Professional Documents
Culture Documents
الانثروبولوجيا محاضرات
الانثروبولوجيا محاضرات
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻷوﻝﻰ
ﻤﻔﻬوم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وطﺒﻴﻌﺘﻬﺎ وأﻫداﻓﻬﺎ
ﺘﻤﻬﻴد:
ﻴﺠﻤــﻊ اﻝﺒــﺎﺤﺜون ﻓــﻲ ﻋﻠــم " اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ " ﻋﻠــﻰ ّأﻨــﻪ ﻋﻠــم ﺤــدﻴث اﻝﻌﻬــد ،إذا ﻤــﺎ ﻗــﻴس ﺒــﺒﻌض
أن اﻝﺒﺤـث ﻓـﻲ ﺸـؤون اﻹﻨﺴـﺎن واﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻝﻌﻠوم اﻷﺨـرى ﻜﺎﻝﻔﻠﺴـﻔﺔ واﻝطـب واﻝﻔﻠـك ..وﻏﻴرﻫـﺎ .إﻻّ ّ
اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ ﻗ ــدﻴم ﻗ ــدم اﻹﻨﺴ ــﺎن ،ﻤ ــذ وﻋ ــﻰ ذاﺘ ــﻪ وﺒ ــدأ ﻴﺴ ــﻌﻰ ﻝﻠﺘﻔﺎﻋ ــل اﻹﻴﺠ ــﺎﺒﻲ ﻤـ ـﻊ ﺒﻴﺌﺘ ــﻪ اﻝطﺒﻴﻌﻴ ــﺔ
واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
ﻝﻘد درج اﻝﻌﻠﻤﺎء واﻝﻔﻼﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻜـل ﻤﻜـﺎن وزﻤـﺎن ﻋﺒـر اﻝﺘـﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ،ﻋﻠـﻰ وﻀـﻊ ﻨظرﻴـﺎت
ﻋن طﺒﻴﻌﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ،وﻤـﺎ ﻴـدﺨل ﻓـﻲ ﻨﺴـﻴﺠﻬﺎ وأﺒﻨﻴﺘﻬـﺎ ﻤـن دﻴـن أو ﺴـﻼﻝﺔ ،وﻤـن ﺜ ّـم ﺘﻘﺴـﻴم
ﻜ ـ ّل ﻤﺠﺘﻤــﻊ إﻝــﻰ طﺒﻘــﺎت ﺒﺤﺴــب ﻋﺎداﺘﻬــﺎ وﻤﺸــﺎﻋرﻫﺎ وﻤﺼــﺎﻝﺤﻬﺎ .وﻗــد أﺴــﻬﻤت اﻝــرﺤﻼت اﻝﺘﺠﺎرﻴــﺔ
واﻻﻜﺘﺸﺎﻓﻴﺔ ،وأﻴﻀﺎً اﻝﺤروب ،ﺒدور ﻫﺎم ﻓﻲ ﺤدوث اﻻﺘﺼﺎﻻت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺒﻴن اﻝﺸـﻌوب واﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت
ﻗرﺒت ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ وأﺘﺎﺤت ﻤﻌرﻓﺔ ﻜـ ّل ﻤﻨﻬـﺎ ﺒـﺎﻵﺨر ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻤـﺎ ﻴﺘﻌﻠّـق ﺒﺎﻝﻠﻐـﺔ واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد
اﻝﺒﺸرﻴﺔ ،ﺤﻴث ّ
ﻤﻌﻴن ﻝﺒداﻴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ.واﻝﻘﻴم ..وﻝذﻝك ،ﻓﻤن اﻝﺼﻌوﺒﺔ ﺒﻤﻜﺎن ،ﺘﺤدﻴد ﺘﺎرﻴﺦ ّ
أوﻻً-ﻤﻔﻬوم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ
إن ﻝﻔظ ــﺔ أﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ،Anthropologyﻫ ــﻲ ﻜﻠﻤ ــﺔ إﻨﻜﻠﻴزﻴ ــﺔ ﻤﺸ ــﺘﻘّﺔ ﻤ ــن اﻷﺼ ــل اﻝﻴوﻨ ــﺎﻨﻲ ّ
اﻝﻤﻜون ﻤـن ﻤﻘطﻌـﻴن :أﻨﺜروﺒـوس ،Anthroposوﻤﻌﻨـﺎﻩ " اﻹﻨﺴـﺎن " و ﻝوﺠـوس ،Locosوﻤﻌﻨـﺎﻩ " ّ
ﻋﻠم " .وﺒذﻝك ﻴﺼﺒﺢ ﻤﻌﻨـﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻤـن ﺤﻴـث اﻝﻠﻔـظ " ﻋﻠـم اﻹﻨﺴـﺎن " أي اﻝﻌﻠـم اﻝـذي ﻴـدرس
1
اﻹﻨﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎن .
2
ﺒﺄﻨﻬﺎ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس اﻹﻨﺴﺎن ﻤن ﺤﻴث ﻫو ﻜﺎﺌن ﻋﻀوي ﺤﻲ، ﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎّ ، وﻝذﻝكّ ،
ﻤﻌﻴﻨــﺔ ..وﻴﻘــوم ﺒﺄﻋﻤــﺎل ﻤﺘﻌـ ّـددة،
ﻴﻌــﻴش ﻓــﻲ ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﺘﺴــودﻩ ﻨظــم وأﻨﺴــﺎق اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻓــﻲ ظ ـ ّل ﺜﻘﺎﻓــﺔ ّ
وﻴﺴــﻠك ﺴــﻠوﻜﺎً ﻤﺤـ ّـدداً؛ وﻫــو أﻴﻀ ـﺎً اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴــدرس اﻝﺤﻴــﺎة اﻝﺒداﺌﻴــﺔ ،واﻝﺤﻴــﺎة اﻝﺤدﻴﺜــﺔ اﻝﻤﻌﺎﺼ ـرة،
اﻝﺘﻨﺒــؤ ﺒﻤﺴــﺘﻘﺒل اﻹﻨﺴــﺎن ﻤﻌﺘﻤــداً ﻋﻠــﻰ ﺘطـ ّـورﻩ ﻋﺒــر اﻝﺘــﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ اﻝطوﻴــل . .وﻝــذا ﻴﻌﺘﺒــر
وﻴﺤــﺎول ّ
2
ﻤﺘطو اًر ،ﻴدرس اﻹﻨﺴﺎن وﺴﻠوﻜﻪ وأﻋﻤﺎﻝﻪ. ّ ﻋﻠم دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن )اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ( ﻋﻠﻤﺎً
ﺒﺄﻨﻬـﺎ ﻋﻠـم )اﻷﻨﺎﺴـﺔ( اﻝﻌﻠـم اﻝـذي ﻴـدرس اﻹﻨﺴـﺎن ﻜﻤﺨﻠـوق ،ﻴﻨﺘﻤـﻲوﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ أﻴﻀـﺎًّ ،
إﻝﻰ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤﻴواﻨﻲ ﻤن ﺠﻬﺔ ،وﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى ّأﻨـﻪ اﻝوﺤﻴـد ﻤـن اﻷﻨـواع اﻝﺤﻴواﻨﻴـﺔ ﻜﻠّﻬـﺎ ،اﻝـذي ﻴﺼـﻨﻊ
ﻴﺘﻤﻴز ﻋﻨﻬﺎ ﺠﻤﻴﻌﺎً. 3.
اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ وﻴﺒدﻋﻬﺎ ،واﻝﻤﺨﻠوق اﻝذي ّ
ﺒﺄﻨﻬﺎ " ﻋﻠم دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن طﺒﻴﻌﻴﺎً واﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎً ﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺼورة ﻤﺨﺘﺼرة وﺸﺎﻤﻠﺔ ّ ﻜﻤﺎ ّ
4
أن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ﻻ ﺘ ــدرس اﻹﻨﺴ ــﺎن ﻜﻜ ــﺎﺌن وﺤﻴ ــد ﺒذاﺘ ــﻪ ،أو ﻤﻨﻌ ــزل ﻋ ــن أﺒﻨ ــﺎء
وﺤﻀ ــﺎرﻴﺎً " أي ّ
ﺠﻨﺴﻪّ ،إﻨﻤـﺎ ﺘدرﺴـﻪ ﺒوﺼـﻔﻪ ﻜﺎﺌﻨـﺎً اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺎً ﺒطﺒﻌـﻪ ،ﻴﺤﻴـﺎ ﻓـﻲ ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻤﻌ ّـﻴن ﻝــﻪ ﻤﻴ ازﺘـﻪ اﻝﺨﺎﺼـﺔ ﻓـﻲ
ﻤﻜﺎن وزﻤﺎن ﻤﻌﻴﻨﻴن .
ﻓﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒوﺼﻔﻬﺎ دراﺴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن ﻓﻲ أﺒﻌﺎدﻩ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،اﻝﺒﻴوﻓﻴزﻴﺎﺌﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ،
ﻓﻬــﻲ ﻋﻠــم ﺸــﺎﻤل ﻴﺠﻤــﻊ ﺒــﻴن ﻤﻴــﺎدﻴن وﻤﺠــﺎﻻت ﻤﺘﺒﺎﻴﻨــﺔ وﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻋــن ﺒﻌــض ،اﺨــﺘﻼف ﻋﻠــم
اﻝﺘﺸـرﻴﺢ ﻋــن ﺘــﺎرﻴﺦ ﺘطـ ّـور اﻝﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري واﻝﺠﻤﺎﻋــﺎت اﻝﻌرﻗﻴـﺔ ،وﻋــن د ارﺴــﺔ اﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻤــن
ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ واﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ وﻗراﺒﻴﺔ ودﻴﻨﻴﺔ وﻗﺎﻨوﻨﻴﺔ ،وﻤـﺎ إﻝﻴﻬـﺎ ..وﻜـذﻝك ﻋـن اﻹﺒـداع اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ﻓـﻲ ﻤﺠـﺎﻻت ّ
اﻝﻤﺘﻨوﻋﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺸﻤل :اﻝﺘراث اﻝﻔﻜـري وأﻨﻤـﺎط اﻝﻘـﻴم وأﻨﺴـﺎق اﻝﻔﻜـر واﻹﺒـداع اﻷدﺒـﻲ واﻝﻔﻨـﻲ ،ﺒـل اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ّ
واﻝﻌــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد وﻤظــﺎﻫر اﻝﺴــﻠوك ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔٕ ،وان ﻜﺎﻨــت ﻻ ﺘ ـزال ﺘﻌطــﻲ
5
ﻋﻨﺎﻴﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ.
أن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ " :ﻫ ــﻲ اﻝد ارﺴ ــﺔ اﻝﺒﻴوﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ
وﻫ ــذا ﻴﺘواﻓ ــق ﻤ ــﻊ ﺘﻌرﻴ ــف ) ﺘ ــﺎﻴﻠور( اﻝ ــذي ﻴ ــرى ّ
اﻝﻤﻘﺎرﻨـﺔ ﻝﻺﻨﺴــﺎن " إذ ﺘﺤـﺎول اﻝﻜﺸــف ﻋـن اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻤظـﺎﻫر اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ اﻝﻤوروﺜـﺔ ﻝﻺﻨﺴــﺎن ،وﻤــﺎ
ﻴﺘﻠﻘــﺎﻩ ﻤــن ﺘﻌﻠــﻴم وﺘﻨﺸــﺌﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ .وﺒﻬــذا اﻝﻤﻌﻨــﻰ ،ﺘﺘﻨــﺎول اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻤوﻀــوﻋﺎت ﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﻤــن
اﻝﺘﺨﺼﺼﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﺘﻌﻠّق ﺒﺎﻹﻨﺴﺎن . ّ اﻝﻌﻠوم و
ﺜﺎﻨﻴﺎً-طﺒﻴﻌﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ
إن اﻝﺸﻌوب اﻝﻨﺎطﻘﺔ ﺒﺎﻝﻠﻐﺔ اﻹﻨﻜﻠﻴزﻴﺔ ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ،ﺘطﻠق ﻋﻠـﻰ ﻋﻠـم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ " :ﻋﻠـم اﻹﻨﺴـﺎن ّ
وأﻋﻤﺎﻝﻪ " ﺒﻴﻨﻤﺎ ﻴطﻠق اﻝﻤﺼطﻠﺢ ذاﺘﻪ ﻓـﻲ اﻝﺒﻠـدان اﻷوروﺒﻴـﺔ ﻏﻴـر اﻝﻨﺎطﻘـﺔ ﺒﺎﻹﻨﻜﻠﻴزﻴـﺔ ،ﻋﻠـﻰ " د ارﺴـﺔ
اﻝﺨﺼﺎﺌص اﻝﺠﺴﻤﻴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن" .وﻴﺼل ﻫذا اﻻﺨﺘﻼف إﻝﻰ طﺒﻴﻌﺔ ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ..ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻴﻌﻨﻲ
ـﺈن
ﻓــﻲ أوروﺒــﺎ ،اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻔﻴزﻴﻘﻴــﺔ ،وﻴﻨظــر إﻝــﻰ ﻋﻠﻤــﻲ اﻵﺜــﺎر واﻝﻠﻐوﻴــﺎت ﻜﻔــرﻋﻴن ﻤﻨﻔﺼــﻠﻴن ،ﻓـ ّ
اﻷﻤ ـرﻴﻜﻴﻴن ﻴﺴــﺘﺨدﻤون ﻤﺼــطﻠﺢ )اﻹﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ أو اﻹﺜﻨوﻏراﻓﻴــﺎ( ﻝوﺼــف )اﻹﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( واﻝﺘــﻲ
ﻴطﻠق ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻝﺒرﻴطﺎﻨﻴون )اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ( .
ﻓﻔــﻲ إﻨﻜﻠﺘـ ار ﻤــﺜﻼً ،ﻴطﻠــق ﻤﺼــطﻠﺢ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﻋﻠــﻰ د ارﺴــﺔ اﻝﺸــﻌوب وﻜﻴﺎﻨﺎﺘﻬــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ،
أن
أﻤ ـ ــﺎ ﻓ ـ ــﻲ أﻤرﻴﻜ ـ ــﺎ ،ﻓﻴ ـ ــرى اﻝﻌﻠﻤ ـ ــﺎء ّ
ﻤ ـ ــﻊ ﻤﻴ ـ ــل ﺨ ـ ــﺎص ﻝﻠﺘﺄﻜﻴ ـ ــد ﻋﻠ ـ ــﻰ د ارﺴ ـ ــﺔ اﻝﺸ ـ ــﻌوب اﻝﺒداﺌﻴ ـ ــﺔّ .
3
أن ﻋﻠﻤــﺎء ﻓرﻨﺴــﺎ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﻫــﻲ ﻋﻠــم د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ اﻝﺒداﺌﻴــﺔ واﻝﻤﻌﺎﺼ ـرة ،ﻓــﻲ ﺤــﻴن ّ
6
ﻴﻌﻨون ﺒﻬذا اﻝﻤﺼطﻠﺢ ،دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن ﻤن اﻝﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ،أي " اﻝﻌﻀوﻴﺔ " .
ﻓﻌﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻴرّﻜز اﻫﺘﻤﺎﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﻜﺎﺌن واﺤد ،ﻫـو اﻹﻨﺴـﺎن ،وﻴﺤـﺎول ﻓﻬـم أﻨـواع اﻝظـﺎﻫرات
اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻝﺘﻲ ﺘؤﺜّر ﻓﻴﻪ ..ﻓﻲ ﺤﻴن ﺘرّﻜز اﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى اﻫﺘﻤﺎﻤﻬﺎ ﻋﻠـﻰ أﻨـواع ﻤﺤ ّـددة ﻤـن اﻝظـﺎﻫرات
ّأﻨــﻰ وﺠــدت ﻓــﻲ اﻝطﺒﻴﻌــﺔ .وﻜــﺎن ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،وﻤــﺎ زال ،ﻴﺤــﺎول ﻓﻬــم ﻜ ـ ّل ﻤــﺎ ﻴﻤﻜــن ﻓﻬﻤــﻪ أو
ﻤﻌرﻓﺘــﻪ ﻋــن طﺒﻴﻌــﺔ ﻫــذا اﻝﻤﺨﻠــوق اﻝﻐرﻴــب اﻝــذي ﻴﺴــﻴر ﻋﻠــﻰ ﻗــدﻤﻴن ،وﻜــذﻝك ﻓﻬــم ﺴــﻠوﻜﻪ اﻝــذي ﻴﻔــوق
طﺒﻴﻌﺘﻪ اﻝﺠﺴﻤﻴﺔ ﻏراﺒﺔ .
طورﺘﻬـ ــﺎ اﻝﻌﻠـ ــوم
أن ﻋﻠﻤـ ــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ ،اﺴـ ــﺘطﺎﻋوا اﺴـ ــﺘﺨدام ﺒﻌـ ــض اﻷﺴـ ــﺎﻝﻴب اﻝﺘـ ــﻲ ّ
وﻤـ ــﻊ ّ
أن إﺴـﻬﺎﻤﻬم ﻓـﻲ ﻓﺈﻨﻬم ﻗﻠّﻤـﺎ اﻀـطروا إﻝـﻰ اﻨﺘظـﺎر ﺘط ّـور ﻤﺜـل ﻫـذﻩ اﻷﺴـﺎﻝﻴب ..واﻝواﻗـﻊ ّ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔّ ،
ﺘطـ ّـور اﻝﻌﻠــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،ﻻ ﻴﻘ ـ ّل ﺸــﺄﻨﺎً ﻋــن إﺴــﻬﺎم ﻫــذﻩ اﻝﻌﻠــوم ﻓــﻲ ﺘطـ ّـور اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ .وﻝــذﻝك،
ﻴﻨﻘﺴـ ــم ﻋﻠـ ــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ إﻝـ ــﻰ ﻗﺴـ ــﻤﻴن أﺴﺎﺴـ ــﻴﻴن ﻜﺒﻴ ـ ـرﻴن :ﻴﺒﺤـ ــث اﻷول ﻓـ ــﻲ اﻹﻨﺴـ ــﺎن ،وﻴﻌـ ــرف
ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﻓﻲ ﺤﻴن ﻴﺒﺤث اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻹﻨﺴﺎن ،وﻴﻌرف ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
7
اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ .
واﺴ ــﺘﻨﺎداً إﻝ ــﻰ ﻫ ــذﻩ اﻝﻤﻨطﻠﻘ ــﺎت ،ﻓﻘ ــد ﺤ ـ ّـددت اﻝﺒﺎﺤﺜ ــﺔ اﻷﻤرﻴﻜﻴ ــﺔ ) ﻤﺎرﻏرﻴ ــت ﻤﻴ ــد( طﺒﻴﻌ ــﺔ ﻋﻠ ــم
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ وأﺒﻌــﺎدﻩ ،ﺒﻘوﻝﻬــﺎ ّ " :إﻨﻨــﺎ ﻨﺼـ ّـﻨف اﻝﺨﺼــﺎﺌص اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻝﻠﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري )اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ
ـﺘم
واﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( ﻜﺄﻨﺴــﺎق ﻤﺘراﺒطــﺔ وﻤﺘﻐّﻴـرة ،وذﻝــك ﻋــن طرﻴــق ﻨﻤــﺎذج وﻤﻘــﺎﻴﻴس وﻤﻨــﺎﻫﺞ ﻤﺘطـ ّـورة .ﻜﻤــﺎ ﻨﻬـ ّ
أﻴﻀـ ـﺎً ﺒوﺼ ــف اﻝ ــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ واﻝﺘﻜﻨوﻝوﺠﻴ ــﺔ وﺘﺤﻠﻴﻠﻬ ــﺎ ،إﻀ ــﺎﻓﺔ إﻝ ــﻰ اﻝﺒﺤ ــث ﻓ ــﻲ اﻹدراك اﻝﻌﻘﻠ ــﻲ
ﻝﻺﻨﺴــﺎن واﺒﺘﻜﺎ ارﺘــﻪ وﻤﻌﺘﻘداﺘــﻪ ووﺴــﺎﺌل اﺘﺼــﺎﻻﺘﻪ .وﺒﺼــﻔﺔ ﻋﺎﻤــﺔ ،ﻨﺴــﻌﻰ – ﻨﺤــن اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻴﻴن –
ﻝﺘﻔﺴﻴر ﻨﺘﺎﺌﺞ دراﺴﺎﺘﻨﺎ واﻝرﺒط ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ إطﺎر ﻨظرﻴﺎت اﻝﺘط ّـور ،أو ﻀـﻤن ﻤﻔﻬـوم اﻝوﺤـدة اﻝﻨﻔﺴ ّـﻴﺔ
8
اﻝﻤﺸﺘرﻜﺔ ﺒﻴن اﻝﺒﺸر "..
ﻓﺈن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻫﻲ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس اﻹﻨﺴﺎن ،وﻴدرس أوﺠـﻪ اﻝﺸـﺒﻪ
ﺘﻘدمّ ،
وﺘﺄﺴﻴﺴﺎً ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ّ
اﻝﺤﻴﺔ اﻷﺨرى ﻤن ﺠﻬﺔ ،وأوﺠـﻪ اﻝﺸـﺒﻪ واﻻﺨـﺘﻼف ﺒـﻴن اﻹﻨﺴـﺎن
وأوﺠﻪ اﻻﺨﺘﻼف ﺒﻴﻨﻪ وﺒﻴن اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ
وأﺨﻴﻪ اﻹﻨﺴﺎن ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى.
وﻓـﻲ اﻝوﻗـت ذاﺘـﻪ ،ﻴـدرس اﻝﺴـﻠوك اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ﻀـﻤن اﻹطـﺎر اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ واﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﺒوﺠـﻪ ﻋـﺎم .ﻓــﻼ
ـﺘم ﺒﺎﻹﻨﺴـﺎن اﻝـذي
ﺘﻬﺘم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺎﻹﻨﺴﺎن اﻝﻔرد ،ﻜﻤﺎ ﺘﻔﻌل اﻝﻔﻴزﻴوﻝوﺠﻴﺎ أو ﻋﻠم اﻝـﻨﻔسٕ ،واّﻨﻤـﺎ ﺘﻬ ّ
ّ
ﻴﻌﻴش ﻓﻲ ﺠﻤﺎﻋﺎت وأﺠﻨﺎس ،وﺘدرس اﻝﻨﺎس ﻓﻲ أﺤداﺜﻬم وأﻓﻌﺎﻝﻬم اﻝﺤﻴﺎﺘﻴﺔ .
4
-2ﺘﺼﻨﻴف ﻤظﺎﻫر اﻝﺤﻴﺎة اﻝﺒﺸرﻴﺔ واﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ ﺒﻌد دراﺴﺘﻬﺎ دراﺴﺔ واﻗﻌﻴـﺔ ،وذﻝـك ﻝﻠوﺼـول إﻝـﻰ
أﻨﻤــﺎط إﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻋﺎﻤــﺔ ،ﻓــﻲ ﺴــﻴﺎق اﻝﺘرﺘﻴــب اﻝﺘطـ ّـوري اﻝﺤﻀــﺎري اﻝﻌــﺎم ﻝﻺﻨﺴ ـﺎن) :ﺒــداﺌﻲ-
زراﻋﻲ -ﺼﻨﺎﻋﻲ – ﻤﻌرﻓﻲ – ﺘﻜﻨوﻝوﺠﻲ(
اﻝﺘﻐﻴــر وﻋﻤﻠﻴﺎﺘــﻪ ﺒدﻗّــﺔ ﻋﻠﻤﻴــﺔ ..
اﻝﺘﻐﻴــر اﻝــذي ﻴﺤــدث ﻝﻺﻨﺴــﺎن ،وأﺴــﺒﺎب ﻫــذا ّ
-3ﺘﺤدﻴــد أﺼــول ّ
وذﻝك ﺒﺎﻝرﺠوع إﻝﻰ اﻝﺘراث اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ورﺒطـﻪ ﺒﺎﻝﺤﺎﻀـر ﻤـن ﺨـﻼل اﻝﻤﻘﺎرﻨـﺔٕ ،واﻴﺠـﺎد ﻋﻨﺎﺼـر
اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ.
اﻝﺘوﻗﻌـﺎت ﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘﻐﻴﻴـر اﻝﻤﺤﺘﻤـل ،ﻓـﻲ اﻝظـواﻫر اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ اﻝﺤﻀـﺎرﻴﺔ -4اﺴﺘﻨﺘﺎج اﻝﻤؤ ّﺸرات و ّ
ـﺘﻤم د ارﺴــﺘﻬﺎ ،وﺒﺎﻝﺘﺼـ ّـور ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ ﻹﻤﻜﺎﻨﻴــﺔ اﻝﺘﻨﺒــؤ ﺒﻤﺴــﺘﻘﺒل اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ اﻝﺘــﻲ اﻝﺘــﻲ ﺘـ ّ
9
أﺠرﻴت ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻝدراﺴﺔ.
أن اﻝﺘﺒــﺎﻴن اﻝﻌرﻗــﻲ ﺒــﻴن ﺒﻨــﻲ اﻝﺒﺸــر ،ﻫــو اﻝﺨﺎﺼــﺔ اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ ﺘﺴــﺘﺄﺜر ﺒﺎﻫﺘﻤــﺎم اﻝﻌــﺎﻝِموﻴﺒــدو ّ
اﻝﺤ ـدﻴث ،أﻜﺜــر ﻤــن ﺴــﺎﺌر اﻝﺨ ـواص اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ اﻷﺨــرى ﻋﻨــد اﻹﻨﺴــﺎن .وﻴﺒــذل اﻝﻤﺼـ ّـﻨﻔون اﻝﻌرﻗﻴــون
ﻝﻠﺘوﺼــل إﻝــﻰ ﺘﺼــﻨﻴف ﻋرﻗــﻲ ﻤﺜــﺎﻝﻲ .ﻓﻜــﺎن ﻤــن ﻨﺘــﺎﺌﺞ اﻨﺸــﻐﺎل ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ّ ﻤﺤــﺎوﻻت داﺌﺒــﺔ
اﻝﺠﺴــﻤﻴﺔ ﺒﻤﺸــﻜﻠﺔ اﻝﻌــرق ،أن اﻜﺘﺴــب ﻤﻔﻬــوم اﻝﻨــوع )اﻝﻌــرق( رﺴــوﺨﺎً أﻋــﺎق اﻝﺘﻔﻜﻴــر ﺒﺎﻝﻜــﺎﺌن اﻝﺒﺸــري
ذاﺘـﻪ .ﻓﺎﻷﺼــﻨﺎف اﻝﻌرﻗﻴــﺔ اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ظﻠّــتٕ ،واﻝــﻰ ﻋﻬــد ﻗرﻴــب ،ﺘﻌﺘﺒــر ﻜﻴﺎﻨــﺎت ﺜﺎﺒﺘــﺔ ﻨﺴــﺒﻴﺎً ،وﻗــﺎدرة ﻋﻠــﻰ
اﻝﺘﻐﻴر اﻝﻔطرﻴﺔ.
اﻝﺼﻤود أﻤﺎم ﺘﺄﺜﻴرات اﻝﺒﻴﺌﺔ أو ﻗوى ّ
أدى إﻝ ــﻰ ﻓ ــرض ﻋ ــدد ﻤﺤ ــدود ﻤ ــن اﻝﺘﺼ ــﻨﻴﻔﺎت أن اﻝﺘط ـ ّـرف ﻓ ــﻲ ﺘﻤﺠﻴ ــد ﻓﻜـ ـرة اﻝﻌ ــرقّ ،
وﻴﻼﺤ ــظ ّ
أدى ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ إﻝــﻰ زج اﻷﻓ ـراد ﻓــﻲ ﻫــذﻩ
اﻝﺼــﺎرﻤﺔ ﻋﻠــﻰ ﺒﻨــﻲ اﻝﺒﺸــر اﻝــذﻴن ﻴﻤﺘــﺎزون ﺒﺘﻨـ ّـوع ﻻ ﺤـ ّـد ﻝــﻪ ،و ّ
10
اﻝﺘﺼﻨﻴﻔﺎت ،ﺒﺼورة ﺘطﻤس ﺼﻔﺎﺘﻬم اﻷﺼﻠﻴﺔ اﻝﺨﺎﺼﺔ.
إن اﻫﺘﻤﺎم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒدراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬﺎ ،وﻋﻠﻰ اﻝﻤﺴﺘوﻴﺎت اﻝﺤﻀـﺎرﻴﺔ ﻜﺎﻓـﺔ، ّ
اﻝﺘوﺴــﻊ ﻓــﻲ
ّ ﻴﻌﺘﺒــر ﻤﻨطﻠﻘ ـﺎً أﺴﺎﺴــﻴﺎً ﻓــﻲ ﻓﻠﺴــﻔﺔ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ وأﻫــداﻓﻬﺎ .وﻝﻜــن ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن
ﻤﺠــﺎل اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ ،ﻓﻤــﺎ ازﻝــت اﻻﻫﺘﻤﺎﻤــﺎت اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴــﺔ ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ وﺼــف
ﺘؤﻜد وﻻ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت وأﺴﻠوب ﺤﻴﺎة اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ،ودراﺴﺔ اﻝﻠﻐﺎت واﻝﻠﻬﺠﺎت اﻝﻤﺤﻠﻴﺔ وآﺜﺎر ﻤﺎ ﻗﺒل اﻝﺘﺎرﻴﺦّ ،
11
ﺴﻴﻤﺎ ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع. ﻋﻤﺎ ﻋداﻫﺎ ﻤن اﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى ،وﻻ ّ ﺘﻔرد ﻤﺠﺎل اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ّ ﺸكّ ،
أﻫﻤﻴــﺔ اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ ﻓــﻲ ﺘﺤدﻴــد ﺼــﻔﺎت اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔٕ ،واﻴﺠــﺎد
وﻤــن ﻫﻨــﺎ ﻜﺎﻨــت ّ
اﻝﺘﻌﺼــب واﻷﺤﻜــﺎم اﻝﻤﺴــﺒﻘﺔ اﻝﺘــﻲ ﻻ ﺘﺴــﺘﻨد إﻝــﻰ أﻴــﺔ أﺼــول
ّ اﻝﻘواﺴــم اﻝﻤﺸــﺘرﻜﺔ ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴﻨﻬــﺎ ،ﺒﻌﻴــداً ﻋــن
ﻋﻠﻤﻴﺔ.
ٕواذا ﻜــﺎن ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﺒد ارﺴــﺎﺘﻪ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ،ﻗــد اﺴــﺘطﺎع أن ﻴــﻨﺠﺢ ﻓــﻲ إﺜﺒــﺎت اﻝﻜﺜﻴــر ﻤــن
ﻓﺈن أﻫ ّـم ﻤـﺎ أﺜﺒﺘـﻪ ﻫـو،
ﺘطورﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀﺎريّ ، اﻝظواﻫر اﻝﺨﺎﺼﺔ ﺒﻨﺸﺄة اﻹﻨﺴﺎن وطﺒﻴﻌﺘﻪ ،وﻤراﺤل ّ
أن اﻝﺸــﻌوب اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ﺒﺄﺠﻨﺎﺴــﻬﺎ اﻝﻤﺘﻌـ ّـددة ،ﺘﺘﺸــﺎﺒﻪ إﻝــﻰ ﺤـ ّـد اﻝﺘطــﺎﺒق ﻓــﻲ طﺒﻴﻌﺘﻬــﺎ اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ
ّ
ﻓﻲ اﻝﻨواﺤﻲ اﻝﻌﻀوﻴﺔ واﻝﺤﻴوﻴﺔ .
5
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ
ﻨﺸﺄة اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وﺘﺎرﻴﺨﻬﺎ:
6
ﺒﻌض أﺴﺎﺴﻴﺎت اﻝﻤﻨﻬﺞ )اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻲ( اﻝﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻝﻌﺼر اﻝﺤﺎﻀر ﺒﺎﺴم )ﻋﻠم اﻝﺸﻌوب( .
أن أرﺴطو ) 322 -348ق.م( ﻜﺎن ﻤن أواﺌل اﻝذﻴن وﻀﻌوا ﺒﻌض أوﻝﻴـﺎت اﻝﻔﻜـر وﻜذﻝك ﻨﺠد ّ
وﺘطورﻫـﺎ ﻓـﻲ
ّ وﺘﺄﻤﻼﺘﻪ ﻓﻲ اﻝﺘرﻜﻴﺒﺎت اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴﺔ
اﻝﺤﻴﺔ ،وذﻝك ﻤن ﺨﻼل ﻤﻼﺤظﺎﺘﻪ ّ اﻝﺘطوري ﻝﻠﻜﺎﺌﻨﺎت ّ ّ
اﻝﺤﻴـ ـوان ..ﻜﻤ ــﺎ ﻴﻨﺴ ــب إﻝﻴ ــﻪ أﻴﻀـ ـﺎً ،ﺘوﺠﻴ ــﻪ اﻝﻔﻜ ــر ﻨﺤ ــو وﺼ ــف ﻨﺸ ــﺄة اﻝﺤﻜوﻤ ــﺎت وﺘﺤﻠﻴ ــل أﺸ ــﻜﺎﻝﻬﺎ
16
وأﻓﻀﻠﻬﺎ ،اﻷﻤر اﻝذي ﻴﻌﺘﺒر ﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻤﺒدﺌﻴﺔ وﻫﺎﻤﺔ ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ.
إن اﻝـ ـ ــدارس أﻋﻤـ ـ ــﺎل اﻝﻔﻼﺴـ ـ ــﻔﺔ اﻝﻴوﻨـ ـ ــﺎﻨﻴﻴن ﻴﺼـ ـ ــل إﻝـ ـ ــﻰ ﻤﻌﻠوﻤـ ـ ــﺔ طرﻴﻔـ ـ ــﺔ وذات ﺼـ ـ ــﻠﺔ ﺒـ ـ ــﺎﻝﻔﻜر
ّ
أن اﻝﻴوﻨ ــﺎﻨﻴﻴن أﺨ ــذوا اﻝﻜﺜﻴ ــر ﻤ ــن اﻝﺤﻀ ــﺎرات اﻝﺘ ــﻲ ﺴ ــﺒﻘﺘﻬم ،ﺤﻴ ــث اﻤﺘزﺠ ــت اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻲ ،وﻫ ــﻲّ :
وﺘﻤﺨــض ﻋﻨﻬــﺎ ﻤــﺎ ﻴﻌــرف ﺒﺎﺴــم " اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻬﻴﻠﻴﻠﻨﻴــﺔ " ﺘﻠــك ّ ﻓﻠﺴــﻔﺘﻬم ﺒﺎﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ،
اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﺘﻲ ﺴﺎدت وازدﻫرت ﻓﻲ اﻝﻘرون اﻝﺜﻼﺜﺔ اﻝﺴﺎﺒﻘﺔ ﻝﻠﻤﻴﻼد.
وﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﻫــذا اﻝطــﺎﺒﻊ اﻝﻔﻠﺴــﻔﻲ اﻝــذي ﻴﻨــﺎﻗض – إﻝــﻰ ﺤـ ّـد ﻤــﺎ – ﻤــﺎ ﺘﺘّﺠــﻪ إﻝﻴــﻪ اﻝد ارﺴــﺎت
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ واﻝﺴوﺴـﻴوﻝوﺠﻴﺔ )ﻋﻠـم اﻻﺠﺘﻤـﺎع( ﻤـن د ارﺴـﺔ ﻤـﺎ ﻫـو ﻗـﺎﺌم ،ﻻ ﻤـﺎ ﻴﺠـب أن ﺘﻜـون ﻋﻠﻴـﻪ
ﻓﺈن ﻓﻀـل اﻝﻔﻜـر اﻝﻔﻠﺴـﻔﻲ اﻝﻴوﻨـﺎﻨﻲ ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻨـد ﻜﺒـﺎر ﻓﻼﺴـﻔﺘﻬم ،ﻻ اﻷﺤوال اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔّ ،
ﻴﻤﻜن اﻝﺘﻘﻠﻴل ﻤن ﺸﺄﻨﻪ أﺒداً.
7
18
واﺒﺘﻜﺎرات ﻋﻘﻠﻴﺔ.
ٕواذا اﺴــﺘﺜﻨﻴﻨﺎ أﺸــﻌﺎر ) ﻝوﻜرﺘﻴــوس ( ﻫــذﻩ وﻤــﺎ اﺤﺘوﺘﻬــﺎ ﻤــن أﻓﻜــﺎر ﺘﺘﻌﻠّــق ﺒطﺒﻴﻌــﺔ اﻝﻜــون وﻨﺸــﺄة
ﻓﺈﻨﻪ ﻤن اﻝﺼﻌوﺒﺔ ﺒﻤﻜﺎن أن ﺘﻨﺴب ﻨﺸـﺄة ﻋﻠـم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ إﻝـﻰ اﻝﻔﻜـر اﻝروﻤـﺎﻨﻲ وﺘطورﻩّ ،
ّ اﻹﻨﺴﺎن
اﻝﻘدﻴم ،ﻜﻤﺎ ﻫﻲ اﻝﺤﺎل ﻋﻨد اﻹﻏرﻴﻘﻴﻴن .
أن اﻝروﻤـﺎن اﻫﺘﻤـوا ﺒـﺎﻝواﻗﻊ ،ﻤـن ﺤﻴـث رﺒـط اﻝﺴـﻼﻻت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ﺒﺈﻤﻜﺎﻨﻴـﺔ اﻝﺘﻘ ّـدم وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ واﻝﺤرﻜﺔ اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ ،ﻓﻘد وﺠدوا ﻓﻲ أﻨﻔﺴﻬم اﻤﺘﻴﺎ اًز وأﻓﻀﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺸـﻌوب اﻷﺨـرى .ﻓﻜـﺎن
أن اﻝروﻤــﺎن إذا أرادوا أن ﻴرﻓﻌ ـوا ﻤــن ﻗــدر إﻨﺴــﺎن أو ﺸــﺄن اﻝروﻤــﺎﻨﻲ ﻓــوق ﻏﻴ ـرﻩ ﺒﺤﻜــم اﻝﻘــﺎﻨون ،ﺤﺘــﻰ ّ
19
أن ﻫـ ــذا اﻻﺘﺠـ ــﺎﻩ
وﻴﺒـ ــدو ّ ﺴـ ــﻼﻝﺔ ،أﺼـ ــدرت اﻝدوﻝـ ــﺔ ﻗ ـ ـ ار اًر ﺒﻤـ ــﻨﺢ اﻝﺠﻨﺴـ ــﻴﺔ اﻝروﻤﺎﻨﻴـ ــﺔ ﻷي ﻤﻨﻬﻤـ ــﺎ
اﻝﻌﻨﺼري ،وﺠد ﻓﻲ ﻤﻌظم اﻝﺤﻀـﺎرات اﻝﻘدﻴﻤـﺔ ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ اﻝﺤﻀـﺎرات اﻝﺸـرﻗﻴﺔ :اﻹﻏرﻴﻘﻴـﺔ واﻝروﻤﺎﻨﻴـﺔ
واﻝﺼﻴﻨﻴﺔ .
8
ﻷﻨﻬــﺎ ﻤــن ﺠﻬــﺔ وﻗﻌــت ﺒــﻴن ﻋﻬــدﻴن ﻫﻤــﺎ :ﻨﻬﺎﻴــﺔ ازدﻫــﺎر وارﺘــداد اﻝﻔﻜــر إﻝــﻰ ﺤﻘﺒــﺔ ﻤظﻠﻤــﺔ ﻤــن ﺠﻬــﺔ ،و ّ
اﻝﻔﻠﺴــﻔﺎت اﻷورﺒﻴــﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ )اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴــﺔ واﻝروﻤﺎﻨﻴــﺔ( وﺒداﻴــﺔ ﻋﺼــر اﻝﻨﻬﻀــﺔ اﻷورﺒﻴــﺔ )ﻋﺼــر اﻝﺘﻨــوﻴر(
واﻻﻨط ــﻼق إﻝ ــﻰ ﻤﺠ ــﺎﻻت ﺠدﻴ ــدة ﻤ ــن اﺴﺘﻜﺸ ــﺎف اﻝﻌـ ـواﻝم اﻷﺨ ــرىٕ ،واﺤﻴ ــﺎء اﻝﺘـ ـراث اﻝﻔﻜ ــري اﻝﻘ ــدﻴم،
ٕواﺒــداﻋﺎت ﻓــﻲ اﻝﻔﻨــون واﻵداب اﻝﻤﺨﺘﻠﻔ ـﺔ ،ﻓــﻲ اﻝوﻗــت اﻝــذي ﻜﺎﻨــت ﻓﻴــﻪ اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻌرﺒﻴــﺔ اﻹﺴــﻼﻤﻴﺔ
ﺘزدﻫر ،وﺘﺘّﺴﻊ ﻝﺘﺸﻤل ﻤﺠﺎﻻت اﻝﻌﻠوم اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .
9
وﻗــد اﻗﺘﻀــت اﻷوﻀــﺎع اﻝﺠدﻴــدة اﻝﺘــﻲ أﺤــدﺜﺘﻬﺎ اﻝﻔﺘوﺤــﺎت اﻝﻌرﺒﻴــﺔ اﻹﺴــﻼﻤﻴﺔ ،اﻻﻫﺘﻤــﺎم ﺒد ارﺴــﺔ
أﺤوال اﻝﻨﺎس ﻓﻲ اﻝﺒﻼد اﻝﻤﻔﺘوﺤﺔ وﺴﺒل إدارﺘﻬﺎ ،ﺤﻴث أﺼﺒﺢ ذﻝك ﻤن ﻀرورات اﻝﺘﻨظﻴم واﻝﺤﻜم .
وﻝــذﻝك ،ﺒــرز اﻝﻌــرب ﻓــﻲ وﻀــﻊ اﻝﻤﻌــﺎﺠم اﻝﺠﻐراﻓﻴــﺔ ،ﻜﻤﻌﺠــم )اﻝﺒﻠــدان( ﻝﻴــﺎﻗوت اﻝﺤﻤــوي .وﻜــذﻝك
إﻋداد اﻝﻤوﺴوﻋﺎت اﻝﻜﺒﻴرة اﻝﺘﻲ ﺒﻠﻐت ذروﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺜﺎﻤن اﻝﻬﺠري )اﻝراﺒﻊ ﻋﺸر ﻤﻴﻼدي( ﻤﺜل "
ﻤﺴﺎﻝك اﻷﻤﺼﺎر " ﻹﺒن ﻓﻀل اﷲ اﻝﻌﻤري ،و " ﻨﻬﺎﻴﺔ اﻷرب ﻓﻲ ﻓﻨون اﻝﻌرب " ﻝﻠﻨوﻴري .
ﺘﻤﻴزت ﻤﺎدﺘﻬﺎ ﺒﺎﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ
اﻫﺘﻤﺎم ﻫذﻩ اﻝﻜﺘب اﻝﻤوﺴوﻋﻴﺔ ﺒﺸؤون اﻝﻌﻤران ،ﻓﻘد ّ
ّ ٕواﻝﻰ ﺠﺎﻨب
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ،وﻫذا ﻤﺎ ﺠﻌﻠﻬﺎ ﻤﺎدة ﺨﺼﺒﺔ ﻤن ﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝﻤﻨﻬﺞ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ﻓﻲ دراﺴﺔ
ّ اﻝﻤﺸﺎﻫدة واﻝﺨﺒرة
اﻝﺸﻌوب واﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ .
ﺘﺨﺼص ﻓﻲ وﺼف إﻗﻠﻴم واﺤد ﻤﺜل) اﻝﺒﻴروﻨﻲ( اﻝذي ﻋﺎش ﻤـﺎ ﺒـﻴن )440 – 362 ّ وﻫﻨﺎك ﻤن
ﻫﺠرﻴـﺔ( ووﻀـﻊ ﻜﺘﺎﺒـﺎً ﻋـن اﻝﻬﻨــد ﺒﻌﻨـوان " ﺘﺤرﻴـر ﻤــﺎ ﻝﻠﻬﻨـد ﻤــن ﻤﻘوﻝـﺔ ﻤﻘﺒوﻝـﺔ ﻓــﻲ اﻝﻌﻘـل أو ﻤرذوﻝــﺔ "
ـﺘم أﻴﻀـﺎً ﺒﻤﻘﺎرﻨـﺔ
.وﺼف ﻓﻴﻪ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻝﻬﻨدي ﺒﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻤـن ﻨظـم دﻴﻨﻴـﺔ واﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ وأﻨﻤـﺎط ﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ .واﻫ ّ
ﺘﻠــك اﻝــﻨظم واﻝﺴــﻠوﻜﻴﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ،ﺒﻤﺜﻴﻼﺘﻬــﺎ ﻋﻨــد اﻝﻴوﻨــﺎن واﻝﻌــرب واﻝﻔــرس .وأﺒــرز اﻝﺒﻴروﻨــﻲ ﻓــﻲ ﻫــذا
ـؤدي اﻝ ــدور اﻝـ ـرﺌﻴس ﻓ ــﻲ ﺘﻜﺒﻴ ــل اﻝﺤﻴ ــﺎة اﻝﻬﻨدﻴ ــﺔ ،وﺘوﺠﻴ ــﻪ ﺴ ــﻠوك اﻷﻓـ ـراد
أن اﻝ ــدﻴن ﻴ ـ ّ
اﻝﻜﺘ ــﺎب ،ﺤﻘﻴﻘ ــﺔ ّ
25
واﻝﺠﻤﺎﻋﺎت ،وﺼﻴﺎﻏﺔ اﻝﻘﻴم واﻝﻤﻌﺘﻘدات .
ﻜﻤﺎ ﻜﺎﻨت ﻝرﺤﻼت اﺒن ﺒطوطﺔ وﻜﺘﺎﺒﺎﺘﻪ ﺨﺼﺎﺌص ذات طﺎﺒﻊ أﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ،ﺒرزت ﻓﻲ اﻫﺘﻤﺎﻤﻪ
ﻓﻤﻤـﺎ ﻜﺘﺒـﻪ
ﺒﺎﻝﻨﺎس ووﺼف ﺤﻴﺎﺘﻬم اﻝﻴوﻤﻴﺔ ،وطﺎﺒﻊ ﺸﺨﺼﻴﺎﺘﻬم وأﻨﻤﺎط ﺴﻠوﻜﺎﺘﻬم وﻗـﻴﻤﻬم وﺘﻘﺎﻝﻴـدﻫمّ .
ﻓــﻲ اﺴﺘﺤﺴــﺎن أﻓﻌــﺎل أﻫــل اﻝﺴــودان " :ﻓﻤــن أﻓﻌــﺎﻝﻬم ﻗﻠّــﺔ اﻝظﻠــم ،ﻓﻬــم أﺒﻌــد اﻝﻨــﺎس ﻋﻨــﻪ وﺴــﻠطﺎﻨﻬم ﻻ
ﻴﺴﺎﻤﺢ أﺤداً ﻓﻲ ﺸﻲء ﻤﻨﻪ .وﻤﻨﻬﺎ ﺸﻤول اﻷﻤن ﻓﻲ ﺒﻼدﻫـم ،ﻓـﻼ ﻴﺨـﺎف اﻝﻤﺴـﺎﻓر ﻓﻴﻬـﺎ وﻻ اﻝﻤﻘـﻴم ﻤـن
ﺘﻌرﻀ ــﻬم ﻝﻤ ــﺎل ﻤ ــن ﻴﻤ ــوت ﻓ ــﻲ ﺒﻼدﻫ ــم ﻤ ــن اﻝﺒﻴﻀ ــﺎن )اﻝﺒـ ــﻴض
ﺴ ــﺎرق وﻻ ﻏﺎﻀ ــب .وﻤﻨﻬ ــﺎ ﻋ ــدم ّ
26
واﻷﺠﺎﻨب( وﻝو ﻜﺎن اﻝﻘﻨﺎطﻴر اﻝﻤﻘﻨطرةٕ .واّﻨﻤﺎ ﻴﺘرﻜوﻨﻪ ﺒﻴد ﺜﻘﺔ ﻤن اﻝﺒﻴﻀﺎن ،ﺤﺘﻰ ﻴﺄﺨذﻩ ﻤﺴﺘﺤﻘّﻪ.
أﻤــﺎ ﻜﺘــﺎب اﺒــن ﺨﻠــدون " اﻝﻌﺒــر ودﻴ ـوان اﻝﻤﺒﺘــدأ واﻝﺨﺒــر ﻓــﻲ أﻴــﺎم اﻝﻌــرب واﻝﻌﺠــم واﻝﺒرﺒــر ،وﻤــن ّ
ﻤﻘدﻤﺘﻪ اﻝرﺌﻴﺴﺔ وﻋﻨواﻨﻬﺎ " : ﻋﺎﺼرﻫم ﻤن ذوي اﻝﺴﻠطﺎن اﻷﻜﺒر " ﻓﻘد ﻨﺎل ﺸﻬرة ﻜﺒﻴرة وواﺴﻌﺔ ﺒﺴﺒب ّ
ﻓــﻲ اﻝﻌﻤ ـران وذﻜــر ﻤــﺎ ﻴﻌــرض ﻓﻴــﻪ ﻤــن اﻝﻌ ـوارض اﻝذاﺘﻴــﺔ ﻤــن اﻝﻤﻠــك واﻝﺴــﻠطﺎن ،واﻝﻜﺴــب واﻝﻤﻌــﺎش
اﻝﻤﻘدﻤـﺔ ﻋﻤـﻼّ أﺼـﻴﻼً ﻓـﻲ ﺘﺴـﺠﻴل واﻝﻤﺼﺎﻨﻊ واﻝﻌﻠوم ،وﻤـﺎ ﻝـذﻝك ﻤـن اﻝﻌﻠـل واﻷﺴـﺒﺎب " .وﺘﻌﺘﺒـر ﻫـذﻩ ّ
اﻝﺤﻴــﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻝﺸــﻌوب ﺸــﻤﺎل أﻓرﻴﻘﻴــﺎ ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ اﻝﻌــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد واﻝﻌﻼﻗــﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،إﻝــﻰ
ﺠﺎﻨ ــب ﺒﻌ ــض اﻝﻤﺤ ــﺎوﻻت اﻝﻨظرﻴ ــﺔ ﻝﺘﻔﺴ ــﻴر ﻜـ ـ ّل ﻤ ــﺎ رآﻩ ﻤ ــن أﻨظﻤ ــﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﻤﺨﺘﻠﻔ ــﺔ .وﻗ ــد ﺸـ ـ ّﻜﻠت
اﻝﻤﻘدﻤﺔ – ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد – اﻫﺘﻤﺎﻤﺎً رﺌﻴﺴﻴﺎً ﻓﻲ اﻝدراﺴﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ. ﻤوﻀوﻋﺎت ﻫذﻩ ّ
ﻤﻘدﻤﺘ ــﻪ ،واﻝﺘ ــﻲ ﻝﻬ ــﺎ ﺼ ــﻠﺔ ﺒﺎﻫﺘﻤﺎﻤ ــﺎت وﻤ ــن أﻫ ـ ّـم اﻝﻤوﻀ ــوﻋﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﺘﻨﺎوﻝﻬ ــﺎ اﺒ ــن ﺨﻠ ــدون ﻓ ــﻲ ّ
رد اﺒــن ﺨﻠــدون – اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ،ﻫــﻲ ﺘﻠــك اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒـﻴن اﻝﺒﻴﺌــﺔ اﻝﺠﻐراﻓﻴــﺔ واﻝظـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ .ﻓﻘــد ّ
اﺴ ــﺘﻨﺎداً إﻝ ــﻰ ﺘﻠ ــك اﻝدﻋﺎﻤ ــﺔ – اﺨ ــﺘﻼف اﻝﺒﺸ ــر ﻓ ــﻲ أﻝـ ـواﻨﻬم وأﻤ ــزﺠﺘﻬم اﻝﻨﻔﺴ ـ ّـﻴﺔ وﺼ ــﻔﺎﺘﻬم اﻝﺠﺴ ــﻤﻴﺔ
واﻝﺨﻠَﻘﻴ ــﺔ ،إﻝ ــﻰ اﻝﺒﻴﺌ ــﺔ اﻝﺠﻐراﻓﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ اﻋﺘﺒرﻫ ــﺎ أﻴﻀـ ـﺎً ﻋ ــﺎﻤﻼً ﻫﺎﻤـ ـﺎً ﻓ ــﻲ ﺘﺤدﻴ ــد اﻝﻤﺴ ــﺘوى اﻝﺤﻀ ــﺎري
27
وﺘطورﻫ ــﺎ
ّ ـدول ـ ﻝ ا ـﺎم ـ ﻴ ﻗ ـﺄﻝﺔ ـ ﺴﻤ ،ﺎ
ً ـ ـ ﻀ أﻴ ـﻪ ـ ﺘ ﻤﻤﻘد
ّ ـﻲ ـ ﻓ ـدون ـ ﻠ ﺨ ـن ـ ﺒ ا ـﺎول ـ ﻨ ﺘ ـﺎ ـ ﻤﻜ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ.
10
وأﺤواﻝﻬﺎ ،وﺒﻠور ﻨظرﻴﺔ )دورة اﻝﻌﻤران( ﺒﻴن اﻝﺒداوة واﻝﺤﻀﺎرة ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻝﻤﻤﺎﺜﻠﺔ ﺒﻴن ﺤﻴـﺎة اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ
اﻝﺒﺸرﻴﺔ وﺤﻴﺎة اﻝﻜﺎﺌن اﻝﺤﻲ.
