝﺒـواﻜﻴر اﻷوﻝـﻰ ﻝﻠﻔﻜـر‬ ‫ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى‪ .‬وﻓﻲ ﻫذا اﻹطﺎر‪ّ ،‬‬
‫روﺴو‪ ،‬اﻝﺒﺎرون دي ﻤوﻨﺘﺴـﻜﻴﻴﻪ‪ ،‬اﻝـذي وﻀـﻊ ﻜﺘـﺎب )روح اﻝﻘـواﻨﻴن(‬ ‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ‪ .‬وﻜﺎن إﻝﻰ ﺠﺎﻨب ّ‬
‫وأوﻀ ــﺢ ﻓﻴ ــﻪ ﻓﻜـ ـرة اﻝﺘـ ـراﺒط اﻝ ــوظﻴﻔﻲ ﺒ ــﻴن اﻝﻘـ ـواﻨﻴن واﻝﻌ ــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴ ــد واﻝﺒﻴﺌ ــﺔ‪ .‬وﺴ ــﺎدت ﻫ ــذﻩ اﻝﻔﻜـ ـرة‬
‫اﻝﺘراﺒطﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ أﻋﻤ ــﺎل اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻴن ﻓ ــﻲ أواﺌ ــل اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن‪ ،‬وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻨ ــد اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻴﻴن‬
‫ﻨوﻋﻴﺔ اﻝﺤﻀـﺎرة‬ ‫اﻹﻨﺠﻠﻴز‪ ،‬ﺤﻴث اﻨﺘﻘل اﻫﺘﻤﺎم ﻤوﻨﺘﺴﻜﻴﻴﻪ ﺒدراﺴﺔ اﻝﻨظم اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ‪ ،‬وﺘﺄﺜﻴر اﻝﻤﻨﺎخ ﻋﻠﻰ ّ‬
‫أو اﻝﺜﻘﺎﻓ ـ ـ ــﺔ – ﻓﻴﻤ ـ ـ ــﺎ ﺒﻌ ـ ـ ــد – إﻝ ـ ـ ــﻰ اﻝﻜﺘﺎﺒ ـ ـ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ـ ـ ــﺔ‪ ،‬وﺸـ ـ ـ ـ ّﻜل ﻤﺠ ـ ـ ــﺎﻻً واﺴ ـ ـ ــﻌﺎً ﻝﻠد ارﺴ ـ ـ ــﺎت‬
‫‪35‬‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ‪.‬‬
‫اﻝﻘوﻤﻴــﺔ‬
‫ّ‬ ‫أﻤــﺎ ﻓــﻲ أﻝﻤﺎﻨﻴــﺎ‪ ،‬ﻓﻘــد ﺘﺒﻠــور اﻝﻔﻜــر ﻓــﻲ ﻋﺼــر اﻝﺘﻨــوﻴر‪ ،‬ﻋــن اﻝﺘﻔـ ّـوق اﻝﻌﻨﺼــري واﻝﻨزﻋــﺔ‬
‫ّ‬
‫ـﺒﻴﺔ (‪ .‬وظﻬــر ذﻝــك واﻀ ـﺤﺎً ﻓــﻲ ﻜﺘﺎﺒــﺎت ﻜ ـ ّل ﻤــن ﺠــورج ﻫﻴﺠــل )‪(1831-1770‬‬ ‫ـوﻓﻴﻨﻴﺔ )اﻝﺘﻌﺼـ ّ‬
‫اﻝﺸـ ّ‬
‫وﺠوﻫﺎن ﻓﺨﺘﻪ )‪ ،(1814-1762‬ﺤﻴث ﺠﻌﻼ اﻝﺸﻌب اﻷﻝﻤﺎﻨﻲ‪ ،‬اﻝﺸﻌب اﻷﻤﺜـل واﻷﻨﻘـﻰ ﺒـﻴن ﺸـﻌوب‬
‫اﻝﻌﺎﻝم ‪.‬‬
‫ﻝﺘﻌزز ﻓﻜرة اﻝﺘﻤﺎﻴز ﺒﻴن اﻝﺴﻼﻻت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ‬
‫أﻤﺎ ﻜﺘﺎﺒﺎت ﺠوﻫﺎن ﻫﻴردر )‪ (1803-1744‬ﻓﺠﺎءت ّ‬ ‫ّ‬
‫ﻝﻤﻘوﻤﺎت‬
‫ﻤن ﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝﺘرﻜﻴب اﻝﺠﺴﻤﻲ‪ ،‬واﻝﺘﻔﺎوت ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ﺒﻤدى اﻝﺘﺄﺜّر ﺒﻤظﺎﻫر اﻝﻤدﻨﻴﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﺘﻤﺜّﻠﻬﺎ ّ‬
‫ﺜﻤــﺔ ﺴــﻼﻻت ﺒﺸـرﻴﺔ ﺨﻠﻘــت ﻝﻠرﻗــﻲ‪ ،‬وﺴــﻼﻻت‬
‫أن ّ‬
‫اﻝﺤﻀــﺎرة‪ .‬وﻋﻠــﻰ ﻫــذا اﻷﺴــﺎس‪ ،‬ﻴــذﻫب ﻫﻴــردر إﻝــﻰ ّ‬
‫‪36‬‬
‫ﺒﺎﻝﺘﺄﺨر واﻻﻨﺤطﺎط‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أﺨرى ﻗﻀﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫ﻝﻜـن ﻫـذا اﻻﺘﺠـﺎﻩ اﻝﻌﻨﺼـري ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺔ‪ ،‬واﺠـﻪ اﻨﺘﻘـﺎدات ﻜﺒﻴـرة ﻓـﻲ ﺒداﻴـﺔ اﻝﻘـرن‬
‫اﻝﻌﺸرﻴن ‪ ،‬ﺤﻴث ﺒـرزت ﻓﻜـرة ّأﻨـﻪ ﻻ ﻴﺠـوز أن ﺘﺘّﺨـذ اﻝﻠﻐـﺔ ﻜﺄﺴـﺎس أو دﻝﻴـل ﻋﻠـﻰ اﻻﻨﺘﻤـﺎء إﻝـﻰ أﺼـل‬
‫أن اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻝﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري واﻝﻠﻐــﺔ‪ ،‬ﻻ ﻴﺠــوز أن ﺘﻜــون أﺴﺎﺴ ـﺎً ﻝﺘﻘﺴــﻴم اﻝﺸــﻌوب‬
‫ﺴــﻼﻝﻲ واﺤــد‪ ،‬و ّ‬
‫اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ إﻝﻰ ﺴﻼﻻت ﻤﺘﻤﺎﻴزة‪ .‬وﻗد ﻨﻘض ذﻝك ودﺤﻀﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد‪ ،‬اﻝﻔﻜر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ اﻝﻘـﺎﺌم ﻋﻠـﻰ‬
‫اﻝﻤﺸﺎﻫدة اﻝواﻗﻌﻴﺔ‪ ،‬واﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ اﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺸﻌوب اﻷﺨرى ‪.‬‬
‫اﻝﻤﺘﺤررة اﻝﺘﻲ ظﻬرت اﺘّﺠﺎﻫﺎﺘﻬﺎ وﻗﻀﺎﻴﺎﻫﺎ اﻻﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﻤﻨـذ‬
‫ّ‬ ‫إن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‬‫وﻫﻨﺎ ﻴﻤﻜن اﻝﻘول ‪ّ :‬‬
‫ك ‪ -‬ﻓـﻲ اﻝﻜﺘﺎﺒـﺎت اﻝﻔرﻨﺴـﻴﺔ ﻓـﻲ ﻋﺼـر اﻝﺘﻨـوﻴر‪ ،‬ﺠـذو اًر‬
‫اﻨﺘﻬﺎء اﻝﺤرب اﻝﻌﺎﻝﻤﻴﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺘﺠد – وﻻ ﺸـ ّ‬
‫‪37‬‬
‫أو أﺼوﻻً ﻨظرﻴﺔ ﻝﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻬﺎ اﻝﻔﻜرﻴﺔ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫إن اﻝﻔﻜــر اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ اﻝــذي ﺴــﺎد أوروﺒــﺎ ﻓــﻲ ﻋﺼــر‬
‫وﺘﺄﺴﻴﺴ ـﺎً ﻋﻠــﻰ ﻤــﺎ ﺘﻘـ ّـدم‪ ،‬ﻴﻤﻜــن اﻝﻘــول ‪ّ :‬‬
‫اﻝﻤؤرﺨﻴن‪ ،‬ﺸ ّﻜل اﻝﻤﻼﻤﺢ اﻝﻨظرﻴـﺔ اﻷوﻝـﻰ‬ ‫اﻝﺘﻨوﻴر‪ ،‬وﺘﺠﻠّﻰ ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﺎت اﻝﻌدﻴد ﻤن اﻝﻔﻼﺴﻔﺔ واﻝﺒﺎﺤﺜﻴن و ّ‬
‫ﻝﻌﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬اﻝذي ﺒدأ ﻴﺴﺘﻘل ﺒذاﺘﻪ ﻤﻊ ﺒداﻴﺎت اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن‪ ،‬وﻴﺘﺒﻠور ﺒﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻪ وأﻫداﻓﻪ ﻓﻲ‬
‫اﻝﻨﺼف اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻝﻘرن ذاﺘﻪ‪.‬‬

‫اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺜﺎﻝﺜﺔ‬
‫ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى‬

‫ﺘﻤﻬﻴد‬
‫ﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن اﻻﻋﺘراف ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻜﻌﻠم ﻤﺴﺘﻘ ّل ﺒذاﺘﻪ‪ ،‬ﻴدرس اﻹﻨﺴـﺎن ﻤـن ﺤﻴـث ﻨﺸـﺄﺘﻪ‬
‫وﺘطـ ّـورﻩ وﺜﻘﺎﻓﺘــﻪ‪ ،‬ﻓﻤــﺎ زال اﻝﻌﻠﻤــﺎء‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻠﻤــﺎء اﻹﻨﺴــﺎن ﻴﺨﺘﻠﻔــون ﺤــول ﺘﺼــﻨﻴف ﻫــذا اﻝﻌﻠــم ﺒــﻴن‬
‫اﻝﻌﻠ ــوم اﻝﻤﺨﺘﻠﻔ ــﺔ ‪ ..‬ﻓﻴ ــرى ﺒﻌﻀ ــﻬم ّأﻨ ــﻪ ﻤ ــن اﻝﻌﻠ ــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‪ ،‬ﻜﻌﻠ ــم اﻝ ــﻨﻔس واﻻﺠﺘﻤ ــﺎع واﻝﺘ ــﺎرﻴﺦ‬
‫واﻝﺴﻴﺎﺴــﺔ‪ .‬وﻴــرى ﺒﻌﻀــﻬم أﻴﻀ ـﺎً ّأﻨــﻪ ﻤــن اﻝﻌﻠــوم اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴــﺔ‪ ،‬ﻜﺎﻝرﻴﺎﻀــﻴﺎت واﻝطــب واﻝﻔﻠــك‪ .‬ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴــرى‬
‫ﺒﻌﻀﻬم اﻵﺨر ّأﻨﻪ ﻤن اﻝﻌﻠوم اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﻜﺎﻝﻔﻠﺴﻔﺔ واﻝﻔﻨون واﻝدﻴﺎﻨﺎت ‪..‬‬
‫ﻝﻜ ــن ﻫ ــذﻩ اﻝﻌﻠ ــوم ﻜﻠّﻬ ــﺎ دﺨﻠ ــت ﻋﻠ ــﻰ ﻤ ـ ّـر اﻝﺘ ــﺎرﻴﺦ اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ ﻝﺸ ــﻌب ﻤ ــﺎ‪ ،‬إﻝ ــﻰ ﺠﺴ ــد ﻫ ــذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ‬
‫ﻤﻜوﻨﺎﺘﻬــﺎ‪ ،‬اﻷﻤــر اﻝــذي أدى ﻓــﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴــﺔ إﻝــﻰ اﺨــﺘﻼف اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت‬ ‫وﻤﻜوﻨ ـﺎً ﻤــن ّ‬
‫ّ‬ ‫وأﺼــﺒﺤت ﺠــزءاً ﻤﻨﻬــﺎ ‪،‬‬
‫ﺒﻴن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ‪ .‬وﻤن ﻫﻨﺎ ﻜﺎن ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬ذا ﺼﻠﺔ ﺒﻜﺜﻴر ﻤن اﻝﻌﻠوم أﺨرى‪.‬‬
‫ـطر اﻝﻤ ـرة ﺘﻠــو اﻝﻤـ ّـرة‪ ،‬إﻝــﻰ اﻻﻨﺘظــﺎر رﻴﺜﻤــﺎ ﺘــﻨﺠﺢ اﻝﻌﻠــوم اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ ﻓــﻲ‬
‫ﻓﻌﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻀـ ّ‬
‫أن ﻨﺘـﺎﺌﺞ‬‫ك ﻓﻴـﻪ ّ‬
‫وﻤﻤـﺎ ﻻ ﺸـ ّ‬
‫ﻤﻌﻴﻨـﺔ ﻋـن طرﻴـق اﻝﺘﺠـﺎرب اﻝﺘـﻲ ﺘﺠـرى ﻋﻠـﻰ اﻝﺤﻴواﻨـﺎت‪ّ .‬‬ ‫اﺴﺘﺠﻼء ﻨﻘطﺔ ّ‬
‫اﻷﺒﺤﺎث اﻝﺘﻲ أﺠراﻫﺎ ﻋﻠﻤﺎء اﻝوراﺜﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺠرذان وذﺒﺎب اﻷﺸﺠﺎر اﻝﻤﺜﻤرة‪ ،‬ﻫﻲ اﻝﺘـﻲ ﻤﻬّـدت اﻝطرﻴـق‬
‫ﻝﻔﻬم ﻗواﻨﻴن اﻝوراﺜﺔ ﻋﻨد اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ‪ ،‬وﻝﺠﻼء اﻝﻤﺸﻜﻼت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ اﻝﻤﺘّﺼـﻠﺔ ﺒﻤـﺎ ﻴﺴ ّـﻤﻰ )اﻝﻌـروق‬
‫إن اﻝﺤﻘـﺎﺌق اﻝﺘـﻲ اﻜﺘﺸـﻔﺘﻬﺎ اﻝﻌﻠـوم‬ ‫أو اﻷﺠﻨﺎس اﻝﺒﺸرﻴﺔ (‪ .‬ﻏﻴر ّأﻨﻨﺎ ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى‪ ،‬ﻨﺴﺘطﻴﻊ اﻝﻘـول‪ّ :‬‬
‫ﻷن ﻤﻌظــم اﻝظــﺎﻫرات اﻝﺴــﻠوﻜﻴﺔ‬ ‫اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ‪ ،‬ﻻ ﺘﺴــﺎﻋد ﻜﺜﻴـ اًر ﻓــﻲ ﻓﻬــم طﺒﻴﻌــﺔ اﻝﺴــﻠوك اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ‪ ،‬وذﻝــك ّ‬
‫اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻻ ﺘﺠد ﻤﺎ ﻴﻤﺎﺜﻠﻬﺎ ﻤﻤﺎﺜﻠﺔ وﺜﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺼﻌﻴد اﻝﺤﻴواﻨﻲ‪.‬‬
‫أن ﻋﻠﻤﺎء‬ ‫وﻴﺼدق ﻫذا ﺒوﺠﻪ ﺨﺎص ﻋﻠﻰ اﻝظﺎﻫرات اﻝﻤﺘّﺼﻠﺔ ﺒﺎﻝﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﻤﻨظّﻤﺔ‪ .‬ﻓﻤﻊ ّ‬
‫ـﺈﻨﻬم ﻗﻠّﻤ ــﺎ‬
‫طورﺘﻬ ــﺎ اﻝﻌﻠ ــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‪ ،‬ﻓ ـ ّ‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﺴ ــﺘطﺎﻋوا اﺴ ــﺘﺨدام ﺒﻌ ــض اﻷﺴ ــﺎﻝﻴب اﻝﺘ ــﻲ ّ‬
‫أن إﺴـﻬﺎﻤﻬم ﻓـﻲ ﺘط ّـور اﻝﻌﻠـوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪،‬‬ ‫ﺘطور ﻤﺜـل ﻫـذﻩ اﻷﺴـﺎﻝﻴب‪ .‬واﻝواﻗـﻊ ّ‬‫ّ‬ ‫اﻀطروا إﻝﻰ اﻨﺘظﺎر‬ ‫ّ‬
‫‪38‬‬
‫ﺘطور اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ﻓﻲ‬ ‫اﻝﻌﻠوم‬ ‫ﻫذﻩ‬ ‫إﺴﻬﺎم‬ ‫ﻋن‬ ‫ﻻ ﻴﻘ ّل ً‬
‫ﺎ‬ ‫ﺸﺄﻨ‬
‫وﺴﻨﻜﺘﻔﻲ ﺒﺘﺒﻴﺎن ﺼﻠﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ﺒﻌﻠم اﻷﺤﻴﺎء‪ ،‬وﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع وﻋﻠم اﻝﻔﻠﺴﻔﺔ‪ ،‬وﻋﻠم اﻝﻨﻔس‪،‬‬
‫ﻷﻨﻬــﺎ ﺴــﺘرد ﻓــﻲ اﻝﻔﺼــول اﻝﻼﺤﻘــﺔ‪ ،‬ﻤــن‬
‫وﻋﻠــم اﻝﺠﻴوﻝوﺠﻴــﺎ واﻝﺠﻐراﻓﻴــﺎ‪ ،‬وﻨﺘــرك ﺼــﻠﺘﻬﺎ ﺒــﺎﻝﻌﻠوم اﻷﺨــرى ّ‬
‫ﺨﻼل ﻋرض ﻓروع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫أوﻻً‪ -‬ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻌﻠم اﻷﺤﻴﺎء ) اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴﺎ ‪(Biology‬‬
‫اﻝﺤﻴﺔ ﻤن وﺤﻴد اﻝﺨﻠﻴﺔ اﻷﺒﺴط ﺘرﻜﻴﺒﺎً‪ ،‬وﺤﺘﻰ ﻜﺜﻴـر اﻝﺨﻼﻴـﺎ‬ ‫ﻴﺘﻨﺎول ﻋﻠم اﻷﺤﻴﺎء دراﺴﺔ اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ‬
‫ﺒﺄﻨــﻪ ‪ :‬اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴــدرس اﻹﻨﺴــﺎن ﻜﻔــرد ﻗــﺎﺌم ﺒذاﺘــﻪ‪ ،‬ﻤــن ﺤﻴــث ﺒﻨﻴــﺔ‬
‫واﻷﻜﺜــر ﺘﻌﻘﻴــداً ‪.‬وﻝــذﻝك ﻴﻌـ ّـرف ّ‬
‫وﺘطورﻫﺎ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أﻋﻀﺎﺌﻪ‬
‫ﺴﻴﻤﺎ ﻋﻠم وظـﺎﺌف اﻷﻋﻀـﺎء واﻝﺘﺸـرﻴﺢ وﺤﻴـﺎة اﻝﻜـﺎﺌن‬ ‫وﻴرﺘﺒط ﻋﻠم اﻷﺤﻴﺎء ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫اﻝﺤﻴــﺔ وأﻨواﻋﻬــﺎ‬
‫اﻝﺤــﻲ‪ .‬وﺘ ـدﺨل ﻓــﻲ ذﻝــك‪ ،‬ﻨظرﻴــﺔ اﻝﺘطـ ّـور اﻝﺘــﻲ ﺘﻘــول ﺒــﺄن أﺠﺴــﺎم أﺠﻨــﺎس اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت ّ‬
‫ﺘﺘﻐﻴـر ﺒﺎﺴــﺘﻤرار ﻤـﺎ داﻤــت ﻫــذﻩ اﻝﻜﺎﺌﻨـﺎت ﺘﺘﻜــﺎﺜر وﺘﻨـﺘﺞ أﺠﻴــﺎﻻً ﺠدﻴـدة‪ ،‬ﻗــد ﺘﻜــون‬
‫ووظـﺎﺌف أﻋﻀــﺎﺌﻬﺎ‪ّ ،‬‬
‫أرﻗﻰ ﻤن اﻷﺠﻴﺎل اﻝﺴﺎﺒﻘﺔ‪ ،‬ﻜﻤﺎ ﻫﻲ اﻝﺤﺎل ﻋﻨد اﻹﻨﺴﺎن‪.‬‬
‫ﺤﻴـﺎً ﺒﺨﻠﻴــﺔ واﺤــدة‪ ،‬ﺘﻜــﺎﺜرت ﻓــﻲ إطــﺎر ﺒﻨﻴﺘــﻪ‬
‫أن اﻹﻨﺴــﺎن ﺒــدأ ﻜﺎﺌﻨ ـﺎً ّ‬
‫ﻜﻤــﺎ ﺘﺴــﺘﻨد ﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ إﻝــﻰ ّ‬
‫اﻝﺘطور اﻝﻌﻘﻠﻲ واﻝﻨﻔﺴﻲ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ .‬وﻫذا ﻤـﺎ دﻝّـت‬ ‫ّ‬ ‫اﻝﻌﺎﻤﺔ‪ ،‬إﻝﻰ أن اﻨﺘﻬﻰ إﻝﻰ ﻤﺎ ﻫو ﻋﻠﻴﻪ اﻵن ﻤن‬
‫اﻝﺤﻴﺔ اﻝﻤﻜﺘﺸﻔﺔ ﻓﻲ اﻝﺤﻔرﻴﺎت اﻷﺜرﻴﺔ ‪.‬‬ ‫ﻋﻠﻴﻪ ﺒﻘﺎﻴﺎ ﻋظﺎم اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ‬
‫ﻓﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬ﻤــن اﻝﻨﺎﺤﻴــﺔ اﻝﻨظرﻴــﺔ‪ ،‬ﺸــدﻴدة اﻝﻘــرب ﻤــن اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺎ ؛ ﻓﻜﻼﻫﻤــﺎ ﻴــدرس ﻋﻤﻠﻴــﺔ‬
‫ﺘﺨﺼﺼﻪ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ﻝﻠﺘﻨوع‪ ،‬وﻜ ّل ﻓﻲ‬
‫ﻤﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻨﻤوذج ﻨظري ّ‬ ‫ّ‬ ‫إﻋﺎدة إﻨﺘﺎج اﻝﺤﻴﺎة‪ ،‬وﻜﻼﻫﻤﺎ‬
‫أن اﻝﻤﺒــﺎدىء‬
‫أدت ﻜﻤـﺎ ﻴﻘــول ) ﻜــﺎرﻝوس ﺴـﺎﻓﻴد ار( إﻝــﻰ ّ‬
‫ﻝﻜ ّـن ﻨﺘــﺎﺌﺞ اﻝﺤـوار ﻓـﻲ اﻝد ارﺴــﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴــﺔ‪ّ ،‬‬
‫اﻝﻤﻨﻬﺠﻴﺔ‪ ،‬ﺘواﻝﻴﺎً أو ﻨﻤوذﺠﺎً‪ ،‬ﻴﺴﻴر ﻤن‬
‫ّ‬ ‫اﻝﺘطور ﺘﺘﺒﻊ ﻤن اﻝﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝﻤﻨطﻘﻴﺔ و‬
‫ّ‬ ‫ﺘﺄﺴﺴت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻨظرﻴﺔ‬ ‫اﻝﺘﻲ ّ‬
‫اﻝﺘﻐﻴر‪ ..‬ﻓﺒﻨو اﻹﻨﺴﺎن ﻤن أﺼل واﺤد‪ ،‬ﺴواء أﻜﺎن اﻝﺘط ّـور ﺒـﺎﻝﺘﻌﺒﻴر اﻝﺘط ّـوري أو ﺒﺘرﻜﻴـب‬ ‫اﻝﺜﺒﺎت إﻝﻰ ّ‬
‫وﺘﻐﻴ ـرات‬
‫اﻝﺤﻤــض اﻝﻨــووي ﺒــﺎﻝﺘﻌﺒﻴر اﻝﺘزاﻤﻨــﻲ ‪ ..‬وﻝﻜــن ﻫﻨــﺎك أﻴﻀ ـﺎً – ﻓــﻲ اﻝوﻗــت ﻨﻔﺴــﻪ – ﺘﺸـ ّـوﻫﺎت ّ‬
‫ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﺸﻜﺎل‪ ،‬ﺒﻨﻴوﻴﺔ وﺘرﻜﻴﺒﻴﺔ ﺒﺎﻝﻤﺼطﻠﺢ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ‪.‬‬
‫وﻴﺤظــﻰ ﺘﺤﻠﻴــل اﻝﺘﻨـ ّـوع ﻓــﻲ اﻝﻌﻠﻤــﻴن‪ ،‬ﺒــدور ﺤﻴــوي ‪ :‬اﻝﺘﻨـ ّـوع اﻝﺠﻴﻨــﻲ ﻓــﻲ ﻋﻠــم )اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺎ( واﻝﺘﻨـ ّـوع‬
‫ـﺎﻝﺘﻨوع أﻤـر أﺴﺎﺴـﻲ ﻝﻤـﺎ ﺘﺴ ّـﻤﻴﻪ اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴـﺎ " اﻝﻔﺎﻋﻠﻴـﺔ اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴـﺔ "‬ ‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ )اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ( ‪ ,‬ﻓ ّ‬
‫وﻫﻲ اﻝﻘدرة ﻋﻠـﻰ ﻤواﺼـﻠﺔ اﻝﺤﻴـﺎة‪ٕ ،‬واﺨـﻼف اﻝذرﻴـﺔ‪ .‬واﻷﻤـر ذاﺘـﻪ ﻨﺠـدﻩ ﻓـﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓﻴﻤـﺎ ﻴطﻠـق‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ‪ :‬إﺸﺒﺎع اﻝﺤﺎﺠﺎت اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻴﻌـ ّـد ) دارون ( ارﺌــد ﻋﻠــم اﻷﺤﻴــﺎء‪ ،‬اﻝــذي اﺴــﺘﻨد ﻓﻴــﻪ إﻝــﻰ ﻨظرﻴــﺔ )اﻝﻨﺸــوء واﻻرﺘﻘــﺎء ( ﻓــﻲ ﺤﻴــﺎة‬
‫ﻴﺘﻠﺨص ﻓﻲ اﻷﻤور اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ‪:‬‬ ‫ﻗدم ﻝﻬﺎ ﺘﻔﺴﻴ اًر ﻤﻨﻬﺠﻴﺎً ﻤﻌﻘوﻻً‪ّ ،‬‬ ‫اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬واﻝﺘﻲ ّ‬
‫إن ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻝﺤﻴﺎة اﻝﻤﺘﺘﺎﺒﻌـﺔ ﺒﻤﻌطﻴﺎﺘﻬـﺎ وظروﻓﻬـﺎ‪ ،‬ﺘﻨـﺘﺞ ﻜﺎﺌﻨـﺎت ﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ ﻋـن أﺼـوﻝﻬﺎ ‪ ..‬أي‬ ‫‪ّ -1‬‬
‫أن أﻨـ ـواع ﻫ ــذﻩ اﻝﻜﺎﺌﻨـ ـﺎت ﻻ ﺘﺘﻜ ـ ّـرر ﻫ ــﻲ ذاﺘﻬ ــﺎ ﻤ ــن ﺨ ــﻼل اﻝﺘﻜ ــﺎﺜر‪ ،‬ﺒ ــل ﺘﺘﻨ ـ ّـوع ﻓ ــﻲ أﺸ ــﻜﺎﻝﻬﺎ‬
‫ّ‬
‫وﻤظﺎﻫرﻫﺎ‪.‬‬
‫اﻝﺤﻴــﺔ‪ ،‬ﺘﺠﻌﻠﻬــﺎ أﻜﺜــر ﻗــدرة ﻋﻠــﻰ اﻝﺒﻘــﺎء ﻤــن‬
‫إن اﻝﺨﺼــﺎﺌص اﻝﺘــﻲ ﺘﺘﻤﺘّــﻊ ﺒﻬــﺎ ﺒﻌــض اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت ّ‬
‫‪ّ -2‬‬
‫اﻝﺒﻴﺌﻴﺔ اﻝﺨﺎﺼﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺤﻴط ﺒﻬﺎ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ﺒﻌﻀﻬﺎ اﻵﺨر‪ ،‬ﺤﻴث ﺘﺴﺘطﻴﻊ اﻝﺘﻼؤم ﻤﻊ اﻝظروف‬
‫ﻗﻴـﺎً‪ ،‬ﺘﻤﺘﻠــك ﻋواﻤــل اﻝﺘﻜــﺎﺜر واﻻﺴــﺘﻤرار ﻋﻠــﻰ ﻗﻴــد‬
‫اﻝﺤﻴــﺔ اﻝﺠدﻴــدة‪ ،‬اﻷﻜﺜــر ﻗــدرة ور ّ‬
‫إن اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت ّ‬
‫‪ّ -3‬‬
‫ﻤﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻨد ﺒﻌض اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﻀﻌﻴﻔﺔ اﻷﺨرى‪ ،‬اﻝﺘﻲ ﺘﺘﻌ ّـرض ﻝﻼﻨﻘـراض‬ ‫اﻝﺤﻴﺎة‪ ،‬ﻝﻔﺘرة أطول ّ‬
‫اﻝﺴرﻴﻊ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ـؤدي‬
‫اﻝﺤﻴـﺔ ﺘ ّ‬
‫إن ﺒﻌض اﻝﺨﺼﺎﺌص اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴﺔ) اﻝﺼﻔﺎت اﻝﻤﻬﻠﻜﺔ( ﻋﻨد ﺒﻌض أﻨواع اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ‬ ‫‪ّ -4‬‬
‫ﻝﻠﺘﻜﻴــف ﻤــﻊ‬
‫ﺘؤﻫﻠﻬــﺎ ّ‬
‫إﻝــﻰ ﻤوﺘﻬــﺎ ﺒﺼــورة ﺴ ـرﻴﻌﺔ‪ ،‬ورّﺒﻤــﺎ ﻤﺒﺎﺸ ـرة‪ ،‬إذا ﻝــم ﺘﻜــن ﻫــذﻩ اﻝﺨﺼــﺎﺌص ّ‬
‫اﻝﺒﻴﺌﻴﺔ‪ .‬وﻫذا ﻤﺎ ﻴؤﺜّر ﺴﻠﺒﺎً ﻓﻲ ﻨﺴل ﻫذﻩ اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ﻤن ﺤﻴث اﻝﺒﻨﻴﺔ واﻝﻤﻘﺎوﻤﺔ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اﻝظروف‬
‫وﺘطورﻫـﺎ‪ ،‬وﺼـوﻻً إﻝـﻰ‬
‫ّ‬ ‫اﻝﺤﻴـﺔ‬
‫واﺴﺘﻨﺎداً إﻝﻰ ﻫذﻩ اﻝﻤﺒـﺎدىء اﻝﺘـﻲ ﻗ ّـدﻤﻬﺎ دارون ﻓـﻲ أﺼـل اﻝﻜﺎﺌﻨـﺎت ّ‬
‫وﻀﻊ اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺤﺎﻝﻲ‪ ،‬اﻜﺘﺸف اﻝﻌﻠﻤﺎء ﻗواﻨﻴن اﻝوراﺜﺔ وﻤﺎ ﻴﺘﺒﻌﻬﺎ ﻤـن اﻝﺠﻴﻨـﺎت )اﻝﺨﻼﻴـﺎ( اﻝﺘـﻲ ﺘﺤﻤـل‬
‫ﺼـﻔﺎت اﻹﻨﺴــﺎن‪ ،‬وﺘﻨﻘﻠﻬـﺎ ﻤــن اﻵﺒــﺎء إﻝـﻰ اﻷﺒﻨــﺎء‪ ،‬ﻤـن ﺨــﻼل اﻝﺘﻠﻘــﻴﺢ واﻝﺘﻜـﺎﺜر‪ .‬وﻫــذا ﻤـﺎ ﺠﻌــل ﻋﻠﻤــﺎء‬
‫ﺘطورﻴــﺔ ﻋدﻴــدة ‪،‬ﺤﺘــﻰ وﺼــل إﻝــﻰ اﻹﻨﺴــﺎن‬ ‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻴﻌﺘﻘــدون ﺒــﺄن اﻝﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري ﻤـ ّـر ﺒﻤ ارﺤــل ّ‬
‫)اﻝﺤﻴوان اﻝﻨﺎطق واﻝﻌﺎﻗل (‪.‬‬
‫ﻓﺈن اﻝﻨﻘﺎش ﻤﺎ زال ﻤﻔﺘوﺤﺎً ﺤول دور اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺨﺎﺼـﺔ‬ ‫وﻤﻬﻤﺎ ﻴﻜن اﻷﻤر‪ّ ،‬‬
‫ﺒﺘطـ ّـور اﻹﻨﺴــﺎن ﻫــذا اﻝﺘطـ ّـور اﻝــذي ﻴــدﺨل ﻓــﻲ اﻹطــﺎر اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ‪ ،‬وﻝﻜــن ﺒطﺒﻴﻌــﺔ ﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ‪ ،‬ﻻ ﺒـ ّـد ﻤــن‬
‫ﺘﻐﻴرﻫﺎ ‪.‬‬
‫دراﺴﺔ ﻤﺒﺎدﺌﻬﺎ وﻤظﺎﻫر ّ‬

‫ﺜﺎﻨﻴﺎً‪ -‬ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻌﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع‬


‫ﺒﺄﻨـﻪ‪ :‬اﻝﻌﻠـم‬
‫ﻴﻌد ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻤن أﺤدث اﻝﻌﻠـوم اﻷﺴﺎﺴـﻴﺔ وأﻫـم اﻝﻌﻠـوم اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ .‬ﻝـذﻝك‪ ،‬ﻴﻌ ّـرف ّ‬ ‫ّ‬
‫اﻝ ــذي ﻴ ــدرس اﻝﺤﻴ ــﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﺒﺠﻤﻴ ــﻊ ﻤظﺎﻫرﻫ ــﺎ‪ ،‬وﻴﺘﺤ ـ ّـرى أﺴ ــﺒﺎب اﻝﺤـ ـوادث اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ وﻗـ ـواﻨﻴن‬
‫‪39‬‬
‫ﺘطورﻫﺎ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ﺒﺄﻨﻪ ‪ :‬أﺤد اﻝﻌﻠوم اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ اﻝﻬﺎﻤـﺔ اﻝﺘـﻲ ظﻬـرت ﻓـﻲ أواﺨـر اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ‬ ‫وﻴﻌرف ﺒﺼورة أوﺴﻊ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ﺘﻔﺴـر اﻝظـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪ ،‬ﺴـواء‬ ‫ﻋﺸر‪ ،‬وﻫـو ﻤـن اﻝﻌﻠـوم اﻝﺘـﻲ ﺘﺤـﺎول اﻝوﺼـول إﻝـﻰ ﻗـواﻨﻴن وﻗواﻋـد ّ‬
‫وﻤؤﺴﺴ ــﺎت اﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ أو إﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ ‪.‬وﻫ ــو‬
‫ّ‬ ‫ﻜﺎﻨ ــت ﻫ ــذﻩ اﻝظـ ـواﻫر ﻓ ــﻲ ﺸ ــﻜل ﺠﻤﺎﻋ ــﺎت ﺒﺸـ ـرﻴﺔ‪ ،‬أو ﻨظ ــم‬
‫ﻤﻌﻴﻨـﺔ ﻴﺴـﻌون إﻝـﻰ‬ ‫ﺘﻜﻴف اﻝﻔرد واﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﻝﻠﻌـﻴش ﻤﻌـﺎً‪ ،‬ﻀـﻤن أﻫـداف ّ‬ ‫ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ‪ ،‬اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴﺴﺎﻋد ﻓﻲ ّ‬
‫‪40‬‬
‫اﻝﺘﻘدم واﻻﺴﺘﻤ اررﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ‪ ،‬ﻤن أﺠل ّ‬
‫ﻓﻌﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع إذن‪ ،‬ﻴــدرس اﻝﻌﻼﻗ ــﺎت ﺒــﻴن اﻷﻓ ـراد وﻋﻤﻠﻴــﺎت اﻝﺘﻔﺎﻋ ــل ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴــﻨﻬم‪ ،‬وﺘﺼ ـ ّـرﻓﺎﺘﻬم‬
‫ﻜﺄﻋﻀــﺎء ﻤﻜـ ّـوﻨﻴن ﻝﻬــذﻩ اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ‪ .‬ﻓﻬــو ﻴرّﻜــز ﻋﻠــﻰ ﺴــﻠوﻜﺎت اﻷﻓ ـراد ﻀــﻤن ﻫــذا اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ أو ذاك‪،‬‬
‫وﻴــدرس ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ ﺘــﺄﺜﻴر اﻝﺒﻴﺌ ــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ )اﻻﻗﺘﺼــﺎدﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( ﻓ ــﻲ ﺘﻜــوﻴن اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ‪،‬‬
‫‪41‬‬
‫وﺘﺤدﻴد اﻝﻌﻼﻗﺎت ﺒﻴن اﻷﻓراد‪.‬‬
‫ـﺘق ﻤــن ﻜﻠﻤﺘــﻴن‪ ،‬اﻷوﻝــﻰ ﻫــﻲ )ﺴوﺴــﻴو ‪ (Sociu‬اﻝﻼﺘﻴﻨﻴــﺔ‪،‬‬ ‫إن ﻤﺼــطﻠﺢ ) ﻋﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع ( ﻤﺸـ ّ‬ ‫ّ‬
‫أن ﻋﻠـم‬‫وﺘﻌﻨﻲ رﻓﻴق أو ﻤﺠﺘﻤﻊ‪ .‬واﻝﺜﺎﻨﻴﺔ )ﻝوﻏوس ‪ (Logos‬اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬وﺘﻌﻨـﻲ اﻝﻌﻠـم أو اﻝﺒﺤـث‪ .‬وﺒﻤـﺎ ّ‬
‫ﺜﻤ ــﺔ ﺘ ــداﺨﻼً ﻜﺒﻴـ ـ اًر ﺒ ــﻴن ﻋﻠ ــم‬
‫ـﺈن ّ‬
‫اﻻﺠﺘﻤ ــﺎع ﻴﺘﻨ ــﺎول اﻝﺘﻔﺎﻋ ــل اﻻﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ ﻋﻨ ــدﻤﺎ ﻴ ــدرس اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ‪ ،‬ﻓ ـ ّ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎع واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻜﻼﻫﻤﺎ ﻴدرس اﻝﺒﻨـﺎء اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ واﻝوظـﺎﺌف اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ‪ ..‬وﻫـذا ﻤـﺎ دﻋـﺎ‬
‫إن ﻋﻠ ــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ ،‬ﻫــو ﻓ ــرع ﻤــن ﻓــروع ﻋﻠ ـم اﻻﺠﺘﻤ ــﺎع‬ ‫أﺤــد اﻝﻌﻠﻤــﺎء إﻝــﻰ اﻝﻘــول ‪ّ :‬‬
‫‪42‬‬
‫اﻝﻤﻘﺎرن‪.‬‬
‫وﻫﻜذا ﻨﺠد أن ﺜﻤﺔ ﺼﻠﺔ ﻤن ﻨوع ﻤـﺎ‪ ،‬ﺒـﻴن ﻋﻠـم اﻻﺠﺘﻤـﺎع واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ‪ ،‬ﺒـﺎﻝﻨظر إﻝـﻰ أن ﻜـﻼ‪‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫‪17‬‬
‫ﻤﻨﻬﻤﺎ ﻴدرس اﻹﻨﺴﺎن‪ .‬وﻴﺘﺠﺎوز اﻝﺘـراﺒط ﺒﻴﻨﻬﻤـﺎ اﻝﻤﻌﻠوﻤـﺎت اﻝﺘـﻲ ﻴﻬـدف ﻜـ ّل ﻤﻨﻬﻤـﺎ اﻝﺤﺼـول ﻋﻠﻴﻬـﺎ‪،‬‬
‫ﻤﻨﻬﺠﻴﺔ اﻝﺒﺤث ﻤن ﺤﻴث طرﻴﻘﺘﻪ وأﺴـﻠوﺒﻪ‪ ،‬إﻝـﻰ ﺤ ّـد ﺘﺴ ّـﻤﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻋﻨـدﻩ‪ ،‬ﺒﻌﻠـم اﻻﺠﺘﻤـﺎع‬ ‫ّ‬ ‫إﻝﻰ‬
‫ـﺘم ﺒﺎﻝﺠﺎﻨــب اﻝﺤﻀــﺎري ﻋــن اﻹﻨﺴــﺎن ‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﺘﻘﺘــرب د ارﺴــﺔ ﻋﻠــم‬
‫اﻝﻤﻘــﺎرن‪ ،‬ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم أن ّأﻨﻬــﺎ ﺘﻬـ ّ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻤن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻴرّﻜـز ﻓـﻲ د ارﺴـﺎﺘﻪ ﻋﻠـﻰ اﻝﻤﺸـﻜﻼت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻓـﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ اﻝواﺤـد‪ ،‬ﻜﻤـﺎ ﻴـدرس‬
‫اﻝطﺒﻘﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻫذا اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ أو ذاك ﻤن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺤدﻴﺜﺔ‪ ،‬وﻴﻨدر أن ﻴدرس اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت‬
‫اﻝﺒداﺌﻴــﺔ أو اﻝﻤﻨﻘرﻀــﺔ‪ .‬ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﺘرّﻜــز اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ )ﻋﻠــم اﻹﻨﺴــﺎن( ﻓــﻲ د ارﺴــﺎﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت‬
‫اﻝﻤﺘﺤﻀرة اﻝﻤﻌﺎﺼرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اﻝﺒداﺌﻴﺔ ‪ /‬اﻷوﻝﻴﺔ‪ ،‬وأﻴﻀﺎً اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت‬
‫وﻝﻜـ ّـن د ارﺴــﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺘﺘرّﻜــز ﻓــﻲ اﻝﻐﺎﻝــب ﻋﻠــﻰ ‪ :‬اﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد واﻝﻌــﺎدات‬
‫‪43‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨﺔ‪.‬‬
‫أﻤﺔ ّ‬ ‫واﻝﻨظم‪ ،‬واﻝﻌﻼﻗﺎت ﺒﻴن اﻝﻨﺎس‪ ،‬واﻷﻨﻤﺎط اﻝﺴﻠوﻜﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬اﻝﺘﻲ ﻴﻤﺎرﺴﻬﺎ ﺸﻌب ﻤﺎ أو ّ‬
‫أن ﻋﻠم اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻴدرس اﻝﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ )اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻜﻜـ ّل (‪ ،‬وﻴﻨظـر إﻝﻴﻬـﺎ ﻨظـرة‬ ‫أي ّ‬
‫ﺸ ــﺎﻤﻠﺔ‪ ،‬وﻴ ــدرس اﻝﺒﻴﺌ ــﺔ اﻝﻌﺎﻤ ــﺔ‪ ،‬واﻝﻌﺎﺌﻠ ــﺔ وﻨظ ــم اﻝﻘ ارﺒ ــﺔ واﻝ ــدﻴن‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤ ــﺎ ﺘﻜ ــون د ارﺴ ــﺔ ﻋﻠ ــم اﻻﺠﺘﻤ ــﺎع‬
‫ﻤﻌﻴﻨﺔ‪ ،‬أو ﻤﺸـﻜﻼت‬ ‫ﻤﺤددة أو ﻤﺸﻜﻼت ّ‬ ‫ﺤد ﺒﻌﻴد‪ .‬ﺤﻴث ﻴﻘﺘﺼر ﻋﻠﻰ دراﺴﺔ ظواﻫر ّ‬ ‫ﻤﺘﺨﺼﺼﺔ إﻝﻰ ّ‬ ‫ّ‬
‫‪44‬‬
‫ﻗﺎﺌﻤﺔ ﺒذاﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻜﻤﺸﻜﻼت ‪ :‬اﻷﺴرة واﻝطﻼق واﻝﺠرﻴﻤﺔ‪ ،‬واﻝﺒطﺎﻝﺔ واﻹدﻤﺎن واﻻﻨﺘﺤﺎر ‪...‬‬
‫ﺜﻤـ ــﺔ ﺘﺒـ ــﺎﻴن أو اﺨـ ــﺘﻼف ﺒـ ــﻴن اﻝﻌﻠﻤـ ــﻴن‪ ،‬ﻓﻬـ ــو ﻻ ﻴﺘﻌـ ـ ّـدى ﻓﻬـ ــم اﻝظ ـ ـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ‬
‫ٕواذا ﻜـ ــﺎن ّ‬
‫أن اﻝﺒﺎﺤث ﻓﻲ ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع‪ ،‬ﻴﻌﺘﻤد ﻋﻠﻰ اﻓﺘراﻀﺎت‬ ‫وﺘﻔﺴﻴراﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻓق أﻫداف ﻜ ّل ﻤﻨﻬﻤﺎ‪ .‬ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻨﺠد ّ‬
‫ﻨظرﻴﺔ ﻝدراﺴﺔ وﻀﻊ اﻝﻤﺘﻐﻴرات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬وﻴﺤﺎول اﻝﺘﺤﻘّق ﻤﻨﻬﺎ ﻤن ﺨﻼل اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت اﻝﺘﻲ ﻴﺠﻤﻌﻬﺎ‬
‫أن اﻝﺒﺎﺤـث اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ‪ ،‬ﻴﻌﺘﻤـد‬ ‫ﺒواﺴطﺔ اﺴﺘﺒﻴﺎن أو اﺴﺘﻤﺎرة ﺨﺎﺼﺔ ﻝذﻝك‪ ،‬ﻨﺠـد – ﻓـﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒـل – ّ‬
‫ﺘﺸﺨﻴص اﻝظﺎﻫرة اﺴﺘﻨﺎداً إﻝـﻰ ﻓﻬـم اﻝواﻗـﻊ ﻜﻤـﺎ ﻫـو‪ ،‬وﻤـن ﺨـﻼل اﻝﻤﻼﺤظـﺔ اﻝﻤﺒﺎﺸـرة وﻤﺸـﺎرﻜﺔ اﻷﻓـراد‬
‫ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻬم اﻝﻌﺎدﻴﺔ ‪.‬‬

‫ﺜﺎﻝﺜﺎً‪-‬ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺎﻝﻔﻠﺴﻔﺔ‬


‫ﺘﻌ ــود ﻜﻠﻤ ــﺔ )ﻓﻠﺴ ــﻔﺔ( إﻝ ــﻰ اﻷﺼ ــل اﻝﻴوﻨ ــﺎﻨﻲ اﻝﻤﻜ ـ ّـون ﻤ ــن ﻤﻘطﻌ ــﻴن ‪) :‬ﻓﻴﻠ ــو ‪ + PHILO‬ﺴ ــوﻓﻴﺎ‬
‫ﻤﺤﺒﺔ اﻝﺤﻜﻤﺔ ‪.‬‬ ‫ﺤب اﻝﺤﻜﻤﺔ( أو ّ‬ ‫‪ (SOPHY‬أي ﻓﻴﻠوﺴوﻓﻴﺎ ‪ ،PHILOSOPHY‬وﺘﻌﻨﻲ ‪ّ ) :‬‬
‫وﻝﻜــن ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن أﺼــﻠﻬﺎ اﻻﺸــﺘﻘﺎﻗﻲ‪ ،‬ﻓﻘــد اﺘّﺨ ـذت ﻋﻨــد أرﺴــطو ﻤﻌﻨــﻰ أﻜﺜــر دﻗّــﺔ وﺸــﻤوﻻّ‪،‬‬
‫ﺒﺄﻨﻬﺎ‪ " :‬ﻋﻠم اﻝﻤﻌﻨﻰ اﻷﻜﺜر ﺸﻤوﻻً ﻝﻜﻠﻤﺔ ﻋﻠم "‪ .‬وﻴﺸرح ذﻝك ﺒﻘوﻝﻪ ‪ " :‬اﻝﻔﻠﺴـﻔﺔ ﻫـﻲ ﻋﻠـم‬ ‫ﻋرﻓﻬﺎ ّ‬ ‫ﺤﻴث ّ‬
‫ﺒرﻤﺘﻬﺎ‪ ،‬وﺒﺄﻜﺜر أﺴﺎﻝﻴب اﻝﻔﻜر ﻨظﺎﻤﺎً وﺘﻤﺎﺴﻜﺎً‬ ‫اﻝﻤﺒﺎدىء واﻷﺴﺒﺎب اﻷوﻝﻰ‪ ،‬ﻏﺎﻴﺘﻬﺎ اﻝﺒﺤث ﻋن اﻝﺤﻘﻴﻘﺔ ّ‬
‫"‪ .‬أي ّأﻨﻬﺎ ‪ :‬ﻋﻠم اﻝوﺠود ﺒﻤﺎ ﻫو ﻤوﺠود‪ ،‬أو اﻝﻔﻜر ﻓﻲ ﺠوﻫر وﺠـودﻩ‪ .‬وﻻ ﻴﻤﻜـن ﺒﻠـوغ ﻫـذﻩ اﻝﻐﺎﻴـﺔ إﻻّ‬
‫‪45‬‬
‫ﺒﺈﺤﻜﺎم دﻗﻴق ﻝﻠﻔﻜر‪ ،‬أي ﺒﻤﻨﻬﺞ ﻴﺴﺘﻨد إﻝﻰ ﻤﺒﺎدىء اﻝﻌﻘل‪.‬‬
‫ﻋرﻓﻬـﺎ‬
‫وﺒﺎﻝﻨظر إﻝﻰ ﻫذا اﻝﻤﻌﻨﻰ اﻝواﺴـﻊ‪ ،‬اﺨﺘﻠـف اﻝﻔﻼﺴـﻔﺔ ﻓـﻲ إﻋطـﺎء ﻤﻌﻨـﻰ دﻗﻴـق ﻝﻠﻔﻠﺴـﻔﺔ‪ .‬ﻓﻘـد ّ‬
‫وﻋرﻓﻬـﺎ ﺒﻌـض اﻝﻔﻼﺴـﻔﺔ اﻵﺨـرﻴن‬ ‫ﺒﺄﻨﻬﺎ ‪ :‬اﻝﺒﺤث ﻋن طﺒﺎﺌﻊ اﻷﺸﻴﺎء وﺤﻘـﺎﺌق‪46‬اﻝﻤوﺠـودات‪ّ .‬‬ ‫اﻝطﺒﻴﻌﻴون ّ‬
‫ﺒﺄﻨﻬﺎ ‪ :‬ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت ﻓﻲ ﻋﺼر ﻤن اﻝﻌﺼور‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ﺘﺴﻤﻰ‪ ،‬ﺒـﺎﻝﻨظر ﻝﺸـﻤوﻝﻴﺔ د ارﺴـﺘﻬﺎ ﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن اﻝﻌﻠـوم‬
‫ٕواذا ﻜﺎﻨت اﻝﻔﻠﺴﻔﺔ )أم اﻝﻌﻠوم( ﻜﻤﺎ ﻜﺎﻨت ّ‬

‫‪18‬‬
‫ﻓﺈن ﺼﻠﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻬﺎ وﺜﻴﻘﺔ ﺠ ّـداً‪ ،‬وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻓﻴﻤـﺎ ﻴﺘﻌﻠّـق ﺒﻨظـرة‬ ‫اﻝرﻴﺎﻀﻴﺔ واﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ واﻝﻔﻴزﻴﺎﺌﻴﺔ‪ّ ،‬‬
‫ﻷن اﻝزﻤﺎن واﻝﻤﻜﺎن ﻤرﺘﺒطﺎن ﺒﻌﻼﻗﺔ‬ ‫ﻤﺤدد‪ .‬وذﻝك ّ‬ ‫اﻹﻨﺴﺎن إﻝﻰ اﻝﻜون واﻝﺤﻴﺎة‪ ،‬ﻓﻲ زﻤﺎن ﻤﺎ أو ﻤﻜﺎن ّ‬
‫ﻤﻜوﻨﺎﺘﻬ ــﺎ إﻻّ ﻤ ــن ﺨ ــﻼل د ارﺴ ــﺔ اﻝﻔﻌ ــل اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻲ‪ ،‬اﻝ ــذي ﻴﺴ ــﻌﻰ إﻝ ــﻰ اﻝﺒﻘ ــﺎء‬
‫ﺠدﻝﻴ ــﺔ‪ ،‬ﻻ ﻴﻤﻜ ــن إدراك ّ‬
‫واﻻﺴﺘﻤرار‪.‬‬
‫ﻓدراﺴﺔ أﺼل اﻹﻨﺴﺎن وﻨﺸﺄﺘﻪ وﺤﻴﺎﺘﻪ وﺴﻌﻴﻪ إﻝﻰ اﻝﺒﻘﺎء واﻝﺨﻠـود‪ ،‬وﻤـﺎ ﻴـﻨﺠم ﻋـن ذﻝـك ﻤـن ﺘط ّـور‬
‫ـﺘﻤرﻴن‪ ،‬ﻜﻠّﻬــﺎ ﺘﻘــﻊ ﻓــﻲ ﻤﻴــدان اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺘﻠــك اﻝﻌﻼﻗــﺔ اﻷزﻝﻴــﺔ ﺒــﻴن‬
‫وﺘﻐﻴــر ﻤﺴـ ّ‬
‫ّ‬
‫ﺘؤﻤن ﺴﻴرورة ﺤﻴﺎﺘﻪ ‪.‬‬ ‫طﺒﻴﻌﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬وواﻗﻌﻪ وﻤﺎ ﻴطﻤﺢ إﻝﻴﻪ ﻤن آﻤﺎل وأﻫداف‪ّ ،‬‬
‫راﺒﻌﺎً‪ -‬ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻌﻠم اﻝﻨﻔس‬
‫ـﺘم ﺒد ارﺴــﺔ اﻝﻌﻘــل اﻝﺒﺸــري‪ ،‬واﻝطﺒﻴﻌــﺔ اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ‪ ،‬واﻝﺴــﻠوك‬
‫ﺒﺄﻨــﻪ‪ :‬اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴﻬـ ّ‬
‫ﻴﻌـ ّـرف ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس ّ‬
‫‪47‬‬
‫اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ‪ .‬وﻫذا‬
‫ّ‬ ‫ﻴﺘم اﻝﺤﺼول ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻤن وﺠﻬﺔ اﻝﻨظر‬ ‫اﻝﻨﺎﺘﺞ ﻋﻨﻬﻤﺎ‪ .‬أي ّأﻨﻪ‪ :‬ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻝﺤﻘﺎﺌق اﻝﺘﻲ ّ‬
‫‪48‬‬
‫ﻴﻌﻨﻲ ‪ّ :‬أﻨﻪ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس ﺴﻠوك اﻹﻨﺴﺎن ﺒﻬدف ﻓﻬﻤﻪ وﺘﻔﺴﻴرﻩ‪.‬‬
‫إن ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس‪ ،‬ﻫــو اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴــدرس اﻹﻨﺴــﺎن ﻤــن ﺠواﻨــب‬
‫وﻤــن ﻫــذا اﻝﻤﻨطﻠــق‪ ،‬ﻴﻤﻜــن اﻝﻘــول‪ّ :‬‬
‫ﺸﺨﺼـ ّـﻴﺘﻪ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ‪ ،‬ﺒﻐﻴــﺔ اﻝوﺼــول إﻝــﻰ ﺤﻘــﺎﺌق ﺤوﻝﻬــﺎ‪ ،‬ﻗــد ﺘﻜــون ذات ﺼــﻔﺔ ﻋﺎﻤــﺔ وﻤطﻠﻘــﺔ‪ ،‬ﻴﻤﻜــن‬
‫ﺘﻌﻤﻴﻤﻬﺎ‪.‬‬
‫ـﻤﻴﺔ اﻝﻤوروﺜ ــﺔ‪ ،‬وﺘﺤدﻴ ــد ﻋﻼﻗﺎﺘﻬ ــﺎ ﺒﺎﻝﻌواﻤ ــل‬
‫ـﺘم اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻝﻨﻔﺴ ـ ّـﻴﺔ ﺒﺎﻝﺨﺼ ــﺎﺌص اﻝﺠﺴ ـ ّ‬
‫وﻝ ــذﻝك‪ ،‬ﺘﻬ ـ ّ‬
‫ـﻤﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤــﺔ‪ ،‬وﺴــﻤﺎت اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ‪ .‬ﻤــﻊ‬ ‫اﻝﺴــﻠوﻜﻴﺔ ﻝــدى اﻝﻔــرد‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺘﻠــك اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻝﺼــﻔﺎت اﻝﺠﺴـ ّ‬
‫اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اﻝﺒﻴﺌﻴﺔ اﻝﻤﺤﻴطﺔ ﺒﻬذﻩ‬
‫ّ‬ ‫اﻷﺨذ ﻓﻲ اﻝﺤﺴﺒﺎن اﻝﻌواﻤل‬
‫اﻝﺒﻴﺌﻴــﺔ ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻌﻼﻗــﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻝﺸــﺨص اﻝﻘــوي‬
‫ّ‬ ‫ﺒﺄﻫﻤﻴــﺔ ﻫــذﻩ اﻝﻌواﻤــل‬
‫ّ‬ ‫وﻴﻤﻴــل اﻝﻨﻔﺴــﻴون إﻝــﻰ اﻻﻋﺘﻘــﺎد‬
‫اﻝﻘﻴﺎدﻴــﺔ‪ ،‬ﻻ ﺒـ ّـد و ّأﻨــﻪ ﺘﻌـ ّـرض إﻝــﻰ ﺨﺒـرات اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‬
‫ّ‬ ‫اﻝﺒﻨﻴــﺔ‪ ،‬واﻝــذي ﻴﻤﻴــل إﻝــﻰ اﻝﺴــﻴطرة وﺘــوﻝّﻲ اﻝﻤ ارﻜــز‬
‫‪49‬‬
‫وﻨﻤوﻩ‪ ،‬أﺴﻬﻤت ﻓﻲ إﻜﺴﺎﺒﻪ ﻫذﻩ اﻝﺴﻠوﻜﺎت‪.‬‬ ‫ﻨﻔﺴﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻲ أﺜﻨﺎء طﻔوﻝﺘﻪ ّ‬ ‫ّ‬
‫ﺒﺄﻨﻬﺎ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس اﻹﻨﺴـﺎن‪ ،‬ﻤـن ﺤﻴـث ﺘط ّـورﻩ وﺴـﻠوﻜﺎﺘﻪ‬ ‫ٕواذا ﻜﺎﻨت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬ﺘوﺼف ّ‬
‫ـﺈن ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس ﻴﺸــﺎرك اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ ﺴــﻠوك اﻹﻨﺴــﺎن‪ .‬وﻝﻜـ ّـن اﻝﺨــﻼف‬
‫وأﻨﻤــﺎط ﺤﻴﺎﺘــﻪ‪ ،‬ﻓـ ّ‬
‫أﻤـﺎ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓﺘرّﻜـز ﻋﻠـﻰ اﻝﺴـﻠوك‬‫أن ﻋﻠم اﻝﻨﻔس ﻴرّﻜز ﻋﻠـﻰ ﺴـﻠوك اﻹﻨﺴـﺎن اﻝﻔـرد‪ّ ،‬‬ ‫ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ‪ ،‬ﻫو ّ‬
‫‪50‬‬
‫اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ﺒﺸﻜل ﻋﺎم‪ .‬ﻜﻤﺎ ﺘدرس اﻝﺴﻠوك اﻝﺠﻤﺎﻋﻲ اﻝﻨﺎﺒﻊ ﻤن ﺘراث اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ‪.‬‬
‫أن ﻋﻠـم اﻝـﻨﻔس ﻴﻘﺼـر د ارﺴـﺘﻪ ﻋﻠـﻰ اﻝﻔـرد‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤـﺎ ﺘرّﻜـز اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻫﺘﻤﺎﻤﻬـﺎ‬
‫وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ‬
‫ﻓﺜﻤـﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻝﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤـن ﺠﻬـﺔ‪ ،‬وﻋﻠـﻰ ﻜـ ّل ﻓـرد ﺒﺼـﻔﺘﻪ ﻋﻀـواً ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻝﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن ﺠﻬـﺔ أﺨـرى‪ّ ،‬‬
‫أن اﻹﻨﺴــﺎن ﻻ ﻴﻌــﻴش إﻻّ ﻓــﻲ ﺒﻴﺌــﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‬
‫ﺼـﻠﺔ وﺜﻴﻘــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻌﻠﻤــﻴن‪ .‬ﺤﻴــث اﻜﺘﺸــف ﻋﻠﻤــﺎء اﻝــﻨﻔس ّ‬
‫ﻴؤﺜّر ﻓﻴﻬﺎ وﻴﺘﺄﺜّر ﺒﻬﺎ ‪.‬‬
‫ـب اﻝد ارﺴ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻋﻠ ــم اﻝ ــﻨﻔس اﻻﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ ﻋﻠ ــﻰ اﻝﻤﺤﺎﻜ ــﺎة واﻝﺘﻘﻠﻴ ــد واﻝﻤﻴ ــول اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‪،‬‬
‫وﺘﻨﺼ ـ ّ‬
‫اﻝﺘﺠﻤـﻊ‪ ،‬إﻀـﺎﻓﺔ إﻝـﻰ د ارﺴـﺔ اﻻﺘّﺠﺎﻫـﺎت‪ .‬ﻓﻘـد ﺼـدرت‬ ‫ّ‬ ‫ﻜﺎﻝﻤﺸﺎرﻜﺔ اﻝوﺠداﻨﻴﺔ واﻝﺘﻌـﺎون واﻝﻐﻴرﻴـﺔ وﻏرﻴـزة‬
‫د ارﺴـﺎت ﺨﺎﺼـﺔ ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ‪ ،‬اﻝﺘـﻲ ﺘﻌﻨـﻰ ﺒـﺎﻝظواﻫر اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ﻝﺒﻨـﻲ اﻝﺒﺸـر ﺤــﻴن‬
‫أن اﻝطﺒﻴﻌــﺔ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻤــن ﺼــﻤﻴم ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس اﻝﻌــﺎم‪ ،‬ﻜﻤــﺎ ّأﻨﻬــﺎ‬‫ﻴﻌﻴﺸــون ﻓــﻲ طﺒﻘــﺔ أو ﺠﻤﺎﻋــﺔ‪ ،‬ﺤﻴــث ّ‬

