You are on page 1of 190

‫المقدمة‬

‫جاءت أول معركة شاملة بين العرب وإ سرائيل في عام ‪،1948‬وشارك فيها من‬
‫الطرف العربي جيوش الدول العربية المجاورة إلسرائيل‪ ،‬باإلضافة أيضاً آلالف‬
‫المتطوعين من البالد العربية‪ .‬أما من الطرف اإلسرائيلي فقد شاركت قوات‬
‫المنظمات الصهيونية‪ 5‬المختلفة التي كانت قد تأسست ودعمت في فترة االحتالل‬
‫البريطاني لفلسطين قبل إعالن قيام دولة إسرائيل عام ‪.1948‬‬

‫وكانت نتيجة هذه الحرب المباشرة هزيمة العرب ووقوع كارثة التهجير الفلسطيني‬
‫وتشريد الشعب الفلسطيني وتحول أكثريته لالجئين‪ .‬وأهم أسباب هزيمة الطرف‬
‫العربي الصراعات العربية التي منعت من التنسيق الحقيقي‪ ،‬وتبعية قيادات الجيوش‬
‫العربية لدول أجنبية‪ ،‬إضافة للدعم الغربي للدولة الصهيونية‪ 5‬الناشئة‪ ,‬ومن هذا نحاول‬
‫في هذه الدراسة توضيح أن الصراع العربي اإلسرائيلي قد مر منذ بدايته بعدة‬
‫مراحل؛ بداية من أول موجة من موجات الهجرة الجماعية لليهود إلى فلسطين‪،‬حتى‬
‫عام ‪،2014‬وسوف يوضح الجزء األول من الدراسة بداية الصراع العربي‬
‫اإلسرائيلي عام ‪ 1948‬حتى عام ‪ 1973‬وحتى العدوان على لبنان عام ‪1978‬‬
‫والموقف اللبناني من هذا الصراع‪ ،‬والجزء الثاني يوضح الفترة الخاصة بالصراع‬
‫اللبناني اإلسرائيلي من عام ‪1982‬حتى عام ‪ 2005‬وهي الفترة التي تلت االنسحاب‬
‫اإلسرائيلي من لبنان عام ‪ 2000‬وحتى نشوب الحرب في لبنان عام ‪ 2006‬وما‬
‫بعدها‪،‬ويوضح األبعاد المختلفة لهذه الحرب‪.‬‬

‫الدراسة ناظرة إلى الداخل اإلسرائيلي عن طريق رصد وتحليل أثر الحرب‬
‫اإلسرائيلية اللبنانية عام ‪ 2006‬على القوى السياسية اإلسرائيلية المختلفة‪ ،‬وما تركته‬
‫هذه الحرب من تداعيات بصفة عامة على إسرائيل بوصفها دولة ومجتمع‪ ،‬وبصفة‬
‫خاصة على ما خلفته من آثار على األحزاب والقوى السياسية في إسرائيل في أثناء‬
‫هذه الحرب وبعدها‪ .‬ونحاول من خالل هذه الدراسة تحلي َل آراء التيارات السياسية‬
‫في إسرائيل تحليالً موضوعياً ومعرفةَ مدى تأثير هذه الحرب على المجتمع ومدى‬
‫تأثير هذه التيارات على الرأي العام في إسرائيل‪ .‬وأخيراً سوف تلقي الدراسة النظر‬

‫‪1‬‬
‫على مستقبل الصراع العربي اإلسرائيلي بصفة عامة والصراع اللبناني اإلسرائيلي‬
‫بصفة خاصة‪ ,‬وقد ألقينا النظر في هذه الدراسة على ما يحدث في سوريا بعد نشوب‬
‫الحرب الدائرة بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة ودور حزب اهلل في تلك‬
‫الحرب وموقف إسرائيل من هذا التدخل‪.‬‬
‫مشكلة الدراسة ‪-:‬‬
‫رغم التوسع اإلسرائيلي على حساب الدول المحيطة بها إال أن المحاولة اإلسرائيلية‬
‫في (لبنان ‪ )2006‬جاءت بنتائج عكسية على الداخل اإلسرائيلي‪ ،‬حيث فجرت العديد‬
‫من الخالفات والقضايا وأثرت في مستقبل العديد من القوى واألطراف اإلسرائيلية‪,‬‬
‫وتسعى الدراسة هنا إلى التعرف على المشكالت التي تسببت في الحرب على لبنان‬
‫عام ‪ 2006‬على المجتمع اإلسرائيلي بصفة عامة والتيارات والقوى السياسية‬
‫اإلسرائيلية بصفة خاصة‪.‬‬
‫أهمية الدراسة‪- :‬‬
‫تكمن أهمية الدراسة في أنها تتناول قضية ال تزال تداعياتها مستمرة ‪ .‬وهي تعد من‬
‫أهم القضايا على المستوى اإلقليمي بل والدولي‪،‬أال وهي قضية الصراع العربي‬
‫اإلسرائيلي بصفة عامة والصراع‪ 5‬اللبناني اإلسرائيلي بصفة خاصة‪ .‬وتكمن أهمية‬
‫الدراسة في أنها تتناول أثر الحرب اللبنانية اإلسرائيلية ‪ 2006‬على التيارات والقوى‬
‫السياسية في إسرائيل وكيف أنها كانت تنتقد سياسة الحرب التي كان ينتهجها رئيس‬
‫الوزراء اإلسرائيلي في هذا الوقت‪.‬‬
‫أهداف الدراسة‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬أهداف علمية ‪-:‬‬

‫‪ -1‬إلقاء النظر على الصراع العربي اإلسرائيلي بصفة عامة والبحث في دور‬
‫لبنان في الحروب التي خاضتها إسرائيل مع الدول العربية ‪.‬‬

‫‪ -2‬التعرف على الموقف اإلسرائيلي بشكل عام من الصراع اإلسرائيلي – اللبناني‬


‫وخصوصاً في الحرب األخيرة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -3‬التعرف على مستقبل الصراع اإلسرائيلي – اللبناني الذي أصبح يمثل محوراً‬
‫مهما من محاور الصراع العربي – اإلسرائيلي‪.‬‬
‫ًّ‬

‫ثانياً‪ :‬أهداف عملية ‪-:‬‬

‫أ ‪ -‬إلقاء النظر على أثر الحرب على لبنان على المؤسسة العسكرية خاصة بعد‬
‫انتهاء الحرب‪.‬‬

‫ب ‪ -‬التعرف على االتجاهات اإلسرائيلية الداخلية واستكمال الجهود التي تسعى‬


‫لدراسة المجتمع اإلسرائيلي من الداخل‪.‬‬

‫‪ -4‬البحث في أثر هذه الحرب على التسوية السلمية بين إسرائيل والدول العربية‬
‫بصفة عامة ولبنان بصفة خاصة بعد التغير الذي ظهر أثناء الحرب عام‬
‫‪ 2006‬في إستراتيجية المقاومة‪.‬‬
‫أسئلة الدراسة ‪-:‬‬
‫ثمة سؤال جوهري تقوم عليه هذه الدراسة يتلخص فيما يلي ‪-:‬‬
‫َّ‬
‫ما أثر الحرب اإلسرائيلية – اللبنانية ‪ 2006‬على الداخل اإلسرائيلي بصفة عامة‬
‫وعلى القوى السياسية اإلسرائيلية بصفة خاصة؟‬

‫أسئلة فرعية ‪-:‬‬

‫‪ -1‬ماذا يمثل الوضع اللبناني في مسيرة الصراع العربي – اإلسرائيلي؟‬

‫‪ -2‬ما موقف الداخل اإلسرائيلي من الصراع اإلسرائيلي – اللبناني خاصةًفي ما‬


‫يتعلق باالنسحاب اإلسرائيلي عام ‪2000‬؟‬

‫‪ -3‬ما هو الدور الذي يلعبه حزب اهلل في األزمة السورية وما هو موقف إسرائيل‬
‫من ذلك؟‬

‫‪ -4‬ما مستقبل الصراع اإلسرائيلي – اللبناني ؟‬

‫‪3‬‬
‫صعوبات الدراسة ‪-:‬‬
‫تعاني المكتبة العربية من ندرة المراجع والكتابات المهتمة بالداخل‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلسرائيلي ‪.‬‬

‫نظرا لحداثة الحرب األخيرة‪.‬‬


‫الكتابات المتخصصة قليلة ً‬ ‫‪-2‬‬
‫المنهج المستخدم ‪-:‬‬
‫الصراع‬
‫ِ‬ ‫تقوم هذه الدراسة على أساس استخدام المنهج التحليلي‪،‬وسأقوم بتحليل‬
‫العربي اإلسرائيلي من خالل التطور التاريخي لهذا الصراع منذ بداية الهجرة‬
‫ِ‬
‫والرؤية اإلسرائيلية لهذا الصراع‪ ،‬كما سأقوم بتحليل‬ ‫الجماعية لليهود حتى اآلن‬
‫الصراع اللبناني اإلسرائيلي المتجدد من خالل الصراع اللبناني اإلسرائيلي عام‬
‫‪ 2000 -1982‬واالنسحاب اإلسرائيلي من لبنان عام ‪ 2000‬وتجدد الصراع بعد‬
‫ذلك حتى ‪ 2006‬وما نتج عن هذا الصراع المتجدد على المستوى العربي‬
‫والدولي‪،‬وسأقوم بتحليل أهداف ونتائج الصراع العربي اللبناني –‬
‫اإلسرائيلي‪،‬ويتضح‪ 5‬هذا التحليل ونتائجه من معرفة أثر العدوان اإلسرائيلي على لبنان‬
‫على الداخل اإلسرائيلي وعلى الرأي العام اإلسرائيلي والتيارات السياسية‬
‫اإلسرائيلية؛ وأولها إضراب المعارضة اإلسرائيلية التي كانت سبباً في إحداث‬
‫المشاكل الداخلية داخل إسرائيل‪.‬‬
‫الدراسات السابقة ‪-:‬‬
‫ثمة دراسة واحدة حول موضوع الصراع اللبناني اإلسرائيلي‪ ،‬إال أنها اهتمت‬
‫بصراعات أخرى مثل الصراع المصري اإلسرائيلي (يونيو ‪ – 1967‬أكتوبر‬
‫‪ ،)1973‬وهذه الدراسة عبارة عن رسالة ماجستير َّ‬
‫قدمتْها دالل محمود السيد عام‬
‫‪ ،2003‬وكانت بعنوان "اإلدارة اإلسرائيلية لألزمات اإلستراتيجية في الصراع‬
‫العربي اإلسرائيلي (أزمة مايو ‪ /‬يونيو ‪ – 1967‬وأزمة أكتوبر ‪ – 1973‬وأزمة‬

‫‪4‬‬
‫لبنان ‪ ،")1982‬وكانت تحت إشراف األستاذ الدكتور مصطفى علوي أستاذ العلوم‬
‫السياسية بكلية االقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ‪.‬‬

‫وقد اهتمت صاحبة الرسالة بكيفية إدارة إسرائيل لهذه األزمات‪ ،‬ولم تهتم بالصراع‬
‫مع لبنان ككل‪ ،‬أما الدراسة التي نحن بصددها اآلن فهي تختلف عن الدراسة السابقة؛‬
‫حيث أنها تبحث في أثر العدوان اإلسرائيلي على لبنان وعلى التيارات والقوى‬
‫واألحزاب السياسية في إسرائيل ومدى تأثير الحرب األخيرة على الداخل اإلسرائيلي‬
‫وعلى صانعي القرار داخل إسرائيل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل األول‬
‫لبنان والقضية الفلسطينية ‪1982 -1948‬‬

‫‪6‬‬
‫المبحث األول‪ :‬لبنان وإعالن قيام دولة إسرائيل‬
‫بعد انتهاء الحرب العالمية األولى وإ ضعاف قوة الدولة العثمانية حكمت‬
‫بريطانيا فلسطين منذ عام ‪ ،1917‬بعدها قام البريطانيون بإعطاء وعد لليهود بإقامة‬
‫وطن قومي لهم في فلسطين‪ ,‬وهو ما يسمى بوعد بلفور ‪ ،‬بعده مباشرة بدأ عدد‬
‫المهاجرين اليهود إلى فلسطين في االزدياد‪ ،‬إال أن البريطانيين قد وعدوا السكان‬
‫العرب بحفظ حقوقهم المشروعة التي تخص امتالكهم لألراضي ‪ ،‬وتزايدت موجات‬
‫الهجرة اليهودية إلى فلسطين ؛ فأثر بالسلب على حفظ حقوق السكان العرب‪ ،‬وبدأت‬
‫عمليات مقاومة محدودة من قبل العرب الموجودين في فلسطين لمواجهة هذه‬
‫الموجات التي تريد احتالل أراضيهم ‪ ،‬مما دفع القوات البريطانية التخاذ مواقف‬
‫متشددة ضد السكان العرب(‪ .)1‬وكانت هناك معارضة عربية شديدة تجاه الموقف‬
‫البريطاني إزاء اليهود الذين يتزايدون بأعداد كبيرة في فلسطين ‪ ،‬ومما زاد من شدة‬
‫المعارضة العربية ازدياد عدد المهاجرين اليهود خاصة في عام ‪ ،1936‬وبعد أن‬
‫صرح بلفور بوعده لليهود بدأت التحركات في الدول العربية تجاه هذا الوعد ‪ ،‬وحدث‬
‫كثير من المفاوضات ‪ ،‬ومن أهم هذه المفاوضات اجتماع في أكتوبر عام ‪1937‬م‬
‫حيث ُع ِق َد في القاهرة المؤتمر البرلماني الدولي العربي الذي حضره ممثلو الشعوب‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬ولكن شاب هذا المؤتمر خالفات أساسها أطماع كل من البيتين الملكيين‬
‫في مصر والعراق ‪ ،‬ولكن سرعان ما اتفقوا على قرارات حاسمة منها‪ :‬إجماعهم‬
‫‪11‬‬
‫عاما‪www.mbc.com‬‬
‫‪ .‬الصراع العربي اإلسرائيلي في خمسين ً‬
‫‪7‬‬
‫على أن وعد بلفور(‪ )2‬لليهود باطل ‪ ،‬وليس له أساس من الصحة‪ ،‬وأنه ليس له الحق‬
‫في أن يتحكم في مصير الشعوب‪ ،‬وأن األراضي الفلسطينية عربية‪ ،‬وليس ألي أحد‬
‫الحق في تقسيم هذه األراضي‪.‬‬

‫وفي أكتوبر عام ‪ 1938‬انعقد في القاهرة أيضاً المؤتمر النسائي العربي مما أظهر‬
‫دور المرأة في المجتمع العربي ‪ ،‬وأنها لها الحق في إبداء الرأي في أهم المواقف‬
‫الدولية ‪ ،‬وقد رأس هذا المؤتمر رئيس االتحاد النسائي المصري السيدة هدى‬
‫شعراوي‪.‬‬

‫وقد انعقد هذا المؤتمر بناء على خطاب من لجنة السيدات العربيات بالقدس في أواخر‬
‫عام ‪ ،1936‬وذلك بعد اشتعال الثورة الفلسطينية مما اضطر االتحاد إلى إرسال‬
‫خطابات إلى الدول العربية لجمع التبرعات لمساندة الثورة ‪ ،‬ومما أثر في نفس هدى‬
‫شعراوي وحثها على القيام بذلك كلمات الخطاب حيث جاء فيه‪" :‬أتتهود األرض‬
‫المقدسة وفى مصر خمسة عشر مليوناً من المسلمين والعرب؟ اللهم أيقظ مصر من‬
‫سباتها لترى هول الفاجعة وفداحة النازلة"؛ فأرسلت هدى شعراوي على الفور خطاباً‬
‫إلى مصطفى النحاس تحثه على اتخاذ موقف التأييد تجاه عرب فلسطين(‪.)3‬‬

‫مالحظ في المواقف‬
‫وفي عام ‪ 1945‬بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأ تحول َ‬
‫العربية تجاه الوضع الفلسطيني؛ حيث اجتمعت بعض الدول العربية على تأسيس‬
‫منظمة تعمل على تنظيم العمل العربي وهي جامعة الدول العربية ‪ ،‬التي لم تشر‬
‫بوضوح في ميثاقها إلى حق البلدان العربية غير المستقلة في الحصول على استقاللها‬
‫وتقرير مصيرها‪ ،‬وال إلى التزام محدد من قبل الجامعة نحو هذه البلدان‪ ,‬فالمادة‬
‫عاما‪ ،‬ولم تذكر َّ‬
‫أن من بين‬ ‫الثانية من الميثاق التي حددت أهداف الجامعة جاء نصها ًّ‬
‫أهدافها دعم حركات التحرر في البلدان العربية األخرى حتى تصل إلى االستقالل‬
‫التام‪ ,‬والمادة الرابعة نصت على حق هذه البلدان في المشاركة في اللجان الدائمة‬

‫‪ .22‬توفيق أبو بكر‪ ،‬الصهيونية و إسرائيل والحقائق من هرتسإللى رابين‪ ،‬الكويت‪ :‬شركة كاظمة‪.1977 ،‬‬
‫‪ .33‬طارق البشرى‪ ،‬الحركة السياسية في مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬صـ‪326 ، 320‬‬

‫‪8‬‬
‫التابعة لمجلس الجامعة(‪ )4‬ولكن بصورة اختيارية ؛ ومن جهة أخرى فإن الملحق‬
‫الخاص بالتعاون مع البالد العربية غير المشتركة في مجلس الجامعة تدارك إلى حد ما‬
‫أحداث التظاهر واالستنكار في لبنان رداً على الكتاب األبيض عام ‪ 1939‬الذي‬
‫أصدرته الحكومة البريطانية حيث عقد المجلس النيابي جلسة في السابع من مايو‬
‫‪ 1946‬تناول فيها الموضوع‪ ,‬وأقر باإلجماع اقتراحاً باستنكار تقرير لجنة التحقيق‬
‫المشتركة‪ ،‬وقد أعلن رئيس الوزراء خالل جلسة المجلس النيابي رفضه لتوصيات‬
‫اللجنة‪ ,‬ولكن لم يؤثر هذا االجتماع في القضية الفلسطينية التي وصلت إلى طريق‬
‫مسدود‪ ،‬وليست هناك حلول متاحة عربية لحل المشكلة‪ ،‬مما أدى إلى عقد اجتماع‬
‫نظرا ألهمية القضية‬
‫آخر لجامعة الدول العربية الذي اتصف باالجتماع الخطير ً‬
‫المطروحة على طاولته‪ ،‬وقد عقد في ‪ 28‬مايو ‪ 1946‬بمصر‪ ،‬تمثل فيه لبنان بوفد‬
‫رسمي رفيع على رأسه بشارة الخوري رئيس الجمهورية‪ ،‬وفي ختام االجتماع أصدر‬
‫بياناً بصدد القضية الفلسطينية أشاروا فيه إلى أن القضية الفلسطينية ليست خاصة‬
‫بعرب فلسطين فقط‪ ،‬بل هي قضية العرب جميعاً (‪.)5‬‬

‫وقد كلفوا األمين العام لجامعة الدول العربية أن يحمل إلى مجلس الجامعة نتائج‬
‫أبحاثهم ومداوالتهم ؛ ليتخذ أفضل الوسائل لصيانة مستقبل هذا الوطن العزيز على‬
‫قلوب العرب أجمعين‪.‬‬

‫وفي الفترة من ‪ 12 : 8‬يونيو ‪ 1946‬عقدت جامعة الدول العربية اجتماعاً بسورية‬


‫(‪)6‬‬
‫وقد حضر أيضاً‬ ‫للنظر في تقرير لجنة التحقيق ونتائجه‪ ،‬وخطة العرب لمواجهته‪,‬‬
‫وفد لبناني يتألف من سعدى المنال‪ ,‬فيليب تقال ‪ ,‬صائب سالم ‪ ,‬سامى الخورى ‪ ,‬وفي‬
‫الختام اتخذت قرارات منها‪:‬‬
‫‪ .44‬حسين شريف‪ ،‬فلسطين من عصر ما قبل التاريخ حتى انتفاضة األقصى وتوابعها‪،‬القاهرة ‪ :‬الهيئة المصرية‬

‫العامة للكتاب ‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .55‬توفيق أبو بكر‪ ،‬الصهيونية وإ سرائيل والحقائق من هرتسل إلى رابين‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ .66‬د‪ .‬أحمد خليل محمود‪ ،‬لبنان في جامعة الدول العربية ‪ ،1958 – 1945‬المركز العربي لألبحاث والتوثيق‪ ،‬صـ ‪111‬‬
‫إلى صـ ‪116‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -1‬طلب التفاوض مع الحكومة البريطانية ألجل إنهاء الحالة الراهنة في فلسطين‪.‬‬

‫‪ -2‬تأليف لجنة دائمة في أمانة الجامعة لإلشراف على سير القضية‪.‬‬

‫وقد اتخذت قرارات اتصفت بالسرية وهي ‪:‬‬

‫‪ -1‬عدم السماح للدولتين أو إحداهما أو رعاياهما بأي امتياز اقتصادي‪.‬‬

‫‪ -2‬عدم تأييد مصالحهما الخاصة في َّأية هيئة دولية‪.‬‬

‫ونرى هنا قصوراً في هذه المسألة حين نص على ضرورة تعاون المجلس مع‬
‫الحكومة البريطانية إلى أبعد مدى‪ ,‬ذلك على اعتبار أن هذا األمر يحقق مصالح‬
‫القضية الفلسطينية‪ ,‬وبالرغم من ذلك نرى أن الدور اللبناني في جامعة الدول العربية‬
‫ال ينفصل عن دور الجامعة نفسها بالنسبة للقضية الفلسطينية‪،‬فلبنان بما أنها دولة‬
‫مؤسِّسة للجامعة لها دور كبير في كثير من قرارات الجامعة‪ ،‬فهي من الدول العربية‬
‫السبع التي أعدت بروتوكول اإلسكندرية وأقرته‪ ،‬ومن بعده ميثاق جامعة الدول‬
‫العربية الذي ُع ّـد نهجاً صارت به الجامعة في تحقيق أهدافها ‪ ،‬و لم يكن لبنان أقل‬
‫حرصاً من الدول العربية األخرى على العمل لتحقيق أهداف جامعة الدول العربية من‬
‫أجل القضية الفلسطينية‪.‬‬

‫وكان من أبرز القرارات التي اتخذتها جامعة الدول العربية ولبنان حيال هذه القضية‪:‬‬

‫‪ -1‬العمل على إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين‪.‬‬

‫‪ -2‬مقاطعة المنتجات الصهيونية‪5.‬‬

‫‪ -5‬العمل على استقالل فلسطين السياسي وانضمامها إلى الجامعة العربية‬


‫عضوا له كامل الحقوق‪.‬‬
‫ً‬ ‫بوصفها‬

‫وعقدت جامعة الدول العربية دورتها الثالثة‪ ،‬وقد اشترك لبنان بوفد ضم ‪ :‬سامي‬
‫الصلح رئيس الحكومة ‪ ،‬وجبرائيل المر نائب رئيس الحكومة ‪ ،‬وفؤاد عموم وزير‬
‫الخارجية ‪ ،‬وسامي الخوري وزير لبنان المفوض في مصر ‪ ،‬وبعد ساعات طويلة‬
‫من النقاش من األعضاء اتخذوا بعض القرارات؛منها تشكيل لجنة من ممثلين لجميع‬

‫‪10‬‬
‫الدول األعضاء ‪ ,‬وعلى الجانب اآلخر تشكلت لجنة أمريكية – بريطانية مشتركة‬
‫هدفها إيجاد حل لهذه القضية‪ ،‬حيث قامت بزيارة فلسطين وبعض الدول العربية ‪ ,‬وقد‬
‫ظهر دور لبنان(‪ )7‬في هذا الوقت حيث قدمت الحكومة اللبنانية في مارس ‪ 1946‬إلى‬
‫اللجنة األمريكية بياناً يتضمن وقف بيع األراضي الفلسطينية إلى اليهود‪.‬‬

‫الحرب العربية اإلسرائيلية األولى مايو ‪1948‬‬

‫في ‪ 28‬من يناير ‪ 1947‬استأنف مؤتمر لندن أعماله في جو انعدم فيه التفاؤل بنجاحه‬
‫‪ ،‬مما أدى إلى ذلك اإلحساس أن بريطانيا رفضت المشروع العربي(‪ )8‬وتقدمت‬
‫بمشروع "مورميسون" من جديد بعد إضافة بعض التعديالت لصالح اليهود ‪ ,‬وقد‬
‫عرض البريطانيون هذا المشروع على العرب ‪ ,‬وكان رد فعل العرب معروفاً بالطبع‬
‫تجاه هذا المشروع‪ ,‬حيث رفض العرب هذا المشروع المنحاز إلى اليهود ‪ ,‬وقد قدمت‬
‫بريطانيا مشروعاً جديداً عرف باسم مشروع بيفن وقد رفضه العرب أيضاً ‪ ,‬مما أثار‬
‫غضب اليهود الذين رفضوا كل المشاريع المطروحة من العرب وأصروا‪ 5‬على‬
‫مشروعهم ‪ ,‬وأمام هذه الخالفات التي ال حل لها قررت الحكومة البريطانية عرض‬
‫القضية أمام هيئة األمم المتحدة ‪ ,‬وقد انتهى هذا المؤتمر على ذلك الخالف والرفض‬
‫من العرب‪،‬وقد اشترك لبنان في مؤتمر لندن بوفد ضم رياض الصلح رئيس‬
‫الحكومة‪ ،‬وقد تناقشوا في القضية الفلسطينية‪،‬وبعد فشل مؤتمر لندن اتخذتا القرارات‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬معارضة تشكيل لجنة تحقيق دولية من قبل هيئة األمم‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون بحث القضية في الهيئة على أساس إعالن استقالل فلسطين‪.‬‬

‫‪ .77‬حسين شريف‪ ،‬فلسطين من عصر ما قبل التاريخ حتى انتفاضة األقصى وتوابعها‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الهيئة المصرية‬

‫العامة للكتاب ‪2003 ،‬‬


‫‪www.eyelash.ps .88‬‬

‫‪11‬‬
‫وفي الثامن والعشرين من ابريل ‪ 1947‬انعقدت هيئة األمم المتحدة ‪ ،‬وبحثت في‬
‫القضية ‪ ،‬وفى الخامس عشر من مايو تقرر تشكيل لجنة تحقيق دولية تخص القضية‬
‫نفسها‪.‬‬

‫وفى سبتمبر ‪ 1947‬نشرت اللجنة تقريرها فجأة مناقضاً ألماني العرب وطموحاتهم ‪،‬‬
‫وعلى ذلك اجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية فيصوفو بلبنان منتصف‬
‫سبتمبر ‪ ، 1947‬وقررت رفض مقترحات اللجنة الدولية وإ رسال اعتراض إلى‬
‫أمريكا وبريطانيا ‪ ,‬وقد أرسل العرب رسالة إلى الحكومات األجنبية جاء فيها " بأن‬
‫كل قرار يتخذ بصدد قضية فلسطين دون أن ينص على قيام دولة عربية مستقلة فيها‬
‫يهدد بمشكلة كبيرة في الشرق األوسط كله ‪ ،‬مما يؤدي إلى تهديد عملية السالم في‬
‫المنطقة ‪ ،‬وأن الدول العربية عازمة على تأييد عرب فلسطين مهما تكلف ذلك األمر‬
‫من عناء وجهود من قبل حكومات العرب"(‪.)9‬‬

‫ولقد جاء عام ‪ 1947‬بكثير من األحداث على المنطقة العربية وأثارت القضية‬
‫الفلسطينية كثيراً من القضايا‪،‬ففي ‪ 29‬من نوفمبر ‪ 1947‬اتخذت الجمعية العامة‬
‫لألمم المتحدة قراراً بتقسيم فلسطين وذلك إلنشاء وطن قومي لليهود‪ ،‬وقد وافقت عليه‬
‫مجموعة الدول االشتراكية ‪ ،‬وعلى رأسها االتحاد السوفيتي ‪ ،‬وقد بدا للحركة‬
‫الشيوعية العالمية أن التقسيم عمل تقدمي يمليه الموقف ضد االستعمار ‪ ،‬وضد‬
‫الرجعية العربية ‪ ،‬ونشرت "الديليوركر" صحيفة الحزب الشيوعي البريطاني في‬
‫مارس عام ‪ 1948‬أنه يجب اتخاذ عمل قوي لتنفيذ التقسيم‪ .‬بينما توجه اليسار‬
‫السوفيتي المناصر لعملية التقسيم إلى أن يتفاهم اإلسرائيليون والفلسطينيون‪ 5‬في دولة‬
‫واحدة وتجمعهم أرض واحدة ‪ ،‬وأن كل دولة تسير في روح التقدم وأن تصبحا‬
‫جارتين متحابتين‪.‬‬

‫وفي ذات الصحيفة يهاجم "بالم وات" أحد كبار الكتاب في الحزب الشيوعي‬
‫اإلنجليزي بريطانيا ‪ ،‬والواليات المتحدة األمريكية ‪ ،‬والجامعة العربية ‪ ،‬ويصف‬
‫الزعماء العرب بأنهم إقطاعيون وفاشيون متعاونون مع االستعمار ‪ ،‬وأن الجامعة‬

‫‪ .99‬طارق البشرى‪ ،‬الحركة السياسية ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ ‪ ، 344‬صـ ‪345‬‬

‫‪12‬‬
‫العربية ترمي إلى تحويل الشعور المعادي لالستعمار إلى محاربة ستمائة ألف يهودي‬
‫‪ ،‬وأن بريطانيا استغلت الصهيونية أوالً لتفرقة صفوف العرب وإ نشاء قاعدة لها‬
‫بفلسطين ‪ ،‬ويتضح لنا من هذا التحليل أن الكاتب في هذه الصحيفة يهاجم الصهيونية‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فإن الدور الذي أدته الحركة الوطنية في الكفاح الشعبي ‪،‬‬
‫والدور المهم الذي أدته في تطور الفكر السياسي للحركة الوطنية في قضية الثورة‬
‫االجتماعية ‪ ،‬والصراع الطبقي فقد هاجمتها بعض الحركات األخرى وشككت في‬
‫(‪)10‬‬
‫اتجاهاتها السياسية نحو المصلحة الوطنية‪.‬‬

‫وبسبب قرار التقسيم الذي اتخذته الجمعية العامة لألمم المتحدة عقدت اللجنة السياسية‬
‫لجامعة الدول العربية اجتماعات عدة في القاهرة في األسبوع الثاني من شهر ديسمبر‬
‫‪ ، 1947‬وفي ختام االجتماعات أذاعت اللجنة السياسية باسم الحكومات العربية بياناً‬
‫مهما بتاريخ السابع عشر من ديسمبر ‪ 1947‬جاء فيه‪" :‬إن حكومات دول الجامعة‬
‫ًّ‬
‫العربية تقف صفاً واحداً في جانب شعوبها في نضالها ؛ لدفع الظلم عن إخوانهم‬
‫العرب ‪ ،‬وتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم ولتحقيق استقالل فلسطين ووحدتها"‪.‬‬

‫وفي لبنان وبعد أيام من صدور قرار (التقسيم) عقد المجلس النيابي جلسة‬
‫بتاريخ ‪ 5‬ديسمبر ‪1947‬خصصها للبحث في القضية الفلسطينية وتطوراتها ‪ ،‬وقد‬
‫اعترض على قرار التقسيم والسياسة المناهضة للعرب‪ ,‬وأنه ال بد أن يحصل الشعب‬
‫الفلسطيني على جميع حقوقه ‪ ،‬وأن يحصل على استقالل األراضي كاملة ‪ ،‬وال‬
‫ينقصها شبر من هذه األراضي ‪ ،‬وضرورة خروج اإلسرائيليين من هذه األراضي ‪،‬‬
‫وأنه ليس لهم حق مشروع في تلك البالد العربية‪.‬‬

‫كما أكد "رياض الصلح" قائالً‪" :‬إن خطة الحكومة صريحة ظاهرة ال يعتريها شك وال‬
‫تردد فهي بالنسبة العتبارات لبنانية خاصة ‪ ،‬والعتبارات عربية عامة بالنسبة لحياة‬
‫لبنان ومستقبله القومي ليس فقط عدم االعتراف بهذا القرار الجائر‪ ،‬بل رفضه رفضاً‬
‫تاماً ‪ ،‬بل إن خطة الحكومة الجهاد في سبيل عدم تنفيذه"(‪.)11‬‬

‫‪ .1010‬رفعت سيد أحمد‪ ،‬وثائق حرب فلسطين‪ -‬الملفات السرية للجنراالت العرب‪ ،‬ص‪ 15‬ـ ص ‪24‬‬
‫‪ .1111‬رفعت سيد أحمد‪ ،‬وثائق حرب فلسطين ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪15‬ـ ص ‪24‬‬

‫‪13‬‬
‫وفي أوائل عام ‪ 1948‬بدأ الموقف األمريكي يميل تجاه عدم التهيؤ في إعالن قيام‬
‫دولة إسرائيل بالرغم من أن الواليات المتحدة األمريكية كانت من الدول المؤيدة‬
‫لقرار الجمعية العامة لألمم المتحدة بتقسيم فلسطين ‪ ،‬وبالرغم من ذلك فقد قام "بن‬
‫جوريون" في ‪ 15‬مايو ‪ 1948‬بإعالن دولة إسرائيل؛ مما اضطر األمريكيين‬
‫لالعتراف بدولة إسرائيل‪ ،‬وهي أول دولة تعترف بوجود إسرائيل ‪ ،‬مما زاد من‬
‫وحشية العصابات اليهودية مع السكان العرب ‪ ،‬ومع تزايد أعداد الالجئين‬
‫الفلسطينيين في الدول العربية المجاورة بدأت الدول العربية في حشد قواتها‬
‫واالستعداد للهجوم على القوات اليهودية في فلسطين‪ .‬والدول التي قامت بحشد‬
‫قواتها‪ :‬مصر ‪ ،‬واألردن ‪ ،‬والعراق ‪ ،‬وسوريا ‪ ،‬ولبنان مع الفدائيين العرب من‬
‫فلسطين وآخرين ممن كانوا يحاربون القوات اليهودية منذ نوفمبر ‪ ،1947‬حينها‬
‫أصبحت الحرب نزاعاً دولياً‪ ،‬وقد أخفق العرب في منع تأسيس الدولة اليهودية ‪،‬‬
‫وانتهت الحرب باتفاقيات هدنة مرتبة من األمم المتحدة بين إسرائيل ومصر ولبنان‬
‫واألردن وسوريا(‪.)12‬‬

‫وبعد انتهاء حرب ‪ 1948‬لم تقم األمم المتحدة أو القوى الكبرى بإلزام الكيان‬
‫الصهيوني بالعودة للحدود المقترحة في قرار تقسيم فلسطين‪ ،‬وإ نما سعت إلى تثبيت‬
‫الحدود الجديدة وفق اتفاقيات هدنة عقدت من الجانب اإلسرائيلي مع مصر في ‪24‬‬
‫من فبراير ‪ ، 1949‬ثم لبنان في ‪ 23‬من مارس ‪ ،‬ثم األردن في ‪ 3‬من أبريل ‪ ،‬ثم‬
‫سوريا في ‪ 2‬من يونيو ‪ ، 1949‬وتعاملت القوى الغربية العظمى مع األراضي التي‬
‫ضمها الكيان الصهيوني إليه بالقوة في أثناء الحرب بوصفها جزءاً ال يتجزأ من هذا‬
‫الكيان‪.‬‬

‫الالجئون الفلسطينيون في لبنان‪-:‬‬

‫انتقل بعض الالجئين الفلسطينيين بعد حرب عام ‪ 48‬إلى لبنان الدولة‬
‫المجاورة لهم ‪ ،‬وقد شكلوا نسبة كبيرة تصل إلى نحو ‪ %10‬من مجموع الالجئين‬

‫‪ - www.eyelash.ps .1212‬الحروب العربية اإلسرائيلية ‪ -‬مصدر سبق ذكره‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الفلسطينيين حينها ‪ ،‬وما نسبته ‪ %10.5‬من مجموع سكان لبنان‪ ،‬وبتتبع الجداول‬
‫السكانية اللبنانية تبين وجود ‪ 12‬مخيماً فلسطينياً؛ هي‪ :‬الميه ميه‪ ،‬وبرج الشمالية ‪،‬‬
‫والرشيدية ‪ ،‬وشاتيال ‪ ،‬ومار إلياس ‪ ،‬وبرج البراجنة ‪ ،‬وعين الحلوة ‪ ،‬ونهر البارد ‪،‬‬
‫والبداوى ‪ ،‬ويقل ‪ ،‬وحنين‪.‬‬

‫وكانت منظمة االفوكا تشرف على ‪ 16‬مخيماً رسمياً‪ُ ،‬د ِّمرت منهم ثالثة في أثناء‬
‫سنوات الحرب ولم تتم إعادة بنائها من جديد‪ ،‬ونذكر بعض أسماء تلك المخيمات‪:‬‬
‫مخيم نبطين في جنوب لبنان ‪ ،‬ومخيم دكوانة وجسد الباشا في بيروت ‪ ،‬وهناك مخيم‬
‫رابع هو‪ :‬مخيم حرود في بعلبك ‪ ،‬تم إجالء أهله منه ونقلهم إلى مخيم الرشيدية في‬
‫منطقة صور‪.‬‬

‫وقد وجد إلى جانب المخيمات الرسمية المتبقية تجمعات سكانية منتشرة في عدد من‬
‫المدن اللبنانية كالبقاع ‪ ،‬وبيروت ‪ ،‬وجبل لبنان ‪ ،‬ويعاني الالجئون الفلسطينيون في‬
‫لبنان من انعدام الحقوق االجتماعية ‪ ،‬والمدنية ‪ ،‬وضعف الخدمات كالتعليم ‪ ،‬والصحة‬
‫والرعاية‪،‬وقد بدأت خدمات األنروا تتراجع في السنوات القليلة الماضية عما كانت‬
‫عليه ‪ ,‬وهي خدمات ضعيفة أصالً مما أدى إلى تردي األوضاع المعيشية للفلسطينيين‬
‫(‪)13‬‬
‫الالجئين في لبنان ‪ ,‬وكغيرها من المخيمات المنتشرة في أجزاء من الوطن العربى‬
‫وتقوم األنروا بتأمين الخدمات التعليمية في مخيمات الالجئين الفلسطينية في لبنان ‪،‬‬
‫الدوام ْين ؛‬
‫َ‬ ‫لكنها تقتصر فقط على المرحلتين االبتدائية والمتوسطة ‪ ،‬وتعتمد نظام‬
‫بسبب قلة عدد المدارس مقارنة بعدد الطالب ‪ ،‬وفي السنوات التي تلت الحرب‬
‫األهلية أدى تخلي األنروا عن تقديم التأمين الصحي والتعليمي المجاني بالكامل إلى‬
‫بروز مشاكل التسرب المدرسي ‪ ،‬وارتفاع نسبة األمية التي بلغت وفق آخر‬
‫اإلحصائيات ‪ %48‬من مجموع سكان المخيمات‪.‬‬

‫ولقد بلغت نسبة الحاصلين على الدرجات الجامعية ‪ ،%4.2‬كما يواجه‬


‫الفلسطينيون في لبنان مشكلة متابعة دراستهم في الجامعة خاصة بعد أن توقفت‬
‫منظمة التحرير عن تأمين منح دراسية في االتحاد السوفيتي (سابقاً) ودول أوربا‬

‫‪www.yabeyrouth.com .1313‬‬

‫‪15‬‬
‫الشرقية ‪ ،‬وتعامل الحكومة اللبنانية الالجئين الفلسطينيين بوصفهم أجانب‪ ،‬ولذلك فهم‬
‫محرومون من العمل في سبعين مهنة‪ ،‬األمر الذي أدي إلى تفاقم مشكلة البطالة بينهم‪.‬‬

‫لجانا شعبية تناقش مشاكلهم مع الحكومة اللبنانية‬ ‫ِّ‬


‫ويشكل سكان المخيمات ً‬
‫ومسئولي وكالة الغوث بهدف تحسين الظروف المعيشية لالجئين الفلسطينيين في‬
‫لبنان‪ .‬ومن ذلك يتضح أن مشكلة الالجئين في لبنان لن تصل إلى حل طالما هناك‬
‫تفرقة بين الالجئ الفلسطيني والمواطن اللبناني ‪ ،‬ويرى بعض المحللين السياسيين أن‬
‫القمة العربية تزيد من احتمال حدوث سالم بين المملكة العربية السعودية وإ سرائيل‪،‬‬
‫وظهر ذلك من خالل موافقة(‪)14‬السعودية على ترأس لجنة من الدول العربية‪ ،‬وأنها‬
‫ستكون مكلفة بالترويج لمبادرة عربية قائمة على مبدأ ‪ :‬األرض مقابل السالم ؛‬
‫لوضع نهاية للصراع العربياإلسرائيلي ‪ ،‬وهذا ِّ‬
‫يمكن الدول التي ليس لها عالقة‬
‫بإسرائيل من فتح قنوات دبلوماسية جديدة وهو ما ترغب فيه الواليات المتحدة‪.‬‬

‫وقد أبلغ الرئيس الفلسطيني محمود عباس الزعماء العرب في الجلسة الختامية‬
‫بضرورة أن تجري اللجنة اتصاالتها مع جميع األطراف المعنية بعملية السالم ‪ ،‬ومن‬
‫بينها إسرائيل ‪ ،‬ورفَض وزير الخارجية السعودي التخلي عن المقترحات من أجل‬
‫الترويج لمبادرة السالم العربية ‪ ،‬وأصر األمين العام للجامعة العربية عمرو موسى‬
‫على أن التطبيع لن يكون دون مقابل ‪ ،‬وحذر السعودية من تقديم أي مبرر إلجراء‬
‫ٍ‬
‫أراض احتلتها في حرب‬ ‫محادثات مع إسرائيل التي تطالبها الدول العربية بإعادة‬
‫‪ 1967‬من سوريا ولبنان وفلسطين‪.‬‬

‫وبرغم ذلك ليست هناك سوى ثالث دول عربية فقط ِتقيم عالقات دبلوماسية كاملة مع‬
‫إسرائيل‪ :‬مصر واألردن وموريتانيا ؛ برغم وجود بعض الدول األخرى التي تقيم‬
‫عالقات تجارية محدودة مع إسرائيل‪ ،‬فدخول المملكة العربية السعودية مفاوضات‬
‫سالم مع إسرائيل يعد هدفاً ناجحاً بسبب مكانتها في العالمين اإلسالمي والعربي‪.‬‬

‫‪ .1414‬الصراع العربي اإلسرائيلي في خمسين عام‪ ، www.mbc.net ،‬مصدر سبق ذكره‬

‫‪16‬‬
‫وقد أعرب المحلل مصطفى العاني المقيم في أبو ظبي أنه إذا كانت الواليات المتحدة‬
‫تتوقع من السعوديين إقامة عالقة من أي نوع مع اإلسرائيليين فإن هذا مستحيل ؛ ألن‬
‫القيادة السعودية لن تسمح بتقديم تنازالت‪،‬وغالباً ما يكون لهذا األمر آثار عكسية ؛‬
‫نظراً ألن المملكة العربية السعودية تمثل مصدر الفكر اإلسالمي السني المتشدد ‪،‬‬
‫وهو ما يوصف بالفكر الوهابي ‪ ,‬وينفذ ‪ -‬من خالل هذا ‪ -‬المتعاطفون مع القاعدة‬
‫المتأثرون إلى حد ما بالفكر الوهابي هجمات بالمملكة العربية السعودية منذ عام‬
‫‪ 2003‬بهدف إسقاط األسرة المالكة‪.‬‬

‫وقد أكد دبلوماسيون أن عدة لقاءات غير رسمية جمعت بين مسئولين إسرائيليين‬
‫واألمير بندر بن سلطان ‪ ،‬ولكن لم يعرف أحد ما إذا كانت المباحثات تقوم بموافقة‬
‫الملك عبد اهلل أم ال‪ ،‬إذ إن األمير بندر كان سفيراً للسعودية لدى واشنطن ‪ ،‬وقد أعرب‬
‫أول مرت عن أنه يرغب في حدوث تغير ثوري في رؤية الدول العربية تجاه‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وأن السعودية هي الدولة التي ستحدد في نهاية المطاف قدرة العرب على‬
‫الوصول إلى حل وسط مع إسرائيل ‪ ،‬وأن اتفاقية السالم مع الدول العربية يمكن أن‬
‫تحدث في ظرف خمس سنوات‪.‬‬

‫وأعلنت قمة بيروت العربية عام ‪ 2003‬في جلستها موافقة الدول العربية على‬
‫عالقات طبيعية مع إسرائيل على أن يتم االنسحاب اإلسرائيلي الكامل من األراضي‬
‫العربية المحتلة ‪ ،‬وقد أكدت القمة العربية على ثوابت الموقف العربي من قضية‬
‫الصراع العربي اإلسرائيلي والتمسك بالسالم العادل والشامل(‪.)15‬‬

‫وأكد القادة العرب دعمهم لصمود الشعب الفلسطيني ‪ ،‬وانتفاضته ‪ ،‬وقيادته الشرعية‬
‫والوطنية ‪ ،‬وعلى رأسها الرئيس عرفات ‪ ،‬واالقتصاد الفلسطيني ‪ ،‬وقرروا دعم‬
‫ميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية بمبلغ ‪ 330‬مليون دوالر أمريكى بواقع ‪55‬‬

‫‪ .1515‬القمة العربية تمهد‪ 5‬لعالقات عربية إسرائيلية ‪ -‬شاملة بقيادة سعودية‬


‫‪http://annabaa.org/nbanews/62/184.htm‬‬

‫‪17‬‬
‫ابتداء من إبريل عام ‪ 2002‬قابلة للتجديد التلقائي‬
‫ً‬ ‫مليون دوالر شهرياً لمدة ‪ 6‬أشهر‬
‫(‪)16‬‬
‫كل ‪ 6‬أشهر طالما استمر العدوان اإلسرائيلى‪.‬‬

‫وأدان القادة العرب إسرائيل بشدة الستمرارها في احتالل الجوالن السوري ‪ ،‬وأكدوا‬
‫تضامنهم مع سوريا ومساندة حقها في استعادة كامل الجوالن إلى خط الرابع من‬
‫يونيو عام ‪.1967‬وأكد القادة العرب دعم لبنان الستكمال تحرير أراضيه من‬
‫االحتالل اإلسرائيلي حتى حدوده المعترف بها دولياً في مزارع شبعا‪.‬‬

‫‪ .1616‬القمة العربية في بيروت‪ 29/3/2002‬تعرض عالقات طبيعية مع إسرائيل مقابل االنسحاب الكامل‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫لبنان والحروب العربية اإلسرائيلية (‪)1973 ، 1967 ، 1956‬‬

‫ال شك أن الصراع العربي اإلسرائيلي في حد ذاته ما هو إال صراع مزمن‪ ،‬ولد في‬
‫المنطقة العربية بفضل قوى االحتالل التي ساعدت الحركات الصهيونية على إنشاء‬
‫وطن قومي لليهود على أرض عربية‪ ،‬وهي أرض فلسطين التي أصبحت منبع‬
‫الصراع بين العرب وإ سرائيل‪،‬فتعددت الحروب العربية اإلسرائيلية منذ عام ‪48‬‬
‫حتى اآلن ؛ لكننا في سياق حديثنا في هذا المبحث نتحدث عن ثالث حروب بين‬
‫العرب وإ سرائيل هي حروب ‪ .)73 ، 67 ، 56( :‬والحقيقة أن هذا الصراع صراع‬
‫على البقاء ‪ ،‬وليس صراعاً على األرض ‪ ,‬وهذا في حد ذاته يقوم على أساس البقاء‬
‫لألقوى ‪ ،‬والمقصود هنا البقاء لألقوياء إدارياً وعسكرياً‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬حرب ‪: 1956‬‬

‫خالل الخمسينيات كان هناك توتر بين إسرائيل ومصر ‪ ،‬وكان الرئيس جمال عبد‬
‫الناصر قد أصبح زعيماً في العالم العربي وقد ُأممت قناة السويس في ‪1956‬‬
‫وأصبحت فرصة إلسرائيل مع بريطانيا وفرنسا لمهاجمة مصر واحتالل جزء آخر‬
‫من أرض فلسطين ‪ ،‬وهي حرب وقعت أحداثها في مصر عام ‪1956‬م حيث جاء‬
‫تأميم قناة السويس بمثابة الحجة القوية للدول المهاجمة على مصر ‪ ،‬إذ كان لكل دولة‬
‫من الدول التي أقدمت على العدوان أسبابها الخاصة للمشاركة في هذه الحرب(‪،)17‬‬
‫ومن هذه األسباب‪:‬‬

‫‪ )1‬توقيع مصر اتفاقية مع االتحاد السوفيتي تقضى بتزويد مصر باألسلحة المتقدمة‬
‫والمتطورة ؛ بهدف تقوية القوات المسلحة لردع إسرائيل ‪ ،‬مع العلم بأن توقيع هذه‬
‫االتفاقية لم يأت إال بعد رفض الدول الغربية تزويد مصر باألسلحة‪ ،‬األمر الذي أثار‬

‫‪ .1617‬هيثم الكيالني ‪www.kindheart84.maktoobblog.com‬‬

‫‪ .17‬وفيق عبدالعزيز فهمى (العدوان الثالثي والضمير العالمي) ص ‪ 55 -54‬جامعة الدول العربية‬

‫‪19‬‬
‫حماسة إسرائيل لالشتراك في هذا العدوان ؛ ألنها رأت أن تزويد مصر باألسلحة‬
‫المتطورة يهدد بقاءها‪)16( .‬‬

‫‪ )2‬دعم مصر للثورة الجزائرية ضد االحتالل الفرنسي وإ مدادها بالمساعدات‬


‫العسكرية مما أغضب فرنسا وحرضها على المشاركة في العدوان‪.‬‬

‫‪ )3‬تأميم قناة السويس الذي أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر في يوم ‪ 26‬من يوليو‬
‫عام ‪1956‬م‪ .‬هذا التأميم منع إنجلترا من التربح من القناة التي كانت تديرها قبل‬
‫‪18‬‬
‫التأميم ‪ ،‬وبذلك دخلت إنجلترا في العدوان الثالثي‪.‬‬

‫بداية العدوان الثالثي على مصر‪:‬‬

‫كانت إسرائيل مطمئنة بشأن بعض الدول العربية ‪ ،‬إما ألنها بعيدة عن حدودها ‪ ،‬أو‬
‫لعدم قدرتها عسكرياً على التصدي لها‪ ،‬ولكنها كانت تعتقد أن مصر بعد قيام ثورة‬
‫‪ 1952‬هي العقبة الحقيقية في طريق أطماعها‪ ،‬لذلك انتهزت الفرصة عندما تالقت‬
‫مقاصد االستعمار الغربي مع مقاصدها بمناسبة تأميم حكومة الثورة لشركة قناة‬
‫السويس في يوليو ‪1956‬م‪ .‬واتفقت على مؤامرة مع كل من إنجلترا وفرنسا ‪ ،‬وبدأت‬
‫القوات اإلسرائيلية تهاجم الحدود المصرية في ‪ 29‬من أكتوبر ‪1952‬م‪ .‬وأنذرت‬
‫الدولتان االستعماريتان كالً من مصر وإ سرائيل بوقف القتال ‪ ،‬على أن تقف قوات كل‬
‫ولما رفضت مصر اإلنذار‬
‫منهما على بعد أميال قليلة من جانبي قناة السويس ‪َّ ،‬‬
‫هاجمت القوات االستعمارية اإلنجليزية والفرنسية منطقة القناة لتطويق الجيش‬
‫المصري في سيناء ‪ ،‬ولكن القيادة المصرية فوتت عليهم هذا الغرض فارتدت وأخلت‬
‫سيناء ؛ حيث تقدم الجيش اإلسرائيلي واحتلها‪.‬‬

‫استمر الفدائيون من رجال الجيش باالشتراك مع الشعب في قتال القوات االستعمارية‬


‫في بورسعيد‪،‬وتدخلت األمم المتحدة ونددت بالعدوان الثالثي على مصر وطالبت‬
‫المعتدين باالنسحاب وضغطت الواليات المتحدة على كل من إنجلترا وفرنسا ‪ ،‬كما‬
‫هدد االتحاد السوفيتي الدول المعتدية ‪ ،‬باإلضافة إلى ثورة العمال العاطلين في‬
‫انجلترا وفرنسا ضد حكومتيهما بسبب ما تعرضوا له من البطالة ‪ ،‬وبذلك فشل‬
‫‪ -2( .18‬وثيقة قيادة العمليات الفدائية بمنطقة بورسعيد)‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫االعتداء واضطرت الدول المعتدية إلى سحب قواتها بعد أن وافقت مصر على قرار‬
‫األمم المتحدة بوجود قوة طوارئ دولية على الحدود الفاصلة بين مصر وإ سرائيل ‪،‬‬
‫وفي منطقة شرم الشيخ المطلة على خليج العقبة‪)19(.‬‬

‫أسباب الفشل‪:‬‬

‫من أهم أسباب فشل العدوان الثالثي على مصر شدة المقاومة المصرية والتحام‬
‫أسبابا أخرى أجبرت الدول الثالث على‬
‫ولكن هناك ً‬
‫الجيش والشعب ضد العدوان ؛ ّ‬
‫االنسحاب بسرعة؛ أهمها‪:‬‬
‫‪‬‬
‫معارضة االتحاد السوفيتي للعدوان الثالثي‪.‬‬
‫‪‬‬
‫تأييد االتحاد السوفيتي لمصر وتهديده بالتدخل العسكري لوقف العدوان‪.‬‬
‫(‪)19‬‬ ‫‪‬‬
‫وقوف الشعوب العربية إلى جانب مصر‪.‬‬

‫نتائج العدوان الثالثي‪:‬‬

‫‪ )1‬انسحاب القوات البريطانية و الفرنسية من بورسعيد في ‪ 23‬من ديسمبر ‪1956‬م‪.‬‬

‫‪ )2‬انسحاب إسرائيل متأخرةً عن سيناء في أوائل عام ‪1957‬م‪ ،‬كما انسحبت من‬
‫قطاع غزة‪.‬‬

‫‪ُ )3‬وضعت قوات طوارئ دولية على الحدود المشتركة بين مصر وإ سرائيل‪.‬‬

‫ومن هنا فإن أزمة السويس استناداً لألدبيات السياسية واإلستراتيجية للدول العظمى‬
‫هي فاتحة عصر جديد في عملية الصراع وأدواته بين القوى العظمى بعد الحرب‬
‫العالمية الثانية ‪ ،‬وظهور الواليات المتحدة األمريكية بوصفها قوة دولية طامحة لتتبوأ‬
‫مكانة مهيمنة في السياسة الدولية ‪ ،‬جاءت ضمن العالم الغربي؛ لتحتل عنوة جميع‬
‫مواقع الدول العظمى السابقة كبريطانيا وفرنسا ‪ ،‬والتي أفل نجمها بعد العدوان‬
‫الثالثي ‪ ،‬ناهيك عن صراع الوجود االستراتيجي بين الواليات المتحدة ممثلة للعالم‬
‫الغربي ‪ ،‬واالتحاد السوفيتي ممثالً للعالم الشرقي‪.‬‬

‫‪ .1919‬وفيق عبدالعزيز فهمى‪ ،‬العدوان الثالثي والضمير العالمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪66‬‬

‫‪21‬‬
‫الموقف اللبناني من العدوان الثالثي علي مصر (‪)20‬‬

‫كان الموقف اللبناني من العدوان الثالثي على مصر موقفا منددا للعدوان سواء كان‬
‫من قبل الحكومة اللبنانية أو الشعب اللبناني ‪ ،‬وجاء الرد اللبناني سريعا حيث قامت‬
‫الحكومة اللبنانية بإعالن حالة الطوارئ على أراضيها ‪ ,‬وقامت بدعوة الرؤساء‬
‫والملوك العرب لعقد مؤتمر عربي لمناقشة األزمة المصرية‪.‬‬

‫وقد اجتمع الرئيس اللبناني كميل شمعون بالسفير المصري عبد الحميد غالب الذي‬
‫أبلغه موافقة الرئيس المصري عبد الناصر على االجتماع ‪ ,‬وفي الثاني من نوفمبر‬
‫تشرين الثاني ‪ 1956‬بعد أيام قليلة من العدوان على مصر تم عقد مؤتمر وطني كبير‬
‫ببيروت برئاسة رئيس الجمهورية‪ ,‬ذلك لمتابعة تطورات األوضاع في مصر‪ ,‬وفي‬
‫هذا المؤتمر تم تأكيد وحدة الصف في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها مصر‪,‬‬
‫وذلك من القوى اللبنانية المختلفة كافة‪ ,‬وأكد الجميع في هذا المؤتمر ضرورة تناسي‬
‫الخالفات ووحدة الصف للوقوف أمام األزمة‪ ,‬وأكدوا في المؤتمر استنكار لبنان‬
‫للعدوان الغاشم على مصر وأكد جنبالط على ضرورة مقاطعة السفن البريطانية‬
‫وعدم مدها بالوقود والمؤن وأكد الرئيس اللبناني شمعون ذلك ‪)21(.‬‬

‫ومن ناحية أخ ‪55‬رى عقد المجلس الني ‪55‬ابي اللبن ‪55‬اني جلسة ن ‪55‬دد الن ‪55‬واب فيها بالع ‪55‬دوان على‬
‫مصر وق‪55 5 5‬ال الس ‪55 5‬يد إميل البس‪55 5 5‬تاني‪( :‬آمل أن تك‪55 5 5‬ون دع‪55 5 5‬وى فخامة رئيس الجمهورية‬
‫الجتماع رؤساء وملوك ال‪55‬دول العربية ظ‪55‬اهرة في الت‪55‬اريخ وخط‪55‬وة خ‪55‬ير تظهر نتائجها‬
‫في وقت قريب)‪.‬‬

‫وقد أراد النواب اللبنانيون أن تتخذ قرارات حاسمة بعد أن يجتمع الرؤساء والملوك‬
‫العرب وأكد المجتمعون ضرورة مساعدة الحكومة للمجلس على أن ينتقل الحوار من‬
‫بحث الموضوع على صعيد كالمي إلى بحثه على صعيد عمل‪ ،‬ورد رئيس الحكومة‬

‫‪ .1920‬العدوان الثالثي على مصر‪.‬‬


‫‪ .2021‬أحمد خليل محمودي‪ ،‬لبنان في جامعة الدول العربية ‪ ، 1958 – 1945‬المركز العربي لألبحاث والتوثيق‪ ،‬ص‬
‫‪223 – 222‬‬

‫‪22‬‬
‫عبد اهلل اليافي‪ ( :‬إن االتصاالت الجارية تنقسم إلى قسمين؛ قسم يتعلق بالدول العربية‬
‫وقد اطلع وزير لجنة الشؤون الخارجية على تفاصيل االتصال بها ‪ ،‬خاصة ما يتعلق‬
‫بموقف هيئة األمم المتحدة والواليات المتحدة وضرورة‪ 5‬أن تقوم الحكومة بمساعي مع‬
‫هذه الدول بالذات‪ ،‬وال سيما الدول التي أعلنت عن تعلقها بالحرية لكي تخرج بنتيجة‬
‫عملية إلى تنفيذ قرار األمم المتحدة بالطريقة السياسية والدبلوماسية)‪.‬‬

‫وفي نوفم ‪55‬بر تش ‪55‬رين الث ‪55‬اني ب ‪55‬دأ م ‪55‬ؤتمر مل ‪55‬وك ورؤس ‪55‬اء الع ‪55‬رب ال ‪55‬ذي ُد ِعي إليه لبن ‪55‬ان‬
‫بحضور وفود‪ :‬لبنان ‪ ،‬سوريا‪ ،‬األردن ‪ ،‬السعودية ‪ ،‬الع‪55‬راق ‪ ،‬ليبيا ‪ ،‬اليمن ‪ ،‬الس‪55‬ودان‬
‫‪ ،‬مصر ‪.‬‬

‫وقد افتتح الجلسة األولى الرئيس اللبناني كميل شمعون؛ رحب فيها بالحضور وأكد‬
‫الرئيس اللبناني دور مصر في الوقوف إلى جانب لبنان وكل الدول العربية في كل‬
‫األزمات‪ ،‬وجاء الدور لرد الجميل من خالل وقفة عربية مثالية لمناصرة مصر في‬
‫الدفاع عن حقوقها‪،‬وأكد وعي لبنان بخطورة الوضع الراهن وتأكيدها ضرورة توحيد‬
‫الصف للوقوف أمام تلك األزمة الصعبة ‪ ,‬وضرورة اتخاذ موقف سياسي موحد‪.‬ومن‬
‫هنا يتضح الموقف الرسمي والشعبي المؤيد لمصر والمساند بقوة السترداد الحق‬
‫المصري والعربي المغتصب‪)22(.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬حرب ‪: 1967‬‬

‫‪ . 2122‬أحمد خليل محمود (لبنان في جامعة الدول العربية)‪ ،1958 – 1945 ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪225– 224‬‬

‫‪23‬‬
‫اتسمت الدول العربية االشتراكية في الستينيات بنظم الثورة التقدمية التي ترفض‬
‫السيطرة عليها ‪ ،‬وتسعى دائماً لتبني مواقف مستقلة عن َّأية قوة عظمى ‪ ،‬حتى االتحاد‬
‫ألي من المعسكرين ‪ ،‬وقد لجأت الدول العربية‬
‫السوفيتى ‪ ،‬وأنها دول غير منحازة ٍّ‬
‫إلى المعسكر الشرقي بعد الخالفات مع المعسكر الغربي حول تمويل السد العالي في‬
‫مصر ‪ ،‬وقد ظهر هذا الدور بوضوح أيضاً عند امتناع الواليات المتحدة توريد القمح‬
‫لمصر والدول العربية ‪ ،‬وتوريد األسلحة للنظم الثورية في مصر ؛ لذلك أصبحت‬
‫العالقات الجيدة للواليات المتحدة مع الدول العربية ال مكان لها ؛ في ظل وجود‬
‫االتحاد السوفيتي الذي يقدم السالح والدعم السياسي الدولي ‪ ،‬وإ ذا تحقق نصر واضح‬
‫للدول العربية فهذا يعطى فرصة لالتحاد السوفيتى ليصبح أكثر قوة واستغالالً‪،‬‬
‫باإلضافة إلى أنه ليست هناك مصلحة لالتحاد السوفيتى لتعرض إسرائيل للخطر أو‬
‫الهجوم العربي‪.‬‬

‫وكانت اإلدارة اإلسرائيلية لألزمة تدرك أن االتحاد السوفيتي لن يتدخل عسكرياً‬


‫لصالح الدول العربية‪ ،‬فيقول موشى ديان‪" :‬إن االتحاد السوفيتي لن يتدخل عسكرياً‬
‫وسوف يقتصر رد فعله على الدعم السياسي للعرب"‪ ،‬وتركت هذه المالمح تأثيرها‬
‫على دور االتحاد السوفيتي في أزمة ‪ .1967‬وقد ظهر هذا بوضوح من خالل ‪:‬ن ْقل‬
‫معلومات غير صحيحة إلى الدول العربية بشأن وجود حشود عسكرية إسرائيلية على‬
‫الحدود مع سوريا مما أسهم في تصعيد األزمة ‪ ،‬وظهرت المساندة السوفيتية – للدول‬
‫العربية – عندما أكدت تقارير المخابرات السوفيتية العسكرية نجاح الهجوم المضاد‬
‫اإلسرائيلي على الجبهة المصرية ‪ ،‬وأن اإلسرائيليين عبروا القناة واخترقوا الحدود‬
‫الدفاعية لمصر‪.‬‬

‫ومن خالل أزمة ‪ 1967‬كانت عالقة االتحاد السوفيتي بكل من الواليات المتحدة‬
‫والدول العربية ‪ ،‬هي أن عالقتها عسكرية مع الدول العربية التي كانت تدعمها ؛‬
‫لكنها لم تمثل تهديداً فعلياً على مساندة الواليات المتحدة إلسرائيل‪ ،‬وزادت إسرائيل‬
‫من مطالبها للواليات المتحدة إلمدادها باألسلحة ‪ ،‬رغم أن إسرائيل لديها ما يكفي من‬

‫‪24‬‬
‫السالح لمدة ثالثة أسابيع على األقل وفقاً لتقديرات وزير الدفاع األمريكي وقت‬
‫األزمة‪.‬‬

‫وقد اعتمدت إسرائيل من خالل حروبها األخيرة على نظام دقيق لإلنذار المبكر يتيح‬
‫لها فرصة للتعرف على أي هجوم عربي محتمل قبل وقوعه بحوالي ‪ 48‬ساعة‬
‫التخاذ رد الفعل المناسب‪ .‬ومن خالل أزمة ‪ 1967‬ظهرت إدارة إسرائيل لألزمتين‬
‫بشكل مختلف(‪)23‬عن الحروب األخرى مثل ‪.1956 ،1948‬‬

‫موقف لبنان من حرب ‪:1967‬‬

‫نالحظ أن دور لبنان في أزمة ‪ 1967‬كان محدوداً نظراً النشغال البالد باألوضاع‬
‫الداخلية فيها ‪،‬ويظهر ذلك عندما أحرق اإلسرائيليون ثالث عشرة طائرة تابعة‬
‫لشركات طيران الشرق األوسط في مطار بيروت الدولي ‪ ،‬ولم يتدخل الجيش اللبناني‬
‫عندئذ‪ ،‬وكان ذلك في الثامن والعشرين من كانون األول ديسمبر من عام ‪.1968‬‬

‫وإ بان نكسة ‪ 1967‬عندما قامت البالد العربية بقطع عالقاتها مع واشنطن للتعبير عن‬
‫غضبها تجاه المساعدة األمريكية إلسرائيل ‪ ،‬وعدم مشاركة لبنان في هذه المقاطعة ‪-‬‬
‫نتيجة لذلك قامت السفارة األمريكية في بيروت بتتبع األحداث في العالم العربي‬
‫بأكمله‪ ،‬وبدأ صانعو السياسة فيأمريكا يهتمون بلبنان في الوقت الذي استحوذ‬
‫الفلسطينيون على إعجاب واشنطن لما قامت به مع الدول العربية المهزومة أمام‬
‫الضربة اإلسرائيلية ‪ ،‬فالفلسطينيون أصبحوا القوة الديناميكية في الشرق األوسط‬
‫تمت عمليات‪،‬كاختطاف للطائرات‬
‫وأصبحوا قادرين على خلخلة األوضاع؛ لذا ْ‬
‫التجارية والهجوم على المواطنين اإلسرائيليين في الداخل والخارج ‪ ،‬والهجوم على‬
‫الدولة اليهودية التي أصبحت مادة للعناوين البارزة في الصحافة في ذلك الوقت‪.‬‬

‫وقد تم عقد اتفاق القاهرة في نوفمبر من عام ‪ 1969‬الذى تم بين منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية والحكومة اللبنانية بوساطة عبد الناصر ‪ ،‬حيث سجل عدم الرجوع‬

‫‪ .2323‬دالل محمود السيد‪ ،‬اإلدارة اإلسرائيلية لألزمات اإلستراتيجية‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‪،‬‬
‫‪ 2003‬ص‬

‫‪25‬‬
‫للسياسة اللبنانية ‪ ،‬ومعاملة منظمة التحرير بوصفها دولة داخل دولة ‪ ,‬مما أدى إلى‬
‫عدم تكامل السيادة اللبنانية على أرض لبنان ‪ ،‬وكانت المنظمة في ذلك الوقت مسئولة‬
‫عن مخيمات الالجئين الفلسطينيين في لبنان وأمنها ‪ ،‬وإ دارتها ‪ ،‬وكان الفدائيون‬
‫مسموحاً لهم بإقامة قواعد حربية ومخيمات ؛ لتدريبهم في منطقة العرقوب على‬
‫الحدود السورية اإلسرائيلية بالقرب من جبل الشيخ ‪ ،‬وكان يسمح للفدائيين بالتحرك‬
‫داخل المنطقة تحت إشراف الجيش اللبناني في القطاع المركزي المواجه للجليل ‪،‬‬
‫وقد قام الفدائيون بتجاوز الحدود ؛ مما أدى إلى قلق المسيحيين اللبنانيين ونواب‬
‫البرلمان‪)24(.‬‬