ﺤد ﺴواء – ﻓـﻲ
وﻗد ﺴﻴطرت ﻫذﻩ اﻝﻔﻜرة ﻋﻠﻰ أذﻫﺎن ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻓﻲ اﻝﺸرق واﻝﻐرب – ﻋﻠﻰ ّ
اﻝﻌﺼـور اﻝوﺴـطﻰ ..ﺤﻴــث اﻋﺘﺒـر اﺒــن ﺨﻠـدون أن اﻝﺘطـ ّـور ﻫـو ﺴـّـﻨﺔ اﻝﺤﻴـﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،وﻫـو اﻷﺴــﺎس
اﻝذي ﺘﺴﺘﻨد إﻝﻴﻪ دراﺴﺔ اﻝظواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
إن أﺤوال اﻝﻌﺎﻝم واﻷﻤم وﻋواﺌـدﻫم وﻨﺤﻠﻬـم ،ﻻ ﺘـدوم ﻋﻠـﻰ وﺘﻴـرة واﺤـدة وﻤﻨﻬـﺎج ﻴﻘول ﻓﻲ ذﻝك ّ " :
ـﺘﻘرٕ ،واّﻨﻤــﺎ ﻫــو اﺨــﺘﻼف ﻋﻠــﻰ اﻷﻴــﺎم واﻷزﻤﻨــﺔ واﻨﺘﻘــﺎل ﻤــن ﺤــﺎل إﻝــﻰ ﺤــﺎل .وﻜﻤــﺎ ﻴﻜــون ذﻝــك ﻓــﻲ
ﻤﺴـ ّ
اﻷﺸــﺨﺎص واﻷوﻗــﺎت واﻷﻤﺼــﺎر ،ﻓﻜــذﻝك ﻴﻘــﻊ ﻓــﻲ اﻵﻓــﺎق واﻷﻗطــﺎر واﻷزﻤﻨــﺔ واﻝــدول 28.ﻓﻌﻤــر اﻝــدول
ﻋﻨـد اﺒـن ﺨﻠـدون ﻜﻌﻤـر اﻝﻜـﺎﺌن اﻝﺒﺸـري ،ﺘﺒـدأ ﺒـﺎﻝوﻻدة وﺘﻨﻤـو إﻝـﻰ اﻝﺸـﺒﺎب واﻝﻨﻀـﺞ واﻝﻜﻤـﺎل ،ﺜ ّـم ﺘﻜﺒـر
وﺘﻬرم وﺘﺘﻼﺸﻰ إﻝﻰ اﻝزوال.
ﻝﻘد أرﺴﻰ اﺒن ﺨﻠدون اﻷﺴس اﻝﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ،ودورة اﻝﺤﻀﺎرات اﻝﺘﻲ ﺘﻤ ّـر
ـؤرﺨﻴن ،أن ﺒﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن ﺒذﻝك ،أﺴﺒق ﻤن ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻓﻲ أوروﺒﺎ .وﻝذﻝك ،ﻴرى ﺒﻌض اﻝﻜﺘّـﺎب واﻝﻤ ّ
اﻝﻤؤﺴــس اﻝﺤﻘﻴﻘــﻲ ﻝﻌﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع ،ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴــرى ﺒﻌﻀــﻬم اﻵﺨــر ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻠﻤــﺎء
ّ اﺒــن ﺨﻠــدون ﻴﻌﺘﺒــر
ﻤﻘدﻤﺔ اﺒن ﺨﻠدون ﺒﻌﻀﺎً ﻤن ﻤوﻀوﻋﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺒرﻴطﺎﻨﻴون ،ﻓﻲ ّ
وﻤﻨﺎﻫﺠﻬﺎ .وﻓﻲ أﻤرﻴﻜـﺎ ،أﺸـﺎر )ﺠـون ﻫوﻨﺠﻴﻤـﺎن ( أﻴﻀـﺎً ﻓـﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ " ﺘـﺎرﻴﺦ اﻝﻔﻜـر اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ "
أن اﺒــن ﺨﻠــدون ﺘﻨــﺎول ﺒﻌــض اﻷﻓﻜــﺎر ذات اﻝﺼــﻠﺔ ﺒﻨظرﻴــﺔ ) ﻤــﺎرﻓﻴن ﻫــﺎرﻴس ( ﻋ ــن " اﻝﻤﺎدﻴــﺔ إﻝــﻰ ّ
أن اﺒـن ﺨﻠـدون وﻤـن ﻗﺒﻠـﻪ أن ) ﻫـﺎرﻴس ( ذاﺘـﻪ ،ﻴـذﻜر ّ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ – " Cultural Materialismوﻨﺠـد ّ
اﻹدرﻴﺴـﻲ ،ﻗ ّـدﻤﺎ أﻓﻜـﺎ اًر وﻤـواد ﺴـﺎﻋدت ﻓـﻲ ﺒﻠــورة ﻨظرﻴـﺔ اﻝﺤﺘﻤﻴـﺔ اﻝﺠﻐراﻓﻴـﺔ ،اﻝﺘـﻲ ﺴـﺎدت إﺒـﺎّن اﻝﻘــرن
29
اﻝﺜﺎﻤن ﻋﺸر.
إن اﻝﻔﻼﺴــﻔﺔ واﻝﻤﻔ ّﻜ ـرﻴن اﻝﻌــرب أﺴــﻬﻤوا ﺒﻔﺎﻋﻠﻴــﺔ – ﺨــﻼل واﺴــﺘﻨﺎداّ إﻝــﻰ ﻤــﺎ ﺘﻘـ ّـدم ﻴﻤﻜــن اﻝﻘــول ّ :
اﻝﻌﺼور اﻝوﺴطﻰ -ﻓﻲ ﻤﻌﺎﻝﺠﺔ ﻜﺜﻴر ﻤن اﻝظواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻴﻤﻜن أن ﺘدﺨل ﻓﻲ اﻻﻫﺘﻤﺎﻤـﺎت
اﻝﺘﻨوع اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ )اﻝﺤﻀﺎري( ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب ،ﺴواء ﺒدراﺴﺔ ﺨﺼﺎﺌص ﺜﻘﺎﻓﺔ أو ﺴﻴﻤﺎ ّ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ،وﻻ ّ
ﺤﻀ ــﺎرة ﺒ ــذاﺘﻬﺎ ،أو ﺒﻤﻘﺎرﻨﺘﻬ ــﺎ ﻤ ــﻊ ﺜﻘﺎﻓ ــﺔ أﺨ ــرى .وﻝﻜ ــن ﻋﻠ ــﻰ اﻝ ــرﻏم ﻤ ــن اﻋﺘﺒﺎرﻫ ــﺎ ﻤﺼ ــﺎدر ﻝﻠﻤ ــﺎدة
اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ درﺴــت )أﺴــﻠوب اﻝﺤﻴــﺎة ﻓــﻲ ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﻤﻌـ ّـﻴن وﺨــﻼل ﻓﺘ ـرة زﻤﻨﻴــﺔ ﻤﺤـ ّـددة( وﻻ ﺴ ـّﻴﻤﺎ
ﻓﺈن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺘـﻲ ﺘﺒﻠـورت ﻓـﻲ أواﺨـر اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر ﻜﻌﻠـم اﻝﻌﺎدات واﻝﻘﻴم وأﻨﻤﺎط اﻝﺤﻴﺎةّ ،
ﺠدﻴ ــد ﻤﻌﺘ ــرف ﺒ ــﻪ ،ﻝ ــم ﺘﻜ ــن ذات ﺼ ــﻠﺔ ﺘ ــذﻜر ﺒﻬ ــذﻩ اﻝد ارﺴ ــﺎت ،وﻻ ﺒﻐﻴرﻫ ــﺎ ﻤ ــن اﻝد ارﺴ ــﺎت )اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴ ــﺔ
واﻝروﻤﺎﻨﻴﺔ( اﻝﻘدﻴﻤﺔ .
11
اﻝﺘﺠرﻴﺒﻲ ،ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝظواﻫر اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،واﻝذي ﺘﺒﻠور وﺘﻜﺎﻤل ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺴﺎﺒﻊ ﻋﺸر.
أدت إﻝ ــﻰ ﺘرﺴ ــﻴﺦ ﻋﺼ ــر اﻝﻨﻬﻀ ــﺔ أو ﻤ ــﺎ ﺴ ـ ّـﻤﻲ )ﻋﺼ ــر اﻝﺘﻨ ــوﻴر( اﻝﺘﻐﻴـ ـرات ﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺔ ّ
إن ﻫ ــذﻩ ّّ
وأﺴﻬﻤت ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﻓﻲ ﺒﻠـورة اﻻﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓـﻲ ﻨﻬﺎﻴـﺔ اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر ،ﻜﻌﻠـم ﻴـدرس ﺘط ّـور اﻝﺤﻀـﺎرة
اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻓﻲ إطﺎرﻫﺎ اﻝﻌﺎم وﻋﺒر اﻝﺘـﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ .اﻷﻤـر اﻝـذي اﺴـﺘﻠزم ﺘـواﻓر اﻝﻤوﻀـوﻋﺎت اﻝوﺼـﻔﻴﺔ
ﻋــن ﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﺸــﻌوب وﺤﻀــﺎراﺘﻬﺎ ،ﻓــﻲ أوروﺒــﺎ وﺨﺎرﺠﻬــﺎ ،ﻤــن أﺠــل اﻝﻤﻘﺎرﻨــﺎت ،واﻝﺘﻌـ ّـرف إﻝــﻰ أﺴــﺎﻝﻴب
ﻤﻌﻴﻨــﺔ ،ﺒﺤﻴــث ﻴﻀــﻊ ذﻝــك أﺴﺎﺴ ـﺎً ﻝﻨﺸــﺄة ﻋﻠــم
ﺤﻴــﺎة ﻫــذﻩ اﻝﺸــﻌوب وﺘرﺘﻴﺒﻬــﺎ ﺒﺤﺴــب ﻤ ارﺤــل ﺘطورّﻴــﺔ ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ .
ـﺎﻓﻴﺔ ﻤﺸــﻬورة أﺜّــرت ﻓــﻲ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﻤــﺎ ﻗــﺎم ﺒﻬــﺎ )
ﻝﻌ ـ ّل أﻫـ ّـم رﺤﻠــﺔ أو) رﺤــﻼت( اﺴﺘﻜﺸـ ّ
ﻜرﻴﺴـﺘوف ﻜوﻝوﻤﺒــوس ( إﻝــﻰ اﻝﻘـﺎرة اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔ ﻤــﺎ ﺒــﻴن ) (1502 -1492ﺤﻴـث زﺨــرت ﻤذ ّﻜ ارﺘــﻪ ﻋــن
ﻤﺸﺎﻫداﺘﻪ واﺤﺘﻜﺎﻜﺎﺘﻪ ﺒﺴﻜﺎن اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺠدﻴد ،ﺒﺎﻝﻜﺜﻴر ﻤن اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت واﻝﻤﻌﺎرف ﻋـن أﺴـﺎﻝﻴب ﺤﻴـﺎة ﺘﻠـك
اﻝﺸﻌوب وﻋﺎداﺘﻬﺎ وﺘﻘﺎﻝﻴدﻫﺎ ،اﺘّﺴﻤت ﺒﺎﻝﻤوﻀوﻋﻴﺔ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻝﻠﻤﺸﺎﻫدة اﻝﻤﺒﺎﺸرة .
إن أﻫـل ﺘﻠـك اﻝﺠـزرﻜﻠّﻬم وﻤﻤﺎ ﻗﺎﻝﻪ ﻓﻲ وﺼف ﺴﻜﺎن ﺠـزر اﻝﻜﺎرﻴﺒﻴـﺎن ﻓـﻲ اﻝﻤﺤـﻴط اﻷطﻠﺴـﻲ ّ " : ّ
ﻓﺜﻤﺔ ﺒﻌض اﻝﻨﺴﺎء اﻝﻠواﺘﻲ ﻴﻐطﻴن ﻋراة ﺘﻤﺎﻤﺎً ،اﻝرﺠﺎل ﻤﻨﻬم واﻝﻨﺴﺎء ،ﻜﻤﺎ وﻝدﺘﻬم أ ﻤﻬﺎﺘﻬم .وﻤﻊ ذﻝكّ ،
ﺘﻬن ﺒورق اﻝﺸﺠر ،أو ﻗطﻌﺔ ﻤن ﻨﺴﻴﺞ اﻷﻝﻴﺎف ﺘﺼـﻨﻊ ﻝﻬـذا اﻝﻐـرض .ﻝﻴﺴـت ﻝـدﻴﻬم أﺴـﻠﺤﺔ وﻤـواد ﻋور ّ
ﻤــن اﻝﺤدﻴــد أو اﻝﺼــﻠب وﻫــم ﻻ ﻴﺼــﻠﺤون ﻻﺴــﺘﺨداﻤﻬﺎ ﻋﻠــﻰ ّأﻴــﺔ ﺤــﺎل .وﻻ ﻴرﺠــﻊ اﻝﺴــﺒب ﻓــﻲ ذﻝ ــك
إﻝ‹ﻀﻌف أﺠﺴـﺎدﻫمٕ ،واّﻨﻤـﺎ إﻝـﻰ ﻜـوﻨﻬم ﺨﺠﻠـون وﻤﺴـﺎﻝﻤون ﺒﺸـﻜل ﻴﺜﻴـر اﻹﻋﺠـﺎب . 30" ..وﻜﺘـب ﻓـﻲ
اﻝﺨﻠُــق ،وﻗـ ّـوة اﻝﺒﻨﻴــﺔ اﻝﺠﺴــدﻴﺔ .ﻜﻤــﺎ
اﻝﺨﻠــق و ُ
وﺼــﻔﻪ ﻝﺴــﻜﺎن أﻤرﻴﻜــﺎ اﻷﺼــﻠﻴﻴنّ " :إﻨﻬــم ﻴﺘﻤﺘّﻌــون ﺒﺤﺴــن َ
ـرددون ﻓـﻲ إﻋطـﺎء ﻤـن ﻴﻘﺼـدﻫم ّأﻴـﺎً اﻝﺘﺼرف ﻓﻴﻤﺎ ﻴﻤﺘﻠﻜـون ،إﻝـﻰ ﺤ ّـد ّأﻨﻬـم ﻻ ﻴﺘ ّ
ّ ّأﻨﻬم ﻴﺸﻌرون ﺒﺤرﻴﺔ
31
ﻤن ﻤﻤﺘﻠﻜﺎﺘﻬم ،ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ّأﻨﻬم ﻴﺘﻘﺎﺴﻤون ﻤﺎ ﻋﻨدﻫم ﺒرﻀﻰ وﺴرور "..
وﻫﻜذا ﻜﺎن ﻝـرﺤﻼت ﻜوﻝـوﻤﺒس واﻜﺘﺸـﺎﻓﻪ اﻝﻌـﺎﻝم اﻝﺠدﻴـد )أﻤرﻴﻜـﺎ( ﻋـﺎم 1492أﺜرﻫـﺎ اﻝﻜﺒﻴـر ﻓـﻲ
ﻤﻤـﺎ
إدﺨﺎل أوروﺒﺎ ﺤﻘﺒﺔ ﺠدﻴدة ،وﻓﻲ ﺘﻐﻴﻴر اﻝﻨظرة إﻝﻰ اﻹﻨﺴﺎن ﻋﺎﻤـﺔ ،واﻹﻨﺴـﺎن اﻷوروﺒـﻲ ﺨﺎﺼـﺔّ ،
ﻷن ﻫـذﻩ اﻻﻜﺘﺸـﺎﻓﺎت اﻝﺠﻐراﻓﻴـﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ وﻤـﺎ ﺘﺒﻌﻬـﺎ أﺜّر ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﻓﻲ اﻝﻔﻜـر اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ .وذﻝـكّ ،
ﻤ ــن ﻤﻌرﻓ ــﺔ ﺴ ــﻜﺎن ﻫ ــذﻩ اﻷرض ﺒﻤﻴـ ـزاﺘﻬم وأﻨﻤ ــﺎط ﺤﻴ ــﺎﺘﻬم ،أظﻬ ــرت ﺒوﻀ ــوح ﺘﻨ ـ ّـوع اﻝﺠ ــﻨس اﻝﺒﺸ ــري،
اﻝﺘطور ﻋﻨد اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ. وأﺜﺎرت ﻜﺜﻴ اًر ﻤن اﻝﻤﺴﺎﺌل واﻝدراﺴﺎت ﺤول ﻗﻀﺎﻴﺎ اﻝﻨﺸوء و ّ
ﺘﻤﻴز ﻋﺼـر اﻝﻨﻬﻀـﺔ اﻷورﺒﻴـﺔ ،ﺒظـﺎﻫرة ﻜـﺎن ﻝﻬـﺎ ﺘـﺄﺜﻴر ﻓـﻲ ﺘوﻝﻴـد ﻨظرﻴـﺎت ﺠدﻴـدة ﻋـن اﻝﻌـﺎﻝم ﻝﻘد ّ
أن اﻝﻤﻔ ّﻜ ـرﻴن اﺘﻔﻘ ـوا ،ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﺘﺒــﺎﻴن وﺠﻬــﺎت ﻨظــرﻫم ،ﻋﻠــﻰ ﻤﻨﺎﻫﻀــﺔ ﻓﻠﺴــﻔﺔواﻹﻨﺴــﺎن ،وﻫــﻲ ّ
اﻝﻌﺼ ــور اﻝوﺴ ــطﻰ اﻝﻼﻫوﺘﻴ ــﺔ ،اﻝﺘ ــﻲ أﻋﺎﻗ ــت ﻓﻀ ــول اﻝﻌﻘ ــل اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻲ إﻝ ــﻰ ﻤﻌرﻓ ــﺔ أﺼ ــول اﻷﺸ ــﻴﺎء
وﻤﺼــﺎدرﻫﺎ ،وﺘﻜــوﻴن اﻝطﺒﻴﻌــﺔ وﻗواﻨﻴﻨﻬــﺎ ،وﺼــﻔﺎت اﻹﻨﺴــﺎن اﻝﺠﺴــدﻴﺔ واﻝﻌﻘﻠﻴــﺔ واﻷﺨﻼﻗﻴــﺔ 32.وظﻬــر
ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻝﻬذا اﻝﻤوﻗف اﻝﺠدﻴد اﺘّﺠﺎﻩ ﻝدراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن ،ﻋرف ﺒﺎﻝﻤذﻫب اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ )اﻝﻌﻠﻤﻲ( اﻗﺘﻀـﻰ د ارﺴـﺔ
اﻝﻤﺎﻀﻲ ﻤن أﺠل ﻓﻬم اﻝﺤﺎﻀر ،ﺤﻴث اﺘّﺠﻬت دراﺴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ وﻓﻬـم ﻤﺎﻫﻴﺘﻬـﺎ وأﺒﻌﺎدﻫـﺎ وﻓـق
اﻝﺘطورﻴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن. ّ اﻝﻤراﺤل اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ
وﻗـد ﺘﺒﻠـور ﻫـذا اﻻﺘّﺠـﺎﻩ )اﻝﻤـذﻫب( اﻝﻌﻠﻤـﻲ ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺘﺠرﻴﺒﻴـﺔ واﻝرﻴﺎﻀـﻴﺔ ،اﻝﺘـﻲ ظﻬـرت ﻓــﻲ
12
أﻋﻤﺎل ﺒﻌض ﻋﻠﻤﺎء اﻝﻘرن اﻝﺴﺎﺒﻊ ﻋﺸر ،ﻤن أﻤﺜﺎل :ﻓراﻨﺴﻴس ﺒﻴﻜـون (1626-1561) F.Becon
ورﻴﻨﻴـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻪ دﻴﻜـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎرت R.Decartes
) (1650-1596واﺴـ ــﺤق ﻨﻴـ ــوﺘن ،(1727-1642) Newtonوﻏﻴـ ــرﻫم .ﺤﻴـ ــث أﺼـ ــﺒﺤت اﻝﻨظ ـ ـرة
اﻝﺠدﻴدة ﻝﻺﻨﺴﺎن ﻋل ّأﻨﻪ ظﺎﻫرة طﺒﻴﻌﻴﺔ ،وﻴﻤﻜن دراﺴﺘﻪ ﻤن ﺨﻼل اﻝﺒﺤث اﻝﻌﻠﻤﻲ واﻝﻤﻨﻬﺞ اﻝﺘﺠرﻴﺒﻲ،
وﻤﻌرﻓــﺔ اﻝﻘـواﻨﻴن اﻝﺘــﻲ ﺘﺤﻜــم ﻤﺴــﻴرة اﻝﺘطـ ّـور اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ واﻝﺘﻘـ ّـدم اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ.وﻫــذا ﻤــﺎ أﺴــﻬم ﻓــﻲ ﺘﺸــﻜﻴل
أدى ﺒﺼـ ـ ــورة ﺘدرﻴﺠﻴـ ـ ــﺔ إﻝـ ـ ــﻰ ﺒﻠـ ـ ــورة اﻝﺒـ ـ ــداﻴﺎت اﻝﻨظرﻴـ ـ ــﺔ اﻝﻤﻨطﻠﻘـ ـ ــﺎت اﻝﻨظرﻴـ ـ ــﺔ ﻝﻠﻔﻜـ ـ ــر اﻻﺠﺘﻤـ ـ ــﺎﻋﻲ ،و ّ
ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،ﺨﻼل ﻋﺼر اﻝﺘﻨوﻴر .
أﻤ ـ ـﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴـ ــﺒﺔ ﻝﻠد ارﺴـ ــﺎت اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴـ ــﺔ )د ارﺴـ ــﺔ أﺴـ ــﻠوب اﻝﺤﻴـ ــﺎة واﻝﻌـ ــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـ ــد( واﻝد ارﺴـ ــﺎت
ّ
اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺔ )د ارﺴــﺔ ﻤﻘﺎرﻨــﺔ ﻷﺴــﺎﻝﻴب اﻝﺤﻴــﺎة ﻝﻠوﺼــول إﻝــﻰ ﻨظرﻴــﺔ اﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ( ،واﻝد ارﺴــﺎت
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻓﺜﻤﺔّ أﻋﻤﺎل ﻜﺜﻴرة ﻗﺎم ﺒﻬﺎ اﻝﻌدﻴد ﻤن اﻝﻌﻠﻤﺎء .
وﻗـد ﺘﻜــون ﻤﺤﺎوﻝـﺔ اﻝرﺤﺎﻝــﺔ اﻹﺴـﺒﺎﻨﻲ )ﺠوزﻴــﻪ آﻜوﺴــﺘﺎ (J. Acostaﻓــﻲ اﻝﻘـرن اﻝﺴــﺎدس ﻋﺸــر،
ﻝـ ـرﺒط ﻤﻼﺤظﺎﺘ ــﻪ اﻝﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺔ ﻋ ــن اﻝﺴ ــﻜﺎن اﻷﺼ ــﻠﻴﻴن ﻓ ــﻲ اﻝﻌ ــﺎﻝم اﻝﺠدﻴ ــد ﺒ ــﺒﻌض اﻷﻓﻜ ــﺎر اﻝﻨظرﻴ ــﺔ،
اﻝﻤﺤﺎوﻝﺔ اﻷوﻝﻰ ﻝﺘدوﻴن اﻝﻤﺎدة اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴﺔ واﻝﺘﻨظﻴر ﺒﺸﺄﻨﻬﺎ.
ﻓﺴـر
أن اﻝﻬﻨود اﻝﺤﻤـر ﻜـﺎﻨوا ﻗـد ﻨزﺤـوا أﺼـﻼً ﻤـن آﺴـﻴﺎ إﻝـﻰ أﻤرﻴﻜـﺎ ،وﺒـذﻝك ّ
ﻓﻘد اﻓﺘرض آﻜوﺴﺘﺎ ّ
وﻗدم آﻜوﺴـﺘﺎ أﻴﻀـﺎً اﻓﺘ ارﻀـﺎً آﺨـر
اﺨﺘﻼف ﺤﻀﺎراﺘﻬم ﻋن ﺘﻠك اﻝﺘﻲ ﻜﺎﻨت ﺴﺎﺌدة ﻓﻲ أوروﺒﺎ ﺤﻴﻨذاكّ .
ﻤﻌﻴﻨﺔ ،ﻤﻌﺘﻤداً ﻓﻲ ﺘﺼـﻨﻴﻔﻪ ﻋﻠـﻰ أﺴـﺎس ﻤﻌرﻓـﺔ اﻝﺸـﻌوب ﺘطور اﻝﺤﻀﺎرة اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻋﺒر ﻤراﺤل ّ ﺤول ّ
اﻝﻘراءة واﻝﻜﺘﺎﺒﺔ.
وﻗد وﻗﻔـت أوروﺒـﺎ ﻓـﻲ أﻋﻠـﻰ اﻝﺘرﺘﻴـب ،وأﺘـت ﺒﻌـدﻫﺎ اﻝﺼـﻴن ﻓـﻲ اﻝﻤرﺘﺒـﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴـﺔ ﻝﻤﻌرﻓﺘﻬـﺎ اﻝﻜﺘﺎﺒـﺔ،
وﺼﻨﻔت اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى ﺒدرﺠﺎت ﻤﺘﺒﺎﻴﻨﺔ ﻓﻲ ّ ﺒﻴﻨﻤﺎ ﺠﺎءت اﻝﻤﻜﺴﻴك ﻓﻲ ﻤرﺘﺒﺔ أدﻨﻰ ﻤن ذﻝك ..
اﻝﻤواﻗﻊ اﻷدﻨﻰ ﻤن ﻫذا اﻝﺘرﺘﻴـب 33.ورّﺒﻤـﺎ ﺸـ ّﻜل ﻫـذا اﻝﺘﺼـﻨﻴف أﺴﺎﺴـﺎً اﺴـﺘﻨد إﻝﻴـﻪ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـون –
ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد -ﻝﻠﺘﻤﻴﻴز ﺒﻴن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت.
وظﻬــر إﻝــﻰ ﺠﺎﻨــب )آﻜوﺴــﺘﺎ ( اﻹﺴــﺒﺎﻨﻲ ﻓــﻲ اﻝد ارﺴــﺔ اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺔ ﻋــن اﻝﺸــﻌوب اﻝﺒداﺌﻴــﺔ ،ﻋــﺎﻝم
اﻻﺠﺘﻤ ــﺎع اﻝﻔرﻨﺴ ــﻲ) ،ﻤﻴﺸ ــﻴل دي ﻤوﻨﺘ ــﺎﻨﻲ( M.De.Montaigneاﻝ ــذي ﻋ ــﺎش ﻤ ــﺎ ﺒ ــﻴن )-1532
(1592وأﺠـ ــرى ﻤﻘـ ــﺎﺒﻼت ﻤـ ــﻊ ﻤﺠﻤوﻋـ ــﺎت ﻤـ ــن اﻝﺴـ ــﻜﺎن اﻷﺼ ــﻠﻴﻴن ﻓـ ــﻲ أﻤرﻴﻜـ ــﺎ اﻝﻤﻜﺘﺸـ ــﻔﺔ ،واﻝـ ــذﻴن
أﺤﻀرﻫم ﺒﻌض اﻝﻤﻜﺘﺸﻔﻴن إﻝﻰ أورﺒﺎ .وﺒﻌد أن ﺠﻤﻊ ﻤـﻨﻬم اﻝﻤﻌﻠوﻤـﺎت ﻋـن اﻝﻌـﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد اﻝﺴـﺎﺌدة
ﻓــﻲ ﻤــوطﻨﻬم اﻷﺼــﻠﻲ ،ﺨــرج ﺒﺎﻝﻤﻘوﻝــﺔ اﻝﺘﺎﻝﻴــﺔّ " :إﻨــﻪ ﻝﻜــﻲ ﻴﻔﻬــم اﻝﻌــﺎﻝم ﻓﻬﻤ ـﺎً ّ
ﺠﻴــداً ،ﻻ ﺒـ ّـد ﻤــن د ارﺴــﺔ
اﻝﺘﻨـ ّـوع اﻝﺤﻀــﺎري ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺒﺸــرﻴﺔ واﺴﺘﻘﺼــﺎء أﺴــﺒﺎب ﻫــذا اﻝﺘﻨـ ّـوع " وﻴﻜــون ﺒــذﻝك ﻗــد طــرح ﻓﻜ ـرة
)اﻝﻨﺴﺒﻴﺔ اﻷﺨﻼﻗﻴﺔ(.
وﻤﻤــﺎ ﻗﺎﻝــﻪ ﻓــﻲ ﻫــذا اﻹطــﺎر ﻤــﺎ ﻜﺘﺒــﻪ ﻓــﻲ ﻤﻘﺎﻝــﻪ اﻝﺸــﻬﻴر ﻋــن " أﻜﻠــﺔ ﻝﺤــوم اﻝﺒﺸــر " وﺠــﺎء ﻓﻴــﻪ " :
ّ
أن ﻝﻴس ﻝدﻴﻨﺎ أي ﻤﻌﻴﺎر ﻝﻠﺤﻘﻴﻘﺔ واﻝﺼواب ،إﻻّ ﻓﻲ إطﺎر ﻤﺎ ﻨﺠدﻩ ﺴﺎﺌداً ﻤن آراء وﻋﺎدات ﻋﻠـﻰ ﻴﺒدو ّ
اﻷرض اﻝﺘـﻲ ﻨﻌـﻴش ﻋﻠﻴﻬــﺎ )أوروﺒـﺎ( ،ﺤﻴــث ﻨﻌﺘﻘـد ﺒوﺠــود أﻜﻤـل اﻝــدﻴﺎﻨﺎت ،وأﻜﺜـر اﻝط ارﺌــق ﻓﺎﻋﻠﻴـﺔ ﻓــﻲ
اﻝﺤﺼول ﻋﻠﻰ اﻷﺸﻴﺎء .
13
إن ﻫــؤﻻء اﻝﻨــﺎس )أﻜﻠــﺔ ﻝﺤــوم اﻝﺒﺸــر( ﻓطرﻴــون طﺒﻴﻌﻴــون ،ﻤﺜــل اﻝﻔﺎﻜﻬــﺔ اﻝﺒرّﻴــﺔ .ﻓﻘــد ﺒﻘ ـوا ﻋﻠــﻰ
ّ
34
ﺤﺎﻝﻬم اﻝﺒﺴﻴطﺔ ،ﻜﻤﺎ ﺸ ّﻜﻠﺘﻬم اﻝطﺒﻴﻌﺔ ﺒطرﻴﻘﺘﻬﺎ اﻝﺨﺎﺼﺔ ،وﺘﺤ ّﻜﻤـت ﻓـﻴﻬم ﻗواﻨﻴﻨﻬـﺎ وﺴ ّـﻴرﺘﻬم ".وﻤـن
ﻫذﻩ اﻝرؤﻴﺔ ،ﻻﻗﻰ ﻜﺘﺎﺒﻪ اﻝﺸـﻬﻴر "اﻝﻤﻘـﺎﻻت" اﻝﺼـﺎدر ﻋـﺎم ،1579اﻫﺘﻤﺎﻤـﺎً ﻜﺒﻴـ اًر ﻝـدى ﻤـؤرﺨﻲ اﻝﻔﻜـر
اﻷوروﺒﻲ ﻋﺎﻤﺔ ،واﻝﻔﻜر اﻝﻔرﻨﺴﻲ ﺨﺎﺼﺔ.
وﻴﺄﺘﻲ اﻝﻘرن اﻝﺜﺎﻤن ﻋﺸر ،ﻝﻴﺤﻤل ﻤﻌﻪ ﻜﺘﺎﺒﺎت ﺠﺎن ﺠﺎك روﺴو ،J.J. Rossowاﻝﺘﻲ اﺤﺘﻠّـت
ـؤرﺨﻲ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،وذﻝــك ﺒــﺎﻝﻨظر ﻝﻤــﺎ ﺘﻀــﻤﻨﺘﻪ ﻓــﻲ د ارﺴــﺘﻬﺎ اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺔ
أﻫﻤﻴــﺔ ﻜﺒﻴـرة ﻝــدى ﻤـ ّ
ّ
ﻝﻠﺸﻌوب اﻝﻤﻜﺘﺸﻔﺔ )اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒداﺌﻴﺔ( ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻤﻊ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﻐرﺒﻴﺔ اﻷوروﺒﻴﺔ.
ـﺎﻝﺘﺠرد واﻝﻤوﻀـوﻋﻴﺔ ،ﺤﻴـث ﺘﺠﻠّـﻰ ذﻝـك ﻓـﻲ روﺴـو ﺒ ّ ﺘﻤﻴزت وﺠﻬﺔ اﻝﻨظر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ﻋﻨد ّ ﻝﻘد ّ
ﻨﻘد ﺒﻌـض اﻝﻘـﻴم واﻝﺠواﻨـب اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ ﻓـﻲ ﻤﺠﺘﻤﻌـﻪ اﻝﻔرﻨﺴـﻲ ،ﻤﻘﺎﺒـل اﺴﺘﺤﺴـﺎن ﺒﻌـض اﻝط ارﺌـق اﻝﺤﻴﺎﺘﻴـﺔ
ﻴﻌد ﻜﺘﺎﺒﻪ " اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ" ﻤن اﻝﺒـواﻜﻴر اﻷوﻝـﻰ ﻝﻠﻔﻜـر ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى .وﻓﻲ ﻫذا اﻹطﺎرّ ،
روﺴو ،اﻝﺒﺎرون دي ﻤوﻨﺘﺴـﻜﻴﻴﻪ ،اﻝـذي وﻀـﻊ ﻜﺘـﺎب )روح اﻝﻘـواﻨﻴن( اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ .وﻜﺎن إﻝﻰ ﺠﺎﻨب ّ
وأوﻀ ــﺢ ﻓﻴ ــﻪ ﻓﻜـ ـرة اﻝﺘـ ـراﺒط اﻝ ــوظﻴﻔﻲ ﺒ ــﻴن اﻝﻘـ ـواﻨﻴن واﻝﻌ ــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴ ــد واﻝﺒﻴﺌ ــﺔ .وﺴ ــﺎدت ﻫ ــذﻩ اﻝﻔﻜـ ـرة
اﻝﺘراﺒطﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ أﻋﻤ ــﺎل اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻴن ﻓ ــﻲ أواﺌ ــل اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ،وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻨ ــد اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻴﻴن
ﻨوﻋﻴﺔ اﻝﺤﻀـﺎرة اﻹﻨﺠﻠﻴز ،ﺤﻴث اﻨﺘﻘل اﻫﺘﻤﺎم ﻤوﻨﺘﺴﻜﻴﻴﻪ ﺒدراﺴﺔ اﻝﻨظم اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ،وﺘﺄﺜﻴر اﻝﻤﻨﺎخ ﻋﻠﻰ ّ
أو اﻝﺜﻘﺎﻓ ـ ـ ــﺔ – ﻓﻴﻤ ـ ـ ــﺎ ﺒﻌ ـ ـ ــد – إﻝ ـ ـ ــﻰ اﻝﻜﺘﺎﺒ ـ ـ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ـ ـ ــﺔ ،وﺸـ ـ ـ ـ ّﻜل ﻤﺠ ـ ـ ــﺎﻻً واﺴ ـ ـ ــﻌﺎً ﻝﻠد ارﺴ ـ ـ ــﺎت
35
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ.
اﻝﻘوﻤﻴــﺔ
ّ أﻤــﺎ ﻓــﻲ أﻝﻤﺎﻨﻴــﺎ ،ﻓﻘــد ﺘﺒﻠــور اﻝﻔﻜــر ﻓــﻲ ﻋﺼــر اﻝﺘﻨــوﻴر ،ﻋــن اﻝﺘﻔـ ّـوق اﻝﻌﻨﺼــري واﻝﻨزﻋــﺔ
ّ
ـﺒﻴﺔ ( .وظﻬــر ذﻝــك واﻀ ـﺤﺎً ﻓــﻲ ﻜﺘﺎﺒــﺎت ﻜ ـ ّل ﻤــن ﺠــورج ﻫﻴﺠــل )(1831-1770 ـوﻓﻴﻨﻴﺔ )اﻝﺘﻌﺼـ ّ
اﻝﺸـ ّ
وﺠوﻫﺎن ﻓﺨﺘﻪ ) ،(1814-1762ﺤﻴث ﺠﻌﻼ اﻝﺸﻌب اﻷﻝﻤﺎﻨﻲ ،اﻝﺸﻌب اﻷﻤﺜـل واﻷﻨﻘـﻰ ﺒـﻴن ﺸـﻌوب
اﻝﻌﺎﻝم .
ﻝﺘﻌزز ﻓﻜرة اﻝﺘﻤﺎﻴز ﺒﻴن اﻝﺴﻼﻻت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ
أﻤﺎ ﻜﺘﺎﺒﺎت ﺠوﻫﺎن ﻫﻴردر ) (1803-1744ﻓﺠﺎءت ّ ّ
ﻝﻤﻘوﻤﺎت
ﻤن ﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝﺘرﻜﻴب اﻝﺠﺴﻤﻲ ،واﻝﺘﻔﺎوت ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ﺒﻤدى اﻝﺘﺄﺜّر ﺒﻤظﺎﻫر اﻝﻤدﻨﻴﺔ ،وﻓﻲ ﺘﻤﺜّﻠﻬﺎ ّ
ﺜﻤــﺔ ﺴــﻼﻻت ﺒﺸـرﻴﺔ ﺨﻠﻘــت ﻝﻠرﻗــﻲ ،وﺴــﻼﻻت
أن ّ
اﻝﺤﻀــﺎرة .وﻋﻠــﻰ ﻫــذا اﻷﺴــﺎس ،ﻴــذﻫب ﻫﻴــردر إﻝــﻰ ّ
36
ﺒﺎﻝﺘﺄﺨر واﻻﻨﺤطﺎط.
ّ أﺨرى ﻗﻀﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﻝﻜـن ﻫـذا اﻻﺘﺠـﺎﻩ اﻝﻌﻨﺼـري ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺔ ،واﺠـﻪ اﻨﺘﻘـﺎدات ﻜﺒﻴـرة ﻓـﻲ ﺒداﻴـﺔ اﻝﻘـرن
اﻝﻌﺸرﻴن ،ﺤﻴث ﺒـرزت ﻓﻜـرة ّأﻨـﻪ ﻻ ﻴﺠـوز أن ﺘﺘّﺨـذ اﻝﻠﻐـﺔ ﻜﺄﺴـﺎس أو دﻝﻴـل ﻋﻠـﻰ اﻻﻨﺘﻤـﺎء إﻝـﻰ أﺼـل
أن اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻝﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري واﻝﻠﻐــﺔ ،ﻻ ﻴﺠــوز أن ﺘﻜــون أﺴﺎﺴ ـﺎً ﻝﺘﻘﺴــﻴم اﻝﺸــﻌوب
ﺴــﻼﻝﻲ واﺤــد ،و ّ
اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ إﻝﻰ ﺴﻼﻻت ﻤﺘﻤﺎﻴزة .وﻗد ﻨﻘض ذﻝك ودﺤﻀﻪ ،ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد ،اﻝﻔﻜر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ اﻝﻘـﺎﺌم ﻋﻠـﻰ
اﻝﻤﺸﺎﻫدة اﻝواﻗﻌﻴﺔ ،واﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ اﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺸﻌوب اﻷﺨرى .
اﻝﻤﺘﺤررة اﻝﺘﻲ ظﻬرت اﺘّﺠﺎﻫﺎﺘﻬﺎ وﻗﻀﺎﻴﺎﻫﺎ اﻻﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ،ﻤﻨـذ
ّ إن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎوﻫﻨﺎ ﻴﻤﻜن اﻝﻘول ّ :
ك -ﻓـﻲ اﻝﻜﺘﺎﺒـﺎت اﻝﻔرﻨﺴـﻴﺔ ﻓـﻲ ﻋﺼـر اﻝﺘﻨـوﻴر ،ﺠـذو اًر
اﻨﺘﻬﺎء اﻝﺤرب اﻝﻌﺎﻝﻤﻴﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ ،ﺘﺠد – وﻻ ﺸـ ّ
37
أو أﺼوﻻً ﻨظرﻴﺔ ﻝﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻬﺎ اﻝﻔﻜرﻴﺔ.
14
إن اﻝﻔﻜــر اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ اﻝــذي ﺴــﺎد أوروﺒــﺎ ﻓــﻲ ﻋﺼــر
وﺘﺄﺴﻴﺴ ـﺎً ﻋﻠــﻰ ﻤــﺎ ﺘﻘـ ّـدم ،ﻴﻤﻜــن اﻝﻘــول ّ :
اﻝﻤؤرﺨﻴن ،ﺸ ّﻜل اﻝﻤﻼﻤﺢ اﻝﻨظرﻴـﺔ اﻷوﻝـﻰ اﻝﺘﻨوﻴر ،وﺘﺠﻠّﻰ ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﺎت اﻝﻌدﻴد ﻤن اﻝﻔﻼﺴﻔﺔ واﻝﺒﺎﺤﺜﻴن و ّ
ﻝﻌﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،اﻝذي ﺒدأ ﻴﺴﺘﻘل ﺒذاﺘﻪ ﻤﻊ ﺒداﻴﺎت اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ،وﻴﺘﺒﻠور ﺒﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻪ وأﻫداﻓﻪ ﻓﻲ
اﻝﻨﺼف اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻝﻘرن ذاﺘﻪ.
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺜﺎﻝﺜﺔ
ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى
ﺘﻤﻬﻴد
ﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن اﻻﻋﺘراف ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻜﻌﻠم ﻤﺴﺘﻘ ّل ﺒذاﺘﻪ ،ﻴدرس اﻹﻨﺴـﺎن ﻤـن ﺤﻴـث ﻨﺸـﺄﺘﻪ
وﺘطـ ّـورﻩ وﺜﻘﺎﻓﺘــﻪ ،ﻓﻤــﺎ زال اﻝﻌﻠﻤــﺎء ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻠﻤــﺎء اﻹﻨﺴــﺎن ﻴﺨﺘﻠﻔــون ﺤــول ﺘﺼــﻨﻴف ﻫــذا اﻝﻌﻠــم ﺒــﻴن
اﻝﻌﻠ ــوم اﻝﻤﺨﺘﻠﻔ ــﺔ ..ﻓﻴ ــرى ﺒﻌﻀ ــﻬم ّأﻨ ــﻪ ﻤ ــن اﻝﻌﻠ ــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ،ﻜﻌﻠ ــم اﻝ ــﻨﻔس واﻻﺠﺘﻤ ــﺎع واﻝﺘ ــﺎرﻴﺦ
واﻝﺴﻴﺎﺴــﺔ .وﻴــرى ﺒﻌﻀــﻬم أﻴﻀ ـﺎً ّأﻨــﻪ ﻤــن اﻝﻌﻠــوم اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴــﺔ ،ﻜﺎﻝرﻴﺎﻀــﻴﺎت واﻝطــب واﻝﻔﻠــك .ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴــرى
ﺒﻌﻀﻬم اﻵﺨر ّأﻨﻪ ﻤن اﻝﻌﻠوم اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ،ﻜﺎﻝﻔﻠﺴﻔﺔ واﻝﻔﻨون واﻝدﻴﺎﻨﺎت ..
ﻝﻜ ــن ﻫ ــذﻩ اﻝﻌﻠ ــوم ﻜﻠّﻬ ــﺎ دﺨﻠ ــت ﻋﻠ ــﻰ ﻤ ـ ّـر اﻝﺘ ــﺎرﻴﺦ اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ ﻝﺸ ــﻌب ﻤ ــﺎ ،إﻝ ــﻰ ﺠﺴ ــد ﻫ ــذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ
ﻤﻜوﻨﺎﺘﻬــﺎ ،اﻷﻤــر اﻝــذي أدى ﻓــﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴــﺔ إﻝــﻰ اﺨــﺘﻼف اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت وﻤﻜوﻨ ـﺎً ﻤــن ّ
ّ وأﺼــﺒﺤت ﺠــزءاً ﻤﻨﻬــﺎ ،
ﺒﻴن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ .وﻤن ﻫﻨﺎ ﻜﺎن ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،ذا ﺼﻠﺔ ﺒﻜﺜﻴر ﻤن اﻝﻌﻠوم أﺨرى.
ـطر اﻝﻤ ـرة ﺘﻠــو اﻝﻤـ ّـرة ،إﻝــﻰ اﻻﻨﺘظــﺎر رﻴﺜﻤــﺎ ﺘــﻨﺠﺢ اﻝﻌﻠــوم اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ ﻓــﻲ
ﻓﻌﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻀـ ّ
أن ﻨﺘـﺎﺌﺞك ﻓﻴـﻪ ّ
وﻤﻤـﺎ ﻻ ﺸـ ّ
ﻤﻌﻴﻨـﺔ ﻋـن طرﻴـق اﻝﺘﺠـﺎرب اﻝﺘـﻲ ﺘﺠـرى ﻋﻠـﻰ اﻝﺤﻴواﻨـﺎتّ . اﺴﺘﺠﻼء ﻨﻘطﺔ ّ
اﻷﺒﺤﺎث اﻝﺘﻲ أﺠراﻫﺎ ﻋﻠﻤﺎء اﻝوراﺜﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺠرذان وذﺒﺎب اﻷﺸﺠﺎر اﻝﻤﺜﻤرة ،ﻫﻲ اﻝﺘـﻲ ﻤﻬّـدت اﻝطرﻴـق
ﻝﻔﻬم ﻗواﻨﻴن اﻝوراﺜﺔ ﻋﻨد اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ،وﻝﺠﻼء اﻝﻤﺸﻜﻼت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ اﻝﻤﺘّﺼـﻠﺔ ﺒﻤـﺎ ﻴﺴ ّـﻤﻰ )اﻝﻌـروق
إن اﻝﺤﻘـﺎﺌق اﻝﺘـﻲ اﻜﺘﺸـﻔﺘﻬﺎ اﻝﻌﻠـوم أو اﻷﺠﻨﺎس اﻝﺒﺸرﻴﺔ ( .ﻏﻴر ّأﻨﻨﺎ ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى ،ﻨﺴﺘطﻴﻊ اﻝﻘـولّ :
ﻷن ﻤﻌظــم اﻝظــﺎﻫرات اﻝﺴــﻠوﻜﻴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ ،ﻻ ﺘﺴــﺎﻋد ﻜﺜﻴـ اًر ﻓــﻲ ﻓﻬــم طﺒﻴﻌــﺔ اﻝﺴــﻠوك اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ ،وذﻝــك ّ
اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻻ ﺘﺠد ﻤﺎ ﻴﻤﺎﺜﻠﻬﺎ ﻤﻤﺎﺜﻠﺔ وﺜﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺼﻌﻴد اﻝﺤﻴواﻨﻲ.
أن ﻋﻠﻤﺎء وﻴﺼدق ﻫذا ﺒوﺠﻪ ﺨﺎص ﻋﻠﻰ اﻝظﺎﻫرات اﻝﻤﺘّﺼﻠﺔ ﺒﺎﻝﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﻤﻨظّﻤﺔ .ﻓﻤﻊ ّ
ـﺈﻨﻬم ﻗﻠّﻤ ــﺎ
طورﺘﻬ ــﺎ اﻝﻌﻠ ــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ،ﻓ ـ ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﺴ ــﺘطﺎﻋوا اﺴ ــﺘﺨدام ﺒﻌ ــض اﻷﺴ ــﺎﻝﻴب اﻝﺘ ــﻲ ّ
أن إﺴـﻬﺎﻤﻬم ﻓـﻲ ﺘط ّـور اﻝﻌﻠـوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ، ﺘطور ﻤﺜـل ﻫـذﻩ اﻷﺴـﺎﻝﻴب .واﻝواﻗـﻊ ّّ اﻀطروا إﻝﻰ اﻨﺘظﺎر ّ
38
ﺘطور اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ.
ّ ﻓﻲ اﻝﻌﻠوم ﻫذﻩ إﺴﻬﺎم ﻋن ﻻ ﻴﻘ ّل ً
ﺎ ﺸﺄﻨ
وﺴﻨﻜﺘﻔﻲ ﺒﺘﺒﻴﺎن ﺼﻠﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ﺒﻌﻠم اﻷﺤﻴﺎء ،وﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع وﻋﻠم اﻝﻔﻠﺴﻔﺔ ،وﻋﻠم اﻝﻨﻔس،
ﻷﻨﻬــﺎ ﺴــﺘرد ﻓــﻲ اﻝﻔﺼــول اﻝﻼﺤﻘــﺔ ،ﻤــن
وﻋﻠــم اﻝﺠﻴوﻝوﺠﻴــﺎ واﻝﺠﻐراﻓﻴــﺎ ،وﻨﺘــرك ﺼــﻠﺘﻬﺎ ﺒــﺎﻝﻌﻠوم اﻷﺨــرى ّ
ﺨﻼل ﻋرض ﻓروع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ.
15
أوﻻً -ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻌﻠم اﻷﺤﻴﺎء ) اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴﺎ (Biology
اﻝﺤﻴﺔ ﻤن وﺤﻴد اﻝﺨﻠﻴﺔ اﻷﺒﺴط ﺘرﻜﻴﺒﺎً ،وﺤﺘﻰ ﻜﺜﻴـر اﻝﺨﻼﻴـﺎ ﻴﺘﻨﺎول ﻋﻠم اﻷﺤﻴﺎء دراﺴﺔ اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ
ﺒﺄﻨــﻪ :اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴــدرس اﻹﻨﺴــﺎن ﻜﻔــرد ﻗــﺎﺌم ﺒذاﺘــﻪ ،ﻤــن ﺤﻴــث ﺒﻨﻴــﺔ
واﻷﻜﺜــر ﺘﻌﻘﻴــداً .وﻝــذﻝك ﻴﻌـ ّـرف ّ
وﺘطورﻫﺎ .
ّ أﻋﻀﺎﺌﻪ
ﺴﻴﻤﺎ ﻋﻠم وظـﺎﺌف اﻷﻋﻀـﺎء واﻝﺘﺸـرﻴﺢ وﺤﻴـﺎة اﻝﻜـﺎﺌن وﻴرﺘﺒط ﻋﻠم اﻷﺤﻴﺎء ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ،وﻻ ّ
اﻝﺤﻴــﺔ وأﻨواﻋﻬــﺎ
اﻝﺤــﻲ .وﺘ ـدﺨل ﻓــﻲ ذﻝــك ،ﻨظرﻴــﺔ اﻝﺘطـ ّـور اﻝﺘــﻲ ﺘﻘــول ﺒــﺄن أﺠﺴــﺎم أﺠﻨــﺎس اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت ّ
ﺘﺘﻐﻴـر ﺒﺎﺴــﺘﻤرار ﻤـﺎ داﻤــت ﻫــذﻩ اﻝﻜﺎﺌﻨـﺎت ﺘﺘﻜــﺎﺜر وﺘﻨـﺘﺞ أﺠﻴــﺎﻻً ﺠدﻴـدة ،ﻗــد ﺘﻜــون
ووظـﺎﺌف أﻋﻀــﺎﺌﻬﺎّ ،
أرﻗﻰ ﻤن اﻷﺠﻴﺎل اﻝﺴﺎﺒﻘﺔ ،ﻜﻤﺎ ﻫﻲ اﻝﺤﺎل ﻋﻨد اﻹﻨﺴﺎن.
ﺤﻴـﺎً ﺒﺨﻠﻴــﺔ واﺤــدة ،ﺘﻜــﺎﺜرت ﻓــﻲ إطــﺎر ﺒﻨﻴﺘــﻪ
أن اﻹﻨﺴــﺎن ﺒــدأ ﻜﺎﺌﻨ ـﺎً ّ
ﻜﻤــﺎ ﺘﺴــﺘﻨد ﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ إﻝــﻰ ّ
اﻝﺘطور اﻝﻌﻘﻠﻲ واﻝﻨﻔﺴﻲ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ .وﻫذا ﻤـﺎ دﻝّـت ّ اﻝﻌﺎﻤﺔ ،إﻝﻰ أن اﻨﺘﻬﻰ إﻝﻰ ﻤﺎ ﻫو ﻋﻠﻴﻪ اﻵن ﻤن
اﻝﺤﻴﺔ اﻝﻤﻜﺘﺸﻔﺔ ﻓﻲ اﻝﺤﻔرﻴﺎت اﻷﺜرﻴﺔ . ﻋﻠﻴﻪ ﺒﻘﺎﻴﺎ ﻋظﺎم اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ
ﻓﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﻤــن اﻝﻨﺎﺤﻴــﺔ اﻝﻨظرﻴــﺔ ،ﺸــدﻴدة اﻝﻘــرب ﻤــن اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺎ ؛ ﻓﻜﻼﻫﻤــﺎ ﻴــدرس ﻋﻤﻠﻴــﺔ
ﺘﺨﺼﺼﻪ.