‫‪19‬‬
‫‪51‬‬
‫اﻝﻤﻬﻤـﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘواﺠـﻪ اﻝﺒﺎﺤـث‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫ﻋﺎﻤل ﺤﺘﻤـﻲ ﻓـﻲ ﺘﻜـوﻴن اﻝـﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ .‬وﻝـذﻝك ﻨـرى ّ‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ‪ ،‬ﻻ ﺘﺨﺘﻠــف ﻋــن ﺘﻠــك اﻝﻤﻬﻤ ـﺔّ اﻝﺘــﻲ ﺘواﺠــﻪ ﻋــﺎﻝم اﻝــﻨﻔس‪ .‬ﻓﻜﻼﻫﻤــﺎ ﻋﻠﻴــﻪ أن ﻴﺴــﺘﺨﻠص‬
‫ﺼــﻔﺎت اﻝﺸ ــﻲء اﻝــذي ﻫ ــو ﻤوﻀــوع د ارﺴــﺘﻪ‪ ،‬ﻤــن اﻝﺘﻌﺒﻴ ــر اﻝﺨــﺎرﺠﻲ ﻓ ــﻲ اﻝﺴــﻠوك ‪ٕ ..‬وان ﻜ ــﺎن ﻋ ــﺎﻝم‬
‫ﻴﻌوﻗــﻪ اﻀــط اررﻩ إﻝــﻰ إدﺨــﺎل ﺨطــوة إﻀــﺎﻓﻴﺔ ﻓــﻲ ﻤﺴــﺘﻬ ّل ﻋﻤﻠــﻪ‪ .‬ﻓﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴﺴــﺘطﻴﻊ ﻋــﺎﻝم‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ّ‬
‫اﻝــﻨﻔس أن ﻴﻼﺤــظ ﺴــﻠوك ﻤوﻀــوع ﺒﺤﺜــﻪ ﺒﺼــورة ﻤﺒﺎﺸ ـرة‪ ،‬ﻴﻨﺒﻐــﻲ ﻋﻠــﻰ ﻋــﺎﻝم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ أن ﻴﺒﻨــﻲ‬
‫اﺴﺘﻨﺘﺎﺠﺎﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻨﻤﺎط اﻝﻤﺜﺎﻝﻴﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺘﻲ ﻴﺘﻨﺎوﻝﻬﺎ ﺒﺎﻝﺒﺤث‪.‬‬
‫ﻤﻬﻤﺔ ﻋـﺎﻝم اﻝـﻨﻔس ﻓـﻲ‬ ‫ﻤﻬﻤﺔ ﻋﺎﻝم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ ﻤﺤﺎوﻻﺘﻪ ﻝﻜﺸف ﺨﻔﺎﻴﺎ اﻷﻤور‪ ،‬ﺘﺸﺒﻪ ّ‬ ‫وﻝﻜن ّ‬‫ّ‬
‫ﻴﺘوﺼل إﻝﻴﻬﺎ‬
‫ّ‬ ‫اﻝﺠﻬود اﻝﺘﻲ ﻴﺒذﻝﻬﺎ ﻓﻲ ﺴﺒر ﻏور اﻝﻌﻘل اﻝﺒﺎطن‪ .‬وﻓﻲ ﻜﻼ اﻝﺤﺎﻝﻴن‪ ،‬ﺘﺘﺄﻝّف اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ اﻝﺘﻲ‬
‫أﻤــﺎ اﻝﺤﻘـﺎﺌق اﻝﺘــﻲ ﺘﺴــﺘﻨد إﻝﻴﻬــﺎ ﻫــذﻩ اﻝﺘـﺄوﻴﻼت‪ ،‬ﻓﻜﺜﻴـ اًر ﻤــﺎ ﺘﻜــون ﻗﺎﺒﻠــﺔ‬
‫اﻝﺒـﺎﺤﺜون ﻤــن ﺴﻠﺴـ‪52‬ـﻠﺔ ﺘــﺄوﻴﻼت‪ّ ،‬‬
‫ﻷﻜﺜر ﻤن ﺘﻔﺴﻴر‪.‬‬
‫ﺘﻌد دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ دراﺴﺔ ﻝﻸﻨﻤﺎط اﻝﺴﻠوﻜﻴﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤﺎ ﺘﻌ ّـد اﻝد ارﺴـﺔ اﻝﻨﻔﺴ ّـﻴﺔ‬
‫ﻝذﻝك‪ّ ،‬‬
‫ﺒﺎﻝﺸﺨﺼﻴﺔ اﻝﻔردﻴﺔ‪ ،‬وأن ﻜﺎﻨت ﺘﺘﺄﺜّر ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫دراﺴﺔ ﻝﻠﺴﻠوك اﻝﺨﺎص‬

‫ﺨﺎﻤﺴﺎً‪ -‬ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻌﻠم اﻝﺠﻴوﻝوﺠﻴﺎ واﻝﺠﻐراﻓﻴﺎ‬


‫ﺘﺴﺎﻋد اﻝدراﺴﺎت اﻝﺠﻴوﻝوﺠﻴﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد اﻝﻔﺘرات اﻝزﻤﻨﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻋﺎش ﻓﻴﻬﺎ ﻜ ّل ﻨﻤوذج ﻤن‬
‫أﻨواع اﻝﺠﻨس اﻝﺒﺸري‪ ،‬ﻨظ اًر ﻝوﺠـود اﻝﺒﻘﺎﻴـﺎ اﻝﻌظﻤﻴـﺔ ﻝﻸﺴـﻼف‪ ،‬ﻋﻠـﻰ ﺸـﻜل ﺒﻘﺎﻴـﺎ ﻤﺴـﺘﺤﺎﺜﺔ ﺤﻔرﻴـﺔ ﺒـﻴن‬
‫ﺜﻨﺎﻴــﺎ اﻝﻘﺸ ـرة اﻷرﻀــﻴﺔ اﻝرﺴــوﺒﻴﺔ واﻝﻤﻨﻀـ ّـدة ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻓــوق ﺒﻌــض‪ ،‬وﻓــق ﺨﺎﺼــﻴﺔ اﻝﻨﺸــوء واﻝﺘﻘــﺎدم ﻝﻜ ـ ّل‬
‫ﻤﻨﻬﺎ‪ ،‬ﺒﺤﻴث ﻴﻜون أﺴﻔﻠﻬﺎ أﻗدﻤﻬﺎ وأﻋﻼﻫﺎ أﺤدﺜﻬﺎ ‪.‬‬
‫وﻫذا ﻴﻤ ّﻜﻨﻨﺎ ﻤن ﻤﻌرﻓـﺔ اﻝﻔﺘـرة اﻝزﻤﻨﻴـﺔ اﻝﺘـﻲ ﻋـﺎش ﻓﻴﻬـﺎ ذﻝـك اﻹﻨﺴـﺎن اﻝﺤﻔـري‪ ،‬إﻝـﻰ ﺠﺎﻨـب ﻤﻌرﻓـﺔ‬
‫اﻝﻌــﺎﻝم اﻝﺤﻴ ـواﻨﻲ اﻵﺨــر اﻝــذي ﻜــﺎن ﻴﺤــﻴط ﺒــﻪ‪ ،‬ﻤــن ﺨــﻼل اﻝﺘﻌـ ّـرف إﻝــﻰ اﻝﺒﻘﺎﻴــﺎ اﻝﻌظﻤﻴــﺔ اﻝﻤﺴــﺘﺤﺎﺜﻴﺔ‬
‫أﻨﻨ ــﺎ ﻨﺴ ــﺘطﻴﻊ اﻝﺘﻌ ـ ّـرف إﻝ ــﻰ‬
‫ﻝﻸﻨـ ـواع اﻝﺤﻴواﻨﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﻜﺎﻨ ــت ﺘﻌﺎﺼـ ـرﻩ ﻓ ــﻲ ﺒﻴﺌ ــﺔ ﺠﻐراﻓﻴ ــﺔ واﺤ ــدة‪ .‬ﻜﻤ ــﺎ ّ‬
‫اﻝظ ــروف اﻝﻤﻨﺎﺨﻴــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﻜﺎﻨ ــت ﺴ ــﺎﺌدة ﻋﻨ ــدﻤﺎ ﻜ ــﺎن ﻴﻌ ــﻴش ﻫ ــذا اﻹﻨﺴ ــﺎن أو ذاك‪ ،‬ﻓ ــﻲ ﺘﻠ ــك اﻷزﻤﻨ ــﺔ‬
‫‪53‬‬
‫اﻝﺴﺤﻴﻘﺔ ﻤن ﺘﺎرﻴﺨﻨﺎ اﻝﺒﺸري‪.‬‬
‫وﻜﻤــﺎ ﺘﺴــﺘﻔﻴد اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻤــن اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﺠﻴوﻝوﺠﻴــﺔ‪ ،‬ﺘﺴــﺘﻔﻴد أﻴﻀ ـﺎً ﻤــن اﻝﻤﻌطﻴــﺎت اﻝﻌﻠﻤﻴــﺔ‬
‫ﻤﻘدﻤﺘﻬﺎ اﻝﻨواﺤﻲ اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ‪ ،‬ﻤن ﺘﻀﺎرﻴس وﻤﻴﺎﻩ‪ ،‬إﻝـﻰ ﺠﺎﻨـب اﻝظـروف اﻝﻤﻨﺎﺨﻴـﺔ اﻝﺘـﻲ‬ ‫اﻝﺠﻐراﻓﻴﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ّ‬
‫ﺘﺘﻔﺎوت ﻤن ﻤﻨطﻘﺔ إﻝﻰ أﺨرى‪ ،‬وذﻝك ﺒﺤﺴب ﻗرﺒﻬﺎ – أو ﺒﻌدﻫﺎ‪ -‬ﻤن ﺨط اﻻﺴﺘواء‪ ،‬أو ﻤن ﺸواطﻰء‬
‫اﻝﺒﺤﺎر واﻝﻤﺤﻴطﺎت‪ ،‬أو ارﺘﻔﺎﻋﻬﺎ واﻨﺨﻔﺎﻀﻬﺎ ﻋن ﺴطﺢ اﻝﺒﺤر‪.‬‬
‫ﻓﻬذﻩ اﻝﻌواﻤـل ﻜﻠّﻬـﺎ ﺘـؤﺜّر ﻓـﻲ ﺤﻴـﺎة اﻹﻨﺴـﺎن ﺒﺠواﻨﺒﻬـﺎ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ‪ ،‬اﻝﻌﻀـوﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ‪.‬‬
‫ـﺈن اﻷﺤـوال اﻝﻤﻌﻴﺸــﻴﺔ واﻝﺒﻨــﻰ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻋﻨــد اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ‪ ،‬ﻝﻴﺴــت ﻤﺘﺸــﺎﺒﻬﺔ ﺒﺴــﺒب‬
‫وﻝــذﻝك‪ ،‬ﻓـ ّ‬
‫ﺘﺒﺎﻴن اﻝظروف اﻝﺠﻐراﻓﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘوﺠد ﻓﻴﻬﺎ ﺘﻠك اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت‪ .‬ﻓﺴﻜﺎن اﻝﻤﻨﺎطق اﻝﺠﺒﻠﻴﺔ اﻝﻤرﺘﻔﻌـﺔ ﻴﻜوﻨـون‬
‫ﻓـﻲ ﻤــﺄﻤن ﻤـن اﻷﺨطــﺎر اﻝﺨﺎرﺠﻴــﺔ‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤـﺎ ﻴﺘﻌـ ّـرض ﺴــﻜﺎن اﻝﺴـﻬول دوﻤـﺎً إﻝــﻰ ﻏـزوات واﺠﺘﻴﺎﺤــﺎت ﻤــن‬
‫اﻝﺸﻌوب أو اﻝﻘوى اﻝﺨﺎرﺠﻴﺔ‪ .‬وﻓﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒل‪ ،‬ﻴﻜون ﺴﻜﺎن اﻝﻤﻨﺎطق اﻝﺴﺎﺤﻠﻴﺔ أﻜﺜر اﻨﻔﺘﺎﺤﺎً ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺘﻬم‬
‫ﻤﻊ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺨﺎرﺠﻲ‪ ،‬ﻗﻴﺎﺴـﺎً ﺒﺄﻫـل اﻝﻤﻨـﺎطق اﻝداﺨﻠﻴـﺔ ﺤﻴـث ﺘﻜـون اﻝﻌﻼﻗـﺎت اﻷﺴـرﻴﺔ ﺸـﺒﻪ ﻤﻨﻐﻠﻘـﺔ ﻋﻠـﻰ‬

‫‪20‬‬
‫ذاﺘﻬﺎ‪ ،‬إﻝﻰ ﺠﺎﻨب اﻻﻝﺘـزام ﺒﺎﻝﻌﺼـﺒﻴﺔ اﻝﻘﺒﻠﻴـﺔ‪ .‬وﻫـذا ﻴـﻨﻌﻜس ﻓـﻲ ﺴـﻠوﻜﻴﺔ اﻝﺴـﻜﺎن ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻝﻤﻨطﻘـﺔ أو‬
‫ﺘﻠـ ــك‪ 54.‬وﻝـ ــذﻝك‪ ،‬ﻴﻤﻴـ ــل ﻋﻠﻤـ ــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ إﻝـ ــﻰ إﻫﻤـ ــﺎل ﻤـ ــﺎ ﻴﺴـ ـ ّـﻤﻰ ﺒﺎﻝﻘـ ــدرات اﻝﻔطرﻴـ ــﺔ ﻝﻠﺸـ ــﻌوب‬
‫اﻹﻨﺴ ـ ـﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬وﻴـ ــؤﺜرون ﻜﺘﺎﺒـ ــﺔ ﺘـ ــﺎرﻴﺦ اﻝﺤﻀـ ــﺎرة ﻓـ ــﻲ ﻀـ ــوء ﻋواﻤـ ــل اﻝﺒﻴﺌـ ــﺔ واﻝﺤـ ــظ وﺘﺴﻠﺴـ ــل اﻷﺤـ ــداث‬
‫أن ﻝﻠﻤﻨﺎخ أﺜ اًر ﻓﻲ ﻨﺎﺘﺞ اﻝطﺎﻗﺔ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬وﻫﻨـﺎك ﻤـن ﻴﻌﺘﻘـد ﺒوﺠـود ﻋﻼﻗـﺔ‬ ‫اﻝﻤﺘراﺒطﺔ‪ .‬ﻓﻬﻨﺎك ﻤن ﻴﺠد ّ‬
‫ﻴﻤﻴـز ﺴـﻜﺎن‬ ‫ﻴﺘﻤﻴز ﺒﻪ ﺴﻜﺎن اﻝﻤﻨﺎطق اﻝﺤﺎرة‪ ،‬أو اﻝﻨﺸﺎط اﻻﻨـدﻓﺎﻋﻲ اﻝـذي ّ‬ ‫ﺒﻴن اﻝطﻘس واﻝﺨﻤول اﻝذي ّ‬
‫اﻝﻤﻨـﺎطق اﻝﺒـﺎردة واﻝﻌﺎﺼـﻔﺔ‪ .‬وﻀـﻤن ﻫـذﻩ اﻝرؤﻴـﺔ‪ ،‬ﻗـﺎم اﻝـدﻜﺘور )وﻝـﻴم ﺒﻴﺘرﺴـن( ‪W. Petersen‬ﻓـﻲ‬
‫أواﺴــط اﻝﺴــﺘﻴﻨﺎت ﻤــن اﻝﻘــرن اﻝﻌﺸ ـرﻴن‪ ،‬ﺒــﺈﺠراء ﺘﺤﻠﻴــل دﻗﻴــق ﻝﻼرﺘﺒــﺎط اﻝوﺜﻴــق ﺒــﻴن اﻝطﻘــس واﻝوظــﺎﺌف‬
‫اﻝﻔﻴﺴــﻴوﻝوﺠﻴﺔ‪ ،‬وﺒﻨــﻰ د ارﺴــﺘﻪ ﻋﻠــﻰ اﻝﺘﻘـ ّـدم اﻝــذي أﺤــرزﻩ اﻝﻤرﻀــﻰ اﻝــذﻴن ﻜــﺎن ﻴﺸــرف ﻋﻠــﻰ ﻋﻼﺠﻬــم‪.‬‬
‫أن ﺘﻘﻠّﺒﺎت ﺤﺎﻝﺔ اﻝﻤرﻀﻰ ﺘﺘﺒﻊ ﻨﻤطﺎً ﻤﺸﺎﺒﻬﺎً ﻝﺘراوﺤﺎت اﻝﻀـﻐط اﻝﺒـﺎروﻤﺘري‪،‬‬ ‫وﺘﺒﻴن ﻤن ﻨﺘﺎﺌﺞ أﺒﺤﺎﺜﻪ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫‪55‬‬
‫وﻜﺄن اﻝظﺎﻫرة اﻷوﻝﻰ ﺘﺘﺄﺜّر ﺒﺎﻝﺜﺎﻨﻴﺔ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وﺒدا‬
‫ﻝﻠﺘﻜﻴـ ــف ﻤـ ــﻊ أﻨ ـ ـواع اﻝﺒﻴﺌـ ــﺎت‬
‫أن وظـ ــﺎﺌف اﻹﻨﺴـ ــﺎن اﻝﻔﺴ ــﻴوﻝوﺠﻴﺔ ﻗﺎﺒﻠـ ــﺔ ّ‬ ‫ٕواذا ﻜ ــﺎن ﻤـ ــن اﻝﺼـ ــﺤﻴﺢ ّ‬
‫أﻫﻤﻴـﺔ‬
‫ﻓﺈﻨﻪ ﻤـن اﻝﺴـﻬل – ﻓـﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒـل – أن ﻨﺘﺼ ّـور أن ﺒﻌـض ﺠواﻨـب اﻝﺒﻴﺌـﺔ‪ ،‬ﺘﻜـون أﻜﺜـر ّ‬ ‫اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ّ ،‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨـﺔ ﻤـن ﺘـﺎرﻴﺦ اﻝﺘط ّـور اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ‪ ،‬اﻝﺤﻀـﺎري واﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ‬ ‫وﺘﺄﺜﻴ اًر ﻤن ﺒﻌﻀـﻬﺎ اﻵﺨـر‪ ،‬ﻓـﻲ ﻤ ارﺤـل ّ‬
‫واﻝﺜﻘ ـ ــﺎﻓﻲ ‪ ...‬وﻫ ـ ــذا ﻜﻠّـ ــﻪ ﻴ ـ ــدﺨل ﻓ ـ ــﻲ ﺠ ـ ــوﻫر اﻝد ارﺴ ـ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ـ ــﺔ وأﻫ ـ ــداﻓﻬﺎ ‪.‬وﻫﻜ ـ ــذا‪ ،‬ﺘُﺸـ ـ ـ ّﻜل‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻤــﻊ اﻝﻌﻠــوم اﻷﺨـرى‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ اﻝﻌﻠــوم اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﻤﻨظوﻤـﺔ ﻤــن اﻝﻤﻌــﺎرف واﻝﻤوﻀــوﻋﺎت‬
‫اﻝﺘﻲ ﺘدور ﺤول ﻜﺎﺌن ﻤوﻀوع اﻝدراﺴﺔ‪ ،‬وﻫو اﻹﻨﺴﺎن‪ .‬وﻴﺄﺘﻲ ﻫذا اﻝﺘﺸﺎﺒك )اﻝﺘﻜﺎﻤل( ﺒﻴن ﻫـذﻩ اﻝﻌﻠـوم‬
‫ﺒــﺎﻝﻨظر إﻝــﻰ ﺘﻠــك اﻷطــر اﻝﻤﻌرﻓﻴــﺔ واﻝﻤﻨــﺎﻫﺞ اﻝﺘﺤﻠﻴﻠﻴــﺔ‪ ،‬اﻝﺘــﻲ ﺘــﻨظّم اﻝﻌﻼﻗــﺔ اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝــﺔ واﻝﻤﺘﻜﺎﻤﻠــﺔ ﺒــﻴن‬
‫اﻝﻤﺠﺎﻻت اﻝﻤﻌرﻓﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺴﻌﻰ إﻝﻴﻬﺎ ﻫذﻩ اﻝﻌﻠوم‪.‬‬

‫اﻝﻤﺤور اﻝﺜﺎﻨﻲ‬

‫اﻻﺘﺠﺎﻫﺎت اﻝﻤﻌﺎﺼرة ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأﻫم ﻓروﻋﻬﺎ‬

‫‪21‬‬
‫اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝراﺒﻌﺔ‪ :‬دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ واﺘﺠﺎﻫﺎﺘﻬﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼرة‬

‫ﺘﻤﻬﻴد‬

‫ﺘﺘم‬
‫ﻝم ﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻗﺒل اﻝﻨﺼف اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن‪ ،‬ﺘﻘﺴﻴﻤﺎت وﻓروﻋﺎً‪ ،‬إذ ﻜﺎﻨت ّ‬
‫ﻷﻏراض ﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻝﺒﺎﺤث أو ﻤن ﻴﻜﻠّﻔﻪ‪ ،‬ﻜدراﺴﺔ ﺤﻴﺎة ﺒﻌض اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت أو ﻤﻜوﻨﺎﺘﻬﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ‪.‬‬
‫وﻤ ــﻊ اﻨطﻼﻗﺘﻬ ــﺎ ﻓ ــﻲ اﻝﺴ ــﺘﻴﻨﺎت واﻝﺴ ــﺒﻌﻴﻨﺎت ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن‪ ،‬ﺤﻴ ــث أﺨ ــذت ﺘﺘﺒﻠ ــور ﻤﺒﺎدﺌﻬ ــﺎ‬
‫ﺠﺎدة ﻝﺘوﺼﻴﻔﻬﺎ ﻜﻌﻠم ﺨﺎص‪ ،‬وﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ وﻀـﻊ ﺘﻘﺴـﻴﻤﺎت ﻝﻬـﺎ وﻓـروع ﻤـن‬ ‫ﺜﻤﺔ ﻤﺤﺎوﻻت ّ‬ ‫وأﻫداﻓﻬﺎ‪ ،‬ﻜﺎﻨت ّ‬
‫أﺠــل ﺘﺤﻘﻴــق اﻝﻤﻨﻬﺠﻴــﺔ اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴــﺔ ﻤــن ﺠﻬــﺔ‪ ،‬واﻝﺸــﻤوﻝﻴﺔ اﻝﺒﺤﺜﻴــﺔ اﻝﺘﻜﺎﻤﻠﻴــﺔ ﻤــن ﺠﻬــﺔ أﺨــرى‪ .‬ﻓظﻬــرت‬
‫ﻨﺘﻴﺠــﺔ ذﻝــك ﺘﺼــﻨﻴﻔﺎت ﻤﺘﻌـ ّـددة‪ ،‬اﺴــﺘﻨد ﺒﻌﻀــﻬﺎ إﻝــﻰ طﺒﻴﻌــﺔ اﻝد ارﺴــﺔ وﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻬــﺎ‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤــﺎ اﺴــﺘﻨد ﺒﻌﻀــﻬﺎ‬
‫اﻵﺨر إﻝﻰ أﻫداﻓﻬﺎ ‪.‬‬
‫ﻤﻘدﻤـﺔ ﻓــﻲ اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ " اﻝﺼــﺎدر ﻋــﺎم‬
‫ﻗﺴــﻤﻬﺎ ) ارﻝــف ﺒـدﻨﺠﺘون( ﻓــﻲ ﻜﺘﺎﺒــﻪ " ّ‬
‫ﻓﻘـد ّ‬
‫‪، 1960‬إﻝﻰ ﻗﺴﻤﻴن أﺴﺎﺴﻴﻴن ‪) :‬اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﻀوﻴﺔ أو اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ‪ ،‬واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ (‪.‬‬
‫ﻗﺴـﻤﻬﺎ ﻓـﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ " اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ " اﻝﺼـﺎدر ﻋـﺎم ‪ ،1972‬إﻝـﻰ ﺜﻼﺜـﺔ‬
‫أﻤﺎ ) ﺒﺎرﻨو ( ﻓﻘـد ّ‬
‫ّ‬
‫أﻗﺴﺎم‪ ،‬ﻫﻲ ‪) :‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴﺔ‪ ،‬اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ أو اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ واﻝﺸﺨﺼـﻴﺔ‪ ،‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ (‪.‬‬
‫أن اﻻﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴــﺔ‪ ،‬ﻫـﻲ أﻗـرب إﻝــﻰ اﻝﻤـﻨﻬﺞ اﻝﺒﺤﺜـﻲ وﻝﻴﺴــت ﻓرﻋـﺎً ﻤـن ﻋﻠــم‬ ‫ٕواذا اﻋﺘﺒرﻨـﺎ ّ‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬وﻤــن ﺜـ ّـم ﻗﻤﻨــﺎ ﺒﻌﻤﻠﻴــﺔ ﺘوﻝﻴــف ﺒــﻴن اﻷﻗﺴــﺎم اﻷﺨــرى ﻓــﻲ اﻝﺘﺼــﻨﻴﻔﻴن اﻝﺴــﺎﺒﻘﻴن‪ ،‬أﻤﻜﻨﻨــﺎ‬
‫اﻝوﺼ ــول إﻝ ــﻰ اﻝﺘﺼ ــﻨﻴف اﻝﺘ ــﺎﻝﻲ اﻝ ــذي ﻴﻀ ـ ّـم أرﺒﻌ ــﺔ ﻓ ــروع )أﻗﺴ ــﺎم( رﺌﻴﺴ ــﺔ ﺘﺸ ــﻤل اﻝﺠواﻨ ــب اﻝﻤﺘﻌﻠّﻘ ــﺔ‬
‫ﺒﺎﻹﻨﺴــﺎن ) اﻝﻔــرد واﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ(‪ ،‬وﻫــﻲ ‪) :‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻌﻀــوﻴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ ‪ ،‬اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻨﻔﺴـ ّـﻴﺔ‪،‬‬
‫ﺘﻌرف ﻓﻴﻤــﺎ ﻴﻠــﻲ ﻋﻠــﻰ ﻜ ـ ّل ﻓــرع ﻤــن ﻫــذﻩ‬‫اﻷﻨﺜروﺒوﺒوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‪ ،‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ (‪ .‬وﺴــﻨ ّ‬
‫اﻝﻔروع‪.‬‬

‫أوﻻً‪-‬اﻝﺒداﻴﺎت اﻷوﻝﻰ ﻝدراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ‪:‬‬


‫ﺸ ــﻬد اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ﻤ ارﺤ ــل ﺘﻜ ــوﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ وﺘطوﻴرﻫ ــﺎ‪ ،‬ﻝﺘﺼ ــﺒﺢ ﻜﻴﺎﻨـ ـﺎً أﻜﺎدﻴﻤﻴـ ـﺎً وﻤﻬﻨ ــﺔ‬
‫أن اﻝﻔﻜـر اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ ﻗـد‬ ‫ﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ﻋﻨد ﻜﺜﻴر ﻤن اﻝﻌﻠﻤﺎء واﻝﻔﻼﺴﻔﺔ واﻝﺒـﺎﺤﺜﻴن‪ .‬ﻓﻌﻠـﻰ اﻝـرﻏم ﻤـن ّ‬ ‫ّ‬
‫ظـ ـ ّل ﺨ ــﻼل اﻝﻌﻘ ــدﻴن اﻷوﻝﻴ ــﻴن ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن‪ ،‬ﻤﺘ ــﺄﺜّ اًر إﻝ ــﻰ ﺤ ـ ّـد ﺒﻌﻴ ــد‪ ،‬ﺒﺎﻝﻨظرﻴ ــﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﺴ ــﺎدت‬
‫ﺘﻐﻴـر وﺘﺤ ّـول إﻝـﻰ ﻤﻨطﻠﻘـﺎت‬ ‫ﻓﺈﻨـﻪ ﺴـرﻋﺎن ﻤـﺎ ّ‬ ‫وﺘﺒﻠورت ﻓـﻲ اﻝﺴـﻨوات اﻷﺨﻴـرة ﻤـن اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر‪ّ ،‬‬
‫ﺠدﻴــدة‪ ،‬ﻨــﺘﺞ ﻋﻨﻬــﺎ اﺘّﺠﺎﻫــﺎت ﻤﺘﻌـ ّـددة إزاء د ارﺴــﺔ اﻹﻨﺴــﺎن وﺤﻀــﺎرﺘﻪ‪ ،‬ﺴ ـواء ﻤــﺎ ﻜــﺎن ﻤﻨﻬــﺎ ﻨظرﻴ ـﺎً أو‬
‫‪56‬‬
‫ﻤﻨﻬﺠﻴﺎً‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻝﻌﻠﻤﻲ اﻝذي ﻨﺸط ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر‪ ،‬وﺘﺒﻠـور ﻓـﻲ ﻤﺠـﺎﻻت ﻤﺘﻌ ّـددة‪ ،‬دﻓـﻊ اﻝﻌﻘـل‬ ‫ّ‬
‫اﻝﺘوﺼــل إﻝــﻰ‬
‫ّ‬ ‫اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ إﻝــﻰ ﻨﺒــذ اﻝﻔﻜــر اﻝﻔﻠﺴــﻔﻲ اﻝــذي ﻜــﺎن ﻴــﺘﺤﻔّظ ﻋﻠــﻰ ﻗــدرة اﻝﻌﻘــل اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ ﻓــﻲ‬
‫اﻝﺤﻘﻴﻘ ــﺔ اﻝﻤطﻠﻘ ــﺔ‪ .‬وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ ﻨ ــﺘﺞ ﻋﻨ ــﻪ ﻗ ــﻴم ﻓﻜرﻴ ــﺔ ﺠدﻴ ــدة ﺘ ــدﻋو إﻝ ــﻰ اﻝﻨظ ــر إﻝ ــﻰ اﻝﻌﻘ ــل واﻝﻤﻨط ــق‬

‫‪22‬‬
‫اﻝﻤﺤﺴوس‪ ،‬واﻝواﻗﻊ اﻝﻤﻠﻤوس ﻜﺄدوات ﻝﻠﻤﻌرﻓﺔ‪ ،‬ﻜﻤﺎ ﺘدﻋو إﻝﻰ اﻝﺘﻔﺎؤل ﺒﻤﺴﺘﻘﺒل اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪.‬‬
‫إﻻّ أن أﺤــداث اﻝﺤــرب اﻝﻌﺎﻝﻤﻴــﺔ اﻷوﻝــﻰ وﻨﺘﺎﺌﺠﻬــﺎ اﻝﺴــﻠﺒﻴﺔ ﻋﻠــﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ‪ ،‬ﺒـ ّـددت ﻫــذا‬
‫اﻝﺘﻔﺎؤل‪ ،‬وأﺤﻠّت ﻤﺤﻠّـﻪ اﻝﻨظـرة اﻝﺘﺸـﺎؤﻤﻴﺔ‪ .‬وﻫـذا ﻤـﺎ ﺒـدا ﻓـﻲ ﻨظـرة اﻝﻔﻼﺴـﻔﺔ إﻝـﻰ ﻤﺸـﻜﻼت اﻹﻨﺴـﺎن ﻓـﻲ‬
‫أن اﻝﻤﺴـﺘﻘﺒل ﺼـﻌب وﻤظﻠـم ﻤـﻊ ظﻬـور اﻝﻨﺎزﻴـﺔ‬ ‫ﺤد اﻋﺘﻘﺎد ﺒﻌﻀﻬم ّ‬ ‫ﻫذا اﻝﻘرن )اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن (‪ ،‬إﻝﻰ ّ‬
‫ﻓــﻲ أﻝﻤﺎﻨﻴــﺎ‪ ،‬واﻝﻔﺎﺸــﻴﺔ ﻓــﻲ إﻴطﺎﻝﻴــﺎ‪ .‬وﺒﻠــﻎ ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ ذروﺘــﻪ ﻓﻴﻤــﺎ ﻋــرف ﺒﺎﻝﺤرﻜــﺔ) اﻝوﺠودﻴــﺔ( اﻝﺘــﻲ‬
‫ﺸﺎﻋت ﻓﻲ ﻓرﻨﺴﺎ‪ ،‬وﻋﻠﻰ رأﺴﻬﺎ) ﺠﺎن ﺒول ﺴﺎرﺘر( اﻝذي ﻋﺎش ﻤﺎ ﺒﻴن )‪(1980 -1905‬‬
‫وﺒــرز ﻤﻘﺎﺒ ـل ﻫــذا اﻻﺘﺠــﺎﻩ اﻝﺘﺸــﺎؤﻤﻲ‪ ،‬اﺘﺠــﺎﻩ آﺨــر اﺘّﺼــف ﺒﺎﻝﺘﻔــﺎؤل‪ ،‬ﻜــﺎن ﻤــن أﺒــرز رواّدﻩ ﻓــﻲ‬
‫أﻤرﻴﻜ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ اﻝﻔﻴﻠﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف اﻝﺘرﺒ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوي ) ﺠ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون دﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوي ( اﻝ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ﻋ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎش ﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ ﺒ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻴن‬
‫وﺘﺒﻨــﻰ ﻓﻴــﻪ ﻤوﻗﻔـﺎً ﺼـرﻴﺤﺎً‬ ‫)‪ .(1952-1859‬ﻓﻘــد أﺼــدر ﻜﺘﺎﺒــﻪ اﻝﺸــﻬﻴر " إﻋــﺎدة اﻝﺒﻨــﺎء ﻓــﻲ اﻝﻔﻠﺴــﻔﺔ " ّ‬
‫ﻤﻨﺎﻫﻀﺎً ﻝﻠﻔﻠﺴﻔﺔ اﻝﻤﻴﺘﺎﻓﻴزﻴﻘﻴﺔ ‪.‬‬
‫ودﻋ ــﺎ ﻓﻴ ــﻪ إﻝ ــﻰ ﻀ ــرورة اﻻﻫﺘﻤ ــﺎم ﺒﺎﻝﺒﺤ ــث ﻋ ــن اﻝﻘ ــوى اﻝﻤﻌﻨوﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﺘﺤ ـ ّـرك ﻤﻨﺎﺸ ــط اﻹﻨﺴ ــﺎن‪،‬‬
‫أن ﻝدى ﻫذا اﻹﻨﺴﺎن اﻝﻜﺜﻴر ﻤن اﻹﻤﻜﺎﻨﺎت واﻝﻘـدرات اﻝﺘـﻲ ﻴﻤﻜﻨـﻪ ﺒواﺴـطﺘﻬﺎ اﻝﺨـروج‬ ‫ﻻﻋﺘﻘﺎد) دﻴوي( ّ‬
‫ﻤن أزﻤﺘﻪ اﻝراﻫﻨﺔ ‪ ..‬ﻜﻤﺎ ﺘﺴﺎﻋدﻩ ﻓﻲ ﻤﺸـﻜﻼﺘﻪ اﻝﺤﻴﺎﺘﻴـﺔ اﻝﻤﺘ ازﻴـدة‪ ،‬دون اﻝﻠﺠـوء إﻝـﻰ ﻗـوى ﺨﺎرﺠـﺔ ﻋـن‬
‫ﻨطﺎق اﻝطﺒﻴﻌﺔ ‪.‬‬
‫وﻜ ــﺎن ﻝﻠ ــدﻴن أﻴﻀـ ـﺎً ﺘﺄﺜﻴ ارﺘ ــﻪ ﻓ ــﻲ ﺘﺸ ــﻜﻴل اﻝﻔﻜ ــر اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻲ ﻓ ــﻲ اﻝﻌﻘ ــود اﻷوﻝ ــﻰ ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن‬
‫أن ذﻝ ــك اﻝﺘ ــﺄﺜﻴر ﺘﻀ ــﺎءل أﻤ ــﺎم ﺘﻌ ــﺎظم اﻝﺘﻴ ــﺎرات‬
‫اﻝﻌﺸـ ـرﻴن‪ ،‬وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻠ ــﻰ اﻝ ــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‪ .‬إﻻّ ّ‬
‫اﻝﺘﺤررﻴﺔ وﻤﺎ راﻓﻘﻬﺎ ﻤـن إﻨﺠـﺎزات ﻋﻠﻤﻴـﺔ ﻫﺎﺌﻠـﺔ‪ ،‬اﻷﻤـر اﻝـذي ﺤـدا ﺒﺎﻝﻜﻨﻴﺴـﺔ ﻓـﻲ ﺒداﻴـﺔ اﻝﻨﺼـف اﻝﺜـﺎﻨﻲ‬ ‫ّ‬
‫ﺘﻘﺒـل ﻓﻜـرة اﻝﺤـوار وﺤرﻴـﺔ اﻝﻤﻨﺎﻗﺸـﺔ ﻓـﻲ اﻷﻤـور اﻝدﻴﻨﻴـﺔ واﻝدﻨﻴوﻴـﺔ ﺒﻌﻴـداً ﻋـن‬ ‫ّ‬ ‫ـﻰ‬ ‫ﻝ‬ ‫إ‬ ‫ﻴن‪،‬‬
‫ر‬ ‫اﻝﻌﺸ‬ ‫اﻝﻘرن‬ ‫ﻤن‬
‫اﻷﺴﺎﻝﻴب اﻝﻘﻤﻌﻴﺔ اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ‪.‬‬
‫أﺴﺎﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ﻋﺎﻤﺔ‪ ،‬وﻓـﻲ اﻝﻔﻜـر اﻷﻨﺜرﺒوﻝـوﺠﻲ‬ ‫ّ‬ ‫وﻫﻜذا‪ ،‬ﺸ ّﻜل ﻫذا اﻝﻌﻠم دﻋﺎﻤﺔ‬
‫ﺨﺎﺼــﺔ‪ ،‬ﺤﻴــث ﻜــﺎن وﺜﻴــق اﻝﺼــﻠﺔ ﺒــﺎﻝﻔﻜر اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ واﻝﻘﻀــﺎﻴﺎ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ اﻝﺘــﻲ أﺴــﻬﻤت ﻓــﻲ ﺘﺤدﻴــد‬
‫ﻤوﻀوﻋﺎت اﻝدراﺴﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ‪ ،‬وﻤﻨﺎﻫﺠﻬﺎ وأﻫداﻓﻬﺎ ‪.‬‬

‫ﺜﺎﻨﻴﺎً‪-‬اﻻﺘّﺠﺎﻫﺎت اﻝﻤﻌﺎﺼرة ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ‪:‬‬