‫وقد أبدى السياسيون األمريكيون أسفهم الهتمام واشنطن الرسمي باللبنانيين‬


‫والفلسطينيين واعتبروه عمالً غير سياسي أن تقوم واشنطن بإجراء محادثات مع‬
‫منظمة التحرير؛ مما أثار هنري كيسنجر ‪ ،‬وتعهد بعدم تفاوض الواليات المتحدة مع‬
‫معها(‪.)25‬‬

‫ولم يرغب المسيحيون اللبنانيون في أن يكون لديهم جيش وطني ‪ ،‬فهؤالء التجار‬
‫الذين يدعون أنهم أحفاد الفينيقيين ال يريدون اإلنفاق على جيش كهذا ‪ ،‬وال يريدون‬
‫إغضاب إسرائيل‪ ،‬وكذلك خوفاً من حدوث انقالبات مثلما(‪)26‬حدث من قبل‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1970‬توقف جوزيف سبيكار الذى كان مساعداً لوزير الخارجية في شئون‬
‫الشرق األوسط وجنوب آسيا مع سكرتيرته والتي كانت لديها انطباع بأن لبنان لم تكن‬
‫لديها قوة تستطيع أن تفرض األمن والنظام (‪)27‬والسلطة ‪ ،‬لذلك قامت واشنطن بِ َحث‬
‫حكومة سليمان فرنجية على ضرب الفلسطينيين قبل تفشى األمر تشبهاً بما قام به‬
‫األردنيون ‪ ،‬وقام بضرب الفلسطينيين ‪ ،‬وبلغ عددهم ‪ 25‬ألف فلسطيني على الجبال‪،‬‬

‫‪ .2424‬مركز المعلومات العربي‪ ،‬الفلسطينيون في لبنان –الطبعة ‪ – 15‬بيروت ‪ – 1995 :‬ص‪78‬‬


‫‪ .2525‬مركز العودة الفلسطيني السياسة الرسمية تجاه الالجئين الفلسطينيين في لبنان –لندن‪ ،‬نشرة المركز‬
‫‪ ، 2002‬ص ‪2‬‬
‫‪ .2626‬سهيل الناطور‪ ،‬أوضاع الشعب الفلسطيني في لبنان كما يعرفها باحثون فلسطينيون ‪،‬جريدة النهار اللبنانية‪،‬‬
‫عدد ‪ 26‬مايو ‪1995‬‬

‫‪ .2727‬جوناثان راندال‪ ،‬حرب األلف عام فى لبنان‪ ،‬ترجمة فنزرى الشعار ‪ ،‬دار المروج‪ ،1984 ،‬صـ ‪71‬‬

‫‪26‬‬
‫وانتصر فيها الملك حسين ‪ ،‬وكان ذلك ما بين ‪ ،1971 – 1970‬بعدها قامت‬
‫إسرائيل بغارة على قلب بيروت ‪ ،‬وقتلت ثالثة من كبار الفلسطينيين دون أن تواجه‬
‫َّ‬
‫بأية مقاومة من الجيش اللبناني‪.‬‬

‫ونتيجة لهذه االغتياالت قام رئيس الوزراء بتقديم استقالته ‪ ,‬إلى جانب امتناع الجيش‬
‫اللبناني عن اتخاذ أي إجراء جعل المسلمين يعتقدون بأن قادة المسيحيين يوافقون‬
‫ضمنياً على الضربة اإلسرائيلية ‪ ،‬فقامت منظمة التحرير بخطف أربعة جنود‬
‫لبنانيين‪ ،‬وقام فرنجية بإصدار أوامره إلى الجيش اللبناني المؤلف من خمسة عشر‬
‫ألف مقاتل؛ ليتدخل بقواته من ثكنة بئر حسن إلى مخيم الالجئين في صبرا الواقع في‬
‫جنوب بيروت ‪ ،‬وهي المرة الوحيدة التيتشارك فيها القوات اللبنانية فيعمل فعال‪.‬‬

‫وقد قام الجيش بغارات جوية على الفلسطينيين بطيارين مسلمين في الوقت الذي يقوم‬
‫فيه برئاسة الجيش مسئولون مسيحيون‪،‬وهم في ذلك الوقت يستطيعون االعتماد على‬
‫المسلمين ‪ ،‬رغم أنهم جميعاً ينتمون إلى المجتمع المدني ‪ ،‬وكانوا بصورة واضحة‬
‫مؤيدين للفلسطينيين ‪ ،‬وبدأ فرنجية في تشكيل ميليشيات الجيش بمساعدة من ضباط‬
‫الجيش اللبناني ‪ ،‬وبدأ المسيحيون فيتسلُّم السالح الخفيف من بلغاريا ‪ ,‬وبدأ التدريب‬
‫في المناطق المسيحية وفي األردن نتيجة للصداقة الحميمة بين الملك حسين وكميل‬
‫شمعون‪ ،‬وأصبحت الجبال مسرحاً إلطالق النار والتدريبات بالرشاشات‪)28(.‬‬

‫ثالثاً حرب ‪: 1973‬‬

‫ظلت األيام السابقة على حرب أكتوبر كأي يوم تدريب ال يشتمل إال على‬
‫مناورات للتدريب فقط‪،‬ومع حلول شهر رمضان جاءت الحياة لتسير األيام كأي يوم‬
‫عادي ؛ حتى إن الشركات المدنية كانت تقوم بعملها الطبيعي خاصة الشركات التي‬
‫تقوم بتنفيذ أعمال لصالح الجيش خلف الخطوط األمامية المباشرة ‪ ،‬حتى إن الدول‬

‫‪ .2828‬جوناثان راندال ‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬صـ ‪ ، 183‬صـ ‪.187‬‬

‫‪27‬‬
‫العربية كانت تشاهد المدمرات المصرية وهي في طريقها للدول األسيوية‪ ،‬ومع‬
‫صباح ‪ 6‬من أكتوبر ‪ 1973‬وصلت القوات المصرية والسورية إلى أقصى درجات‬
‫استعدادها لبدء الحرب في التوقيت المحدد طبقاً لخطة الهجوم في الجبهتين المصرية‬
‫والسورية التي أطلق عليها اسم (بدر)‪.‬‬

‫وبدأت إسرائيل احتفاالتها بعيد الغفران‪ ،‬وقد وصل الجنرال ديان وزير الدفاع‬
‫اإلسرائيلي مع بعض القادة العسكريين لزيارة القوات في حصون خط بارليف على‬
‫الضفة الشرقية للقناة لالطمئنان على الموقف ‪ ،‬وعندما حانت الساعة الثانية وخمس‬
‫دقائق ظهراً نشبت الحرب باستباق من مصر وسوريا في وقت واحد ضد العدو‬
‫اإلسرائيلي ‪ ،‬وبذلك اندلعت الشرارة في الشرق األوسط‪ ،‬حيث قامت القوات الجوية‬
‫المصرية والسورية بمهاجمة أهداف العدو في سيناء والجوالن ‪ ،‬وكانت المدفعية‬
‫الثقيلة تقصف بنيرانها الكثيفة األهداف اإلسرائيلية المحددة لها‪.‬‬

‫وكانت النتائج السياسية للهجوم المصري والسوري يوم ‪ 6‬من أكتوبر لها صدى كبير‬
‫على المستوى العربي والدولي‪ ،‬وكان لها تأثير سلبي ضخم على إسرائيل ‪ ،‬التي‬
‫خاضت حرباً في جبهتين في آن واحد ؛ مما جعلها تختلف عن حروبها السابقة‪.‬‬

‫وبدأت البالغات تصل إلى القيادة العسكرية اإلسرائيلية في تل أبيب من قواتها‬


‫في سيناء والجوالن ‪ ،‬حيث التشكيالت الجوية المصرية التي يقدر عددها بأكثر من‬
‫مائتي طائرة قد هاجمت مواقعهم في سيناء‪ ،‬والطائرات السورية التييقدر عددها‬
‫بحوالي ‪ 100‬طائرةالتي قد هاجمت في الوقت نفسه مواقعهم في الجوالن وجبل‬
‫عبرت الطائرات المصرية خط جبهة قناة السويس متجهة إلى عدة أهداف‬
‫الشيخ‪ .‬وقد َ‬
‫إسرائيلية وعلى ارتفاع منخفض‪.‬‬

‫ولقد كانت حرب أكتوبر بمثابة أزمة كبيرة إلسرائيل حيث إنها كانت على‬
‫جبهتين وليست جبهة واحدة ‪ ،‬وقامت القوات المصرية والسورية في آن واحد‬
‫باالشتباك ‪ ،‬مما أحدث ارتباكاً كبيراً في القوات اإلسرائيلية على جبهة القتال ‪ ،‬وأدى‬
‫ون ِقل هذا الواقع إلى‬
‫ذلك إلى حدوث اضطرابات داخل المجتمع المدني اإلسرائيلي ‪ُ ،‬‬
‫القيادة السياسية اإلسرائيلية التي لم تستطع إدارة هذه األزمة بطريقة جيدة‪ ،‬واستعانت‬

‫‪28‬‬
‫بالواليات المتحدة األمريكية لطلب العون منها لتحقيق أيانتصار على الجبهتين‬
‫المصرية والسورية ‪ ،‬واستمر هذا االرتباك الواضح طوال أيام الحرب حتى صدر‬
‫قرار بوقف إطالق النار من مجلس األمن رقم ‪)29( .338‬‬

‫نتيجة لهذه األزمة استمرت بعض األعمال العسكرية خاصة من إسرائيل‬


‫لتحسين مركزها التفاوضي مع الدول العربية ‪ ،‬ولكن توتر العالقة بين الواليات‬
‫المتحدة واالتحاد السوفيتي أدى إلى تفعيل قرار مجلس األمن رقم ‪ 338‬وتأكيده‬
‫بقراري ‪ 340 ، 339‬وتم االلتزام الفعلي بدءاً من ‪ 28‬من أكتوبر مع استمرار بعض‬
‫االشتباكات الخفيفة على جانبي القناة ؛ حتى تم توقيع اتفاق فك االشتباك بين مصر‬
‫وإ سرائيل في ‪ 18‬من يناير ‪ ،1974‬وبدأت القوات اإلسرائيلية االنسحاب من غرب‬
‫القناة في ‪ 24‬من يناير ‪،1974‬كذلك تم توقيع اتفاقية بين إسرائيل وسوريا لفصل‬
‫القوات في ‪ 31‬من مايو ‪1974‬حيث كانت االشتباكات بينهما مستمرة حتى هذا‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫موقف لبنان من حرب ‪: 1973‬‬

‫لبنان من أهم األقطار العربية التي لها دور بارز في كل القضايا التي تهم‬
‫األمة العربية وبصفة خاصة الصراع العربي اإلسرائيلي ؛ إال أنها كانت منشغلة‬
‫بالمشاكل الداخلية التي أضعفت من دورها في الحروب العربية اإلسرائيلية ‪ ،‬وخاصة‬
‫حرب ‪ 1973‬التي نحن بصددها اآلن‪.‬‬

‫إن العنف أصبح يومياً السمة الرئيسية للبنان منذ عام ‪ ،1973‬واختلط الحابل‬
‫بالنابل؛ من مطالب اجتماعية ‪ ،‬ومظاهرات سياسية ‪ ،‬وصدامات بين الميليشيات‬
‫المسيحية والفلسطينيين‪ ،‬وأعمال خطف‪ ،‬واغتياالت سياسية بأوامر من دول عربية‬
‫أخرى ‪ ،‬إلى جانب عمليات عسكرية للجيش اإلسرائيلي في الجنوب وانتقامات بين‬
‫العشائر في الجبل ‪ ،‬وعصابات من كل األنواع‪ ،‬على أمل من رجال الساسة اللبنانيين‬
‫أن تؤدى المفاوضات اإلسرائيلية العربية إلى تسوية شاملة تُنهي المصدر الرئيسي‬
‫للتوتر بين الطوائف بما فيها المسألة الفلسطينية‪.‬‬

‫‪ .2929‬دالل محمود السيد‪ ،‬صـ ‪ ، 119‬صـ ‪ 170‬مصدر سبق ذكره‬

‫‪29‬‬
‫وقد عملت إستراتيجية كيسنجر على سد الطريق أمام الفلسطينيين خاصة أن‬
‫الدول العربية بدأت تعمل على االعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بعد عام ‪،1974‬‬
‫لكن مع انتهاج السادات إلجراءات منفصلة حول سيناء أعاد الثوار والمقاومة إلى‬
‫المشاكل السابقة فاختلط اليسار الفلسطيني المتجمع الرافض من الجبهة الشعبية‬
‫لتحرير فلسطين‪.‬‬

‫عاما حول وجود الفدائيين‬


‫استفتاء ًّ‬
‫ً‬ ‫وقد طلب ألبير الجميل عام ‪1975‬‬
‫الفلسطينيين في لبنان ؛ ليؤكد بذلك تصميم الحزب الماروني على حسم مسألة الوجود‬
‫الفلسطيني المسلح‪ ,‬وأدى تدخل الجيش بعنف في أثناء نزاع اجتماعي فيصيدا إلى‬
‫مقتل نائب رئيس مجلس المدينة المسلم‪ ,‬وإ عادة مكانة الجيش إلى الواجهة ‪ ،‬وطالب‬
‫رجال السياسة السنة بإعادة تنظيمه ‪ ،‬وتضامن المسيحيون مع الجيش الذى لم يعد أداة‬
‫لها مصداقيتها في حفظ األمن‪.‬‬

‫وفى ‪ 13‬من أبريل ‪ 1975‬جرى صدام بين الكتائب والفدائيين الفلسطينيين‬


‫في ضاحية عبير الرمانة المسيحية‪ ،‬فطالبت الحركة الوطنية بحل حزب الكتائب ‪،‬‬
‫وهذه هي البداية الرسمية للحرب األهلية ‪ ،‬حيث تشابك الفلسطينيون مع الميليشيات‬
‫المسيحية لمدة ثالثة أيام‪ ،‬وتصادمت األحياء المسيحية واإلسالمية ‪ ،‬وأطلق الرماة‬
‫النار على السكان المدنيين ‪ ،‬وفي الوقت الذى خفت فيه حدة المعارك طالبت الحركة‬
‫الوطنية بعقوبات ضد الكتائب ‪ ،‬وأصبح طريق الوصول إلى مصالحة سياسية‬
‫مستحيالً ‪ ،‬وقام الرئيس فرنجية بتشكيل حكومة عسكرية‪َّ ،‬‬
‫وعد التقدميون والقادة‬
‫السياسيون التقليديون السنةُ ذلك بمثابة عمليات استفزازية‪ ،‬وتحولت األزمة إلى‬
‫صراع بين رجال السياسة المسيحيين والمسلمين‪)30(.‬‬

‫وفي ‪ 28‬من مايو أذعن الرئيس فرنجية ‪ ،‬ودعا قائد طرابلس السنى التقليدي رشيد‬
‫كرامي لتشكيل حكومة جديدة‪ ،‬لكن كرامي فشل في تأليف حكومة وحدة وطنية‪ ،‬ولم‬
‫يستطع منع انتشار العنف في عموم البالد ‪ ،‬وقد أدت وساطة سورية ‪ -‬إلى جانب‬
‫إضراب عن الطعام قام به اإلمام موسى الصدر ‪ -‬إلى تهدئة الوضع إلى حد ما ‪،‬‬

‫‪ .3030‬وسام فؤاد‪ ،‬تفاعالت إقليمية ودولية – فلسطين ولبنان‪ ،‬أغسطس‪ ، 2005‬ص‪50‬‬

‫‪30‬‬
‫وشكل رشيد كرامي حكومة من ستة أعيان من بينهم كميل شمعون ‪ ،‬وطالبت الحركة‬
‫الوطنية بإصالح دستوري حقيقي يؤدي إلى إنهاء الطائفية في لبنان‪ ،‬واعترضت‬
‫الجبهة اللبنانية على ذلك‪ ،‬وطالبت بحل مسألة الوجود الفلسطيني بطريقة تناسبها‪,‬‬
‫فالمسيحيون يمكن أن يختاروا تقسيم لبنان إلى كيانين‪ :‬مسلم ‪ ،‬ومسيحي‪ .‬ومع توقيع‬
‫اتفاقية سيناء ‪ 2‬في مدينة زحلة الموجودة في سهل البقاع‪ ،‬ثم في شمال البالد زغرتا‬
‫معقل الرئيس فرنجية ‪ ،‬وطرابلس مدينة رئيس الوزراء انتشر الجيش بين التجمعين‬
‫السكنيين واتهمته الحركة بالتواطؤ مع الموارنة ؛ وأعلنت إضراباً عاماً ؛ لتعطى‬
‫تم تدمير في وسط‬
‫إشارة إلى استئناف الحرب على مستوى أعلى من ذي قبل ‪ ،‬حيث َّ‬
‫مدينة بيروت ‪ ،‬وحاولت الجامعة العربية التوسط لكن دون جدوى‪.‬‬

‫حاول الفاتيكان وفرنسا وسوريا القيام بواساطه‪،‬لكن األعمال العدوانية زادت‬


‫مع الوقت ‪ ،‬ومناطق لبنان مقسمة إلى أقاليم طائفية ‪ ،‬وغادر قسم كبير من المسيحيين‬
‫المناطق اإلسالمية والعكس ‪ ،‬وساد نظام الميليشيات‪،‬إذ شكلت الكتائب والحزب‬
‫الوطني الليبرالي بزعامة كميل شمعون ورجال فرنجية والرهبان الموارنة أهم‬
‫الميليشيات على الجانب المسيحي ‪ ،‬أما بالنسبة للجانب اإلسالمي فقد تمثَّل أهم‬
‫الميلشيات في الحزب االشتراكي التقدمي بزعامة كمال جنبالط والميليشيات‬
‫الناصرية (سنة) ‪ ،‬ومنظمات اليسار (الشيوعيين واليساريين) والفدائيين الفلسطينيين‪.‬‬
‫(‪)31‬‬

‫ومع كثرة االستفزازات من جميع األطراف تم حرق المصاحف ‪ ،‬وتخريب‬


‫الكنائس ‪ ،‬وأصبح القتل والخطف سمة الحياة اليومية ‪ ،‬وقام بعض أفراد الميليشيات‬
‫المسيحيين بذبح جميع المسلمين الذين صادفوهم بوصف ذلك ًّ‬
‫ردا على اغتياالت‬
‫سابقة من قبل المسلمين‪.‬‬

‫التدخل السوري في األزمة اللبنانية اللبنانية‪G:‬‬

‫تدخلت سوريا منذ بداية األزمة اللبنانية نظراً لوجود مصالح سورية تريد أن‬
‫تدافع عنها ‪ ،‬باإلضافة إلى إرادة البعث السورية األيديولوجية والسياسية في أن تقدم‬

‫‪ .3131‬المرجع السابق‪ /‬وسام فؤاد (تفاعالت إقليمية ودولية – فلسطين ولبنان‪ ،‬أغسطس ‪ ، 2005‬ص‪51‬‬

‫‪31‬‬
‫نفسها بوصفها المسئولة عن القضايا العربية‪ .‬ومنذ اتفاق فك االرتباط في الجوالن‬
‫عام ‪ 1974‬أصبح من المستبعد التفكير في مواجهة مباشرة مع إسرائيل حيث يمكن‬
‫أن يشكل موقع لبنان خطراً جغرافياً على سوريا ‪ ،‬فسهل البقاع الذى ينفتح على‬
‫مداخل حمص قد يصبح رواقاً يسمح للجيش اإلسرائيلي بعزل دمشق عن بقية البالد‪،‬‬
‫كما أن إرادة السيطرة على المقاومة الفلسطينية تعبر عن حلم قديم عند المسئولين‬
‫السوريين الذين ال يثقون بعرفات ‪ ،‬ولم يكن مقبوالً لدى دمشق التحالف القائم بين‬
‫الفلسطينيين والحركة الوطنية ‪ ،‬كما لم يرق لها بصورة عامة هامش االستقالل الذاتي‬
‫الذى امتلكته منظمة التحرير الفلسطينية عبر وجودها في لبنان‪.‬‬

‫ومن المفترض أن يؤدي التشابه في الخطابات السياسية إلى دفع سوريا نحو‬
‫دعم المواقف الفلسطينية التقدمية‪ ،‬لكن المنشأ الطائفي للسلطة السورية جعل حكومة‬
‫دمشق حساسة لمخاطر المعارضة الطائفية ‪ ،‬ووجد المسئولون السوريون في سياسة‬
‫كبار أعيان السنة اللبنانيين شكالً من التعبير السياسي الذي طالما حاربوه في سوريا ؛‬
‫فكان تعاطفهم يميل نحو الشيعة اللبنانيين الذين أقاموا معهم روابط ممتازة منذ مطلع‬
‫السبعينيات‪ ،‬باإلضافة إلى أن بعض الشخصيات السورية تقيم منذ سنوات َّ‬
‫عدة‬
‫عالقات صداقة مع عائالت إفرنجية ‪ ،‬وقد أثار نشوء دولة مسيحية صغيرة قلق حافظ‬
‫األسد ‪ ،‬حيث يعلم أن تحقيق المشروع ال يتم إال بمساعدة إسرائيل التي كان بعض‬
‫المسئولين المسيحيين قد أجروا اتصاالت معها بقصد الحصول على األسلحة ‪ ،‬واعتقد‬
‫الرئيس السوري أنه يمكن إعادة المسيحيين في لبنان إلى لواء العروبة ‪ ،‬بواسطة‬
‫تأكيد أن الوحدة ال تختلط مع قضية اإلسالم ‪ ،‬كما يعمل السنة اللبنانيون على االعتقاد‬
‫بالهدف االستراتيجي السوري على المدى المتوسط الذي يتمثل فى تشكيل سورية‬
‫كبرى تضم سوريا ولبنان واألردن وتهيمن عليها سوريا ‪ ،‬مما يعوض تمادى‬
‫السادات فى انهزاميته أمام القوة اإلسرائيلية ‪ ،‬ويسمح هذا التجمع بالوصول إلى تكافؤ‬
‫استراتيجي مع الدولة العبرية ‪ ،‬بالتالى استرجاع األراضي المحتلة بطريقة أو بأخرى‬
‫‪ ،‬وقبلت األردن التقارب مع سوريا سياسياً بعد استثنائها من المحادثات األمريكية‪،‬‬

‫‪32‬‬
‫واستاءت إسرائيل كثيراً من هذا التقارب ‪ ،‬وأخطرت الملك حسين بأنه لن يتم السماح‬
‫بإقامة الجبهة الشرقية‪)32(.‬‬

‫وكانت سوريا مستعدة للتدخل في لبنان عام ‪ 1976‬عندما حاصر الموارنة‬


‫المخيمات الفلسطينية واألحياء اإلسالمية الواقعة في القطاع المسيحى‪ ،‬وكان من‬
‫المنطق قيام حيز جغرافي متجانس على سبيل إزالة المخيمات الفلسطينية واإلسالمية‬
‫التي تتعرض بشكل مستمر للخطر ‪ ،‬وقطع وسائل االتصال بين بيروت الشرقية‬
‫وبقية المناطق التى تسيطر عليها القوات المسيحية‪ ,‬واستولى الفلسطينيون والتقدميون‬
‫على مدينة الدامور المسيحية جنوب بيروت‪.‬‬

‫بدأت وحدات جيش التحرير الفلسطيني المرابطة في سوريا في الدخول إلى‬


‫لبنان ‪ ،‬وأخذت مواقع فى منطقة البقاع لدعم الفلسطينيين والتقدميين ‪ ،‬وأصبحت‬
‫وسيلة ضغط للرئيس السورى حافظ األسد ‪ ،‬وكان القصد من هذا تقديم مشروع‬
‫إصالحى باسم الوثيقة الدستورية إلعداد ميثاق وطنى جديد يشبه ميثاق ‪،1943‬‬
‫بحيث يعمل على زيادة عدد النواب للوصول إلى َّأية مساواة كاملة بين المسلمين‬
‫والمسيحيين فى البرلمان ‪ ،‬وتصبح أغلبية الثلثين ضرورية فى البت فى المسائل‬
‫األساسية ‪ ،‬وفى الوقت نفسه تقوى سلطة رئيس الوزراء على حساب سلطة رئيس‬
‫الجمهورية ‪ ،‬وقد ِ‬
‫ُأعيد تأكيد اتفاقية القاهرة ‪ ،‬وسمح المشروع السورى بتلبية المطلب‬
‫السنيفى زيادة اإلسهام بآليات الدولة مع تقديم عدد من الضمانات للمسيحيين ‪،‬‬
‫واحتفظت سوريا لنفسها بدور الضامن لتطبيق البرنامج خاصة فيما يتعلق بمسألة‬
‫تنظيم الوجود الفلسطينى‪.‬‬

‫قبل القادة المسيحيون الذين كانوا يدركون حقيقة ميزان القوى القائم بالوثيقة‬
‫الدستورية التى عرضها الرئيس فرنجية على مجلس النواب يوم ‪ 14‬من فبراير‬
‫‪ ،1976‬فرأت الحركة الوطنية أن اإلصالح المقترح ال يفرض عملية استئصال‬
‫حقيقية لطائفية النظام السياسى ‪ ،‬ورأت المقاومة الفلسطينية أن نشاطاتها فى لبنان‬

‫‪ .3232‬هنرى لورنس‪ ،‬اللعبة الكبرى‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد مخلوف‪ ،‬تونس‪ ،‬دار قرطبة ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ، 1992 ،‬ص‬

‫‪305 -304‬‬

‫‪33‬‬
‫ستصبح خاضعة للوصاية ‪ ،‬فقام كمال جنبالط بتنظيم عملية انشقاق داخل الجيش ‪،‬‬
‫َّ‬
‫وشكل جيش لبنان العربي من العناصر اإلسالمية ‪ ،‬ثم طالب باستقالة الرئيس فرنجية‬
‫واعترضت سوريا على ذلك ‪ ،‬وهاجم الفلسطينيون والتقدميون ‪ -‬بكل ما لديهم من‬
‫قوة ‪ -‬المواقع المسيحية ‪ ،‬وتقدموا فى بيروت ‪ ،‬والجبل ‪ ،‬وأصبحت بعض مناطق‬
‫الوجودالدرزى – المارونى المختلط مسرحاً للنزاعات الطائفية بعد فترة من التعايش‬
‫األمنى والسلمي‪ ،‬وحاول األسد التفاوض مرة أخرى مع كمال جنبالط فى دمشق في‬
‫لكن أدى الحوار إلى القطيعة بينهما‪ ،‬وتحدث األسد عن الوثيقة‬
‫‪ 27‬من مارس ‪ْ ،‬‬
‫الدستورية وعن وجود اعتراضات لدى كمال جنبالط في بعض البنود(‪ ،)33‬وتحدث‬
‫عن العلمنة بأن حزب الكتائب متحمس للعلمنة حيث تحدث مع السيد بيير الجميل‬
‫الذى سأله فقال إنه ال يقبل للعلمنة بديالً وإ نه م ِ‬
‫صر ومتمسك بدولة علمانية في لبنان‪,‬‬ ‫ُ‬
‫وطرح هذا األمر على المسلمين أنفسهم‪ ،‬وعلى السيد موسى الصدر‪ ،‬وبعض رؤساء‬
‫الوزارات ‪ ،‬ورؤساء مجلس النواب ‪ ،‬ورفضوا األمر ؛ ألنه يتعلق بجوهر الدين‬
‫اإلسالمي ‪ ،‬وعندما واجه األسد كمال جنبالط حول إدخال العلمنة ومدى اعتراض‬
‫رجال الدين اإلسالمي على ذلك‪ ،‬كان الرد منه‪ :‬ال تهتم بهم فإنهم ال يمثلون شيئاً ‪،‬‬
‫وبدأ يهدد بأنه سوف يؤدبهم من خالل العمل العسكري ؛ حيث إنهم يحكمون لبنان منذ‬
‫مائة وأربعين سنة‪ ،‬ونريد التخلص منهم ‪ ،‬وفى هذه اللحظة أدرك األسد أن األمر‬
‫أصبح ال يتعلق بين يمين ويسار ‪ ،‬وال تقدمي ورجعي أو مسلم ومسيحي ‪،‬لكن المسألة‬
‫مسألة ثأر وانتقام يعود تاريخه إلى مائة وأربعين سنة‪.‬‬

‫‪ .3333‬هنرى لورنس‪ ،‬اللعبة الكبرى‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد مخلوف‪ ،‬تونس‪ ،‬دار قرطبة‪ ،‬الطبعة األولى‪، 1992 ،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪3.7 -306‬‬

‫‪34‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫العدوان اإلسرائيلي على لبنان [ ‪]1982 -1978‬‬

‫أدت الحرب إلى عمليات هجرة كبيرة للسكان داخل البالد وخارجها ‪ ،‬حيث‬
‫هناك أكثر من نصف مليون مهاجر لبناني في البالد العربية‪ ،‬وتشكل منطقة مسيحية‬
‫ًّ‬
‫سكانيا‪.‬‬ ‫متجانسة‬

‫وقد حاول الرئيس سركيس تحديد معالم مصالحة سياسية وإ عادة سلطة الدولة‪،‬‬
‫ونجح في تشكيل نواة جيش لبناني جديد‪ ،‬وكان من نتائج الحرب أن ساد نظام‬

‫‪35‬‬
‫الميليشيات التي رفض أعضاؤها تسليم أسلحتهم كما نصت قمة الرياض‪ ،‬وانتظموا‬
‫في سلطات منافسة للدولة‪.‬‬

‫متناقضا حيث كانت الميليشيات تلقى القبول بوصفها إدارة‬


‫ً‬ ‫وكان موقف اإلهمال‬
‫للدفاع عن الطوائف ضد اآلخرين من المنظمات السياسية التقليدية ‪ ،‬وانقسمت بيروت‬
‫إلى طائفتين وأصبح التطور السياسي متبايناً بالنسبة للطائفتين؛ ففي المنطقة المسيحية‬
‫سيطر بشير الجميل على ميليشيات الكتائب ‪ ،‬أما في القطاع المسلم ازدادت البلبلة‪،‬‬
‫فرئيس الحركة الوطنية بعد اغتيال كمال جنبالط في ‪16‬من مارس ‪ ،1977‬وتسلم‬
‫ولده رئاسة الطائفة الدرزية ‪ ،‬والحزب االشتراكى التقدمي‪)34(.‬‬

‫االنحيازات السياسية اللبنانية الجديدة ‪1980 – 1978‬‬

‫بدأ القادة المسيحيون بتخفيف روابطهم مع سوريا ‪ ،‬واشترطوا نزع األسلحة‬


‫نظرا للمواجهة المحتملة مع سوريا لبقائهم فى لبنان ‪ ،‬ونتيجة لذلك بدأ المسيحيون فى‬
‫التقارب من إسرائيل ‪ ،‬وإ قامة تحالف جديد مع الدولة العبرية بداية من أغسطس‬
‫‪ ،1976‬حيث التقى كميل شمعون برابين على متن باخرة إسرائيلية فى مرسى موفا‬
‫وقال له‪":‬إننى أنزعج كعربي مسيحي ولبناني‪ ،‬أحس باإلزعاج الضطرار يطلب‬
‫المساعدة من رئيس الوزراء اإلسرائيلي ‪ ،‬ولقد كنت ضد إسرائيل لسنوات طويلة ‪،‬‬
‫وتأسيس هذه الدولة أنذر ببداية المأساة بالنسبة لبالدي‪ ،‬ألن لبنان اضطر المتصاص‬
‫عدد كبير من الالجئين الفلسطينيين الذين( يقومون اليوم باستثارة السكان المسلمين‬
‫ضدنا واعتبرت أنكم أيها اإلسرائيليون مصدر األمن فبسببكم تبدل لبنان وأنتم‬
‫المسئولون) على هذا الخلل الديموقراطى الذي أدى إلى تخريب البالد؛ لكن األلم‬
‫المسيحى تخلى عنا اليوم ‪ ،‬ولم يعد أمامى سوى اختيار التماسكم بالدعم لنا فوحدكم‬
‫(‪)35‬‬
‫تستطيعون منع الدعم لهذه الدرجة من السخاء"‪.‬‬

‫‪ .3434‬وليم كوانت عملية السالم الدبلوماسية اإلسرائيلية والنزاع العربي اإلسرائيلية منذ ‪ -1967‬مركز االهرام‬
‫‪ ،1994‬ص‪322‬‬
‫‪ .3535‬هنري لورنس‪ ،‬اللعبة الكبرى‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد مخلوف‪ ،‬تونس‪ ،‬دار قرطبة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1992 ،‬ص‪-338‬‬
‫‪ – 339‬مرجع سبق ذكره‬

‫‪36‬‬
‫وبدأت الدولة العبرية في تزويد الميليشيات المسيحية باألسلحة والمدربين ‪،‬‬
‫وتقديم الدعم الكامل لهم ‪ ،‬فالخيار اإلسرائيلى هو موضوع الخالف بين سليمان‬
‫فرنجية مناصر سوريا وبقية الزعماء المسيحيين ‪ ،‬وقد فرض الصراع العربى‬
‫اإلسرائيلي قلب التحالفات السياسية ‪ ،‬وقرر بيجين تقوية الروابط مع القوات اللبنانية ‪،‬‬
‫وبعدها قام الفدائيون الفلسطينيون بعملية أدت إلى مقتل ‪ 37‬إسرائيلياً أغلبهم من‬
‫المدنيين ‪ ،‬وقام الجيش اإلسرائيلى بعملية الليطانى واحتل جميع جنوب لبنان حتى‬
‫نهر الليطانى‪.‬‬

‫أنهى الجيش اإلسرائيلى وجوده في ‪ 13‬من يونيو ‪ ،‬وأخذت قوات الطوارئ‬


‫موقعها فى جنوب لبنان مع وجود شريط أمنى بعرض ما بين ‪ 10 – 5‬كيلو متر‬
‫على طول الحدود مع الميليشيات المسيحية بقيادة سعد حداد وتساعدها إسرائيل ‪،‬‬
‫وبعدها أعلن حداد أن لبنان حرة ‪ ،‬لكي يظهر قطيعته مع الحكومة الشرعية اللبنانية ‪،‬‬
‫إلى جانب أن عالقته لم تكن جيدة مع الجيش اللبنانى ‪ ،‬فاتفق الجميع على أنهم ضد‬
‫قوات الطوارئ الدولية ‪ ،‬حيث أراد الفلسطينيون استعادة مواقعهم ومنعت الميليشيات‬
‫المسيحية وإ سرائيل الجيش اللبناني من اتخاذ مواقع لهم في هذه المنطقة ‪ ،‬كما كانت‬
‫الغارات اإلسرائيلية متتالية‪.‬‬

‫وعقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد أرادت سوريا قطع التحالف بين الميليشيات‬
‫المسيحية وإ سرائيل ‪ ،‬في الفترة من ‪ 23‬من سبتمبر حتى ‪ 24‬من أكتوبر مما أدى إلى‬
‫إحداث خسائر عدة‪ ،‬وتدخلت الوساطة السعودية إلى عقد مؤتمر بين البلدين؛ لتأكيد‬
‫مبادئ الرياض ‪ ،‬وشرعية وجود قوات الردع العربية ‪ ،‬ولم تستطع سوريا فرض‬
‫سيادتها على القطاع المسيحي مما قلل من دور سوريا في لبنان‪.‬‬

‫ومع أواخر ‪ 1980‬وقعت سوريا معاهدة صداقة وتعاون مع االتحاد السوفيتي‬


‫لتلقى المساعدات‪،‬إذ إنها لم تدن االتحاد السوفيتي في تدخله في أفغانستان‪ ،‬ونجحت‬
‫في تشكيل جبهة عربية للصمود حولها ‪ ،‬ومقاطعة القمة العربية الحادية عشرة في‬
‫عمان ‪،‬التي شهدت نجاح االتفاق الموالي للعراق ‪ ،‬ولم تشارك كل من لبنان ‪،‬‬
‫والجزائر‪ ،‬وليبيا ‪ ،‬وسوريا ‪ ،‬واليمن‪ .‬وهددت األردن بمواجهة عسكرية‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫حينها بدأ يشعر الجميل بأنه قد سيطر على المنطقة المسيحية وبدأ في تحدي‬
‫ًّ‬
‫مستعدا لهجوم الحلفاء المسيحيين‬ ‫السوريين في منطقة البقاع ؛ لكن األسد وقف‬
‫إلسرائيل في حالة انتهاك إسرائيل الخط األحمر ‪ ،‬واستطاع السوريون السيطرة على‬
‫المرتفعات المشرفة على البقاع ‪ ،‬والقطاع المسيحي ‪ ،‬وقرر بيجن تقديم مساعدات‬
‫للحلفاء المسيحيين فقام الطيران اإلسرائيلي بإسقاط طائرتين عموديتين في منطقة‬
‫البقاع ‪ ،‬مما اضطر سوريا إلى رصد منصات للصواريخ‪ 5‬المضادة للطيران في البقاع‬
‫‪ ،‬وتغير الحال بتدخل الوساطة األمريكية‪.‬‬

‫المشروع السعودي للسالم في الشرق األوسط ‪:1981‬‬

‫اقترح األمير فهد ولى العهد السعودي في ‪ 7‬من أغسطس ‪ 1981‬مشروعاً‬


‫للسالم في الشرق األوسط يقوم على قرارات األمم المتحدة وعلى الضغوط األمريكية‬
‫على إسرائيل‪ ،‬وقد جاء النص على لسانه كاآلتي‪ :‬مازلنا غير راضين عن مجمل‬
‫السياسة األمريكية في الشرق األوسط خاصة فيما يتعلق بقضية فلسطين ‪ ،‬وحقوق‬
‫شعبها ‪ ،‬ولقد قلت وأكدت أن ال خالف بيننا وبين أي إدارة أمريكية سوى ما يتعلق‬
‫بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ‪ ،‬وهذا خالف ال شبهة به ؛ ألنه متصل بأمن‬
‫منطقتنا واستقرارها ‪ ،‬وبالتالي فإن له صلة بالمصالح األمريكية ‪ ،‬ولست أدري كيف‬
‫تستمر اإلدارات األمريكية المتعاقبة في تعريض عالقتها ‪ -‬وبالتالي مصالحها مع‬
‫األمة العربية‪ -‬للخطر ‪ ،‬وذلك من خالل دعم إسرائيل سياسياً ‪ ،‬ومالياً ‪ ،‬وعسكرياً ‪،‬‬
‫وتحتل كل أرض فلسطين باإلضافة إلى أراض عربية أخرى ‪ ،‬وتقيم المستعمرات‬
‫وتصادر األرض وتقتل األبرياء بسالح أمريكي والتي تعهدت بعدم استعماله للعدوان‬
‫واالعتداء‪)36(.‬‬

‫وقد تم عرض سياق مبادئ األمم المتحدة التي أقرتها كاآلتي‪:‬‬

‫انسحاب إسرائيل من جميع األراضي التي احتلت في عام ‪ 1967‬بما فيها‬ ‫‪-1‬‬
‫القدس العربية‪.‬‬

‫‪ .3636‬هنرى لورنس‪ ،‬اللعبة الكبرى ‪،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ – 340‬ص ‪344‬‬

‫‪38‬‬
‫إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في األراضي العربية بعد عام ‪1967‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪.‬‬

‫ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع األديان في األماكن‬ ‫‪-3‬‬
‫المقدسة‪.‬‬

‫تأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة وتعويض من ال يرغب في العودة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف األمم المتحدة‬ ‫‪-5‬‬
‫لمدة ال تزيد عن بضعة أشهر‪.‬‬

‫قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫تأكيد حق دول المنطقة في العيش بسالم‪.‬‬ ‫‪-7‬‬

‫تقوم األمم المتحدة أو بعض الدول األعضاء فيها بضمان تنفيذ تلك المبادئ‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫إطارا‬
‫وبما أن هذه المبادئ من داخل مجلس األمن والجمعية العامة فإن ذلك يشكل ً‬
‫للتسوية الشاملة والعادلة وتنفيذ هذه التسوية يتوقف على ثالثة شروط واقعية‪:‬‬

‫‪ )1‬وقف الدعم األمريكي الالمحدود إلسرائيل‪.‬‬

‫‪ )2‬وضع حد للغطرسة اإلسرائيلية‪ ،‬وهذا الشرط يمكن تحقيقه تلقائيا إذا تحقق الشرط‬
‫األول‪.‬‬

‫‪ )3‬التسليم بأن الرقم الفلسطيني هو الرقم األساسي في المعادلة الشرق أوسطية ‪،‬‬
‫وتعد مسئولية الدول األوروبية ال تقل شيئاً عن أمريكا وخاصة بريطانيا التي تتحمل‬
‫مسئولية ما يجري للشعب الفلسطيني على يديها خالل فترة االنتداب ‪ ،‬فالمصالح‬
‫األوروبية ال تقل عن المصالح األمريكية ‪ ،‬وتباينت ردود األفعال األوروبية تجاه‬
‫رافضا لها‪ ,‬وعلى‬
‫ً‬ ‫المبادرة التي قدمها األمير فهد؛فهناك من قَبِل بها وهناك من كان‬
‫حين رفض السادات المشروع قَبِل عرفات المشروع وقيادات فتح‪ ،‬وأصبحت سوريا‬
‫الخصم األكبر للمشروع خاصة بعد وفاة السادات‪ ،‬حيث يرى األسد أن السالم مع‬
‫إسرائيل غير ممكن إال إذا تبدلت موازين القوى في المنطقة ‪ ،‬وعلى ردع متبادل ال‬
‫يدع العرب تحت رحمة التفوق اإلسرائيلي في المنطقة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ومع حدوث البلبلة بين الدول العربية قام بيجن بضم الجوالن في الوقت التي‬
‫تتجه أنظار األمم نحو األزمة البولندية‪ ,‬وبرر عملية الهجوم اإلسرائيلية األولى خارج‬
‫حدود فلسطين تحت االنتداب برفض سوريا التفاوض مع إسرائيل وأن هذا ال يتناقض‬
‫مع القرارين ‪ 338 ، 242‬مما جعل الرئيس األسد يتيقن أن إسرائيل تريد دفع األمور‬
‫نحو الحرب ‪ ،‬في الوقت الذي ال يميل فيه ميزان القوى لصالحه‪ ،‬واكتفت بالحصول‬
‫على إدانة دولية لعملية الضم واحترام وقف إطالق النار في الجوالن‪.‬‬

‫وفى لبنان بدأ بشير الجميل في حث اإلسرائيليين على التحرك ‪ ،‬وضمن لهم‬
‫مشاركة رجاله في القتال ‪ ،‬خاصة في معركة بيروت القادمة‪ ،‬مع ترافق االنتصار‬
‫السياسي بانتخابه رئيسا للجمهورية ؛ ومن جهة أخرى فإن األطروحات اإلسرائيلية‬
‫ترحيبا من قبل وزير الخارجية الكسندر هيغ الذى حكم بأن سوريا تمثل‬
‫ً‬ ‫قد القت‬
‫عقبة رئيسية في قيام االتفاق االستراتيجي المناهض للسوفيت‪ ،‬ودخلت العالقات‬
‫اإلسرائيلية السورية مرحلة التوتر إلى جانب توتر الدولة داخل الدولة الفلسطينية في‬
‫لبنان مما أثار حذر اللبنانيين في المناطق التي يقيم بها الفلسطينيون ‪ ،‬وبدأت الشرارة‬
‫األخيرة مع ‪ 3‬من يونيو عام‪ 1982‬بمحاولة اغتيال السفير اإلسرائيلي في لندن ‪ ،‬وتم‬
‫التعرف على الفاعلين واعتقالهم إذ كانوا ينتمون إلى مجموعة (أبو نضال) العدو‬
‫(‪)37‬‬
‫‪.‬‬ ‫اللدود والمدعوم من العراق‬

‫التدخل اإلسرائيلي في لبنان ‪:‬‬

‫بدأ التدخل اإلسرائيلي في لبنان على طول الشاطئ بدعم األسطول اإلسرائيلي‬
‫الذى يقوم بعمليات إنزال صغيرة في القطاع األوسط من أجل تنظيف المنطقة من‬
‫جيوب المقاومة وتأمين الساحل في القطاع الشرقي في مواجهة البقاع والقوات‬
‫السورية‪.‬‬

‫‪ .3737‬أمين شعبان‪ ،‬العوامل المؤثرة فى تطوير العالقات اإلسرائيلية‪-‬الهندية وانعكاساتها على األمن القومى‬

‫العربى‪ ،2005-1992‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬جامعة أسيوط‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬قسم العلوم السياسية‪،‬‬

‫‪.2008‬‬

‫‪40‬‬
‫وبدأ االعتقاد بأن األمر ال يتعدى مجرد عملية مثل الليطاني في بداية األمر ‪،‬‬
‫لكن أظهرت أهداف عملية سالم الجليل تنفيذ سلسلة من األعمال وكان التفوق‬
‫العسكري اإلسرائيلي ساحقا نتيجة للتفوق العدواني‪ ،‬إضافة إلى أن الدروز والشيعة لم‬
‫يحاربوا اإلسرائيليين وتركوهم يستولون على المناطق الخاصة بهم ولم تستطع‬
‫القوات الدولية للطوارئ ممارسة َّأية معارضة لمرور الجيش اإلسرائيلي ؛ بينما‬
‫طالب القراران ‪ 1959 ، 1958‬لمجلس األمن باالنسحاب الفوريدون أي شرط‬
‫للقوات اإلسرائيلية من لبنان‪.‬‬

‫وفى يوم ‪ 9‬من يونيو حزيران هاجم الجيش اإلسرائيلي الجيش السوري من‬
‫أجل ضمان تقدمه فيما بعد جنوب لبنان‪ ،‬واضطر السوريون إلى التراجع بعد‬
‫(‪)38‬‬
‫كثيفة‪ ،‬وقام الطيران اإلسرائيلي بتدمير منصات الصواريخ المضادة في‬ ‫معارك‬
‫البقاع ‪ ،‬مع سقوط عدد كبير من الطيران السوري‪ ،‬وبدأ الجيش اإلسرائيلي في‬
‫محاصرة القوات اللبنانية بحصار بيروت‪.‬‬

‫حاول شارون مساعدة القوات اللبنانية وإ نهاك الفلسطينيين ‪ ،‬لكي تتمكن‬


‫القوات اللبنانية من االستيالء على بيروت الغربية ‪ ،‬لكن الفلسطينيين قاوموا بشراسة‬
‫‪ ،‬ورفض بشير الجميل مشاركة قواته‪ ,‬حتى ال يظهر بأنه عميل لإلسرائيليين‪ ,‬وأنه‬
‫يحاول الحفاظ على لبنان داخل العالم العربي‪ ,‬وتم إدخال عناصر من القوات اللبنانية‬
‫في المنطقة الدرزية للمواجهة الطائفية ‪ ،‬كما تردد الجيش اإلسرائيلي في الدخول في‬
‫تحسبا للخسائر البشرية الكبيرة ‪،‬وقد تفاوض فيليب حبيب مع‬
‫ً‬ ‫معارك بيروت‬
‫السياسيين اللبنانيين لنقل مقترحاته إلى الفلسطينيين‪ ,‬ولعبت فرنسا دوراً نشطاً‬
‫طا بين الفلسطينيين واألمريكيين ‪ ،‬أما في بيروت فتجربة السفارات‬
‫بوصفها وسي ً‬
‫السبع من الحرب األهلية جعلت السكان يتمرسون على الحرب ‪ ،‬وال يهربون أمام‬
‫المعارك على عكس الفلسطينيين عام ‪ 1948‬إذ كانت القيادة الفلسطينية مدركة‬
‫ضرورة الوصول إلى اتفاق يؤمن بالدها‪ ،‬وحاولت الحصول على نجاح دبلوماسي‬

‫‪ .3838‬هنري لورنس‪ ،‬اللعبة الكبرى‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد مخلوف‪ ،‬تونس‪ ،‬دار قرطبة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬ص ‪، 348 -344‬‬
‫‪ ،1992‬مصدر سبق ذكره‬

‫‪41‬‬
‫يسمح لها بزيادة تمثيلها الدولي‪ ،‬وقد دعمت المقترحات الفرنسية المصرية فى مجلس‬
‫األمن إلى توسيع إطار القرار ‪ 242‬كى يشمل حقوق الفلسطينيين‪ ،‬واعترض‬
‫األمريكيون على ذلك واستمروا على اتفاق سيناء‪.‬‬

‫إسرائيل والفلسطينيون في لبنان ‪:‬‬

‫بدأ اإلسرائيليون منذ احتاللهم للبنان في تدمير البنية األساسية لمنظمة التحرير‬
‫الفلسطينية ‪ ،‬ولم تستهدف العملية المؤسسات السياسية ‪ ،‬وتم القبض على اآلالف من‬
‫األشخاص المدنيين إلى المعتقالت ‪ ،‬وتمت إزالة المخيمات‪ ،‬وقد شاركت القوات‬
‫اللبنانية في الدفاع ضد هذه الحمالت التي تحاول إعادة حرب ‪ 1948‬لتلقى‬
‫بالفلسطينيين بعيداً عن حدود الدولة العربية‪.‬ففي أغسطس من عام ‪ 1982‬تم انتخاب‬
‫بشير الجميل رئيسا للجمهورية برغم مقاطعة قسم كبير من النواب السنة‪,‬وقد رفض‬
‫الرئيس المنتخب قبل تسلُّم مهامه المقترحات اإلسرائيلية لعقد معاهدة سالم بسرعة‪،‬‬
‫ودعا بعد ذلك إلى تحالف خفي مع إسرائيل‪ ,‬وأراد إعادة سلطة دولة لبنانية قوية على‬
‫مجمل األراضي الوطنية ‪ ،‬لذلك لم يقبل المحافظة على المناطق المسيحية الواقعة‬
‫تحت سيطرة سعد حداد ؛ مما أثار استياء اإلسرائيليين وطالب برحيل القوات‬
‫األصلية‪.‬وكانت الحرب في لبنان لعدة أسباب منها ‪ :‬أن الخسائر العسكرية لمنظمة‬
‫التحرير الفلسطينية لم تؤثر في تطلعات الشعب الفلسطينى إلى حل عادل لمطالبه‪,‬‬
‫كما أن القوات اإلسرائيلية برغم انتصاراتها لم تستطع تحقيق السالم ‪ ،‬وأصبح‬
‫الطريق فى مرحلة التوفيق بين المطالب األمنية المشروعة إلسرائيل والحقوق‬
‫المشروعة للفلسطينيين‪ ،‬وأنه على إسرائيل توضيح أن األمر الذي تتطلع إليه ال يمكن‬
‫تحقيقه إال من خالل سالم حقيقي‪ ،‬وكما جاء فى اتفاقية كامب ديفيد يجب أن تكون‬
‫هناك فترة يتمتع خاللها السكان الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة بحكم‬
‫ذاتي كامل لشئونهم الخاصة‪ ,‬مع األخذ في االعتبار تقديم مبدأ الحكم الذاتي لسكان‬
‫األراضي المحتلة ‪ ،‬وللمطالب المشروعة لهم مع إجراءات انتخابات حرة الختيار‬
‫سلطة فلسطينية للحكم الذاتي‪ ،‬وإ ثبات أن الفلسطينيين قادرون على حكم أنفسهم ‪ ،‬وأن‬

‫‪42‬‬
‫الحكم الذاتي ال يشكل تهديدا ألمن إسرائيل‪)39(.‬أما بالنسبة للموقف األمريكي لم يكن‬
‫واضحا من تلك االقتراحات؛ فالهدف من هذه الفترة االنتقالية انتقال السلطة المحلية‬
‫ً‬
‫في صورة سلمية ومنظمة من إسرائيل إلى السكان الفلسطينيين فى الضفة الغربية‬
‫وقطاع غزة ‪ ،‬ومن الواضح أن السالم لن يتحقق إال عن طريق إقامة دولة فلسطينية‬
‫مستقلة فى هاتين المنطقتين ‪ ،‬فال يمكن تحقيقه عن طريق ممارسة إسرائيل سيادتها أو‬
‫سيطرتها الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬لذا فالواليات المتحدة لن تؤيد‬
‫إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ‪ ،‬ولن تؤيد ضمها والسيطرة‬
‫عليها من قبل إسرائيل ‪.‬‬

‫وال يزال قرار مجلس األمن الرقم ‪ 242‬فعاال فى مجمله لجهود السالم التى‬
‫تبذلها الواليات المتحدة األمريكية فى الشرق األوسط ‪ ،‬فموقف الواليات المتحدة يقوم‬
‫على السالم مقابل االنسحاب من كل الجبهات بما فى ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة‬
‫‪ ،‬حيث يجرى التفاوض بين األردن وإ سرائيل فى شأن مسألة الحدود فى مقابل تطبيع‬
‫العالقات ‪.‬‬

‫وقد طالبت العسكرية اإلسرائيلية دخول الجيش اللبنانى إلى المخيمات‬


‫الفلسطينية ‪ ،‬وقد رفض اللبنانى ميشيل عون قائد قطاع بيروت االعتماد على تعليمات‬
‫رئيس الوزراء بشأن التعاون مع اإلسرائيليين للحفاظ على تالحم الجيش اللبنانى ‪ ،‬فى‬
‫مخيمي صبرا وشتيال المحاصرين من قبل الجيش‬
‫ْ‬ ‫حين قبلت القوات اللبنانية دخول‬
‫اإلسرائيلى ‪ ،‬وذهبت فى الفترة من ‪ 18 -16‬من سبتمبر بقيادة أحد مسئوليها حوالي‬
‫‪ 4000‬شخص من رجال ونساء وأطفال ‪ ،‬وتم إدخال الميليشيات إلى المخيمات‬
‫بتدريج ضمن المنطق المنيع فى التدمير ‪ ،‬وطُ ِرد الفلسطينيون‪ ،‬ونتيجة لهذه المجازر‬
‫قامت مظاهرة جماهيرية فى إسرائيل تدين سياسة حكوماتها‪ ،‬كذلك الواليات المتحدة‬
‫التى استنكرت المجزرة في محاولة لضمان حفظ سالمة الفلسطينيين‪.‬‬

‫فشل السالم اإلسرائيلي في لبنان ‪:‬‬

‫‪ .3939‬هنري لورنس‪ ،‬اللعبة الكبرى‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد مخلوف‪ ،‬تونس‪ ،‬دار قرطبة‪ ،‬ص‪350‬‬

‫‪43‬‬
‫بدأت إسرائيل في السيطرة على لبنان إذ احتل الجيش جزءا كبيراً من البالد ‪،‬‬
‫وحلفاؤها فى القوات اللبنانية يلعبون دورا أساسيا فى السلطة القائمة ‪ ،‬فلبنان يرتبط‬
‫بمحيطه العربى أكثر من مصر‪ ،‬فاقتصاد لبنان قائم على الخدمات مباشرة مع‬
‫االقتصادات العربية بمجملها بسبب إدارته ورجال أعماله المقيمين فى البلدان‬
‫المختلفة‪ ،‬وال يخفى علينا أن سياسة إسرائيل تهدف إلى عزل لبنان عن العالم‬
‫ًّ‬
‫اقتصاديا‪.‬‬ ‫العربى(‪،)40‬السياسة التى قد تؤدى إلى انتحار لبنان‬

‫بدأ الرئيس اللبنانى الجديد يراهن على السياسة األمريكية وعلى نهاية جميع‬
‫أشكال االحتالل معتمداً على دعم حكومة الرئيس ريجان بضرورة الجالء لجميع‬
‫القوات األجنبية عن لبنان‪ ،‬من إسرائيلية وسورية وفلسطينية ‪ ،‬وقد عمل على أن ال‬
‫يصطدم الجيش اللبنانى بالميليشيات ‪ ،‬وقد اصطدم عمل الشرطة اللبنانية والمصالحة‬
‫الوطنية سريعا مع استمرارية المنازعات الطائفية‪ ،‬وفى بيروت الغربية أثار عمل‬
‫الشرطة اللبنانية ضد قوى اليسار احتجاجات عنيفة من قبل الحركة الوطنية السابقة ‪،‬‬
‫وحدثت اضطرابات جديدة في الشوف وجنوب لبنان الواقع تحت االحتالل بسبب‬
‫عودة القوات اللبنانية الراغبة فى استعادة سيطرتها على تلك المناطق‪ ,‬وقد حمل‬
‫الدروز السالح من جديد ‪ ،‬ليكون المدنيون من موارنة ودروز الضحية الرئيسية لتلك‬
‫المواجهات ‪ ،‬وتضامن الدروز اإلسرائيليون العاملون في الجيش اإلسرائيلي مع أبناء‬
‫طائفتهم اللبنانيين‪ ،‬وهددوا بالفرار وااللتحاق بهم في المعارك الجارية‪ ،‬وفقدت‬
‫السياسة اإلسرائيلية ثباتها بسرعة حيث دعمت الدروز والموارنة في الجنوب ‪ ،‬وقد‬
‫أدى التحالف بين الموارنة وإ سرائيل إلى اختالل موقف السكان الشيعة الذين أظهروا‬
‫عداءهم الواضح‪ 5‬للمحتلين ‪ ،‬بعد أن استقبلوا اإلسرائيليين استقباالً حسناً وفي‬
‫َّ‬
‫البقاع‪،‬وشكل الجيش السوري والقوات الفلسطينية ومختلف الميليشيات اإلسالمية‬
‫والمسيحية األجنبية عقبات أمام ترميم سلطة الدولة اللبنانية‪ ،‬وقد مارست إسرائيل‬
‫على الصعيد االقتصادي التسويق للمنتجات اإلسرائيلية مع منعها دخول المنتجات‬
‫اللبنانية إلى أراضيها مما أدى إلى انتشار التهريب‪ ,‬وبدأت مقاومة االحتالل‬

‫‪ .4040‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬هالة مصطفى‪ ،‬العالقات المصرية اإلسرائيلية بعد أحداث لبنان‪ ،‬ص‪ 92‬ـ ‪95‬‬

‫‪44‬‬
‫اإلسرائيلي منذ معركة بيروت مع أول نداء لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في تاريخ‬
‫‪ 20‬من سبتمبر ‪ 1982‬ووجدت هذه الحركة أصولها لدى الحزب الشيوعي اللبناني‪،‬‬
‫ومنظمة العمل الشيوعي اللبناني‪ ،‬وهما منظمتان أغلبية أعضائهما من الشيعة ؛‬
‫لكنهما ذات ميول ماركسية ‪ ،‬والتحق بهما بسرعة ‪ -‬في إطار الحركة ‪ -‬قوى أخرى‬
‫مثل الحزب السوري القوى االجتماعي‪ ،‬وقد بدأت العمليات األولى عن طريق‬
‫الحركة الوطنية ولم تتدخل الدروز إال في وقت متأخر وتكاثرت عمليات االعتداء ‪،‬‬
‫وأصبحت سمة الحياة اليومية ‪ ،‬وتحولت مدينة حيفا إلى مركز نشط لحزب العصابات‬
‫المدنية‪ ،‬وفي ‪ 11‬من نوفمبر تم تدمير المقر اإلسرائيلي عن طريق انفجار أدى إلى‬
‫شخصا من بينهم ‪ 75‬إسرائيلياً وتباينت ردود األفعال اإلسرائيلية بعدها ‪.‬‬
‫ً‬ ‫مقتل ‪89‬‬

‫بعدها ردت إسرائيل بقمع شديد على حرب العصابات حيث نقلت اآلالف من‬
‫اللبنانيين والفلسطينيين إلى معسكر األنصار‪ ,‬إذ اعتقلتهم لفترات طويلة‪،‬واختفى عدد‬
‫كبير من األشخاص إثر القبض عليهم من قبل الجيش اإلسرائيلي أو القوات اللبنانية‪،‬‬
‫وقامت إسرائيل بالوقوف في مواجهة حرب العصابات التي قامت بها المقاومة‬
‫اللبنانية‪.‬‬

‫وبدأت المفاوضات اإلسرائيلية اللبنانية بإشراف األمريكيين في‪10‬من ديسمبر‬


‫من عام ‪ 1982‬حيث الجو المتوتر والمشحون ‪ ،‬وكان ُّ‬
‫تقدم المفاوضات بطيئاً ‪ ،‬وقد‬
‫تم نشر تقرير كامل حول مجزرة صبرا وشاتيال ‪ ،‬اضطر أريل شارون إلى التخلي‬
‫عن وزارة الدفاع مع بقائه عضوا في الحركة ثم تخلى موشى أرنس أمام الضغوط‬
‫تسع الواليات المتحدة األمريكية للمطالبة‬
‫األمريكية‪.‬ومع زيادة خطورة الوضع لم َ‬
‫بإبرام معاهدة سالم ‪ ،‬واكتفت بمجرد المطالبة باتفاق يحقق المطالب األساسية‬
‫إلسرائيل ‪،‬المتمثلة في انسحاب القوات السورية والفلسطينية واإلسرائيلية من لبنان ‪،‬‬
‫ووقف جميع األعمال المعادية ‪ :‬عسكرية أو سياسية ‪ ،‬أو دبلوماسية ‪ ،‬أو اقتصادية ‪،‬‬
‫وتشكيل حزام أمني في جنوب لبنان يحقق للجيش اإلسرائيلي القيام بدورياته فيه‪ ،‬وتم‬
‫االتفاق بتاريخ ‪ 14‬من مايو ‪ ،1983‬وشجب اليسار اللبناني ذلك االتفاق‪ ,‬وكذلك‬
‫سوريا التي لم تشارك في المفاوضات ‪ ،‬ولم يستطع أمين الجميل الحصول على‬

‫‪45‬‬
‫تصديقه من البرلمان اللبناني ؛ بالرغم من دعم أعيان السنة في بيروت‪ .‬أما في‬
‫الجنوب فقد شاركت الطائفة الشيعية بشكل كبير في المقاومة ضد إسرائيل اعتباراً من‬
‫ربيع ‪ 1983‬ودخلت حركة أمل بقيادة نبيه بري في المعارك ‪ ،‬وبدأت حركة ذات‬
‫َّ‬
‫وتشكل حزب اهلل المدعوم من إيران‪ ،‬وقد تم استخدام العربات‬ ‫ٍ‬
‫والء للشيعة‪،‬‬
‫االنتحارية من قبل مقاتلي الجهاد إلى جانب شتى أشكال االستشهاد لتلك الحرب‬
‫الشيعية الجديدة‪)41(.‬‬

‫أما في منطقة الشوف فقد قرر آرنس قلب التحالفات رأساً على عقب ودعم‬
‫الدروز الذين كانت سوريا تعيد تسليمهم من جانب آخر ‪ ،‬وبعد جالء الجيش‬
‫اإلسرائيلي من تلك المنطقة في سبتمبر من عام ‪ 1983‬بدأت الحرب في الجبل‬
‫وانتهت بانهيار القوات اللبنانية أمام الحزب االشتراكي التقدمي والتهجير المأساوي‬
‫لعدة آالف من المسيحيين‪ ،‬فالهجوم الدرزي على بيروت المعزز بقوات أمل الشيعية‬
‫لم يصد إال عند حاجز سوف الغرب من ِقَبل الجيش اللبناني بقيادة ميشيل عون ‪ ،‬وتم‬
‫احترام وقف إطالق النار في أكتوبر ولم تعد القوة متعددة الجنسيات معتبرة بوصفها‬
‫قوة حيادية للفصل في المعارضة اللبنانية‪ .‬وفي أكتوبر تم عقد مؤتمر للمصالحة‬
‫الوطنية في جينيف بسويسرا ‪،‬ولكن في الوقت نفسه تم تنفيذ عمليتي اعتداء ضد‬
‫ًّ‬
‫أمريكيا وأصبح انسحاب‬ ‫ًّ‬
‫فرنسيا و ‪239‬‬ ‫القوات متعددة الجنسيات أدت إلى مقتل ‪56‬‬
‫تلك القوة متوقعاً‪.‬‬

‫وقد توصل المسئولون اللبنانيون في مؤتمر جنيف إلى اتفاق مبدئي حول‬
‫االنتماء والهوية العربيين للبنان ‪ ،‬وضرورة‪ 5‬االنسحاب المسبق لإلسرائيليين‪,‬‬
‫استسالما أمام سوريا‪ ،‬وتم استئناف المعارك‬
‫ً‬ ‫ورفضت القوات اللبنانية قبول ما أسمته‬
‫ورط القوى متعددة الجنسيات في األزمة اللبنانية‪,‬‬
‫منذ مطلع نوفمبر بشكل أقوى؛ مما َّ‬
‫ًّ‬
‫تدريجيا من لبنان خالل شهري يناير وفبراير في عام ‪1984‬‬ ‫ثم انسحبت تلك القوة‬
‫مما أدى إلى استئناف معركة بيروت ‪ ،‬وبعد معارك تميزت بقذف الضاحية الجنوبية‬
‫من ِقَبل الجيش اللبناني استولت حركة أهل الحزب االشتراكي التقدمي على بيروت‬

‫‪ .4141‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ : 354‬ص ‪357‬‬

‫‪46‬‬
‫الغربية وتم الفصل من جديد بين شطري المدينة‪ ،‬وفي مارس من عام ‪ 1984‬نقض‬
‫أمين الجميل اتفاق ‪ 17‬من مايو وقطع العالقات مع إسرائيل وواصل العالقات مع‬
‫سوريا‪.‬‬

‫فشل السالم السوري في لبنان ‪:‬‬

‫بدأت سوريا في استخدام المعارضات السياسية من أجل فشل المحاوالت‬


‫اإلسرائيلية واألمريكية ؛ إلقامة نظام يحافظ على مصالحها‪ ،‬واستطاعت المعارضة‬
‫اللبنانية لنظام أمين الجميل تشكيل تحالف منتصر بفضل المساعدة المالية والعسكرية‬
‫التي منحها لها الرئيس األسد ‪ ،‬فقيام منظومة سورية داخل لبنان يتطلب مصالحة‬
‫دستورية بين المسيحيين والمسلمين وإ يجاد عالقات سياسية تدمج بين النظام السياسي‬
‫اللبناني وجهاز السلطة السورية ‪ ،‬ولم يحاول السوريون اللجوء إلى التدخل العسكري‬
‫المباشر ‪ ،‬لكن باستخدام القوى السياسية المحلية والمؤسسات اللبنانية‪ .‬وتم عقد مؤتمر‬
‫للمجلس الوطني في لوزانما بين ‪ 20 – 12‬من مارس في عام ‪ 1984‬وتم اتفاق‬
‫حول مبدأ اإلصالحات الدستورية‪ ،‬لكن المواجهات استمرت في شهر إبريل برغم‬
‫تشكيل حكومة االئتالف الوطني برئاسة رشيد كرامي ‪ ،‬وفرضت سوريا هدنة إلنهاء‬
‫(‪)42‬‬
‫الوضع‪.‬‬

‫‪4242‬‬
‫‪ .‬السنوي السادس للبحوث السياسية ت‪ -‬القاهرة من ‪ 7- 5‬ديسمبر ‪ ، 1992‬ص ‪ : 177‬ص‪184‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫لبنان ومواجهة إسرائيل‬