ّ ﻝﻠﺘﻨوع ،وﻜ ّل ﻓﻲ
ﻤﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻨﻤوذج ﻨظري ّ ّ إﻋﺎدة إﻨﺘﺎج اﻝﺤﻴﺎة ،وﻜﻼﻫﻤﺎ
أن اﻝﻤﺒــﺎدىء
أدت ﻜﻤـﺎ ﻴﻘــول ) ﻜــﺎرﻝوس ﺴـﺎﻓﻴد ار( إﻝــﻰ ّ
ﻝﻜ ّـن ﻨﺘــﺎﺌﺞ اﻝﺤـوار ﻓـﻲ اﻝد ارﺴــﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴــﺔّ ،
اﻝﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ،ﺘواﻝﻴﺎً أو ﻨﻤوذﺠﺎً ،ﻴﺴﻴر ﻤن
ّ اﻝﺘطور ﺘﺘﺒﻊ ﻤن اﻝﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝﻤﻨطﻘﻴﺔ و
ّ ﺘﺄﺴﺴت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻨظرﻴﺔ اﻝﺘﻲ ّ
اﻝﺘﻐﻴر ..ﻓﺒﻨو اﻹﻨﺴﺎن ﻤن أﺼل واﺤد ،ﺴواء أﻜﺎن اﻝﺘط ّـور ﺒـﺎﻝﺘﻌﺒﻴر اﻝﺘط ّـوري أو ﺒﺘرﻜﻴـب اﻝﺜﺒﺎت إﻝﻰ ّ
وﺘﻐﻴ ـرات
اﻝﺤﻤــض اﻝﻨــووي ﺒــﺎﻝﺘﻌﺒﻴر اﻝﺘزاﻤﻨــﻲ ..وﻝﻜــن ﻫﻨــﺎك أﻴﻀ ـﺎً – ﻓــﻲ اﻝوﻗــت ﻨﻔﺴــﻪ – ﺘﺸـ ّـوﻫﺎت ّ
ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﺸﻜﺎل ،ﺒﻨﻴوﻴﺔ وﺘرﻜﻴﺒﻴﺔ ﺒﺎﻝﻤﺼطﻠﺢ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ .
وﻴﺤظــﻰ ﺘﺤﻠﻴــل اﻝﺘﻨـ ّـوع ﻓــﻲ اﻝﻌﻠﻤــﻴن ،ﺒــدور ﺤﻴــوي :اﻝﺘﻨـ ّـوع اﻝﺠﻴﻨــﻲ ﻓــﻲ ﻋﻠــم )اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺎ( واﻝﺘﻨـ ّـوع
ـﺎﻝﺘﻨوع أﻤـر أﺴﺎﺴـﻲ ﻝﻤـﺎ ﺘﺴ ّـﻤﻴﻪ اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴـﺎ " اﻝﻔﺎﻋﻠﻴـﺔ اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴـﺔ " اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ )اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ( ,ﻓ ّ
وﻫﻲ اﻝﻘدرة ﻋﻠـﻰ ﻤواﺼـﻠﺔ اﻝﺤﻴـﺎةٕ ،واﺨـﻼف اﻝذرﻴـﺔ .واﻷﻤـر ذاﺘـﻪ ﻨﺠـدﻩ ﻓـﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓﻴﻤـﺎ ﻴطﻠـق
ﻋﻠﻴﻪ :إﺸﺒﺎع اﻝﺤﺎﺠﺎت اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ.
ﻴﻌـ ّـد ) دارون ( ارﺌــد ﻋﻠــم اﻷﺤﻴــﺎء ،اﻝــذي اﺴــﺘﻨد ﻓﻴــﻪ إﻝــﻰ ﻨظرﻴــﺔ )اﻝﻨﺸــوء واﻻرﺘﻘــﺎء ( ﻓــﻲ ﺤﻴــﺎة
ﻴﺘﻠﺨص ﻓﻲ اﻷﻤور اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ: ﻗدم ﻝﻬﺎ ﺘﻔﺴﻴ اًر ﻤﻨﻬﺠﻴﺎً ﻤﻌﻘوﻻًّ ، اﻹﻨﺴﺎن ،واﻝﺘﻲ ّ
إن ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻝﺤﻴﺎة اﻝﻤﺘﺘﺎﺒﻌـﺔ ﺒﻤﻌطﻴﺎﺘﻬـﺎ وظروﻓﻬـﺎ ،ﺘﻨـﺘﺞ ﻜﺎﺌﻨـﺎت ﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ ﻋـن أﺼـوﻝﻬﺎ ..أي ّ -1
أن أﻨـ ـواع ﻫ ــذﻩ اﻝﻜﺎﺌﻨـ ـﺎت ﻻ ﺘﺘﻜ ـ ّـرر ﻫ ــﻲ ذاﺘﻬ ــﺎ ﻤ ــن ﺨ ــﻼل اﻝﺘﻜ ــﺎﺜر ،ﺒ ــل ﺘﺘﻨ ـ ّـوع ﻓ ــﻲ أﺸ ــﻜﺎﻝﻬﺎ
ّ
وﻤظﺎﻫرﻫﺎ.
اﻝﺤﻴــﺔ ،ﺘﺠﻌﻠﻬــﺎ أﻜﺜــر ﻗــدرة ﻋﻠــﻰ اﻝﺒﻘــﺎء ﻤــن
إن اﻝﺨﺼــﺎﺌص اﻝﺘــﻲ ﺘﺘﻤﺘّــﻊ ﺒﻬــﺎ ﺒﻌــض اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت ّ
ّ -2
اﻝﺒﻴﺌﻴﺔ اﻝﺨﺎﺼﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺤﻴط ﺒﻬﺎ. ّ ﺒﻌﻀﻬﺎ اﻵﺨر ،ﺤﻴث ﺘﺴﺘطﻴﻊ اﻝﺘﻼؤم ﻤﻊ اﻝظروف
ﻗﻴـﺎً ،ﺘﻤﺘﻠــك ﻋواﻤــل اﻝﺘﻜــﺎﺜر واﻻﺴــﺘﻤرار ﻋﻠــﻰ ﻗﻴــد
اﻝﺤﻴــﺔ اﻝﺠدﻴــدة ،اﻷﻜﺜــر ﻗــدرة ور ّ
إن اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت ّ
ّ -3
ﻤﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻨد ﺒﻌض اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﻀﻌﻴﻔﺔ اﻷﺨرى ،اﻝﺘﻲ ﺘﺘﻌ ّـرض ﻝﻼﻨﻘـراض اﻝﺤﻴﺎة ،ﻝﻔﺘرة أطول ّ
اﻝﺴرﻴﻊ.
16
ـؤدي
اﻝﺤﻴـﺔ ﺘ ّ
إن ﺒﻌض اﻝﺨﺼﺎﺌص اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴﺔ) اﻝﺼﻔﺎت اﻝﻤﻬﻠﻜﺔ( ﻋﻨد ﺒﻌض أﻨواع اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ ّ -4
ﻝﻠﺘﻜﻴــف ﻤــﻊ
ﺘؤﻫﻠﻬــﺎ ّ
إﻝــﻰ ﻤوﺘﻬــﺎ ﺒﺼــورة ﺴ ـرﻴﻌﺔ ،ورّﺒﻤــﺎ ﻤﺒﺎﺸ ـرة ،إذا ﻝــم ﺘﻜــن ﻫــذﻩ اﻝﺨﺼــﺎﺌص ّ
اﻝﺒﻴﺌﻴﺔ .وﻫذا ﻤﺎ ﻴؤﺜّر ﺴﻠﺒﺎً ﻓﻲ ﻨﺴل ﻫذﻩ اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ﻤن ﺤﻴث اﻝﺒﻨﻴﺔ واﻝﻤﻘﺎوﻤﺔ. ّ اﻝظروف
وﺘطورﻫـﺎ ،وﺼـوﻻً إﻝـﻰ
ّ اﻝﺤﻴـﺔ
واﺴﺘﻨﺎداً إﻝﻰ ﻫذﻩ اﻝﻤﺒـﺎدىء اﻝﺘـﻲ ﻗ ّـدﻤﻬﺎ دارون ﻓـﻲ أﺼـل اﻝﻜﺎﺌﻨـﺎت ّ
وﻀﻊ اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺤﺎﻝﻲ ،اﻜﺘﺸف اﻝﻌﻠﻤﺎء ﻗواﻨﻴن اﻝوراﺜﺔ وﻤﺎ ﻴﺘﺒﻌﻬﺎ ﻤـن اﻝﺠﻴﻨـﺎت )اﻝﺨﻼﻴـﺎ( اﻝﺘـﻲ ﺘﺤﻤـل
ﺼـﻔﺎت اﻹﻨﺴــﺎن ،وﺘﻨﻘﻠﻬـﺎ ﻤــن اﻵﺒــﺎء إﻝـﻰ اﻷﺒﻨــﺎء ،ﻤـن ﺨــﻼل اﻝﺘﻠﻘــﻴﺢ واﻝﺘﻜـﺎﺜر .وﻫــذا ﻤـﺎ ﺠﻌــل ﻋﻠﻤــﺎء
ﺘطورﻴــﺔ ﻋدﻴــدة ،ﺤﺘــﻰ وﺼــل إﻝــﻰ اﻹﻨﺴــﺎن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻴﻌﺘﻘــدون ﺒــﺄن اﻝﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري ﻤـ ّـر ﺒﻤ ارﺤــل ّ
)اﻝﺤﻴوان اﻝﻨﺎطق واﻝﻌﺎﻗل (.
ﻓﺈن اﻝﻨﻘﺎش ﻤﺎ زال ﻤﻔﺘوﺤﺎً ﺤول دور اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺨﺎﺼـﺔ وﻤﻬﻤﺎ ﻴﻜن اﻷﻤرّ ،
ﺒﺘطـ ّـور اﻹﻨﺴــﺎن ﻫــذا اﻝﺘطـ ّـور اﻝــذي ﻴــدﺨل ﻓــﻲ اﻹطــﺎر اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ ،وﻝﻜــن ﺒطﺒﻴﻌــﺔ ﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ ،ﻻ ﺒـ ّـد ﻤــن
ﺘﻐﻴرﻫﺎ .
دراﺴﺔ ﻤﺒﺎدﺌﻬﺎ وﻤظﺎﻫر ّ
18
ﻓﺈن ﺼﻠﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻬﺎ وﺜﻴﻘﺔ ﺠ ّـداً ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻓﻴﻤـﺎ ﻴﺘﻌﻠّـق ﺒﻨظـرة اﻝرﻴﺎﻀﻴﺔ واﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ واﻝﻔﻴزﻴﺎﺌﻴﺔّ ،
ﻷن اﻝزﻤﺎن واﻝﻤﻜﺎن ﻤرﺘﺒطﺎن ﺒﻌﻼﻗﺔ ﻤﺤدد .وذﻝك ّ اﻹﻨﺴﺎن إﻝﻰ اﻝﻜون واﻝﺤﻴﺎة ،ﻓﻲ زﻤﺎن ﻤﺎ أو ﻤﻜﺎن ّ
ﻤﻜوﻨﺎﺘﻬ ــﺎ إﻻّ ﻤ ــن ﺨ ــﻼل د ارﺴ ــﺔ اﻝﻔﻌ ــل اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻲ ،اﻝ ــذي ﻴﺴ ــﻌﻰ إﻝ ــﻰ اﻝﺒﻘ ــﺎء
ﺠدﻝﻴ ــﺔ ،ﻻ ﻴﻤﻜ ــن إدراك ّ
واﻻﺴﺘﻤرار.
ﻓدراﺴﺔ أﺼل اﻹﻨﺴﺎن وﻨﺸﺄﺘﻪ وﺤﻴﺎﺘﻪ وﺴﻌﻴﻪ إﻝﻰ اﻝﺒﻘﺎء واﻝﺨﻠـود ،وﻤـﺎ ﻴـﻨﺠم ﻋـن ذﻝـك ﻤـن ﺘط ّـور
ـﺘﻤرﻴن ،ﻜﻠّﻬــﺎ ﺘﻘــﻊ ﻓــﻲ ﻤﻴــدان اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺘﻠــك اﻝﻌﻼﻗــﺔ اﻷزﻝﻴــﺔ ﺒــﻴن
وﺘﻐﻴــر ﻤﺴـ ّ
ّ
ﺘؤﻤن ﺴﻴرورة ﺤﻴﺎﺘﻪ . طﺒﻴﻌﺔ اﻹﻨﺴﺎن ،وواﻗﻌﻪ وﻤﺎ ﻴطﻤﺢ إﻝﻴﻪ ﻤن آﻤﺎل وأﻫدافّ ،
راﺒﻌﺎً -ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻌﻠم اﻝﻨﻔس
ـﺘم ﺒد ارﺴــﺔ اﻝﻌﻘــل اﻝﺒﺸــري ،واﻝطﺒﻴﻌــﺔ اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ ،واﻝﺴــﻠوك
ﺒﺄﻨــﻪ :اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴﻬـ ّ
ﻴﻌـ ّـرف ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس ّ
47
اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ .وﻫذا
ّ ﻴﺘم اﻝﺤﺼول ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻤن وﺠﻬﺔ اﻝﻨظر اﻝﻨﺎﺘﺞ ﻋﻨﻬﻤﺎ .أي ّأﻨﻪ :ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻝﺤﻘﺎﺌق اﻝﺘﻲ ّ
48
ﻴﻌﻨﻲ ّ :أﻨﻪ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس ﺴﻠوك اﻹﻨﺴﺎن ﺒﻬدف ﻓﻬﻤﻪ وﺘﻔﺴﻴرﻩ.
إن ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس ،ﻫــو اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴــدرس اﻹﻨﺴــﺎن ﻤــن ﺠواﻨــب
وﻤــن ﻫــذا اﻝﻤﻨطﻠــق ،ﻴﻤﻜــن اﻝﻘــولّ :
ﺸﺨﺼـ ّـﻴﺘﻪ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ،ﺒﻐﻴــﺔ اﻝوﺼــول إﻝــﻰ ﺤﻘــﺎﺌق ﺤوﻝﻬــﺎ ،ﻗــد ﺘﻜــون ذات ﺼــﻔﺔ ﻋﺎﻤــﺔ وﻤطﻠﻘــﺔ ،ﻴﻤﻜــن
ﺘﻌﻤﻴﻤﻬﺎ.
ـﻤﻴﺔ اﻝﻤوروﺜ ــﺔ ،وﺘﺤدﻴ ــد ﻋﻼﻗﺎﺘﻬ ــﺎ ﺒﺎﻝﻌواﻤ ــل
ـﺘم اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻝﻨﻔﺴ ـ ّـﻴﺔ ﺒﺎﻝﺨﺼ ــﺎﺌص اﻝﺠﺴ ـ ّ
وﻝ ــذﻝك ،ﺘﻬ ـ ّ
ـﻤﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤــﺔ ،وﺴــﻤﺎت اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ .ﻤــﻊ اﻝﺴــﻠوﻜﻴﺔ ﻝــدى اﻝﻔــرد ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺘﻠــك اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻝﺼــﻔﺎت اﻝﺠﺴـ ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ .
ّ اﻝﺒﻴﺌﻴﺔ اﻝﻤﺤﻴطﺔ ﺒﻬذﻩ
ّ اﻷﺨذ ﻓﻲ اﻝﺤﺴﺒﺎن اﻝﻌواﻤل
اﻝﺒﻴﺌﻴــﺔ ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻌﻼﻗــﺔ ،ﻓﺎﻝﺸــﺨص اﻝﻘــوي
ّ ﺒﺄﻫﻤﻴــﺔ ﻫــذﻩ اﻝﻌواﻤــل
ّ وﻴﻤﻴــل اﻝﻨﻔﺴــﻴون إﻝــﻰ اﻻﻋﺘﻘــﺎد
اﻝﻘﻴﺎدﻴــﺔ ،ﻻ ﺒـ ّـد و ّأﻨــﻪ ﺘﻌـ ّـرض إﻝــﻰ ﺨﺒـرات اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ
ّ اﻝﺒﻨﻴــﺔ ،واﻝــذي ﻴﻤﻴــل إﻝــﻰ اﻝﺴــﻴطرة وﺘــوﻝّﻲ اﻝﻤ ارﻜــز
49
وﻨﻤوﻩ ،أﺴﻬﻤت ﻓﻲ إﻜﺴﺎﺒﻪ ﻫذﻩ اﻝﺴﻠوﻜﺎت. ﻨﻔﺴﻴﺔ ،ﻓﻲ أﺜﻨﺎء طﻔوﻝﺘﻪ ّ ّ
ﺒﺄﻨﻬﺎ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس اﻹﻨﺴـﺎن ،ﻤـن ﺤﻴـث ﺘط ّـورﻩ وﺴـﻠوﻜﺎﺘﻪ ٕواذا ﻜﺎﻨت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،ﺘوﺼف ّ
ـﺈن ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس ﻴﺸــﺎرك اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ ﺴــﻠوك اﻹﻨﺴــﺎن .وﻝﻜـ ّـن اﻝﺨــﻼف
وأﻨﻤــﺎط ﺤﻴﺎﺘــﻪ ،ﻓـ ّ
أﻤـﺎ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓﺘرّﻜـز ﻋﻠـﻰ اﻝﺴـﻠوكأن ﻋﻠم اﻝﻨﻔس ﻴرّﻜز ﻋﻠـﻰ ﺴـﻠوك اﻹﻨﺴـﺎن اﻝﻔـردّ ، ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﻫو ّ
50
اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ﺒﺸﻜل ﻋﺎم .ﻜﻤﺎ ﺘدرس اﻝﺴﻠوك اﻝﺠﻤﺎﻋﻲ اﻝﻨﺎﺒﻊ ﻤن ﺘراث اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ.
أن ﻋﻠـم اﻝـﻨﻔس ﻴﻘﺼـر د ارﺴـﺘﻪ ﻋﻠـﻰ اﻝﻔـرد ،ﺒﻴﻨﻤـﺎ ﺘرّﻜـز اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻫﺘﻤﺎﻤﻬـﺎ
وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ
ﻓﺜﻤـﺔ
ﻋﻠﻰ اﻝﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤـن ﺠﻬـﺔ ،وﻋﻠـﻰ ﻜـ ّل ﻓـرد ﺒﺼـﻔﺘﻪ ﻋﻀـواً ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻝﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن ﺠﻬـﺔ أﺨـرىّ ،
أن اﻹﻨﺴــﺎن ﻻ ﻴﻌــﻴش إﻻّ ﻓــﻲ ﺒﻴﺌــﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ
ﺼـﻠﺔ وﺜﻴﻘــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻌﻠﻤــﻴن .ﺤﻴــث اﻜﺘﺸــف ﻋﻠﻤــﺎء اﻝــﻨﻔس ّ
ﻴؤﺜّر ﻓﻴﻬﺎ وﻴﺘﺄﺜّر ﺒﻬﺎ .
ـب اﻝد ارﺴ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻋﻠ ــم اﻝ ــﻨﻔس اﻻﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ ﻋﻠ ــﻰ اﻝﻤﺤﺎﻜ ــﺎة واﻝﺘﻘﻠﻴ ــد واﻝﻤﻴ ــول اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ،
وﺘﻨﺼ ـ ّ
اﻝﺘﺠﻤـﻊ ،إﻀـﺎﻓﺔ إﻝـﻰ د ارﺴـﺔ اﻻﺘّﺠﺎﻫـﺎت .ﻓﻘـد ﺼـدرت ّ ﻜﺎﻝﻤﺸﺎرﻜﺔ اﻝوﺠداﻨﻴﺔ واﻝﺘﻌـﺎون واﻝﻐﻴرﻴـﺔ وﻏرﻴـزة
د ارﺴـﺎت ﺨﺎﺼـﺔ ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ،اﻝﺘـﻲ ﺘﻌﻨـﻰ ﺒـﺎﻝظواﻫر اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ﻝﺒﻨـﻲ اﻝﺒﺸـر ﺤــﻴن
أن اﻝطﺒﻴﻌــﺔ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻤــن ﺼــﻤﻴم ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس اﻝﻌــﺎم ،ﻜﻤــﺎ ّأﻨﻬــﺎﻴﻌﻴﺸــون ﻓــﻲ طﺒﻘــﺔ أو ﺠﻤﺎﻋــﺔ ،ﺤﻴــث ّ
19
51
اﻝﻤﻬﻤـﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘواﺠـﻪ اﻝﺒﺎﺤـث
ّ أن
ﻋﺎﻤل ﺤﺘﻤـﻲ ﻓـﻲ ﺘﻜـوﻴن اﻝـﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ .وﻝـذﻝك ﻨـرى ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ ،ﻻ ﺘﺨﺘﻠــف ﻋــن ﺘﻠــك اﻝﻤﻬﻤ ـﺔّ اﻝﺘــﻲ ﺘواﺠــﻪ ﻋــﺎﻝم اﻝــﻨﻔس .ﻓﻜﻼﻫﻤــﺎ ﻋﻠﻴــﻪ أن ﻴﺴــﺘﺨﻠص
ﺼــﻔﺎت اﻝﺸ ــﻲء اﻝــذي ﻫ ــو ﻤوﻀــوع د ارﺴــﺘﻪ ،ﻤــن اﻝﺘﻌﺒﻴ ــر اﻝﺨــﺎرﺠﻲ ﻓ ــﻲ اﻝﺴــﻠوك ٕ ..وان ﻜ ــﺎن ﻋ ــﺎﻝم
ﻴﻌوﻗــﻪ اﻀــط اررﻩ إﻝــﻰ إدﺨــﺎل ﺨطــوة إﻀــﺎﻓﻴﺔ ﻓــﻲ ﻤﺴــﺘﻬ ّل ﻋﻤﻠــﻪ .ﻓﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴﺴــﺘطﻴﻊ ﻋــﺎﻝم
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ّ
اﻝــﻨﻔس أن ﻴﻼﺤــظ ﺴــﻠوك ﻤوﻀــوع ﺒﺤﺜــﻪ ﺒﺼــورة ﻤﺒﺎﺸ ـرة ،ﻴﻨﺒﻐــﻲ ﻋﻠــﻰ ﻋــﺎﻝم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ أن ﻴﺒﻨــﻲ
اﺴﺘﻨﺘﺎﺠﺎﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻨﻤﺎط اﻝﻤﺜﺎﻝﻴﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺘﻲ ﻴﺘﻨﺎوﻝﻬﺎ ﺒﺎﻝﺒﺤث.
ﻤﻬﻤﺔ ﻋـﺎﻝم اﻝـﻨﻔس ﻓـﻲ ﻤﻬﻤﺔ ﻋﺎﻝم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ ﻤﺤﺎوﻻﺘﻪ ﻝﻜﺸف ﺨﻔﺎﻴﺎ اﻷﻤور ،ﺘﺸﺒﻪ ّ وﻝﻜن ّّ
ﻴﺘوﺼل إﻝﻴﻬﺎ
ّ اﻝﺠﻬود اﻝﺘﻲ ﻴﺒذﻝﻬﺎ ﻓﻲ ﺴﺒر ﻏور اﻝﻌﻘل اﻝﺒﺎطن .وﻓﻲ ﻜﻼ اﻝﺤﺎﻝﻴن ،ﺘﺘﺄﻝّف اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ اﻝﺘﻲ
أﻤــﺎ اﻝﺤﻘـﺎﺌق اﻝﺘــﻲ ﺘﺴــﺘﻨد إﻝﻴﻬــﺎ ﻫــذﻩ اﻝﺘـﺄوﻴﻼت ،ﻓﻜﺜﻴـ اًر ﻤــﺎ ﺘﻜــون ﻗﺎﺒﻠــﺔ
اﻝﺒـﺎﺤﺜون ﻤــن ﺴﻠﺴـ52ـﻠﺔ ﺘــﺄوﻴﻼتّ ،
ﻷﻜﺜر ﻤن ﺘﻔﺴﻴر.
ﺘﻌد دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ دراﺴﺔ ﻝﻸﻨﻤﺎط اﻝﺴﻠوﻜﻴﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ،ﺒﻴﻨﻤﺎ ﺘﻌ ّـد اﻝد ارﺴـﺔ اﻝﻨﻔﺴ ّـﻴﺔ
ﻝذﻝكّ ،
ﺒﺎﻝﺸﺨﺼﻴﺔ اﻝﻔردﻴﺔ ،وأن ﻜﺎﻨت ﺘﺘﺄﺜّر ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
ّ دراﺴﺔ ﻝﻠﺴﻠوك اﻝﺨﺎص
20
ذاﺘﻬﺎ ،إﻝﻰ ﺠﺎﻨب اﻻﻝﺘـزام ﺒﺎﻝﻌﺼـﺒﻴﺔ اﻝﻘﺒﻠﻴـﺔ .وﻫـذا ﻴـﻨﻌﻜس ﻓـﻲ ﺴـﻠوﻜﻴﺔ اﻝﺴـﻜﺎن ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻝﻤﻨطﻘـﺔ أو
ﺘﻠـ ــك 54.وﻝـ ــذﻝك ،ﻴﻤﻴـ ــل ﻋﻠﻤـ ــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ إﻝـ ــﻰ إﻫﻤـ ــﺎل ﻤـ ــﺎ ﻴﺴـ ـ ّـﻤﻰ ﺒﺎﻝﻘـ ــدرات اﻝﻔطرﻴـ ــﺔ ﻝﻠﺸـ ــﻌوب
اﻹﻨﺴ ـ ـﺎﻨﻴﺔ ،وﻴـ ــؤﺜرون ﻜﺘﺎﺒـ ــﺔ ﺘـ ــﺎرﻴﺦ اﻝﺤﻀـ ــﺎرة ﻓـ ــﻲ ﻀـ ــوء ﻋواﻤـ ــل اﻝﺒﻴﺌـ ــﺔ واﻝﺤـ ــظ وﺘﺴﻠﺴـ ــل اﻷﺤـ ــداث
أن ﻝﻠﻤﻨﺎخ أﺜ اًر ﻓﻲ ﻨﺎﺘﺞ اﻝطﺎﻗﺔ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ،وﻫﻨـﺎك ﻤـن ﻴﻌﺘﻘـد ﺒوﺠـود ﻋﻼﻗـﺔ اﻝﻤﺘراﺒطﺔ .ﻓﻬﻨﺎك ﻤن ﻴﺠد ّ
ﻴﻤﻴـز ﺴـﻜﺎن ﻴﺘﻤﻴز ﺒﻪ ﺴﻜﺎن اﻝﻤﻨﺎطق اﻝﺤﺎرة ،أو اﻝﻨﺸﺎط اﻻﻨـدﻓﺎﻋﻲ اﻝـذي ّ ﺒﻴن اﻝطﻘس واﻝﺨﻤول اﻝذي ّ
اﻝﻤﻨـﺎطق اﻝﺒـﺎردة واﻝﻌﺎﺼـﻔﺔ .وﻀـﻤن ﻫـذﻩ اﻝرؤﻴـﺔ ،ﻗـﺎم اﻝـدﻜﺘور )وﻝـﻴم ﺒﻴﺘرﺴـن( W. Petersenﻓـﻲ
أواﺴــط اﻝﺴــﺘﻴﻨﺎت ﻤــن اﻝﻘــرن اﻝﻌﺸ ـرﻴن ،ﺒــﺈﺠراء ﺘﺤﻠﻴــل دﻗﻴــق ﻝﻼرﺘﺒــﺎط اﻝوﺜﻴــق ﺒــﻴن اﻝطﻘــس واﻝوظــﺎﺌف
اﻝﻔﻴﺴــﻴوﻝوﺠﻴﺔ ،وﺒﻨــﻰ د ارﺴــﺘﻪ ﻋﻠــﻰ اﻝﺘﻘـ ّـدم اﻝــذي أﺤــرزﻩ اﻝﻤرﻀــﻰ اﻝــذﻴن ﻜــﺎن ﻴﺸــرف ﻋﻠــﻰ ﻋﻼﺠﻬــم.
أن ﺘﻘﻠّﺒﺎت ﺤﺎﻝﺔ اﻝﻤرﻀﻰ ﺘﺘﺒﻊ ﻨﻤطﺎً ﻤﺸﺎﺒﻬﺎً ﻝﺘراوﺤﺎت اﻝﻀـﻐط اﻝﺒـﺎروﻤﺘري، وﺘﺒﻴن ﻤن ﻨﺘﺎﺌﺞ أﺒﺤﺎﺜﻪّ ، ّ
55
وﻜﺄن اﻝظﺎﻫرة اﻷوﻝﻰ ﺘﺘﺄﺜّر ﺒﺎﻝﺜﺎﻨﻴﺔ. ّ وﺒدا
ﻝﻠﺘﻜﻴـ ــف ﻤـ ــﻊ أﻨ ـ ـواع اﻝﺒﻴﺌـ ــﺎت
أن وظـ ــﺎﺌف اﻹﻨﺴـ ــﺎن اﻝﻔﺴ ــﻴوﻝوﺠﻴﺔ ﻗﺎﺒﻠـ ــﺔ ّ ٕواذا ﻜ ــﺎن ﻤـ ــن اﻝﺼـ ــﺤﻴﺢ ّ
أﻫﻤﻴـﺔ
ﻓﺈﻨﻪ ﻤـن اﻝﺴـﻬل – ﻓـﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒـل – أن ﻨﺘﺼ ّـور أن ﺒﻌـض ﺠواﻨـب اﻝﺒﻴﺌـﺔ ،ﺘﻜـون أﻜﺜـر ّ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔّ ،
ﻤﻌﻴﻨـﺔ ﻤـن ﺘـﺎرﻴﺦ اﻝﺘط ّـور اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ،اﻝﺤﻀـﺎري واﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ وﺘﺄﺜﻴ اًر ﻤن ﺒﻌﻀـﻬﺎ اﻵﺨـر ،ﻓـﻲ ﻤ ارﺤـل ّ
واﻝﺜﻘ ـ ــﺎﻓﻲ ...وﻫ ـ ــذا ﻜﻠّـ ــﻪ ﻴ ـ ــدﺨل ﻓ ـ ــﻲ ﺠ ـ ــوﻫر اﻝد ارﺴ ـ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ـ ــﺔ وأﻫ ـ ــداﻓﻬﺎ .وﻫﻜ ـ ــذا ،ﺘُﺸـ ـ ـ ّﻜل
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻤــﻊ اﻝﻌﻠــوم اﻷﺨـرى ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ اﻝﻌﻠــوم اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،ﻤﻨظوﻤـﺔ ﻤــن اﻝﻤﻌــﺎرف واﻝﻤوﻀــوﻋﺎت
اﻝﺘﻲ ﺘدور ﺤول ﻜﺎﺌن ﻤوﻀوع اﻝدراﺴﺔ ،وﻫو اﻹﻨﺴﺎن .وﻴﺄﺘﻲ ﻫذا اﻝﺘﺸﺎﺒك )اﻝﺘﻜﺎﻤل( ﺒﻴن ﻫـذﻩ اﻝﻌﻠـوم
ﺒــﺎﻝﻨظر إﻝــﻰ ﺘﻠــك اﻷطــر اﻝﻤﻌرﻓﻴــﺔ واﻝﻤﻨــﺎﻫﺞ اﻝﺘﺤﻠﻴﻠﻴــﺔ ،اﻝﺘــﻲ ﺘــﻨظّم اﻝﻌﻼﻗــﺔ اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝــﺔ واﻝﻤﺘﻜﺎﻤﻠــﺔ ﺒــﻴن
اﻝﻤﺠﺎﻻت اﻝﻤﻌرﻓﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺴﻌﻰ إﻝﻴﻬﺎ ﻫذﻩ اﻝﻌﻠوم.
اﻝﻤﺤور اﻝﺜﺎﻨﻲ
21
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝراﺒﻌﺔ :دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ واﺘﺠﺎﻫﺎﺘﻬﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼرة
ﺘﻤﻬﻴد
ﺘﺘم
ﻝم ﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻗﺒل اﻝﻨﺼف اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ،ﺘﻘﺴﻴﻤﺎت وﻓروﻋﺎً ،إذ ﻜﺎﻨت ّ
ﻷﻏراض ﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻝﺒﺎﺤث أو ﻤن ﻴﻜﻠّﻔﻪ ،ﻜدراﺴﺔ ﺤﻴﺎة ﺒﻌض اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت أو ﻤﻜوﻨﺎﺘﻬﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ .
وﻤ ــﻊ اﻨطﻼﻗﺘﻬ ــﺎ ﻓ ــﻲ اﻝﺴ ــﺘﻴﻨﺎت واﻝﺴ ــﺒﻌﻴﻨﺎت ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ،ﺤﻴ ــث أﺨ ــذت ﺘﺘﺒﻠ ــور ﻤﺒﺎدﺌﻬ ــﺎ
ﺠﺎدة ﻝﺘوﺼﻴﻔﻬﺎ ﻜﻌﻠم ﺨﺎص ،وﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ وﻀـﻊ ﺘﻘﺴـﻴﻤﺎت ﻝﻬـﺎ وﻓـروع ﻤـن ﺜﻤﺔ ﻤﺤﺎوﻻت ّ وأﻫداﻓﻬﺎ ،ﻜﺎﻨت ّ
أﺠــل ﺘﺤﻘﻴــق اﻝﻤﻨﻬﺠﻴــﺔ اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴــﺔ ﻤــن ﺠﻬــﺔ ،واﻝﺸــﻤوﻝﻴﺔ اﻝﺒﺤﺜﻴــﺔ اﻝﺘﻜﺎﻤﻠﻴــﺔ ﻤــن ﺠﻬــﺔ أﺨــرى .ﻓظﻬــرت
ﻨﺘﻴﺠــﺔ ذﻝــك ﺘﺼــﻨﻴﻔﺎت ﻤﺘﻌـ ّـددة ،اﺴــﺘﻨد ﺒﻌﻀــﻬﺎ إﻝــﻰ طﺒﻴﻌــﺔ اﻝد ارﺴــﺔ وﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻬــﺎ ،ﺒﻴﻨﻤــﺎ اﺴــﺘﻨد ﺒﻌﻀــﻬﺎ
اﻵﺨر إﻝﻰ أﻫداﻓﻬﺎ .
ﻤﻘدﻤـﺔ ﻓــﻲ اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ " اﻝﺼــﺎدر ﻋــﺎم
ﻗﺴــﻤﻬﺎ ) ارﻝــف ﺒـدﻨﺠﺘون( ﻓــﻲ ﻜﺘﺎﺒــﻪ " ّ
ﻓﻘـد ّ
، 1960إﻝﻰ ﻗﺴﻤﻴن أﺴﺎﺴﻴﻴن ) :اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﻀوﻴﺔ أو اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ،واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ (.
ﻗﺴـﻤﻬﺎ ﻓـﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ " اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ " اﻝﺼـﺎدر ﻋـﺎم ،1972إﻝـﻰ ﺜﻼﺜـﺔ
أﻤﺎ ) ﺒﺎرﻨو ( ﻓﻘـد ّ
ّ
أﻗﺴﺎم ،ﻫﻲ ) :اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴﺔ ،اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ أو اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ واﻝﺸﺨﺼـﻴﺔ ،اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ (.
أن اﻻﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴــﺔ ،ﻫـﻲ أﻗـرب إﻝــﻰ اﻝﻤـﻨﻬﺞ اﻝﺒﺤﺜـﻲ وﻝﻴﺴــت ﻓرﻋـﺎً ﻤـن ﻋﻠــم ٕواذا اﻋﺘﺒرﻨـﺎ ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،وﻤــن ﺜـ ّـم ﻗﻤﻨــﺎ ﺒﻌﻤﻠﻴــﺔ ﺘوﻝﻴــف ﺒــﻴن اﻷﻗﺴــﺎم اﻷﺨــرى ﻓــﻲ اﻝﺘﺼــﻨﻴﻔﻴن اﻝﺴــﺎﺒﻘﻴن ،أﻤﻜﻨﻨــﺎ
اﻝوﺼ ــول إﻝ ــﻰ اﻝﺘﺼ ــﻨﻴف اﻝﺘ ــﺎﻝﻲ اﻝ ــذي ﻴﻀ ـ ّـم أرﺒﻌ ــﺔ ﻓ ــروع )أﻗﺴ ــﺎم( رﺌﻴﺴ ــﺔ ﺘﺸ ــﻤل اﻝﺠواﻨ ــب اﻝﻤﺘﻌﻠّﻘ ــﺔ
ﺒﺎﻹﻨﺴــﺎن ) اﻝﻔــرد واﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ( ،وﻫــﻲ ) :اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻌﻀــوﻴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ ،اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻨﻔﺴـ ّـﻴﺔ،
ﺘﻌرف ﻓﻴﻤــﺎ ﻴﻠــﻲ ﻋﻠــﻰ ﻜ ـ ّل ﻓــرع ﻤــن ﻫــذﻩاﻷﻨﺜروﺒوﺒوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ،اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ( .وﺴــﻨ ّ
اﻝﻔروع.
22
اﻝﻤﺤﺴوس ،واﻝواﻗﻊ اﻝﻤﻠﻤوس ﻜﺄدوات ﻝﻠﻤﻌرﻓﺔ ،ﻜﻤﺎ ﺘدﻋو إﻝﻰ اﻝﺘﻔﺎؤل ﺒﻤﺴﺘﻘﺒل اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ.
إﻻّ أن أﺤــداث اﻝﺤــرب اﻝﻌﺎﻝﻤﻴــﺔ اﻷوﻝــﻰ وﻨﺘﺎﺌﺠﻬــﺎ اﻝﺴــﻠﺒﻴﺔ ﻋﻠــﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ ،ﺒـ ّـددت ﻫــذا
اﻝﺘﻔﺎؤل ،وأﺤﻠّت ﻤﺤﻠّـﻪ اﻝﻨظـرة اﻝﺘﺸـﺎؤﻤﻴﺔ .وﻫـذا ﻤـﺎ ﺒـدا ﻓـﻲ ﻨظـرة اﻝﻔﻼﺴـﻔﺔ إﻝـﻰ ﻤﺸـﻜﻼت اﻹﻨﺴـﺎن ﻓـﻲ
أن اﻝﻤﺴـﺘﻘﺒل ﺼـﻌب وﻤظﻠـم ﻤـﻊ ظﻬـور اﻝﻨﺎزﻴـﺔ ﺤد اﻋﺘﻘﺎد ﺒﻌﻀﻬم ّ ﻫذا اﻝﻘرن )اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ( ،إﻝﻰ ّ
ﻓــﻲ أﻝﻤﺎﻨﻴــﺎ ،واﻝﻔﺎﺸــﻴﺔ ﻓــﻲ إﻴطﺎﻝﻴــﺎ .وﺒﻠــﻎ ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ ذروﺘــﻪ ﻓﻴﻤــﺎ ﻋــرف ﺒﺎﻝﺤرﻜــﺔ) اﻝوﺠودﻴــﺔ( اﻝﺘــﻲ
ﺸﺎﻋت ﻓﻲ ﻓرﻨﺴﺎ ،وﻋﻠﻰ رأﺴﻬﺎ) ﺠﺎن ﺒول ﺴﺎرﺘر( اﻝذي ﻋﺎش ﻤﺎ ﺒﻴن )(1980 -1905
وﺒــرز ﻤﻘﺎﺒ ـل ﻫــذا اﻻﺘﺠــﺎﻩ اﻝﺘﺸــﺎؤﻤﻲ ،اﺘﺠــﺎﻩ آﺨــر اﺘّﺼــف ﺒﺎﻝﺘﻔــﺎؤل ،ﻜــﺎن ﻤــن أﺒــرز رواّدﻩ ﻓــﻲ
أﻤرﻴﻜ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ اﻝﻔﻴﻠﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف اﻝﺘرﺒ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوي ) ﺠ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون دﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوي ( اﻝ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ﻋ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎش ﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ ﺒ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻴن
وﺘﺒﻨــﻰ ﻓﻴــﻪ ﻤوﻗﻔـﺎً ﺼـرﻴﺤﺎً ) .(1952-1859ﻓﻘــد أﺼــدر ﻜﺘﺎﺒــﻪ اﻝﺸــﻬﻴر " إﻋــﺎدة اﻝﺒﻨــﺎء ﻓــﻲ اﻝﻔﻠﺴــﻔﺔ " ّ
ﻤﻨﺎﻫﻀﺎً ﻝﻠﻔﻠﺴﻔﺔ اﻝﻤﻴﺘﺎﻓﻴزﻴﻘﻴﺔ .
ودﻋ ــﺎ ﻓﻴ ــﻪ إﻝ ــﻰ ﻀ ــرورة اﻻﻫﺘﻤ ــﺎم ﺒﺎﻝﺒﺤ ــث ﻋ ــن اﻝﻘ ــوى اﻝﻤﻌﻨوﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﺘﺤ ـ ّـرك ﻤﻨﺎﺸ ــط اﻹﻨﺴ ــﺎن،
أن ﻝدى ﻫذا اﻹﻨﺴﺎن اﻝﻜﺜﻴر ﻤن اﻹﻤﻜﺎﻨﺎت واﻝﻘـدرات اﻝﺘـﻲ ﻴﻤﻜﻨـﻪ ﺒواﺴـطﺘﻬﺎ اﻝﺨـروج ﻻﻋﺘﻘﺎد) دﻴوي( ّ
ﻤن أزﻤﺘﻪ اﻝراﻫﻨﺔ ..ﻜﻤﺎ ﺘﺴﺎﻋدﻩ ﻓﻲ ﻤﺸـﻜﻼﺘﻪ اﻝﺤﻴﺎﺘﻴـﺔ اﻝﻤﺘ ازﻴـدة ،دون اﻝﻠﺠـوء إﻝـﻰ ﻗـوى ﺨﺎرﺠـﺔ ﻋـن
ﻨطﺎق اﻝطﺒﻴﻌﺔ .
وﻜ ــﺎن ﻝﻠ ــدﻴن أﻴﻀـ ـﺎً ﺘﺄﺜﻴ ارﺘ ــﻪ ﻓ ــﻲ ﺘﺸ ــﻜﻴل اﻝﻔﻜ ــر اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻲ ﻓ ــﻲ اﻝﻌﻘ ــود اﻷوﻝ ــﻰ ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن
أن ذﻝ ــك اﻝﺘ ــﺄﺜﻴر ﺘﻀ ــﺎءل أﻤ ــﺎم ﺘﻌ ــﺎظم اﻝﺘﻴ ــﺎرات
اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ،وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻠ ــﻰ اﻝ ــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ .إﻻّ ّ
اﻝﺘﺤررﻴﺔ وﻤﺎ راﻓﻘﻬﺎ ﻤـن إﻨﺠـﺎزات ﻋﻠﻤﻴـﺔ ﻫﺎﺌﻠـﺔ ،اﻷﻤـر اﻝـذي ﺤـدا ﺒﺎﻝﻜﻨﻴﺴـﺔ ﻓـﻲ ﺒداﻴـﺔ اﻝﻨﺼـف اﻝﺜـﺎﻨﻲ ّ
ﺘﻘﺒـل ﻓﻜـرة اﻝﺤـوار وﺤرﻴـﺔ اﻝﻤﻨﺎﻗﺸـﺔ ﻓـﻲ اﻷﻤـور اﻝدﻴﻨﻴـﺔ واﻝدﻨﻴوﻴـﺔ ﺒﻌﻴـداً ﻋـن ّ ـﻰ ﻝ إ ﻴن،
ر اﻝﻌﺸ اﻝﻘرن ﻤن
اﻷﺴﺎﻝﻴب اﻝﻘﻤﻌﻴﺔ اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ.
أﺴﺎﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ﻋﺎﻤﺔ ،وﻓـﻲ اﻝﻔﻜـر اﻷﻨﺜرﺒوﻝـوﺠﻲ ّ وﻫﻜذا ،ﺸ ّﻜل ﻫذا اﻝﻌﻠم دﻋﺎﻤﺔ
ﺨﺎﺼــﺔ ،ﺤﻴــث ﻜــﺎن وﺜﻴــق اﻝﺼــﻠﺔ ﺒــﺎﻝﻔﻜر اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ واﻝﻘﻀــﺎﻴﺎ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ اﻝﺘــﻲ أﺴــﻬﻤت ﻓــﻲ ﺘﺤدﻴــد
ﻤوﻀوﻋﺎت اﻝدراﺴﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ،وﻤﻨﺎﻫﺠﻬﺎ وأﻫداﻓﻬﺎ .
23
-1اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ :
ـﻨﻘدم ﻓﻴﻤـﺎ ﻴﻠـﻲ
وﻴﻘﺴم إﻝﻰ ﻗﺴﻤﻴن :اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌـﻲ ،واﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴـﻲ .وﺴ ّ
ﻋرﻀﺎً ﻤوﺠ اّز ﻝﻜ ّل ﻤﻨﻬﻤﺎ .
أن اﻝﻔﻜــر اﻝﺘطـ ّـوري ﻝﻠﺤﻀــﺎرات اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،أﺼــﺒﺢأ -اﻻ ﺘّﺠـــﺎﻩ اﻝﺘـــﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌـــﻲ :ذﻜرﻨــﺎ ّ
ﺴــﺎﺌداً ﻓــﻲ اﻝﻨﺼــف اﻝﺜــﺎﻨﻲ ﻤــن اﻝﻘــرن اﻝﺘﺎﺴــﻊ ﻋﺸــر ،ﺤﻴــث ﺒــدأت ﺘﺘﺒﻠــور اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ
أن ﻨﺸــﺄة اﻝﺤﻀــﺎرة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬــﺎ
.وظﻬــر إﻝــﻰ ﺠﺎﻨﺒــﻪ أﻴﻀ ـﺎً اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎري اﻝــذي ﻴﻌﺘﻤــد ﻋﻠــﻰ ّ
ﺘرﺠﻊ إﻝﻰ ﻤﺼدر )ﻤﺠﺘﻤﻊ( واﺤد ،وﻤﻨﻪ اﻨﺘﺸرت إﻝﻰ أﻤﺎﻜن أﺨرى ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝم .
وﻴوﺠــد اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎري ﻓــﻲ ﻜـ ّل ﻤــن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔٕ ،وان
ﺨﺎﺼﺎّ ﻓﻲ ﻜ ّل ﻤﻨﻬﻤﺎ .ﻓﺘطﺒﻴق اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸﺎري ﻓﻲ ﻤﺠﺎل اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻴﺘﻌﻠّق ّ أﺨذ طﺎﺒﻌﺎً
ﺒﺠﻤــﻊ اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ،ﺒﻤــﺎ ﻓــﻲ ذﻝــك ﻤــن اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺘﻜﻨوﻝوﺠﻴــﺔ واﻝﻔﻜرﻴــﺔ ،ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴﻘﺘﺼــر ﻓــﻲ ﻤﺠــﺎل
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،ﻋﻠــﻰ اﻝﻌﻼﻗــﺎت واﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻝﺴــﺎﺌدة ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ،واﻝﺘــﻲ ﺘﺸــﻤل
ﺒﻌض اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﻻ ﺘﺸﻤﻠﻬﺎ ﻜﻠّﻬﺎ .
أن اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻜﺜﻴ اًر ﻤﺎ ﺘﺴﺘﻌﺎر أو ﺘﻨﻘل ﻤن ﻤﻜﺎن وﻴﻘوم اﻻﺘﺠﺎﻩ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻤﺒدأ ﻫﺎم ،وﻫو ّ
ﻓﺈن ﺘﺸﺎﺒﻪ اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﻌﺎدات ،ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻝواﺤد أو ﻓﻲ إﻝﻰ ﻤﻜﺎن آﺨر .وﺒﻨﺎء ﻋﻠﻰ ذﻝكّ ،
اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻻ ﻴﻨﺸﺄ ﻋﻠﻰ ﻨﺤـو ﺘﻠﻘـﺎﺌﻲٕ ،واّﻨﻤـﺎ ﻨـﺎﺘﺞ ﻋـن اﻝﺘﺸـﺎﺒﻪ ﻓـﻲ اﻹﻤﻜﺎﻨـﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ
57
اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ واﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ.
ّ و
ـﺘﻤر اﻫﺘﻤــﺎم اﻝﺒــﺎﺤﺜﻴن ﺒﺎﺴــﺘﺨدام اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ ﻓــﻲ ﺘﻔﺴــﻴر ظــﺎﻫرة
وﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ذﻝــك ،اﺴـ ّ
اﻝﺘﺒﺎﻴن ﺒﻴن اﻝﺤﻀﺎرات ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ .واﻋﺘﻤد ﻫذا اﻻﺘّﺠﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﻤﺒدأﻴن اﺜﻨﻴن .
أن اﻻﺘّﺼﺎل ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻜﺎن ﺒﻔﻌل اﻻﺤﺘﻜـﺎك اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀـﺎري ،اﻝﻤﺒﺎﺸـر
أوﻝﻬﻤﺎ ّ :
وﻏﻴر اﻝﻤﺒﺎﺸر.
اﻝﻤﻜوﻨــﺎت )اﻝﺨﺼـﺎﺌص( اﻝﺤﻀــﺎرﻴﺔ أو ﻜﻠّﻬــﺎ ،ﻤــن ﻤﺼــﺎدرﻫﺎ ّ وﺜﺎﻨﻴﻬﻤــﺎ :ﻋﻤﻠﻴـﺔ اﻨﺘﺸــﺎر ﺒﻌــض
اﻷﺼﻠﻴﺔ إﻝﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى ،ﺴواء ﺒﺎﻝرﺤﻼت اﻝﺘﺠﺎرﻴﺔ أو ﺒﺎﻝﻜﺸـوف أو ﺒـﺎﻝﺤروب
واﻻﺴ ــﺘﻌﻤﺎر .وﻫ ــذان اﻝﻤﺒ ــدآن ﻤﺘﻜ ــﺎﻤﻼن ﻓ ــﻲ د ارﺴ ــﺔ اﻝظـ ـواﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ ،وﻴﻤﻜ ــن ﻤ ــن
ﺨﻼﻝﻬﻤﺎ ﺘﻔﺴﻴر اﻝﺘﺒﺎﻴن اﻝﺤﻀﺎري ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب .
وﻗــد اﻋﺘﻤــد ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ ﻤﻨﻬﺠ ـﺎً ﺘﺎرﻴﺨﻴ ـﺎً –ﺠﻐراﻓﻴ ـﺎً ،ﻗــﺎدﻩ اﻷﻝﻤــﺎﻨﻲ )ﻓرﻴــدرﻴك ارﺘ ـزال ( اﻝــذي رّﻜــز
أﻫﻤﻴﺔ اﻻﺘّﺼﺎﻻت واﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ودورﻫﺎ ﻓﻲ ﻨﻤو اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﺨﺎﺼـﺔ ﻋﻠﻰ ّ
واﻝﻌﺎﻤ ــﺔ .وﺘﺒﻌ ــﻪ ﻓ ــﻲ ذﻝ ــك ﺘﻼﻤذﺘ ــﻪ ،وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ) ﻫ ــوﻴﻨرﻴﺦ ﺸ ــورﺘز( اﻝ ــذي أﺒ ــرز ﻓﻜـ ـرة وﺠ ــود ﻋﻼﻗ ــﺎت
ﺤﻀــﺎرﻴﺔ ﺒــﻴن اﻝﻌــﺎﻝم اﻝﻘــدﻴم )إﻨدوﻨﻴﺴــﻴﺎ وﻤﺎﻝﻴزﻴــﺎ( واﻝﻌــﺎﻝم اﻝﺠدﻴــد )أﻤرﻴﻜــﺎ( .وﻜــذﻝك )ﻝﻴــوﻓرو ﺒﻴﻨﻴــوس (
ﺼﺎﺤب ﻨظرﻴﺔ )اﻻﻨﺘﺸﺎر اﻝﺤﻀﺎري( ﺒﻴن إﻨدوﻨﻴﺴﻴﺎ وأﻓرﻴﻘﻴﺎ.
واﻨطﻼﻗـ ـﺎً ﻤ ــن ﻫ ــذا اﻻﺘّﺠ ــﺎﻩ ،ظﻬ ــرت ﻓ ــﻲ أوروﺒ ــﺎ ﻨظرﻴﺘ ــﺎن ﻤﺨﺘﻠﻔﺘ ــﺎن ﺤ ــول اﻝﺘﻔﺴ ــﻴر اﻻﻨﺘﺸ ــﺎري
ﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ.
اﻝﻨظرﻴﺔ اﻷوﻝﻰ :ﻫﻲ اﻝﻨظرﻴﺔ اﻻﻨﺘﺸﺎرﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﻌﺘﻤد اﻷﺼل اﻝﻤرﻜزي اﻝواﺤد ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺤﻀـﺎرة .
24
ﺴــﺎدت ﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ ﻓــﻲ إﻨﻜﻠﺘ ـرا ،وأرﺠﻌــت ﻨﺸــﺄة اﻝﺤﻀــﺎرة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬــﺎ إﻝــﻰ ﻤﺼــدر واﺤــد ،وﻤﻨــﻪ
اﻨﺘﺸرت إﻝﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ اﻷﺨرى.
رواد ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ،ﻋﺎﻝم اﻝﺘﺸرﻴﺢ ) إﻝﻴوت ﺴﻤﻴث ( وﺘﻠﻤﻴـذﻩ ) وﻝـﻴم ﺒﻴـري ( اﻝﻠـذان أرﻴـﺎ وﻜﺎن ﻤن ّ
أن اﻝﺤﻀــﺎرة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،ﻨﺸــﺄت وازدﻫــرت ﻋﻠــﻰ ﻀــﻔﺎف اﻝﻨﻴــل ﻓــﻲ ﻤﺼــر اﻝﻘدﻴﻤــﺔ ،ﻤﻨــذ ﺤـواﻝﻲ ﺨﻤﺴــﺔ
ّ
آﻻف ﺴﻨﺔ ﻗﺒل اﻝﻤﻴﻼد .