‫اﻝﺘطورﻴﺔ اﻝﺘﻲ ظﻬرت ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸر‪ ،‬اﻨﺘﻘﺎدات واﺴﻌﺔ ﺒﺎﻋﺘﺒﺎرﻫـﺎ اﺴـﺘﻨدت‬‫ّ‬ ‫ﻻﻗت اﻝﻨظرﻴﺔ‬
‫ـﺤﺔ‬
‫إﻝﻰ اﻝﺤـدس واﻝﺘﺨﻤـﻴن‪ ،‬وﺘﻌﻤـﻴم اﻷﺤﻜـﺎم اﻝﻤطﻠﻘـﺔ ﻋﻠـﻰ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﻤـن دون أن ﺘﺜﺒـت ﺼ ّ‬
‫ذﻝك ﺒﺎﻝﺒراﻫﻴن أو اﻝﻘراﺌن اﻝﻌﻤﻠﻴﺔ اﻝواﻗﻌﻴﺔ‪.‬‬
‫وﻝــذﻝك‪ ،‬ﺒــدأت ﺘﻀــﻤﺤ ّل ﺘــدرﻴﺠﻴﺎً ﻤــﻊ ﺒداﻴــﺔ اﻝﻘــرن اﻝﻌﺸ ـرﻴن‪ ،‬ﻝﺘﺤ ـ ّل ﻤﺤﻠّﻬــﺎ أﻓﻜــﺎر ﻨظرﻴــﺔ ﺠدﻴــدة‬
‫ﺘطورﻫــﺎ‪ .‬ﻓﻜــﺎن أن ظﻬــرت ﺨــﻼل اﻝرﺒــﻊ‬ ‫وﻤﻜوﻨﺎﺘﻬــﺎ و ّ‬ ‫ّ‬ ‫ﻝد ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﻤــن ﺤﻴــث ﻨﺸــوؤﻫﺎ‬
‫ﺌﻴﺴﻴﺔ ﻤﺘﻔﺎﻋﻠﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ‪ ،‬رّﻜزت ﻓﻲ دراﺴﺎﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺘﻨـﺎول‬ ‫اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ﺜﻼﺜﺔ اﺘﺠﺎﻫﺎت ر ّ‬
‫اﻝﻌﻠــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‪ ،‬ﺒﺄﺴﺴ ــﻬﺎ وﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻬ ــﺎ وأﻫــداﻓﻬﺎ‪ .‬وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ أﺴ ــﻬم ﺒﻔﺎﻋﻠﻴــﺔ ﻓ ــﻲ إرﺴ ــﺎء دﻋ ــﺎﺌم ﻋﻠ ــم‬
‫اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼر ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪-1‬اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ ‪:‬‬
‫ـﻨﻘدم ﻓﻴﻤـﺎ ﻴﻠـﻲ‬
‫وﻴﻘﺴم إﻝﻰ ﻗﺴﻤﻴن ‪ :‬اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌـﻲ ‪ ،‬واﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴـﻲ‪ .‬وﺴ ّ‬
‫ﻋرﻀﺎً ﻤوﺠ اّز ﻝﻜ ّل ﻤﻨﻬﻤﺎ ‪.‬‬
‫أن اﻝﻔﻜــر اﻝﺘطـ ّـوري ﻝﻠﺤﻀــﺎرات اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬أﺼــﺒﺢ‬‫أ‪ -‬اﻻ ﺘّﺠـــﺎﻩ اﻝﺘـــﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌـــﻲ ‪ :‬ذﻜرﻨــﺎ ّ‬
‫ﺴــﺎﺌداً ﻓــﻲ اﻝﻨﺼــف اﻝﺜــﺎﻨﻲ ﻤــن اﻝﻘــرن اﻝﺘﺎﺴــﻊ ﻋﺸــر‪ ،‬ﺤﻴــث ﺒــدأت ﺘﺘﺒﻠــور اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ‬
‫أن ﻨﺸــﺄة اﻝﺤﻀــﺎرة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬــﺎ‬
‫‪.‬وظﻬــر إﻝــﻰ ﺠﺎﻨﺒــﻪ أﻴﻀ ـﺎً اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎري اﻝــذي ﻴﻌﺘﻤــد ﻋﻠــﻰ ّ‬
‫ﺘرﺠﻊ إﻝﻰ ﻤﺼدر )ﻤﺠﺘﻤﻊ( واﺤد‪ ،‬وﻤﻨﻪ اﻨﺘﺸرت إﻝﻰ أﻤﺎﻜن أﺨرى ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝم ‪.‬‬
‫وﻴوﺠــد اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎري ﻓــﻲ ﻜـ ّل ﻤــن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ٕ ،‬وان‬
‫ﺨﺎﺼﺎّ ﻓﻲ ﻜ ّل ﻤﻨﻬﻤﺎ‪ .‬ﻓﺘطﺒﻴق اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸﺎري ﻓﻲ ﻤﺠﺎل اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻴﺘﻌﻠّق‬ ‫ّ‬ ‫أﺨذ طﺎﺒﻌﺎً‬
‫ﺒﺠﻤــﻊ اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‪ ،‬ﺒﻤــﺎ ﻓــﻲ ذﻝــك ﻤــن اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺘﻜﻨوﻝوﺠﻴــﺔ واﻝﻔﻜرﻴــﺔ‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴﻘﺘﺼــر ﻓــﻲ ﻤﺠــﺎل‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ اﻝﻌﻼﻗــﺎت واﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻝﺴــﺎﺌدة ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ‪ ،‬واﻝﺘــﻲ ﺘﺸــﻤل‬
‫ﺒﻌض اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬وﻻ ﺘﺸﻤﻠﻬﺎ ﻜﻠّﻬﺎ ‪.‬‬
‫أن اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻜﺜﻴ اًر ﻤﺎ ﺘﺴﺘﻌﺎر أو ﺘﻨﻘل ﻤن ﻤﻜﺎن‬ ‫وﻴﻘوم اﻻﺘﺠﺎﻩ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻤﺒدأ ﻫﺎم‪ ،‬وﻫو ّ‬
‫ﻓﺈن ﺘﺸﺎﺒﻪ اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﻌﺎدات‪ ،‬ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻝواﺤد أو ﻓﻲ‬ ‫إﻝﻰ ﻤﻜﺎن آﺨر‪ .‬وﺒﻨﺎء ﻋﻠﻰ ذﻝك‪ّ ،‬‬
‫اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻻ ﻴﻨﺸﺄ ﻋﻠﻰ ﻨﺤـو ﺘﻠﻘـﺎﺌﻲ‪ٕ ،‬واّﻨﻤـﺎ ﻨـﺎﺘﺞ ﻋـن اﻝﺘﺸـﺎﺒﻪ ﻓـﻲ اﻹﻤﻜﺎﻨـﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‬
‫‪57‬‬
‫اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ واﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫ـﺘﻤر اﻫﺘﻤــﺎم اﻝﺒــﺎﺤﺜﻴن ﺒﺎﺴــﺘﺨدام اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ ﻓــﻲ ﺘﻔﺴــﻴر ظــﺎﻫرة‬
‫وﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ذﻝــك‪ ،‬اﺴـ ّ‬
‫اﻝﺘﺒﺎﻴن ﺒﻴن اﻝﺤﻀﺎرات ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪ .‬واﻋﺘﻤد ﻫذا اﻻﺘّﺠﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﻤﺒدأﻴن اﺜﻨﻴن ‪.‬‬
‫أن اﻻﺘّﺼﺎل ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻜﺎن ﺒﻔﻌل اﻻﺤﺘﻜـﺎك اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀـﺎري‪ ،‬اﻝﻤﺒﺎﺸـر‬
‫أوﻝﻬﻤﺎ ‪ّ :‬‬
‫وﻏﻴر اﻝﻤﺒﺎﺸر‪.‬‬
‫اﻝﻤﻜوﻨــﺎت )اﻝﺨﺼـﺎﺌص( اﻝﺤﻀــﺎرﻴﺔ أو ﻜﻠّﻬــﺎ‪ ،‬ﻤــن ﻤﺼــﺎدرﻫﺎ‬ ‫ّ‬ ‫وﺜﺎﻨﻴﻬﻤــﺎ ‪ :‬ﻋﻤﻠﻴـﺔ اﻨﺘﺸــﺎر ﺒﻌــض‬
‫اﻷﺼﻠﻴﺔ إﻝﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى‪ ،‬ﺴواء ﺒﺎﻝرﺤﻼت اﻝﺘﺠﺎرﻴﺔ أو ﺒﺎﻝﻜﺸـوف أو ﺒـﺎﻝﺤروب‬
‫واﻻﺴ ــﺘﻌﻤﺎر‪ .‬وﻫ ــذان اﻝﻤﺒ ــدآن ﻤﺘﻜ ــﺎﻤﻼن ﻓ ــﻲ د ارﺴ ــﺔ اﻝظـ ـواﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ‪ ،‬وﻴﻤﻜ ــن ﻤ ــن‬
‫ﺨﻼﻝﻬﻤﺎ ﺘﻔﺴﻴر اﻝﺘﺒﺎﻴن اﻝﺤﻀﺎري ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب ‪.‬‬
‫وﻗــد اﻋﺘﻤــد ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ ﻤﻨﻬﺠ ـﺎً ﺘﺎرﻴﺨﻴ ـﺎً –ﺠﻐراﻓﻴ ـﺎً‪ ،‬ﻗــﺎدﻩ اﻷﻝﻤــﺎﻨﻲ )ﻓرﻴــدرﻴك ارﺘ ـزال ( اﻝــذي رّﻜــز‬
‫أﻫﻤﻴﺔ اﻻﺘّﺼﺎﻻت واﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ودورﻫﺎ ﻓﻲ ﻨﻤو اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﺨﺎﺼـﺔ‬ ‫ﻋﻠﻰ ّ‬
‫واﻝﻌﺎﻤ ــﺔ ‪.‬وﺘﺒﻌ ــﻪ ﻓ ــﻲ ذﻝ ــك ﺘﻼﻤذﺘ ــﻪ‪ ،‬وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ) ﻫ ــوﻴﻨرﻴﺦ ﺸ ــورﺘز( اﻝ ــذي أﺒ ــرز ﻓﻜـ ـرة وﺠ ــود ﻋﻼﻗ ــﺎت‬
‫ﺤﻀــﺎرﻴﺔ ﺒــﻴن اﻝﻌــﺎﻝم اﻝﻘــدﻴم )إﻨدوﻨﻴﺴــﻴﺎ وﻤﺎﻝﻴزﻴــﺎ( واﻝﻌــﺎﻝم اﻝﺠدﻴــد )أﻤرﻴﻜــﺎ( ‪.‬وﻜــذﻝك )ﻝﻴــوﻓرو ﺒﻴﻨﻴــوس (‬
‫ﺼﺎﺤب ﻨظرﻴﺔ )اﻻﻨﺘﺸﺎر اﻝﺤﻀﺎري( ﺒﻴن إﻨدوﻨﻴﺴﻴﺎ وأﻓرﻴﻘﻴﺎ‪.‬‬
‫واﻨطﻼﻗـ ـﺎً ﻤ ــن ﻫ ــذا اﻻﺘّﺠ ــﺎﻩ‪ ،‬ظﻬ ــرت ﻓ ــﻲ أوروﺒ ــﺎ ﻨظرﻴﺘ ــﺎن ﻤﺨﺘﻠﻔﺘ ــﺎن ﺤ ــول اﻝﺘﻔﺴ ــﻴر اﻻﻨﺘﺸ ــﺎري‬
‫ﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‪.‬‬
‫اﻝﻨظرﻴﺔ اﻷوﻝﻰ ‪ :‬ﻫﻲ اﻝﻨظرﻴﺔ اﻻﻨﺘﺸﺎرﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﻌﺘﻤد اﻷﺼل اﻝﻤرﻜزي اﻝواﺤد ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺤﻀـﺎرة ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ﺴــﺎدت ﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ ﻓــﻲ إﻨﻜﻠﺘ ـرا‪ ،‬وأرﺠﻌــت ﻨﺸــﺄة اﻝﺤﻀــﺎرة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬــﺎ إﻝــﻰ ﻤﺼــدر واﺤــد‪ ،‬وﻤﻨــﻪ‬
‫اﻨﺘﺸرت إﻝﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ اﻷﺨرى‪.‬‬
‫رواد ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ‪ ،‬ﻋﺎﻝم اﻝﺘﺸرﻴﺢ ) إﻝﻴوت ﺴﻤﻴث ( وﺘﻠﻤﻴـذﻩ ) وﻝـﻴم ﺒﻴـري ( اﻝﻠـذان أرﻴـﺎ‬ ‫وﻜﺎن ﻤن ّ‬
‫أن اﻝﺤﻀــﺎرة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﻨﺸــﺄت وازدﻫــرت ﻋﻠــﻰ ﻀــﻔﺎف اﻝﻨﻴــل ﻓــﻲ ﻤﺼــر اﻝﻘدﻴﻤــﺔ‪ ،‬ﻤﻨــذ ﺤـواﻝﻲ ﺨﻤﺴــﺔ‬
‫ّ‬
‫آﻻف ﺴﻨﺔ ﻗﺒل اﻝﻤﻴﻼد ‪.‬‬
‫وﻋﻨدﻤﺎ ﺘواﻓرت اﻝظـروف اﻝﻤﻨﺎﺴـﺒﺔ ﻝﻠﺘواﺼـل ﺒـﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋـﺎت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ‪ ،‬ﺒـدأت ﺒﻌـض ﻤظـﺎﻫر ﺘﻠـك‬
‫اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ ﺘﻨﺘﻘــل إﻝــﻰ أرﺠــﺎء ﻤﺘﻌـ ّـددة ﻤــن اﻝﻌــﺎﻝم‪ ،‬ﺤﻴــث ﻋﺠــزت ﺸــﻌوﺒﻬﺎ ﻋــن اﻝﺘﻘـ ّـدم‬
‫‪58‬‬
‫ﺘﻌوض ﻋن ذﻝك اﻝﻌﺠز ﺒﺎﻻﺴﺘﻴراد واﻝﺘﻘﻠﻴد‪.‬‬ ‫اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ واﻻﺒﺘﻜﺎر اﻝﺤﻀﺎري‪ ،‬ﻓراﺤت ّ‬
‫ﻝﻘ ــد ﻨ ــﺎل ) إﻝﻴ ــوت ﺴ ــﻤﻴث ( ﺸ ــﻬرة ﻜﺒﻴـ ـرة ﻋ ــن ﺠ ــدارة‪ ،‬ﻨﺘﻴﺠ ــﺔ أﺒﺤﺎﺜ ــﻪ ﻋ ــن اﻝﻤ ــﺦ ود ارﺴ ــﺎﺘﻪ ﻓ ــﻲ‬
‫ـب ﻓ ــﻲ إﺤ ــدى ﻓﺘـ ـرات ﺤﻴﺎﺘ ــﻪ ﻋﻠ ــﻰ‬ ‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺔ اﻝﻘدﻴﻤ ــﺔ )‪ ،(Paleo-anthropology‬ﺤﻴ ــث اﻨﻜ ـ ّ‬
‫د ارﺴ ــﺔ اﻝﻤ ــﺦ ﻓ ــﻲ اﻝﻤوﻤﻴ ــﺎء اﻝﻤﺼـ ـرﻴﺔ‪ .‬وﻗﺎدﺘ ــﻪ أﺒﺤﺎﺜ ــﻪ ﻫ ــذﻩ إﻝ ــﻰ اﻹﻗﺎﻤ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻤﺼ ــر‪ ،‬ﺤﻴ ــث أدﻫﺸ ــﺘﻪ‬
‫أن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ‪ ،‬ﺘﻀـ ّـم‬ ‫اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ‪ .‬وأﺨــذ‪ ،‬ﻜﻤــﺎ ﻓﻌــل اﻝﻌدﻴــدون‪ ،‬ﻴﻼﺤــظ ّ‬
‫أن ﻝﻬــﺎ ﻤــﺎ ﻴوازﻴﻬــﺎ ﻓــﻲ ﺜﻘﺎﻓــﺎت ﺒﻘــﺎع أﺨــرى ﻤــن اﻝﻌــﺎﻝم‪ ،‬وﻗﻠﺒــت ﻨظرﻴﺎﺘــﻪ اﻝﺠرﻴﺌــﺔ‪،‬‬‫ﻋﻨﺎﺼــر ﻜﺜﻴـرة ﻴﺒــدو ّ‬
‫ﺒﺄن اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﻤﺘﺸﺎﺒﻬﺔ ﻓﻲ ﺤوض‬ ‫اﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ ﻋن اﻝزﻤﺎن واﻝﻤﻜﺎن‪ .‬ﻓﻠم ﻴﻘﺘﺼر ﻋﻠﻰ اﻝﻘول ّ‬
‫أن‬
‫اﻝﺒﺤ ــر اﻷﺒ ــﻴض اﻝﻤﺘوﺴ ــط وأﻓرﻴﻘﻴ ــﺎ واﻝﺸ ــرق اﻷدﻨ ــﻰ واﻝﻬﻨ ــد‪ ،‬ﻤ ــن أﺼ ــل ﻤﺼ ــري‪ ،‬ﺒ ــل ذﻫ ــب إﻝ ــﻰ ّ‬
‫اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﻤﻤﺎﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺜﻘﺎﻓﺎت أﻨدوﻨﻴﺴﻴﺎ واﻷﻤرﻴﻜﺘﻴن‪ ،‬ﺘﻨﺒﻊ ﻤن اﻝﻤﺼدر اﻝﻤﺼري ذاﺘﻪ ‪.‬‬
‫أﻤــﺎ ) وﻝــﻴم ﺒﻴــري ( ﻓﻘــد أﻋطــﻰ ﻓــﻲ ﻜﺘﺎﺒــﻪ )أﺒﻨــﺎء اﻝﺸــﻤس( ﺸــرﺤﺎ ﻜــﺎﻤﻼً ﻝﻠﻨظرﻴــﺔ " اﻝﻬﻴﻠﻴوﻝﻴﺘﻴــﺔ‬ ‫ّ‬
‫‪ " Heliolithic‬وﻫ ــو اﻻﺴ ــم اﻝ ــذي أطﻠ ــق ﻋﻠ ــﻰ ‪ /‬اﻝﻤدرﺴ ــﺔ اﻻﻨﺘﺸ ــﺎرﻴﺔ ‪ /‬ﻋ ــن ﺘ ــﺎرﻴﺦ اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ‪ .‬ﻓﻌﻨـ ـوان‬
‫أن أﺼــﻠﻪ ﻓــﻲ ﻤﺼــر‪،‬‬ ‫اﻝﻤﺠﻤــﻊ اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ اﻝــذي ﺘــزﻋم ﻫــذﻩ اﻝﻤدرﺴــﺔ ّ‬
‫ّ‬ ‫اﻝﻜﺘــﺎب‪ ،‬ﻴﺸــﻴر إﻝــﻰ أﺤــد ﻋﻨﺎﺼــر‬
‫اﻝﻤﺠﻤــﻊ ﻫــﻲ ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ـﺄن اﻝﻤﻠــك اﺒــن اﻝﺸــﻤس‪ ،‬واﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻷﺨــرى ﻓــﻲ ﻫــذا‬ ‫وﻤﻨﻬــﺎ اﻨﺘﺸــر‪ ..‬وﻫــو اﻻﻋﺘﻘــﺎد ﺒـ ّ‬
‫‪59‬‬
‫اﻝﺘﺤﻨﻴط‪ ،‬ﺒﻨﺎء اﻷﻫراﻤﺎت‪ ،‬واﻝﻘﻴﻤﺔ اﻝﻜﺒرى ﻝﻠذﻫب واﻝﻶﻝﻰء‪.‬‬
‫أن ﺒﻨــﺎء اﻷﻫ ارﻤــﺎت أﻴﻀ ـﺎً ﻤــن ﻤﻨﺸــﺄ ﻤﺼــري‪ ،‬ﻜﻤــﺎ ﻫــﻲ‬
‫وﺘﻨطﻠــق ﺒ ـراﻫﻴن ) ﺴــﻤﻴث وﺒﻴــري ( ﻤــن ّ‬
‫اﻝﺤــﺎل ﻓــﻲ أﻫ ارﻤــﺎت اﻝﻤﻜﺴــﻴك‪ .‬وﻜــذﻝك اﻷﻤــر ﻓــﻲ اﺤﺘﻔــﺎظ اﻷﻓ ـرﻴﻘﻴﻴن ﺒﻌظــم ﺴــﺎق اﻝﻤﻠــك اﻝﻤﺘــوﻓّﻰ‪،‬‬
‫ﻻﺴﺘﻌﻤﺎﻝﻪ ﻓﻲ اﻝطﻘوس اﻝدﻴﻨﻴﺔ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻻﻨﺘﺸﺎر ﻋﺎدة اﻝﺘﺤﻨﻴط ﻋﻨد اﻝﻤﺼرﻴﻴن‪.‬‬
‫اﻝﻨظرﻴـــﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴـــﺔ ‪ :‬ﻫ ــﻲ اﻝﻨظرﻴ ــﺔ اﻻﻨﺘﺸ ــﺎرﻴﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﺘﻌﺘﻤ ــد اﻷﺼ ــل اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀ ــﺎري‪ ،‬اﻝﻤﺘﻌ ـ ّـدد‬
‫اﻝﻤراﻜز‪ .‬وﻜﺎن ﻤن دﻋﺎة ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ‪ ،‬ﻓرﻴق ﻤن اﻝﻌﻠﻤﺎء اﻷﻝﻤﺎن واﻝﻨﻤﺴﺎوﻴﻴن‪ ،‬وﻓﻲ طﻠﻴﻌﺘﻬم ) ﻓرﻴﺘـز‬
‫ﺠراﻴﻨور ( اﻝذي ﻋﺎش ﻓﻲ اﻝﻔﺘرة ﻤﺎ ﺒﻴن ‪ (1934-1875‬و)وﻝﻴم ﺸﻤﻴدت ( اﻝذي ﻋﺎش ﻓﻲ اﻝﻔﺘـرة ﻤـﺎ‬
‫ﺒﻴن )‪. (1959-1868‬‬
‫ﻷن ﻫـذﻩ اﻝﻔﻜـرة ﻀـرب‬ ‫ﻝﻘد رﻓض ﻫـذا اﻝﻔرﻴـق ﻓﻜـرة اﻝﻤﻨﺸـﺄ) اﻝﻤرﻜـز( اﻝواﺤـد ﻝﻠﺤﻀـﺎرة اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ّ ،‬‬
‫ﻤن اﻝﺨﻴﺎل أﻜﺜر ﻤن ﻗرﺒﻬﺎ إﻝﻰ اﻷﺴﺎس اﻝﻌﻠﻤﻲ‪ .‬واﻓﺘرﻀوا وﺠود ﻤراﻜز ﺤﻀـﺎرﻴﺔ أﺴﺎﺴـﻴﺔ وﻋدﻴـدة ‪،‬‬
‫ﻓــﻲ أﻤــﺎﻜن ﻤﺘﻔرﻗــﺔ ﻓــﻲ اﻝﻌــﺎﻝم‪ .‬وﻨﺸــﺄ ﻤــن اﻝﺘﻘــﺎء ﻫــذﻩ اﻝﺤﻀــﺎرات‪ ،‬ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻤــﻊ ﺒﻌــض‪ ،‬دواﺌــر ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‬
‫ﺘﻔﺎﻋﻠت ﺒﺒﻌض ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻻﻨﺼﻬﺎر واﻝﺘﺸﻜﻴﻼت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ‪.‬‬
‫وﻜﺎن ) وﻴﺴﻠر ( ّأول ﻤـن اﺴـﺘﻌﻤل )اﻝـداﺌرة اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ( ﺒﻬـذا اﻝﻤﻌﻨـﻰ‪ ،‬ﻓـﻲ ﺒﺤﺜـﻪ ﻋـن ﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻝﻬﻨـود‬
‫‪25‬‬
‫اﻷﻤ ـرﻴﻜﻴﻴن‪ .‬وﻻ ﻴ ـزال ﺘﻌرﻴﻔــﻪ ﻝﻬــذا اﻝﻤﻔﻬــوم ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﺘﻌدﻴﻠــﻪ‪ ،‬ﻤﻨــذ ذﻝــك اﻝوﻗــت ﻤﻔﻴــدا ﻓــﻲ ﻫــذا‬
‫اﻝﻤﺠ ـ ــﺎل‪ .‬ﻴﻘ ـ ــول ) وﻴﺴ ـ ــﻠر ( ‪ " :‬إذا أﻤﻜﻨﻨ ـ ــﺎ ﺘﺠﻤﻴ ـ ــﻊ ﺴ ـ ــﻜﺎن اﻝﻌ ـ ــﺎﻝم اﻝﺠدﻴ ـ ــد اﻷﺼ ـ ــﻠﻴﻴن‪ ،‬أي اﻝﻬﻨ ـ ــود‬
‫اﻷﻤـ ـرﻴﻜﻴﻴن‪ ،‬ﻓﺴﻨﺤﺼ ــل ﻋﻠ ــﻰ دواﺌ ــر ﻤﺘﻌ ـ ّـددة ‪ :‬دواﺌ ــر طﻌ ــﺎم‪ ،‬دواﺌ ــر ﻤﻨﺴ ــوﺠﺎت‪ ،‬ودواﺌ ــر ﺨ ــزف ‪...‬‬
‫وﺤوﻝﻨـﺎ اﻝوﺤـدات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ أو‬ ‫وﻏﻴرﻫﺎ‪ٕ .‬واذا أﺨذﻨﺎ ﻓﻲ اﻝﺤﺴﺒﺎن اﻝﻌﻨﺎﺼر ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ﻓـﻲ وﻗـت واﺤـد‪ّ ،‬‬
‫اﻝﻘﺒﻠﻴ ــﺔ‪ ،‬ﻴﻤﻜﻨﻨ ــﺎ أن ﻨﺠ ــد ﺠﻤﺎﻋ ــﺎت ﻤﺤ ـ ّـددة اﻝﻤﻌ ــﺎﻝم‪ ،‬وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ ﻴﻌطﻴﻨ ــﺎ اﻝ ــدواﺌر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ‪ ،‬أو ﺘﺼ ــﻨﻴﻔﺎً‬
‫‪60‬‬
‫ﻝﻠﺠﻤﺎﻋﺎت وﻓق ﻋﻨﺎﺼر ﺜﻘﺎﻓﺘﻬم "‪.‬‬
‫أن أﺼــﺤﺎب ﻫــذا‬ ‫ﻴﻔﺴــر أوﺠــﻪ اﻻﺨــﺘﻼف ﻋــن ﺘﻠــك اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﻤرﻜزﻴــﺔ اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ‪ .‬إﻻّ ّ‬‫وﻫــذا ﻤــﺎ ّ‬
‫اﻝ ـرأي ﻝــم ﻴﻘـ ّـدﻤوا اﻝــدﻻﺌل ﻋﻠــﻰ أﻤــﺎﻜن وﺠــود ﺘﻠــك اﻝﻤ ارﻜــز‪ ،‬أو ﻋﻤﻠﻴــﺎت ﺘﺘﺒــﻊ ﺤرﻜــﺎت اﻻﺘّﺼــﺎل ﻓﻴﻤــﺎ‬
‫‪61‬‬
‫ﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﺴﻠﻴﻤﺔ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ﺒﻴﻨﻬﺎ‪ ،‬ودراﺴﺔ اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ اﻝﻤﺘرﺘّﺒﺔ ﻋﻠﻰ ذﻝك‪ ،‬ﺒطرﻴﻘﺔ‬
‫ﻝﻘد ﻜﺎﻨت وﺠﻬﺔ ﻨظر اﻝﻤدرﺴﺔ )اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴـﺔ( اﻷﻝﻤﺎﻨﻴـﺔ – اﻝﻨﻤﺴـﺎوﻴﺔ‪ ،‬أﻜﺜـر ﻋﻤﻘـﺎً وﺘﻨﻤﻴﻘـﺎً‪..‬‬
‫وﻜﺎﻨت ﻋﻨﺎﻴﺘﻬﺎ ﺒﺎﺨﺘﻴﺎر ﻤﻌﺎﻴﻴر اﻝﺤﻜم ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻤﺔ وﻗﺎﺌﻊ اﻻﻗﺘﺒﺎس اﻝﻤﻔﺘرﻀﺔ‪ٕ ،‬واﺼ ارراﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻝﺤﻴطـﺔ‬
‫ﻓﻲ اﺴﺘﺨدام ﻤﺼﺎدر اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت‪ ،‬ودﻗّﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد ﺘﻌرﻴﻔﺎﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻏﻨﻰ وﺜﺎﺌﻘﻬﺎ‪ ،‬ﺘﺘﺠﺎوب ﻜﻠّﻬﺎ ﺘﻤﺎﻤﺎً ﻤﻊ‬
‫ﻤﺘطﻠّﺒﺎت اﻝﺒﺤث اﻝﻌﻠﻤﻲ اﻝدﻗﻴق‪ ،‬وﻝﻬذا ﻻﻗت ﻗﺒوﻻً واﺴﻌﺎً ‪.‬‬
‫ﺘﻘوم ﻨظرﻴﺔ اﻝﻤدرﺴﺔ )اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ – اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ( ﻓﻲ ﺠوﻫرﻫﺎ‪ ،‬وﻜﻤﺎ ﺸرﺤﻬﺎ زﻋﻴﻤﻬﺎ ) وﻝﻴم ﺸـﻤﻴدت (‪،‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﻨظرة ﺼوﻓﻴﺔ إﻝﻰ طﺒﻴﻌﺔ اﻝﺤﻴـﺎة ٕواﻝـﻰ اﻝﺘﺠرﺒـﺔ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ .‬ﻓﻘـد ﻨﺸـﺄت ﻫـذﻩ اﻝﻤدرﺴـﺔ ﻀـﻤن إطـﺎر‬
‫ﻓﻜري‪ ،‬واﺴﺘﺨدﻤت ﺘﻌﺒﻴرات وﻤﺼطﻠﺤﺎت ﺘﺨﺘﻠف اﺨﺘﻼﻓﺎً ﺠوﻫرﻴﺎً ﻋن اﻝﻨظرة اﻝﻌﻘﻼﻨﻴﺔ‪ ،‬وﻋن ﻤﻔردات‬
‫أﻏﻠـب اﻝﻤﻔ ّﻜـرﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻴﻴن ‪ ..‬وﻴظﻬــر ذﻝــك ﻓــﻲ ﻤﻨﺎﻗﺸـﺔ ) ﺸــﻤﻴدت ( ط ارﺌــق اﻝﺒﺤــث ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ‬
‫اﻝدواﺌر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬واﻝﺘﻲ ﺘﻘﺴم إﻝﻴﻬﺎ ﻫذﻩ اﻝﻤدرﺴﺔ‪ ،‬أي اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ‪ ،.‬وﺘرى ّأﻨﻬـﺎ اﻨﺘﺨﺒـت‬
‫اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﻤوﺠودة – اﻝﻴوم – ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝم‪ ،‬ﺒواﺴطﺔ اﻨﺘﺸﺎر ﻋﻨﺎﺼرﻫﺎ ‪.‬‬
‫وﻴﻌﺘــرف ) ﺸــﻤﻴدت (‪ ،‬ﻜﻤــﺎ ﻴﻌﺘــرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــون ﺠﻤــﻴﻌﻬم‪ ،‬ﺒﺎﻝﺤﺎﺠــﺔ إﻝــﻰ ﻓﻬــم )ﻤﻌﻨــﻰ اﻝﺤﻴــﺎة‬
‫اﻝﺒداﺌﻴــﺔ( ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻝﻤــن ﻴﻌﻴﺸــوﻨﻬﺎ‪ .‬واﻷﻫـ ّـم ﻤــن ذﻝــك‪ ،‬ﻓﻬــم ﻤﻌﻨﺎﻫــﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻷوﻝﺌــك اﻝــذﻴن ﻋﺎﺸــوﻫﺎ ﻓــﻲ‬
‫اﻝﻌﺼور اﻝﻐﺎﺒرة ‪ ...‬وﻴﻘول ) ﺸـﻤﻴدت ( ّإﻨﻨـﺎ ﻨﻌـرف ذﻝـك ﺒـﺎﻝﻠﺠوء إﻝـﻰ اﻝﻤﺒـدأ اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻲ اﻝﺘﻌـﺎطﻔﻲ‪،‬‬
‫اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ ﻝﻠﺸﺨص اﻝذي ﻴـرﺘﺒط ﻤﻌـﻪ ﺒﻌﻼﻗـﺔ‬ ‫ّ‬ ‫اﻝذي ﻴﺴﺘطﻴﻊ اﻹﻨﺴﺎن ﺒواﺴطﺘﻪ أن ﻴﻀﻊ ﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻝﺤﺎﻝﺔ‬
‫‪62‬‬
‫ﻤﺎ‪.‬‬
‫أﻤــﺎ إﺴــﻬﺎم ) ﻓرﻴﺘــز ﺠراﺒﻨــور( ﻓــﻲ ﻤــﻨﻬﺞ اﻝﻤدرﺴــﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴــﺔ – اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﺒوﺠــﻪ ﺨــﺎص‪ ،‬وﻓــﻲ ﻋﻠــم‬ ‫ّ‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ‪ ،‬ﺒوﺠ ــﻪ ﻋ ــﺎم‪ ،‬ﻓﺘﻤﺜّــل ﻓ ــﻲ اﻝﺘﺤدﻴ ــد اﻝ ــدﻗﻴق اﻝﻤوﻀ ــوﻋﻲ ﻝﻤﻌ ــﺎﻴﻴر ﺘﻘﻴ ــﻴم اﻨﺘﺸ ــﺎر ﺒﻌ ــض‬
‫اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤن ﺸﻌب إﻝﻰ ﺸﻌب آﺨر ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻝﻨظــﺎم اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ واﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝﺴــﺎﺌدان ﻋﻨــد ﺠﻤﺎﻋــﺔ )ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﻤــﺎ( ﻝﻬﻤــﺎ ﺘــﺄﺜﻴر اﻨﺘﻘــﺎﺌﻲ‪ ،‬إذ ﻴﺤــوﻻن‬
‫دون ﻗﺒول ﻨﻤﺎذج ﻻ ﺘﻨﺴﺠم اﻝﺒﺘّﺔ ﻤﻊ اﻝﻨﺴق اﻝﻘﺎﺌم‪ .‬وﻓﻲ اﻝوﻗت ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻻ ﻴﻤﻜـن ﺘﺠﺎﻫـل أﺜـر اﻻﻗﺘﺒـﺎس‬
‫ﻋﻠ ــﻰ اﻷﻨظﻤ ــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‪ ،‬ﺤﻴ ــث ﺘﺘوﻗّ ــف ﻓ ــرص اﻻﻗﺘﺒ ــﺎس ﻋﻠ ــﻰ اﻻﺤﺘﻜﺎﻜ ــﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﺘﻜ ــون وﻝﻴ ــدة‬
‫ك ﺒﻬﺎ اﻝﻬﻨود اﻝﻤﻜﺴﻴﻜﻴون ﻫﻲ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﺴﺒﺎﻨﻴﺔ‪،‬‬ ‫اﻝﻤﺼﺎدﻓﺎت‪ .‬وﻤﺜﺎل ذﻝك ‪ :‬أن ﺘﻜون اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺘﻲ اﺤﺘ ّ‬
‫وﻋ َرﻀ ـﺎً‪ .‬وﻜــذﻝك اﻝﺤــﺎل ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻝﻬﻨــود اﻝوﻻﻴــﺎت اﻝﻤﺘّﺤــدة اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔ‪،‬‬
‫أﻤــر ﻴﻤﻜــن اﻋﺘﺒــﺎرﻩ ﺤــدث اﺘﻔﺎﻗ ـﺎً َ‬
‫‪63‬‬
‫ﻨﺴﻴﺔ‪.‬‬
‫اﻝذﻴن ﻜﺎن ﻤﻌظم اﺤﺘﻜﺎﻜﻬم ﺒﺎﻝﺜﻘﺎﻓﺘﻴن اﻹﻨﺠﻠﻴزﻴﺔ واﻝﻔر ّ‬
‫‪26‬‬
‫إن ﻫــذﻩ اﻝﻤﻌــﺎﻴﻴر اﻝﺘــﻲ ﻴــدﻋوﻨﻬﺎ ﻤﻌــﺎﻴﻴر اﻝﻜﻴــف واﻝﻜــم‪ ،‬ﻫــﻲ أﺴﺎﺴــﻴﺔ ﻓــﻲ اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﺘــﻲ ﺘﺘﻨــﺎول‬ ‫ّ‬
‫اﻝﻨﻘ ــل اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ ﺠﻤﻴﻌﻬ ــﺎ‪ ،‬وﻤﻌﻨﺎﻫ ــﺎ ﺒﺴ ــﻴط ﺠ ـ ّـدا ؛ ﻓﻌﻨ ــدﻤﺎ ﻴﺒ ــدو ﻝﻠﻌﻴ ــﺎن ﺘﻤﺎﺜ ــل ﺒ ــﻴن ﺜﻘ ــﺎﻓﺘﻲ ﺠﻤ ــﺎﻋﺘﻴن‬
‫ـﺈن ﺤﻜﻤﻨ ــﺎ ﺤ ــول اﺤﺘﻤ ــﺎل اﺸ ــﺘﻘﺎﻗﻬﻤﺎ ﻤ ــن ﻤﺼ ــدر واﺤ ــد‪ ،‬ﻴﺘوﻗّ ــف ﻋﻠ ــﻰ ﻋ ــدد اﻝﻌﻨﺎﺼ ــر‬ ‫ﻤﺨﺘﻠﻔﺘ ــﻴن‪ ،‬ﻓ ـ ّ‬
‫اﻝﻤﺘﻤﺎﺜﻠ ــﺔ وﻤ ــدى ﺘﺸ ــﺎﺒﻜﻬﺎ‪ .‬ﻓﻜﻠّﻤ ــﺎ ازداد ﻋ ــدد اﻝﻌﻨﺎﺼ ــر اﻝﻤﺘﻤﺎﺜﻠ ــﺔ‪ ،‬ازداد اﺤﺘﻤـ ـﺎل وﻗ ــوع اﻻﻗﺘﺒ ــﺎس ‪..‬‬
‫وﻴﻨطﺒق اﻷﻤر ذاﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻤدى ﺘـداﺨل )ﺘﻌﻘﻴـد( ﻋﻨﺼـر ﻤـن اﻝﻌﻨﺎﺼـر‪ .‬وﻝـذا ﻴﻤﻜـن اﺴـﺘﺨدام اﻝﻘﺼـص‬
‫اﻝﺸﻌﺒﻴﺔ‪ ،‬ﻤﺜﻼً‪ ،‬اﺴـﺘﺨداﻤﺎً ﻤﻔﻴـداً ﻓـﻲ د ارﺴـﺔ اﻻﺤﺘﻜـﺎك اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ ﺒـﻴن اﻝﺸـﻌوب اﻝﺒداﺌﻴـﺔ‪ 64.‬وﻝـم ﻴﻘﺘﺼـر‬
‫اﻝﺘﻔﺴــﻴر اﻻﻨﺘﺸــﺎري ﻋﻠــﻰ أوروﺒــﺎ ﻓﺤﺴــب‪ٕ ،‬واّﻨﻤــﺎ اﻤﺘـ ّـد أﻴﻀـﺎً إﻝــﻰ أﻤرﻴﻜـﺎ ﺤﻴــث ظﻬــرت ﺤرﻜــﺔ ﻤﻤﺎﺜﻠــﺔ‬
‫ﻵراء ) ﺴ ــﻤﻴث وﺸ ــﻤﻴدت ( ﻤ ــن ﺤﻴ ــث ﻨﻘ ــد اﻝﺘﻔﺴ ــﻴر اﻝﺘط ـ ّـوري ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺔ‪ ،‬واﻻﺘّﻘ ــﺎق ﻋﻠ ــﻰ ﻓﻜـ ـرة اﻨﺘﺸ ــﺎر‬
‫اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺒطرﻴق اﻻﺴﺘﻌﺎرة واﻝﺘﻘﻠﻴد‪ ،‬ﻜﺄﺴﺎس ﻝﺘﻔﺴﻴر اﻝﺘﺒﺎﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀﺎري ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب ‪.‬‬
‫أن‬
‫أﻤﺎ ﺒﺨﺼوص ﻓﻜرة اﻝﻤراﻜز اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ )اﻝدواﺌر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ( ﻓﻴـرى أﺼـﺤﺎب اﻝﻤدرﺴـﺔ اﻷﻤرﻴﻜﻴـﺔ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ﺜم اﻨﺘﻘﻠت إﻝـﻰ أﻤـﺎﻜن أﺨـرى‬ ‫د‬
‫ّ ّ‬‫ﻤﺤد‬ ‫اﻓﻲ‬
‫ر‬ ‫ﺠﻐ‬ ‫–‬ ‫ﺜﻘﺎﻓﻲ‬ ‫ﻤرﻜز‬ ‫ﻓﻲ‬ ‫ﻻ‬
‫ً‬ ‫أو‬ ‫وﺠدت‬ ‫ﻤﺎ‪،‬‬ ‫ﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‬ ‫ة‬
‫اﻝﻤﻤﻴز‬
‫ّ‬ ‫اﻝﻤﻼﻤﺢ‬
‫أن أﺼــﺤﺎب اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎري ﻓــﻲ أﻤرﻴﻜــﺎ‪ ،‬رﻓﻀ ـوا آراء اﻷورﺒﻴــﻴن ﺒﻌــدم‬‫ﻤــن اﻝﻌــﺎﻝم‪ .‬وﻫــذا ﻴﻌﻨــﻲ ّ‬
‫اﻝﺘطور اﻝﺤﻀﺎري اﻝﻤﺴﺘﻘ ّل‪ ،‬وأن ﺒﻌض اﻝﻨﺎس ﺒطﺒﻴﻌﺘﻬم ﻏﻴر ﻤﺒﺘﻜرﻴن أو ﻗﺎدرﻴن ﻋﻠﻰ اﻝﻘﻴـﺎم‬ ‫ّ‬ ‫إﻤﻜﺎﻨﻴﺔ‬
‫اﻝﺘطور‪.‬‬
‫ﺒﻌﻤﻠﻴﺔ اﻻﺒﺘﻜﺎر و ّ‬
‫اﻷول ﻝﻬـذا اﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌـﻲ‪ ،‬ﻗـد ﻋـﺎرض اﻝﻔﻜـرة‬ ‫وﻜﺎن اﻷﻤرﻴﻜﻲ ) ﻓراﻨز ﺒـواز ( اﻝ ارﺌـد ّ‬
‫أن أﻴ ــﺔ ﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ﻤ ــن اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺎت‪ ،‬ﻝﻴﺴ ــت إﻻّ‬
‫اﻝﻘﺎﺌﻠ ــﺔ ﺒوﺠ ــود طﺒﻴﻌ ــﺔ واﺤ ــدة وﺜﺎﺒﺘ ــﺔ ﻝﻠﺘط ـ ّـور اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ‪ .‬ورأى ّ‬
‫ﻴوﺠــﻪ اﻫﺘﻤﺎﻤــﻪ ﻨﺤــو‬
‫ﺤﺼــﻴﻠﺔ ﻨﻤــو ﺘــﺎرﻴﺨﻲ ﻤﻌـ ّـﻴن‪ .‬وﻝــذﻝك‪ ،‬ﻴﺘوﺠــب ﻋﻠــﻰ اﻝﺒﺎﺤــث اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ أن ّ‬
‫اﻝﻤﻜوﻨــﺔ ﻝﻜ ـ ّل ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺤــدة‪ ،‬ﻗﺒــل اﻝوﺼــول إﻝــﻰ ﺘﻌﻤﻴﻤــﺎت ﺒﺸــﺄن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ‬ ‫ّ‬ ‫د ارﺴــﺔ ﺘــﺎرﻴﺦ اﻝﻌﻨﺎﺼــر‬
‫أﺼر) ﺒواز( ﻋﻠـﻰ ّأﻨـﻪ ﻝﻜـﻲ ﺘﺼـﺒﺢ اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻋﻠﻤـﺎً‪ ،‬ﻓـﻼ ﺒ ّـد أن ﺘﻌﺘﻤـد ﻓـﻲ‬ ‫اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﺒﻜﺎﻤﻠﻬﺎ‪ .‬وﻗد ّ‬
‫ﺘﻜوﻴن ﻨظرﻴﺎﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻝﻤﺸﺎﻫدات واﻝﺤﻘﺎﺌق اﻝﻤﻠﻤوﺴﺔ‪ ،‬وﻝﻴس ﻋﻠﻰ اﻝﺘﺨﻤﻴﻨﺎت أو اﻝﻔرﻀـﻴﺎت اﻝﺤدﺴ ّـﻴﺔ‬
‫‪.‬‬
‫وﻤــن ﻫــذا اﻝﻤﻨطﻠــق‪ ،‬اﺴــﺘﺨدم ) ﺒـواز ( ﻤﺼــطﻠﺢ )اﻝﻤﻨــﺎطق اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( ﻝﻺﺸــﺎرة إﻝــﻰ ﻤﺠﻤوﻋــﺔ ﻤــن‬
‫ﻋﻤ ــﺎ ﺘﺤﺘوﻴ ــﻪ ﻫ ــذﻩ اﻝﻤﻨـ ـﺎطق ﻤ ــن‬
‫اﻝﻤﻨ ــﺎطق اﻝﺠﻐراﻓﻴ ــﺔ ذات اﻝ ــﻨﻤط اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ اﻝواﺤ ــد‪ ،‬ﺒﺼ ــرف اﻝﻨظ ــر ّ‬
‫طﺒـق ) ﺒـواز ( ﻫـذا اﻝﻤﻔﻬـوم ﻋﻠـﻰ ﺜﻘﺎﻓـﺎت ﻗﺒﺎﺌـل اﻝﻬﻨـود اﻝﺤﻤـر ﻓـﻲ أﻤرﻴﻜـﺎ‪،‬‬ ‫ﺠﻤﺎﻋﺎت أو ﺸﻌوب‪ .‬وﻗد ّ‬
‫واﺴــﺘطﺎع ﺘﺤدﻴــد – ﺘﻤﻴﻴــز‪ -‬ﺴــﺒﻊ ﻤﻨــﺎطق ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ رﺌﻴﺴــﺔ‪ ،‬ﻴﻨــدرج ﺘﺤﺘﻬــﺎ ﻫــذا اﻝﻌــدد اﻝﻬﺎﺌــل ﻤــن ﻗﺒﺎﺌــل‬
‫اﻝﻬﻨود اﻝﺤﻤـر‪ ،‬واﻝـذي ﻜـﺎن ﻴزﻴـد ﻋـن )‪ (50‬ﻗﺒﻴﻠـﺔ‪ ،‬ﻓـﻲ اﻝوﻗـت اﻝـذي ﻨـزح اﻷوروﺒﻴـون ﻻﺴـﺘﻌﻤﺎر اﻝﻘـﺎرة‬
‫اﻷﻤرﻴﻜﻴﺔ ‪.‬‬
‫وﺒﻬذا ﻴﺸﻴر ﻤﻔﻬوم )اﻝﻤﻨطﻘﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ( إﻝﻰ طراﺌق اﻝﺴﻠوك اﻝﺸﺎﺌﻌﺔ ﺒﻴن ﻋدد ﻤن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺘﻲ‬
‫‪65‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨﺔ ﻤن اﻻﺘّﺼﺎل واﻝﺘﻔﺎﻋل‪.‬‬
‫ﺘﺘﻤﻴز ﺒﺎﺸﺘراﻜﻬﺎ ﻓﻲ ﻋدد ﻤن ﻤظﺎﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻝدرﺠﺔ ّ‬
‫ّ‬
‫ﺘﺘﻤﻴـز ﻋـن أﻓﻜـﺎر) ﺴـﻤﻴث وﺒﻴـري وﺸـﻤﻴدت (‬
‫أن أﻓﻜـﺎرﻩ ّ‬
‫ٕواذا ﻤﺎ ﺘﺼﻔّﺤﻨﺎ ﻜﺘﺎﺒﺎت ) ﺒواز ( وﺠـدﻨﺎ ّ‬
‫اﻝﻤﺘطرﻓﻴن‪ ،‬وذﻝك ﺒﺘﺸدﻴدﻩ ﻋﻠﻰ اﻝﻨﻘﺎط اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وﻏﻴرﻫم ﻤن اﻻﻨﺘﺸﺎرﻴﻴن‬
‫ﻤﻘدﻤﺔ ﻝدراﺴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻨﺘﺸﺎر دراﺴﺔ ﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ‪.‬‬ ‫إن اﻝدراﺴﺔ اﻝوﺼﻔﻴﺔ ﻝﻼﻨﺘﺸﺎر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫ﻴﺠ ــب أن ﺘﻜ ــون د ارﺴ ــﺔ اﻻﻨﺘﺸ ــﺎر د ارﺴ ــﺔ اﺴ ــﺘﻘراﺌﻴﺔ‪ ،‬أي ّأﻨ ــﻪ ﻴﺠ ــب د ارﺴ ــﺔ اﻝﻌﻨﺎﺼ ــر‬ ‫‪-2‬‬

‫‪27‬‬
‫اﻝﻤﺠﻤﻌــﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( اﻝﺘــﻲ ﻴــزﻋم ّأﻨﻬــﺎ ﻨﺎﺸــﺌﺔ ﻋــن اﻻﻨﺘﺸــﺎر ﺘﺒﻌ ـﺎً ﻝﻌﻼﻗﺘﻬــﺎ‬
‫اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ اﻝﻤﺘراﺒطــﺔ ) ّ‬
‫اﻝداﺨﻠﻴﺔ‪ ،‬أﻜﺜر ﻤن ﻜوﻨﻬﺎ ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن اﻝﻌﻨﺎﺼر ﺸ ّﻜﻠﻬﺎ اﻝﺒﺎﺤث اﻋﺘﺒﺎطﻴﺎً‪.‬‬
‫ﻴﺠــب أن ﺘﺘّﺠــﻪ د ارﺴــﺔ اﻻﻨﺘﺸــﺎر ﻤــن اﻝﺨــﺎص إﻝــﻰ اﻝﻌــﺎم‪ ،‬ورﺴــم ﺘوزﻴــﻊ ﻝﻠﻌﻨﺎﺼــر ﻓــﻲ‬ ‫‪-3‬‬
‫ﺘوزﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻝﻌـﺎﻝم ﻜﻠّـﻪ‬
‫ﺘوزﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻝﻘﺎرة‪ ،‬وﺘرك اﻝﻜﻼم ﻋن ّ‬ ‫ﻤﻨﺎطق ﻤﺤدودة‪ ،‬ﻗﺒل رﺴم ﺨﺎرطﺔ ّ‬
‫‪.‬‬
‫إن ﻤـﻨﻬﺞ د ارﺴـﺔ اﻝﻌﻤﻠﻴـﺔ اﻝدﻴﻨﺎﻤﻴﻜﻴــﺔ‪ ،‬واﻻﻨﺘﺸـﺎر ﻝـﻴس ﺴـوى وﺠــﻪ ﻤـن وﺠوﻫﻬـﺎ‪ ،‬ﻴﺠــب‬
‫ّ‬ ‫‪-4‬‬
‫‪66‬‬
‫اﻝﺘﻐﻴر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ‪.‬‬
‫أن ﻴﻜون ﻤﻨﻬﺠﺎً ﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺎً‪ ،‬وأن ﻴﻌود إﻝﻰ اﻝﻔرد ﺒﻐﻴﺔ ﻓﻬم ﺤﻘﺎﺌق ّ‬
‫أن ﻤراﻋﺎة اﻝﻌواﻤل اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ اﻝﻜﺎﻤﻨﺔ ﻓـﻲ ﻋﻤﻠﻴـﺔ‬ ‫واﺴﺘﻨﺎداً إﻝﻰ ﻫذﻩ اﻝﻤﻨطﻠﻘﺎت‪ ،‬ﻴرى ) ﺒواز ( ّ‬
‫أﻫﻤﻴــﺔ ﻜﺒﻴ ـرة ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‪ .‬ﻜﻤــﺎ ﻴﺠــب ﺘﺤﻠﻴــل ﻫــذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ﺒﺼــورة‬
‫اﻻﻗﺘﺒــﺎس‪ ،‬ﺘﻜﺘﺴــب ّ‬
‫ﺜم إﺠراء ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺘﻔﺼﻴﻠﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ‪ ،‬ﺴواء ﻤن ﺤﻴث ﻨظﺎﻤﻬﺎ اﻝﺒﻨﺎﺌﻲ أو ﻤن ﺤﻴـث‬ ‫إﻓرادﻴﺔ أوﻻً‪ ،‬وﻤن ّ‬
‫ﺒﺘﺤرﻴﺎت ﻓﻲ ﻤﻨﺎطق ﻋدﻴدة ـ ﺘﺴﻤﺢ ﺒﺘﻌﻤﻴم ﻫذﻩ اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ ‪.‬‬ ‫ﻋﻨﺎﺼرﻫﺎ‪ .‬وﻻ ﺘﻜون اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ ﻤﻘﺒوﻝﺔ‪ ،‬إﻻّ ّ‬
‫ﺜﻤﺔ ﻋدداً ﻤن اﻝﺴﻤﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ اﻝﻤﺸـﺘرﻜﺔ ﺒـﻴن ﺠﻤﺎﻋـﺎت اﻝﻬﻨـود اﻝﺤﻤـر‪،‬‬ ‫أن ّ‬‫ﻓﻘد اﻜﺘﺸف ) ﺒواز ( ّ‬
‫أن ﻝﻜ ـ ّل ﻤﻨﻬــﺎ اﺴــﺘﻘﻼﻝﻴﺘﻬﺎ‬
‫اﻝﺘــﻲ ﺘﻌــﻴش ﻓــﻲ اﻝﺴــﻬول اﻝﺴــﺎﺤﻠﻴﺔ ﻷﻤرﻴﻜــﺎ اﻝﺸــﻤﺎﻝﻴﺔ ‪.‬ﻓﻌﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ّ‬
‫أن ﺴ ــﻜﺎﻨﻬﺎ ﺠﻤ ــﻴﻌﻬم ﻴﺼ ــطﺎدون اﻝﺠ ــﺎﻤوس ﻝﻠﻐ ــذاء‪ ،‬وﻴﺒﻨ ــون‬ ‫اﻝﺨﺎﺼ ــﺔ واﺴ ــﻤﻬﺎ وﻝﻐﺘﻬ ــﺎ وﺜﻘﺎﻓﺘﻬ ــﺎ‪ ،‬إﻻّ ّ‬
‫اﻝﻤﺴﺎﻜن ﻋﻠﻰ أﻋﻤدة ﻴﻐطوﻨﻬﺎ ﺒﺎﻝﺠﻠود اﻝﺘﻲ ﻴﺴﺘﺨدﻤوﻨﻬﺎ أﻴﻀﺎً ﻓﻲ ﺼﻨﻊ اﻝﻤﻼﺒس‪.‬‬
‫وﻫﻜذا ﺠﺎء ﻤﻔﻬوم )ﻤﺼطﻠﺢ( اﻝﻤﻨطﻘﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻜﺘﺼﻨﻴف وﺼﻔﻲ وﺘﺤﻠﻴﻠﻲ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺎت‪ ،‬اﻷﻤر اﻝذي‬
‫‪67‬‬
‫ﺜم اﻝوﺼول إﻝﻰ ﺘﻌﻤﻴﻤﺎت ﺒﺸﺄن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻴﺴﻬل اﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت‪ ،‬وﻤن ّ‬
‫أن ﻝﻠﺜﻘﺎﻓـﺎت‬ ‫وﻨﺘﺞ ﻋن ﻫذا اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸـﺎري ﺒوﺠـﻪ ﻋـﺎم‪ ،‬أن ﺒـدأ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـون ﻴﻨظـرون إﻝـﻰ ّ‬
‫ﺘﻤﻴـز ﺒﻌﻀـﻬﺎ ﻤـن ﺒﻌـض‪.‬‬ ‫اﻝﺘطور واﻝﻤﻼﻤﺢ اﻝرﺌﻴﺴﺔ اﻝﺘﻲ ّ‬ ‫اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜﻴﺎﻨﺎت ﻤﺴﺘﻘﻠّﺔ ﻤن ﺤﻴث اﻝﻤﻨﺸﺄ و ّ‬
‫وﺘﻨوﻋﻬــﺎ‪ ،‬وطــرح ﻤﻔﻬــوم اﻝﻨﺴــﺒﻴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ أﺼــﺒﺤت ﻤــن أﻫـ ّـم‬
‫وﻫــذا ﻤــﺎ ﻋـ ّـزز ﻓﻜ ـرة ﺘﻌـ ّـدد اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ّ‬
‫اﻝﻤﻔﻬوﻤ ــﺎت اﻷﺴﺎﺴ ـ ّـﻴﺔ ﻓ ــﻲ اﻝﻔﻜ ــر اﻷﻨﺜرﺒوﻝ ــوﺠﻲ وﺘط ـ ّـورﻩ‪ ،‬ﻜﻌﻠ ــم ﺨ ــﺎص ﻤ ــن اﻝﻌﻠ ــوم اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ ﻝـ ــﻪ‬
‫ﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻪ وأﻫداﻓﻪ‪ ،‬ﺘوﺠب دراﺴﺘﻪ ﻤن ﺨﻼﻝﻬﺎ ‪.‬‬
‫وﻝﻜـ ّـن ﻨظرﻴــﺔ اﻻﻨﺘﺸــﺎر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ﺒﺤﺴــب ﻓﻜ ـرة اﻝــدواﺌر اﻝﻤﺘّﺤــدة اﻝﻤرﻜــز‪ ،‬ﻻﻗــت اﻨﺘﻘــﺎدات ﺸــدﻴدة‪،‬‬
‫اﻝﻤﺴﺘﻤر ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫اﻝﺘوزع‬
‫وﺠﻬﻪ ) إدوارد ﺴﺎﺒﻴر( اﻝذي ذﻜر ﺜﻼﺜﺔ ﺘﺤﻔّظﺎت ﻋﻠﻰ ﻓﻜرة ّ‬ ‫وﻤﻨﻬﺎ ﻤﺎ ّ‬
‫أوﻝﻬﺎ‪ :‬ﻴﻤﻜن أن ﻴﻜون اﻻﻨﺘﺸﺎر ﻓﻲ أﺤد اﻻﺘّﺠﺎﻫﺎت‪ ،‬أﺴرع ﻤﻨﻪ ﻓﻲ اﺘّﺠﺎﻩ آﺨر‪.‬‬
‫ﺜﺎﻨﻴﻬﺎ‪ :‬ﻗد ﻴﻜون اﻝﺸﻜل اﻷﻗـدم ﺘﺎرﻴﺨﻴـﺎً‪ ،‬ﺘﻌ ّـرض ﻝﺘﻌـدﻴﻼت ﻓـﻲ اﻝﻤرﻜـز‪ ،‬ﺒﺤﻴـث ﻴﺨطـﻰء اﻝﺒﺎﺤـث‬
‫ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد اﻝﻤرﻜز اﻝﺤﻘﻴﻘﻲ ﻷﺼل اﻝﺸﻜل‪.‬‬
‫ـؤدي إﻝـﻰ ﺴـوء ﺘﺄوﻴـل ﻨﻤـوذج "‬
‫ـوزع‪ ،‬آﺜـﺎر ﺘ ّ‬
‫ﻝﺘﺤرﻜـﺎت اﻝﺴـﻜﺎن داﺨـل ﻤﻨطﻘـﺔ اﻝﺘ ّ‬
‫وﺜﺎﻝﺜﻬﺎ‪ :‬ﻗد ﻴﻜون ّ‬
‫اﻻﻨﺘﺸﺎر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ "‬
‫وﻝﻜــن‪ ،‬ﻫــل ﻴﻌﻨــﻲ ﻫــذا اﻝﺘﺨﻠّــﻲ ﻋــن ﻤﺤــﺎوﻻت إﻋــﺎدة ﺘرﻜﻴــب اﻻﺤﺘﻜــﺎك اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ‪ ،‬ﺒــﻴن اﻝﺸــﻌوب‬
‫ﻴﺒرر ﻫـذﻩ اﻝﻨﺘﻴﺠـﺔ‪.‬‬
‫ﺜﻤﺔ ﻤﺎ ّ‬ ‫اﻝﺘطور اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ ﻝﻠﻤﻨﺎطق اﻝﺘﻲ ﻝﻴس ﻝﻬﺎ ﺘﺎرﻴﺦ؟ واﻝﺠواب ‪ :‬ﻝﻴس ّ‬ ‫اﻝﺒداﺌﻴﺔ و ّ‬
‫أن ﻫذا اﻝﺠﻬد اﻝﻤﺒذول ﻓﻲ ﻫـذا اﻝﻤﺠـﺎل‪ ،‬إذا ﻤـﺎ أﺨـذ ﻜـل ﺸـﻲء ﻓـﻲ اﻝﺤﺴـﺒﺎن‪ ،‬ﺠـدﻴر ﺒﺎﻻﻫﺘﻤـﺎم‬ ‫وﻴﺒدو ّ‬

‫‪28‬‬
‫واﻝﻌﻨﺎﻴﺔ‪ ،‬ﺒﺸرطﻴن ‪:‬‬
‫ﻴﺨﻴﺔ‪.‬‬
‫أن ﻴﻜون ﺒﺎﻹﻤﻜﺎن اﻋﺘﺒﺎر اﻝﻤﻨطﻘﺔ اﻝﻤﺨﺘﺎرة ﻝﻠﺘﺤﻠﻴل‪ ،‬ذات وﺤدة ﺘﺎر ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫أن ﻴﻜ ــون اﻝﻬ ــدف ﻤ ــن اﻝﺘﺤﻠﻴ ــل‪ ،‬ﺘﻘرﻴ ــر اﺤﺘﻤ ــﺎل وﻗ ــوع اﻝﺘط ـ ّـورات اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴ ــﺔ‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪68‬‬
‫وﻝــﻴس ﺘﻘرﻴــر اﻝﺤﻘﻴﻘــﺔ اﻝﻤطﻠﻘــﺔ ﻋﻨﻬــﺎ‪ .‬وﻝﻜــن‪ ،‬ﻤﻬﻤــﺎ ﺘﻌـ ّـددت اﻷدﻝّــﺔ ﻋﻠــﻰ ظــﺎﻫرة اﻻﻨﺘﺸــﺎر‬
‫ﻓﺈﻨﻪ ﻴﺘﻌ ّذر ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻏﻴر اﻝﻤﺘﻌﻠّﻤـﺔ –وﻓـﻲ ﻤﻌظـم اﻷﺤﻴـﺎن – اﻝﺘﻤﻴﻴـز ﺒـﻴن‬ ‫اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ‪ّ ،‬‬
‫اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ ﺘﺴـ ّـرﺒت إﻝﻴﻬــﺎ ﻤــن اﻝﺨــﺎرج‪ ،‬وﺒــﻴن اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺘــﻲ ﻨﺸــﺄت ﻤــن داﺨﻠﻬــﺎ‪.‬‬
‫أن ﻜـ ّل ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﺒﻤﻔردﻫــﺎ اﻗﺘﺒﺴــت ﻋــن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻷﺨــرى‪،‬‬ ‫وﻴﺘّﻀــﺢ ﻤــن وﺠﻬــﺔ اﻝﻨظــر اﻝﺘﺠرﻴﺒﻴــﺔ‪ّ ،‬‬
‫أﺸـﻴﺎء أﻜﺜــر ﻤــن اﻝﺘـﻲ اﺨﺘرﻋﺘﻬــﺎ ﺒــذاﺘﻬﺎ‪ .‬واﻝـدﻝﻴل ﻋﻠــﻰ ذﻝــك‪ ،‬اﻻﻨﺘﺸـﺎر اﻝواﺴــﻊ ﻝﻌﻨﺎﺼــر ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‬
‫اﻝﻤؤﺴﺴـ ـ ــﺎت‬
‫ﻤﻌﻘـ ـ ــدة ﻓـ ـ ــﻲ ﻤﺠـ ـ ــﺎﻻت اﻝﺘﻜﻨوﻝوﺠﻴـ ـ ــﺔ واﻝﻔﻨـ ـ ــون اﻝﺸـ ـ ــﻌﺒﻴﺔ‪ ،‬واﻝﻤﻌﺘﻘـ ـ ــدات اﻝدﻴﻨﻴـ ـ ــﺔ و ّ‬
‫‪69‬‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬
‫أن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻨﺘﺸﺎر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ ﺘﺴﻴر ﻓﻲ اﺘّﺠـﺎﻫﻴن‪ ،‬ﺤﻴـث ﻴﺴـﺘﻔﻴد ﻜـ ّل ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻤـن ﺜﻘﺎﻓـﺔ‬ ‫وﻫﻜذا ﻨﺠد‪ّ ،‬‬
‫ـﺘم ﻋﻤﻠﻴـﺔ اﻻﻨﺘﺸـﺎر اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ‬ ‫ﺴﻴﻤﺎ ﻓـﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻝﻜﺒﻴـرة‪ ،‬ﺤﻴـث ﺘ ّ‬
‫ك ﺒﻪ وﻻ ّ‬ ‫اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻵﺨر اﻝذي ﻴﺤﺘ ّ‬
‫ﻤﻘوﻤﺎﺘﻬــﺎ وأﻨﻤﺎطﻬــﺎ اﻝرﺌﻴﺴــﺔ واﻝﻔرﻋﻴــﺔ‪ ،‬ﺒــﻴن‬
‫ﻤــن ﺨــﻼل اﻗﺘﺒــﺎس ﻋﻨﺎﺼــر ﻤــن ﺜﻘﺎﻓــﺎت أﺨــرى‪ ،‬واﻨﺘﺸــﺎر ّ‬
‫ﻓﺌﺎت ﻫذﻩ اﻝﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻝﺒﺸرﻴﺔ اﻝﻜﺒﻴرة‪.‬‬
‫ب‪ -‬اﻻ ﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴﻲ‪:‬‬
‫ﻴﺘﻌدل وﻴﺄﺨذ ﻤﺴﺎرات ﺠدﻴدة‪ ،‬ﺤﻴث ظﻬرت ﻓﻜرة ﺘوﺴـﻴﻊ اﻝﻤﻔﻬـوم‬ ‫ّ‬ ‫ﺒدأ اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌﻲ‬
‫اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬وذﻝــك ﺒﻔﻀــل ﻤــن ﺘــﺄﺜّروا ﺒﻨﺘــﺎﺌﺞ ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ )‬
‫ﺴــﻴﻐﻤوﻨد ﻓروﻴ ــد ( اﻝــذي ﻋ ــﺎش ﻤــﺎ ﺒ ــﻴن )‪ (1939-1852‬وﺘﻼﻤذﺘــﻪ‪ ،‬اﻝ ــذﻴن أروا ّأﻨــﻪ ﺒﺎﻹﻤﻜ ــﺎن ﻓﻬ ــم‬
‫اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻤـن ﺨـﻼل اﻝﺘـﺎرﻴﺦ‪ ،‬ﻤـﻊ اﻻﺴـﺘﻌﺎﻨﺔ ﺒـﺒﻌض ﻤﻔﻬوﻤـﺎت ﻋﻠـم اﻝـﻨﻔس وطراﺌﻘـﻪ اﻝﺘﺤﻠﻴﻠﻴـﺔ‪ .‬وﻫـذا ﻤـﺎ‬
‫ﻜﺎن ﻝـﻪ أﺜر ﻜﺒﻴر ﻓﻲ اﻻﺘّﺠﺎﻩ ﻨﺤو اﻝﻜﺸف ﻋن اﻷﻨﻤﺎط اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪.‬‬
‫أن د ارﺴ ــﺔ اﻝﺘــﺎرﻴﺦ‪ ،‬ﺒوﻗﺎﺌﻌــﻪ وأﺤداﺜ ــﻪ‪ ،‬ﻻ ﺘﻜﻔــﻲ ﻝﺘﻔﺴ ــﻴر‬ ‫ﻓﻘــد رأت ) روث ﺒﻴﻨــد ﻜﻴ ــت ( ورﻓﺎﻗﻬــﺎ ّ‬
‫اﻝظ ـ ـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴـ ــﺔ‪ ،‬وذﻝـ ــك ﻷن اﻝظـ ــﺎﻫرة اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـ ــﺔ ﺒﺤـ ـ ّـد ذاﺘﻬـ ــﺎ ﻤﺴـ ــﺄﻝﺔ ﻤﻌﻘّـ ــدة وﻤﺘﺸـ ــﺎﺒﻜﺔ‬
‫أن أﻴﺔ ﺴـﻤﺔ‬ ‫اﻝﻌﻨﺎﺼر‪ .‬ﻓﻬﻲ ﺘﺠﻤﻊ ﺒﻴن اﻝﺘﺠرﺒﺔ اﻝواﻗﻌﻴﺔ اﻝﻤﻜﺘﺴﺒﺔ واﻝﺘﺠرﺒﺔ اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ )اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ (‪ ،‬و ّ‬
‫‪70‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨﺔ ‪.‬‬
‫ﺘﻀم ﻤزﻴﺠﺎّ ﻤن اﻝﻨﺸﺎط اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ واﻝﻨﻔﺴﻲ ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﺒﻴﺌﺔ ّ‬ ‫ﻤن اﻝﺴﻤﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ّ ،‬‬
‫ـﺈن أﻴـﺔ ﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻻ ﺘؤﻝّـف ﻨظﺎﻤـﺎً ﻤﻐﻠﻘـﺎً أو ﻗواﻝـب ﺠﺎﻤـدة‪ ،‬ﻴﺠـب أن ﺘﺘطـﺎﺒق‬
‫وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ذﻝـك‪ ،‬ﻓ ّ‬
‫وﻴﺘﺒﻴن ﻤن ﺤﻘﻴﻘﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ‪ ،‬أن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ – ﺒﻬـذﻩ‬
‫ﻤﻌﻬﺎ ﺴﻠوﻜﺎت أﻋﻀﺎء اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﺠﻤﻴﻌﻬم ‪ّ .‬‬
‫ﻷﻨﻬــﺎ ﻝﻴﺴــت ﺴــوى ﻤﺠﻤــوع ﺴــﻠوﻜﺎت اﻷﺸـﺨﺎص اﻝــذﻴن ﻴؤﻝّﻔــون‬
‫اﻝﺼــﻔﺔ – ﻻ ﺘﺴــﺘطﻴﻊ أن ﺘﻔﻌــل ﺸــﻴﺌﺎً‪ّ ،‬‬
‫ﻤﺤدد( وأﻨﻤﺎط ﻋﺎدات اﻝﺘﻔﻜﻴر ﻋﻨد ﻫؤﻻء اﻷﺸﺨﺎص‪.‬‬ ‫ﻤﺠﺘﻤﻌﺎً ﺨﺎﺼﺎً )ﻓﻲ وﻗت ﻤﻌﻴن وﻤﻜﺎن ّ‬
‫أن ﻫــؤﻻء اﻷﺸــﺨﺎص ﻴﻠﺘزﻤــون – ﻋــن طرﻴــق اﻝــﺘﻌﻠّم واﻻﻋﺘﻴــﺎد‪ -‬ﺒﺄﻨﻤــﺎط‬ ‫وﻝﻜـ ّـن‪ ،‬ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ّ‬
‫ـﺈﻨﻬم ﻴﺨﺘﻠﻔ ــون ﻓ ــﻲ ردود أﻓﻌ ــﺎﻝﻬم ﺘﺠ ــﺎﻩ اﻝﻤواﻗ ــف اﻝﺤﻴﺎﺘﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ‬
‫اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ وﻝ ــدوا ﻓﻴﻬ ــﺎ وﻨﺸ ــﺄوا‪ ،‬ﻓ ـ ّ‬
‫إن اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت‬ ‫ﻴﺘﻌرﻀون ﻝﻬﺎ ﻤﻌﺎً‪ .‬ﻜﻤﺎ ّأﻨﻬـم ﻴﺨﺘﻠﻔـون أﻴﻀـﺎً ﻓـﻲ ﻤـدى رﻏﺒـﺔ ﻜـ ّل ﻤـﻨﻬم ﻓـﻲ اﻝﺘﻐﻴﻴـر‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ّ‬
‫‪71‬‬
‫ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ﻋرﻀﺔ ﻝﻠﺘﻐﻴﻴر‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ﻴﺘﻤﺴك‬
‫أن اﻝﻘﻴم اﻝﺘﻲ ّ‬ ‫وﻫذا ﻴدﻝّل ﻋﻠﻰ ﻤروﻨﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‪ٕ ،‬واﺘﺎﺤﺘﻬﺎ ﻓرﺼﺔ اﻻﺨﺘﻴﺎر ﻷﻓرادﻫﺎ ‪ ..‬ﺒﺤﻴث ّ‬
‫ﺒﻬﺎ ﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤﺎ وﺘﻤﻴزﻩ ﻤن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى‪ ،‬ﻝﻴﺴـت ﻜﻠّﻬـﺎ ﺜﺎﺒﺘـﺔ ﺒـﺎﻝﻤطﻠق وﺘﻨﺘﻘـل إﻝـﻰ ﺤﻴـﺎة اﻷﺠﻴـﺎل‬
‫ﻴﻤر ﺒﻬﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ‪.‬‬
‫اﻝﺘﻐﻴرات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻝﺘﻲ ّ‬ ‫ﺘﺘﻐﻴر ﺒﺤﺴب ّ‬‫ﻤﺘﻐﻴرة‪ّ ،‬‬
‫ﺜﻤﺔ ﻗﻴم ّ‬ ‫اﻝﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ‪ٕ ،‬واّﻨﻤﺎ ّ‬
‫وﻴﻌﺘﺒــر ﻜﺘــﺎب " أﻨﻤــﺎط اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ " اﻝــذي ﻨﺸـرﺘﻪ) ﺒﻴﻨــد ﻜﻴــت ( ﻋــﺎم ‪ ،1932‬اﻝﺒداﻴــﺔ اﻝﺤﻘﻴﻘﻴــﺔ ﻝﺒﻠــورة‬
‫اﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴــﻲ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ‪ .‬ﺤﻴــث أوﻀــﺤت اﻝد ارﺴــﺔ ّأﻨــﻪ ﻤــن اﻝﻀــرورة‬
‫ﻷن ﻝﻜـ ّل ﺜﻘﺎﻓـﺔ‬‫اﻝﻨظرة إﻝﻰ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت ﻓـﻲ ﺼـورﺘﻬﺎ اﻹﺠﻤﺎﻝﻴـﺔ‪ ،‬أي ﻜﻤـﺎ ﻫـﻲ ﻓـﻲ ﺘﺸـﻜﻴﻠﻬﺎ اﻝﻌـﺎم‪ .‬وذﻝـك‪ّ ،‬‬
‫ﻤرﻜز ﺨﺎص ﺘﺘﻤﺤور ﺤوﻝﻪ وﺘﺸ ّﻜل ﻨﻤوذﺠﺎً ﺨﺎﺼﺎً ﺒﻬﺎ‪ ،‬ﻴﻤﻴزﻫﺎ ﻋن اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻷﺨرى‪.‬‬
‫ﻤﺘﻌددة‪ ،‬وﺨﻠﺼت‬ ‫وﻤن ﻫذا اﻝﻤﻨظور‪ ،‬ﻗﺎﻤت) ﺒﻴﻨد ﻜﻴت( ﺒﺈﺠراء دراﺴﺔ ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﻴن ﺜﻘﺎﻓﺎت ﺒداﺌﻴﺔ ّ‬
‫ﺜﻤــﺔ ﻋﻼﻗــﺎت ﻗﺎﺌﻤــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻨﻤــوذج اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ اﻝﻌــﺎم وﻤظــﺎﻫر اﻝﺸﺨﺼــﻴﺔ‪ ،‬وﻫــذا ﻤــﺎ ﻴــﻨﻌﻜس ﻝــدى‬ ‫أن ّ‬ ‫إﻝــﻰ ّ‬
‫‪72‬‬
‫اﻷﻓ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراد ﻓـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻲ ﺘﻠـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎت‪.‬‬
‫ﻝﺘﻜﻴف اﻝﻤورﻓوﻝوﺠﻲ )اﻝﺸﻜﻠﻲ( ﻝﻠﻨوع اﻝﺒﺸري ﺒﺎﻝﻤﺼطﻠﺤﺎت اﻝﻤﺄﻝوﻓﺔ ﻓـﻲ‬ ‫وﻤن اﻝﻤﻤﻜن دراﺴﺔ ﻤظﺎﻫر ا ّ‬
‫اﻝﺘﻜﻴـف‬
‫ﻓﻨﻴـﺔ ﺠدﻴـدة ﻝوﺼـف ﻤظـﺎﻫر ّ‬ ‫ﺒد ﻤـن ﺘطـوﻴر أﺴـﺎﻝﻴب ّ‬ ‫ﻋﻠم اﻷﺤﻴﺎء‪ ،‬وﻓﻲ اﻝوﻗت ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻜﺎن ﻻ ّ‬
‫اﻝﺴــﻠوﻜﻲ واﻝﻨﻔﺴــﻲ‪ .‬وﻴﻌـ ّـد ﻤﻔﻬــوم اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻤــن أﻫــم اﻝﻤﻔﻬوﻤــﺎت اﻝﺘــﻲ طـ ّـورت ﻓــﻲ ﻫــذا اﻝﻤﺠــﺎل‪ ،‬وأﻜﺜرﻫــﺎ‬
‫ﻓﺈﻨﻪ – ﻋﻠﻰ أﻀﻌف‬ ‫أن ﻫذا اﻝﻤﻔﻬوم اﻗﺘﺼر ﻓﻲ اﻝﺴﺎﺒق ﻋﻠﻰ اﻝﻨواﺤﻲ اﻝوﺼﻔﻴﺔ‪ّ ،‬‬ ‫ﻓﺎﺌدة وﺤﻴوﻴﺔ‪ .‬وﻤﻊ ّ‬
‫اﻝﺘﻜﻴــف‪ ،‬ﻓوﻀــﻊ ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ أﺴﺴ ـﺎً‬ ‫زودﻨــﺎ ﺒطرﻴﻘــﺔ ﻤﺤـ ّـددة ﻝﻠﺘﻌـ ّـرف إﻝــﻰ اﻝﻨﺘــﺎج اﻝﻨﻬــﺎﺌﻲ ﻝﻌﻤﻠﻴــﺎت ّ‬ ‫ﺘﻘــدﻴر – ّ‬
‫‪73‬‬
‫اﻝﺘﻜﻴف‪.‬‬ ‫ﻝﻠﻤﻘﺎﺒﻠﺔ ﺒﻴن اﻝﻨﻤﺎذج اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻝطرق ّ‬
‫ﻤﺘﻤﻴـ اًز ﻓـﻲ اﻝرﺒـﻊ اﻝﺜـﺎﻨﻲ ﻤـن‬
‫ﻝﻘد ﺸﻬد اﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴـﻲ ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺔ‪ ،‬ظﻬـو اًر ّ‬
‫ـﺘﻤد ﻤﻨﻬ ــﺎ‬
‫اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن‪ ،‬ﻤﺘراﻓﻘـ ـﺎً ﻤ ــﻊ اﻨﺘﺸ ــﺎر ﻤدرﺴ ــﺔ اﻝﺘﺤﻠﻴ ــل اﻝﻨﻔﺴ ــﻲ اﻝﺘ ــﻲ أﻨﺸ ــﺄﻫﺎ ) ﻓروﻴ ــد ( واﺴ ـ ّ‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــون اﻝﻜﺜﻴــر ﻤــن اﻝﻤﻔــﺎﻫﻴم اﻝﻨﻔﺴــﻴﺔ‪ ،‬ﻝﺘﺤدﻴــد اﻝﻌﻼﻗــﺎت اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻔــرد وﺜﻘﺎﻓﺘــﻪ ﻓــﻲ إطــﺎر‬
‫اﻝﻤﻨظوﻤﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬
‫ـب اﻫﺘﻤــﺎم أﺼــﺤﺎب ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ د ارﺴــﺔ اﻝﻤوﻀــوﻋﺎت اﻝﻤﺘﻌﻠّﻘــﺔ ﺒــﺎﻝﺘﻤﻴﻴز اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ‬
‫وﻗــد اﻨﺼـ ّ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺒﺎﻻﺴﺘﻨﺎد إﻝﻰ اﻝﻤﻴزات اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ اﻝﺴـﺎﺌدة ﺒـﻴن اﻷﻓـراد واﻝﺠﻤﺎﻋـﺎت‪ .‬وﺘﻌ ّـد د ارﺴـﺔ ﺒﻴﻨـد ﻜﻴـت‪،‬‬
‫ﺒﻌﻨوان " اﻝﻜرﻴزﻨﺘﻴﻤوم واﻝﺴﻴف ‪ ،The Chrsyanthemum and the Sword‬ﻋﺎم ‪ " 1946‬ﻤن‬
‫ﺒﺎﻝﺸﺨﺼﻴﺔ اﻝﻴﺎﺒﺎﻨﻴﺔ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أﻫم اﻝدراﺴﺎت ﻓﻲ ﻫذا اﻻﺘّﺠﺎﻩ‪ ،‬ﺤﻴث ﺒﺤﺜت ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‬ ‫ّ‬
‫وﻫذا ﻤﺎ ﺴﺎﻋد ﻓﻲ ﺒﻠورة اﻝﺴﻴﺎﺴﺔ اﻷﻤرﻴﻜﻴﺔ ﺘﺠﺎﻩ اﺴﺘﺴﻼم اﻝﻤﺤـﺎرﺒﻴن اﻝﻴﺎﺒـﺎﻨﻴﻴن ﻓـﻲ أﺜﻨـﺎء اﻝﺤـرب‬
‫أن اﻝﺠﻨود اﻝﻴﺎﺒـﺎﻨﻴﻴن ﻜـﺎﻨوا ﺴﻴرﻓﻀـون اﻻﺴﺘﺴـﻼم ﺒﺼـورة ﻤطﻠﻘـﺔ‪،‬‬ ‫اﻝﻌﺎﻝﻤﻴﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ‪ .‬وأوﻀﺤت اﻝدراﺴﺔ ّ‬
‫أن ﺘــﺄﺜﻴر ﻤﺒــﺎدىء اﻝطﺎﻋــﺔ واﻝــوﻻء ﻝﻺﻤﺒ ارطــور ﻋﻠــﻰ ﻫــؤﻻء‬
‫وﻴﺴــﺘﻤرون ﻓــﻲ اﻝﻘﺘــﺎل ﺤﺘــﻰ اﻝﻤــوت‪ .‬إﻻّ ّ‬
‫‪74‬‬
‫اﻝﺠﻨود‪ ،‬ﺠﻌﻠﻬم ﻴﺴﺘﺠﻴﺒون ﻝﺘﻌﻠﻴﻤﺎﺘﻪ وﻴﺨﻀﻌون ﻷواﻤرﻩ‪.‬‬
‫أن اﻻﻨﺸــﻐﺎل اﻝ ازﺌ ــد ﺒﺎﻷﺸ ــﻜﺎل اﻝﺨﺎرﺠﻴ ــﺔ‬ ‫ـق ﻓ ــﻲ ذﻝ ــك – ّ‬‫وﻝﻜــن ﻴ ــرى ﺒﻌ ــض اﻝﻌﻠﻤ ــﺎء _ وﻫــو ﻤﺤ ـ ّ‬
‫ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺔ‪ ،‬ﻗ ــد أﺜّــر ﺴ ــﻠﺒﻴﺎً ﻓ ــﻲ اﻝﻤﺤ ــﺎوﻻت اﻝراﻤﻴ ــﺔ إﻝ ــﻰ ﺘﻔﻬّــم دﻻﻝﺘﻬ ــﺎ اﻝﺴ ــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ‪ .‬وﻤ ــن اﻝﻤﻌ ــروف أن‬
‫أن وﺠــود اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻴ ـرﺘﺒط ارﺘﺒﺎط ـﺎً وﺜﻴﻘ ـﺎً‬
‫اﻝﺤﻘﻴﻘــﺔ اﻝﻨﻬﺎﺌﻴــﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓــﺔ‪ ،‬ﻫــﻲ ﺴــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ‪ ..‬وﻨﻘﺼــد ﺒــذﻝك‪ّ ،‬‬
‫ﺘﻔﺴ ــر اﻻﺴ ــﺘﻘرار اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ‪ ،‬أو‬
‫ﻤؤﺴﺴ ــﺎﺘﻬﺎ‪ .‬وﻫ ــذﻩ اﻝﺤﻘﻴﻘ ــﺔ اﻝﺴ ــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ّ‬
‫ﺒوﺠ ــود أﻨ ــﺎس ﻴ ــدﻴرون ّ‬
‫ﺘﻔﺴر اﻝﺴﺒب اﻝذي ﻤن أﺠﻠﻪ ﺘﺸﻌر اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﺒﺎرﺘﻴﺎح ﻜﺒﻴر ﻋﻨدﻤﺎ ﺘﻌﻴش وﻓق ﻨظـﺎم‬ ‫ﺒﺎﻷﺤرى‪ّ ،‬‬
‫‪30‬‬
‫رﺘﻴب ﻤﻌروف ‪.‬‬
‫اﻝﺘﻐﻴـر اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ‪ .‬ﻓـﺎﻷﻓراد ﻓـﻲ ﻜـ ّل ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻴﻤﻠﻜـون ﻗﺎﺒﻠﻴـﺎت وﺤـواﻓز‬
‫ﺘﻔﺴر أﻴﻀﺎً آﻝﻴـﺔ ّ‬‫وﻫذﻩ اﻝﺤﻘﻴﻘﺔ ّ‬
‫ﺘؤدي دورﻫﺎ ﻀﻤن إطﺎر اﻝﻘﺎﻝب اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ اﻝﻌـﺎم‪ ،‬وﺘﺴـﻬم ﺒﺎﺴـﺘﻤرار ﻓـﻲ ﻤراﺠﻌـﺔ اﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد‬ ‫وﻤﻴوﻻً‪ ،‬وﻗدرات ّ‬
‫‪75‬‬
‫اﻝﻘﺎﺌﻤﺔ‪ٕ ،‬وادﺨﺎل ﺘﺤﺴﻴﻨﺎت ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫وﻜــﺎن ﻤــن ﻨﺘﻴﺠــﺔ ذﻝــك‪ ،‬ظﻬــور ﻤدرﺴــﺔ ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﻨﻔﺴــﻴﺔ )أﻤرﻴﻜﻴــﺔ( ﻤــن روادﻫــﺎ ‪) :‬ﻜﻼﻴــد ﻜﻼﻜﻬــون‪،‬‬
‫ﻤﻤن اﻋﺘﻤدوا ﻋﻠﻰ ﻤﻔﻬوم ﺒﻨـﺎء اﻝﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ اﻷﺴﺎﺴـﻲ اﻝـذي ﻴﺸـﻴر‬ ‫ﻤرﻏرﻴت ﻤﻴد‪ ،‬راﻝف ﻝﻴﻨﺘون( وﻏﻴرﻫم ّ‬
‫إﻝﻰ ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻝﺨﺼﺎﺌص اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ واﻝﺴـﻠوﻜﻴﺔ‪ ،‬اﻝﺘـﻲ ﻴﺒـدو ّأﻨﻬـﺎ ﺘﺘطـﺎﺒق ﻤـﻊ ﻜـ ّل اﻝـﻨظم واﻝﻌﻨﺎﺼـر‬
‫‪76‬‬
‫أن اﻝﻨﻤط اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ اﻝﺴـﺎﺌد ﻓـﻲ إي ﻤﺠﺘﻤـﻊ‪ ،‬ﻻ‬ ‫واﻝﺴﻤﺎت اﻝﺘﻲ ﺘؤﻝّف أﻴﺔ ﺜﻘﺎﻓﺔ‪ .‬إذ ّإﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ‬
‫ﻴﻤﻜن أن ﻴزﻴد – أو ﻴﻘﻠّل – ﻤن وﺠود اﻝﻔوارق اﻝﻔردﻴﺔ ﻓﻲ ﻨطـﺎق اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ اﻝواﺤـدة‪ ،‬إﻻّ أن ﺘﻠـك اﻝﻌﻼﻗـﺔ‬
‫اﻝﻘﺎﺌﻤــﺔ ﺒــﻴن اﻷﻨﻤــﺎط اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ واﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ اﻝﻔردﻴــﺔ‪ ،‬وﻤــﺎ ﺘﺤــدث ﻤــن ﺘــﺄﺜﻴرات ﻤﺘﺒﺎدﻝــﺔ ﺒﻴﻨﻬﻤــﺎ‪ ،‬ﻻ ﻴﺠــوز‬
‫‪77‬‬
‫إﻫﻤﺎﻝﻬﺎ‪ ،‬ﺒل ﻴﺠب أﺨذﻫﺎ ﻓﻲ اﻝﺤﺴﺒﺎن أﺜﻨﺎء دراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ‪.‬‬
‫إن اﻷﺴﺎس اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻲ ﻝﻠﻘواﻨﻴن اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﻘﺎﺌﻤـﺔ‪ ،‬ﻤﺜـل ‪) :‬أﻨﻤـﺎط اﻝﺴـﻠوك اﻝﺜﺎﺒﺘـﺔ‪ ،‬واﻷﻋـراف‬ ‫ّ‬
‫واﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد‪ ،‬واﻝﻌــﺎدات واﻝﻘــﻴم(‪ ،‬ﻫــو ﺘﻜــوﻴن أطــر اﺴــﺘﻨﺎد ﻤﺸــﺘرﻜﺔ‪ ،‬ﻨﺎﺘﺠــﺔ ﻋــن اﺤﺘﻜــﺎك اﻷﻓ ـراد ﺒﻌﻀــﻬم‬
‫ﻫﺎﻤﺎً‬
‫ﺘﻜوﻨت ﻤﺜل ﻫذﻩ اﻷطر اﻻﺴﺘﻨﺎدﻴﺔ وﺘﻐﻠﻐﻠت ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻝﻔرد‪ ،‬أﺼﺒﺤت ﻋﺎﻤﻼً ّ‬ ‫ﺒﺒﻌض ؛ ٕواذا ﻤﺎ ّ‬
‫ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد ردود ﻓﻌﻠﻪ أو ﺘﻌـدﻴﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻓـﻲ اﻷوﻀـﺎع اﻝﺘـﻲ ﺴـﻴواﺠﻬﻬﺎ ﻓﻴﻤـﺎ ﺒﻌـد‪ ،‬ﺴـواء ﻜﺎﻨـت اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ أو‬
‫ﺠﻴـد اﻝﺘﻨظـﻴم‪ ،‬أي ﻓـﻲ ﺤﺎﻝـﺔ ﺘﺠرﺒـﺔ‬
‫ﺴﻴﻤﺎ ﻓﻲ اﻝﺤﺎﻻت اﻝﺘـﻲ ﻻ ﻴﻜـون اﻝﺤـﺎﻓز ﻓﻴﻬـﺎ ّ‬ ‫ﻏﻴر اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫‪78‬‬
‫ﻝﻴس ﻝﻬﺎ ﺴواﺒق ﻓﻲ اﻝﺴﻠوك اﻝذي اﻋﺘﺎد ﻋﻠﻴﻪ اﻝﻔرد‪.‬‬
‫ـﺘم ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( ﺒﻨظرﻴــﺔ ﻓروﻴــد وﻜﺘﺎﺒﺎﺘــﻪ اﻝﻨﻔﺴـ ّـﻴﺔ وﻋﻼﻗــﺔ ذﻝــك‬ ‫وﻀــﻤن ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ أﻴﻀـﺎً‪ ،‬اﻫـ ّ‬
‫اﻝﺠﻨﺴﻴﺔ‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل اﻝﻤﺎدة اﻝﺘﻲ ﺠﻤﻌﻬﺎ ﻤﻴداﻨﻴﺎً ﻤن ﺴﻜﺎن ﺠزﻴرة )اﻝﺘروﺒرﻴﺎﻨد (‪ .‬إﻻّ ّأﻨﻪ‬ ‫ّ‬ ‫ﺒﺎﻝﻤﺤرﻤﺎت‬ ‫ّ‬
‫ﻋﺎرض ﺘﻔﺴﻴر ﻓروﻴد ﻝﻌﻼﻗﺔ اﻻﺒن ﺒﺎﻷم وﻏﻴرﺘﻪ ﻤن اﻷب ﻓﻲ إطﺎر ﻤﺎ أﺴﻤﺎﻩ ﻓروﻴـد ﺒ ـ )ﻋﻘـدة أودﻴـب‬
‫اﻝﻤﻜوﻨﺔ ﻝﻠﻌﺎﺌﻠـﺔ‬ ‫ّ‬ ‫أن ﺘﺤرﻴم اﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﺠﻨﺴﻴﺔ‬ ‫ﺘوﺼل ﻤن ﺨﻼﻝﻪ إﻝﻰ ّ‬ ‫وظﻴﻔﻴﺎً‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وﻗدم ﺒدﻻّ ﻤﻨﻬﺎ ﺘﻔﺴﻴ اًر‬ ‫(‪ّ ،‬‬
‫اﻝﻤوﺤدة )اﻝﻨووﻴﺔ( واﻝﺘﻲ ﺘﺸﻤل ‪ " :‬اﻷم واﻷﺒﻨـﺎء واﻷﺨـوة واﻷﺨـوات " ﻫـو اﻝـذي ﻴﻤﻨـﻊ ﻤـﺎ ﻗـد ﻴﻨﺸـﺄ ﻤـن‬ ‫ّ‬
‫ﺼـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراﻋﺎت داﺨﻠﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ‪ ،‬ﺒﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺒب اﻝﻐﻴـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة أو اﻝﺘﻨ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎﻓس ‪.‬‬
‫وﻫـ ـ ـ ـ ــذا ﻤـ ـ ـ ـ ــﺎ ﻴﺤﻔـ ـ ـ ـ ــظ ﺒﺎﻝﺘـ ـ ـ ـ ــﺎﻝﻲ ﺘﻤﺎﺴـ ـ ـ ـ ــك اﻷﺴ ـ ـ ـ ـ ـرة‪ ،‬وﻴﻤﻨـ ـ ـ ـ ــﻊ ﺘﻔ ّﻜـ ـ ـ ـ ــك أواﺼـ ـ ـ ـ ــرﻫﺎ وﺘﻬـ ـ ـ ـ ــدﻴم ﻜﻴﺎﻨﻬـ ـ ـ ـ ــﺎ‪،‬‬
‫‪79‬‬
‫وﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ ﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻨﺠم ﻋﻨ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻪ ﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ﻀ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻌف اﻝﻤﺠﺘﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻊ اﻝﻌ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎم‪ ،‬وﺘﻬدﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وﺤدﺘ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻪ وﺘﻤﺎﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻜﻪ‪.‬‬
‫إن ﻫــذﻩ اﻻﺘّﺠﺎﻫــﺎت ﺒﺄﻓﻜﺎرﻫــﺎ وﺘطﺒﻴﻘﺎﺘﻬــﺎ‪ ،‬ﻤﺜّﻠــت ﻤرﺤﻠــﺔ اﻨﺘﻘﺎﻝﻴــﺔ ﺒــﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‬ ‫وﺨﻼﺼــﺔ اﻝﻘــول‪ّ ،‬‬
‫اﻝﻜﻼﺴــﻴﻜﻴﺔ اﻝﺘــﻲ ﻜﺎﻨــت ﺘﻌﺘﻤــد ﻋﻠــﻰ اﻝﺘﺨﻤﻴﻨــﺎت واﻝﺘﻔﺴــﻴرات اﻝﻨظرﻴــﺔ ﻓﺤﺴــب‪ ،‬وﺒــﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‬
‫اﻝﺤدﻴﺜ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﺒ ــدأت ﻤ ــﻊ اﻝﻨﺼ ــف اﻝﺜ ــﺎﻨﻲ ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ﻤﻌﺘﻤ ــدة ﻋﻠ ــﻰ اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴ ــﺔ‬
‫اﻝﻤﻜوﻨﺔ ﻝﻠﻔﻜر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اﻝﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ‪ ،‬واﻝﺘﻲ ﺘﻌﻨﻰ ﺒﺎﻝﺠواﻨب اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‬
‫ﻤﻤــﺎ ﺴــﺎﻋد ﻓــﻲ إرﺴــﺎء‬
‫اﻝﺘﺨﺼــص ﻓــﻲ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫أدى ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ إﻝــﻰ ظﻬــور‬
‫وﻫــذا ﻤــﺎ ّ‬
‫اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼرة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اﻝﻤﺒﺎدىء‬