‫المقاومة اللبنانية لالحتالل اإلسرائيلي ‪2000-1982‬‬

‫‪48‬‬
‫المبحث األول‬
‫المقاومة اللبنانية لالحتالل اإلسرائيلي ( ‪) 2000 – 1982‬‬
‫بدأت إسرائيل أولى عملياتها العسكرية في لبنان في عام ‪ 1978‬كما سبق‬
‫الذكر في عملية تسمى ( عملية الليطاني ) وقد ُوظِّفَت ميليشيا الضابط اللبناني‬
‫المنشق سعد حداد لحراسة حدودها من عمليات المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان‪،‬‬
‫وساعد على تماسك هذه الميليشيا وجود الجيش اإلسرائيلي في منطقة الجنوب ‪،‬‬
‫ونجاحه في بناء التحصينات الدفاعية القوية التي فُ ِرضت على العمل الفدائي‬
‫الفلسطيني ‪ ،‬وبعدها تم العمل على اتباع أسلوب تسلل المجموعات المقاتلة من‬
‫الجنوب اللبناني إلى داخل فلسطين ‪ ،‬واالنتقال إلى أسلوب القصف الصاروخي‬
‫بالقذائف وصواريخ‪ 5‬الكاتيوشا للتجمعات العسكرية اإلسرائيلية في الجنوب اللبناني‬
‫المحتل أو للمستعمرات اإلسرائيلية في الجليل األعلى شمال فلسطين المحتلة ‪)43(.‬‬

‫لم تستطع ( عملية الليطاني ) اإلسرائيلية وال جيش العميل سعد حداد وقف‬
‫عمليات المقاومة الفلسطينية في الجنوب ؛ مما جعل المواجهة تنتقل إلى داخل‬
‫بيروت‪ ،‬مما جعل الحرب الجوية الكثيفة على مركز السلطة والثورة الفلسطينية‬
‫ومؤسساتها في لبنان‪ -‬تزداد‪ ،‬وفي خالل عام ‪ 1981‬تم اجتياح لبنان وحصار‬
‫يوما‪.‬وفي عام ‪ 1982‬تم الوصول إلى إخراج مقاتلي فصائل‬
‫عاصمته لمدة ‪ً 88‬‬
‫منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان بمقتضى اتفاق فيليب حبيب ‪،‬وبالرغم من إجبار‬
‫إسرائيل على االنسحاب من بيروت بعد عشرة أيام من احتاللها بسبب مقاومة الجبهة‬
‫الوطنية اللبنانية وإ لحاقها خسائر بشرية بجنود االحتالل ‪ ،‬وبرغم أن هذا االنسحاب‬
‫سيتبع إلى مثلث ظهره ‪ ،‬والدثور ‪ ،‬ثم جبال عالية ‪ ،‬وجبال الشوف ليبلغ االنسحاب‬
‫المنزل من صيدا ‪ ،‬ثم صور ‪ ،‬والنبطية مع احتفاظ إسرائيل بجيشها في الجنوب‬
‫لتوسع من منطقة الشريط المحتل لتصل إلى البقاع الغربي ثم راشيا وخرين في عمق‬
‫الجنوب‪.‬‬

‫‪ .4343‬المقاومة وتحرير جنوب لبنان‪ ،‬الدكتور عبد اهلل بلقيز‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ص‪20-19‬‬

‫‪49‬‬
‫لم تستغن إسرائيل عن جيش لبنان الجنوبي ‪ ،‬بل أمدته باإلمكانيات الالزمة‬
‫للتسليح‪ ،‬ليصبح قوة ضاربة ‪ ،‬وعندما توفى العميل سعد حداد سلمت إسرائيل قيادة‬
‫الجيش إلى الضابط المتقاعد العميل أنطوان لحد ؛ لتستمر المعركة الساخنة بين جيشه‬
‫وإ سرائيل من جهة ضد المقاومة اللبنانية التي أصبحت مقاومة إسالمية يقودها حزب‬
‫اهلل ‪ ،‬بعد أن كان يقودها الشيوعيون والقوميون ‪ ،‬وكان ذلك في أواخر‬
‫الثمانينيات‪،‬وعندما تصاعدت المقاومة وعجزت قوات االحتالل الجنوبي عن‬
‫التصدي لعمليات المقاومة قامت إسرائيل بعمل مغامرتين عسكريتين في يوليو من‬
‫عام ‪ 1993‬وأبريل ‪ 1996‬قادتا إلى هزيمتها سياسيا وإ لى اضطرارها إلى‬
‫االعتراف بحق المقاومة في القتال‪.‬‬

‫وقد خسرت إسرائيل في حربها مع لبنان ما يقرب من ألف وخمسمائة قتيل‬


‫وأكثر من عشرين ألف جريح ‪ ،‬وهو مالم تخسره في حربها عام ‪ ،1967‬ما‬
‫اضطرها إلى إعالن نيتها االنسحاب من الجحيم اللبناني ‪ ،‬وكذلك إنهاء عالقتها‬
‫بجيشها العميل في جنوب لبنان ‪ ،‬وحاولت إسرائيل إيجاد سيناريو مناسب لهذا الجيش‬
‫العميل عن طريق تسلُّمه المناطق التي ينسحبون منها أو الرحيل معهم إلى داخل‬
‫فلسطين المحتلة أو الضغط على لبنان ‪ ،‬وابتزازها إلصدار العفو عنهم ‪ ،‬وقد كانت‬
‫إسرائيل تفضل الحل األول لعلمها برفض الدولة اللبنانية لهذه الحلول ‪ ،‬وكذلك لكي‬
‫تحتفظ بخبرات الجيش للحد في الدفاع عن إسرائيل‪ ،‬وتستطيع بذلك إشعال فتنة‬
‫طائفية بين المقاومة والجيش الجنوبي لكي تقنع األمم المتحدة بأنها نفذت القرار ‪425‬‬
‫ورفضت تقسيم لبنان ولكن ذلك لم يحدث لمجرد سيطرة المقاومة على الجنوب‬
‫(‪)44‬‬
‫اللبناني‪ ،‬وفر الجنود وهربوا‪.‬‬

‫موقف مجلس األمن من الغزو اإلسرائيلي للبنان ‪:‬‬

‫‪ .4444‬المقاومة وتحرير جنوب لبنان‪ ،‬الدكتور عبد اهلل بلقيز‪ ،‬مركز الدراسات الوحدة العربية‪ ،‬ص‪،22-20‬‬

‫المرجع السابق‬

‫‪50‬‬
‫جاء موقف مجلس األمن على إثر الغزو اإلسرائيلي للبنان عام ‪ 1982‬ليعبر‬
‫عن قلق المجتمع الدولي من تجدد أعمال العنف مما أدى إلى عقد اجتماع طارئ‬
‫وصدور قرارين متتاليين رقم ‪ 509 ، 508‬يتضمنان‪:‬‬

‫االنسحاب الفوري للقوات اإلسرائيلية إلى الحدود الدولية‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫التزام األطراف المعنية كافة بوقف نشاطها العسكري ًّ‬
‫فوريا داخل أراضي لبنان‬ ‫‪-‬‬
‫وحول الحدود اإلسرائيلية اللبنانية المشتركة‪.‬‬

‫وفي ‪ 18‬من يونيو ‪ 1982‬صدر قرار يتضمن تجديد عمل قوات الطوارئ‬
‫في لبنان لمدة ‪ 60‬يوما بموافقة ‪ 13‬دولة‪ ،‬وامتنع االتحاد السوفيتي وبولندا عن‬
‫نظرا لتحفظهما على وجود قوات دولية ودخول األمم المتحدة في لبنان‪.‬‬
‫التصويت ً‬
‫وفي ‪ 30‬من يوليو ‪ 1982‬صدر قرار ينص على ضرورة رفع إسرائيل‬
‫حصارها العسكري عن بيروت ؛ حتى تستطيع إرسال المواد الغذائية للسكان‬
‫المحاصرين ‪ ،‬وصدر القرار بموافقة ‪ 14‬دولة مع امتناع الواليات المتحدة عن‬
‫التصويت‪ ،‬ونتيجة الستمرار أعمال العنف التي تقوم بها إسرائيل وانتهاكاتها‬
‫المتكررة لقرارات مجلس األمن وعدم التزامها وافق مجلس األمن على عقد جلسة‬
‫طارئة بناء على طلب االتحاد السوفيتيفي‪ 24‬من أغسطس ‪ ، 1982‬طالب فيها‬
‫إسرائيل باالنسحاب الفوري للقوات اإلسرائيلية من بيروت الغربية إلى خطوط وقف‬
‫إطالق النار ‪ ،‬وقد صدر القرار الذى قدمته كل من إسبانيا واألردن بأغلبية ‪ 14‬صوتا‬
‫‪ ،‬وامتنعت الواليات المتحدة عن التصويت‪ 5‬معبرة عن تحفظها للقرار‪ ،‬الذى وصفته‬
‫بأنه غير متوازن وهددت باستخدام الفيتو‪.‬‬

‫ومثلما فعلت الواليات المتحدة مع المشروع اإلسبانى فعلت مع المشروع‬


‫الفرنسى الذى طالب بوقف إطالق النار واالنسحاب الفوري من بيروت للقوات‬
‫اإلسرائيلية عشر كيلومترات عن مشارف العاصمة ‪،‬بوصف ذلك خطوة أولى نحو‬
‫انسحاب كامل من لبنان ‪ ،‬ثم االنسحاب المتزامن لقوات المقاومة الفلسطينية إلى‬

‫‪51‬‬
‫مواقع يتم تحديدها مع استعادة الحكومة اللبنانية سيطرتها الكاملة على بيروت مع‬
‫وقف إطالق النار ‪ ،‬وفك االشتباك حول لبنان ‪.‬‬

‫وباستثناء الواليات المتحدة نقد صوت جميع الدول األعضاء في مجلس‬


‫األمن‪ ،‬واعترضت‪ 5‬الواليات المتحدة على عدم تحقيق المشروع لشرط أساسي هو‬
‫إزالة الوجود الفلسطيني المسلح من بيروت ‪ ،‬وقد سبق أن ربحت الواليات المتحدة‬
‫من خروج الفدائيين من لبنان بدون أسلحتهم ‪ ،‬بدون تفاوض ‪ ،‬وبذلك أعطت الواليات‬
‫المتحدة باستخدامها الفيتو في مجلس األمن الضوء األخضر إلسرائيل لكي تجتاح‬
‫بيروت الغربية‪ ،‬ورحبت إسرائيل بالفيتو ضد المشروع الفرنسي(‪)45‬؛ مما أدى إلى‬
‫إعالن متحدث باسم وزارة الخارجية اإلسرائيلية أن إسرائيل تلقت بارتياح كبير‬
‫الموقف األمريكي الذي يتفق مع المبادرة السياسية اإلسرائيلية‪.‬‬

‫المشروع المصري الفرنسي‪ G‬بشأن غزو لبنان‪:‬‬

‫ظهر المشروع المصري الفرنسي على الساحة في اجتماع مجلس األمن‬


‫الدولي في ‪ 7‬من يوليو ‪ 1982‬لبحث مشروع قرار اعتزمت فرنسا تقديمه بشأن‬
‫لبنان‪ ،‬وتم عمل وثيقة مشتركة بين مصر وفرنسا تنص على اقتراح مشترك لفك‬
‫االشتباك بين القوات الفلسطينية واإلسرائيلية في بيروت العربية ‪ ،‬واالعتراف‬
‫بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مثل حق تحقيق المصير ‪ ،‬وإ نشاء دولة خاصة‬
‫به ‪ ،‬واالعتراف المتبادل بين أطراف النزاع العربي اإلسرائيلي‪.‬‬

‫وقد تعرض المشروع للجوانب السياسية للمشكلة‪ ،‬ولم تلجأ مصر وفرنسا إلى‬
‫طرح المشروع للتصويت ؛ لتفاديلوقوع فيتو أمريكي ‪ ،‬ولكي تشارك جميع األطراف‬
‫في وضع الصيغة النهائية لمشروع القرار ‪ ،‬ويتضح الفرق بين المشروعين من خالل‬
‫هذه النقاط‪:‬‬

‫‪ -1‬أوالً ينص المشروع األول على أن يكون االنسحاب بشكل متزامن ‪ ،‬بينما لم‬
‫ينص المشروع المعدل أن يكون متزامنا للقوات الفلسطينية اإلسرائيلية‪.‬‬

‫‪ .4545‬هالة مصطفى‪ ،‬الغزو اإلسرائيلي للبنان فى األمم المتحدة‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬اكتوبر ‪ ،82‬العدد‪، 70 5‬‬
‫ص‪139 -137‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ -2‬أكد المشروع األول انسحاب القوات الفلسطينية إلى أحد المخيمات دون تحديد‬
‫لمواقعها ؛ بينما نص المشروع المعدل على انسحاب القوات الفلسطينية خارج‬
‫بيروت‪.‬‬

‫‪ -3‬لم يحدد المشروع األول مصير األسلحة الفلسطينية الثقيلة‪ ،‬أما المشروع المعدل‬
‫ينص على إبرام اتفاق مع الحكومة اللبنانية بشأن مصير األسلحة‪.‬‬

‫وبذلك تتضح الصورة‪ 5‬عن طريق عدة قرارات عن مجلس األمن والجمعية‬
‫العامة بشأن الغزو اإلسرائيلي للبنان‪،‬لكن كلها تتعلق بجوانب فرعية ترتبط باألزمة‬
‫الناشئة عن الغزو اإلسرائيلي ‪ ،‬لكنها لم تتخذ موقفًا من األزمة نفسها ‪ ،‬التي كان‬
‫الفيتو األمريكي سرعان ما يظهر ضد أي مشروع على الساحة (‪ )46‬مثل‬
‫تضمنا حالًّ لألزمة‪.‬‬
‫المشروعين اإلسباني والفرنسي اللذين َّ‬

‫وهذا يؤكد أن مجلس األمن قد أخفق في عمل مهامه الرئيسية التي حددتها له‬
‫األمم المتحدة؛ أال وهي فض المنازعات بالطرق السلمية؛ بسبب صراعات الدول‬
‫الكبرى‪ ،‬واستخدام األداة العسكرية‪ ،‬وعدم تنفيذ قرارات مجلس األمن؛ مما يؤدى إلى‬
‫فقدان ثقة المجتمع الدولي‪ ،‬وباألخص الدول الصغرى في األمم المتحدة ومجلس‬
‫األمن‪.‬‬

‫ومما سبق يتضح أن قضية الغزو اإلسرائيلى للبنان قد تاهت في أروقة األمم‬
‫المتحدة بسبب عجز مجلس األمن عن إصدار قرار حاسم بشأن األزمة ‪.‬‬

‫الموقف الدولي واإلقليمي من الغزو اإلسرائيلي للبنان ‪1982‬‬

‫أوالً‪ :‬الموقف اإلقليمى من الغزو ‪:‬‬

‫‪ .4646‬هالة مصطفى‪،‬الغزو اإلسرائيلي للبنان في األمم المتحدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪139 -137‬‬

‫‪53‬‬
‫لقد كان الغزو اإلسرائيلى فى يونيو ‪ 1982‬بمثابة الشرارة التى فجرت بركان‬
‫الغضب فى أرجاء العالم العربى ؛ مما أثار ردود فعل عربية وإ قليمية ضد هذا الغزو‬
‫والتى عدته الدول العربية إهانة إلى كياناتها بوصف لبنان أحد أهم وأكبر القوى‬
‫العربية واإلقليمية فى المنطقة ‪.‬‬

‫‪ .1‬موقف سوريا من الغزو‪:‬‬

‫إن القيادة السورية لم تدرك ضخامة العملية العسكرية اإلسرائيلية وبالرغم من‬
‫المباغتة تمكن الجيش السوري من وقف تقدم القوة اإلسرائيلية المتجهة إلى ظهر‬
‫البيدر و قاتلت فيما بعد بشراسة في البقاع‪.‬‬

‫بعد احتالل قلعة شقيف تم تسليم القلعة إلى سعد حداد قائد جيش لبنان الجنوبي الموالية‬
‫إلسرائيل وبعد أيام سقطت صيدون و صور و دامور معاقل منظمة التحرير الواحدة‬
‫تلو األخرى أمام التقدم اإلسرائيلي وبدأ الجيش اإلسرائيلي بالتقدم نحو الطريق‬
‫الرئيسي بين بيروت و دمشق مخترقين منطقة الشوف الواقعة في وسط الجنوب‬
‫اللبناني وفي ‪ 8‬يونيو ‪ 1982‬إشتبك الجيش السوري ألول مرة مع الجيش‬
‫اإلسرائيلي‪ .‬بعد ‪ 5‬أيام فقط من اإلجتياح تمكنت القوات اإلسرائيلية من بسط‬
‫سيطرتها على ‪ 1/3‬من األراضي اللبنانية وفي ‪ 9‬يونيو ‪ 1982‬وصل الجيش‬
‫اإلسرائيلي إلى مشارف بيروت وفي نفس اليوم تمكن سالح الجو اإلسرائيلي من من‬
‫تدمير عدة مواقع للدفاع الجوي السوري باإلضافة إلى إسقاط مقاتلة ميغ ‪ 22‬سورية‬
‫في إشتباك جوي ضخم بين ‪ 90‬مقاتلة إسرائيلية و ‪ 60‬مقاتلة سورية واضطر الجيش‬
‫السوري إلى اإلنسحاب من منطقة الشوف وفي يوم ‪ 14‬يونيو ‪ 1982‬دخل الجيش‬
‫اإلسرائيلي شرق بيروت ذات األغلبية المسيحية وطوقت القسم الغربي من بيروت‬
‫الذي كان معقال رئيسيا للمقاتلين الفلسطينيين وتمكنوا من السيطرة على طريق‬
‫بيروت ‪ -‬دمشق ‪.‬‬

‫مع اقتراب نهاية شهر يونيو كان هناك ‪ 100,000‬جندي إسرائيلي في لبنان بينما‬
‫وصل عدد القوات السورية إلى ‪ 40,000‬بينما وكان هناك ‪ 11,000‬مقاتل فلسطيني‬
‫محاصرين مع ياسر عرفات في غرب بيروت وفي مطلع شهر يوليو قام الجيش‬

‫‪54‬‬
‫اإلسرائيلي بفرض حصار على غرب بيروت قاطعة وصول المواد الغذائية والماء‬
‫إلى تلك المنطقة وتم منع اإلنتقال بين شطري بيروت واستمر القصف اإلسرائيلي‬
‫(‪)47‬‬ ‫لغرب بيروت بصورة متفاوتة طوال شهر يوليو‪.‬‬

‫‪ .2‬موقف مصر من الغزو‪:‬‬

‫ورافضا للغزو اإلسرائيلى أكثر من‬


‫ً‬ ‫لقد اتخذ رد الفعل المصرى اتجاها ًّ‬
‫قويا‬
‫ردود األفعال العربية األخرى ؛ على الرغم من ارتباطها بمعاهدة سالم مع إسرائيل‬
‫منذ ‪ 26‬من مارس ‪1979‬؛ َّ‬
‫لكن هذا لم يمنعها من اتخاذ موقف متشدد من هذا‬
‫الغزو؛ بل ربطت موقفها هذا من األزمة بمستقبل السالم في منطقة الشرق األوسط‪.‬‬
‫(‪)47‬‬

‫ولقد بادرت مصر بإدانة العدوان وتحذير إسرائيل من النتائج الخطيرة التى‬
‫ستترتب عليه‪ ،‬وبعث الرئيس مبارك برسالة عاجلة إلى رئيس الوزراء اإلسرائيلى‬
‫مناحم بيجين يطالبه فيها باالنسحاب الفورى من لبنان‪،‬لكن لم تفلح المحاوالت‬
‫المصرية وبدأت االتصاالت مع الواليات المتحدة وأعلنت الخارجية المصرية في ‪2‬‬
‫من يوليو أن عالقة مصر بإسرائيل تغيرت بعد عدوانها على الشعب الفلسطينى‬
‫واللبنانى؛ لقد هاجمت إسرائيل دولة عربية واعتدت على الشعب الفلسطيني مخالفة‬
‫بذلك روح اتفاقية كامب ديفيد ؛ ولذلك فقد توقفت العملية التالية للسالم ‪ ،‬مع تأكيد‬
‫مصر أنها تتمسك بكامب ديفيد وبمعاهدة السالم مع إسرائيل‪ ،‬وبذلك فإن مصر تفصل‬
‫فى موقفها مع إسرائيل بين ما تم التوصل إليه وتطور العالقات في المستقبل‪ ،‬وظهر‬
‫ذلك بوضوح من خالل عملية التطبيع مع إسرائيل ؛ فقد امتنعت مصر عن اتخاذ أي‬

‫‪ .4747‬موقع المعرفة‬
‫_‪http://www.marefa.org/index.php/%D8%BA%D8%B2%D9%88‬‬
‫‪%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86_1982‬‬
‫‪ .48‬وحيد عبد المجيد‪ ،‬الموقف المصري من الغزو اإلسرائيلي للبنان‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬ص ‪،160‬أكتوبر‬
‫‪ ،82‬العدد‪70 5‬‬

‫‪55‬‬
‫قرارات أو إجراءات‪،‬وتوقع السياسيون في مصر أن تتخذ واشنطن موقفا إيجابيا‬
‫لوقف العدوان اإلسرائيلي إذ بعث الرئيس مبارك برسائل عدة إلى الرئيس ريجان‪،‬‬
‫َّ‬
‫لكن ردوده كانت بمثابة الشعور باإلحباط واليأس إذ وقفت الواليات المتحدة وحدها‬
‫تدافع عن الغزو اإلسرائيلي للبنان في مجلس األمن‪ ،‬وبهذا الموقف األمريكي لم‬
‫يتمكن مجلس األمن من إصدار قرار حاسم ضد الغزو اإلسرائيلى ‪.‬‬

‫وظل هذا الموقف عندما التقى ريجان مع بيجن في ‪ 21‬من يونيو ‪1982‬‬
‫بواشنطن‪ ،‬وكان هناك اتفاق كامل بينهما على التحرك اإلسرائيلى فى لبنان‪ ،‬وبعدها‬
‫أعلن مبارك فى ‪ 22‬من يونيو استياءه من الموقف األمريكي‪ ،‬وصرح بأن الموقف‬
‫األمريكى من أحداث لبنان لن يؤثر على العالقات المصرية األمريكية فقط؛ بل على‬
‫العالقات األمريكية العربية‪ ،‬فصورة الواليات المتحدة اهتزت بشدة وخسرت الكثير‬
‫من األرضية‪ ،‬بينما االتحاد السوفيتى يكسب أكثر‪ ،‬وأبلغت الخارجية المصرية السفير‬
‫األمريكي بالقاهرة أسف مصر من الموقف األمريكى من أحداث لبنان ‪.‬‬

‫أدركت اإلدارة األمريكية حجم االستياء فأعلن دين نيشرالمتحدث السابق باسم‬
‫الخارجية األمريكية أن الواليات المتحدة على اتصال دائم بالرئيس مبارك والحكومة‬
‫المصرية لبحث تطورات الوضع فى لبنان ؛ إليجاد مخرج لألزمة ‪ ،‬وأكد‬
‫كلينتزيلوكى رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب األمريكي ضرورة‬
‫استمرار االتصاالت ‪ ،‬لتفادى وقوع َّأية هزة بين البلدين إلى جانب االرتباط المصرى‬
‫ًّ‬
‫وعسكريا؛ فأكد الرئيس مبارك أن الواليات المتحدة تملك القدرة‬ ‫ًّ‬
‫اقتصاديا‬ ‫بأمريكا‬
‫على حل األزمة فى الشرق األوسط ‪ ،‬وبدأ فى تكثيف جهوده واتصاالته مع الدول‬
‫األوروبية وخاصة فرنسا‪)48(.‬‬

‫بدأت االتصاالت بفرنسا وبادرت القاهرة بإعالن تأييدها الكامل لمبادرة‬


‫ميتران التى أخذت شكل مشروع قرار مقدم إلى مجلس األمن‪ ،‬لكن الفيتو األمريكي‬
‫على هذا المشروع في ‪ 27‬من يونيو ‪ 1982‬كان بداية لتنسيق جديد بين القاهرة‬
‫وباريس ‪ ،‬فقد تم إعداد مسودة مشروع مشترك لتسوية أزمة الشرق األوسط ‪،‬‬

‫‪ .4848‬وحيد عبد المجيد‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪161‬‬

‫‪56‬‬
‫وأجرت الدولتان اتصاالت مع واشنطن ؛ إلقناعها بعدم رفض المشروع‪َّ ،‬‬
‫لكن التحفظ‬
‫ًّ‬
‫رسميا إلى مجلس األمن ‪ ،‬ولم تفلح كل المحاوالت التى‬ ‫األمريكي حال دون تقديمه‬
‫نظرا للتعنت األمريكي‪.‬‬
‫قامت بها البلدان ً‬
‫مهما فى طبيعة الدور الفرنسى فى المنطقة ‪،‬‬
‫وقد أحدثت هذه األزمة تحوال ًّ‬
‫متقدما كانت تشغله إسرائيل في أولويات السياسة الفرنسية‬
‫ً‬ ‫مكانا‬
‫حيث احتلت مصر ً‬
‫بالمنطقة طوال الفترة الماضية أي ما قبل ‪ ،1982‬وبعد هذه األحداث بدأت العالقات‬
‫الفرنسية اإلسرائيلية تدخل طور األزمة ألول مرة منذ دخول ميتران قصر األليزية ‪،‬‬
‫وبعدها بدأت عودة الدور الفرنسي النشط في تسوية أزمة الشرق األوسط‪ ،‬وكان هذا‬
‫ٍ‬
‫متحمس ألية مبادرة أوروبية في‬ ‫الدور قد تقلص فى بداية عهد ميتران الذى بدا غير‬
‫(‪)49‬‬
‫الشرق األوسط‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الموقف الدولى تجاه الغزو اإلسرائيلي للبنان‪:‬‬

‫جاء الغزو اإلسرائيلي على لبنان ليعيد صياغة السياسة األوروبية والدولية‬
‫سببا‬
‫تجاه الشرق األوسط ؛ فقد كانت المعارضة األمريكية لتطوير الموقف األوروبي ً‬
‫في تجميد السياسة األوروبية بالمنطقة ؛ فقد حاولت أوروبا تقديم مشروع إلى مجلس‬
‫األمن بتعديل القرار ‪ 242‬ليتمكن من استيعاب الحقائق الجديدة فى المنطقة ‪ ،‬خاصة‬
‫للقضية الفلسطينية ؛ لكن الواليات المتحدة هددت باستخدام الفيتو‪.‬‬

‫لذلك أدركت أوروبا مدى أهمية وجودها من قضية الشرق األوسط فبدأت فى‬
‫رسم مستقبلها السياسي بالمنطقة من خالل المشاركة فى قوة حفظ السالم بسيناء ‪،‬‬
‫وزيادة المشاركة األوروبية ضمن قوات الطوارئ الدولية بجنوب لبنان من خالل‬
‫(‪)50‬‬
‫وفرنسا‪.‬‬ ‫إضافة وحدات إضافية لكل من أيرلندا والنرويج‬

‫‪ .1‬الموقف األوروبي‪ G‬من الغزو اإلسرائيلي للبنان‪:‬‬

‫‪ .4949‬أمين هويدي‪ ،‬لعبة األمم في الشرق األوسط نحن وأمريكا وإ سرائيل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المستقبل العربي‪،‬‬
‫‪.1990‬‬
‫‪ .5050‬حربلبنان ‪،1982‬صور ومعلومات‪http://ar.wikipedia.org/wiki .‬‬

‫‪57‬‬
‫لم تصل أوروبا حتى األول من أكتوبر ‪ 1982‬إلى بناء نفسها بوصفها قوة‬
‫سياسية موحدة؛ فالسياسات الوطنية لدول الجماعة األوربية تشكل قاعدة الموقف‬
‫األوروبي العام ‪ ،‬وتباينت المواقف األوربية تجاه الغزو اإلسرائيلي للبنان‪ ،‬فأعلنت‬
‫هولندا قلقها تجاه هذا الغزو‪.‬‬

‫وقد بنت أوروبا الدعوى بإدانة الغزو اإلسرائيلي للبنان والدعوة النسحاب‬
‫إسرائيل ووقف إطالق النار ‪ ،‬والفصل بين القوات المتحاربة بإشراف الجيش اللبناني‬
‫ومراقب األمم المتحدة ‪ ،‬ومغادرة جميع القوات األجنبية ‪ ،‬والدعوة لبسط سلطة‬
‫الحكومة اللبنانية على أراضى البالد ‪ ،‬وقد جاءت القمة األوروبية الثالثة لتؤكد سياسة‬
‫الدول األعضاء والمجموعة األوروبية التي أعلن فيها رئيس وزراء بلجيكا رئيس‬
‫االجتماع أنه ينبغي على أوروبا اتخاذ موقف ثابت تجاه السلبية الواضحة للواليات‬
‫المتحدة تجاه الشرق األوسط؛ وعلى سبيل المثال اإلجراءات التي ينبغي اتخاذها في‬
‫حالة عدم امتثال إسرائيل لالنسحاب من لبنان‪ ،‬ومنها إقامة قوة لحفظ السالم فى‬
‫لبنان‪.‬كذلك كيفية إدارة العالقات مع الواليات المتحدة فيما يتعلق بالموقف إزاء‬
‫الوضع فى لبنان لتحقيق السالم‪.‬‬

‫وقد انقسمت المجموعة األوروبية إلى قسمين؛ األول يعارض تطور الموقف األوربي‬
‫المستقل عن السياسة األمريكية بزعامة ألمانيا الغربية وهولندا‪ ،‬واآلخر يواكب التميز‬
‫األوروبي من السياسة األمريكية بزعامة فرنسا واليونان ‪.‬‬

‫أما بشأن توقيع عقوبات ضد إسرائيل فقد تبنت اليونان وفرنسا الدعوة لتوقيع عقوبات‬
‫شديدة ضدها وممارسة الضغوط عليها لالنسحاب‪ ،‬أما الفريق اآلخر فقد رفض توقيع‬
‫أي عقوبات ضد إسرائيل‪ ،‬وكان الموقف النهائي الذي اتخذه وزراء خارجية‬
‫المجموعة األوروبية تعليق توقيع اتفاقية معونة إلسرائيل قدرها ‪ 40‬مليون دوالر ‪،‬‬
‫ووقف شحن المعدات الحربية إلسرائيل ‪.‬‬

‫أما بشأن قوة حفظ السالم في لبنان فقد ثار الخالف بين االتجاه الذي تقوده فرنسا‬
‫باقتصار مهمة القوات الدولية على الفصل بين القوات المتحاربة بينها‪ ،‬وحبذ الفريق‬
‫اآلخر أن تتولى هذه القوات اإلشراف على الجاليات األجنبية بما فيها الفلسطينية‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫أما بشأن العالقة مع الواليات المتحدة فقد كان موقف الفريق الذي تقوده ألمانيا َّ‬
‫أن‬
‫التحرك األوروبي لن يتعارض مع جهود الوساطة األمريكية التي يقوم بها فيليب‬
‫حبيب في لبنان وإ سرائيل‪ ،‬بينما تقدمت فرنسا لمجلس األمن بمشروع قرار تعرض‬
‫للفيتو األمريكي‪ ،‬وهو الذي دفع الخارجية الفرنسية إلصدار بيان جاء فيه إعرابها‬
‫عن أسفها الستخدام أمريكا للفيتو‪ ،‬وهى الدولة الوحيدة المعارضة للمشروع ‪.‬‬

‫وقد كان دور المجموعة األوروبية يسير من خالل مناخ فرضته الواليات المتحدة‬
‫وإ سرائيل‪ ،‬وال يسمح ألوروبا بأيدور فعال من خالل األزمة‪،‬حيث اجتمعوزراء‬
‫خارجية المجموعة األوروبية ‪ ،‬وطلبوا من إسرائيل السماح بأعمال اإلنقاذ في‬
‫األراضي المحتلة واالعتراف بالسيادة اللبنانية ‪ ،‬وأال يكون لها نوايا عدوانية ضد‬
‫الشعب الفلسطيني وسوريا ‪ ،‬لكن ردود فعل إسرائيل كانت عنيفة وغير مريحة‬
‫مجديا وأنها لن تسمح‬
‫ً‬ ‫بالمرة‪ ،‬إذ أوحت للجماعة األوروبية بأن تدخلها لن يكون‬
‫بعودة األوضاع إلى ما كانت عليه قبل الغزو‪ ،‬والبد من الحل السياسي‪ ،‬وأنها لن‬
‫تنسحب من لبنان مهما كانت الضغوط ‪.‬‬

‫وإ زاء هذا الرد العنيف من قبل الجانب اإلسرائيلي أصبح الوضع أشبه‬
‫بالسياسة الفردية لكل دولة من خالل المجموعة األوروبية وبشكل مستقل ‪ ،‬فتقدمت‬
‫أيرلندا بأكثر من مشروع أبطله الفيتو األمريكي‪ ،‬واستقبلت اليونان الجرحى‬
‫الفلسطينيين لعالجهم وشاركت إيطاليا في القوة الدولية المشرفة على رحيل‬
‫الفلسطينيين من بيروت ‪ ،‬وحاولت فرنسا إيجاد الحلول البديلة من خالل عدة مواقف‪.‬‬

‫الموقف الفرنسي تجاه الغزو اإلسرائيلي‪:‬‬

‫طا بالمنطقة العربية لعدة أسباب؛‬


‫تعد فرنسا من أكثر الدول األوروبية ارتبا ً‬
‫منها المصالح االقتصادية الفرنسية بالمنطقة إذ يزيد حجم االرتباطات االقتصادية‬
‫الفرنسية بدول المنطقة عن حجم ارتباطات َّأية دولة أوربية أخرى‪ ،‬بجانب العالقات‬
‫سعيا‬
‫التاريخية بين فرنسا والعالم العربي‪ ،‬كما أنها أكثر دول الجماعة األوروبية ً‬

‫‪59‬‬
‫لتميز السياسة الخاصة بها في المنطقة عن السياسة األمريكية بها ‪ ،‬وقد سبقت فرنسا‬
‫كل الدول األوروبية في هذا المجال منذ عهد شارل ديجول‪ ،‬باإلضافة إلى العالقات‬
‫الثقافية والتاريخية مع لبنان المميزة عن أغلب الدول العربية األخرى‪.‬‬

‫ونتيجة لهذه االعتبارات التي أدت إلى دفع فرنسا للتحرك بمفردها للعمل على‬
‫حماية مصالحها بالمنطقة ‪ ،‬واالستجابة للتوقعات العربية بدور فرنسي نشط يوازى‬
‫الدور األمريكي المنحاز إلى إسرائيل ‪ ،‬وذلك من خالل بعض المواقف مثل‪ :‬العمل‬
‫مهما من عناصر حل‬
‫عنصرا ًّ‬
‫ً‬ ‫على الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها‬
‫أيضا إلى الفصل بين القوات المتحاربة ‪،‬‬
‫األزمة ‪ ،‬ودعا المشروع الفرنسي ً‬
‫وانسحاب اإلسرائيليين عدة كيلومترات من حول بيروت ‪ ،‬بينما كان المطلب‬
‫اإلسرائيلي واألمريكي إخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية ًّ‬
‫نهائيا من بيروت‪،‬‬
‫وأن يقتصر دور القوة الدولية المتجهة لبيروت على الفصل بين القوات المتحاربة‬
‫هناك‪ ،‬وليس اإلشراف على ترحيل الفلسطينيين‪ ،‬باإلضافة إلى الضفة‪،‬كذلك نزع‬
‫سالح المقاومة الفلسطينية ‪ ،‬وقد ربطت فرنسا في كل خطواتها وسياستها المعلنة بين‬
‫تسوية األزمة اللبنانية والتسوية الشاملة ألزمة الشرق األوسط؛إذ دعا المشروع‬
‫الفرنسي في مجلس األمن إلى البدء في مفاوضات تكفل الوجود واألمن والحقوق‬
‫الشرعية لجميع الدول والشعوب المتعايشة‪ ،‬وذلك بعد تسوية األزمة اللبنانية من غزو‬
‫إسرائيل‪)51( .‬‬

‫وقد أدت هذه المواقف الفرنسية إلى دخول العالقات الفرنسية اإلسرائيلية في‬
‫أزمة ‪ ،‬تبادل فيها ممثلو الطرفين االتهامات‪ ،‬وقدمت إسرائيل مذكرة احتجاج رسمية‬
‫احتجاجا على مقترحات الرئيس ميتران‪ ،‬وقد عارضت إسرائيل‬
‫ً‬ ‫للخارجية الفرنسية‬
‫اشتراك فرنسا في القوة الدولية المشرفة على ترحيل رجال المقاومة من بيروت‬
‫الغربية ‪ ،‬لكنها وافقت بعد أن تعهدت فرنسا بأنها ملتزمة باالتفاق الذي تم على‬
‫فورا إذا رفضت المقاومة مغادرة البالد‪.‬‬
‫أساسه تشكيل القوة ‪ ،‬وتنسحب ً‬

‫‪ .5151‬هنرى لورنس‪ ،‬اللعبة الكبرى‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد مخلوف‪ ،‬تونس‪ ،‬دار قرطبة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1992 ،‬ص‪-390‬‬
‫‪ ، 391‬مرجع سبق ذكره‬

‫‪60‬‬
‫حرب باردة داخل الدولة اللبنانية‪G:‬‬

‫جاءت هذه الحرب بين عامي ‪ ،1988 ، 1986‬معظم محاربيه أهم أطراف‬
‫الحرب األهلية السابقة؛ إيلي حبيقة ضد سمير جعجع في القوات اللبنانية ‪ ،‬وحركة‬
‫أمل ضد معظم تجمعات اليسار السابقة والفلسطينيين وحزب اهلل‪ ،‬وكذلك الفلسطينيون‬
‫ضد بعضهم البعض‪ ،‬وبين كل هذه النزاعات جامع مشترك؛أن القوى شديدة التحالف‬
‫مع سوريا حاربت تلك القوى التي تريد الحفاظ على استقاللياتها عند البلد‬
‫المجاور‪,‬أما المواجهة بين الفريقين فلم تسفر عن َّأية نتيجة فعالة ‪.‬‬

‫وفي ‪ 1988‬حدثت اشتباكات على خطوط المواجهة من اليمين األعلى‪،‬‬


‫وهاجمت وحدات من الحزب القومي السوري بدعم من سالح المدفعية السورية‬
‫المنطقة المسيحية التي كان يدافع عنها جنود من الجيش النظامي ‪ ،‬وكانت معظم‬
‫وحدات الحزب القومي السوري من المسيحيين من عكار‪ ،‬وكذلك جنود الجيش كانوا‬
‫من السنة وأحيانا من عكار‪.‬‬

‫ولم ينته األمر بعد ‪ ،‬فالحرب الباردة حول مؤسسات الدولة اللبنانية بدأت منذ‬
‫سقوط اتفاق الميليشيات في دمشق عام ‪ 1986‬بين جنبالط وبري اللذين وقعا‬
‫االتفاق‪،‬وكانا وزيرين في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة كرامي ‪ ،‬وطالبا منذ ذلك‬
‫الحين باستقالة رئيس الجمهورية ‪ ،‬وأعلنا ُمقطاعتهما للرئيس‪ ،‬ورفضا حضور‬
‫جلسات مجلس الوزراء التي تقام برئاسته‪ ،‬وفي نهاية ‪ 1987‬وتحت ضغط األزمة‬
‫االقتصادية التي أخذت تتتفاقم عقدت جلسة حكومية أعلن كرامي بشكل مفاجئ‬
‫استقالته من الحكومه ‪ ،‬وأدلى بتصريحات للحملة االنتخابية القادمة عام ‪، 1988‬‬
‫ودعا إلى عدم احتكار الموارنة لمنصب رئيس الجمهورية في المستقبل ليكون الباب‬
‫مفتوحا أمام كل لبناني ينتمي إلى َّأية طائفة‪)52(.‬‬
‫ً‬
‫وقد ظل السياسيون اللبنانيون الذين نجوا من الموت واالغتياالت وبقوا في‬
‫البالد ‪ -‬ظلوا يتمسكون بالمؤسسات والتقاليد السياسية للجمهورية اللبنانية ‪ ،‬ومع‬
‫تناقضات المصالح واألهداف كانت تنفَّذ حرب باردة حول الدولة ‪ ،‬وبصورة شرعية‬

‫‪ .5252‬رؤية للوضع اللبناني عام ‪1982www. Bbc Arabic‬‬

‫‪61‬‬
‫عاما على الحرب ورغم وجود تسعين بالمائة من‬
‫وبعد مرور أكثر من اثني عشر ً‬
‫األراضي اللبنانية تحت اختالف قوات خارجية رغم انعدامها سلطة رئيس‬
‫الجمهورية ظل السياسيون اللبنانيون متمسكين بمنصب رئيس الجمهورية‪.‬‬

‫حرب صغيرة حول منطقة الحزام األمني‪:‬‬

‫تقريبا لعمليات‬
‫ً‬ ‫عاما على سيطرة غير منتظمة‬
‫مع نهاية عام ‪ 1988‬مر عشرون ً‬
‫العنف والعنف المضاد في أقصى المنطقة الجنوبية من لبنان‪ ،‬إذ بدأ الفدائيون‬
‫الفلسطينيون عملياتهم َّ‬
‫ورد عليهم اإلسرائيليون بغارات انتقامية وتحذيرية ‪،‬‬
‫وأصبحت المنطقة التي حددتها إسرائيل من جانب واحد منطقةً أمنيةً هي أكبر بقليل‬
‫من منطقة جمهورية لبنان الحر‪،‬التي أعلنها الكولونيل سعد حداد قبل الغزو‬
‫اإلسرائيلي عام ‪ 1982‬ويسير عليها جيش لبنان الجنوبي الذي يتألف من ألفين‬
‫وخمسمائة جندي تقريباً بزعامة اللواء أنطوان لحد‪ ،‬والذي يرتبط باستمرار‬
‫المساعدات اإلسرائيلية له باإلضافة إلى المنطقة األمنية ‪ ،‬وتدافع قوات لحد بقوة عن‬
‫منطقة جزين؛ وهي منطقة تسكنها األكثرية من المسيحيين المتجانسين‪،‬لكن لضمان‬
‫المساعدات اإلسرائيلية التي ال تشمل منطقة جزين حتى يستطيع أن يفصل أقصى‬
‫الجنوب عن باقي المناطق اللبنانية‪ ،‬أما أهم أرباب العمل فيها فهم قوات األمم المتحدة‬
‫المرابطة هناك ‪ ،‬وكان يعبر مئات األشخاص الحدود ًّ‬
‫يوميا للعمل في إسرائيل‬
‫ومازال حتى اآلن‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فإن ثلث جيش لحد يتألف من المسيحيين والثلث اآلخر من‬
‫الدروز والشيعة‪ ،‬وذلك في عامي ‪1987 ، 1986‬وبعدها التحق عدد كبير من جنود‬
‫الشيعة بحركة أمل وحزب اهلل‪ ،‬وبعد ذلك كان هناك نوع من االستقرار في عدد‬
‫(‪)53‬‬
‫‪ ،‬وتقع المنطقة التي ترابط بها األمم المتحدة اليونيفيل في شمال المنطقة‬ ‫أفراده‬
‫األمنية‪ ،‬ذلك وفقًا لما حددته األمم المتحدة لتأمين المنطقة الحدودية‪ ,‬لكن طرأ تغيير‬

‫‪ .5353‬ترجمة موريس صليب –تأليف ثيودرونهانق‪ ،‬ترجمة موريس صليب‪ ،‬لبنان تعايش حالة من الحرب‪،‬‬

‫باريس مركز الدراسات العربى األوربى‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫من حيث هوية المهاجمين والمعتدين الذين كانوا سابقا من الفدائيين الفلسطينيين فقط ‪،‬‬
‫وبعدها انضمت إليهم وحدات الكوماندوز التابعة لحزب اهلل‪.‬‬

‫إسرائيل تحت تهديد المنطقة غير اآلمنية‪G:‬‬

‫إن االحتالل اإلسرائيلي ألجزاء من جنوب لبنان قد أعطى المبرر للقوى‬


‫الخارجية مثل إيران للصيد في الماء العكر لدى الجماعات السياسية المختلفة‪ ،‬وكان‬
‫مبرر إسرائيل الحتالل أجزاء من جنوب لبنان هو تأمين المنطقة الشمالية‬
‫إلسرائيل‪,‬ولم يؤد ذلك إلى تحقيق األمن الذي كانت ترغب فيه إسرائيل؛ بل كان قرار‬
‫المؤسسة العسكرية اإلسرائيلية بغزو لبنان عام ‪ 1982‬بمثابة الفخ الذي وقعت فيه‬
‫خطرا من قبل‬
‫إسرائيل في الجنوب اللبناني حيث كان الجنود اإلسرائيليون يواجهون ً‬
‫المقاومة اللبنانية‪.‬‬

‫ومع قدوم عام ‪ 1984‬كانت األهداف التي سعى إليها مناحم بيجن وأريل‬
‫شارون إلى تحقيقها من وراء حرب ‪ 1982‬قد قوضت بسبب سوء فهم إسرائيل‬
‫لطبيعة لبنان؛ مما جعل اإلدارة األمريكية تنتقد إسرائيل لما أقدمت عليه في لبنان‪،‬لكن‬
‫الهدف الضروري‪ 5‬وراء الغزو هو منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬فالدماء األمريكية‬
‫التي سالت أجبرت الواليات المتحدة بمقدم عام ‪ 1984‬على سحب قواتها من‬
‫بيروت‪ ،‬كذلك سقوط جندي إسرائيلي كل ثالثة أيام في لبنان؛ مما دفع شيمون بيريز‬
‫رئيس الوزراء آنذاك وإ سحق رابين وزير دفاعه إلى التفكير في إيجاد صيغة تقلل‬
‫من انكشاف الجيش اإلسرائيلي لهجمات المقاومة‪ ،‬وتحيد المدن اإلسرائيلية الواقعة‬
‫على الحدود مع لبنان‪.‬وفي يناير ‪ 1985‬وافق مجلس الوزراء على إعادة نشر قوات‬
‫الجيش اإلسرائيلي وسحب معظم القوات مع االحتفاظ بمنطقة أمنية‪ ،‬وتوسيع الجيب‬
‫الذي سلمته إسرائيل إلى حلفائها عام ‪ 1979‬بدال من السماح لألمم المتحدة بنشر قوة‬
‫دولية بطول المنطقة الحدودية‪ ،‬وتتداخل المنطقة األمنية التي اتسعت بمرور الوقت‬
‫لتغطي حوالي ‪ %10‬من مسافة لبنان مع منطقة عمليات األمم المتحدة في لبنان‪،‬‬
‫عارضا حتى وقعت‬
‫ً‬ ‫دورا‬
‫وكان الدور العسكري في جنوب لبنان حتى عام ‪ً 1978‬‬

‫‪63‬‬
‫عملية الليطاني في مارس من عام ‪ ،1978‬وبعدها أصبح إلسرائيل وجود دائم في‬
‫الجنوب اللبناني‪)54(.‬‬

‫وعلى عكس ما أبداه كلينتون من تأييد لإلسرائيليين خالل عملية عناقيد‬


‫صارما حول الغزو اإلسرائيلي في لبنان عام ‪1978‬‬
‫ً‬ ‫الغضب كان رد جيمي كارتر‬
‫حيث ساعده اللجوء إلى القانون األمريكي والذي يختص بالرقابة على صادرات‬
‫السالح ‪ ،‬الذي يحظر استخدام األسلحة األمريكية إال في أغراض دفاعية‪ ،‬وبالتالي‬
‫فالمساعدات األمريكية إلسرائيل سوف تتعرض لخطر قانون حقيقي‪ ،‬مما دعا‬
‫الواليات المتحدة إلى تكوين قوة من األمم المتحدة في لبنان للمساعدة في تطبيق قرار‬
‫مجلس األمن ‪ 425‬ليدعو النسحاب إسرائيل من لبنان‪ ،‬وقد حاول يورى لوبراني‬
‫أحد قدامى ضباط الموساد الذي َّ‬
‫تعين منسقًا للسياسة اإلسرائيلية في لبنان التوصل‬
‫إلى صفقة مع أمل‪ ،‬وهي الحركة الشعبية التي تملك قاعدة قوية من التأييد في الجنوب‬
‫اللبناني‪ ،‬أي أن الزعماء السياسيين لم يقبلوا ذلك بوصفه وكيالً عن إسرائيل‪ ،‬وقامت‬
‫إسرائيل بعدها بتكوين جيش يعرف بجيش لبنان الجنوبي وعدده‪ 2000‬فرد يعملون‬
‫دعما كامالً من الجيوش اإلسرائيلية‪.‬‬
‫في الجنوب المحتل‪ ،‬وقد تلقوا ً‬
‫وقد كانت عملية إعادة انتشار القوات اإلسرائيلية في المنطقة األمنية في‬
‫أوائل ‪ 1985‬عملية ثأرية‪،‬إذ أشعر لوبراني اللبنانيين بالقبضة الحديدية إلسرائيل‪،‬‬
‫وال يفل الحديد إال الحديد‪ ،‬حيث كان سعد حداد حليفًا ًّ‬
‫قويا إلسرائيل في الجنوب‬
‫اللبناني منذ عام ‪ 1975‬بعد اندالع الحرب األهلية ‪ ،)55( 1975‬إذ أمده اإلسرائيليون‬
‫بالذخيرة في مقابل دخول الجنوب اللبناني دون عوائق ومتاعب‪ ،‬وفي عام ‪1991‬‬
‫قام الجيش اللبناني بتجريد معظم الفصائل الفلسطينية الباقية من أسلحتها ‪ ،‬رغم وجود‬
‫معارضة التفاقيات أوسلو على الالجئين الفلسطينيين في لبنان ‪ ،‬الذي يبلغ عددهم‬

‫‪5454‬‬
‫‪ .‬هنرى لورنس‪ ،‬اللعبة الكبرى‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد مخلوف‪ ،‬تونس‪ ،‬دار قرطبة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1992 ،‬ص ‪، 393‬‬

‫مرجع سبق ذكره‬

‫‪5555‬‬
‫‪ .‬عبد المنعم سعيد ‪ ،‬منار الشوربجى‪ ،‬لبنان تحت الحصار‪،‬أجندة إسرائيل اليومية‪ ،1996 ،‬ص ‪ ، 48‬ص‪50‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ 350‬ألف نسمة‪ ،‬وقد ركزت المقاومة جهودها على إخراج إسرائيل من‬
‫لبنان‪.‬وأكدت حركة أمل قبل وبعد إعالن إسرائيل لحدودها األمنية أن مشكلتها ليست‬
‫مع إسرائيل‪،‬لكنها ضد االحتالل اإلسرائيلي للبنان‪ .‬أما منظمة التحرير الفلسطينية‬
‫مركزا للهجمات األرضية والصاروخية داخل إسرائيل‪،‬‬
‫ً‬ ‫فقد استخدمت جنوب لبنان‬
‫كبيرا من ضبط النفس‪ ،‬فالخطاب الشيعي لحزب اهلل‬
‫قدرا ً‬
‫وأظهرت المقاومة اللبنانية ً‬
‫غموضا من الخطاب السياسي لحركة أمل‪ ،‬وكذلك هجماته إذ هاجم‬
‫ً‬ ‫كان أكثر‬
‫إسرائيل بالكاتيوشا ًّ‬
‫ردا على الهجمات اإلسرائيلية على المدنيين اللبنانيين‪ ،‬وظهر‬
‫ذلك في أعقاب اغتيال عباس موساوي الذي أكد خليفته حسن نصر اهلل أن الحزب‬
‫سيرد على اإلسرائيليين بالكاتيوشا‪ ،‬مع مرور الوقت اتضحت اللعبة بين اإلسرائيليين‬
‫وجيش جنوب لبنان من ناحية وبين اإلسرائيليين وقوات المقاومة من ناحية أخرى‪ ،‬إذ‬
‫لو امتنعت إسرائيل عن الهجوم على المدنيين اللبنانيين فستركز قوات المقاومة‬
‫أنشطتها على المنطقة األمنية‪ ،‬وذلك من خالل اتفاق شفوي عام ‪ 1993‬بعد العملية‬
‫اإلسرائيلية الشهيرة بتصفية الحساب‪،‬وحتى إبريل ‪ 1996‬نجح وارين كريستوفر في‬
‫وضع االتفاق على ورقة غير موقعة‪ ،‬وبالرغم من تأكيد اإلسرائيليين أنهم ليسوا قوى‬
‫احتالل إال أنهم قبلوا بحق اللبنانيين حتى بالهجوم على الجنود اإلسرائيليين‬
‫المتمركزين في التراب اللبناني‪ ،‬ولو بشكل ضمني‪ ،‬ومن الطبيعي أن تنتهك إسرائيل‬
‫قواعد االتفاق‪،‬فتؤدي هجمات المقاومة اللبنانية إلى إشعال شرارة األعمال االنتقامية‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬مما يؤدي إلى سقوط ضحايا لبنانيين يمثل عددهم نسبة كبيرة بالمقارنة‬
‫في َعد أعداد القتلى من المدنيين اإلسرائيليين قليالً ًّ‬
‫جدا بالنسبة لذويهم‬ ‫باإلسرائيليين‪ُ ،‬‬
‫اللبنانيين خالل الغزو اإلسرائيلي في عام ‪ 1996 ، 1993‬ثالثمائة قتيل‪ ،‬نتيجة‬
‫لقصف إسرائيل قاعدة األمم المتحدة في لبنان‪ ،‬وفي عملية تصفية الحساب وعناقيد‬
‫الغضب قتل اإلسرائيليون وحلفاؤهم ‪ًّ 45‬‬
‫مدنيا‪ .‬أما الموقف بالنسبة لحزب اهلل فإنه‬
‫يرفض أن يترك سالحه دون مقاومة‪ ،‬دون انسحاب إسرائيل من األراضي اللبنانية ‪،‬‬
‫خاصة أنه مدعوم من دولتين صديقتين له ‪ ،‬وهما سوريا وإ يران‪ ،‬فإسرائيل عدو‬
‫بالنسبة إليران‪ ،‬والضغط الذي يمثله حزب اهلل على إسرائيل يخدم األغراض‬

‫‪65‬‬
‫التكتيكية لسوريا‪ ،‬ويساهم ذلك في المفاوضات‪ ،‬والتي هي إلى جانب الهيمنة السورية‬
‫في لبنان واالعتراف الرسمي لها(‪.)56‬‬

‫خيارات إسرائيل بعد االنسحاب الجزئي من لبنان‪:‬‬

‫بدأ الرأي العام داخل إسرائيل حول الوضع داخل لبنان يتجه نحو حلول سياسية‬
‫أفضل في المنطقة األمنية‪ ،‬لكن بعدم االنسحاب؛ إذ لم تنجح عملية عناقيد الغضب في‬
‫تنفيذ رغبات القيادة السياسية اإلسرائيلية‪ ،‬وعلى الرغم من أن المحللين العرب‬
‫يضعون جنوب لبنان والضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجوالن في سلة واحدة؛ إال‬
‫أن الموقف اإلسرائيلي من المنطقة األمنية يختلف‪ ،‬فإسرائيل ليست لها مطالب في‬
‫أرض جنوب لبنان بل لم يقم المدنيون بزيارتها إال بعض الصحفيين‪ ,‬وال يوجد أي‬
‫ارتباط تاريخي أو عاطفي بلبنان باستثناء بعض اللحظات التي ترتبط بلبنان الذي كان‬
‫متسامحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫ليبراليا‬ ‫مجتمعا‬
‫ً‬ ‫موجودا في مخيلة اإلسرائيليين‬
‫ً‬ ‫يوما ما‬
‫ً‬
‫ومنذ أوائل الثمانينيات وإ سرائيل ليست لديها خبرة بلبنان ‪ ،‬وخبرتها سلبية‬
‫هاجسا ًّ‬
‫قويا في إسرائيل‪ ،‬يفضلون أال يكون هناك ما‬ ‫ً‬ ‫إلى حد أن لبنان أصبحت‬
‫يربطهم بهذه المنطقة إال حماية مواطني شمال إسرائيل من القوات المعادية التي ال‬
‫تزال في لبنان بعد االنسحاب الجزئي في عام ‪،1985‬فلم يعد لبنان مستنقع الخطر‬
‫بالنسبة إلسرائيل ‪ ،‬كما كان من قبل ‪ ،‬وفي السنوات األخيرة كان الخطر من مقاتلي‬
‫حزب اهلل العازمين على تحرير جنوب لبنان والمدعومين من قبل سوريا وإ يران‬
‫الذين يقومون بمهاجمة الجيش اإلسرائيلي وقوات جيش لبنان داخل المنطقة األمنية‪،‬‬
‫وكان هناك رفض كبير داخل النخبة السياسية من جانب حزب العمل والليكود لمسألة‬
‫االنسحاب من لبنان‪ ،‬باإلضافة إلى أنه توجد عدة موانع ضد هذه المسألة؛ ومن أهمها‬
‫أن صورة إسرائيل ورايتها لذاتها سوف تتأثر ًّ‬
‫سلبيا على اعتبار أنها طُردت من‬
‫لبنان‪،‬بالتالي سوف يؤدى هذا إلى رفض سوريا ألي مفاوضات وموافقات سوى‬
‫االنسحاب غير المشروط‪.‬‬

‫‪ .5656‬عبد المنعم سعيد ‪ ،‬منار الشوربجى‪ ،‬لبنان تحت الحصار‪،‬أجندة إسرائيل اليومية‪ ، 1996 ،‬المرجع السابق‪،‬‬

‫ص ‪، 51‬ص‪53‬‬

‫‪66‬‬
‫ًّ‬
‫أخالقيا أن ترحل دون ضمان أمن حلفائها‬ ‫كما أن إسرائيل ال تملك ًّ‬
‫عمليا وال‬
‫اللبنانيين وسالمتهم ‪ ،‬باإلضافة إلى تأكيد أن حال جيش لبنان الجنوبي ومؤيديه سوف‬
‫تكون لهم وسيلة لالندماج من جديد داخل المجتمع اللبناني مثل كل الميليشيات‬
‫األخرى في نهاية الحرب األهلية‪)57(.‬‬

‫ويضع اإلسرائيليون صورة تجاه لبنان‪،‬إذ إن الميليشيات والكوماندوز‬


‫والفدائيين الفلسطينيين نجحوا في السبعينيات والثمانينيات في إنشاء دولة داخل الدولة‬
‫في أجزاء من لبنان‪ ،‬واستخدام هذه المناطق قواعد لتحرير فلسطين‪ ،‬وكانت حرب‬
‫‪ 1982‬تهدف في األساس إلى القضاء على الوجود الفلسطيني داخل لبنان حتى ال‬
‫يسبب له أي تهديد‪.‬‬

‫ويعتقد اإلسرائيليون أن حزب اهلل ما هو إال امتداد أيديولوجي في مرحلة تالية‬


‫لمنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬لذلك يخشى السياسيون أن يؤدي االنسحاب من المنطقة‬
‫وتدميرا‬
‫ً‬ ‫األمنية إلى قيام حزب اهلل بنشر قواته حتى الحدود؛ ويشن هجمات أكثر قوةً‬
‫ضد أهداف داخل العمق اإلسرائيلي‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن مناطق االنسحاب من المنطقة األمنية قد يكون ًّ‬


‫قويا إال أن‬
‫إمكانية إضعاف حزب اهلل وتغييره ليست بالقوة نفسها التي يمكنها تهدئة المخاوف‬
‫اإلسرائيلية؛ فارتباط الحركة بإيران وطابعها األيديولوجي وأنشطتها تدعو إلى تهديد‬
‫إسرائيل من قبل طهران بإشارتها المتكررة إلى شمال فلسطين المحتل‪ ،‬مما يلقي‬
‫صدى تجاه الشعب اإلسرائيلي من الجوهر الشمولي لمنظمة التحرير في الماضي‪،‬‬
‫واألصول اإلسالمية في الوقت الحاضر‪.‬‬

‫عاما في‬
‫إجماعا ًّ‬
‫ً‬ ‫ومهما كان إخالص رفيق الحريري في تأكيد َّ‬
‫أن هناك‬
‫إسرائيل على أن القرارات الحقيقية في لبنان يتخذها حافظ األسد‪ ،‬والذي له رؤية‬
‫بعيدة؛إذ إن مصالحه التكتيكية تتطلب عدم االستقرار على الحدود اللبنانية اإلسرائيلية‬
‫(‪)58‬‬
‫على األقل حتى تتم تسوية حسابه الثنائي مع إسرائيل‪.‬‬

‫‪ . 5757‬مارك هيلر‪ ،‬المرجع السابق ذكره‪ ،‬من ص ‪68‬‬


‫‪ .5858‬مارك هيلر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬من ص ‪ : 69‬ص ‪72‬‬

‫‪67‬‬
‫أسئلة إسرائيلية حول أسباب بقاء القوات اإلسرائيلية في لبنان‬
‫وضعت السنوات الماضية لبنان الدولة في مواقف من الصراعات الخارجية‬
‫والحدودية واألهلية جعلها في خندق من المشاكل ‪ ،‬ونتيجة لهذه الصراعات نشأت‬
‫عدة أسئلة؛ بعضها واقعى واآلخر من النوع الساذج‪ ،‬ومنها‪ِ :‬ل َم ال ينسحب الجيش‬
‫اإلسرائيلي من جنوب لبنان بعد أن ِ‬
‫ضمن غيابها عن الدولة اللبنانية؟ مع علمه أن‬
‫اللبنانيي لم يقاوموا بقاء االحتالل‪ ،‬ولم يكن عليهم أن يدفعوا شيًئا الستعادة األرض‬
‫وهي أرضهم إذا كانوا لم يبدؤوا بالحرب‪ ،‬ولم يعتدوا على أحد ؛ فلم يكن هناك أحد‬
‫يقاتل من األراضي اللبنانية مثلما فعلت المنظمات الفلسطينية ‪ ،‬وإ ذا كان هناك من‬
‫سيستثمر قتال اللبنانيين لالحتالل فهل يصح أن يحمل لبنان تبعية هذا االستثمار؟‬
‫مادام جنح لهذا االحتالل فإذا كانت إسرائيل ال تقاتل إيران التي تمسك بجانب من‬
‫تقاليد المقاومين العسكريين والسياسيين‪ ،‬وال تقاتل سوريا التي تمسك بجانب آخرمن‬
‫مقاتلي السياسة والعسكرية ‪ ،‬وال تقاتل الجيش اللبناني ؛ ألن الدولة اللبنانية ال تقاتلها‬
‫فهل تستخدم األهالي العزل مجرد حصن لالحتالل؟‬

‫بالتأكيد ليس هناك على الواقع سذج باستثناء األطفال الذين لم تسع أعمارهم‬
‫فهم كل ما يحدث‪ ،‬والدليل على ذلك ما حدث بعد مؤتمر مدريد حيث قيل في المؤتمر‬
‫إن سالم الشرق األوسط وما يليه من مصالح إستراتيجية يقتضي أن يفوز شيمون‬
‫بيريز وحزبه بانتخابات الكنيسيت المقبلة‪ ،‬وبعدها يأتون أطفال غير أطفالهم لينذروهم‬
‫بالقتل‪ ،‬أما بالنسبة لقطب الصراع اآلخر فمثالً طهران يقولون إن المفاوضات الداعية‬
‫إلى تسوية عربية إسرائيلية اآلن في مأزق ‪ ،‬ولذلك يجب عزل النظام اإليراني أو‬
‫تصدير العنف سواء في القدس وتل أبيب أو جنوب لبنان والجليل األعلى‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫لتصريحات المسئولين اإلسرائيليين عن حملة إسرائيل األخيرة على لبنان فقالوا إنه‬
‫لوال عمليات المقاومة لكان لبنان وإ سرائيل معاً بألف خير وأمكن حل المشاكل القائمة‬
‫بين الجبهتين‪ ،‬وأن ما أنزله االحتالل اإلسرائيلي من أضرار بلبنان ال يتجاوز ‪370‬‬
‫جريحا مع آالف البيوت المدمرة‬
‫ً‬ ‫قتيال سقطوا في إبريل الماضي ‪ ،‬ومعهم ‪35‬‬
‫والمشردة‪ ،‬ومع محطتين أساسيتين لتوزيع الكهرباء وجسور كبيرة ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫وقد يتذكر العالم اجتياح ‪ 1993‬الجوي؛ ألن تفاهم يوليو تموز ‪ 1993‬ذكر‬
‫كثيرا في أثناء التفاوض على تفاهم نيسان إحدى هاتين الحملتين والتي يقدمها‬
‫اإلسرائيليون على أنها امتصاص من صواريخ كاتيوشا التي أطلقت على الجليل ‪،‬‬
‫ومن اللبنانيين كثيرون يدينون ضرب المدنيين واألهداف المدنية‪ ،‬وال يمكن للجميع‬
‫نسيان الكثير من القتلى المدنيين الذين سقطوا في الغارات اإلسرائيلية على لبنان بين‬
‫االنسحاب اإلسرائيلي من أقسام من األراضي اللبنانية ابتداء من جنيف ‪،1983‬‬
‫وكانت كل الحمالت اإلسرائيلية تقوم على مبدأ أن كل قتيل إسرائيلي يساوي عشرة‬
‫أو مائة من القتلى اللبنانيين‪ .‬وال ننسى بالطبع ‪ 1900‬قتيل لبناني وفلسطيني؛ أكثرهم‬
‫من المدنيين سقطوا في اجتياح ‪ 1982‬وحده‪،‬إذ إن االجتياح كلف لبنان ما يوازي‬
‫جميعا مدة ستة أشهر‪ ،‬كذلك اآلالف من الضحايا الذين سقطوا ما بين‬
‫ً‬ ‫الكثير ألهله‬
‫‪ 1968‬و ‪ 1982‬وهي مرحلة العمل الفلسطيني المسلح في لبنان‪ ،‬وقد شاهد العالم‬
‫هجرة نحو ثالثمائة ألف جنوبي في إبريل الماضي نحو صيدا وبيروت والجبلحتى‬
‫الشمال البعيد‪)59( .‬‬

‫وبالنسبة للشريط اللبناني الذى تحتله إسرائيل ‪-‬وليس هذا الشريط ًّ‬
‫أمنيا وال‬
‫ًّ‬
‫دفاعيا ‪-‬فإنه منطقة حدودية‪ ،‬وتظهر هذه الضفة من خالل رسم توضيحي للمنطقة‬
‫بعد االنسحاب اإلسرائيلي من األراضي اللبنانية المحتلة في ربيع ‪ ،1985‬واالختالف‬
‫أمني ال يحفظ أمن المستعمرات‬
‫الواضح عن اجتياح ‪1978‬و ‪ ، 1982‬وهذا الشريط ّ‬
‫ًّ‬
‫دفاعيا مادامت إسرائيل غير مهددة بأي اجتياح من هذه‬ ‫اإلسرائيلية الشمالية‪ ،‬و ليس‬
‫الجهة‪.‬‬

‫وقد رفضت إسرائيل قبول قرار مجلس األمن برقم ‪ 425‬الذى ينص على‬
‫انتشار قوات األمم المتحدة على الحدود الدولية وعلى تسليم قوى الدولة اللبنانية‬
‫الشرعية مسئولية حفظ األمن والنظام على حدودها الجنوبية بدعم وتسهيل من‬
‫المنظمة العالمية ‪.‬‬

‫‪5959‬‬
‫‪ .‬عبد المنعم السعيد‪ ،‬منار الشوربج‪ ،‬لبنان تحت الحصار‪ ،‬ص ‪61‬‬

‫‪69‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬لبنان والصراع العربي اإلسرائيلي من (‪ )2000‬إلى (‪)2005‬‬

‫رأينا في المبحث السابق أن إسرائيل قد احتلت أجزاء من جنوب لبنان عام ‪،1978‬‬
‫كذلك احتلت بيروت عام ‪ 1982‬ثم انسحبت وبقيت في الجنوب حتى عام ‪2000‬‬
‫حيث انسحبت إسرائيل دون اتفاق مع الحكومة اللبنانية ‪ ،‬وجاء ذلك في إطار تنفيذ‬
‫وعد رئيس وزراء إسرائيل السابق باراك ‪،‬إذ وعد في حملته االنتخابية باالنسحاب‬
‫اإلسرائيليمن لبنان قبل شهر يوليو عام ‪ ،2000‬وقد نجح بالفعل في تحقيق وعده‪ ،‬وتم‬
‫انسحاب الجيش اإلسرائيلي بالفعل في شهر مايو عام ‪ 2000‬متخلياً بذلك عن‬
‫الميليشيات المتعاونة معه بقيادة انطوان لحد؛ لتواجه مصيرها بنفسها‪.‬‬