وﻋﻨدﻤﺎ ﺘواﻓرت اﻝظـروف اﻝﻤﻨﺎﺴـﺒﺔ ﻝﻠﺘواﺼـل ﺒـﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋـﺎت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ،ﺒـدأت ﺒﻌـض ﻤظـﺎﻫر ﺘﻠـك
اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ ﺘﻨﺘﻘــل إﻝــﻰ أرﺠــﺎء ﻤﺘﻌـ ّـددة ﻤــن اﻝﻌــﺎﻝم ،ﺤﻴــث ﻋﺠــزت ﺸــﻌوﺒﻬﺎ ﻋــن اﻝﺘﻘـ ّـدم
58
ﺘﻌوض ﻋن ذﻝك اﻝﻌﺠز ﺒﺎﻻﺴﺘﻴراد واﻝﺘﻘﻠﻴد. اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ واﻻﺒﺘﻜﺎر اﻝﺤﻀﺎري ،ﻓراﺤت ّ
ﻝﻘ ــد ﻨ ــﺎل ) إﻝﻴ ــوت ﺴ ــﻤﻴث ( ﺸ ــﻬرة ﻜﺒﻴـ ـرة ﻋ ــن ﺠ ــدارة ،ﻨﺘﻴﺠ ــﺔ أﺒﺤﺎﺜ ــﻪ ﻋ ــن اﻝﻤ ــﺦ ود ارﺴ ــﺎﺘﻪ ﻓ ــﻲ
ـب ﻓ ــﻲ إﺤ ــدى ﻓﺘـ ـرات ﺤﻴﺎﺘ ــﻪ ﻋﻠ ــﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺔ اﻝﻘدﻴﻤ ــﺔ ) ،(Paleo-anthropologyﺤﻴ ــث اﻨﻜ ـ ّ
د ارﺴ ــﺔ اﻝﻤ ــﺦ ﻓ ــﻲ اﻝﻤوﻤﻴ ــﺎء اﻝﻤﺼـ ـرﻴﺔ .وﻗﺎدﺘ ــﻪ أﺒﺤﺎﺜ ــﻪ ﻫ ــذﻩ إﻝ ــﻰ اﻹﻗﺎﻤ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻤﺼ ــر ،ﺤﻴ ــث أدﻫﺸ ــﺘﻪ
أن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ ،ﺘﻀـ ّـم اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ .وأﺨــذ ،ﻜﻤــﺎ ﻓﻌــل اﻝﻌدﻴــدون ،ﻴﻼﺤــظ ّ
أن ﻝﻬــﺎ ﻤــﺎ ﻴوازﻴﻬــﺎ ﻓــﻲ ﺜﻘﺎﻓــﺎت ﺒﻘــﺎع أﺨــرى ﻤــن اﻝﻌــﺎﻝم ،وﻗﻠﺒــت ﻨظرﻴﺎﺘــﻪ اﻝﺠرﻴﺌــﺔ،ﻋﻨﺎﺼــر ﻜﺜﻴـرة ﻴﺒــدو ّ
ﺒﺄن اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﻤﺘﺸﺎﺒﻬﺔ ﻓﻲ ﺤوض اﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ ﻋن اﻝزﻤﺎن واﻝﻤﻜﺎن .ﻓﻠم ﻴﻘﺘﺼر ﻋﻠﻰ اﻝﻘول ّ
أن
اﻝﺒﺤ ــر اﻷﺒ ــﻴض اﻝﻤﺘوﺴ ــط وأﻓرﻴﻘﻴ ــﺎ واﻝﺸ ــرق اﻷدﻨ ــﻰ واﻝﻬﻨ ــد ،ﻤ ــن أﺼ ــل ﻤﺼ ــري ،ﺒ ــل ذﻫ ــب إﻝ ــﻰ ّ
اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﻤﻤﺎﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺜﻘﺎﻓﺎت أﻨدوﻨﻴﺴﻴﺎ واﻷﻤرﻴﻜﺘﻴن ،ﺘﻨﺒﻊ ﻤن اﻝﻤﺼدر اﻝﻤﺼري ذاﺘﻪ .
أﻤــﺎ ) وﻝــﻴم ﺒﻴــري ( ﻓﻘــد أﻋطــﻰ ﻓــﻲ ﻜﺘﺎﺒــﻪ )أﺒﻨــﺎء اﻝﺸــﻤس( ﺸــرﺤﺎ ﻜــﺎﻤﻼً ﻝﻠﻨظرﻴــﺔ " اﻝﻬﻴﻠﻴوﻝﻴﺘﻴــﺔ ّ
" Heliolithicوﻫ ــو اﻻﺴ ــم اﻝ ــذي أطﻠ ــق ﻋﻠ ــﻰ /اﻝﻤدرﺴ ــﺔ اﻻﻨﺘﺸ ــﺎرﻴﺔ /ﻋ ــن ﺘ ــﺎرﻴﺦ اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ .ﻓﻌﻨـ ـوان
أن أﺼــﻠﻪ ﻓــﻲ ﻤﺼــر، اﻝﻤﺠﻤــﻊ اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ اﻝــذي ﺘــزﻋم ﻫــذﻩ اﻝﻤدرﺴــﺔ ّ
ّ اﻝﻜﺘــﺎب ،ﻴﺸــﻴر إﻝــﻰ أﺤــد ﻋﻨﺎﺼــر
اﻝﻤﺠﻤــﻊ ﻫــﻲ :
ّ ـﺄن اﻝﻤﻠــك اﺒــن اﻝﺸــﻤس ،واﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻷﺨــرى ﻓــﻲ ﻫــذا وﻤﻨﻬــﺎ اﻨﺘﺸــر ..وﻫــو اﻻﻋﺘﻘــﺎد ﺒـ ّ
59
اﻝﺘﺤﻨﻴط ،ﺒﻨﺎء اﻷﻫراﻤﺎت ،واﻝﻘﻴﻤﺔ اﻝﻜﺒرى ﻝﻠذﻫب واﻝﻶﻝﻰء.
أن ﺒﻨــﺎء اﻷﻫ ارﻤــﺎت أﻴﻀ ـﺎً ﻤــن ﻤﻨﺸــﺄ ﻤﺼــري ،ﻜﻤــﺎ ﻫــﻲ
وﺘﻨطﻠــق ﺒ ـراﻫﻴن ) ﺴــﻤﻴث وﺒﻴــري ( ﻤــن ّ
اﻝﺤــﺎل ﻓــﻲ أﻫ ارﻤــﺎت اﻝﻤﻜﺴــﻴك .وﻜــذﻝك اﻷﻤــر ﻓــﻲ اﺤﺘﻔــﺎظ اﻷﻓ ـرﻴﻘﻴﻴن ﺒﻌظــم ﺴــﺎق اﻝﻤﻠــك اﻝﻤﺘــوﻓّﻰ،
ﻻﺴﺘﻌﻤﺎﻝﻪ ﻓﻲ اﻝطﻘوس اﻝدﻴﻨﻴﺔ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻻﻨﺘﺸﺎر ﻋﺎدة اﻝﺘﺤﻨﻴط ﻋﻨد اﻝﻤﺼرﻴﻴن.
اﻝﻨظرﻴـــﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴـــﺔ :ﻫ ــﻲ اﻝﻨظرﻴ ــﺔ اﻻﻨﺘﺸ ــﺎرﻴﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﺘﻌﺘﻤ ــد اﻷﺼ ــل اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀ ــﺎري ،اﻝﻤﺘﻌ ـ ّـدد
اﻝﻤراﻜز .وﻜﺎن ﻤن دﻋﺎة ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ،ﻓرﻴق ﻤن اﻝﻌﻠﻤﺎء اﻷﻝﻤﺎن واﻝﻨﻤﺴﺎوﻴﻴن ،وﻓﻲ طﻠﻴﻌﺘﻬم ) ﻓرﻴﺘـز
ﺠراﻴﻨور ( اﻝذي ﻋﺎش ﻓﻲ اﻝﻔﺘرة ﻤﺎ ﺒﻴن (1934-1875و)وﻝﻴم ﺸﻤﻴدت ( اﻝذي ﻋﺎش ﻓﻲ اﻝﻔﺘـرة ﻤـﺎ
ﺒﻴن ). (1959-1868
ﻷن ﻫـذﻩ اﻝﻔﻜـرة ﻀـرب ﻝﻘد رﻓض ﻫـذا اﻝﻔرﻴـق ﻓﻜـرة اﻝﻤﻨﺸـﺄ) اﻝﻤرﻜـز( اﻝواﺤـد ﻝﻠﺤﻀـﺎرة اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔّ ،
ﻤن اﻝﺨﻴﺎل أﻜﺜر ﻤن ﻗرﺒﻬﺎ إﻝﻰ اﻷﺴﺎس اﻝﻌﻠﻤﻲ .واﻓﺘرﻀوا وﺠود ﻤراﻜز ﺤﻀـﺎرﻴﺔ أﺴﺎﺴـﻴﺔ وﻋدﻴـدة ،
ﻓــﻲ أﻤــﺎﻜن ﻤﺘﻔرﻗــﺔ ﻓــﻲ اﻝﻌــﺎﻝم .وﻨﺸــﺄ ﻤــن اﻝﺘﻘــﺎء ﻫــذﻩ اﻝﺤﻀــﺎرات ،ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻤــﻊ ﺒﻌــض ،دواﺌــر ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ
ﺘﻔﺎﻋﻠت ﺒﺒﻌض ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻻﻨﺼﻬﺎر واﻝﺘﺸﻜﻴﻼت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .
وﻜﺎن ) وﻴﺴﻠر ( ّأول ﻤـن اﺴـﺘﻌﻤل )اﻝـداﺌرة اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ( ﺒﻬـذا اﻝﻤﻌﻨـﻰ ،ﻓـﻲ ﺒﺤﺜـﻪ ﻋـن ﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻝﻬﻨـود
25
اﻷﻤ ـرﻴﻜﻴﻴن .وﻻ ﻴ ـزال ﺘﻌرﻴﻔــﻪ ﻝﻬــذا اﻝﻤﻔﻬــوم ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﺘﻌدﻴﻠــﻪ ،ﻤﻨــذ ذﻝــك اﻝوﻗــت ﻤﻔﻴــدا ﻓــﻲ ﻫــذا
اﻝﻤﺠ ـ ــﺎل .ﻴﻘ ـ ــول ) وﻴﺴ ـ ــﻠر ( " :إذا أﻤﻜﻨﻨ ـ ــﺎ ﺘﺠﻤﻴ ـ ــﻊ ﺴ ـ ــﻜﺎن اﻝﻌ ـ ــﺎﻝم اﻝﺠدﻴ ـ ــد اﻷﺼ ـ ــﻠﻴﻴن ،أي اﻝﻬﻨ ـ ــود
اﻷﻤـ ـرﻴﻜﻴﻴن ،ﻓﺴﻨﺤﺼ ــل ﻋﻠ ــﻰ دواﺌ ــر ﻤﺘﻌ ـ ّـددة :دواﺌ ــر طﻌ ــﺎم ،دواﺌ ــر ﻤﻨﺴ ــوﺠﺎت ،ودواﺌ ــر ﺨ ــزف ...
وﺤوﻝﻨـﺎ اﻝوﺤـدات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ أو وﻏﻴرﻫﺎٕ .واذا أﺨذﻨﺎ ﻓﻲ اﻝﺤﺴﺒﺎن اﻝﻌﻨﺎﺼر ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ﻓـﻲ وﻗـت واﺤـدّ ،
اﻝﻘﺒﻠﻴ ــﺔ ،ﻴﻤﻜﻨﻨ ــﺎ أن ﻨﺠ ــد ﺠﻤﺎﻋ ــﺎت ﻤﺤ ـ ّـددة اﻝﻤﻌ ــﺎﻝم ،وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ ﻴﻌطﻴﻨ ــﺎ اﻝ ــدواﺌر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ ،أو ﺘﺼ ــﻨﻴﻔﺎً
60
ﻝﻠﺠﻤﺎﻋﺎت وﻓق ﻋﻨﺎﺼر ﺜﻘﺎﻓﺘﻬم ".
أن أﺼــﺤﺎب ﻫــذا ﻴﻔﺴــر أوﺠــﻪ اﻻﺨــﺘﻼف ﻋــن ﺘﻠــك اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﻤرﻜزﻴــﺔ اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ .إﻻّ ّوﻫــذا ﻤــﺎ ّ
اﻝ ـرأي ﻝــم ﻴﻘـ ّـدﻤوا اﻝــدﻻﺌل ﻋﻠــﻰ أﻤــﺎﻜن وﺠــود ﺘﻠــك اﻝﻤ ارﻜــز ،أو ﻋﻤﻠﻴــﺎت ﺘﺘﺒــﻊ ﺤرﻜــﺎت اﻻﺘّﺼــﺎل ﻓﻴﻤــﺎ
61
ﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﺴﻠﻴﻤﺔ.
ّ ﺒﻴﻨﻬﺎ ،ودراﺴﺔ اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ اﻝﻤﺘرﺘّﺒﺔ ﻋﻠﻰ ذﻝك ،ﺒطرﻴﻘﺔ
ﻝﻘد ﻜﺎﻨت وﺠﻬﺔ ﻨظر اﻝﻤدرﺴﺔ )اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴـﺔ( اﻷﻝﻤﺎﻨﻴـﺔ – اﻝﻨﻤﺴـﺎوﻴﺔ ،أﻜﺜـر ﻋﻤﻘـﺎً وﺘﻨﻤﻴﻘـﺎً..
وﻜﺎﻨت ﻋﻨﺎﻴﺘﻬﺎ ﺒﺎﺨﺘﻴﺎر ﻤﻌﺎﻴﻴر اﻝﺤﻜم ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻤﺔ وﻗﺎﺌﻊ اﻻﻗﺘﺒﺎس اﻝﻤﻔﺘرﻀﺔٕ ،واﺼ ارراﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻝﺤﻴطـﺔ
ﻓﻲ اﺴﺘﺨدام ﻤﺼﺎدر اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت ،ودﻗّﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد ﺘﻌرﻴﻔﺎﺘﻬﺎ ،وﻏﻨﻰ وﺜﺎﺌﻘﻬﺎ ،ﺘﺘﺠﺎوب ﻜﻠّﻬﺎ ﺘﻤﺎﻤﺎً ﻤﻊ
ﻤﺘطﻠّﺒﺎت اﻝﺒﺤث اﻝﻌﻠﻤﻲ اﻝدﻗﻴق ،وﻝﻬذا ﻻﻗت ﻗﺒوﻻً واﺴﻌﺎً .
ﺘﻘوم ﻨظرﻴﺔ اﻝﻤدرﺴﺔ )اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ – اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ( ﻓﻲ ﺠوﻫرﻫﺎ ،وﻜﻤﺎ ﺸرﺤﻬﺎ زﻋﻴﻤﻬﺎ ) وﻝﻴم ﺸـﻤﻴدت (،
ﻋﻠﻰ ﻨظرة ﺼوﻓﻴﺔ إﻝﻰ طﺒﻴﻌﺔ اﻝﺤﻴـﺎة ٕواﻝـﻰ اﻝﺘﺠرﺒـﺔ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ .ﻓﻘـد ﻨﺸـﺄت ﻫـذﻩ اﻝﻤدرﺴـﺔ ﻀـﻤن إطـﺎر
ﻓﻜري ،واﺴﺘﺨدﻤت ﺘﻌﺒﻴرات وﻤﺼطﻠﺤﺎت ﺘﺨﺘﻠف اﺨﺘﻼﻓﺎً ﺠوﻫرﻴﺎً ﻋن اﻝﻨظرة اﻝﻌﻘﻼﻨﻴﺔ ،وﻋن ﻤﻔردات
أﻏﻠـب اﻝﻤﻔ ّﻜـرﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻴﻴن ..وﻴظﻬــر ذﻝــك ﻓــﻲ ﻤﻨﺎﻗﺸـﺔ ) ﺸــﻤﻴدت ( ط ارﺌــق اﻝﺒﺤــث ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ
اﻝدواﺌر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،واﻝﺘﻲ ﺘﻘﺴم إﻝﻴﻬﺎ ﻫذﻩ اﻝﻤدرﺴﺔ ،أي اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ،.وﺘرى ّأﻨﻬـﺎ اﻨﺘﺨﺒـت
اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﻤوﺠودة – اﻝﻴوم – ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝم ،ﺒواﺴطﺔ اﻨﺘﺸﺎر ﻋﻨﺎﺼرﻫﺎ .
وﻴﻌﺘــرف ) ﺸــﻤﻴدت ( ،ﻜﻤــﺎ ﻴﻌﺘــرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــون ﺠﻤــﻴﻌﻬم ،ﺒﺎﻝﺤﺎﺠــﺔ إﻝــﻰ ﻓﻬــم )ﻤﻌﻨــﻰ اﻝﺤﻴــﺎة
اﻝﺒداﺌﻴــﺔ( ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻝﻤــن ﻴﻌﻴﺸــوﻨﻬﺎ .واﻷﻫـ ّـم ﻤــن ذﻝــك ،ﻓﻬــم ﻤﻌﻨﺎﻫــﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻷوﻝﺌــك اﻝــذﻴن ﻋﺎﺸــوﻫﺎ ﻓــﻲ
اﻝﻌﺼور اﻝﻐﺎﺒرة ...وﻴﻘول ) ﺸـﻤﻴدت ( ّإﻨﻨـﺎ ﻨﻌـرف ذﻝـك ﺒـﺎﻝﻠﺠوء إﻝـﻰ اﻝﻤﺒـدأ اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻲ اﻝﺘﻌـﺎطﻔﻲ،
اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ ﻝﻠﺸﺨص اﻝذي ﻴـرﺘﺒط ﻤﻌـﻪ ﺒﻌﻼﻗـﺔ ّ اﻝذي ﻴﺴﺘطﻴﻊ اﻹﻨﺴﺎن ﺒواﺴطﺘﻪ أن ﻴﻀﻊ ﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻝﺤﺎﻝﺔ
62
ﻤﺎ.
أﻤــﺎ إﺴــﻬﺎم ) ﻓرﻴﺘــز ﺠراﺒﻨــور( ﻓــﻲ ﻤــﻨﻬﺞ اﻝﻤدرﺴــﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴــﺔ – اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﺒوﺠــﻪ ﺨــﺎص ،وﻓــﻲ ﻋﻠــم ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ،ﺒوﺠ ــﻪ ﻋ ــﺎم ،ﻓﺘﻤﺜّــل ﻓ ــﻲ اﻝﺘﺤدﻴ ــد اﻝ ــدﻗﻴق اﻝﻤوﻀ ــوﻋﻲ ﻝﻤﻌ ــﺎﻴﻴر ﺘﻘﻴ ــﻴم اﻨﺘﺸ ــﺎر ﺒﻌ ــض
اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻤن ﺸﻌب إﻝﻰ ﺸﻌب آﺨر .
ﻓﺎﻝﻨظــﺎم اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ واﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝﺴــﺎﺌدان ﻋﻨــد ﺠﻤﺎﻋــﺔ )ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﻤــﺎ( ﻝﻬﻤــﺎ ﺘــﺄﺜﻴر اﻨﺘﻘــﺎﺌﻲ ،إذ ﻴﺤــوﻻن
دون ﻗﺒول ﻨﻤﺎذج ﻻ ﺘﻨﺴﺠم اﻝﺒﺘّﺔ ﻤﻊ اﻝﻨﺴق اﻝﻘﺎﺌم .وﻓﻲ اﻝوﻗت ﻨﻔﺴﻪ ،ﻻ ﻴﻤﻜـن ﺘﺠﺎﻫـل أﺜـر اﻻﻗﺘﺒـﺎس
ﻋﻠ ــﻰ اﻷﻨظﻤ ــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ،ﺤﻴ ــث ﺘﺘوﻗّ ــف ﻓ ــرص اﻻﻗﺘﺒ ــﺎس ﻋﻠ ــﻰ اﻻﺤﺘﻜﺎﻜ ــﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﺘﻜ ــون وﻝﻴ ــدة
ك ﺒﻬﺎ اﻝﻬﻨود اﻝﻤﻜﺴﻴﻜﻴون ﻫﻲ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﺴﺒﺎﻨﻴﺔ، اﻝﻤﺼﺎدﻓﺎت .وﻤﺜﺎل ذﻝك :أن ﺘﻜون اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺘﻲ اﺤﺘ ّ
وﻋ َرﻀ ـﺎً .وﻜــذﻝك اﻝﺤــﺎل ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻝﻬﻨــود اﻝوﻻﻴــﺎت اﻝﻤﺘّﺤــدة اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔ،
أﻤــر ﻴﻤﻜــن اﻋﺘﺒــﺎرﻩ ﺤــدث اﺘﻔﺎﻗ ـﺎً َ
63
ﻨﺴﻴﺔ.
اﻝذﻴن ﻜﺎن ﻤﻌظم اﺤﺘﻜﺎﻜﻬم ﺒﺎﻝﺜﻘﺎﻓﺘﻴن اﻹﻨﺠﻠﻴزﻴﺔ واﻝﻔر ّ
26
إن ﻫــذﻩ اﻝﻤﻌــﺎﻴﻴر اﻝﺘــﻲ ﻴــدﻋوﻨﻬﺎ ﻤﻌــﺎﻴﻴر اﻝﻜﻴــف واﻝﻜــم ،ﻫــﻲ أﺴﺎﺴــﻴﺔ ﻓــﻲ اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﺘــﻲ ﺘﺘﻨــﺎول ّ
اﻝﻨﻘ ــل اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ ﺠﻤﻴﻌﻬ ــﺎ ،وﻤﻌﻨﺎﻫ ــﺎ ﺒﺴ ــﻴط ﺠ ـ ّـدا ؛ ﻓﻌﻨ ــدﻤﺎ ﻴﺒ ــدو ﻝﻠﻌﻴ ــﺎن ﺘﻤﺎﺜ ــل ﺒ ــﻴن ﺜﻘ ــﺎﻓﺘﻲ ﺠﻤ ــﺎﻋﺘﻴن
ـﺈن ﺤﻜﻤﻨ ــﺎ ﺤ ــول اﺤﺘﻤ ــﺎل اﺸ ــﺘﻘﺎﻗﻬﻤﺎ ﻤ ــن ﻤﺼ ــدر واﺤ ــد ،ﻴﺘوﻗّ ــف ﻋﻠ ــﻰ ﻋ ــدد اﻝﻌﻨﺎﺼ ــر ﻤﺨﺘﻠﻔﺘ ــﻴن ،ﻓ ـ ّ
اﻝﻤﺘﻤﺎﺜﻠ ــﺔ وﻤ ــدى ﺘﺸ ــﺎﺒﻜﻬﺎ .ﻓﻜﻠّﻤ ــﺎ ازداد ﻋ ــدد اﻝﻌﻨﺎﺼ ــر اﻝﻤﺘﻤﺎﺜﻠ ــﺔ ،ازداد اﺤﺘﻤـ ـﺎل وﻗ ــوع اﻻﻗﺘﺒ ــﺎس ..
وﻴﻨطﺒق اﻷﻤر ذاﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻤدى ﺘـداﺨل )ﺘﻌﻘﻴـد( ﻋﻨﺼـر ﻤـن اﻝﻌﻨﺎﺼـر .وﻝـذا ﻴﻤﻜـن اﺴـﺘﺨدام اﻝﻘﺼـص
اﻝﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻤﺜﻼً ،اﺴـﺘﺨداﻤﺎً ﻤﻔﻴـداً ﻓـﻲ د ارﺴـﺔ اﻻﺤﺘﻜـﺎك اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ ﺒـﻴن اﻝﺸـﻌوب اﻝﺒداﺌﻴـﺔ 64.وﻝـم ﻴﻘﺘﺼـر
اﻝﺘﻔﺴــﻴر اﻻﻨﺘﺸــﺎري ﻋﻠــﻰ أوروﺒــﺎ ﻓﺤﺴــبٕ ،واّﻨﻤــﺎ اﻤﺘـ ّـد أﻴﻀـﺎً إﻝــﻰ أﻤرﻴﻜـﺎ ﺤﻴــث ظﻬــرت ﺤرﻜــﺔ ﻤﻤﺎﺜﻠــﺔ
ﻵراء ) ﺴ ــﻤﻴث وﺸ ــﻤﻴدت ( ﻤ ــن ﺤﻴ ــث ﻨﻘ ــد اﻝﺘﻔﺴ ــﻴر اﻝﺘط ـ ّـوري ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ،واﻻﺘّﻘ ــﺎق ﻋﻠ ــﻰ ﻓﻜـ ـرة اﻨﺘﺸ ــﺎر
اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺒطرﻴق اﻻﺴﺘﻌﺎرة واﻝﺘﻘﻠﻴد ،ﻜﺄﺴﺎس ﻝﺘﻔﺴﻴر اﻝﺘﺒﺎﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀﺎري ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب .
أن
أﻤﺎ ﺒﺨﺼوص ﻓﻜرة اﻝﻤراﻜز اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ )اﻝدواﺌر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ( ﻓﻴـرى أﺼـﺤﺎب اﻝﻤدرﺴـﺔ اﻷﻤرﻴﻜﻴـﺔّ ، ّ
ﺜم اﻨﺘﻘﻠت إﻝـﻰ أﻤـﺎﻜن أﺨـرى د
ّ ّﻤﺤد اﻓﻲ
ر ﺠﻐ – ﺜﻘﺎﻓﻲ ﻤرﻜز ﻓﻲ ﻻ
ً أو وﺠدت ﻤﺎ، ﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ة
اﻝﻤﻤﻴز
ّ اﻝﻤﻼﻤﺢ
أن أﺼــﺤﺎب اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎري ﻓــﻲ أﻤرﻴﻜــﺎ ،رﻓﻀ ـوا آراء اﻷورﺒﻴــﻴن ﺒﻌــدمﻤــن اﻝﻌــﺎﻝم .وﻫــذا ﻴﻌﻨــﻲ ّ
اﻝﺘطور اﻝﺤﻀﺎري اﻝﻤﺴﺘﻘ ّل ،وأن ﺒﻌض اﻝﻨﺎس ﺒطﺒﻴﻌﺘﻬم ﻏﻴر ﻤﺒﺘﻜرﻴن أو ﻗﺎدرﻴن ﻋﻠﻰ اﻝﻘﻴـﺎم ّ إﻤﻜﺎﻨﻴﺔ
اﻝﺘطور.
ﺒﻌﻤﻠﻴﺔ اﻻﺒﺘﻜﺎر و ّ
اﻷول ﻝﻬـذا اﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌـﻲ ،ﻗـد ﻋـﺎرض اﻝﻔﻜـرة وﻜﺎن اﻷﻤرﻴﻜﻲ ) ﻓراﻨز ﺒـواز ( اﻝ ارﺌـد ّ
أن أﻴ ــﺔ ﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ﻤ ــن اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺎت ،ﻝﻴﺴ ــت إﻻّ
اﻝﻘﺎﺌﻠ ــﺔ ﺒوﺠ ــود طﺒﻴﻌ ــﺔ واﺤ ــدة وﺜﺎﺒﺘ ــﺔ ﻝﻠﺘط ـ ّـور اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ .ورأى ّ
ﻴوﺠــﻪ اﻫﺘﻤﺎﻤــﻪ ﻨﺤــو
ﺤﺼــﻴﻠﺔ ﻨﻤــو ﺘــﺎرﻴﺨﻲ ﻤﻌـ ّـﻴن .وﻝــذﻝك ،ﻴﺘوﺠــب ﻋﻠــﻰ اﻝﺒﺎﺤــث اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ أن ّ
اﻝﻤﻜوﻨــﺔ ﻝﻜ ـ ّل ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺤــدة ،ﻗﺒــل اﻝوﺼــول إﻝــﻰ ﺘﻌﻤﻴﻤــﺎت ﺒﺸــﺄن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ّ د ارﺴــﺔ ﺘــﺎرﻴﺦ اﻝﻌﻨﺎﺼــر
أﺼر) ﺒواز( ﻋﻠـﻰ ّأﻨـﻪ ﻝﻜـﻲ ﺘﺼـﺒﺢ اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻋﻠﻤـﺎً ،ﻓـﻼ ﺒ ّـد أن ﺘﻌﺘﻤـد ﻓـﻲ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﺒﻜﺎﻤﻠﻬﺎ .وﻗد ّ
ﺘﻜوﻴن ﻨظرﻴﺎﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻝﻤﺸﺎﻫدات واﻝﺤﻘﺎﺌق اﻝﻤﻠﻤوﺴﺔ ،وﻝﻴس ﻋﻠﻰ اﻝﺘﺨﻤﻴﻨﺎت أو اﻝﻔرﻀـﻴﺎت اﻝﺤدﺴ ّـﻴﺔ
.
وﻤــن ﻫــذا اﻝﻤﻨطﻠــق ،اﺴــﺘﺨدم ) ﺒـواز ( ﻤﺼــطﻠﺢ )اﻝﻤﻨــﺎطق اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( ﻝﻺﺸــﺎرة إﻝــﻰ ﻤﺠﻤوﻋــﺔ ﻤــن
ﻋﻤ ــﺎ ﺘﺤﺘوﻴ ــﻪ ﻫ ــذﻩ اﻝﻤﻨـ ـﺎطق ﻤ ــن
اﻝﻤﻨ ــﺎطق اﻝﺠﻐراﻓﻴ ــﺔ ذات اﻝ ــﻨﻤط اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ اﻝواﺤ ــد ،ﺒﺼ ــرف اﻝﻨظ ــر ّ
طﺒـق ) ﺒـواز ( ﻫـذا اﻝﻤﻔﻬـوم ﻋﻠـﻰ ﺜﻘﺎﻓـﺎت ﻗﺒﺎﺌـل اﻝﻬﻨـود اﻝﺤﻤـر ﻓـﻲ أﻤرﻴﻜـﺎ، ﺠﻤﺎﻋﺎت أو ﺸﻌوب .وﻗد ّ
واﺴــﺘطﺎع ﺘﺤدﻴــد – ﺘﻤﻴﻴــز -ﺴــﺒﻊ ﻤﻨــﺎطق ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ رﺌﻴﺴــﺔ ،ﻴﻨــدرج ﺘﺤﺘﻬــﺎ ﻫــذا اﻝﻌــدد اﻝﻬﺎﺌــل ﻤــن ﻗﺒﺎﺌــل
اﻝﻬﻨود اﻝﺤﻤـر ،واﻝـذي ﻜـﺎن ﻴزﻴـد ﻋـن ) (50ﻗﺒﻴﻠـﺔ ،ﻓـﻲ اﻝوﻗـت اﻝـذي ﻨـزح اﻷوروﺒﻴـون ﻻﺴـﺘﻌﻤﺎر اﻝﻘـﺎرة
اﻷﻤرﻴﻜﻴﺔ .
وﺒﻬذا ﻴﺸﻴر ﻤﻔﻬوم )اﻝﻤﻨطﻘﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ( إﻝﻰ طراﺌق اﻝﺴﻠوك اﻝﺸﺎﺌﻌﺔ ﺒﻴن ﻋدد ﻤن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺘﻲ
65
ﻤﻌﻴﻨﺔ ﻤن اﻻﺘّﺼﺎل واﻝﺘﻔﺎﻋل.
ﺘﺘﻤﻴز ﺒﺎﺸﺘراﻜﻬﺎ ﻓﻲ ﻋدد ﻤن ﻤظﺎﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻝدرﺠﺔ ّ
ّ
ﺘﺘﻤﻴـز ﻋـن أﻓﻜـﺎر) ﺴـﻤﻴث وﺒﻴـري وﺸـﻤﻴدت (
أن أﻓﻜـﺎرﻩ ّ
ٕواذا ﻤﺎ ﺘﺼﻔّﺤﻨﺎ ﻜﺘﺎﺒﺎت ) ﺒواز ( وﺠـدﻨﺎ ّ
اﻝﻤﺘطرﻓﻴن ،وذﻝك ﺒﺘﺸدﻴدﻩ ﻋﻠﻰ اﻝﻨﻘﺎط اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ :
ّ وﻏﻴرﻫم ﻤن اﻻﻨﺘﺸﺎرﻴﻴن
ﻤﻘدﻤﺔ ﻝدراﺴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻨﺘﺸﺎر دراﺴﺔ ﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ . إن اﻝدراﺴﺔ اﻝوﺼﻔﻴﺔ ﻝﻼﻨﺘﺸﺎرّ ، ّ -1
ﻴﺠ ــب أن ﺘﻜ ــون د ارﺴ ــﺔ اﻻﻨﺘﺸ ــﺎر د ارﺴ ــﺔ اﺴ ــﺘﻘراﺌﻴﺔ ،أي ّأﻨ ــﻪ ﻴﺠ ــب د ارﺴ ــﺔ اﻝﻌﻨﺎﺼ ــر -2
27
اﻝﻤﺠﻤﻌــﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( اﻝﺘــﻲ ﻴــزﻋم ّأﻨﻬــﺎ ﻨﺎﺸــﺌﺔ ﻋــن اﻻﻨﺘﺸــﺎر ﺘﺒﻌ ـﺎً ﻝﻌﻼﻗﺘﻬــﺎ
اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ اﻝﻤﺘراﺒطــﺔ ) ّ
اﻝداﺨﻠﻴﺔ ،أﻜﺜر ﻤن ﻜوﻨﻬﺎ ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن اﻝﻌﻨﺎﺼر ﺸ ّﻜﻠﻬﺎ اﻝﺒﺎﺤث اﻋﺘﺒﺎطﻴﺎً.
ﻴﺠــب أن ﺘﺘّﺠــﻪ د ارﺴــﺔ اﻻﻨﺘﺸــﺎر ﻤــن اﻝﺨــﺎص إﻝــﻰ اﻝﻌــﺎم ،ورﺴــم ﺘوزﻴــﻊ ﻝﻠﻌﻨﺎﺼــر ﻓــﻲ -3
ﺘوزﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻝﻌـﺎﻝم ﻜﻠّـﻪ
ﺘوزﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻝﻘﺎرة ،وﺘرك اﻝﻜﻼم ﻋن ّ ﻤﻨﺎطق ﻤﺤدودة ،ﻗﺒل رﺴم ﺨﺎرطﺔ ّ
.
إن ﻤـﻨﻬﺞ د ارﺴـﺔ اﻝﻌﻤﻠﻴـﺔ اﻝدﻴﻨﺎﻤﻴﻜﻴــﺔ ،واﻻﻨﺘﺸـﺎر ﻝـﻴس ﺴـوى وﺠــﻪ ﻤـن وﺠوﻫﻬـﺎ ،ﻴﺠــب
ّ -4
66
اﻝﺘﻐﻴر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ.
أن ﻴﻜون ﻤﻨﻬﺠﺎً ﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺎً ،وأن ﻴﻌود إﻝﻰ اﻝﻔرد ﺒﻐﻴﺔ ﻓﻬم ﺤﻘﺎﺌق ّ
أن ﻤراﻋﺎة اﻝﻌواﻤل اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ اﻝﻜﺎﻤﻨﺔ ﻓـﻲ ﻋﻤﻠﻴـﺔ واﺴﺘﻨﺎداً إﻝﻰ ﻫذﻩ اﻝﻤﻨطﻠﻘﺎت ،ﻴرى ) ﺒواز ( ّ
أﻫﻤﻴــﺔ ﻜﺒﻴ ـرة ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ .ﻜﻤــﺎ ﻴﺠــب ﺘﺤﻠﻴــل ﻫــذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ﺒﺼــورة
اﻻﻗﺘﺒــﺎس ،ﺘﻜﺘﺴــب ّ
ﺜم إﺠراء ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺘﻔﺼﻴﻠﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ،ﺴواء ﻤن ﺤﻴث ﻨظﺎﻤﻬﺎ اﻝﺒﻨﺎﺌﻲ أو ﻤن ﺤﻴـث إﻓرادﻴﺔ أوﻻً ،وﻤن ّ
ﺒﺘﺤرﻴﺎت ﻓﻲ ﻤﻨﺎطق ﻋدﻴدة ـ ﺘﺴﻤﺢ ﺒﺘﻌﻤﻴم ﻫذﻩ اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ . ﻋﻨﺎﺼرﻫﺎ .وﻻ ﺘﻜون اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ ﻤﻘﺒوﻝﺔ ،إﻻّ ّ
ﺜﻤﺔ ﻋدداً ﻤن اﻝﺴﻤﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ اﻝﻤﺸـﺘرﻜﺔ ﺒـﻴن ﺠﻤﺎﻋـﺎت اﻝﻬﻨـود اﻝﺤﻤـر، أن ّﻓﻘد اﻜﺘﺸف ) ﺒواز ( ّ
أن ﻝﻜ ـ ّل ﻤﻨﻬــﺎ اﺴــﺘﻘﻼﻝﻴﺘﻬﺎ
اﻝﺘــﻲ ﺘﻌــﻴش ﻓــﻲ اﻝﺴــﻬول اﻝﺴــﺎﺤﻠﻴﺔ ﻷﻤرﻴﻜــﺎ اﻝﺸــﻤﺎﻝﻴﺔ .ﻓﻌﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ّ
أن ﺴ ــﻜﺎﻨﻬﺎ ﺠﻤ ــﻴﻌﻬم ﻴﺼ ــطﺎدون اﻝﺠ ــﺎﻤوس ﻝﻠﻐ ــذاء ،وﻴﺒﻨ ــون اﻝﺨﺎﺼ ــﺔ واﺴ ــﻤﻬﺎ وﻝﻐﺘﻬ ــﺎ وﺜﻘﺎﻓﺘﻬ ــﺎ ،إﻻّ ّ
اﻝﻤﺴﺎﻜن ﻋﻠﻰ أﻋﻤدة ﻴﻐطوﻨﻬﺎ ﺒﺎﻝﺠﻠود اﻝﺘﻲ ﻴﺴﺘﺨدﻤوﻨﻬﺎ أﻴﻀﺎً ﻓﻲ ﺼﻨﻊ اﻝﻤﻼﺒس.
وﻫﻜذا ﺠﺎء ﻤﻔﻬوم )ﻤﺼطﻠﺢ( اﻝﻤﻨطﻘﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻜﺘﺼﻨﻴف وﺼﻔﻲ وﺘﺤﻠﻴﻠﻲ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺎت ،اﻷﻤر اﻝذي
67
ﺜم اﻝوﺼول إﻝﻰ ﺘﻌﻤﻴﻤﺎت ﺒﺸﺄن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬﺎ.
ﻴﺴﻬل اﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت ،وﻤن ّ
أن ﻝﻠﺜﻘﺎﻓـﺎت وﻨﺘﺞ ﻋن ﻫذا اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸـﺎري ﺒوﺠـﻪ ﻋـﺎم ،أن ﺒـدأ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـون ﻴﻨظـرون إﻝـﻰ ّ
ﺘﻤﻴـز ﺒﻌﻀـﻬﺎ ﻤـن ﺒﻌـض. اﻝﺘطور واﻝﻤﻼﻤﺢ اﻝرﺌﻴﺴﺔ اﻝﺘﻲ ّ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜﻴﺎﻨﺎت ﻤﺴﺘﻘﻠّﺔ ﻤن ﺤﻴث اﻝﻤﻨﺸﺄ و ّ
وﺘﻨوﻋﻬــﺎ ،وطــرح ﻤﻔﻬــوم اﻝﻨﺴــﺒﻴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ أﺼــﺒﺤت ﻤــن أﻫـ ّـم
وﻫــذا ﻤــﺎ ﻋـ ّـزز ﻓﻜ ـرة ﺘﻌـ ّـدد اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ّ
اﻝﻤﻔﻬوﻤ ــﺎت اﻷﺴﺎﺴ ـ ّـﻴﺔ ﻓ ــﻲ اﻝﻔﻜ ــر اﻷﻨﺜرﺒوﻝ ــوﺠﻲ وﺘط ـ ّـورﻩ ،ﻜﻌﻠ ــم ﺨ ــﺎص ﻤ ــن اﻝﻌﻠ ــوم اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ ﻝـ ــﻪ
ﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻪ وأﻫداﻓﻪ ،ﺘوﺠب دراﺴﺘﻪ ﻤن ﺨﻼﻝﻬﺎ .
وﻝﻜـ ّـن ﻨظرﻴــﺔ اﻻﻨﺘﺸــﺎر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ﺒﺤﺴــب ﻓﻜ ـرة اﻝــدواﺌر اﻝﻤﺘّﺤــدة اﻝﻤرﻜــز ،ﻻﻗــت اﻨﺘﻘــﺎدات ﺸــدﻴدة،
اﻝﻤﺴﺘﻤر :
ّ اﻝﺘوزع
وﺠﻬﻪ ) إدوارد ﺴﺎﺒﻴر( اﻝذي ذﻜر ﺜﻼﺜﺔ ﺘﺤﻔّظﺎت ﻋﻠﻰ ﻓﻜرة ّ وﻤﻨﻬﺎ ﻤﺎ ّ
أوﻝﻬﺎ :ﻴﻤﻜن أن ﻴﻜون اﻻﻨﺘﺸﺎر ﻓﻲ أﺤد اﻻﺘّﺠﺎﻫﺎت ،أﺴرع ﻤﻨﻪ ﻓﻲ اﺘّﺠﺎﻩ آﺨر.
ﺜﺎﻨﻴﻬﺎ :ﻗد ﻴﻜون اﻝﺸﻜل اﻷﻗـدم ﺘﺎرﻴﺨﻴـﺎً ،ﺘﻌ ّـرض ﻝﺘﻌـدﻴﻼت ﻓـﻲ اﻝﻤرﻜـز ،ﺒﺤﻴـث ﻴﺨطـﻰء اﻝﺒﺎﺤـث
ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد اﻝﻤرﻜز اﻝﺤﻘﻴﻘﻲ ﻷﺼل اﻝﺸﻜل.
ـؤدي إﻝـﻰ ﺴـوء ﺘﺄوﻴـل ﻨﻤـوذج "
ـوزع ،آﺜـﺎر ﺘ ّ
ﻝﺘﺤرﻜـﺎت اﻝﺴـﻜﺎن داﺨـل ﻤﻨطﻘـﺔ اﻝﺘ ّ
وﺜﺎﻝﺜﻬﺎ :ﻗد ﻴﻜون ّ
اﻻﻨﺘﺸﺎر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ "
وﻝﻜــن ،ﻫــل ﻴﻌﻨــﻲ ﻫــذا اﻝﺘﺨﻠّــﻲ ﻋــن ﻤﺤــﺎوﻻت إﻋــﺎدة ﺘرﻜﻴــب اﻻﺤﺘﻜــﺎك اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ ،ﺒــﻴن اﻝﺸــﻌوب
ﻴﺒرر ﻫـذﻩ اﻝﻨﺘﻴﺠـﺔ.
ﺜﻤﺔ ﻤﺎ ّ اﻝﺘطور اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ ﻝﻠﻤﻨﺎطق اﻝﺘﻲ ﻝﻴس ﻝﻬﺎ ﺘﺎرﻴﺦ؟ واﻝﺠواب :ﻝﻴس ّ اﻝﺒداﺌﻴﺔ و ّ
أن ﻫذا اﻝﺠﻬد اﻝﻤﺒذول ﻓﻲ ﻫـذا اﻝﻤﺠـﺎل ،إذا ﻤـﺎ أﺨـذ ﻜـل ﺸـﻲء ﻓـﻲ اﻝﺤﺴـﺒﺎن ،ﺠـدﻴر ﺒﺎﻻﻫﺘﻤـﺎم وﻴﺒدو ّ
28
واﻝﻌﻨﺎﻴﺔ ،ﺒﺸرطﻴن :
ﻴﺨﻴﺔ.
أن ﻴﻜون ﺒﺎﻹﻤﻜﺎن اﻋﺘﺒﺎر اﻝﻤﻨطﻘﺔ اﻝﻤﺨﺘﺎرة ﻝﻠﺘﺤﻠﻴل ،ذات وﺤدة ﺘﺎر ّ -1
أن ﻴﻜ ــون اﻝﻬ ــدف ﻤ ــن اﻝﺘﺤﻠﻴ ــل ،ﺘﻘرﻴ ــر اﺤﺘﻤ ــﺎل وﻗ ــوع اﻝﺘط ـ ّـورات اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴ ــﺔ، -2
68
وﻝــﻴس ﺘﻘرﻴــر اﻝﺤﻘﻴﻘــﺔ اﻝﻤطﻠﻘــﺔ ﻋﻨﻬــﺎ .وﻝﻜــن ،ﻤﻬﻤــﺎ ﺘﻌـ ّـددت اﻷدﻝّــﺔ ﻋﻠــﻰ ظــﺎﻫرة اﻻﻨﺘﺸــﺎر
ﻓﺈﻨﻪ ﻴﺘﻌ ّذر ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻏﻴر اﻝﻤﺘﻌﻠّﻤـﺔ –وﻓـﻲ ﻤﻌظـم اﻷﺤﻴـﺎن – اﻝﺘﻤﻴﻴـز ﺒـﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲّ ،
اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ ﺘﺴـ ّـرﺒت إﻝﻴﻬــﺎ ﻤــن اﻝﺨــﺎرج ،وﺒــﻴن اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺘــﻲ ﻨﺸــﺄت ﻤــن داﺨﻠﻬــﺎ.
أن ﻜـ ّل ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﺒﻤﻔردﻫــﺎ اﻗﺘﺒﺴــت ﻋــن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻷﺨــرى، وﻴﺘّﻀــﺢ ﻤــن وﺠﻬــﺔ اﻝﻨظــر اﻝﺘﺠرﻴﺒﻴــﺔّ ،
أﺸـﻴﺎء أﻜﺜــر ﻤــن اﻝﺘـﻲ اﺨﺘرﻋﺘﻬــﺎ ﺒــذاﺘﻬﺎ .واﻝـدﻝﻴل ﻋﻠــﻰ ذﻝــك ،اﻻﻨﺘﺸـﺎر اﻝواﺴــﻊ ﻝﻌﻨﺎﺼــر ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ
اﻝﻤؤﺴﺴـ ـ ــﺎت
ﻤﻌﻘـ ـ ــدة ﻓـ ـ ــﻲ ﻤﺠـ ـ ــﺎﻻت اﻝﺘﻜﻨوﻝوﺠﻴـ ـ ــﺔ واﻝﻔﻨـ ـ ــون اﻝﺸـ ـ ــﻌﺒﻴﺔ ،واﻝﻤﻌﺘﻘـ ـ ــدات اﻝدﻴﻨﻴـ ـ ــﺔ و ّ
69
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
أن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻨﺘﺸﺎر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ ﺘﺴﻴر ﻓﻲ اﺘّﺠـﺎﻫﻴن ،ﺤﻴـث ﻴﺴـﺘﻔﻴد ﻜـ ّل ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻤـن ﺜﻘﺎﻓـﺔ وﻫﻜذا ﻨﺠدّ ،
ـﺘم ﻋﻤﻠﻴـﺔ اﻻﻨﺘﺸـﺎر اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ ﺴﻴﻤﺎ ﻓـﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻝﻜﺒﻴـرة ،ﺤﻴـث ﺘ ّ
ك ﺒﻪ وﻻ ّ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻵﺨر اﻝذي ﻴﺤﺘ ّ
ﻤﻘوﻤﺎﺘﻬــﺎ وأﻨﻤﺎطﻬــﺎ اﻝرﺌﻴﺴــﺔ واﻝﻔرﻋﻴــﺔ ،ﺒــﻴن
ﻤــن ﺨــﻼل اﻗﺘﺒــﺎس ﻋﻨﺎﺼــر ﻤــن ﺜﻘﺎﻓــﺎت أﺨــرى ،واﻨﺘﺸــﺎر ّ
ﻓﺌﺎت ﻫذﻩ اﻝﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻝﺒﺸرﻴﺔ اﻝﻜﺒﻴرة.
ب -اﻻ ﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴﻲ:
ﻴﺘﻌدل وﻴﺄﺨذ ﻤﺴﺎرات ﺠدﻴدة ،ﺤﻴث ظﻬرت ﻓﻜرة ﺘوﺴـﻴﻊ اﻝﻤﻔﻬـوم ّ ﺒدأ اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌﻲ
اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،وذﻝــك ﺒﻔﻀــل ﻤــن ﺘــﺄﺜّروا ﺒﻨﺘــﺎﺌﺞ ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ )
ﺴــﻴﻐﻤوﻨد ﻓروﻴ ــد ( اﻝــذي ﻋ ــﺎش ﻤــﺎ ﺒ ــﻴن ) (1939-1852وﺘﻼﻤذﺘــﻪ ،اﻝ ــذﻴن أروا ّأﻨــﻪ ﺒﺎﻹﻤﻜ ــﺎن ﻓﻬ ــم
اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻤـن ﺨـﻼل اﻝﺘـﺎرﻴﺦ ،ﻤـﻊ اﻻﺴـﺘﻌﺎﻨﺔ ﺒـﺒﻌض ﻤﻔﻬوﻤـﺎت ﻋﻠـم اﻝـﻨﻔس وطراﺌﻘـﻪ اﻝﺘﺤﻠﻴﻠﻴـﺔ .وﻫـذا ﻤـﺎ
ﻜﺎن ﻝـﻪ أﺜر ﻜﺒﻴر ﻓﻲ اﻻﺘّﺠﺎﻩ ﻨﺤو اﻝﻜﺸف ﻋن اﻷﻨﻤﺎط اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ.
أن د ارﺴ ــﺔ اﻝﺘــﺎرﻴﺦ ،ﺒوﻗﺎﺌﻌــﻪ وأﺤداﺜ ــﻪ ،ﻻ ﺘﻜﻔــﻲ ﻝﺘﻔﺴ ــﻴر ﻓﻘــد رأت ) روث ﺒﻴﻨــد ﻜﻴ ــت ( ورﻓﺎﻗﻬــﺎ ّ
اﻝظ ـ ـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴـ ــﺔ ،وذﻝـ ــك ﻷن اﻝظـ ــﺎﻫرة اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـ ــﺔ ﺒﺤـ ـ ّـد ذاﺘﻬـ ــﺎ ﻤﺴـ ــﺄﻝﺔ ﻤﻌﻘّـ ــدة وﻤﺘﺸـ ــﺎﺒﻜﺔ
أن أﻴﺔ ﺴـﻤﺔ اﻝﻌﻨﺎﺼر .ﻓﻬﻲ ﺘﺠﻤﻊ ﺒﻴن اﻝﺘﺠرﺒﺔ اﻝواﻗﻌﻴﺔ اﻝﻤﻜﺘﺴﺒﺔ واﻝﺘﺠرﺒﺔ اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ )اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ ( ،و ّ
70
ﻤﻌﻴﻨﺔ .
ﺘﻀم ﻤزﻴﺠﺎّ ﻤن اﻝﻨﺸﺎط اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ واﻝﻨﻔﺴﻲ ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﺒﻴﺌﺔ ّ ﻤن اﻝﺴﻤﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔّ ،
ـﺈن أﻴـﺔ ﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻻ ﺘؤﻝّـف ﻨظﺎﻤـﺎً ﻤﻐﻠﻘـﺎً أو ﻗواﻝـب ﺠﺎﻤـدة ،ﻴﺠـب أن ﺘﺘطـﺎﺒق
وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ذﻝـك ،ﻓ ّ
وﻴﺘﺒﻴن ﻤن ﺤﻘﻴﻘﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ،أن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ – ﺒﻬـذﻩ
ﻤﻌﻬﺎ ﺴﻠوﻜﺎت أﻋﻀﺎء اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﺠﻤﻴﻌﻬم ّ .
ﻷﻨﻬــﺎ ﻝﻴﺴــت ﺴــوى ﻤﺠﻤــوع ﺴــﻠوﻜﺎت اﻷﺸـﺨﺎص اﻝــذﻴن ﻴؤﻝّﻔــون
اﻝﺼــﻔﺔ – ﻻ ﺘﺴــﺘطﻴﻊ أن ﺘﻔﻌــل ﺸــﻴﺌﺎًّ ،
ﻤﺤدد( وأﻨﻤﺎط ﻋﺎدات اﻝﺘﻔﻜﻴر ﻋﻨد ﻫؤﻻء اﻷﺸﺨﺎص. ﻤﺠﺘﻤﻌﺎً ﺨﺎﺼﺎً )ﻓﻲ وﻗت ﻤﻌﻴن وﻤﻜﺎن ّ
أن ﻫــؤﻻء اﻷﺸــﺨﺎص ﻴﻠﺘزﻤــون – ﻋــن طرﻴــق اﻝــﺘﻌﻠّم واﻻﻋﺘﻴــﺎد -ﺒﺄﻨﻤــﺎط وﻝﻜـ ّـن ،ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ّ
ـﺈﻨﻬم ﻴﺨﺘﻠﻔ ــون ﻓ ــﻲ ردود أﻓﻌ ــﺎﻝﻬم ﺘﺠ ــﺎﻩ اﻝﻤواﻗ ــف اﻝﺤﻴﺎﺘﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ
اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ وﻝ ــدوا ﻓﻴﻬ ــﺎ وﻨﺸ ــﺄوا ،ﻓ ـ ّ
إن اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت ﻴﺘﻌرﻀون ﻝﻬﺎ ﻤﻌﺎً .ﻜﻤﺎ ّأﻨﻬـم ﻴﺨﺘﻠﻔـون أﻴﻀـﺎً ﻓـﻲ ﻤـدى رﻏﺒـﺔ ﻜـ ّل ﻤـﻨﻬم ﻓـﻲ اﻝﺘﻐﻴﻴـر ،إذ ّ ّ
71
ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ﻋرﻀﺔ ﻝﻠﺘﻐﻴﻴر.