‫‪31‬‬
‫‪-2‬اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺒﻨﺎﺌﻲ اﻝوظﻴﻔﻲ ‪:‬‬
‫ـرد ﻓﻌــل ﻋﻨﻴــف ﻋﻠــﻰ اﻝﻨظرﻴــﺔ‬‫ﺘ ارﻓــق ﻨﺸــوء ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ ﻤــﻊ ظﻬــور اﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ‪ ،‬ﻜـ ّ‬
‫ﺘطورﻴ ـﺎً وﻝــﻴس ﺘﺎرﻴﺨﻴ ـﺎً‪ ،‬ﺤﻴــث رّﻜــز ﻋﻠــﻰ د ارﺴــﺔ‬
‫ّ‬ ‫ﺒﺄﻨــﻪ ﻝــﻴس‬
‫ﺘﻤﻴــز اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻝﺒﻨــﺎﺌﻲ‪ّ ،‬‬
‫اﻝﺘطورﻴــﺔ‪ .‬وﻗــد ّ‬
‫ّ‬
‫اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜ ّل ﻋﻠﻰ ﺤدة‪ ،‬ﻓﻲ واﻗﻌﻬﺎ اﻝﺤﺎﻝﻲ اﻝﻤﻜﺎﻨﻲ واﻝزﻤﺎﻨﻲ ‪.‬‬
‫ﻷﻨـﻪ اﻋﺘﻤـد اﻝﻌﻠـم ﻓـﻲ د ارﺴـﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‬ ‫ﻴﺨﻴـﺔ‪ّ ،‬‬
‫وﻫذا ﻤﺎ ﺠﻌﻠﻪ ﻴﺨﺘﻠف ﻋـن اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺘﺎر ّ‬
‫ﻜظــﺎﻫرة‪ ،‬ﻴﺠــب اﻝﺒﺤــث ﻓــﻲ ﻋﻨﺎﺼــرﻫﺎ واﻝﻜﺸــف ﻋــن اﻝﻌﻼﻗــﺎت اﻝﻘﺎﺌﻤــﺔ ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴﻨﻬــﺎ‪ ،‬وﻤــن ﺜـ ّـم اﻝﻌﻼﻗــﺎت‬
‫‪80‬‬
‫اﻝﻘﺎﺌﻤﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ وﺒﻴن اﻝظواﻫر اﻷﺨرى‪.‬‬
‫ﻴﻌ ــود اﻝﻔﻀ ــل ﻓ ــﻲ ﺘﺒﻠ ــور اﻻﺘّﺠ ــﺎﻩ اﻝﺒﻨ ــﺎﺌﻲ اﻝ ــوظﻴﻔﻲ ﻓ ــﻲ اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺔ‪ ،‬إﻝ ــﻰ أﻓﻜ ــﺎر‬
‫اﻝﻌﺎﻝﻤﻴن اﻝﺒرﻴطـﺎﻨﻴﻴن‪) ،‬ﺒروﻨﺴـﻠو ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴـﻜﻲ( و )راد ﻜﻠﻴـف ﺒـراون (‪ ،‬اﻝﻠـذﻴن ﻋﺎﺸـﺎ ﻓـﻲ أواﺨـر اﻝﻘـرن‬
‫اﻝﺘﺎﺴــﻊ ﻋﺸــر واﻝﻨﺼــف اﻷول ﻤــن اﻝﻘــرن اﻝﻌﺸ ـرﻴن‪ .‬وﻴــدﻴﻨﺎن ﺒﺎﺘّﺠﺎﻫﺎﺘﻬﻤــﺎ اﻝﻨظرﻴــﺔ‪ ،‬إﻝــﻰ أﻓﻜــﺎر ﻋــﺎﻝم‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎع ) إﻤﻴل دورﻜﻬﺎﻴم ( اﻝذي رّﻜز اﻫﺘﻤﺎﻤﻪ ﻋﻠﻰ اﻝطرﻴﻘـﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘﻌﻤـل ﺒﻬـﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‬
‫ﺘطور ﻫذﻩ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت واﻝﺴﻤﺎت اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻝﺜﻘﺎﻓﺎﺘﻬﺎ‪.‬‬ ‫ووظﺎﺌف ﻨظﻤﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬وﻝﻴس ﻋﻠﻰ ﺘﺎرﻴﺦ ّ‬
‫وﻝﻌ ـ ّل ) ﻜﻠــود ﻝﻴﻔــﻲ ﺴــﺘروس ( اﻝوﺤﻴــد ﺒــﻴن اﻝﺒﻨــﺎﺌﻴﻴن اﻝﻔرﻨﺴــﻴﻴن‪ ،‬اﻝــذي ﻴﺴــﺘﺨدم ﻜﻠﻤــﺔ )ﺒﻨــﺎء أو‬
‫ﺒﻨﺎﺌﻴﺔ( ﺼراﺤﺔ ﻓﻲ ﻋﻨﺎوﻴن ﻜﺘﺒﻪ وﻤﻘﺎﻻﺘﻪ‪ ،‬اﺒﺘـداء ﻤـن ﻤﻘﺎﻝـﻪ اﻝـذي ﻜﺘﺒـﻪ ﻋـﺎم ‪ ،1945‬ﻋـن " اﻝﺘﺤﻠﻴـل‬
‫اﻝﺒﻨـﺎﺌﻲ " ﻓـﻲ اﻝﻠﻐوﻴـﺎت وﻓـﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ‪ ،‬واﻝـذي ﻴﻌﺘﺒـر – ﺒﺤـق –" ﻤﻴﺜـﺎق " اﻝﻨزﻋـﺔ اﻝﺒﻨﺎﺌﻴـﺔ‪ٕ ،‬واﻝــﻰ‬
‫ﻜﺘﺎب " اﻷﺒﻨﻴﺔ اﻷوﻝﻴﺔ ﻝﻠﻘراﺒﺔ " اﻝذي ﻜﺎن ﺴﺒﺒﺎً ﻓﻲ ذﻴـوع اﺴـﻤﻪ وﺸـﻬرﺘﻪ‪ ،‬واﻝـذي ﻴﻌﺘﺒـرﻩ اﻝﻜﺜﻴـرون أﻫ ّـم‬
‫وأﻓﻀــل إﻨﺠــﺎز ﻓــﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻔرﻨﺴــﻴﺔ ﻋﻠــﻰ اﻹطــﻼق ‪ ..‬وﻤــن ﺜـ ّـم إﻝــﻰ ﻜﺘﺎﺒــﻪ " اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‬
‫اﻝﺒﻨﺎﺌﻴﺔ "‪.‬‬
‫ـﺄن اﻝﺒﻨﻴوﻴـﺔ )اﻝﺒﻨﺎﺌﻴـﺔ( ﻫـﻲ أﻜﺜـر‬ ‫وﺠﻬـت إﻝﻴـﻪ‪ ،‬ﻓـﻼ ﻴـزال ﻴـؤﻤن ﺒ ّ‬ ‫وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤـن اﻻﻨﺘﻘـﺎدات اﻝﺘـﻲ ّ‬
‫اﻝﻤﻨﺎﻫﺞ ﻗدرة ﻋﻠﻰ ﺘﺤﻠﻴل اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت وﻓﻬم اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴﺎ وﺘﻘرﻴﺒﻬﺎ إﻝﻰ اﻷذﻫﺎن‪ٕ ،‬واّﻨﻬﺎ ﻓـﻲ اﻝوﻗـت ﻨﻔﺴـﻪ‪،‬‬
‫اﻝﻤﺸﺨﺼـﺔ‪ ،‬واﻝوﺼـول إﻝـﻰ اﻝﺨﺼـﺎﺌص‬ ‫ّ‬ ‫أﻓﻀل وﺴـﻴﻠﺔ ﻴﻤﻜـن ﺒﻬـﺎ ﺘﺠـﺎوز اﻝﻤﻌﻠوﻤـﺎت واﻝوﻗـﺎﺌﻊ اﻝﻌﻴﺎﻨﻴـﺔ‬
‫اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻝﻠﻌﻘـل اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ‪ .‬ﻓﻘـد أﻓﻠـﺢ ﻓـﻲ أن ﻴﺤﻘّـق ﻝﻠﺒﻨﺎﺌﻴـﺔ ﻤـﺎ ﻝـم ﻴﺤﻘّﻘـﻪ ﻏﻴـرﻩ‪ ،‬ﻤـﻊ ّأﻨـﻪ ﻝـم ﻴﻘـم ﺒد ارﺴـﺎت‬
‫ﺤﻘﻠﻴــﺔ ﺒــﻴن اﻝﺸــﻌوب اﻝﻤﺘﺨﻠّﻔــﺔ )اﻝﺒداﺌﻴــﺔ (‪ ،‬وﺤﺘــﻰ ﺤــﻴن ﻗــﺎم ﺒد ارﺴــﺎﺘﻪ ﻓــﻲ )اﻝﺒ ارزﻴــل واﻝﺒﺎﻜﺴــﺘﺎن( ﻜــﺎن‬
‫ﻴﻤﻀ ـ ــﻲ ﻓﺘـ ـ ـرات ﻗﺼ ـ ــﻴرة وﻤﺘﺒﺎﻋ ـ ــدة ﺒ ـ ــﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋ ـ ــﺎت اﻝﺘ ـ ــﻲ درﺴ ـ ــﻬﺎ‪ .‬وﺨ ـ ــرج ﺒﺎﻝﺒﻨﺎﺌﻴ ـ ــﺔ ﻤ ـ ــن ﻤﺠ ـ ــﺎل‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬إﻝــﻰ ﻤﻴــﺎدﻴن اﻝﻔﻜــر اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ‪ ،‬اﻝواﺴــﻌﺔ واﻝرﺤﻴﺒــﺔ‪ .‬وﺠﻌــل ﻤﻨﻬــﺎ اﺘﺠﺎﻫ ـﺎً ﻓﻜرﻴ ـﺎً وﻤﻨﻬﺠﻴ ـﺎً‬
‫ﻴﻬدف إﻝﻰ اﻝﻜﺸف ﻋن اﻝﻌﻤﻠﻴﺎت اﻝﻌﻘﻠﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤﺔ‪ ،‬وﻝﻪ ﺘطﺒﻴﻘﺎﺘﻪ ﻓﻲ اﻷدب واﻝﻔﻠﺴﻔﺔ واﻝﻠﻐﺔ واﻝﻤﻴﺜوﻝوﺠﻴﺎ‬
‫)اﻷﺴ ــطورة( واﻝ ــدﻴن واﻝﻔ ــن‪ .‬وﺒﻠ ــﻎ ﻤ ــن ﻗ ـ ّـوة اﻝﺒﻨﺎﺌﻴ ــﺔ أن أﺼ ــﺒﺤت ﻓ ــﻲ اﻝﺒداﻴ ــﺔ‪ ،‬ﺘﻤﺜّ ــل ﺘﻬدﻴ ــداً ﻤﺒﺎﺸـ ـ اًر‬
‫‪81‬‬
‫ﻴﻌﺒـر ﻓـﻲ ﺠﻤﻠﺘـﻪ ﻋـن‬ ‫ﻝﻠوﺠودﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘرّﻜز ﻋﻠﻰ اﻝﻔرد واﻝﺴﻠوك اﻝﻔردي‪ .‬ﻓﺎﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺒﻨﺎﺌﻲ اﻝوظﻴﻔﻲ‪ّ ،‬‬
‫اﻝﺘوﺼل إﻝﻴـﻪ ﻤـن ﺨـﻼل اﻝﻤﻘﺎﺒﻠـﺔ )اﻝﻤوازﻨـﺔ( ﺒـﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ )اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت(‬ ‫ّ‬ ‫ﺘم‬
‫ﻤﻨﻬﺞ دراﺴﻲ ّ‬
‫واﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ )اﻷﻓراد (‪ .‬وﻝم ﻴﻌد اﺴﺘﺨداﻤﻪ ﻤﻘﺼـو اًر ﻋﻠـﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻴﻴن‪ٕ ،‬واّﻨﻤـﺎ ﺘﻨﺎوﻝــﻪ أﻴﻀـﺎً‬
‫ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎع ﺒـﺎﻝﻔﺤص واﻝﺘطﺒﻴـق واﻝﺘﻌـدﻴل‪ ،‬ﻋﻠـﻰ ﻴـد ) ﺘﻠﻜـوت ﺒﺎرﺴـوﻨز‪ ،‬وﺠـورح ﻤﻴرﺘـون (‪ .‬ﻜﻤـﺎ‬
‫‪82‬‬
‫ﺴﻴﻤﺎ ﻋﻠوم اﻝﺤﻴﺎة واﻝﻜﻴﻤﻴﺎء‪.‬‬ ‫ارﺘﺒط أﻴﻀﺎً ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ﻤﻌﻴﻨ ـﺎً‬
‫أن اﻷﻓـراد ﻴﻤﻜــﻨﻬم أن ﻴﻨﺸــﺌوا ﻷﻨﻔﺴــﻬم ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﺨﺎﺼــﺔ‪ ،‬أو أﺴــﻠوﺒﺎً ّ‬
‫ﻓﻘــد رأى ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( ّ‬
‫‪32‬‬
‫ﻝﻠﺤﻴﺎة‪ ،‬ﻴﻀﻤن ﻝﻬم إﺸﺒﺎع ﺤﺎﺠـﺎﺘﻬم اﻷﺴﺎﺴـﻴﺔ‪ ،‬اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴـﺔ واﻝﻨﻔﺴ ّـﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪ .‬وﻝـذﻝك رﺒـط اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ‬
‫– ﺒﺠواﻨﺒﻬﺎ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬اﻝﻤﺎدﻴﺔ واﻝروﺤﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﺒﺎﻻﺤﺘﻴﺎﺠﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻻﻫﺘﻤﺎم ﺒﺎﻝﺒﻨﻴﺔ ‪ ،Struture‬ﻜﺘراﺒط ﻤﻨظّم وﺨﻔﻲ ﻝﻠﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻴﺴﺎﻋد اﻝﻨﻤـوذج ﻓـﻲ ﺘﻔﺴـﻴرﻩ‬
‫وراء اﻝﻌﻼﻗـ ـ ــﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ـ ــﺔ‪ ،‬ﻴوازﻴـ ـ ــﻪ ﻓـ ـ ــﻲ اﺘﺠـ ـ ــﺎﻩ آﺨـ ـ ــر اﻫﺘﻤـ ـ ــﺎم وظـ ـ ــﺎﺌﻔﻲ ﺒـ ـ ــﺎﻝﻤﻌﻨﻰ اﻝـ ـ ــذي ﻴﺤـ ـ ـ ّـددﻩ‬
‫)ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴﻜﻲ(‪ ،‬واﻝذي ﺘﻌﻨﻲ ﻓﻴﻪ اﻝوظﻴﻔﺔ ‪ :‬ﺘﻠﺒﻴﺔ ﺤﺎﺠﺔ ﻤن اﻝﺤﺎﺠﺎت‪ ،‬وﻴﻜون ﻓﻴﻬﺎ اﻝﺘﺤﻠﻴـل اﻝـوظﻴﻔﻲ‬
‫ﻫو ذﻝك اﻝذي ‪ " :‬ﻴﺴﻤﺢ ﺒﺘﺤدﻴد اﻝﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴن اﻝﻌﻤل اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ واﻝﺤﺎﺠـﺔ ﻋﻨـد اﻹﻨﺴـﺎن‪ ،‬ﺴـواء ﻜﺎﻨـت ﻫـذﻩ‬
‫‪83‬‬
‫اﻝﺤﺎﺠﺔ أوﻝﻴﺔ أو ﻓرﻋﻴﺔ ﺜﺎﻨوﻴﺔ "‬
‫ﻓﺎﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻜﻴﺎن ﻜﻠّﻲ وظﻴﻔﻲ ﻤﺘﻜﺎﻤل ‪ ،‬ﻴﻤﺎﺜـل اﻝﻜـﺎﺌن اﻝﺤـﻲ‪ ،‬ﺒﺤﻴـث ﻻ ﻴﻤﻜـن ﻓﻬـم دور وظﻴﻔـﺔ أي‬
‫ﻋﻀو ﻓﻴﻪ‪ ،‬إﻻّ ﻤن ﺨﻼل ﻤﻌرﻓﺔ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺒﺄﻋﻀـﺎء اﻝﺠﺴـم اﻷﺨـرى‪ٕ ،‬وا ّن د ارﺴـﺔ ﻫـذﻩ اﻝوظﻴﻔـﺔ ﺒﺎﻝﺘـﺎﻝﻲ‪،‬‬
‫ﺘﻤ ّﻜن اﻝﺒﺎﺤث اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻲ ﻤن اﻜﺘﺸﺎف ﻤﺎﻫﻴﺔ ﻜل ﻋﻨﺼر وﻀرورﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻲ ﻫذا اﻝﻜﻴﺎن اﻝﻤﺘﻜﺎﻤل ‪.‬‬
‫وﻝــذﻝك‪ ،‬دﻋــﺎ ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( إﻝــﻰ د ارﺴــﺔ وظﻴﻔــﺔ ﻜ ـ ّل ﻋﻨﺼــر ﺜﻘــﺎﻓﻲ‪ ،‬ﻋــن طرﻴــق إﻋــﺎدة ﺘﻜــوﻴن‬
‫ﺘــﺎرﻴﺦ ﻨﺸــﺄﺘﻪ أو اﻨﺘﺸــﺎرﻩ‪ ،‬وﻓــﻲ إطــﺎر ﻋﻼﻗﺘــﻪ ﻤــﻊ اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻷﺨــرى‪ .‬وﻫــذا ﻴﻘﺘﻀــﻲ د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت‬
‫ﺘﻐﻴرت ‪.‬‬ ‫اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜ ّل ﻋﻠﻰ ﺤدة‪ ،‬وﻜﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ وﻀﻌﻬﺎ اﻝراﻫن‪ ،‬وﻝﻴس ﻜﻤﺎ ﻜﺎﻨت أو ﻜﻴف ّ‬
‫ﻤﻨﻬﺠﻴ ـ ــﺔ ﺘﻤ ّﻜ ـ ــن اﻝﺒﺎﺤ ـ ــث‬
‫ّ‬ ‫وﺒ ـ ــذﻝك ﻴﻜ ـ ــون ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴ ـ ــﻜﻲ ( ﻗ ـ ــد ﻗ ـ ـ ّـدم ﻤﻔﻬ ـ ــوم) اﻝوظﻴﻔ ـ ــﺔ( ﻜ ـ ــﺄداة‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ﻤن إﺠراء ﻤﻼﺤظﺎﺘﻪ ﺒطرﻴﻘﺔ ﻤرّﻜزة وﻤﺘﻜﺎﻤﻠﺔ‪ ،‬ﻓﻲ أﺜﻨﺎء وﺼﻔﻪ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺒداﺌﻴﺔ‪.‬‬
‫أﻤــﺎ ) ﺒـراون ( ﻓﻘــد ﻗــﺎم ﻤــن ﺠﻬﺘــﻪ‪ ،‬ﺒــدور رﺌــﻴس ﻓــﻲ ﺘــدﻋﻴم أﺴــس اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻝﺒﻨــﺎﺌﻲ اﻝــوظﻴﻔﻲ‪ ،‬ﻓــﻲ‬ ‫ّ‬
‫ﻤوﺠﻬ ـ ـﺎً اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴـ ــﺎ ﻨﺤـ ــو اﻝد ارﺴـ ــﺎت‬
‫اﻝد ارﺴـ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺔ‪ ،‬وذﻝـ ــك ﻤـ ــﻊ ﺒداﻴـ ــﺔ اﻝﻘـ ــرن اﻝﻌﺸ ـ ـرﻴن‪ّ ،‬‬
‫اﻝﻤﺘزاﻤﻨﺔ‪ ،‬وﻝﻴس ﻨﺤو اﻝﺘﻔﺴﻴر اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻲ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﻜﻤﺎ ﻓﻌل ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴﻜﻲ ( ‪.‬‬
‫اﻋﺘﻤ ــد ) ﺒـ ـراون( ﻓ ــﻲ د ارﺴ ــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤ ــﻊ وﺘﻔﺴ ــﻴر اﻝظـ ـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﺘﻔﺴ ــﻴ اًر اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ـﺎً‪ ،‬ﺒﻨﺎﺌﻴـ ـﺎً‬
‫ووظﻴﻔﻴ ـﺎً‪ ،‬ﻋﻠ ــﻰ ﻓﻜـ ـرة اﻝوظﻴﻔﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﻨ ــﺎدى ﺒﻬــﺎ ) دورﻜﻬ ــﺎﻴم ( واﻝﺘ ــﻲ ﺘﻘ ــوم ﻋﻠ ــﻰ د ارﺴ ــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت‬
‫اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل اﻝﻤطﺎﺒﻘـﺔ )اﻝﻤﻤﺎﺜﻠـﺔ( ﺒـﻴن اﻝﺤﻴـﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ واﻝﺤﻴـﺎة اﻝﻌﻀـوﻴﺔ‪ ،‬ﻜﻤـﺎ ﻫـﻲ اﻝﺤـﺎل‬
‫ﻓـ ــﻲ اﻝﻤﺸـ ــﺎﺒﻬﺔ ﺒـ ــﻴن اﻝﺒﻨـ ــﺎء اﻝﺠﺴـ ــﻤﻲ اﻝﻤﺘﻜﺎﻤـ ــل ﻋﻨـ ــد اﻹﻨﺴـ ــﺎن‪ ،‬واﻝﺒﻨـ ــﺎء اﻻﺠﺘﻤـ ــﺎﻋﻲ اﻝﻤﺘﻜﺎﻤـ ــل ﻓـ ــﻲ‬
‫اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ‪.‬‬
‫ﺒﺄﻨــﻪ ﻴﻨــدرج ﺘﺤــت ﻫــذا اﻝﻤﻔﻬــوم‪ ،‬اﻝﻌﻼﻗــﺎت‬
‫وﻴوﻀــﺢ ) ﺒـراون ( طﺒﻴﻌــﺔ ﻫــذا )اﻝﺒﻨــﺎء اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ( ّ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻜﻠّﻬــﺎ‪ ،‬واﻝﺘــﻲ ﺘﻘــوم ﺒــﻴن ﺸــﺨص وآﺨــر‪ .‬ﻜﻤــﺎ ﻴــدﺨل ﻓــﻲ ذﻝــك اﻝﺘﻤــﺎﻴز اﻝﻘــﺎﺌم ﺒــﻴن اﻷﻓ ـراد‬
‫ـﺘﻤر ﺘﺠ ّـدد ﺒﻨـﺎء‬
‫واﻝطﺒﻘﺎت‪ ،‬ﺒﺤﺴب أدوارﻫم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬واﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﻨظّم ﻫـذﻩ اﻷدوار‪ .‬وﻜﻤـﺎ ﻴﺴ ّ‬
‫اﻝﻜﺎﺌن اﻝﻌﻀوي طوال ﺤﻴﺎﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻜـذﻝك ﺘﺘﺠ ّـدد اﻝﺤﻴـﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻤـﻊ اﺴـﺘﻤ اررﻴﺔ اﻝﺒﻨـﺎء اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﻓـﻲ‬
‫ﻋﻼﻗﺎﺘﻪ وﺘﻤﺎﺴﻜﻪ‪.‬‬
‫ـﺎﻝﺘﻨوع اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ﺒــﻴن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت – ﻤﻬﻤــﺎ ﻜــﺎن ﺸــﻜﻠﻪ‪-‬‬
‫واﺴــﺘﻨﺎداً إﻝــﻰ ذﻝــك‪ ،‬ﻴﺼــﺒﺢ اﻻﻋﺘ ـراف ﺒـ ّ‬
‫ﺘطور ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬اﻨطﻼﻗﺎً ﻤن اﻝﻨﻘﺎط اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ‪:‬‬
‫إﺤدى اﻝﺨطوات اﻝﻬﺎﻤﺔ ﻓﻲ ّ‬
‫إن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﺘﻌﺒﻴر ﻋن ﺴﻠوك ﺸﻌب ﻤﺎ‪ ،‬وﻋن ﻗواﻋد ﻫذا اﻝﺸﻌب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨﺔ وﻓﻲ زﻤن‬
‫اﻝﺘﻨوﻋﺎت ﻓﻲ اﻝﻌﻘﻴدة واﻝﺴﻠوك اﻝﻔردﻴﻴن ﻝدى أﻓراد ﺠﻤﺎﻋﺔ ّ‬
‫إن ﻤﺠﻤوع ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-2‬‬

‫‪33‬‬
‫ﻤﻌ ـ ّـﻴن‪ ،‬ﻴﺤ ـ ّـدد ﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ﺘﻠ ــك اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ‪ .‬وﻫ ــذا ﺼ ــﺤﻴﺢ ﺒﺎﻝﻨﺴ ــﺒﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺎت اﻝﻔرﻋﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻝوﺤ ــدات‬
‫اﻝﺼﻐﻴرة‪ ،‬داﺨل اﻝﻜ ّل اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪.‬‬
‫ﻝﻴﺴت اﻝﻌﻘﻴـدة واﻝﺴـﻠوك ﻓـﻲ أي ﻤﺠﺘﻤـﻊ‪ ،‬أﺒـداً ﻨﺘـﺎج اﻝﺼـدﻓﺔ‪ ،‬ﺒـل ﻴﺘﺤ ّـوﻻن وﻓـق ﻗواﻋـد‬ ‫‪-3‬‬
‫راﺴﺨﺔ‪.‬‬
‫ﻴﺠب اﺴﺘﻨﺒﺎط ﻫذﻩ اﻝﻘواﻋد ﺒواﺴطﺔ اﻻﺴﺘﻘراء ﻤن اﻝﺘواﻓق اﻝﻤﻼﺤظ ﻓﻲ اﻝﻌﻘﺎﺌد وأﻨﻤﺎط‬ ‫‪-4‬‬
‫اﻝﺴﻠوك ﻝدى ﺠﻤﺎﻋﺔ ﻤﺎ وﻫﻲ ﺘﺸﻤل ﻨﻤﺎذج ﺜﻘﺎﻓﺔ ﺘﻠك اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ‪.‬‬
‫ﻜﻠّﻤﺎ ﺼﻐر ﺤﺠم اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ‪ ،‬ﻜﺎﻨـت ﻨﻤـﺎذج ﻋﻘﺎﺌـدﻫﺎ وﺴـﻠوﻜﺎﺘﻬﺎ‪ ،‬أﻜﺜـر ﺘﺠﺎﻨﺴـﺎً ﻓﻴﻤـﺎ إذا‬ ‫‪-5‬‬
‫ﺘﺴﺎوت اﻷﻤور اﻷﺨرى‪.‬‬
‫ﻤﻤــﺎ‬
‫‪ 84‬أﻜﺜـر اﺘّﺴـﺎﻋﺎً ّ‬
‫‪ -6‬ﻗـد ﻴظﻬـر ﻝــدى اﻝﻔﺌـﺎت اﻻﺨﺘﺼﺎﺼـﻴﺔ‪ ،‬ﺘﻨـ ّـوع ﻓـﻲ ﺤﻘـل اﺨﺘﺼﺎﺼــﻬﺎ‬
‫اﻝﻜﻠﻴـﺔ‪ٕ .‬وازاء ﻫـذﻩ اﻷﻤـور‬‫ﻴظﻬر ﻝدى اﻝﻔﺌﺎت اﻷﺨـرى‪ ،‬اﻝﻤﺴـﺎوﻴﺔ ﻝﻬـﺎ ﻓـﻲ اﻝﺤﺠـم‪ ،‬ﺒـﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ ّ‬
‫ﺒﺄﻫﻤﻴــﺔ ﻤﺴــﺄﻝﺔ اﻝﺘﺠــﺎﻨس اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ واﻝﺘﻨــﺎﻓر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ‪ ،‬ﻓــﻲ اﻝد ارﺴــﺎت‬
‫ّ‬ ‫ﻤﺠﺘﻤﻌــﺔ‪ ،‬ﻻ ﺒـ ّـد ﻤــن اﻻﻋﺘ ـراف‬
‫اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺔ‪ ،‬وﻓﻲ أﺜﻨﺎء ﻤﻨﺎﻗﺸﺔ اﻝﻨظرﻴﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ‪.‬‬
‫ٕواذا ﻜــﺎن ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( أﺨــذ ﺒﻔﻜ ـرة اﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻝﺘــﺄﻤﻴن اﻝﺤﺎﺠــﺎت اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ واﻝﻨﻔﺴــﻴﺔ‬
‫ﻤﻜوﻨﺎﺘـﻪ وﻋﻼﻗﺎﺘـﻪ‪،‬‬‫ﻝﻸﻓراد‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤﺎ اﺘّﺠﻪ ) ﺒراون ( ﻨﺤو ﻤﺴﺄﻝﺔ ﺘﻤﺎﺴك اﻝﻨظـﺎم اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻤـن ﺤﻴـث ّ‬
‫ﻤﻜوﻨــﺎت اﻝﺒﻨــﺎء اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ( إﻝــﻰ وﺤــدات ﺼــﻐﻴرة‬‫ﻓﺄﻨﻬﻤــﺎ رﻓﻀــﺎ ﻤﻌ ـﺎً ﻓﻜ ـرة ﺘﺠزﺌــﺔ اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ) ّ‬
‫ّ‬
‫وﺘطورﻫﺎ ‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ﻴﻘوم اﻝﺒﺎﺤث ﺒدراﺴﺔ ﻤﻨﺸﺌﻬﺎ أو اﻨﺘﺸﺎرﻫﺎ‬
‫واﻋﺘﻤدا ﺒدﻻّ ﻤن ذﻝك ﻋﻠﻰ اﻝدراﺴﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ‪ ،‬ﻝوﺼف اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت ﺒوﻀﻌﻬﺎ اﻝراﻫن‪ .‬وﻗد وﺠد ﻫـذا‬
‫اﻷول ﻤـن اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴن‪،‬‬ ‫اﻝﻤﻬﺘﻤﻴن ﺒدراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ﻓـﻲ اﻝﻨﺼـف ّ‬ ‫ّ‬ ‫اﻻﺘّﺠﺎﻩ ﻗﺒوﻻً واﺴﻌﺎً ﻝدى‬
‫وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺒــﻴن اﻷﻨﺜرﺒوﻝــوﺠﻴﻴن اﻷوروﺒﻴــﻴن‪ ،‬اﻝــذﻴن اﻨﺘﺸــروا ﻓــﻲ اﻝﻤﺴــﺘﻌﻤرات ﻹﺠ ـراء د ارﺴــﺎت ﻤﻴداﻨﻴــﺔ‪،‬‬
‫وﺠﻤــﻊ اﻝﻤ ـواد اﻷوﻝﻴــﺔ اﻝﻼزﻤــﺔ ﻝوﺼــف اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت‪ ،‬وﺘﺤﻠﻴﻠﻬــﺎ ﻓــﻲ إطﺎرﻫــﺎ اﻝ ـواﻗﻌﻲ‬
‫وﻜﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ وﻀﻌﻬﺎ اﻝراﻫن ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺴﺎﺒﻌﺔ‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‬

‫أوﻻً‪-‬ﺘﻌرﻴف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‬


‫ﺒﺄﻨﻬــﺎ اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴــدرس اﻹﻨﺴــﺎن ﻤــن ﺤﻴــث ﻫــو‬
‫ﺘﻌـ ّـرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ‪-‬ﺒوﺠــﻪ ﻋــﺎم ‪ّ -‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨـﺔ‪ .‬وﻋﻠـﻰ ﻫـذا اﻹﻨﺴـﺎن أن ﻴﻤـﺎرس ﺴـﻠوﻜﺎً ﻴﺘواﻓـق ﻤـﻊ ﺴـﻠوك اﻷﻓـراد‬ ‫ﻋﻀو ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻊ ﻝــﻪ ﺜﻘﺎﻓـﺔ ّ‬
‫وﻴﺘﺤدث ﺒﻠﻐﺔ ﻗوﻤﻪ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ )اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ( اﻝﻤﺤﻴط ﺒﻪ‪ ،‬ﻴﺘﺤﻠّﻰ ﺒﻘﻴﻤﻪ وﻋﺎداﺘﻪ وﻴدﻴن ﺒﻨظﺎﻤﻪ‬
‫ـﺘم ﺒد ارﺴـﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬وﻴﻌﻨـﻰ‬
‫ﻓﺈن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ‪:‬ﻫﻲ ذﻝك اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴﻬ ّ‬
‫وﻝذﻝك‪ّ ،‬‬
‫ﺒدراﺴﺔ أﺴﺎﻝﻴب ﺤﻴﺎة اﻹﻨﺴﺎن وﺴﻠوﻜﺎﺘﻪ اﻝﻨﺎﺒﻌﺔ ﻤن ﺜﻘﺎﻓﺘﻪ‪ .‬وﻫﻲ ﺘـدرس اﻝﺸـﻌوب اﻝﻘدﻴﻤـﺔ‪ ،‬ﻜﻤـﺎ ﺘـدرس‬
‫‪131‬‬
‫اﻝﺸﻌوب اﻝﻤﻌﺎﺼرة‪.‬‬
‫ﻓﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ إذن‪ ،‬ﺘﻬدف إﻝﻰ ﻓﻬم اﻝظﺎﻫرة اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وﺘﺤدﻴد ﻋﻨﺎﺼرﻫﺎ‪ .‬ﻜﻤﺎ ﺘﻬـدف إﻝـﻰ‬
‫وﺘﻔﺴـر‬
‫دراﺴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ واﻝﺘﻤﺎزج اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ‪ ،‬وﺘﺤدﻴد اﻝﺨﺼﺎﺌص اﻝﻤﺘﺸﺎﺒﻬﺔ ﺒﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت‪ّ ،‬‬
‫ﻤﻌﻴن‪.‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨﺔ ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻊ ّ‬‫اﻝﺘطورﻴﺔ ﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ّ‬
‫ّ‬ ‫ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ اﻝﻤراﺤل‬
‫وﻝﻬــذا اﺴــﺘطﺎع ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ أن ﻴﻨﺠﺤـوا ﻓــﻲ د ارﺴــﺎﺘﻬم اﻝﺘــﻲ أﺠروﻫــﺎ ﻋﻠــﻰ ﺤﻴــﺎة‬
‫اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﺴواء ﻤﺎ اﻋﺘﻤد ﻤﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻝﺘراث اﻝﻤﻜﺘوب ﻝﻺﻨﺴﺎن اﻝﻘدﻴم وﺘﺤﻠﻴـل آﺜﺎرﻫـﺎ‪ ،‬أو ﻤـﺎ ﻜـﺎن ﻤﻨﻬـﺎ‬
‫ﻴﺘﻌﻠّق ﺒﺎﻹﻨﺴﺎن اﻝﻤﻌﺎﺼر ﻀﻤن إطﺎرﻩ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻝﻤﻌﺎش ‪.‬‬
‫ﺤد ﺒﻌﻴد‪ -‬ﻓﻴﻤﺎ ﻴﺴ ّـﻤﻰ )ﻋﻠـم اﺠﺘﻤـﺎع اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ( واﻝـذي ﻴﻌﻨـﻲ ﺘﺤﻠﻴـل طﺒﻴﻌـﺔ اﻝﻌﻼﻗـﺔ‬
‫وﻫذا ﻴدﺨل – إﻝﻰ ّ‬
‫ﺒﻴن اﻝﻤوﺠـود ﻤـن أﻨﻤـﺎط اﻹﻨﺘـﺎج اﻝﻔﻜـري‪ ،‬وﻤﻌطﻴـﺎت اﻝﺒﻨﻴـﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪ ،‬وﺘﺤدﻴـد وظـﺎﺌف ﻫـذا اﻹﻨﺘـﺎج ﻓـﻲ‬
‫‪132‬‬
‫وﻴﺘﻀﻤن ﻫذا اﻝﺘﻌرﻴف اﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ذات اﻝﺘرﻜﻴب اﻝﺘﻨﻀﻴدي أو اﻝطﺒﻘﻲ‪.‬‬
‫أن اﻝﺘﺠـ ـ ــﺎﻨس اﻝﺜﻘـ ـ ــﺎﻓﻲ ﺒـ ـ ــﺎﻝﻤﻌﻨﻴﻴن ‪ :‬اﻝﻔﻠﺴـ ـ ــﻔﻲ‬
‫إن اﻝﺤـ ـ ــدﻴث ﻋـ ـ ــن أﻨﻤـ ـ ــﺎط اﻹﻨﺘـ ـ ــﺎج اﻝﻔﻜـ ـ ــري‪ ،‬ﻴﻌﻨـ ـ ــﻲ ّ‬
‫ّ‬
‫ﻷن ﻫــذا اﻝﺘﺠــﺎﻨس ﻴﻐطّــﻲ وﺠــوداً ﺤﻘﻴﻘﻴـﺎً ﻷﻨﻤــﺎط‬ ‫واﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ‪ ،‬ﻫــو ﻏﻴــر ﻋﻤﻠﻴــﺎت ﻋﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع‪ّ .‬‬
‫ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻤن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻗد ﺘﺘﻨﺎﻗض ﻤﻀﻤوﻨﺎً ووظﻴﻔﺔ ﻓـﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ اﻝواﺤـد‪ .‬ﻓﻌﻠـﻰ اﻝـرﻏم ﻤـن وﺠـود ﺒﻌـض‬
‫ـوﻋﻴﺎً ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ذات اﻝﺘرﻜﻴــب اﻝطﺒﻘــﻲ ""‬ ‫اﻝﻌواﻤــل )اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ( اﻝﻤﺸــﺘرﻜﺔ‪ ،‬ﻓــﻼ ﺘوﺠــد ﻤوﻀـ ّ‬
‫ادﻋــت أو أرادت ﻫــذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻝﻨﻔﺴــﻬﺎ‪ ،‬أن ﺘﻜــون ﻜــذﻝك‪ .‬ﻓﻬﻨــﺎك ﻤــن وﺠﻬــﺔ‬ ‫ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻝﻠﺠﻤﻴــﻊ "‪ ،‬ﺤﺘــﻰ ٕوان ّ‬
‫ﻨظــر اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻨﻤطﻴــﺔ ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ )رّﺒﻤــﺎ ﻓــﻲ ذﻝــك أﻨﻤــﺎط اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝﺠﻤﺎﻫﻴرﻴــﺔ( ﻴﻔﻀــﻲ ﺘﺼــﻨﻴﻔﻬﺎ وﺘﺤﻠﻴﻠﻬــﺎ‪،‬‬
‫ﺘﻌﺒر ﻋﻨـﻪ ﺒﺎﻝﻀـرورة‪ .‬وﻫـذا ﻴﻌﻨـﻲ أن اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻓـﻲ ﻨﻬﺎﻴـﺔ‬ ‫إﻝﻰ إﺒراز اﻝﺘﻤﺎﻴز اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻝذي ّ‬
‫اﻷﻤر‪ ،‬ﻫﻲ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺘﺒﺎﻴن ﻓﻲ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ وﻋدم ﻤﺴﺎواة ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺎل اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ ‪.‬‬
‫اﻝﻤﻨﻀدة )اﻝطﺒﻘﻴﺔ( ﻝﻴس ﺤﺼ اًر ﺒﻘدر ﻤﺎ ﻫـو ﺘﺄﻜﻴـد ﻋﻠـﻰ‬ ‫ّ‬ ‫إن اﻝﺤدﻴث ﻋن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت‬ ‫ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨــﺔ ﻤــن اﻝﺘﻤ ــﺎﻴز ﺒــﻴن اﻷﺼ ــﻨﺎف اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‬
‫أن اﻹﻨﺘــﺎج اﻝﻔﻜ ــري ﻫــو ﺘﻌﺒﻴ ــر ﻋــن ﻤرﺤﻠ ــﺔ ّ‬
‫ّ‬
‫اﻻﻗﺘﺼــﺎدﻴﺔ‪ .‬وأن اﺴــﺘﻌﻤﺎل ﻤﻔﻬ ــوم اﻝﺘرﻜﻴــب اﻝﺘﻨﻀــﻴدي ‪ ،Stratification‬ﻋﻠ ــﻰ اﻝــرﻏم ﻤ ــن‬

‫‪53‬‬
‫ﻏﻤوﻀــﻪ‪ ،‬ﻴﻘﺤــم ﻓــﻲ ﺤﻘــل اﻝﺘﺤﻠﻴــل اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ﺘﺎرﻴﺨﻴــﺔ ﻗﺒــل أرﺴــﻤﺎﻝﻴﺔ‪ ،‬ﻗــد ﻴﻜــون‬
‫ﻤﻀــﻤوﻨﻬﺎ اﻝطﺒﻘــﻲ ﻤﺤـ ّل ﻨﻘــﺎش‪ .‬وﻋﻠــﻰ ﻫــذا اﻷﺴــﺎس‪ ،‬ﺘﻜــون اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝوﺤﻴــدة اﻝﺘــﻲ ﺘﺨــرج‬
‫ﻤن اﻝﺤﻘل اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻫﻲ ﺘﻠك اﻝﺘـﻲ ﺘﺴ ّـﻤﻰ ﻋـﺎدة ﺒﺎﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت )اﻝﺒداﺌﻴـﺔ (‪ ،‬واﻝﺘـﻲ ﻝـم ﺘﺼـل‬
‫ﻤﻌﻴن‪.‬‬
‫ﻓﻴﻬﺎ أﻨﻤﺎط اﻹﻨﺘﺎج اﻝﻔﻜري إﻝﻰ درﺠﺔ ﻜﺎﻓﻴﺔ ﻤن اﻝﺘﻤﺎﻴز ﺘﺴﻤﺢ ﻝﻬﺎ ﺒﺘﺼﻨﻴف ّ‬
‫ﻝــﻴس اﻝﻤﻬـ ّـم ﻤــن وﺠﻬــﺔ اﻝﻨظــر اﻝﺘﺤﻠﻴﻠﻴــﺔ إﺜﺒــﺎت اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻹﻨﺘــﺎج اﻝﻔﻜــري واﻝواﻗــﻊ‬ ‫‪-2‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨـﺔ ﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻤﻌ ّـﻴن‪ .‬وﻴﻌ ّـد‬‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺒﻘدر ﻤﺎ ﻫو ﺘﺤﻠﻴـل أﺸـﻜﺎل ﻫـذﻩ اﻝﻌﻼﻗـﺔ ﻓـﻲ ﻤرﺤﻠـﺔ ّ‬
‫ﻫــذا اﻝﺘﺤﻠﻴــل ﻤﺼــد اًر أﺴﺎﺴـ ّـﻴﺎً ﻓــﻲ اﻝﻤﻨﺎﻗﺸــﺎت اﻝﻤﺘﻌﻠّﻘــﺔ ﺒــﺎﻝرواﺒط اﻝﻤوﺠــودة ﺒــﻴن اﻝﺒﻨﻴــﺔ اﻝﺘﺤﺘﻴــﺔ‬
‫واﻝﺒﻨﻴــﺔ اﻝﻔوﻗﻴــﺔ‪ ،‬واﻝﺘــﻲ أﻓﻀــت إﻝــﻰ ﺘﺄﻜﻴــد ﻓﻜ ـرة اﻝﺘﺒــﺎدل اﻝــدﻴﺎﻝﻴﻜﺘﻴﻜﻲ اﻝﻘــﺎﺌم ﺒﻴﻨﻬﻤــﺎ‪ .‬وﺘﺠــدر‬
‫أن اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻷدب واﻝﻔــن‪ ،‬ﺴــﺎﻫﻤت ﻤﺴــﺎﻫﻤﺔ ﻤﺘطـ ّـورة ﻓــﻲ ﺘﺤﻠﻴــل أﺸــﻜﺎل‬ ‫اﻹﺸــﺎرة ﻫﻨــﺎ‪ ،‬إﻝــﻰ ّ‬
‫اﻝﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴن اﻹﻨﺘﺎج اﻝﻔﻜري‪ ،‬وﻤﻌطﻴﺎت اﻝﺒﻨﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪.‬‬
‫ـﺎﻝﻘص أو اﻝﻤﺴــرح ﻤــﺜﻼً‪ ،‬ﻤﻌطﻴــﺎت‬ ‫إن ﺘﺤدﻴــد اﻝﻜﻴﻔﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ ﻴﺤـ ّـول ﺒﻬــﺎ إﻨﺘــﺎج ﻓﻜــري‪ ،‬ﻜـ ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫أن‬
‫ﺴﻴﻤﺎ ّ‬ ‫ﺒد ﻤن إﺒراز اﻝوظﻴﻔﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻝﻬذا اﻹﻨﺘﺎج‪ ،‬وﻻ ّ‬ ‫اﻝواﻗﻊ‪ ،‬ﻻ ﻴﻜﻔﻲ‪ ،‬ﺒل ﻻ ّ‬
‫ـؤدون أدوا اًر ﻗ ــد ﻴﻌوﻨﻬ ــﺎ أو ﻻ ﻴﻌوﻨﻬ ــﺎ ﻝﺼ ــﺎﻝﺢ‬
‫اﻝﻤﻨﺘﺠ ــﻴن ﻴﻨﺘﻤ ــون إﻝ ــﻰ ﻓﺌ ــﺎت ﻤ ــن اﻝﻤﺜﻘّﻔ ــﻴن ﻴ ـ ّ‬
‫ﻤﻌﻴﻨﺔ‪ .‬وﻫذﻩ اﻝوظﻴﻔـﺔ ﻝﻴﺴـت ﻤظﻬـ اًر ﺜﺎﻨوﻴـﺎً أو ﺘﻜﻤﻴﻠﻴـﺎً‪ ،‬ﺒـل ﻫـﻲ‬ ‫أﺼﻨﺎف أو طﺒﻘﺎت اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ّ‬
‫ﺒﻌـ ٌـد ﻤــن أﺒﻌــﺎد اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ واﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ‪ ،‬وﻻ ﻴﻤﻜــن ﺘﻔﺴــﻴر أي ﺤــدث ﻓﻜــري ﻤــن دوﻨﻬــﺎ‪.‬‬
‫وﻫﻲ ﻓﻲ اﻝوﻗت ذاﺘﻪ‪ ،‬ﺘوﺠد ﺤﻼ‪ ‬ﻝﻤـﺎ ﻴﺴ ّـﻤﻰ " اﺴـﺘﻘﻼﻝﻴﺔ " اﻝﻘـﻴم اﻝﻔﻜرﻴـﺔ واﻝﺠﻤﺎﻝﻴـﺔ‪ ،‬وذﻝـك ﻤـن‬
‫ﻤﺤددة‪.‬‬
‫ﺨﻼل اﻜﺘﺸﺎف وظﻴﻔﺔ اﺴﺘﻤ اررﻴﺔ ﻫذﻩ اﻝﻘﻴم‪ ،‬أو ﺒﻌﺜﻬﺎ ﻓﻲ ظروف ﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ّ‬
‫ﺘوﺠــﻪ ﺴــﻠوك اﻝﻔــرد‪ ،‬وﺘﺼــرف‬
‫إن د ارﺴــﺔ اﻝوﺴــط اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ‪ ،‬ﺘﻜﺸــف ﻋــن اﻵﻝﻴــﺔ اﻝﺴــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ اﻝﺘــﻲ ّ‬
‫ّ‬
‫اﻝﻨزﻋﺔ اﻝﻌدواﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻻت ﺘﻨﻔﻴس ﻤﻬ ّذب‪ .‬واﻝﻤﺜﺎل ﻋﻠﻰ ذﻝك ﻓﻲ ﺒﻌض اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻜﻤﺎ ﻓﻲ‬
‫طﻘوس )اﻵﺒو‪ (Apo‬اﻝﺘﻲ ﺘﻤﺎرﺴﻬﺎ ﻗﺒﺎﺌل اﻵﺸﺎﻨﺘﻲ ‪ Ashanti‬ﻓﻲ ﺴﺎﺤل اﻝذﻫب ﻓﻲ أﻓرﻴﻘﻴﺎ اﻝﻐرﺒﻴﺔ ‪.‬‬
‫ﻓﻔــﻲ اﺤﺘﻔــﺎﻻت اﻵﺒــو‪ ،‬ﻻ ﻴﺴــﻤﺢ ﻓﻘــط‪ ،‬ﺒــل ﻴﺠــب‪ ،‬أن ﻴﺴــﻤﻊ أﺼــﺤﺎب اﻝﺴــﻠطﺔ‪ ،‬اﻝﺴــﺨرﻴﺔ واﻝﻠــوم‬
‫أن ﻓـﻲ ﻫـذا ﻀـﻤﺎﻨﺔ ﻝﻜـﻲ‬ ‫واﻝﻠﻌﻨﺎت ﻤن رﻋﺎﻴﺎﻫم ﺒﺴﺒب اﻝﻤظﺎﻝم اﻝﺘﻲ ارﺘﻜﺒوﻫﺎ‪ .‬وﻴﻌﺘﻘد رﺠﺎل اﻵﺸﺎﻨﺘﻲ ّ‬
‫ﻻ ﺘﺘﻌ ّذب أرواح اﻝﺤﻜـﺎم ﺒﺴـﺒب ﻜﺒـت اﺴـﺘﻴﺎء اﻝﻐﺎﻀـﺒﻴن‪ .‬وﻝـوﻻ ذﻝـك‪ ،‬ﻷﻓﻀـﻰ ﺘـراﻜم اﻻﺴـﺘﻴﺎء وﺘﻌـﺎظم‬
‫ﻗوﺘﻪ‪ ،‬إﻝﻰ إﻀﻌﺎف ﺴﻠطﺔ اﻝﺤﻜﺎم‪ ،‬ﺒل ٕواﻝﻰ ﻗﺘﻠﻬم‪ .‬وﻻ ﺘﺘطﻠّب ﻓﻌﺎﻝﻴـﺔ ﻫـذﻩ اﻵﻝﻴـﺔ )اﻝﻔروﻴدﻴـﺔ اﻝﺠـوﻫر(‬ ‫ّ‬
‫ﻓــﻲ اﻝﺘﻨﻔــﻴس ﻋــن اﻝﻜﺒــت أي إﻴﻀــﺎح‪ .‬ﻓﻬــﻲ ﺘﻠﻘــﻲ ﻀــوءاً أﻜﺒــر ﻋﻠــﻰ ﻤــﺎ ﺘﻘــوم ﺒــﻪ ﻤــن أﺸــﻜﺎل اﻝﺴــﻠوك‬
‫اﻝﻤﻨظّﻤ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻨظ ــم اﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‪ ،‬ﻤ ــن ﺘﺼ ــﺤﻴﺢ ﻻﺨ ــﺘﻼل اﻝﺘـ ـوازن ﻓ ــﻲ ﻨﻤ ــو ﺸﺨﺼ ــﻴﺎت اﻷﻓـ ـراد اﻝ ــذﻴن‬
‫‪133‬‬
‫ﺘﺸﻤﻠﻬم‪.‬‬
‫ـﺘم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﺒــﺎﻝﺘراث واﻝﺤﻴــﺎة داﺨــل ﻨطــﺎق اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ‪ ،‬وﻴﻤﻜــن‬
‫وﻤــن ﻫــذا اﻝﻤﻨطﻠــق ﺘﻬـ ّ‬
‫ﺒوﺴﺎطﺘﻬﺎ اﻝﺨوض ﻓﻲ ﺠوﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ‪ ،‬وﻤﻌرﻓـﺔ ﻜﻴـف ﺘﺤﻴـﺎ اﻷﻤـم‪ ،‬ﻤـن ﺨـﻼل اﻹﺠﺎﺒـﺔ ﻋـن‬
‫اﻝﺘﺴﺎؤﻻت اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ ‪:‬‬
‫ﻤــﺎ ﻫــﻲ ﺴــﺒل اﻝﻌــﻴش اﻝﻤﺘّﺒــﻊ ﻝــدﻴﻬم؟ ﻤــﺎ ﻫــﻲ اﻝط ارﺌــق اﻝﺘــﻲ ﻴﺘﺒﻌوﻨﻬــﺎ ﻓــﻲ ﺘرﺒﻴــﺔ أﺒﻨــﺎﺌﻬم ؟ ﻜﻴــف‬
‫ﻴﻌﺒــرون ﻋــن أﻨﻔﺴــﻬم؟ ﻤــﺎ ﻫــﻲ ط ـرﻴﻘﺘﻬم ﻓــﻲ أداء ﻋﺒــﺎداﺘﻬم؟ ﻤــﺎ ﻫــﻲ اﻝﻌﻠــوم واﻵداب واﻝﻔﻨــون اﻝﺴــﺎﺌدة‬ ‫ّ‬
‫ﻋﻨدﻫم؟ وﻜﻴف ﻴﻨﻘﻠون ﺘراﺜﻬم إﻝﻰ أﺠﻴﺎﻝﻬم اﻝﺠدﻴدة ﻤن ﺒﻌدﻫم؟ وﻏﻴر ذﻝك ﻤن اﻝﻌﺎدات واﻝﻘﻴم وأﺴﺎﻝﻴب‬