‫لقد قامت إسرائيل قبل احتالل الجنوب اللبناني بتنفيذ عدة عمليات سريعة‬
‫استهدفت خاللها المقاومة الفلسطينية في لبنان؛ وأشهرها اغتيال ثالثة من قادة فتح‪،‬‬
‫وبعد حدوث الحرب األهلية عام ‪ 1975‬عملت إسرائيل على التجسس السياحي‪،‬‬
‫وساعدت الظروف الموجودة على إنشاء جماعات طائفية موالية لها‪ ،‬وبدأ طمع‬
‫حزما أمنية‬
‫إسرائيل يظهر في عام ‪ 1978‬حيث اجتاحت جنوب لبنان‪ ,‬وأقامت ً‬
‫أيضا‬
‫متعاونة معها بقيادة الرائد سعد حداد ثم انطوان لحد كما ذكرنا منقبل‪ .‬وأقيمت ً‬
‫منطقة دولية عازلة بواسطة قوات متعددة الجنسيات جاءت بعد قرار مجلس األمن‬

‫‪70‬‬
‫الدوليرقم ‪ ، 425‬وفي صيف عام ‪ 1982‬غزت إسرائيل لبنان‪ ،‬واحتلت أكثر من‬
‫نصفه بما في ذلك بيروت‪ ،‬وبلغ ذلك االحتالل ذروته بفرض اتفاق ‪ 17‬من مايو‬
‫‪ 1983‬على لبنان‪ ،‬وتدمير البنية العسكرية الفلسطينية‪)60(.‬‬

‫وبعد انهيار االتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة ونشوء خريطة سياسية‬
‫تكون اتجاه للتفاوض السياسي بين العرب‬
‫عربية جديدة بعد حرب الخليج الثانية َّ‬
‫وإ سرائيل ‪ ،‬وبدا الحزام األمني ‪ -‬كما وصفه زائي شيف المعلق العسكري في‬
‫ًّ‬
‫عسكريا تسعى إسرائيل إلى‬ ‫صحيفة هأرتس ‪ -‬مثل طوق نجاة مثقوب‪َّ ،‬‬
‫وشكل عبًئا‬
‫إنهائه‪ ،‬وكانت المفاوضات التي أطلقت في مؤتمر مدريد للسالم عام ‪ 1991‬فرصة‬
‫لالنسحاب من خالل اتفاق يجرى توقيعه ‪ ،‬ولكن لم يتم التوصل إلى مثل هذا االتفاق‬
‫وتعثرت المفاوضات العسكرية بينهما‪.‬‬

‫السؤال الذي يطرح نفسه هنا‪ :‬لماذا كان االحتالل اإلسرائيلي للبنان؟ لقد كان‬
‫االحتالل اإلسرائيلي لجنوب لبنان يفسر على أنه توسع إسرائيلي يستهدف مصادر‬
‫المياه وتكوين عمق استراتيجي‪ ،‬فهل تخلت إسرائيل عن هذه اإلستراتيجية؟ أم‬
‫تكاليفها كانت أكثر من مكاسبها؟‬

‫ويرى محللون كذلك أن الواليات المتحدة بدأت بعد انهيار االتحاد السوفيتي‬
‫مباشرا في المنطقة‪ ،‬ولم تعد بحاجة‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫استراتيجيا‬ ‫دورا‬
‫وحرب الخليج الثانية تمارس ً‬
‫إلى دور غير مباشر تقوم به إسرائيل؛ ألنها غدت أكثر قدرة على ذلك ‪ ،‬ولم يعد‬
‫يواجه ٍّ‬
‫بتحد ورفض كما كان األمر في أثناء قوة االتحاد‬ ‫دورها المباشر مكلفًا‪ ،‬وال َ‬
‫السوفيتي‪ ،‬وقدرته على المواجهة والمنافسة ‪.‬‬

‫رؤية عامة للخريطة السياسية بعد مرور عام من االنسحاب اإلسرائيلي من جنوب‬
‫لبنان‪:‬‬

‫وهدوءا في الجليل‪ ،‬وحدثت نهضة اقتصادية‬


‫ً‬ ‫استقرارا‬
‫ً‬ ‫حققت إسرائيل‬
‫وزراعية وسياحية في المناطق التي كانت متأثرة‪ ،‬والحياة فيها مقتصرة على‬

‫‪ .6060‬المؤسسة التعاونية األمريكية اإلسرائيلية‪ ،‬ويكبيديا الموسوعة الحرة على االنترنت‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الضرورات‪ ،‬وقد توقفت العمليات العسكرية والقصف بالكاتيوشا إال في المناطق التي‬
‫كانت مشتعلة فيها الثورات مثل مزارع شبعا‪ ،‬وتراجعت الخسائر اإلسرائيلية من‬
‫‪ 122‬إلى ‪ 23‬قتيالً في السنة وإ لى ثالثة قتلى وثالثة مخطوفين‪ ،‬وربما تقوم إسرائيل‬
‫بالتدخل أكثر في الشأن اللبناني والخالفات الداخلية التي كانت مؤجلة أو خمدت بعد‬
‫الحرب األهلية‪.‬‬

‫إن إسرائيل ترى أنها تريد إعادة البناء والتنمية وتحريك اقتصادها‪،‬وقد‬
‫يقتضى ذلك وقف العمل العسكري‪ ،‬لتحقيق استقرار وترتيب العالقات مع أمريكا‬
‫والعرب وجذب االستثمار‪ ،‬ومع اشتعال انتفاضة األقصى عام ‪ 2000‬ووفاة حافظ‬
‫األسد رئيس دولة سوريا– أدى هذا إلى استبعاد المفاوضات بين إسرائيل وسوريا‬
‫‪61‬‬
‫مبالغا في القول إن إسرائيل‬
‫على لبنان وأراضيها‪ ،) (.‬وهنا نسأل أنفسنا‪ :‬هل يبدو ً‬
‫تتكيف مع مرحلة جديدة لم يعد فيها مكان لدور إقليمي عسكري وسياسي في المنطقة؟‬
‫فقد كان االنسحاب اعترافًا بتراجع مكانة إسرائيل بوصفها قوة ردع إقليمية وتحولها‬
‫إلى حرب مع الفلسطينيين‪ ،‬أم أن االنسحاب كان عملية ذكية أوقفت النزف وأربكت‬
‫الساحة السورية واللبنانية وحققت الوحدة الداخلية في إسرائيل؟‬

‫وبالنسبة إلى لبنان والعرب فإن االنسحاب يبدو نصراً كبيراً‪ ،‬فقد ُح ِّررت‬
‫ٍ‬
‫أراض محتلة‪ ،‬وأعاد االنسحاب االعتبار للمقاومة فيما فشلت فيه التسوية السياسية في‬
‫تحقيق شيء يذكر‪ ،‬وتأكد دور العقيدة في حياة الشعوب وتحررها ‪ ،‬وحققت الحركات‬
‫الشعبية مكاسب سياسية أكدت قدرتها على العمل والتعاون برغم االختالف المذهبي‬
‫والسياسي ‪ ,‬وهي تجربة كبيرة للعمل الشعبي واألهلي العربي‪ ،‬وربما يكون الموقف‬
‫السوري ازداد قوة بعد االنسحاب وأن غياب التنسيق العربي سيقلل من جدوى‬
‫االنسحاب اإلسرائيلي وإ مكانية توظيفه‪.‬‬

‫رؤية لمشاريع التسوية‪ G‬السياسية بعد عام ‪: 2000‬‬

‫كانت النتفاضة األقصى في نهاية سبتمبر ‪ 2000‬تحول غير تقليدي في‬


‫مسيرة الصراع العربي اإلسرائيلي بعدما اقترب الطرفان ( إسرائيل وفلسطين) من‬
‫‪ .6161‬االنسحاب النهائي ‪ 24 --‬مايو ‪ 2000‬ويكبيديا الموسوعة الحرة‬

‫‪72‬‬
‫تطورا ًّ‬
‫نوعيا‬ ‫ً‬ ‫إمكانية تحقيق تسوية نهائية في قمة كامب ديفيد‪ ،‬وشهد المسار اللبناني‬
‫بانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بعد احتالل دام أكثر من ‪ 22‬سنة‪.‬‬

‫خطيرا؛ فقد استشهد‬


‫ً‬ ‫ًّ‬
‫عسكريا‬ ‫وتصعيدا‬
‫ً‬ ‫مسلحا‬
‫ً‬ ‫طابعا‬
‫وقد اتخذت االنتفاضة ً‬
‫أكثر من ‪ 700‬فلسطيني‪ ،‬وقُتل حوالي ‪ 300‬إسرائيلي‪ ،‬وسيطرت أجواء الحرب في‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬وطرأ جمود في العالقة األردنية اإلسرائيلية‪ ،‬وكانت قضية القدس‬
‫بعدا‬
‫في هذا الوقت في ذروة االشتباك داخل قاعات المفاوضات وخارجها‪ ،‬واتخذت ً‬
‫ًّ‬
‫وعالميا‪ ،‬فهي تثير محفزات يختلط فيها التاريخ بالميثولوجيا والدين بالسياسة‬ ‫ًّ‬
‫عربيا‬
‫والعواطف والحقائق واألساطير‪ ،‬وكان العام ‪ 2000‬عام معركة القدس‪ .‬وعلى‬
‫الصعيد اللبناني فقد هدأ الصراع اللبناني اإلسرائيلي ًّ‬
‫نسبيا بعد االنسحاب اإلسرائيلي‬
‫من جنوب لبنان عام ‪ 2000‬وبدا الصراع كأنه في طريقه إلى الحل(‪ ،)62‬وذلك من‬
‫خالل مبادرات عربية ودولية تدعو جميع األطراف للحل السياسي‪.‬‬

‫نظرة عامة إلى ما قدمته‪ G‬قمة بيروت ‪: 2002‬‬

‫اجتمع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة المنعقد في دورته‬
‫العادية الرابعة عشر؛ حيث أكد ما أقره مؤتمر القمة غير العادي في قمة القاهرة‬
‫‪ 1996‬بأن السالم العادل والشامل يعد الخيار االستراتيجي للدول العربية‪ ،‬والمطالبة‬
‫بالتزام إسرائيل بهذه المبادرات والقرارات ‪ ،‬وقد دعى صاحب السمو الملكي األمير‬
‫عبد اهلل بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية التي أعلن من خاللها‬
‫دعوته إلسرائيل باالنسحاب الكامل من األراضي العربية المحتلة منذ ‪ 1967‬باعتبار‬
‫قراري مجلس األمن ‪ 338 ، 242‬والتي طالببها مؤتمر مدريد عام ‪ 1991‬وهو‬
‫مبدأ األرض مقابل السالم وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس‬
‫الشرقية‪ ،‬ويتم ذلك في مقابل إقامة عالقات طيبة وسالم مع إسرائيل‪.‬‬

‫وتوجد لدى الدول العربية قناعة تامة بأن الحل العسكري للنزاع لن يحقق‬
‫السالم أو األمن ولن يتم ذلك إال من خالل عدة مطالب؛من أهمها‪:‬‬

‫‪6262‬‬
‫‪ ( .‬التقرير االستراتيجي العربي عام ‪. ) 2000‬‬

‫‪73‬‬
‫‪ -1‬إعادة نظر إسرائيل في سياستها‪ ،‬ووضع سالم عادل بهدف استراتيجي‪.‬‬

‫‪ -2‬االنسحاب الكامل من األراضي العربية المحتلة بما فيها الجوالن وجنوب لبنان‪.‬‬

‫تبعا لقرار الجمعية العامة لألمم المتحدة رقم‬


‫‪ -3‬حل مشكلة الالجئين الفلسطينيين ً‬
‫‪.194‬‬

‫‪ -4‬قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على األراضي الفلسطينية المحتلة‬
‫منذ يونيو ‪ 1967‬في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية‪.‬‬

‫وعند تنفيذ ذلك تقوم الدول العربية باآلتي ‪:‬‬

‫منتهيا والدخول في اتفاقية سالم بينها وبين‬


‫ً‬ ‫‪ -1‬اعتبار النزاع العربي اإلسرائيلي‬
‫إسرائيل مع تحقيق األمن لكل دول المنطقة‪.‬‬

‫‪ -2‬إنشاء عالقات طبيعية مع إسرائيل في إطار السالم الشامل‪.‬‬

‫‪ -3‬رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني في البلدان العربية‪.‬‬

‫‪ -4‬يدعو المجلس حكومة إسرائيل واإلسرائيليين إلى قبول هذه المبادرة‪.‬‬

‫‪ -5‬يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة(‪.)63‬‬

‫ويبدو أن المراهنات الداخلية والخارجية استهدفت إضعاف المبادرة السعودية‪،‬‬


‫وحاولت التقليل من شأنها عن طريق التشكيك في بعض بنودها‪ ،‬فبمجرد خروج هذه‬
‫المبادرة إلى الساحة العالمية انكسر حاجز الصمت العربي الرسمي لما حدث بعد‬
‫أحداث ‪ 11‬من سبتمبر ‪،‬التي حاولت كل من إسرائيل والواليات المتحدة تسويقها‪ ،‬وقد‬
‫تحولت المبادرة السعودية إلى مخطط للعمل السياسي العربي الراهن بما فيه من‬
‫أهداف‪ ،‬ثابتة وهي التمسك بالخطوط العامة بدون التفريط في حقوق األمة العربية‬
‫على استعادة األراضي المحتلة وعودة الالجئين‪ ،‬وثالثاً مخاطبة المجتمع األمريكي‬
‫على وجه الخصوص والرأي العام اإلسرائيلي والغربي بشكل حضاري‪ ،‬فيه رقى‬
‫تجعل منه رد فعل إيجابي‪ ,‬وظهر ذلك من خالل استقبال اإلدارة األمريكية للقرارات‪،‬‬

‫‪6363‬‬
‫‪ ( .‬نص مبادرة السالم العربية ‪www.f.law.net/law/showthreadphp ) 28/3/2002‬؟‬

‫‪74‬‬
‫واعتبرت الواليات المتحدة األمريكية أن هذا تطور إيجابي من جانب العرب‪,‬‬
‫وأعربت دول االتحاد األوربي عن حماسها لهذه المبادرة‪ .‬وقد اعتبر المحللون أن‬
‫نجاحا بالمقاييس الواقعية والعلمية‪ ،‬بالرغم أن بعض‬
‫القمة العربية ببيروت هي األكثر ً‬
‫المحللين حاولوا التهويل والمبالغة‪ ،‬والبعض أعلن عن فشلها مبكراً دون انتظار انعقاد‬
‫القمة‪ ،‬وقد أدت مقاطعة بعض الزعماء العرب مثل الرئيس المصري حسني مبارك‪،‬‬
‫ومن قبله السلطان قابوس وأمير قطر دون مبررات واضحة أو أسباب مقنعة‪ ،‬إلى‬
‫جانب الممارسات التي قام بها اإلسرائيليون على ياسر عرفات لمنعه من حضور‬
‫رفضها الجانب الفلسطيني‪.‬‬
‫َ‬ ‫المؤتمر والقمة إال بشروط تعجيزية‬

‫وقد قامت إسرائيل نتيجة المعادلة الدولية المتشابكة إلى الحد من توسعها‬
‫ووقف عدوانها وخلق مناخ مختلف عن الوضع السابق الذي كان يستخدمون فيه‬
‫وسائل الضغط المتاحة على األطراف المعنية للوصول إلى أهدافهم‪.‬‬

‫وقد تضمنت المبادرة العربية العديد من األفكار واآلليات وهو ما يتطلب‬


‫وقوف الدول العربية على مبدأ واحد‪ ،‬فتعتبر هذه اإلستراتيجية الجديدة للعرب والتي‬
‫تتمثل في المبادرة التي تمت الموافقة عليها باإلجماع إلى األمم المتحدة‪ ،‬ومجلس‬
‫ملتزما تحت البند السابع(‪ .)64‬وتعد المبادرة وسيلة الختراق‬
‫ً‬ ‫قرارا ًّ‬
‫دوليا‬ ‫األمن لتبنيه ً‬
‫الحاجز النفسي المتأصل داخل بنيان الشرائح اإلسرائيلية المتطرفة لمحاولة فتح ثغرة‬
‫جديدة من خالل السالم والعالقات االقتصادية وتوسيع العالقات مع فصائل المجتمع‬
‫اإلسرائيلي الناشطة في حقل التعايش السلمي مع العرب؛ لذلك طالبت المبادرة‬
‫نظرا لعدم تحقيق األمن والسلم ببناء‬ ‫ًّ‬
‫استراتيجيا لهم ً‬ ‫اإلسرائيليين باتخاذ السالم هدفًا‬
‫المستوطنات ‪ ،‬وقد أظهرت االنتفاضة ذلك بوضوح عندما حولت الدولة إلى رعب‬
‫وفزع وقلق من جراء ما يحدث‪ .‬والهدف الحقيقي للمبادرة إسقاط شارون الذي مارس‬
‫القتل واإلجرام واإلبادة تجاه الشعب الفلسطيني الذي يمارس حقه الطبيعي في مقاومة‬
‫االحتالل‪ ،‬وشارون لم يستطع التعامل بمرونة مع المبادرة؛ فعلى الواليات المتحدة أن‬
‫تعلن تأييدها الكامل للمبادرة‪ ،‬وأن تمارس الضغط على إسرائيل وحكومتها دون‬

‫‪6464‬‬
‫‪ .‬د‪ .‬عامر النفاخ‪ ،‬قمة بيروت العقالنية العربي ‪www.azzaman.con‬‬

‫‪75‬‬
‫مماطلة؛ فإما أن تقبل إسرائيل بالمبادرة ككل بحيث ال يتجزأ‪ ،‬وإ ما أن ترفضها‬
‫بالكامل مثلما فعل الناطق الرسمي بوزارة الخارجية اإلسرائيلية عندما أعلن قبول‬
‫الجزء المتعلق بإقامة العالقات الطبيعية‪ ،‬في حين رفض االنسحاب الكامل‪ ،‬ورفض‬
‫حق العودة لالجئين‪ .‬فالدول العربية جميعها ترفض االنتقائية‪ ،‬لذلك يجب على‬
‫المجتمع الدولي أن يمارس الضغط ألن االستهتار اإلسرائيلي بهذه المبادرة سيكون‬
‫آخر المطاف الذى ال يمكن أن يقبله العرب‪ ،‬مما يجعل العرب يقومون بتجميد‬
‫العالقات الرسمية مع إسرائيل ‪ ،‬وتفعيل المقاطعة االقتصادية‪ ،‬وتحجيم في العالقات‬
‫األمريكية العربية‪.‬‬

‫ويمكن القول إن المبادرة جاءت في توقيت ذهبي إلخراج منطقة الشرق األوسط من‬
‫المأزق الذي وصلت إليه‪ ،‬وعبرت بصدق عن رسالة األمة الحضارية القائمة على‬
‫السالم والتعايش مع األمم األخرى‪ ،‬وقد أجابت المبادرة على االتهامات والتساؤالت‬
‫التي تتهمها بالتطرف والعدوانية ووضعت المبادرة الكرة في الملعب الغربي‬
‫واألمريكي واألوروبي ليقوم بدوره نحو حكومة إسرائيل(‪.)65‬‬

‫موقف الداخل اإلسرائيلي من االنسحاب من جنوب لبنان عام ‪2000‬‬

‫لم يأت االنسحاب من جنوب لبنان الذي نفذه الجيش اإلسرائيلي أواخر مايو‪ /‬أيار‬
‫تحقيقاً للوعد الذي قطعه إيهود باراك رئيس الحكومة اإلسرائيلية السابق لناخبيه‬
‫بإخراج أبنائهم من "المستنقع اللبناني" مع مطلع شهر يوليو‪ /‬تموز ‪ ،2000‬وإ نما أتى‬
‫هذا االنسحاب ليحسم جدال حاداً برز لسنوات داخل إسرائيل وأدى إلى انقسامها إلى‬
‫تيارين أحدهما يؤيد االنسحاب من طرف واحد من لبنان‪ ،‬واآلخر يعارضه‪.‬‬

‫برز هذا االنقسام في الرأي من الوجود العسكري اإلسرائيلي في لبنان على‬


‫خلفية‪ ‬اعتبارات أهمها‪:‬‬

‫‪6565‬‬
‫‪ .‬قمة بيروت العقالنية‪ ،‬المرجع السابق ‪www.arabic.cnn.com‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ -1‬الفشل الكامل لنظرية "الحزام األمني" التي كانت عنواناً لسياسة إسرائيل في‬
‫لبنان‪ ،‬منذ أواسط الثمانينات عندما أعلنت في يونيو‪ /‬حزيران ‪ 1985‬وبعيد تنفيذ‬
‫انسحابها الجزئي وقيام ما أسمته "الحزام األمني" في الجنوب‪ .‬وورد في القرار الذي‬
‫ٍ‬
‫حينئذ برئاسة شمعون بيريز "أن الجيش اإلسرائيلي‬ ‫اتخذته الحكومة اإلسرائيلية‬
‫سيحتفظ لنفسه بحرية العمل ضد أي محاولة لالعتداء على إسرائيل وذلك ضمن‬
‫مسافة ‪ 30‬إلى ‪ 50‬كلم وراء الحدود‪ ،‬كما ستبقي إسرائيل على "الجدار الطيب"‬

‫أما الغاية من هذا "الحزام األمني" فكانت حماية حياة سكان المستوطنات اإلسرائيلية‬
‫في الشمال من سالح الكاتيوشا‪ ،‬وهو السالح األساسي للمقاومة منذ أيام الفلسطينيين‬
‫‪66‬‬
‫في مواجهاتها ضد الجيش اإلسرائيلي‪.‬‬

‫وتشكل نظرية "الحزام األمني" جزءاً من العقيدة األمنية التي كانت سائدة حتى نهاية‬
‫الثمانينات في إسرائيل ومفادها أن إسرائيل بلد صغير محاط بدول عربية معادية‬
‫وهي بحاجة إلى عمق أمني للدفاع عن نفسها‪ ،‬وفي هذا اإلطار يدخل احتاللها‬
‫ٍ‬
‫ألراض عربية مثل هضبة الجوالن والضفة الغربية والحزام األمني" في جنوب‬
‫لبنان‪.‬‬

‫لكن هذه النظرية تعرضت للكثير من التصدع مع نشوب "حرب الخليج" صيف‬
‫‪ ،1990‬وتعرض المدن اإلسرائيلية للقصف بصواريخ "سكود" العراقية البعيدة‬
‫المدى‪ ،‬إذ ألغت صواريخ أرض‪-‬أرض التي تملكها الجيوش العربية الفائدة من وجود‬
‫العمق االستراتيجي‪ ،‬وغيرت مالمح المواجهة العسكرية المحتملة في المستقبل‪.‬‬

‫‪ -2‬تحول "الحزام األمني" منذ نهاية الثمانينات إلى سبب لتعرض سكان المستوطنات‬
‫في الشمال للقصف بدالً من أن يكون رادعاً له‪.‬‬

‫”ألغت صواريخ أرض‪ -‬أرض التي تملكها الجيوش العربية الفائدة من وجود العمق‬
‫االستراتيجي‪ ،‬وغيرت مالمح المواجهة العسكرية المحتملة في المستقبل‪”.‬‬
‫‪ .66‬الجنرال آيالند‪ 5:‬أخطأنا عندما أيدنا انسحاب سورية من لبنان‪ 30‬يونيو ‪ 2010‬العدد ‪ 11537‬الشرق‬
‫األوسط‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫فالمقاومة في الجنوب جعلت هدفها محاربة االحتالل اإلسرائيلي ألراضيها‪ ،‬ولقد‬
‫اكتسبت هذه المقاومة شرعية لنشاطها بعد تفاهم أبريل‪ /‬نيسان الذي جرى التوصل‬
‫إليه في أعقاب عملية "عناقيد الغضب" اإلسرائيلية عام ‪ 1996‬ضد لبنان‪ ،‬وصار من‬
‫حق المقاومة مهاجمة الجيش اإلسرائيلي في الجنوب‪ .‬وبما أن الرد على هجمات‬
‫المقاومة من جانب إسرائيل كان يأخذ صيغة قصف المراكز والتجمعات المدنية‬
‫اللبنانية‪ ،‬كانت المقاومة ترد على ذلك بقصف المستوطنات في الشمال‪.‬‬

‫وهكذا تحول االحتالل اإلسرائيلي للجنوب إلى فخ مزدوج‪ :‬فهو من جهة جعل الجنود‬
‫اإلسرائيليين أهدافاً مشروعة لعمليات المقاومة‪ ،‬ومن جهة أخرى َع ّرض‬
‫المستوطنات اإلسرائيلية لخطر القصف الدائم‪.‬‬

‫‪ -3‬كان من الواضح‪ 5‬للقادة اإلسرائيليين ‪-‬السيما العسكريين منهم‪ -‬أن المواجهة‬


‫العسكرية الدائرة في الجنوب ال يمكن للجيش اإلسرائيلي أن يحسمها لصالحه على‬
‫الرغم من قوته وتفوقه العسكريين‪ .‬ففي حرب العصابات التي شنتها المقاومة على‬
‫الجيش اإلسرائيلي ال مجال للحسم أو لتحقيق انتصار كاسح‪ ،‬وإ نما‪ ‬كان ثمة إقرار بأن‬
‫"حزب اهلل" استطاع خالل السنوات األخيرة تحقيق مكاسب هامة وانتصارات على‬
‫الجيش اإلسرائيلي رغم كونه ال يتعدى المئات من المقاتلين المدربين‪ ،‬وكانت‬
‫المواجهة ستبقى من دون حسم ما لم تتحول إلى حرب تقليدية تخوضها قوات نظامية‪.‬‬

‫‪ -4‬مع استمرار وتصاعد أعمال المقاومة في الجنوب والدعم السوري الكبير لها‬
‫أدرك اإلسرائيليون أن الثمن الباهظ الذي يدفعه أبناؤهم في لبنان ال يعود فقط‬
‫الحتاللهم أراض لبنانية وإ نما الستمرار إسرائيل في االحتفاظ بهضبة الجوالن‪ ،‬وأن‬
‫المقاومة في لبنان تحولت إلى "ورقة ضغط" سياسية لدفع إسرائيل لالنسحاب من‬
‫الجوالن‪.‬‬

‫وأبرز دليل على ذلك تصاعد عمليات المقاومة عندما كانت تتعثر المفاوضات‬
‫السياسية بين إسرائيل وسوريا‪ .‬وعندما توقفت المفاوضات كان هدف سوريا من‬
‫وراء دعمها لعمليات "حزب اهلل" الضغط على إسرائيل للعودة إلى المفاوضات من‬
‫النقطة التي توقفت عندها قبل اغتيال رابين‪ ،‬أي اإلقرار باالنسحاب الكامل في‬

‫‪78‬‬
‫الجوالن مقابل السالم مع سوريا‪ .‬وفي الحقيقة شكلت هذه النقطة أساساً للخالف بين‬
‫المؤيدين لالنسحاب والمعارضين له‪.‬‬

‫ففي رأي المؤيدين لالنسحاب من طرف واحد أمثال يوسي بيلين‪ ،‬أو المطالبين‬
‫باالنسحاب التدريجي من أمثال أرييل شارون سيفصل مثل هذا االنسحاب مسألة‬
‫الجنوب عن الجوالن‪ ،‬وسيجعل سوريا "تخسر" ورقة المقاومة‪ .‬فإذا كانت المقاومة‬
‫هي ضد االحتالل اإلسرائيلي ألراض لبنانية فمعنى ذلك أنها تتوقف بعد زواله‪ .‬أما‬
‫إذا كانت ألهداف أخرى فعلى إسرائيل معالجة الموضوع مع الطرف المعني مباشرة‬
‫أي سوريا‪.‬‬

‫أما المعارضون لالنسحاب وهم إجماالً قيادة الجيش اإلسرائيلي وبعض زعامات‬
‫اليمين المتطرف‪ ،‬فرأوا أن االنسحاب لن يضع حالً لمشكلة المقاومة المسلحة في‬
‫جنوب لبنان‪ ،‬بل على العكس فهو قد يخلق مخاطر مواجهة عسكرية من نوع آخر‪،‬‬
‫وقد يجر المنطقة إلى حرب جديدة‪ .‬كأنما الدفاع عن بقاء الحزام األمني‪"  ‬هدفه تأجيل‬
‫المواجهة مع سوريا‪ ،‬وحصرها بساحة يعرفها اإلسرائيليون ويدركون حدود‬
‫مخاطرها‪.‬؟؟‬

‫”لم يكن قرار االنسحاب من لبنان قراراً تكتيكياً وإ نما هو قرار استراتيجي يستند إلى‬
‫تبدل في عقيدة إسرائيل األمنية ‪” ‬‬

‫في هذه األثناء اتخذت حركات المعارضة للوجود اإلسرائيلي في لبنان في ٍإسرائيل‬
‫بعداً هاماً‪ ،‬ونجحت في استقطاب تأييد جمهور عريض من اإلسرائيليين وعلى رأس‬
‫هذه الحركات "األمهات األربع" للعائالت التي فقدت أبناءها في جنوب لبنان إلى‬
‫جانب تحرك األحزاب اليسارية اإلسرائيلية وحركة "السالم اآلن"‪ ،‬كل ذلك خلق جواً‬
‫عاماً ضاغطاً كان من الصعب للقيادة العمالية تجاهله عندما خاض إيهود باراك‬
‫معركة رئاسة الحكومة ضد مرشح الليكود بنيامين نتنياهو‪ ،‬فاتخذ قراره بتحقيق‬
‫االنسحاب‪ ،‬وبدأ اإلعداد له فور تسلمه لمهامه في مايو‪ /‬أيار ‪ .1999‬وعندما فشلت‬
‫المفاوضات السياسية مع سوريا مطلع عام ‪ ،2000‬بات باراك مقتنعاً بضرورة تنفيذ‬
‫انسحاب من طرف واحد من لبنان وبأسرع وقت ممكن‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫يمكن القول انطالقاً من هذا كله‪ ‬إن قرار االنسحاب من لبنان لم يكن قراراً تكتيكياً‬
‫وإ نما هو قرار استراتيجي يستند إلى تبدل في عقيدة إسرائيل األمنية‪ ،‬ويعكس‬
‫التحوالت التي طرأت على موقفها من محيطها العربي ال سيما بعد مؤتمر مدريد‬
‫ومفاوضات السالم وتوقيع اتفاق السالم مع األردن واتفاقات أوسلو مع الفلسطينيين‪.‬‬

‫وعندما خرج آخر جندي إسرائيلي من لبنان يوم ‪ 25‬مايو‪ /‬أيار ‪ 2000‬تنفس‬
‫اإلسرائيليون عائالت وجنوداً الصعداء العتقادهم بأن فصالً دامياً وقائماً قد أغلق‪ ،‬أال‬
‫وهو التدخل اإلسرائيلي في لبنان‪ .‬واليوم وبعد سنة على االنسحاب كيف تبدو‬
‫حسابات الربح والخسارة من المنظور اإلسرائيلي؟‬
‫‪ ‬ماذا ربحت إسرائيل وماذا خسرت؟‬
‫تقيم إسرائيل الوضع على حدودها مع لبنان بعد عام على انسحابها فإنما تفعل‬
‫عندما ّ‬
‫ذلك انطالقاً من اإلجابة على مسائل أساسية هي‪ :‬إلى أي حد ساهم االنسحاب في‬
‫إرساء الهدوء على الحدود وأعاد األمن إلى حياة سكان مستوطناتها في الشمال؟ أما‬
‫المسألة الثانية فهي مدى مساعدة االنسحاب في تقليص خسائرها العسكرية والحفاظ‬
‫على حياة جنودها‪ ،‬ومدى نجاحه في إعادة االستقرار إلى المنطقة(‪.)67‬‬

‫والواضح اليوم بعد سنة على االنسحاب وأكثر من سبعة أشهر من عودة "حزب اهلل"‬
‫إلى عملياته العسكرية ضد جنود الجيش اإلسرائيلي في مزارع شبعا‪ ،‬أن الهدوء الذي‬
‫كان تاماً في األشهر األولى على الحدود تحول إلى هدوء متوتر‪ .‬ومع ذلك استطاع‬
‫هذا الهدوء أن يحقق عودة وتيرة حياة طبيعية إلى سكان الجليل‪ ،‬وأعاد دورة الحياة‬
‫إلى االقتصاد واالستثمار إلى هذه المنطقة التي جعلتها ظروف المواجهة العسكرية‬
‫المستمرة في لبنان ضمن خط المواجهة‪.‬‬

‫وباالستناد إلى تقارير صحفية إسرائيلية تشهد مستوطنات الشمال مثل كريات شمونة‬
‫والمطلة نهضة اقتصادية وعمرانية وسياحية‪ .‬واستطاعت هذه المدن التغلب على‬
‫األزمة في اليد العاملة التي خلقها إغالق الحدود أمام العمال اللبنانيين‪ ،‬وذلك باستبدال‬

‫‪ .67‬عام على الحرب الملتبسة وأخطاء التقدير المتبادلة إسرائيل‪" -‬حزباهلل"‪ :‬ميزان اإلنتصار واإلنكسار إيلي‬
‫الحاج‪ http://www.elaph.com‬مايو ‪.2001‬‬

‫‪80‬‬
‫اللبنانيين بعمال من تايلند‪ .‬وسكان الجليل الذين استجوبتهم الصحف قالوا إنهم بعد‬
‫فترة من القلق والخوف والحذر أعقبت االنسحاب وانتشار قوات "حزب اهلل" على‬
‫الحدود المتاخمة لهم‪ ،‬اعتادوا رؤية أعالم الحزب مقابل حقولهم طالما أن خطر‬
‫المواجهات والعمليات محصور بمزارع شبعا‪ .‬ومعنى هذا أن سكان المستوطنات‬
‫حتى إشعار آخر هم في منأى عن خطر الكاتيوشا‪.‬‬

‫”أعاد االنسحاب للمجتمع اإلسرائيلي وحدته بعدما بدأت تظهر مالمح انقسام حادة‬
‫حول جدوى بقاء الجنود اإلسرائيليين في جنوب لبنان‪”.‬‬

‫عسكريا نجحت إسرائيل خالل العام المنصرم في تقليص خسائرها من الجنود القتلى‪،‬‬
‫فاقتصرت الحصيلة على ثالثة قتلى وثالثة مخطوفين‪ ،‬وهذه حصيلة ضئيلة بالمقارنة‬
‫مع معدل الخسائر السنوي للجيش اإلسرائيلي الذي تراوح في السنوات األخيرة ما‬
‫بين ‪ 22‬و‪ 23‬قتيالً سنوياً‪.‬‬

‫ودولياً استفادت إسرائيل من تنفيذها االنسحاب من لبنان بحسب القرار ‪ 425‬لألمم‬


‫المتحدة‪ ،‬إذ حاولت أن تظهر صدقيتها أمام الدول وتكسب تأييدها‪ .‬كما استغلت عدم‬
‫نشر الحكومة اللبنانية لجيشها على الحدود بأن أظهرت نفسها كدولة تحترم القرارات‬
‫الدولية ولبنان هو الذي يخرقها‪.‬‬

‫وداخلياً أعاد االنسحاب للمجتمع اإلسرائيلي وحدته بعدما بدأت تظهر مالمح انقسام‬
‫حادة حول جدوى بقاء الجنود اإلسرائيليين في جنوب لبنان‪.‬‬

‫وحزبياً أظهر تحقيق قرار االنسحاب باراك بوصفه زعيماً يحترم وعوده وينفذها ثم‬
‫يتحمل عواقبها‪.‬‬

‫وفي مقابل األرباح وقعت خسائر اعترفت بها إسرائيل ضمناً أو علناً يأتي في‬
‫طليعتها‪:‬‬

‫‪ .1‬تصوير االنسحاب على أنه فرار وخسارة وإ ذالل إلسرائيل وانتصار ساحق‬
‫للمقاومة‪ ،‬ولم يفد دفاع القيادة العسكرية بأنها نفذته من دون إراقة نقطة دم واحدة‪.‬‬
‫فالصورة التي بقيت وعلقت في األذهان هي المعدات اإللكترونية والعسكرية التي‬

‫‪81‬‬
‫خلفها الجيش وراءه أثناء انسحابه السريع‪ ،‬وآالف‪ ‬الجنود من "جيش لبنان الجنوبي"‬
‫حليف إسرائيل األساسي طوال‪ ‬الثماني عشرة سنة الماضية مع عائالتهم يتدافعون‬
‫صبيحة الخامس والعشرين من مايو‪ /‬أيار على بوابات العبور للدخول إلى إسرائيل‬
‫فراراً من انتقام المقاومة بعد أن تخلت إسرائيل عنهم وتركتهم يواجهون مصيرهم‬
‫لوحدهم‪ .‬وأعالم "حزب اهلل" ترفرف فوق المناطق المحررة‪.‬‬

‫‪ .2‬اعتبر بعض اإلسرائيليين أن االنسحاب من طرف واحد ودون التوصل إلى‬


‫اتفاقات أو ترتيبات أمنية مع الجانب اللبناني‪ ،‬هو سابقة خطيرة سوف تدفع إسرائيل‬
‫إلى تقديم تنازالت مشابهة للفلسطينيين وللسوريين‪.‬‬

‫‪ .3‬ثمة إجماع اليوم ومع عودة التوتر إلى الحدود مع لبنان الذي بلغ في المرحلة‬
‫الحالية عتبة التهديد باندالع مواجهة عسكرية شاملة أن االنسحاب أضعف هيبة‬
‫إسرائيل وقدرتها على الردع‪ ،‬السيما وأن االنسحاب وتطبيق القرار ‪ 425‬لم يؤديا‬
‫إلى تجريد "حزب اهلل" من سالحه وإ لى وقف العمليات المسلحة‪ .‬بل برزت ذريعة‬
‫جديدة الستمرار عمل المقاومة وهي المطالبة بانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا‬
‫التي لم يلحظها القرار السابق‪ ،‬وتحرير المعتقلين اللبنانيين واألسرى في السجون‬
‫اإلسرائيلية والذي أثار موجة من الغضب على الحكومة اإلسرائيلية من قبل الرأي‬
‫العام في الداخل اإلسرائيلي‬

‫مما يثبت للجميع إن االنسحاب كان بمثابة هزيمة نفسية إلسرائيل بسبب عمليات‬
‫(‪)68‬‬
‫المقاومة التي أثرت في اتخاذ قرار االنسحاب من الجنوب اللبناني‪..‬‬

‫رؤية إسرائيلية لالنسحاب من جنوب لبنان‪:‬‬

‫األمنية في إسرائيل‬
‫ّ‬ ‫العسكرية واألجهزة‬
‫ّ‬ ‫تُواصل مراكز األبحاث التابعة للمؤسسة‬
‫أن هذا االهتمام‬
‫ويالحظ ّ‬
‫اللبناني‪ُ ،‬‬
‫ّ‬ ‫محاوالتها الحثيثة لمعرفة كل ما يخص حزب اهلل‬
‫السرية بين‬
‫ّ‬ ‫االستخبارية‬
‫ّ‬ ‫ينصب في فهم إستراتيجية الحزب في ك ّل ما يتعلّق بالحرب‬
‫ّ‬
‫العربية في موقع ‘‪’WALLA‬‬
‫ّ‬ ‫الطرفين‪ .‬وفي هذا السياق رأى محلل الشؤون‬

‫‪ .68‬االنسحاب اإلسرائيلي من جنوب لبنان ‪ ..‬هزيمة نفسية وعسكرية لالحتالل ‪.‬‬


‫‪http://www.palestine-info.com/arabic/analysis/2000/8_6_00.htm‬‬

‫‪82‬‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬إيهود باراك‪ ،‬قطع في‬
‫ّ‬ ‫أن رئيس الوزراء‬
‫اإلخباري‪ ،‬أفي إيسخاروف ّ‬
‫ّ‬
‫ولكن السنوات‬
‫العام ‪ 2000‬العالقات مع لبنان‪ ،‬حين انسحب بصورة أحادية الجانب‪ّ ،‬‬
‫ركبة‬
‫وم ّ‬‫اللبنانية معقدة ُ‬
‫ّ‬ ‫أن المسألة‬
‫التي تلت هذا االنسحاب وحتى يومنا هذا أ ّكدت على ّ‬
‫أن حزب اله يواصل‬
‫أيضا ّ‬
‫وتبين ً‬
‫ّ‬ ‫صناع القرار في تل أبيب‪،‬‬
‫مما فكر فيه ّ‬
‫أكثر بكثير ّ‬
‫اإلسرائيلي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إرسال أذرعه الطويلة إلى داخل المجتمع‬

‫العربية‬
‫ّ‬ ‫اإلسرائيلي إلى إنشاء موقع باللغة‬
‫ّ‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬اضطر جيش االحتالل‬
‫وتوجه عبره إلى‬
‫ّ‬ ‫العبرية‬
‫ّ‬ ‫لمواجهة موقع اإلنترنت الذي أقامه حزب اهلل باللغة‬
‫المواطنين اإلسرائيليين‪.‬‬

‫وقال موقع ‘يديعوت أحرونوت’ على اإلنترنت ّإنه في خطوة مفاجئة أنشأ الحزب‬
‫المرة األولى التي يقوم فيها أحد‬
‫أن هذه هي ّ‬
‫الم ّعد للدعاية‪ ،‬الفتًا إلى ّ‬
‫الموقع المذكور ً‬
‫أن الموقع المخزون‬
‫اإلسرائيلي‪ .‬وأضاف ّ‬
‫ّ‬ ‫التنظيمات بالتوجه مباشرة إلى الرأي العام‬
‫اإلسرائيلي وعن‬
‫ّ‬ ‫في إيران‪ ،‬يعرض سلسلة من األخبار والتحقيقات عن الجيش‬
‫السياسية في إسرائيل‪ ،‬عالوة على تقارير وأخبار عن المفاوضات مع‬
‫ّ‬ ‫المنظومة‬
‫‪69‬‬
‫العبرية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫داخلية في الدولة‬
‫ّ‬ ‫عما يجري من شؤون‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬وأنباء ّ‬
‫على صلة‪ ،‬قضت المحكمة المركزية في حيفا‪ ،‬بالسجن سبع سنوات مع وقف التنفيذ‬
‫لسنة كاملة‪ ،‬على شاب عربي من فلسطينيي ‪ 48‬اعترف وأدين بتهمة التخابر لحساب‬
‫حزب اهلل وتنفيذ مهمات عسكرية له‪ ،‬بينها جمع معلومات عن طوق الحراسة‬
‫المفروض على الرئيس اإلسرائيلي‪ ،‬شمعون بيريس‪ ،‬وعن تحركاته اليومية‪.‬‬

‫وعندما علم العميل أن بيريس ينوي زيارة مجد الكروم‪ ،‬طلب إليه أن يزود المسؤول‬
‫عنه في الدنمرك بأقصى ما يمكن من معلومات عن التحضيرات التي تجريها‬
‫المخابرات اإلسرائيلية قبيل الزيارة وخاللها لحراسته‪.‬‬

‫أقّّر الجنرال في االحتياط‪ ،‬عاموس غلبواع‪ ،‬الذي ترأس سابقًا وحدة األبحاث في شعبة‬
‫اللبنانية كانت السنة االستخبارية‬
‫ّ‬ ‫العسكرية‪( ،‬أمان)‪ ،‬أقّّر ّأنه في الساحة‬
‫ّ‬ ‫االستخبارات‬

‫‪ .69‬انسحاب اسرائيل من لبنان عام ‪ – 2000‬لماذا تم بدون اتفاق؟‬


‫‪http://www.iba.org.il/arabil/?entity=645059&type=5&page=242‬‬

‫‪83‬‬
‫وتتبدل‪ ،‬وواجهنا‬
‫أن طيلة الوقت‪ ،‬كانت األمور تتغير ّ‬
‫أزلي‪ ،‬الفتًا إلى ّ‬
‫عبارة عن وقت ّ‬
‫حد قوله‪.‬‬
‫صعوبات هيكلية في توقع ما سيحدث هناك‪ ،‬على ّ‬
‫أساسا من الوضع الخاص‬
‫اإلسرائيلية نبع ً‬
‫ّ‬ ‫أن ما واجهته المخابرات‬
‫كما لفت إلى ّ‬
‫عسكري دائم‪ ،‬وهو أمر لم‬
‫ّ‬ ‫للبنان‪ ،‬وقال‪ :‬في لبنان‪ ،‬طوال الوقت‪ ،‬كان لدينا احتكاك‬
‫مما يوجد لدينا اليوم مع قطاع‬
‫يكن لدينا مع أية دولة أخرى‪ ،‬وهو بالتأكيد أكثر بكثير ّ‬
‫مشيرا إلى ّأنه لم يكن ذلك احتكا ًكا مع دولة عادية‪ ،‬بل مع دولة بال حكم‬
‫غزة‪ً ،‬‬
‫مركزي‪ ،‬مقسمة ومليئة بالتنظيمات العسكرية‪ ،‬دولة تتبدل فيها األحالف طوال الوقت‪،‬‬
‫أي دولة أخرى في‬
‫ولبنان كان البلد الذي يوجد فيه تأثير للقوى األجنبية أكثر من ّ‬
‫حد قوله‪.‬‬
‫سورية وإ يران وإ سرائيل‪ ،‬على ّ‬
‫ّ‬ ‫الشرق األوسط‪:‬‬

‫وحول األسئلة التي كانت تبحثها االستخبارات حول الحزب اهلل‪ ،‬أشار الجنرال‬
‫عدة أسئلة‪ ،‬وكان أبرزها‪ :‬هل الحزب كيان مستقل؟ هل لديه منظومة‬
‫اإلسرائيلي إلى ّ‬
‫ّ‬
‫اعتبارات مستقلة في عملية اتخاذه للقرارات؟ أم أنه تابع إليران ويفعل ما تقوله له؟‬
‫سورية؟ وإ لى أي حد تأثيره كبير؟ هذه هي جملة من‬
‫ّ‬ ‫هل يصغي الحزب لما تقوله‬
‫األسئلة الرئيسية التي باتت أكثر حرجاً عام ‪ ،1991‬عندما تحول حزب اهلل إلى العب‬
‫حد‬
‫رئيسي بعد اغتيال األمين العام السابق لحزب اهلل السيد عباس الموسوي‪ ،‬على ّ‬
‫(‪)70‬‬
‫قوله‪.‬‬

‫إرهابا‪ ،‬حركة عصابات‬


‫ً‬ ‫حزبا‬
‫فإن الحزب كان منظمة متعددة األهداف‪ً :‬‬
‫وبرأيه‪ّ ،‬‬
‫نارية توازي قدرات قوى عظمى‪ .‬الفتًا إلى ّأنه على المستوى‬
‫منظمة مع قدرات ّ‬
‫التكتيكي‪ ،‬كان منظمة متشعبة‪ .‬كان يختفي في الميدان ويذوب وسط السكان‪ .‬وإ ضافة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬لديه أمن اتصاالت غير طبيعي واستثنائي‪ ،‬وهو منظمة دينية يصعب‬
‫اختراقها‪.‬‬

‫لقد واجهنا صعوبة في تشخيص األهداف‪ ،‬وكانت هناك صعوبة دائمة في فهم أية‬
‫أن أهم مشكلة‬
‫وشد ّد على ّ‬
‫ضربة عسكرية ضد الحزب يمكن أن تقود إلى كسره‪ّ ،‬‬

‫‪« .70‬سج الساخن» بين نتنياهو وباراكفي االنسحاب من لبنان عام ‪ 2000‬علي حيدر اسرائيليات العدد‪٢٩٩ 5‬‬
‫الخميس ‪ ٩‬آب أغسطس‪٢٠٠٧‬مقال ‪. http://www.al-akhbar.com/node/138605‬‬

‫‪84‬‬
‫واجهتها االستخبارات كانت في الحصول على معلومات استخبارية حول قواته‪ ،‬أما‬
‫أدى إلى‬
‫أيضا ّ‬
‫جدا‪ ،‬وهذا ً‬
‫المادة االستخبارية المجمعة عن حزب اهلل فكانت حساسة ً‬
‫حد قوله‪.‬‬
‫صعوبة في نقلها إلى الوحدات الميدانية‪ ،‬على ّ‬
‫إن حزب اهلل ُيولي أهمية قصوى لدراسة إسرائيل‬
‫أمنية في تل أبيب ّ‬
‫قالت مصادر ّ‬
‫المركزي‪ ،‬وفق‬
‫ّ‬ ‫اإلستراتيجي‬
‫ّ‬ ‫أن الهدف‬
‫جدا‪ ،‬مشيرةً إلى ّ‬
‫ومعرفة الخصم معرفة عميقة ً‬
‫الفلسطيني‪ ،‬يكونوا على‬
‫ّ‬ ‫رؤية حزب اهلل‪ ،‬هو توسيع البحث عن مواطنين من الداخل‬
‫استعداد لجمع المعلومات عن إسرائيل‪.‬‬

‫وأوضحت المصادر ّأنه في السنوات األخيرة قام حزب اهلل بتوسيع مجال تجنيد عرب‬
‫الداخل‪ ،‬حيث شمل ذلك‪ ،‬تجنيد أناس أيديولوجيين‪ ،‬عن طريق استغالل الضائقة‬
‫أن الحزب اهلل استغل في بعض‬
‫وتمت عملية التجنيد في خارج البالد‪ ،‬كما ّ‬
‫الشخصية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الفلسطيني بأداء فريضة الحج في مكة المكرمة‬
‫ّ‬ ‫األحيان قيام المسلمين من الداخل‬
‫أن الحزب عمل ويعمل‪ ،‬على تجنيد طالب عرب من مناطق الـ‪،48‬‬
‫لتجنيدهم‪ ،‬كما ّ‬
‫الذين يدرسون في جامعات بخارج البالد‪ .‬وأشارت المصادر إلى ّأنه في اآلونة‬
‫وتحديدا ‘فيسبوك’ للبحث‬
‫ً‬ ‫االجتماعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األخيرة يقوم الحزب باستغالل مواقع التواصل‬
‫ضد إسرائيل‪ .‬وأوضحت‬ ‫عن عمالء مفترضين ُيمكن تجنيدهم للعمل لصالح الحزب ّ‬
‫أن جهاز األمن العام (الشاباك) تلّقى معلومات كثيرة حول قيام جهات‬
‫أيضا ّ‬
‫المصادر ً‬
‫باإلرهابية بالتوجه عبر اإلنترنت إلسرائيليين‪ ،‬واقترحت عليهم‬
‫ّ‬ ‫أسمتها المصادر‬
‫العمل لصالحها ْأو تزويد هذه التنظيمات بمعلومات مقابل الحصول على أموال‪ ،‬الفتةً‬
‫أن الخطر من هذه الظاهرة ال ينبع فقط من ّأنه عن طريق هؤالء قد تُعرف‬
‫إلى ّ‬
‫أن يقعوا في‬
‫أن اإلسرائيليين عينهم من شأنهم ْ‬
‫حساسة عن إسرائيل‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬ ‫معلومات‬
‫مصيدة اإلغراء ويقومون بالسفر إلى خارج البالد‪ ،‬حيث يتّم اختطافهم هناك من قبل‬
‫اإلرهابية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التنظيمات‬

‫‪85‬‬
‫أن حزب اهلل رفع من‬
‫وخلصت المصادر إلى ّإنه في السنوات العشرة األخيرة ُيالحظ ّ‬
‫وتيرة تغلغله في صفوف فلسطينيي الداخل ليكون له مصادره التي تساعده في‬
‫الحصول على األخبار الدقيقة من داخل إسرائيل كي يستطيع توجيه رسائل بالصورة‬
‫(‪)71‬‬
‫التي يريدها إلى اإلسرائيليين‪.‬‬

‫أمنية بتألبيب‪ :‬االنسحاب من جنوب لبنان عام ‪ 2000‬فاقم‬


‫‪ .‬القدس العربي‪ alquds Newspaper‬مصادر ّ‬
‫‪71‬‬

‫المشكلة ‪November 7, 2013‬الجنرال غليواع‪:‬الحزب منظمة متعددة األهداف وحركة عصابات منظمة‬
‫نارية توازي قدر القوى عظمى‪.‬‬
‫معقدرات ّ‬

‫‪86‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫الحرب اإلسرائيلية على لبنان ( ‪) 2006‬‬
‫منذ بدء الحرب اإلسرائيلية على لبنان ( ‪ ) 2006‬طرحت عدة تساؤالت حول‬
‫توقيتها وتداعياتها السياسية التي يمكن أن تؤثر على الوضع في لبنان‪ ,‬وعلى المنطقة‬
‫العربية‪ ,‬وذلك بالنسبة للمشاريع الخارجية المطروحة‪ ,‬ومن ضمنها مشروع الشرق‬
‫األوسط الجديد‪.‬‬

‫وهذه الحرب التي تعرف باسم الحرب "السادسة" لكونها في سلسلة الحروب‬
‫العربية اإلسرائيلية‪ ،‬أو الحرب الثانية لكونها ثاني حرب تشنها إسرائيل ضد لبنان ‪-‬‬
‫بدأت يوم ‪ 12‬من يوليو ‪ 2006‬عندما قامت مجموعة من المقاومة التابعة لحزب اهلل‬
‫بشن عملية فدائية في الموقع العسكري اإلسرائيلي في "زراعية" الموجودة في شمال‬
‫إسرائيل على الحدود الموازية لجنوب لبنان ‪ ،‬وقد نجم عن هذه العملية مصرع ثمانية‬
‫جنود إسرائيليين وأسر جنديين منهم ‪ ،‬وقد تم جلبهم إلى الداخل في األراضي اللبنانية‬
‫بغرض التفاوض عليهم إلطالق سراح أسرى لبنانيين من السجون اإلسرائيلية‪ ،‬مما‬
‫أثار غضب إسرائيل؛ فقامت بشن حرب مدمرة غير متوقعة استهدفت فيها البنية‬
‫حصارا‬
‫ً‬ ‫التحتية للبنان‪ ،‬مما أدى إلى تدهور الحالة في لبنان محققة إسرائيل بذلك‬
‫شامالً لألراضي اللبنانية ( بري ‪ -‬بحري ‪ -‬جوي )‪ ،‬وقد نتج أيضاً إلى جانب ذلك‬
‫تدمير المنازل والمدارس في منطقة نفوذ حزب اهلل‪ ،‬أي في بلدات جنوبي لبنان‬
‫(‪)72‬‬
‫واستخدمت إسرائيل‬ ‫والبقاع ومنطقة بعلبك والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت‪.‬‬
‫أقصى ما لديها من طاقة تدميرية عبر قصف القذائف الصاروخية على المدنيين‪,‬‬
‫فأدت بذلك إلى حدوث خسائر فادحة باألرواح‪ ،‬وارتكبت العديد من المجازر‪،‬‬
‫وضمنها مجزرة "قانا‪ ، "2‬فأرادت إسرائيل بذلك إنهاء مقاومة حزب اهلل بأسرع وقت‪،‬‬
‫لكنها أيقنت بعد ذلك باإلخفاق مما دفع إسرائيل للعمل على التعويض عن ذلك من‬

‫‪ .7272‬موقع قناة الجزيرة‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫وتدميرا‪ ،‬وبذلك تؤدى إلى رفع ثمن الحرب بغرض‬
‫ً‬ ‫خالل الدخول في لبنان قتالً‬
‫التأثير على جمهور حزب اهلل‪)73(.‬‬

‫وأيضاً أدت هذه الحرب إلى أجواء معادية لهذا الحزب بين الجمهور اللبناني عموماً‪،‬‬
‫والنتيجة أن هذه الحرب تحولت إلى نوع من الحرب العبثية المدمرة انتهت دون‬
‫حسم‪ ،‬بسبب عدم تمكن أي من طرفيها جلب االنتصار لنفسه‪ ،‬وفرض الهزيمة على‬
‫الطرف اآلخر‪ ،‬وقد صدر قرار من مجلس األمن الدولي ( ‪)12/8/2006 - 1701‬‬
‫تمت الموافقة االضطرارية عليه من كال الجانبين‪.‬‬

‫مما يعنيأن هذه الحرب كانت بمثابة حرب خاسرين‪ ،‬مع المالحظة أن الخسارة‬
‫المادية والبشرية األكبر كانت من نصيب لبنان ‪ ،‬إذ إن خسارة إسرائيل السياسية‬
‫والمعنوية كانت أكبر بالقياس لقوة جيشها وبالنظر لتآكل هيبتها وتدني قدرتها على‬
‫شعورا ًّ‬
‫قويا للبنانيين باالنتصار في هذه المعركة‪،‬ذلك على‬ ‫ً‬ ‫الردع ؛ فمنحت بذلك‬
‫وثمة شيء غير عادي في هذه‬
‫الرغم من كم الخسائر التي أوقعتها إسرائيل بهم‪َّ ،‬‬
‫الحرب قد لفت انتباه البعض؛ فهذه الحرب لم تقم بإدارتها إسرائيل فقط؛ لكن كالعادة‬
‫دخلت اإلدارة األمريكية على خط اإلشراف الخارجي على المعركة السياسية‬
‫ًّ‬
‫شخصيا جورج بوش ‪ ،‬ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس ‪،‬‬ ‫والميدانية‪،‬خاصة رئيسها‬
‫وأيضاً المبعوث األمريكي لمجلس األمن جون بولتون ‪ ،‬ووضح هذا التدخل برفض‬
‫اإلدارة األمريكية الدعوة لوقف إطالق النار وتقديم الدعم السياسي والعسكري‬
‫إلسرائيل ‪ ،‬إلطالة زمن المعركة‪ ،‬بهدف التخلص من نفوذ حزب اهلل‪ ،‬واعتبار هذه‬
‫الحرب فرصة مواتية لمكافحة اإلرهاب ونشر الديمقراطية ‪ ،‬وأيضاً لتقليص نفوذ‬
‫إيران في الشرق األوسط ‪ ،‬وتطويع سوريا للضغوط األمريكية ؛ إضافة إلى ذلك فقد‬
‫حربا عربية ‪ -‬إسرائيلية ‪،‬‬
‫كشفت هذه الحرب عن التباسات واختالفات عدة كونها ً‬
‫انبثقت من الصراع العربي – اإلسرائيلي ‪ ،‬وبين التعامل معها بوصفها ذات تأثير‬
‫ونفوذ في المنطقة في إطار الصراع على مكانة كل من إيران وسوريا من جهة‬

‫‪ .7373‬خير الدين حسيب‪ ،‬الحرب اإلسرائيلية على لبنان وتداعياتها‪ ،‬المستقبل العربي‪ ،‬عدد ‪ ،331‬سبتمبر‬
‫‪ ، 2006‬ص ‪7 -6‬‬

‫‪88‬‬
‫وإ سرائيل من جهة أخرى ‪ ،‬إذ سعت إسرائيل إلى الترويج بأنها في استهدافها لحزب‬
‫اهلل إنما تحارب إيران‪ .‬فقد حاولت إسرائيل إبراز الحرب ضد لبنان أمام الرأي العام‬
‫الدولي على أنها حرب ضد حزب اهلل ‪ ،‬والحرب ضد اإلرهاب ‪ ،‬وضد التيار‬
‫اإلسالمي السياسي المتطرف ‪ ،‬في محاولة لطمس طبيعة هذه الحرب بوصفهاظاهرة‬
‫استعمارية احتاللية في المنطقة ‪ ،‬وتغطية التداعيات الناجمة عن سياساتها العنصرية‬
‫والعدوانية في المنطقة‪،‬خاصة في فلسطين ولبنان(‪.)74‬‬

‫ويتضح لنا من هذا مدى االستهتار اإلسرائيلي بعقول الناس بادعائهم أنهم‬
‫يخوضون حرباً ضد اإلرهاب ‪ ،‬وضد األصولية اإلسالمية المتطرفة ‪ ،‬بلكان‬
‫واضحا وضوح الشمس في بداية الحرب ‪ ،‬إذ‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫االستهتار بعقول الناس أيضاً ً‬
‫أكدوا أن هذه الحرب لن تستمر أكثر من أسبوع‪ ,‬لكنهم فوجئوا بأن حساباتهم كانت‬
‫خاطئة ‪ ،‬وأن حزب اهلل يمتلك من األسلحة التي تجعله يقاوم مقاومة شرسة ألطول‬
‫فترة ممكنة ؛ مما أدى إلى طول أمد الحرب ‪ ،‬مما اضطر وزير الدفاع اإلسرائيلي‬
‫عامير بيرتس إلى إجراء مؤتمر صحفي في يوم ‪ 27‬من يوليو أي بعد مرور ستة‬
‫عشر يوماً من الحرب اعترف فيه بتكبد القوات اإلسرائيلية خسائر فادحة ‪ ،‬ونتج عن‬
‫ذلك تقليص األهداف اإلسرائيلية من تفكيك حزب اهلل وتدميره ‪،‬ونشر قوات الجيش‬
‫اللبناني ‪ ،‬وتحرير األسرى اإلسرائيليين ‪ ،‬وأيضاً نشر قوة دولية قادرة على التصدي‬
‫لحزب اهلل ‪ ،‬وتفضل أن تشكل هذه القوة من حلف الناتو حليف إسرائيل واقعياً وكل‬
‫هذا من أجل إبعاد حزب اهلل عن الحدود ‪ ،‬ومحاولة منعه من إطالق صواريخه على‬
‫شمال إسرائيل ‪ ،‬وهذا التراجع كان على مستوى الخطط فقط دون وجود ضمانات‬
‫فعلية لتحقيق األهداف‪ ,‬ومما يدل على ذلك تصريح ألحد الجنراالت لقناة إسرائيلية‬
‫بأن الجيش لم يفكر من األساس باجتياح الجنوب ؛ بل حصار قوات حزب اهلل ‪،‬‬
‫يضاف إلى ذلك قرار المجلس الوزاري األمني بإسرائيل باستدعاء فرقتين من‬
‫االحتياط لدعم القوات المحاربة في لبنان‪ ،‬كل هذا يدل على ارتباك كبير في صفوف‬
‫الجيش اإلسرائيلي وقياداته؛ بل كان هذا االرتباك أيضاً واضحاً على القيادة السياسية‬
‫‪ .7474‬ماجد كيالي‪ ،‬الغزو اإلسرائيلي للبنان ‪ ،‬أبعاده وانعكاساته‪ ،‬شئون عربية ‪ ،‬خريف ‪ ،2006‬العدد‪ ، 127 5‬صـ‬
‫‪.18 - 16‬‬

‫‪89‬‬
‫إلسرائيل ‪ ،‬وذلك نظراً للحسابات الخاطئة لقوة حزب اهلل على الرد ‪،‬التي فاجأت‬
‫إسرائيل بل فاجأت العالم الخارجي ‪ ،‬من هنا نجد أن هذه الحرب قد أحدثت تغييراً في‬
‫موازين القوى في المنطقة ‪ ،‬وبرغم هذا التغيير فإن هذه الحرب تعد حرب الحسابات‬
‫الخاطئة ‪ ،‬حيث إنه كما أخطأت إسرائيل في حسابات وتقديرات القوة العسكرية‬
‫لحزب اهلل فإن حزب اهلل أيضاً قد أخطأ في حساب رد الفعل اإلسرائيلي على عملية‬
‫قتل ‪ 8‬جنود إسرائيليين ‪ ،‬وأسر جنديين‪ ،‬هذا يدل على أنها بالفعل حرب الحسابات‬
‫الخاطئة(‪.)75‬‬

‫أما على الصعيد العسكري فإن حزب اهلل لديه ‪ 20‬ألف مقاتل يتمتعون بشراسة القتال‬
‫وثقافة االستشهاد‪ ،‬وهذه من أهم نقاط القوة التي يتمتع بها حزب اهلل ‪ ،‬وقد فرض‬
‫حزب اهلل سرية تامة حول ما يملكه من أسلحة‪ ،‬ومعدات حربية‪ ،‬ولكن كشفت عمليات‬
‫المواجهة بينه وإ سرائيل وجود تطور كبير في األسلحة التي يمتلكها حزب اهلل‪ ،‬وأنه‬
‫لم يعد يعتمد على األسلحة الخفيفة فقط‪ ،‬حيث كشفت المخابرات اإلسرائيلية وجود‬
‫‪ 15‬ألف صاروخ لدى حزب اهلل ‪ ،‬ومن أهم هذه الصواريخ نوعان هما‪ :‬صواريخ‪5‬‬
‫كاتيوشا وهو السالح التقليدي الذي يمتلكه الحزب ‪ ،‬ويصل مدى هذه الصواريخ ما‬
‫بين ‪ 30 : 10‬كم ‪ ،‬والنوع اآلخر صواريخ فجر ‪ ،‬ويصل مداها في حدود ‪- 50‬‬
‫جدت صواريخ من نوع رعد ‪ ،‬وصواريخ من نوع زلزال ‪،‬التي يبلغ‬
‫‪ 70‬كم ‪ ،‬كما ُو َ‬
‫مداها ‪ 200‬كم ويمكن وصول قذائفها إلى تل أبيب ‪ ،‬وأيضاً تم تسليح حزب اهلل‬
‫بصواريخ مضادة للدبابات مداها ‪ 500‬متر وقذائف البتروفا ‪ ،‬ويمتلك حزب اهلل‬
‫طائرات بدون طيار من طراز مرصاد‪ ،‬حيث قام الحزب بعدة عمليات بهذه‬
‫الطائرات؛ منها قصف البارجة البحرية يوم ‪ 16‬من يوليو ‪ 2006‬أمام السواحل‬
‫اللبنانية ‪ ،‬كما أعلنت إسرائيل في يوم ‪ 13‬من أغسطس ‪ 2006‬إسقاطها طائرتين من‬
‫الطراز نفسه كانتا في طريقهما إلى شمال إسرائيل ‪ ،‬وقد قسم حزب اهلل عملياته‬
‫العسكرية داخل إسرائيل ‪،‬التي كانت عن طريق قصف المدن اإلسرائيلية بالصواريخ‬
‫‪.7575‬‬
‫د‪ .‬أحمد ثابت ‪ :‬المقاومة اللبنانية وتصدع نظرية الردع اإلسرائيلي‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد‪، 140 5‬‬
‫أغسطس ‪ ، 2006‬ص ‪.110‬‬

‫‪90‬‬
‫التي يمتلكها الحزب إلى مراحل مختلفة ‪ ،‬ومتدرجة تبعاً لتطور القتال ‪ ،‬مما يدل على‬
‫قدرة حزب اهلل على التقدم في القتال ألطول فترة ممكنة(‪.)76‬‬

‫إدارة حزب اهلل للحرب‪:‬‬

‫ال شك أن حزب اهلل قد وضع إستراتيجية ثابتة لتدعيم قواته وتسليحها تسليحاً‬
‫هدف ٍ‬
‫معلن أال وهو مقاومة العدوان ‪،‬‬ ‫جيداً ومطوراً ‪ ،‬وهذه اإلستراتيجية تحولت إلى ٍ‬
‫واالستعداد لمواجهة أي تطورات تهدد أمن وسالمة لبنان‪ ،‬بصفة خاصة فى ظل‬
‫ضعف تسليح الجيش اللبناني‪ ،‬وبعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان تمسك حزب‬
‫اهلل بالحفاظ على قواته؛ بل وتطويرها ما دامت هناك أرض لبنانية محتلة ‪ ،‬وتحديداً‬
‫احتالل إسرائيل مزارع شبعا وكفر شوبا ‪ ،‬ومما يؤكد صحة اإلستراتيجية التي‬
‫وضعها حزب اهلل لنفسه توالي االعتداءات اإلسرائيلية على جنوب لبنان بعد انسحاب‬
‫عام ‪ ، 2000‬وحتى ما قبل الحرب األخيرة عام ‪.2006‬‬