29
ﻴﺘﻤﺴك
أن اﻝﻘﻴم اﻝﺘﻲ ّ وﻫذا ﻴدﻝّل ﻋﻠﻰ ﻤروﻨﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔٕ ،واﺘﺎﺤﺘﻬﺎ ﻓرﺼﺔ اﻻﺨﺘﻴﺎر ﻷﻓرادﻫﺎ ..ﺒﺤﻴث ّ
ﺒﻬﺎ ﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤﺎ وﺘﻤﻴزﻩ ﻤن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى ،ﻝﻴﺴـت ﻜﻠّﻬـﺎ ﺜﺎﺒﺘـﺔ ﺒـﺎﻝﻤطﻠق وﺘﻨﺘﻘـل إﻝـﻰ ﺤﻴـﺎة اﻷﺠﻴـﺎل
ﻴﻤر ﺒﻬﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ.
اﻝﺘﻐﻴرات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻝﺘﻲ ّ ﺘﺘﻐﻴر ﺒﺤﺴب ّﻤﺘﻐﻴرةّ ،
ﺜﻤﺔ ﻗﻴم ّ اﻝﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔٕ ،واّﻨﻤﺎ ّ
وﻴﻌﺘﺒــر ﻜﺘــﺎب " أﻨﻤــﺎط اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ " اﻝــذي ﻨﺸـرﺘﻪ) ﺒﻴﻨــد ﻜﻴــت ( ﻋــﺎم ،1932اﻝﺒداﻴــﺔ اﻝﺤﻘﻴﻘﻴــﺔ ﻝﺒﻠــورة
اﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴــﻲ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ .ﺤﻴــث أوﻀــﺤت اﻝد ارﺴــﺔ ّأﻨــﻪ ﻤــن اﻝﻀــرورة
ﻷن ﻝﻜـ ّل ﺜﻘﺎﻓـﺔاﻝﻨظرة إﻝﻰ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت ﻓـﻲ ﺼـورﺘﻬﺎ اﻹﺠﻤﺎﻝﻴـﺔ ،أي ﻜﻤـﺎ ﻫـﻲ ﻓـﻲ ﺘﺸـﻜﻴﻠﻬﺎ اﻝﻌـﺎم .وذﻝـكّ ،
ﻤرﻜز ﺨﺎص ﺘﺘﻤﺤور ﺤوﻝﻪ وﺘﺸ ّﻜل ﻨﻤوذﺠﺎً ﺨﺎﺼﺎً ﺒﻬﺎ ،ﻴﻤﻴزﻫﺎ ﻋن اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻷﺨرى.
ﻤﺘﻌددة ،وﺨﻠﺼت وﻤن ﻫذا اﻝﻤﻨظور ،ﻗﺎﻤت) ﺒﻴﻨد ﻜﻴت( ﺒﺈﺠراء دراﺴﺔ ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﻴن ﺜﻘﺎﻓﺎت ﺒداﺌﻴﺔ ّ
ﺜﻤــﺔ ﻋﻼﻗــﺎت ﻗﺎﺌﻤــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻨﻤــوذج اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ اﻝﻌــﺎم وﻤظــﺎﻫر اﻝﺸﺨﺼــﻴﺔ ،وﻫــذا ﻤــﺎ ﻴــﻨﻌﻜس ﻝــدى أن ّ إﻝــﻰ ّ
72
اﻷﻓ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراد ﻓـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻲ ﺘﻠـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎت.
ﻝﺘﻜﻴف اﻝﻤورﻓوﻝوﺠﻲ )اﻝﺸﻜﻠﻲ( ﻝﻠﻨوع اﻝﺒﺸري ﺒﺎﻝﻤﺼطﻠﺤﺎت اﻝﻤﺄﻝوﻓﺔ ﻓـﻲ وﻤن اﻝﻤﻤﻜن دراﺴﺔ ﻤظﺎﻫر ا ّ
اﻝﺘﻜﻴـف
ﻓﻨﻴـﺔ ﺠدﻴـدة ﻝوﺼـف ﻤظـﺎﻫر ّ ﺒد ﻤـن ﺘطـوﻴر أﺴـﺎﻝﻴب ّ ﻋﻠم اﻷﺤﻴﺎء ،وﻓﻲ اﻝوﻗت ﻨﻔﺴﻪ ،ﻜﺎن ﻻ ّ
اﻝﺴــﻠوﻜﻲ واﻝﻨﻔﺴــﻲ .وﻴﻌـ ّـد ﻤﻔﻬــوم اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻤــن أﻫــم اﻝﻤﻔﻬوﻤــﺎت اﻝﺘــﻲ طـ ّـورت ﻓــﻲ ﻫــذا اﻝﻤﺠــﺎل ،وأﻜﺜرﻫــﺎ
ﻓﺈﻨﻪ – ﻋﻠﻰ أﻀﻌف أن ﻫذا اﻝﻤﻔﻬوم اﻗﺘﺼر ﻓﻲ اﻝﺴﺎﺒق ﻋﻠﻰ اﻝﻨواﺤﻲ اﻝوﺼﻔﻴﺔّ ، ﻓﺎﺌدة وﺤﻴوﻴﺔ .وﻤﻊ ّ
اﻝﺘﻜﻴــف ،ﻓوﻀــﻊ ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ أﺴﺴ ـﺎً زودﻨــﺎ ﺒطرﻴﻘــﺔ ﻤﺤـ ّـددة ﻝﻠﺘﻌـ ّـرف إﻝــﻰ اﻝﻨﺘــﺎج اﻝﻨﻬــﺎﺌﻲ ﻝﻌﻤﻠﻴــﺎت ّ ﺘﻘــدﻴر – ّ
73
اﻝﺘﻜﻴف. ﻝﻠﻤﻘﺎﺒﻠﺔ ﺒﻴن اﻝﻨﻤﺎذج اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻝطرق ّ
ﻤﺘﻤﻴـ اًز ﻓـﻲ اﻝرﺒـﻊ اﻝﺜـﺎﻨﻲ ﻤـن
ﻝﻘد ﺸﻬد اﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴـﻲ ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺔ ،ظﻬـو اًر ّ
ـﺘﻤد ﻤﻨﻬ ــﺎ
اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ،ﻤﺘراﻓﻘـ ـﺎً ﻤ ــﻊ اﻨﺘﺸ ــﺎر ﻤدرﺴ ــﺔ اﻝﺘﺤﻠﻴ ــل اﻝﻨﻔﺴ ــﻲ اﻝﺘ ــﻲ أﻨﺸ ــﺄﻫﺎ ) ﻓروﻴ ــد ( واﺴ ـ ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــون اﻝﻜﺜﻴــر ﻤــن اﻝﻤﻔــﺎﻫﻴم اﻝﻨﻔﺴــﻴﺔ ،ﻝﺘﺤدﻴــد اﻝﻌﻼﻗــﺎت اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻔــرد وﺜﻘﺎﻓﺘــﻪ ﻓــﻲ إطــﺎر
اﻝﻤﻨظوﻤﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
ـب اﻫﺘﻤــﺎم أﺼــﺤﺎب ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ ،ﻋﻠــﻰ د ارﺴــﺔ اﻝﻤوﻀــوﻋﺎت اﻝﻤﺘﻌﻠّﻘــﺔ ﺒــﺎﻝﺘﻤﻴﻴز اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ
وﻗــد اﻨﺼـ ّ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﺒﺎﻻﺴﺘﻨﺎد إﻝﻰ اﻝﻤﻴزات اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ اﻝﺴـﺎﺌدة ﺒـﻴن اﻷﻓـراد واﻝﺠﻤﺎﻋـﺎت .وﺘﻌ ّـد د ارﺴـﺔ ﺒﻴﻨـد ﻜﻴـت،
ﺒﻌﻨوان " اﻝﻜرﻴزﻨﺘﻴﻤوم واﻝﺴﻴف ،The Chrsyanthemum and the Swordﻋﺎم " 1946ﻤن
ﺒﺎﻝﺸﺨﺼﻴﺔ اﻝﻴﺎﺒﺎﻨﻴﺔ .
ّ أﻫم اﻝدراﺴﺎت ﻓﻲ ﻫذا اﻻﺘّﺠﺎﻩ ،ﺤﻴث ﺒﺤﺜت ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ّ
وﻫذا ﻤﺎ ﺴﺎﻋد ﻓﻲ ﺒﻠورة اﻝﺴﻴﺎﺴﺔ اﻷﻤرﻴﻜﻴﺔ ﺘﺠﺎﻩ اﺴﺘﺴﻼم اﻝﻤﺤـﺎرﺒﻴن اﻝﻴﺎﺒـﺎﻨﻴﻴن ﻓـﻲ أﺜﻨـﺎء اﻝﺤـرب
أن اﻝﺠﻨود اﻝﻴﺎﺒـﺎﻨﻴﻴن ﻜـﺎﻨوا ﺴﻴرﻓﻀـون اﻻﺴﺘﺴـﻼم ﺒﺼـورة ﻤطﻠﻘـﺔ، اﻝﻌﺎﻝﻤﻴﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ .وأوﻀﺤت اﻝدراﺴﺔ ّ
أن ﺘــﺄﺜﻴر ﻤﺒــﺎدىء اﻝطﺎﻋــﺔ واﻝــوﻻء ﻝﻺﻤﺒ ارطــور ﻋﻠــﻰ ﻫــؤﻻء
وﻴﺴــﺘﻤرون ﻓــﻲ اﻝﻘﺘــﺎل ﺤﺘــﻰ اﻝﻤــوت .إﻻّ ّ
74
اﻝﺠﻨود ،ﺠﻌﻠﻬم ﻴﺴﺘﺠﻴﺒون ﻝﺘﻌﻠﻴﻤﺎﺘﻪ وﻴﺨﻀﻌون ﻷواﻤرﻩ.
أن اﻻﻨﺸــﻐﺎل اﻝ ازﺌ ــد ﺒﺎﻷﺸ ــﻜﺎل اﻝﺨﺎرﺠﻴ ــﺔ ـق ﻓ ــﻲ ذﻝ ــك – ّوﻝﻜــن ﻴ ــرى ﺒﻌ ــض اﻝﻌﻠﻤ ــﺎء _ وﻫــو ﻤﺤ ـ ّ
ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ،ﻗ ــد أﺜّــر ﺴ ــﻠﺒﻴﺎً ﻓ ــﻲ اﻝﻤﺤ ــﺎوﻻت اﻝراﻤﻴ ــﺔ إﻝ ــﻰ ﺘﻔﻬّــم دﻻﻝﺘﻬ ــﺎ اﻝﺴ ــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ .وﻤ ــن اﻝﻤﻌ ــروف أن
أن وﺠــود اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻴ ـرﺘﺒط ارﺘﺒﺎط ـﺎً وﺜﻴﻘ ـﺎً
اﻝﺤﻘﻴﻘــﺔ اﻝﻨﻬﺎﺌﻴــﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓــﺔ ،ﻫــﻲ ﺴــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ..وﻨﻘﺼــد ﺒــذﻝكّ ،
ﺘﻔﺴ ــر اﻻﺴ ــﺘﻘرار اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ ،أو
ﻤؤﺴﺴ ــﺎﺘﻬﺎ .وﻫ ــذﻩ اﻝﺤﻘﻴﻘ ــﺔ اﻝﺴ ــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ّ
ﺒوﺠ ــود أﻨ ــﺎس ﻴ ــدﻴرون ّ
ﺘﻔﺴر اﻝﺴﺒب اﻝذي ﻤن أﺠﻠﻪ ﺘﺸﻌر اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﺒﺎرﺘﻴﺎح ﻜﺒﻴر ﻋﻨدﻤﺎ ﺘﻌﻴش وﻓق ﻨظـﺎم ﺒﺎﻷﺤرىّ ،
30
رﺘﻴب ﻤﻌروف .
اﻝﺘﻐﻴـر اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ .ﻓـﺎﻷﻓراد ﻓـﻲ ﻜـ ّل ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻴﻤﻠﻜـون ﻗﺎﺒﻠﻴـﺎت وﺤـواﻓز
ﺘﻔﺴر أﻴﻀﺎً آﻝﻴـﺔ ّوﻫذﻩ اﻝﺤﻘﻴﻘﺔ ّ
ﺘؤدي دورﻫﺎ ﻀﻤن إطﺎر اﻝﻘﺎﻝب اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ اﻝﻌـﺎم ،وﺘﺴـﻬم ﺒﺎﺴـﺘﻤرار ﻓـﻲ ﻤراﺠﻌـﺔ اﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد وﻤﻴوﻻً ،وﻗدرات ّ
75
اﻝﻘﺎﺌﻤﺔٕ ،وادﺨﺎل ﺘﺤﺴﻴﻨﺎت ﻋﻠﻴﻬﺎ.
وﻜــﺎن ﻤــن ﻨﺘﻴﺠــﺔ ذﻝــك ،ظﻬــور ﻤدرﺴــﺔ ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﻨﻔﺴــﻴﺔ )أﻤرﻴﻜﻴــﺔ( ﻤــن روادﻫــﺎ ) :ﻜﻼﻴــد ﻜﻼﻜﻬــون،
ﻤﻤن اﻋﺘﻤدوا ﻋﻠﻰ ﻤﻔﻬوم ﺒﻨـﺎء اﻝﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ اﻷﺴﺎﺴـﻲ اﻝـذي ﻴﺸـﻴر ﻤرﻏرﻴت ﻤﻴد ،راﻝف ﻝﻴﻨﺘون( وﻏﻴرﻫم ّ
إﻝﻰ ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻝﺨﺼﺎﺌص اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ واﻝﺴـﻠوﻜﻴﺔ ،اﻝﺘـﻲ ﻴﺒـدو ّأﻨﻬـﺎ ﺘﺘطـﺎﺒق ﻤـﻊ ﻜـ ّل اﻝـﻨظم واﻝﻌﻨﺎﺼـر
76
أن اﻝﻨﻤط اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ اﻝﺴـﺎﺌد ﻓـﻲ إي ﻤﺠﺘﻤـﻊ ،ﻻ واﻝﺴﻤﺎت اﻝﺘﻲ ﺘؤﻝّف أﻴﺔ ﺜﻘﺎﻓﺔ .إذ ّإﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ
ﻴﻤﻜن أن ﻴزﻴد – أو ﻴﻘﻠّل – ﻤن وﺠود اﻝﻔوارق اﻝﻔردﻴﺔ ﻓﻲ ﻨطـﺎق اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ اﻝواﺤـدة ،إﻻّ أن ﺘﻠـك اﻝﻌﻼﻗـﺔ
اﻝﻘﺎﺌﻤــﺔ ﺒــﻴن اﻷﻨﻤــﺎط اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ واﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ اﻝﻔردﻴــﺔ ،وﻤــﺎ ﺘﺤــدث ﻤــن ﺘــﺄﺜﻴرات ﻤﺘﺒﺎدﻝــﺔ ﺒﻴﻨﻬﻤــﺎ ،ﻻ ﻴﺠــوز
77
إﻫﻤﺎﻝﻬﺎ ،ﺒل ﻴﺠب أﺨذﻫﺎ ﻓﻲ اﻝﺤﺴﺒﺎن أﺜﻨﺎء دراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ .
إن اﻷﺴﺎس اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻲ ﻝﻠﻘواﻨﻴن اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﻘﺎﺌﻤـﺔ ،ﻤﺜـل ) :أﻨﻤـﺎط اﻝﺴـﻠوك اﻝﺜﺎﺒﺘـﺔ ،واﻷﻋـراف ّ
واﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد ،واﻝﻌــﺎدات واﻝﻘــﻴم( ،ﻫــو ﺘﻜــوﻴن أطــر اﺴــﺘﻨﺎد ﻤﺸــﺘرﻜﺔ ،ﻨﺎﺘﺠــﺔ ﻋــن اﺤﺘﻜــﺎك اﻷﻓ ـراد ﺒﻌﻀــﻬم
ﻫﺎﻤﺎً
ﺘﻜوﻨت ﻤﺜل ﻫذﻩ اﻷطر اﻻﺴﺘﻨﺎدﻴﺔ وﺘﻐﻠﻐﻠت ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻝﻔرد ،أﺼﺒﺤت ﻋﺎﻤﻼً ّ ﺒﺒﻌض ؛ ٕواذا ﻤﺎ ّ
ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد ردود ﻓﻌﻠﻪ أو ﺘﻌـدﻴﻠﻬﺎ ،ﻓـﻲ اﻷوﻀـﺎع اﻝﺘـﻲ ﺴـﻴواﺠﻬﻬﺎ ﻓﻴﻤـﺎ ﺒﻌـد ،ﺴـواء ﻜﺎﻨـت اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ أو
ﺠﻴـد اﻝﺘﻨظـﻴم ،أي ﻓـﻲ ﺤﺎﻝـﺔ ﺘﺠرﺒـﺔ
ﺴﻴﻤﺎ ﻓﻲ اﻝﺤﺎﻻت اﻝﺘـﻲ ﻻ ﻴﻜـون اﻝﺤـﺎﻓز ﻓﻴﻬـﺎ ّ ﻏﻴر اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻻ ّ
78
ﻝﻴس ﻝﻬﺎ ﺴواﺒق ﻓﻲ اﻝﺴﻠوك اﻝذي اﻋﺘﺎد ﻋﻠﻴﻪ اﻝﻔرد.
ـﺘم ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( ﺒﻨظرﻴــﺔ ﻓروﻴــد وﻜﺘﺎﺒﺎﺘــﻪ اﻝﻨﻔﺴـ ّـﻴﺔ وﻋﻼﻗــﺔ ذﻝــك وﻀــﻤن ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ أﻴﻀـﺎً ،اﻫـ ّ
اﻝﺠﻨﺴﻴﺔ ،ﻤن ﺨﻼل اﻝﻤﺎدة اﻝﺘﻲ ﺠﻤﻌﻬﺎ ﻤﻴداﻨﻴﺎً ﻤن ﺴﻜﺎن ﺠزﻴرة )اﻝﺘروﺒرﻴﺎﻨد ( .إﻻّ ّأﻨﻪ ّ ﺒﺎﻝﻤﺤرﻤﺎت ّ
ﻋﺎرض ﺘﻔﺴﻴر ﻓروﻴد ﻝﻌﻼﻗﺔ اﻻﺒن ﺒﺎﻷم وﻏﻴرﺘﻪ ﻤن اﻷب ﻓﻲ إطﺎر ﻤﺎ أﺴﻤﺎﻩ ﻓروﻴـد ﺒ ـ )ﻋﻘـدة أودﻴـب
اﻝﻤﻜوﻨﺔ ﻝﻠﻌﺎﺌﻠـﺔ ّ أن ﺘﺤرﻴم اﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﺠﻨﺴﻴﺔ ﺘوﺼل ﻤن ﺨﻼﻝﻪ إﻝﻰ ّ وظﻴﻔﻴﺎًّ ، ّ وﻗدم ﺒدﻻّ ﻤﻨﻬﺎ ﺘﻔﺴﻴ اًر (ّ ،
اﻝﻤوﺤدة )اﻝﻨووﻴﺔ( واﻝﺘﻲ ﺘﺸﻤل " :اﻷم واﻷﺒﻨـﺎء واﻷﺨـوة واﻷﺨـوات " ﻫـو اﻝـذي ﻴﻤﻨـﻊ ﻤـﺎ ﻗـد ﻴﻨﺸـﺄ ﻤـن ّ
ﺼـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراﻋﺎت داﺨﻠﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ ،ﺒﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺒب اﻝﻐﻴـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة أو اﻝﺘﻨ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎﻓس .
وﻫـ ـ ـ ـ ــذا ﻤـ ـ ـ ـ ــﺎ ﻴﺤﻔـ ـ ـ ـ ــظ ﺒﺎﻝﺘـ ـ ـ ـ ــﺎﻝﻲ ﺘﻤﺎﺴـ ـ ـ ـ ــك اﻷﺴ ـ ـ ـ ـ ـرة ،وﻴﻤﻨـ ـ ـ ـ ــﻊ ﺘﻔ ّﻜـ ـ ـ ـ ــك أواﺼـ ـ ـ ـ ــرﻫﺎ وﺘﻬـ ـ ـ ـ ــدﻴم ﻜﻴﺎﻨﻬـ ـ ـ ـ ــﺎ،
79
وﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ ﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻨﺠم ﻋﻨ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻪ ﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ﻀ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻌف اﻝﻤﺠﺘﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻊ اﻝﻌ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎم ،وﺘﻬدﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وﺤدﺘ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻪ وﺘﻤﺎﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻜﻪ.
إن ﻫــذﻩ اﻻﺘّﺠﺎﻫــﺎت ﺒﺄﻓﻜﺎرﻫــﺎ وﺘطﺒﻴﻘﺎﺘﻬــﺎ ،ﻤﺜّﻠــت ﻤرﺤﻠــﺔ اﻨﺘﻘﺎﻝﻴــﺔ ﺒــﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ وﺨﻼﺼــﺔ اﻝﻘــولّ ،
اﻝﻜﻼﺴــﻴﻜﻴﺔ اﻝﺘــﻲ ﻜﺎﻨــت ﺘﻌﺘﻤــد ﻋﻠــﻰ اﻝﺘﺨﻤﻴﻨــﺎت واﻝﺘﻔﺴــﻴرات اﻝﻨظرﻴــﺔ ﻓﺤﺴــب ،وﺒــﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ
اﻝﺤدﻴﺜ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﺒ ــدأت ﻤ ــﻊ اﻝﻨﺼ ــف اﻝﺜ ــﺎﻨﻲ ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ﻤﻌﺘﻤ ــدة ﻋﻠ ــﻰ اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴ ــﺔ
اﻝﻤﻜوﻨﺔ ﻝﻠﻔﻜر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ. ّ اﻝﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ،واﻝﺘﻲ ﺘﻌﻨﻰ ﺒﺎﻝﺠواﻨب اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
ﻤﻤــﺎ ﺴــﺎﻋد ﻓــﻲ إرﺴــﺎء
اﻝﺘﺨﺼــص ﻓــﻲ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎّ ،
ّ أدى ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ إﻝــﻰ ظﻬــور
وﻫــذا ﻤــﺎ ّ
اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼرة .
ّ اﻝﻤﺒﺎدىء
31
-2اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺒﻨﺎﺌﻲ اﻝوظﻴﻔﻲ :
ـرد ﻓﻌــل ﻋﻨﻴــف ﻋﻠــﻰ اﻝﻨظرﻴــﺔﺘ ارﻓــق ﻨﺸــوء ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ ﻤــﻊ ظﻬــور اﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ،ﻜـ ّ
ﺘطورﻴ ـﺎً وﻝــﻴس ﺘﺎرﻴﺨﻴ ـﺎً ،ﺤﻴــث رّﻜــز ﻋﻠــﻰ د ارﺴــﺔ
ّ ﺒﺄﻨــﻪ ﻝــﻴس
ﺘﻤﻴــز اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻝﺒﻨــﺎﺌﻲّ ،
اﻝﺘطورﻴــﺔ .وﻗــد ّ
ّ
اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜ ّل ﻋﻠﻰ ﺤدة ،ﻓﻲ واﻗﻌﻬﺎ اﻝﺤﺎﻝﻲ اﻝﻤﻜﺎﻨﻲ واﻝزﻤﺎﻨﻲ .
ﻷﻨـﻪ اﻋﺘﻤـد اﻝﻌﻠـم ﻓـﻲ د ارﺴـﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ﻴﺨﻴـﺔّ ،
وﻫذا ﻤﺎ ﺠﻌﻠﻪ ﻴﺨﺘﻠف ﻋـن اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺘﺎر ّ
ﻜظــﺎﻫرة ،ﻴﺠــب اﻝﺒﺤــث ﻓــﻲ ﻋﻨﺎﺼــرﻫﺎ واﻝﻜﺸــف ﻋــن اﻝﻌﻼﻗــﺎت اﻝﻘﺎﺌﻤــﺔ ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴﻨﻬــﺎ ،وﻤــن ﺜـ ّـم اﻝﻌﻼﻗــﺎت
80
اﻝﻘﺎﺌﻤﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ وﺒﻴن اﻝظواﻫر اﻷﺨرى.
ﻴﻌ ــود اﻝﻔﻀ ــل ﻓ ــﻲ ﺘﺒﻠ ــور اﻻﺘّﺠ ــﺎﻩ اﻝﺒﻨ ــﺎﺌﻲ اﻝ ــوظﻴﻔﻲ ﻓ ــﻲ اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺔ ،إﻝ ــﻰ أﻓﻜ ــﺎر
اﻝﻌﺎﻝﻤﻴن اﻝﺒرﻴطـﺎﻨﻴﻴن) ،ﺒروﻨﺴـﻠو ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴـﻜﻲ( و )راد ﻜﻠﻴـف ﺒـراون ( ،اﻝﻠـذﻴن ﻋﺎﺸـﺎ ﻓـﻲ أواﺨـر اﻝﻘـرن
اﻝﺘﺎﺴــﻊ ﻋﺸــر واﻝﻨﺼــف اﻷول ﻤــن اﻝﻘــرن اﻝﻌﺸ ـرﻴن .وﻴــدﻴﻨﺎن ﺒﺎﺘّﺠﺎﻫﺎﺘﻬﻤــﺎ اﻝﻨظرﻴــﺔ ،إﻝــﻰ أﻓﻜــﺎر ﻋــﺎﻝم
اﻻﺠﺘﻤﺎع ) إﻤﻴل دورﻜﻬﺎﻴم ( اﻝذي رّﻜز اﻫﺘﻤﺎﻤﻪ ﻋﻠﻰ اﻝطرﻴﻘـﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘﻌﻤـل ﺒﻬـﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ
ﺘطور ﻫذﻩ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت واﻝﺴﻤﺎت اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻝﺜﻘﺎﻓﺎﺘﻬﺎ. ووظﺎﺌف ﻨظﻤﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻝﻴس ﻋﻠﻰ ﺘﺎرﻴﺦ ّ
وﻝﻌ ـ ّل ) ﻜﻠــود ﻝﻴﻔــﻲ ﺴــﺘروس ( اﻝوﺤﻴــد ﺒــﻴن اﻝﺒﻨــﺎﺌﻴﻴن اﻝﻔرﻨﺴــﻴﻴن ،اﻝــذي ﻴﺴــﺘﺨدم ﻜﻠﻤــﺔ )ﺒﻨــﺎء أو
ﺒﻨﺎﺌﻴﺔ( ﺼراﺤﺔ ﻓﻲ ﻋﻨﺎوﻴن ﻜﺘﺒﻪ وﻤﻘﺎﻻﺘﻪ ،اﺒﺘـداء ﻤـن ﻤﻘﺎﻝـﻪ اﻝـذي ﻜﺘﺒـﻪ ﻋـﺎم ،1945ﻋـن " اﻝﺘﺤﻠﻴـل
اﻝﺒﻨـﺎﺌﻲ " ﻓـﻲ اﻝﻠﻐوﻴـﺎت وﻓـﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ،واﻝـذي ﻴﻌﺘﺒـر – ﺒﺤـق –" ﻤﻴﺜـﺎق " اﻝﻨزﻋـﺔ اﻝﺒﻨﺎﺌﻴـﺔٕ ،واﻝــﻰ
ﻜﺘﺎب " اﻷﺒﻨﻴﺔ اﻷوﻝﻴﺔ ﻝﻠﻘراﺒﺔ " اﻝذي ﻜﺎن ﺴﺒﺒﺎً ﻓﻲ ذﻴـوع اﺴـﻤﻪ وﺸـﻬرﺘﻪ ،واﻝـذي ﻴﻌﺘﺒـرﻩ اﻝﻜﺜﻴـرون أﻫ ّـم
وأﻓﻀــل إﻨﺠــﺎز ﻓــﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻔرﻨﺴــﻴﺔ ﻋﻠــﻰ اﻹطــﻼق ..وﻤــن ﺜـ ّـم إﻝــﻰ ﻜﺘﺎﺒــﻪ " اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ
اﻝﺒﻨﺎﺌﻴﺔ ".
ـﺄن اﻝﺒﻨﻴوﻴـﺔ )اﻝﺒﻨﺎﺌﻴـﺔ( ﻫـﻲ أﻜﺜـر وﺠﻬـت إﻝﻴـﻪ ،ﻓـﻼ ﻴـزال ﻴـؤﻤن ﺒ ّ وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤـن اﻻﻨﺘﻘـﺎدات اﻝﺘـﻲ ّ
اﻝﻤﻨﺎﻫﺞ ﻗدرة ﻋﻠﻰ ﺘﺤﻠﻴل اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت وﻓﻬم اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴﺎ وﺘﻘرﻴﺒﻬﺎ إﻝﻰ اﻷذﻫﺎنٕ ،واّﻨﻬﺎ ﻓـﻲ اﻝوﻗـت ﻨﻔﺴـﻪ،
اﻝﻤﺸﺨﺼـﺔ ،واﻝوﺼـول إﻝـﻰ اﻝﺨﺼـﺎﺌص ّ أﻓﻀل وﺴـﻴﻠﺔ ﻴﻤﻜـن ﺒﻬـﺎ ﺘﺠـﺎوز اﻝﻤﻌﻠوﻤـﺎت واﻝوﻗـﺎﺌﻊ اﻝﻌﻴﺎﻨﻴـﺔ
اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻝﻠﻌﻘـل اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ .ﻓﻘـد أﻓﻠـﺢ ﻓـﻲ أن ﻴﺤﻘّـق ﻝﻠﺒﻨﺎﺌﻴـﺔ ﻤـﺎ ﻝـم ﻴﺤﻘّﻘـﻪ ﻏﻴـرﻩ ،ﻤـﻊ ّأﻨـﻪ ﻝـم ﻴﻘـم ﺒد ارﺴـﺎت
ﺤﻘﻠﻴــﺔ ﺒــﻴن اﻝﺸــﻌوب اﻝﻤﺘﺨﻠّﻔــﺔ )اﻝﺒداﺌﻴــﺔ ( ،وﺤﺘــﻰ ﺤــﻴن ﻗــﺎم ﺒد ارﺴــﺎﺘﻪ ﻓــﻲ )اﻝﺒ ارزﻴــل واﻝﺒﺎﻜﺴــﺘﺎن( ﻜــﺎن
ﻴﻤﻀ ـ ــﻲ ﻓﺘـ ـ ـرات ﻗﺼ ـ ــﻴرة وﻤﺘﺒﺎﻋ ـ ــدة ﺒ ـ ــﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋ ـ ــﺎت اﻝﺘ ـ ــﻲ درﺴ ـ ــﻬﺎ .وﺨ ـ ــرج ﺒﺎﻝﺒﻨﺎﺌﻴ ـ ــﺔ ﻤ ـ ــن ﻤﺠ ـ ــﺎل
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،إﻝــﻰ ﻤﻴــﺎدﻴن اﻝﻔﻜــر اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ،اﻝواﺴــﻌﺔ واﻝرﺤﻴﺒــﺔ .وﺠﻌــل ﻤﻨﻬــﺎ اﺘﺠﺎﻫ ـﺎً ﻓﻜرﻴ ـﺎً وﻤﻨﻬﺠﻴ ـﺎً
ﻴﻬدف إﻝﻰ اﻝﻜﺸف ﻋن اﻝﻌﻤﻠﻴﺎت اﻝﻌﻘﻠﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤﺔ ،وﻝﻪ ﺘطﺒﻴﻘﺎﺘﻪ ﻓﻲ اﻷدب واﻝﻔﻠﺴﻔﺔ واﻝﻠﻐﺔ واﻝﻤﻴﺜوﻝوﺠﻴﺎ
)اﻷﺴ ــطورة( واﻝ ــدﻴن واﻝﻔ ــن .وﺒﻠ ــﻎ ﻤ ــن ﻗ ـ ّـوة اﻝﺒﻨﺎﺌﻴ ــﺔ أن أﺼ ــﺒﺤت ﻓ ــﻲ اﻝﺒداﻴ ــﺔ ،ﺘﻤﺜّ ــل ﺘﻬدﻴ ــداً ﻤﺒﺎﺸـ ـ اًر
81
ﻴﻌﺒـر ﻓـﻲ ﺠﻤﻠﺘـﻪ ﻋـن ﻝﻠوﺠودﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘرّﻜز ﻋﻠﻰ اﻝﻔرد واﻝﺴﻠوك اﻝﻔردي .ﻓﺎﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺒﻨﺎﺌﻲ اﻝوظﻴﻔﻲّ ،
اﻝﺘوﺼل إﻝﻴـﻪ ﻤـن ﺨـﻼل اﻝﻤﻘﺎﺒﻠـﺔ )اﻝﻤوازﻨـﺔ( ﺒـﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ )اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت( ّ ﺘم
ﻤﻨﻬﺞ دراﺴﻲ ّ
واﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ )اﻷﻓراد ( .وﻝم ﻴﻌد اﺴﺘﺨداﻤﻪ ﻤﻘﺼـو اًر ﻋﻠـﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻴﻴنٕ ،واّﻨﻤـﺎ ﺘﻨﺎوﻝــﻪ أﻴﻀـﺎً
ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎع ﺒـﺎﻝﻔﺤص واﻝﺘطﺒﻴـق واﻝﺘﻌـدﻴل ،ﻋﻠـﻰ ﻴـد ) ﺘﻠﻜـوت ﺒﺎرﺴـوﻨز ،وﺠـورح ﻤﻴرﺘـون ( .ﻜﻤـﺎ
82
ﺴﻴﻤﺎ ﻋﻠوم اﻝﺤﻴﺎة واﻝﻜﻴﻤﻴﺎء. ارﺘﺒط أﻴﻀﺎً ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ،وﻻ ّ
ﻤﻌﻴﻨ ـﺎً
أن اﻷﻓـراد ﻴﻤﻜــﻨﻬم أن ﻴﻨﺸــﺌوا ﻷﻨﻔﺴــﻬم ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﺨﺎﺼــﺔ ،أو أﺴــﻠوﺒﺎً ّ
ﻓﻘــد رأى ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( ّ
32
ﻝﻠﺤﻴﺎة ،ﻴﻀﻤن ﻝﻬم إﺸﺒﺎع ﺤﺎﺠـﺎﺘﻬم اﻷﺴﺎﺴـﻴﺔ ،اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴـﺔ واﻝﻨﻔﺴ ّـﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ .وﻝـذﻝك رﺒـط اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ
– ﺒﺠواﻨﺒﻬﺎ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،اﻝﻤﺎدﻴﺔ واﻝروﺤﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﺒﺎﻻﺤﺘﻴﺎﺠﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ .
ﻓﺎﻻﻫﺘﻤﺎم ﺒﺎﻝﺒﻨﻴﺔ ،Strutureﻜﺘراﺒط ﻤﻨظّم وﺨﻔﻲ ﻝﻠﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻴﺴﺎﻋد اﻝﻨﻤـوذج ﻓـﻲ ﺘﻔﺴـﻴرﻩ
وراء اﻝﻌﻼﻗـ ـ ــﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ـ ــﺔ ،ﻴوازﻴـ ـ ــﻪ ﻓـ ـ ــﻲ اﺘﺠـ ـ ــﺎﻩ آﺨـ ـ ــر اﻫﺘﻤـ ـ ــﺎم وظـ ـ ــﺎﺌﻔﻲ ﺒـ ـ ــﺎﻝﻤﻌﻨﻰ اﻝـ ـ ــذي ﻴﺤـ ـ ـ ّـددﻩ
)ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴﻜﻲ( ،واﻝذي ﺘﻌﻨﻲ ﻓﻴﻪ اﻝوظﻴﻔﺔ :ﺘﻠﺒﻴﺔ ﺤﺎﺠﺔ ﻤن اﻝﺤﺎﺠﺎت ،وﻴﻜون ﻓﻴﻬﺎ اﻝﺘﺤﻠﻴـل اﻝـوظﻴﻔﻲ
ﻫو ذﻝك اﻝذي " :ﻴﺴﻤﺢ ﺒﺘﺤدﻴد اﻝﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴن اﻝﻌﻤل اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ واﻝﺤﺎﺠـﺔ ﻋﻨـد اﻹﻨﺴـﺎن ،ﺴـواء ﻜﺎﻨـت ﻫـذﻩ
83
اﻝﺤﺎﺠﺔ أوﻝﻴﺔ أو ﻓرﻋﻴﺔ ﺜﺎﻨوﻴﺔ "
ﻓﺎﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻜﻴﺎن ﻜﻠّﻲ وظﻴﻔﻲ ﻤﺘﻜﺎﻤل ،ﻴﻤﺎﺜـل اﻝﻜـﺎﺌن اﻝﺤـﻲ ،ﺒﺤﻴـث ﻻ ﻴﻤﻜـن ﻓﻬـم دور وظﻴﻔـﺔ أي
ﻋﻀو ﻓﻴﻪ ،إﻻّ ﻤن ﺨﻼل ﻤﻌرﻓﺔ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺒﺄﻋﻀـﺎء اﻝﺠﺴـم اﻷﺨـرىٕ ،وا ّن د ارﺴـﺔ ﻫـذﻩ اﻝوظﻴﻔـﺔ ﺒﺎﻝﺘـﺎﻝﻲ،
ﺘﻤ ّﻜن اﻝﺒﺎﺤث اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻲ ﻤن اﻜﺘﺸﺎف ﻤﺎﻫﻴﺔ ﻜل ﻋﻨﺼر وﻀرورﺘﻪ ،ﻓﻲ ﻫذا اﻝﻜﻴﺎن اﻝﻤﺘﻜﺎﻤل .
وﻝــذﻝك ،دﻋــﺎ ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( إﻝــﻰ د ارﺴــﺔ وظﻴﻔــﺔ ﻜ ـ ّل ﻋﻨﺼــر ﺜﻘــﺎﻓﻲ ،ﻋــن طرﻴــق إﻋــﺎدة ﺘﻜــوﻴن
ﺘــﺎرﻴﺦ ﻨﺸــﺄﺘﻪ أو اﻨﺘﺸــﺎرﻩ ،وﻓــﻲ إطــﺎر ﻋﻼﻗﺘــﻪ ﻤــﻊ اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻷﺨــرى .وﻫــذا ﻴﻘﺘﻀــﻲ د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت
ﺘﻐﻴرت . اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜ ّل ﻋﻠﻰ ﺤدة ،وﻜﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ وﻀﻌﻬﺎ اﻝراﻫن ،وﻝﻴس ﻜﻤﺎ ﻜﺎﻨت أو ﻜﻴف ّ
ﻤﻨﻬﺠﻴ ـ ــﺔ ﺘﻤ ّﻜ ـ ــن اﻝﺒﺎﺤ ـ ــث
ّ وﺒ ـ ــذﻝك ﻴﻜ ـ ــون ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴ ـ ــﻜﻲ ( ﻗ ـ ــد ﻗ ـ ـ ّـدم ﻤﻔﻬ ـ ــوم) اﻝوظﻴﻔ ـ ــﺔ( ﻜ ـ ــﺄداة
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ﻤن إﺠراء ﻤﻼﺤظﺎﺘﻪ ﺒطرﻴﻘﺔ ﻤرّﻜزة وﻤﺘﻜﺎﻤﻠﺔ ،ﻓﻲ أﺜﻨﺎء وﺼﻔﻪ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺒداﺌﻴﺔ.
أﻤــﺎ ) ﺒـراون ( ﻓﻘــد ﻗــﺎم ﻤــن ﺠﻬﺘــﻪ ،ﺒــدور رﺌــﻴس ﻓــﻲ ﺘــدﻋﻴم أﺴــس اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻝﺒﻨــﺎﺌﻲ اﻝــوظﻴﻔﻲ ،ﻓــﻲ ّ
ﻤوﺠﻬ ـ ـﺎً اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴـ ــﺎ ﻨﺤـ ــو اﻝد ارﺴـ ــﺎت
اﻝد ارﺴـ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺔ ،وذﻝـ ــك ﻤـ ــﻊ ﺒداﻴـ ــﺔ اﻝﻘـ ــرن اﻝﻌﺸ ـ ـرﻴنّ ،
اﻝﻤﺘزاﻤﻨﺔ ،وﻝﻴس ﻨﺤو اﻝﺘﻔﺴﻴر اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻲ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﻜﻤﺎ ﻓﻌل ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴﻜﻲ ( .
اﻋﺘﻤ ــد ) ﺒـ ـراون( ﻓ ــﻲ د ارﺴ ــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤ ــﻊ وﺘﻔﺴ ــﻴر اﻝظـ ـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﺘﻔﺴ ــﻴ اًر اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ـﺎً ،ﺒﻨﺎﺌﻴـ ـﺎً
ووظﻴﻔﻴ ـﺎً ،ﻋﻠ ــﻰ ﻓﻜـ ـرة اﻝوظﻴﻔﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﻨ ــﺎدى ﺒﻬــﺎ ) دورﻜﻬ ــﺎﻴم ( واﻝﺘ ــﻲ ﺘﻘ ــوم ﻋﻠ ــﻰ د ارﺴ ــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت
اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ،ﻤن ﺨﻼل اﻝﻤطﺎﺒﻘـﺔ )اﻝﻤﻤﺎﺜﻠـﺔ( ﺒـﻴن اﻝﺤﻴـﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ واﻝﺤﻴـﺎة اﻝﻌﻀـوﻴﺔ ،ﻜﻤـﺎ ﻫـﻲ اﻝﺤـﺎل
ﻓـ ــﻲ اﻝﻤﺸـ ــﺎﺒﻬﺔ ﺒـ ــﻴن اﻝﺒﻨـ ــﺎء اﻝﺠﺴـ ــﻤﻲ اﻝﻤﺘﻜﺎﻤـ ــل ﻋﻨـ ــد اﻹﻨﺴـ ــﺎن ،واﻝﺒﻨـ ــﺎء اﻻﺠﺘﻤـ ــﺎﻋﻲ اﻝﻤﺘﻜﺎﻤـ ــل ﻓـ ــﻲ
اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ .
ﺒﺄﻨــﻪ ﻴﻨــدرج ﺘﺤــت ﻫــذا اﻝﻤﻔﻬــوم ،اﻝﻌﻼﻗــﺎت
وﻴوﻀــﺢ ) ﺒـراون ( طﺒﻴﻌــﺔ ﻫــذا )اﻝﺒﻨــﺎء اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ( ّ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻜﻠّﻬــﺎ ،واﻝﺘــﻲ ﺘﻘــوم ﺒــﻴن ﺸــﺨص وآﺨــر .ﻜﻤــﺎ ﻴــدﺨل ﻓــﻲ ذﻝــك اﻝﺘﻤــﺎﻴز اﻝﻘــﺎﺌم ﺒــﻴن اﻷﻓ ـراد
ـﺘﻤر ﺘﺠ ّـدد ﺒﻨـﺎء
واﻝطﺒﻘﺎت ،ﺒﺤﺴب أدوارﻫم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،واﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﻨظّم ﻫـذﻩ اﻷدوار .وﻜﻤـﺎ ﻴﺴ ّ
اﻝﻜﺎﺌن اﻝﻌﻀوي طوال ﺤﻴﺎﺘﻪ ،ﻓﻜـذﻝك ﺘﺘﺠ ّـدد اﻝﺤﻴـﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻤـﻊ اﺴـﺘﻤ اررﻴﺔ اﻝﺒﻨـﺎء اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﻓـﻲ
ﻋﻼﻗﺎﺘﻪ وﺘﻤﺎﺴﻜﻪ.
ـﺎﻝﺘﻨوع اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ﺒــﻴن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت – ﻤﻬﻤــﺎ ﻜــﺎن ﺸــﻜﻠﻪ-
واﺴــﺘﻨﺎداً إﻝــﻰ ذﻝــك ،ﻴﺼــﺒﺢ اﻻﻋﺘ ـراف ﺒـ ّ
ﺘطور ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،اﻨطﻼﻗﺎً ﻤن اﻝﻨﻘﺎط اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ:
إﺤدى اﻝﺨطوات اﻝﻬﺎﻤﺔ ﻓﻲ ّ
إن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﺘﻌﺒﻴر ﻋن ﺴﻠوك ﺸﻌب ﻤﺎ ،وﻋن ﻗواﻋد ﻫذا اﻝﺸﻌب.
ّ -1
ﻤﻌﻴﻨﺔ وﻓﻲ زﻤن
اﻝﺘﻨوﻋﺎت ﻓﻲ اﻝﻌﻘﻴدة واﻝﺴﻠوك اﻝﻔردﻴﻴن ﻝدى أﻓراد ﺠﻤﺎﻋﺔ ّ
إن ﻤﺠﻤوع ّ
ّ -2
33
ﻤﻌ ـ ّـﻴن ،ﻴﺤ ـ ّـدد ﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ﺘﻠ ــك اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ .وﻫ ــذا ﺼ ــﺤﻴﺢ ﺒﺎﻝﻨﺴ ــﺒﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺎت اﻝﻔرﻋﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻝوﺤ ــدات
اﻝﺼﻐﻴرة ،داﺨل اﻝﻜ ّل اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ.
ﻝﻴﺴت اﻝﻌﻘﻴـدة واﻝﺴـﻠوك ﻓـﻲ أي ﻤﺠﺘﻤـﻊ ،أﺒـداً ﻨﺘـﺎج اﻝﺼـدﻓﺔ ،ﺒـل ﻴﺘﺤ ّـوﻻن وﻓـق ﻗواﻋـد -3
راﺴﺨﺔ.
ﻴﺠب اﺴﺘﻨﺒﺎط ﻫذﻩ اﻝﻘواﻋد ﺒواﺴطﺔ اﻻﺴﺘﻘراء ﻤن اﻝﺘواﻓق اﻝﻤﻼﺤظ ﻓﻲ اﻝﻌﻘﺎﺌد وأﻨﻤﺎط -4
اﻝﺴﻠوك ﻝدى ﺠﻤﺎﻋﺔ ﻤﺎ وﻫﻲ ﺘﺸﻤل ﻨﻤﺎذج ﺜﻘﺎﻓﺔ ﺘﻠك اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ.
ﻜﻠّﻤﺎ ﺼﻐر ﺤﺠم اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ ،ﻜﺎﻨـت ﻨﻤـﺎذج ﻋﻘﺎﺌـدﻫﺎ وﺴـﻠوﻜﺎﺘﻬﺎ ،أﻜﺜـر ﺘﺠﺎﻨﺴـﺎً ﻓﻴﻤـﺎ إذا -5
ﺘﺴﺎوت اﻷﻤور اﻷﺨرى.
ﻤﻤــﺎ
84أﻜﺜـر اﺘّﺴـﺎﻋﺎً ّ
-6ﻗـد ﻴظﻬـر ﻝــدى اﻝﻔﺌـﺎت اﻻﺨﺘﺼﺎﺼـﻴﺔ ،ﺘﻨـ ّـوع ﻓـﻲ ﺤﻘـل اﺨﺘﺼﺎﺼــﻬﺎ
اﻝﻜﻠﻴـﺔٕ .وازاء ﻫـذﻩ اﻷﻤـورﻴظﻬر ﻝدى اﻝﻔﺌﺎت اﻷﺨـرى ،اﻝﻤﺴـﺎوﻴﺔ ﻝﻬـﺎ ﻓـﻲ اﻝﺤﺠـم ،ﺒـﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ ّ
ﺒﺄﻫﻤﻴــﺔ ﻤﺴــﺄﻝﺔ اﻝﺘﺠــﺎﻨس اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ واﻝﺘﻨــﺎﻓر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ،ﻓــﻲ اﻝد ارﺴــﺎت
ّ ﻤﺠﺘﻤﻌــﺔ ،ﻻ ﺒـ ّـد ﻤــن اﻻﻋﺘ ـراف
اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺔ ،وﻓﻲ أﺜﻨﺎء ﻤﻨﺎﻗﺸﺔ اﻝﻨظرﻴﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ.
ٕواذا ﻜــﺎن ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( أﺨــذ ﺒﻔﻜ ـرة اﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻝﺘــﺄﻤﻴن اﻝﺤﺎﺠــﺎت اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ واﻝﻨﻔﺴــﻴﺔ
ﻤﻜوﻨﺎﺘـﻪ وﻋﻼﻗﺎﺘـﻪ،ﻝﻸﻓراد ،ﺒﻴﻨﻤﺎ اﺘّﺠﻪ ) ﺒراون ( ﻨﺤو ﻤﺴﺄﻝﺔ ﺘﻤﺎﺴك اﻝﻨظـﺎم اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ،ﻤـن ﺤﻴـث ّ
ﻤﻜوﻨــﺎت اﻝﺒﻨــﺎء اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ( إﻝــﻰ وﺤــدات ﺼــﻐﻴرةﻓﺄﻨﻬﻤــﺎ رﻓﻀــﺎ ﻤﻌ ـﺎً ﻓﻜ ـرة ﺘﺠزﺌــﺔ اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ) ّ
ّ
وﺘطورﻫﺎ ..
ّ ﻴﻘوم اﻝﺒﺎﺤث ﺒدراﺴﺔ ﻤﻨﺸﺌﻬﺎ أو اﻨﺘﺸﺎرﻫﺎ
واﻋﺘﻤدا ﺒدﻻّ ﻤن ذﻝك ﻋﻠﻰ اﻝدراﺴﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ ،ﻝوﺼف اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت ﺒوﻀﻌﻬﺎ اﻝراﻫن .وﻗد وﺠد ﻫـذا
اﻷول ﻤـن اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴن، اﻝﻤﻬﺘﻤﻴن ﺒدراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ﻓـﻲ اﻝﻨﺼـف ّ ّ اﻻﺘّﺠﺎﻩ ﻗﺒوﻻً واﺴﻌﺎً ﻝدى
وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺒــﻴن اﻷﻨﺜرﺒوﻝــوﺠﻴﻴن اﻷوروﺒﻴــﻴن ،اﻝــذﻴن اﻨﺘﺸــروا ﻓــﻲ اﻝﻤﺴــﺘﻌﻤرات ﻹﺠ ـراء د ارﺴــﺎت ﻤﻴداﻨﻴــﺔ،
وﺠﻤــﻊ اﻝﻤ ـواد اﻷوﻝﻴــﺔ اﻝﻼزﻤــﺔ ﻝوﺼــف اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ،وﺘﺤﻠﻴﻠﻬــﺎ ﻓــﻲ إطﺎرﻫــﺎ اﻝ ـواﻗﻌﻲ
وﻜﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ وﻀﻌﻬﺎ اﻝراﻫن .
34
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺴﺎﺒﻌﺔ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
53
ﻏﻤوﻀــﻪ ،ﻴﻘﺤــم ﻓــﻲ ﺤﻘــل اﻝﺘﺤﻠﻴــل اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ﺘﺎرﻴﺨﻴــﺔ ﻗﺒــل أرﺴــﻤﺎﻝﻴﺔ ،ﻗــد ﻴﻜــون
ﻤﻀــﻤوﻨﻬﺎ اﻝطﺒﻘــﻲ ﻤﺤـ ّل ﻨﻘــﺎش .وﻋﻠــﻰ ﻫــذا اﻷﺴــﺎس ،ﺘﻜــون اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝوﺤﻴــدة اﻝﺘــﻲ ﺘﺨــرج
ﻤن اﻝﺤﻘل اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻫﻲ ﺘﻠك اﻝﺘـﻲ ﺘﺴ ّـﻤﻰ ﻋـﺎدة ﺒﺎﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت )اﻝﺒداﺌﻴـﺔ ( ،واﻝﺘـﻲ ﻝـم ﺘﺼـل
ﻤﻌﻴن.