‫‪54‬‬
‫اﻝﺘﻌﺎﻤل ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬم‪.‬‬

‫ﺘطورﻫﺎ ‪:‬‬
‫ﺜﺎﻨﻴﺎً‪-‬ﻨﺸﺄة اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وﻤراﺤل ّ‬
‫ﻝم ﺘظﻬر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻜﻔرع ﻤﺴﺘﻘ ّل ﻋن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﺎﻤﺔ‪ ،‬إﻻّ ﻓـﻲ اﻝﻨﺼـف اﻝﺜـﺎﻨﻲ‬
‫ﻤن اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸر ‪.‬‬
‫رواد‬
‫ورّﺒﻤ ــﺎ ﻴﻌ ــود اﻝﻔﻀ ــل ﻓ ــﻲ ذﻝ ــك إﻝ ــﻰ اﻝﻌ ــﺎﻝم اﻹﻨﻜﻠﻴ ــزي ) إدوارد ﺘ ــﺎﻴﻠور ( اﻝ ــذي ﻴﻌ ـ ّـد ﻤ ــن ّ‬
‫ﻗدم أول ﺘﻌرﻴـف ﺸـﺎﻤل ﻝﻠﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻋـﺎم ‪ 1871‬ﻓـﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ " اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ اﻝﺒداﺌﻴـﺔ " ‪.‬وﻗـد‬ ‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬واﻝذي ّ‬
‫ﻤـ ّـرت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﺒﻤ ارﺤــل ﻤﺘﻌـ ّـددة‪ ،‬ﻤﻨــذ ذﻝــك اﻝﺤــﻴن ﺤﺘــﻰ وﺼــﻠت إﻝــﻰ ﻤــﺎ ﻫــﻲ ﻋﻠﻴــﻪ ﻓــﻲ‬
‫‪134‬‬
‫اﻝﻌﺼر اﻝﺤﺎﻀر‪.‬‬
‫وﺘﻤﺘد ﻤن ظﻬور ﻫذﻩ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ وﺤﺘـﻰ ﻨﻬﺎﻴـﺔ اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر‪ .‬وﻜﺎﻨـت‬ ‫ّ‬ ‫ﻤرﺤﻠﺔ اﻝﺒدﻴﺔ ‪:‬‬
‫ﻋﺒـﺎرة ﻋــن ﻤﺤـﺎوﻻت ﻝرﺴــم ﺼــورة ﻋﺎﻤـﺔ ﻝﺘطـ ّـور اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻤﻨــذ اﻝﻘــدم‪ ،‬واﻝﺒﺤـث أﻴﻀـﺎً ﻋـن ﻨﺸــﺄة اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ‬
‫اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ‪.‬‬
‫وظﻬــر ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻔﺘـرة إﻝــﻰ ﺠﺎﻨــب اﻝﻌــﺎﻝم اﻹﻨﻜﻠﻴــزي ) ﺘــﺎﻴﻠور (‪ ،‬اﻝﻌــﺎﻝم اﻷﻤرﻴﻜــﻲ ) ﺒـواز ( اﻝــذي‬
‫أﺨذ ﺒﺎﻻﺘﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬وذﻝك ﻤن ﺠﺎﻨﺒﻴن ؛‬
‫أوﻝﻬﻤـــﺎ ‪ :‬إﺠ ـراء د ارﺴــﺎت ﺘﻔﺼــﻴﻠﻴﺔ ﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ﻤﺠﻤوﻋــﺎت ﺼــﻐﻴرة‪ ،‬ﻜﺎﻝﻘﺒﺎﺌــل واﻝﻌﺸــﺎﺌر‪ ،‬وﻤ ارﺤــل‬
‫ﺘطورﻫﺎ ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وﺜﺎﻨﻴﻬﻤﺎ ‪ :‬أﺠراء ﻤﻘﺎرﻨـﺔ ﺒـﻴن ﺘـﺎرﻴﺦ اﻝﺘط ّـور اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ‪ ،‬ﻋﻨـد ﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن اﻝﻘﺒﺎﺌـل‪ ،‬ﺒﻐﻴـﺔ اﻝوﺼـول‬
‫أﻫﻤﻴ ــﺔ‬
‫وﺘطورﻫ ــﺎ‪ .‬وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ ﻴﻌط ــﻲ ّ‬
‫ّ‬ ‫إﻝ ــﻰ ﻗـ ـواﻨﻴن ﻋﺎﻤ ــﺔ أو ﻤﺒ ــﺎدىء‪ ،‬ﺘﺤﻜ ــم ﻨﻤ ــو اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺎت اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ‬
‫اﻝﺨﺎﺼﺔ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ﻤﻨﻬﺠﻴﺘﻪ‬
‫ّ‬ ‫ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻋﻠﻤﺎً ﻝـﻪ‬
‫اﻝﻤرﺤﻠــﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴــﺔ ‪ :‬وﺘﻘــﻊ ﻤــﺎ ﺒــﻴن )‪ 1915 -1900‬م(‪ ،‬وﺘﻌـ ّـد اﻝﻤرﺤﻠــﺔ اﻝﺘﻜوﻴﻨﻴــﺔ‪ ،‬ﺤﻴــث ﺘرّﻜــزت‬
‫اﻝﺠﻬــود ﻓــﻲ اﻷﺒﺤــﺎث واﻝد ارﺴــﺎت‪ ،‬ﻋﻠــﻰ ﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ﺼــﻐﻴرة ﻤﺤـ ّـددة ﻝﻤﻌرﻓــﺔ ﺘــﺎرﻴﺦ ﺜﻘﺎﻓﺘﻬــﺎ وﻤ ارﺤــل‬
‫ﺘطورﻫﺎ‪ ،‬وﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﺘﺤدﻴد ﻋﻨﺎﺼر ﻫذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻗﺒل أن ﺘﻨﻘرض ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وﺘوﺼل اﻝﺒﺎﺤث‬ ‫ّ‬ ‫واﺴﺘﻨﺎداً إﻝﻰ ذﻝك‪ ،‬ﺠرت دراﺴﺎت ﻋدﻴدة ﻋﻠﻰ ﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﻬﻨود اﻝﺤﻤر ﻓﻲ أﻤرﻴﻜﺎ‪،‬‬
‫اﻷﻤرﻴﻜﻲ ) وﺴﻠر ( إﻝﻰ أﺴﻠوب ﻴﻤﻜن ﺒوﺴﺎطﺘﻪ ﻤن دراﺴﺔ أي إﻗﻠﻴم أو ﻤﻨطﻘﺔ ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝم ﺘﻌـﻴش ﻓﻴﻬـﺎ‬
‫ﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ذات ﺜﻘﺎﻓــﺎت ﻤﺘﺸــﺎﺒﻬﺔ‪ ،‬أو ﻤــﺎ أﺼــطﻠﺢ ﻋﻠــﻰ ﺘﺴــﻤﻴﺘﻪ ﺒـ ـ )اﻝﻤﻨطﻘــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ (‪ .‬وﻗــد ﺸـ ّـﺒﻪ )‬
‫وﺴــﻠر ( اﻝﻤﻨطﻘــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﺒــداﺌرة‪ ،‬ﺘﺘرّﻜــز ﻤﻌظــم اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﻓــﻲ ﻤرﻜزﻫــﺎ‪ ،‬وﺘﻘـ ّل ﻫــذﻩ اﻝﻌﻨﺎﺼــر‬
‫ﻜﻠّﻤﺎ اﺒﺘﻌدت ﻋن اﻝﻤرﻜز‪.‬‬
‫ﺘﻤﻴــزت ﺒﻜﺜـرة‬‫اﻝﻤرﺤﻠــﺔ اﻝﺜﺎﻝﺜــﺔ ‪ :‬وﺘﻘــﻊ ﻤــﺎ ﺒــﻴن )‪ 1930 -1915‬م( وﺘﻌـ ّـد ﻓﺘـرة اﻻزدﻫــﺎر‪ ،‬ﺤﻴــث ّ‬
‫اﻝﺒﺤــوث واﻝﻤﻨﺎﻗﺸــﺎت ﻓــﻲ اﻝﻘﻀــﺎﻴﺎ اﻝﺘــﻲ ﺘــدﺨل ﻓــﻲ ﺼــﻠب ﻋﻠــم اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺘﻠــك‬
‫اﻝدراﺴﺎت اﻝﺘﻲ ﺘرّﻜزت ﻓﻲ أﻤرﻴﻜﺎ ‪.‬‬
‫وﻴرﺠﻊ ازدﻫﺎر اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓـﻲ ﺘﻠـك اﻝﻔﺘـرة‪ ،‬إﻝـﻰ ﻨﻀـﺞ ﻫـذا اﻝﻌﻠـم ووﻀـوح ﻤﻔﺎﻫﻴﻤـﻪ وﻤﻨﺎﻫﺠـﻪ‪.‬‬
‫وﺘراﻓق ذﻝك ﺒﺎزدﻫﺎر اﻝﻤدرﺴﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻓﻲ أﻤرﻴﻜﺎ‪ ،‬وظﻬور اﻝﻤدرﺴﺔ اﻻﻨﺘﺸﺎرﻴﺔ ﻓـﻲ إﻨﻜﻠﺘـرا‪ ،‬وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ‬
‫ﺒﻌ ــد اﻷﺨ ــذ ﺒﻤﻔﻬ ــوم )اﻝﻤﻨطﻘ ــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ( اﻝ ــذي طرﺤ ــﻪ ) وﺴ ــﻠر ( ﻜﺈط ــﺎر ﻝﺘﺤﻠﻴ ــل اﻝﻤﻌطﻴ ــﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ‬
‫‪55‬‬
‫اﻝﺘوﺼل إﻝﻰ اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﻤﺸﺘرﻜﺔ ﺒﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﻤﺘﺸﺎﺒﻬﺔ‪.‬‬ ‫وﺘﻔﺴﻴرﻫﺎ‪ ،‬و ّ‬
‫اﻝﻤرﺤﻠــﺔ اﻝراﺒﻌــﺔ‪ :‬وﻤـ ّـدﺘﻬﺎ ﻋﺸــر ﺴــﻨوات ﻓﻘــط‪ ،‬وﺘﻘــﻊ ﻤــﺎ ﺒــﻴن )‪ 1940 -1930‬م(‪ .‬وﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم‬
‫ﺘﻤﻴــزت ﺒــﺎﻋﺘراف اﻝﺠﺎﻤﻌــﺎت اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔ‬‫اﻝﺘوﺴــﻌﻴﺔ‪ ،‬ﺤﻴــث ّ‬
‫ّ‬ ‫ﻤــن ﻗﺼــر ﻤـ ّـدﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘــد أطﻠــق ﻋﻠﻴﻬــﺎ اﻝﻔﺘ ـرة‬
‫وﺨﺼﺼــت ﻝﻬــﺎ‬‫ّ‬ ‫واﻷوروﺒﻴــﺔ ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﻜﻌﻠــم ﺨــﺎص ﻓــﻲ إطــﺎر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ اﻝﻌﺎﻤــﺔ‪،‬‬
‫وﻤﻘررات دراﺴﻴﺔ ﻓﻲ أﻗﺴﺎم ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻓﻲ اﻝﺠﺎﻤﻌﺎت‪.‬‬ ‫ﻓروع ّ‬
‫ﺘﺒﻨﺎﻫــﺎ ‪ /‬ﺴــﺎﺒﻴر ‪ /‬ﻋــﺎﻝم اﻻﺠﺘﻤــﺎع اﻷﻤرﻴﻜــﻲ‪،‬‬
‫وظﻬــرت ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻔﺘ ـرة اﻝﻨظرﻴــﺔ )اﻝﺘﻜﺎﻤﻠﻴــﺔ( اﻝﺘــﻲ ّ‬
‫واﺴــﺘطﺎع ﻤــن ﺨﻼﻝﻬــﺎ ﺘﺤدﻴــد ﻤﺠﻤوﻋــﺔ ﻤﺘﻨﺎﺴــﻘﺔ ﻤـن أﻨﻤــﺎط اﻝﺴــﻠوك اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ‪ ،‬واﻝﺘــﻲ ﻴﻤﻜــن اﻋﺘﻤﺎدﻫــﺎ‬
‫أن ﺠـوﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻫـو ﻓـﻲ ﺤﻘﻴﻘـﺔ اﻷﻤـر‪،‬‬ ‫ﻓﻲ د ارﺴـﺔ اﻝﺴـﻠوك اﻝﻔـردي‪ ،‬ﻝـدى أﻓـراد ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻤﻌ ّـﻴن‪ ،‬ﺤﻴـث ّ‬
‫ﻝــﻴس إﻻّ ﺘﻔﺎﻋــل اﻷﻓ ـراد ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ﺒﻌﻀــﻬم ﻤــﻊ ﺒﻌــض‪ ،‬وﻤــﺎ ﻴــﻨﺠم ﻋــن ﻫــذا اﻝﺘﻔﺎﻋــل ﻤــن ﻋﻼﻗــﺎت‬
‫وﻤﺸﺎﻋر وطراﺌق ﺤﻴﺎﺘﻴﺔ ﻤﺸﺘرﻜﺔ ‪.‬‬
‫وﻗد ﺘﺄﺜّرت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻝﻔﺘرة‪ -‬إﻝـﻰ ﺤ ّـد ﺒﻌﻴـد‪ -‬ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪ ،‬وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ‬
‫ﻓــﻲ ﻤﻔﺎﻫﻴﻤﻬــﺎ وﻤﻨﺎﻫﺠﻬــﺎ‪ ،‬وذﻝــك ﺒﻔﻀــل اﻷﺒﺤــﺎث اﻝﺘــﻲ ﻗــﺎم ﺒﻬــﺎ ﻜـ ّل ﻤــن ‪ /‬ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ وﺒـراون ‪ /‬ﻓــﻲ‬
‫ﻤﺠﺎﻻت اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪.‬‬
‫اﻝﻤرﺤﻠـﺔ اﻝﺨﺎﻤﺴــﺔ‪ :‬وﻫــﻲ اﻝﻔﺘـرة اﻝﻤﻌﺎﺼـرة اﻝﺘـﻲ ﺒــدأت ﻤﻨـذ ﻋــﺎم ‪ ،1940‬وﻤـﺎ ازﻝــت ﺤﺘـﻰ اﻝوﻗــت‬
‫ﺒﺘوﺴ ــﻊ ﻨط ــﺎق اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺔ‪ ،‬ﺨ ــﺎرج أوروﺒ ــﺎ وأﻤرﻴﻜ ــﺎ‪،‬‬
‫اﻝﺤﺎﻀ ــر‪ .‬وﺘﻤﺘ ــﺎز ﻫ ــذﻩ اﻝﻤرﺤﻠ ــﺔ ّ‬
‫واﻨﺘﺸــﺎر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﻓــﻲ اﻝﻌدﻴــد ﻤــن ﺠﺎﻤﻌــﺎت اﻝــدول اﻝﻨﺎﻤﻴــﺔ‪ ،‬ﻓــﻲ أﻓرﻴﻘﻴــﺎ وآﺴــﻴﺎ وأﻤرﻴﻜــﺎ‬
‫اﻝﻼﺘﻴﻨﻴﻨﻴﺔ‪.‬‬
‫اﻝدرﺴــﺎت اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــﺔ‪ ،‬ﻜــﺎن اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻝﻘــوﻤﻲ ﻓــﻲ‬
‫وﺘ ارﻓــق ذﻝــك ﻤــﻊ ظﻬــور اﺘّﺠﺎﻫــﺎت ﺠدﻴــدة ﻓــﻲ ا‬
‫ﻤﻘدﻤــﺔ ﻫــذﻩ اﻻﺘّﺠﺎﻫــﺎت اﻝﺤدﻴﺜــﺔ ﻓــﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‪ ،‬واﻝــذي ﻴﻬــدف إﻝــﻰ ﺘﺤدﻴــد اﻝﺨﺼــﺎﺌص‬ ‫ّ‬
‫اﻝﻘوﻤﻴــﺔ‪ .‬وﻗــد أﺨــذت ﺒﻬــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻝﺒﺎﺤﺜــﺔ اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔ ) روث ﺒﻴﻨــدﻜﻴت ( اﻝﺘــﻲ ﻗﺎﻤــت‬
‫ّ‬ ‫اﻝرﺌﻴﺴــﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓــﺔ‬
‫ﺒدراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﻴﺎﺒﺎﻨﻴﺔ ﺨﻼل اﻝﺤرب اﻝﻌﺎﻝﻤﻴﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ ‪.‬‬
‫ﻴﻔﻀـل‬
‫أن اﻻﻨﺴـﺎن ّ‬ ‫وﻴﺴﻤﻰ اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻝﻘوﻤﻲ ﻓﻲ ﺘﻘﻴﻴم اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ‪ " :‬اﻻﻨطواﺌﻴﺔ اﻝﻘوﻤﻴﺔ " واﻝﺘﻲ ﺘﻌﻨـﻲ‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫طرﻴﻘﺔ ﻗوﻤﻪ ﻓﻲ اﻝﺤﻴﺎة‪ ،‬ﻋﻠﻰ طراﺌق اﻷﻗوام اﻷﺨرى ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ‪ .‬ﺘﻠك ﻫﻲ اﻝﻨﺘﻴﺠﺔ اﻝﻤﻨطﻘﻴﺔ ﻝﻌﻤﻠﻴﺔ اﻝﺘﺜﻘﻴف‬
‫اﻷوﻝﻰ‪ ،‬واﻝﺘﻲ ﻴﺘّﻔق ﺒﻬﺎ ﺸﻌور ﻤﻌظم اﻷﻓراد ﻨﺤو ﺜﻘﺎﻓﺘﻬم اﻝﺨﺎﺼـﺔ‪ ،‬ﺴـواء أﻓﺼـﺤوا ﻋـن ﻫـذا اﻝﺸـﻌور أم‬
‫ﻝم ﻴﻔﺼﺤوا‪.‬‬
‫وﺘﺘﺠﻠّــﻰ اﻻﻨطواﺌﻴــﺔ اﻝﻘوﻤﻴــﺔ ﻝــدى اﻝﺸــﻌوب اﻝﺒداﺌﻴــﺔ ﺒﺄﺤﺴــن أﺸــﻜﺎﻝﻬﺎ ‪ ،‬ﻓــﻲ اﻷﺴــﺎطﻴر واﻝﻘﺼــص‬
‫اﻝﺸﻌﺒﻴﺔ‪ ،‬واﻷﻤﺜﻠﺔ واﻝﻌﺎدات اﻝﻠﻐوﻴﺔ ‪ ..‬ﻓﺄﺴطورة أﺼل اﻝﻌروق اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻝدى ﻫﻨود )اﻝﺸﻴروﻜﻲ( ﺘﻌطﻴﻨﺎ‬
‫ﺤﻴﺎً ﻋن اﻻﻨطواﺌﻴﺔ اﻝﻘوﻤﻴﺔ‪ .‬ﺘﻘول اﻷﺴطورة ‪:‬‬ ‫ﻤﺜﺎﻻً ّ‬
‫ﺼور اﻝﺨﺎﻝق اﻹﻨﺴﺎن ﺒﺄن ﺼﻨﻊ أوﻻً ﻓرﻨﺎً وأوﻗد اﻝﻨـﺎر ﻓﻴـﻪ‪ ،‬ﺜ ّـم ﺼـﻨﻊ ﻤـن ﻋﺠﻴﻨـﺔ ﺜﻼﺜـﺔ ﺘﻤﺎﺜﻴـل‬ ‫" ّ‬
‫أن ﻝﻬﻔـﺔ اﻝﺨـﺎﻝق إﻝـﻰ رؤﻴـﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺸـﻜل اﻹﻨﺴـﺎن‪ ،‬ووﻀـﻌﻬﺎ ﻓـﻲ اﻝﻔـرن واﻨﺘظـر ﺸ ّـﻴﻬﺎ )ﺸـواءﻫﺎ (‪ .‬ﻏﻴـر ّ‬
‫ﻴﺘوج ﺘﺠرﺒﺘﻪ ﻓﻲ اﻝﺨﻠق‪ ،‬ﻜﺎﻨت ﻤـن اﻝﺸـ ّدة ﺒﺤﻴـث أﺨـرج اﻝﺘﻤﺜـﺎل اﻷول ﻤﺒﻜـ اًر‪ ،‬ﻓﻜـﺎن‬ ‫ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻋﻤﻠﻪ اﻝذي ّ‬
‫أﻤـﺎ اﻝﺘﻤﺜـﺎل اﻝﺜـﺎﻨﻲ‪،‬‬
‫– وﻝﻸﺴف‪ -‬ﻏﻴر ﻨﺎﻀﺞ ﺸﺎﺤﺒﺎً ﺒﺎﻫـت اﻝﻠـون‪ ،‬وﻤـن ﻨﺴـﻠﻪ ﻜـﺎن اﻝﻌـرق اﻷﺒـﻴض‪ّ .‬‬
‫ﻤدﺘــﻪ ﻓــﻲ اﻝﺸ ـواء ﻜﺎﻨــت ﻤﻀــﺒوطﺔ وﻜﺎﻓﻴــﺔ‪ ،‬ﻓﺄﻋﺠﺒــﻪ ﺸــﻜﻠﻪ اﻷﺴــﻤر اﻝﺠﻤﻴــل‪،‬‬
‫ﻷن ّ‬
‫ﺠﻴــداً ّ‬
‫ﻓﻜــﺎن ﻨﺎﻀــﺠﺎً ّ‬
‫‪56‬‬
‫ﺘﺄﻤـل ﺼــورﺘﻪ‪ ،‬ﻨﺎﺴــﻴﺎً أن ﻴﺴــﺤب اﻝﺘﻤﺜــﺎل اﻝﺜﺎﻝــث ﻤــن‬ ‫وﻜــﺎن ﻫــذا ﺴــﻠف اﻝﻬﻨــود‪ .‬واﻨﺼــرف اﻝﺨــﺎﻝق إﻝــﻰ ّ‬
‫ـﺘم راﺌﺤــﺔ اﻻﺤﺘـراق‪ .‬ﻓــﺘﺢ ﺒــﺎب اﻝﻔــرن ﻓﺠــﺄة‪ ،‬ﻓوﺠــد ﻫــذا اﻝﺘﻤﺜــﺎل ﻤﺘﻔﺤﻤـﺎً أﺴــود اﻝﻠــون ‪..‬‬
‫اﻝﻔــرن ﺤﺘــﻰ اﺸـ ّ‬
‫‪135‬‬
‫ﻓﻜﺎن ذﻝك ﻤدﻋﺎة ﻝﻸﺴف‪ ،‬وﻝﻜن ﻝم ﻴﻌد ﺒﺎﻹﻤﻜﺎن ﺤﻴﻠﺔ‪ ،‬وﻜﺎن ﻫذا أول رﺠل أﺴود ‪" .‬‬
‫ﺒﻬذﻩ اﻝﺼورة ﺘﺒدو اﻻﻨطواﺌﻴﺔ اﻝﻘوﻤﻴﺔ ﻝدى اﻝﻜﺜﻴر ﻤن اﻝﺸﻌوب‪ ،‬ﺤﻴـث ﻴﺼ ّـر اﻹﻨﺴـﺎن اﻝﻔـرد ﻋﻠـﻰ‬
‫اﻝﺘﻌﺒﻴر ﻋن ﺼﻔﺎت ﻗوﻤﻪ اﻝﺤﻤﻴدة‪ ..‬وﻝﻬذا ﻴﺤﻜم أي إﻨﺴﺎن ﻋﻠـﻰ اﻝﻨظـﺎم اﻝﻘﻴﻤـﻲ اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﻝـدى أي‬
‫ﺸﻌب آﺨر‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل اﻝﻌﻼﻗﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘـرﺒط ﻫـذا اﻝﺸـﻌب ﺒﺸـﻌﺒﻪ‪ ،‬وﻓـق درﺠـﺔ اﻝرﻏﺒـﺔ واﻝﻘﺒـول ﻓـﻲ ذﻝـك‪،‬‬
‫واﻝﺘﻲ ﻗد ﺘﺼل إﻝﻰ ﺤدود اﻝرﻓض اﻝﻤطﻠق أو اﻝﻘﺒول اﻝﻤطﻠق‪ ،‬وﻓﻘﺎً ﻝﻤﻌﺎﻴﻴر ﻋﺎﻤﺔ‪.‬‬
‫أﻫم اﻻﺘﺠﺎﻫﺎت اﻝﺤدﻴﺜﺔ أﻴﻀﺎً ﻓﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﺘﻠك اﻝدراﺴﺎت اﻝﺘـﻲ ﻋﻨﻴـت‬ ‫وﻜﺎﻨت ﻤن ّ‬
‫اﻝﻤﺘﻤدﻨـﺔ‪ ،‬وﻤـﺎ أطﻠـق ﻋﻠﻴﻬـﺎ " د ارﺴـﺔ اﻝﺤﺎﻝـﺔ "‪ .‬ﻜد ارﺴـﺔ أوﻀـﺎع ﻗرﻴـﺔ أو ﻋـدد ﻤـن اﻝﻘـرى‬‫ّ‬ ‫ﺒﺎﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت‬
‫ﻤﻌﻴﻨــﺔ‪ ،‬أو د ارﺴــﺔ ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﺨﺎﺼــﺔ ﺒﻤﺠﻤوﻋــﺔ أو ﺒﻔﺌــﺔ ﻤــن اﻝﺒﺸــر‪ .‬إﻀــﺎﻓﺔ إﻝــﻰ‬
‫اﻝﻤﺘﺠـﺎورة‪ ،‬أو ﻓــﻲ ﻤﻨطﻘــﺔ ّ‬
‫دراﺴﺎت أﻜﺎدﻴﻤﻴـﺔ ﺘﺘﻌﻠّـق ﺒﺨﺼـﺎﺌص اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ وﻤﺒﺎدﺌﻬـﺎ‪ ،‬وﻤﻨـﺎﻫﺞ اﻝﺒﺤـث ﻓﻴﻬـﺎ وطراﺌﻘﻬـﺎ‬
‫ﻤﻤــﺎ ﻴﺴــﻬم ﻓــﻲ إﺠـراء اﻝد ارﺴــﺎت ﻋﻠــﻰ أﺴــس ﻤوﻀــوﻋﻴﺔ وﻋﻠﻤﻴــﺔ ﺘﺤﻘّــق اﻷﻫــداف‬ ‫وأﺴــﺎﻝﻴﺒﻬﺎ ‪ ..‬وﻏﻴرﻫــﺎ ّ‬
‫اﻝﻤرﺠوة ﻤﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺜﺎﻝﺜﺎً‪-‬أﻗﺴﺎم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ‪:‬‬


‫ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﺘﻌـ ّـدد اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‪ ،‬وﺘــداﺨل ﻤﻀــﻤوﻨﺎﺘﻬﺎ وﺘﻔﺎﻋﻠﻬــﺎ ﻓــﻲ اﻝﻨﺴــﻴﺞ اﻝﻌــﺎم ﻝﺒﻨﻴــﺔ‬
‫اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ‪ ،‬ﻓﻘـد اﺘّﻔــق اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـون ﻋﻠــﻰ ﺘﻘﺴـﻴم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ إﻝــﻰ ﺜﻼﺜـﺔ أﻗﺴــﺎم‬
‫أﺴﺎﺴﻴﺔ‪ ،‬ﻫﻲ ‪) :‬ﻋﻠم اﻵﺜﺎر – ﻋﻠم اﻝﻠﻐوﻴﺎت – وﻋﻠم اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﻤﻘﺎرن( وﻓﻴﻤﺎ ﻴﻠﻲ ﺸرح ﻝﻜ ّل ﻤﻨﻬﺎ ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫‪-1‬ﻋﻠم اﻝﻠﻐوﻴﺎت ‪:‬‬
‫اﻝﺤﻴــﺔ‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ اﻝﻤﻜﺘوﺒــﺔ‬
‫ﻫــو اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴﺒﺤــث ﻓــﻲ ﺘرﻜﻴــب اﻝﻠﻐــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬اﻝﻤﻨﻘرﻀــﺔ و ّ‬
‫اﻝﺤﻴـﺔ اﻝﻤﺴـﺘﺨدﻤﺔ ﻓـﻲ‬ ‫ﻤﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻝﺴﺠﻼّت اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻓﺤﺴب‪ ،‬ﻜﺎﻝﻼﺘﻴﻨﻴﺔ أو اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴـﺔ اﻝﻘدﻴﻤـﺔ‪ ،‬واﻝﻠﻐـﺎت ّ‬
‫ـﺘم دارﺴ ــو اﻝﻠﻐ ــﺎت ﺒ ــﺎﻝرﻤوز اﻝﻠﻐوﻴ ــﺔ اﻝﻤﺴ ــﺘﻌﻤﻠﺔ‪ ،‬إﻝ ــﻰ‬
‫اﻝوﻗ ــت ﻜﺎﻝﻌرﺒﻴ ــﺔ واﻝﻔرﻨﺴ ــﻴﺔ واﻹﻨﻜﻠﻴزﻴ ــﺔ‪ . .‬وﻴﻬ ـ ّ‬
‫ﺠﺎﻨــب اﻝﻌﻼﻗــﺔ اﻝﻘﺎﺌﻤــﺔ ﺒــﻴن ﻝﻐــﺔ ﺸــﻌب ﻤــﺎ‪ ،‬واﻝﺠواﻨــب اﻷﺨــرى ﻤــن ﺜﻘﺎﻓﺘــﻪ‪ ،‬ﺒﺎﻋﺘﺒــﺎر اﻝﻠﻐــﺔ وﻋــﺎء ﻨــﺎﻗﻼً‬
‫ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ‪.‬‬
‫اﻝﺤﻴـﺔ اﻷﺨـرى‪،‬‬‫ﻴﺘﻤﻴـز ﺒﻬـﺎ اﻝﻜـﺎﺌن اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ﻋـن ﻏﻴـرﻩ ﻤـن اﻝﻜﺎﺌﻨـﺎت ّ‬
‫إن اﻝﻠﻐﺔ ﻤن اﻝﺼﻔﺎت اﻝﺘـﻲ ّ‬ ‫ّ‬
‫ﻓﻬــﻲ طرﻴﻘــﺔ اﻝﺘﺨﺎطــب واﻝﺘﻔــﺎﻫم ﺒــﻴن اﻷﻓـراد واﻝﺸــﻌوب‪ ،‬ﺒواﺴـطﺔ رﻤــوز ﺼــوﺘﻴﺔ وأﺸــﻜﺎل ﻜﻼﻤﻴــﺔ ﻤﺘّﻔــق‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬وﻴﻤﻜن ﺘﻌﻠّﻤﻬﺎ‪ .‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ّأﻨﻬﺎ وﺴﻴﻠﺔ ﻝﻨﻘل اﻝﺘـراث اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀـﺎري‪ ،‬ﺤﻴـث ﻴﻤﻜـن اﺴـﺘﺨدام‬
‫ﻤﻌظم اﻝﻠﻐﺎت ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﺔ ﻫذا اﻝﺘراث‪.‬‬
‫ﻴﺤﺘـ ّل ﻋﻠـم اﻝﻠﻐــﺔ ﻤﻜﺎﻨـﺎً ﻤﻤﺘــﺎ اًز ﻓـﻲ ﻤﺠﻤــل اﻝﻌﻠـوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻝﺘـﻲ ﻴﻨﺘﻤــﻲ إﻝﻴﻬـﺎ؛ ﻓﻬــو ﻝـﻴس ﻋﻠﻤـﺎً‬
‫وﺘوﺼل إﻝﻰ ﺼـﻴﺎﻏﺔ ﻤـﻨﻬﺞ وﻀـﻌﻲ‬ ‫ّ‬ ‫ﻗدم إﻨﺠﺎزات ﻋظﻴﻤﺔ‪،‬‬ ‫اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎً ﻜﺎﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى‪ ،‬ﺒل اﻝﻌﻠم اﻝذي ّ‬
‫وﻤﻌرﻓــﺔ اﻝوﻗــﺎﺌﻊ اﻝﺨﺎﺼــﺔ‪ .‬وﻝــذﻝك‪ ،‬ارﺘــﺒط ﻋﻠﻤــﺎء اﻝــﻨﻔس واﻻﺠﺘﻤــﺎع واﻷﺜﻨوﻏراﻓﻴــﺎ ﺒــﺎﻝﺤرص ﻋﻠــﻰ ﺘﻌﻠّــم‬
‫اﻝﻤؤدﻴﺔ إﻝﻰ اﻝﻤﻌرﻓﺔ اﻝوﻀﻌﻴﺔ ﻝﻠوﻗﺎﺌﻊ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻤن ﻋﻠم اﻝﻠﻐﺔ اﻝﺤدﻴث ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اﻝطرﻴق‬

‫‪57‬‬
‫ﻴدرس ﻋﻠﻤﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬اﻝﻠﻐﺔ ﻓﻲ ﺴﻴﺎﻗﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ واﻝﺜﻘﺎﻓﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻝﻤﻜﺎن واﻝزﻤﺎن‪ .‬وﻴﻘـوم‬
‫ﺒﺎﻝﻤﻘوﻤـ ــﺎت اﻝﻌﺎﻤـ ــﺔ ﻝﻠﻐـ ــﺔ ورﺒطﻬـ ــﺎ ﺒﺎﻝﺘﻤـ ــﺎﺜﻼت اﻝﻤوﺠـ ــودة ﻓـ ــﻲ اﻝـ ــدﻤﺎغ‬
‫ّ‬ ‫ﺒﻌﻀـ ــﻬم ﺒﺎﺴـ ــﺘﻨﺘﺎﺠﺎت ﺘﺘﻌﻠّـ ــق‬
‫اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ‪ .‬وﻴﻘوم آﺨرون ﺒﺈﻋﺎدة ﺒﻨﺎء اﻝﻠﻐﺎت اﻝﻘدﻴﻤﺔ ﻤن ﺨﻼل ﻤﻘﺎرﻨﺘﻬﺎ ﺒﺎﻝﻤﺘﺤ ّـدرات ﻋﻨﻬـﺎ ﻓـﻲ اﻝوﻗـت‬
‫اﻝﺤﺎﻀر‪ ،‬وﻴﺤﺼﻠون ﻤن ذﻝك ﻋﻠﻰ اﻜﺘﺸﺎﻓﺎت ﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻋن اﻝﻠﻐﺔ‪.‬‬
‫وﻤــﺎ ﻴـزال ﻋــدد ﻤــن ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻠﻐوﻴــﺔ‪ ،‬ﻴدرﺴــون اﺨﺘﻼﻓــﺎت اﻝﻠﻐــﺔ ﻝﻴﻜﺘﺸــﻔوا اﻻد ارﻜــﺎت‬
‫واﻝﻨﻤــﺎذج اﻝﻔﻜرﻴــﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ‪ ،‬ﻓــﻲ ﻋــدد واﻓــر ﻤــن اﻝﺤﻀــﺎرات‪ .‬وﻴــدﺨل ﻓــﻲ ذﻝــك‪ ،‬د ارﺴــﺔ اﻻﺨﺘﻼﻓــﺎت‬
‫اﻝﻠﻐوﻴــﺔ ﻓــﻲ ﺴــﻴﺎﻗﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ‪ ،‬وﻫــو ﻤــﺎ ﻴــدﻋﻰ )ﻋﻠــم اﻝﻠﻐــﺔ اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ( اﻝــذي ﻴــدرس اﻻﺨــﺘﻼف‬
‫‪136‬‬
‫اﻝﻤوﺠود ﻓﻲ ﻝﻐﺔ واﺤدة‪ ،‬ﻝﻴظﻬر ﻜﻴف ﻴﻌﻜس اﻝﻜﻼم اﻝﻔروﻗﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬
‫إن اﻝﺘﺸﺎﺒﻪ اﻝﻤﻨﻬﺠﻲ اﻝﺸدﻴد ﺒـﻴن ﻋﻠـم اﻻﺠﺘﻤـﺎع واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻤـن ﺠﻬـﺔ‪ ،‬وﻋﻠـم اﻝﻠﻐـﺔ ﻤـن ﺠﻬـﺔ‬ ‫ّ‬
‫أﺨــرى‪ ،‬ﻴﻔﺘــرض واﺠﺒ ـﺎً ﺨﺎﺼ ـﺎً ﻤــن اﻝﺘﻌــﺎون ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴﻨﻬــﺎ‪ ،‬ﺤﻴــث ﻴﺴ ـﺘطﻴﻊ ﻋﻠــم اﻝﻠﻐــﺔ أن ﻴﻘـ ّـدم اﻝﺒ ـراﻫﻴن‬
‫اﻝﻤﺴﺎﻋدة ﻓﻲ دراﺴﺔ ﻤﺴﺎﺌل اﻝﻘراﺒﺔ‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل ﺘﻘدﻴم أﺼول اﻝﻜﻠﻤﺎت وﻤﺎ ﻴﻨﺘﺞ ﻋﻨﻬﺎ ﻤن ﻋﻼﻗـﺎت ﻓـﻲ‬
‫ﺒﻌ ــض أﻝﻔ ــﺎظ اﻝﻘ ارﺒ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﻝ ــم ﺘﻜ ــن ﻤدرﻜ ــﺔ ﺒﺼ ــورة ﻤﺒﺎﺸـ ـرة‪ ،‬ﻤ ــن ﻗﺒ ــل ﻋ ــﺎﻝم اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ أو ﻋ ــﺎﻝم‬
‫اﻻﺠﺘﻤــﺎع‪ ،‬وﺒــذﻝك ﻴﻠﺘﻘــﻲ ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬ﺒﻬــدف ﻤﻘﺎرﻨــﺔ اﻝﻔــروع اﻝﺘــﻲ ﻴﻨﺘﺠﻬــﺎ ﻫــذان اﻝﻌﻠﻤــﺎن‪.‬‬
‫وﻴﻘﺘــرب اﻝﻠﻐوﻴــون ﻤــن ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬آﻤﻠــﻴن ﻓــﻲ ﺠﻌــل د ارﺴــﺎﺘﻬم أﻜﺜــر واﻗﻌﻴــﺔ‪ ،‬وﻓــﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒــل‪،‬‬
‫ﺘوﺴﻤوا ﻓﻴﻬم اﻝﻘدرة ﻋﻠﻰ إﺨراﺠﻬم ﻤن اﻻﻀطراب اﻝـذي أﻝﻘـﺘﻬم‬ ‫ﻴﻠﺘﻤس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴون اﻝﻠﻐوﻴﻴن ﻜﻠّﻤﺎ ّ‬
‫‪137‬‬
‫ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﻴﺒدو‪ ،‬أُﻝﻔﺘﻬم اﻝزاﺌدة ﻤﻊ اﻝظﺎﻫرات اﻝﻤﺎدﻴﺔ واﻝﺘﺠرﻴﺒﻴﺔ‪.‬‬
‫أن ﻓــرع اﻝﻠﻐوﻴــﺎت ﻫــو ﺤﺎﻝﻴ ـﺎً ﻤــن أﻜﺜــر ﻓــروع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‪ ،‬اﺴــﺘﻘﻼﻻً‬
‫وﻝــذﻝك‪ ،‬ﻴﻼﺤــظ ّ‬
‫واﻨﻌ ازﻻً ﻋن اﻝﻔروع اﻷﺨرى ‪.‬ﻓدراﺴﺔ اﻝﻠﻐﺎت ﻴﻤﻜن أن ﺘﺠري دون اﻫﺘﻤﺎم ﻜﺒﻴر ﺒﻌﻼﻗﺎﺘﻬﺎ ﻤﻊ اﻝﺠواﻨب‬
‫أن اﻝﻠﻐـﺎت – ﺒﻤـﺎ‬‫اﻷﺨرى ﻓﻲ اﻝﻨﺸﺎط اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ‪ ،‬وﻫذا ﻫو اﻝواﻗﻊ ﻓﻲ ﺤﺎﻻت ﻜﺜﻴـرة‪.‬وﻤﻤـﺎ ﻻ ﺸـك ﻓﻴـﻪ‪ّ ،‬‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﻤـن ﺘراﻜﻴـب ﻤﻌﻘّـدة وﻏرﻴﺒـﺔ‪ ،‬وﻤـﺎ ﺘﻨطـوي ﻋﻠﻴـﻪ ﻤـن ﺘﻨ ّـوع ﻫﺎﺌـل‪ ،‬وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻨـد اﻝﺸـﻌوب اﻝﺒداﺌﻴـﺔ‪،‬‬
‫‪138‬‬
‫ﻏﻨﻴﺔ ﻻ ﻴﻤﻜن ﺤﺼرﻫﺎ‪.‬‬ ‫ﺘزود اﻝﺒﺎﺤث ﺒﻤﺎدة دراﺴﻴﺔ ّ‬‫ّ‬
‫ِ‬ ‫‪‬‬ ‫ِ‬
‫أﻫﻤﻴــﺔ ﺒﺎﻝﻐــﺔ ﻝﻠ َﻐــﺔ وﻴﻌﺘﺒرﻫــﺎ أﺤــد اﻷرﻜــﺎن اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ ﻓــﻲ ﻋﻠــم‬
‫وﻝــذﻝك‪ ،‬ﻴﻌطــﻲ ) ﻝﻴﻔــﻲ ﺴــﺘروس ( ّ‬
‫أن اﻝﻠﻐـﺔ ﻫـﻲ اﻝﺨﺎﺼـﻴﺔ اﻝرﺌﻴﺴـﺔ اﻝﺘـﻲ‬ ‫اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬إن ﻝم ﺘﻜن ﺤﺠر اﻝزاوﻴﺔ ﻓﻲ ذﻝك اﻝﻌﻠم‪ ،‬وﻋﻠﻰ أﺴﺎس ّ‬
‫اﻝﺤﻴﺔ اﻷﺨرى‪ .‬وﻝذﻝك‪ ،‬ﻴﻌﺘﺒرﻫﺎ اﻝظﺎﻫرة اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻴﻤﻜن ﻋن‬ ‫ﺘﻤﻴز اﻹﻨﺴﺎن ﻋن اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ‬ ‫ّ‬
‫طرﻴﻘﻬــﺎ‪ ،‬ﻓﻬــم ﻜ ـ ّل ﺼــور اﻝﺤﻴــﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ .‬وﻫــذا ﻤــﺎ ﻴؤ ّﻜــدﻩ ﻓــﻲ ﻜﺘﺎﺒــﻪ )اﻝﻤﻨــﺎطق اﻝﻤدارﻴــﺔ اﻝﺤزﻴﻨــﺔ(‬
‫واﻝ ــذي ﻴﻌ ــرف ﻓ ــﻲ اﻝﻌ ــﺎﻝم اﻝﻌرﺒ ــﻲ ﺒﺎﺴ ــم )اﻵﻓ ــﺎق اﻝﺤزﻴﻨ ــﺔ( وﻫ ــو ﻨ ــوع ﻤ ــن اﻝﺴ ــﻴرة اﻝذاﺘﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻗﺎﻝ ــب‬
‫ﻓﺈﻨﻨــﺎ‬
‫ﻓﺈﻨﻨــﺎ ﻨﻌﻨــﻲ اﻝﻠﻐــﺔ‪ .‬وﺤــﻴن ﻨﻘــول اﻝﻠﻐــﺔ ‪ّ ...‬‬ ‫أﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ‪ ،‬ﺤﻴــث ﻴﻘــول ‪ " :‬ﺤــﻴن ﻨﻘــول اﻹﻨﺴــﺎن ‪ّ ..‬‬
‫ﻨﻘﺼد اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ‪"..‬‬
‫وﻫذا ﻤﺎ دﻓﻌﻪ إﻝﻰ اﺴـﺘﺨدام ﻤﻨـﺎﻫﺞ اﻝﻠﻐوﻴـﺎت اﻝﺤدﻴﺜـﺔ وأﺴـﺎﻝﻴﺒﻬﺎ‪ ،‬ﻓـﻲ ﺘﺤﻠﻴﻠـﻪ ﻝﻠﻤﻌﻠوﻤـﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ‪،‬‬
‫ﻤﻤــﺎ ﻴﻌطــﻲ ﻝﻠﻤﻌﻨــﻰ‬‫اﻷﻫﻤﻴــﺔ أﻜﺜــر ّ‬
‫ّ‬ ‫وﻜ ـ ّل ﻤــﺎدة ﻏﻴــر ﻝﻐوﻴــﺔ‪ .‬ﻜﻤــﺎ ﺠﻌﻠــﻪ ﻴﻌطــﻲ اﻝﻜﻠﻤــﺔ )اﻝــدال( ﻤــن‬
‫أن اﻝ ــدال اﻝواﺤ ــد )اﻝﻜﻠﻤ ــﺔ اﻝواﺤ ــدة( ﻗ ــد ﻴﻜ ــون ﻝـ ــﻪ ﻤ ــدﻝوﻻن ﻤﺨﺘﻠﻔ ــﺎن ﺒﺎﻝﻨﺴ ــﺒﺔ‬
‫)اﻝﻤ ــدﻝول (‪ ،‬وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ّ‬
‫أن اﻝــدال اﻝواﺤــد‪ ،‬ﻗــد ﺘﻜــون ﻝ ــﻪ ﻤــدﻝوﻻت‬ ‫ﻝﺸﺨﺼــﻴن ﻤﺨﺘﻠﻔــﻴن‪ ،‬وذﻝــك ﺘﺒﻌ ـﺎً ﻻﺨــﺘﻼف ﺘﺠﺎرﺒﻬﻤــﺎ‪ .‬ﺒــل ّ‬
‫‪139‬‬
‫ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﻠﺸﺨص ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬وﻓﻲ أوﻗﺎت أو ظروف ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ﺘوﺼـﻠوا ﻤـن‬
‫أن ﻋﻠﻤﺎء اﻝﻠﻐﺔ ﻝم ﻴﺘﻤ ّﻜﻨوا ﻤن ﺘﺤدﻴد أﺴﺒﻘﻴﺔ ﻝﻐـﺔ ﻋﻠـﻰ أﺨـرى‪ ،‬ﻓﻘـد ّ‬
‫وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ‬
‫ﺨﻼل دراﺴﺎﺘﻬم إﻝﻰ ﺘﺼﻨﻴف اﻝﻠﻐﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺒﺤﺴب طﺒﻴﻌﺘﻬﺎ واﺴﺘﺨداﻤﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﺜﻼﺜﺔ أﻗﺴﺎم ﻫﻲ ‪:‬‬
‫‪-‬اﻝﻠﻐﺎت اﻝﻤﻨﻌزﻝﺔ‪ :‬وﻫﻲ اﻝﻠﻐﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﺘﺨﺎطب ﺒﻬﺎ ﻓﺌﺎت ﻤﻨﻌزﻝﺔ ﻋن اﻝﻔﺌﺎت اﻷﺨرى‪ ،‬وﻻ ﺘﻔﻬﻤﻬﺎ‬
‫اﻝﻤﺘﺤدﺜﺔ ﺒﻬﺎ‪ .‬وﻫﻲ ﻝﻐﺔ ﻻ ﺘﻜﺘب وﻝﻴس ﻝﻬﺎ ﺘﺎرﻴﺦ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إﻻّ ﺘﻠك اﻝﻔﺌﺎت‬
‫وﻝﻜﻨﻬ ــﺎ ﻤﻠﺘﺼ ــﻘﺔ ﺒﻬ ــم‬
‫‪-‬اﻝﻠﻐـــﺎت اﻝﻤﻠﺘﺼـــﻘﺔ‪ :‬وﻫ ــﻲ اﻝﻠﻐ ــﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﺘﺘﺨﺎط ــب ﺒﻬ ــﺎ ﺸ ــﻌوب ﻜﺒﻴـ ـرة‪ّ ،‬‬
‫وﺒﺘراﺜﻬم‪ .‬وﻫﻲ ﻝﻐﺎت ﻤﻌروﻓﺔ‪ ،‬وﻝﻜن ﻝﻴس ﻝﻬﺎ ﻗواﻋـد‪ٕ ،‬واّﻨﻤـﺎ ﺘﻌﺘﻤـد ﻋﻠـﻰ اﻝﻤﻘـﺎطﻊ‬
‫اﻝﺼﻴﻨﻴﺔ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واﻝﻜﻠﻤﺎت‪ ،‬ﻤﺜل‪ :‬اﻝﻠﻐﺔ‬
‫‪-‬اﻝﻠﻐــــﺎت ذات اﻝﻘواﻋــــد )اﻝﻨﺤــــو واﻝﺼــــرف( ‪ :‬وﻫـ ــﻲ اﻝﻠﻐـ ــﺎت اﻝﺤدﻴﺜـ ــﺔ اﻝﺘـ ــﻲ ﺘﺴـ ــﺘﺨدﻤﻬﺎ اﻷﻤـ ــم‬
‫اﻝﻤﺘﺤﻀـرة‪ ،‬ﻝﻬــﺎ ﻗواﻋــد ﻨﺤوﻴــﺔ وﺼـرﻓﻴﺔ‪ ،‬ﺘﻀــﺒط ﺠﻤﻠﻬــﺎ وﻗواﻝﺒﻬــﺎ اﻝﻠﻐوﻴــﺔ‪ ،‬ﻤﺜــل ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫‪140‬‬
‫اﻝﻠﻐﺔ اﻝﻌرﺒﻴﺔ‪ ،‬واﻝﻠﻐﺎت اﻷورﺒﻴﺔ‪.‬‬
‫ـﺈن اﻝﻠﻐ ــﺎت اﻝﻤﺴ ــﺘﻌﻤﻠﺔ ﻓ ــﻲ اﻝﻌ ــﺎﻝم‪ ،‬ﺠﻤﻴﻌﻬ ــﺎ‪ُ ،‬ﺸـ ـ ّﻜﻠت ﻤ ــن أﺼـ ـوات‬
‫وﻤﻬﻤ ــﺎ ﻴﻜ ــن ﻫ ــذا اﻝﺘﻘﺴ ــﻴم‪ ،‬ﻓ ـ ّ‬
‫ﻤﺘﻨﺎﺴﻘﺔ ﺘد ّل ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻝﻠﻐﺔ أو ﺘﻠك‪ ،‬وﻓق أﺼول وﻗواﻋد ﺨﺎﺼﺔ ﺒﻬﺎ‪ .‬وﻝﻬذا ﻴﻘﺴم ﻋﻠم اﻝﻠﻐوﻴﺎت إﻝـﻰ‬
‫أﻫﻤﻬﺎ ‪ :‬ﻋﻠم اﻝﻠﻐﺎت اﻝوﺼﻔﻲ‪ ،‬وﻋﻠم أﺼول اﻝﻠﻐﺎت ‪.‬‬ ‫ﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻤن ّ‬ ‫أﻗﺴﺎم ﻓر ّ‬
‫ـﺘم ﺒﺘﺤﻠﻴــل اﻝﻠﻐــﺎت ﻓــﻲ زﻤــن ﻤﺤـ ّـدد‪ ،‬وﻴــدرس اﻝــﻨظم اﻝﺼــوﺘﻴﺔ‪،‬‬ ‫أ‪ -‬ﻋﻠــم اﻝﻠﻐــﺎت اﻝوﺼــﻔﻲ ‪ :‬ﻴﻬـ ّ‬
‫وﻗواﻋد اﻝﻠﻐﺔ واﻝﻤﻔردات‪ .‬وﻴﻌﺘﻤد ﻋﺎﻝم اﻝﻠﻐﺎت ﻓﻲ دراﺴﺎﺘﻪ ﻫﻨﺎ ﻋﻠـﻰ اﻝﻠﻐـﺔ اﻝﻜﻼﻤﻴـﺔ‪ ،‬وﻝـذﻝك ﻴﺴـﺘﻤﻊ‬
‫إﻝــﻰ اﻷﻓ ـراد‪ ،‬وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ إذا ﻜﺎﻨــت اﻝد ارﺴــﺔ ﻤﺘﻌﻠّﻘــﺔ ﺒﻠﻐــﺎت ﻝــم ﺘﻜﺘــب‪ .‬ﻓﻴﻘــوم ﻋــﺎﻝم اﻝﻠﻐــﺔ ﺒﻜﺘﺎﺒــﺔ ﺘﻠــك‬
‫اﻝﻠﻐﺎت ﻋن طرﻴق اﺴﺘﺨدام اﻝرﻤوز اﻝﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻬﺎ ‪.‬‬
‫ـﺈن ﻋﻤﻠﻴــﺔ ﺘﺤﻠﻴــل اﻝﻠﻐــﺎت وﺘﺼــﻨﻴﻔﻬﺎ‪ ،‬ﻜﻌﻤﻠﻴــﺔ ﺘﺤﻠﻴــل اﻷﺠﻨــﺎس اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ‬
‫وﻤﻬﻤــﺎ ﻴﻜــن اﻷﻤــر‪ ،‬ﻓـ ّ‬
‫اﻝﻤﻬﻤــﺔ‪ .‬ﻓﺎﻝﻠﻐــﺎت‪ ،‬ﻋﻠــﻰ اﺨــﺘﻼف‬
‫ّ‬ ‫وﺘﺼــﻨﻴﻔﻬﺎ‪ ،‬ﻻ ﺘﺸ ـ ّﻜل إﻻّ اﻝﺨطــوة اﻷوﻝــﻰ ﻝﻐﻴرﻫــﺎ ﻤــن اﻝد ارﺴــﺎت‬
‫اﻝﺘوﺼـل إﻝـﻰ‬
‫ّ‬ ‫ك ﻓﻲ ّأﻨﻬـﺎ ﺴﺘﺴـﺎﻋدﻩ ﻓـﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴـﺔ‪ ،‬ﻋﻠـﻰ‬ ‫ﻗﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﻴد اﻝﻌﺎﻝم‪ .‬وﻻ ﺸ ّ‬ ‫أﻨواﻋﻬﺎ‪ ،‬ﺘﻤﺜّل أداة ّ‬
‫‪141‬‬
‫ﻓﻬم أﻋﻤق ﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ اﻷﻓراد واﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت‪.‬‬
‫وﺘﺘرّﻜز ﻤﻌظم ﺘﻠك اﻝدراﺴﺎت ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒداﺌﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺴﺘﺨدم اﻝﻠﻐﺔ اﻝﻜﻼﻤﻴﺔ‪ ،‬وﻝـم ﺘﻌـرف‬
‫اﻝﻘـراءة واﻝﻜﺘﺎﺒــﺔ‪ .‬ﻓــﻼ ﻴوﺠــد ﻤﺠﺘﻤــﻊ إﻨﺴــﺎﻨﻲ – ﻤﻬﻤــﺎ ﺘﺨﻠّﻔــت ﺜﻘﺎﻓﺘــﻪ – ﻤــن دون ﻝﻐــﺔ ﻜﻼﻤﻴــﺔ ﻴﺘﻔــﺎﻫم‬
‫ﺒﻬﺎ أﺒﻨﺎؤﻩ‪.‬‬