‫استراتيجية‪ G‬حزب اهلل في القتال‪:‬‬


‫مراوغا؛إذ استخدم قواته ٍ‬
‫بتأن في ظل أن إسرائيل‬ ‫ً‬ ‫أسلوبا ًّ‬
‫قتاليا‬ ‫ً‬ ‫اتبع حزب اهلل‬
‫تتبع سياسة التصعيد ‪ ،‬وكان حزب اهلل يسير بمنهج محدد فى الحرب ‪ ،‬إذ كان يقوم‬
‫بعمليات عسكرية بصورة تدريجية تبعاً لظروف المعركة ‪ ،‬وكان على ثقة بأن مقاتليه‬
‫سيكونون أكثر قدرة على نصب الكمائن التي تؤدي إلى خسائر في المدرعات‬
‫واألفراد مع احتمال امتالكه صواريخ إيرانية الصنع موجهة ومضادة للدروع ‪،‬‬
‫ومزودة بتكنولوجيا متطورة لتدمير الدروع الحديثة‪ ،‬واعتمد حزب اهلل فى القتال على‬
‫حفر شبكة من األنفاق والخنادق على الحدود مع إسرائيل ‪ ،‬ووصفت بعض المصادر‬
‫ما يواجهه الجيش اإلسرائيلي في لبنان من قتل وضعف قواته‪ ،‬مما يؤكد أن مقاتلي‬
‫املُون‬
‫يع َ‬
‫حزب اهلل مدربون إلى أقصى الحدود ‪ ،‬ومتواصلون في القتال‪ ،‬رغم أنهم ال َ‬
‫بوصفهمجي ًشا في دولة يدافع عنها‪ ،‬واتضح إلسرائيل أن جنود حزب اهلل لديهم أجهزة‬

‫‪ .7676‬لواء د‪ / .‬جمال مظلوم ‪ ،‬إدارة حزب اهلل للعمليات العسكرية في حرب لبنان السياسية الدولية ‪ ،‬العدد ‪/166‬‬
‫أكتوبر ‪ ، 2006‬ص‪96‬‬

‫‪91‬‬
‫اتصاالت حديثة ونظارات ليلية وسترات واقية جعلت إسرائيل تؤكد للعالم الخارجي‬
‫(‪)77‬‬
‫أن هذه المعدات تم جلبها من إيران‪ ،‬وأن حزب اهلل ينتمي إلى الجيش اإليراني‪.‬‬

‫وأصيبت القيادة العسكرية اإلسرائيلية والجنود في ميدان المعركة بالدهشة؛‬


‫لما كشف عن مقاتلي حزب اهلل من براعة في القتال والصمود أمام كل الظروف‪،‬‬
‫حتى أصاب الجيش اإلسرائيلي حالة من اليأس دفعتهم إلى القول بأنهم يواجهون جيشاً‬
‫نظامياً‪ ،‬وقد اضطرت إسرائيل أن تحصل من حليفتها الواليات المتحدة األمريكية‬
‫على قذائف وأسلحة متطورة لدرجة أن الواليات المتحدة األمريكية أمدت إسرائيل‬
‫بأسلحة لم يستخدمها الجيش األمريكي في أفغانستان وال العراق ‪ ،‬مثل القنبلة الذكية‪،‬‬
‫مما يوضح أن حزب اهلل ليس سهالً ‪ ،‬وقد كانت المقاومة اللبنانية تقوم بتغيير‬
‫تكتيكاتها القتالية باستمرار مما أدى إلضعاف القوات اإلسرائيلية‪.‬‬

‫آبارا وأنفاقًا وقام بتلغيم‬


‫وقد أشارت مصادر إسرائيلية أن حزب اهلل حفر ً‬
‫اآلبار بمعدل طن من المواد المتفجرة لكل بئر‪ ،‬إلى جانب ذلك بناء مواقع أكثر‬
‫تحصيناً تحت األرض‪ ،‬ومما يدل على بسالة وذكاء مقاتلي حزب اهلل ذلك النفق الذي‬
‫حفره مقاتلو حزب اهلل على مشارف المستوطنات اإلسرائيلية في الشمال ‪ ،‬رغم أن‬
‫المراقبة اإلسرائيلية كانت شديدة جداً ‪ ،‬ومع ذلك تسلل المقاتلون ‪ ،‬وقاموا بضرب‬
‫موقع عسكري محصن في الجنوبونتج عن قدرة المقاومة تدمير الدبابات اإلسرائيلية‬
‫متقدمة الصنع‪،‬التي‪ 5‬كان يعتقد اإلسرائيليون أن هذه الدبابات سوف تتوغل سريعاً‬
‫داخل الجنوب ‪ ،‬لكن المقاومة كانت لها بالمرصاد ‪ ،‬وأن إسرائيل كانت مخطئة في‬
‫ذلك األمر ‪ ،‬فقد استخدمت المقاومة نوعاً من الصواريخ متطورة الصنع أدت إلى‬
‫نتائج مباشرة في القتال‪ ،‬كذلك استعمل حزب اهلل وسائل استخباراتية متقدمة‬
‫وصواريخ حديثة‪ ،‬ودقة تحديد األهداف اإلستراتيجية في إسرائيل ‪ ،‬وقالت الصحف‬
‫اإلسرائيلية إن حزب اهلل العدو األكثر مرارة ‪ ،‬حيث ال توجد عليه سيادة من قبل َّأية‬
‫دولة ‪ ،‬وال تستطيع إسرائيل تحديد أهداف ميدانية له في أرض المعركة ‪ ،‬وقد عجز‬

‫‪ .7777‬لواء د‪ / .‬جمال مظلوم‪ ،‬إدارة حزب اهلل للعمليات العسكرية فى حرب لبنان السياسية الدولية ‪ ،‬العدد ‪، 166‬‬
‫أكتوبر ‪ ، 2006‬صـ ‪.97‬المرجع السابق‬

‫‪92‬‬
‫الجيش اإلسرائيلي بكل قواته عن قطع االتصال عن قادة المقاتلين في بيروت وباقي‬
‫أعضاء المقاومة‪.‬‬

‫وكان حزب اهلل يتبعون حرب العصابات‪ ،‬ألنهم بارعون في ذلك بسبب طبيعة‬
‫جبال لبنان‪ ،‬فلديهم حوالي ‪ 600‬مقاتل نظامي ‪ ،‬ومعهم ‪ 2000‬مقاتل احتياطي ‪ ،‬وقد‬
‫أطلق على هؤالء المقاتلين اسم وحدة ناصر‪ ،‬وتم تقسيم الوحدات‪ :‬فبعض الوحدات‬
‫كانت مسئولة عن إطالق صواريخ الكاتيوشا على شمال إسرائيل ‪ ،‬ووحدات أخرى‬
‫تتولى حماية المشاة لمواجهة محاوالت اختراق إسرائيل للقطاع ًّ‬
‫بريا؛ ومن البراعة‬
‫في القتال اختباء المقاتلين تحت األرض ‪ ،‬ومفاجئة الجنود اإلسرائيليين مما أحدث لهم‬
‫نوعا من الهلع واالرتباك‪ ،‬وقد تمكنت الوحدات من إطالق الصواريخ‪ 5‬قصيرة المدى‬
‫ً‬
‫‪ ،‬والنيران تجاه األهداف اإلسرائيلية في مناطق الجليل؛ مما أدى إلى إلحاق أضرار‬
‫جسيمة إلسرائيل ؛ حيث أصابت وحدة ناصر المستوطنات الزراعية ‪ ،‬مثل صفد ‪،‬‬
‫ميرون ‪ ،‬وزعمت إسرائيل أن المنطقة توجد فيها قاذفات صواريخ سورية تحمل‬
‫رؤوسا متفجرة (‪)78‬مما أثار رد فعل الرأي السوري تجاه هذه األقوال‪ ،‬وتضاربت‬
‫ً‬
‫األقوال؛ فقد زعم أيضاً الجيش اإلسرائيلي أنه نجح في تدمير نحو ‪ 130‬منصة‬
‫ضررا في قوات حزب اهلل‬
‫ً‬ ‫إلطالق صواريخ الكاتيوشا ‪ ،‬معتقدين بذلك أنهم أحدثوا‬
‫وأسلحته ؛ لكنهم لم يعلموا أن حزب اهلل يمتلك ثالثة آالف منصة قادرة على إطالق‬
‫ثالثة عشر ألف صاروخ‪ ،‬ولم يتمكن اإلسرائيليون من تدمير إال هذا العدد الصغير‬
‫من صواريخ حزب اهلل‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن المعرفة الدقيقة لدى رجال المقاومة‬
‫بالمناطق التي يدور فيها القتال قد أدت إلى ارتباك في صفوف الجيش اإلسرائيلي‪,‬‬
‫نظراً الستخدام مقاتلي حزب اهلل أجهزة السلكية قصيرة المدى ‪ ،‬مع االستمرار في‬
‫تغيير موجة االتصال باستخدام شفرات خاصة تعتمد على معرفتهم ببعض ‪ ،‬وهذا‬
‫النوع من التكتيك يبين معرفة المقاومة لقوة العدو بل ومعرفتهم لكيفية التعامل معها‪،‬‬
‫من هنا يتضح لنا أن حزب اهلل قد أدار الحرب بطريقة جيدة جداً إذ إنه عرف كيفية‬
‫التعامل مع إسرائيل؛ إال أنه قد أخطأ في حساب رد فعل إسرائيل على اختطاف‬
‫‪ .7878‬لواء د‪ / .‬جمال مظلوم ‪ ،‬استراتيجية حزب اهلل‪ ،‬السياسية الدولية ‪ ،‬العدد ‪ ، 166‬أكتوبر ‪ ، 2006‬صـ ‪-98‬‬
‫‪ /99‬المرجع السابق‬

‫‪93‬‬
‫جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية جنود في الشمال اإلسرائيلي ‪ ،‬وهذا ال يمنع أن لدى‬
‫رجال حزب اهلل خبرة كبيرة فى التعامل مع العدو‪ ،‬وهذا أحد أهم أسباب نجاح حزب‬
‫اهلل في إدارة الحرب(‪.)79‬‬

‫إدارة إسرائيل للحرب‪:‬‬

‫اختلفت الحرب اإلسرائيلية على لبنان ‪2006‬اختالفاً كبيراً عن باقي الحروب‬


‫العربية اإلسرائيلية منذ قيام إسرائيل حتى ما قبل هذه الحرب؛إذ تميزت هذه الحرب‬
‫بعدة مميزات من أهمها‪ :‬أن إسرائيل كانت تحارب مجموعات غير منظمة ‪،‬‬
‫فالتحاربجيشاً نظامياً‪ ،‬هذا ما يعطي إلسرائيل التفوق في المجاالت كافة‪ ،‬مما يجعل‬
‫إنهاء الحرب سريعاً وبانتصار ساحق أمراً ليس صعباً‪ ،‬هذا بالنظر إلى حجم األسلحة‬
‫اإلسرائيلية وتطورها من ناحية وبدائية أسلحة حزب اهلل من ناحية أخرى‪ ،‬بالمقارنة‬
‫لما يمتلكه الجيش اإلسرائيلي إذ إن إسرائيل تمتلك قوة تقليدية؛ تمتلك أقوى ما أنتجته‬
‫تكنولوجيا التسليح وقوة غير تقليدية جرثومية وكيميائية وقوة نووية وقوة فضائية‪،‬‬
‫إلى جانب عدة تحالفات قامت بها إسرائيل للدفاع المشترك‪ ،‬ومن أهم هذه التحالفات‬
‫مع أمريكا والهند ‪،‬لكن هذا التفوق الساحق في شتى األسلحة والمعدات لم تحقق به‬
‫إسرائيل نتائجها وأهدافها المعلنة‪ ،‬األمر الذيدفع الواليات المتحدة األمريكية إلطالة‬
‫زمن المعركة لتعطي بذلك فرصة إلسرائيل لحسم هذه المواجهة‪ ,‬وتحقيق‬
‫أهدافها‪،‬لكن العائق الكبير أمام تحقيق هذه األهداف صمود حزب اهلل‪ ،‬وأسلوب القتال‬
‫الذي يعكس دقة التدريب في حزب اهلل‪ ،‬مما جعل النصر إلى جانبه‪ ،‬بالرغم من أن‬
‫ظا مقابل هذا النصر‪ ،‬األمر الذي يجعل إسرائيل تفكر‬
‫الدولة اللبنانية دفعت ثمناً باه ً‬
‫فيعدم قدرة اإلدارة العسكرية على تحقيق أهدافها المعلنة ونتائجها المرغوبة في هذه‬
‫المعركة التي تتسم بالتوازن العسكري (‪.)80‬‬

‫استراتيجية‪ G‬إسرائيل في الحرب ‪:‬‬

‫‪ .7979‬د‪ .‬أحمد محمد ثابت ‪ ،‬الهزيمة الميدانية إلسرائيل وعواقب تدهور الردع بعد العدوان على لبنان ‪ ،‬شئون‬
‫عربية ‪ ،‬خريف ‪ ، 2006‬عدد ‪ ، 127‬صـ ‪.47-45‬‬

‫‪94‬‬
‫ارتكزت التكتيكات اإلسرائيلية على شن حرب برية في الجنوب اللبناني ‪،‬‬
‫وكان هدف هذا الهجوم منع صواريخ المقاومة المطلقة على الشمال‪ ،‬وإ بعاد قوات‬
‫المقاومة إلى شمال نهر الليطاني‪ ،‬وقد استنفذ السالح الجوي اإلسرائيلي مهماته في‬
‫عشرة أيام فقط منذ بداية العدوان الصهيوني ‪ ،‬ومن مميزات هذه الخطة البرية العمل‬
‫على حصار منطقة سكنية يتمركز فيها رجال حزب اهلل على منصات إطالق‬
‫الصواريخ ؛ ليتم بذلك رفع غطاء المقاومة كي يتمكن الجيش اإلسرائيلي من تحديد‬
‫أماكن اختباء باقي رجال المقاومة بسهولة‪ ،‬وقد تم تجربة هذه الخطة في قرية بنت‬
‫يوما‬ ‫جبيل ‪ ،‬لكن األمر المفاجئ الذي َّ‬
‫غير كل توقعات اإلدارة العسكرية أنه بعد ‪ً 15‬‬
‫فقط من تجربة هذه الخطة كانت النتيجة مقتل ما ال يقل عن ثمانية جنود‪ ،‬وجرح قائد‬
‫السرية وتدمير عدد من الدبابات‪ ،‬مع أن الجنود من الكتيبة(واحد وخمسون) من قوات‬
‫لواء جوالني الذي يعد من أمهر األلوية في القتال‪ ،‬فقد قام مقاتلو حزب اهلل بهجوم‬
‫مفتوحا إلدخال الوحدات‬
‫ً‬ ‫عليه في الفجر من خالل ممر قد تركته القوات اإلسرائيلية‬
‫إلى البلدة‪ ،‬فتمكن المقاومون من تعطيل المروحيات التي تنقذ الجرحى لمدة ست‬
‫ساعات مما أدى إلى موت كثير من الجنود اإلسرائيليين ‪ ،‬وقد نشرت إسرائيل اثنتين‬
‫من أمهر الفرق وأكثرها قوة وهما فرقة الجليل في الغرب‪ ،‬والوحدة الفوالذية في‬
‫الشرق‪ ،‬وبعد يومين من الحرب البرية التي بدأت بقرية مارون الرأس فوجئ الجيش‬
‫اإلسرائيلي بمقاومة عنيفة من قبل مقاتلي حزب اهلل ‪ ،‬وقد نشرت إحدى الصحف‬
‫اإلسرائيلية على لسان أحد الضباط سابق الخدمة لهم في الحروب بين لبنان‬
‫وإ سرائيل‪" :‬إن حزب اهلل قد فهموا جيداً األساليب القتالية لجيشنا ‪ ،‬لذا فهم استعدوا‬
‫جيداً ‪ ،‬وطوروا من قدراتهم القتالية ؛ لذلك إننا اآلن في وضع عسكري صعب"‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فإن السالح الجوي والمخابرات اإلسرائيلية هما اللذان‬
‫يقومان بقيادة الحرب اإلسرائيلية على لبنان‪،‬لكن المخابرات أكدت أنها لن تستطيع‬
‫قتل حسن نصر اهلل األمين العام لحزب اهلل‪ ،‬ويدل هذا التأكيد على ضعف المخابرات‬
‫اإلسرائيلية‪ .‬ومن وحشية السالح الجوي اإلسرائيلي إلقاؤه قنابل بلغ وزن الواحدة‬
‫‪ .8080‬د‪ .‬زكريا حسن ‪ ،‬إدارة إسرائيل للعمليات العسكرية فى لبنان ‪ ،‬السياسة الدولية ‪ ،‬العدد‪ ، 66 5‬أكتوبر ‪2006‬‬
‫‪ ،‬المجلد ‪ ، 41‬صـ ‪112‬‬

‫‪95‬‬
‫منها ‪ًّ 23‬‬
‫طنا ألقيت على برج البراجنة الذي يضم مخيماً لالجئين الفلسطينيين ‪ ،‬وألقوا‬
‫موقعا ًّ‬
‫سريا يتم فيه حفظ األسلحة‬ ‫واحدة أخرى على مسجد زعمت إسرائيل أن تحته ً‬
‫والمعدات‪ ,‬وأنه تم بناؤه من قبل مهندسين إيرانيين متخصصين في ذلك ‪ ،‬ومن‬
‫أشرس الجرائم تدمير قرية حريك بأكملها‪ ,‬وهي جزء من ضاحية بيروت الجنوبية‪،‬‬
‫ولم يتبق منها سوى التراب‪ ،‬وكانت تضم هذه القرية مقرات قيادة حزب اهلل ‪ ،‬ولم‬
‫تعثر القوات اإلسرائيلية على أي شيء سوى الفشل الذي يالحقها واتباعها هذا‬
‫التكتيك؛ وهو استخدام القوة المفرطة في مالحقة أفراد المقاومة‪،‬وال شك أن هذا يؤدي‬
‫في النهاية إلى إلحاق الضرر بالمدنيين؛ وهذا بدوره ال يؤدي إلى النتيجة المرجوة من‬
‫الحرب‪ ،‬وهو أحد أسباب فشل التكتيك اإلسرائيلي في الحرب على لبنان إلى جانب‬
‫القدرة الفائقة ألفراد المقاومة على المراوغة في القتال(‪.)81‬‬

‫والجدير بالذكر أن الجيش اإلسرائيلي يعد من أكثر جيوش العالم تطوراً؛ نظراً‬
‫المتالكه كل أنواع األسلحة الحديثة الموجودة حالياً‪،‬بالرغم من ذلك فشل هذا الجيش‬
‫في تدمير قوة مقاومة تعتمد في مقاومتها على استخدام أسلحة بدائية ‪ ،‬بالقياس لما‬
‫تمتلكه إسرائيل‪ ،‬ولم يستفد الجيش اإلسرائيلي من دروس الماضي في فلسطين‪ ،‬وأن‬
‫القوات اإلسرائيلية وقعت فريسة سهلة في يد المقاومين في فلسطين‪ ,‬والخطأ نفسه‬
‫تكرر مع مقاتلي حزب اهلل‪ ،‬كل ذلك نتيجة لغطرسة اإلسرائيليين ولعدم إدراكهم‬
‫(‪)82‬‬
‫‪.‬‬ ‫قدرات المقاومة في فلسطين ولبنان وبل واالستهانة بهما‬

‫تداعيات الحرب على لبنان‪:‬‬

‫من أهم تداعيات الحرب على لبنان تغيير حالة السلم الطائفي إلى حالة من‬
‫عدم االستقرار األمني‪ ،‬وكانت بداية هذا التغيير منذ مقتل رئيس الوزراء األسبق‬
‫رفيق الحريري‪ ،‬فأصبح الشارع اللبناني في حالة من الهلع والتدهور‪ ،‬وقد انقسم‬
‫الشعب اللبناني إلى فرق‪ ,‬كل فرقة تريد بناء دولة طال انتظار تأسيسها‪ ,‬فأصبح‬
‫‪ .8181‬د‪.‬أحمد محمد ثابت ‪ ،‬الهزيمة الميدانية إلسرائيل وعواقب تدهور الردع بعد العدوان على لبنان ‪ ،‬شئون‬
‫عربية ‪ ،‬خريف ‪ ، 2006‬عدد ‪ ، 127‬صـ ‪.49 – 48‬‬
‫‪ .8282‬يوئيل ماركوس ‪ ،‬فشل ذريع ‪ ،‬هاأرتس ‪ ، 13/7/2006‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬أغسطس ‪ ، 2006‬العدد‬
‫‪ ، 140‬صـ ‪.41‬‬

‫‪96‬‬
‫ًّ‬
‫تدريجيا‬ ‫موحدا؛ وهو تطبيق اتفاقية الطائف لنيل كل طائفة حقوقها‪ ،‬وبذلك تبدأ‬
‫ً‬ ‫الرأي‬
‫إلغاء السياسة الطائفية‪ ,‬وتدخل بعد ذلك لبنان في عهد جديد وإ قامة جمهورية‬
‫برلمانية‪ ،‬وقد برزت أزمة الدولة اللبنانية التي لم تعرف منذ بداية استقاللها في عام‬
‫‪ 1943‬مركزية قوية ‪ ،‬وسيادة مطلقة‪ ,‬وفي الوقت الحاضر ال تختلف التيارات‬
‫السياسية في لبنان من حيث تقسيمها على أساس طائفي أو سياسي‪ ،‬لكن الهدف هو‬
‫الوصول بلبنان إلى دولة قوية وقادرة على اتخاذ القرارات‪ ،‬لكن تفضيل األمن على‬
‫السياسة أدى إلى وجود تفرقة بين فئات الشعب اللبناني‪ ،‬ومن ذلك أن لبنان والحرب‬
‫عليها ال تبدو حالة فاصلة لقيام دولة قوية ؛ لكنها حالة حرب بين الطوائف‪ ،‬وتحديداً‬
‫فيما يختص بسالح حزب اهلل‪ ،‬وبالنظر إلى القيادات اللبنانية في أثناء الحرب فقد‬
‫أثبتوا أنهم رجال دولة حقيقيون‪ ,‬ويتضح ذلك في بعض المواقف؛منها تأجيل تصفية‬
‫حسابهم مع حزب اهلل لما بعد نهاية الحرب‪،‬كذلك موقف أمين عام حزب اهلل حسن‬
‫نصر اهلل من الموافقة على قرارات الحكومة اللبنانية على إنهاء الحرب‪ ،‬لكن عقب‬
‫انتهاء الحرب انخفض مستوى ذلك التوافق ‪ ،‬ودخل الجميع في حرب سياسية‬
‫وصراع على السلطة حتى قبل أن تغير إسرائيل موقفها ِقَبل الدولة اللبنانية‪ ،‬وتنتهي‬
‫عملياتها العسكرية فيها وفقًا لقرارات مجلس األمن‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى فإن هذه الحرب كانت من الممكن أن تبني ركائز أولى يمكن للدولة‬
‫ًّ‬
‫سياسيا‪،‬‬ ‫انقساما‬
‫ً‬ ‫لكن ‪-‬للمرة األولى ‪ -‬انقسم اللبنانيون بعد الحرب‬
‫القيام على أساسها‪ْ ،‬‬
‫ًّ‬
‫وطائفيا‪ ،‬كما حدث من قبل‪ ،‬فكل الطوائف الدينية شهدت خالفات حول‬ ‫وليس ًّ‬
‫دينيا‬
‫الموقف من الحرب ‪ ،‬ومن حزب اهلل‪ ,‬ولم يكن هذا التقسيم يتشابه مع الحروب األهلية‬
‫التي حدثت من قبل عام‪ . 1975‬ومن ناحية أخرى فإن الوضع السياسي في لبنان قد‬
‫تعقيدا بعد الحرب فهناك فجوة بين الفرقاء اللبنانيين أصبح ال يمكن ُّ‬
‫سدها؛‬ ‫أصبح أكثر ً‬
‫مما سيؤدي بذلك إلى إحداث انقسامات وتدهور خطير للوضع الراهن في بلد يضم‬
‫أكثر من مذهب ديني‪ ،‬مما يدع الفرص أمام القوة الخارجية للتدخل في شئون لبنان‬
‫الداخلية ‪ ،‬وال يدع الشعب يقرر مصيره على أساس من الوحدة الوطنية‪ ،‬وهذا ما‬
‫يبرهن االنقسامات السياسية والطائفية التي ظهرت بعد انتهاء الحرب ‪ ،‬فالحرب لها‬

‫‪97‬‬
‫دور كبير في االحتقان السياسي الظاهر في لبنان ‪ ،‬فنرى أن الجنرال ميشيل عون ‪-‬‬
‫وهو من الوسط المسيحي الذي يتحالف مع حزب اهلل‪ -‬يصف الحكومة بأنها مافيا‬
‫وحكومة لصوص تتعلق بالسلطة بسبب طمعها في السيطرة على كل شيء‪,‬‬
‫وأنهاترغبفي االستيالء على فيض المساعدات األجنبية في فترة ما بعد الحرب‪ ،‬أما‬
‫التحالف فهو مجموعة من المسلمين السنة واألحزاب المسيحية والدرزية اليمينية‬
‫والمستقلين الليبراليين‪ ،‬الذي يشار إليه على قطاع واسع بوصفه حركة الرابع عشر‬
‫من آذار فيلوم حزب اهلل؛ ألنه أشعل حرباً تسببت في مقتل ‪ 1200‬لبناني‪ ،‬وتدمير‬
‫الكثير من البنية التحتية للدولة ‪ ،‬ويقول أعضاء حركة الرابع عشر من آذار إن إيران‬
‫بدال من ردع إسرائيل قد حولت أسلحتها إلى حزب اهلل في لبنان لتتحول إلى ساحة‬
‫معركة مستخدمة من قبل إيران لتحسين وضعها التفاوضي مع المجتمع الدولي ‪ ،‬ومن‬
‫قبل النظام السوري لممارسة سيطرته على لبنان ‪ ،‬أما بالنسبة لعون فيقول بعض‬
‫سرا أن دعمه لحزب اهلل أعطى الحزب الشيعي‬
‫أعضاء حركة الرابع عشر من آذار ًّ‬
‫ًّ‬
‫سياسيا لممارسة سلوكهم المتهور في التشبث بالحرب‪ ,‬كل هذه التصريحات إن‬ ‫غطاء‬
‫ً‬
‫دلت على شيء فإنما تدل على الصراع بين القوى اللبنانية الذي زاد بعد الحرب بغية‬
‫الوصول للسلطة؛ فبدالً من توحيد الصف اللبناني إلصالح ما خربته الحرب اجتمعت‬
‫القوى السياسية على شيء واحد‪ ,‬وهو الصراع والتناحر لتحقيق أهداف خاصة‬
‫وتحقيق أهداف قوى خارجية سواء كانت إقليمية أو دولية‪ ،‬والذي يدفع الثمن في‬
‫النهاية هو الشعب‪ ,‬لكن هذا ال يعفي الشعب من مسئولية أمام نفسه تجاه الوضع‬
‫الداخلي لبالدهم‪ ،‬وفي النهاية ال يجوز القول إن مستقبل لبنان واقف على تغير‬
‫التحالفات القائمة‪ ،‬لكن أزمة لبنان الحقيقية هي االنقسامات القائمة ‪ ،‬فالدولة مستقطبة‬
‫من قوى مختلفة لكل منها بنيتها االجتماعية والسياسية‪ ,‬وهذان التياران يتلقيان‬
‫مساعدات خارجية من تيار تابع للغرب وتيار تابع للشرق(‪.)83‬‬

‫تداعيات الحرب على إسرائيل ‪:‬‬

‫‪ .8383‬إبراهيم غالي‪ ،‬الداخل اللبناني بعد الحرب‪-‬مجال الدولة والطائفة‪ ،‬السياسية الدولية – العدد‪،166 5‬أكتوبر‬
‫‪ – 82‬المجلد ‪41‬‬

‫‪98‬‬
‫كشفت الحرب اإلسرائيلية على لبنان عن مشاكل وتدهور يعانى منه العدوان‬
‫اإلسرائيلي وصلت به األمور إلى حد الفشل‪ ،‬فالجيش اإلسرائيلي يمثل األساس‬
‫للمشروع االستيطاني الصهيوني في لبنان‪ ،‬نتيجة تردد القيادة السياسية وعدم وضوح‬
‫الرؤيا واألهداف‪ ،‬أدى ذلك إلى عجز الجيش اإلسرائيلي عن تحقيق هذه األهداف؛‬
‫مما يؤكد فشل آلة حرب االحتالل في وقف إطالق الصواريخ‪ ،‬وأصبح الكيان المحتل‬
‫طا‬
‫نصرا ولو بسي ً‬
‫أكثر انكشافاً ووضوحاً للقوى المقاومة التي استطاعت أن تحقق ً‬
‫على إسرائيل ‪ ،‬فإسرائيل تقف اآلن أمام ما يسمى بمحور حساس – حزب اهلل –‬
‫سورية – إيران؛ ذلك الذي أبدى قدراً كبيراً من المصالحة السياسية ونجاحاً في‬
‫المقاومة المسلحة في لبنان ‪ ،‬ومن جهة أخرى نشأ بعد الحرب وضع سياسي يتميز‬
‫بوضوح الخيارات من الحرب والسالم‪ ،‬لكن ِّ‬
‫تشكل هذه الخيارات مأزقًا إلسرائيل‬
‫ألنها غير مستعدة لدفع ثمن أي من الخيارين‪ ،‬لذلك لجأت إسرائيل إلى حليفتها‬
‫الواليات المتحدة األمريكية لشن حملة لتعكير صفو هذا الوضوح ونشر الغبار ‪ ،‬ولم‬
‫يكن صدفة قيام اليهود أول مرت بعد الحرب على لبنان بإلغاء خطة فك االرتباط في‬
‫الضفة الغربية ‪ ،‬ومن ناحية أخرى بعد فشل سياسة القوة التي تستخدمها إسرائيل في‬
‫تحقيق أهدافها كانت هذه الحرب تبرر الفشل اإلسرائيلي حيث ال يوجد في إسرائيل‬
‫خالف على أنها فشلت في الحرب في لبنان‪ ,‬وأصبح السؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬من‬
‫سيتحمل نتيجة هذا الفشل المحتوم؟‬

‫كذلك طُ ِر َحت التساؤالت بإلحاح عن المسئول عن هذه الحرب ً‬


‫أيضا‪ ،‬بدأ‬
‫السؤال عن كيفية تحقيق مثل هذه النتيجة المتواضعة لجيش يمتلك الكثير من المعدات‬
‫واألفراد‪ ،‬بالنظر إلى مجموعات مقاومة ال تمتلك إال أسلحة تعد بدائية بالنسبة لما‬
‫(‪)84‬‬
‫تمتلكه إسرائيل‪ ،‬في الواقع إن الجيش اإلسرائيلي قد دمر البنية التحتية للبنان‬
‫وارتكب ما يندرج تحت جرائم الحرب؛إذ شرد وقتل أكثر من ألف وأربعمائة‬
‫مدني‪،‬لكن من المفهوم لدى الجميع أن الحروب ال تقاس بمدى الدمار الذي‬
‫أحدثته‪،‬لكن تقاس بتحقيق األهداف الموضوعة‪ 5‬للحرب‪ .‬وفي الواقع إن حزب اهلل قد‬
‫‪ .8484‬د‪.‬عزمي بشارة‪ ،‬مأزق إسرائيل التاريخي بعد الحرب على لبنان – ‪– 23/9/2006‬‬
‫‪WWW.ARABIANEGATIVITY.COM‬‬

‫‪99‬‬
‫حقق الكثير من أهدافه في هذه الحرب؛إذ إنه حطم أسطورة إسرائيل التي ال يمكن‬
‫ألحد أن يعتدي على مدنها الداخلية‪ ،‬لكن حزب اهلل قام بضرب العمق اإلسرائيلي‬
‫تأثيرا ًّ‬
‫سلبيا على اإلسرائيليين‪ ،‬وهذا بدوره زعزع ثقة اإلسرائيلي‬ ‫بشدة؛ مما أثر ً‬
‫ينتجاه قيادتهم السياسية والعسكرية‪ ،‬بل تأكدوا من عدم قدرة هذه القيادات على تحقيق‬
‫األمن للمواطنين في إسرائيل‪ ،‬أما إسرائيل فلم تستطع أن تحقق ًّأيا من أهدافها التي‬
‫وضعتها في هذه الحرب‪ ،‬وهي تحرير الجنديين اإلسرائيليين‪ ،‬وإ يقاف إطالق‬
‫الصواريخ من الجنوب اللبناني‪ ،‬فقد فشلت إسرائيل في تحقيق هذه األهداف؛ بل‬
‫وقبِلت بوقف إطالق النار‪,‬وصدر القرار رقم ‪ 1701‬الذي أعاد القضية إلى بدايتها‪،‬‬
‫وأيضا دون‬
‫ً‬ ‫مما يبرهن على أن هذه الحرب انتهت دون هزيمة أحد من الطرفين‬
‫انتصار أحد منهما‪,‬لكن كالعادة فإن إسرائيل سوف تقوم بدورها القوى والمؤثر في‬
‫المجتمع الدولي‪ ،‬إذ جاهدت من أجل توضيح أن إسرائيل تخرج من هذه الحرب وهي‬
‫بعضا من أهدافها أو على األقل الحفاظ على هيبتها أمام المجتمع الدولي‪ ،‬إذ في‬
‫محققة ً‬
‫القرار مطالبة حزب اهلل باإلفراج عن الجنديين األسيرين دون تبادل أسرى كعادتها‬
‫وأيضا نشر قوات دولية في الجنوب اللبناني ‪،‬‬
‫ً‬ ‫أمام اإلفراج عن أسرى إسرائيل‪،‬‬
‫وعدم وجود قوات مسلحة في المنطقة مما بين نهر الليطاني والخط األزرق‪ ,‬ونتج‬
‫عن ذلك أن طلبت إسرائيل من الواليات المتحدة إمهال الجيش اإلسرائيلي مهلة لشن‬
‫هجوم برى شامل لعلها تحقق آخر أهدافها؛ وهو ما حدث بالفعل‪،‬إذ فشل الجيش‬
‫اإلسرائيلي في هذا الهجوم؛ مما سبب صدمة كبيرة للرأي العام اإلسرائيلي‪ ،‬وإ ن أهم‬
‫نتائج هذه الحرب سقوط هيبة الردع للجيش اإلسرائيلي‪ ،‬وقد عقب الرأي العام في‬
‫إسرائيل على هذا الفشل قائالً‪ :‬إنه ِ‬
‫يمكن لهذا الفشل أن يطمع أعداء إسرائيل في‬
‫تكرار محاوالت هجومية على إسرائيل‪ ،‬وإ ن إسرائيل أصبحت قوة يستهان بها‪.‬‬
‫وأدت هذه الحرب إلى فقدان الجيش ثقة المواطن اإلسرائيلي‪)85(.‬‬

‫وقد بدأ الرأي العام اإلسرائيلي حينها فيتوجيه تساؤالت‪:‬ما الذي تسبب في هذه‬
‫الحرب؟ ومن الذي وصل باألمر إلى مثل هذه الهزيمة؟ ومما ضاعف من هذه‬
‫‪ .8585‬د‪.‬عماد جاد‪،‬إسرائيل بعد الحرب – مراجعة شاملة‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪،166‬أكتوبر ‪ ، 2006‬المجلد‬
‫‪ ،41‬ص ‪ - 116‬ص ‪117‬‬

‫‪100‬‬
‫التساؤالت الخسائر االقتصادية التي تسببت فيها هذه الهزيمة؛ حيث إن التقديرات‬
‫الدولية للخسائر االقتصادية إلسرائيل تشير إلى أن الحرب على لبنان قد تسببت في‬
‫خسارة ‪ 2.25‬مليار دوالر إلى جانب نفقات الحرب التي بلغت في األسابيع الثالثة‬
‫وأيضا أكد أن المناطق الشمالية في إسرائيل من‬
‫ً‬ ‫األولى نحو ‪ 400‬مليون دوالر ‪،‬‬
‫أكثر المناطق التي تعرضت لخسائر كبيرة‪ ،‬وأن كثيراً من المصانع قد أغلقت أبوابها‬
‫بسبب هذه الحرب‪ .‬من هنا يتضح لنا أن كل هذه الخسائر العسكرية والسياسية‬
‫تأثيرا‬
‫واالقتصادية واالجتماعية التي تعرضت لها إسرائيل في أثناء الحرب قد أثرت ً‬
‫ًّ‬
‫سلبيا على الرأي العام في إسرائيل بعد الحرب‪ ،‬مما أدى إلى ارتباك كبير في الداخل‬
‫اإلسرائيلي‪.‬‬

‫المواقف العربية‪ G‬واإلقليمية والدولية من الحرب على لبنان‪:‬‬

‫اتسمت المواقف العربية واإلقليمية والدولية من تلك الحرب بتباينات‬


‫واختالفات كبيرة؛إذ اختلفت هذه المواقف ما بين مؤيد ومعارض لهذه الحرب‪ ،‬وهذا‬
‫ما يوضحه الشرح التفصيلي لهذه المواقف‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬المواقف العربية من الحرب ‪:‬‬

‫من المميزات البارزة في العدوان اإلسرائيلي على لبنان أن مواقف الدول‬


‫العربية لم تقتصر فحسب على النخبة الحاكمة‪،‬لكن جاء دور شعبي واضح؛ فمنهم من‬
‫يشجب‪ ،‬ومنهم من يعارض‪ ،‬وهذه المواقف لم تكن رسمية‪،‬إذ كانت منظمات المجتمع‬
‫المدني تقوم بدور فعال في إحداث تنشيط الوعي لدى الجماهير تجاه هذه القضية‪,‬‬
‫واتضح ذلك من خالل غضب الجماهير العربية الكبير من العدوان اإلسرائيلي‬
‫ًّ‬
‫جزئيا عن الموقف‬ ‫الهمجي على لبنان‪ ،‬وهذا الموقف الشعبي العربي يختلف ًّ‬
‫كليا أو‬
‫الرسمي العربي المتخاذل األمر الذي أغضب الشعب العربي الذي يرى أن‬
‫الحكومات العربية تخاذلت في ذلك األمر‪ ،‬وهذا أدى إلى إحداث تظاهرات عدة في‬
‫شتى الدول العربية؛ مما أثار حماس الطالب وعامة الشعوب في مطالبة الحكومات‬
‫العربية بطرد السفيرين اإلسرائيلي واألمريكي من الدول العربية التي لديها تمثيل‬

‫‪101‬‬
‫وأيضا طالبوا دول الخليج بضرورة قطع‬
‫ً‬ ‫دبلوماسي متبادل مع الدول العربية‪،‬‬
‫البترول عن الدول الغربية المساندة إلسرائيل‪.‬‬

‫الموقف العربي الرسمي من الحرب على لبنان‪:‬‬

‫مما الشك فيه أن الموقف الرسمي العربي تجاه َّأية قضية تخص َّأية دولة‬
‫وسلبيا‪ ،‬وال يؤدي إلى َّأية نتيجة تساعد على حل‬
‫ًّ‬ ‫غالبا ما يكون موقفًا ضعيفًا‬
‫عربية ً‬
‫‪86‬‬
‫كثيرا في هذا الموقف الضعيف من العدوان‬
‫تلك القضية( )‪ ،‬والحال ال يختلف ً‬
‫اإلسرائيلي على لبنان ‪ ،‬ففي بداية الحرب خرجت علينا المملكة العربية السعودية برد‬
‫فعل غير متوقع؛ إذ أكد البيان السعودي إيمان المملكة بالحق في مقاومة االحتالل‪,‬‬
‫دوما مع المقاومة المشروعة التي تستهدف مقاومة االحتالل دون‬
‫وأكد وقوف المملكة ً‬
‫وأيضا وقفت المملكة مع المقاومة اللبنانية حتى ينتهي االحتالل‬
‫ً‬ ‫قتل األبرياء‪,‬‬
‫اإلسرائيلي للجنوب اللبناني ‪ ،‬وأنها ترى أن هجوم حزب اهلل مغامرة غير محسوبة‬
‫بحيث إنها تهدد المنطقة العربية من حولها دون الرجوع إلى السلطة الشرعية أو‬
‫ٍ‬
‫تشاور وتنسيق األمور بينهم‪ ،‬ومن السلطة الحاكمة في لبنان‪ ،‬وترى المملكة أن الوقت‬
‫قد جاء لكي تتحمل هذه العناصر خطأها وحدها‪ ,‬وأنه يجب عليها إنهاء األزمة وحدها‬
‫وتحمل نتائج هذه األزمة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫دون مساعدة الدول العربية لها‬

‫وفي أعقاب المباحثات بين الرئيس مبارك وملك األردن صدر بيان القاهرة إذ‬
‫مطالبا بالتوقف‬
‫ً‬ ‫جاء فيه‪ :‬إدانة العمليات العسكرية اإلسرائيلية على لبنان وفلسطين‪،‬‬
‫الفوري عن الهجمات اإلسرائيلية على المدنيين واألبرياء وعدم استهدافهم وضرورة‪5‬‬
‫التوصل إلى حل سلمي إلنهاء هذا القتال المحتدم وإ طالق سراح األسرى‪ ،‬وقد حذر‬
‫(‪)87‬‬
‫نحو حرب من شأنها تقليل فرص السالم‬ ‫الرؤساء منخطورة انزالق المنطقة‬
‫وتقود المنطقة إلى دائرة من العنف والتوتر ال يعرف أحد مداها‪.‬‬

‫‪.8686‬عبد القادر ياسين‪ ،‬رؤية عربية للحرب على لبنان‪ ،‬السياحة الدولية‪ ،‬العدد‪،166 5‬أكتوبر ‪ ،2006‬المجلد ‪،41‬‬
‫ص ‪127 -126‬‬
‫‪ .8787‬بشير عبد الفتاح‪ ،‬الموقف العربي من العدوان اإلسرائيلي على لبنان‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد‪،166 5‬أكتوبر‬
‫‪ ،2006‬المجلد ‪ ، 41‬ص ‪130‬‬

‫‪102‬‬
‫ويتضح لنا أن الموقف المصري األردني اتسم بالتوازن في لهجة خطابه‪،‬‬
‫بالرغم من أنه موقف متوافق مع الموقف السعودي‪ ،‬إال أنه خفف من حدة تعبيره بأن‬
‫ما قام به حزب اهلل مغامرة غير محسوبة‪ ،‬مثلما أكد الموقف السعودي ذلك‪ ،‬ومما يدل‬
‫على تخفيف حدة التعبير في الموقف المصري األردني أنه أدان الهجوم الهمجي‬
‫اإلسرائيلي على لبنان‪ ،‬وأكد محاولة الوصول إلى عملية التسوية السياسية‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على االعتدال والتوازن في الموقف الرسمي لمصر واألردن حتى في تحذيرهما من‬
‫انجراف المنطقة في مغامرات ال تخدم المصالح العربية في إشارة إلى ما قام به‬
‫حزب اهلل‪.‬‬

‫صوت الوزراء‬
‫وفي إشارة إلى موقف وزراء خارجية الدول العربية فقد َّ‬
‫العرب على قرار يدين العدوان اإلسرائيلي على لبنان‪ ،‬كما أعلن األمين العام عمرو‬
‫موسى أن عملية السالم قد انتهت؛ لكن الدول العربية ظلت منقسمة حيال الموقف من‬
‫حزب اهلل‪ ،‬وبعد صمت وسلبية دامت قرابة شهر كامل تحركت األنظمة العربية َّ‬
‫ولبت‬
‫دعوة وزير الخارجية السعودي األمير سعود الفيصل لعقد اجتماع طارئ على‬
‫مستوى وزراء الخارجية العرب يوم االثنين في بيروت بحضور السيد عمرو موسى‬
‫األمين العام للجامعة‪ ،‬ورئاسة دولة اإلمارات وذلك بغرض البحث في سبيل تقديم‬
‫الدعم العربي للبنان في مواجهة العدوان اإلسرائيلي الغاشم‪ ،‬وقد تميز الموقف العربي‬
‫الرسمي بالتطابق الكامل في وجهات نظرهم‪،‬إذ أجمع وزراء الخارجية على تبني‬
‫المطالب والمقترحات اللبنانية‪ ،‬وقد انتهى هذا المؤتمر إلى أن الدول العربية متضامنة‬
‫مع لبنان واللبنانيين‪.‬‬

‫الموقف السوري من الحرب ‪:‬‬

‫نظرا للعالقة القوية‬


‫يتميز الموقف السوري بالتوافق مع ما قام به حزب اهلل ً‬
‫التي تربط سوريا بحزب اهلل‪ ،‬إذ إن الحرب اإلسرائيلية على لبنان قد جاءت على‬
‫عكس ما تريد إسرائيل ومن ورائها أمريكا‪،‬إذ كان هدفهما األساسي إضعاف الدولة‬
‫مزيدا من‬
‫وأيضا أدى إلى منح سوريا ً‬
‫ً‬ ‫تعرض هذا الهدف لإلخفاق‪،‬‬
‫السورية‪ ،‬لكن َّ‬
‫القوة والثقة والجرأة في التعامل مع الواليات المتحدة وإ سرائيل‪ ،‬وهو ما يتفق عليه‬

‫‪103‬‬
‫المحللون األمريكيون واإلسرائيليون‪ ،‬ويبدو أن نجاح حزب اهلل في هذه الحرب أدى‬
‫إلى أن العالقة المتينة بين سوريا وحزب اهلل قد ازدادت قوة على قوة وأعطاها المزيد‬
‫من الثقة والقوة الفعلية في التوازن الجديد الذي سينشأ عن تلك الحرب‪.‬‬

‫فقد توالت بعد هذه الحرب تحديات على دمج القوى بصفة خاصة في لبنان؛‬
‫بل التحول من أعباء إلى فرص للحركة والمناورة‪ ،‬وقد جاء على لسان وزيرة‬
‫الخارجية األمريكية كوندليزا رايس يوم ‪ 31‬من يوليو ‪ 2006‬مطالبها وشروطها‬
‫لوقف إطالق النار ضمان فرض حظر على عمليات تسليح حزب اهلل‪ ،‬مما يعني‬
‫بشكل واضح طرح فكرة مراقبة الحدود السورية اللبنانية‪ ،‬فهي المدخل البري الوحيد‬
‫إلمداد حزب اهلل باألسلحة والمعدات‪ ،‬وهو مالم يحدث دون موافقة سوريا على ذلك‬
‫الوضع وتنسيق كامل بينها والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬من هنا يتضح لنا أن‬
‫الموقف الرسمي العربي تجاه العدوان اإلسرائيلي على لبنان كان موقفًا ًّ‬
‫سلبيا وال‬
‫يرقى إلى إحداث تغيير إيجابي يوقف هذا االعتداء‪ ،‬إال أن الموقف السوري كان‬
‫نظرا لتوافق المصالح من الطرفين‪)88(.‬‬
‫داعما للبنان وحزب اهلل ً‬ ‫ًّ‬
‫إيجابيا ً‬ ‫موقفًا‬

‫ثانيا‪ :‬الموقف اإلقليمي من الحرب‪:‬‬


‫ً‬
‫في البداية ال نستطيع إغفال الدور اإلقليمي في هذه الحرب‪ ،‬إ ًذا البد لنا أن‬
‫نشير إلى المواقف اإلقليمية من هذه الحرب‪ ،‬بالتحديد من إيران وتركيا بصفتهما‬
‫إحدى القوى اإلقليمية ذات الوزن في المنطقة ‪.‬‬

‫‪ -1‬الموقف اإليراني ‪:‬‬

‫سيطر الدور اإليراني في عملية الوعد الصادق في ‪ 12‬من يوليو ‪ 2006‬على‬


‫استكمال تشكيل خريطة القوة اإلقليمية‪ ،‬وقد أدى ذلك إلى اهتمام معظم وسائل اإلعالم‬
‫واألجهزة االستخباراتية بالشأن اإليراني‪ ,‬وفي الواقع إن االهتمام بالدور اإلقليمي‬
‫اإليراني لم يكن غائباً منذ اندالع ثورته اإلسالمية في عام ‪ ،1979‬التي كانت تدعو‬
‫‪ .8888‬سامح راشد‪،‬إيران وسوريا – التحالف حول لبنان‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪،166‬أكتوبر ‪ ،200‬المجلد ‪،41‬‬
‫ص ‪136‬‬

‫‪104‬‬
‫إلى نصرة المستضعفين‪ ،‬ولم يغفل العالم أن إيران قوة عظمى إقليمية لها دور كبير‬
‫في المنطقة‪ ،‬واستمر االهتمام الدولي بإيران منذ مطلع الثمانينيات حتى اآلن؛ فمنذ‬
‫قيام إسرائيل باعتدائها على لبنان بدأ ما يمكن وصفه بمرحلة جديدة من االهتمام‬
‫بالحالة اإليرانية‪ ،‬حيث رأى اإلسرائيليون النزال مع إيران من خالل حزب اهلل خطوة‬
‫فاصلة لميالد شرق أوسط جديد‪ ،‬وقال وزير الخارجية األمريكي هنري كيسنجر في‬
‫صحيفة الواشنطن بوست‪" :‬لقد تركز انتباه العالم على القتال في لبنان وقطاع غزة‪،‬‬
‫لكن السياق يفضي حتماً إلى إيران"‪ ،‬بصفتها إحدى أهم القوى اإلقليمية في المنطقة‪,‬‬
‫أما عن الموقف اإليراني من الحرب اإلسرائيلية علي لبنان ‪ 2006‬فقد وجدت إيران‬
‫نفسها في موقف مشابه لموقفيها في أثناء الحرب على العراق عام ‪2003 ، 1991‬‬
‫لكن مع اختالف جزئي فيما بينهما‪ ،‬ويأتي هذا التشابه انطالقًا من أنه في المرات‬
‫الثالث قد ِ‬
‫طرح على إيران سؤا ٌل‪ :‬هل تتدخل لنصرة الطرف المستضعف؟‬

‫في الحرب األخيرة على لبنان وجدت إيران حزب اهلل الجهة المستضعفة‬
‫المتعرضة لالعتداء من الجانب اإلسرائيلي‪ ،‬فضالً عن ذلك فإن العالقة القوية التي‬
‫ِّ‬
‫تربط إيران(‪ )89‬بحزب اهلل تجعلها تساند وبقوة موقف حزب اهلل من تلك الحرب‪ ،‬من‬
‫وأيضا‬
‫ً‬ ‫ت إيران قد بنت موقفها من الحرب من خالل دعمها الشامل لحزب اهلل‪،‬‬
‫هنابن ْ‬
‫َ‬
‫وأيضا الدعم المالي‪،‬إذ أسهمت‬
‫ً‬ ‫دعمها اإلعالمي والتأييد السياسي في أثناء الحرب‪،‬‬
‫إيران في إعمار ما تم تخريبه على يد الجيش اإلسرائيلي‪ ،‬وقد ارتكزت إيران على‬
‫عدة محاور سياسية‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ -1‬إنكار أن حزب اهلل قد خطط الختطاف الجنديين اإلسرائيليين‪ ،‬وهو ما أصرت‬


‫عليه إسرائيل وحليفتها‪ ،‬على أنه كان مخططاً من قبل إيران لتشتت انتباه المجتمع‬
‫الدولي عن الملف النووي اإليراني‪ ،‬وأن ما ذكره توني بلير رئيس الوزراء‬
‫البريطاني من أن أسلحة حزب اهلل مماثلة للغاية مع األسلحة التي تستخدمها المقاومة‬
‫العراقية ضد القوات البريطانية في البصرة‪.‬‬

‫‪ .8989‬سامح راشد‪،‬إيران وسوريا ‪ -‬التحالف حول لبنان‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد‪ ،166‬ص ‪135‬‬

‫‪105‬‬
‫‪ -2‬ن ْفي احتمال التدخل العسكري إلى جانب حزب اهلل‪ ،‬وقد علق على هذا الحديث‬
‫سفير إيران في لبنان محمد رضا شيبانى قائال "ليست هناك معاهدة دفاع مشترك مع‬
‫إيران ولبنان‪ ،‬وهى قائمة بيننا وبين سوريا؛ ولكن بغض النظر عن هذا االعتبار فإن‬
‫التجربة العملية التاريخية تدل بشكل واضح أن إيران وقفت وال تزال إلى جانب لبنان‬
‫‪ ،‬ومما يبرهن وضوح الموقف اإليراني المؤيد للبنان وحزب اهلل وحليفتها الرئيسية‬
‫سوريا قول الرئيس اإليراني محمود أحمدي نجاد في ‪": 14/7/2006‬إذا ما ارتكبت‬
‫عدوانا على العالم اإلسالمي‪،‬‬
‫ً‬ ‫إسرائيل حماقة واعتدت على سوريا فإن ذلك سيشكل‬
‫قاسيا عليها"‪ .‬وقد أسس الرئيس اإليراني موقفه على أساس اتفاقية‬
‫وسيكون الرد ً‬
‫الدفاع المشترك الموقع على سوريا‪ ،‬أما على صعيد الجبهة في لبنان فبرغم تأييد‬
‫إيران لحزب اهلل ولبنان فقد نفى المؤسسون اإليرانيون وجود جنود إيرانيين يقاتلون‬
‫في لبنان كما يقول البعض‪ ،‬ويمكن القول هنا بأن الحرب الوحشية اإلسرائيلية على‬
‫لبنان قد مثلت نقطة تحول مهمة في عالقات إيران اإلقليمية ‪ ،‬وقد جعلت منها طرفًا‬
‫مهما ال يمكن إغفال دوره في بحث القضايا المهمة في المنطقة‪.‬‬
‫ًّ‬

‫داعما‬
‫إ ًذا الموقف اإليراني من الحرب اإلسرائيلية على لبنان ماهو إال موقفًا ً‬
‫لما قام به حزب اهلل‪ ،‬ليس ألن حزب اهلل قوة إسالمية شيعية؛ لكن الرتباط المصالح‬
‫(‪)90‬‬
‫التي تدعم قوى حزب اهلل الذي بدوره يقوي من النفوذ‬ ‫اإليرانية بالمصالح السورية‬
‫اإليراني في المنطقة بصفتها إحدى أهم القوى اإلقليمية ‪.‬‬

‫‪ )2‬الموقف التركى ‪:‬‬


‫يتم تناوله من خالل ثالثة محاور‪( :‬المجتمع المدنى – الموقف الرسمى – المعارضة‬
‫الحزبية)‪:‬‬

‫المحور األول‪ :‬موقف المجتمع المدنى من الحرب‪:‬‬

‫لقد برز دور المجتمع المدني في تركيا من خالل التضامن والـتأييد مع لبنان‬
‫والمقاومة التي قادها حزب اهلل ضد العدوان اإلسرائيلي‪ ،‬فقاموا بمظاهرات حاشدة‬

‫‪ .9090‬سامح راشد‪ ،‬إيران وسوريا ‪ -‬التحالف حول لبنان‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد‪ ،166‬ص ‪137‬‬

‫‪106‬‬
‫واعتصامات في جميع أنحاء تركيا‪ ،‬وقامت الصحافة بإصدار العديد من المقاالت‬
‫المنددة بالعدوان اإلسرائيلي على لبنان‪ ،‬وقاموا بفضح السلوك اإلسرائيلي بإلقاء‬
‫وأيضا نزول الصحفيين‬
‫ً‬ ‫الضوء على المجازر والتخريب المتعمد للبنية التحتية للبنان‪،‬‬
‫إلى أرض المعركة بشجاعة وإ صرار لكشف قناع إسرائيل القبيح‪ ،‬ولقد َع َّد كبار‬
‫الكتاب في تركيا أن مقاومة حزب اهلل إلسرائيل إنما هي دفاع عن تركيا نفسها‪ ،‬وكان‬
‫البعض من الشعب التركي يرى أن دفاع حزب اهلل عن القضية قضى على البقية التي‬
‫كان يراد لها االنتشار خارج العراق‪ ،‬فبذلك أصبح الشعب التركي ممثل ملحمة البد‬
‫أن تسجل في تاريخه‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬الموقف الرسمي‪:‬‬

‫لقد سجل الموقف الرسمي التركي إدانة قوية للحصار اإلسرائيلي لغزة‪ ،‬وقد‬
‫بادرت تركيا باالتصال بمختلف األطراف المعنية والدولية؛ لكنه لم يسفر عن نتيجة‪،‬‬
‫وعندما جاء الموقف اللبناني وعملية األسر التي قام بها حزب اهلل لم تتحرك‬
‫نظرا لفشلها في الوساطة‬
‫الدبلوماسية التركية تحر ًكا مشابهًا لما قامت به منذ فترة‪ً ,‬‬
‫وأيضا تركيا ليس لها تعامل مع حزب اهلل؛‬
‫ً‬ ‫األولى‪ ،‬وألنها تريد تكرار هذا الفشل ‪،‬‬
‫فأصبح تركيز الدبلوماسية التركية على استنكار أعمال استهداف المدنيين من جانب‬
‫إسرائيل‪ ,‬وقد نشط هذا الدور عندما سعت تركيا تطالب مع المجتمع الدولي وقف‬
‫إطالق النار وتأييد خطة النقاط السبع للحكومة اللبنانية‪)91(.‬‬
‫ومن هنا قد َّ‬
‫شكل الحصار اإلسرائيلي على لبنان ‪ -‬على مدى أكثر من شهر‬
‫دائما في غياب عن‬
‫فرصة لكل من يجد لديه عنصر القوة‪ ,‬وذلك ألن لبنان كانت ً‬
‫مفهوم الوطن‪ ،‬فبذلك أصبحت مغرية لكل أنواع التدخالت الخارجية بسبب الحروب‬
‫الطائفية بين الشعب اللبناني منذ بداية األزمة عام ‪ 1958‬حتى اآلن‪.‬‬

‫إن تركيا انتهجت سياسة مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك؛ وهي سالح في‬
‫الداخل سالم في العالم‪ ,‬وذلك في ظل أوضاع تركيا التي كانت ال تسمح في ذلك‬

‫‪ .9191‬حسن نافعة‪ ،‬اإلدارة السياسية للحرب وداللة القرار رقم ‪ ،1701‬المستقبل العربي‪ 332- -331 ،‬سبتمبر‬
‫‪ ،2006‬مصدر سبق ذكره‬

‫‪107‬‬
‫الوقت بالدخول في مغامرات اإلمبراطورية والسلطة‪ ،‬برغم أن الحركة التركية قد‬
‫خروجا عن سياسة االنطواء‪ ،‬وليس القيام بأدوار خارجية‪ ،‬ولو كانت على‬
‫ً‬ ‫تبدو‬
‫مرمى حجر من الحدود‪.‬‬
‫‪-‬الذيي َعد ًّ‬
‫حدا فاصالً بين‬ ‫ُ‬ ‫لكن الحروب العالمية وموقع تركيا المميز‬
‫المعسكرين الغربي والشيوعي‪ -‬أدخل تركيا طرفًا في تلك الحروب‪ ،‬خاصة في‬
‫جانب القوى الغربية‪ ،‬وكان ذلك إجباراً لتركيا على الخروج عن سياسة أتاتورك‬
‫المطوقة‪ ،‬وذلك بالدخول في حرب ليس لتركيا نصيب فيها‪ ،‬إذ شاركت في الحرب‬
‫الكورية‪ ،‬وكان المتوقع من هذه الحرب خسارة تركيا مئات القتلى إلرضاء طمع‬
‫الوحش الغربي‪ ،‬بعد ذلك بدأت تركيا التخلي عن فكرة ومبدأ مؤسسها فانضمت إلى‬
‫أيضا إلى‬
‫حلف شمال األطلسي‪ ,‬ولتضمن تركيا السالم مع الدول العربية انضمت ً‬
‫ملف بغداد‪ ،‬لكن من الذكاء توثيق العالقات مع إسرائيل منذ تأسيسها لتضمن بذلك‬
‫السالم مع الجميع‪ ،‬ومنذ ظهور فكرة العثمانية الجديدة على يد الرئيس المتدين‬
‫طورغوت أوزال الذي انتشرت أفكاره من االدرياتيك إلى سور الصين‪،‬تلك‪ 5‬التي‬
‫أيضا بطل مواجهة الشيوعية في‬
‫نادى بها منذ مطلع التسعينيات الرئيس المؤمن ً‬
‫الستينيات سليمان ديميرل‪ ،‬وأصبحت تركيا تتطلع إلى الخارج مع وصول حزب‬
‫العدالة إلى السلطة عام ‪ 2002‬ودخلت بذلك عصر االنفتاح واعتمدت على المبادرة‬
‫(‪)92‬‬
‫بدالً من المشاهدة‪.‬‬

‫المحور الثالث‪:‬المعارضة الحزبية‪G:‬‬

‫لقد أبدت المعارضة الحزبية استنكاراً شديداً للمجازر اإلسرائيلية بالرغم من‬
‫أن األزمة اللبنانية كانت من الممكن أن تمر كما مرت أحداث غزة من شجب‬
‫واستنكار مع ازدياد لعبة الكراهية لألمريكان واإلسرائيليين‪ 5،‬دون أن ينعكس ذلك‬
‫على الوضع الداخلي للدولة التركية‪.‬ومما الشك فيه أن قوى المعارضة لسلطة حزب‬
‫العدالة والتنمية تنتظر أي إخفاق لهذا الحزب‪ ،‬لإلطاحة به والقضاء عليه‪.‬وكان حديث‬

‫المتحدث باسم الحكومة التركية‪ :‬إن تركيا ال يمكنها‪ 5‬أن تبقى مجرد متفرج‪ 5،‬الشرق األوسط ‪. ،29/8/2006‬‬ ‫‪.9292‬‬
‫‪http://www.hewaronline.net‬‬

‫‪108‬‬
‫إجابي وقد وجد ترحيبا من قبل‬ ‫أردوغان عن المشاركة في القوة الدولية حديثاً‬
‫ً‬
‫الحكومة‪ ,‬وأما المعارضة فكانت ترى أن هذه الخطوة تتعارض مع مصالح تركيا‪.‬‬

‫وكان الرئيس األيراني أحمدي نجاد واضحاً في أنه البد أن تنال الخطوة‬
‫داخليا ًّ‬
‫حتميا لينتهي هذا الصراع بين الشعب‪ ،‬وأكد أنه ال يوجد أي مصالح‬ ‫ًّ‬ ‫إجماعاً‬
‫وطنية لتركيا في إرسال قوات إلى لبنان‪.‬‬

‫إن أساس المعارضة الحزبية هو حب الشعب للجمهورية‪ ،‬وقد قام الزعيم دبيز‬
‫بايكال بإعالن أن إرسال أي قوات تركية إلى لبنان سيزيد من شعبية حزب اهلل في‬
‫تركيا‪ ،‬وقد تحدث رئيس كتلة نواب الحزب المعارض في البرلمان كمال أناضول عن‬
‫معارضته إلرسال القوات وتحدث بأنه من الخطأ وضع الجيش التركي في وضع ال‬
‫يحسد عليه‪.‬‬

‫أما رئيس كتلة نواب حزب الوطن األم المعارض سليمان صارى باش فقد‬
‫علق قائالً‪ :‬أن ال داعي لسقوط مزيد من القتلى في صفوف الجيش‪ ،‬فهم يسقطون كل‬
‫يوم في قبرص وشمالي العراق‪ ،‬إن بوادر المعارضة الداخلية في الحزب الحت من‬
‫أكثر من نائب‪ ,‬فانقسم الحزب إلى جزأين؛ الجزء األول يعارض إرسال قوات تركية‬
‫إلى لبنان والجزء اآلخر يرى أنه إذا تم إرسال قوات إلى هناك فإنها تكون قوات‬
‫(‪)93‬‬
‫حامية لسالم وليست فارضة للسالم‪.‬‬

‫إن القرار النهائي يرجع إلى البرلمان الذي يشرط موافقة نصف األعضاء‬
‫الحاضرين للجلسة مع زيادة واحد‪ ،‬ومن المفهوم لدى الجميع أن حزب العدالة‬
‫والتنمية فى تركيا يتمتع بشعبية ساحقة حيث يصل إلى ‪ 355‬نائباً مما يشكل قوى‬
‫أغلبية‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى فإن العالقات التركية بالوطن العربى مرت بفترات توتر‬
‫على امتداد عقود من الزمن‪ ،‬ولم تبدأ بالتحسن إال منذ سنوات قليلة فقط‪ ،‬وقد شهدت‬
‫اندفاعا ًّ‬
‫قويا إلى التحسن منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة‬ ‫ً‬ ‫هذه العالقات‬

‫‪ .9393‬المتحدث باسم الحكومة التركية‪ :‬إنتركيا ال يمكنها أن تبقى مجرد متفرج الشرق األوسط ‪29/8/2006http:‬‬
‫‪.//www.hewaronline.net‬‬

‫‪109‬‬
‫وأيضا مما ساعد على قُرب تركيا إلى الوطن العربى توتر‬
‫ً‬ ‫التركية عام ‪، 2002‬‬
‫ًّ‬
‫تدريجيا‪ ،‬إذ ضعفت‬ ‫العالقات التركية األمريكية بعد العدوان األمريكي على العراق‬
‫تقاربا أكثر إلى العالقات العربية‬
‫العالقات بين تركيا والواليات المتحدة مما شهد ً‬
‫التركية؛ بسبب تقدير الرأي العام العربي لعدم مشاركة تركيا في االحتالل‪ ،‬ولم يقف‬
‫حزب العدالة والتنمية عند هذا الحد إذ شكلت تصريحات أردوغان ضد الدولة‬
‫ًّ‬
‫إضافيا الستمرار التقدير‪.‬‬ ‫اإلسرائيلية عامالً‬
‫إن الفارق فى المسألة اللبنانية هو أن الطرف األساسي فى الصراع بين لبنان‬
‫وإ سرائيل هو حزب اهلل الذي ينتمي إلى مذاهب شيعية‪ ،‬بخالف حزب العدالة والتنمية‬
‫الذي ينتمي إلى مذاهب سنية‪ ,‬ويعكس توجهات أصولية تواجه في تركيا حمالت‬
‫شديدة وهى النقيض للصورة‪ 5‬المعتدلة التي يحاول حزب العدالة والتنمية تقديم نفسه‬
‫من خاللها‪.‬‬

‫ًّ‬
‫وجديا في سياستها الخارجية‬ ‫جديدا‬
‫تحديا ً‬
‫ومن هذا نخلص إلى أن تركيا تواجه ً‬
‫في الشرق األوسط بعد احتالل العراق؛ ومع أن لبنان ليس مجاالً ًّ‬
‫حيويا لتركيا‪ ،‬إال أنه‬
‫بدأ يتحول إلى ذلك بسبب التوجهات اإلسالمية وامتداداتها لحزب العدالة سواء داخل‬
‫لبنان أو مع الدول الخليجية‪ ،‬وهذه العوامل لم تكن موجودة قبل حزب العدالة‬
‫والتنمية‪ ،‬وأغلب الظن أنه لو كانت الحكومة غير إسالمية لما كانت السلطة تحاول‬
‫القيام بدور شرق أوسطي غير واضح بالنسبة إلى المصالح التركية والسيما في‬
‫لبنان‪.‬‬
‫المواقف الدولية من الحرب على لبنان‬
‫أوالً‪ :‬موقف الواليات المتحدة‪:‬‬

‫لم تكن إسرائيل مضطرة للرد على العمليات التي قامت بها جنود حزب اهلل‬
‫في ‪ 12‬من يوليو ‪ ،2006‬فقد كان أمامها فرص كثيرة الحتواء األزمة‪ ،‬وقد كانت‬
‫هذه الفرص أقل تكلفة‪ ،‬وهذه البدائل تتراوح ما بين القبول بمبدأ تبادل األسرى أو‬
‫لكن ألسباب غير معروفة‬
‫وانتهاء بالقيام بعملية عسكرية محدودة‪ْ ،‬‬
‫ً‬ ‫التصعيد بالضغوط‬