ﻓﻴﻬﺎ أﻨﻤﺎط اﻹﻨﺘﺎج اﻝﻔﻜري إﻝﻰ درﺠﺔ ﻜﺎﻓﻴﺔ ﻤن اﻝﺘﻤﺎﻴز ﺘﺴﻤﺢ ﻝﻬﺎ ﺒﺘﺼﻨﻴف ّ
ﻝــﻴس اﻝﻤﻬـ ّـم ﻤــن وﺠﻬــﺔ اﻝﻨظــر اﻝﺘﺤﻠﻴﻠﻴــﺔ إﺜﺒــﺎت اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻹﻨﺘــﺎج اﻝﻔﻜــري واﻝواﻗــﻊ -2
ﻤﻌﻴﻨـﺔ ﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻤﻌ ّـﻴن .وﻴﻌ ّـداﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﺒﻘدر ﻤﺎ ﻫو ﺘﺤﻠﻴـل أﺸـﻜﺎل ﻫـذﻩ اﻝﻌﻼﻗـﺔ ﻓـﻲ ﻤرﺤﻠـﺔ ّ
ﻫــذا اﻝﺘﺤﻠﻴــل ﻤﺼــد اًر أﺴﺎﺴـ ّـﻴﺎً ﻓــﻲ اﻝﻤﻨﺎﻗﺸــﺎت اﻝﻤﺘﻌﻠّﻘــﺔ ﺒــﺎﻝرواﺒط اﻝﻤوﺠــودة ﺒــﻴن اﻝﺒﻨﻴــﺔ اﻝﺘﺤﺘﻴــﺔ
واﻝﺒﻨﻴــﺔ اﻝﻔوﻗﻴــﺔ ،واﻝﺘــﻲ أﻓﻀــت إﻝــﻰ ﺘﺄﻜﻴــد ﻓﻜ ـرة اﻝﺘﺒــﺎدل اﻝــدﻴﺎﻝﻴﻜﺘﻴﻜﻲ اﻝﻘــﺎﺌم ﺒﻴﻨﻬﻤــﺎ .وﺘﺠــدر
أن اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻷدب واﻝﻔــن ،ﺴــﺎﻫﻤت ﻤﺴــﺎﻫﻤﺔ ﻤﺘطـ ّـورة ﻓــﻲ ﺘﺤﻠﻴــل أﺸــﻜﺎل اﻹﺸــﺎرة ﻫﻨــﺎ ،إﻝــﻰ ّ
اﻝﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴن اﻹﻨﺘﺎج اﻝﻔﻜري ،وﻤﻌطﻴﺎت اﻝﺒﻨﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
ـﺎﻝﻘص أو اﻝﻤﺴــرح ﻤــﺜﻼً ،ﻤﻌطﻴــﺎت إن ﺘﺤدﻴــد اﻝﻜﻴﻔﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ ﻴﺤـ ّـول ﺒﻬــﺎ إﻨﺘــﺎج ﻓﻜــري ،ﻜـ ّ -3
أن
ﺴﻴﻤﺎ ّ ﺒد ﻤن إﺒراز اﻝوظﻴﻔﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻝﻬذا اﻹﻨﺘﺎج ،وﻻ ّ اﻝواﻗﻊ ،ﻻ ﻴﻜﻔﻲ ،ﺒل ﻻ ّ
ـؤدون أدوا اًر ﻗ ــد ﻴﻌوﻨﻬ ــﺎ أو ﻻ ﻴﻌوﻨﻬ ــﺎ ﻝﺼ ــﺎﻝﺢ
اﻝﻤﻨﺘﺠ ــﻴن ﻴﻨﺘﻤ ــون إﻝ ــﻰ ﻓﺌ ــﺎت ﻤ ــن اﻝﻤﺜﻘّﻔ ــﻴن ﻴ ـ ّ
ﻤﻌﻴﻨﺔ .وﻫذﻩ اﻝوظﻴﻔـﺔ ﻝﻴﺴـت ﻤظﻬـ اًر ﺜﺎﻨوﻴـﺎً أو ﺘﻜﻤﻴﻠﻴـﺎً ،ﺒـل ﻫـﻲ أﺼﻨﺎف أو طﺒﻘﺎت اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ّ
ﺒﻌـ ٌـد ﻤــن أﺒﻌــﺎد اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ واﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ،وﻻ ﻴﻤﻜــن ﺘﻔﺴــﻴر أي ﺤــدث ﻓﻜــري ﻤــن دوﻨﻬــﺎ.
وﻫﻲ ﻓﻲ اﻝوﻗت ذاﺘﻪ ،ﺘوﺠد ﺤﻼ ﻝﻤـﺎ ﻴﺴ ّـﻤﻰ " اﺴـﺘﻘﻼﻝﻴﺔ " اﻝﻘـﻴم اﻝﻔﻜرﻴـﺔ واﻝﺠﻤﺎﻝﻴـﺔ ،وذﻝـك ﻤـن
ﻤﺤددة.
ﺨﻼل اﻜﺘﺸﺎف وظﻴﻔﺔ اﺴﺘﻤ اررﻴﺔ ﻫذﻩ اﻝﻘﻴم ،أو ﺒﻌﺜﻬﺎ ﻓﻲ ظروف ﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ّ
ﺘوﺠــﻪ ﺴــﻠوك اﻝﻔــرد ،وﺘﺼــرف
إن د ارﺴــﺔ اﻝوﺴــط اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ،ﺘﻜﺸــف ﻋــن اﻵﻝﻴــﺔ اﻝﺴــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ اﻝﺘــﻲ ّ
ّ
اﻝﻨزﻋﺔ اﻝﻌدواﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻻت ﺘﻨﻔﻴس ﻤﻬ ّذب .واﻝﻤﺜﺎل ﻋﻠﻰ ذﻝك ﻓﻲ ﺒﻌض اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻜﻤﺎ ﻓﻲ
طﻘوس )اﻵﺒو (Apoاﻝﺘﻲ ﺘﻤﺎرﺴﻬﺎ ﻗﺒﺎﺌل اﻵﺸﺎﻨﺘﻲ Ashantiﻓﻲ ﺴﺎﺤل اﻝذﻫب ﻓﻲ أﻓرﻴﻘﻴﺎ اﻝﻐرﺒﻴﺔ .
ﻓﻔــﻲ اﺤﺘﻔــﺎﻻت اﻵﺒــو ،ﻻ ﻴﺴــﻤﺢ ﻓﻘــط ،ﺒــل ﻴﺠــب ،أن ﻴﺴــﻤﻊ أﺼــﺤﺎب اﻝﺴــﻠطﺔ ،اﻝﺴــﺨرﻴﺔ واﻝﻠــوم
أن ﻓـﻲ ﻫـذا ﻀـﻤﺎﻨﺔ ﻝﻜـﻲ واﻝﻠﻌﻨﺎت ﻤن رﻋﺎﻴﺎﻫم ﺒﺴﺒب اﻝﻤظﺎﻝم اﻝﺘﻲ ارﺘﻜﺒوﻫﺎ .وﻴﻌﺘﻘد رﺠﺎل اﻵﺸﺎﻨﺘﻲ ّ
ﻻ ﺘﺘﻌ ّذب أرواح اﻝﺤﻜـﺎم ﺒﺴـﺒب ﻜﺒـت اﺴـﺘﻴﺎء اﻝﻐﺎﻀـﺒﻴن .وﻝـوﻻ ذﻝـك ،ﻷﻓﻀـﻰ ﺘـراﻜم اﻻﺴـﺘﻴﺎء وﺘﻌـﺎظم
ﻗوﺘﻪ ،إﻝﻰ إﻀﻌﺎف ﺴﻠطﺔ اﻝﺤﻜﺎم ،ﺒل ٕواﻝﻰ ﻗﺘﻠﻬم .وﻻ ﺘﺘطﻠّب ﻓﻌﺎﻝﻴـﺔ ﻫـذﻩ اﻵﻝﻴـﺔ )اﻝﻔروﻴدﻴـﺔ اﻝﺠـوﻫر( ّ
ﻓــﻲ اﻝﺘﻨﻔــﻴس ﻋــن اﻝﻜﺒــت أي إﻴﻀــﺎح .ﻓﻬــﻲ ﺘﻠﻘــﻲ ﻀــوءاً أﻜﺒــر ﻋﻠــﻰ ﻤــﺎ ﺘﻘــوم ﺒــﻪ ﻤــن أﺸــﻜﺎل اﻝﺴــﻠوك
اﻝﻤﻨظّﻤ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻨظ ــم اﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ،ﻤ ــن ﺘﺼ ــﺤﻴﺢ ﻻﺨ ــﺘﻼل اﻝﺘـ ـوازن ﻓ ــﻲ ﻨﻤ ــو ﺸﺨﺼ ــﻴﺎت اﻷﻓـ ـراد اﻝ ــذﻴن
133
ﺘﺸﻤﻠﻬم.
ـﺘم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﺒــﺎﻝﺘراث واﻝﺤﻴــﺎة داﺨــل ﻨطــﺎق اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ،وﻴﻤﻜــن
وﻤــن ﻫــذا اﻝﻤﻨطﻠــق ﺘﻬـ ّ
ﺒوﺴﺎطﺘﻬﺎ اﻝﺨوض ﻓﻲ ﺠوﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ ،وﻤﻌرﻓـﺔ ﻜﻴـف ﺘﺤﻴـﺎ اﻷﻤـم ،ﻤـن ﺨـﻼل اﻹﺠﺎﺒـﺔ ﻋـن
اﻝﺘﺴﺎؤﻻت اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ :
ﻤــﺎ ﻫــﻲ ﺴــﺒل اﻝﻌــﻴش اﻝﻤﺘّﺒــﻊ ﻝــدﻴﻬم؟ ﻤــﺎ ﻫــﻲ اﻝط ارﺌــق اﻝﺘــﻲ ﻴﺘﺒﻌوﻨﻬــﺎ ﻓــﻲ ﺘرﺒﻴــﺔ أﺒﻨــﺎﺌﻬم ؟ ﻜﻴــف
ﻴﻌﺒــرون ﻋــن أﻨﻔﺴــﻬم؟ ﻤــﺎ ﻫــﻲ ط ـرﻴﻘﺘﻬم ﻓــﻲ أداء ﻋﺒــﺎداﺘﻬم؟ ﻤــﺎ ﻫــﻲ اﻝﻌﻠــوم واﻵداب واﻝﻔﻨــون اﻝﺴــﺎﺌدة ّ
ﻋﻨدﻫم؟ وﻜﻴف ﻴﻨﻘﻠون ﺘراﺜﻬم إﻝﻰ أﺠﻴﺎﻝﻬم اﻝﺠدﻴدة ﻤن ﺒﻌدﻫم؟ وﻏﻴر ذﻝك ﻤن اﻝﻌﺎدات واﻝﻘﻴم وأﺴﺎﻝﻴب
54
اﻝﺘﻌﺎﻤل ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬم.
ﺘطورﻫﺎ :
ﺜﺎﻨﻴﺎً-ﻨﺸﺄة اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وﻤراﺤل ّ
ﻝم ﺘظﻬر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻜﻔرع ﻤﺴﺘﻘ ّل ﻋن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﺎﻤﺔ ،إﻻّ ﻓـﻲ اﻝﻨﺼـف اﻝﺜـﺎﻨﻲ
ﻤن اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸر .
رواد
ورّﺒﻤ ــﺎ ﻴﻌ ــود اﻝﻔﻀ ــل ﻓ ــﻲ ذﻝ ــك إﻝ ــﻰ اﻝﻌ ــﺎﻝم اﻹﻨﻜﻠﻴ ــزي ) إدوارد ﺘ ــﺎﻴﻠور ( اﻝ ــذي ﻴﻌ ـ ّـد ﻤ ــن ّ
ﻗدم أول ﺘﻌرﻴـف ﺸـﺎﻤل ﻝﻠﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻋـﺎم 1871ﻓـﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ " اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ اﻝﺒداﺌﻴـﺔ " .وﻗـد اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،واﻝذي ّ
ﻤـ ّـرت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﺒﻤ ارﺤــل ﻤﺘﻌـ ّـددة ،ﻤﻨــذ ذﻝــك اﻝﺤــﻴن ﺤﺘــﻰ وﺼــﻠت إﻝــﻰ ﻤــﺎ ﻫــﻲ ﻋﻠﻴــﻪ ﻓــﻲ
134
اﻝﻌﺼر اﻝﺤﺎﻀر.
وﺘﻤﺘد ﻤن ظﻬور ﻫذﻩ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ وﺤﺘـﻰ ﻨﻬﺎﻴـﺔ اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر .وﻜﺎﻨـت ّ ﻤرﺤﻠﺔ اﻝﺒدﻴﺔ :
ﻋﺒـﺎرة ﻋــن ﻤﺤـﺎوﻻت ﻝرﺴــم ﺼــورة ﻋﺎﻤـﺔ ﻝﺘطـ ّـور اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻤﻨــذ اﻝﻘــدم ،واﻝﺒﺤـث أﻴﻀـﺎً ﻋـن ﻨﺸــﺄة اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ
اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ.
وظﻬــر ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻔﺘـرة إﻝــﻰ ﺠﺎﻨــب اﻝﻌــﺎﻝم اﻹﻨﻜﻠﻴــزي ) ﺘــﺎﻴﻠور ( ،اﻝﻌــﺎﻝم اﻷﻤرﻴﻜــﻲ ) ﺒـواز ( اﻝــذي
أﺨذ ﺒﺎﻻﺘﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ،وذﻝك ﻤن ﺠﺎﻨﺒﻴن ؛
أوﻝﻬﻤـــﺎ :إﺠ ـراء د ارﺴــﺎت ﺘﻔﺼــﻴﻠﻴﺔ ﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ﻤﺠﻤوﻋــﺎت ﺼــﻐﻴرة ،ﻜﺎﻝﻘﺒﺎﺌــل واﻝﻌﺸــﺎﺌر ،وﻤ ارﺤــل
ﺘطورﻫﺎ .
ّ
وﺜﺎﻨﻴﻬﻤﺎ :أﺠراء ﻤﻘﺎرﻨـﺔ ﺒـﻴن ﺘـﺎرﻴﺦ اﻝﺘط ّـور اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ ،ﻋﻨـد ﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن اﻝﻘﺒﺎﺌـل ،ﺒﻐﻴـﺔ اﻝوﺼـول
أﻫﻤﻴ ــﺔ
وﺘطورﻫ ــﺎ .وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ ﻴﻌط ــﻲ ّ
ّ إﻝ ــﻰ ﻗـ ـواﻨﻴن ﻋﺎﻤ ــﺔ أو ﻤﺒ ــﺎدىء ،ﺘﺤﻜ ــم ﻨﻤ ــو اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺎت اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ
اﻝﺨﺎﺼﺔ .
ّ ﻤﻨﻬﺠﻴﺘﻪ
ّ ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻋﻠﻤﺎً ﻝـﻪ
اﻝﻤرﺤﻠــﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴــﺔ :وﺘﻘــﻊ ﻤــﺎ ﺒــﻴن ) 1915 -1900م( ،وﺘﻌـ ّـد اﻝﻤرﺤﻠــﺔ اﻝﺘﻜوﻴﻨﻴــﺔ ،ﺤﻴــث ﺘرّﻜــزت
اﻝﺠﻬــود ﻓــﻲ اﻷﺒﺤــﺎث واﻝد ارﺴــﺎت ،ﻋﻠــﻰ ﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ﺼــﻐﻴرة ﻤﺤـ ّـددة ﻝﻤﻌرﻓــﺔ ﺘــﺎرﻴﺦ ﺜﻘﺎﻓﺘﻬــﺎ وﻤ ارﺤــل
ﺘطورﻫﺎ ،وﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﺘﺤدﻴد ﻋﻨﺎﺼر ﻫذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻗﺒل أن ﺘﻨﻘرض . ّ
وﺘوﺼل اﻝﺒﺎﺤث ّ واﺴﺘﻨﺎداً إﻝﻰ ذﻝك ،ﺠرت دراﺴﺎت ﻋدﻴدة ﻋﻠﻰ ﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﻬﻨود اﻝﺤﻤر ﻓﻲ أﻤرﻴﻜﺎ،
اﻷﻤرﻴﻜﻲ ) وﺴﻠر ( إﻝﻰ أﺴﻠوب ﻴﻤﻜن ﺒوﺴﺎطﺘﻪ ﻤن دراﺴﺔ أي إﻗﻠﻴم أو ﻤﻨطﻘﺔ ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝم ﺘﻌـﻴش ﻓﻴﻬـﺎ
ﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ذات ﺜﻘﺎﻓــﺎت ﻤﺘﺸــﺎﺒﻬﺔ ،أو ﻤــﺎ أﺼــطﻠﺢ ﻋﻠــﻰ ﺘﺴــﻤﻴﺘﻪ ﺒـ ـ )اﻝﻤﻨطﻘــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ( .وﻗــد ﺸـ ّـﺒﻪ )
وﺴــﻠر ( اﻝﻤﻨطﻘــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﺒــداﺌرة ،ﺘﺘرّﻜــز ﻤﻌظــم اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﻓــﻲ ﻤرﻜزﻫــﺎ ،وﺘﻘـ ّل ﻫــذﻩ اﻝﻌﻨﺎﺼــر
ﻜﻠّﻤﺎ اﺒﺘﻌدت ﻋن اﻝﻤرﻜز.
ﺘﻤﻴــزت ﺒﻜﺜـرةاﻝﻤرﺤﻠــﺔ اﻝﺜﺎﻝﺜــﺔ :وﺘﻘــﻊ ﻤــﺎ ﺒــﻴن ) 1930 -1915م( وﺘﻌـ ّـد ﻓﺘـرة اﻻزدﻫــﺎر ،ﺤﻴــث ّ
اﻝﺒﺤــوث واﻝﻤﻨﺎﻗﺸــﺎت ﻓــﻲ اﻝﻘﻀــﺎﻴﺎ اﻝﺘــﻲ ﺘــدﺨل ﻓــﻲ ﺼــﻠب ﻋﻠــم اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺘﻠــك
اﻝدراﺴﺎت اﻝﺘﻲ ﺘرّﻜزت ﻓﻲ أﻤرﻴﻜﺎ .
وﻴرﺠﻊ ازدﻫﺎر اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓـﻲ ﺘﻠـك اﻝﻔﺘـرة ،إﻝـﻰ ﻨﻀـﺞ ﻫـذا اﻝﻌﻠـم ووﻀـوح ﻤﻔﺎﻫﻴﻤـﻪ وﻤﻨﺎﻫﺠـﻪ.
وﺘراﻓق ذﻝك ﺒﺎزدﻫﺎر اﻝﻤدرﺴﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻓﻲ أﻤرﻴﻜﺎ ،وظﻬور اﻝﻤدرﺴﺔ اﻻﻨﺘﺸﺎرﻴﺔ ﻓـﻲ إﻨﻜﻠﺘـرا ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ
ﺒﻌ ــد اﻷﺨ ــذ ﺒﻤﻔﻬ ــوم )اﻝﻤﻨطﻘ ــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ( اﻝ ــذي طرﺤ ــﻪ ) وﺴ ــﻠر ( ﻜﺈط ــﺎر ﻝﺘﺤﻠﻴ ــل اﻝﻤﻌطﻴ ــﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ
55
اﻝﺘوﺼل إﻝﻰ اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﻤﺸﺘرﻜﺔ ﺒﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﻤﺘﺸﺎﺒﻬﺔ. وﺘﻔﺴﻴرﻫﺎ ،و ّ
اﻝﻤرﺤﻠــﺔ اﻝراﺒﻌــﺔ :وﻤـ ّـدﺘﻬﺎ ﻋﺸــر ﺴــﻨوات ﻓﻘــط ،وﺘﻘــﻊ ﻤــﺎ ﺒــﻴن ) 1940 -1930م( .وﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم
ﺘﻤﻴــزت ﺒــﺎﻋﺘراف اﻝﺠﺎﻤﻌــﺎت اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔاﻝﺘوﺴــﻌﻴﺔ ،ﺤﻴــث ّ
ّ ﻤــن ﻗﺼــر ﻤـ ّـدﺘﻬﺎ ،ﻓﻘــد أطﻠــق ﻋﻠﻴﻬــﺎ اﻝﻔﺘ ـرة
وﺨﺼﺼــت ﻝﻬــﺎّ واﻷوروﺒﻴــﺔ ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﻜﻌﻠــم ﺨــﺎص ﻓــﻲ إطــﺎر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ اﻝﻌﺎﻤــﺔ،
وﻤﻘررات دراﺴﻴﺔ ﻓﻲ أﻗﺴﺎم ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻓﻲ اﻝﺠﺎﻤﻌﺎت. ﻓروع ّ
ﺘﺒﻨﺎﻫــﺎ /ﺴــﺎﺒﻴر /ﻋــﺎﻝم اﻻﺠﺘﻤــﺎع اﻷﻤرﻴﻜــﻲ،
وظﻬــرت ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻔﺘ ـرة اﻝﻨظرﻴــﺔ )اﻝﺘﻜﺎﻤﻠﻴــﺔ( اﻝﺘــﻲ ّ
واﺴــﺘطﺎع ﻤــن ﺨﻼﻝﻬــﺎ ﺘﺤدﻴــد ﻤﺠﻤوﻋــﺔ ﻤﺘﻨﺎﺴــﻘﺔ ﻤـن أﻨﻤــﺎط اﻝﺴــﻠوك اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ ،واﻝﺘــﻲ ﻴﻤﻜــن اﻋﺘﻤﺎدﻫــﺎ
أن ﺠـوﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻫـو ﻓـﻲ ﺤﻘﻴﻘـﺔ اﻷﻤـر، ﻓﻲ د ارﺴـﺔ اﻝﺴـﻠوك اﻝﻔـردي ،ﻝـدى أﻓـراد ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻤﻌ ّـﻴن ،ﺤﻴـث ّ
ﻝــﻴس إﻻّ ﺘﻔﺎﻋــل اﻷﻓ ـراد ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ﺒﻌﻀــﻬم ﻤــﻊ ﺒﻌــض ،وﻤــﺎ ﻴــﻨﺠم ﻋــن ﻫــذا اﻝﺘﻔﺎﻋــل ﻤــن ﻋﻼﻗــﺎت
وﻤﺸﺎﻋر وطراﺌق ﺤﻴﺎﺘﻴﺔ ﻤﺸﺘرﻜﺔ .
وﻗد ﺘﺄﺜّرت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻝﻔﺘرة -إﻝـﻰ ﺤ ّـد ﺒﻌﻴـد -ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ
ﻓــﻲ ﻤﻔﺎﻫﻴﻤﻬــﺎ وﻤﻨﺎﻫﺠﻬــﺎ ،وذﻝــك ﺒﻔﻀــل اﻷﺒﺤــﺎث اﻝﺘــﻲ ﻗــﺎم ﺒﻬــﺎ ﻜـ ّل ﻤــن /ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ وﺒـراون /ﻓــﻲ
ﻤﺠﺎﻻت اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
اﻝﻤرﺤﻠـﺔ اﻝﺨﺎﻤﺴــﺔ :وﻫــﻲ اﻝﻔﺘـرة اﻝﻤﻌﺎﺼـرة اﻝﺘـﻲ ﺒــدأت ﻤﻨـذ ﻋــﺎم ،1940وﻤـﺎ ازﻝــت ﺤﺘـﻰ اﻝوﻗــت
ﺒﺘوﺴ ــﻊ ﻨط ــﺎق اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺔ ،ﺨ ــﺎرج أوروﺒ ــﺎ وأﻤرﻴﻜ ــﺎ،
اﻝﺤﺎﻀ ــر .وﺘﻤﺘ ــﺎز ﻫ ــذﻩ اﻝﻤرﺤﻠ ــﺔ ّ
واﻨﺘﺸــﺎر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﻓــﻲ اﻝﻌدﻴــد ﻤــن ﺠﺎﻤﻌــﺎت اﻝــدول اﻝﻨﺎﻤﻴــﺔ ،ﻓــﻲ أﻓرﻴﻘﻴــﺎ وآﺴــﻴﺎ وأﻤرﻴﻜــﺎ
اﻝﻼﺘﻴﻨﻴﻨﻴﺔ.
اﻝدرﺴــﺎت اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــﺔ ،ﻜــﺎن اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻝﻘــوﻤﻲ ﻓــﻲ
وﺘ ارﻓــق ذﻝــك ﻤــﻊ ظﻬــور اﺘّﺠﺎﻫــﺎت ﺠدﻴــدة ﻓــﻲ ا
ﻤﻘدﻤــﺔ ﻫــذﻩ اﻻﺘّﺠﺎﻫــﺎت اﻝﺤدﻴﺜــﺔ ﻓــﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ،واﻝــذي ﻴﻬــدف إﻝــﻰ ﺘﺤدﻴــد اﻝﺨﺼــﺎﺌص ّ
اﻝﻘوﻤﻴــﺔ .وﻗــد أﺨــذت ﺒﻬــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻝﺒﺎﺤﺜــﺔ اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔ ) روث ﺒﻴﻨــدﻜﻴت ( اﻝﺘــﻲ ﻗﺎﻤــت
ّ اﻝرﺌﻴﺴــﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓــﺔ
ﺒدراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﻴﺎﺒﺎﻨﻴﺔ ﺨﻼل اﻝﺤرب اﻝﻌﺎﻝﻤﻴﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ .
ﻴﻔﻀـل
أن اﻻﻨﺴـﺎن ّ وﻴﺴﻤﻰ اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻝﻘوﻤﻲ ﻓﻲ ﺘﻘﻴﻴم اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ " :اﻻﻨطواﺌﻴﺔ اﻝﻘوﻤﻴﺔ " واﻝﺘﻲ ﺘﻌﻨـﻲّ :
ّ
طرﻴﻘﺔ ﻗوﻤﻪ ﻓﻲ اﻝﺤﻴﺎة ،ﻋﻠﻰ طراﺌق اﻷﻗوام اﻷﺨرى ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ .ﺘﻠك ﻫﻲ اﻝﻨﺘﻴﺠﺔ اﻝﻤﻨطﻘﻴﺔ ﻝﻌﻤﻠﻴﺔ اﻝﺘﺜﻘﻴف
اﻷوﻝﻰ ،واﻝﺘﻲ ﻴﺘّﻔق ﺒﻬﺎ ﺸﻌور ﻤﻌظم اﻷﻓراد ﻨﺤو ﺜﻘﺎﻓﺘﻬم اﻝﺨﺎﺼـﺔ ،ﺴـواء أﻓﺼـﺤوا ﻋـن ﻫـذا اﻝﺸـﻌور أم
ﻝم ﻴﻔﺼﺤوا.
وﺘﺘﺠﻠّــﻰ اﻻﻨطواﺌﻴــﺔ اﻝﻘوﻤﻴــﺔ ﻝــدى اﻝﺸــﻌوب اﻝﺒداﺌﻴــﺔ ﺒﺄﺤﺴــن أﺸــﻜﺎﻝﻬﺎ ،ﻓــﻲ اﻷﺴــﺎطﻴر واﻝﻘﺼــص
اﻝﺸﻌﺒﻴﺔ ،واﻷﻤﺜﻠﺔ واﻝﻌﺎدات اﻝﻠﻐوﻴﺔ ..ﻓﺄﺴطورة أﺼل اﻝﻌروق اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻝدى ﻫﻨود )اﻝﺸﻴروﻜﻲ( ﺘﻌطﻴﻨﺎ
ﺤﻴﺎً ﻋن اﻻﻨطواﺌﻴﺔ اﻝﻘوﻤﻴﺔ .ﺘﻘول اﻷﺴطورة : ﻤﺜﺎﻻً ّ
ﺼور اﻝﺨﺎﻝق اﻹﻨﺴﺎن ﺒﺄن ﺼﻨﻊ أوﻻً ﻓرﻨﺎً وأوﻗد اﻝﻨـﺎر ﻓﻴـﻪ ،ﺜ ّـم ﺼـﻨﻊ ﻤـن ﻋﺠﻴﻨـﺔ ﺜﻼﺜـﺔ ﺘﻤﺎﺜﻴـل " ّ
أن ﻝﻬﻔـﺔ اﻝﺨـﺎﻝق إﻝـﻰ رؤﻴـﺔ
ﻋﻠﻰ ﺸـﻜل اﻹﻨﺴـﺎن ،ووﻀـﻌﻬﺎ ﻓـﻲ اﻝﻔـرن واﻨﺘظـر ﺸ ّـﻴﻬﺎ )ﺸـواءﻫﺎ ( .ﻏﻴـر ّ
ﻴﺘوج ﺘﺠرﺒﺘﻪ ﻓﻲ اﻝﺨﻠق ،ﻜﺎﻨت ﻤـن اﻝﺸـ ّدة ﺒﺤﻴـث أﺨـرج اﻝﺘﻤﺜـﺎل اﻷول ﻤﺒﻜـ اًر ،ﻓﻜـﺎن ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻋﻤﻠﻪ اﻝذي ّ
أﻤـﺎ اﻝﺘﻤﺜـﺎل اﻝﺜـﺎﻨﻲ،
– وﻝﻸﺴف -ﻏﻴر ﻨﺎﻀﺞ ﺸﺎﺤﺒﺎً ﺒﺎﻫـت اﻝﻠـون ،وﻤـن ﻨﺴـﻠﻪ ﻜـﺎن اﻝﻌـرق اﻷﺒـﻴضّ .
ﻤدﺘــﻪ ﻓــﻲ اﻝﺸ ـواء ﻜﺎﻨــت ﻤﻀــﺒوطﺔ وﻜﺎﻓﻴــﺔ ،ﻓﺄﻋﺠﺒــﻪ ﺸــﻜﻠﻪ اﻷﺴــﻤر اﻝﺠﻤﻴــل،
ﻷن ّ
ﺠﻴــداً ّ
ﻓﻜــﺎن ﻨﺎﻀــﺠﺎً ّ
56
ﺘﺄﻤـل ﺼــورﺘﻪ ،ﻨﺎﺴــﻴﺎً أن ﻴﺴــﺤب اﻝﺘﻤﺜــﺎل اﻝﺜﺎﻝــث ﻤــن وﻜــﺎن ﻫــذا ﺴــﻠف اﻝﻬﻨــود .واﻨﺼــرف اﻝﺨــﺎﻝق إﻝــﻰ ّ
ـﺘم راﺌﺤــﺔ اﻻﺤﺘـراق .ﻓــﺘﺢ ﺒــﺎب اﻝﻔــرن ﻓﺠــﺄة ،ﻓوﺠــد ﻫــذا اﻝﺘﻤﺜــﺎل ﻤﺘﻔﺤﻤـﺎً أﺴــود اﻝﻠــون ..
اﻝﻔــرن ﺤﺘــﻰ اﺸـ ّ
135
ﻓﻜﺎن ذﻝك ﻤدﻋﺎة ﻝﻸﺴف ،وﻝﻜن ﻝم ﻴﻌد ﺒﺎﻹﻤﻜﺎن ﺤﻴﻠﺔ ،وﻜﺎن ﻫذا أول رﺠل أﺴود " .
ﺒﻬذﻩ اﻝﺼورة ﺘﺒدو اﻻﻨطواﺌﻴﺔ اﻝﻘوﻤﻴﺔ ﻝدى اﻝﻜﺜﻴر ﻤن اﻝﺸﻌوب ،ﺤﻴـث ﻴﺼ ّـر اﻹﻨﺴـﺎن اﻝﻔـرد ﻋﻠـﻰ
اﻝﺘﻌﺒﻴر ﻋن ﺼﻔﺎت ﻗوﻤﻪ اﻝﺤﻤﻴدة ..وﻝﻬذا ﻴﺤﻜم أي إﻨﺴﺎن ﻋﻠـﻰ اﻝﻨظـﺎم اﻝﻘﻴﻤـﻲ اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﻝـدى أي
ﺸﻌب آﺨر ،ﻤن ﺨﻼل اﻝﻌﻼﻗﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘـرﺒط ﻫـذا اﻝﺸـﻌب ﺒﺸـﻌﺒﻪ ،وﻓـق درﺠـﺔ اﻝرﻏﺒـﺔ واﻝﻘﺒـول ﻓـﻲ ذﻝـك،
واﻝﺘﻲ ﻗد ﺘﺼل إﻝﻰ ﺤدود اﻝرﻓض اﻝﻤطﻠق أو اﻝﻘﺒول اﻝﻤطﻠق ،وﻓﻘﺎً ﻝﻤﻌﺎﻴﻴر ﻋﺎﻤﺔ.
أﻫم اﻻﺘﺠﺎﻫﺎت اﻝﺤدﻴﺜﺔ أﻴﻀﺎً ﻓﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﺘﻠك اﻝدراﺴﺎت اﻝﺘـﻲ ﻋﻨﻴـت وﻜﺎﻨت ﻤن ّ
اﻝﻤﺘﻤدﻨـﺔ ،وﻤـﺎ أطﻠـق ﻋﻠﻴﻬـﺎ " د ارﺴـﺔ اﻝﺤﺎﻝـﺔ " .ﻜد ارﺴـﺔ أوﻀـﺎع ﻗرﻴـﺔ أو ﻋـدد ﻤـن اﻝﻘـرىّ ﺒﺎﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت
ﻤﻌﻴﻨــﺔ ،أو د ارﺴــﺔ ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﺨﺎﺼــﺔ ﺒﻤﺠﻤوﻋــﺔ أو ﺒﻔﺌــﺔ ﻤــن اﻝﺒﺸــر .إﻀــﺎﻓﺔ إﻝــﻰ
اﻝﻤﺘﺠـﺎورة ،أو ﻓــﻲ ﻤﻨطﻘــﺔ ّ
دراﺴﺎت أﻜﺎدﻴﻤﻴـﺔ ﺘﺘﻌﻠّـق ﺒﺨﺼـﺎﺌص اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ وﻤﺒﺎدﺌﻬـﺎ ،وﻤﻨـﺎﻫﺞ اﻝﺒﺤـث ﻓﻴﻬـﺎ وطراﺌﻘﻬـﺎ
ﻤﻤــﺎ ﻴﺴــﻬم ﻓــﻲ إﺠـراء اﻝد ارﺴــﺎت ﻋﻠــﻰ أﺴــس ﻤوﻀــوﻋﻴﺔ وﻋﻠﻤﻴــﺔ ﺘﺤﻘّــق اﻷﻫــداف وأﺴــﺎﻝﻴﺒﻬﺎ ..وﻏﻴرﻫــﺎ ّ
اﻝﻤرﺠوة ﻤﻨﻬﺎ.
57
ﻴدرس ﻋﻠﻤﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،اﻝﻠﻐﺔ ﻓﻲ ﺴﻴﺎﻗﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ واﻝﺜﻘﺎﻓﻲ ،ﻓﻲ اﻝﻤﻜﺎن واﻝزﻤﺎن .وﻴﻘـوم
ﺒﺎﻝﻤﻘوﻤـ ــﺎت اﻝﻌﺎﻤـ ــﺔ ﻝﻠﻐـ ــﺔ ورﺒطﻬـ ــﺎ ﺒﺎﻝﺘﻤـ ــﺎﺜﻼت اﻝﻤوﺠـ ــودة ﻓـ ــﻲ اﻝـ ــدﻤﺎغ
ّ ﺒﻌﻀـ ــﻬم ﺒﺎﺴـ ــﺘﻨﺘﺎﺠﺎت ﺘﺘﻌﻠّـ ــق
اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ .وﻴﻘوم آﺨرون ﺒﺈﻋﺎدة ﺒﻨﺎء اﻝﻠﻐﺎت اﻝﻘدﻴﻤﺔ ﻤن ﺨﻼل ﻤﻘﺎرﻨﺘﻬﺎ ﺒﺎﻝﻤﺘﺤ ّـدرات ﻋﻨﻬـﺎ ﻓـﻲ اﻝوﻗـت
اﻝﺤﺎﻀر ،وﻴﺤﺼﻠون ﻤن ذﻝك ﻋﻠﻰ اﻜﺘﺸﺎﻓﺎت ﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻋن اﻝﻠﻐﺔ.
وﻤــﺎ ﻴـزال ﻋــدد ﻤــن ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻠﻐوﻴــﺔ ،ﻴدرﺴــون اﺨﺘﻼﻓــﺎت اﻝﻠﻐــﺔ ﻝﻴﻜﺘﺸــﻔوا اﻻد ارﻜــﺎت
واﻝﻨﻤــﺎذج اﻝﻔﻜرﻴــﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ،ﻓــﻲ ﻋــدد واﻓــر ﻤــن اﻝﺤﻀــﺎرات .وﻴــدﺨل ﻓــﻲ ذﻝــك ،د ارﺴــﺔ اﻻﺨﺘﻼﻓــﺎت
اﻝﻠﻐوﻴــﺔ ﻓــﻲ ﺴــﻴﺎﻗﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ،وﻫــو ﻤــﺎ ﻴــدﻋﻰ )ﻋﻠــم اﻝﻠﻐــﺔ اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ( اﻝــذي ﻴــدرس اﻻﺨــﺘﻼف
136
اﻝﻤوﺠود ﻓﻲ ﻝﻐﺔ واﺤدة ،ﻝﻴظﻬر ﻜﻴف ﻴﻌﻜس اﻝﻜﻼم اﻝﻔروﻗﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
إن اﻝﺘﺸﺎﺒﻪ اﻝﻤﻨﻬﺠﻲ اﻝﺸدﻴد ﺒـﻴن ﻋﻠـم اﻻﺠﺘﻤـﺎع واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻤـن ﺠﻬـﺔ ،وﻋﻠـم اﻝﻠﻐـﺔ ﻤـن ﺠﻬـﺔ ّ
أﺨــرى ،ﻴﻔﺘــرض واﺠﺒ ـﺎً ﺨﺎﺼ ـﺎً ﻤــن اﻝﺘﻌــﺎون ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴﻨﻬــﺎ ،ﺤﻴــث ﻴﺴ ـﺘطﻴﻊ ﻋﻠــم اﻝﻠﻐــﺔ أن ﻴﻘـ ّـدم اﻝﺒ ـراﻫﻴن
اﻝﻤﺴﺎﻋدة ﻓﻲ دراﺴﺔ ﻤﺴﺎﺌل اﻝﻘراﺒﺔ ،ﻤن ﺨﻼل ﺘﻘدﻴم أﺼول اﻝﻜﻠﻤﺎت وﻤﺎ ﻴﻨﺘﺞ ﻋﻨﻬﺎ ﻤن ﻋﻼﻗـﺎت ﻓـﻲ
ﺒﻌ ــض أﻝﻔ ــﺎظ اﻝﻘ ارﺒ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﻝ ــم ﺘﻜ ــن ﻤدرﻜ ــﺔ ﺒﺼ ــورة ﻤﺒﺎﺸـ ـرة ،ﻤ ــن ﻗﺒ ــل ﻋ ــﺎﻝم اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ أو ﻋ ــﺎﻝم
اﻻﺠﺘﻤــﺎع ،وﺒــذﻝك ﻴﻠﺘﻘــﻲ ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﺒﻬــدف ﻤﻘﺎرﻨــﺔ اﻝﻔــروع اﻝﺘــﻲ ﻴﻨﺘﺠﻬــﺎ ﻫــذان اﻝﻌﻠﻤــﺎن.
وﻴﻘﺘــرب اﻝﻠﻐوﻴــون ﻤــن ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،آﻤﻠــﻴن ﻓــﻲ ﺠﻌــل د ارﺴــﺎﺘﻬم أﻜﺜــر واﻗﻌﻴــﺔ ،وﻓــﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒــل،
ﺘوﺴﻤوا ﻓﻴﻬم اﻝﻘدرة ﻋﻠﻰ إﺨراﺠﻬم ﻤن اﻻﻀطراب اﻝـذي أﻝﻘـﺘﻬم ﻴﻠﺘﻤس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴون اﻝﻠﻐوﻴﻴن ﻜﻠّﻤﺎ ّ
137
ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﻴﺒدو ،أُﻝﻔﺘﻬم اﻝزاﺌدة ﻤﻊ اﻝظﺎﻫرات اﻝﻤﺎدﻴﺔ واﻝﺘﺠرﻴﺒﻴﺔ.
أن ﻓــرع اﻝﻠﻐوﻴــﺎت ﻫــو ﺤﺎﻝﻴ ـﺎً ﻤــن أﻜﺜــر ﻓــروع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ،اﺴــﺘﻘﻼﻻً
وﻝــذﻝك ،ﻴﻼﺤــظ ّ
واﻨﻌ ازﻻً ﻋن اﻝﻔروع اﻷﺨرى .ﻓدراﺴﺔ اﻝﻠﻐﺎت ﻴﻤﻜن أن ﺘﺠري دون اﻫﺘﻤﺎم ﻜﺒﻴر ﺒﻌﻼﻗﺎﺘﻬﺎ ﻤﻊ اﻝﺠواﻨب
أن اﻝﻠﻐـﺎت – ﺒﻤـﺎاﻷﺨرى ﻓﻲ اﻝﻨﺸﺎط اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ،وﻫذا ﻫو اﻝواﻗﻊ ﻓﻲ ﺤﺎﻻت ﻜﺜﻴـرة.وﻤﻤـﺎ ﻻ ﺸـك ﻓﻴـﻪّ ،
ﻓﻴﻬﺎ ﻤـن ﺘراﻜﻴـب ﻤﻌﻘّـدة وﻏرﻴﺒـﺔ ،وﻤـﺎ ﺘﻨطـوي ﻋﻠﻴـﻪ ﻤـن ﺘﻨ ّـوع ﻫﺎﺌـل ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻨـد اﻝﺸـﻌوب اﻝﺒداﺌﻴـﺔ،
138
ﻏﻨﻴﺔ ﻻ ﻴﻤﻜن ﺤﺼرﻫﺎ. ﺘزود اﻝﺒﺎﺤث ﺒﻤﺎدة دراﺴﻴﺔ ّّ
ِ ِ
أﻫﻤﻴــﺔ ﺒﺎﻝﻐــﺔ ﻝﻠ َﻐــﺔ وﻴﻌﺘﺒرﻫــﺎ أﺤــد اﻷرﻜــﺎن اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ ﻓــﻲ ﻋﻠــم
وﻝــذﻝك ،ﻴﻌطــﻲ ) ﻝﻴﻔــﻲ ﺴــﺘروس ( ّ
أن اﻝﻠﻐـﺔ ﻫـﻲ اﻝﺨﺎﺼـﻴﺔ اﻝرﺌﻴﺴـﺔ اﻝﺘـﻲ اﻹﻨﺴﺎن ،إن ﻝم ﺘﻜن ﺤﺠر اﻝزاوﻴﺔ ﻓﻲ ذﻝك اﻝﻌﻠم ،وﻋﻠﻰ أﺴﺎس ّ
اﻝﺤﻴﺔ اﻷﺨرى .وﻝذﻝك ،ﻴﻌﺘﺒرﻫﺎ اﻝظﺎﻫرة اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻴﻤﻜن ﻋن ﺘﻤﻴز اﻹﻨﺴﺎن ﻋن اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ ّ
طرﻴﻘﻬــﺎ ،ﻓﻬــم ﻜ ـ ّل ﺼــور اﻝﺤﻴــﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ .وﻫــذا ﻤــﺎ ﻴؤ ّﻜــدﻩ ﻓــﻲ ﻜﺘﺎﺒــﻪ )اﻝﻤﻨــﺎطق اﻝﻤدارﻴــﺔ اﻝﺤزﻴﻨــﺔ(
واﻝ ــذي ﻴﻌ ــرف ﻓ ــﻲ اﻝﻌ ــﺎﻝم اﻝﻌرﺒ ــﻲ ﺒﺎﺴ ــم )اﻵﻓ ــﺎق اﻝﺤزﻴﻨ ــﺔ( وﻫ ــو ﻨ ــوع ﻤ ــن اﻝﺴ ــﻴرة اﻝذاﺘﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻗﺎﻝ ــب
ﻓﺈﻨﻨــﺎ
ﻓﺈﻨﻨــﺎ ﻨﻌﻨــﻲ اﻝﻠﻐــﺔ .وﺤــﻴن ﻨﻘــول اﻝﻠﻐــﺔ ّ ... أﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ ،ﺤﻴــث ﻴﻘــول " :ﺤــﻴن ﻨﻘــول اﻹﻨﺴــﺎن ّ ..
ﻨﻘﺼد اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ "..
وﻫذا ﻤﺎ دﻓﻌﻪ إﻝﻰ اﺴـﺘﺨدام ﻤﻨـﺎﻫﺞ اﻝﻠﻐوﻴـﺎت اﻝﺤدﻴﺜـﺔ وأﺴـﺎﻝﻴﺒﻬﺎ ،ﻓـﻲ ﺘﺤﻠﻴﻠـﻪ ﻝﻠﻤﻌﻠوﻤـﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ،
ﻤﻤــﺎ ﻴﻌطــﻲ ﻝﻠﻤﻌﻨــﻰاﻷﻫﻤﻴــﺔ أﻜﺜــر ّ
ّ وﻜ ـ ّل ﻤــﺎدة ﻏﻴــر ﻝﻐوﻴــﺔ .ﻜﻤــﺎ ﺠﻌﻠــﻪ ﻴﻌطــﻲ اﻝﻜﻠﻤــﺔ )اﻝــدال( ﻤــن
أن اﻝ ــدال اﻝواﺤ ــد )اﻝﻜﻠﻤ ــﺔ اﻝواﺤ ــدة( ﻗ ــد ﻴﻜ ــون ﻝـ ــﻪ ﻤ ــدﻝوﻻن ﻤﺨﺘﻠﻔ ــﺎن ﺒﺎﻝﻨﺴ ــﺒﺔ
)اﻝﻤ ــدﻝول ( ،وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ّ
أن اﻝــدال اﻝواﺤــد ،ﻗــد ﺘﻜــون ﻝ ــﻪ ﻤــدﻝوﻻت ﻝﺸﺨﺼــﻴن ﻤﺨﺘﻠﻔــﻴن ،وذﻝــك ﺘﺒﻌ ـﺎً ﻻﺨــﺘﻼف ﺘﺠﺎرﺒﻬﻤــﺎ .ﺒــل ّ
139
ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﻠﺸﺨص ﻨﻔﺴﻪ ،وﻓﻲ أوﻗﺎت أو ظروف ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ.
58
ﺘوﺼـﻠوا ﻤـن
أن ﻋﻠﻤﺎء اﻝﻠﻐﺔ ﻝم ﻴﺘﻤ ّﻜﻨوا ﻤن ﺘﺤدﻴد أﺴﺒﻘﻴﺔ ﻝﻐـﺔ ﻋﻠـﻰ أﺨـرى ،ﻓﻘـد ّ
وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ
ﺨﻼل دراﺴﺎﺘﻬم إﻝﻰ ﺘﺼﻨﻴف اﻝﻠﻐﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺒﺤﺴب طﺒﻴﻌﺘﻬﺎ واﺴﺘﺨداﻤﻬﺎ ،ﻓﻲ ﺜﻼﺜﺔ أﻗﺴﺎم ﻫﻲ :
-اﻝﻠﻐﺎت اﻝﻤﻨﻌزﻝﺔ :وﻫﻲ اﻝﻠﻐﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﺘﺨﺎطب ﺒﻬﺎ ﻓﺌﺎت ﻤﻨﻌزﻝﺔ ﻋن اﻝﻔﺌﺎت اﻷﺨرى ،وﻻ ﺘﻔﻬﻤﻬﺎ
اﻝﻤﺘﺤدﺜﺔ ﺒﻬﺎ .وﻫﻲ ﻝﻐﺔ ﻻ ﺘﻜﺘب وﻝﻴس ﻝﻬﺎ ﺘﺎرﻴﺦ .
ّ إﻻّ ﺘﻠك اﻝﻔﺌﺎت
وﻝﻜﻨﻬ ــﺎ ﻤﻠﺘﺼ ــﻘﺔ ﺒﻬ ــم
-اﻝﻠﻐـــﺎت اﻝﻤﻠﺘﺼـــﻘﺔ :وﻫ ــﻲ اﻝﻠﻐ ــﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﺘﺘﺨﺎط ــب ﺒﻬ ــﺎ ﺸ ــﻌوب ﻜﺒﻴـ ـرةّ ،
وﺒﺘراﺜﻬم .وﻫﻲ ﻝﻐﺎت ﻤﻌروﻓﺔ ،وﻝﻜن ﻝﻴس ﻝﻬﺎ ﻗواﻋـدٕ ،واّﻨﻤـﺎ ﺘﻌﺘﻤـد ﻋﻠـﻰ اﻝﻤﻘـﺎطﻊ
اﻝﺼﻴﻨﻴﺔ.
ّ واﻝﻜﻠﻤﺎت ،ﻤﺜل :اﻝﻠﻐﺔ
-اﻝﻠﻐــــﺎت ذات اﻝﻘواﻋــــد )اﻝﻨﺤــــو واﻝﺼــــرف( :وﻫـ ــﻲ اﻝﻠﻐـ ــﺎت اﻝﺤدﻴﺜـ ــﺔ اﻝﺘـ ــﻲ ﺘﺴـ ــﺘﺨدﻤﻬﺎ اﻷﻤـ ــم
اﻝﻤﺘﺤﻀـرة ،ﻝﻬــﺎ ﻗواﻋــد ﻨﺤوﻴــﺔ وﺼـرﻓﻴﺔ ،ﺘﻀــﺒط ﺠﻤﻠﻬــﺎ وﻗواﻝﺒﻬــﺎ اﻝﻠﻐوﻴــﺔ ،ﻤﺜــل : ّ
140
اﻝﻠﻐﺔ اﻝﻌرﺒﻴﺔ ،واﻝﻠﻐﺎت اﻷورﺒﻴﺔ.
ـﺈن اﻝﻠﻐ ــﺎت اﻝﻤﺴ ــﺘﻌﻤﻠﺔ ﻓ ــﻲ اﻝﻌ ــﺎﻝم ،ﺠﻤﻴﻌﻬ ــﺎُ ،ﺸـ ـ ّﻜﻠت ﻤ ــن أﺼـ ـوات
وﻤﻬﻤ ــﺎ ﻴﻜ ــن ﻫ ــذا اﻝﺘﻘﺴ ــﻴم ،ﻓ ـ ّ
ﻤﺘﻨﺎﺴﻘﺔ ﺘد ّل ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻝﻠﻐﺔ أو ﺘﻠك ،وﻓق أﺼول وﻗواﻋد ﺨﺎﺼﺔ ﺒﻬﺎ .وﻝﻬذا ﻴﻘﺴم ﻋﻠم اﻝﻠﻐوﻴﺎت إﻝـﻰ
أﻫﻤﻬﺎ :ﻋﻠم اﻝﻠﻐﺎت اﻝوﺼﻔﻲ ،وﻋﻠم أﺼول اﻝﻠﻐﺎت . ﻋﻴﺔ ،ﻤن ّ أﻗﺴﺎم ﻓر ّ
ـﺘم ﺒﺘﺤﻠﻴــل اﻝﻠﻐــﺎت ﻓــﻲ زﻤــن ﻤﺤـ ّـدد ،وﻴــدرس اﻝــﻨظم اﻝﺼــوﺘﻴﺔ، أ -ﻋﻠــم اﻝﻠﻐــﺎت اﻝوﺼــﻔﻲ :ﻴﻬـ ّ
وﻗواﻋد اﻝﻠﻐﺔ واﻝﻤﻔردات .وﻴﻌﺘﻤد ﻋﺎﻝم اﻝﻠﻐﺎت ﻓﻲ دراﺴﺎﺘﻪ ﻫﻨﺎ ﻋﻠـﻰ اﻝﻠﻐـﺔ اﻝﻜﻼﻤﻴـﺔ ،وﻝـذﻝك ﻴﺴـﺘﻤﻊ
إﻝــﻰ اﻷﻓ ـراد ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ إذا ﻜﺎﻨــت اﻝد ارﺴــﺔ ﻤﺘﻌﻠّﻘــﺔ ﺒﻠﻐــﺎت ﻝــم ﺘﻜﺘــب .ﻓﻴﻘــوم ﻋــﺎﻝم اﻝﻠﻐــﺔ ﺒﻜﺘﺎﺒــﺔ ﺘﻠــك
اﻝﻠﻐﺎت ﻋن طرﻴق اﺴﺘﺨدام اﻝرﻤوز اﻝﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻬﺎ .
ـﺈن ﻋﻤﻠﻴــﺔ ﺘﺤﻠﻴــل اﻝﻠﻐــﺎت وﺘﺼــﻨﻴﻔﻬﺎ ،ﻜﻌﻤﻠﻴــﺔ ﺘﺤﻠﻴــل اﻷﺠﻨــﺎس اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ
وﻤﻬﻤــﺎ ﻴﻜــن اﻷﻤــر ،ﻓـ ّ
اﻝﻤﻬﻤــﺔ .ﻓﺎﻝﻠﻐــﺎت ،ﻋﻠــﻰ اﺨــﺘﻼف
ّ وﺘﺼــﻨﻴﻔﻬﺎ ،ﻻ ﺘﺸ ـ ّﻜل إﻻّ اﻝﺨطــوة اﻷوﻝــﻰ ﻝﻐﻴرﻫــﺎ ﻤــن اﻝد ارﺴــﺎت
اﻝﺘوﺼـل إﻝـﻰ
ّ ك ﻓﻲ ّأﻨﻬـﺎ ﺴﺘﺴـﺎﻋدﻩ ﻓـﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴـﺔ ،ﻋﻠـﻰ ﻗﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﻴد اﻝﻌﺎﻝم .وﻻ ﺸ ّ أﻨواﻋﻬﺎ ،ﺘﻤﺜّل أداة ّ
141
ﻓﻬم أﻋﻤق ﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ اﻷﻓراد واﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت.
وﺘﺘرّﻜز ﻤﻌظم ﺘﻠك اﻝدراﺴﺎت ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒداﺌﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺴﺘﺨدم اﻝﻠﻐﺔ اﻝﻜﻼﻤﻴﺔ ،وﻝـم ﺘﻌـرف
اﻝﻘـراءة واﻝﻜﺘﺎﺒــﺔ .ﻓــﻼ ﻴوﺠــد ﻤﺠﺘﻤــﻊ إﻨﺴــﺎﻨﻲ – ﻤﻬﻤــﺎ ﺘﺨﻠّﻔــت ﺜﻘﺎﻓﺘــﻪ – ﻤــن دون ﻝﻐــﺔ ﻜﻼﻤﻴــﺔ ﻴﺘﻔــﺎﻫم
ﺒﻬﺎ أﺒﻨﺎؤﻩ.