‫ب‪-‬ﻋﻠم أﺼول اﻝﻠﻐﺎت ‪:‬‬


‫ـﺘص ﺒﺎﻝﺠﺎﻨــب اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ واﻝﻤﻘــﺎرن‪،‬‬ ‫ﻴﻬــدف إﻝــﻰ ﺘﺤدﻴــد أﺼــول اﻝﻠﻐــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ‪ .‬وﻝــذﻝك‪ ،‬ﻴﺨـ ّ‬
‫ﻴﺨﻴ ــﺔ ﺒ ــﻴن اﻝﻠﻐ ــﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﻴﻤﻜ ــن ﻤﺘﺎﺒﻌ ــﺔ ﺘﺎرﻴﺨﻬ ــﺎ‪ ،‬ﻋ ــن طرﻴ ــق وﺜ ــﺎﺌق‬
‫ﺤﻴ ــث ﻴ ــدرس اﻝﻌﻼﻗ ــﺎت اﻝﺘﺎر ّ‬
‫ﻤﻜﺘوﺒﺔ‪ .‬وﺘﻜون اﻝﻤﺸﻜﻠﺔ أﻜﺜر ﺘﻌﻘﻴداً ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﻠﻐـﺎت اﻝﻘدﻴﻤـﺔ اﻝﺘـﻲ ﻝـم ﺘﺘـرك أﻴـﺔ وﺜـﺎﺌق ﻤﻜﺘوﺒـﺔ ﺘـد ّل‬
‫ﺜﻤﺔ وﺴﺎﺌل ﺨﺎﺼﺔ ﻴﻤﻜن ﻝﻠﺒﺎﺤث أن ﻴﺴﺘﺨدﻤﻬﺎ ﻓﻲ دراﺴﺔ ﺘﺎرﻴﺦ ﺘﻠك اﻝﻠﻐﺎت‪.‬‬ ‫ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ .‬وﻝﻜن ّ‬
‫وﻫﻨــﺎك ﻋﻼﻗــﺎت ﺘﻌﺎوﻨﻴــﺔ ﺒــﻴن ﻋــﺎﻝم اﻝﻠﻐــﺔ‪ ،‬واﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ‪ ،‬وذﻝــك ﻷﻨــﻪّ ﻋﻠــﻰ ﻜ ـ ّل ﻤــن‬
‫اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻲ واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬أن ﻴدرس ﻝﻐﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻝذي ﻴﺠري ﺒﺤﺜﻪ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬
‫وﺒﻨﺎء ﻋﻠﻰ ذﻝك‪ ،‬ﺘﻘ ّـدم ﻋﻠـم اﻝﻠﻐوﻴـﺎت – ﻓـﻲ اﻝﻌﺼـر اﻝﺤﺎﻀـر – وأﺼـﺒﺢ ﻴﺴـﺘﺨدم ﻤﻨـﺎﻫﺞ ﻋﻠﻤﻴـﺔ‬
‫‪59‬‬
‫ﻴﺘوﺼــل إﻝــﻰ ﻗ ـواﻨﻴن أﺴﺎﺴــﻴﺔ‬
‫ّ‬ ‫وآﻝﻴــﺎت دﻗﻴﻘــﺔ‪ ،‬ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ ﻝﻐــﺎت اﻝﻌــﺎﻝم‪ .‬واﺴــﺘطﺎع ﻤــن ﺨــﻼل ذﻝــك أن‬
‫وﻋﺎﻤﺔ‪ ،‬ﻻ ﺘﻘ ‪‬ل ّ‬
‫‪142‬‬
‫أﻫﻤﻴﺔ ﻓﻲ دﻗّﺘﻬﺎ ﻋن ﻗواﻨﻴن اﻝﻌﻠوم اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ‪.‬‬
‫وﻤن اﻝﻤﺤﺘم أن ﺘﺜﻴر )ﻤورﻓوﻝوﺠﻴﺔ( أﻴﺔ ﻝﻐﺔ‪ ،‬أﺴﺌﻠﺔ ﺒﻌﻴدة اﻝﻤدى ﺘﺘّﺼل ﺒﻤﻴداﻨﻲ ‪ :‬اﻝﻔﻴزﻴﺎء واﻝﻘﻴم‬
‫‪ ..‬ﻓﺎﻝﻠﻐ ــﺔ ﻝﻴﺴـ ــت ﻤﺠ ـ ّـرد أداة ﻝﻼﺘّﺼـ ــﺎل أو ﻻﺴـ ــﺘﺜﺎرة اﻻﻨﻔﻌ ــﺎﻻت ﻓﺤﺴـ ــب‪ٕ ،‬واّﻨﻤـ ــﺎ ﻫ ــﻲ أﻴﻀ ـ ـﺎً وﺴـ ــﻴﻠﺔ‬
‫ﻝﺘﺼـ ــﻨﻴف اﻝﺨﺒ ـ ـرات‪ .‬واﻝﺨﺒ ـ ـرة ﻫـ ــﻲ أﺸـ ــﺒﻪ ﻤـ ــﺎ ﺘﻜـ ــون ﺒﺨ ـ ـطّ ﻤﺘّﺼـ ــل اﻷﺠ ـ ـزاء‪ ،‬ﻴﻤﻜـ ــن ﺘﻘﺴـ ــﻴﻤﻪ ﺒطـ ــرق‬
‫‪143‬‬
‫ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪.‬‬
‫أن اﻝﻜــﺎﺌن اﻝﺒﺸــري ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن اﺴــﺘﺨداﻤﻪ‬
‫وﻝــذﻝك‪ ،‬ﻓــﺈن اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﻠﻐوﻴــﺔ اﻝﻤﻘﺎرﻨــﺔ‪ ،‬ﺘوﻀــﺢ ّ‬
‫ﻷﻨــﻪ ﻻ ﻴﺴــﺘطﻴﻊ‬
‫ﻝﻐــﺔ واﺤــدة‪ ،‬ﻓﻬــو ﻴﻘــوم ﺒﻌﻤﻠﻴــﺔ اﻨﺘﻘﺎﺌﻴــﺔ ﻏﻴــر واﻋﻴــﺔ ﻝﻠﻤﻌــﺎﻨﻲ اﻝﺘــﻲ ﻴﺴــﺘﺨدﻤﻬﺎ‪ .‬وذﻝــك ّ‬
‫اﻝﻤﺘﻨوﻋﺔ ﻓﻲ ﻤﺤﻴطﻪ اﻝﺨﺎرﺠﻲ ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ﻝﻠﻤﻨﺒﻬﺎت‬
‫اﻻﺴﺘﺠﺎﺒﺔ اﻝدﻗﻴﻘﺔ ّ‬
‫‪ -2‬ﻋﻠم اﻵﺜﺎر اﻝﻘدﻴﻤﺔ )اﻝﺤﻔرﻴﺎت ‪:(Archeology‬‬
‫ﻴﻌﻨﻰ ﺒﺸﻜل ﺨﺎص ﺒﺠﻤﻊ اﻵﺜﺎر واﻝﻤﺨﻠّﻔﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ وﺘﺤﻠﻴﻠﻬﺎ‪ ،‬ﺒﺤﻴث ﻴﺴﺘد ّل ﻤﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻝﺘﺴﻠﺴـل‬
‫ﻤدوﻨ ــﺔ‬
‫ﺜﻤ ــﺔ وﺜ ــﺎﺌق ّ‬
‫اﻝﺘ ــﺎرﻴﺨﻲ ﻝﻸﺠﻨ ــﺎس اﻝﺒﺸـ ـرﻴﺔ‪ ،‬ﻓ ــﻲ ﺘﻠ ــك اﻝﻔﺘـ ـرة اﻝﺘ ــﻲ ﻝ ــم ﺘﻜ ــن ﻓﻴﻬ ــﺎ ﻜﺘﺎﺒ ــﺔ‪ ،‬وﻝ ــﻴس ّ‬
‫)ﻤﻜﺘوﺒﺔ( ﻋﻨﻬﺎ‪.‬‬
‫وﻴﺒﺤث ﻫذا اﻝﻔرع ﻤـن ﻋﻠـم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ‪ ،‬ﻓـﻲ اﻷﺼـول اﻷوﻝـﻰ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬وﻻ‬
‫ﺴـ ّـﻴﻤﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﻤﻨﻘرﻀــﺔ‪ .‬وﻝﻌـ ّل ﻋﻠــم اﻵﺜــﺎر اﻝﻘدﻴﻤــﺔ أﻜﺜــر ﺸــﻴوﻋﺎً ﺒــﻴن ﻓــروع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬ورّﺒﻤــﺎ‬
‫أن‬
‫ﻜﺎﻨـت ﻤﻜﺘﺸـﻔﺎﺘﻪ ﻤﺄﻝوﻓـﺔ ﻝـدى اﻝﺸـﺨص اﻝﻌـﺎدي أﻜﺜـر ﻤـن ﻤﻜﺘﺸـﻔﺎت اﻝﻔـروع اﻷﺨـرى‪ .‬وﻤﺜـﺎل ذﻝـك‪ّ ،‬‬
‫اﺴــم )ﺘــوت ﻋــﻨﺦ آﻤــون( أﺤــد ﻤﻠــوك ﻗــدﻤﺎء اﻝﻤﺼ ـرﻴﻴن‪ ،‬ﻴﻜــﺎد ﻴﻜــون ﻤﻌروﻓ ـﺎً ﻝــدى اﻷوﺴــﺎط اﻝﺸــﻌﺒﻴﺔ‬
‫‪144‬‬
‫اﻝﻌﺎﻤﺔ‪.‬‬
‫اﻷول ﻤن ﻫذﻩ اﻷﺒﺤﺎث‪ ،‬ﻫو اﻝﺤﺼول ﻋﻠﻰ ﻤﻌﻠوﻤﺎت ﻋـن اﻝﺸـﻌوب‬ ‫أن اﻝﻬدف ّ‬ ‫وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ‬
‫أن اﻝﻬــدف اﻝﻨﻬــﺎﺌﻲ ﻴﺘﻤﺜّــل ﻓــﻲ ﻤﺴــﺎﻋدة اﻝﻘـ ّـراء واﻝدارﺴــﻴن‪ ،‬ﻓــﻲ ﺘﻔﻬّــم اﻝﻌﻤﻠﻴــﺎت اﻝﻤﺘّﺼــﻠﺔ‬
‫اﻝﻘدﻴﻤــﺔ‪ ،‬إﻻّ ّ‬
‫ﺒﻨﻤــو اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت أو )اﻝﺤﻀــﺎرات( وازدﻫﺎرﻫــﺎ أو اﻨﻬﻴﺎرﻫــﺎ‪ ،‬وﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ إدراك اﻝﻌواﻤــل اﻝﻤﺴــؤوﻝﺔ ﻋــن ﺘﻠــك‬
‫اﻝﺘﻐﻴرات ‪.‬‬
‫ّ‬
‫أن اﻝﻜﺘﺎﺒــﺔ ظﻬ ـرت ﻤﻨــذ ﺤ ـواﻝﻲ أرﺒﻌــﺔ آﻻف ﺴــﻨﺔ‬ ‫وﻤــن اﻝﻤﻌــروف ﻝــدى ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ّ ،‬‬
‫ﻗﺒــل اﻝﻤــﻴﻼد‪ ،‬وﻤــﺎ ﻜﺘــب ﻤــن ذﻝــك اﻝﺘــﺎرﻴﺦ ﻤﻌــروف ﻝــدى اﻝدارﺴــﻴن واﻝﺒــﺎﺤﺜﻴن‪ ،‬وﻴﻤﻜــن ﺒواﺴــطﺔ ﻫــذﻩ‬
‫‪145‬‬
‫اﻵﺜﺎر اﻝﻤﻜﺘوﺒﺔ ﻤﻌرﻓﺔ اﻝﻜﺜﻴر ﻋن اﻹﻨﺴﺎن‪.‬‬
‫ﻓﻌــﺎﻝم اﻵﺜــﺎر ﻴﻌﺘﻤــد ﻓــﻲ د ارﺴــﺘﻪ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ اﻝﺒﻘﺎﻴــﺎ اﻝﺘــﻲ ﺨﻠﻔﻬــﺎ اﻹﻨﺴــﺎن اﻝﻘــدﻴم‪ ،‬واﻝﺘــﻲ ﺘﻤﺜّــل طﺒﻴﻌــﺔ‬
‫ﺘوﺼــل ﻋﻠﻤــﺎء اﻵﺜــﺎر إﻝــﻰ أﺴــﺎﻝﻴب دﻗﻴﻘــﺔ ﻝﺤﻔــر طﺒﻘــﺎت اﻷرض اﻝﺘــﻲ ﻴﺘوﻗّــﻊ‬ ‫ﺜﻘﺎﻓﺎﺘــﻪ وﻋﻨﺎﺼــرﻫﺎ‪ .‬وﻗــد ّ‬
‫ﺘوﺼ ــﻠوا إﻝ ــﻰ ﻤﻨ ــﺎﻫﺞ دﻗﻴﻘ ــﺔ ﻝﻔﺤ ــص ﺘﻠ ــك اﻝﺒﻘﺎﻴ ــﺎ وﺘﺤدﻴ ــد ﻤواﻗﻌﻬ ــﺎ‪،‬‬
‫وﺠــود ﺒﻘﺎﻴ ــﺎ ﺤﻀ ــﺎرﻴﺔ ﻓﻴﻬ ــﺎ‪ .‬ﻜﻤ ــﺎ ّ‬
‫وﺘﺼــﻨﻴﻔﻬﺎ ﻤــن أﺠــل اﻝﺘﻌـ ّـرف إﻝﻴﻬــﺎ‪ ،‬وﻤــن ﺜـ ّـم ﻤﻘﺎرﻨﺘﻬــﺎ ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻤــﻊ ﺒﻌــض‪ .‬وﻴﺴــﺘطﻴﻊ ﻋﻠﻤــﺎء اﻵﺜــﺎر‬
‫وﺘﻐﻴراﺘﻬـﺎ‪ ،‬وﻋﻼﻗـﺔ‬ ‫ﺒﺎﺴﺘﺨدام ﺘﻠك اﻝﻤﻨﺎﻫﺞ‪ ،‬اﺴـﺘﺨﻼص اﻝﻜﺜﻴـر ﻤـن اﻝﻤﻌﻠوﻤـﺎت ﻋـن اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻝﻘدﻴﻤـﺔ‪ّ ،‬‬
‫ﻜ ّل ﻤﻨﻬﺎ ﺒﻐﻴرﻫﺎ‪.‬‬
‫وﻴﺴـ ــﺘﺨدم ﻋﻠﻤـ ــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ ﺒﻘﺎﻴـ ــﺎ اﻝﻤ ـ ـواد ﻜﻤﻌطﻴـ ــﺎت رﺌﻴﺴـ ــﺔ ﻻﺴـ ــﺘﺨدام اﻝﻤﻌرﻓـ ــﺔ اﻝﻌﻠﻤﻴـ ــﺔ‬

‫‪60‬‬
‫اﻝﺘطورات اﻝﺘﻲ طرأت ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺘﻜﺸـف‬
‫واﻝﻨظرﻴﺔ‪ ،‬ﺤﻴث ﻴﻘوم ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺜﺎر ﺒﺘﺤﻠﻴل اﻝﻨﻤﺎذج اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ و ّ‬
‫اﻝﻨﻔﺎﻴﺎت ﻋن اﻷوﻀﺎع اﻝﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻻﺴﺘﻬﻼك واﻝﻨﺸﺎطﺎت‪.‬‬
‫ﻓــﺎﻝﺤﺒوب اﻝﺒرﻴــﺔ واﻝﺤﺒــوب اﻝﻤﻨزﻝﻴــﺔ ﻤــﺜﻼً‪ :‬ﺘﻤﺘﻠــك ﺨﺼــﺎﺌص ﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﺘﺴــﻤﺢ ﻝﻌﻠﻤــﺎء اﻵﺜــﺎر أن‬
‫ﺘﻤــت اﻝﻌﻨﺎﻴــﺔ ﺒــﻪ ﻤﺤﻠﻴ ـﺎً‪ .‬ﻜﻤــﺎ ﻴﻜﺸــف ﻓﺤــص ﻋظــﺎم‬
‫ﻴﻤﻴــزوا ﺒــﻴن اﻝﻨﺒــﺎت اﻝــذي ﺘـ ّـم ﺠﻠﺒــﻪ‪ ،‬وذﻝــك اﻝــذي ّ‬
‫ّ‬
‫وﻴزود ﺒﻤﻌﻠوﻤـﺎت أﺨـرى ﻤﻔﻴـدة‪ ،‬ﺘﺤ ّـدد ﻓﻴﻤـﺎ إذا‬
‫ﺘم ذﺒﺤﻬﺎ‪ّ ،‬‬ ‫اﻝﺤﻴواﻨﺎت‪ ،‬ﻋن أﻋﻤﺎر ﻫذﻩ اﻝﺤﻴواﻨﺎت اﻝﺘﻲ ّ‬
‫ﻤدﺠﻨﺔ‪ .‬وﻴﻘوم ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺜﺎر ﻤن ﺨﻼل ﺒﺤﺜﻬم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻝﻤﻌﻠوﻤـﺎت‪ ،‬ﺒﺈﻋـﺎدة‬ ‫ﻜﺎﻨت ﻫذﻩ اﻷﻨواع ﺒرّﻴﺔ أو ّ‬
‫ﺒﻨﺎء ﻨﻤﺎذج اﻹﻨﺘﺎج واﻝﺘﺠﺎرة واﻻﺴﺘﻬﻼك ‪.‬‬
‫أن اﻝﻬــدف اﻝﻘرﻴــب اﻝواﻀــﺢ ﻝﻸﺒﺤــﺎث )اﻷرﻜﻴوﻝوﺠﻴـﺔ (‪ ،‬ﻫــو اﺴــﺘﻜﻤﺎل ﻤﻌﺎرﻓﻨــﺎ وﻤﻌﻠوﻤﺎﺘﻨــﺎ‬ ‫وﻤـﻊ ّ‬
‫ـﺈن اﻝﻬ ــدف اﻝﻨﻬ ــﺎﺌﻲ ﻫـ ــو ﻤﺴ ــﺎﻋدﺘﻨﺎ ﻓ ــﻲ ﺘﻔﻬّ ــم اﻝﻌﻤﻠﻴ ــﺎت اﻝﻤﺘّﺼ ــﻠﺔ‪ ،‬ﺒﻨﻤـ ــو‬ ‫ﻋ ــن ﻤﺎﻀ ــﻲ اﻹﻨﺴ ــﺎن‪ ،‬ﻓ ـ ّ‬
‫اﻝﺤﻀـ ــﺎرات وازدﻫﺎرﻫـ ــﺎ واﻨﻬﻴﺎرﻫـ ــﺎ‪ٕ ،‬وادراك اﻝﻌواﻤـ ــل اﻝﻤﺴـ ــؤوﻝﺔ ﻋـ ــن ﻫـ ــذﻩ اﻝظـ ــﺎﻫرات اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴـ ــﺔ‪ .‬وﻗـ ــد‬
‫أﺼ ـ ــﺒﺤت ﻨﺘ ـ ــﺎﺌﺞ اﻝد ارﺴـ ـ ــﺎت )اﻷرﻜﻴوﻝوﺠﻴ ـ ــﺔ( اﻝﻤﺘّﺼـ ـ ــﻠﺔ ﺒﻌﻤﻠﻴ ـ ــﺎت اﻝﺘط ـ ـ ّـور‪ ،‬ﻤﺄﻝوﻓـ ـ ــﺔ ﻝ ـ ــدى اﻝﻌﻠﻤـ ـ ــﺎء‬
‫‪146‬‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﻴن ﺠﻤﻴﻌﻬم‪ ،‬واﻝذﻴن ﻴﻌﻨون ﺒدراﺴﺔ ظﺎﻫرات اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ‪.‬‬
‫وﻝــذﻝك‪ ،‬ﻴﻠﺠــﺄ ﻋﻠﻤــﺎء اﻵﺜــﺎر – اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــون – إﻝــﻰ اﻻﺴــﺘﻔﺎدة ﻤــن أﺒﺤــﺎث ﻋﻠﻤــﺎء اﻝﺠﻴوﻝوﺠﻴــﺎ‬
‫واﻝﻤﻨــﺎخ‪ ،‬ﻝﻠﺘﺤﻘّــق ﻤــن )ﻫوﻴــﺔ( اﻝﺒﻘﺎﻴــﺎ اﻝﺘــﻲ ﻴﻜﺘﺸــﻔوﻨﻬﺎ‪ ،‬وﺘــﺎرﻴﺦ وﺠودﻫــﺎ‪ .‬ﻜﻤــﺎ ﻴﺘﻌــﺎون ﻋﻠﻤــﺎء اﻵﺜــﺎر‬
‫اﻝﻤﺘﺨﺼﺼ ــﻴن ﻓ ــﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﻝطﺒﻴﻌﻴ ــﺔ‪ ،‬وذﻝ ــك ﻝﻜﺜـ ـرة وﺠ ــود) اﻝﻠُﻘ ــﻰ( اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ ﻓ ــﻲ‬
‫ّ‬ ‫أﻴﻀـ ـﺎً‪ ،‬ﻤ ــﻊ‬
‫اﻝﺤﻔرﻴــﺎت‪ ،‬ﻤــﻊ اﻝﺒﻘﺎﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‪ .‬وﻗــد ﻨﺠــﺢ ﻋﻠﻤــﺎء اﻵﺜــﺎر اﻝﻤﺤــدﺜون‪ ،‬ﻓــﻲ اﺴــﺘﺨدام )اﻝﻜرﺒــون اﻝﻤﺸــﻊّ(‬
‫‪147‬‬
‫ﻜوﺴﻴﻠﺔ ﻝﺘﺤدﻴد ﻋﻤر " اﻝﺒﻘﺎﻴﺎ " ﺒدﻗّﺔ‪.‬‬
‫إن ﻋﻠﻤ ــﺎء اﻵﺜ ــﺎر اﻝﻘدﻴﻤ ــﺔ‪ ،‬ﻴﺤ ــﺎوﻝون اﻜﺘﺸ ــﺎف ذﻝ ــك اﻝﺠ ــزء ﻤ ــن‬
‫وﻴﻤﻜ ــن اﻝﻘ ــول – ﺒوﺠ ــﻪ ﻋ ــﺎم ‪ّ -‬‬
‫اﻝﺘــﺎرﻴﺦ اﻝﻤﺎﻀــﻲ اﻝــذي ﻻ ﺘﺘﻌـ ّـرض ﻝ ــﻪ اﻝﺴــﺠﻼّت اﻝﻤﻜﺘوﺒــﺔ‪ .‬وﻴﻘﺒــل ﻋــﺎﻝم اﻵﺜــﺎر اﻝﻘدﻴﻤــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻤﻴــدان‬
‫ﻷن ﻋﻤﻠـﻪ ﻴﻘﺘـرن ﺒﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن اﻝـدواﻓﻊ واﻝﻤﺜﻴـرات اﻝﻤﻐرﻴـﺔ‪ ،‬ﻜﺎﻝرﻏﺒـﺔ ﻓـﻲ إﺠـراء‬ ‫اﺨﺘﺼﺎﺼﻪ ﺒﺤﻤﺎﺴﺔ‪ّ ،‬‬
‫‪148‬‬
‫أﺒﺤﺎث ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺸﺎﺌﻘﺔ‪ ،‬واﺤﺘﻤﺎل اﻝﻌﺜور ﻋﻠﻰ ﻜﻨوز ﺜﻤﻴﻨﺔ‪...‬‬
‫ﺘﻐﻴـرات ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‪ ،‬ﻓــﻲ ﻤﺤﺎوﻝــﺔ ﻝﺒﻨــﺎء ﺘﺼـ ّـور‬
‫ﻓﻌﻠــم اﻵﺜــﺎر إذاً‪ ،‬ﻴــدرس ﺘــﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴــﺎن وﻤــﺎ راﻓﻘــﻪ ﻤــن ّ‬
‫ﻜﺎﻤل ﻋن اﻝﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻋﺎﺸﺘﻬﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﻘدﻴﻤﺔ‪ ،‬ﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت ﻤـﺎ ﻗﺒـل اﻝﺘـﺎرﻴﺦ‪ٕ .‬واذا ﻜـﺎن‬
‫ﻓﺈﻨــﻪ ﻴﺨﺘﻠــف ﻋــن ﻋﻠــم اﻝﺘــﺎرﻴﺦ ﻓــﻲ ّأﻨــﻪ ﻻ ﻴــدرس‬
‫ﻋﻠــم اﻵﺜــﺎر ﻴﻌﺘﻤــد – إﻝــﻰ ﺤـ ّـد ﻤــﺎ ﻋﻠــﻰ اﻝﺘــﺎرﻴﺦ – ّ‬
‫اﻝﻤؤرﺨــﺔ‪ٕ ،‬واّﻨﻤــﺎ ﻴــدرس ﺘﻠــك اﻝﻔﺘـرات اﻝﺘــﻲ ﻋﺎﺸــﻬﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ ﻗﺒــل اﺨﺘـراع‬
‫ّ‬ ‫اﻝﻤ ارﺤــل اﻝﺤﻀــﺎرﻴﺔ‬
‫اﻝﻜﺘﺎﺒﺔ وﺘدوﻴن اﻝﺘﺎرﻴﺦ‪.‬‬

‫‪-3‬ﻋﻠم اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﻤﻘﺎرن )اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺎ‪: (Ethnology‬‬


‫ﺘﻌﺘﺒر اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺎ ﻤن أﻗرب اﻝﻌﻠوم إﻝـﻰ طﺒﻴﻌـﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ‪ ،‬ﺒـﺎﻝﻨظر إﻝـﻰ اﻝﺘـداﺨل اﻝﻜﺒﻴـر ﻓﻴﻤـﺎ‬
‫ﺒﻴﻨﻬﻤــﺎ ﻤــن ﺤﻴــث د ارﺴــﺔ اﻝﺸــﻌوب وﺘﺼــﻨﻴﻔﻬﺎ ﻋﻠــﻰ أﺴــﺎس ﺨﺼﺎﺌﺼــﻬﺎ‪ ،‬وﻤﻴزاﺘﻬــﺎ اﻝﺴــﻼﻝﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‬
‫واﻻﻗﺘﺼـﺎدﻴﺔ‪ ،‬ﺒﻤــﺎ ﻓــﻲ ذﻝــك ﻤـن ﻋــﺎدات وﻤﻌﺘﻘــدات‪ ،‬وأﻨـواع اﻝﻤﺴـﺎﻜن واﻝﻤﻼﺒــس‪ ،‬واﻝﻤﺜــل اﻝﺴــﺎﺌدة ﻝـدى‬
‫ﻫذﻩ اﻝﺸﻌوب‪.‬‬
‫ﻴﺨﺘص ﺒﺎﻝﺒﺤـث واﻝد ارﺴـﺔ ﻋـن ﻨﺸـﺄة اﻝﺴـﻼﻻت‬
‫ّ‬ ‫ﺘﻌد اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺎ ﻓرﻋﺎً ﻤن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪،‬‬
‫وﻝذﻝك‪ّ ،‬‬

‫‪61‬‬
‫اﻝﺒﺸ ـ ـرﻴﺔ‪ ،‬واﻷﺼـ ــول اﻷوﻝـ ــﻰ ﻝﻺﻨﺴـ ــﺎن‪ .‬وﺘرﺠـ ــﻊ ﻝﻔظـ ــﺔ )أﺜﻨوﻝوﺠﻴـ ــﺎ( إﻝـ ــﻰ اﻷﺼـ ــل اﻝﻴوﻨـ ــﺎﻨﻲ )أﺜﻨـ ــوس‬
‫‪ (Ethnos‬وﺘﻌﻨﻲ دراﺴﺔ اﻝﺸـﻌوب‪ .‬وﻝـذﻝك ﺘـدرس اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴـﺎ‪ ،‬ﺨﺼـﺎﺌص اﻝﺸـﻌوب اﻝﻠﻐوﻴـﺔ و اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ‬
‫‪149‬‬
‫واﻝﺴﻼﻝﻴﺔ‪.‬‬
‫وﺘﻌﺘﻤــد اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ ﻓــﻲ ﺘﻔﺴــﻴر ﺘوزﻴــﻊ اﻝﺸــﻌوب – ﻓــﻲ اﻝﻤﺎﻀــﻲ واﻝﺤﺎﻀــر – ﻋﻠــﻰ ّأﻨــﻪ ﻨﺘﻴﺠــﺔ‬
‫ﻝﺘﺤرك ﻫذﻩ اﻝﺸﻌوب واﺨﺘﻼطﻬﺎ‪ ،‬واﻨﺘﺸﺎر اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﺘﻲ ﺘرﺠﻊ إﻝﻰ ﻜﺜرة اﻝﺤوادث اﻝﻤﻌﻘّدة‪ ،‬اﻝﺘﻲ ﺒـدأت‬ ‫ّ‬
‫ﻤ ــﻊ ظﻬ ــور اﻹﻨﺴ ــﺎن ﻤﻨ ــذ ﻤﻠﻴ ــون )ﻤﻼﻴ ــﻴن( ﻤ ــن اﻝﺴ ــﻨﻴن‪ .‬ﻓﻬ ــﻲ ﺘﺒﺤ ــث‪ ،‬ﻤﺴ ــﺄﻝﺔ اﻝﻤﺼ ــﺎدر اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴ ــﺔ‬
‫ﻝﻠﺸﻌوب‪ ،‬ﻤـن أﻴـن أﺘـت ﻗﺒﺎﺌـل اﻝﻬﻨـود اﻝﺤﻤـر؟ﻤﺜﻼً‪ ،‬وأي طرﻴـق ﺴـﻠﻜت؟ وﻤﺘـﻰ اﺤﺘﻠّـت ﻫـذﻩ اﻝﺸـﻌوب‬
‫اﻝﻤﻨﺎطق اﻝﻤوﺠودة ﻓﻴﻬﺎ اﻵن‪ ،‬وﻜﻴف؟ وﻤن أﻴﺔ ﺠﻬﺔ ﺘﺴﻠّﻠت إﻝﻰ أﻤرﻴﻜﺎ؟ وﻜﻴف اﻨﺘﺸرت ﻓﻴﻬـﺎ؟ وﻤﺘـﻰ‬
‫ظﻬرت أﺠﻨﺎس اﻝﻬﻨود اﻝﺤﻤـر؟ وﻤـﺎ ﻫـﻲ اﻝﻤﻴـزات اﻝﻠﻐوﻴـﺔ واﻝﻤﻼﻤـﺢ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ اﻝﺘـﻲ ﻨﺸـرﺘﻬﺎ ﺜﻘﺎﻓـﺔ اﻝﻬﻨـود‬
‫ـﻔﻴﺔ اﻝﻤﻘﺎرﻨ ــﺔ‬
‫ﻤﻤ ــﺎ ﻴﻔﻴ ــد ﻓ ــﻲ اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻝوﺼ ـ ّ‬
‫اﻷوروﺒﻴ ــﺔ؟ وﻏﻴ ــر ذﻝ ــك ّ‬ ‫اﻝﺤﻤ ــر‪ ،‬ﻗﺒ ــل اﺤﺘﻜﺎﻜﻬ ــﺎ ﺒﺎﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ‬
‫‪150‬‬
‫ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ وﺜﻘﺎﻓﺎﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫وﺘ ـ ــدﺨل ﻓ ـ ــﻲ ذﻝ ـ ــك د ارﺴ ـ ــﺔ أﺼ ـ ــول اﻝﺜﻘﺎﻓ ـ ــﺎت واﻝﻤﻨ ـ ــﺎطق اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ـ ــﺔ‪ ،‬وﻫﺠـ ـ ـرة اﻝﺜﻘﺎﻓ ـ ــﺎت واﻨﺘﺸ ـ ــﺎرﻫﺎ‬
‫واﻝﺨﺼــﺎﺌص اﻝﻨوﻋﻴــﺔ ﻝﻜـ ّل ﻤﻨﻬـﺎ‪ ،‬د ارﺴــﺔ ﺤﻴــﺎة اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ﻓــﻲ ﺼــورﻫﺎ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ‪ .‬أي ّأﻨــﻪ اﻝﻌﻠــم اﻝــذي‬
‫ﻴﺒﺤث ﻓﻲ اﻝﺴﻼﻻت اﻝﻘدﻴﻤﺔ وأﺼوﻝﻬﺎ وأﻨﻤﺎط ﺤﻴﺎﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻜﻤﺎ ﻴﺒﺤث ﻓﻲ اﻝﺤﻴـﺎة اﻝﺤدﻴﺜـﺔ ﻓـﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت‬
‫اﻝﺤﺎﻀرة‪ ،‬وﺘﺄﺜّرﻫﺎ ﺒﺘﻠك اﻷﺼول اﻝﻘدﻴﻤﺔ‪.‬‬
‫ﺒﺄﻨﻬـﺎ ‪ :‬د ارﺴـﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻋﻠـﻰ أﺴـس ﻤﻘﺎرﻨـﺔ وﻓـﻲ ﻀـوء ﻨظرﻴـﺎت وﻗواﻋـد‬
‫ﺘﻌرف اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺎ ّ‬ ‫وﻝذﻝك‪ّ ،‬‬
‫وﺘطورﻫـﺎ‪ ،‬وأوﺠـﻪ اﻻﺨـﺘﻼف ﻓﻴﻤـﺎ ﺒﻴﻨﻬـﺎ‪ ،‬وﺘﺤﻠﻴـل‬
‫ّ‬ ‫ﺜﺎﺒﺘﺔ‪ ،‬ﺒﻘﺼد اﺴﺘﻨﺒﺎط ﺘﻌﻤﻴﻤﺎت ﻋن أﺼول اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت‬
‫‪151‬‬
‫وﺘﻬﺘم اﻝﻨظرﻴﺔ اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺔ ﺒدراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻋن طرﻴق اﻝﻘواﻨﻴن اﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اﻨﺘﺸﺎرﻫﺎ ﺘﺤﻠﻴﻼً ﺘﺎرﻴﺨﻴﺎً‪.‬‬
‫ـﺘم ﻋﻠﻤـﺎء اﻝﻘـﺎﻨون اﻝﻤﻘـﺎرن ﺒد ارﺴـﺔ ﺒﻌـض اﻝﻌـﺎدات‬
‫ﺴﻴﻤﺎ ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻗواﻨﻴن اﻝﺸﻌوب اﻝﺒداﺌﻴﺔ‪ ،‬ﺤﻴث ﻴﻬ ّ‬ ‫وﻻ ّ‬
‫واﻝﻨظم واﻝﻘـﻴم واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد‪ ،‬ﻤﺜـل ‪ :‬اﻝﻨﺴـب اﻷﺒـوي أو اﻷﻤـوﻤﻲ‪ ،‬ﺴـﻠطﺔ اﻷب‪ ،‬اﻝﺤﻴـﺎة اﻹﺒﺎﺤﻴـﺔ‪ ،‬اﻻﺨـﺘﻼط‬
‫‪152‬‬
‫اﻝﺠﻨﺴﻲ‪ ،‬وطراﺌق اﻝزواج اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪.‬‬
‫وﻴﺒﺤث ﻋﻠم اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ طراﺌق ﺤﻴﺎة اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺘﻲ ﻻ ﺘزال ﻤوﺠودة ﻓﻲ ﻋﺼرﻨﺎ اﻝﺤﺎﻀر‪،‬‬
‫أو اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺘــﻲ ﻴﻌــود ﺘــﺎرﻴﺦ اﻨﻘ ارﻀــﻬﺎ إﻝــﻰ ﻋﻬــد ﻗرﻴــب‪ ،‬وﺘﺘـواﻓر ﻝــدﻴﻨﺎ ﻋﻨــﻪ ﺴــﺠﻼّت ﺘﻜــﺎد ﺘﻜــون‬
‫ﻜﺎﻤﻠــﺔ‪ .‬ﻓﻠﻜـ ّل ﻤﺠﺘﻤــﻊ طرﻴﻘﺘــﻪ اﻝﺨﺎﺼــﺔ ﻓــﻲ اﻝﺤﻴــﺎة‪ ،‬وﻫــﻲ اﻝﺘــﻲ ﻴطﻠــق ﻋﻠﻴﻬــﺎ اﻝﻌﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــون‬
‫‪153‬‬
‫أﻫم اﻷدوات اﻝﺘﻲ ﻴﺘﻌﺎﻤل ﻤﻌﻬﺎ اﻝﺒﺎﺤث اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻲ‪.‬‬ ‫وﻴﻌد ﻤﻔﻬوم اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻤن ّ‬ ‫ﻤﺼطﻠﺢ " اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ "‪ّ .‬‬
‫وﻤــن ﻤﻴ ـزات اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ‪ّ ،‬أﻨﻬــﺎ ﺘﻌﺘﻤــد ﻋﻤﻠﻴﺘــﻲ اﻝﺘﺤﻠﻴــل واﻝﻤﻘﺎرﻨــﺔ ‪ ،‬ﻓﺘﻜــون ﻋﻤﻠﻴــﺔ اﻝﺘﺤﻠﻴــل ﻓــﻲ‬
‫د ارﺴــﺔ ﺜﻘﺎﻓــﺔ واﺤــدة‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﺘﻜــون ﻋﻤﻠﻴــﺔ اﻝﻤﻘﺎرﻨــﺔ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ ﺜﻘــﺎﻓﺘﻴن أو أﻜﺜــر‪ .‬وﺘــدرس اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ‬
‫اﻝﺤﻴ ــﺔ )اﻝﻤﻌﺎﺼـ ـرة( واﻝﺘ ــﻲ ﻴﻤﻜ ــن اﻝﺘﻌ ـ ّـرف إﻝﻴﻬ ــﺎ ﺒ ــﺎﻝﻌﻴش ﺒ ــﻴن أﻫﻠﻬ ــﺎ‪ ،‬ﻜﻤ ــﺎ ﺘ ــدرس اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺎت‬
‫اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺎت ّ‬
‫ـﺘم إﻝــﻰ ﺠﺎﻨــب ذﻝــك‪،‬‬ ‫‪154‬ـ ّ‬
‫اﻝﻤدوﻨــﺔ‪ .‬وﺘﻬ‬
‫ّ‬ ‫اﻝﻤﻨﻘرﻀــﺔ )اﻝﺒﺎﺌــدة( ﺒواﺴــطﺔ ﻤﺨﻠّﻔﺎﺘﻬــﺎ اﻷﺜرﻴــﺔ اﻝﻤﻜﺘوﺒــﺔ واﻝوﺜــﺎﺌق‬
‫وﺘطورﻫﺎ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ﺒدراﺴﺔ ظﺎﻫرة اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ ﻤن ﺨﻼل اﻝﺒﺤث ﻓﻲ ﺘﺎرﻴﺦ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت‬
‫وﻗد ﻜﺎن ﻫذا اﻝﻔرع ﻤن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ‪ ،‬ﻴﻠﻘـﻰ اﻫﺘﻤﺎﻤـﺎ ﻗﻠـﻴﻼً ﻗﻴﺎﺴـﺎً ﻝﻠﻔـروع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺔ‬
‫اﻷﺨرى‪ ،‬ﺤﻴث ﻗﺎم ﺒﻌض ﻋﻠﻤـﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓـﻲ اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴن‪ ،‬ﺒد ارﺴـﺔ اﻝط ارﺌـق اﻝﺘـﻲ ﺘـؤﺜّر ﻤـن‬
‫ﺨﻼﻝﻬــﺎ اﻝﻤﻔــﺎﻫﻴم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻝﻤﺤــدودة ﻓــﻲ ﺴــﻠوك اﻷﺸــﺨﺎص وأﻤــزﺠﺘﻬم‪ ،‬وﻤﻌرﻓــﺔ اﻝﺤﻴــﺎة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ‬

‫‪62‬‬
‫ﺴﻴﻤﺎ ﺘﻠك اﻝﺸﻌوب اﻝﺘﻲ ﺘﻌـﻴش ﻓـﻲ ‪ :‬أﺴـﺘراﻝﻴﺎ وأﻤرﻴﻜـﺎ‬
‫ﻝﻠﺸﻌوب اﻝﺘﻲ ﻤﺎ زاﻝت ﺘﺤﻴﺎ ﺤﻴﺎة ﺒﺴﻴطﺔ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫اﻝﺠﻨوﺒﻴﺔ وأﻓرﻴﻘﻴﺎ‪ ،‬وﻓﻲ ﺒﻌض اﻝﻤﻨﺎطق ﻓﻲ آﺴﻴﺎ‪.‬‬
‫وﻜــﺎن ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ‪ٕ ،‬واﻝــﻰ ﻋﻬــد ﻗرﻴــب ﺠـ ّـداً‪ ،‬ﻴﻘﺼــرون أﺒﺤــﺎﺜﻬم ﻓــﻲ اﻝظ ـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‬
‫واﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ‪ .‬وﻜــﺎﻨوا ﻴﻌﺘﺒــرون اﻝﻔــرد ﻜﻤــﺎ ﻝــو ّأﻨــﻪ ﻤﺠـ ّـرد ﻨﺎﻗــل ﻝﻠﺜﻘﺎﻓــﺔ‪ ،‬أو ﺤﻠﻘــﺔ ﻤــن‬
‫ﺴﻠﺴــﻠﺔ ﻤــن اﻝوﺤــدات اﻝﻤﺘﻤﺎﺜﻠــﺔ اﻝﺘــﻲ ﻴﻤﻜــن أن ﺘﺴــﺘﺒدل اﻝواﺤــدة ﻤﻨﻬــﺎ ﺒــﺄﺨرى‪ .‬وﻝﻜــن‪ ،‬وﺒﻌــد د ارﺴــﺎت‬
‫ﻋدﻴ ـ ــدة‪ ،‬ﺘﺒ ـ ـ ّـﻴن ﻝﻬ ـ ــؤﻻء اﻝﻌﻠﻤ ـ ــﺎء أن اﻝﻤﻌ ـ ــﺎﻴﻴر اﻝﺸﺨﺼ ـ ـ ّـﻴﺔ‪ ،‬ﺘﺨﺘﻠ ـ ــف ﺒ ـ ــﺎﺨﺘﻼف اﻷﻓـ ـ ـراد واﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ـ ــﺎت‬
‫‪155‬‬
‫واﻝﺜﻘﺎﻓﺎت‪.‬‬
‫ﻓﻤﻨــذ اﻝﺒــداﻴﺎت اﻷوﻝــﻰ ﻝﺘطـ ّـور اﻷﺒﺤــﺎث اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺔ‪ ،‬واﻝﻌﻠﻤــﺎء ﻴﺤــﺎوﻝون اﻜﺘﺸــﺎف اﻷﺴــﺒﺎب اﻝﺘــﻲ‬
‫وﺘﺘﻘﺒل أو ﺘﻨﺒذ ﺘﺠدﻴدات ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻤن اﻝﻨوع‬ ‫ﺘطور ﻤﺤﺎور اﻫﺘﻤﺎم ﺨﺎﺼﺔ ﺒﻬﺎ‪ّ ،‬‬ ‫ﻤﻌﻴﻨﺔ‪ّ ،‬‬ ‫ﺘﺠﻌل ﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ّ‬
‫اﻝﻤﺘﻨوﻋــﺔ‬
‫ّ‬ ‫اﻝــذي ﻴﺒــدو ّأﻨــﻪ ﻻ ﻴﻨطــوي ﻋﻠــﻰ ّأﻴــﺔ ﻋواﻤــل ﻨﻔﻌﻴــﺔ‪ ،‬وﻜــذﻝك اﻷﺴــﺒﺎب اﻝﺘــﻲ ﺘﺠﻌــل اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت‬
‫أن ﻫــذﻩ‬‫ﺘطورﻫــﺎ‪ .‬وﺴــﺎد اﻻﻋﺘﻘــﺎد ﺤﻴﻨـﺎً ﻤــن اﻝــزﻤن ّ‬
‫ﺘﻌﻜــس – ﺒﺼــورة ﻤﻨﺘظﻤــﺔ – اﺘّﺠﺎﻫــﺎت ﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﻓــﻲ ّ‬
‫أن ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﻫﻲ ﻀرب ﻤـن اﻻﻓﺘـراض‬ ‫ﻴﺨﻴﺔ ﻋﺎرﻀﺔ‪ ،‬ﻏﻴر ّ‬ ‫اﻝظﺎﻫرات ﻴﻤﻜن ﻋزوﻫﺎ إﻝﻰ وﻗﺎﺌﻊ ﺘﺎر ّ‬
‫‪156‬‬
‫أن ﻤﺼ ــطﻠﺢ‬ ‫وﻴﺘّﻔ ــق ﻤﻌظ ــم اﻝﻌﻠﻤ ــﺎء ﻋﻠ ــﻰ ّ‬ ‫اﻝﺠ ــدﻝﻲ اﻝ ــذي ﻻ ﻴﺴ ــﺘﻨد إﻝ ــﻰ أي ﺒرﻫ ــﺎن أو دﻝﻴ ــل‪.‬‬
‫)أﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺎ( ﻴطﻠــق ﻋﻠــﻰ اﻝد ارﺴــﺔ اﻝﺘــﻲ ﺘﻌﻤــد إﻝــﻰ وﺼــف ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻤــﺎ ﻓــﻲ ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﻤﻌـ ّـﻴن‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴطﻠــق‬
‫ﻤﺼطﻠﺢ )أﺜﻨوﻝوﺠﻴﺎ( ﻋﻠﻰ اﻝدراﺴﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﺠﻤﻊ ﺒﻴن اﻝوﺼف واﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ‪ .‬ﻓﺎﻷﺜﻨوﻝوﺠﻲ ﻴﻬدف ﻤـن ﺘﻠـك‬
‫اﻝﻤﻘﺎرﻨﺎت اﻝوﺼول إﻝﻰ ﻗواﻨﻴن ﻋﺎﻤﺔ ﻝﻠﻌﺎدات اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬وﻝظﺎﻫرة اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ وآﺜﺎر اﻻﺘﺼﺎل ﺒﻴن‬
‫اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻜﻤﺎ ﻴﻬدف اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻲ أﻴﻀﺎً إﻝﻰ ﺘﺼﻨﻴف اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت ﻀـﻤن ﻤﺠﻤوﻋـﺎت أو أﺸـﻜﺎل‪،‬‬
‫‪157‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨﺔ‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ أﺴﺎس ﻤﻘﺎﻴﻴس )ﻤﻌﺎﻴﻴر( ّ‬
‫أن اﻷﻫــداف اﻝﻨﻬﺎﺌﻴــﺔ ﻝﻠﻌــﺎﻝِم اﻷﺜﻨوﻝــوﺠﻲ‪ ،‬ﻫــﻲ ﻓــﻲ اﻷﺴــﺎس‪ ،‬ﻤﻤﺎﺜﻠــﺔ ﻷﻫــداف ﻋــﺎﻝِم‬ ‫وﻫــذا ﻴﻌﻨــﻲ ّ‬
‫وﻋﺎﻝم اﻻﻗﺘﺼﺎد ‪ .‬ﻓﻜ ّل ﻋﺎﻝم ﻤن ﻫؤﻻء‪ ،‬ﻴﺤﺎول أن ﻴﻔﻬم ﻜﻴف ﺘﻌﻤل اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت واﻝﺜﻘﺎﻓﺎت؟‬ ‫اﻻﺠﺘﻤﺎع ِ‬
‫ﻤﻌﻴﻨــﺔ‪ ،‬أو " ﻗ ـواﻨﻴن " ﺒﺤﺴــب‬ ‫ﻴﺘوﺼــل إﻝــﻰ ﺘﻌﻤﻴﻤــﺎت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ﺘﺘﻐﻴــر اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت؟ ﻜﻤــﺎ ﻴﺤــﺎول أن‬
‫وﻜﻴــف وﻝﻤــﺎذا ّ‬
‫اﻝﺘﻨﺒـ ــؤ ﺒﺎﺘّﺠـ ــﺎﻩ ﺴـ ــﻴر اﻷﺤـ ــداث‪ ،‬ﺒﻘﺼـ ــد اﻝـ ــﺘﺤ ّﻜم ﺒـ ــﻪ ﻓـ ــﻲ‬
‫اﻝﻤﺼـ ــطﻠﺢ اﻝـ ــدارج ﻝﻠﻤﻔﻬـ ــوم‪ ،‬ﻝﺘﺴـ ــﺎﻋدﻩ ﻓـ ــﻲ ّ‬
‫‪158‬‬
‫اﻝﻨﻬﺎﻴﺔ‪.‬‬
‫ـﺄن اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴـﺎ ﺘـدرس اﻝظـواﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ د ارﺴـﺔ أرﺴـﻴﺔ‪ ،‬أي د ارﺴـﺔ ﻤﻘﺎرﻨـﺔ زﻤﺎﻨﻴـﺔ‬ ‫ﻓﺈذا ﻜﺎن اﻝﻘول ﺒ ّ‬
‫ـﺈن‬
‫وﺘطورﻫــﺎ وﻤﻘﺎرﻨﺘﻬــﺎ ﻋﺒــر اﻝﺘــﺎرﻴﺦ‪ ،‬ﻓـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ﺘﺎرﻴﺨﻴــﺔ ﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﻤﺎﻀــﻲ‪ ،‬ﻤــﻊ ﻤﺘﺎﺒﻌــﺔ د ارﺴــﺔ ﺘﻠــك اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت‬
‫اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺎ ﺘــدرس اﻝظ ـواﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ د ارﺴــﺔ أﻓﻘﻴــﺔ ﻤﺤـ ّـددة اﻝﻤﻜــﺎن‪ ،‬وﻫﻜــذا ﺘﻜــون اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ د ارﺴــﺔ‬
‫ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻓﻲ اﻝزﻤﺎن‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤﺎ ﺘﻜون اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴﺎ د ارﺴـﺔ ﻤﻘﺎرﻨـﺔ ﻓـﻲ اﻝﻤﻜـﺎن‪ 159.‬وﻜـﺎن ﻤـن ﻨﺘـﺎﺌﺞ اﻻﺤﺘﻜـﺎك‬
‫ـزود ﻋﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع ﺒﺄﺴــﺎﻝﻴب ﺠدﻴــدة ﺜﺒــت ّأﻨﻬــﺎ ذات ﻗﻴﻤــﺔ‬‫ﺒــﻴن ﻋﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع وﻋﻠــم اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ‪ ،‬أن ﺘـ ّ‬
‫أن‬
‫ﺨﺎﺼﺔ ﻝﻠﺒﺎﺤث اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬اﻝذي ﻴﻌﻨـﻰ ﺒد ارﺴـﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻝﺤدﻴﺜـﺔ اﻝﺼـﻐﻴرة‪ .‬أﻀـف إﻝـﻰ ذﻝـك‪ّ ،‬‬
‫‪160‬‬
‫ﺘﻐﻴر ﺒﻌض ﺼﻴﻐﻪ اﻝﻨظرﻴﺔ‪.‬‬ ‫أدى ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ إﻝﻰ ّ‬ ‫وﺴﻊ ﻤﺠﺎل ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع‪ ،‬و ّ‬ ‫اﻻﺤﺘﻜﺎك ﺒﻴن اﻝﻌﻠﻤﻴن ّ‬
‫ﻝﻘ ـ ــد ﺘﺒﻠ ـ ــورت اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴ ـ ــﺎ ﺒﻌ ـ ــد اﻝﺤ ـ ــرب اﻝﻌﺎﻝﻤﻴ ـ ــﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴ ـ ــﺔ ‪ ،‬وﺸـ ـ ـ ّﻜﻠت ﻤ ـ ــﺎ ﻴﻤﻜ ـ ــن اﻹﺸ ـ ــﺎرة إﻝﻴ ـ ــﻪ‬
‫ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼرة‪ .‬وﺴﺎﻋد ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻻﺘﺠﺎﻩ ودﻋﻤﻪ‪ ،‬ازدﻴﺎد ﻋدد اﻷﻨﺜوﺒوﻝـوﺠﻴﻴن ﻓـﻲ اﻝﺒﻠـدان‬
‫اﻝﻨﺎﻤﻴــﺔ‪ ،‬ﺒﻌــد إن ﻜﺎﻨــت ﻫــذﻩ اﻝﻤﻬﻨــﺔ وﻗﻔـﺎً ﻋﻠــﻰ اﻝﺒــﺎﺤﺜﻴن اﻝﻐـرﺒﻴﻴن‪ .‬وﻝــم ﺘﻌــد اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ ﺘﻘﺼــر ﻤﺠــﺎل‬

‫‪63‬‬
‫اﻝﻤﺤﻠﻴ ـﺔ ذات اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ﻏﻴــر اﻝﻐرﺒﻴــﺔ‪ٕ ،‬واّﻨﻤــﺎ اﺘﺠﻬــت‬
‫ّ‬ ‫د ارﺴــﺘﻬﺎ ﻋﻠــﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺼــﻐﻴرة اﻝﺤﺠــم‪ ،‬أو‬
‫‪161‬‬
‫ﻝﺘوﺴﻴﻊ ﻤﺠﺎﻝﻬﺎ ﺒﺤﻴث ﺘﺸـﻤل اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت واﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت ﻜﻠّﻬـﺎ‪ ،‬وﻋﻠـﻰ اﺨـﺘﻼف ﺤﺠﻤﻬـﺎ وﻤوﻗﻌﻬـﺎ‪ .‬ﻏﻴـر‬
‫أدى إﻝـﻰ ﺤـدوث ﺒﻌـض اﻝﺘﻀـﺎرب‬ ‫اﻝﺘﻨوع اﻝـذي اﺘﺼـﻔت ﺒـﻪ اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓـﻲ اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴن‪ّ ،‬‬ ‫أن ﻫذا ّ‬ ‫ّ‬
‫ﺘﻤﺴ ــﻜﻬﺎ ﺒ ــﺎﻝﻨواﺤﻲ‬
‫ﻓ ــﻲ اﻝد ارﺴ ــﺎت‪ ،‬وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ أﻓﻘ ــدﻫﺎ اﻝﻜﺜﻴ ــر ﻤ ــن اﻻﺴ ــﺘﻘرار اﻷﻜ ــﺎدﻴﻤﻲ‪ ،‬ﻋ ــﻼوة ﻋﻠ ــﻰ ّ‬
‫ﻜﻴﻔﻴـﺔ‬
‫ﺘوﺼﻠﻬﺎ إﻝﻰ ﻨظرﻴﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬اﻷﻤر اﻝـذي أﺜـﺎر اﻝﻌدﻴـد ﻤـن اﻝﺘﺴـﺎؤﻻت ﺤـول ّ‬ ‫اﻝﻤﻨﻬﺠﻴﺔ أﻜﺜر ﻤن ّ‬ ‫ّ‬
‫وﻋﻠﻤﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬وﺼﻠﺘﻬﺎ ﺒﻘﻀﺎﻴﺎ اﻹﻨﺴﺎن اﻝﻤﻌﺎﺼر‬ ‫ّ‬ ‫دراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‬

‫‪64‬‬
‫اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺜﺎﻤﻨﺔ‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬

‫أوﻻً‪ -‬ﺘﻌرﻴف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬


‫ﺒﺄﻨﻬﺎ ‪ :‬دراﺴﺔ اﻝﺴﻠوك اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻝذي ﻴﺘّﺨـذ ﻓـﻲ اﻝﻌـﺎدة ﺸـﻜل‬ ‫ﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ّ‬ ‫ّ‬
‫ﻨظم اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻜﺎﻝﻌﺎﺌﻠﺔ‪ ،‬وﻨﺴق اﻝﻘراﺒﺔ‪ ،‬واﻝﺘﻨظﻴم اﻝﺴﻴﺎﺴـﻲ‪ ،‬واﻹﺠـراءات اﻝﻘﺎﻨوﻨﻴـﺔ‪ ،‬واﻝﻌﺒـﺎدات اﻝدﻴﻨﻴـﺔ‪،‬‬
‫وﻏﻴرﻫــﺎ‪ .‬ﻜﻤــﺎ ﺘــدرس اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن ﻫــذﻩ اﻝــﻨظم ﺴ ـواء ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﻤﻌﺎﺼ ـرة أو ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت‬
‫اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴــﺔ‪ ،‬اﻝﺘــﻲ ﻴوﺠــد ﻝــدﻴﻨﺎ ﻋﻨﻬــﺎ ﻤﻌﻠوﻤــﺎت ﻤﻨﺎﺴــﺒﺔ ﻤــن ﻫــذا اﻝﻨــوع‪ ،‬ﻴﻤﻜــن ﻤﻌﻬــﺎ اﻝﻘﻴــﺎم ﺒﻤﺜــل ﻫــذﻩ‬
‫‪162‬‬
‫اﻝدراﺴﺎت‪.‬‬
‫ﻨﻤﻴــز ﺒــﻴن ﻋﺒــﺎرة " ﺜﻘﺎﻓــﺔ " وﻋﺒــﺎرة "‬
‫وﻝــذﻝك‪ ،‬ﻓﻤــن اﻝﻀــروري ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ اﻹﻨﺴــﺎن وأﻋﻤﺎﻝــﻪ‪ ،‬أن ّ‬
‫أﻤـﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻓﻬـو‬ ‫ﻤﺠﺘﻤﻊ " اﻝﻤراﻓﻘﺔ ﻝﻬﺎ‪ .‬ﻓﺎﻝﺜﻘﺎﻓﺔ – ﻜﻤﺎ ﻓﻲ ﺘﻌرﻴﻔﺎﺘﻬـﺎ – ﻫـﻲ طرﻴﻘـﺔ ﺤﻴـﺎة ﺸـﻌب ﻤـﺎ‪ّ ،‬‬
‫ﻤﻌﻴﻨــﺔ‪ .‬وﺒﻌﺒــﺎرة أﺒﺴــط‪:‬‬
‫ﺘﻜﺘّــل ﻤــﻨظّم ﻝﻌــدد ﻤــن اﻷﻓ ـراد‪ ،‬ﻴﺘﻔــﺎﻋﻠون ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴــﻨﻬم وﻴﺘﺒﻌــون طرﻴﻘــﺔ ﺤﻴــﺎة ّ‬
‫اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤؤﻝّف ﻤن أﻨﺎس‪ ،‬وطرﻴﻘﺔ ﺴﻠوﻜﻬم ﻫﻲ ﺜﻘﺎﻓﺘﻬم‪.‬‬
‫أن‬
‫اﻝﻤؤﺴﺴﺎت واﻷﻨظﻤﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬أدوات ﻨﺎﻓﻌﺔ ﻝﻸﻏراض اﻝوﺼـﻔﻴﺔ‪ ،‬ﻜﻤـﺎ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ﺘﻌد ﺘﺼﻨﻴﻔﺎت‬ ‫وﻫﻨﺎ ّ‬
‫اﻝﻤؤﺴﺴـﺎت‪ ،‬ﺘﺴـﺎﻋد ﻓـﻲ اﻻﻫﺘـداء إﻝـﻰ‬ ‫اﻝﺘﻌﻤﻴﻤﺎت ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﻠﻌﻼﻗﺎت اﻝﻤﺘداﺨﻠﺔ واﻝﻤﺘﺒﺎدﻝﺔ ﺒﻴن اﻝﻨﻤﺎذج و ّ‬
‫ﻤﺸوﺸـ ــﺔ وﻏﺎﻤﻀـ ــﺔ‪ ،‬وﻓـ ــﻲ زﻴـ ــﺎدة اﻝﻔﻬـ ــم اﻝﺤﻘﻴﻘـ ــﻲ ﻝﻠﻌﻤﻠﻴـ ــﺎت‬
‫ﻨـ ــوع ﻤـ ــن اﻝﻨظـ ــﺎم وﺴـ ــط أوﻀـ ــﺎع ﺘﺒـ ــدو ّ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ .‬وﻓ ــﻲ اﻝوﻗ ــت ذاﺘ ــﻪ‪ ،‬ﻴﻌﺘﻤــد ﻫ ــذا اﻝﻔﻬ ــم ﻋﻠــﻰ د ارﺴ ــﺔ اﻝﻨﺴ ــق اﻝﻜﻠّــﻲ اﻝ ــذي ﻴؤﻝّــف اﻝﻨظ ــﺎم‬
‫ﻤﺘﻤﻴ ـزة‪ ،‬ﻫــﻲ ‪ :‬ﺸﺨﺼـ ّـﻴﺎت اﻷﻓ ـراد اﻝــذﻴن‬ ‫اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ﺠــزءاً ﻤﻨــﻪ‪ .‬وﻴﻀـ ّـم ﻫــذا اﻝﻨﺴــق ﺜﻼﺜــﺔ ﻋﻨﺎﺼــر ّ‬
‫ﻴﻜﻴـف ﺤﻴﺎﺘـﻪ وﺜﻘﺎﻓﺘـﻪ ﻤﻌﻬـﺎ‪ ،‬وأﺨﻴـ اًر‬ ‫ﻴؤﻝّﻔون اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ‪ ،‬واﻝﺒﻴﺌـﺔ اﻝطﺒﻴﻌﻴـﺔ اﻝﺘـﻲ ﻴﺘﻌ ّـﻴن ﻋﻠـﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ أن ّ‬
‫اﻝﻔﻨﻴــﺔ اﻝﻼزﻤــﺔ ﻝﻠﻤﻌﻴﺸــﺔ‪ ،‬اﻝﺘــﻲ ﺘﻀــﻤن اﺴــﺘﻤرار ﺒﻘــﺎء اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ﻋــن‬ ‫اﻝﻤﺠﻤوﻋــﺔ اﻝﻜﺎﻤﻠــﺔ ﻤــن اﻝوﺴــﺎﺌل ّ‬
‫‪163‬‬
‫طرﻴــق ﻨﻘﻠﻬــﺎ ﻤــن ﺠﻴــل إﻝــﻰ ﺠﻴــل‪ .‬وﻝﻜــن‪ ،‬ﻫــل ﻴﻤﻜــن أن ﻨﻔﺼــل ﻋﻠــﻰ ﻫــذا اﻝﺸــﻜل ﺒــﻴن اﻹﻨﺴــﺎن‬
‫ﻜﺤﻴوان اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬واﻹﻨﺴﺎن ﻜﻤﺨﻠوق ذي ﺜﻘﺎﻓﺔ؟ أﻝﻴس اﻝﺴـﻠوك اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﻓـﻲ اﻝواﻗـﻊ ﺴـﻠوﻜﺎً ﺜﻘﺎﻓﻴـﺎً؟‬
‫ﻤﻤــﺎ ﻫـﻲ ُﻤﺜُــل اﻹﻨﺴــﺎن أو‬ ‫أن اﻝﺤﻘﻴﻘــﺔ اﻝﻜﺒـرى ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ اﻹﻨﺴـﺎن ‪ ،‬ﻫــﻲ اﻹﻨﺴــﺎن ﻨﻔﺴـﻪ أﻜﺜــر ّ‬ ‫أﻝـم ﻨـ َـر ّ‬
‫ﻨﺴﻤﻴﻬﺎ " ﻤﺠﺘﻤﻌﺎت "؟‬ ‫ﻨظﻤﻪ‪ ،‬أو ﺤﺘﻰ اﻷﺸﻴﺎء اﻝﻤﺎدﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻨﺠﻤت ﻋن ارﺘﺒﺎطﻪ ﺒﺘﻜﺘّﻼت ّ‬
‫ﻓﺎﻝﻨظــﺎم اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ إذن‪ ،‬ﻫــو اﻝﺘﻌﺒﻴــر اﻝﺘﻘﻨــﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ اﻝــذي ﻴــد ّل ﻋﻠــﻰ اﻝﻤظﻬــر اﻷﺴﺎﺴــﻲ‬
‫ﻓﻲ ﺤﻴﺎة اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬وﻫو ﻴﺸﻤل اﻝﻨظم اﻝﺘﻲ ﺘؤﻝّف إطﺎ اًر ﻷﻨـواع اﻝﺴـﻠوك ﺠﻤﻴﻌﻬـﺎ‪ ،‬ﺴـواء ﻜـﺎن‬
‫‪164‬‬
‫ﻓردﻴﺎً أو اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎً‪.‬‬
‫زودﺘــﺎ اﻹﻨﺴــﺎن ﺒــﺄدوات ﻝﻨﻘــل اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت‪ ،‬ﻤﻬﻤــﺎ ﺒﻠﻐــت ﻤــن‬
‫إن اﻝﻠﻐــﺔ واﻝﺤﻴــﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻝﻤﻨظّﻤــﺔ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫اﻝﺘﻌﻘﻴــد‪ ،‬واﻝﻤﺤﺎﻓظــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺘراﺜﻬــﺎ ﺒﺼــورة ﻏﻴــر إﻴﺠﺎﺒﻴــﺔ‪ .‬وﻋﻤﻠــت اﻝﺤﻴــﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ أﻴﻀـﺎً ﻋﻠــﻰ ﺠﻌــل‬
‫وﺘﻤـت اﻝﻤﺤﺎﻓظـﺔ‬ ‫اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ ﺤﺎﺠﺔ إﻝﻰ إرث اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻴﻔوق ﻓﻲ ﺜروﺘـﻪ ﻤـﺎ ﺘﺤﺘـﺎج إﻝﻴـﻪ اﻝﺤﻴواﻨـﺎت‪ّ .‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ‪ ،‬ﺒﺘدرﻴب أﺠﻴﺎل ﻤﺘﻼﺤﻘﺔ ﻤن اﻷﻓراد ‪ ..‬وﻝذا ﻜﺎﻨت اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت‪ ،‬ﻫﻲ ﻨﻔﺴﻬﺎ‪،‬‬
‫‪165‬‬
‫ﺤﺼﻴﻠﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫وﺒﻨﺎء ﻋﻠﻰ ذﻝك‪ ،‬ﺘﻬدف دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ إﻝﻰ ﺘﺤدﻴد اﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝﺔ ﺒﻴن ﻫذﻩ‬
‫اﻝـ ــﻨظم‪ ،‬ﺴ ـ ـواء ﻓـ ــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـ ــﺎت اﻝﻘدﻴﻤـ ــﺔ اﻝﺘـ ــﻲ ﺘـ ــدرس ﻤـ ــن ﺨـ ــﻼل آﺜﺎرﻫـ ــﺎ اﻝﻤﺎدﻴـ ــﺔ واﻝﻔﻜرﻴـ ــﺔ‪ ،‬أو ﻓـ ــﻲ‬
‫اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺤدﻴﺜــﺔ واﻝﻤﻌﺎﺼ ـرة‪ ،‬اﻝﺘــﻲ ﺘــدرس ﻤــن ﺨــﻼل اﻝﻤﻼﺤظــﺔ اﻝﻤﺒﺎﺸ ـرة ﻝﻤﻨﺠزاﺘﻬــﺎ وﺘﻔﺎﻋﻼﺘﻬــﺎ‬
‫اﻝﺨﺎﺼﺔ واﻝﻌﺎﻤﺔ‪.‬‬

‫وﺘطورﻫﺎ‬
‫ّ‬ ‫ﺜﺎﻨﻴﺎً‪-‬ﻨﺸﺄة اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬
‫ﻴﻌ ـ ّـد اﻫﺘﻤ ــﺎم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ﻋﺎﻤ ــﺔ‪ ،‬واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﺨﺎﺼ ــﺔ‪ ،‬ﺒد ارﺴ ــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت‬
‫أﺴﺎﺴﻴﺎً ﻤن ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأﻫـداﻓﻬﺎ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻝﻤﺴﺘوﻴﺎت اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ ﻜﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻤﻨطﻠﻘﺎً‬
‫وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ د ارﺴــﺔ أﺴــﺎﻝﻴب ﺤﻴــﺎة اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﻤﺤﻠﻴــﺔ‪ ،‬إﻝــﻰ ﺠﺎﻨــب د ارﺴــﺎت ﻤــﺎ ﻗﺒــل اﻝﺘــﺎرﻴﺦ‪ ،‬ود ارﺴــﺎت‬
‫ﻴﻤﻴ ــز اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ﻋـ ـن اﻝﻌﻠ ــوم اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ و اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‬
‫اﻝﻠﻐ ــﺎت واﻝﻠﻬﺠ ــﺎت اﻝﻤﺤﻠﻴ ــﺔ ‪ ..‬وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ ّ‬
‫ﺴﻴﻤﺎ ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع ‪.‬‬ ‫اﻷﺨرى‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ﺒﺄﻨ ــﻪ ﻋﻠ ــم ﺤ ــدﻴث اﻝﻌﻬ ــد‪ ،‬ﻻ ﺒ ــل ﻤ ــن أﻜﺜ ــر اﻝﻌﻠ ــوم‬
‫وﻴوﺼ ــف ﻋﻠ ــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ّ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺤداﺜﺔ‪ .‬ﻓﻘد اﺴﺘﺨدم ﻤﺼطﻠﺢ )اﻻﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ( ﻝﻠﻤ ّـرة اﻷوﻝـﻰ ﻓـﻲ ﻋـﺎم ‪1908‬‬
‫ﻜرﻤت ﺠﺎﻤﻌﺔ ﻝﻴﻔرﺒول ﻓﻲ ﺒرﻴطﺎﻨﻴﺎ اﻝﺴﻴد ) ﺠﻴﻤس ﻓرﻴزر( وﻤﻨﺤﺘﻪ ﻝﻘب اﻷﺴﺘﺎذ‪.‬‬ ‫ﻋﻨدﻤﺎ ّ‬
‫وﻤﻤ ـ ـﺎّ ﻴـ ــد ّل ﻋﻠـ ــﻰ ﺤداﺜـ ــﺔ ﻫـ ــذا اﻝﻌﻠـ ــم اﻝـ ــذي ﻴـ ــدرس اﻝﺠﺎﻨـ ــب اﻝطﺒﻴﻌـ ــﻲ اﻝﺘطﺒﻴﻘـ ــﻲ‪ ،‬ﻤـ ــن اﻝﺒﻨـ ــﻰ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ‪ ،‬ذﻝـ ــك اﻻﺨـ ــﺘﻼف اﻝـ ــذي ﻤـ ــﺎ ﻴ ـ ـزال ﻗﺎﺌﻤ ـ ـﺎً ﺒـ ــﻴن ﻋﻠﻤـ ــﺎء اﻻﺠﺘﻤـ ــﺎع ﺤـ ــول ﻫـ ــذﻩ اﻝﺘﺴـ ــﻤﻴﺔ ‪:‬‬
‫)اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ (‪ .‬وﻝﻜــن ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﺤداﺜــﺔ ﻫــذا اﻝﻌﻠــم‪ ،‬ﻓﻘــد ﻤـ ّـر ﺒﻤ ارﺤــل ﻤﺘﻌـ ّـددة‬
‫أﺴــﻬﻤت ﻓــﻲ ﻨﺸــوﺌﻪ وﺘطـ ّـورﻩ واﺴــﺘﻜﻤﺎل ﻋﻨﺎﺼ ـرﻩ إﻝــﻰ ﺤـ ّـد ﺒﻌﻴــد‪ ،‬ﺒــدءاً ﻤــن اﻝﻘــرن اﻝﺜــﺎﻤن ﻋﺸــر وﺤﺘــﻰ‬
‫اﻝوﻗت اﻝﺤﺎﻀر‪.‬‬

‫‪ _1‬اﻝﻘرن اﻝﺜﺎﻤن ﻋﺸر ‪:‬‬


‫ﺘﻌـ ّـد اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﺘــﻲ أﺠرﻴــت ﻓــﻲ اﻝﻘــرن اﻝﺜــﺎﻤن ﻋﺸــر ﺤــول اﻷﺒﻨﻴــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ ،‬وأﻨﺴــﺎق اﻝﻘــﻴم‬
‫اﻝﺴﺎﺌدة ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻤـن أﻫ ّـم اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺘـﻲ ﻤﻬّـدت ﻝظﻬـور اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪ .‬وﻜـﺎن ﻓـﻲ ﻤﻘ ّـدﻤﺘﻬﺎ‬
‫أن اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ‬ ‫ﻜﺘﺎب " روح اﻝﻘواﻨﻴن " اﻝذي أﻝّﻔﻪ ) ﻤوﻨﺘﺴﻴﻜو ( ﻋﺎﻝم اﻻﺠﺘﻤﺎع اﻝﻔرﻨﺴﻲ‪ ،‬واﻝذي أ ّﻜد ﻓﻴﻪ ّ‬
‫ﻴﺘﻜون ﻤن ﻤﺠﻤوع ﻨظم ﻤﺘراﺒطﺔ‪ ،‬ﺒﺤﻴث ﻻ ﻴﻤﻜن ﻓﻬـم اﻝﻘـواﻨﻴن ﻋﻨـد أي ﺸـﻌب‬ ‫اﻝﺒﺸري وﻤﺎ ﻴﺤﻴط ﺒﻪ‪ّ ،‬‬
‫ﻤ ــن اﻝﺸ ــﻌوب‪ ،‬إﻻّ إذا درﺴ ــت اﻝﻌﻼﻗ ــﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﺘﺤﻜ ــم ﻫ ــذا اﻝﻨظ ــﺎم أو ذاك‪ ،‬ﺒﻤ ــﺎ ﻓﻴﻬ ــﺎ اﻝﺒﻴﺌ ــﺔ واﻝﺤﻴ ــﺎة‬
‫ﻤﻴز اﻝﻔﻴﻠﺴوف اﻝﻔرﺴﻲ ) ﻤوﻨﺘﺴﻴﻜو( ﺒﻴن‬ ‫اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ‪ ،‬واﻝﺴﻜﺎن واﻝﻤﻌﺘﻘدات واﻷﺨﻼق اﻝﺴﺎﺌدة‪ ،‬ﺤﻴث ّ‬
‫أن اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ذاﺘــﻪ وﻤــﺎ‬ ‫اﻝﺒﻨــﺎء اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ واﻝﻨظــﺎم اﻝﻘﻴﻤــﻲ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒﻴﻨﻬﻤــﺎ‪ .‬وأوﻀــﺢ ّ‬
‫وظﻴﻔﻴﺎً‪ ،‬وﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﻻ ﻴﻤﻜن ﻓﻬم اﻝﻘﺎﻨون اﻝﻌـﺎم‬ ‫ّ‬ ‫ﻴﺘﻜون ﻤن ﻨظم ﻴرﺘﺒط ﺒﻌﻀﻬﺎ ﺒﺒﻌض ارﺘﺒﺎطﺎّ‬ ‫ﻴﺤﻴط ﺒﻪ‪ّ ،‬‬
‫ﻝدى أي ﺸﻌب ﻤـن اﻝﺸـﻌوب‪ ،‬إﻻّ إذا درﺴـﻨﺎ اﻝﻌﻼﻗـﺎت ﺒـﻴن ﻫـذﻩ اﻝﻘـواﻨﻴن ﻜﻠّﻬـﺎ‪ ،‬وﻤـن ﺜ ّـم د ارﺴـﺔ ﻋﻼﻗـﺔ‬
‫اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ واﻝﺤﻴـﺎة اﻻﻗﺘﺼـﺎدﻴﺔ‪ ،‬وﻋـدد اﻝﺴـﻜﺎن واﻷﻋـراف واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد اﻝﺴـﺎﺌدة أو اﻝﺘـﻲ‬ ‫ّ‬ ‫ﺘﻠك اﻝﻘواﻨﻴن ﺒﺎﻝﺒﻴﺌﺔ‬
‫‪166‬‬
‫ﻜﺎﻨت ﺴﺎﺌدة‪.‬‬
‫وﻝﻜــن ) ﺴــﺎن ﺴــﻴﻤون ( ﻋــﺎﻝم اﻻﺠﺘﻤــﺎع اﻝﻔرﻨﺴــﻲ أﻴﻀ ـﺎً‪ ،‬ﻴﻌـ ّـد أول ﻤــن رأى ﻀــرورة إﻨﺸــﺎء ﻋﻠــم‬
‫ﻤﻬﻤــﺔ ﻋﻠﻤــﺎء اﻻﺠﺘﻤــﺎع ﻻ‬
‫أن ّ‬ ‫ﻝﻠﻤﺠﺘﻤــﻊ‪ ،‬واﻗﺘــرح إﻨﺸــﺎء ﻋﻠ ـم وﻀــﻌﻲ ﻝﻠﻌﻼﻗــﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ .‬واﻋﺘﺒــر ّ‬
‫‪66‬‬
‫ﺘﻘﺘﺼــر ﻋﻠــﻰ د ارﺴــﺔ اﻝﻤﻔــﺎﻫﻴم واﻝﺘﺼـ ّـورات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻓﺤﺴــب‪ٕ ،‬واّﻨﻤــﺎ ﻴﺠــب أن ﺘﺸــﻤل ﺘﺤﻠﻴــل اﻝوﻗــﺎﺌﻊ‬
‫ﺘﻌززﻫﺎ‪.‬‬
‫واﻝﺤﻘﺎﺌق اﻝﺘﻲ ّ‬
‫ٕواذا ﻜﺎن) ﺴﻴﻤون ( ﻝم ﻴﻘﺼد ﺘﻤﺎﻤﺎً إﻨﺸـﺎء ﻋﻠـم ) اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ( ٕواّﻨﻤـﺎ ﻗﺼـد إﻴﺠـﺎد‬
‫ﻓﺈن ذﻝك ﺘﺤﻘّق ﻓﻌﻼّ ﺒﺠﻬود ﺘﻠﻤﻴـذﻩ‬ ‫ﻤوﻀوﻋﻴﺔ‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫ﻋﻠم ﺨﺎص ﻴدرس اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ دراﺴﺔ‬
‫) أوﻏﺴت ﻜوﻨت (‪.‬‬
‫أﻤﺎ ﻓﻲ إﻨﻜﻠﺘرا‪ ،‬ﻓﻘـد ظﻬـرت د ارﺴـﺎت ﺘﻤﻬﻴدﻴـﺔ ﻝﻌﻠـم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪،‬‬ ‫ﻫذا ﻓﻲ ﻓرﻨﺴﺎ ‪ّ ..‬‬
‫وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ أﺒﺤــﺎث ) داﻓﻴــد ﻫﻴــوم وآدم ﺴــﻤﻴث( ﺤﻴــث ُﻨظــر إﻝــﻰ ﻜ ـ ّل ﻤﺠﺘﻤــﻊ إﻨﺴــﺎﻨﻲ ﻋﻠــﻰ ّأﻨــﻪ ﻨﺴــق‬
‫طﺒﻴﻌـﻲ ﻴﻨ ّﺸــﺄ ﻤـن اﻝطﺒﻴﻌــﺔ اﻝﺒﺸـرﻴﺔ‪ ،‬وﻝــﻴس ﻋــن طرﻴـق اﻝﺘﻌﺎﻗــد‪ .‬وﻝـذﻝك اﻨﺘﺸــرت ﻤﻔـﺎﻫﻴم ﺠدﻴــدة‪ ،‬ﻤﺜــل‪:‬‬
‫اﻷﺨﻼق اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ واﻝدﻴن اﻝطﺒﻴﻌﻲ‪ .‬واﻋﺘﺒر اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ )أي ﻤﺠﺘﻤﻊ إﻨﺴﺎﻨﻲ( ظﺎﻫرة طﺒﻴﻌﻴـﺔ‪ ،‬ﻻ ﺒ ّـد ﻤـن‬
‫اﺴﺘﺨدام اﻝﻤﻨﻬﺞ اﻝﺘﺠرﻴﺒﻲ واﻻﺴﺘﻘراﺌﻲ‪ ،‬ﻋﻨد دراﺴﺘﻪ ﺒدﻻّ ﻤن اﻝﻤﻨﺎﻫﺞ اﻝﻌﻘﻠﻴﺔ اﻝﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‪.‬‬
‫اﻝﺘﻤﻬﻴدﻴــﺔ ﺒ ـوادر اﻻﻫﺘﻤــﺎم ﺒــﺎﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻝﺒــداﺌﻲ‪ ،‬اﻋﺘﻤــﺎداً ﻋﻠــﻰ رﺤــﻼت‬
‫ّ‬ ‫وظﻬــرت ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻤرﺤﻠــﺔ‬
‫ـوﺤش‬‫اﻻﺴﺘﻜﺸﺎف ﻝﻶﺜﺎر واﻝﻤﺘﺎﺤف واﻝﻤﺼﺎدر اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ .‬وﻗد ُﻨظر إﻝﻰ اﻹﻨﺴـﺎن اﻝﺒـداﺌﻲ ﻋﻠـﻰ ّأﻨـﻪ ﻤﺘ ّ‬
‫ﻜﻠﻴــﺔ ﻤــﻊ إﻨﺴــﺎن اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ اﻝﻤﺘﻤـ ّـدن واﻝﻤﺘﻘـ ّـدم‪ .‬وﺨﻴــر‬
‫ﻓــﻲ ﻤﺠﺘﻤﻌــﻪ‪ ،‬وﻫﻤﺠــﻲ ﻓــﻲ ﺴــﻠوﻜﺎﺘﻪ ‪ ..‬ﻴﺘﻨــﺎﻗض ّ‬
‫ﻤﺜﺎل ﻋﻠﻰ ذﻝـك‪ ،‬ﻤـﺎ ﻜﺘﺒـﻪ ) ﺠـون ﻝـوك ( ﻋـن اﻝﻬﻨـود اﻝﺤﻤـر ﻓـﻲ أﻤرﻴﻜـﺎ‪ ،‬ﺤﻴـث أﺼـدر أﺤﻜﺎﻤـﺎً ﻋﺎﻤـﺔ‬
‫وﻏﻴر دﻗﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻋن ﻫذﻩ اﻝﺸﻌوب اﻝﺒداﺌﻴﺔ ‪.‬‬
‫إن ﻋﻠﻤــﺎء اﻝﻘــرن اﻝﺜــﺎﻤن ﻋﺸــر وﻓﻼﺴــﻔﺘﻪ‪ ،‬ﻤﻬﻤــﺎ ﺘﻜــن آراؤﻫــم‪ ،‬ﻤﻬّــدوا ﺒﺸــﻜل أﺴﺎﺴــﻲ‬
‫واﻝﺨﻼﺼــﺔ‪ّ ،‬‬
‫ﻝظﻬور ﻋﻠم دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬وذﻝك ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻻﻫﺘﻤﺎﻤﻬم ﺒـﺎﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻤـن ﺠﻬـﺔ‪،‬‬
‫واﻋﺘﺒﺎرﻫم اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ أﻨﺴـﺎﻗﺎً طﺒﻴﻌﻴـﺔ‪ ،‬ﻓـﻲ إطـﺎر )اﻝطﺒﻴﻌـﺔ اﻝﺒﺸـرﻴﺔ( ﻤـن ﺠﻬـﺔ أﺨـرى ﻴﺠـب‬
‫أن دراﺴﺎت ﻫؤﻻء اﻝﻤﻌﻨﻴﻴن ﻜﺎﻨـت ﺒﻌﻴـدة ﻋـن‬ ‫أن ﺘدرس ﻤن ﺨﻼل اﻝﻤﻨﺎﻫﺞ اﻝﺘﺠرﻴﺒﻴﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ‬
‫طﺒﻴﻌﺔ ﻫذﻩ اﻝﻤﻨﺎﻫﺞ‪ ،‬وﻜﺎﻨت ﺘﻌﺘﻤد ﻋﻠﻰ اﻝﺘﺤﻠﻴل اﻝﺼوري )اﻝﺸﻜﻠﻲ (‪.‬‬

‫‪-2‬اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸر ‪:‬‬


‫ﻴﻌد اﻝﻨﺼف اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸر‪ ،‬ﻓﺘرة ﻨﺸوء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻜﻌﻠم ﻤﻌﺘرف ﺒـﻪ ‪ ..‬وﻗـد‬ ‫ّ‬
‫أﺴــﻬم ﻓــﻲ ذﻝــك ﺼــدور اﻝﻌدﻴــد ﻤــن اﻝد ارﺴــﺎت واﻝﻜﺘــب اﻝﺘــﻲ ﺒﺤﺜــت ﻓــﻲ ﻫــذا اﻝﻌﻠــم وﺤـ ّـددت ﻤﻌﺎﻝﻤــﻪ‬
‫ﺴﻴﻤﺎ ﻤؤﻝّﻔﺎت ﻜ ّل ﻤن )ﺘﺎﻴﻠور وﻤﺎﻜﻠﻴﻨﺎن( ﻓـﻲ إﻨﻜﻠﺘـرا‪ ،‬و )ﺒـﺎﻓوﻓﻴن( ﻓـﻲ ﺴوﻴﺴـرا‪ ،‬ﺤﻴـث‬ ‫اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ‪ ،‬وﻻ ّ‬
‫ـﺘم ﻫــؤﻻء ﺒﺠﻤــﻊ اﻝﻤﻌﻠوﻤــﺎت ﻋــن اﻝﺸــﻌوب اﻝﺒداﺌﻴــﺔ‪ ،‬وأﺒرزوﻫــﺎ ﺒﺼــورة ﻤﻨﻬﺠﻴــﺔ ﻤﻨظّﻤــﺔ‪ ،‬ﻤــن ﺨــﻼل‬ ‫اﻫـ ّ‬
‫دراﺴﺔ اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﺤدود اﻷﺒﻨﻴـﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻝﻬـذﻩ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت‪ ،‬وﻝـﻴس ﻓـﻲ ﺤـدود اﻝﻔﻠﺴـﻔﺔ‬
‫وﻋﻠم اﻝﻨﻔس‪ .‬ﻓوﻀﻌوا ﺒذﻝك أﺴس ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺴــر ) ﻤﺎﻜﻠﻴﻨــﺎن ( ﻤــﺜﻼ ‪ :‬ﺘﺤـرﻴم زواج اﻝﻤﺤــﺎرم ﻓــﻲ ﺒﻌــض ﻫــذﻩ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺒداﺌﻴــﺔ )ﻨظــﺎم‬ ‫ﻓﻘــد ّ‬
‫اﻝــزواج اﻷﻜﺴــوﺠﺎﻤﻲ (‪ ،‬اﺴــﺘﻨﺎداً إﻝــﻰ ظ ـواﻫر اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ أو ﻋﻘﺎﺌــد ﺨﺎﺼــﺔ ﺒﺘﻠــك اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت‪ ،‬راﻓﻀ ـﺎً‬
‫أن طرﻴﻘ ــﺔ اﻝ ــزواج اﻝﺘ ــﻲ ﺘﺘﻤﺜّــل ﻓ ــﻲ ﻋﻤﻠﻴ ــﺔ ﺨط ــف‬
‫إرﺠﺎﻋ ــﻪ إﻝ ــﻰ أﺴ ــﺒﺎب ﺒﻴوﻝوﺠﻴ ــﺔ أو ﻨﻔﺴ ــﻴﺔ‪ .‬ﻜﻤ ــﺎ ّ‬
‫ﻤﺘرﺴـﺒﺔ ﻤـن اﻝﻤﺎﻀـﻲ ﻓـﻲ‬ ‫ّ‬ ‫اﻝﻌروس‪ ،‬ﻝم ﺘﺴﺘﻨد إﻝﻰ ﻨظرﻴﺎت ﻨﻔﺴﻴﺔ أو ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ‪ٕ ،‬واّﻨﻤﺎ ﺘرﺠﻊ إﻝـﻰ ﻋـﺎدات‬
‫‪167‬‬
‫ﻤﻤﺎرﺴﺔ اﻝﺴﺒﻲ واﻻﻏﺘﺼﺎب‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫وﻝـ ــم ﻴﻜـ ــن رواد اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ ﻓـ ــﻲ اﻝﻘـ ــرن اﻝﺘﺎﺴـ ــﻊ ﻋﺸـ ــر‪ ،‬ﻴﺴـ ــﺘﺨدﻤون اﻝد ارﺴـ ــﺎت‬
‫ﺘﻌد ﻫذﻩ اﻝﻤرﺤﻠﺔ ﻓﺘرة‬
‫اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺒل اﻋﺘﻤدوا ﻋﻠﻰ أﻗوال اﻝرﺤﺎﻝﺔ واﻝﻤﺴﺘﻜﺸﻔﻴن ورﺠﺎل اﻹدارة ‪ .‬وﻝذﻝك‪ّ ،‬‬
‫ﻷن اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴــﺔ ﺘﻌـ ّـد ﻤــن اﻝرﻜــﺎﺌز اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ‬
‫ﻨﺸــوء ﻫــذا اﻝﻌﻠــم‪ ،‬وﻝﻴﺴــت ﻓﺘ ـرة ﻜﻤﺎﻝــﻪ وﻨﻀــﺠﻪ‪ّ ،‬‬
‫وﻤﻨﻬﺠﻴﺘﻪ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ﻝﺘﻜﺎﻤل ﻫذا اﻝﻌﻠم‪ ،‬ﺒطﺒﻴﻌﺘﻪ‬
‫ﺘﻤﻴ ــزت ﻫ ــذﻩ اﻝﻤرﺤﻠ ــﺔ ﺒظﻬ ــور ﻤدرﺴ ــﺘﻴن ﻤﺘ ــداﺨﻠﺘﻴن‪ ،‬ﻫﻤ ــﺎ ‪ :‬اﻝﻨﺸ ــوﺌﻴﺔ واﻝﺘطورّﻴ ــﺔ‪ .‬وﻴﻌ ــود‬
‫وﻗ ــد ّ‬
‫ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻝﺘط ّـور ﻓـﻲ‬‫أن اﻝﻌﺎﻝِم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ‪ ،‬أو اﻝﻌﺎﻝم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨدﻤﺎ ﻴﻘوم ﺒﺘﻔﺴﻴر ّ‬ ‫ﺘداﺨﻠﻬﻤﺎ إﻝﻰ ّ‬
‫أي ﻨظﺎم اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻤن اﻝﻤﺎﻀﻲ إﻝـﻰ اﻝﺤﺎﻀـر‪ ،‬ﻻ ﺒ ّـد أن ﻴﻌﻤـد إﻝـﻰ ﺘﺤدﻴـد ﻨﺸـﺄة ﻫـذا اﻝﻨظـﺎم‪ ،‬وذﻝـك‬
‫ﺒــﺎﻝﻌودة إﻝــﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺒداﺌﻴــﺔ ﻝد ارﺴــﺘﻬﺎ واﺴــﺘﺨﻼص ﺼــﻔﺎﺘﻬﺎ وﻋﻼﻗﺎﺘﻬــﺎ‪ ،‬ﺒﺎﻋﺘﺒﺎرﻫــﺎ ﺘﻤﺜّــل اﻝﺘــﺎرﻴﺦ‬
‫اﻝﻤﺒﻜر ﻝﻠﺠﻨس اﻝﺒﺸري ‪.‬‬
‫ﻤﺜـﺎل ذﻝـك ‪) :‬ﻨﺸــﺄة اﻷﺴـرة وﺘطورﻫــﺎ( ﻤـن ﺤﻴــث اﻹﺒﺎﺤﻴـﺔ اﻝﺠﻨﺴــﻴﺔ‪ ،‬وﺘﻌ ّـدد اﻝزوﺠــﺎت وﺼـوﻻً إﻝــﻰ‬
‫ﺜم إﻝﻰ اﻷب‪ .‬وﻫذﻩ اﻝﻌودة إﻝﻰ اﻝﺸﻌوب اﻝﺒداﺌﻴﺔ‪ ،‬ﻻ‬ ‫وﺤداﻨﻴﺔ اﻝزوﺠﺔ‪ .‬وﻜذﻝك اﻻﻨﺘﺴﺎب إﻝﻰ اﻷم وﻤن ّ‬
‫ﺘﻘﺘﺼر ﻋﻠﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﺤﺴب‪ ،‬ﺒل ﺘﺸﻤل ﺴﺎﺌر ﻓروع اﻝﻤﻌرﻓﺔ اﻝﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ‪.‬‬
‫وﻗــد ﺘــﺄﺜّر رواد ﻫــذﻩ اﻝﻤدرﺴــﺔ‪ ،‬وﻓــﻲ ﻤﻘـ ّـدﻤﺘﻬم ) إدوارد ﺘــﺎﻴﻠور( ﺒﻨظرﻴــﺔ ) داروﻴــن(‪ ،‬ﺤــول ﺘطـ ّـور‬
‫اﻝﻤرﻜﺒ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻝﺤﻀ ــﺎرة‬
‫ّ‬ ‫أن اﻝﻌﻨﺎﺼ ــر‬
‫اﻝطﺒﻴﻌﻴ ــﺔ ﻝﻠﻜﺎﺌﻨ ــﺎت اﻝﺒﺸـ ـرﻴﺔ‪ ،‬وﺘﺴ ــﺘﻨد ﻫ ــذﻩ اﻝﻨظرﻴ ــﺔ إﻝ ــﻰ ّ‬
‫ّ‬ ‫اﻝﺤﻴ ــﺎة‬
‫ﺘﺘطور ﺒﺎﺴﺘﻤرار ﻤن اﻷﺸﻴﺎء اﻝﺒﺴﻴطﺔ إﻝﻰ اﻷﺸﻴﺎء اﻝﻤﻌﻘّدة‪ ،‬وﻫـذا ﻤـﺎ ﻴﻨﺴـﺤب ﻋﻠـﻰ ﺘط ّـور‬ ‫اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ‪ّ ،‬‬
‫اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺒﺄﻨﻪ اﻝرﺠل اﻝذي ﻨـﺎدى‬ ‫وﻴرﺘﺒط اﺴم ) داروﻴن ( ﻋﻠﻰ اﻷﻗ ّل ﻓﻲ أذﻫﺎن ﻋﺎﻤﺔ اﻝﻤﺜﻘﻔﻴن ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝم‪ّ ،‬‬
‫ﻤﺘﺤدﻴﺎ ﻓﻜرة اﻝﺨﻠق‪ ،‬وذﻫب ﻓﻲ ذﻝك إﻝﻰ ﺤ ّـد اﻝﻘـول ﺒﺎﻨﺤـدار اﻝﺒﺸـر ﻤـن اﻝﻘـردة اﻝﻌﻠﻴـﺎ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اﻝﺘطور‬
‫ّ‬ ‫ﺒﻨظرﻴﺔ‬
‫ﻤؤﺴـس‬‫وﻝﻜن اﻝﺤﻘﻴﻘﺔ أﻜﺜر ﺘﻌﻘﻴداً ﻤن ذﻝك‪ ،‬ﺤﺴب ﺘﻌﺒﻴر ) ﻜرﻴﺴﺘوﻓر ﺒوﻜر (‪ .‬ﻓﻠـم ﻴﻜـن داروﻴـن ﻫـو ّ‬ ‫ّ‬
‫أن ﺼــور اﻝﺤﻴــﺎة‬‫ﺘﻠــك اﻝﻨظرﻴــﺔ‪ ،‬إذ ﺴــﺒﻘﻪ إﻝﻴﻬــﺎ ﻋــدد ﻜﺒﻴـر ﻤــن اﻝﻌﻠﻤــﺎء اﻝطﺒﻴﻌﻴــﻴن اﻝــذﻴن ﻜــﺎﻨوا ﻴــرون ّ‬
‫وﻤﺘﻤﻴـ اًز‬ ‫اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﺘطورت ﻜﻠّﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺸﻜل واﺤـد ﺒﺴـﻴط‪ ،‬أي أن ﻫـذﻩ اﻷﺸـﻜﺎل ﻝـم ﺘﺨﻠـق ﺨﻠﻘـﺎً ﻤﺴـﺘﻘﻼ‪‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ﻜ ّل ﻤﻨﻬﺎ ﻋن اﻵﺨر ‪.‬‬
‫وﻗــد اﻨﺘﺸــرت ﻫــذﻩ اﻷﻓﻜــﺎر ﻗﺒــل ظﻬــور ﻜﺘــﺎب داروﻴــن ﻋــن " أﺼــل اﻷﻨـواع " ﺒﺴــﺒﻌﻴن ﺴــﻨﺔ ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻷﻗـ ّل‪ .‬وﻜــﺎن ﻜ ـ ّل ﻤــﺎ ﻓﻌﻠــﻪ ) داروﻴــن(‪ ،‬ﻫــو ّأﻨــﻪ ﻗــﺎم ﺒﺘﺠﻤﻴــﻊ ﺘﻠــك اﻷﻓﻜــﺎر واﻵراء اﻝﻤﺒﻌﺜ ـرة واﻝﻤﺘﻨــﺎﺜرة‪،‬‬
‫اﻝﺘﻌﻤـق‪ .‬وﻤـن ﻫﻨـﺎ ﺴـﺎﻋد ﻜﺘـﺎب " أﺼـل‬ ‫وﺘﺤﻠﻴﻠﻬﺎ ﺒطرﻴﻘﺔ ﻤﻨﻬﺠﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻴﻬﺎ ﻗدر ﻜﺒﻴر ﻤن ﻤﺤﺎوﻝـﺔ اﻝﻔﻬـم و ّ‬
‫أن اﻝﻜﺘــﺎب ﻴﻘـ ّـدم ﻨظرﻴــﺔ‬
‫اﻷﻨ ـواع " ﻓــﻲ ﺘوطﻴــد ﻓﻜ ـرة اﻝﺘطـ ّـور وﺘرﺴــﻴﺨﻬﺎ‪ .‬وﻝﻜـ ّـن اﻷﻫـ ّـم ﻤــن ذﻝــك‪ ،‬ﻫــو ّ‬
‫ﻤﺘﻤﺎﺴــﻜﺔ ﻋــن اﻝطرﻴﻘــﺔ اﻝﺘــﻲ ﺤــدث ﻓﻴﻬــﺎ اﻝﺘطـ ّـور‪ ،‬ووﻀــﻊ ﻓــﻲ ذﻝــك ﻤﺒــدأﻩ اﻝﺸــﻬﻴر ﻋــن " اﻻﻨﺘﺨــﺎب‬
‫ﻓﺴــر ﺒــﻪ اﺴــﺘﻤرار ﺒﻌــض اﻷﻨـواع ﻓــﻲ اﻝﺤﻴــﺎة ‪ ،‬واﺨﺘﻔــﺎء ﺒﻌﻀــﻬﺎ اﻵﺨــر ﻓــﻲ ﻤﻌرﻜﺘﻬــﺎ‬ ‫اﻝطﺒﻴﻌــﻲ " اﻝــذي ّ‬
‫اﻝﻜﺒرى وﺼراﻋﻬﺎ ﻤن اﺠل اﻝﺤﻴﺎة‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّأﻨﻪ ﻤﺒدأ ﺒﻴوﻝوﺠﻲ ﻓﻲ اﻷﺼـل‪ ،‬إﻻّ أّﻨـﻪ ﻜـﺎن ﻤﻔﻴـداً ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻴﻴن‪ .‬وﻓـﻲ ذﻝـك‬
‫إن ﻫﻨــﺎك ﻨوﻋـﺎً‬
‫ﻴﻘــول اﻷﺴــﺘﺎذ ) أﻝﻔرﻴــد ﻜروﺒــر( وﻫــو ﻤــن أﻜﺒــر ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼـرﻴن ‪ّ " :‬‬
‫ﻤن ﻋدم اﻝﺘﻨﺎﺴب ﺒﻴن اﻹﺴﻬﺎم اﻝﻤﺤدود اﻝذي أﺴـﻬم ﺒـﻪ داروﻴـن ﻓـﻲ اﻝﻌﻠـم‪ ،‬واﻝـذي ﻴﻨﺤﺼـر ﻓـﻲ وﻀـﻊ‬
‫ﻤﺒدأ اﻻﻨﺘﺨﺎب اﻝطﺒﻴﻌﻲ وﺘﺠﺴﻴدﻩ‪ ،‬وﺒﻴن ﻜ ّل ذﻝك اﻝﺘﺄﺜﻴر اﻝﻬﺎﺌل اﻝـذي ﺘرﻜـﻪ ﺘﺄﺴـﻴس اﻝﻤﺒـدأ اﻝﺒﻴوﻝـوﺠﻲ‬

‫‪68‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻝﻌﻠم اﻝﻜﻠّﻲ "‪ .‬ﻓﻘد دﻓﻊ ﻫذا اﻝﻤﺒدأ ﻋﻠﻤﺎء اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸر‪ ،‬إﻝﻰ اﻝﺒﺤـث ﻋـن أﺼـول اﻷﺸـﻴﺎء‪.‬‬
‫وظﻬرت ﺒذﻝك ﻜﺘﺎﺒﺎت ﻜﺜﻴـرة ﺘﺘﻨـﺎول أﺼـل اﻝﻠﻐـﺔ وأﺼـل اﻝﺤﻀـﺎرة‪ ،‬وأﺼـل اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ واﻝﻌﺎﺌﻠـﺔ واﻝـدﻴن‪،‬‬
‫‪168‬‬
‫وﻤﺎ إﻝﻰ ذﻝك ﺒﺎﻝطرﻴﻘﺔ ﻨﻔﺴﻬﺎ اﻝﺘﻲ ﺘﻨﺎول ﺒﻬﺎ داروﻴن ﻤﺸﻜﻠﺔ أﺼل اﻷﻨواع‪.‬‬
‫أن‬
‫ﻤﻌﻴﻨﺔ ‪ :‬ﻜﺎﻝدﻴن واﻝﻌﺎﺌﻠﺔ‪ ،‬واﻝﻨﺴب‪ ،‬واﻋﺘﺒروا ّ‬ ‫اﻝﺘطورﻴون‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻤوﻀوﻋﺎت ّ‬ ‫ّ‬ ‫وﻝذﻝك رّﻜز اﻝﻌﻠﻤﺎء‬
‫اﻝﺤﻀــﺎرات اﻝﺒداﺌﻴــﺔ اﻝﻤﻌﺎﺼ ـرة‪ ،‬ﺘﻤﺜّــل ﺸ ـواﻫد داﻝّــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻤ ارﺤــل اﻝﺘطـ ّـور اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ اﻝﺘــﻲ ﻤـ ّـرت ﺒﻬــﺎ‬
‫اﻝﻤﺘﻘدﻤﺔ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﺤﺎﻝﻴﺔ‬
‫اﻝﺘطور ﻓﻲ اﻝﻌﺼـور اﻝﻘدﻴﻤـﺔ ﺠ ّـداً‪ ،‬وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻋﺼـور ﻤـﺎ‬
‫ّ‬ ‫ﺜﻤﺔ ﺼﻌوﺒﺎت ﻗﺎﺒﻠﺘﻬم‪ ،‬ﻓﻲ دراﺴﺔ‬
‫وﻝﻜن ّ‬
‫ﻗﺒل اﻝﺘﺎرﻴﺦ‪ ،‬ﻓﻌﻤدوا إﻝﻰ دراﺴﺔ ﻋﻠم اﻵﺜﺎر أو اﻝﺘﺨﻤﻴن واﻻﻓﺘراض ﻤن أﺠل إﺜﺒﺎت ﻨظرﻴﺘﻬم‪.‬‬
‫وﻓﻲ اﻝرﺒﻊ اﻷﺨﻴر ﻤن اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸر‪ ،‬اﺴﺘﻜﻤل اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴون وﻀﻊ اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻷﺴﺎﺴ ّـﻴﺔ‬
‫ﻝﻌﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪ ،‬ﻋﻨـدﻤﺎ ﻗـﺎم ﺒﻌﻀـﻬم ﺒﺘﺼـﻨﻴف اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ﻋﻠـﻰ أﺴـس أﺒﻨﻴﺘﻬـﺎ‬
‫ﺘﻤﻴـز اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‬
‫أدى إﻝـﻰ ّ‬ ‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪ ،‬وﻝـﻴس ﻋﻠـﻰ أﺴـس ﺜﻘﺎﻓﺎﺘﻬـﺎ ﻓﺤﺴـب‪ .‬وﻫـذا ﻤـﺎ ّ‬
‫ـﺘص ﺒﺎﻝﻌﻼﻗــﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‬
‫ﻋــن اﻷﻨـ ـواع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ اﻷﺨ ــرى‪ ،‬وأﺼــﺒﺢ ﻤوﻀ ــوﻋﻬﺎ ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ‪ ،‬ﻴﺨ ـ ّ‬
‫وﻝﻴس ﺒﺎﻝظواﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ‪.‬‬
‫واﺴﺘﻨﺎداً إﻝـﻰ ذﻝـك‪ ،‬اﻤﺘ ّـد ﻤـﻨﻬﺞ د ارﺴـﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ إﻝـﻰ اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴـﺔ‪ .‬واﻋﺘﺒـرت اﻝد ارﺴـﺔ‬
‫اﻝﺘﻲ ﻗﺎم ﺒﻬﺎ اﻝﻌﺎﻝم اﻻﻨﻜﻴزي ) ﻫﺎدون (ﻋﻠﻰ ﻤﻨطﻘﺔ ﻤﻀﺎﺌق )ﺘورﻝﻴس( ﻤﻊ ﺒﻌﺜﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻨﻘطـﺔ ﺘﺤ ّـول‬
‫رﺴﺨت أﻤرﻴن أﺴﺎﺴﻴﻴن ‪:‬‬ ‫أﺴﺎﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﺎرﻴﺦ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﺤﻴث ّ‬
‫ﺘﺨﺼص ﻜﺎﻤل ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أوﻝﻬﻤﺎ ‪:‬اﻝﻨظر إﻝﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ّأﻨﻬﺎ ﻋﻠم ﻴﺤﺘﺎج إﻝﻰ‬
‫ﺌﻴﺴﻴﺎً ﻓﻲ ﻫذا اﻝﻌﻠم‪.‬‬
‫وﺜﺎﻨﻴﻬﻤﺎ‪:‬اﻋﺘﻤﺎد اﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ ﻤﻨﻬﺠﺎً ر ّ‬
‫أن ) ﻤورﻏــﺎن و ﺒ ـواز ( ﺴــﺒﻘﺎ ) ﻫــﺎدون( ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ ﺒﻌــض ﻗﺒﺎﺌــل اﻝﻬﻨــود اﻝﺤﻤــر‪ ،‬وﺒﻌــض‬ ‫وﻤــﻊ ّ‬
‫ﻗﺒﺎﺌ ــل اﻷﺴ ــﻜﻴﻤو‪ ،‬ﻓﻘ ــد اﺴ ــﺘطﺎع ) ﻫ ــﺎدون ( أن ﻴﺤ ـ ّـدد أﺴﺎﺴ ــﻴﺎت ﻤ ــﻨﻬﺞ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‪،‬‬
‫وﻴﺠ ــذب ﺒﻌ ــض اﻝﻌﻠﻤ ــﺎء إﻝ ــﻰ ﻤﻴ ــدان ﻫ ــذا اﻝﻌﻠ ــم اﻝﺠدﻴ ــد‪ ،‬ﺒﻌ ــدﻤﺎ ﺘﺨﻠّـ ـوا ﻋ ــن اﺨﺘﺼﺎﺼ ــﺎﺘﻬم اﻷﺼ ــﻠﻴﺔ‬
‫أﺌﻤﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻓـﻲ اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴن‪ ،‬ﻤـن أﻤﺜـﺎل ‪ :‬اﻝﻌـﺎﻝم ) رﻴﻔـر( اﻝـذي‬ ‫وأﺼﺒﺤوا ﻤن ّ‬
‫ﻤﺘﺨﺼﺼـﺎً ﻓـﻲ ﻋﻠـم اﻷﻤـراض‪ .‬ﺒـل‬ ‫ّ‬ ‫ﻤﺘﺨﺼﺼﺎً ﻓﻲ ﻋﻠم اﻝﻨﻔس‪ ،‬واﻝﻌـﺎﻝم ) ﺴـﻠﻴﺠﻤﺎن ( اﻝـذي ﻜـﺎن‬ ‫ّ‬ ‫ﻜﺎن‬
‫ﺘﺨﺼﺼ ـ ــﻪ اﻷﺼ ـ ــﻠﻲ ﻓ ـ ــﻲ )اﻝﺤﻴواﻨ ـ ــﺎت اﻝﺒﺤرﻴ ـ ــﺔ( وﺘﺤ ـ ـ ّـول إﻝ ـ ــﻰ‬
‫ّ‬ ‫أن ) ﻫ ـ ــﺎدون ( ﻨﻔﺴ ـ ــﻪ‪ ،‬ﺘﺨﻠّـ ــﻰ ﻋ ـ ــن‬
‫ّ‬
‫‪169‬‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬
‫وﻫﻜ ــذا‪ ،‬ﻤﺜّ ــل اﻝﻘ ــرن اﻝﺘﺎﺴ ــﻊ ﻋﺸ ــر ﻨﺸ ــﺄة اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ‪ٕ ،‬وان ﻜﺎﻨ ــت ﺼ ــورﺘﻬﺎ ﻏﻴ ــر‬
‫ﻨﺎﻀﺠﺔ وﺘﺤﺘﺎج إﻝﻰ اﻝﻜﺜﻴر ﻤن ﺠﻬود اﻝﻌﻠﻤﺎء وﻝﻔﺘرة ﻤن اﻝوﻗـت ﻝﻴﺴـت ﻗﺼـﻴرة‪ ،‬ﺤﻴـث ﺒـدأت ﻋﻨﺎﺼـر‬
‫ﺼورﺘﻬﺎ ﺘﺴﺘﻜﻤل وﺘزدﻫر ﻓﻲ ﻨﻬﺎﻴﺔ ﻫذا اﻝﻘرن واﻝﻨﺼف اﻷول ﻤن اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن‪.‬‬

‫‪ -3‬اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرون‪:‬‬
‫اﻝﺘﺨﺼـ ــص ﺒد ارﺴـ ــﺔ اﻝﺒﻨ ـ ــﻰ‬
‫ّ‬ ‫وﺼـ ــﻠت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ ﻤـ ــﻊ ﺒداﻴـ ــﺔ اﻝﻘـ ــرن اﻝﻌﺸ ـ ـرﻴن إﻝـ ــﻰ ﻤرﺤﻠـ ــﺔ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت‪ ،‬وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت اﻝﻘدﻴﻤ ــﺔ‪ ،‬ﺤﻴ ــث ازدادت اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴ ــﺔ‪ ،‬وﻓ ــﻲ‬
‫ﻤﻘدﻤﺘﻬﺎ اﻝدراﺴﺔ اﻝﺘﻲ ﻗﺎم ﺒﻬﺎ اﻷﻨﻜﻠﻴزي ) رادﻜﻴف ﺒراون ( ﻋﻠﻰ ﺴﻜﺎن ﺨﻠﻴﺞ اﻝﺒﻨﻐـﺎل‪ ،‬واﻝﺘـﻲ اﻋﺘﺒـرت‬ ‫ّ‬
‫‪69‬‬
‫اﻝﻤﺤﺎوﻝـ ــﺔ اﻷوﻝـ ــﻰ ﻝﻔﺤـ ــص اﻝﻨظرﻴـ ــﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ ﺒـ ــﺎﻝﻌودة إﻝـ ــﻰ ﻤﺠﺘﻤـ ــﻊ ﺒـ ــداﺌﻲ‪ .‬وﻜـ ــذﻝك د ارﺴـ ــﺔ )‬
‫ﻝﻤدة أرﺒﻊ ﺴﻨوات‪ ،‬واﺴـﺘﺨدم ﻓﻴﻬـﺎ ﻝﻐـﺔ أﻫـﺎﻝﻲ ﻫـذﻩ اﻝﺠـزر‪.‬‬ ‫ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴﻜﻲ ( ﻝﺴﻜﺎن ﺠزر )اﻝﺘروﺒوﺒرﻴﺎﻨد( ّ‬
‫ﺘﺘﺒ ـﻊ‬
‫ﻓﻜــﺎن ﺒــذﻝك ّأول أﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ ﻴــﺘﻤ ّﻜن ﻤــن ﻓﻬــم ﺤﻴــﺎة اﻝﻨــﺎس وﻋﻼﻗــﺎﺘﻬم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ ،‬ﻤــن ﺨــﻼل ّ‬
‫ﻋﺎداﺘﻬم وﺘﻘﺎﻝﻴدﻫم‪ ،‬وﺘﺤﻠﻴل ﻤدﻝوﻻﺘﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪.‬‬
‫اﻷول ﻤــن ﻫــذا اﻝﻘــرن‪ ،‬ﻋﻜــف اﻝﺒــﺎﺤﺜون اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــون ﻋﻠــﻰ ﺠﻤــﻊ اﻝوﺜــﺎﺌق اﻝﺘــﻲ‬ ‫ﻓﺨــﻼل اﻝرﺒــﻊ ّ‬
‫أن اﻝﻌﺎﻤل اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ‪،‬‬ ‫ﻴﺤﺘﺎﺠون إﻝﻴﻬﺎ ﻤن أﺠل إﺜﺒﺎت ظﺎﻫرة اﻻﻗﺘﺒﺎس ﺒﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ .‬وﻴﻼﺤظ ّ‬
‫ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر ﺘﺎرﻴﺦ اﻝطرﻴﻘﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ‪ ،‬اﺤﺘ ّل ﻤﻜﺎن اﻝﺼدارة ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت‪ ،‬ﺤﺘﻰ ﻓـﻲ‬
‫اﻝﻤﺤــﺎوﻻت اﻝﻤﺒذوﻝــﺔ ﻹﺜﺒــﺎت ظــﺎﻫرة اﻻﻨﺘﺸــﺎر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ‪ ،‬اﻝﻨﺎﺠﻤــﺔ ﻋــن اﻻﺤﺘﻜــﺎك ﺒــﻴن اﻝﺸــﻌوب‪ .‬وﻴﻌــود‬
‫ﻴﺨﻴـﺔ ﻓـﻲ ﻓﻬـم اﻝﻌواﻤـل اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ‬‫أﻫﻤﻴـﺔ اﻝﺒﻴﺎﻨـﺎت اﻝﺘﺎر ّ‬ ‫ﺠﻴـداً ّ‬ ‫أن ﻫـؤﻻء اﻝﺒـﺎﺤﺜﻴن‪ ،‬ﻜـﺎﻨوا ﻴـدرﻜون ّ‬ ‫ذﻝك إﻝﻰ ّ‬
‫‪170‬‬
‫أﻤﺎ ﻓﻲ اﻝرﺒﻊ اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن‪ ،‬ﻓﻘد أﺼﺒﺤت ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻓـروع‬ ‫ّ‬ ‫اﻝدﻴﻨﺎﻤﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺘدرس ﻓﻲ اﻝﺠﺎﻤﻌﺎت اﻷوروﺒﻴـﺔ‪ ،‬وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻓـﻲ اﻝﺠﺎﻤﻌـﺎت اﻝﺒرﻴطﺎﻨﻴـﺔ ‪ ..‬واﻨﺘﺸـر ﺘطﺒﻴـق ﻤـﻨﻬﺞ‬ ‫ﻤﺴﺘﻘﻠّﺔ ّ‬
‫اﻝدرﺴ ـ ــﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴ ـ ــﺔ ﻨﺘﻴﺠ ـ ــﺔ ﻝﺘ ـ ــﺄﺜﻴر ﻋﻠ ـ ــم ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴ ـ ــﻜﻲ ( اﻝ ـ ــذي ﺒ ـ ــدأ ﻤﻨ ـ ــذ ﻋ ـ ــﺎم ‪ ،1924‬ﺒﺘ ـ ــدرﻴب‬
‫ا‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﻴن ﻋﻠﻰ اﻝﻘﻴﺎم ﺒﺎﻝدراﺴﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ ‪.‬‬
‫وﻓــﻲ ﻋــﺎم ‪ ،1937‬أﻋــﺎد ) ﺒ ـراون ( ﺘﻨظــﻴم ﻤﻌﻬــد اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻓــﻲ ﺠﺎﻤﻌــﺔ أﻜﺴــﻔورد‪ ،‬وطـ ّـور‬
‫ﻤﻨﺎﻫﺠـ ـ ــﻪ‪ .‬وﺒﻔﻀـ ـ ــل ﺠﻬـ ـ ــود ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﺴـ ـ ــﻜﻲ وﺒ ـ ـ ـراون( وﺘﻼﻤـ ـ ــذﺘﻬﻤﺎ ﻤـ ـ ــن ذوي اﻝﺨﺒ ـ ـ ـرة ﻓـ ـ ــﻲ اﻝد ارﺴـ ـ ــﺎت‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴــﺔ‪ ،‬أﺠرﻴــت د ارﺴــﺎت ﻤﺘﻌـ ّـددة ﻋﻠــﻰ ﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ﺼــﻐﻴرة ﻓــﻲ أﻓرﻴﻘﻴــﺎ )د ارﺴــﺔ ﻨظــم‬
‫اﻝﻘ ارﺒــﺔ واﻝطﻘــوس واﻝﺴﻴﺎﺴــﺔ (‪ ،‬وأﺤــدث اﻝﻤﻌﻬــد اﻝــدوﻝﻲ اﻷﻓرﻴﻘــﻲ ﻓــﻲ ﺠﺎﻤﻌــﺔ أﻜﺴــﻔورد‪ ،‬ﺘﺼــدر ﻋﻨــﻪ‬
‫ﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ﻓﻲ ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ﻤﺠﻠّﺔ‬
‫اﻝﻤﺘﻘدﻤـﺔ‪ ،‬ﻓـﻲ اﻝﻨﺼـف اﻝﺜـﺎﻨﻲ ﻤـن اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴن‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وﺘﺎﺒﻌت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ د ارﺴـﺎﺘﻬﺎ‬
‫ﻤﻤﺎّ أدى إﻝﻰ اﺘّﺴﺎع ﻫذﻩ اﻝد ارﺴـﺎت وازدﻫﺎرﻫـﺎ‪ ،‬وﺒﺎﻝﺘـﺎﻝﻲ إﻝـﻰ اﻝﺘﻘـﺎرب ﺒـﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‬
‫واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ‪ ..‬وﺘـ ّـم اﻋﺘﻤــﺎد ﺘطﺒﻴــق اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﺘﺠرﻴﺒــﻲ ﺒــدﻻً ﻤــن اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﻤﻘــﺎرن‪ ،‬ﺤﻴــث‬
‫ﻴﺴــﺘﻨد ﻜ ـ ّل ﺒﺎﺤــث أﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ – ﻓــﻲ ﺘطﺒﻴــق اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﺘﺠرﻴﺒــﻲ – إﻝــﻰ ﻨﺘــﺎﺌﺞ د ارﺴــﺔ ﺒﺎﺤــث آﺨــر‬
‫ﺼﺤﺔ ﻫذﻩ اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ ﻤن ﺨﻼل ﻗﻴﺎﻤﻪ ﺒد ارﺴـﺔ ﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت أﺨـرى‪.‬‬ ‫ﻤﻌﻴن‪ ،‬وﻴﻘوم ﺒدورﻩ ﺒﺎﻝﺘﺄ ّﻜد ﻤن ّ‬ ‫ﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ّ‬
‫اﻝﻔرﻀﻴﺎت اﻝﻤﺘﻔق ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻤﺒﺎدﺌﺎً ﻋﺎﻤﺔ ﻓﻲ ﻨﻬﺎﻴﺔ اﻷﻤر‪ ،‬أو ﻤﻌـﺎرف ﻤﺘداوﻝـﺔ ﻓـﻲ ﻤﺠـﺎل‬ ‫ّ‬ ‫وﺒذﻝك‪ ،‬ﺘﺼﺒﺢ‬
‫ﻋزز ﻤن ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻌﺼر اﻝﺤدﻴث ‪.‬‬ ‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪ ..‬وﻫذا ﻤﺎ ّ‬
‫ﺜﺎﻝﺜﺎُ‪ -‬أﻫداف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬

‫‪ .1‬ﺘﺤدﻴد ﻨﻤﺎذج ﻋﺎﻝﻴﺔ ﻝﻸﺒﻨﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪:‬‬