‫‪110‬‬
‫فضلت توظيف األزمة لتنفيذ خطط متفق عليها من قبل الواليات المتحدة(‪ ،)94‬إذ‬
‫نشرت صحيفة معاريف اإلسرائيلية أن خطة الحرب ضد لبنان كانت موضوعة منذ‬
‫نحو خمسة أشهر‪ ،‬كما أبلغ السفير األمريكي في بيروت جيفرى فليتمان الحكومة‬
‫اللبنانية منذ شهر مارس ‪ 2006‬بأن الواليات المتحدة تمنح المسئولين اللبنانيين‬
‫فرصة خمسة أشهر لنزع سالح حزب اهلل‪ ،‬كما صرح مساعد وزير الخارجية‬
‫األمريكية‪" :‬إذا لم ينجح لبنان في تنفيذ القرار ‪ 1559‬أي نزع سالح حزب اهلل فإن‬
‫إسرائيل ستفعل ذلك"‪.‬‬

‫ومنذ اندالع االشتباك بين إسرائيل ولبنان َّ‬


‫تبنى الرئيس األمريكي جورج بوش‬
‫الحرب اإلسرائيلية ضد لبنان ومساعدتها؛ لكي تهزم حزب اهلل وجنوده‪،‬‬

‫وقام الرئيس األمريكي بتبرير تلك الحرب في المسرح الدولي على أنها دفاع‬
‫مشروع عن النفس‪ ،‬وأن جنود حزب اهلل قد قاموا بخطأ فادح عندما أسروا الجنود‬
‫اإلسرائيليين‪.‬‬

‫ويذكر تيري ميسان في صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس الفرنسي جاك‬


‫شيراك فوجئ في اجتماع مجموعة الثمانية بالرئيس األمريكي يقول له‪ :‬هذه ليست‬
‫عملية إسرائيلية وافقت عليها الواليات المتحدة؛ لكنها عملية للواليات المتحدة تنفذها‬
‫إسرائيل‪ ،‬مما يتضح أن الرئيس األمريكي متشدد للفكرة اإلسرائيلية تجاه لبنان‪ ,‬حيث‬
‫منتظراً هذه الفرصة كيتتيح له الحرب على جنود حزب اهلل ليتخلص خطوة‬ ‫إنه كان ِ‬
‫بخطوة من القوى في الشرق األوسط ليبني بذلك حلقة في الشرق األوسط الجديد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مواقف دول االتحاد األوروبى‪:‬‬


‫ً‬
‫مما الشك فيه وجود انتقاد للحرب على لبنان‪ ،‬وأيضاً هناك تأييد للحرب من‬
‫دول االتحاد األوروبى‪ ،‬وقد ظهر هذا من خالل انتقاد الحكومات والشعوب األوروبية‬
‫العدوان اإلسرائيلي على لبنان‪ ،‬ومن ناحية أخرى ظهر جو من الحماسة إذ أعلن‬
‫المجلس األوروبي أن رد فعل إسرائيل على ما فعله حزب اهلل تصرف طائش وغير‬

‫‪ .9494‬أحمد دياب‪ ،‬المواقف الدولية من الحرب على لبنان‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬ص‪.138‬‬

‫‪111‬‬
‫طا‪ ,‬هذا ما أعلنه المجلس األوروبي‪ ,‬لكن من ناحية أخرى‬
‫مبرر؛ ويعد عمالً مفر ً‬
‫سنلقي الضوء على األربعة الكبار وعلى رأيهم‪،‬فماذا يقولون عن هذه الحرب؟ إذ‬
‫تباينت مواقفهم بشدة؛ إذ أيدت كل من لندن وبرلين العدوان اإلسرائيلي‪ ،‬واعتبرتاه‬
‫دفاعا عن النفس‪ ،‬من جهة أخرى انتقدت كل من باريس وروما العدوان واعتبرتاه‬
‫ً‬
‫مبالغا فيه‪ ،‬وأنه رد فعل همجي وغير محسوب‪ ،‬وأن الغرض منه تدمير الدولة‬
‫ً‬
‫اللبنانية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الموقف الفرنسي‪G:‬‬

‫إن فرنسا مختلفة عن غيرها من دول االتحاد األوروبي؛ إذ إن فرنسا كانت‬


‫ومازالت تربطها عالقات تاريخية بلبنان؛ لكن عندما هاجمت إسرائيل لبنان كان من‬
‫الواجب على فرنسا شجب هذا العدوان والوقوف إلى جانب صديقتها والدفاع عن‬
‫موقفها‪ ،‬وهذا ما حدث بالفعل؛ ففي قمة الدول الثماني الكبرى التي عقدت في مدينة‬
‫سن بطرسبرج الروسية (‪ 17 – 15‬يوليو) وصف الرئيس الفرنسي جاك شيراك‬
‫قصف الطائرات العسكرية اإلسرائيلية اليومي على لبنان بأنه استجابة عسكرية‬
‫مفرطة في استخدامها للقوة‪ ،‬وأنها غير متكافئة لالعتداءات التي تعرضت لها‬
‫(‪)95‬‬
‫إسرائيل من قبل حزب اهلل‪.‬‬

‫ومن الواضح‪ 5‬والمؤكد اهتمام فرنسا بالدفاع عن القضية اللبنانية؛ حيث بعث‬
‫وأيضا أرسل‬
‫ً‬ ‫الرئيس الفرنسى وزير خارجيته فيليب دوستيه أربع مرات إلى لبنان‬
‫وعددا من الوزراء إلظهار اهتمامه بإنقاذ لبنان‪،‬‬
‫ً‬ ‫رئيس الوزراء دومنيك دوفلبان‬
‫وموقف فرنسا لم يقف عند ذلك فحسب؛ بل سعت الدبلوماسية الفرنسية إلى إيجاد‬
‫عبرت عنها الورقة الفرنسية التي قُ ِّدمت في‬
‫خطة لتسوية النزاع بين الطرفين إذ َّ‬
‫مؤتمر روما ( ‪27‬يوليو ‪ ) 2006‬إذ قدمت مشروع القرار األول ثم القرار المعدل ‪،‬‬
‫وقد صوت مجلس األمن في ذلك الوقت على القرار ‪ 1701‬الذي وضع حداً للحرب‬
‫اإلسرائيلية على لبنان ‪ ،‬وبذلك تكون الدبلوماسية الفرنسية قد برهنت على نجاح كفتها‬
‫السياسية بين الدول‪ ,‬وأنها حققت إنجازاً لم يحققه سالح وال حرب‪ ،‬وهنا تكون فرنسا‬

‫‪ .9595‬أحمد دياب‪ ،‬المواقف الدولية من الحرب على لبنان‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬ص‪.139‬‬

‫‪112‬‬
‫وأيضا لم تقف فرنسا عند هذا؛ حيث إنها أيقنت أن حل هذه‬
‫ً‬ ‫قد حققت إنجازاً كبيراً‬
‫المشكلة البد أن يكمن في التحدث مع أمريكا بصفتها الحليفة األولى إلسرائيل‪ ،‬وأن‬
‫إسرائيل تعد أداة أمريكا في الشرق األوسط‪ ،‬وأنها هي القوة‪ ،‬وأمريكا العقل‪ ,‬فُأقيم‬
‫اجتماع استثنائي لمجلس وزراء فرنسا عقد في مدينة تولوز المتوسطة بحضوررئيس‪5‬‬
‫الحكومة ووزيري الخارجية والدفاع‪ ،‬أعلن من خالله الرئيس جاك شيراك أن بالده‬
‫لن تتردد في طرح مشروع قرار أحادى في مجلس األمن إذا لم يتم الوصول إلى نص‬
‫مشترك بينها وواشنطن ‪.‬‬

‫ومن األهمية ِذ ْكر أن باريس وواشنطن كانتا في مواجهة ساخنة أيام الحرب‬
‫األمريكية على العراق؛ إذ تزعمت فرنسا الدول الرافضة للحرب األمريكية على‬
‫العراق‪ ،‬وأنها سوف تستخدم حق الفيتو إن لم تتراجع أمريكا عن هذه الحرب‪ ,‬لكن‬
‫الفرق في المواجهة بين الدولتين في لبنان والمواجهة في العراق أن أوجه االتفاق بين‬
‫الدولتين تتفوق على أوجه االختالف‪ ،‬وأن فرنسا تعي أنه البد من الوصول إلى قرار‬
‫بينها وواشنطن للوصول إلى حل القضية اللبنانية‪ ،‬فأمريكا الوحيدة القادرة على‬
‫الـتأثير على إسرائيل دون غيرها من الدول‪ ،‬بالتالي فإن َّأية محاولة سوف تبوء‬
‫بالفشل إذا لم ترض أمريكا ‪.‬‬

‫(‪ )2‬موقف إيطاليا‪:‬‬

‫إن موقف إيطاليا يرجع إلى عصر تولِّي سيلفيو بيرلسكونى رئيس الحكومة‬
‫اإليطالية‪ ،‬فإن فترة رئاسته شهدت قطعاً على المستوى الشعبي وبدرجة أقل على‬
‫المستوى الرسمي برغم أن الدبلوماسية اإليطالية كانت تحاول تجنب اآلثار السلبية‬
‫لمواقفه‪ ،‬لكن جاء قرار بيرلسكونى في مشاركة اإلدارة األمريكية الحرب على‬
‫العراق عام ‪ 2003‬وتصريحاته المناهضة لإلسالم والحضارة اإلسالمية‪ ،‬وأنها ليس‬
‫لها أي دور في الحضارة اإلنسانية– أدى هذا إلى إسقاط إيطاليا من نظر الدول‬
‫(‪)96‬‬
‫العربية‪ ،‬وكذا العالم العربي إليطاليا‪.‬‬

‫‪ .9696‬أحمد دياب‪ ،‬المواقف الدولية من الحرب على لبنان‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬ص‪.140‬‬

‫‪113‬‬
‫لكن بعد تولي رومانو رئاسة حكومة يسار الوسط اإليطالية في يونيو‬
‫الماضي‪ ،‬وتولي اليساري ماسيمو وزارة الخارجية بدأ عهد جديد للدبلوماسية‬
‫اإليطالية في إصالح ما تم تخريبه على يد رئيس الوزراء األسبق؛إذ أعلن برودى‬
‫انسحاب القوات اإليطالية من العراق‪ ،‬وإ ن جاءت الفرصة ليبرهن على أن إيطاليا ال‬
‫تؤيد السالم من الدول العربية وتبادل المصالح بينها وبينهم‪ ،‬وعندما بدأت الحرب‬
‫اإلسرائيلية على لبنان أيقنت إيطاليا أن هذه فرصتها لتبرهن على ماقالته من قبل؛‬
‫ولتثبت للعالم العربيأنها جديرة بعالقتها الجيدة معهم‪ ،‬وقد استضافت إيطاليا مؤتمر‬
‫أيضا أنها مستعدة‬
‫روما لمحاولة وقف العدوان اإلسرائيلي على لبنان‪ ،‬وأعلنت ً‬
‫إلرسال قوات حفظ سالم إلى اإلقليم اللبناني مادامت إسرائيل مستمرة في االنتهاكات‪،‬‬
‫وقد أعلن وزير الخارجية اإليطالي أن هدف القوات الدولية ليس تدمير حزب اهلل‪،‬‬
‫وإ ن كانت السفن الحربية اإليطالية سوف تتولى مراقبة الشواطئ اللبنانية لمنع‬
‫وصول أسلحة إلى حزب اهلل‪.‬‬

‫(‪ )3‬موقف ألمانيا‪:‬‬

‫كثيرا عن الموقفين السابقين‪ ,‬فمنذ بداية العدوان‬


‫إن موقف ألمانيا اختلف ً‬
‫اإلسرائيلي تبنت المستشارة األلمانية ميركل الموقف األمريكي الذي يبرر الحرب‬
‫على لبنان بأن إسرائيل تدافع عن نفسها برغم أن ألمانيا كانت في المرات السابقة‬
‫تحاول إيجاد حل متوازن في عالقتها مع إسرائيل‪ ،‬ومن ناحية أخرى عالقتها مع‬
‫العالم العربي‪ ،‬لكن حظ لبنان السيئ أن مشكلتها أتت في وقت اعتادت فيه ألمانيا‬
‫محالفة إسرائيل وأمريكا‪ ،‬وأن ميركل لن تكرر خطأ المستشار السابق شرودر في‬
‫أثناء الغزو األمريكي للعراق عام ‪ 2003‬وبعده‪.‬‬

‫لكن على الصعيد اآلخر برز دور وزير الخارجية فرانك شتابنماير في توجيه‬
‫النقد لتدمير البنية األساسية اللبنانية‪ ،‬واصفًا ذلك بأنه ال عالقة له بالدفاع عن‬
‫النفس‪،‬كما وصفت هايدى مارى قصف المدنيين بأنه انتهاك غير مقبول للقانون‬
‫الدولي‪ ،‬وقد شهدت الدبلوماسية األلمانية تحر ًكا خالل العدوان اإلسرائيلي‪ ،‬الذي‬
‫قامت به ميركل عبر اتصاالت مع ٍ‬
‫كل من سوريا وحماس وحزب اهلل بالتنسيق مع‬

‫‪114‬‬
‫روسيا‪ ،‬من أجل إطالق سراح الجنديين اإلسرائيليين‪ ,‬ووقف إطالق النار جاء بناء‬
‫على الضغوط التي تعرضت لها ميركل من ِقَبل أحزاب المعارضة األلمانية خاصة‬
‫حزب الخضر والحزب اليساري‪ ,‬اللذان يتهمانها بالسلبية في التعامل مع القضية‬
‫اللبنانية واالنحياز إلى الموقف اإلسرائيلي واألمريكي؛ مما دفع ميركل إلى تحسين‬
‫موقفها أمام الرأي العام‪ ،‬وأنها في موقف ال تحسد عليه‪ ،‬وقد حرصت ميركل مع‬
‫جهودهاعلى تحقيق التهدئة بين طرفي النزاعوالذي ال يتعارض مع الدور األوروبي‬
‫والتي تسعى إلى تقويته إذ أعلنت أن الجهد الدبلوماسي األلماني يصب في نشاط‬
‫االتحاد األوروبى‪ ,‬وإ ن رحبت ألمانيا بصدور القرار ‪ ، 1701‬وأعلنت عزمها‬
‫المشاركة في قوات حفظ السالم الدولية في لبنان إذا ِ‬
‫طلب منها ذلك‪.)97(.‬‬

‫(‪ )4‬موقف روسيا االتحادية‪:‬‬

‫عكست تصريحات الرئيس بوتين خالل المؤتمر طبيعة الموقف الروسي من‬
‫األزمة اللبنانية؛ إذ حاول الرئيس بوتين التوصل إلى حل للقضايا العربية‪ ،‬ليس فقط‬
‫القضية اللبنانية‪ ،‬لكن في كل األراضي المحتلة من ِقَبل إسرائيل‪ ،‬وحق الشعب في‬
‫تقرير مصيره‪َّ ،‬‬
‫وحذر الرئيس بوتين من عدم إيجاد حلول جذرية لوقف إطالق النار‪.‬‬

‫المشكلة لم تكن فقط في أن الجهود الروسية فى اختصار فترة العدوان‬


‫اإلسرائيلي؛ بل كانت إلنقاذ الشعب اللبناني من هذه األزمة وتجنب ويالت الحرب؛‬
‫لكن السؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬لماذا فشلت روسيا في الوصول إلى تسوية حاسمة؟‬
‫بل إن التسوية التي تم االتفاق عليها جاءت بعد تنازالت من موسكو عن عدد من‬
‫المواقف التي يعدها الكرملين أساس حل أزمة الشرق‪ ,‬ولم يكن لدور روسيا الهزيل‬
‫أن يفعل شيًئا سوى اإلدالء بالتصاريح المناهضة لفكرة الحرب على لبنان‪ ،‬على‬
‫عكس الدور الفرنسي‪ ،‬وإ ن روسيا بالرغم من قوتها المؤثرة لم تفعل شيًئا ووقفت‬
‫عاجزة أمام موقف اإلسرائيليين‪ ,‬والواضح‪ 5‬أن روسيا تحس بالعجز بسبب ما عانته‬
‫قبل ذلك أيام قوات حفظ السالم الروسية من التهميش والتجاهل في أزمة البلقان عندما‬
‫تم توزيع كوسوفا بوصفها مناطق نفوذ من قوات دول الناتو‪.‬‬

‫‪ .9797‬أحمد دياب‪ ،‬المواقف الدولية من الحرب على لبنان‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬ص‪.140‬‬

‫‪115‬‬
‫ًّ‬
‫هامشيا‬ ‫لقد كشف العدوان اإلسرائيلي على لبنان عن أن دور روسيا قد أصبح‬
‫وغير مؤثر في الصراع‪ ،‬وأن مساعي موسكو للعودة إلى المنطقة ليست أكثر من‬
‫(‪)98‬‬
‫انهيارات تحت وطأة القصف اإلسرائيلي‪.‬‬

‫دور حزب اهلل في سورية‪: G‬‬

‫بعد انتهاء الحرب على لبنان عام ‪ 2006‬وثبات الموقف السوري الداعم لحزب اهلل‬
‫جاء النزالع المسلح بين النظام السوري والمعارضة عام ‪ 2011‬أبى حزب اهلل إال أن‬
‫يرد الجميل للنظام السوري الذي دعمه في حربه ضد إسرائيل عام ‪ 2006‬وبغض‬
‫تعرض أحد مواقعه‬
‫النظر إلى تقصي األسباب التي دفعت «حزب اهلل» إلى إعالن ّ‬
‫للغارة اإلسرائيلية ليل االثنين ‪ 24‬فبراير ‪ ،2014‬وخاصة أن الحزب مشارك في‬
‫الحكومة اللبنانية الجديدة‪ ،‬ويصر على دور المقاومة‪ ،‬فمن المؤكد أن تمسكه بثالثية‬
‫«الشعب‪ ،‬الجيش والمقاومة» إلدراجها في البيان الوزاري‪ ،‬سيجد عذراً جديداً في‬
‫االعتداء اإلسرائيلي‪.‬‬

‫مؤجالً نتيجة‬
‫برد في «الزمان والمكان المناسبين» فإنه كان ّ‬
‫وأما تلويح «حزب اهلل» ّ‬
‫انغماسه في الحرب السورية «مع النظام السوري وضد التكفيريون »‪ ،‬فاألرجح أنه‬
‫بيان صريح بجاهزية الحزب للسيناريوهات المختلفة في سورية‪ ,‬ومن سياقه الراهن‪-‬‬
‫فإنها معركة وجود للنظام ومعركة وجود للحزب‪. -‬‬

‫وإ ذا كان للسؤال حول دوافع «حزب اهلل» للخروج عن صمته بعد ساعات طويلة على‬
‫«عدواً مشتركاً»‬
‫ّ‬ ‫الغارة اإلسرائيلية ما يبرره‪ ،‬خصوصاً وهو يقاتل مع النظام السوري‬
‫أي «جماعات التكفير واإلرهاب»‪ ،‬يصبح السؤال أكثر إلحاحاً إذ تمتنع حكومة بنيامين‬
‫نتانياهو عن تبرير الغارة الجوية‪ ،‬لكن رأسها َي ِعد عملياً بالمزيد «دفاعاً عن أمن‬
‫مواطني إسرائيل»‪.‬‬

‫‪ .9898‬أحمد دياب‪ ،‬المواقف الدولية من الحرب على لبنان‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬ص‪.141‬‬

‫‪116‬‬
‫ليست تلك‪ ،‬الضربة الجوية اإلسرائيلية األولى منذ االنتفاضة في سورية‪ ،‬والتي‬
‫تبدلت بعد ثالث سنوات‬
‫تطاول أهدافاً للحزب أو مواقع سورية‪ ،‬لكن موازين القوى ّ‬
‫تبدل استراتيجيتها‪ :‬بقاء الرئيس بشار األسد أو‬
‫من عمر الصراع‪ ،‬فيما إسرائيل لم ّ‬
‫رحيله شأن شعبه‪ ،‬والجوالن خط أحمر‪ ،‬وكذلك عدم السماح لـ «حزب اهلل» بنقل‬
‫منظومات صواريخ إلى لبنان‪ ،‬تم ّكنه من امتالك اليد الطولى في الرد على أي‬
‫سيناريو لحرب إقليمية‪.‬‬

‫رغم ذلك‪ ،‬تتعامل الدولة العبرية مع «عاصفة يومية» على «كل محاور القتال»‪،‬‬
‫ترجح تفادي الحزب الرد على أي غارة‪ ،‬بسبب تعقيدات تورطه‬
‫ورغم تقديرات ّ‬
‫بالقتال على األراضي السورية‪ ،‬يجدر احتساب احتماالت التصعيد‪ ،‬في ظل تأهب‬
‫النظام في دمشق لزحف المعارضة من درعا جنوباً‪ ،‬بالتنسيق مع «غرفة العمليات‬
‫المشتركة» في األردن‪ .‬تندرج كذلك احتماالت استخدام «حزب اهلل» المنظومة‬
‫الصاروخية البعيدة المدى التي تعتبر إسرائيل أنه بات يمتلكها‪ ،‬وينقلها إلى لبنان‪ ،‬حتى‬
‫وتدخلت الدولة العبرية لمنع مفاجآت مع انهيار‬
‫إذا حانت حرب إقليمية محدودة‪ّ ،‬‬
‫النظام في دمشق‪ ،‬أمكن للحزب أن يقول كلمته‪.‬‬

‫لكن هذه المعركة تفترض أوالً تحركاً عسكرياً غربياً كذاك الذي قد ينجم عن رفض‬
‫المحاصرين‪ ،‬أو رفضه وقف‬
‫َ‬ ‫النظام السوري التعاون في تأمين اإلغاثة للمدنيين‬
‫المتفجرة‪ .‬ومرة أخرى تعيد تعقيدات المأساة السورية الملف إلى‬
‫ّ‬ ‫اإلبادة بالبراميل‬
‫المربع األول‪ ،‬فال مطرقة الفيتو الروسي ستختفي ببساطة ألن الكرملين شاخص‬
‫األبصار إلى أسوار أوكرانيا وصخبها‪ ،‬وال الغرب متلهّف على وقف اإلبادة‬
‫وجرائمها‪ ،‬بعد سقوط حوالى مئة وأربعين ألف قتيل‪.‬‬

‫وأما «ال» الثالثة‪ ،‬فلعلها كما توحي القراءات اإلسرائيلية‪ ،‬رفض الدولة العبرية‬
‫االنصياع إلى أمر واقع تفرضه ترسانة «حزب اهلل» الصاروخية الجديدة‪ .‬فالحزب‬
‫ُي ِقلق إسرائيل فيما ال يزعجها تقاتُل اإلسالميين واألصوليين‪ 5‬والتكفيريين واإلرهابيين‬
‫في سورية‪ ،‬وال استمرار المذبحة الكبرى وتدمير ما بقي من هذا البلد‪ُ .‬ي ِقلق إسرائيل‬
‫حسم بعد رهانات كبرى‪،‬‬
‫تتضخم ترسانة «حزب اهلل» بحجم عتاد دولة‪ ،‬فيما لم تُ َ‬
‫ّ‬ ‫أن‬

‫‪117‬‬
‫مثل مفاوضات الملف النووي إليران‪ ،‬وأي دور للحزب تريده طهران بعد التطبيع مع‬
‫الغرب‪ ،‬وأي دور له تريده في سورية‪ ...‬في مواجهة ما يسمى «هجوم الربيع»‬
‫انطالقاً من درعا‪.)99(.‬‬

‫وسواء انتقل نصف صواريخ الجيش السوري أو ربعها إلى «حزب اهلل» في لبنان‪ ،‬أم‬
‫كانت حملة التبريرات اإلسرائيلية مجرد مبالغات للتمهيد لضربات «احتواء» جوية‪،‬‬
‫تمدد تعبئة بال أجل‪ ،‬في ظل أفق مسدود لقطار جنيف‪،‬‬
‫فالحال أن الدولة العبرية ّ‬
‫مؤجلة‪ .‬وفي إسرائيل من ال ي ِ‬
‫سقط احتمال أن يقع «حزب اهلل» في‬ ‫ومشاريع صفقات ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يقدر العواقب‪.‬‬
‫ما وقع فيه عام ‪ ،2006‬من دون أن ّ‬
‫وإ ذ بات لبنان باحة خلفية للحرب السورية‪ ،‬وبات القت ُل مشهداً عادياً في المنطقة‪،‬‬
‫بقناصة العراقي‪،‬‬
‫يكرر ذاته بالمئات يومياً‪ ،‬السوري ُيقتل بيد السوري‪ ،‬والعراقي ّ‬
‫ّ‬
‫أطبقَت على‬
‫واليمني بقذيفة اليمني‪ ،‬والليبي ببندقية الليبي‪َ ،‬م ْن سيعتَب على إسرائيل إذا َ‬
‫(‪)100‬‬
‫لبنان بذريعة تدمير الصواريخ‪ 5،‬فيما «حزب اهلل» في سورية‪.‬‬

‫الموقف اإلسرائيلي من تدخل حزب اهلل في سورية‪G:‬‬

‫أقل ما يوصف به الموقف اإلسرائيلي في التعامل مع الصراع في سوريا ‪ ،‬منذ بدايته‬


‫كثورة شعبية في ‪ ،2011‬وحتى تحوله إلى حرب أهلية‪ ،‬هو الحيطة والحذر المشوب‬
‫نظرا للدوافع المركبة التي‬
‫بالترقب واالنتظار عما سوف يسفر عنه الصراع‪ .‬وذلك ً‬
‫تحرك إسرائيل في موقفها من الصراع الدائر‪ ،‬باإلضافة إلى اكتفاء إسرائيل بلعب‬
‫ِّ‬
‫دور المتفرج ‪ ،‬أو حتى تغذية الصراع بشكل خفي‪ ،‬واستمرار التناحر داخل سوريا ؛‬
‫(‪)101‬‬
‫بما يحقق مصلحتها مباشرة‪ ،‬ما دامت كل القوى مشغولة بالقتال فيما بينها‪.‬‬

‫بالتأكيد‪ ،‬ومهما طال أمد الصراع في سوريا‪ ،‬فإن الحرب األهلية ستنتهي ‪ ،‬وسوف‬
‫جيدا‪ ،‬ولكن التعامل‬
‫يكون هناك طرف فائز وآخر مهزوم‪ ،‬وإ سرائيل تدرك ذلك ً‬

‫‪ .99‬المأساة السورية وورطة حزب اهلل فرج األعور العدد‪ ٢٣٢٠ 5‬الثالثاء ‪ ١٧‬حزيران ‪٢٠١٤‬‬
‫‪ http://al-akhbar.com/node/208666‬مصدر سبق ذكره‪.‬‬
‫‪ .100‬دور حزب اهلل في سوريا ‪http://shamlife.com‬‬

‫‪ .101‬المأساة السورية وورطة حزب اهلل فرج األعور العدد‪ ٢٣٢٠ 5‬الثالثاء ‪ ١٧‬حزيران ‪٢٠١٤‬‬
‫‪ http://al-akhbar.com/node/208666‬مصدر سبق ذكره ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫اإلسرائيلي تحكمه عدة محددات تجعلها تتراوح بين خيارات التخلص من نظام األسد‬
‫االبن إلى حتمية مساند ته وبقائه في السلطة‪ .‬و يم كن تقسيم هذه المحددات إلى ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬محددات تدعم خيار إسقاط بشار‪:‬‬

‫توجد مجموعة من المحددات واالعتبارات التي تدعم خيارات إسرائيل في إسقاط‬


‫نظام األسد االبن‪ ،‬ويأتي على رأسها‪:‬‬

‫‪ -1‬محاولة حصار النفوذ اإليراني وتقليصه في المنطقة ‪ :‬وذلك عن طريق تقليم‬


‫أظافر أعوان إيران في المنطقة ؛ فسقوط بشار األسد اآلن ‪ ،‬وبعد أن اتخذ الصراع‬
‫السوري صبغة طائفية‪ ،‬يعني خروج سوريا من التحالف الشيعي “‪”,‬إيران – حزب‬
‫اهلل“‪ ،”,‬بالتزامن مع عملية إعادة ترتيب األوراق التي تمر بها المنطقة ككل‪ ،‬سيضعف‬
‫النفوذ اإليراني في المنطقة‪ ،‬وهو النفوذ الذي تعتبره إيران أهم األوراق في أيديها في‬
‫مفاوضاتها مع القوى الغربية ؛ من أجل إضاعة الوقت حتى الوصول المتالك السالح‬
‫النووي‪.‬‬

‫‪ -2‬محاصرة وتض ي يق الخناق على حزب اهلل ؛ حيث إ ن إنهاء التحالف الثالثي‬
‫بين (سوريا وإ يران وحزب اهلل) سيؤثر سلب ً ا على إمكانيات حزب اهلل سياسيًّ ا‬
‫وعسكريًّ ا ؛ حيث سيفقد حزب اهلل دور الحليف السوري المساند له بقوة في الداخل‬
‫اللبناني‪ ،‬كما تعتبر سوريا هي الطريق الرئيس لمرور األسلحة إلى حزب اهلل ؛ ولذا‬
‫فخروج سوريا من التحالف يمثل خسارة كبرى لحزب اهلل‪ ،‬و هو مكسب إستراتيجي‬
‫إلسرائيل على مستوى الوضع في الداخل اللبناني‪ ،‬التي تريد أن تسيطر بشكل أفضل‬
‫وتام على مجريات الداخل اللبناني ‪ ،‬خاصة على مستوى حصار أي جيوب للمقاومة‬
‫وإ ضعافها بدعم من حلفائها في الداخل اللبناني‪.‬‬

‫‪-3‬انتشار الجماعات األصولية المسلحة (القاعدة) ووجودها على الحدود اإلسرائيلية‬


‫الشرقية ‪ :‬فتلك الجماعات بما تمثله من خطر على الوضع األمني‪ ،‬يجعل من وجود‬

‫‪119‬‬
‫نظام مركزي قوي في سوريا ضرورة ملحة إلسرائيل وللغرب‪ ،‬ولكن ذلك لن يحدث‬
‫دون عملية محسوبة النتقال السلطة إلى نظام مقبول غربيًّ ا وإ سرائيليًّ؛ يلتزم‬
‫باالتفاقيات الموقعة بين البلدين‪ ،‬ويقوم بمنع أي عمليات مسلحة تهدد إسرائيل انطالقًا‬
‫من األراضي السورية‪ ،‬أو على األقل يتعاون دوليًّ ا مع الدول المعنية بذلك‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬محددات تدعم بقاء بشار‪:‬‬

‫وعلى الصعيد اآلخر‪ ،‬توجد مجموعة من المحددات والمعايير التي –ربما‪ -‬تجعل‬
‫إسرائيل تحافظ على نظام الحكم القائم في سوريا‪ ،‬منها ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬الخوف من وصول نظام إسالمي متشدد ‪ :‬فإ ن سقوط نظام بشار سيفتح الباب‬
‫على مصراعيه لحدوث احتماالت متعددة قد تطيح بالهدوء على الحدود اإلسرائيلية‬
‫الشرقية‪ ،‬في حالة وصول نظام أصولي متشدد أو أي نظام آخر يطالب بالحق السوري‬
‫في الجوالن‪ ،‬أو حتى يدعم انطالق عمليات مسلحة ضد الوجود اإلسرائيلي في‬
‫الهضبة المحتلة‪ .‬وال شك أنه في حالة سقوط بشار وانفالت األوضاع األمنية وفقدان‬
‫سيطرة الدولة المركزية على األوضاع الداخلية ؛ ف سيكون ذلك بمثابة كابوس‬
‫إلسرائيل ‪ ،‬خصوصً ا في وجود جماعات أصولية مسلحة تقاتل داخل سوريا ضد‬
‫بشار األسد‪.‬‬

‫‪ -2‬فعالية نظام األسد ألمن إسرائيل‪ : ،‬فمنذ عام ‪ ، 1974‬بعد توقيع اتفاقية فصل‬
‫القوات ووقف إطالق النار بين الجانبين اإلسرائيلي والسوري‪ ،‬لم تنطلق رصاصة‬
‫واحدة من الجبهة السورية باتجاه إسرائيل‪ ،‬ولم تتدخل سوريا منذ هذا التاريخ في أي‬
‫حرب شنتها إسرائيل ضد أيٍّ من دول المنطقة‪ ،‬وظلت الجبهة السورية هي األهدأ ‪،‬‬
‫خصوصاً مع قيام نظام ي األسد األب واالبن بمنع أي عمليات مقاومة تنطلق من‬
‫األراضي السورية‪ .‬إ ن نظام األسد فعل ذلك بفاعلية تامة ربما لن يستطيع أي نظام‬
‫آخر في المستقبل ضمانها على األقل‪.‬‬

‫‪ -3‬خطورة قيام نظام ديمقراطي بديل في سوريا ‪ :‬ف قيام نظام ديمقراطي في سوريا‬
‫يهدد وضع إسرائيل ؛ باعتبارها واحة الديمقراطية في الشرق األوسط –كما تفضل أن‬

‫‪120‬‬
‫تدعي‪ -‬وسط دول شمولية وأنظمة سلطوية‪ ،‬وهو الوضع الذي لطالما استفادت منه‬
‫دوليا وإ قليمياً‪.‬‬
‫إسرائيل ً‬

‫‪ -4‬االستفادة من إطالة أمد الحرب األهلية ‪ :‬فال شك في أن بقاء بشار األسد يعني‬
‫استمرار الصراع وإ طالة أمده إلى فترة غير معلومة ؛ وبالتالي إضعاف الجيش‬
‫السوري‪ ،‬وتفكيك الجبهة الداخلية السورية ‪ ،‬عبر تجذير الصراع واتخاذه أبعادًا‬
‫ًّ‬
‫إسرائيليا على المدين القصير‬ ‫ًّ‬
‫إستراتيجيا‬ ‫مكسبا‬
‫ً‬ ‫طائفية ومذهبية‪ ،‬وبالطبع يمثل ذلك‬
‫عسكريا‪ ،‬ويجعل‬
‫ً‬ ‫والمتوسط ؛ فانشغال سوريا في صراعاتها الداخلية سينهكها‬
‫ضربا من المستحيل‪ ،‬مهما كانت هوية‬
‫ً‬ ‫المطالبة بالحق السوري في الجوالن المحتلة‬
‫النظام الذي سيصل للسلطة‪ ،‬فالصراع الداخلي سيكون له األولوية ‪ ،‬وسيلتهم كل‬
‫الجهود السورية السياسية ‪ ،‬ويبقى ملف الجوالن مؤجل اً ألطول وقت ممكن‪.‬‬

‫وعلى الرغم من المراوحة اإلسرائيلية في خياراتها في التخلص من بشار وضرورة‬


‫استمراره‪ ،‬بقيت إسرائيل طوال العامين الماضيين تلتزم الصمت فيما يخص‬
‫التطورات ‪ ،‬باستثناء حماسها الشديد لفضح وحشية الصراع السوري‪ ،‬ولكن مع بداية‬
‫العام الحالي حدث تطور نوعي في التعاطي اإلسرائيلي مع الوضع في سوريا‪،‬‬
‫وتدخلت إسرائيل بشكل فج ونفذت عدة غارات جوية استهدفت منع وصول أسلحة‬
‫متطورة ‪ ،‬تخل بموازين القوى ‪ -‬حسب التعبير اإلسرائيلي‪ -‬لحزب اهلل‪ ،‬هذه‬
‫الهجمات التي بدأت في يناير ‪ ،2013‬وادعت إسرائيل وقتها أنها قصفت قافلة تحمل‬
‫مضادة للطائرات كانت في طريقها إلى حزب اهلل في لبنان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صواريخ روسية متطورة‬

‫وفي مايو ‪ 2013‬شن الطيران اإلسرائيلي غارة أخرى قصفت شحنة صواريخ أرض‬
‫‪ -‬أرض إيرانية الصنع‪ ،‬ادعت إسرائيل ّأنها وصلت إلى دمشق في طريقها إلى حزب‬
‫اهلل‪ ،‬وبعدها بيومين فقط قامت الطائرات اإلسرائيلية بشن هجوم على عدة مواقع في‬
‫جبل قاسيون ومحيط دمشق‪ ،‬وذكرت إسرائيل أن القصف استهدف صواريخ “‪”,‬فاتح‬
‫‪ ”,“110‬قبل نقلها إلى حزب اهلل في لبنان‪ ،‬ومخازن صواريخ سورية في باطن‬
‫األرض في جبل قاسيون‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫فإضعاف قدرات حزب اهلل ومنع وصول أسلحة متطورة إليه هدف إسرائيلي ال تهاون‬
‫في تحقيقه ؛ ولذا فإن تراجع أوباما ‪ ،‬بعد فشله في حشد تأييد مناسب ‪-‬دوليا وداخليا‪-‬‬
‫مكسبا إستراتيجيا إلسرائيل ‪ ،‬ويحقق المصلحة‬
‫ً‬ ‫لدعم تحرك عسكري ضد سوريا‪ ،‬يبدو‬
‫اإلسرائيلية في بقاء الوضع السوري كما هو‪ ،‬وإ طالة أمد الصراع حتى رحيل األسد‬
‫َّ‬
‫طبيعيا بانتهاء فترته الرئاسية‪ ،‬وهذا الخيار أصبح مقبوالً على المستوى الدولي‬ ‫رحيالً‬
‫بعد الممانعة الروسية لضربة أمريكية على سوريا‪ ،‬كما أن التخلص من األسلحة‬
‫الكيماوية السورية‪ ،‬والتفتيش الدولي الدوري على ذلك‪ ،‬يحقق رغبة إسرائيل في‬
‫التخلص من التهديد السوري الكيماوي ؛ ولذا تبدو إسرائيل هي الرابح الوحيد من‬
‫األزمة السورية‪ ،‬وسط مجموعة من الخاسرين ‪ ،‬سواء على المستوى اإلقليمي أو على‬
‫المستوى الدولي‪.‬‬

‫وخالصة القول ‪ :‬أيًا كان موقف إسرائيل من نظام بشار األسد والوضع في سوريا‪،‬‬
‫أيضا ستكون‬
‫إال أنها هي الكاسب الوحيد ‪ ،‬ليس فقط من إطالة أمد األزمة‪ ،‬ولكن ً‬
‫الكاسب الوحيد في ترتيبات ما بعد نهاية األسد ‪ ،‬في ظل توقعات بتقسيم سوريا إلى‬
‫دويالت صغيرة على أسس طائفية ومذهبية ضيقة‪.‬‬

‫أقل ما يوصف به الموقف اإلسرائيلي في التعامل مع الصراع في سوريا ‪ ،‬منذ بدايته‬


‫كثورة شعبية في ‪ ،2011‬وحتى تحوله إلى حرب أهلية‪ ،‬هو الحيطة والحذر المشوب‬
‫نظرا للدوافع المركبة التي‬
‫بالترقب واالنتظار عما سوف يسفر عنه الصراع‪ .‬وذلك ً‬
‫تحرك إسرائيل في موقفها من الصراع الدائر‪ ،‬باإلضافة إلى اكتفاء إسرائيل بلعب‬
‫ِّ‬
‫دور المتفرج ‪ ،‬أو حتى تغذية الصراع بشكل خفي‪ ،‬واستمرار التناحر داخل سوريا ؛‬
‫بما يحقق مصلحتها مباشرة‪ ،‬ما دامت كل القوى مشغولة بالقتال فيما بينها‪.‬‬

‫بالتأكيد‪ ،‬ومهما طال أمد الصراع في سوريا‪ ،‬فإن الحرب األهلية ستنتهي ‪ ،‬وسوف‬
‫جيدا‪ ،‬ولكن التعامل‬
‫يكون هناك طرف فائز وآخر مهزوم‪ ،‬وإ سرائيل تدرك ذلك ً‬
‫اإلسرائيلي تحكمه عدة محددات تجعلها تتراوح بين خيارات التخلص من نظام األسد‬
‫االبن إلى حتمية مساند ته وبقائه في السلطة‪ .‬و يم كن تقسيم هذه المحددات إلى ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪122‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫تداعيات الحرب اإلسرائيلية اللبنانية على الداخل اإلسرائيلي‬

‫‪123‬‬
‫المبحث األول‬
‫تداعيات الحرب على المؤسسة العسكرية اإلسرائيلية‬
‫أعلنت الشبكة الثانية باإلذاعة اإلسرائيلية أن رئيس هيئة األركان العامة نزل‬
‫إلى غرفة العمليات بمجرد اإلعالن عن قيام حزب اهلل باختطاف اثنين من الجنود‪,‬‬
‫اإلخفاق الثاني في أقل من شهر واحد من اختطاف حركة حماس ًّ‬
‫جنديا‬ ‫َ‬ ‫وكان هذا‬
‫آخر‪.‬‬

‫لقد وقع الجيش العظيم ‪ -‬الذي يعد من أكثر جيوش العالم تطوراً‪ ،‬ويمتلك‬
‫قدرة نووية‪ ,‬وطائرات قادرة على الوصول إلى طهران ذهاباً وإ ياباً وطائرات بدون‬
‫طيار‪ ،‬وصواريخ دقيقة ‪ -‬مرتين في أمر محرج وسيناريوهات معروفة مسبقاً‪ ،‬وقد‬
‫ذكر اللواء جيورآيالند كيف أن مقاتلي حماس خدعوهم في كيرم شالوم رغم‬
‫التحذيرات المستمرة‪ ،‬واالستنفار الدائم لعمليات االختطاف المحتملة‪ ،‬ثم فك شفرة‬
‫وقتل ثمانية‬
‫هينبال متأخراً؛ بعدها مباشرة قام مقاتلو حزب اهلل بمناورة تمويه مدهشة‪ْ ،‬‬
‫جنود من الجيش اإلسرائيلي‪ ,‬واختطاف اثنين آخرين‪ ،‬ويتباهى حسن نصر اهلل قائالً‪:‬‬
‫إن إسرائيل ستضطر إلطالق سراح آالف السجناء الفلسطينيين مقابلهما‪.‬وبالرغم من‬

‫‪124‬‬
‫وجود الجنديين المخطوفين تحت أيدي حزب اهلل فإن المنظمتين اللتين تعمالن تحت‬
‫رعاية إيران والتان تقومان بالضرب في نقاط ضعف والذي اعتاد موشيه أرنس أن‬
‫يقول عنهما ال حاجة لجهاز مخابرات من أجل الكشف عن أمور يظهرها لك العدو‬
‫وصرح حسن نصر اهلل أنهم مستعدون الختطاف رهائن‪ ,‬فالقيادات‬
‫َّ‬ ‫مسبقًا‪ ،‬إذ سبق‬
‫مصابا‬
‫ً‬ ‫اإلسرائيلية تعلم أن عمليات االختطاف أكبر تهديد إلسرائيل؛ لكونها ال تترك‬
‫في الميدان‪ ،‬وقد نشرت صحيفة يديعوت آحرونوت صورة جندي مستغرق في النوم‬
‫وهو واقف بجوار حاملة جنود مدرعة‪،‬كأن لسان حاله يقول‪ :‬خذوني!!‬

‫وبينما يتحدث أمنون ليكبين شاحاك عن تدخل إيران في تشكيل جبهة حماس‬
‫عضو ِي الكنيست روبى ريفلين وآرييه الداء ليسا فقط اللذين ال‬
‫َ‬ ‫– حزب اهلل – نجد أن‬
‫يريدان الجلوس على طاولة المفاوضات والحوار؛ إنما اإلسالم األصولي كله ال يريد‬
‫وجود إسرائيل صراحة وعالنية‪،‬وقال ذلك عند إعالن نجاد أنه يجب محو إسرائيل‬
‫من خريطة العالم‪.‬‬

‫باإلضافة إلى القتلى الثمانية والمختطفين الثالثة والمطالبة المتغرطسة بإطالق‬


‫(‪)102‬‬
‫سراح آالف السجناء ‪ -‬فإنهم يريدون تحطيم األنا اإلسرائيلي وجر إسرائيل‬
‫للقيام بعملية برية في لبنان‪ ،‬وهو الفخ الحقير الذي يريد حزب اهلل إيقاعنا فيه‪.‬‬

‫الرفض الشعبي اإلسرائيلي للحرب على لبنان‪:‬‬

‫يضع الهجوم وعملية االختطاف اللذان بادر بهما حزب اهلل في الشمال‬
‫الحكومة وجيش الدفاع اإلسرائيلي أمام معضلة؛ فال يمكن القبول بالمساس الالذع‬
‫بالسيادة اإلسرائيلية‪ ،‬لقد انسحبت القوات اإلسرائيلية من لبنان حتى الحدود الدولية‪,‬‬
‫ومنحت األمم المتحدة هذا االنسحاب صفة رسمية‪ ،‬وأعلنت الحكومة اإلسرائيلية‬
‫للعالم والجمهور أن إسرائيل ستعرف كيف تدافع عن مواطنيها وأراضيها‪ ،‬لكن ما‬
‫حدث يوضح الصلة بين عملية الخطف في الجنوب (غزة) وخطورة ما حدث في‬
‫الشمال (جنوب لبنان)‪ ،‬وهناك من يرى أنه يجب انتهاز الفرصة من أجل تطهير كل‬
‫جنوب لبنان من مواقع حزب اهلل إلعادة قدرة الردع إلى إسرائيل‪ ،‬كذلك بالنسبة‬
‫‪ .103102‬يوئيل ماركوس‪ ،‬مختارات ‪ ،‬العدد ‪ ، 140‬أغسطس ‪ ، 2006‬صـ ‪.42-41‬‬

‫‪125‬‬
‫أيضا‪ ،‬التي تشكل تأثيراً بالغاً على المنظمات الفلسطينية وحزب اهلل‪ ،‬لكن دون‬
‫لسوريا ً‬
‫الدخول في ورطة جديدة مثل ورطة ‪.1982‬‬

‫وتعد الضربة الشديدة التي تلقتها إسرائيل ال تتعلق بمفاجآت؛ فقد سبق وحذر‬
‫حسن نصراهلل منذ أبريل ‪ 2005‬بأنه يعتزم ‪ -‬ولو بالقوة ‪ -‬إعادة سمير القنطار؛‬
‫وهو قاتل أفراد أسرة هاران في نهاريا عام ‪ 1979‬الذي رفضت إسرائيل إعادته‬
‫حتى تحصل على معلومات عن رون أراد؛ وهو مالح جوي هبط في األراضي‬
‫اللبنانية عام ‪ ، 1986‬وما يزال مصيره غامضاً‪ ،‬ومن الجائز أن إعادة القنطار مع‬
‫سائر األسرى والمخطوفين اللبنانيين كانت ستمنع عملية االختطاف‪ ,‬وكذلك إذا‬
‫وافقت حكومة إسرائيل على التفاوض مع حكومة حماس ليتم إبرام صفقة إلعادة‬
‫شاليط‪ ,‬ووقف إطالق النار في الجنوب‪ .‬ومن خالل الوضع الذي وضعت فيه‬
‫الحكومة اإلسرائيلية نفسها سواء في المناطق الفلسطينية أو حزب اهلل فإنه يجب‬
‫تعزيز قدرتها على الردع(‪.)103‬‬

‫تأثير الحرب النفسية على الجيش والشعب اإلسرائيلي‪:‬‬

‫اعتمدت حرب لبنان وإ سرائيل األخيرة على الحرب النفسية‪ ،‬فكلنا رأينا ما‬
‫كان يقوله األمين العام لحزب اهلل في خطاباته التي كان يتوعد فيها اإلسرائيليين بالرد‬
‫سلبا على‬
‫القاسي ألبعد مدى؛ بل إنه كان يهدد بضرب العمق اإلسرائيلي مما أثر ً‬
‫وجنودا‪ ،‬وهذا التهديد كان من أهم أسباب هزيمة إسرائيل؛ وما‬
‫ً‬ ‫شعبا‬
‫اإلسرائيليين ً‬
‫يؤكد ذلك أن أحد العسكريين اإلسرائيليين قال‪ :‬إن األسبوعين األخيرين من المعركة‬
‫شهدا أمطاراً كثيرة على رءوس سكان لبنان‪ .‬بالطبع إنها ليست األمطار التي تسقط‬
‫من السماء؛ بل طائرات سالح الطيران اإلسرائيلي التي أسقطت مئات اآلالف من‬
‫الصفحات البيضاء على أرض األرز‪ ،‬وكان الجيش اإلسرائيلي يدعو السكان إلى‬
‫ترك منازلهم بإسقاط منشورات مع هذه القنابل‪ ،‬والهدف من ذلك‪ :‬حتى ال يستخدمهم‬
‫رجال حزب اهلل دروعاً بشرية‪ ،‬لكنها بالفعل حرب نفسية يلجأ إليها اإلسرائيليون‬
‫لمعرفة معلومات عن حزب اهلل‪.‬‬

‫‪ .104103‬افتتاحية هاأرتس‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬صـ‪43-42‬‬

‫‪126‬‬
‫وقد قمنا بجمع عدد من هذه المنشورات وأعطيناها لثالثة ممن لهم صلة بهذا‬
‫األمر؛ لدراستها وإ بداء رأيهم‪ ،‬األول يدعى (مارون) وهو لبناني‪ ،‬وأصبح اآلن‬
‫ًّ‬
‫إسرائيليا‪ ،‬وكان يخدم سابقًا بوصفه قائد منطقة في جيش جنوب لبنان الموالي‬ ‫مواطنا‬
‫ً‬
‫إلسرائيل‪ ،‬وانضم في مايو ‪ 2000‬مع زوجته وأوالده إلى الهاربين إلى إسرائيل‬
‫وح ِكم عليه بالموت في لبنان‪.‬‬
‫حاليا في إحدى بلدات شمال إسرائيل‪ُ ،‬‬
‫ويعيش ً‬
‫أما الثاني فيدعى شاؤول منشا؛ يعمل محلالً لشئون الشرق األوسط‪،‬وهو يجيد‬
‫اللغة العربية‪،‬إذ إن اللغة العربية لغة والدته‪ ،‬وعمل في إذاعة إسرائيل الناطقة باللغة‬
‫العربية لعشرات السنين‪ ،‬ومع ظهور األقمار الصناعية أصبحت إذاعة إسرائيل باللغة‬
‫برنامجا باسم‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫إعالميا تصل إلى العالم العربي‪ ،‬وكان شاؤول يقدم‬ ‫ذراعا‬
‫ً‬ ‫العربية‬
‫(األكاذيب والحقيقة)‪،‬وكان يهدف إلى تفنيد المزاعم التي تتردد في الحوار العربي‬
‫(‪)104‬‬
‫وإ رسال رسائل لألنظمة والجماهير العربية‬

‫أما الثالث فهو د‪.‬درون شاليفر‪ ,‬وهو قائم بأعمال رئيس قسم اإلعالم بكلية‬
‫يهودا والسامرة‪ ،‬وهو محاضر في جامعة بارإ يالن‪ ،‬ومتخصص في قسم الحرب‬
‫النفسية اإلسرائيلية خالل االنتفاضة األولى‪.‬‬

‫وقد قام هؤالء الثالثة بدراسة المنشورات وإ بداء آرائهم حولها‪ ،‬في أحد‬
‫المنشورات تطلب إسرائيل من الشعب اللبنانى اإلدالء بمعلومات تساعدها في حربها‬
‫ضد حزب اهلل‪ .‬مع إعطائهم مقابالً ًّ‬
‫ماديا لهذه المعلومات‪ ،‬والمنشورات‪ 5‬األخرى كانت‬
‫لرسوم كاريكاتيرية تظهر فيها أفعى تمثل حسن نصر اهلل تختفي تحت األرض‪،‬ويتلقى‬
‫اآلخرون النار بدالً منها‪ ،‬وكان عنوانها المقاومة تحت األرض ‪ ،‬واإلجابة هي أن‬
‫الوطن ضحية المقاومة‪.‬‬

‫والرسم الثاني كان للرئيس السوري بشار األسد ونظيره اإليراني أحمدي نجاد‬
‫وخالد مشعل في شكل دائري وهم يعزفون الناي‪ ،‬وفجأة تخرج من القدر التي أمامهم‬
‫حية على هيئة حسن نصر اهلل‪ ،‬وتسألهم‪ :‬كيف يمكنني خدمتكم؟‬

‫‪ .105104‬سالي القاسم‪،‬الحرب البسيكولوجية‪/http://sally.maktoobblog.com‬‬


‫(جاكى حرجي‪ ،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،141‬سبتمبر ‪ ،2006‬ص‪)51‬‬

‫‪127‬‬
‫والرسم اآلخر يشير إلى خريطة بيروت وعليها أفعى سوداء وخطيرة‪ ،‬وعليها‬
‫عنوان يحمل من األمام (صديقي) ومن الخلف (أفعى)‪.‬‬

‫وقد عبر شاؤول عن فكرة توجيه الدعوة للمواطنين اللبنانيين باإلدالء عن‬
‫حزب اهلل بمعلومات بأنه توجد أخطاء في صياغة اللغة العربية الموجودة بالمنشور‬
‫الذي يدعو للوشاية‪،‬إذ إن العرب يتأثرون بلغتهم‪ ،‬كما افتقد شاؤول الوعد بمكافآت‬
‫مالية؛ ألنه يجعلهم بهذا الشكل خائنين؛ بينما الهدف األساسي تشجيعهم وتحفيزهم إلى‬
‫القيام بعمل وطني‪ ،‬كذلك هناك في الجملة األخيرة من المنشور (من أجل سالمتكم‬
‫قلت‪ :‬من‬
‫اتصلوا بنا من مكان آمن)‪ ،‬إنها ليست بنصيحة لكنها تهديد‪ :‬كما لو َ‬
‫(‪)105‬‬
‫مصلحتك أن تتصل بي‪.‬‬

‫وبشأن الرسوم الكاريكاتيرية أثنى عليها شاؤول خاصة الثانية التي يخرج فيها‬
‫حسن نصر اهلل من القدر؛ ألنها تعبر عن الدور اإليراني لحزب اهلل‪ .‬أما بالنسبة‬
‫عداء ونفوراً من ناحية‬
‫لعناوين (الوطن ضحية المقاومة) فهذه العناوين سوف تخلق ً‬
‫يع ُّدون المقاومة‬
‫الجمهور‪ ،‬والشعب اللبناني لن يقف أمام المقاومة؛ ألن اللبنانيين ُ‬
‫ًّ‬
‫مسيحيا؛ ألنها حررت لبنان فيجب علينا‬ ‫وحزب اهلل رمزاً للوطن حتى َمن كان منهم‬
‫أن نحول اهتمامهم إلى أن حزب اهلل يستغل هذه النقطة باعتباره أسطورة المقاومة‬
‫المقدسة من أجل تدميرهم وتدمير بالدهم‪.‬‬

‫أيضا يؤكد شاؤول أن حزب اهلل يقول على مدى سنوات إنه هو‬
‫وفي تعليقه ً‬
‫الذي يدافع عن لبنان‪ ،‬ويجب علينا أن نظهره في شكل المعتدي الذي جلب عليهم‬
‫عاما أثبتت الحروب‬
‫مفادهاأنه على مدى ‪ً 60‬‬
‫الحرب؛ فيجب أن ننقل رسالة واضحة ُ‬
‫أنه من غير الممكن إخضاع إسرائيل بالحرب‪ ،‬فقد فشل من همأكبر من حسن نصر‬
‫اهلل في تحقيق ذلك‪ ،‬وعلى رأسهم جمال عبد الناصر‪ ،‬ونحن ‪ -‬أي إسرائيل ‪،‬فال‬
‫نبحث عن تحقيق انتصارات بل نريد العيش في سالم‪.‬‬

‫أما د‪.‬شاليفر الباحث في مجال اإلعالم والخبير في الحروب النفسية يقول‪ :‬إن‬
‫إلقاء المنشورات واحد من عشرات األساليب للحروب النفسية‪ ،‬مع تنويع القنوات التي‬

‫‪( .106105‬جاكى حرجي‪ ،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،141‬سبتمبر ‪ ،2006‬ص ‪ ،52‬المصدر السابق)‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫يتم عن طريقها إبالغ الرسائل‪ ،‬مثل البرامج اإلذاعية والتليفزيونية‪ 5‬والفاكس‬
‫والتليفونات الخاصة بالسكان‪ .‬ويقول شاليفر‪ :‬إن أفضل جمهور مستهدف لهذه‬
‫المنشورات هم الشيعة في لبنان‪ ،‬فيجب االستعانة برجال جيش جنوب لبنان‬
‫الموجودين في إسرائيل‪.‬‬

‫وكان رأيه في الرسوم الكاريكاتيرية أنها تثير الشكوك والريبة‪ ،‬ومن الصعب‬
‫أن تؤديإلى اإلقناع؛ فأسلوب المنشورات يعتمد على البيان والتصريح‪ 5،‬وهذا يكون‬
‫تأثيره ًّ‬
‫سلبيا على العدو‪ ،‬وقد أظهرت التجربة أن الجماهير تلتف حول الزعيم في‬
‫أوقات الشدة‪ ,‬فالبريطانيون اكتشفوا أن انتقاد هتلر خالل الحرب العالمية الثانية لم‬
‫يجد صدى بل زادت من شعبيته‪.‬‬

‫كما يرى شالفير أنه على امتداد الحروب التي خاضتها إسرائيل لم تشتهر‬
‫الحرب النفسية بشكل كاف‪ ،‬وفضلوا التأثير النفسي لسياسة القوة على استخدام‬
‫اإلقناع‪.‬‬

‫أما رون فقد أثنى على األفكار التي استوحاها الشباب‪ ،‬لكن اقترح بعض‬
‫التعديالت منها كتابة أسماء الرؤساء في الكاريكاتير الخاص بهم؛ للتيسير على‬
‫القارئ أن يتعرف عليهم‪ ،‬وإ ضافة رسم جانبي بارز يظهر مدى فداحة الثمن الذي‬
‫يدفعه اللبنانيون نتيجة لسياسة حزب اهلل اإلقليمية‪.‬‬

‫في المقابل انتقد مارونى كاتبى المنشور الذي يدعو اللبنانيين إلى اإلدالء َّ‬
‫بأية‬
‫معلومات عن نصر اهلل أو حزب اهلل لصياغته باللغة العربية؛ كما لو كان مكتوباً‬
‫(‪)106‬‬
‫ثم ترجمته بعد ذلك إلى العربية‪.‬‬ ‫باللغة العبرية‬

‫وبالرغم من تداعيات كارثة قانا‪،‬ألول مرة في التاريخ إسرائيل منذ عام‬


‫حربا ال يمكنها تحقيق نصر حاسم سواء على المدى القصير أوالبعيد؛‬
‫‪ 1948‬تخوض ً‬
‫على الرغم من تدميرها الكامل للبنان‪ ،‬لكن ليس بالشكل الذي يضمن األمان لسكان‬
‫الجبهة الداخلية‪.‬‬

‫‪( .107106‬جاكى حرجي‪ ،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،141‬سبتمبر ‪ ،2006‬ص‪.)53-51‬‬

‫‪129‬‬
‫أما بالنسبة للمسئولين على المستوى السياسي والعسكري فهم يعلمون جيداً‬
‫مدى حجم الخسائر السياسية والعسكرية واالقتصادية واالجتماعية والنفسية بالنسبة‬
‫لهم‪ ،‬وإ ذا عرفنا من المخطئ ومن السبب في هذه الكارثة فإننا لن نتعلم شيئاً؛ ألن‬
‫التاريخ يقول إننا لن نتعلم من الماضي‪.‬‬

‫وهذا األمر سوف يصل بإسرائيل وحزب اهلل إلى حالة استنزاف قوى‪،‬‬
‫وسيعلنان عن هدنة‪ ،‬ربما بوساطة طرف ثالث سيبادلون األسرى؛ لكن باعتقادي أن‬
‫الهزة األرضية السياسية التي اجتاحت إسرائيل عقب حرب ‪ 1973‬لن تساوي شيًئا‬
‫مقارنة بالهزة األرضية التي ستقع بعد حرب ‪ ،2006‬وستفقد كل من أحزاب اليمين‬
‫واليسار والوسط مغزاها وثقتها وسوف تناصر هذه األحزاب‪.‬‬

‫لقد عادت ألمانيا الغربية واليابان إلى إعمار بالدهما من الناحيتين المادية‬
‫واألخالقية في أسرع وقت بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬لكن بشرط نزع الصفة‬
‫العسكرية عنهما من الناحيتين السياسية واالقتصادية لمساعدة الواليات المتحدة لهما‪.‬‬
‫وفي الصراع اإلسرائيلي مع الدول العربية يجب على إسرائيل حل الصراع بينها‬
‫وبين الفلسطينيين والسوريين؛ بحيث يكون بمقدور كل األطراف العيش تحت مظلته‪،‬‬
‫ويبدو أن التسوية مع الفلسطينيين ستكون مختلفة عن اتفاق جنيف أو خطة كلينتون‪،‬‬
‫أو إطار فيدرالي محدد؛ فالحرب ضد حماس والفلسطينيين سوف تكمل الحرب ضد‬
‫حزب اهلل‪ ،‬وتساعد على التآكل المادي والثقافي واألخالقي للدولة(‪.)107‬‬

‫رؤية إسرائيلية ألخطاء حزب اهلل في الحرب‪:‬‬

‫يرى حسن نصر اهلل أنه بطل من أبطال السياسة ‪ ،‬فقد ركب أمواج المجد‬
‫العابرة‪ ،‬وأصبح ينظر للعالم من أعلى وهو يجيز لنفسه ارتكاب أخطاء في توقيت‬
‫غير مناسب على اإلطالق بالنسبة إلسرائيل ولحركته‪ ,‬إذ قام بأخطاء ضد إسرائيل‬
‫بكل قوته ونفوذه‪ ،‬بينما كان المجتمع الدولي يوجه له النقد‪.‬‬

‫‪( .108107‬يديعوت آحرونوت) المصدر السابق‪ ،‬ص‪.54‬‬

‫‪130‬‬
‫ومن خالل المتابعة لهذه المواقف بدأت وسائل اإلعالم المرئية والسمعية في‬
‫الشرق األوسط تصور صوراً لتوزيع الحلوى والتعبير للبطل القومي كما يرى هو‬
‫‪,‬أنه أعاد لألمة العربية المجد والعزة‪ ,‬وقد قال عنه أحد المتحدثين في دولة خليجية‬
‫ووصفه باألحمق على ضوء الكارثة العظمى التي جلبها للبنان‪ ,‬والسيما من الناحية‬
‫االقتصادية‪ ،‬التي تأثرت بها لبنان‪،‬ففي سنوات السبعينيات كان ياسر عرفات الذى‬
‫أدخل على لبنان منظمة التحرير الفلسطينية واآلن أتى حسن نصر اهلل هو وأتباعه‬
‫ليجعلوا لبنان عامرة‪.‬‬

‫واآلن يحاول المجتمع اللبنانى أن يضمد جراحه فقد انهارت السياحة‪ ,‬فقد قطع‬
‫ما يقرب من ‪ 15‬ألف سعودي أجازاتهم السنوية وعادوا من لبنان إلى سوريا بطرق‬
‫ملتوية‪ ،‬لم يهتفوا بحياة نصر اهلل عندما صعدوا إلى الطائرة في رحلة العودة إلى‬
‫الرياض‪ ،‬باإلضافة إلى مئات المستثمرين واآلالف من رجال األعمال وعشرات‬
‫اآلالف من العمال‪ ،‬ومن يكسبون رزقهم من الخطة الخمسية إلصالح دولة رفيق‬
‫الحريري الراحل‪ ،‬لم يهتفوا بحياته عندما رأوا مشهد بيروت وهي تحترق‪ ,‬واألمر‬
‫أيضا أن جماهير الشعب اللبنانى من معارضي النظام السوري‪ ،‬الذين اكتظت‬
‫الغريب ً‬
‫بهم الميادين العامة منذ أشهر معدودة في بيروت ويقولون أسرعوا إلى البيت ‪ -‬لم‬
‫يخرجوا حتى اآلن في مظاهرة ضد حرب لبنان في العصر الحديث‪.‬‬

‫فلماذا إذن قرر حسن نصر اهلل في هذا التوقيت خاصة أن يترك لبنان وهي‬
‫تنزف الدماء وتعاني من أزمة اقتصادية ومشكالت اجتماعية؟ هناك أسباب كثيرة‬
‫تسببت في ذلك‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬إستراتيجية التسعينات‪:‬‬

‫يمتلك حسن نصر اهلل العديد من الكف ‪55‬اءات اإلس ‪55‬تراتيجية ‪ ،‬فاعتقد أن إس ‪55‬رائيل ستخشى‬
‫الدخول فى مواجهة معه على التهديد المستمر ؛ ب‪55‬إطالق الص‪55‬واريخ‪ 5‬بعي‪55‬دة الم‪55‬دى تج‪55‬اه‬
‫(‪)108‬‬
‫قلب إسرائيل‪.‬‬

‫‪ .109108‬شرف قرطام ‪ -‬تحليل شخصيات ‪ -‬زعماء الحرب لبنان وصيف ملتهب ‪2006‬‬
‫‪http://www.grenc.com‬‬

‫‪131‬‬
‫واعتم ‪55 5 5‬اداً على الس ‪55 5 5‬بب األول اعتقد حسن نصر اهلل أن إس ‪55 5 5‬رائيل إذا ه ‪55 5 5‬اجمت لبن ‪55 5 5‬ان‬
‫سيكون عن طريق برى ‪ ،‬وقوات برية ‪ ،‬وبنى دفاعاته على ذلك وجهز قوات لخ‪55‬وص‬
‫معركة بالمدرعات والمشاة‪.‬‬

‫‪ -2‬ليس لديه خبرة كافية بالمجتمع االسرائيلى‪-:‬‬

‫لم ينجح حسن نصر اهلل فى تق‪55‬ديره ب‪55‬المجتمع اإلس‪55‬رائيلى وقدرته على الص‪55‬مود واعتقد‬
‫أنه إذا ك‪55 5‬ان س‪55 5‬كان بل‪55 5‬دة س‪55 5‬ديروت ال‪55 5‬ذين ل‪55 5‬ديهم من المخ‪55 5‬ابئ والمالجئ ما يحميهم قد‬
‫فزعوا على ما يبدو من إطالق صواريخ القس‪55‬ام ‪ ،‬إذن س‪55‬يهرب س‪55‬كان ص‪55‬فر وس‪55‬يفا فى‬
‫هلع ورعب من مدنهم التى ال يتمتعون فيها بالحماية وحدث العكس بالنسبة لنصراهلل‪.‬‬

‫‪ -3‬توقعات بضغوط من الشعب اإلسرائيلي‪-:‬‬

‫لقد توقع نص ‪55 5‬راهلل أن المجتمع االس ‪55 5‬رائيلى سيض ‪55 5‬غط على حكومته من أجل االس ‪55 5‬راع‬
‫ب‪5‬إبرام ص‪5‬فقة أخ‪5‬رى لتب‪55‬ادل األس‪5‬رى مع ح‪5‬زب اهلل ‪ ،‬مثلما ح‪55‬دث من قبل وعلى العكس‬
‫وقف المسئولون ضد ذلك‪.‬‬

‫‪ -4‬زعيم يقوم بتوحيد الصفوف فى إسرائيل‪-:‬‬

‫نجح نصر اهلل في توحيد الص ‪55 5 5 5‬فوف االس ‪55 5 5 5‬رائيلية بعد أن انضم احمد الطي ‪55 5 5 5‬بى ومحمد‬
‫بركة لالئتالف خاصة بعد االعت‪55‬داء على بل‪55‬دة مجد الك‪55‬روم‪ .‬وقد فش‪55‬لت كل الحكوم‪55‬ات‬
‫(‪)109‬‬
‫السابقة فى توحيد الصفوف‬