60
اﻝﺘطورات اﻝﺘﻲ طرأت ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺘﻜﺸـف
واﻝﻨظرﻴﺔ ،ﺤﻴث ﻴﻘوم ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺜﺎر ﺒﺘﺤﻠﻴل اﻝﻨﻤﺎذج اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ و ّ
اﻝﻨﻔﺎﻴﺎت ﻋن اﻷوﻀﺎع اﻝﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻻﺴﺘﻬﻼك واﻝﻨﺸﺎطﺎت.
ﻓــﺎﻝﺤﺒوب اﻝﺒرﻴــﺔ واﻝﺤﺒــوب اﻝﻤﻨزﻝﻴــﺔ ﻤــﺜﻼً :ﺘﻤﺘﻠــك ﺨﺼــﺎﺌص ﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﺘﺴــﻤﺢ ﻝﻌﻠﻤــﺎء اﻵﺜــﺎر أن
ﺘﻤــت اﻝﻌﻨﺎﻴــﺔ ﺒــﻪ ﻤﺤﻠﻴ ـﺎً .ﻜﻤــﺎ ﻴﻜﺸــف ﻓﺤــص ﻋظــﺎم
ﻴﻤﻴــزوا ﺒــﻴن اﻝﻨﺒــﺎت اﻝــذي ﺘـ ّـم ﺠﻠﺒــﻪ ،وذﻝــك اﻝــذي ّ
ّ
وﻴزود ﺒﻤﻌﻠوﻤـﺎت أﺨـرى ﻤﻔﻴـدة ،ﺘﺤ ّـدد ﻓﻴﻤـﺎ إذا
ﺘم ذﺒﺤﻬﺎّ ، اﻝﺤﻴواﻨﺎت ،ﻋن أﻋﻤﺎر ﻫذﻩ اﻝﺤﻴواﻨﺎت اﻝﺘﻲ ّ
ﻤدﺠﻨﺔ .وﻴﻘوم ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺜﺎر ﻤن ﺨﻼل ﺒﺤﺜﻬم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻝﻤﻌﻠوﻤـﺎت ،ﺒﺈﻋـﺎدة ﻜﺎﻨت ﻫذﻩ اﻷﻨواع ﺒرّﻴﺔ أو ّ
ﺒﻨﺎء ﻨﻤﺎذج اﻹﻨﺘﺎج واﻝﺘﺠﺎرة واﻻﺴﺘﻬﻼك .
أن اﻝﻬــدف اﻝﻘرﻴــب اﻝواﻀــﺢ ﻝﻸﺒﺤــﺎث )اﻷرﻜﻴوﻝوﺠﻴـﺔ ( ،ﻫــو اﺴــﺘﻜﻤﺎل ﻤﻌﺎرﻓﻨــﺎ وﻤﻌﻠوﻤﺎﺘﻨــﺎ وﻤـﻊ ّ
ـﺈن اﻝﻬ ــدف اﻝﻨﻬ ــﺎﺌﻲ ﻫـ ــو ﻤﺴ ــﺎﻋدﺘﻨﺎ ﻓ ــﻲ ﺘﻔﻬّ ــم اﻝﻌﻤﻠﻴ ــﺎت اﻝﻤﺘّﺼ ــﻠﺔ ،ﺒﻨﻤـ ــو ﻋ ــن ﻤﺎﻀ ــﻲ اﻹﻨﺴ ــﺎن ،ﻓ ـ ّ
اﻝﺤﻀـ ــﺎرات وازدﻫﺎرﻫـ ــﺎ واﻨﻬﻴﺎرﻫـ ــﺎٕ ،وادراك اﻝﻌواﻤـ ــل اﻝﻤﺴـ ــؤوﻝﺔ ﻋـ ــن ﻫـ ــذﻩ اﻝظـ ــﺎﻫرات اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴـ ــﺔ .وﻗـ ــد
أﺼ ـ ــﺒﺤت ﻨﺘ ـ ــﺎﺌﺞ اﻝد ارﺴـ ـ ــﺎت )اﻷرﻜﻴوﻝوﺠﻴ ـ ــﺔ( اﻝﻤﺘّﺼـ ـ ــﻠﺔ ﺒﻌﻤﻠﻴ ـ ــﺎت اﻝﺘط ـ ـ ّـور ،ﻤﺄﻝوﻓـ ـ ــﺔ ﻝ ـ ــدى اﻝﻌﻠﻤـ ـ ــﺎء
146
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﻴن ﺠﻤﻴﻌﻬم ،واﻝذﻴن ﻴﻌﻨون ﺒدراﺴﺔ ظﺎﻫرات اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ.
وﻝــذﻝك ،ﻴﻠﺠــﺄ ﻋﻠﻤــﺎء اﻵﺜــﺎر – اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــون – إﻝــﻰ اﻻﺴــﺘﻔﺎدة ﻤــن أﺒﺤــﺎث ﻋﻠﻤــﺎء اﻝﺠﻴوﻝوﺠﻴــﺎ
واﻝﻤﻨــﺎخ ،ﻝﻠﺘﺤﻘّــق ﻤــن )ﻫوﻴــﺔ( اﻝﺒﻘﺎﻴــﺎ اﻝﺘــﻲ ﻴﻜﺘﺸــﻔوﻨﻬﺎ ،وﺘــﺎرﻴﺦ وﺠودﻫــﺎ .ﻜﻤــﺎ ﻴﺘﻌــﺎون ﻋﻠﻤــﺎء اﻵﺜــﺎر
اﻝﻤﺘﺨﺼﺼ ــﻴن ﻓ ــﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﻝطﺒﻴﻌﻴ ــﺔ ،وذﻝ ــك ﻝﻜﺜـ ـرة وﺠ ــود) اﻝﻠُﻘ ــﻰ( اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ ﻓ ــﻲ
ّ أﻴﻀـ ـﺎً ،ﻤ ــﻊ
اﻝﺤﻔرﻴــﺎت ،ﻤــﻊ اﻝﺒﻘﺎﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ .وﻗــد ﻨﺠــﺢ ﻋﻠﻤــﺎء اﻵﺜــﺎر اﻝﻤﺤــدﺜون ،ﻓــﻲ اﺴــﺘﺨدام )اﻝﻜرﺒــون اﻝﻤﺸــﻊّ(
147
ﻜوﺴﻴﻠﺔ ﻝﺘﺤدﻴد ﻋﻤر " اﻝﺒﻘﺎﻴﺎ " ﺒدﻗّﺔ.
إن ﻋﻠﻤ ــﺎء اﻵﺜ ــﺎر اﻝﻘدﻴﻤ ــﺔ ،ﻴﺤ ــﺎوﻝون اﻜﺘﺸ ــﺎف ذﻝ ــك اﻝﺠ ــزء ﻤ ــن
وﻴﻤﻜ ــن اﻝﻘ ــول – ﺒوﺠ ــﻪ ﻋ ــﺎم ّ -
اﻝﺘــﺎرﻴﺦ اﻝﻤﺎﻀــﻲ اﻝــذي ﻻ ﺘﺘﻌـ ّـرض ﻝ ــﻪ اﻝﺴــﺠﻼّت اﻝﻤﻜﺘوﺒــﺔ .وﻴﻘﺒــل ﻋــﺎﻝم اﻵﺜــﺎر اﻝﻘدﻴﻤــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻤﻴــدان
ﻷن ﻋﻤﻠـﻪ ﻴﻘﺘـرن ﺒﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن اﻝـدواﻓﻊ واﻝﻤﺜﻴـرات اﻝﻤﻐرﻴـﺔ ،ﻜﺎﻝرﻏﺒـﺔ ﻓـﻲ إﺠـراء اﺨﺘﺼﺎﺼﻪ ﺒﺤﻤﺎﺴﺔّ ،
148
أﺒﺤﺎث ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺸﺎﺌﻘﺔ ،واﺤﺘﻤﺎل اﻝﻌﺜور ﻋﻠﻰ ﻜﻨوز ﺜﻤﻴﻨﺔ...
ﺘﻐﻴـرات ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ،ﻓــﻲ ﻤﺤﺎوﻝــﺔ ﻝﺒﻨــﺎء ﺘﺼـ ّـور
ﻓﻌﻠــم اﻵﺜــﺎر إذاً ،ﻴــدرس ﺘــﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴــﺎن وﻤــﺎ راﻓﻘــﻪ ﻤــن ّ
ﻜﺎﻤل ﻋن اﻝﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻋﺎﺸﺘﻬﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﻘدﻴﻤﺔ ،ﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت ﻤـﺎ ﻗﺒـل اﻝﺘـﺎرﻴﺦٕ .واذا ﻜـﺎن
ﻓﺈﻨــﻪ ﻴﺨﺘﻠــف ﻋــن ﻋﻠــم اﻝﺘــﺎرﻴﺦ ﻓــﻲ ّأﻨــﻪ ﻻ ﻴــدرس
ﻋﻠــم اﻵﺜــﺎر ﻴﻌﺘﻤــد – إﻝــﻰ ﺤـ ّـد ﻤــﺎ ﻋﻠــﻰ اﻝﺘــﺎرﻴﺦ – ّ
اﻝﻤؤرﺨــﺔٕ ،واّﻨﻤــﺎ ﻴــدرس ﺘﻠــك اﻝﻔﺘـرات اﻝﺘــﻲ ﻋﺎﺸــﻬﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ ﻗﺒــل اﺨﺘـراع
ّ اﻝﻤ ارﺤــل اﻝﺤﻀــﺎرﻴﺔ
اﻝﻜﺘﺎﺒﺔ وﺘدوﻴن اﻝﺘﺎرﻴﺦ.
61
اﻝﺒﺸ ـ ـرﻴﺔ ،واﻷﺼـ ــول اﻷوﻝـ ــﻰ ﻝﻺﻨﺴـ ــﺎن .وﺘرﺠـ ــﻊ ﻝﻔظـ ــﺔ )أﺜﻨوﻝوﺠﻴـ ــﺎ( إﻝـ ــﻰ اﻷﺼـ ــل اﻝﻴوﻨـ ــﺎﻨﻲ )أﺜﻨـ ــوس
(Ethnosوﺘﻌﻨﻲ دراﺴﺔ اﻝﺸـﻌوب .وﻝـذﻝك ﺘـدرس اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴـﺎ ،ﺨﺼـﺎﺌص اﻝﺸـﻌوب اﻝﻠﻐوﻴـﺔ و اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ
149
واﻝﺴﻼﻝﻴﺔ.
وﺘﻌﺘﻤــد اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ ﻓــﻲ ﺘﻔﺴــﻴر ﺘوزﻴــﻊ اﻝﺸــﻌوب – ﻓــﻲ اﻝﻤﺎﻀــﻲ واﻝﺤﺎﻀــر – ﻋﻠــﻰ ّأﻨــﻪ ﻨﺘﻴﺠــﺔ
ﻝﺘﺤرك ﻫذﻩ اﻝﺸﻌوب واﺨﺘﻼطﻬﺎ ،واﻨﺘﺸﺎر اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﺘﻲ ﺘرﺠﻊ إﻝﻰ ﻜﺜرة اﻝﺤوادث اﻝﻤﻌﻘّدة ،اﻝﺘﻲ ﺒـدأت ّ
ﻤ ــﻊ ظﻬ ــور اﻹﻨﺴ ــﺎن ﻤﻨ ــذ ﻤﻠﻴ ــون )ﻤﻼﻴ ــﻴن( ﻤ ــن اﻝﺴ ــﻨﻴن .ﻓﻬ ــﻲ ﺘﺒﺤ ــث ،ﻤﺴ ــﺄﻝﺔ اﻝﻤﺼ ــﺎدر اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴ ــﺔ
ﻝﻠﺸﻌوب ،ﻤـن أﻴـن أﺘـت ﻗﺒﺎﺌـل اﻝﻬﻨـود اﻝﺤﻤـر؟ﻤﺜﻼً ،وأي طرﻴـق ﺴـﻠﻜت؟ وﻤﺘـﻰ اﺤﺘﻠّـت ﻫـذﻩ اﻝﺸـﻌوب
اﻝﻤﻨﺎطق اﻝﻤوﺠودة ﻓﻴﻬﺎ اﻵن ،وﻜﻴف؟ وﻤن أﻴﺔ ﺠﻬﺔ ﺘﺴﻠّﻠت إﻝﻰ أﻤرﻴﻜﺎ؟ وﻜﻴف اﻨﺘﺸرت ﻓﻴﻬـﺎ؟ وﻤﺘـﻰ
ظﻬرت أﺠﻨﺎس اﻝﻬﻨود اﻝﺤﻤـر؟ وﻤـﺎ ﻫـﻲ اﻝﻤﻴـزات اﻝﻠﻐوﻴـﺔ واﻝﻤﻼﻤـﺢ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ اﻝﺘـﻲ ﻨﺸـرﺘﻬﺎ ﺜﻘﺎﻓـﺔ اﻝﻬﻨـود
ـﻔﻴﺔ اﻝﻤﻘﺎرﻨ ــﺔ
ﻤﻤ ــﺎ ﻴﻔﻴ ــد ﻓ ــﻲ اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻝوﺼ ـ ّ
اﻷوروﺒﻴ ــﺔ؟ وﻏﻴ ــر ذﻝ ــك ّ اﻝﺤﻤ ــر ،ﻗﺒ ــل اﺤﺘﻜﺎﻜﻬ ــﺎ ﺒﺎﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ
150
ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ وﺜﻘﺎﻓﺎﺘﻬﺎ.
وﺘ ـ ــدﺨل ﻓ ـ ــﻲ ذﻝ ـ ــك د ارﺴ ـ ــﺔ أﺼ ـ ــول اﻝﺜﻘﺎﻓ ـ ــﺎت واﻝﻤﻨ ـ ــﺎطق اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ـ ــﺔ ،وﻫﺠـ ـ ـرة اﻝﺜﻘﺎﻓ ـ ــﺎت واﻨﺘﺸ ـ ــﺎرﻫﺎ
واﻝﺨﺼــﺎﺌص اﻝﻨوﻋﻴــﺔ ﻝﻜـ ّل ﻤﻨﻬـﺎ ،د ارﺴــﺔ ﺤﻴــﺎة اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ﻓــﻲ ﺼــورﻫﺎ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ .أي ّأﻨــﻪ اﻝﻌﻠــم اﻝــذي
ﻴﺒﺤث ﻓﻲ اﻝﺴﻼﻻت اﻝﻘدﻴﻤﺔ وأﺼوﻝﻬﺎ وأﻨﻤﺎط ﺤﻴﺎﺘﻬﺎ ،ﻜﻤﺎ ﻴﺒﺤث ﻓﻲ اﻝﺤﻴـﺎة اﻝﺤدﻴﺜـﺔ ﻓـﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت
اﻝﺤﺎﻀرة ،وﺘﺄﺜّرﻫﺎ ﺒﺘﻠك اﻷﺼول اﻝﻘدﻴﻤﺔ.
ﺒﺄﻨﻬـﺎ :د ارﺴـﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻋﻠـﻰ أﺴـس ﻤﻘﺎرﻨـﺔ وﻓـﻲ ﻀـوء ﻨظرﻴـﺎت وﻗواﻋـد
ﺘﻌرف اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺎ ّ وﻝذﻝكّ ،
وﺘطورﻫـﺎ ،وأوﺠـﻪ اﻻﺨـﺘﻼف ﻓﻴﻤـﺎ ﺒﻴﻨﻬـﺎ ،وﺘﺤﻠﻴـل
ّ ﺜﺎﺒﺘﺔ ،ﺒﻘﺼد اﺴﺘﻨﺒﺎط ﺘﻌﻤﻴﻤﺎت ﻋن أﺼول اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت
151
وﺘﻬﺘم اﻝﻨظرﻴﺔ اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺔ ﺒدراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻋن طرﻴق اﻝﻘواﻨﻴن اﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ،
ّ اﻨﺘﺸﺎرﻫﺎ ﺘﺤﻠﻴﻼً ﺘﺎرﻴﺨﻴﺎً.
ـﺘم ﻋﻠﻤـﺎء اﻝﻘـﺎﻨون اﻝﻤﻘـﺎرن ﺒد ارﺴـﺔ ﺒﻌـض اﻝﻌـﺎدات
ﺴﻴﻤﺎ ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻗواﻨﻴن اﻝﺸﻌوب اﻝﺒداﺌﻴﺔ ،ﺤﻴث ﻴﻬ ّ وﻻ ّ
واﻝﻨظم واﻝﻘـﻴم واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد ،ﻤﺜـل :اﻝﻨﺴـب اﻷﺒـوي أو اﻷﻤـوﻤﻲ ،ﺴـﻠطﺔ اﻷب ،اﻝﺤﻴـﺎة اﻹﺒﺎﺤﻴـﺔ ،اﻻﺨـﺘﻼط
152
اﻝﺠﻨﺴﻲ ،وطراﺌق اﻝزواج اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ.
وﻴﺒﺤث ﻋﻠم اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ طراﺌق ﺤﻴﺎة اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺘﻲ ﻻ ﺘزال ﻤوﺠودة ﻓﻲ ﻋﺼرﻨﺎ اﻝﺤﺎﻀر،
أو اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺘــﻲ ﻴﻌــود ﺘــﺎرﻴﺦ اﻨﻘ ارﻀــﻬﺎ إﻝــﻰ ﻋﻬــد ﻗرﻴــب ،وﺘﺘـواﻓر ﻝــدﻴﻨﺎ ﻋﻨــﻪ ﺴــﺠﻼّت ﺘﻜــﺎد ﺘﻜــون
ﻜﺎﻤﻠــﺔ .ﻓﻠﻜـ ّل ﻤﺠﺘﻤــﻊ طرﻴﻘﺘــﻪ اﻝﺨﺎﺼــﺔ ﻓــﻲ اﻝﺤﻴــﺎة ،وﻫــﻲ اﻝﺘــﻲ ﻴطﻠــق ﻋﻠﻴﻬــﺎ اﻝﻌﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــون
153
أﻫم اﻷدوات اﻝﺘﻲ ﻴﺘﻌﺎﻤل ﻤﻌﻬﺎ اﻝﺒﺎﺤث اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻲ. وﻴﻌد ﻤﻔﻬوم اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻤن ّ ﻤﺼطﻠﺢ " اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ "ّ .
وﻤــن ﻤﻴ ـزات اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎّ ،أﻨﻬــﺎ ﺘﻌﺘﻤــد ﻋﻤﻠﻴﺘــﻲ اﻝﺘﺤﻠﻴــل واﻝﻤﻘﺎرﻨــﺔ ،ﻓﺘﻜــون ﻋﻤﻠﻴــﺔ اﻝﺘﺤﻠﻴــل ﻓــﻲ
د ارﺴــﺔ ﺜﻘﺎﻓــﺔ واﺤــدة ،ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﺘﻜــون ﻋﻤﻠﻴــﺔ اﻝﻤﻘﺎرﻨــﺔ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ ﺜﻘــﺎﻓﺘﻴن أو أﻜﺜــر .وﺘــدرس اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ
اﻝﺤﻴ ــﺔ )اﻝﻤﻌﺎﺼـ ـرة( واﻝﺘ ــﻲ ﻴﻤﻜ ــن اﻝﺘﻌ ـ ّـرف إﻝﻴﻬ ــﺎ ﺒ ــﺎﻝﻌﻴش ﺒ ــﻴن أﻫﻠﻬ ــﺎ ،ﻜﻤ ــﺎ ﺘ ــدرس اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺎت
اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺎت ّ
ـﺘم إﻝــﻰ ﺠﺎﻨــب ذﻝــك، 154ـ ّ
اﻝﻤدوﻨــﺔ .وﺘﻬ
ّ اﻝﻤﻨﻘرﻀــﺔ )اﻝﺒﺎﺌــدة( ﺒواﺴــطﺔ ﻤﺨﻠّﻔﺎﺘﻬــﺎ اﻷﺜرﻴــﺔ اﻝﻤﻜﺘوﺒــﺔ واﻝوﺜــﺎﺌق
وﺘطورﻫﺎ.
ّ ﺒدراﺴﺔ ظﺎﻫرة اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ ﻤن ﺨﻼل اﻝﺒﺤث ﻓﻲ ﺘﺎرﻴﺦ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت
وﻗد ﻜﺎن ﻫذا اﻝﻔرع ﻤن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ ،ﻴﻠﻘـﻰ اﻫﺘﻤﺎﻤـﺎ ﻗﻠـﻴﻼً ﻗﻴﺎﺴـﺎً ﻝﻠﻔـروع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺔ
اﻷﺨرى ،ﺤﻴث ﻗﺎم ﺒﻌض ﻋﻠﻤـﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓـﻲ اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴن ،ﺒد ارﺴـﺔ اﻝط ارﺌـق اﻝﺘـﻲ ﺘـؤﺜّر ﻤـن
ﺨﻼﻝﻬــﺎ اﻝﻤﻔــﺎﻫﻴم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻝﻤﺤــدودة ﻓــﻲ ﺴــﻠوك اﻷﺸــﺨﺎص وأﻤــزﺠﺘﻬم ،وﻤﻌرﻓــﺔ اﻝﺤﻴــﺎة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ
62
ﺴﻴﻤﺎ ﺘﻠك اﻝﺸﻌوب اﻝﺘﻲ ﺘﻌـﻴش ﻓـﻲ :أﺴـﺘراﻝﻴﺎ وأﻤرﻴﻜـﺎ
ﻝﻠﺸﻌوب اﻝﺘﻲ ﻤﺎ زاﻝت ﺘﺤﻴﺎ ﺤﻴﺎة ﺒﺴﻴطﺔ ،وﻻ ّ
اﻝﺠﻨوﺒﻴﺔ وأﻓرﻴﻘﻴﺎ ،وﻓﻲ ﺒﻌض اﻝﻤﻨﺎطق ﻓﻲ آﺴﻴﺎ.
وﻜــﺎن ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎٕ ،واﻝــﻰ ﻋﻬــد ﻗرﻴــب ﺠـ ّـداً ،ﻴﻘﺼــرون أﺒﺤــﺎﺜﻬم ﻓــﻲ اﻝظ ـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ
واﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ .وﻜــﺎﻨوا ﻴﻌﺘﺒــرون اﻝﻔــرد ﻜﻤــﺎ ﻝــو ّأﻨــﻪ ﻤﺠـ ّـرد ﻨﺎﻗــل ﻝﻠﺜﻘﺎﻓــﺔ ،أو ﺤﻠﻘــﺔ ﻤــن
ﺴﻠﺴــﻠﺔ ﻤــن اﻝوﺤــدات اﻝﻤﺘﻤﺎﺜﻠــﺔ اﻝﺘــﻲ ﻴﻤﻜــن أن ﺘﺴــﺘﺒدل اﻝواﺤــدة ﻤﻨﻬــﺎ ﺒــﺄﺨرى .وﻝﻜــن ،وﺒﻌــد د ارﺴــﺎت
ﻋدﻴ ـ ــدة ،ﺘﺒ ـ ـ ّـﻴن ﻝﻬ ـ ــؤﻻء اﻝﻌﻠﻤ ـ ــﺎء أن اﻝﻤﻌ ـ ــﺎﻴﻴر اﻝﺸﺨﺼ ـ ـ ّـﻴﺔ ،ﺘﺨﺘﻠ ـ ــف ﺒ ـ ــﺎﺨﺘﻼف اﻷﻓـ ـ ـراد واﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ـ ــﺎت
155
واﻝﺜﻘﺎﻓﺎت.
ﻓﻤﻨــذ اﻝﺒــداﻴﺎت اﻷوﻝــﻰ ﻝﺘطـ ّـور اﻷﺒﺤــﺎث اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺔ ،واﻝﻌﻠﻤــﺎء ﻴﺤــﺎوﻝون اﻜﺘﺸــﺎف اﻷﺴــﺒﺎب اﻝﺘــﻲ
وﺘﺘﻘﺒل أو ﺘﻨﺒذ ﺘﺠدﻴدات ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻤن اﻝﻨوع ﺘطور ﻤﺤﺎور اﻫﺘﻤﺎم ﺨﺎﺼﺔ ﺒﻬﺎّ ، ﻤﻌﻴﻨﺔّ ، ﺘﺠﻌل ﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ّ
اﻝﻤﺘﻨوﻋــﺔ
ّ اﻝــذي ﻴﺒــدو ّأﻨــﻪ ﻻ ﻴﻨطــوي ﻋﻠــﻰ ّأﻴــﺔ ﻋواﻤــل ﻨﻔﻌﻴــﺔ ،وﻜــذﻝك اﻷﺴــﺒﺎب اﻝﺘــﻲ ﺘﺠﻌــل اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت
أن ﻫــذﻩﺘطورﻫــﺎ .وﺴــﺎد اﻻﻋﺘﻘــﺎد ﺤﻴﻨـﺎً ﻤــن اﻝــزﻤن ّ
ﺘﻌﻜــس – ﺒﺼــورة ﻤﻨﺘظﻤــﺔ – اﺘّﺠﺎﻫــﺎت ﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﻓــﻲ ّ
أن ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﻫﻲ ﻀرب ﻤـن اﻻﻓﺘـراض ﻴﺨﻴﺔ ﻋﺎرﻀﺔ ،ﻏﻴر ّ اﻝظﺎﻫرات ﻴﻤﻜن ﻋزوﻫﺎ إﻝﻰ وﻗﺎﺌﻊ ﺘﺎر ّ
156
أن ﻤﺼ ــطﻠﺢ وﻴﺘّﻔ ــق ﻤﻌظ ــم اﻝﻌﻠﻤ ــﺎء ﻋﻠ ــﻰ ّ اﻝﺠ ــدﻝﻲ اﻝ ــذي ﻻ ﻴﺴ ــﺘﻨد إﻝ ــﻰ أي ﺒرﻫ ــﺎن أو دﻝﻴ ــل.
)أﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺎ( ﻴطﻠــق ﻋﻠــﻰ اﻝد ارﺴــﺔ اﻝﺘــﻲ ﺘﻌﻤــد إﻝــﻰ وﺼــف ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻤــﺎ ﻓــﻲ ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﻤﻌـ ّـﻴن ،ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴطﻠــق
ﻤﺼطﻠﺢ )أﺜﻨوﻝوﺠﻴﺎ( ﻋﻠﻰ اﻝدراﺴﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﺠﻤﻊ ﺒﻴن اﻝوﺼف واﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ .ﻓﺎﻷﺜﻨوﻝوﺠﻲ ﻴﻬدف ﻤـن ﺘﻠـك
اﻝﻤﻘﺎرﻨﺎت اﻝوﺼول إﻝﻰ ﻗواﻨﻴن ﻋﺎﻤﺔ ﻝﻠﻌﺎدات اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ،وﻝظﺎﻫرة اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ وآﺜﺎر اﻻﺘﺼﺎل ﺒﻴن
اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻜﻤﺎ ﻴﻬدف اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻲ أﻴﻀﺎً إﻝﻰ ﺘﺼﻨﻴف اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت ﻀـﻤن ﻤﺠﻤوﻋـﺎت أو أﺸـﻜﺎل،
157
ﻤﻌﻴﻨﺔ.
ﻋﻠﻰ أﺴﺎس ﻤﻘﺎﻴﻴس )ﻤﻌﺎﻴﻴر( ّ
أن اﻷﻫــداف اﻝﻨﻬﺎﺌﻴــﺔ ﻝﻠﻌــﺎﻝِم اﻷﺜﻨوﻝــوﺠﻲ ،ﻫــﻲ ﻓــﻲ اﻷﺴــﺎس ،ﻤﻤﺎﺜﻠــﺔ ﻷﻫــداف ﻋــﺎﻝِم وﻫــذا ﻴﻌﻨــﻲ ّ
وﻋﺎﻝم اﻻﻗﺘﺼﺎد .ﻓﻜ ّل ﻋﺎﻝم ﻤن ﻫؤﻻء ،ﻴﺤﺎول أن ﻴﻔﻬم ﻜﻴف ﺘﻌﻤل اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت واﻝﺜﻘﺎﻓﺎت؟ اﻻﺠﺘﻤﺎع ِ
ﻤﻌﻴﻨــﺔ ،أو " ﻗ ـواﻨﻴن " ﺒﺤﺴــب ﻴﺘوﺼــل إﻝــﻰ ﺘﻌﻤﻴﻤــﺎت ّ ّ ﺘﺘﻐﻴــر اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت؟ ﻜﻤــﺎ ﻴﺤــﺎول أن
وﻜﻴــف وﻝﻤــﺎذا ّ
اﻝﺘﻨﺒـ ــؤ ﺒﺎﺘّﺠـ ــﺎﻩ ﺴـ ــﻴر اﻷﺤـ ــداث ،ﺒﻘﺼـ ــد اﻝـ ــﺘﺤ ّﻜم ﺒـ ــﻪ ﻓـ ــﻲ
اﻝﻤﺼـ ــطﻠﺢ اﻝـ ــدارج ﻝﻠﻤﻔﻬـ ــوم ،ﻝﺘﺴـ ــﺎﻋدﻩ ﻓـ ــﻲ ّ
158
اﻝﻨﻬﺎﻴﺔ.
ـﺄن اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴـﺎ ﺘـدرس اﻝظـواﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ د ارﺴـﺔ أرﺴـﻴﺔ ،أي د ارﺴـﺔ ﻤﻘﺎرﻨـﺔ زﻤﺎﻨﻴـﺔ ﻓﺈذا ﻜﺎن اﻝﻘول ﺒ ّ
ـﺈن
وﺘطورﻫــﺎ وﻤﻘﺎرﻨﺘﻬــﺎ ﻋﺒــر اﻝﺘــﺎرﻴﺦ ،ﻓـ ّ
ّ ﺘﺎرﻴﺨﻴــﺔ ﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﻤﺎﻀــﻲ ،ﻤــﻊ ﻤﺘﺎﺒﻌــﺔ د ارﺴــﺔ ﺘﻠــك اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت
اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺎ ﺘــدرس اﻝظ ـواﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ د ارﺴــﺔ أﻓﻘﻴــﺔ ﻤﺤـ ّـددة اﻝﻤﻜــﺎن ،وﻫﻜــذا ﺘﻜــون اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ د ارﺴــﺔ
ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻓﻲ اﻝزﻤﺎن ،ﺒﻴﻨﻤﺎ ﺘﻜون اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴﺎ د ارﺴـﺔ ﻤﻘﺎرﻨـﺔ ﻓـﻲ اﻝﻤﻜـﺎن 159.وﻜـﺎن ﻤـن ﻨﺘـﺎﺌﺞ اﻻﺤﺘﻜـﺎك
ـزود ﻋﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع ﺒﺄﺴــﺎﻝﻴب ﺠدﻴــدة ﺜﺒــت ّأﻨﻬــﺎ ذات ﻗﻴﻤــﺔﺒــﻴن ﻋﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع وﻋﻠــم اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ ،أن ﺘـ ّ
أن
ﺨﺎﺼﺔ ﻝﻠﺒﺎﺤث اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ،اﻝذي ﻴﻌﻨـﻰ ﺒد ارﺴـﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻝﺤدﻴﺜـﺔ اﻝﺼـﻐﻴرة .أﻀـف إﻝـﻰ ذﻝـكّ ،
160
ﺘﻐﻴر ﺒﻌض ﺼﻴﻐﻪ اﻝﻨظرﻴﺔ. أدى ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ إﻝﻰ ّ وﺴﻊ ﻤﺠﺎل ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع ،و ّ اﻻﺤﺘﻜﺎك ﺒﻴن اﻝﻌﻠﻤﻴن ّ
ﻝﻘ ـ ــد ﺘﺒﻠ ـ ــورت اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴ ـ ــﺎ ﺒﻌ ـ ــد اﻝﺤ ـ ــرب اﻝﻌﺎﻝﻤﻴ ـ ــﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴ ـ ــﺔ ،وﺸـ ـ ـ ّﻜﻠت ﻤ ـ ــﺎ ﻴﻤﻜ ـ ــن اﻹﺸ ـ ــﺎرة إﻝﻴ ـ ــﻪ
ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼرة .وﺴﺎﻋد ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻻﺘﺠﺎﻩ ودﻋﻤﻪ ،ازدﻴﺎد ﻋدد اﻷﻨﺜوﺒوﻝـوﺠﻴﻴن ﻓـﻲ اﻝﺒﻠـدان
اﻝﻨﺎﻤﻴــﺔ ،ﺒﻌــد إن ﻜﺎﻨــت ﻫــذﻩ اﻝﻤﻬﻨــﺔ وﻗﻔـﺎً ﻋﻠــﻰ اﻝﺒــﺎﺤﺜﻴن اﻝﻐـرﺒﻴﻴن .وﻝــم ﺘﻌــد اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ ﺘﻘﺼــر ﻤﺠــﺎل
63
اﻝﻤﺤﻠﻴ ـﺔ ذات اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ﻏﻴــر اﻝﻐرﺒﻴــﺔٕ ،واّﻨﻤــﺎ اﺘﺠﻬــت
ّ د ارﺴــﺘﻬﺎ ﻋﻠــﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺼــﻐﻴرة اﻝﺤﺠــم ،أو
161
ﻝﺘوﺴﻴﻊ ﻤﺠﺎﻝﻬﺎ ﺒﺤﻴث ﺘﺸـﻤل اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت واﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت ﻜﻠّﻬـﺎ ،وﻋﻠـﻰ اﺨـﺘﻼف ﺤﺠﻤﻬـﺎ وﻤوﻗﻌﻬـﺎ .ﻏﻴـر
أدى إﻝـﻰ ﺤـدوث ﺒﻌـض اﻝﺘﻀـﺎرب اﻝﺘﻨوع اﻝـذي اﺘﺼـﻔت ﺒـﻪ اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓـﻲ اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴنّ ، أن ﻫذا ّ ّ
ﺘﻤﺴ ــﻜﻬﺎ ﺒ ــﺎﻝﻨواﺤﻲ
ﻓ ــﻲ اﻝد ارﺴ ــﺎت ،وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ أﻓﻘ ــدﻫﺎ اﻝﻜﺜﻴ ــر ﻤ ــن اﻻﺴ ــﺘﻘرار اﻷﻜ ــﺎدﻴﻤﻲ ،ﻋ ــﻼوة ﻋﻠ ــﻰ ّ
ﻜﻴﻔﻴـﺔ
ﺘوﺼﻠﻬﺎ إﻝﻰ ﻨظرﻴﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ ،اﻷﻤر اﻝـذي أﺜـﺎر اﻝﻌدﻴـد ﻤـن اﻝﺘﺴـﺎؤﻻت ﺤـول ّ اﻝﻤﻨﻬﺠﻴﺔ أﻜﺜر ﻤن ّ ّ
وﻋﻠﻤﻴﺘﻬﺎ ،وﺼﻠﺘﻬﺎ ﺒﻘﻀﺎﻴﺎ اﻹﻨﺴﺎن اﻝﻤﻌﺎﺼر ّ دراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ
64
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺜﺎﻤﻨﺔ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
65
وﺒﻨﺎء ﻋﻠﻰ ذﻝك ،ﺘﻬدف دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ إﻝﻰ ﺘﺤدﻴد اﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝﺔ ﺒﻴن ﻫذﻩ
اﻝـ ــﻨظم ،ﺴ ـ ـواء ﻓـ ــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـ ــﺎت اﻝﻘدﻴﻤـ ــﺔ اﻝﺘـ ــﻲ ﺘـ ــدرس ﻤـ ــن ﺨـ ــﻼل آﺜﺎرﻫـ ــﺎ اﻝﻤﺎدﻴـ ــﺔ واﻝﻔﻜرﻴـ ــﺔ ،أو ﻓـ ــﻲ
اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺤدﻴﺜــﺔ واﻝﻤﻌﺎﺼ ـرة ،اﻝﺘــﻲ ﺘــدرس ﻤــن ﺨــﻼل اﻝﻤﻼﺤظــﺔ اﻝﻤﺒﺎﺸ ـرة ﻝﻤﻨﺠزاﺘﻬــﺎ وﺘﻔﺎﻋﻼﺘﻬــﺎ
اﻝﺨﺎﺼﺔ واﻝﻌﺎﻤﺔ.
وﺘطورﻫﺎ
ّ ﺜﺎﻨﻴﺎً-ﻨﺸﺄة اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﻴﻌ ـ ّـد اﻫﺘﻤ ــﺎم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ﻋﺎﻤ ــﺔ ،واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﺨﺎﺼ ــﺔ ،ﺒد ارﺴ ــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت
أﺴﺎﺴﻴﺎً ﻤن ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأﻫـداﻓﻬﺎ، ّ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ،وﻋﻠﻰ اﻝﻤﺴﺘوﻴﺎت اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ ﻜﺎﻓﺔ ،ﻤﻨطﻠﻘﺎً
وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ د ارﺴــﺔ أﺴــﺎﻝﻴب ﺤﻴــﺎة اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﻤﺤﻠﻴــﺔ ،إﻝــﻰ ﺠﺎﻨــب د ارﺴــﺎت ﻤــﺎ ﻗﺒــل اﻝﺘــﺎرﻴﺦ ،ود ارﺴــﺎت
ﻴﻤﻴ ــز اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ﻋـ ـن اﻝﻌﻠ ــوم اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ و اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ
اﻝﻠﻐ ــﺎت واﻝﻠﻬﺠ ــﺎت اﻝﻤﺤﻠﻴ ــﺔ ..وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ ّ
ﺴﻴﻤﺎ ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع . اﻷﺨرى ،وﻻ ّ
ﺒﺄﻨ ــﻪ ﻋﻠ ــم ﺤ ــدﻴث اﻝﻌﻬ ــد ،ﻻ ﺒ ــل ﻤ ــن أﻜﺜ ــر اﻝﻌﻠ ــوم
وﻴوﺼ ــف ﻋﻠ ــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ّ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺤداﺜﺔ .ﻓﻘد اﺴﺘﺨدم ﻤﺼطﻠﺢ )اﻻﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ( ﻝﻠﻤ ّـرة اﻷوﻝـﻰ ﻓـﻲ ﻋـﺎم 1908
ﻜرﻤت ﺠﺎﻤﻌﺔ ﻝﻴﻔرﺒول ﻓﻲ ﺒرﻴطﺎﻨﻴﺎ اﻝﺴﻴد ) ﺠﻴﻤس ﻓرﻴزر( وﻤﻨﺤﺘﻪ ﻝﻘب اﻷﺴﺘﺎذ. ﻋﻨدﻤﺎ ّ
وﻤﻤ ـ ـﺎّ ﻴـ ــد ّل ﻋﻠـ ــﻰ ﺤداﺜـ ــﺔ ﻫـ ــذا اﻝﻌﻠـ ــم اﻝـ ــذي ﻴـ ــدرس اﻝﺠﺎﻨـ ــب اﻝطﺒﻴﻌـ ــﻲ اﻝﺘطﺒﻴﻘـ ــﻲ ،ﻤـ ــن اﻝﺒﻨـ ــﻰ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ ،ذﻝـ ــك اﻻﺨـ ــﺘﻼف اﻝـ ــذي ﻤـ ــﺎ ﻴ ـ ـزال ﻗﺎﺌﻤ ـ ـﺎً ﺒـ ــﻴن ﻋﻠﻤـ ــﺎء اﻻﺠﺘﻤـ ــﺎع ﺤـ ــول ﻫـ ــذﻩ اﻝﺘﺴـ ــﻤﻴﺔ :
)اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ( .وﻝﻜــن ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﺤداﺜــﺔ ﻫــذا اﻝﻌﻠــم ،ﻓﻘــد ﻤـ ّـر ﺒﻤ ارﺤــل ﻤﺘﻌـ ّـددة
أﺴــﻬﻤت ﻓــﻲ ﻨﺸــوﺌﻪ وﺘطـ ّـورﻩ واﺴــﺘﻜﻤﺎل ﻋﻨﺎﺼ ـرﻩ إﻝــﻰ ﺤـ ّـد ﺒﻌﻴــد ،ﺒــدءاً ﻤــن اﻝﻘــرن اﻝﺜــﺎﻤن ﻋﺸــر وﺤﺘــﻰ
اﻝوﻗت اﻝﺤﺎﻀر.
67
وﻝـ ــم ﻴﻜـ ــن رواد اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ ﻓـ ــﻲ اﻝﻘـ ــرن اﻝﺘﺎﺴـ ــﻊ ﻋﺸـ ــر ،ﻴﺴـ ــﺘﺨدﻤون اﻝد ارﺴـ ــﺎت
ﺘﻌد ﻫذﻩ اﻝﻤرﺤﻠﺔ ﻓﺘرة
اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ ،ﺒل اﻋﺘﻤدوا ﻋﻠﻰ أﻗوال اﻝرﺤﺎﻝﺔ واﻝﻤﺴﺘﻜﺸﻔﻴن ورﺠﺎل اﻹدارة .وﻝذﻝكّ ،
ﻷن اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴــﺔ ﺘﻌـ ّـد ﻤــن اﻝرﻜــﺎﺌز اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ
ﻨﺸــوء ﻫــذا اﻝﻌﻠــم ،وﻝﻴﺴــت ﻓﺘ ـرة ﻜﻤﺎﻝــﻪ وﻨﻀــﺠﻪّ ،
وﻤﻨﻬﺠﻴﺘﻪ.
ّ ﻝﺘﻜﺎﻤل ﻫذا اﻝﻌﻠم ،ﺒطﺒﻴﻌﺘﻪ
ﺘﻤﻴ ــزت ﻫ ــذﻩ اﻝﻤرﺤﻠ ــﺔ ﺒظﻬ ــور ﻤدرﺴ ــﺘﻴن ﻤﺘ ــداﺨﻠﺘﻴن ،ﻫﻤ ــﺎ :اﻝﻨﺸ ــوﺌﻴﺔ واﻝﺘطورّﻴ ــﺔ .وﻴﻌ ــود
وﻗ ــد ّ
ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻝﺘط ّـور ﻓـﻲأن اﻝﻌﺎﻝِم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ،أو اﻝﻌﺎﻝم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨدﻤﺎ ﻴﻘوم ﺒﺘﻔﺴﻴر ّ ﺘداﺨﻠﻬﻤﺎ إﻝﻰ ّ
أي ﻨظﺎم اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻤن اﻝﻤﺎﻀﻲ إﻝـﻰ اﻝﺤﺎﻀـر ،ﻻ ﺒ ّـد أن ﻴﻌﻤـد إﻝـﻰ ﺘﺤدﻴـد ﻨﺸـﺄة ﻫـذا اﻝﻨظـﺎم ،وذﻝـك
ﺒــﺎﻝﻌودة إﻝــﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺒداﺌﻴــﺔ ﻝد ارﺴــﺘﻬﺎ واﺴــﺘﺨﻼص ﺼــﻔﺎﺘﻬﺎ وﻋﻼﻗﺎﺘﻬــﺎ ،ﺒﺎﻋﺘﺒﺎرﻫــﺎ ﺘﻤﺜّــل اﻝﺘــﺎرﻴﺦ
اﻝﻤﺒﻜر ﻝﻠﺠﻨس اﻝﺒﺸري .
ﻤﺜـﺎل ذﻝـك ) :ﻨﺸــﺄة اﻷﺴـرة وﺘطورﻫــﺎ( ﻤـن ﺤﻴــث اﻹﺒﺎﺤﻴـﺔ اﻝﺠﻨﺴــﻴﺔ ،وﺘﻌ ّـدد اﻝزوﺠــﺎت وﺼـوﻻً إﻝــﻰ
ﺜم إﻝﻰ اﻷب .وﻫذﻩ اﻝﻌودة إﻝﻰ اﻝﺸﻌوب اﻝﺒداﺌﻴﺔ ،ﻻ وﺤداﻨﻴﺔ اﻝزوﺠﺔ .وﻜذﻝك اﻻﻨﺘﺴﺎب إﻝﻰ اﻷم وﻤن ّ
ﺘﻘﺘﺼر ﻋﻠﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﺤﺴب ،ﺒل ﺘﺸﻤل ﺴﺎﺌر ﻓروع اﻝﻤﻌرﻓﺔ اﻝﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ .
وﻗــد ﺘــﺄﺜّر رواد ﻫــذﻩ اﻝﻤدرﺴــﺔ ،وﻓــﻲ ﻤﻘـ ّـدﻤﺘﻬم ) إدوارد ﺘــﺎﻴﻠور( ﺒﻨظرﻴــﺔ ) داروﻴــن( ،ﺤــول ﺘطـ ّـور
اﻝﻤرﻜﺒ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻝﺤﻀ ــﺎرة
ّ أن اﻝﻌﻨﺎﺼ ــر
اﻝطﺒﻴﻌﻴ ــﺔ ﻝﻠﻜﺎﺌﻨ ــﺎت اﻝﺒﺸـ ـرﻴﺔ ،وﺘﺴ ــﺘﻨد ﻫ ــذﻩ اﻝﻨظرﻴ ــﺔ إﻝ ــﻰ ّ
ّ اﻝﺤﻴ ــﺎة
ﺘﺘطور ﺒﺎﺴﺘﻤرار ﻤن اﻷﺸﻴﺎء اﻝﺒﺴﻴطﺔ إﻝﻰ اﻷﺸﻴﺎء اﻝﻤﻌﻘّدة ،وﻫـذا ﻤـﺎ ﻴﻨﺴـﺤب ﻋﻠـﻰ ﺘط ّـور اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔّ ،
اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
ﺒﺄﻨﻪ اﻝرﺠل اﻝذي ﻨـﺎدى وﻴرﺘﺒط اﺴم ) داروﻴن ( ﻋﻠﻰ اﻷﻗ ّل ﻓﻲ أذﻫﺎن ﻋﺎﻤﺔ اﻝﻤﺜﻘﻔﻴن ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝمّ ،
ﻤﺘﺤدﻴﺎ ﻓﻜرة اﻝﺨﻠق ،وذﻫب ﻓﻲ ذﻝك إﻝﻰ ﺤ ّـد اﻝﻘـول ﺒﺎﻨﺤـدار اﻝﺒﺸـر ﻤـن اﻝﻘـردة اﻝﻌﻠﻴـﺎ. ّ اﻝﺘطور
ّ ﺒﻨظرﻴﺔ
ﻤؤﺴـسوﻝﻜن اﻝﺤﻘﻴﻘﺔ أﻜﺜر ﺘﻌﻘﻴداً ﻤن ذﻝك ،ﺤﺴب ﺘﻌﺒﻴر ) ﻜرﻴﺴﺘوﻓر ﺒوﻜر ( .ﻓﻠـم ﻴﻜـن داروﻴـن ﻫـو ّ ّ
أن ﺼــور اﻝﺤﻴــﺎةﺘﻠــك اﻝﻨظرﻴــﺔ ،إذ ﺴــﺒﻘﻪ إﻝﻴﻬــﺎ ﻋــدد ﻜﺒﻴـر ﻤــن اﻝﻌﻠﻤــﺎء اﻝطﺒﻴﻌﻴــﻴن اﻝــذﻴن ﻜــﺎﻨوا ﻴــرون ّ
وﻤﺘﻤﻴـ اًز اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺘطورت ﻜﻠّﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺸﻜل واﺤـد ﺒﺴـﻴط ،أي أن ﻫـذﻩ اﻷﺸـﻜﺎل ﻝـم ﺘﺨﻠـق ﺨﻠﻘـﺎً ﻤﺴـﺘﻘﻼ
ّ ّ ّ
ﻜ ّل ﻤﻨﻬﺎ ﻋن اﻵﺨر .
وﻗــد اﻨﺘﺸــرت ﻫــذﻩ اﻷﻓﻜــﺎر ﻗﺒــل ظﻬــور ﻜﺘــﺎب داروﻴــن ﻋــن " أﺼــل اﻷﻨـواع " ﺒﺴــﺒﻌﻴن ﺴــﻨﺔ ﻋﻠــﻰ
اﻷﻗـ ّل .وﻜــﺎن ﻜ ـ ّل ﻤــﺎ ﻓﻌﻠــﻪ ) داروﻴــن( ،ﻫــو ّأﻨــﻪ ﻗــﺎم ﺒﺘﺠﻤﻴــﻊ ﺘﻠــك اﻷﻓﻜــﺎر واﻵراء اﻝﻤﺒﻌﺜ ـرة واﻝﻤﺘﻨــﺎﺜرة،
اﻝﺘﻌﻤـق .وﻤـن ﻫﻨـﺎ ﺴـﺎﻋد ﻜﺘـﺎب " أﺼـل وﺘﺤﻠﻴﻠﻬﺎ ﺒطرﻴﻘﺔ ﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ،ﻓﻴﻬﺎ ﻗدر ﻜﺒﻴر ﻤن ﻤﺤﺎوﻝـﺔ اﻝﻔﻬـم و ّ
أن اﻝﻜﺘــﺎب ﻴﻘـ ّـدم ﻨظرﻴــﺔ
اﻷﻨ ـواع " ﻓــﻲ ﺘوطﻴــد ﻓﻜ ـرة اﻝﺘطـ ّـور وﺘرﺴــﻴﺨﻬﺎ .وﻝﻜـ ّـن اﻷﻫـ ّـم ﻤــن ذﻝــك ،ﻫــو ّ
ﻤﺘﻤﺎﺴــﻜﺔ ﻋــن اﻝطرﻴﻘــﺔ اﻝﺘــﻲ ﺤــدث ﻓﻴﻬــﺎ اﻝﺘطـ ّـور ،ووﻀــﻊ ﻓــﻲ ذﻝــك ﻤﺒــدأﻩ اﻝﺸــﻬﻴر ﻋــن " اﻻﻨﺘﺨــﺎب
ﻓﺴــر ﺒــﻪ اﺴــﺘﻤرار ﺒﻌــض اﻷﻨـواع ﻓــﻲ اﻝﺤﻴــﺎة ،واﺨﺘﻔــﺎء ﺒﻌﻀــﻬﺎ اﻵﺨــر ﻓــﻲ ﻤﻌرﻜﺘﻬــﺎ اﻝطﺒﻴﻌــﻲ " اﻝــذي ّ
اﻝﻜﺒرى وﺼراﻋﻬﺎ ﻤن اﺠل اﻝﺤﻴﺎة.
وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّأﻨﻪ ﻤﺒدأ ﺒﻴوﻝوﺠﻲ ﻓﻲ اﻷﺼـل ،إﻻّ أّﻨـﻪ ﻜـﺎن ﻤﻔﻴـداً ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻴﻴن .وﻓـﻲ ذﻝـك
إن ﻫﻨــﺎك ﻨوﻋـﺎً
ﻴﻘــول اﻷﺴــﺘﺎذ ) أﻝﻔرﻴــد ﻜروﺒــر( وﻫــو ﻤــن أﻜﺒــر ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼـرﻴن ّ " :
ﻤن ﻋدم اﻝﺘﻨﺎﺴب ﺒﻴن اﻹﺴﻬﺎم اﻝﻤﺤدود اﻝذي أﺴـﻬم ﺒـﻪ داروﻴـن ﻓـﻲ اﻝﻌﻠـم ،واﻝـذي ﻴﻨﺤﺼـر ﻓـﻲ وﻀـﻊ
ﻤﺒدأ اﻻﻨﺘﺨﺎب اﻝطﺒﻴﻌﻲ وﺘﺠﺴﻴدﻩ ،وﺒﻴن ﻜ ّل ذﻝك اﻝﺘﺄﺜﻴر اﻝﻬﺎﺌل اﻝـذي ﺘرﻜـﻪ ﺘﺄﺴـﻴس اﻝﻤﺒـدأ اﻝﺒﻴوﻝـوﺠﻲ
68
ﻋﻠﻰ اﻝﻌﻠم اﻝﻜﻠّﻲ " .ﻓﻘد دﻓﻊ ﻫذا اﻝﻤﺒدأ ﻋﻠﻤﺎء اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸر ،إﻝﻰ اﻝﺒﺤـث ﻋـن أﺼـول اﻷﺸـﻴﺎء.
وظﻬرت ﺒذﻝك ﻜﺘﺎﺒﺎت ﻜﺜﻴـرة ﺘﺘﻨـﺎول أﺼـل اﻝﻠﻐـﺔ وأﺼـل اﻝﺤﻀـﺎرة ،وأﺼـل اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ واﻝﻌﺎﺌﻠـﺔ واﻝـدﻴن،
168
وﻤﺎ إﻝﻰ ذﻝك ﺒﺎﻝطرﻴﻘﺔ ﻨﻔﺴﻬﺎ اﻝﺘﻲ ﺘﻨﺎول ﺒﻬﺎ داروﻴن ﻤﺸﻜﻠﺔ أﺼل اﻷﻨواع.