‫اﻝﺘوﺼل إﻝﻰ ﻨوع ﻤن اﻝﺘﺼﻨﻴﻔﺎت واﻝﻨﻤـﺎذج ﻝﻸﺒﻨﻴـﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪ ،‬ﻴﻌ ّـد أﻤـ اًر ﺼـﻌﺒﺎً ﺒـﺎﻝﻨظر إﻝـﻰ‬ ‫ّ‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫ﻋـ ــدم اﺘّﻔـ ــﺎق اﻝﻌﻠﻤـ ــﺎء ﻋﻠـ ــﻰ ﻫـ ــذﻩ اﻝﻨﻤـ ــﺎذج ﻤـ ــن ﺠﻬـ ــﺔ‪ ،‬وﻝﻌـ ــدم وﺠـ ــود ﻤﺼـ ــطﻠﺤﺎت ﻋﺎﻝﻤﻴـ ــﺔ ﻝﻤﻔـ ــﺎﻫﻴم‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻤـن ﺠﻬــﺔ أﺨـرى‪ .‬ﻫــذا ﺒﺎﻹﻀـﺎﻓﺔ إﻝــﻰ اﻝﻤﺸـﻜﻠﺔ اﻷﺴﺎﺴـ ّـﻴﺔ‪ ،‬اﻝﺘـﻲ ﺘﺘﻤﺜّــل ﻓــﻲ‬
‫ﻋــدم وﺠــود اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴــﺔ اﻝﺸــﺎﻤﻠﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﺠﻤﻴﻌﻬــﺎ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﻤﺤــﺎوﻻت‬
‫اﻝﻜﺜﻴر ﻤن اﻝﻌﻠﻤﺎء اﻝوﺼول إﻝﻰ ذﻝك اﻝﻬدف ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ﻓﺎﻹﻨﺴﺎن وﺤدﻩ ‪-‬ﻤن ﺒﻴن اﻝﻤﺨﻠوﻗﺎت – ﻴﺘﻤﺘّﻊ ﺒﺈﻤﻜﺎﻨﻴـﺔ ﺘطـوﻴر ﺴـﻠوﻜﻪ اﻝﻤﻜﺘﺴـب وﻨﻘﻠـﻪ ﺒـﺎﻝﺘﻌﻠّم‪،‬‬
‫ﻤﻤﺎ ﺘﺘّﺼـف ﺒـﻪ اﻷﺸـﻜﺎل‬ ‫ﺒﺎﻝﺘﻨوع وﺒدرﺠﺔ ﻤن اﻝﺘﻌﻘﻴد أﻜﺒر ّ‬
‫ّ‬ ‫وﻤؤﺴﺴﺎﺘﻪ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﺘﺘّﺼف‬
‫ّ‬ ‫أن ﻨظﻤﻪ‬
‫وّ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻷي ﻨوع آﺨر ﻤن أﻨواع اﻝﺤﻴوان ‪.‬‬
‫درﺴ ــﺔ أﻨظﻤ ــﺔ‬
‫أن اﻝﻤﻨطﻠ ــق اﻝﻤﻨطﻘ ــﻲ ﻝﻤ ــﺎ ﻴﺠ ــرى ﻤ ــن أﺒﺤ ــﺎث ﺤ ــول اﻝﻤﺠﺘﻤ ــﻊ‪ ،‬ﻫ ــو ا‬‫وﻝ ــذﻝك ﻨﺠ ــد ّ‬
‫وﻤﻤــﺎ ﻴﺴ ــﻬل اﻝﻤﺸ ــﻜﻠﺔ ﺒﻌــض اﻝﺸ ــﻲء‪ ،‬اﻋﺘﺒ ــﺎر‬
‫ﻤﻌﻴﻨ ــﺔ واﻋﺘﺒــﺎر ﻜـ ـ ّل ﻤﻨﻬ ــﺎ وﺤــدة ﻤﺘﻜﺎﻤﻠ ــﺔ‪ّ .‬‬
‫اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ّ‬
‫ﻤﺘﻤﻴـ ـزة ﻋ ــن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت‪ ،‬إذ ﻴﻤ ّﻜﻨﻨ ــﺎ ذﻝــك ﻤ ــن ﺘﺠﺎﻫ ــل اﻝﻤ ــدى اﻝواﺴ ــﻊ ﻝﻼﺨﺘﻼﻓ ــﺎت‬
‫اﻷﻨظﻤــﺔ ﻜﻴﺎﻨ ــﺎت ّ‬
‫أن‬
‫اﻝﻔردﻴﺔ ﻓﻲ اﻝﺘﻌﺒﻴر ﻋن ﻨﻤﺎذج اﻝﻨظﺎم‪ ،‬وﻤن اﻝﺘرﻜﻴز ﻋﻠﻰ اﻝﻨﻤﺎذج ﻨﻔﺴﻬﺎ وﻋﻼﻗﺎﺘﻬـﺎ اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝـﺔ‪ .‬ﺒﻴـد ّ‬
‫ﻤﻬﻤﺔ ﻝﻠﺒﺎﺤث ﻫﻲ اﻝﺘﺤﻘّق ﻤن اﻝﻨﻤﺎذج وطﺒﻴﻌﺘﻬﺎ‪.‬‬ ‫اﻝﻤﺸﻜﻠﺔ ﺘظ ّل ﻤﻌﻘّدة ﺒﻤﺎ ﻓﻴﻪ اﻝﻜﻔﺎﻴﺔ‪ ،‬و ّأول ّ‬
‫إن اﻝﺼــورة اﻝﺘــﻲ ﻴرﺴــﻤﻬﺎ ﺒﺎﺤــث اﻝﻨظــﺎم اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ﻜﻠّــﻪ‪ ،‬ﻴﺘﻜـ ّـون ﻤــن ﻋﻨﺎﺼــر ﻴﺠﻤﻌﻬــﺎ واﺤــدة‬ ‫ّ‬
‫ﺘﻜﻴﻔﻬـﺎ‬
‫ﺘﺘﺠﻤـﻊ ﻝدﻴـﻪ ﻋـن ّ‬‫واﺤدة‪ ،‬أي ﻤـن اﻝﻨﻤـﺎذج اﻝداﺨﻠـﺔ ﻓـﻲ ﺘرﻜﻴـب اﻝﻨظـﺎم‪ ،‬وﻤـن اﻝﻤﻼﺤظـﺎت اﻝﺘـﻲ ّ‬
‫وﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝﺔ‪ ،‬ﻜﻤﺎ ﺘﺘﻜ ّﺸف ﻝـﻪ ﻓﻲ أﺜﻨﺎء ﻤﻤﺎرﺴﺔ اﻝﻨﺎس اﻝﻔﻌﻠﻴﺔ ﻝﻬﺎ‪ .‬وﻻ ﻴﺴﺘطﻴﻊ اﻝﻌﻀو اﻝﻌﺎدي‬
‫أن اﻝﻨﻤــﺎذج اﻝﺘــﻲ ﺘــﻨظّم‬‫ﻓــﻲ أي ﻤﺠﺘﻤــﻊ‪ ،‬أن ﻴﺴــﺎﻋد اﻝﺒﺎﺤــث ﻓــﻲ ﻫــذا اﻝﻌﻤــل‪ ،‬إذ ﻤــﺎ ﻤــن أﺤــد ﻴــدرك ّ‬
‫اﻝﺘﻔــﺎﻋﻼت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ ،‬ﺘﺸـ ّﻜل ﻨظﺎﻤـﺎً إﻻّ ﻓــﻲ ﺤﺎﻝــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺘــﻲ ﺒﻠﻐــت درﺠــﺔ ﻋﺎﻝﻴــﺔ ﻤــن اﻝﺘﻌﻘﻴــد‬
‫‪171‬‬
‫اﻝﺘزﻤت‪ ،‬ﻜﺎﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻓﻲ اﻝﺼﻴن وﺒﻼد اﻹﻏرﻴق ﻓﻲ اﻝﻌﺼور اﻝﻘدﻴﻤﺔ‪ ،‬وأوروﺒﺎ اﻝﺤدﻴﺜﺔ‪.‬‬ ‫و ّ‬
‫وﻝﻤــﺎ ﻜــﺎن اﻹﻨﺴــﺎن ﻗــﺎد اًر ﻋﻠــﻰ اﻝﺘﻔــﺎﻫم ﻤــﻊ أﻤﺜﺎﻝــﻪ ﺒواﺴــطﺔ أﺸــﻜﺎل اﻝﻠﻐــﺔ اﻝرﻤزﻴــﺔ واﻝﻤﻔــﺎﻫﻴم‪ ،‬ﻓﻬــو‬
‫ّ‬
‫وﺤــدﻩ اﻝــذي اﺴــﺘطﺎع أن ﻴوﺠــد أﻨواﻋـﺎً ﻻ ﺘﺤﺼــﻰ ﻤــن اﻝﻤﺒــﺎﻨﻲ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ ﻜﺒﻨﻴــﺎن اﻷﺴ ـرة‪.‬‬
‫ٕواذا ﻨظرﻨﺎ إﻝﻰ ﺤﻴﺎة اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻲ أي ﻨوع ﻤن أﻨواع ﻤـﺎ دون اﻹﻨﺴـﺎن ﻤـن اﻝﻜﺎﺌﻨـﺎت اﻝﺤﻴواﻨﻴـﺔ‪ ،‬وﺠـدﻨﺎ‬
‫ﻷن ﻜــل ﺠﻴــل ﻤــن‬‫أن ﻤﺒﺎﻨﻴﻬـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ أﻜﺜــر رﺘﺎﺒــﺔ ﻤــن اﻝﻤﺒــﺎﻨﻲ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ ،‬وﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ ﻴﻤﻜــن ﺘوﻗّﻌﻬــﺎ ّ‬ ‫ّ‬
‫أﺠﻴﺎﻝﻬــﺎ ﻴــﺘﻌﻠّم اﻝﺴــﻠوك اﻝﻤﺸــﺘرك ﺒــﻴن ﻤﻌﺎﺼـرﻴﻪ ﺠﻤــﻴﻌﻬم‪ ،‬ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴﺒﻨــﻲ اﻹﻨﺴــﺎن ﻋﻠــﻰ ﺘﺠــﺎرب ﻜـ ّل ﻤــن‬
‫ﺴﺒﻘﻪ‪ 172.‬وﻗد أﻨﻔق اﻝﻌﺎﻝم ) رادﻜﻠﻴف ﺒراون ( ﺜﻼﺜﻴن ﻋﺎﻤﺎً ﻓﻲ اﻝدراﺴﺔ‪ ،‬ﻝﻠوﺼول إﻝﻰ ﺒﻌـض اﻝﻨﻤـﺎذج‬
‫اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻝﻸﺒﻨﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ .‬وﺒﻔﻀل ﺠﻬودﻩ وﺠﻬود ﻋﻠﻤﺎء آﺨرﻴن‪ ،‬أﺼﺒﺢ ﻫﻨﺎك اﺘﻔﺎق ﺸـﺒﻪ ﻋـﺎم ﻋﻠـﻰ‬
‫اﻷﻤـ ــﺔ –‬
‫ﺒﻌـ ــض اﻝﻨﻤـ ــﺎذج اﻷﺴﺎﺴـ ــﻴﺔ ﻝﻠﺒﻨـ ــﺎء اﻻﺠﺘﻤـ ــﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻤﺜـ ــﺎل‪ ) :‬اﻝﻌﺸـ ــﻴرة ‪ -‬اﻝﻘﺒﻴﻠـ ــﺔ ‪ -‬اﻝدوﻝـ ــﺔ – ّ‬
‫اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ(‪.‬‬
‫واﺴﺘطﺎع ﻫؤﻻء اﻝﻌﻠﻤﺎء ﺘﺤدﻴد اﻷﺸـﻜﺎل اﻷﺴـرﻴﺔ اﻝرﺌﻴﺴـﺔ‪ ،‬ﻓـﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ‪ .‬وﻴﻌ ّـد ذﻝـك‬
‫ﺨطــوة ﻫﺎﻤــﺔ ﻨﺤــو اﻝوﺼــول إﻝــﻰ اﻝﻘ ـواﻨﻴن اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ ،‬اﻝﺘــﻲ ﻴﺘرﺘّــب ﻋﻠﻴﻬــﺎ ذﻝــك اﻝﺘﻨـ ّـوع اﻝﻤﻠﺤــوظ ﻓــﻲ‬
‫اﻷﺒﻨﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬وﻤﺎ أطﻠق ﻋﻠﻴﻪ اﺼطﻼﺤﺎً ‪) :‬اﻝدراﺴﺎت اﻝﻤورﻓوﻝوﺠﻴﺔ (‪.‬‬

‫‪-2‬ﺘﺤدﻴد ﻤظﺎﻫر اﻝﺘداﺨل واﻝﺘراﺒط ﺒﻴن اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪:‬‬


‫أﻫﻤﻴــﺔ اﺴــﺘﺨدام اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﻜﻠّــﻲ اﻝﻤﺘﻜﺎﻤــل ﻓــﻲ اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ‪ ،‬ﻓــﻲ ﺘﺤﻘﻴــق ذﻝــك‬ ‫ﺘﺒــدو ّ‬
‫اﻝﻬدف اﻝذي ﻴﺘﻤﺜّل ﻓﻲ ﺘﺤدﻴـد اﻝﺘـﺄﺜﻴر اﻝﻤﺘﺒـﺎدل ﺒـﻴن اﻝـﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪ ،‬اﻝﺘـﻲ ﺘـدﺨل ﻓـﻲ ﻨطـﺎق اﻝﺒﻨـﺎء‬
‫ـﺘم اﻝﻌﻠﻤـ ــﺎء اﻝﻴـ ــوم‪ ،‬ﺒﻬـ ــذا اﻝﻬـ ــدف‪ ،‬إذ ﻻ ﻴواﻓﻘـ ــون ﻋﻠـ ــﻰ اﻗﺘﺼـ ــﺎر اﻝد ارﺴـ ــﺔ‬
‫اﻻﺠﺘﻤـ ــﺎﻋﻲ اﻝواﺤـ ــد‪ .‬وﻴﻬـ ـ ّ‬
‫اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺔ ﻋﻠ ــﻰ اﻝﺠﺎﻨ ــب اﻝوﺼ ــﻔﻲ ﻓﺤﺴ ــب‪ٕ ،‬واّﻨﻤ ــﺎ ﻻ ﺒ ـ ّـد ﻤ ــن اﻝﺘﺤﻠﻴ ــل ﻝﻠﻜﺸ ــف ﻋ ــن اﻝوظ ــﺎﺌف‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻝﻠﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻋن طرﻴق ﺘﺤدﻴد اﻝﺘﺄﺜﻴر اﻝﻤﺘﺒﺎدل ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫وﻗـد ﻋرﻀــت أﻤﺜﻠـﺔ ﻜﺜﻴـرة ﻋــن ﻫـذا اﻝﻤوﻀــوع‪ ،‬ﺤﻴــث ﻴطﻠـق اﻝﻌــﺎﻝم ) ﺒـراون ( ﻋﻠـﻰ اﻝد ارﺴــﺔ اﻝﺘــﻲ‬
‫ﺘرﻤﻲ إﻝﻰ ﺘﺤﻘﻴق ذﻝك اﻝﻬدف اﺼطﻼﺤﺎً ‪) :‬اﻝدراﺴﺔ اﻝﻔﻴزﻴوﻝوﺠﻴﺔ( ﺘﻤﻴﻴـ اًز ﻝﻬـﺎ ﻋـن اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺨﺎﺼـﺔ‬
‫ﺒﺎﻝﻬدف اﻝﺴﺎﺒق )اﻝدراﺴﺎت اﻝﻤورﻓوﻝوﺠﻴﺔ (‪.‬‬
‫إن ﻤﺸﻜﻠﺔ ﺤﻘﻴﻘﺔ اﻷﻨظﻤﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻫﻲ ﻤﺸﻜﻠﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ أﻜﺜر ﻤﻨﻬﺎ ﻤﺸـﻜﻠﺔ ﻋﻤﻠﻴـﺔ‪ .‬واﻝﻤﻬ ّـم ﻓـﻲ‬ ‫ّ‬
‫ﺘﻜﻴﻔـﺎً ﻤﺘﺒـﺎدﻻً _ وﻫـو ﻤــﺎ‬
‫ّ‬ ‫ـض‬ ‫ﻌ‬‫ﺒ‬ ‫ـﻊ‬ ‫ﻤ‬ ‫ـﻬﺎ‬ ‫ﻀ‬ ‫ﺒﻌ‬ ‫ـف‬ ‫ﺘﺘﻜﻴ‬
‫ّ‬ ‫ـﻲ‬ ‫ﺘ‬ ‫اﻝ‬ ‫ـﺔ‬ ‫ﻴ‬ ‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋ‬ ‫ـﺎذج‬ ‫ﻤ‬ ‫اﻝﻨ‬ ‫ـب‬‫ﻜ‬ ‫ﻤر‬
‫ّ ّ‬ ‫أن‬ ‫ـو‬ ‫ﻫ‬ ‫اﻷﻤـر‬
‫اﺼ ــطﻠﺢ ﻋﻠ ــﻰ ﺘﺴ ــﻤﻴﺘﻪ ﺒﺎﻝﻨظ ــﺎم اﻻﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ – ﻴﺘط ـ ّـور وﻴﻌﻤ ــل ﺒﺎرﺘﺒ ــﺎط ﻤﺴ ــﺘﻤر ﻤ ــﻊ ﺴ ــﺎﺌر ﻋﻨﺎﺼ ــر‬
‫أﻤــﺎ‬
‫ﺘﺘﻜﻴــف ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻤــﻊ ﺒﻌــض‪ّ .‬‬‫ﺘﺘﻜﻴــف ﻤــﻊ ﻫــذا اﻝﻨﺴــق ﺘﻤﺎﻤ ـﺎً ﻜﻤــﺎ ّ‬ ‫أن اﻝﻨﻤــﺎذج ﻴﺠــب أن ّ‬ ‫اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ‪ ،‬و ّ‬
‫ﻷن اﻹﻨﺴـﺎن ﻗـد‬ ‫ﻴﺘﻜﻴف ﺒدورﻩ أﻴﻀﺎً‪ ،‬ﻤﻊ اﻝﺒﻴﺌﺔ اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤـﻊ‪ّ ،‬‬ ‫اﻝﻤﺠﻤوع اﻝﻜﻠّﻲ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻴﺠب أن ّ‬
‫وﻝﻜﻨـﻪ ﻻ ﻴﺴـﺘطﻴﻊ أﺒـداً أن ﻴﺘﺤ ّـرر ﻤـن‬‫وﻤﺘﻨوﻋـﺔ ﻝﻠﺴـﻴطرة ﻋﻠـﻰ اﻝﺒﻴﺌـﺔ واﺴـﺘﻐﻼﻝﻬﺎ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ﻴطور وﺴﺎﺌل ﻜﺜﻴـرة‬ ‫ّ‬
‫أﺜرﻫﺎ ‪.‬‬
‫إن ﻜـل ﻨظـﺎم اﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻫـو ﺠـزء ﻤـن وﺤـدة ﻤﺘﻨﺎﺴـﻘﺔ ﻤﺘﻜﺎﻤﻠـﺔ‪ ،‬أوﺴـﻊ ﺠ ّـداً‬‫وﻝذﻝك‪ ،‬ﻴﻤﻜن اﻝﻘـول‪ّ :‬‬
‫ﺘﺘﻜون ﻤﻨﻬﺎ ﻫذﻩ اﻝوﺤدة‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻤﺘﺸﺎﺒﻜﺔ وﻤﺘداﺨﻠـﺔ‪ .‬وﻻ‬ ‫أﻤﺎ اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺘﻲ ّ‬‫ﻓﻲ ﻤداﻫﺎ ﻤن اﻝﻨظﺎم ﻨﻔﺴﻪ‪ّ ،‬‬
‫ﻴﻤﻜن ﻓﻬم اﻝﻨظﺎم اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ‪ ،‬إﻻّ إذا درس ﻓـﻲ ﻀـوء ﻋﻼﻗﺘـﻪ ﺒﺎﻝوﺤـدة اﻝﻤﺘﻨﺎﺴـﻘﺔ اﻝﻜﺒﻴـرة‪ ،‬اﻝﺘـﻲ ﺘﻀ ّـم‬
‫‪173‬‬
‫ﻨﻤوﻩ وﻋﻤﻠﻪ‪.‬‬
‫ﻋﻨﺎﺼر أﺨرى ﺘظ ّل ﺘﻔرض ﺒﺎﺴﺘﻤرار ﺤدوداً ﻋﻠﻰ ّ‬
‫وﺒ ــذﻝك ﻴﻜ ــون ﻋﻠ ــﻰ اﻝﺒﺎﺤ ــث – ﻤ ــن وﺠﻬ ــﺔ اﻝﻨظ ــر اﻝوظﻴﻔﻴ ــﺔ ‪-‬أن ﻴﺄﺨ ــذ ﻓ ــﻲ اﻝﺤﺴ ــﺒﺎن ﻋ ــﺎﻤﻠﻴن‬
‫أﺴﺎﺴﻴﻴن ﻴﻠﻌﺒﺎن دو اًر ﺘﺒﺎدﻝﻴﺎً وﻓﺎﻋﻼً ﻓﻲ ﻫذا اﻝﻨظـﺎم اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ أو ذاك‪ ،‬وﻫﻤـﺎ‪ :‬اﻝﻨﻤـوذج اﻝـذي ﻴﻌرﻓـﻪ‬
‫اﻷﻓ ـراد وﻴــؤﺜّر ﻓــﻲ ﺴــﻠوﻜﺎﺘﻬم ﻤــن ﺠﻬــﺔ‪ ،‬واﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝﺘــﻲ ﻴﻨﺸــﺄ ﻋﻠﻴــﻪ ﻫــؤﻻء اﻷﻓ ـراد‪ ،‬واﻝﺘــﻲ ﺘﻌﻨــﻰ ﺒﺘﻠﺒﻴــﺔ‬
‫ـؤدي‬‫ﻷن اﻷﻨظﻤ ــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﻻ ﻴﻤﻜ ــن أن ﺘ ـ ّ‬ ‫اﻝﻜﻠﻴ ــﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤ ــﻊ ﻤ ــن ﺠﻬ ــﺔ أﺨ ــرى‪ ،‬وذﻝ ــك ّ‬
‫اﻝﺤﺎﺠ ــﺎت ّ‬
‫وظﻴﻔﺘﻬﺎ‪ ،‬إﻻّ ﻜﺠزء ﻤن اﻝﻤﺠﻤوع اﻝﻜﻠّﻲ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ‪.‬‬

‫‪-3‬ﺘﺤدﻴد ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪:‬‬


‫ﺘﻬ ـ ــدف اﻝد ارﺴ ـ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ـ ــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ـ ــﺔ‪ ،‬إﻝ ـ ــﻰ ﺘﺤدﻴ ـ ــد ﺨﺼ ـ ــﺎﺌص اﻝﺘﻐﻴﻴ ـ ــر اﻻﺠﺘﻤ ـ ــﺎﻋﻲ‬
‫وﻋﻤﻠﻴﺎﺘــﻪ‪ ،‬واﻝﺘــﻲ ﺘﺤــدث ﻓــﻲ اﻷﺒﻨﻴــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ ،‬ﺴ ـواء ذات اﻝﻤﻌـ ّـدل اﻝﺴ ـرﻴﻊ ﻓــﻲ اﻝﺘﻐﻴﻴــر أو اﻝﻤﻌـ ّـدل‬
‫اﻝﻤﻌدل اﻝﺒطﻲء ‪.‬‬‫ّ‬ ‫اﻝﻤﺘوﺴط أو‬
‫ّ‬
‫اﻫﺘﻤـ ــت ﺒد ارﺴـ ــﺔ أﺜـ ــر اﻝﺤـ ــروب‬
‫أن اﻝد ارﺴـ ــﺎت اﻝﺨﺎﺼـ ــﺔ ﺒـ ــذﻝك اﻝﻬـ ــدف‪ّ ،‬‬
‫وﻗـ ــد ﻻ ﺤـ ــظ ) ﺒ ـ ـراون ( ّ‬
‫وﻝﻜن اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻤﻌﻘّـدة‪ ،‬ﻤﺘﻌ ّـددة‬ ‫اﻻﺴﺘﻌﻤﺎرﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﻨظﺎم اﻝﻘﺒﺎﺌﻠﻲ ﻓﻲ أﻓرﻴﻘﻴﺎ وآﺴﻴﺎ‪ّ .‬‬
‫اﻝﺠواﻨب وﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻝﻌواﻤل‪ .‬وﻝذﻝك‪ ،‬ﻓﻬﻲ أﻋﻤق ﻓﻲ دراﺴﺘﻬﺎ ﻤن ﺤﻴث اﻝﺠﻤﻊ ﺒـﻴن ﻋﻨﺎﺼـر ﺤﻀـﺎرﺘﻴن‬
‫اﻝﺘطور‪ ،‬ﺘﺴﺘﻠزم ظﻬور أﺸﻜﺎل ﺠدﻴدة ﻤن اﻷﻨﻤـﺎط واﻷﺒﻨﻴـﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ﻤﺨﺘﻠﻔﺘﻴن‪ .‬ﻓﻌﻤﻠﻴﺔ اﻝﺘﻐﻴﻴر أو‬
‫‪174‬‬
‫ﻜﻤﺎ ﺘﺴﺘﻠزم أﻴﻀﺎً‪ ،‬اﻻﻨﺘﻘﺎل ﻤن اﻷﺸﻜﺎل اﻝﺒﺴﻴطﺔ إﻝﻰ اﻷﺸﻜﺎل اﻝﻤرّﻜﺒﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻜ ّل ﻤﺠﺘﻤﻊ طرﻴﻘﺘﻪ اﻝﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ اﻝﺤﻴﺎة‪ ،‬واﻝﺘﻲ ﻴطﻠـق ﻋﻠﻴﻬـﺎ اﻝﻌﻠﻤـﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـون ﻤﺼـطﻠﺢ‬
‫" اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ "‪ .‬وﻴﻌﺘﺒر ﻤﻔﻬوم اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻤـن أﻫ ّـم اﻷدوات اﻝﺘـﻲ ﻴﺘﻌﺎﻤـل ﻤﻌﻬـﺎ اﻝﺒﺎﺤـث اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ‪ .‬وﻜﻤـﺎ‬
‫ﻫــﻲ اﻝﺤــﺎل ﻓــﻲ اﻷﺒﺤــﺎث اﻝﻌﻠﻤﻴــﺔ اﻷﺨــرى‪ ،‬ﺘﻨﺤﺼــر اﻝﺨطــوة اﻷوﻝــﻰ ﻓــﻲ ﺠﻤــﻊ اﻝﺤﻘــﺎﺌق ﻋــن اﻷﻨﻤــﺎط‬
‫اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬وﻴﺘطﻠّب ﻫذا ﻤن اﻝﻌﺎﻝم اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻲ‪ ،‬اﻝﻘﻴـﺎم ﺒﺄﺒﺤـﺎث ﻤﻴداﻨﻴـﺔ ﻓـﻲ أﻤـﺎﻜن ﻨﺎﺌﻴـﺔ‪ٕ ،‬واﻝـﻰ‬

‫‪72‬‬
‫‪175‬‬
‫اﻝﻌﻤل ﻓﻲ أﻨوع ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻤن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت‪.‬‬
‫ﺘﺠﻤﻌــﺎت )ﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت( وﺘطـ ّـور طرﻗﻬــﺎ اﻝﺨﺎﺼــﺔ ﻓــﻲ اﻝﺤﻴــﺎة‬ ‫أن اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ﺘﻌــﻴش ﻓــﻲ ّ‬ ‫وﺒﻤــﺎ ّ‬
‫ـﺈن ﻝﻠﺜﻘﺎﻓـ ــﺔ ﻫﻨـ ــﺎ دو اًر ﻜﺒﻴ ـ ـ اًر ﻓـ ــﻲ ﻋﻤﻠﻴـ ــﺎت اﻝﺘﻐﻴﻴـ ــر‬
‫ﺒﻤـ ــﺎ ﻴـ ــﺘﻼءم ﻤـ ــﻊ أوﻀـ ــﺎﻋﻬﺎ اﻝﺨﺎﺼـ ــﺔ واﻝﻌﺎﻤـ ــﺔ‪ ،‬ﻓـ ـ ّ‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬اﻝﻔﻜري واﻝﺴﻠوﻜﻲ ‪.‬‬
‫وﻤــن ﻫﻨــﺎ ﻴﺘﻌـ ّـﻴن ﻋﻠــﻰ اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ أن ﺘﺤـ ّـدد ﻋﻤﻠﻴــﺎت اﻝﺘﻐﻴﻴــر اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺒطرﻴﻘــﺔ‬
‫ﻜﻴﻔﻴـﺔ ﺘط ّـور اﻝظـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‬
‫اﻝﻜﺸـف ﻋـن اﻷﻨﻤـﺎط واﻷﺒﻨﻴــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ اﻝﺠدﻴـدة‪ ،‬وﻜـذﻝك ﺘﺤدﻴــد ّ‬
‫اﻝﻤﻌﻤﻘﺔ‪.‬‬
‫اﻝﺒﺴﻴطﺔ‪ ،‬إﻝﻰ ظواﻫر اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤرّﻜﺒﺔ‪ ..‬وﻫذا ﻴﺘطﻠّب اﻝدراﺴﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ اﻝﻤرّﻜزة‪ ،‬و ّ‬

‫اﻝﻬواﻤش واﻝﻤراﺠﻊ‪:‬‬

‫‪1. C.Nicholson. Anthropology and Education, London.1968. p.1.‬‬

‫ﻋﻤﺎن ‪ .1974.‬ص ‪.9‬‬


‫ﻤﻘدﻤﺔ ﻓﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺘرﺒوﻴﺔ‪ ،‬اﻝﻤطﺎﺒﻊ اﻝﺘﻌﺎوﻨﻴﺔ‪ ،‬اﻷردن‪ّ ،‬‬
‫أﺤﻤد‪ ،‬أﺒو ﻫﻼل‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫ﻋﻠﻲ‪ ،‬اﻝﺠﺒﺎوي‪ ،‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ – ﻋﻠم اﻹﻨﺎﺴﺔ‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ دﻤﺸق ‪.1997.‬ص ‪.9‬‬ ‫‪3‬‬

‫ﺴﻠﻴم‪ ،‬ﺸﺎﻜر‪ .‬ﻗﺎﻤوس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ اﻝﻜوﻴت ‪.1981.‬ص ‪.56‬‬ ‫‪4‬‬

‫أﺤﻤد‪ ،‬أﺒو زﻴد‪ .‬اﻝﺒﻨﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻤدﺨل ﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ج‪ ،1‬اﻝﻬﻴﺌﺔ اﻝﻤﺼرﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻝﻠﻜﺘﺎب‪ ،‬اﻝﻘﺎﻫرة‪ .1980 .‬ص‪.7‬‬ ‫‪5‬‬

‫ﻜﻼﻴد‪ ،‬ﻜﻼﻜﻬون‪ .‬اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ اﻝﻤرآة‪ ،‬ﺘرﺠﻤﺔ‪ :‬ﺸﺎﻜر ﺴﻠﻴم‪ ،‬ﺒﻐداد‪ .1964.‬ص ‪.209‬‬ ‫‪6‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﺘرﺠﻤﺔ‪ :‬ﻋﺒد اﻝﻤﻠك اﻝﻨﺎﺸف‪ ،‬اﻝﻤﻜﺘﺒﺔ اﻝﻌﺼرﻴﺔ‪ ،‬ﺒﻴروت‪ .1964.‬ص‪ ،‬ص ‪.16،15‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪8‬‬
‫‪Margaret ,Mead. Changing Styles of Anthropological Work .Annual Review of Anthropology,‬‬
‫‪Palo Alto.1973.p 280.‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.15‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪ 10‬راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﺘرﺠﻤﺔ ‪ :‬ﻋﺒد اﻝﻤﻠك اﻝﻨﺎﺸف‪ ،‬اﻝﻤﻜﺘﺒـﺔ اﻝﻌﺼـرﻴﺔ‪ ،‬ﺒﻴـروت ‪ .1967.‬ص‬
‫‪.46‬‬

‫ﻗﺼــﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ‪ -‬ﻓﺼــول ﻓــﻲ ﺘــﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴــﺎن‪ -‬ﺴﻠﺴــﻠﺔ ﻋــﺎﻝم اﻝﻤﻌرﻓــﺔ‪ ،‬ﻋــد د‪ ، 198‬اﻝﻜوﻴــت‬
‫ﺤﺴــﻴن‪ ،‬ﻓﻬــﻴم‪ّ ،‬‬
‫‪11‬‬

‫‪ .1986.‬ص ‪.35‬‬
‫‪12‬‬
‫‪Mauduit, J. A .Manuel d'Ethnographie, Payot, Paris. 1960.p 18.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Darnell, Regna and editor .Reading in the History of Anthropology, University of‬‬
‫‪Illinois .1978. p 13.‬‬
‫ﻴﺘﺤدث ﻋن ﻤﺼر‪ ،‬دار اﻝﻌﻠم‪ ،‬اﻝﻘﺎﻫرة ‪.1966.‬ص ‪.120‬‬ ‫ﻤﺤﻤد ﺼﻘر‪ ،‬ﺨﻔﺎﺠﺔ‪ ،‬ﻫﻴرودت ّ‬
‫‪14‬‬

‫ﻝﻴﺒﻴﺔ‪ ،‬دار ﻤﻜﺘﺒﺔ اﻝﻔﻜر‪ ،‬طراﺒﻠس‪ ،‬ﻝﻴﺒﻴﺎ‪ .1967.‬ص ‪.87‬‬


‫ﻋﻠﻲ ﻓﻬﻤﻲ‪ ،‬ﺨﺸﻴم‪ .‬ﻨﺼوص ّ‬
‫‪15‬‬

‫‪73‬‬
‫ﻗﺼﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ -‬ﻓﺼول ﻓﻲ ﺘﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﺴﻠﺴﻠﺔ ﻋﺎﻝم اﻝﻤﻌرﻓﺔ ﻋد د‪ ،198‬اﻝﻜوﻴت ‪.1986.‬ص‬
‫ﺤﺴﻴن‪ ،‬ﻓﻬﻴم‪ّ ،‬‬
‫‪16‬‬

‫‪.46‬‬
‫اﻝﻤرﺠﻊ ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪18‬‬
‫‪Darnell, Regna and editor, opcit, p 15.‬‬
‫ﻤﺤﻤد‪ ،‬ﻤؤﻨس‪ ،‬اﻝﺤﻀﺎرة – دراﺴﺔ ﻓﻲ أﺼول وﻋواﻤل ﻗﻴﺎﻤﻬﺎ وﺘدﻫورﻫﺎ‪ ،‬ﻋﺎﻝم اﻝﻤﻌرﻓﺔ‪ ،‬ﻋدد ﻜﺎﻨون اﻝﺜﺎﻨﻲ‪ ،‬اﻝﻜوﻴت‬ ‫‪19‬‬

‫‪.1978.‬ص ‪.43‬‬
‫‪20‬‬
‫‪Darnell, Regna and editor, opcit, p 16.‬‬
‫ﻤﺤﻤد‪ ،‬ﻤؤﻨس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪.50‬‬
‫ﻗﺼﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ -‬ﻓﺼول ﻓﻲ ﺘﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴﺎن‪ -‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‬
‫ﺤﺴﻴن‪ ،‬ﻓﻬﻴم‪ّ ،‬‬
‫‪22‬‬

‫‪ 23‬اﻝﻤرﺠﻊ ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ص ‪.52‬‬


‫‪24‬‬
‫‪Darnell, Regna and editor, opcit, p 259.‬‬
‫‪ 25‬ﺤﺴﻴن‪ ،‬ﻓﻬﻴم‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫أﺒو ﻋﺒد اﷲ‪ ،‬اﺒن ﺒطوطﺔ ‪ ،‬رﺤﻠﺔ اﺒن ﺒطوطﺔ‪ ،‬دار اﻝﺘراث‪ ،‬ﺒﻴروت ‪ .1968.‬ص ‪.672‬‬ ‫‪26‬‬

‫ﻤﻘدﻤﺔ اﺒن ﺨﻠدون‪ ،‬ﺘﺤﻘﻴق‪:‬ﻋﻠﻲ ﻋﺒد اﻝواﺤد واﻓﻲ‪ ،‬اﻝﻘﺎﻫرة‪.1966.‬ص ‪.291‬‬


‫ﻋﺒد اﻝرﺤﻤن‪ ،‬اﺒن ﺨﻠدون‪ّ ،‬‬
‫‪27‬‬

‫اﻝﻤرﺠﻊ ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ص ‪.252‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪29‬‬
‫‪John. Anderson, Conjuring with Ibn Khaldon: from an Anthropological point of‬‬
‫‪view, Leiden .1984.p 112.‬‬
‫‪30‬‬
‫‪Wendell, Oswalt. Other People, Other Customs, Holt Rinehart and Winston Inc‬‬
‫‪.1972.p 10.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪Daniel .J, Boorstin, The Discoveries a History of Man’s Search to Know his World‬‬
‫‪and Himself .Vintage Books edition .1985.p 628.‬‬

‫ﺤﺴﻴن‪ ،‬ﻓﻬﻴم‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪33‬‬
‫‪Darnell, Regna and editor, opcit, p 81.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪Edmund, Leach. Social Anthropology, Fontana- Paper backs .1982.p 67.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪Darnell, Regna and editor, opcit, p 87.‬‬
‫أﺤﻤد‪ ،‬اﻝﺨﺸﺎب‪ .‬دراﺴﺎت أﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ‪ ،‬دار اﻝﻤﻌﺎرف ﺒﻤﺼر ‪ .1970.‬ص ‪.375‬‬ ‫‪36‬‬

‫ص ‪.101‬‬ ‫ﺤﺴﻴن‪ ،‬ﻓﻬﻴم‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪،‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪.16‬‬ ‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‬ ‫‪38‬‬

‫ﺴﺎطﻊ‪ ،‬اﻝﺤﺼري‪ .‬أﺤﺎدﻴث ﻓﻲ اﻝﺘرﺒﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎع‪ ،‬دار اﻝﻌﻠم ﻝﻠﻤﻼﻴﻴن‪ ،‬ﺒﻴروت‪ .1985 .‬ص ‪.8‬‬ ‫‪39‬‬

‫ﻤﺤﻤد طﻠﻌت‪ ،‬ﻋﻴﺴﻰ‪ .‬ﻤدﺨل إﻝﻰ ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع‪ ،‬دار اﻝﻤﻌﺎرف‪ ،‬ﺒﻴروت‪ .1986.‬ص ‪.13‬‬ ‫‪40‬‬

‫ﻜﻠﻴﺔ اﻝﺘرﺒﻴﺔ‪ .2003 .‬ص ‪.59‬‬


‫اﻝﺸﻤﺎس ﻋﻴﺴﻰ ‪ .‬اﻝﺘرﺒﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤﺔ‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ دﻤﺸق – ّ‬
‫ﻓﺎطﻤﺔ‪ ،‬اﻝﺠﻴوﺸﻲ‪ ،‬و ّ‬
‫‪41‬‬

‫‪ 42‬ﻋﺒد اﻝﺤﻤﻴد‪ ،‬ﻝطﻔﻲ‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬دار اﻝﻤﻌﺎرف‪ ،‬اﻝﻘﺎﻫرة‪.1979.‬ص ‪.44‬‬


‫ﻋﻤﺎن ‪ .1974.‬ص ‪.1‬‬
‫ﻤﻘدﻤﺔ ﻓﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺘرﺒوﻴﺔ‪ ،‬اﻝﻤطﺎﺒﻊ اﻝﺘﻌﺎوﻨﻴﺔ‪ّ ،‬‬
‫أﺤﻤد‪ ،‬أﺒو ﻫﻼل‪ّ .‬‬
‫‪43‬‬

‫‪74‬‬
‫ﻋﺒد اﻝﺤﻤﻴد‪ ،‬ﻝطﻔﻲ‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫‪44‬‬

‫ﻓﺎطﻤﺔ‪ ،‬اﻝﺠﻴوﺸﻲ‪ .‬ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻝﺘرﺒﻴﺔ‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ دﻤﺸق‪ ،‬ﻜﻠﻴﺔ اﻝﺘرﺒﻴﺔ‪ .1988 .‬ص ‪.3‬‬ ‫‪45‬‬

‫ﻋﺒد اﻝﺤﻠﻴم‪ ،‬ﻤﺤﻤود‪ .‬اﻝﺘﻔﻜﻴر اﻝﻔﻠﺴﻔﻲ ﻓﻲ اﻹﺴﻼم‪ ،‬ﻤﻜﺘﺒﺔ اﻷﻨﺠﻠو ﻤﺼرﻴﺔ‪ ،‬اﻝﻘﺎﻫرة‪.1968 .‬ص ‪.225‬‬ ‫‪46‬‬

‫ﻫﻨري ﺴﺎرﻜس‪ ،‬ﻓراﻴر‪ .‬ﻋﻠم اﻝﻨﻔس اﻝﻌﺎم‪ ،‬ﺘرﺠﻤﺔ‪ :‬إﺒراﻫﻴم ﻤﻨﺼور‪ ،‬ﺒﻐداد‪ .1968.‬ص ‪.32‬‬ ‫‪47‬‬

‫ﻋﺒد اﻝرﺤﻤﺎن‪ ،‬ﻋﻴﺴوي‪ .‬ﻋﻠم اﻝﻨﻔس ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺎل اﻝﺘرﺒوي‪ ،‬دار اﻝﻌﻠوم اﻝﻌرﺒﻴﺔ‪ ،‬ﺒﻴروت‪ .1989 ،‬ص ‪.7‬‬ ‫‪48‬‬

‫ﻋﺒد اﻝﻌﺎل‪ ،‬اﻝﺠﺴﻤﺎﻨﻲ‪ ،‬ﻋﻠم اﻝﻨﻔس وﺘطﺒﻴﻘﺎﺘﻪ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬اﻝدار اﻝﻌرﺒﻴﺔ ﻝﻠﻌﻠوم‪ ،‬ﺒﻴروت ‪ .1994.‬ص ‪.271‬‬ ‫‪49‬‬

‫ﻋﻤﺎن‪ .1985 .‬ص ‪.21‬‬‫إﺒراﻫﻴم‪ ،‬ﻨﺎﺼر‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ )ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ( ّ‬
‫‪50‬‬

‫ﺤﺴﻴن ﻋﺒد اﻝﺤﻤﻴد أﺤﻤد‪ ،‬رﺸوان‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺎل اﻝﻨظري‪ ،‬ط‪ ،1‬اﻹﺴﻜﻨدرﻴﺔ ‪ .1988.‬ص ‪.86‬‬ ‫‪51‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.395‬‬ ‫‪52‬‬

‫ﻋﻠﻲ‪ ،‬اﻝﺠﺒﺎوي‪ ،‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ – ﻋﻠم اﻷﻨﺎﺴﺔ‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ دﻤﺸق ‪.1997.‬ص ‪.12‬‬ ‫‪53‬‬

‫اﻝﻤرﺠﻊ ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪54‬‬

‫ص ‪.61‬‬ ‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪.‬‬ ‫‪55‬‬

‫ص ‪.149‬‬ ‫ﺤﺴﻴن‪ ،‬ﻓﻬﻴم‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪،‬‬ ‫‪56‬‬

‫ﺴﺎﻤﻴﺔ‪ ،‬ﺠﺎﺒر‪ .‬ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن – ﻤدﺨل إﻝﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬دار اﻝﻌﻠوم اﻝﻌرﺒﻴﺔ‪ ،‬ﺒﻴروت ‪ .1991.‬ص‬ ‫‪57‬‬

‫‪.85‬‬
‫ﻤﺤﻤد‪ ،‬رﻴﺎض‪ .‬اﻹﻨﺴﺎن – دراﺴﺔ ﻓﻲ اﻝﻨوع واﻝﺤﻀﺎرة‪ ،‬دار اﻝﻨﻬﻀﺔ اﻝﻌرﺒﻴﺔ‪ ،‬ﺒﻴروت‪ .1974.‬ص ‪.127‬‬ ‫‪58‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﺘرﺠﻤﺔ ‪ :‬رﺒﺎح اﻝﻨﻔﺎخ‪ ،‬و ازرة اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻤﺸق ‪.1974.‬ص ‪.210‬‬ ‫‪59‬‬

‫اﻝﻤرﺠﻊ ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ص ‪.124‬‬ ‫‪60‬‬

‫ص ‪.160‬‬ ‫ﺤﺴﻴن‪ ،‬ﻓﻬﻴم‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪،‬‬ ‫‪61‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.213‬‬ ‫‪62‬‬

‫ص ‪.354‬‬ ‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪.‬‬ ‫‪63‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.214‬‬ ‫‪64‬‬

‫أﺤﻤد‪ ،‬أﺒو زﻴد‪ .‬اﻝﺒﻨﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ – ﻤدﺨل ﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.202‬‬ ‫‪65‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.216‬‬ ‫‪66‬‬

‫أﺤﻤد‪ ،‬أﺒو زﻴد‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.203‬‬ ‫‪67‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.221‬‬ ‫‪68‬‬

‫‪.272‬‬ ‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‬ ‫‪69‬‬

‫أﺤﻤد‪ ،‬أﺒو زﻴد‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.227‬‬ ‫‪70‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.65‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪72‬‬
‫‪John ,Freidle. Anthropology, Harperand Row Publishers, New York .1977. p 302.‬‬

‫‪.196‬‬ ‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‬ ‫‪73‬‬

‫اﻝﻤرﺠﻊ ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ص ‪.510‬‬ ‫‪74‬‬

‫اﻝﻤرﺠﻊ ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ص ‪.285‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪75‬‬
‫أﺤﻤد‪ ،‬أﺒو زﻴد‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.238‬‬ ‫‪76‬‬

‫‪77‬‬
‫‪John ,Freidle. Opcit, p 303.‬‬
‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫‪78‬‬

‫‪79‬‬
‫‪John ,Freidle. Opcit, p 304.‬‬
‫ص ‪.164‬‬ ‫ﺤﺴﻴن‪ ،‬ﻓﻬﻴم‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪،‬‬ ‫‪80‬‬

‫أﺒو زﻴد اﻝطرﻴق إﻝﻰ اﻝﻤﻌرﻓﺔ‪ ،‬ﻜﺘﺎب اﻝﻌرﺒﻲ‪ ،‬ﻋدد ‪ ،46‬ﻤﻨﺸورات ﻤﺠﻠّﺔ اﻝﻌرﺒﻲ‪ ،‬اﻝﻜوﻴت‪ .2001 .‬ص – ص ‪.83-82‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪82‬‬
‫‪Edmund, Leach. Opcit, p 184.‬‬
‫اﻝطﺎﻫر‪ ،‬ﻝﺒﻴب‪ .‬ﺴوﺴﻴوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دار اﻝﺤوار‪ ،‬اﻝﻼذﻗﻴﺔ ‪ ،1987.‬ص ‪.12‬‬ ‫‪83‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‪ -‬ص ‪.264 -263‬‬ ‫‪84‬‬

‫‪85‬‬
‫‪Daniel .J, Boorstin, opcit, p 8.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪Phillip, Kottak .Anthropology: the Exploration of Human Diverty, Mc Grow. Hill‬‬
‫‪INC, New York, 1994, p 9.‬‬
‫ﺴﻠﻴم‪ ،‬ﺸﺎﻜر‪ .‬ﻗﺎﻤوس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫‪87‬‬

‫ﻤﺤﻤد‪ ،‬رﻴﺎض‪ .‬اﻹﻨﺴﺎن – دراﺴﺔ ﻓﻲ اﻝﻨوع واﻝﺤﻀﺎرة‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.12‬‬ ‫‪88‬‬

‫‪.17‬‬ ‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‬ ‫‪89‬‬

‫إﺒراﻫﻴم‪ ،‬ﻨﺎﺼر‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ )ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ(‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪90‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‪ -‬ص ‪.19-18‬‬ ‫‪91‬‬

‫ﻗﺒﺎري ﻤﺤﻤد‪ ،‬إﺴﻤﺎﻋﻴل‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﺎﻤﺔ‪ ،‬ﻤﻨﺸﺄة اﻝﻤﻌﺎرف‪ ،‬اﻹﺴﻜﻨدرﻴﺔ ‪ ،1973.‬ص ‪.42‬‬ ‫‪92‬‬

‫ص ‪.46‬‬ ‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪،‬‬ ‫‪93‬‬

‫ﻋﻤﺎن‪ .1974 .‬ص ‪.107‬‬


‫ﻤﻘدﻤﺔ ﻓﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺘرﺒوﻴﺔ‪ ،‬اﻝﻤطﺎﺒﻊ اﻝﺘﻌﺎوﻨﻴﺔ‪ّ ،‬‬
‫أﺤﻤد‪ ،‬أﺒو ﻫﻼل‪ّ .‬‬
‫‪94‬‬

‫‪ 95‬راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.59‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪96‬‬

‫‪ 97‬راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪.‬‬ ‫ص ‪.607‬‬


‫‪98‬‬
‫‪V, Barnuow. Cultural Anthropology, Homewood Illinois, Irwin Inc .1972. P 8.‬‬
‫اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ‪ ،‬دار اﻝﻨﻬﻀﺔ اﻝﻌرﺒﻴﺔ‪ ،‬اﻝﻘﺎﻫرة‪ .1997.‬ص ‪.44‬‬ ‫ّ‬ ‫ﺴﻴد‪ ،‬ﻤﺤﻤد ﻏﻨﻴم‪ .‬ﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ‬
‫ّ‬
‫‪99‬‬

‫‪ 100‬ﻤﺤﻤد ﺤﺴن‪ ،‬اﻝﻐﺎﻤري‪ .‬اﻝﻤدﺨل اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ ﻓـﻲ د ارﺴـﺔ اﻝﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ‪ ،‬اﻝﻤﻜﺘـب اﻝﺠـﺎﻤﻌﻲ اﻝﺤـدﻴث‪ ،‬اﻹﺴـﻜﻨدرﻴﺔ‪،1989.‬‬
‫ص ‪.42‬‬
‫اﻝﻤؤﺴﺴﺔ اﻝﺠﺎﻤﻌﻴﺔ ﻝﻠدراﺴﺎت واﻝﻨﺸر‪ ،‬ﺒﻴروت‪ ،1990 .‬ص ‪.61‬‬ ‫ّ‬ ‫اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 101‬ﻋﻠﻲ‪ ،‬اﻝﻤﺼري‪ .‬ﻨظرﻴﺔ‬
‫‪ 102‬ﻤﺤﻤود‪ ،‬ﻤﻴﻼد‪ .‬ﻋﻠم اﻝﻨﻔس اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬و ازرة اﻝﺘﻌﻠﻴم اﻝﻌﺎﻝﻲ‪ ،‬دﻤﺸق‪ ،1997 .‬ص ‪.30‬‬
‫‪103‬‬
‫‪Edgar, Morin, De La Culture - Analyse a La politique Culturelle, Communication,‬‬
‫‪No: 14, Paris .1969, p 5.‬‬
‫‪ 104‬ﻤﺠﻤوﻋــ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ ﻤــ ـ ـ ـ ـ ـ ــن اﻝﻜﺘّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎب‪ .‬ﻨظرﻴــ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ‪ ،‬ﺘرﺠﻤــ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ ‪ :‬ﻋﻠــ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻲ اﻝﺼـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎوي‪ ،‬ﻋــ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎﻝم اﻝﻤﻌرﻓـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ‬
‫ﻋدد ‪ ،223‬اﻝﻜوﻴت ‪ .1997.‬ص ‪.9‬‬

‫‪105‬‬
‫‪James, Spradley. Culture and Cognation, Chandle Publishing Company, San‬‬

‫‪76‬‬
‫‪Francisco .1973. p- p 6-7.‬‬
‫ﺠﻤﻴل‪ ،‬ﺼﻠﻴﺒﺎ‪ .‬اﻝﻤﻌﺠم اﻝﻔﻠﺴﻔﻲ‪ ،‬دار اﻝﻜﺘﺎب اﻝﻠﺒﻨﺎﻨﻲ‪ ،‬ﺒﻴروت‪ .1971 .‬ص ‪.378‬‬ ‫‪106‬‬

‫ص ‪.143‬‬ ‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪،‬‬ ‫‪107‬‬

‫ص ‪.10‬‬ ‫ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن اﻝﻜﺘّﺎب‪ .‬ﻨظرﻴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪،‬‬ ‫‪108‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.65‬‬ ‫‪109‬‬

‫‪ 110‬ب‪ .‬ف‪ ،‬ﺴﻜﻴﻨر‪ .‬ﺘﻜﻨوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺴﻠوك اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ‪ ،‬ﺘرﺠﻤﺔ‪ :‬ﻋﺒد اﻝﻘﺎدر ﻴوﺴف‪ ،‬ﻋﺎﻝم اﻝﻤﻌرﻓﺔ‪ ،‬ﻋدد ‪ ،32‬اﻝﻜوﻴت‪ ،1980.‬ص‬
‫‪.130‬‬
‫اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ‪ ،‬دار اﻝﻤﻌﺎرف ﺒﻤﺼر‪ ،1975 .‬ص‪ ،‬ص ‪.84،81‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 111‬ﻋﺎطف‪ ،‬وﺼﻔﻲ‪ .‬اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ و‬
‫‪ 112‬إﺒراﻫﻴم‪ ،‬ﻨﺎﺼر‪ .‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص – ص ‪.104-103‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.609‬‬ ‫‪113‬‬

‫‪.34‬‬ ‫‪ 114‬ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‬

‫‪115‬‬
‫‪Edward, Sapir. Anthropologies, Minuit, Col, Points, Paris .1967, p 75.‬‬

‫‪..218-213‬‬ ‫اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ‪ ،‬دار اﻝﻨﻬﻀﺔ‪ ،‬ﺒﻴروت‪.1983.‬ص ص‬


‫ّ‬ ‫‪ 116‬ﺴﺎﻤﻲ ﺤﺴن‪ ،‬اﻝﺴﺎﻋﺎﺘﻲ‪ .‬اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ و‬
‫اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪105‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 117‬ﻋﺎطف‪ ،‬وﺼﻔﻲ‪ .‬اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ و‬
‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.387‬‬ ‫‪118‬‬

‫ﻤﺤﻤد اﻝﻬﺎدي‪ ،‬ﻋﻔﻴﻔﻲ‪ .‬ﻓﻲ أﺼول اﻝﺘرﺒﻴﺔ‪ ،‬ﻤﻜﺘﺒﺔ اﻷﻨﺠﻠو ﻤﺼرﻴﺔ‪ ،‬اﻝﻘﺎﻫرة ‪.1972.‬ص ‪.141‬‬ ‫‪119‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪120‬‬

‫ﻤﺼطﻔﻰ‪ ،‬ﻏﺎﻝب‪ .‬اﻝﺴﻠوك‪ ،‬دار اﻝﻬﻼل‪ ،‬ﺒﻴروت‪ .1991 ،‬ص ‪.103‬‬ ‫‪121‬‬

‫ص ‪.198‬‬ ‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪،‬‬ ‫‪122‬‬

‫اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.9‬‬


‫ّ‬ ‫ﺴﺎﻤﻲ ﺤﺴن‪ ،‬اﻝﺴﺎﻋﺎﺘﻲ‪ .‬اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ و‬ ‫‪123‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫‪124‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.200‬‬ ‫‪125‬‬

‫اﻝﻤرﺠﻊ ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫‪126‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص – ص ‪.48-47‬‬ ‫‪127‬‬

‫إﺒراﻫﻴم‪ ،‬ﻨﺎﺼر‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪) ،‬ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ(‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫‪128‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج ‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‪،‬ص ‪.41،39‬‬ ‫‪129‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.384‬‬ ‫‪130‬‬

‫ﻤﻘدﻤﺔ ﻓﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﺎﻤﺔ‪ ،‬ﺘرﺠﻤﺔ ‪ :‬ﻤﺤﻤد اﻝﺠوﻫري وآﺨرون‪ ،‬دار اﻝﻨﻬﻀﺔ‬


‫راﻝف‪ ،‬ﺒﻴﻠز ؛ ﻫﺎري‪ ،‬ﻫوﻴﺠ ار‪ّ .‬‬
‫‪131‬‬

‫اﻝﻤﺼرﻴﺔ‪ ،‬اﻝﻘﺎﻫرة ‪ .1977 .‬ص ‪.21‬‬


‫اﻝطﺎﻫر‪ ،‬ﻝﺒﻴب‪ .‬ﺴوﺴﻴوﻝوﺠﻴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‪ -‬ص ‪.26-24‬‬ ‫‪132‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.59‬‬ ‫‪133‬‬

‫‪77‬‬
‫‪134‬‬
‫‪V, Barnouw. Cultural Anthropology, Home wood Illinois, Irwen Inc .1972. p 7‬‬
‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫‪135‬‬

‫‪136‬‬
‫‪Phillip, Kottak .Anthropology: the Exploration of Human Diversity, Mc Grow. Hill INC, New York, 1994, p‬‬
‫‪10.‬‬
‫‪ 137‬ﻜﻠـ ــود ﻝﻴﻔـ ــﻲ‪ ،‬ﺴـ ــﺘروس‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ اﻝﺒﻨﻴوﻴـ ــﺔ‪ ،‬ﺘرﺠﻤـ ــﺔ ‪ :‬ﻤﺼـ ــطﻔﻰ ﺼـ ــﺎﻝﺢ‪ ،‬و ازرة اﻝﺜﻘﺎﻓـ ــﺔ‪ ،‬دﻤﺸـ ــق ‪ 1977 .‬ص‪ ،‬ص‬
‫‪.52،49‬‬
‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫‪138‬‬

‫ﺤﺎﻤد‪ ،‬أﺒو زﻴد‪ .‬اﻝطرﻴق إﻝﻰ اﻝﻤﻌرﻓﺔ‪ ،‬ﻜﺘﺎب اﻝﻌرﺒﻲ‪ ،‬ﻋدد ‪ ،46‬ﻤﺠﻠـﺔ اﻝﻌرﺒﻲ‪ ،‬اﻝﻜوﻴت‪ ،2001 .‬ص ‪.86‬‬ ‫‪139‬‬

‫إﺒراﻫﻴم‪ ،‬زرﻗﺎﻨﺔ‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬ﻤﻜﺘﺒﺔ اﻝﻨﻬﻀﺔ اﻝﻤﺼرﻴﺔ‪ ،‬اﻝﻘﺎﻫرة ‪ ،1958 .‬ص ‪.148‬‬ ‫‪140‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫‪141‬‬

‫ﻋﺎطف‪ ،‬وﺼﻔﻲ‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬دار اﻝﻨﻬﻀﺔ اﻝﻌرﺒﻴﺔ‪ ،‬ﺒﻴروت‪ ،1971 .‬ص – ص ‪.32-31‬‬ ‫‪142‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.182‬‬ ‫‪143‬‬

‫اﻝﻤرﺠﻊ ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫‪144‬‬

‫إﺒراﻫﻴم‪ ،‬ﻨﺎﺼر‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪) ،‬ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ(‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫‪145‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.24‬‬ ‫‪146‬‬

‫ﻋﺎطف‪ ،‬وﺼﻔﻲ‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫‪147‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.23‬‬ ‫‪148‬‬

‫ﻗﺒﺎري ﻤﺤﻤد‪ ،‬إﺴﻤﺎﻋﻴل‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﺎﻤﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.460‬‬ ‫‪149‬‬

‫ﺤﺴﻴن ﻋﺒد اﻝﺤﻤﻴد‪ ،‬رﺸوان‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺎل اﻝﻨظري‪ ،‬اﻹﺴﻜﻨدرﻴﺔ ‪ ،1988 .‬ص ‪.81‬‬ ‫‪150‬‬

‫ﻜﻼﻴد‪ ،‬ﻜﻠوﻜﻬون‪ .‬اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ اﻝﻤرآة‪ ،‬ﺘرﺠﻤﺔ‪ :‬ﺸﺎﻜر ﺴﻠﻴم‪ ،‬ﺒﻐداد‪ ،1964.‬ص ‪.31‬‬ ‫‪151‬‬

‫ﻋﻤﺎن‪.1989 .‬ص ‪.103‬‬


‫ﻤﺤﻤد زﻴﺎد‪ ،‬ﺤﻤدان‪ .‬اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﻤﻌﺎﺼرة‪ ،‬دار اﻝﺘرﺒﻴﺔ اﻝﺤدﻴﺜﺔ‪ّ ،‬‬
‫‪152‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫‪153‬‬

‫ﻋﺎطف‪ ،‬وﺼﻔﻲ‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫‪154‬‬

‫إﺒراﻫﻴم‪ ،‬ﻨﺎﺼر‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪) ،‬ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ(‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫‪155‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪156‬‬

‫ﻋﺎطف‪ ،‬وﺼﻔﻲ‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫‪157‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫‪158‬‬

‫ﻗﺒﺎري ﻤﺤﻤد‪ ،‬إﺴﻤﺎﻋﻴل‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﺎﻤﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫‪159‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪160‬‬

‫ﺤﺴﻴن‪ ،‬ﻓﻬﻴم‪ .‬ﻗﺼﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.36‬‬ ‫‪161‬‬

‫‪ 162‬إدوارد‪ ،‬ﺒرﻴﺘﺸﺎرد‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ط‪ ،5‬ﺘرﺠﻤﺔ ‪ :‬أﺤﻤد أﺒو زﻴـد‪ ،‬اﻝﻬﻴﺌـﺔ اﻝﻤﺼـرﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤـﺔ ﻝﻠﻜﺘـﺎب‪ ،‬اﻹﺴـﻜﻨدرﻴﺔ ‪،1975 ،‬‬
‫ص ‪.13‬‬
‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.357‬‬ ‫‪163‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص – ص ‪.21-20‬‬ ‫‪164‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.119‬‬ ‫‪165‬‬

‫ﻋﻠﻲ‪ ،‬اﻝﺠﺒﺎوي‪ ،‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ – ﻋﻠم اﻹﻨﺎﺴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.101‬‬ ‫‪166‬‬

‫‪78‬‬
‫ﻋﺒد اﻝﺤﻤﻴد‪ ،‬ﻝطﻔﻲ‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫‪167‬‬

‫ﺤﺎﻤد‪ ،‬أﺒو زﻴد‪ .‬اﻝطرﻴق إﻝﻰ اﻝﻤﻌرﻓﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‪ -‬ص ‪.24-23‬‬ ‫‪168‬‬

‫ﻋﺒد اﻝﺤﻤﻴد‪ ،‬ﻝطﻔﻲ‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫‪169‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.259‬‬ ‫‪170‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص‪ -‬ص ‪.346-345‬‬ ‫‪171‬‬

‫ﻤﻴﻠﻔﻴل‪ .‬ج‪ ،‬ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز‪ .‬أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪172‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.348‬‬ ‫‪173‬‬

‫ﻋﺎطف‪ ،‬وﺼﻔﻲ‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.174‬‬ ‫‪174‬‬

‫راﻝف‪ ،‬ﻝﻴﻨﺘون‪ .‬اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫‪175‬‬

‫‪79‬‬

You might also like