‫‪ -5‬إغفال الجانب االقتصادي للحرب ‪-:‬‬

‫لقد أه‪55‬در نص‪55‬راهلل ملي‪55‬ارات ال‪55‬دوالرات اللبنانية فهو من نوعية الزعم‪55‬اء ال‪55‬ذين يفهم‪55‬ون‬
‫فى ش‪55 5 5‬ئون كث‪55 5 5‬يرة ماع‪55 5 5‬دا االقتص‪55 5 5‬اد وك‪55 5 5‬أن ح‪55 5 5‬ال ه‪55 5 5‬ذه الدولة أن كل من فيها ال يهتم‬
‫باالقتصاد‪.‬‬

‫‪ -6‬ال يتمتع‪ G‬بحضور إعالمى جيد‪-:‬‬

‫‪ .110109‬موشيه اليعاد ‪ /‬يديعوت أحرونوت ‪2006 /15/7‬مختارات اسرائيلية عدد‪ 140‬صـ‪.43‬‬

‫‪132‬‬
‫(‪)110‬‬
‫ق‪55‬دمها‬ ‫يعت‪55‬بر ظه‪55‬ور نص‪55‬راهلل كث‪55‬يرا فى وس‪55‬ائل اإلعالم هو اك‪55‬بر م‪55‬ادة اس‪55‬تخباراتية‬
‫للجيش االسرائيلي فقد ظهر بشكل مخزي خاصة بعد تدمير مقره في بيروت‪.‬‬

‫جيش واحد وثمانى‪ G‬عشرة طائفة‬

‫يعتبر ما حدث بين إسرائيل وحزب اهلل فى جنوب لبنان وانتشار خمسة عشر‬
‫ألف جندى لبنانى على نهر الليطانى يظهر لنا العديد من الحقائق منها‬

‫‪ -‬يبلغ ع‪55 5‬دد الجيش اللبن‪55 5‬انى فى ال‪55 5‬وقت ذاته نحو‪ 60‬ألف جن‪55 5‬دي ومنتش‪55 5‬رون فى‬
‫خمس من ‪55 5 5‬اطق مختلفة ‪ ،‬وهى منطقة جبل لبن ‪55 5 5‬ان‪ ,‬وش ‪55 5 5‬مال لبن ‪55 5 5‬ان ‪ ،‬والبق ‪55 5 5‬اع‪،‬‬
‫وب‪55 5‬يروت وجن‪55 5‬وب لبن‪55 5‬ان‪ ,‬وتك‪55 5‬ون الجيش اللبن‪55 5‬انى من أحد عشر ل‪55 5‬واء م‪55 5‬زوداً‬
‫بمع‪55‬دات وآلي‪55‬ات ‪ ،‬وألوية من س‪55‬الح المش‪55‬اة وس‪55‬بعة كت‪55‬ائب من الق‪55‬وات الخاصة‬
‫الى جانب بعض التشكيالت من المدفعية ‪.‬‬

‫‪ -‬الخدمة فى الجيش اللبن ‪55‬انى إلزامية وم ‪55‬دتها س ‪55‬تة أش ‪55‬هر‪ ،‬وال يأخذ أي عضو فية‬
‫اال ال ‪55 5 5‬ذين يتعلم ‪55 5 5‬ون فى مؤسس ‪55 5 5‬ات أكاديمية ‪ ،‬وقد أعيد بن ‪55 5 5‬اء الجيش اللبن ‪55 5 5‬انى‬
‫بمساعدة ضباط فرنسيين وأمريكيين‬

‫‪ -‬يبلغ تعداد أفراد سالح الطيران اللبنانى حوالى ألف جن‪55‬دى وض‪55‬ابط بج‪55‬انب ‪30‬‬
‫طائرة مروحية من طراز بيل باالضافة الى ط‪55‬ائرات الم‪55‬يراج واله‪55‬انتر وك‪55‬انت‬
‫آخر غ‪55‬ارة ش‪55‬نتها س‪55‬الح الط‪55‬يران اللبن‪55‬انى فى ع‪55‬ام ‪ 1983‬خالل محاولة فاش‪55‬لة‬
‫لحكومة أمين الجميل لغرض سيطرتها على الطائفة الدرزية‪.‬‬

‫‪ -‬يبلغ تعداد س‪5‬الح البحرية بضع مئ‪5‬ات من المالحين والض‪5‬باط مع س‪5‬بعة زوارق‬
‫حراسة ‪ ،‬ووح ‪55‬دات إن ‪55‬زال وكومان ‪55‬دوز ص ‪55‬غيرة ‪ ،‬وم ‪55‬بين لل ‪55‬رادار ‪ ،‬وقد دم ‪55‬رت‬
‫إسرائيل جزءاً من الرادارات خالل األسبوع األول من الحرب ضد حزب اهلل‪.‬‬

‫‪ -‬أول تش‪55‬كيل للجيش اللبن‪55‬انى ك‪55‬ان ع‪55‬ام ‪ 1916‬عن‪55‬دما انضم متطوع‪55‬ون لبن‪55‬انيون‬
‫الى فيلق الش ‪55‬رق الت ‪55‬ابع للجيش الفرنس ‪55‬ى‪ ،‬وبع ‪55‬دها تش ‪55‬كلت أول وح ‪55‬دة عس ‪55‬كرية‬
‫لبنانى‪.‬‬

‫‪( .111110‬موشية العاد المصدر السابق ص ‪.)59‬‬

‫‪133‬‬
‫‪ -‬أول قائد للجيش اللبن ‪55 5‬انى هو الج ‪55 5‬نرال ف ‪55 5‬ؤاد ش ‪55 5‬هاب ‪ ،‬وك ‪55 5‬ان يريد بن ‪55 5‬اء ق ‪55 5‬وات‬
‫مس‪55‬لحة موح‪55‬دة فى دولة مفككة ‪ ،‬أما القائد الح‪55‬الى للجيش اللبن‪55‬انى فهو الج‪55‬نرال‬
‫ميشيل سليمان وهو مسيحى مارونى‬

‫‪ -‬يس‪55‬ير الجيش اللبن‪55‬انى على الطريقة ال‪55‬تى وض‪55‬عها الج‪55‬نرال ش‪55‬هاب ‪ ،‬حيث ك‪55‬ان‬
‫أقل الجي ‪55‬وش العربية مش ‪55‬اركة فى ح ‪55‬رب االس ‪55‬تقالل ح ‪55‬رب ‪ 1948‬فلم يش ‪55‬ارك‬
‫إال بكتيبة واح‪55‬دة ‪ ،‬وك‪55‬انت لبن‪55‬ان هى الدولة الثانية بعد مصر ال‪55‬تي ق‪55‬امت بتوقيع‬
‫وقف إطالق النار فى مارس ‪.1949‬‬

‫‪ -‬فشل الجيش اللبن‪55 5 5 5 5‬انى فى تحقيق الحف‪55 5 5 5 5‬اظ على وح‪55 5 5 5 5‬دة الصف اللبن ‪55 5 5 5‬انى ‪ ،‬فقد‬
‫اجت‪55‬احت إس‪55‬رائيل لبن‪55‬ان م‪55‬رات عدي‪55‬دة مثل ‪ ، 1982‬ومن قبله ع‪55‬ام ‪، 1958‬‬
‫وك ‪55‬ذلك فى الس ‪55‬بعينات وقت الح ‪55‬رب األهلي ‪55‬ة‪ .‬باإلض ‪55‬افة الى تواجد المنظم ‪55‬ات‬
‫الفلس‪555‬طينية فى جن‪555‬وب لبن‪555‬ان مما جعل بعض ض ‪55‬باط الجيش اللبن ‪55‬انى فى طلب‬
‫المس‪55‬اعدة من اس‪55‬رائيل ‪ ،‬ومس‪55‬اعدتهما فى تأس‪55‬يس جيش جن‪55‬وب لبن‪55‬ان ‪ ،‬وال‪55‬ذى‬
‫ك ‪55 5‬ان معظمه من الش ‪55 5‬يعة ‪ ،‬وك ‪55 5‬انوا يحص ‪55 5‬لون على رواتبهم من وزارة ال ‪55 5‬دفاع‬
‫اللبنانية‪.‬‬

‫‪ -‬بدأت القوات الخاصة نشاطها فى لبنان للسيطرة على الداخل اللبن‪55‬انى والقض‪55‬اء‬
‫على جيشه فقد ق‪55 5‬امت الق‪55 5‬وات الخاصة التامة للجيش االس‪55 5‬رائيلى ب‪55 5‬زرع لغمين‬
‫ع ‪55‬ائمين بالس ‪55‬فينة المص ‪55‬رية إيج ‪55‬ريس إلغ ‪55‬راق الس ‪55‬فينة وظلت ه ‪55‬ذه الق ‪55‬وات فى‬
‫القي‪55 5‬ام بأه‪55 5‬داف ضد لبن‪55 5‬ان ح‪55 5‬تى ع‪55 5‬ام ‪ 1997‬فى ش‪55 5‬هر س‪55 5‬بتمبر حيث قتل ‪11‬‬
‫جندياً من القوات الخاصة‪.‬‬

‫قامت القوات الخاصة باجتياح أحد المبانى فى صور مسكن احد قادة حزب اهلل‬
‫المسئولين عن اطالق الصواريخ‪ .‬وقد هاجم سالح الطيران االسرائيلى موقعا للجيش‬
‫اللبنانى وأطلقت قذائف على مروحيات الجيش االسرائيلى ونتيجة لهذه المروحيات‬
‫(‪)111‬‬
‫ينتمون لطوائف دينية مختلفة‪.‬‬ ‫قتل حولى ‪ 15‬خمسة عشر من الجيش اللبنانى‬

‫‪ .112111‬جاد شمرون معاريف ملحق السبت المصدر السابق ص ‪.)61-60‬‬

‫‪134‬‬
‫االنسحاب من مزارع شبعا انتصار لحزب اهلل‬

‫لقد تم وقف العمليات العسكرية فى جنوب لبنان بين إسرائيل وحزب اهلل ‪ ،‬وتم‬
‫فتح باب الحلول السياسية والدبلوماسية‪ ,‬وعادت مسألة منطقة جبل دوف (مزارع‬
‫شبعا) لتطرح نفسها من جديد على جدول األعمال ‪ ،‬وهى المنطقة التى يطلب فيها‬
‫حزب اهلل انسحاب اسرائيل منها ويتحيز منها ذريعة ومبرراً لألعمال والتحركات‬
‫التى ينفذها ضد اسرائيل‪.‬‬

‫وقد تبنت وسائل االعالم اإلسرائيلية مصطلح حزب اهلل – مزارع شبعا لدرجة‬
‫أنهم نسوا أنهم يتحدثون على السلسلة الصخرية الخاصة بجبل دوف ‪ ،‬والتى يطلق‬
‫عليها بالعربية سلسلة جبل الشيخ بالقرب من الحدود الشمالية لهضبة الجوالن مع‬
‫لبنان وهذه المنطقة ال تتمتع بمزايا جغرافية أو تاريخية ‪ ،‬وليست هناك حدود واضحة‬
‫لمزارع شبعا ويعتقدون فى إسرائيل ان الحدود تشمل مساحة ‪ 40‬كليومتر تمتد بين‬
‫الخط األزرق وهو خط انسحاب الجيش االسرائيلى من لبنان وبين نهر الليطاني‪.‬‬

‫ومن خالل طرح مشروع القرار األمريكى الفرنسى الخاصة بإنهاء المواجهة‬
‫بين اسرائيل وحزب اهلل ‪ ،‬وتم نشرها فى يوم االثنين السابع من اغسطس ‪ 2006‬وقد‬
‫دعا هذا المشروع كالً من اسرائيل ولبنان الى تأييد وقف اطالق النار على أساس‬
‫توضيح معالم للعمليات الحدودية فى المناطق التى تعتبر فيها الحدود غير واضحة ‪،‬‬
‫بما فيها منطقة مزارع شبعا وقد تطرق القرار الى رسم الحدود الدولية للبنان ‪ ،‬وفى‬
‫اسرائيل أثار هذا القرار حفيظة اإلسرائيليين ألنه سيتم طرح مسألة مزارع شبعا على‬
‫أساس مشروع النقاط السبع الخاص بالحكومة اللبنانية ‪ ،‬وهى التى تقدم بها رئيس‬
‫الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة فى مؤتمر روما فى السادس والعشرين من يوليو‬
‫‪ ، 2006‬والتى يطالب فيها بوضع مزارع شبعا تحت تصرف األمم المتحدة لحين‬
‫االنتهاء من رسم الحدود فى المنطقة ‪ ،‬وقد رفض المجتمع الدولى واألمم المتحدة‬
‫مطلباً لعينات فى هذه القضية على اعتبار أن مزارع شبعا جزء من هضبة الجوالن ‪،‬‬
‫وهو الجزء الذى حررته إسرائيل ‪1967‬‬

‫‪135‬‬
‫ومن المتوقع أن ترفض إسرائيل مجدداً المطالب االذاعية فى ‪17/8/2006‬‬
‫(‪)112‬‬
‫وبالتالى فإن‬ ‫القادم حيث إنها تعلم ان حزب اهلل يمتلك صواريخ تهدد اسرائيل‬
‫االزمة لن تنتهى اال بحول الدبلومااسية والسياسية وليست بالقوى‪.‬‬

‫تداعيات المواجهة بين إسرائيل وحزب اهلل‪:‬‬

‫يرى بعض المحللين السياسيين اإلسرائيليين أن األالعيب المتكررة لحزب اهلل‬


‫ضد الجهود المتواصلة في الساحة السياسية الدولية إلطالق سراح الجنود‬
‫اإلسرائيليين الثالثة الذين خطفهم األشرار تصعب من الموقف في الداخل اإلسرائيلي‬
‫؛ فقد رفض زعماء حزب اهلل والدول العربية التي ترعاهم مطالب شعوب العالم‬
‫بإطالق سراح المعتقلين بدون شروط ‪ ،‬ولألسف الشديد ‪ ،‬لم يتخذ العالم الحر‬
‫إجراءات عملية من أجل إرغام دول الشر علي االمتثال لقرارات االمم المتحدة مكتفيا‬
‫بالتحذيرات الكالمية‪ ,‬وهو ما حدث في تطبيق اتفاق وقف إطالق النار في لبنان‪,‬‬
‫فحزب اهلل نشر قواته علي الحدود مع إسرائيل متجاهالً اتفاقه الذي ينص علي‬
‫االبتعاد عن الحدود مع إسرائيل حتى الليطاني‪.‬‬

‫باإلضافة الي وضع السالح في مخازن سرية محفوظة وطبقاً لمعلومات‬


‫استخباراتية فإن حزب اهلل قام بتهريب صواريخ مضادة للدبابات ‪ ،‬وطائرات ‪،‬‬
‫وأسلحة أخري ايضا إلي المنطقة الحدودية‪ ,‬وعلي هذا فقد حذر رئيس الشاباك جهاز‬
‫األمن العام خالل جلسة حكومية( من ان االرهابيين الفلسطينيين قاموا بنقل األسلحة‬
‫من مصر الي غزة ) علي حد قوله بأن السلطات المصرية ال تفعل ما يكفي لمنع‬
‫إدخال السالح لقطاع غزة ‪ ،‬وقد أعرب أولمرت رئيس الحكومة‪ ،‬وليفني وزيرة‬
‫الخارجية بأنهما غير قلقين من التقرير الخاص برئيس الشاباك ‪ ،‬حيث أظهرت‬
‫االستطالعات األخيرة بان حوالي ‪ %65‬من الفلسطينيين أعربوا عن تأييدهم لسياسة‬
‫حسن نصر اهلل وهو مادعا أبو مازن الي تشدده في إطالق سراح الجندي جلعاد‬
‫(‪)113‬‬
‫حيث اشترط إطالق سراح البرغوثي‪.‬‬ ‫شاليط‬

‫‪( .113112‬هاتوفية المصدر السابق ص ‪.)68-67‬‬


‫‪ .114113‬هاتسوفية مختارات اسرائيلية صـ ‪ 52‬عدد ‪ 143‬نوفمبر ‪.2006‬‬

‫‪136‬‬
‫إن حزب اهلل تلقي معلومات استخباراتية من قواعد تنصت سورية وروسية إذ‬
‫نشرت صحيفة جينس البريطانية للشئون األمنية بأن حزب اهلل تلقي معلومات مباشرة‬
‫من سوريا اعتمدت علي قاعدة تنصت أقامتها روسيا هناك ‪ ،‬ويقوم علي تشغيلها طاقم‬
‫مشترك من الدولتين ‪ ،‬وكذلك قاعدة تنصت مشترك بين سوريا وإ يران وبالتالي فقد‬
‫تدخلت روسيا بشكل غير مباشر لصالح حزب اهلل في حربه ضد إسرائيل ‪ ،‬إلي جانب‬
‫الصواريخ الروسية المتطورة المضادة للدبابات والتي وصلت الي مخازن الجيش‬
‫السوري دفعا الي حزب اهلل ‪ ،‬وقد اشتكت إسرائيل لقوات حفظ السالم الخاصه باألمم‬
‫المتحده الموجودة في جنوب لبنان من وصول هذه األسلحة والصواريخ الي حزب‬
‫اهلل‪.‬‬

‫وقد تم التوقيع علي االتفاق االستخباراتي بين سوريا وايران في نوفمبر‬


‫‪ 2005‬وهو جزء من االتفاق والتعاون االستراتيجي بين الدولتين ‪ ،‬ويشمل تعزيز‬
‫التعاون في مجال االستخبارات االلكترونية ‪ ،‬وقد تم التصديق عليه أثناء زيارة‬
‫الرئيس اإليراني محمود أحمدي نجاد لدمشق في يناير ‪ 2006‬وقد تم االتفاق علي‬
‫إنشاء أربع قواعد للتنصت‪ ,‬وتم االنتهاء من بناء قاعدتين واحدة في شمال سوريا ‪،‬‬
‫واألخري في شمال الجوالن وسوف يتم االنتهاء من بناء قاعدتين واحدة في شمال‬
‫سوريا‪ ,‬واالخري في شمال الجوالن‪ ,‬وسوف يتم االنتهاء من القاعدتين األخريين في‬
‫عام ‪ 2007‬وقد قامت الحكومة اإليرانية بتوفير ميزانية القواعد من خالل ميزانية‬
‫الحرس الثوري اإليراني علي أن تجمع هذه القواعد معلومات أمنية من تركيا‬
‫والسعودية ‪ ،‬وكذلك التحركات األمريكية في الخليج ‪ ،‬وقد شدد المسئولون اإليرانيون‬
‫علي أالَ يتدخل الخبراء الروس في القواعد المشتركة بين ايران وسوريا بالرغم من‬
‫(‪)114‬‬
‫بين سوريا وروسيا‪.‬‬ ‫االتفاق المسبق‬

‫الخسائر البشرية اإلسرائيلية في الحرب‪:‬‬

‫افادت المصادر الطبية والعسكرية اإلسرائيلية أن ‪ %90‬من الجنود الذين‬


‫سقطوا خالل المعارك الماضية في لبنان لقوا مصرعهم و‪ %10‬فاضت أرواحهم في‬

‫‪ .115114‬زئيف شيف المصدر السابق ص(‪.)54‬‬

‫‪137‬‬
‫فترة الحقة متاثرين بجراحهم‪ ،‬وهناك جنود لقوا مصرعهم فور دخولهم المستشفيات‬
‫‪ ،‬وقد كشف رئيس قطاع الصدمات في قيادة رئيس االدارة الطبية في الجيش‬
‫االسرائيلي د‪ .‬اميربلو نيفر خالل الندوة التي أقيمت في المركز الطبي رامبام بحيفا‬
‫تحت عنوان ‪ :‬المستشفيات تحت تصدير النيران ‪ ،‬وقد كشفت النقاب عن إصابات‬
‫الجنود ومدي تقديم الرعاية الطبية لهم خالل الحرب ‪ ،‬حيث أفادت المصادر بأن وفاة‬
‫الجنود في أرض المعركة وتدهور حالة الكثير من المصابين قد جاء نتيجة التباطؤ‬
‫في عمليات اإلنقاذ‪.‬‬

‫وقد شرح د‪ .‬أمير األسباب التي أدت الي ذلك حيث أكد النشاط العسكري‬
‫المكثف الذي قام به الجيش اإلسرائيلي خالل السنوات األخيرة في يهوذا والسامرة‬
‫(الضفة الغربية) وقطاع غزة اعتماد األطباء علي التعامل اللحظي مع حاالت‬
‫المصابين يكون االطباء داخل مكان وقوع الحادث والمسافة بين أرض المعركة‬
‫والمستشفي قصيرة حيث يتم وصول المصاب الي المستشفي بعد ساعة علي االكثر‬
‫لكن الواقع ‪ -‬في لبنان ‪ -‬مختلف فلم يستطع أحد تجميع المصابين في منطقة واحدة ‪،‬‬
‫كما كان يحدث في الضفة وغزة؛ فعمليات إخالء المصابين ونقلهم للمستشفيات‬
‫لعالجهم تأخذ وقتاً طويالً بسبب تهديدات العدو؛ باالضافة الي توقف المروحيات‬
‫العسكرية عن القيام بعملية إخالء المصابين‪.‬‬

‫وقد قام د‪ .‬بلومنفيلد الي توضيح االختالف ما بين أسلوب العمل في لبنان‬
‫وبين أسلوب العمل في المناطق الفلسطينية‪ ,‬حيث أظهرت خالل الحرب االخيرة‬
‫الحاجة الماسة الي تعليم األطباء كيفية تصنيف المصابين حيث يجب إخالء الحاالت‬
‫المصابة االصابات الخطيرة اوالً‪ ,‬ثم الحاالت األخرى ‪ ،‬وهو ما كان غير متبع في‬
‫المنطقة الفلسطينية‪.‬‬

‫وأوضحت الندوة أنه يوجد حوالي ‪ %50‬من الجنود الذين وصلوا إلي قسم‬
‫معالجة الصدمات كانوا في حاجة الي تدخل الطبيب النفسي ‪ ،‬لمعالجه الواقع الذي‬
‫اصطدم به الجنود اإلسرائيليون ‪ ،‬وجنود االحتياط الذين شاركوا في حرب لبنان‬
‫األولي ضمن صفوف النظاميين ‪ ،‬وعادوا اليها كجنود احتياط اصبحوا يخشون كل‬

‫‪138‬‬
‫شىء وهو ما وضح من خالل االستطالعات بأن ‪ %12‬من العاملين الذين ظلوا في‬
‫المستشفيات خالل األربع أسابيع التي شهدت قتاالً شديداً في لبنان وسقوط صواريخ‬
‫(‪)115‬‬
‫الصدمة‪.‬‬ ‫الكاتيوشا علي مدن الشمال يعانون من ردود فعل شديدة بعد‬

‫المعارضة اإلسرائيلية‪ G‬ضد لجنة فينوجراد‪:‬‬

‫طالب أعضاء االئتالف السياسي واالجتماعي الجديد القيادة السياسية وأبرز‬


‫قيادات الجيش االسرائيلي بتحمل مسئولية التقصير الذي حدث في حرب لبنان الثانية‬
‫‪ ،‬كما طالب بعضهم باستقالة كل من أولمرت وبيرتس‪ ,‬وحالوتس‪ ,‬واكتفي آخرون‬
‫بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ‪ ،‬وأظهر موقع معاريف االلكتروني اجتماع جميع جهات‬
‫المعارضة في ائتالف واحد ‪ ،‬ويتحدثون في حزب بيرتس عن أهمية إعادة الثقة الي‬
‫الجمهور ‪ ،‬وفي حزب " إسرائيل بيتنا " يذكرون الجمهوربتعيين اللجنةالتي تقول أن‬
‫أنظمة الحكم استبدادية‪.‬‬

‫ومن خالل النظرة السياسية للداخل فان جمع هؤالء األطراف يبدو أمرا‬
‫مستحيال ؛ ممثلو حزب ميرتس وحزب العمل الي جانب وحزب اسرائيل بيتنا وأفراد‬
‫سالح االحتياط وأفراد العائالت المكلومة ‪ ،‬والدروز ‪ ،‬والمهاجرين الجدد ‪،‬‬
‫والمستثمرين ‪ ،‬وسكان تل أبيب ومن جهة أخرى قد قرر الجميع وضع الخالفات‬
‫جانبا‪ ،‬والتركيز علي القاسم المشترك بينهم ‪ ،‬وهو الدعوة إلي تشكيل لجنة تحقيق‬
‫رسمية وقال ياكير سجيف رئيس االتحاد العام لطلبة الجامعة العبرية بالقدس ‪ ،‬ومعه‬
‫قائد سرية في سالح االحتياط إنه حان الوقت لتماسك هيئات من جميع اتجاهات‬
‫الخريطة السياسية ‪ ،‬وقد أوضح اوري زاكي رئيس لجنة الشباب في حزب ميرتس‬
‫اننا نتفق جميعا علي أن الحرب األخيرة خلفت ورائها أسئلة ال يمكن عدم االجابة‬
‫عليها‪ ,‬ومن مصلحة إسرائيل إصالحها‪ ،‬وأوضح سكرتير عام حزب ميرتس يارون‬
‫شور السبب وراء عدم اكتفاء المحتجين باالحتجاج علي لجنة فينوجراد قائالً ‪ :‬إننا ال‬
‫نحتج علي أعضاء لجنة فينوجراد بل علي المسألة برمتها ؛ الن الحكومة تتمتع بأدني‬

‫‪( .116115‬يديعوت احرونوت ‪ -‬مصدر سابق ص ‪.)56-55‬‬

‫‪139‬‬
‫مستويات الدعم الجماهيري ‪ ،‬وأن الطريقة الوحيدة إلعادة الثقة تتمثل في تشكيل لجنة‬
‫تحقيق رسمية‪.‬‬

‫ويضيف شموئيل ميتلمان أن لجنة التحقيق الحكومية برئاسة القاضي المتقاعد‬


‫الياهو فينوجراد ستمارس مهام عملها في تل أبيب ‪ ،‬وسيمثل غداً أمام اللجنة رئيس‬
‫(‪)116‬‬
‫اللواء عاموس يادولين ووزيرة الخارجية تسيبي‬ ‫شعبة االستخبارت العسكرية‬
‫ليفني‪.‬‬

‫نتيجة لجنة فينوجراد‪:‬‬

‫بعد إعالن عمير بيرتس أنه سيخلي كرسيه الوزاري اذا أثبتت لجنة فينوجراد‬
‫أنه مسئول عن إخفاقات الحرب ‪ ،‬طالبت األسر الثكلى المسئولين بعدم االنتظار‬
‫للنتائج ‪ ،‬والعودة الي منازلهم‪ ,‬ففي حديث صحفي قال موشية موسكال والد الرقيب‬
‫أول رفانئيل انه من المفترض أن يكون هؤالء زعماء ‪ ،‬فهذه لم تكن حرباً فيجب علي‬
‫األسر الثكلى إعداد هذا التقرير ‪ ،‬وليس فينوجراد وقد زارني حالوتس في بيتي ‪ ،‬وبدا‬
‫يعدد أهداف الحرب ولكنه تعثر بعدما وصل للصرف الثالث ‪ ،‬وسأل الضابط الذي‬
‫رافقه ما هما الهدفان الرابع والخامس وهل هذه هي زعامة الدولة؟‬

‫وقد يتم استدعاء ابن موشيه جلوسكال الداء الخدمة العسكرية خالل شهرين‬
‫وسوف يحلق بوحدة قتالية(‪ ،)117‬ويقول موسكال إن الوطن ٍ‬
‫غال عند الشعب أكثر من‬
‫الساسة الذين يحرصون علي كراسيهم فيجب تسمية هذه الحرب بأنها حرب التخلص‬
‫من المسئولية‪.‬‬

‫تأثير الحرب في لبنان على قوة إسرائيل‪:‬‬

‫اظهر تقرير التوازن االستراتيجي للشرق األوسط في الفترة من ‪ 2005‬إلي‬


‫‪ ، 2006‬والذي أعده عدد من خبراء معهد أبحاث األمن القومي في جامعة تل أبيب‬
‫أن الحرب علي لبنان أوضحت مدي هشاشة البيئة االستراتيجية اإلسرائيلية ‪ ،‬والتي‬

‫‪ .117116‬افرات زيمر المصدر السابق العدد ‪ 143‬ص ‪.59-58‬‬


‫‪. .118117‬يديعوت احرونوت مختارات اسرائيلية ياعبل برفوفسكي العدد‪ 146 5‬فبراير ‪ 2007‬ص ‪.44‬‬

‫‪140‬‬
‫اضرت بقوة الردع اإلسرائيلية ‪ ،‬وأظهرت نقاط الضعف الموجودة داخل الجيش‬
‫اإلسرائيلي بخصوص اتخاذ القرارات‪.‬‬

‫فعلي الصعيد العام تزايدت المخاطر التي تهدد أمن الشرق األوسط ‪ ،‬ال سيما‬
‫بسبب عدم إحراز تقدم علي الساحة الفلسطينية ‪ ،‬وكذلك فشل الواليات المتحدة في‬
‫تسوية األوضاع في العراق ‪ ،‬وتوتر العالقات السورية اإلسرائيلية ‪ ،‬والملف النووي‬
‫اإليراني‪ ،‬والذي يثير الذعر لدي المسئولين اإلسرائيليين خاصة أن عامل الوقت ليس‬
‫في صالح إسرائيل ‪ ،‬والدول األخري أما فيما يتعلق بالحرب علي لبنان وتداعياتها ؛‬
‫فيري البعض أنه رغم قرارات األمم المتحدة فعدم وجود قيود مفروضة علي إعادة‬
‫تسليح حزب اهلل الذي يخوض معركة سياسية إلسقاط الحكومة اللبنانية‪ ,‬فان حزب اهلل‬
‫سيحافظ علي العودة مع الحدود اإلسرائيلية حتى يعيد إصالح التشكيالت ‪ ،‬والنظم‬
‫الخاصة به ‪ ،‬ويري البعض أن الحرب أظهرت مدي الفشل اإلسرائيلي ‪ ،‬وغياب‬
‫الحلول التي تحد من الصواريخ‪ 5‬قصيرة ومتوسطة المدي‪.‬‬

‫وقد أوضح اللواء جيورا ايالند الرئيس السابق لمجلس األمن القومي في‬
‫إسرائيل ‪ ،‬إن للحرب نتيجتين بعيدتي المدي وخطيرتين ‪ ،‬األولي ‪ :‬أن الدول العربية‬
‫تشك في قدرة إسرائيل العسكرية بعد الحرب ‪ ،‬وأصبحت هذه الدول علي استعداد‬
‫(‪)118‬‬
‫ضد إسرائيل ‪ ،‬والثانية ‪ :‬خيبة األمل التي سببتها إسرائيل‬ ‫لتنفيذ عمليات هجومية‬
‫للواليات المتحدة ودول الغرب‪.‬‬

‫اجتياز إسرائيل للحدود الدولية في لبنان‪:‬‬

‫عبر األمين العام لالمم المتحدة كوفي عنان عن قلقه من استمرار إسرائيل في‬
‫خرق الحدود البنانية ذلك بالرغم من أن المسئولين في الجيش اإلسرائيلي أكدوا بانهم‬

‫‪( .119118‬المصدر السابق – جانان جبرنيرج ص ‪.)46-45‬‬

‫‪141‬‬
‫لم يتجاوزوا الخط الخاص بالحدود الدولية أثناء عملية التجريف والتعرية التي نفذتها‬
‫قوات الجيش االسرائيلي في المنطقة الحدودية مع لبنان ‪ ،‬إال أن التحقيق الذي أجرته‬
‫األمم المتحدة أكد عكس ذلك ‪ ،‬وكذلك أن الجيش اللبناني فتح النار علي القوات‬
‫االسرائيلية قبل اجتيازها الحدود‪.‬‬

‫وكانت قوة من الجيش االسرائيلي قامت يوم االربعاء الموافق ‪7/2/2007‬‬


‫بتمشيط وتجريف مساحات واسعة في المنطقة الحدودية للكشف علي عبوات ناسفة ‪،‬‬
‫بعد اكتشافها لوجود عبوات ناسفة قرب الشريط الحدودي‪ ،‬فقامت القوات اللبنانية‬
‫باطالق النار عليهم مما أدي الي قيام الجيش اإلسرائيلي بقصف المواقع اآللية‬
‫بالمدفعية التابعة للجيش اللبناني‪ ,‬وهي الحادثة األولي التي تقوم فيها القوتان بإطالق‬
‫النار منذ حرب لبنان الثانية‪.‬‬

‫وقد اتهم الفارو ديستوتو مبعوث االمم المتحدة للشرق االوسط كال من‬
‫إسرائيل ولبنان بانتهاك وقف اطالق النار ‪ ،‬وقال ‪ :‬إن الجيش اإلسرائيلي أبلغ قوات‬
‫اليونيفيل بنيته تنفيذ عملية في المنطقة ‪ ،‬ولكن المسئولين في القوة الدولية طلبوا من‬
‫إسرائيل حل هذه المشكلة من خالل األمم المتحدة والحكومة اللبنانية؛ ولكن إسرائيل‬
‫لم تستجب لذلك ‪ ،‬واضاف ويسوتو انه عندما اجتازت إسرائيل السياج األمني أطلق‬
‫الجيش اللبناني نيران تحذيرية باألسلحة الخفيفة والمتوسطة علي األليات‪ ,‬والجرافات‬
‫اإلسرائيلية ‪ ،‬والتي كانت تحاول اجتياز الحدود‪ ،‬وقد أشارت مصادر إسرائيلية أن‬
‫الجيش اإلسرائيلي كان يحاول تمشيط المنطقة خشية وجود عبوات ناسفة زرعها‬
‫(‪)119‬‬
‫رجال حزب اهلل‪.‬‬

‫معارضة قوية للجنة فينوجراد‪:‬‬

‫قامت بعض الحمالت ضد لجنة فينوجراد وطالبتها بالتأكد من استنتاجاتها ‪،‬‬


‫ولكن الواقع أن لجنة فينوجراد تشكلت بطريقة خاطئة ‪ ،‬فبدالً من تشكيل لجنة تحقيق‬
‫رسمية من قبل محكمة العدل العليا ‪ ،‬قامت الحكومة بتشكيل هذه اللجنة لتعيين‬

‫‪ .120119‬التقرير الثامن لألمين العام لألمم المتحدة حول القرار ‪1701‬‬


‫‪http://www.clhrf.com‬‬

‫‪142‬‬
‫المحققين ‪ ،‬وهذا غير مقبول باإلضافة إلي أن قيام رئيس الوزراء بتعيين هؤالء‬
‫األعضاء في اللجنة ؛ فإنهم سيحاولون إرضائه من خالل استنتاجاتهم الي جانب‬
‫المساس بثقة الجمهور من اللجنة‪.‬‬

‫ولقد تلقت لجنة فينوجراد تفويضاً أوسع من لجنة اجرانات‪ ,‬وأخذت‬


‫صالحيات توازي تلك التي من المفترض أن تكون للجنة تحقيق رسمية فبمقدورها‬
‫الحصول علي وثيقة تريدها وأن تحقق مع كل شاهد وان تلزم الشهود بالمثول اليهم‪,‬‬
‫ومنحهم حصانة من المحكمة الجنائية ‪ ،‬وقد امتدت فترة التحقيق بدءا من انسحاب‬
‫(‪)120‬‬
‫من لبنان ‪ 2000‬حتى وقف إطالق النار في اغسطس‬ ‫الجيش االسرائيلي‬
‫‪.2007‬‬

‫غضب إسرائيلي من أداء لجنة فينوجراد‪:‬‬

‫تم تحديد السابع عشر من سبتمبر ‪ 2006‬موعداً لتشكيل لجنة فحص تحريات‬
‫الحرب في لبنان ‪ 2006‬وتسمي لجنة فينوجراد ‪ ،‬وينتظر الرأي العام اإلسرائيلي‬
‫صدور تقريرها ‪ ،‬وماذا سيفعل التقرير برئيس الحكومة ايهود اولمرت ؟ وهل‬
‫سيؤدي الي إقالته؟ ولكن أولمرت حرص علي تحصين نفسه عندما صاغ خطاب‬
‫تعيين اللجنة ‪ ،‬وكان الخطاب بمثابة الحصانة والحماية له‪ ,‬وتمارس التمييز ضد‬
‫الجيش اإلسرائيلي ‪ ،‬وقد أملي أولمرت شروطه علي اللجنة حيث وضع لها صالحية‬
‫محدودة وأعطاهم أوامره بعدم اإلطاحة به ‪ ،‬ومن هذا المنطلق أصبحت اللجنة بمثابة‬
‫المسكن لدي اإلعالم اإلسرائيلي حيث إنها في النهاية غير قادرة علي إقالة أحد‪,‬‬
‫وبعدها شكر أولمرت اللجنة علي جهودها الكبيرة ‪ ،‬وسوف يتم تشكيل لجنة وزارية‬
‫لتطبيق التوصيات التي وضعتها اللجنة ‪ ،‬وإ صالح أوجه القصور ليتفرغ للخطر‬
‫الحقيقي والجنائي الذي بصدده من جانب مراقب الدولي ميخاالند نشتراوس‬
‫والمستشار القانوني ميني مزوز‪.‬‬

‫لقد تشكلت اللجنة في وقت قصير وقد اختارت الحكومة أعضائها من أجل‬
‫كسب ثقة الجمهور ‪ ،‬ولكن الثقة اهتزت في بعض األوقات عندما قامت اللجنة بزيارة‬

‫‪ .121120‬جنانان جرنيبرج مختارات اسرائيلية العدد ‪ 147‬مارس ‪ 2007‬ص ‪54-53‬‬

‫‪143‬‬
‫كبار من يتم التحقيق معهم ‪ ،‬وعندما رفضت السماح لوسائل اإلعالم بتغطية جلساتها‬
‫‪ ،‬والتهرب من االنصياع لحكم محكمة العدل العليا بنشر بروتوكوالت الشهادات ‪،‬‬
‫وهو ما يؤكد صياغة خطاب التعيين الخاص باللجنة ‪ ،‬والذي تم فيه بالفقرة األولي أن‬
‫اللجنة ستقدم معطيات ‪ ،‬واستنتاجات وتوصيات حسب الضرورة تتعلق بالقيادات‬
‫السياسية والجهاز االمني‪.‬‬

‫أما باقي الفقرات يختفي فيها ذكر الساسة ويظل الجيش بمفرده في المعركة ‪،‬‬
‫أما فيما يتعلق بالقيادة السياسية فمن حق اللجنة أن تتحري وتقدم معطيات واستنتاجات‬
‫أما الجهاز االمني ‪:‬فكذلك يمكن تقديم معطيات واستنتاجات‪ ،‬وكذلك توصيات ‪ ،‬وهذا‬
‫هو الفارق الذي من خالله اإللزام بإقالة رئيس األركان ‪ ،‬والقادة اآلخرين ‪ ،‬ماعدا‬
‫رئيس الوزراء‪.‬‬

‫أما بخصوص َع ِمير بيرتس وزير الدفاع فهل ينتمي الي القيادة السياسية أم‬
‫للجهاز األمني؟ فاذا كان ينتمي للقيادة السياسية فقد تجنب بيرتس التوصيات ‪ ،‬أما اذا‬
‫كان ينتمي الجهاز األمني؛ فإنه بذلك سيبيع حالوتس‪ ,‬والقادة وقد تم وضعه للجنة‬
‫فينوجراد بعد أن تحولت اللجنة وأعضاؤها األربعة الي متعاونين مع أولمرت‪ ,‬وإ ذا لم‬
‫(‪)121‬‬
‫ففي امكانهم ان يوصوا قيادة الجيش‬ ‫يكن في استطاعتهم أن يوصوا الحكومة‬
‫اإلسرائيلي وكذلك بيرتس‪.‬‬

‫تقرير لجنة فينوجراد وتقييم أداء القيادة السياسية‬

‫يجمع المحللون علي أن تقرير القاضي فينوجراد عن األداء اإلسرائيلي في‬


‫حرب لبنان ‪ 2006‬ستكون له أبعاد سياسية وعسكرية بعيدة المدي ‪ ،‬وتركز على‬
‫األبعاد العسكرية واألمنية‪ ,‬وخاصة قرار اللجوء إلي الحرب ‪ ،‬وإ دارة العمليات‬
‫العسكرية‪.‬‬

‫وقد أشار التقرير إلي أن القرار االستراتيجي اإلسرائيلي سواء ببدء العمليات‬
‫العسكرية أو إدارتها ضد لبنان بصفة عامة ‪ ،‬وحزب اهلل بصفة خاصة _ تأثر بعدة‬

‫‪ .122121‬يدعيوت احرونوت مختارات اسرائيلية العدد‪ 149 5‬ص ‪.78-77‬‬

‫‪144‬‬
‫قضايا رئيسية أولها النجاح الذي فرضته العمليات الغذائية سواء للمقاومة الفلسطينية‬
‫او اللبنانية ‪ ،‬وانعكاساتها السلبية علي استراتيجية الدروع اإلسرائيلية‪ ,‬فقد تمت‬
‫العملية األولي في ‪ 25‬يونيو ‪ 2006‬ونجحت مجموعة من ثالث فصائل مقاومة‬
‫فلسطينية في مهاجمة موقع عسكري حصين عبر نفق تحت األرض بطول ‪400‬م‬
‫استمر إعداده وتجهيزه فترة ثالثة شهور كاملة؛ مما أسفر عن قتل اثنين من الجنود‪,‬‬
‫وجرح سبعة أخرين‪ ,‬وخطف جندي‪ ,‬والهروب به عبر النفق‪.‬‬

‫وبعد سبعة عشر يوما وبالتحديد في ‪ 12‬يوليو ‪ 2006‬تمت عملية حزب اهلل‬
‫والتي اخترقت فيها مجموعة من الفدائيين الخط األخضر‪ ,‬وهاجمت موقعا عسكرياً‪,‬‬
‫وأسرت جنديين‪ ,‬وقتلت ثالثة‪ ،‬وأصابت واحداً وعشرين آخرين ‪ ،‬مما انعكس علي‬
‫القيادة السياسة والعسكرية سلبياً‪.‬‬

‫وقد نقلت الصحافة اإلسرائيلية ما تسرب من تقرير القاضي فينو جراد أن‬
‫شمعون بيريز هو الوزير الوحيد الذي اعترض علي قرار المواجهة العسكرية ضد‬
‫لبنان‪ ,‬وسئل رئيس األركان عن الخطوات التالية حيث إنه يفهم الخطوة األولي‬
‫والثانية ‪ ،‬وال يفهم الثالثة واألربعة‪ ,‬فرد حالوتس أن الخطوة الثالثة مرتبطة بالخطوة‬
‫الثانية والرابعة مرتبطة بالثالثة ‪ ،‬وكل الخطوات مرتبطة بأرض الواقع ‪ ،‬وقد أكد‬
‫تقرير القاضي فينوجراد مع ما قالته الكاتبة كارولين جليك في جريدة الجيروزليم‬
‫والتي أكدت فيها (أن حكومة أولمرت فشلت في إدارة الحرب علي جميع المستويات‬
‫ويجب علي الشعب طرد رئيس الوزراء ووزير الدفاع والحكومة من مناصبهم ‪ ،‬وقد‬
‫أكد تقرير فينوجراد أيضا ما كتبه يوئيل ماركوس المحلل العسكري اإلسرائيلي عن‬
‫فشل إسرائيل في حربها ضد لبنان‪ ,‬وما الذي دفع الجيش ورئيس أركانه الي إقناع‬
‫الحكومة المتبدئة نسبيا بالشروع في حرب شاملة خالل ساعات من اختطاف جنديين‬
‫من جنودنا فالجيش الذي ال يقهر خرج مهزوما رغم أنه يمتلك أكبر ترسانة متتالية‬
‫متطورة قد أخفق أمام جنود حزب اهلل حتى صار وقف القتال هو المخرج من هذا‬
‫المأزق ‪ ،‬وبالرغم من استخدام الجيش لقواته الجوية والبحرية والبرية إال أنه لم‬
‫يستطع اإلفراج عن الجنديين اإلسرائيليين األسيرين من حزب اهلل ‪ ،‬وهو الهدف‬

‫‪145‬‬
‫الرئيسي للحرب‪ ,‬وهو ما أدي الي إصابة الرأي العام اإلسرائيلي بحالة من الهلع ‪،‬‬
‫والخوف من نجاح العمليتين الفدائيتين‪.‬‬

‫وقد ركز تقرير فينوجراد علي العديد من أوجه القصور في التخطيط واإلعداد‬
‫والتنسيق االستراتيجي العسكري للعمليات اإلسرائيلية منها عدم وضوح األهداف‬
‫المخططة بين القيام بعملية تأديبية واسعة رادعة للدولة اللبنانية ‪ ،‬وتدمير القوة‬
‫الصاروخية والقتالية لحزب اهلل مما يفرض عليه نزع سالحه ‪ ،‬وإ بعاده وراء نهر‬
‫الليطاني لتأمين الشمال اإلسرائيلي ‪ ،‬ولم يتم توفير القوات الالزمة لعملية واحدة ‪ ،‬من‬
‫قوات برية ‪ ،‬وجوية ‪ ،‬وبحرية ‪ ،‬وصاروخية وعدم تنظيم إعالن التعبئة الالزمة لها ‪،‬‬
‫وإ عطاء الوقت الكافي إلعداد التخطيط االستراتيجي الالزم لتحقيق التعاون والتنسيق‬
‫بين القوات المسلحة‪.‬‬

‫وقد ركزت الحملة الصاروخية علي تدمير أجزاء رئيسية وأحياء كاملة من‬
‫دولة لبنان بدالً من التركيز علي تدمير القوة الرئيسية لحزب اهلل؛ مما أدي إلي‬
‫استمرار العمليات ‪ 33‬يوماً دون تحقيق الحملة الجوية ألهدافها المحددة‪.‬‬

‫وقد أعلن النائب يوقال ستابيتس لصحيفة معاريف اإلسرائيلية أن الدولة‬


‫العبرية وجيشها فقدا _ في حرب الثالثة والثالثين يوما ضد لبنان _ القوة الرادعة‬
‫إلي األبد مما يجعل فصائل المقاومة بمختلف أشكالها قد تلحق الهزيمة بهذا الجيش‪.‬‬
‫(‪)122‬‬

‫وهناك عدة سيناريوهات مطروحة علي رئيس الوزراء أولمرت ليغطي علي‬
‫فشل حكومته في إدارة حرب لبنان أولها توجيه ضربة عسكرية قاضية للقدرة النووية‬
‫اإليرانية باعتبار ذلك مطلباً للواليات المتحدة من أجل وقف تخصيب اليورانيوم‪5‬‬
‫اإليراني‪ ,‬وقد ظهر ذلك من خالل زيادة ديك تشيني نائب الرئيس االمريكي للمنطقة‬
‫في مايو ‪ 2007‬من أجل حشد الدعم والتعاون الالزم لتوجيه ضربة عسكرية إليران‬
‫قد تشترك فيها إيران‪.‬‬

‫‪ .123122‬اللواء د‪/‬زكريا حسين السياسة الدولية العدد ‪ 169‬يوليو ‪ 2007‬المجلد ‪ 42‬ص ‪.145 – 142‬‬

‫‪146‬‬
‫ثانيا‪ :‬القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة بهدف التصدي‬
‫لتزايد قوى المقاومة الفلسطينية ‪ ،‬ومنعها من تزايد قوى حماس ‪ ،‬والذي يجعلها تشكل‬
‫تهديداً استراتيجيا للجنوب اإلسرائيلي بنفس القدر الذي يشكله حزب اهلل اللبناني في‬
‫الشمال‪.‬‬

‫ونتيجة لذلك فقد سعي اولمرت إلي السرعة في االنتهاء من بناء الجدار العازل‬
‫اإلسرائيلي وزيادة الكثافة السكانية للتجمعات السكانية واالستيطانية في الضفة‬
‫الغربية مع تصعيد سياسة االغتياالت وتصفية القيادات الفلسطينية خاصة حماس‬
‫والجهاد إلفقادهما القدرة علي تهديد الجنوب اإلسرائيلي‪.‬‬

‫المبحث الثانى‬
‫تداعيات الحرب على القوى السياسية في إسرائيل‬
‫‪147‬‬
‫تعتبر السنوات الست األخيرة منذ عام ‪2000‬هى سنوات التقصير السياسى الكبير في‬
‫الجبهه الشمالية السرائيل ‪،‬وهنا يقول بعض المحللين االسرائيلين ‪ (:‬اننا ندفع ثمن‬
‫التقصير اآلن فمنذ خروجنا من لبنان ‪ ،‬ونحن في حالة من الالمبااله لما يحدث في‬
‫حدودنا الشمالية ‪ ،‬وبالطبع يخرج علينا المسئولون قائلين بإن الوضع علي ما يرام ‪،‬‬
‫واآلن وبعد حدوث التغييرات نحاول أن نغير سياستنا قبل حدوث االنفجار القادم )‪،‬‬
‫ويتمثل العامل األول في حدوث هذا الفشل في التعامل ما يحدث في لبنان فقد كان من‬
‫الواجب علي الحكومة اإلسرائيلية بعد االنسحاب من لبنان أن تتعامل مع الحكومة‬
‫اللبنانية علي أنها المسئولة عن الجنوب اللبنانى ‪ ،‬وأن الجيش اللبنانى هو المسيطر‬
‫علي األمور فيها ‪ ،‬وال يوجد أى تنظيمات مثل حزب اهلل ولكن لم يحدث ذلك‪.‬‬

‫لقد انشغل المسئولون عن السياسة الخارجية في إسرائيل في الفترة األخيرة‬


‫عن هذه األمور التى لها األولوية السياسية‪ ,‬وأخذوا علي كيفية المواجهة العدو‬
‫اإليرانى باألخص ومدى تطويره للقدرات النووية ومحاولة تبرير وشرح أسباب‬
‫غياب المسار السياسى مع الفلسطنيين ولم تتعامل إسرائيل جيداً مع الصعود المستمر‬
‫لنفوذ حزب اهلل علي الجنوب اللبنانى ‪ ،‬وغياب الحكومة اللبنانية عن الجنوب‪.‬‬

‫وبعد العديد من اللقاءات السياسية التى شهدتها هذه الفترة مع زعماء الدول‬
‫الكبرى بما فيها الواليات المتحدة‪ ,‬وروسيا‪ ,‬وفرنسا لم نسمع شيئا عن المطالب‬
‫اإلسرائيلية تجاه لبنان وحكومتها ؛ بل كان تركيز رجال السلك الدبلوماسى علي‬
‫مسائل أخرى ‪ ،‬ويتمثل العامل الثانى في هذا الفشل ما حدث في سوريا بعد فشل‬
‫المفاوضات معها عام ‪ 2000‬عندما ضاعت فرصة تاريخية للتوصل إلي تسوية‬
‫سياسية كانت ستؤدى إلي تشكيل الواقع من جديد في لبنان وبعدها لم تحدث أى‬
‫اتصاالت سياسية في دمشق بل وتجاهلنا تماما ما حدث ووقعت إسرائيل كأسيرة‬
‫(‪)123‬‬
‫للمصلحة األمريكية في المنطقة وتغاضت علي ما يعمل لمصالحها األمنية‪.‬‬

‫فمنذ اندالع االنتفاضة األولى أدرك اإلسرائيليون خاللها إن الفلسطنيون ال يحسبون‬


‫احتالل إسرائيل ألراضيهم ما هو إال مجرد هجوم يقوم على التدمير وسفك الدماء‬

‫‪ .124123‬جادي بالتيانسكى ‪ ،‬معاريف ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪،‬العدد ‪ ، 140‬أغسطس ‪ ، 2006‬صـ ‪.45‬‬

‫‪148‬‬
‫ولم يدرك اإلسرائيليون أن الحل السياسي هو الذى يغير الوضع مع لبنان وسوريا‬
‫أيضاً‪.‬‬

‫ويرى الكثير من العسكريون والسياسيون في الحكومة االسرائيلية انه يجب القيام‬


‫بضرب حزب اهلل واستعادة قوة الردع اإلسرائيلية ولكن بالتوازاي مع ذلك يجب أن‬
‫شن هجوما سياسي يوضح من خالله مطالب الحكومة االسرائيلية من لبنان وفتح‬
‫قنوات االتصال مع سوريا لوضع الحل السياسي مثلما حدث مع الفلسطينيين وإ ن لم‬
‫تفعل إسرائيل ذلك ستظل في دوامة المعارك والخسائر(‪ )124‬ويبقى الطرف اآلخر في‬
‫طريقه دون أن يكون لديه شيء يبكى عليه وحينئذ ستخرج إسرائيل من الميدان‬
‫وورائها أذيال الهزيمة‪.‬‬

‫تقييم رئيس الحكومة اإلسرائيلي‪:‬‬

‫يضع التاريخ أحيانا رجال السياسة أمام اختبار صعب وبنجاحهم في االختبار‬
‫يتحولون إلى رجال دولة أمام العالم الخارجي ‪ ،‬وغالباً ما تكون الحروب هي الحل‬
‫لهذه االختبارات فما حدث مع تشرشل الذى تحول من عضو برلماني مستقبله‬
‫السياسي يدعو للغموض إلى رجل دولة عظيم وأحد كبار زعماء القرن العشرين‪،‬‬
‫وكذلك السيناتور األمريكي ترومان الذى لم يكن شخصاً بارزاً‪ ,‬وكان عضوا لمجلس‬
‫الشيوخ األمريكى وأخذه الرئيس األمريكى كنائب له في إدارته وبعدها بثالثة شهور‬
‫أصبح ترومان رئيساً للدولة التى كانت تقود االئتالف ضد دول المحور المانيا‬
‫وإ يطاليا واليابان‪.‬‬

‫فالرئيس الجديد لم يكن من البارزين علي الساحة السياسية ‪ ،‬ولكنه اتخذ‬


‫قرارات غيرت من شكل التاريخ‪ .‬ومن ضمنها قرار إلقاء القنبلة الذرية في عام‬
‫‪ 1945‬وأصبح بعدها زعيما في كتب التاريخ‪ .‬نتيجة لهذا القرار ‪.‬‬

‫وبالنسبة للوضع اآلن فأولمرت هو عضو بالكنيست الذى كان مستقبله‬


‫السياسى علي وشك اإلنتهاء بشكل سئ ‪ ،‬وأصبح فجأة رئيساً للوزراء ‪،‬ومثلما حدث‬

‫‪ .125124‬راؤوفين بدهتسور ‪ ،‬هاآرتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪،‬العدد ‪ ، 140‬أغسطس ‪ ، 2006‬صـ ‪.46‬‬

‫‪149‬‬
‫مع ترومان‪ ,‬يحدث اآلن مع أولمرت فبعد توليه لمهام منصبه وضع في اختبار صعب‬
‫فهل سيتحول إلي زعيم أم ال ‪.‬‬

‫فرئيس الوزراء لن يتخذ قراراً بشأن استخدام األسلحة النووية ‪ ،‬ولكن قراراً‬
‫بشأن عدة عمليات عسكرية تستهدف إبعاد صواريخ‪ .‬الكاتيوشا عند مستعمرات شمال‬
‫إسرائيل‪ ,‬وكذلك إعادة الجنود المختطفين مع وضع أهداف إستراتيجية ستحدد نتائجها‬
‫صورة دولة إسرائيل كما هو الحال بالنسبة لترومان الذى يفتقد للخبرة العسكرية‬
‫كذلك أولمرت ‪ ،‬ويدخل في حرب يديرها جنراالت واثقون في أنفسهم وينظرون إلي‬
‫رجال السياسة بتجاهل‪.‬‬

‫ومنذ عام ‪ 1982‬قاد آريل شارون وزير الدفاع وقتها إسرائيل إلى حرب‬
‫أهدافها اإلستراتيجية صعبة‪ ,‬فقد أراد أن يدخل نظام جديد علي الشرق األوسط كله‪,‬‬
‫واستبدال النظام الحاكم في لبنان بإقامة نظام حكم ٍ‬
‫موال في بيروت‪ ,‬وطرد‬
‫الفلسطينيين إلي األردن واستبدال نظام حكم الملك حسين بنظام حكم فلسطينى كل هذا‬
‫يع الواقع السياسى واالجتماعى‬
‫فشل فيه شارون ألنه لم يدرس األمور جيداً ولم ِ‬
‫والعرقى في لبنان‪.‬‬

‫وعلي عكس ذلك يجب أن تقلص أولمرت األهداف االستراتيجية التى يمكن‬
‫تحقيقها في الحرب الدائرة اآلن في لبنان ‪ ،‬والتى تتمثل في تجريد حزب اهلل من‬
‫السالح ‪ ،‬وإ بعادهم عن الحدود اللبنانية اإلسرائيلية مع عدم وقف إطالق النار حتى‬
‫(‪)125‬‬
‫مع االمتناع عن‬ ‫تقوم إسرائيل بانهاء االعتداءات علي الجنوب المشتعل في لبنان‬
‫إلحاقه الضرر بالمدنين األبرياء‪.‬‬

‫غضب اليمين اإلسرائيلي من معارضة اليسار للحرب‪:‬‬

‫تشهد أوساط اليمين حالة من الغضب الشديد بسبب تظاهر اليسار اإلسرائيلي‬
‫ضد القتال في الشمال ‪ ،‬وقال عضو كنيست نيسان سلومنيكى في تعليقه أن دولة‬

‫‪ .126125‬راؤوفين بدهستور ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬صـ ‪. 48 – 16‬‬

‫‪150‬‬
‫إسرائيل تتعرض للهجوم من الشمال أو الجنوب بسب هروبنا الذى يتم بتشجيع وتأثير‬
‫اليسار بين المتطرفين من لبنان وجوش قطيف ويدفع الشعب اإلسرائيلى الثمن اآلن‪.‬‬

‫حزب إسرائيل بيتنا قائال ‪:‬إن‬


‫ً‬ ‫وصرح إتسحاق أهروفون عضو الكنيست عن‬
‫إسرائيل تخوض اآلن حرباً عند الحدود الشمالية وقد تساقط الجرحى والمصابون‬
‫ويتظاهر المدنيون ضد من يحاولون الدفاع عنهم ‪ ،‬فأين كان اليسار عند ما تم‬
‫اختطاف ثالثة جنود من الجيش اإلسرائيلى ؟ وعلى مر العصور ال توجد حروب‬
‫أضرار‬
‫ً‬ ‫مجانية‪ ,‬فالحروب تكلف الدولة أمواال طائلة ‪ ،‬وتلحق بالدولة وبمواطنيها‬
‫اقتصادية ال يمكن تقدير حجمها‪.‬‬

‫لقد زادت منطقة الحدود اإلسرائيلية الواقعة تحت الخطر بشكل كبير في‬
‫األسبوعين الماضيين من شريط بطول ‪ 9‬كيلومترات علي امتداد الحدود في الشمال‬
‫إلي خط يمكن ترسيمه بشكل واضح ويمتد إلي منطقه العفولة وطبرية‪ ,‬والتي يبلغ‬
‫ٍ‬
‫شخص ال يمكنهم االستمرار في الحياة المعتادة‪,‬‬ ‫سكانها حوالى مليون ونصف مليون‬
‫بضعهم رحل إلي الجنوب‪.‬‬

‫وسوف تواجه وزارة المالية مشاكل تجاه المواطنين وباألخص سكان الشمال‬
‫؛ ألنه ال ينبغى تعويض هؤالء المواطنين عن األضرار التى لحقت بهم إلي جانب‬
‫المطالبة المالية لجيش الدفاع اإلسرائيلى تعد هذه الطريقة غير عادلة للمواطنين التى‬
‫(‪)126‬‬
‫هو حل المشاكل في وقتها‬ ‫تعتبر وزارة المالية خادمتهم حيث إن دور الحكومة‬
‫خاصة أوقات الطوارئ‪.‬‬

‫مطالب بتشكيل‪ G‬حكومة طوارئ للخروج من مأزق الحرب‬

‫االنتقادات المتزايدة للحكومة مبررة؛ فقد خرجت الحكومة لحرب لبنان الثانية‬
‫بصورة متسرعة ومتصورة‪ ، 5‬فأهداف الحرب لم توضع بشكل جيد ‪ ،‬ومخاطرها لم‬
‫تدرس جيداً ‪ ،‬ولم يتم تحليل اآلثار الناتجة عن هذه الحرب ‪ ،‬فالحكومة قادت الدولة‬
‫إلي حرب ذات خطوات استراتيجية لم تضع عواقبها بعد ‪ ،‬ونتيجة لذلك طالب رئيس‬

‫‪ .127126‬راؤوفين بدهستور ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬صـ ‪. 48- 16‬‬

‫‪151‬‬
‫الوزراء بمحاسبة المسئولين عن تلك الحرب ‪ ،‬وقال‪ :‬إنه رجل دولة سحى وعديم‬
‫المسئولية‪ ,‬وغير جدير بهذا المنصب الرفيع‪.‬‬

‫واالنتقادات المتزايدة الموجهة للجيش مبررة‪ ,‬فجيش الدفاع ارتكب أخطاء‬


‫علي األنحاء الجوية ‪ ،‬والبرية ‪ ،‬والبحرية كافة‪ ،‬ولم تكن لديه استخبارات أساسية ولم‬
‫تتوفر لديه ردود حاسمة علي صواريخ حزب اهلل ‪ ،‬والجيش قاد المستوى السياسي‬
‫إلي حرب على أنها محسومة بالطبع لصالحهم ‪ ،‬أما بالنسبة لرئيس األركان دان‬
‫حالوتس المتعجرف فقد كان سلوكه بال رصيد حقيقى‪ ,‬فمحاوالته فشلت كرئيس‬
‫لألركان وجعلته يميل إلىإعادة بناء الجيش الذي لم يهدم أساسا‪ ,‬وذلك بدون اهتمام‬
‫بالعالقات الخارجية واالستعراضات المتغرطسة للجيش‪.‬‬

‫أما بالنسبة لالنتقادات الموجهة للموساد مبررة أيضا فالرأى العام اإلسرائيلى‬
‫قوى وقيادته بدت ضعيفة ‪ ،‬مما أظهر الضعف السياسى واألخالقى‪ ,‬فقد انتقلت عليزا‬
‫أولمرت للسكن في ملجأ في كريات شموتة؟ وهل توجه شلومو نحاما للتأكد بأم عينه‬
‫من قيام بنك هبو عليم بتوزيع تسهيالت االعتمادات علي المتضررين من الكاتيوشا‬
‫عن كثب‪ ,‬وأصبحت الحكومة في حالة تبلد وبرود من عدم صرف تعويضات مناسبة‬
‫لسكان طبرية ‪ ،‬وحيفا ‪ ،‬وهذا ما يؤكد أنه ليس لدينا قيادة سياسة فكرية مدنية تجمع‬
‫صفوف المجتمع ‪ ،‬وتحشده وتمنحه الشعور باالتحاد في هذه الساعات العصيبة‪.‬‬

‫وبعد هذا التحليل ‪ ،‬فإن هذه االنتقادات بشتى أشكالها مبررة ‪ ،‬ولكن بدرجة‬
‫معينة فكانت هذه الحرب حرب عادلة ‪ ،‬وهى أكثر الحروب عدالة في تاريخ‬
‫إسرائيل؛ ويتوجب علينا االنتصار رغم كل األخطار‪ ,‬لذا ال يجب أن نضعف من‬
‫القيادات السياسية والعسكرية باالنتقادات التى نوجها لهم‪ ،‬فموقف إسرائيل في هذه‬
‫الحرب تختلف عن أى حرب مضت ‪ ،‬فهى ليست حرباً علي األرض ؛ إنما هي‬
‫حرب على الوجود‪ ,‬وليست حرباً يشنها متعصبون يهود ‪ ،‬وإ نما حرب دفاعية ضد‬
‫المتعصبين المسلمين قبل سنة مضت ‪ ،‬قال أولمرت أنه متعب من الحروب ‪ ،‬ولكنه‬
‫طالما اضطر لدخول هذه الحرب ؛ فإنه يتوجب عليه الشد من أزره وتعتبر اللحظة‬

‫‪152‬‬
‫(‪)127‬‬
‫اآلن في عام ‪ 2006‬ال تقل في أهميتها عن ساعات الطوارئ في صيف‬ ‫الكارثية‬
‫‪.1967‬‬

‫مطالب شعبية تنادى برحيل أولمرت‬

‫من حق إيهود أولمرت أن يقبل االقتراح الفرنسى بوقف إطالق النار‬


‫والخضوع غير المشروط لحزب اهلل ‪ ،‬فأولمرت هو رئيس حكومة اخترعه‬
‫الصحفيون ‪ ،‬ودافعوا عنه وحافظت الصحف علي حكمه ‪ ،‬واآلن وبعد هذه الحرب‬
‫يقولون له ‪ :‬اهرب وهذا التصرف مشروع أيضا‪ ،‬ولكن لو هرب أولمرت اآلن من‬
‫الحرب التى بدأها فلن يكون قادرا علي البقاء رئيساً للحكومة‪ ،‬ولو ليوم واحد ‪،‬‬
‫وبتقديم استقالته من منصبه ‪ ،‬وكما أن هناك حدوداً لألفعال‪ ,‬فهناك حدود للوقاحة ‪،‬‬
‫فال يمكن أن تقود شعباً بأسره نحو الحرب مع وعده باالنتصار وبعدها تلقى هزيمة‬
‫بشعة ‪ ،‬وتبقى كما أنت في السلطة دون إحداث تغيير‪.‬‬

‫وال نستطيع أن تقوم بدفن ‪ 120‬إسرائيليا في المقابر ‪ ،‬وتحتفظ بمليون‬


‫إسرائيلى في المالجئ لمدة شهر كامل ‪ ،‬وتفتت قوة العدو تماما وتجعل الحرب‬
‫القادمة قريبة جداً ‪ ،‬ثم تقول لقد ارتكبت خطأ لم أقصده ‪ ،‬فلم يترك أولمرت خطأ إال‬
‫وارتكبه في الشهر األخير ‪ ،‬فقد خاض الحرب بشكل سريع دون تقدير نتائجها‬
‫بصورة سليمة ‪ ،‬وانساق وراء القيادة العسكرية بدون أن يقوم بمناقشة المسئولين‬
‫العسكرين؛ ولم ينفذ الخطة العسكرية األصلية التى كانت أكثر جرأة وتطوراً من التى‬
‫نفذت ‪ ،‬وبعد أن شرع في بداية الحرب كان هناك الكثير من التفاخر والتسرع فقد‬
‫أدارها بتردد واهتزاز وأهمل الجهة الداخلية ‪ ،‬وتخلى عن سكان المنطقة الشمالية ‪،‬‬
‫وفشل في إدارة المعركة‪ ,‬لو تعامل أولمرت بحكمة كما فعلت جولدامائير في حرب‬
‫يوم الغفران حرب ‪ ، 1973‬ولو أصبح زعيماً بحق ‪ ،‬وعقد مجلس حرب مصغراً ‪،‬‬
‫وحشد جمهور كل فئات األمة ألداء مهمة قومية عليا تقلب اآلية ‪ ،‬وتغير شكل‬
‫المعركة ‪ ،‬لكان من الممكن تأجيل النقاش الحاد حول إخفاقاته‪ ,‬لكن علي العكس كان‬

‫‪ .128127‬آرات شابيط هاآرتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد‪ ، 40 5‬أغسطس ‪ ، 2006‬صـ ‪. 56‬‬

‫‪153‬‬
‫عدم االتزان والهروب في األربع وعشرين ساعة األخيرة جعلت رئيس الحكومة‬
‫الحالى شخصية سياسية ميئوس منها ‪ ،‬وبالطبع سيخرج حسن نصر اهلل من الخندق ‪،‬‬
‫ويعلن انتصاره علي المأل ‪ ،‬ويحظر علي أولمرت أن يظل جالساً في مكتب رئيس‬
‫(‪)128‬‬
‫التى تنزف بعد انتهاء الحرب في حاجة إلي‬ ‫الحكومة‪ .‬إن إسرائيل الجريحة‬
‫بداية جديدة ‪ ،‬وزعيم جديد‪ ،‬كما يرى اإلسرائيليون‪.‬‬