أن
ﻤﻌﻴﻨﺔ :ﻜﺎﻝدﻴن واﻝﻌﺎﺌﻠﺔ ،واﻝﻨﺴب ،واﻋﺘﺒروا ّ اﻝﺘطورﻴون ،ﻋﻠﻰ ﻤوﻀوﻋﺎت ّ ّ وﻝذﻝك رّﻜز اﻝﻌﻠﻤﺎء
اﻝﺤﻀــﺎرات اﻝﺒداﺌﻴــﺔ اﻝﻤﻌﺎﺼ ـرة ،ﺘﻤﺜّــل ﺸ ـواﻫد داﻝّــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻤ ارﺤــل اﻝﺘطـ ّـور اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ اﻝﺘــﻲ ﻤـ ّـرت ﺒﻬــﺎ
اﻝﻤﺘﻘدﻤﺔ .
ّ اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﺤﺎﻝﻴﺔ
اﻝﺘطور ﻓﻲ اﻝﻌﺼـور اﻝﻘدﻴﻤـﺔ ﺠ ّـداً ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻋﺼـور ﻤـﺎ
ّ ﺜﻤﺔ ﺼﻌوﺒﺎت ﻗﺎﺒﻠﺘﻬم ،ﻓﻲ دراﺴﺔ
وﻝﻜن ّ
ﻗﺒل اﻝﺘﺎرﻴﺦ ،ﻓﻌﻤدوا إﻝﻰ دراﺴﺔ ﻋﻠم اﻵﺜﺎر أو اﻝﺘﺨﻤﻴن واﻻﻓﺘراض ﻤن أﺠل إﺜﺒﺎت ﻨظرﻴﺘﻬم.
وﻓﻲ اﻝرﺒﻊ اﻷﺨﻴر ﻤن اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸر ،اﺴﺘﻜﻤل اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴون وﻀﻊ اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻷﺴﺎﺴ ّـﻴﺔ
ﻝﻌﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ،ﻋﻨـدﻤﺎ ﻗـﺎم ﺒﻌﻀـﻬم ﺒﺘﺼـﻨﻴف اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ﻋﻠـﻰ أﺴـس أﺒﻨﻴﺘﻬـﺎ
ﺘﻤﻴـز اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ
أدى إﻝـﻰ ّ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ،وﻝـﻴس ﻋﻠـﻰ أﺴـس ﺜﻘﺎﻓﺎﺘﻬـﺎ ﻓﺤﺴـب .وﻫـذا ﻤـﺎ ّ
ـﺘص ﺒﺎﻝﻌﻼﻗــﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ
ﻋــن اﻷﻨـ ـواع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ اﻷﺨ ــرى ،وأﺼــﺒﺢ ﻤوﻀ ــوﻋﻬﺎ ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ ،ﻴﺨ ـ ّ
وﻝﻴس ﺒﺎﻝظواﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ .
واﺴﺘﻨﺎداً إﻝـﻰ ذﻝـك ،اﻤﺘ ّـد ﻤـﻨﻬﺞ د ارﺴـﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ إﻝـﻰ اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴـﺔ .واﻋﺘﺒـرت اﻝد ارﺴـﺔ
اﻝﺘﻲ ﻗﺎم ﺒﻬﺎ اﻝﻌﺎﻝم اﻻﻨﻜﻴزي ) ﻫﺎدون (ﻋﻠﻰ ﻤﻨطﻘﺔ ﻤﻀﺎﺌق )ﺘورﻝﻴس( ﻤﻊ ﺒﻌﺜﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ،ﻨﻘطـﺔ ﺘﺤ ّـول
رﺴﺨت أﻤرﻴن أﺴﺎﺴﻴﻴن : أﺴﺎﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﺎرﻴﺦ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﺤﻴث ّ
ﺘﺨﺼص ﻜﺎﻤل .
ّ أوﻝﻬﻤﺎ :اﻝﻨظر إﻝﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ ّأﻨﻬﺎ ﻋﻠم ﻴﺤﺘﺎج إﻝﻰ
ﺌﻴﺴﻴﺎً ﻓﻲ ﻫذا اﻝﻌﻠم.
وﺜﺎﻨﻴﻬﻤﺎ:اﻋﺘﻤﺎد اﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ ﻤﻨﻬﺠﺎً ر ّ
أن ) ﻤورﻏــﺎن و ﺒ ـواز ( ﺴــﺒﻘﺎ ) ﻫــﺎدون( ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ ﺒﻌــض ﻗﺒﺎﺌــل اﻝﻬﻨــود اﻝﺤﻤــر ،وﺒﻌــض وﻤــﻊ ّ
ﻗﺒﺎﺌ ــل اﻷﺴ ــﻜﻴﻤو ،ﻓﻘ ــد اﺴ ــﺘطﺎع ) ﻫ ــﺎدون ( أن ﻴﺤ ـ ّـدد أﺴﺎﺴ ــﻴﺎت ﻤ ــﻨﻬﺞ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ،
وﻴﺠ ــذب ﺒﻌ ــض اﻝﻌﻠﻤ ــﺎء إﻝ ــﻰ ﻤﻴ ــدان ﻫ ــذا اﻝﻌﻠ ــم اﻝﺠدﻴ ــد ،ﺒﻌ ــدﻤﺎ ﺘﺨﻠّـ ـوا ﻋ ــن اﺨﺘﺼﺎﺼ ــﺎﺘﻬم اﻷﺼ ــﻠﻴﺔ
أﺌﻤﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻓـﻲ اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴن ،ﻤـن أﻤﺜـﺎل :اﻝﻌـﺎﻝم ) رﻴﻔـر( اﻝـذي وأﺼﺒﺤوا ﻤن ّ
ﻤﺘﺨﺼﺼـﺎً ﻓـﻲ ﻋﻠـم اﻷﻤـراض .ﺒـل ّ ﻤﺘﺨﺼﺼﺎً ﻓﻲ ﻋﻠم اﻝﻨﻔس ،واﻝﻌـﺎﻝم ) ﺴـﻠﻴﺠﻤﺎن ( اﻝـذي ﻜـﺎن ّ ﻜﺎن
ﺘﺨﺼﺼ ـ ــﻪ اﻷﺼ ـ ــﻠﻲ ﻓ ـ ــﻲ )اﻝﺤﻴواﻨ ـ ــﺎت اﻝﺒﺤرﻴ ـ ــﺔ( وﺘﺤ ـ ـ ّـول إﻝ ـ ــﻰ
ّ أن ) ﻫ ـ ــﺎدون ( ﻨﻔﺴ ـ ــﻪ ،ﺘﺨﻠّـ ــﻰ ﻋ ـ ــن
ّ
169
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
وﻫﻜ ــذا ،ﻤﺜّ ــل اﻝﻘ ــرن اﻝﺘﺎﺴ ــﻊ ﻋﺸ ــر ﻨﺸ ــﺄة اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔٕ ،وان ﻜﺎﻨ ــت ﺼ ــورﺘﻬﺎ ﻏﻴ ــر
ﻨﺎﻀﺠﺔ وﺘﺤﺘﺎج إﻝﻰ اﻝﻜﺜﻴر ﻤن ﺠﻬود اﻝﻌﻠﻤﺎء وﻝﻔﺘرة ﻤن اﻝوﻗـت ﻝﻴﺴـت ﻗﺼـﻴرة ،ﺤﻴـث ﺒـدأت ﻋﻨﺎﺼـر
ﺼورﺘﻬﺎ ﺘﺴﺘﻜﻤل وﺘزدﻫر ﻓﻲ ﻨﻬﺎﻴﺔ ﻫذا اﻝﻘرن واﻝﻨﺼف اﻷول ﻤن اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن.
-3اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرون:
اﻝﺘﺨﺼـ ــص ﺒد ارﺴـ ــﺔ اﻝﺒﻨ ـ ــﻰ
ّ وﺼـ ــﻠت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ ﻤـ ــﻊ ﺒداﻴـ ــﺔ اﻝﻘـ ــرن اﻝﻌﺸ ـ ـرﻴن إﻝـ ــﻰ ﻤرﺤﻠـ ــﺔ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت ،وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت اﻝﻘدﻴﻤ ــﺔ ،ﺤﻴ ــث ازدادت اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴ ــﺔ ،وﻓ ــﻲ
ﻤﻘدﻤﺘﻬﺎ اﻝدراﺴﺔ اﻝﺘﻲ ﻗﺎم ﺒﻬﺎ اﻷﻨﻜﻠﻴزي ) رادﻜﻴف ﺒراون ( ﻋﻠﻰ ﺴﻜﺎن ﺨﻠﻴﺞ اﻝﺒﻨﻐـﺎل ،واﻝﺘـﻲ اﻋﺘﺒـرت ّ
69
اﻝﻤﺤﺎوﻝـ ــﺔ اﻷوﻝـ ــﻰ ﻝﻔﺤـ ــص اﻝﻨظرﻴـ ــﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ ﺒـ ــﺎﻝﻌودة إﻝـ ــﻰ ﻤﺠﺘﻤـ ــﻊ ﺒـ ــداﺌﻲ .وﻜـ ــذﻝك د ارﺴـ ــﺔ )
ﻝﻤدة أرﺒﻊ ﺴﻨوات ،واﺴـﺘﺨدم ﻓﻴﻬـﺎ ﻝﻐـﺔ أﻫـﺎﻝﻲ ﻫـذﻩ اﻝﺠـزر. ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴﻜﻲ ( ﻝﺴﻜﺎن ﺠزر )اﻝﺘروﺒوﺒرﻴﺎﻨد( ّ
ﺘﺘﺒ ـﻊ
ﻓﻜــﺎن ﺒــذﻝك ّأول أﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ ﻴــﺘﻤ ّﻜن ﻤــن ﻓﻬــم ﺤﻴــﺎة اﻝﻨــﺎس وﻋﻼﻗــﺎﺘﻬم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،ﻤــن ﺨــﻼل ّ
ﻋﺎداﺘﻬم وﺘﻘﺎﻝﻴدﻫم ،وﺘﺤﻠﻴل ﻤدﻝوﻻﺘﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
اﻷول ﻤــن ﻫــذا اﻝﻘــرن ،ﻋﻜــف اﻝﺒــﺎﺤﺜون اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــون ﻋﻠــﻰ ﺠﻤــﻊ اﻝوﺜــﺎﺌق اﻝﺘــﻲ ﻓﺨــﻼل اﻝرﺒــﻊ ّ
أن اﻝﻌﺎﻤل اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ، ﻴﺤﺘﺎﺠون إﻝﻴﻬﺎ ﻤن أﺠل إﺜﺒﺎت ظﺎﻫرة اﻻﻗﺘﺒﺎس ﺒﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻴﻼﺤظ ّ
ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر ﺘﺎرﻴﺦ اﻝطرﻴﻘﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ،اﺤﺘ ّل ﻤﻜﺎن اﻝﺼدارة ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ،ﺤﺘﻰ ﻓـﻲ
اﻝﻤﺤــﺎوﻻت اﻝﻤﺒذوﻝــﺔ ﻹﺜﺒــﺎت ظــﺎﻫرة اﻻﻨﺘﺸــﺎر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ،اﻝﻨﺎﺠﻤــﺔ ﻋــن اﻻﺤﺘﻜــﺎك ﺒــﻴن اﻝﺸــﻌوب .وﻴﻌــود
ﻴﺨﻴـﺔ ﻓـﻲ ﻓﻬـم اﻝﻌواﻤـل اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔأﻫﻤﻴـﺔ اﻝﺒﻴﺎﻨـﺎت اﻝﺘﺎر ّ ﺠﻴـداً ّ أن ﻫـؤﻻء اﻝﺒـﺎﺤﺜﻴن ،ﻜـﺎﻨوا ﻴـدرﻜون ّ ذﻝك إﻝﻰ ّ
170
أﻤﺎ ﻓﻲ اﻝرﺒﻊ اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ،ﻓﻘد أﺼﺒﺤت ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻓـروع ّ اﻝدﻴﻨﺎﻤﻴﺔ.
ﺘدرس ﻓﻲ اﻝﺠﺎﻤﻌﺎت اﻷوروﺒﻴـﺔ ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻓـﻲ اﻝﺠﺎﻤﻌـﺎت اﻝﺒرﻴطﺎﻨﻴـﺔ ..واﻨﺘﺸـر ﺘطﺒﻴـق ﻤـﻨﻬﺞ ﻤﺴﺘﻘﻠّﺔ ّ
اﻝدرﺴ ـ ــﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴ ـ ــﺔ ﻨﺘﻴﺠ ـ ــﺔ ﻝﺘ ـ ــﺄﺜﻴر ﻋﻠ ـ ــم ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴ ـ ــﻜﻲ ( اﻝ ـ ــذي ﺒ ـ ــدأ ﻤﻨ ـ ــذ ﻋ ـ ــﺎم ،1924ﺒﺘ ـ ــدرﻴب
ا
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﻴن ﻋﻠﻰ اﻝﻘﻴﺎم ﺒﺎﻝدراﺴﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ .
وﻓــﻲ ﻋــﺎم ،1937أﻋــﺎد ) ﺒ ـراون ( ﺘﻨظــﻴم ﻤﻌﻬــد اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻓــﻲ ﺠﺎﻤﻌــﺔ أﻜﺴــﻔورد ،وطـ ّـور
ﻤﻨﺎﻫﺠـ ـ ــﻪ .وﺒﻔﻀـ ـ ــل ﺠﻬـ ـ ــود ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﺴـ ـ ــﻜﻲ وﺒ ـ ـ ـراون( وﺘﻼﻤـ ـ ــذﺘﻬﻤﺎ ﻤـ ـ ــن ذوي اﻝﺨﺒ ـ ـ ـرة ﻓـ ـ ــﻲ اﻝد ارﺴـ ـ ــﺎت
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴــﺔ ،أﺠرﻴــت د ارﺴــﺎت ﻤﺘﻌـ ّـددة ﻋﻠــﻰ ﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ﺼــﻐﻴرة ﻓــﻲ أﻓرﻴﻘﻴــﺎ )د ارﺴــﺔ ﻨظــم
اﻝﻘ ارﺒــﺔ واﻝطﻘــوس واﻝﺴﻴﺎﺴــﺔ ( ،وأﺤــدث اﻝﻤﻌﻬــد اﻝــدوﻝﻲ اﻷﻓرﻴﻘــﻲ ﻓــﻲ ﺠﺎﻤﻌــﺔ أﻜﺴــﻔورد ،ﺘﺼــدر ﻋﻨــﻪ
ﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ﻓﻲ ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ . ّ ﻤﺠﻠّﺔ
اﻝﻤﺘﻘدﻤـﺔ ،ﻓـﻲ اﻝﻨﺼـف اﻝﺜـﺎﻨﻲ ﻤـن اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴن،
ّ وﺘﺎﺒﻌت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ د ارﺴـﺎﺘﻬﺎ
ﻤﻤﺎّ أدى إﻝﻰ اﺘّﺴﺎع ﻫذﻩ اﻝد ارﺴـﺎت وازدﻫﺎرﻫـﺎ ،وﺒﺎﻝﺘـﺎﻝﻲ إﻝـﻰ اﻝﺘﻘـﺎرب ﺒـﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ
واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ..وﺘـ ّـم اﻋﺘﻤــﺎد ﺘطﺒﻴــق اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﺘﺠرﻴﺒــﻲ ﺒــدﻻً ﻤــن اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﻤﻘــﺎرن ،ﺤﻴــث
ﻴﺴــﺘﻨد ﻜ ـ ّل ﺒﺎﺤــث أﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ – ﻓــﻲ ﺘطﺒﻴــق اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﺘﺠرﻴﺒــﻲ – إﻝــﻰ ﻨﺘــﺎﺌﺞ د ارﺴــﺔ ﺒﺎﺤــث آﺨــر
ﺼﺤﺔ ﻫذﻩ اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ ﻤن ﺨﻼل ﻗﻴﺎﻤﻪ ﺒد ارﺴـﺔ ﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت أﺨـرى. ﻤﻌﻴن ،وﻴﻘوم ﺒدورﻩ ﺒﺎﻝﺘﺄ ّﻜد ﻤن ّ ﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ّ
اﻝﻔرﻀﻴﺎت اﻝﻤﺘﻔق ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻤﺒﺎدﺌﺎً ﻋﺎﻤﺔ ﻓﻲ ﻨﻬﺎﻴﺔ اﻷﻤر ،أو ﻤﻌـﺎرف ﻤﺘداوﻝـﺔ ﻓـﻲ ﻤﺠـﺎل ّ وﺒذﻝك ،ﺘﺼﺒﺢ
ﻋزز ﻤن ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻌﺼر اﻝﺤدﻴث . اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ..وﻫذا ﻤﺎ ّ
ﺜﺎﻝﺜﺎُ -أﻫداف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
70
ﻓﺎﻹﻨﺴﺎن وﺤدﻩ -ﻤن ﺒﻴن اﻝﻤﺨﻠوﻗﺎت – ﻴﺘﻤﺘّﻊ ﺒﺈﻤﻜﺎﻨﻴـﺔ ﺘطـوﻴر ﺴـﻠوﻜﻪ اﻝﻤﻜﺘﺴـب وﻨﻘﻠـﻪ ﺒـﺎﻝﺘﻌﻠّم،
ﻤﻤﺎ ﺘﺘّﺼـف ﺒـﻪ اﻷﺸـﻜﺎل ﺒﺎﻝﺘﻨوع وﺒدرﺠﺔ ﻤن اﻝﺘﻌﻘﻴد أﻜﺒر ّ
ّ وﻤؤﺴﺴﺎﺘﻪ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﺘﺘّﺼف
ّ أن ﻨظﻤﻪ
وّ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻷي ﻨوع آﺨر ﻤن أﻨواع اﻝﺤﻴوان .
درﺴ ــﺔ أﻨظﻤ ــﺔ
أن اﻝﻤﻨطﻠ ــق اﻝﻤﻨطﻘ ــﻲ ﻝﻤ ــﺎ ﻴﺠ ــرى ﻤ ــن أﺒﺤ ــﺎث ﺤ ــول اﻝﻤﺠﺘﻤ ــﻊ ،ﻫ ــو اوﻝ ــذﻝك ﻨﺠ ــد ّ
وﻤﻤــﺎ ﻴﺴ ــﻬل اﻝﻤﺸ ــﻜﻠﺔ ﺒﻌــض اﻝﺸ ــﻲء ،اﻋﺘﺒ ــﺎر
ﻤﻌﻴﻨ ــﺔ واﻋﺘﺒــﺎر ﻜـ ـ ّل ﻤﻨﻬ ــﺎ وﺤــدة ﻤﺘﻜﺎﻤﻠ ــﺔّ .
اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ّ
ﻤﺘﻤﻴـ ـزة ﻋ ــن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت ،إذ ﻴﻤ ّﻜﻨﻨ ــﺎ ذﻝــك ﻤ ــن ﺘﺠﺎﻫ ــل اﻝﻤ ــدى اﻝواﺴ ــﻊ ﻝﻼﺨﺘﻼﻓ ــﺎت
اﻷﻨظﻤــﺔ ﻜﻴﺎﻨ ــﺎت ّ
أن
اﻝﻔردﻴﺔ ﻓﻲ اﻝﺘﻌﺒﻴر ﻋن ﻨﻤﺎذج اﻝﻨظﺎم ،وﻤن اﻝﺘرﻜﻴز ﻋﻠﻰ اﻝﻨﻤﺎذج ﻨﻔﺴﻬﺎ وﻋﻼﻗﺎﺘﻬـﺎ اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝـﺔ .ﺒﻴـد ّ
ﻤﻬﻤﺔ ﻝﻠﺒﺎﺤث ﻫﻲ اﻝﺘﺤﻘّق ﻤن اﻝﻨﻤﺎذج وطﺒﻴﻌﺘﻬﺎ. اﻝﻤﺸﻜﻠﺔ ﺘظ ّل ﻤﻌﻘّدة ﺒﻤﺎ ﻓﻴﻪ اﻝﻜﻔﺎﻴﺔ ،و ّأول ّ
إن اﻝﺼــورة اﻝﺘــﻲ ﻴرﺴــﻤﻬﺎ ﺒﺎﺤــث اﻝﻨظــﺎم اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ﻜﻠّــﻪ ،ﻴﺘﻜـ ّـون ﻤــن ﻋﻨﺎﺼــر ﻴﺠﻤﻌﻬــﺎ واﺤــدة ّ
ﺘﻜﻴﻔﻬـﺎ
ﺘﺘﺠﻤـﻊ ﻝدﻴـﻪ ﻋـن ّواﺤدة ،أي ﻤـن اﻝﻨﻤـﺎذج اﻝداﺨﻠـﺔ ﻓـﻲ ﺘرﻜﻴـب اﻝﻨظـﺎم ،وﻤـن اﻝﻤﻼﺤظـﺎت اﻝﺘـﻲ ّ
وﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝﺔ ،ﻜﻤﺎ ﺘﺘﻜ ّﺸف ﻝـﻪ ﻓﻲ أﺜﻨﺎء ﻤﻤﺎرﺴﺔ اﻝﻨﺎس اﻝﻔﻌﻠﻴﺔ ﻝﻬﺎ .وﻻ ﻴﺴﺘطﻴﻊ اﻝﻌﻀو اﻝﻌﺎدي
أن اﻝﻨﻤــﺎذج اﻝﺘــﻲ ﺘــﻨظّمﻓــﻲ أي ﻤﺠﺘﻤــﻊ ،أن ﻴﺴــﺎﻋد اﻝﺒﺎﺤــث ﻓــﻲ ﻫــذا اﻝﻌﻤــل ،إذ ﻤــﺎ ﻤــن أﺤــد ﻴــدرك ّ
اﻝﺘﻔــﺎﻋﻼت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،ﺘﺸـ ّﻜل ﻨظﺎﻤـﺎً إﻻّ ﻓــﻲ ﺤﺎﻝــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺘــﻲ ﺒﻠﻐــت درﺠــﺔ ﻋﺎﻝﻴــﺔ ﻤــن اﻝﺘﻌﻘﻴــد
171
اﻝﺘزﻤت ،ﻜﺎﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻓﻲ اﻝﺼﻴن وﺒﻼد اﻹﻏرﻴق ﻓﻲ اﻝﻌﺼور اﻝﻘدﻴﻤﺔ ،وأوروﺒﺎ اﻝﺤدﻴﺜﺔ. و ّ
وﻝﻤــﺎ ﻜــﺎن اﻹﻨﺴــﺎن ﻗــﺎد اًر ﻋﻠــﻰ اﻝﺘﻔــﺎﻫم ﻤــﻊ أﻤﺜﺎﻝــﻪ ﺒواﺴــطﺔ أﺸــﻜﺎل اﻝﻠﻐــﺔ اﻝرﻤزﻴــﺔ واﻝﻤﻔــﺎﻫﻴم ،ﻓﻬــو
ّ
وﺤــدﻩ اﻝــذي اﺴــﺘطﺎع أن ﻴوﺠــد أﻨواﻋـﺎً ﻻ ﺘﺤﺼــﻰ ﻤــن اﻝﻤﺒــﺎﻨﻲ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ ﻜﺒﻨﻴــﺎن اﻷﺴ ـرة.
ٕواذا ﻨظرﻨﺎ إﻝﻰ ﺤﻴﺎة اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻲ أي ﻨوع ﻤن أﻨواع ﻤـﺎ دون اﻹﻨﺴـﺎن ﻤـن اﻝﻜﺎﺌﻨـﺎت اﻝﺤﻴواﻨﻴـﺔ ،وﺠـدﻨﺎ
ﻷن ﻜــل ﺠﻴــل ﻤــنأن ﻤﺒﺎﻨﻴﻬـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ أﻜﺜــر رﺘﺎﺒــﺔ ﻤــن اﻝﻤﺒــﺎﻨﻲ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ،وﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ ﻴﻤﻜــن ﺘوﻗّﻌﻬــﺎ ّ ّ
أﺠﻴﺎﻝﻬــﺎ ﻴــﺘﻌﻠّم اﻝﺴــﻠوك اﻝﻤﺸــﺘرك ﺒــﻴن ﻤﻌﺎﺼـرﻴﻪ ﺠﻤــﻴﻌﻬم ،ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴﺒﻨــﻲ اﻹﻨﺴــﺎن ﻋﻠــﻰ ﺘﺠــﺎرب ﻜـ ّل ﻤــن
ﺴﺒﻘﻪ 172.وﻗد أﻨﻔق اﻝﻌﺎﻝم ) رادﻜﻠﻴف ﺒراون ( ﺜﻼﺜﻴن ﻋﺎﻤﺎً ﻓﻲ اﻝدراﺴﺔ ،ﻝﻠوﺼول إﻝﻰ ﺒﻌـض اﻝﻨﻤـﺎذج
اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻝﻸﺒﻨﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .وﺒﻔﻀل ﺠﻬودﻩ وﺠﻬود ﻋﻠﻤﺎء آﺨرﻴن ،أﺼﺒﺢ ﻫﻨﺎك اﺘﻔﺎق ﺸـﺒﻪ ﻋـﺎم ﻋﻠـﻰ
اﻷﻤـ ــﺔ –
ﺒﻌـ ــض اﻝﻨﻤـ ــﺎذج اﻷﺴﺎﺴـ ــﻴﺔ ﻝﻠﺒﻨـ ــﺎء اﻻﺠﺘﻤـ ــﺎﻋﻲ ،ﻤﺜـ ــﺎل ) :اﻝﻌﺸـ ــﻴرة -اﻝﻘﺒﻴﻠـ ــﺔ -اﻝدوﻝـ ــﺔ – ّ
اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ(.
واﺴﺘطﺎع ﻫؤﻻء اﻝﻌﻠﻤﺎء ﺘﺤدﻴد اﻷﺸـﻜﺎل اﻷﺴـرﻴﺔ اﻝرﺌﻴﺴـﺔ ،ﻓـﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ .وﻴﻌ ّـد ذﻝـك
ﺨطــوة ﻫﺎﻤــﺔ ﻨﺤــو اﻝوﺼــول إﻝــﻰ اﻝﻘ ـواﻨﻴن اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،اﻝﺘــﻲ ﻴﺘرﺘّــب ﻋﻠﻴﻬــﺎ ذﻝــك اﻝﺘﻨـ ّـوع اﻝﻤﻠﺤــوظ ﻓــﻲ
اﻷﺒﻨﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻤﺎ أطﻠق ﻋﻠﻴﻪ اﺼطﻼﺤﺎً ) :اﻝدراﺴﺎت اﻝﻤورﻓوﻝوﺠﻴﺔ (.
71
وﻗـد ﻋرﻀــت أﻤﺜﻠـﺔ ﻜﺜﻴـرة ﻋــن ﻫـذا اﻝﻤوﻀــوع ،ﺤﻴــث ﻴطﻠـق اﻝﻌــﺎﻝم ) ﺒـراون ( ﻋﻠـﻰ اﻝد ارﺴــﺔ اﻝﺘــﻲ
ﺘرﻤﻲ إﻝﻰ ﺘﺤﻘﻴق ذﻝك اﻝﻬدف اﺼطﻼﺤﺎً ) :اﻝدراﺴﺔ اﻝﻔﻴزﻴوﻝوﺠﻴﺔ( ﺘﻤﻴﻴـ اًز ﻝﻬـﺎ ﻋـن اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺨﺎﺼـﺔ
ﺒﺎﻝﻬدف اﻝﺴﺎﺒق )اﻝدراﺴﺎت اﻝﻤورﻓوﻝوﺠﻴﺔ (.
إن ﻤﺸﻜﻠﺔ ﺤﻘﻴﻘﺔ اﻷﻨظﻤﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻫﻲ ﻤﺸﻜﻠﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ أﻜﺜر ﻤﻨﻬﺎ ﻤﺸـﻜﻠﺔ ﻋﻤﻠﻴـﺔ .واﻝﻤﻬ ّـم ﻓـﻲ ّ
ﺘﻜﻴﻔـﺎً ﻤﺘﺒـﺎدﻻً _ وﻫـو ﻤــﺎ
ّ ـض ﻌﺒ ـﻊ ﻤ ـﻬﺎ ﻀ ﺒﻌ ـف ﺘﺘﻜﻴ
ّ ـﻲ ﺘ اﻝ ـﺔ ﻴ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋ ـﺎذج ﻤ اﻝﻨ ـبﻜ ﻤر
ّ ّ أن ـو ﻫ اﻷﻤـر
اﺼ ــطﻠﺢ ﻋﻠ ــﻰ ﺘﺴ ــﻤﻴﺘﻪ ﺒﺎﻝﻨظ ــﺎم اﻻﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ – ﻴﺘط ـ ّـور وﻴﻌﻤ ــل ﺒﺎرﺘﺒ ــﺎط ﻤﺴ ــﺘﻤر ﻤ ــﻊ ﺴ ــﺎﺌر ﻋﻨﺎﺼ ــر
أﻤــﺎ
ﺘﺘﻜﻴــف ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻤــﻊ ﺒﻌــضّ .ﺘﺘﻜﻴــف ﻤــﻊ ﻫــذا اﻝﻨﺴــق ﺘﻤﺎﻤ ـﺎً ﻜﻤــﺎ ّ أن اﻝﻨﻤــﺎذج ﻴﺠــب أن ّ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ،و ّ
ﻷن اﻹﻨﺴـﺎن ﻗـد ﻴﺘﻜﻴف ﺒدورﻩ أﻴﻀﺎً ،ﻤﻊ اﻝﺒﻴﺌﺔ اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤـﻊّ ، اﻝﻤﺠﻤوع اﻝﻜﻠّﻲ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻓﻴﺠب أن ّ
وﻝﻜﻨـﻪ ﻻ ﻴﺴـﺘطﻴﻊ أﺒـداً أن ﻴﺘﺤ ّـرر ﻤـنوﻤﺘﻨوﻋـﺔ ﻝﻠﺴـﻴطرة ﻋﻠـﻰ اﻝﺒﻴﺌـﺔ واﺴـﺘﻐﻼﻝﻬﺎّ ، ّ ﻴطور وﺴﺎﺌل ﻜﺜﻴـرة ّ
أﺜرﻫﺎ .
إن ﻜـل ﻨظـﺎم اﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ،ﻫـو ﺠـزء ﻤـن وﺤـدة ﻤﺘﻨﺎﺴـﻘﺔ ﻤﺘﻜﺎﻤﻠـﺔ ،أوﺴـﻊ ﺠ ّـداًوﻝذﻝك ،ﻴﻤﻜن اﻝﻘـولّ :
ﺘﺘﻜون ﻤﻨﻬﺎ ﻫذﻩ اﻝوﺤدة ،ﻓﻬﻲ ﻤﺘﺸﺎﺒﻜﺔ وﻤﺘداﺨﻠـﺔ .وﻻ أﻤﺎ اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺘﻲ ّﻓﻲ ﻤداﻫﺎ ﻤن اﻝﻨظﺎم ﻨﻔﺴﻪّ ،
ﻴﻤﻜن ﻓﻬم اﻝﻨظﺎم اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ،إﻻّ إذا درس ﻓـﻲ ﻀـوء ﻋﻼﻗﺘـﻪ ﺒﺎﻝوﺤـدة اﻝﻤﺘﻨﺎﺴـﻘﺔ اﻝﻜﺒﻴـرة ،اﻝﺘـﻲ ﺘﻀ ّـم
173
ﻨﻤوﻩ وﻋﻤﻠﻪ.
ﻋﻨﺎﺼر أﺨرى ﺘظ ّل ﺘﻔرض ﺒﺎﺴﺘﻤرار ﺤدوداً ﻋﻠﻰ ّ
وﺒ ــذﻝك ﻴﻜ ــون ﻋﻠ ــﻰ اﻝﺒﺎﺤ ــث – ﻤ ــن وﺠﻬ ــﺔ اﻝﻨظ ــر اﻝوظﻴﻔﻴ ــﺔ -أن ﻴﺄﺨ ــذ ﻓ ــﻲ اﻝﺤﺴ ــﺒﺎن ﻋ ــﺎﻤﻠﻴن
أﺴﺎﺴﻴﻴن ﻴﻠﻌﺒﺎن دو اًر ﺘﺒﺎدﻝﻴﺎً وﻓﺎﻋﻼً ﻓﻲ ﻫذا اﻝﻨظـﺎم اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ أو ذاك ،وﻫﻤـﺎ :اﻝﻨﻤـوذج اﻝـذي ﻴﻌرﻓـﻪ
اﻷﻓ ـراد وﻴــؤﺜّر ﻓــﻲ ﺴــﻠوﻜﺎﺘﻬم ﻤــن ﺠﻬــﺔ ،واﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝﺘــﻲ ﻴﻨﺸــﺄ ﻋﻠﻴــﻪ ﻫــؤﻻء اﻷﻓ ـراد ،واﻝﺘــﻲ ﺘﻌﻨــﻰ ﺒﺘﻠﺒﻴــﺔ
ـؤديﻷن اﻷﻨظﻤ ــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﻻ ﻴﻤﻜ ــن أن ﺘ ـ ّ اﻝﻜﻠﻴ ــﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤ ــﻊ ﻤ ــن ﺠﻬ ــﺔ أﺨ ــرى ،وذﻝ ــك ّ
اﻝﺤﺎﺠ ــﺎت ّ
وظﻴﻔﺘﻬﺎ ،إﻻّ ﻜﺠزء ﻤن اﻝﻤﺠﻤوع اﻝﻜﻠّﻲ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ .
72
175
اﻝﻌﻤل ﻓﻲ أﻨوع ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻤن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت.
ﺘﺠﻤﻌــﺎت )ﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت( وﺘطـ ّـور طرﻗﻬــﺎ اﻝﺨﺎﺼــﺔ ﻓــﻲ اﻝﺤﻴــﺎة أن اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ﺘﻌــﻴش ﻓــﻲ ّ وﺒﻤــﺎ ّ
ـﺈن ﻝﻠﺜﻘﺎﻓـ ــﺔ ﻫﻨـ ــﺎ دو اًر ﻜﺒﻴ ـ ـ اًر ﻓـ ــﻲ ﻋﻤﻠﻴـ ــﺎت اﻝﺘﻐﻴﻴـ ــر
ﺒﻤـ ــﺎ ﻴـ ــﺘﻼءم ﻤـ ــﻊ أوﻀـ ــﺎﻋﻬﺎ اﻝﺨﺎﺼـ ــﺔ واﻝﻌﺎﻤـ ــﺔ ،ﻓـ ـ ّ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ،اﻝﻔﻜري واﻝﺴﻠوﻜﻲ .
وﻤــن ﻫﻨــﺎ ﻴﺘﻌـ ّـﻴن ﻋﻠــﻰ اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ أن ﺘﺤـ ّـدد ﻋﻤﻠﻴــﺎت اﻝﺘﻐﻴﻴــر اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ،ﺒطرﻴﻘــﺔ
ﻜﻴﻔﻴـﺔ ﺘط ّـور اﻝظـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ
اﻝﻜﺸـف ﻋـن اﻷﻨﻤـﺎط واﻷﺒﻨﻴــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ اﻝﺠدﻴـدة ،وﻜـذﻝك ﺘﺤدﻴــد ّ
اﻝﻤﻌﻤﻘﺔ.
اﻝﺒﺴﻴطﺔ ،إﻝﻰ ظواﻫر اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤرّﻜﺒﺔ ..وﻫذا ﻴﺘطﻠّب اﻝدراﺴﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ اﻝﻤرّﻜزة ،و ّ
اﻝﻬواﻤش واﻝﻤراﺠﻊ:
ﻋﻠﻲ ،اﻝﺠﺒﺎوي ،اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ – ﻋﻠم اﻹﻨﺎﺴﺔ ،ﺠﺎﻤﻌﺔ دﻤﺸق .1997.ص .9 3
أﺤﻤد ،أﺒو زﻴد .اﻝﺒﻨﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻤدﺨل ﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ،ج ،1اﻝﻬﻴﺌﺔ اﻝﻤﺼرﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻝﻠﻜﺘﺎب ،اﻝﻘﺎﻫرة .1980 .ص.7 5
ﻜﻼﻴد ،ﻜﻼﻜﻬون .اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ اﻝﻤرآة ،ﺘرﺠﻤﺔ :ﺸﺎﻜر ﺴﻠﻴم ،ﺒﻐداد .1964.ص .209 6
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن ،ﺘرﺠﻤﺔ :ﻋﺒد اﻝﻤﻠك اﻝﻨﺎﺸف ،اﻝﻤﻜﺘﺒﺔ اﻝﻌﺼرﻴﺔ ،ﺒﻴروت .1964.ص ،ص .16،15 7
8
Margaret ,Mead. Changing Styles of Anthropological Work .Annual Review of Anthropology,
Palo Alto.1973.p 280.
10راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﺘرﺠﻤﺔ :ﻋﺒد اﻝﻤﻠك اﻝﻨﺎﺸف ،اﻝﻤﻜﺘﺒـﺔ اﻝﻌﺼـرﻴﺔ ،ﺒﻴـروت .1967.ص
.46
ﻗﺼــﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ -ﻓﺼــول ﻓــﻲ ﺘــﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴــﺎن -ﺴﻠﺴــﻠﺔ ﻋــﺎﻝم اﻝﻤﻌرﻓــﺔ ،ﻋــد د ، 198اﻝﻜوﻴــت
ﺤﺴــﻴن ،ﻓﻬــﻴمّ ،
11
.1986.ص .35
12
Mauduit, J. A .Manuel d'Ethnographie, Payot, Paris. 1960.p 18.
13
Darnell, Regna and editor .Reading in the History of Anthropology, University of
Illinois .1978. p 13.
ﻴﺘﺤدث ﻋن ﻤﺼر ،دار اﻝﻌﻠم ،اﻝﻘﺎﻫرة .1966.ص .120 ﻤﺤﻤد ﺼﻘر ،ﺨﻔﺎﺠﺔ ،ﻫﻴرودت ّ
14
73
ﻗﺼﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ -ﻓﺼول ﻓﻲ ﺘﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴﺎن ،ﺴﻠﺴﻠﺔ ﻋﺎﻝم اﻝﻤﻌرﻓﺔ ﻋد د ،198اﻝﻜوﻴت .1986.ص
ﺤﺴﻴن ،ﻓﻬﻴمّ ،
16
.46
اﻝﻤرﺠﻊ ﻨﻔﺴﻪ ،ص .47 17
18
Darnell, Regna and editor, opcit, p 15.
ﻤﺤﻤد ،ﻤؤﻨس ،اﻝﺤﻀﺎرة – دراﺴﺔ ﻓﻲ أﺼول وﻋواﻤل ﻗﻴﺎﻤﻬﺎ وﺘدﻫورﻫﺎ ،ﻋﺎﻝم اﻝﻤﻌرﻓﺔ ،ﻋدد ﻜﺎﻨون اﻝﺜﺎﻨﻲ ،اﻝﻜوﻴت 19
.1978.ص .43
20
Darnell, Regna and editor, opcit, p 16.
ﻤﺤﻤد ،ﻤؤﻨس ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .15 21
.50
ﻗﺼﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ -ﻓﺼول ﻓﻲ ﺘﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴﺎن -ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص
ﺤﺴﻴن ،ﻓﻬﻴمّ ،
22
29
John. Anderson, Conjuring with Ibn Khaldon: from an Anthropological point of
view, Leiden .1984.p 112.
30
Wendell, Oswalt. Other People, Other Customs, Holt Rinehart and Winston Inc
.1972.p 10.
31
Daniel .J, Boorstin, The Discoveries a History of Man’s Search to Know his World
and Himself .Vintage Books edition .1985.p 628.
33
Darnell, Regna and editor, opcit, p 81.
34
Edmund, Leach. Social Anthropology, Fontana- Paper backs .1982.p 67.
35
Darnell, Regna and editor, opcit, p 87.
أﺤﻤد ،اﻝﺨﺸﺎب .دراﺴﺎت أﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ،دار اﻝﻤﻌﺎرف ﺒﻤﺼر .1970.ص .375 36
.16 راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص 38
ﺴﺎطﻊ ،اﻝﺤﺼري .أﺤﺎدﻴث ﻓﻲ اﻝﺘرﺒﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎع ،دار اﻝﻌﻠم ﻝﻠﻤﻼﻴﻴن ،ﺒﻴروت .1985 .ص .8 39
ﻤﺤﻤد طﻠﻌت ،ﻋﻴﺴﻰ .ﻤدﺨل إﻝﻰ ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع ،دار اﻝﻤﻌﺎرف ،ﺒﻴروت .1986.ص .13 40
74
ﻋﺒد اﻝﺤﻤﻴد ،ﻝطﻔﻲ .ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .45 44
ﻓﺎطﻤﺔ ،اﻝﺠﻴوﺸﻲ .ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻝﺘرﺒﻴﺔ ،ﺠﺎﻤﻌﺔ دﻤﺸق ،ﻜﻠﻴﺔ اﻝﺘرﺒﻴﺔ .1988 .ص .3 45
ﻋﺒد اﻝﺤﻠﻴم ،ﻤﺤﻤود .اﻝﺘﻔﻜﻴر اﻝﻔﻠﺴﻔﻲ ﻓﻲ اﻹﺴﻼم ،ﻤﻜﺘﺒﺔ اﻷﻨﺠﻠو ﻤﺼرﻴﺔ ،اﻝﻘﺎﻫرة.1968 .ص .225 46
ﻫﻨري ﺴﺎرﻜس ،ﻓراﻴر .ﻋﻠم اﻝﻨﻔس اﻝﻌﺎم ،ﺘرﺠﻤﺔ :إﺒراﻫﻴم ﻤﻨﺼور ،ﺒﻐداد .1968.ص .32 47
ﻋﺒد اﻝرﺤﻤﺎن ،ﻋﻴﺴوي .ﻋﻠم اﻝﻨﻔس ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺎل اﻝﺘرﺒوي ،دار اﻝﻌﻠوم اﻝﻌرﺒﻴﺔ ،ﺒﻴروت .1989 ،ص .7 48
ﻋﺒد اﻝﻌﺎل ،اﻝﺠﺴﻤﺎﻨﻲ ،ﻋﻠم اﻝﻨﻔس وﺘطﺒﻴﻘﺎﺘﻪ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،اﻝدار اﻝﻌرﺒﻴﺔ ﻝﻠﻌﻠوم ،ﺒﻴروت .1994.ص .271 49
ﻋﻤﺎن .1985 .ص .21إﺒراﻫﻴم ،ﻨﺎﺼر .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ )ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ( ّ
50
ﺤﺴﻴن ﻋﺒد اﻝﺤﻤﻴد أﺤﻤد ،رﺸوان .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺎل اﻝﻨظري ،ط ،1اﻹﺴﻜﻨدرﻴﺔ .1988.ص .86 51
ﻋﻠﻲ ،اﻝﺠﺒﺎوي ،اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ – ﻋﻠم اﻷﻨﺎﺴﺔ ،ﺠﺎﻤﻌﺔ دﻤﺸق .1997.ص .12 53
ﺴﺎﻤﻴﺔ ،ﺠﺎﺒر .ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن – ﻤدﺨل إﻝﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،دار اﻝﻌﻠوم اﻝﻌرﺒﻴﺔ ،ﺒﻴروت .1991.ص 57
.85
ﻤﺤﻤد ،رﻴﺎض .اﻹﻨﺴﺎن – دراﺴﺔ ﻓﻲ اﻝﻨوع واﻝﺤﻀﺎرة ،دار اﻝﻨﻬﻀﺔ اﻝﻌرﺒﻴﺔ ،ﺒﻴروت .1974.ص .127 58
ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﺘرﺠﻤﺔ :رﺒﺎح اﻝﻨﻔﺎخ ،و ازرة اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ،دﻤﺸق .1974.ص .210 59
أﺤﻤد ،أﺒو زﻴد .اﻝﺒﻨﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ – ﻤدﺨل ﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق .ص .202 65
.272 راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص 69
72
John ,Freidle. Anthropology, Harperand Row Publishers, New York .1977. p 302.
.196 راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص 73
75
أﺤﻤد ،أﺒو زﻴد .ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق .ص .238 76
77
John ,Freidle. Opcit, p 303.
ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .68 78
79
John ,Freidle. Opcit, p 304.
ص .164 ﺤﺴﻴن ،ﻓﻬﻴم ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق، 80
أﺒو زﻴد اﻝطرﻴق إﻝﻰ اﻝﻤﻌرﻓﺔ ،ﻜﺘﺎب اﻝﻌرﺒﻲ ،ﻋدد ،46ﻤﻨﺸورات ﻤﺠﻠّﺔ اﻝﻌرﺒﻲ ،اﻝﻜوﻴت .2001 .ص – ص .83-82 81
82
Edmund, Leach. Opcit, p 184.
اﻝطﺎﻫر ،ﻝﺒﻴب .ﺴوﺴﻴوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ،دار اﻝﺤوار ،اﻝﻼذﻗﻴﺔ ،1987.ص .12 83
ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص -ص .264 -263 84
85
Daniel .J, Boorstin, opcit, p 8.
86
Phillip, Kottak .Anthropology: the Exploration of Human Diverty, Mc Grow. Hill
INC, New York, 1994, p 9.
ﺴﻠﻴم ،ﺸﺎﻜر .ﻗﺎﻤوس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .122 87
ﻤﺤﻤد ،رﻴﺎض .اﻹﻨﺴﺎن – دراﺴﺔ ﻓﻲ اﻝﻨوع واﻝﺤﻀﺎرة ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق .ص .12 88
.17 راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص 89
إﺒراﻫﻴم ،ﻨﺎﺼر .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ )ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ( ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .32 90
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص -ص .19-18 91
ﻗﺒﺎري ﻤﺤﻤد ،إﺴﻤﺎﻋﻴل .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﺎﻤﺔ ،ﻤﻨﺸﺄة اﻝﻤﻌﺎرف ،اﻹﺴﻜﻨدرﻴﺔ ،1973.ص .42 92
ص .46 راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق، 93
95راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .59
100ﻤﺤﻤد ﺤﺴن ،اﻝﻐﺎﻤري .اﻝﻤدﺨل اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ ﻓـﻲ د ارﺴـﺔ اﻝﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ ،اﻝﻤﻜﺘـب اﻝﺠـﺎﻤﻌﻲ اﻝﺤـدﻴث ،اﻹﺴـﻜﻨدرﻴﺔ،1989.
ص .42
اﻝﻤؤﺴﺴﺔ اﻝﺠﺎﻤﻌﻴﺔ ﻝﻠدراﺴﺎت واﻝﻨﺸر ،ﺒﻴروت ،1990 .ص .61 ّ اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ،
ّ 101ﻋﻠﻲ ،اﻝﻤﺼري .ﻨظرﻴﺔ
102ﻤﺤﻤود ،ﻤﻴﻼد .ﻋﻠم اﻝﻨﻔس اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ،و ازرة اﻝﺘﻌﻠﻴم اﻝﻌﺎﻝﻲ ،دﻤﺸق ،1997 .ص .30
103
Edgar, Morin, De La Culture - Analyse a La politique Culturelle, Communication,
No: 14, Paris .1969, p 5.
104ﻤﺠﻤوﻋــ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ ﻤــ ـ ـ ـ ـ ـ ــن اﻝﻜﺘّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎب .ﻨظرﻴــ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ ،ﺘرﺠﻤــ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ :ﻋﻠــ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻲ اﻝﺼـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎوي ،ﻋــ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎﻝم اﻝﻤﻌرﻓـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ
ﻋدد ،223اﻝﻜوﻴت .1997.ص .9
105
James, Spradley. Culture and Cognation, Chandle Publishing Company, San
76
Francisco .1973. p- p 6-7.
ﺠﻤﻴل ،ﺼﻠﻴﺒﺎ .اﻝﻤﻌﺠم اﻝﻔﻠﺴﻔﻲ ،دار اﻝﻜﺘﺎب اﻝﻠﺒﻨﺎﻨﻲ ،ﺒﻴروت .1971 .ص .378 106
ص .143 راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق، 107
110ب .ف ،ﺴﻜﻴﻨر .ﺘﻜﻨوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺴﻠوك اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ،ﺘرﺠﻤﺔ :ﻋﺒد اﻝﻘﺎدر ﻴوﺴف ،ﻋﺎﻝم اﻝﻤﻌرﻓﺔ ،ﻋدد ،32اﻝﻜوﻴت ،1980.ص
.130
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ،دار اﻝﻤﻌﺎرف ﺒﻤﺼر ،1975 .ص ،ص .84،81
ّ 111ﻋﺎطف ،وﺼﻔﻲ .اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ و
112إﺒراﻫﻴم ،ﻨﺎﺼر .ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص – ص .104-103
.34 114ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص
115
Edward, Sapir. Anthropologies, Minuit, Col, Points, Paris .1967, p 75.
ﻤﺤﻤد اﻝﻬﺎدي ،ﻋﻔﻴﻔﻲ .ﻓﻲ أﺼول اﻝﺘرﺒﻴﺔ ،ﻤﻜﺘﺒﺔ اﻷﻨﺠﻠو ﻤﺼرﻴﺔ ،اﻝﻘﺎﻫرة .1972.ص .141 119
ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .51 120
ﻤﺼطﻔﻰ ،ﻏﺎﻝب .اﻝﺴﻠوك ،دار اﻝﻬﻼل ،ﺒﻴروت .1991 ،ص .103 121
ص .198 راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق، 122
ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .57 124
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .200 125
ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص – ص .48-47 127
إﺒراﻫﻴم ،ﻨﺎﺼر .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ) ،ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ( ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .79 128
ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص،ص .41،39 129
ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .59 133
77
134
V, Barnouw. Cultural Anthropology, Home wood Illinois, Irwen Inc .1972. p 7
ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .72 135
136
Phillip, Kottak .Anthropology: the Exploration of Human Diversity, Mc Grow. Hill INC, New York, 1994, p
10.
137ﻜﻠـ ــود ﻝﻴﻔـ ــﻲ ،ﺴـ ــﺘروس .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ اﻝﺒﻨﻴوﻴـ ــﺔ ،ﺘرﺠﻤـ ــﺔ :ﻤﺼـ ــطﻔﻰ ﺼـ ــﺎﻝﺢ ،و ازرة اﻝﺜﻘﺎﻓـ ــﺔ ،دﻤﺸـ ــق 1977 .ص ،ص
.52،49
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .20 138
ﺤﺎﻤد ،أﺒو زﻴد .اﻝطرﻴق إﻝﻰ اﻝﻤﻌرﻓﺔ ،ﻜﺘﺎب اﻝﻌرﺒﻲ ،ﻋدد ،46ﻤﺠﻠـﺔ اﻝﻌرﺒﻲ ،اﻝﻜوﻴت ،2001 .ص .86 139
إﺒراﻫﻴم ،زرﻗﺎﻨﺔ .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،ﻤﻜﺘﺒﺔ اﻝﻨﻬﻀﺔ اﻝﻤﺼرﻴﺔ ،اﻝﻘﺎﻫرة ،1958 .ص .148 140
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .20 141
ﻋﺎطف ،وﺼﻔﻲ .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،دار اﻝﻨﻬﻀﺔ اﻝﻌرﺒﻴﺔ ،ﺒﻴروت ،1971 .ص – ص .32-31 142
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .182 143
إﺒراﻫﻴم ،ﻨﺎﺼر .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ) ،ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ( ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .62 145
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .24 146
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .23 148
ﻗﺒﺎري ﻤﺤﻤد ،إﺴﻤﺎﻋﻴل .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﺎﻤﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .460 149
ﺤﺴﻴن ﻋﺒد اﻝﺤﻤﻴد ،رﺸوان .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺎل اﻝﻨظري ،اﻹﺴﻜﻨدرﻴﺔ ،1988 .ص .81 150
ﻜﻼﻴد ،ﻜﻠوﻜﻬون .اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ اﻝﻤرآة ،ﺘرﺠﻤﺔ :ﺸﺎﻜر ﺴﻠﻴم ،ﺒﻐداد ،1964.ص .31 151
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .25 153
إﺒراﻫﻴم ،ﻨﺎﺼر .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ) ،ﻋﻠم اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ( ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .66 155
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .32 156
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .27 158
ﻗﺒﺎري ﻤﺤﻤد ،إﺴﻤﺎﻋﻴل .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﺎﻤﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .26 159
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .32 160
162إدوارد ،ﺒرﻴﺘﺸﺎرد .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ط ،5ﺘرﺠﻤﺔ :أﺤﻤد أﺒو زﻴـد ،اﻝﻬﻴﺌـﺔ اﻝﻤﺼـرﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤـﺔ ﻝﻠﻜﺘـﺎب ،اﻹﺴـﻜﻨدرﻴﺔ ،1975 ،
ص .13
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .357 163
ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص – ص .21-20 164
ﻋﻠﻲ ،اﻝﺠﺒﺎوي ،اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ – ﻋﻠم اﻹﻨﺎﺴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .101 166
78
ﻋﺒد اﻝﺤﻤﻴد ،ﻝطﻔﻲ .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .82 167
ﺤﺎﻤد ،أﺒو زﻴد .اﻝطرﻴق إﻝﻰ اﻝﻤﻌرﻓﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص -ص .24-23 168
ﻋﺒد اﻝﺤﻤﻴد ،ﻝطﻔﻲ .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .96 169
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .259 170
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص -ص .346-345 171
ﻤﻴﻠﻔﻴل .ج ،ﻫرﺴﻜوﻓﻴﺘز .أﺴس اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .32 172
راﻝف ،ﻝﻴﻨﺘون .اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأزﻤﺔ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤدﻴث ،ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ،ص .25 175
79