‫ومن هنا فإن هناك العديد من األسئلة تهدف إلى التحقيق فيما حدث في لبنان‬
‫وهي على النحو التالي كما جاءت من قبل القوى اإلسرائيلية‪:‬‬

‫‪ -1‬كيف ولماذا اتخذ رئيس الوزراء إيهود باراك (أولمرت) قراره بشن الحرب‬
‫على لبنان رداً على هجوم حزب اهلل ‪ ،‬واختطافه لجنديين بالقرب من زرعيت‬
‫فى الثانى عشر من يوليو؟ ومن الذى شاركه فى اتخاذ هذا القرار قبل أن‬
‫يطرح على الحكومة للتصديق عليه؟ وما هى االعتبارات التى أخذت فى‬
‫الحسبان عند اتخاذ القرار؟‬

‫‪ -2‬هل تم الوقوف على إمكانية إجراء مفاوضات حول تبادل المختطفين بسجناء‬
‫لدى إسرائيل مثلما اقترح حسن نصر اهلل ومثلما سيتم فى نهاية الحرب؟ وهل‬
‫تقدير الوضع كان أن الجيش اإلسرائيلى سيشكل ضغطاً على حزب اهلل من‬
‫أجل إطالق سراح المختطفين دون مقابل؟‬

‫‪ -3‬لماذا لم يتم قصف المكان الذى ألقى فيه نصر اهلل خطاباً فى اليوم ذاته من‬
‫الجو بدالً من شن تلك العملية من جانب الجيش اإلسرائيلى؟‬

‫‪ -4‬لماذا قوبل سؤال نائب رئيس الوزراء شمعون بيريس عما سيحدث فى‬
‫المرحلة التالية للعملية العسكرية باستخفاف خالل جلسة الحكومة؟‬

‫‪ -5‬هل رئيس األركان الفريق دان حالوتس أعطى القيادة السياسية االنطباع بأن‬
‫العملية الجوية ستكون كافية لتحقيق األهداف المرجوة من الحرب؟ وهى‬

‫‪ .129128‬آرات شابيط هآراتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد‪ ، 141 5‬سبتمبر ‪ ، 2006‬صـ ‪. 64‬‬

‫‪154‬‬
‫استعادة المختطفين وانتشار الجيش اللبنانى فى الجنوب ‪ ،‬ونزع سالح حزب‬
‫اهلل ‪ ،‬وهل هناك من اعترض على هذه التصورات ؟‬

‫‪ -6‬ما مدى معرفة أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس بمستوى استعداد الجيش‬
‫اإلسرائيلى لخوض مواجهة مع حزب اهلل ‪ ،‬ومدى كفاءة وحدات االحتياط‬
‫وقدرة األجهزة المدنية على االهتمام بسكان الجبهة الداخلية ؟ وهل كلف‬
‫أولمرت وبيرتس أنفسهما عناء الوقوف على هذه األمور قبل اتخاذ القرار‬
‫بشن الحرب ؟ وهل قام الجيش وقيادة الجبهة الداخلية بتحذيرهما نظراً لوجود‬
‫قصور فى االستعدادات ؟‬

‫‪ -7‬ما هى أوجه القصور فى أداء القوة التى تعرضت للهجوم بالقرب من‬
‫زرعيت فى الثانى عشر من يوليو ؟‬

‫‪ -8‬لماذا فشلت االستخبارات فى تحديد األماكن التى يختبئ فيها زعماء حزب اهلل‬
‫وفشل جميع المحاوالت التى كانت ترمى إلى استهدافهم ‪،‬وهل كانوا تحت‬
‫المراقبة قبل الحرب؟‬

‫‪ -9‬لماذا فوجئ الجيش اإلسرائيلى بوجود صواريخ مضادة للسفن بحوزة حزب‬
‫اهلل؟ ولماذا تم إرسال البارجة حانيت للعمل قبالة الشواطئ اللبنانية بينما كانت‬
‫أجهزتها الدفاعية ال تعمل وكانت عرضة للهجوم؟‬

‫‪ -10‬ما مدى معرفة االستخبارات بالصواريخ المتطورة المضادة للدبابات‬


‫الموجودة بحوزة حزب اهلل ؟ وهل طورت القوات البرية نظرية قتالية‬
‫للتصدى لقوات العدو المدرعة ؟‬

‫‪ -11‬ماذا كانت تقديرات االستخبارات حول تشكيالت حزب اهلل المقاتلة خلف‬
‫الحدود ؟ وهل وصلت هذه التقديرات فى موعدها المناسب إلى قيادة المنطقة‬
‫الشمالية واستوعبوها جيداً ؟‬

‫‪ -12‬هل فى ظل هذا الفشل بمنع إطالق الصواريخ‪ 5‬صدرت األوامر لسالح‬


‫الطيران بتدمير المنازل التى توجد على مقربة من المكان الذى تطلق منه‬

‫‪155‬‬
‫الصواريخ ؟ وهل نتيجة لهذه األوامر تم قصف قرية قانا فى الثالثين من‬
‫يوليو مما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين اللبنانيين؟‬

‫‪ -13‬هل السبب فى حاالت أخرى من قتل المدنيين فى لبنان هو المرونة التى‬


‫تنطوى عليها الموافقة على قصف المناطق المأهولة بالسكان ؟‬

‫‪ -14‬كيف انجرت إسرائيل إلى خوض عملية برية مشكوك فيها فى جنوب لبنان‬
‫؟ ومن الذى دعا إلى شن هذه العملية ؟ ومن الذى وافق عليها ؟ وما هى‬
‫االعتبارات التى قدمت إلى القيادة السياسية عند شن هذه العملية؟‬

‫‪ -15‬هل كان قرار إقصاء أووى أدم قائد المنطقة الشمالية عن إدارة القتال وجعل‬
‫مقاليد األمور فى يد نائب رئيس األركان قراراً صحيحاً ؟‬

‫‪ -16‬هل كانت هناك تقديرات خالل المناقشات التى سبقت قرار شن الحرب‬
‫وتوسيعها إلى ما هو أبعد من رد الفعل الجوى األولى بأنه بإمكان حزب اهلل‬
‫أن يطلق على مدى شهر ما بين ‪ 200 – 100‬صاروخ فى اليوم ناحية‬
‫قرى ومدن الشمال وإ لزام سكان المالجئ ؟ وماذا كانت التقديرات األولية‬
‫لمدى استمرار القتال ؟ وما هو حجم الضرر الذى كان متوقعاً للجبهة‬
‫الداخلية ؟ لماذا لم يتقرر المسئول عن االهتمام بسكان الشمال؟ ولماذا لم يتم‬
‫إعداد إخالء منظم للسكان ؟‬

‫‪-17‬كيف تم إرسال وحدات االحتياط إلى ميدان القتال دون دعم لوجيستى‬
‫كاف ؟‬

‫‪ -18‬وهل تم رفع تقرير بوجود عجز فى القوات البرية إلى رئيس األركان‬
‫والقيادة السياسية ولو كان هناك تقرير هل تم أخذه بعين االعتبار ؟‬

‫‪ -19‬ماذا قال رئيس الوزراء فى خطابه فى كلية األمن القومى فى األول من‬
‫أغسطس استناداً إلى أن انجازات الحرب غير المسبوقة؟‬

‫‪ -20‬لماذا قرر أولمرت وبيرتس توسيع العملية البرية بعد بدايه الحرب بينما‬
‫كان مجلس األمن الدولى يصدق على قرار وقف إطالق النار علماً بأن‬

‫‪156‬‬
‫(‪)129‬‬
‫يقصد قرار أولمرت وبيرتس أدى إلى مقتل ‪33‬‬ ‫القرار األول‬
‫جندياً؟‬

‫كل هذه االسئلة النابعة من داخل االسرائيليين لم يجدوا أي إجابة صريحة‬


‫عليها‪ ,‬بل وجدوا أولمرت يرد بأن الحرب على لبنان كانت ضرورية وقد حققت‬
‫أهدافها لكن القطاع األكبر من االسرائيليين يرون أن هذه الحرب قد جاء على‬
‫إسرائيل بالعديد من النكبات‪ ,‬فقد فقدوا الكثير من ذويهم في لبنان‪ ,‬وتهدد أمنهم خاصة‬
‫سكان شمال إسرائيل الذين كانوا يشعرون بالقلق طوال هذه الحرب‪.‬‬

‫رؤية إسرائيلية لنهاية أولمرت‪:‬‬

‫لقد سعى أفراد سالح االحتياط والعائالت الثكلى إلى استقالة كل من رئيس‬
‫الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئة األركان العامة من مناصبهم ‪ ،‬حيث إنهم يرون‬
‫أن هؤالء هم المسئولون عن الحرب األخيرة فى لبنان ‪ ،‬وهو ما دفع هؤالء إلى تقديم‬
‫عريضة احتجاج مشتركة‪ ,‬وقاموا بمسيرة احتجاج قامت من مقابر مدينة مازكبريت‬
‫باتيا حيث يرقد جثمان رافائيل موسيكل الجندى الذى قتل فى إحدى المعارك فى‬
‫منطقة مارون الراس ‪ ،‬وتنتهى عند قبر رئيسة الوزراء السابقة جولدا مائير‪.‬‬

‫وقد قام موسيكل بقراءة الكلمات التى كتبها ابنه قبل شهرين حيث يقول ‪ :‬راق‬
‫لى أن أسأل نفسى مرات كثيرة ماذا سيحدث لو أننى رحلت عن دنيانا هل حقاً بذلك‬
‫سأكون قد سقطت دفاعاً عن الوطن أم إننى مجرد لعبة فى أيدى سياسيين ال يهتمون‬
‫سوى بمناصبهم‪.‬‬

‫وتعليقاً على هذه الكلمات قرر أفراد سالح االحتياط والعائالت الثكلى باستقالة‬
‫رئيس الوزراء عن طريق عريضة االحتجاج التى قالوا فيها نحن أفراد سالح‬
‫االحتياط الذين عادوا من الحرب األخيرة فى لبنان ‪ ،‬واآلباء الذين فقدوا أبناءهم فى‬
‫هذه المعركة لكل من رئيس الوزراء ‪ ،‬ووزير الدفاع ‪ ،‬ورئيس هيئة األركان أنكم‬
‫فشلتم وعليكم تحمل المسئولية باأللم والحرج الذى تسببتم فيه ‪ ،‬حيث إنكم لم تنجحوا‬

‫‪ .130129‬ألوف بن هاأرتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد‪ ، 141 5‬سبتمبر ‪ ، 2006‬صـ ‪.69- 68‬‬

‫‪157‬‬
‫فى توحيد صفوفنا فعليكم بتقديم استقالتكم وتشكيل لجنة تحقيق لفحص عوامل الفشل‬
‫واإلخفاقات على الجبهتين العسكرية والداخلية‪.‬‬

‫وقال نورها مترمان إن على كل المواطنين أن يساهموا فى هذه المسيرة‬


‫بتخصيص ساعتين من وقتهم لتقديم كل ما يخطر بباله وحينئذ ستقدم مسيرة احتجاج‬
‫سيغير مجرى العالم ونحن ال نريد احتجاجاً سياسياً‪ ,‬ولكننا لم نسمح بإجراء تجارب‬
‫(‪)130‬‬
‫من أجل األهداف السياسية التى تخص المسئولين فقط‪ .‬وبالرغم ما أقرته‬ ‫علينا‬
‫لجان التحقيق فيما حدث في لبنان بفشل العدوان على لبنان‪ ,‬وكذلك برغم ما ذكره‬
‫أهالي الجنود االسرائليين المفقودين إال أن أولمرت يرى أن الحرب على لبنان قد‬
‫حققت أهدافها ‪ ,‬هذا إن دل على شئ فإنما يدل على ٍ‬
‫تعال وغرور يؤديان إلى نهايته‬
‫كما انتهت جولدا مائير‪.‬‬

‫رؤية المجتمع االسرائيلي للحرب علي لبنان ‪:‬‬

‫يري غالبية الشعب االسرائيلي ان هذه الحرب قد تسببت في خسائر عديدة‬


‫للجيش االسرائيلي بل وللمجتمع ايضا وذلك كلة شئ مثير لغضب االسرائيليين ‪ ,‬فمن‬
‫هنا يقول االسرائيليون انه يجب االعتراف بأن تصرف القادة اإلسرائيليون فى وقت‬
‫الحرب هو مستوى جديد من االحتقار والمهانة ‪ ،‬فما حدث على الساحة السياسية‬
‫شىء يثير الغضب حقاً ‪ ،‬فعندما يفتح اإلسرائيليون كل صباح االنترنت والصحف‬
‫والتلفاز يقرأون ويسمعون عن حروب رجال السياسة والجنراالت‪.‬‬

‫إيهود أولمرت يمنع تسيبى ليفنى من التوجه إلى األمم المتحدة حتى ال تحظى‬
‫بالمديح الخاص بوقف إطالق النار ‪ ،‬وعمير بيرتس يمهد الطريق لتشكيل لجنة تحقيق‬
‫فى إخفاقات الجيش فى الحرب ‪ ،‬حتى يتبرأ من مسئوليتها ‪ ،‬وكذلك قادة األركان إلى‬
‫جانب القرارات التى تتخذ بشكل غريب وسريع قبل قرار رئيس الوزراء بالدخول‬
‫البرى السريع إلى لبنان‪ ,‬بسبب خالفاته مع وزير الدفاع‪.‬‬

‫‪ .131130‬روعى مندل ‪ ،‬بديعوت أحرونوت ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 141‬سبتمبر ‪ ، 2006‬صـ ‪75‬‬
‫يحي دبوق رئيس الوزاراء االسرائيلي اولمرت في واشنطون حرب لبنان نجاح استراتيجي(مركز المعطيات‬
‫والدراسات االستراتيجيه )‪http://www.dascsyriapress.net‬‬

‫‪158‬‬
‫ما الذى يحدث هنا ؟ من هم هؤالء األشخاص ؟ هل هم األشخاص الذين‬
‫انتخبناهم ؟ لقد وعدونا بأنهم يعلمون كيف يديرون المعارك جيداً والمفاوضات ‪،‬‬
‫ويستطيعون العمل مع بعضهم من أجل رفع هذه الدولة‪ .‬أين كل ذلك ؟ فإن لم ننتصر‬
‫فى هذه الحرب ‪ ،‬فالسبب فى ذلك لن يكون بسببنا نحن كشعب ‪ ،‬وإ نما بسبب ما يحدث‬
‫داخل الكنيست والصراعات‪ 5‬السياسية فبرغم من أن الحرب دائرة ومستمرة ‪ ،‬ولكن‬
‫كل ما يشغل الزعماء السياسيين هو الصراعات الخفية التى تدور داخل القيادة‬
‫(‪)131‬‬
‫السياسية‪.‬‬

‫إننى أعرف الحكومة جيداً وأعضاءها ولن يخرج أحد من هذه المعركة إال‬
‫وهو متهم بما حدث ‪ ،‬وما زال يحدث ‪ ،‬ولن يبرئ الشعب أحداً من أعضاء الحكومة‬
‫فيجب أن يتحمل أعضاء الحكومة من المسئولين الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم‬
‫زعماء المستقبل فى أحزابهم ‪ ،‬ولجمهورهم المسئولية ويتصرفون بالشكل الالئق ‪،‬‬
‫والمناسب حتى ال تظهر خالفاتنا السياسية أمام وسائل اإلعالم ‪ ،‬وأعدائنا ‪ ،‬ونتمسك‬
‫بأننا شخص واحد فى هذه المعركة من أجل وضعنا فى الشرق األوسط بشكل خاص‬
‫‪ ،‬ووجودنا كدولة بشكل عام‪.‬‬

‫أعتقد أن رئيس الوزراء يجب أن يتمتع بعدة صفات‪ ,‬فرئيس الوزراء السابق‬
‫أرئيل شارون كان يشعر مواطنيه بالسيطرة على مجريات األ مور‪ ,‬ولم يسمح‬
‫ألعضاء حكومته أن يخرجوا عن سيطرته ‪ ،‬وبذلك استطاع مواجهة الضغوط على‬
‫مستوى السياسة الداخلية فى إخراج بنيامين نتنياهو وممارسة الضغوط على مستوى‬
‫السياسة الخارجية فى عملية السور الواقى‪.‬‬

‫وأعتقد أن رئيس الوزراء الحالى أولمرت ال يتمتع بذلك حيث ال يستطيع بث‬
‫الشعور باألمن واالستقرار لدى مواطنيه ‪ ،‬وكذلك ال يتمتع بالنبل والشهامة ‪ ،‬فلماذا‬

‫‪ .131‬مختارات اسرائيلية – العدد ‪76‬‬

‫‪159‬‬
‫(‪)132‬‬
‫إلى األمم المتحدة فى إطار الجهود المبذولة لوقف‬ ‫منع تسيبى ليفى من التوجه‬
‫إطالق النار‪.‬‬

‫مصداقية الحكومة اإلسرائيلية لدى الشعب اإلسرائيلي‪:‬‬

‫بعد انتهاء الحرب على لبنان ظهرت عدة موضوعات على الداخل اإلسرائيلى‬
‫من أهمها محاسبة القيادات السياسية على القصور الذى وضح فى هذه الحرب ‪،‬‬
‫واإلعالم الذى كان يعرض التقارير ‪ ،‬وقد أجرى أودى ليفل وهو دكتور من معهد بن‬
‫جوريون فى بئر سبع أن هناك مشكلة جديدة فى حاجة لعالج قاطع‪ ,‬وهى اإلعالم‬
‫اإلسرائيلى‪.‬‬

‫وتم عمل بحث تحت عنوان إدارة اإلعالم فى حرب لبنان الثانية وطلب من‬
‫أعضاء ست مجموعات مشاهدة تسجيالت فيديو تعرض تعرض وسائل اإلعالم‬
‫اإلسرائيلية فى الداخل و الخارج وقد أجرى ليفل دراسات فى موضوع االستراتيجية‬
‫اإلعالمية ‪ ،‬والنفسية‪ ،‬والسياسية ‪ ،‬والعالقات بين الجيش ‪ ،‬واإلعالم ‪ ،‬فأظهرت نتائج‬
‫البحث أن وسائل اإلعالم اإلسرائيلية لديها قصور شديد فى تقييمها لبعض األمور‬
‫الحاسمة حتى أنه فى حاالت كثيرة اضطر المواطنون‪ 5‬اإلسرائيليون لالعتماد‬
‫واالطالع على تقارير األمين العام لحزب اهلل حسن نصر اهلل‪.‬‬

‫ويقول معهد الدراسة أمام الزعيم اإلعالمى مثل حسن نصر اهلل إن المطلوب‬
‫من المؤسسة الحاكمة اإلسرائيلية الرد بما يتماشى مع تصريحاته على األقل ؛ ألن‬
‫الزعيم الذى كان يحظى بحضور إعالمى جيد يوفر للمشاهد ثالث نقاط أساسية ‪،‬‬
‫وهى التوقع والمعلومات األكيدة ‪ ،‬والمصداقية ‪ ،‬وقد سئل المشاركون فى الدورة عن‬
‫األشخاص الذين تم أخذ معلومات متعلقة بالقتال ‪ ،‬وبشكل مؤكد وبمصداقية أجابوا‬
‫حسن نصر اهلل ؛ ألنه وفر لهم هذه العناصر‪ ،‬وكذلك فإن المواطنين اإلسرائيليين‬
‫يصدقون حسن نصر اهلل أكثر من الصحفيين المتحدثين بالعبرية‪.‬‬

‫‪ .133132‬نوريث تور ‪ ،‬معاريف ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 141‬سبتمبر ‪ ، 2006‬صـ ‪. 76‬‬

‫‪160‬‬
‫ومن هذا المنطلق فقد وصل الحد بالجمهور إلى الجنون لثقتهم فى عدوهم دون‬
‫مواطنيهم‪ ,‬إلى جانب انتظارهم لخطبه على أحر من الجمر لما اكتسبه من ثقة الشعب‬
‫اإلسرائيلى ‪ ،‬ونظراً لتعارض كالم الصحفيين والمتحدثين بكالم حسن نصر اهلل ‪،‬‬
‫وهى ليست المرة األولى التى يحدث فيها ذلك‪ ،‬بل األمر أن تكتشف ثكلى مالبسات‬
‫مقتل ابنها فى شريط تسجيل أذاعه حزب اهلل ‪ ،‬وأظهر الشريط الصورة المختلفة التى‬
‫رسمها الجيش اإلسرائيلى للمواطنين‪.‬‬

‫ومن متابعة ليفل وفريقه لجهود وسائل اإلعالم اإلسرائيلية فى العالم يهاجم‬
‫بصفة أساسية األسطورة القائلة بأن دور اإلعالم اإلسرائيلى هو عرض ضحاياه أمام‬
‫وسائل اإلعالم العالمية ‪ ،‬ومن وجهة نظره أن هذا األسلوب غير ذكى‪ ,‬فعندما يرى‬
‫شخص منظراً لشقة مدمرة فى حيفا‪ ,‬وال يتأثر ‪ ،‬فهناك عدة مناظر مثل كوسوفو‬
‫والشيشان كان يجب على اإلعالم اإلسرائيلى أن يوزع تسجيالت األصوليين‪ 5‬الذين‬
‫يعملون فى عواصم العالم وأوروبا ‪ ،‬ويخططون للثورة اإلسالمية من أجل النجاح‬
‫اإلعالمى فى العالم‪ .‬وأما المجتمع اللبنانى فيرى ليفل أنه كان يجب اتخاذ خط اإلعالم‬
‫(‪)133‬‬
‫حيث‬ ‫األكثر شموالً حيث بدأ نصر اهلل كطبيب فى علم النفس للمجتمع اإلسرائيلى‬
‫اعتقدت إسرائيل أنها إذا ألقت بعدة منشورات فى جنوب لبنان ‪ ،‬فإنها تستطيع فعل ما‬
‫فعله نصر اهلل فى الفترة الماضية كلها وهو ما لم يحدث‪.‬‬

‫أداء اإلعالم اإلسرائيلي في الحرب‪:‬‬

‫تعتبر وسائل اإلعالم هى الباب الذى نستطيع من خالله معرفة الحقائق‬


‫والمعلومات االكيدة تجاه أى حدث على اعتبار أنها تتحرى الدقة فى الحقائق التى‬
‫تنشرها ‪ ،‬ولديها مصداقية تجاه الجمهور الذى يقرأها خاصة فى الظروف غير‬
‫التقليدية مثل أوقات الحرب فهى تعتبر جزءاً من الجمهور ‪ ،‬ولكن حدث العكس‬
‫لألسف فهى لم ِ‬
‫تعط معلومات صحيحة‪.‬‬

‫‪ .134133‬عنان برشكوفسكى ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 142‬أكتوبر ‪ ، 2006‬صـ ‪. 50‬‬

‫‪161‬‬
‫لقد عرف المؤلف المسرحى آرثر ميلر "اإلعالم" على أنه ‪ :‬الشعب الذى‬
‫يتحدث مع نفسه‪ ,‬فكل الشعب اإلسرائيلى كان لديه مشاعر غضب تجاه اإلعالم‬
‫ووسائله ‪ ،‬وأصبح النقد هو السمة الرئيسية لإلعالم ‪ ،‬وكل ذلك لعدة أسباب منها ‪ :‬أن‬
‫اإلعالم قد نشر وأذاع أنباء من الممكن أن يستفيد منها العدو ‪ ،‬فعلى سبيل المثال‬
‫نشرت تفاصيل أماكن سقوط الصواريخ‪ ، 5‬و أماكن إنتشار جنود االحتياط؛ باإلضافة‬
‫إلى قيام بعض المراسلين العسكريين بالتحليل العسكرى دون أن يكون لديهم خبرة فى‬
‫هذا المجال‪.‬‬

‫لقد وصل النقد إلى الحد الذى أدى إلى قيام اإلعالم بالمطالبة والتحقيق مع‬
‫الحكومة والجيش فى كل ما يتعلق بلبنان والحرب فيها‪ ,‬ووصل النقد إلى هيئة اإلذاعة‬
‫والشبكة الثانية بالتليفزيون‪.‬‬

‫إن وسائل اإلعالم ليست البقرة المقدسة التى ال يمكن المساس بها‪ ,‬فمن حق‬
‫الشعب اإلسرائيلى أن يطالب وسائل اإلعالم وقت الحرب بالتعبير عن نفسه ‪ ،‬وهو ما‬
‫يرفضه المعارضون حيث يرون أن اإلعالم يتمتع بالحرية ‪ ،‬ويصورون‪ 5‬اإلعالم‬
‫الوطنى على أنه إعالم موجه ‪ ،‬وإ عالم تابع يفتقد لألمانة والمصداقية ‪ ،‬وأنا شخصياً‬
‫على قناعة بأن اإلعالم ال يتعارض فى أداء واجبه فى وقت الحرب ‪ ،‬وال تعارض‬
‫بين اإلعالم الوطنى واإلعالم الجيد‪ ،‬ولكن مع كل ذلك ؛ فإننى أرى أن سلوك وسائل‬
‫(‪)134‬‬
‫اإلعالم وقت الحرب فى لبنان قد ألحق الضرر بالشعب وهى فى حد ذاتها مشكلة‬
‫يجب حلها حتى ترجع الثقة بين اإلعالم وبين الشعب مرة أخرى‪.‬‬

‫تأييد عرب إسرائيل لحزب اهلل‪:‬‬

‫تعيش المنظمات المهتمة بتعزيز العالقات اليهودية العربية فى إسرائيل منذ‬


‫اندالع حرب لبنان الثانية حالة من التوتر والقلق‪ ,‬من منطلق شعورها بالخوف من‬
‫تأثير الحرب على العالقات بين الشعبين اليهودى والعربى داخل إسرائيل ‪ ،‬فاليهودى‬
‫اإلسرائيلى ينظر للحرب على أنها رد مباشر على انتهاك لسيادة الدولة اليهودية أما‬

‫‪ .135134‬يعقبول شاحام ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد‪ ، 142 5‬أكتوبر ‪ ، 2006‬صـ ‪. 59‬‬

‫‪162‬‬
‫العربى اإلسرائيلى ينظر للحرب على أنها زائدة عن الحد ‪ ،‬وظلم ضد أقربائه فى‬
‫لبنان‪.‬‬

‫وهذا التضارب بين رؤية اليهودى اإلسرائيلى والعربى اإلسرائيلى يفتح ملف‬
‫مدى قدرة اليهود والعرب داخل إسرائيل على التعايش معاً وإ دارة الحياة سوياً لتطبيق‬
‫القاعدة المتاحة اآلن ‪ ،‬وهى قاعدة المجتمع المدنى المشترك‪ ,‬ومثلما حدث من قبل فى‬
‫أحداث سبتمبر أكتوبر ‪ ، 2000‬يدرك يهود إسرائيليون الخطر تجاه ما يحدث من‬
‫شغب أو أي غارة‪ ,‬وهم معرفون بانحيازهم الواضح للمعكسر الذى يرفع شعار‬
‫التعايش والمساواة فى الحقوق‪ ,‬بالخطر تجاه ما يحدث من شغب ‪ ،‬وأى غارة‬
‫باإلضافة إلى الخوف الذى يتملك النشطاء اليهود فى المنظمات المشتركة لرؤية‬
‫العرب اإلسرائيليين الذين ينحازون إلى حزب اهلل وسوريا‪.‬‬

‫وعلى الجانب اآلخر فان العرب من فلسطيني ‪ 48‬عام ‪ 2000‬قد شعروا أن‬
‫سلوك الجمهور اليهودى يعمل على التمييز ضده واالستعداد إلهانته وقتله‪ ,‬وهو ما‬
‫عمله المعسكر اليهودى فى لبنان من الرد العسكرى الذى حدث بعنف ضد المدنيين‬
‫(‪)135‬‬
‫اللبنانيين‪.‬‬

‫ومع اكتمال ست سنوات على هذه أالحداث ومرور ‪ 3‬سنوات على تقديم‬
‫تقرير لجنة أور إلصالح العيوب التى نتجت عن نشوب أحداث الفوضى فى أكتوبر‬
‫‪ ، 2000‬ومع حدوث الرد العسكرى العنيف تجاه المدنيين اللبنانيين وتفاقم األحداث‬
‫فلم َنر السلطات اإلسرائيلية تقوم بعمل أى شىء من أجل تحسين الصورة أمام الشعب‬
‫العربى ‪ ،‬ولم تنفذ السلطات اإلسرائيلية أى توصيات خرجت من لجنة التحقيقات ‪،‬‬
‫ونتيجة لذلك تزايدت مشاعر عدم الرضا ‪ ،‬واالنتماء لدى العربى اإلسرائيلى تجاه‬
‫الدولة اليهودية‪ ,‬ورأى العرب اإلسرائيليون أن إطالق صواريخ الكاتيوشا من جانب‬
‫حزب اهلل هو أمر مشروع بالنسبة لهم ‪ ،‬وقد قام أعضاء الكنيست االسرائيلي وحزب‬
‫التجمع الوطنى الديمقراطى بزيارة سوريا ولبنان لإلعراب عن تضامنهم مع شعوبهم‪,‬‬

‫‪ .136135‬هاارتس ‪ 20/9/2006‬عوزي بنزيمان ‪ /‬مختارات اسرائيلية عدد ‪142‬صـ‪.58‬‬

‫‪163‬‬
‫وليس مع دولتهم‪ ,‬وفى أم الفحم يقول الشيخ رائد صالح أنه اقترب اليوم الذى سيكون‬
‫فيه القدس عاصمة للخالفة اإلسالمية‪.‬‬

‫إن اليهود والعرب من مواطنى إسرائيل لديهم أسبابهم فى الخوف من بعضهم‬


‫البعض وأصبح الوضع مشتعالً لدرجة أن المحامى على حيدر مدير عام منظمة‬
‫سيكون حذراً من استمرار موجة العنف فى تعامل اإلسرائيليين مع السكان العرب ‪،‬‬
‫وإ ذا لم يحدث توقف وتحول فى العالقات؛ فإن العنف سيزداد بدرجة تثير الذعر ‪،‬‬
‫فعرب إسرائيل تجاوزوا الحدود والخطوط خالل الحرب األخيرة ‪ ،‬ولم يترددوا ولو‬
‫للحظة فى الكشف عن إنتمائهم وتضامنهم مع العدو(‪.)136‬‬

‫أداء رئيس األركان اإلسرائيلي‪:‬‬

‫تبدأ فى الفترة القادمة عرض االستنتاجات الحالية للتحقيقات الخاصة بشأن‬


‫إدارة المعارك فى حرب لبنان الثانية‪ ,‬وسوف تقدم إلى رئيس األركان للنظر فيها‬
‫ومن المتوقع حدوث مواجهات‪ ,‬واتهامات متبادلة مع المسئولين نتيجة لهذه التحقيقات‬
‫‪ ،‬والذى يهم الشعب اإلسرائيلى اآلن هو من المسئول عن هذه اإلخفاقات التى حدثت؟‬
‫وال يهتم بمن هو قائد الفرقة الذى خيب اآلمال‪ ,‬ومن المخطئ فى أسلحة الجيش ؟ هل‬
‫سالح الجو أو األسلحة البرية ؟ ومن لم يدرك عمله فى إدارة المعركة فكلها أمور‬
‫تؤدى إلى تشويش الصورة‪ 5‬العامة والرأى العام للبالد‪.‬‬

‫والتساؤل الذى يطرح نفسه اآلن هو أين رئيس األركان من كل ذلك حيث أنه‬
‫هو المسئول عن جيش الدفاع اإلسرائيلى وإ ذا كان هناك قادة كبار أخطأوا فى حق‬
‫دولتهم ولم يفهموا األوامر الجديدة‪ ,‬والجنود لم تتدرب جيداً واألهداف لم تترجم إلى‬
‫واقع ملموس‪ ,‬فكل ذلك يدل على أن حرب لبنان الثانية كانت قبل كل شىء فاشلة‬
‫إدارياً من قبل المسئولين‪ ,‬وكان تصرف رئيس األركان فيها كسياسى ‪ ،‬وليس كرجل‬
‫عسكرى ‪ ،‬فهو يفكر فى كيفية بقائه فى منصبه مع اعترافه بالمسئولية‪.‬‬

‫‪ .137136‬عوزى بنزيمان ‪ ،‬هاأرتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬صـ ‪. 59 – 58‬‬

‫‪164‬‬
‫وقد عقدت فى األسابيع الماضية التى أعقبت الحرب مؤتمرات لكبار الضباط‬
‫كورش لتنفيث الغضب ‪ ،‬وكانت نتائجها سياسية بحتة ‪ ،‬أما عسكرياً فقد قام رئيس‬
‫األركان بتعيين بعض منتقديه الالذعين مثل العميد احتياط بورام يائير ‪ ،‬وكذلك‬
‫دورون المرج إلدارة التحقيقات التى ستقدم له فيما بعد وطبعاً لن يحدث أى تغيير‬
‫طالما رئيس األركان سيبقى فى مكانه ‪ ،‬فالطبيعى أن النتائج والتوصيات التى‬
‫ستضعها اللجنة يجب أن ينفذها رئيس أركان جديد ‪ ،‬وال يوجد مبرر لعدم إقالة رئيس‬
‫األركان من قبل رئيس الوزراء ووزير الدفاع إال أنهما ينتظران تقرير لجنة‬
‫(‪)137‬‬
‫سياسياً ويؤثر عليهم فيما بعد‪.‬‬ ‫فينوجراد حتى ال يمسهم القرار‬

‫تأثير الحرب على سكان الشمال اإلسرائيلي‪:‬‬

‫أظهرت دراسة جديدة أن ثلث سكان شمال إسرائيل يعانون من أعراض ما‬
‫بعد الصدمة نتيجة لحرب لبنان الثانية وما حدث فيها فقد أجرى مركز شئافيم التابع‬
‫لكلية تال جاى فى الجليل األعلى هذه الدراسة والتى أثبتت أن نسبة إخالء المنازل فى‬
‫منطقة الشمال بين السكان اليهود أكبر منها بين السكان العرب ‪ ،‬والتعرض ألعراض‬
‫ما بعد الصدمة عند النساء أكبر من نظيرتها عند الرجال ‪ ،‬وحتى بعد انتهاء الحرب‪,‬‬
‫فالنسبة وصلت إلى أن ‪ %33‬من سكان الشمال يعانون من أعراض ما بعد الصدمة‬
‫بدرجات متفاوتة ما بين المتوسط والمرتفع والخطير ‪ ،‬ولم يتوقع غالبية السكان أن‬
‫تقوم السلطة المحلية بإخالئهم من أماكنهم‪.‬‬

‫وقد قام كل من البروفيسور الهاد ود‪.‬ميرى شاحام ود‪ .‬يهودا شاحام بأخذ‬
‫عينة من ‪ 300‬من بين السكان اليهود والعرب فى منطقة الشمال التى تعرضت‬
‫بلدانهم للقصف ‪ ،‬وكشفت النتائج أن هناك فروقاً كبيرة وواضحة بين اليهود والعرب‬
‫‪ ،‬فى مسألة اإلقامة فى المنطقة التى تتعرض للقصف والخروج منها ‪ ،‬فهناك ‪% 33‬‬
‫من اليهود ظلوا مع أسرهم فى المنطقة أثناء القصف فى المقابل ‪ % 85‬من العرب و‬
‫‪ %45‬من اليهود أخلوا أماكنهم‪ ,‬وظل الباقى فى المقابل ‪ % 13‬من العرب وكذلك‬

‫‪ .138137‬إفتتاحية ها آرتس ‪ ، 15/10/2006‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 143‬نوفمبر ‪ ، 2006‬صـ ‪.57‬‬

‫‪165‬‬
‫‪ %22‬من اليهود مقابل ‪ %2‬من العرب الذين تم إخالء ذويهم إلى مناطق آمنة‪,‬‬
‫ومتوسط الفترة الذى ظل فيها السكان اليهود وتم إخالئهم من منازلهم هى ‪ 19‬يوماً‬
‫أما بالنسبة للسكان العرب كانت عشرة أيام فقط وأكثر من ‪ % 80‬شاهدوا سقوط‬
‫صواريخ فى أماكن مختلفة من الشمال ‪ ،‬وأفاد ‪ %33‬من إجمالى السكان أن األماكن‬
‫(‪)138‬‬
‫التى يعيشون فيها تعرضت للقصف مما أدى لتعرضهم للصدمة بدرجات متفاوتة‬
‫و ‪ %41‬مما يعانون من الصدمة من النساء و ‪ %25‬من الرجال‪.‬‬

‫التطورات السياسية في إسرائيل ما بعد الحرب‪:‬‬

‫يخرج علينا علماء الجيولوجيا وخبراء األرصاد وعلماء الفلك عندما تظهر‬
‫وتحدث هزة أرضية شديدة فى أى مكان فى العالم يتجنبون تحديد تواريخ‪ .‬أو تفاصيل‬
‫حول مدى قوة الهزة األرضية ‪ ،‬ويذكرنا علماء الجيولوجيا فى إسرائيل على أنها تقع‬
‫فى نطاق األخدود السورى األفريقى ‪ ،‬وعلى مستوى السياسة فإن المنظمة السياسية‬
‫التى تقع فى نطاق أخدود الفشل فى حرب لبنان الثانية وقيام لجنة بالتحقيقات فى‬
‫مالبسات هذا الفشل ‪ ،‬ومن المسئولون؟ وكل الظواهر تؤكد على أن األوضاع ستشهد‬
‫حدوث زلزال سياسى بدرجة عالية على مقياس فينوجراد فقد أدلى إيهود باراك‬
‫بصفته من أخرج الجيش اإلسرائيلى من لبنان بشكل أحادى الجانب ‪ ،‬وشاؤول موفاز‬
‫وموشيه بوجى ‪ ،‬وكذلك وزيرى دفاع وثالثة رؤساء لألركان بشهاداتهم أمام اللجنة ‪،‬‬
‫وتم استدعاء أولمرت للشهادة أمام اللجنة ‪ ،‬وبالتالى ستظهر نتائج التحقيقات فى شكل‬
‫تقرير ‪ ،‬ولكن بأى شكل يصدر التقرير إذا كان أولمرت هو الذى قام بتعيين أفراد‬
‫لجنة التحقيقات‪ ، ,‬وهى لجنة حكومية فهل تقوم اللجنة بإصدار تقرير جاد إلثبات‬
‫نزاهتها فى التحقيقات أم يحدث العكس‪ .‬ويشير مركز بحوث األمن القومى فى‬
‫جامعة حيفا على هامش مؤتمر هرتسليا إلى نتائج مثيرة للقلق‪ ,‬فاإلسرائيليون أقل‬
‫تفاؤالً وأكثر خوفاً مع حدوث ٍ‬
‫تدن فى مستوى القدرة القتالية للجيش ‪ ،‬وعدم قدرته‬

‫‪ .139138‬إفتتاحية ها آرتس ‪ ، 15/10/2006‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 143‬نوفمبر ‪ ، 2006‬صـ ‪57‬‬

‫‪166‬‬
‫على حسم الحروب وانخفاض مستوى ثقة الشعب اإلسرائيلى فى حكامه ‪ ،‬وعلى‬
‫رأسهم أولمرت ‪ ،‬وعمير بيرتس ‪ ،‬ودان حالوتس ‪ ،‬فقد أشار استطالع للرأى الذى‬
‫نشرته صحيفة ها آرتس إلى حدوث انقالب سياسى‪ ،‬وظهر ذلك من خالل صعود‬
‫حزب الليكود من ‪ 12‬مقعد إلى ‪ 29‬مقعداً وتدنى مستوى حزب كاديما ليصبح حزباً‬
‫صغيراً أكثر من حزب شينوى‪ ,‬وقد يؤثر التقرير النهائى للجنة فينوجراد أيضاً على‬
‫حزب العمل ‪ ،‬فلو أدرك بيرتس أنه ال يعرف الكثير من المعلومات ؛ ليكون وزيراً‬
‫للدفاع لرفض هذا المنصب من البداية‪ ,‬ولم يحدث ما حدث اآلن ‪ ،‬ولو علم ما كان‬
‫سيحدث من اضطرابات لتقدم باستقالته على الفور ‪ ،‬وهذا سيكون اعترافاً منه بتحمله‬
‫لمسئولية الفشل فى لبنان ‪ ،‬وإ ذا لم يتقدم باالستقالة فهناك خطورة من أن تحمله لجنة‬
‫(‪)139‬‬
‫فينوجراد المسئولية ‪ ،‬وبعدها سيضطر لالستقالة‪.‬‬

‫وهناك عدة احتماالت أخرى فاللجنة تهتم بأوجه فشل الجيش ‪ ،‬وتلقى‬
‫بمسئوليته كلها على حالوتس وحده دون أن تنظر إلى مسئولية القيادة السياسية ‪ ،‬وهذا‬
‫قد يحدث رد فعل عنيف لدى الشعب اإلسرائيلى الثائر والمحبط ‪ ،‬والذى يجعله يخرج‬
‫‪.‬‬
‫للشوارع ‪ ،‬ويجعل من قرارات لجنة فينوجراد زلزاالً على مقياس أجرانات‬

‫تأثير الحرب على نساء إسرائيل‪:‬‬

‫يجرى خالل هذه الفترة عدة لقاءات مع مائة سيدة لإلدالء بعرض األوضاع‬
‫االقتصادية ‪ ،‬والنفسية ‪ ،‬والعملية أثناء حرب لبنان الثانية ‪ ،‬وما بعدها ‪ ،‬وهذا فى‬
‫اطار المؤتمر النسائى الذى انعقد فى حيفا ‪ ،‬ويعتبر من ضمن فعاليات مؤتمر‬
‫هرتسيليا للدراسات البديلة تحت عنوان "أمنكم يعرضنا للخطر"‪.‬‬

‫وقد صرح القائمون على تنظيم المؤتمر وهو إيشاالث وتعنى ‪ :‬المرأة للمرأة ‪،‬‬
‫وهو مركز نسائى فى حيفا ‪ ،‬وتحالف نساء من أجل السالم ففى الوقت الذى يلتقى فيه‬
‫رجال المال واألعمال‪ ,‬وعسكريون ورجال حكم ضمن فعاليات مؤتمر هرتسيليا‬

‫‪ .140139‬يوئيل ماركوس ‪ ،‬ها آرتس ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬صـ ‪.48‬‬


‫‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫بهدف تمهيد األجواء للحرب القادمة ينعقد فى حيفا مؤتمراً سيعرض بإسهاب لثمن‬
‫الحرب األخيرة ‪ ،‬وتداعيات السياسة األمنية التى تنتهجها الدولة‪.‬‬

‫وقد قام االتحاد األوروبى بدعم هذا المؤتمر بهدف توسيع الحوار داخل‬
‫إسرائيل حول مصطلح األمن ليتضمن األبعاد االقتصادية واالجتماعية والبيئية‬
‫والجنسية‪.‬‬

‫وخالل المؤتمر تم عرض تقرير أعده مركز هاهوت يوثق أوضاع النساء‬
‫(‪)140‬‬
‫خالل فترة الحرب‬ ‫الالتى يسكن شمال إسرائيل والالتى تعرضن للجوع والبطالة‬
‫ويشعرن بالخوف ‪ ،‬والقلق من دخول حرب أخرى‪.‬‬

‫رؤية رئيس األركان اإلسرائيلي للحرب‪:‬‬

‫تثير التقارير الواردة بشأن شهادة رئيس هيئة األركان العامة دان حالوتس‬
‫أمام لجنة فينوجراد جدالً واسعاً حول المعركة ضد حزب اهلل هل كانت إجبارية أم‬
‫اختيارية‪ ,‬فقد ذكر حالوتس أن وزير الدفاع عمير بيرتس كان ينظر إليه باعتباره‬
‫شخصاً جديراً بالحصول على وسام تقدير ‪ ،‬فبعد اختطاف إيهود جولدفاير وإ لداء‬
‫ريجيف وتكبد الجيش اإلسرائيلى ثمانية قتلى أثناء هجوم حزب اهلل ‪ ،‬عرضت هيئة‬
‫األركان العامة على القيادة السياسية خيارين‪ ,‬واختار بيرتس بموافقة أولمرت ‪،‬‬
‫وأعضاء اللجنة الوزارية الخيار األكثر طموحاً ‪ ،‬وهى المواجهة الحربية الخاطفة‪،‬‬
‫ولكنه أدى إلى تصعيد الوضع ‪ ،‬واستمرار المعارك ألكثر من شهر ‪ ،‬وهى فترة لم‬
‫تكن فى الحسبان االستمرار بها ‪ ،‬وهو ما أدى إلى حدوث خالف حاد بين القيادتين‬
‫العسكرية والحكومية‪ ،‬ولم يكن أمام إسرائيل منذ ‪ 12‬يوليو ‪ 2006‬خيار آخر حيث‬
‫اختطاف ريجيف وجولدفاير ومن قبلهم جلعاد شاليط عند معبر كيرم شالوم فى ‪25‬‬
‫يونيو ‪ 2006‬إلى أن تقوم الحكومة برئاسة أولمرت ووزير دفاعه ورئيس األركان‬
‫إلى التحرك بشتى الطرق‪ ,‬وأى طريقة أخرى بعد عملية االختطاف الثانية كان‬
‫سيستقر فى الشرق األوسط على أنه ضعف شديد يدعو إلى التحرش بالدولة ومزيد‬
‫من التجاوزات‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ .141140‬رونى سيناى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬صـ ‪49‬‬

‫‪168‬‬
‫لقد كانت حرب لبنان األولى عام ‪ 1982‬حرباً اختيارية ومبادرة من إسرائيل؛‬
‫لتغيير النظام والوضع فى لبنان‪ ,‬وبعد السنوات التى تلت االنسحاب من جنوب لبنان‬
‫عام ‪ 2000‬تبنت إسرائيل إستراتيجية اختيارية على الحدود الشمالية ‪ ،‬وهى‬
‫استراتيجية دفاعية ‪ ،‬بدالً من أن تكون هجومية مع إمكانية معاودة الغزو ‪ ،‬مثلما حدث‬
‫فى االنسحاب من غزة عام ‪.2005‬‬

‫ونتيجة لذلك قام حزب اهلل باالنتشار على الخط الحدودى واإلعداد لهجمات‬
‫وتحديد موعد تنفيذها ‪ ،‬والخروج بأقل الخسائر إلى جانب إطالق الصواريخ‪ 5‬على‬
‫القواعد اإلسرائيلية مما ساعد حزب اهلل على احتواء المنظومة العسكرية اإلسرائيلية‪,‬‬
‫وأظهر ذلك الخوف اإلسرائيلى من أن يؤدى المساس بقيادات حزب اهلل إلى عمليات‬
‫ضد أهداف إسرائيلية‪ ،‬ويهودية فى العالم ‪ ،‬مثل العمليات ضد السفارات ومقر‬
‫المنظمات اليهودية فى األرجنتين بعد اغتيال عباس موسوى الزعيم السابق لحزب‬
‫(‪)141‬‬
‫اهلل‪.‬‬

‫‪ .142141‬أمير أورين ‪ ،‬هاآرتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 147‬مارس ‪ ، 2007‬صـ ‪. 49 – 48‬‬

‫‪169‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫تداعيات الحرب على التسوية السلمية‬
‫يرى الكثير من المحللين السياسيين فى اسرائيل ‪ :‬أن الحرب ستضع أوزارها فى‬
‫النهاية وسيتملكنا الشعور بالمرارة ‪ ،‬مثل أى وقت فات ؛ ألننا لم نحقق أى هدف من‬
‫أهدافنا حتى اآلن ما يجعلنا ندفع فدية مقابل إطالق سراح جنودنا المختطفين ‪ ،‬ففى‬
‫الوقت الذى ترفض فيه الميليشا الشيعية نزع أسلحتها اقترح مبعوثو األمم المتحدة‬
‫على استغالل األزمة الراهنة للتوصل إلى اتفاق فالجنود المختطفون ما زالوا تحت‬
‫تهديد السالح ومهددون بالقتل ما لم يتم دفع المقابل مثل أى وقت سابق ‪ ،‬ولكن هذه‬
‫المرة الصفقة لن تتوقف على تبادل األسرى فقط ‪ ،‬ولكن أكثر من ذلك نظراً لخروج‬
‫ذلك الشيعى متفاخراً بأنه الدرع الواقى ألمته‪.‬‬

‫وفى ال ‪55‬وقت الح ‪55‬الى أص ‪55‬بح الموقف ص ‪55‬عباً بالنس ‪55‬بة للجيش اللبن ‪55‬انى ال ‪55‬ذى أب ‪55‬دى‬
‫استعداده لنشر قوات على الحدود الجنوبية ‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع من تس‪55‬لل مق‪55‬اتلى ح‪55‬زب‬
‫اهلل إلى البالد ‪ ،‬فالب‪55 5 5‬ديل المناسب لجيش جن‪55 5 5‬وب لبن‪55 5 5‬ان هو ق‪55 5 5‬وة متع‪55 5 5‬ددة الجنس‪55 5 5‬يات ‪،‬‬
‫والمجتمع األوروبى واألمم المتح‪55 5 5‬دة يميل‪55 5 5‬ون إلى ه‪55 5 5‬ذا الحل ‪ ،‬ولكننا نرفضه حيث إن‬
‫االحتك ‪55‬اك ب ‪55‬أى جيش أجن ‪55‬بى يض ‪55‬عنا فى م ‪55‬أزق مع دول ه ‪55‬ذه الجي ‪55‬وش‪ ,‬ب ‪55‬الرغم من أنه‬
‫يس‪55‬اعدنا علي التعامل مع جي‪ٍ 5‬‬
‫‪5‬وش نظامي‪55‬ة‪ ،‬وليس عص‪55‬ابات مس‪55‬لحة ‪ ،‬وأيض‪5‬اً سيص‪55‬عب‬
‫األمر على س‪55‬وريا فى مس‪55‬اعدتها لح‪55‬زب اهلل ‪ ،‬وي‪55‬وفر على لبن‪55‬ان أزمة سياس‪55‬ية س‪55‬تؤدى‬
‫بها إلى ح‪55‬رب أهلية جدي‪55‬دة‪ .‬وإ لى وص‪55‬ولنا لحل فس‪55‬يظل ح‪55‬زب اهلل يمتلك ما يكفى من‬
‫الس‪55‬الح لكى يض‪55‬عنا فى م‪55‬أزق من وقت آلخر ؛ ل‪55‬ذلك ف‪55‬إن عملية ن‪55‬زع س‪55‬الح ح‪55‬زب اهلل‬
‫هى العملية ال‪55 5 5‬تى لها األولوية القص‪55 5 5‬وى ‪ ،‬وح‪55 5 5‬تى ولو على الم‪55 5 5‬دى البعيد ‪ ،‬وه‪55 5 5‬ذا ما‬
‫(‪)142‬‬
‫بالضغط على سوريا وإ يران الممولين الرئيسيين لحزب‬ ‫تمارسه الواليات المتحدة‬
‫اهلل‪.‬‬

‫‪ .143142‬يارون لومدون مختارات إسرائيلية العدد‪ 140 5‬أغسطس ‪ 2006‬صـ ‪.50‬‬

‫‪170‬‬
‫الموقف اإلسرائيلي من القوات متعددة الجنسيات‪:‬‬

‫هناك سؤال ملح يدور في أروقة الحكومة اإلسرائيلية وهو هل ستنجح القيادة‬
‫السياسة فى إسرائيل فى تحقيق اإلنجاز الخاص بعملية تغيير االتجاه هذا هو السؤال‪،‬‬
‫وإ ذا فشلت القيادة فى ترجمة اإلنجاز العسكرى إلى إنجاز سياسى ستصبح كارثة‪,‬‬
‫فتحاول إسرائيل استدراج المجتمع الدولى للتدخل ‪ ،‬ولكن ليس عن طريق القوات‬
‫متعددة الجنسيات ‪ ،‬بل عن طريق حلف الناتو فالمجتمع الدولى له خبرات فاشلة فى‬
‫كوسوفا ‪ ،‬وتيمور الشرقية ‪ ،‬وتعمل إسرائيل على حشد تأييد الواليات المتحدة ‪،‬‬
‫واالتحاد األوروبى وباألخص بريطانيا و ألمانيا من أجل نشر قوات حلف الناتو فى‬
‫جنوب لبنان حتى نهر الليطانى‪ ,‬مع دعمها بسلطة استخدام القوة ضد قوات حزب اهلل‬
‫المسلحة ‪ ،‬والعمل على تجريدها من السالح ومساعدة الحكومة اللبنانية فى إعداد‬
‫وتجهيز قواتها العسكرية من أجل إعادة الإنتشار فى جنوب لبنان‪.‬‬

‫ويمتلك المجتمع الدولى مصلحة عليا فى إعادة النظام إلى سابق عهده ‪،‬‬
‫وإ عادة االستقرار‪ ,‬وتهدئة األوضاع على الجهة الشرق أوسطية؛ ألن اشتعال الموقف‬
‫فى هذه الجهة يعمل ضد مصالح الواليات المتحدة ‪ ،‬وروسيا ‪ ،‬واالتحاد األوروبى‪,‬‬
‫وتعارض واشنطن نشر قوات متعددة الجنسيات نظراً لما حدث من قبل قوات‬
‫المراقبين التابعة لألمم المتحدة عام ‪ 2000‬بلبنان ‪ ،‬عندما خانوا رسالتهم وساعدوا‬
‫أفراد حزب اهلل فى عملية االختطاف‪.‬‬

‫تعمل إسرائيل مجدداً على تأكيد مسئولية المجتمع الدولى عن اشتعال الموقف األخير‬
‫‪ ،‬حيث طالبت كل من إيران وسوريا إبعاد القضايا الخاصة بهما عن جدول األعمال‬
‫الدولى ‪ ،‬فإيران لم تطلب ذلك إال بعد شعورها بالضعف الذى أبداه المجتمع الدولى‬
‫فيما يتعلق بالتسلح النووى ‪ ،‬وتشعر بحرية فى قدرتها على الشرق األوسط وإ شعاله‪,‬‬
‫وكذلك تحاول إثباتها للعالم أنه بمقدورها أن تهدئ الموقف بتأثيرها على حزب اهلل‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫يجب أن يدرك الجميع أن تجريد حزب اهلل من السالح سيضعف كثيراً من قوة‬
‫إيران وتأثيرها على المنطقة(‪ ،)143‬وكذلك يضعف من حركة حماس ومن قدرتها على‬
‫القيام بأعمال مشابهة لما حدث من قبل ‪ ،‬وبالتالى يهدئ من األوضاع فى الضفة‬
‫والقدس‪.‬‬

‫فبالرغم من ذلك فإنه بعد أسبوع ونصف من بداية الحرب استمرت المعركة‬
‫مع حزب اهلل وقد قتل فيها جنود من الجيش اإلسرائيلى‪ ,‬ومواطنون‪ 5‬إسرائيليون‪ ,‬وقد‬
‫يزداد عددهم إذا استمرت المعركة ‪ ،‬وإ ذا توقفت المعركة بدون تحقيق إنجاز‬
‫فسيتضرر اإلسرائيليون اآلخرون من القوة الداعمة لحزب اهلل من إيران وبالطبع‬
‫سيؤدى ذلك إلى تشجيع بعض العناصر المتطرفة من إيران ‪ ،‬أو المنظمات اإلرهابية‬
‫الفلسطينية للتمسك بخط عدائى تجاه إسرائيل ‪.‬‬

‫أما بالنس‪55‬بة للبن‪55‬ان فيجب على القي‪55‬ادة السياس‪55‬ية أن تع‪55‬وق العنصر ال‪55‬ذى يح‪55‬اول‬
‫عرقلة االس‪55‬تقرار السياسى واالقتص‪55‬ادى وتخ‪55‬ريب ما تم ترميمه بعد عق‪55‬ود مض‪55‬نية من‬
‫الح ‪55‬رب األهلية ‪ ،‬وهو حسن نصر اهلل ال ‪55‬ذى أهمل األه ‪55‬داف اللبنانية الوطنية باعتب ‪55‬اره‬
‫زعيم‪5 5‬اً لحركة تمثل طائفة مهض ‪55‬ومة من الحق ‪55‬وق لس ‪55‬نوات طويلة فى لبن ‪55‬ان ‪ ،‬لحس ‪55‬اب‬
‫االعتب‪55‬ارات اإليرانية اإلقليمية ‪ ،‬وقد اخت‪55‬ار النظ‪55‬ام اإلي‪55‬رانى ش‪55‬يعة لبن‪55‬ان كعمالء له من‬
‫أجل تصدير الثورة اإلسالمية كبديل له للحرب مع إسرائيل‪.‬‬

‫وتعتبر من أهم أهداف الحرب اإلسرائيلية ضد حزب اهلل بخالف تأمين البلدان‬
‫الشمالية والحدود اللبنانية ‪ -‬هو تحفيز الحكومة اللبنانية بقيادة فؤاد السنيورة للتعامل‬
‫مع حزب اهلل ‪ ،‬وبذلك تعمل على ضرب عصفورين بحجر واحد فمنها تعمل على‬
‫تدعيم السنيورة وإ ضعاف حزب اهلل حتى ال يستطيع أن يقف فى وجه الجيش اللبنانى‬
‫‪ ،‬ويؤثر بذلك على الداخل اللبنانى ‪ ،‬وقد ساعد ذلك على محاربة زعيم الدروز وليد‬
‫جنبالط ‪ ،‬وزعيم الشيعة نبيه برى وزراء سابقين وحاليين فى حكومة السنيورة ‪،‬‬
‫وتكلموا عن حزب اهلل ومما أحدثه بلبنان ‪ ،‬وقد يحتاج هذا الموقف إلى دعم من‬
‫الخارج من الدول األوروبية وبعض العواصم العربية واألمم المتحدة ‪ ،‬وهو ما دعا‬

‫‪ .144143‬كوبى ميخائيل المصدر السابق صـ ‪.54 – 53‬‬

‫‪172‬‬
‫(‪)144‬‬
‫تشكيل جبهة خارجية حازمة تمنع إسرائيل ‪،‬‬ ‫الرئيس األمريكى جورج بوش إلى‬
‫لتكوين قوة عدو مشترك فى زمن محدد‪.‬‬

‫المسودة األمريكية‪ G‬الفرنسية‪ G‬لوقف الحرب‪:‬‬

‫عمل المجتمع الدولى جاهداً على اإلسراع فى اتخاذ قرار لمجلس األمن إلنهاء‬
‫الحرب ‪ ،‬وقد اختلفت اآلراء داخل المجلس حيث تتخذ كل من الواليات المتحدة ‪،‬‬
‫وبريطانيا موقفاً باعترافهما بحق إسرائيل فى تغيير الوضع القائم على الحدود‬
‫الشمالية ؛ بينما تتخذ فرنسا ودول أخرى موقفاً بالوقف الفورى إلطالق النار ‪،‬‬
‫وإ جراء مفاوضات تشارك فيها كل من إيران وسوريا‪.‬‬

‫وقد تم وضع المسودة اإلمريكية ‪ -‬الفرنسية بعدة بنود منها ‪ :‬أن األمم المتحدة‬
‫ستدعو إلى إقامة منطقة أمنية منزوعة السالح فى جنوب لبنان ‪ ،‬ونشر قوات دولية‬
‫بها تساعد بيروت على المطالبة بالسيادة على المنطقة مع نزع سالح حزب اهلل ‪ ،‬مع‬
‫عدم مطالبة االتفاق إسرائيل لسحب قواتها على الفور من جنوب لبنان ‪ ،‬والرد‬
‫العسكرى على هجمات حزب اهلل ‪ ،‬وقد أظهر تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى‬
‫هذا االنحياز التام تجاه إسرائيل برفضه ‪ -‬خالل األسابيع الماضية ‪ -‬محاوالت وقف‬
‫إطالق النار ‪ ،‬ونتيجة لذلك رفضت الحكومة اللبنانية المسودة إال بعد إجراء تعديالت‬
‫عليها ‪ ،‬واشترطت كل من روسيا و الصين أن يوافق كل من لبنان وحزب اهلل عليها‬
‫لمناقشة ركائزها‪.‬‬

‫والوضع الحالى بالنسبة لحزب اهلل ال يبشر بالخير حيث إن المجتمع الدولى ال يوافق‬
‫(‪)145‬‬
‫على وجود حزب اهلل فى جنوب لبنان بشكل يسمح لها بتهديد إسرائيل مجدداً‬
‫وبذلك تحاول إسرائيل أن تخرج من هذا المأزق بانتصارات ومكاسب استراتيجية‬
‫وإ قليمية‪.‬‬

‫‪ .145144‬إفتتاحية هاآرتس ‪ -‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد‪ ، 140 5‬أغسطس ‪ ، 2006‬صـ ‪.2006 / 7 /23، 54‬‬

‫‪ .146145‬إفتتاحية هاآرتس ‪ ،‬العدد‪141 5‬صـ ‪ 57‬سبتمبر مختارات إسرائيلية ‪.2006 /8 / 7‬‬

‫‪173‬‬
‫مسئولية إطالق سراح األسرى‪:‬‬

‫تحدث المجتمع الدولى عن قرار مجلس األمن ‪ 1701‬والذى أدى إلى إنهاء‬
‫حرب لبنان الثانية ‪ ،‬وعن إطالق سراح الجنديين المختطفين إلداء ريجف وإ يهود‬
‫جولدفاسر بال قيد وبال شرط ‪ ،‬ولكن كيف سيتم تنفيذ هذا القرار ؟‬

‫تقع المس‪55 5‬ئولية اآلن على الحكومة اللبنانية إلطالق س‪55 5‬راح الجن‪55 5‬ديين وه‪55 5‬ذا أمر‬
‫مشكوك فيه؛ نظراً لع‪5‬دم وجودهما مع الحكومة اللبناني‪5‬ة‪ ,‬مع وج‪5‬ود تخ‪5‬وف من احتم‪5‬ال‬
‫اختفائهم‪55‬ا‪ ,‬وه‪55‬ذا أدى إلى فق‪55‬دان الثقة من ال‪55‬رأى الع‪55‬ام اإلس‪55‬رائيلى والش‪55‬عب اإلس‪55‬رائيلى‬
‫تج ‪55‬اه الحكومة اإلس ‪55‬رائيلية فى حسم ه ‪55‬ذه القض ‪55‬ية‪ ,‬وك ‪55‬ذلك الجن ‪55‬دى المختطف فى غ ‪55‬زة‬
‫جلع ‪55 5‬اد ش ‪55 5‬اليط‪ ,‬ويرجع ه ‪55 5‬ذا إلى التجربة الفاش ‪55 5‬لة فى معالجة المس ‪55 5‬ألة دون إراد وهى‬
‫التجربة التى علمت األسر أن من ال يضغط على الحكومة ال يحظى بعناية وال نتيجة‪.‬‬

‫وقد أدى ذلك إلى قي‪55 5‬ام اآلالف األس‪55 5‬بوع الماضى إلى مي‪55 5‬دان رابين‪ ,‬وأدى إلى ض‪55 5‬غط‬
‫ع ‪55 5 5‬ائالت األس ‪55 5 5‬رى إلى إطالق مئ ‪55 5 5‬ات الس ‪55 5 5‬جناء الفلس ‪55 5 5‬طينيين ‪ ،‬واللبن ‪55 5 5‬انيين فى مقابل‬
‫الحص‪55 5‬ول على جثث ثالثة جن‪55 5‬ود اختطف ‪55 5‬وا فى ه ‪55 5‬اروون ( م ‪55 5‬زارع ش ‪55 5‬بعا) ‪ ،‬وإ ع ‪55 5‬ادة‬
‫الجن‪55 5‬ود قد يه‪55 5‬دئ األمر اآلن خاص‪55 5‬تهً ان الوضع قد اختلف حيث إن األس‪55 5‬رى على قيد‬
‫الحياة ‪ ،‬وبالتالى فالجهد والثمن أكبر‪.‬‬

‫ولن تتضرر قوة الردع اإلسرائيلية بسبب تبادل األسرى‪ ,‬وقد عين رئيس الحكومة‬
‫عوفرديكل للعناية بإعادة األسرى ‪ ،‬ويساعده فى ذلك إيالن بيران‪ ,‬وهو ما يحاوالن‬
‫القيام به عن طريق خلق وفتح قنوات اتصال(‪ )146‬من أجل تحسين الموقف ووضع حل‬
‫له ‪.‬‬

‫الرؤية اإلسرائيلية لدو المبادرة العربية في وقف إطالق النار‪:‬‬


‫نشب خالف حاد بين وزير الدفاع عمير بيرتس وكل من رئيس الوزراء إيهود‬
‫أولمرت ووزير الخارجية تسيبى ليفنى بسبب مبادرة السالم العربية ‪ ،‬فقد علق‬

‫‪ .147146‬افتتاحية هاآرتس ‪ -‬مختارات إسرائيلية ‪ 2006 /9 / 4‬العدد ‪ 142‬أكتوبر ‪ 2006‬صـ ‪. 51‬‬

‫‪174‬‬
‫بيرتس على قرارات الجامعة العربية فى الرياض ‪ ،‬أنه ‪ :‬ال يريد أن تظهر إسرائيل‬
‫وكأنها ترفض مبادرة السالم ‪ ،‬حيث إنهم يرفضون بعض بنود هذه المبادرة‪ ,‬ومنها‬
‫حق العودة لالجئين الفلسطينيين ‪ ،‬والقدس كعاصمة فلسطينية ‪ ،‬واالنسحاب الكامل‬
‫لحدود ‪.1967‬‬

‫ويرى بيرتس من وجهة نظره أن العرب اجتمعوا على الصيغة النهائية ؛ إلنهاء‬
‫النزاع معهم ‪ ،‬ومن الخطأ أن نتجاهل هذه المبادرة ‪ ،‬ونترك الساحة لآلخرين ‪ ،‬ويجب‬
‫علينا طرح مبادرة سياسية من أجل مناقشة مبادئ التسوية الدائمة مع أبو مازن ‪،‬‬
‫بحيث يتم صياغتها بالتعاون مع اللجنة الرباعية الدولية ‪ ،‬وممثلى الدول األعضاء‬
‫بالجامعة العربية أما بخصوص حركة حماس فهى تمثل طرف فلسطينى إذا قبل‬
‫المبادرة السعودية فإنه يفتح باباً للحوار مع إسرائيل مع االحتفاظ بحق اإلفراج عن‬
‫الجندى جلعاد شاليط‪.‬‬

‫وقد أصدرت الخارجية اإلسرائيلية بياناً مهماً حول القمة العربية فى الرياض ‪ ،‬وقال‬
‫‪ :‬إن إسرائيل تؤمن بالسالم ‪ ،‬وترغب فى إقامة عالقات سالم ‪ ،‬وحوار جيد مع‬
‫الفلسطينيين ‪ ،‬وكل دول المنطقة‪ ،‬وترغب فى الحوار مع جميع الدول العربية التى‬
‫تسعى لصنع السالم معها ‪ ،‬بهدف تطبيع العالقات والتعاون ‪ ،‬ويأمل فى أن تحقق قمة‬
‫الرياض العربية ذلك ؛ فموقف إسرائيل من مسيرة السالم مع الفلسطينيين يقوم فى‬
‫األساس على مبادئ أساسية على رأسها إقامة دولتين لشعبين توفر كل دولة متطلبات‬
‫شعبها ‪ ،‬والعيش معاً دون تهديدات إرهابية وعنف ‪ ،‬لذلك يجب فتح قنوات حوار‬
‫(‪)147‬‬
‫بين الفلسطينيين وإ سرائيل‪.‬‬ ‫مباشر‬

‫التسوية‪ G‬السلمية والسياسية حول عملية صنع القرار‪:‬‬

‫أصبح موضوع صنع القرار ملكاً للرأى العام داخل إسرائيل ‪ ،‬فمنذ أن بدأت‬
‫الحرب ‪ ،‬والعمليات العسكرية أخذت الوزارات المختلفة فى إسرائيل تتدعى اتخاذ‬
‫الحكمة ‪ ،‬وتلقى بالمسئولية حول سوء التقدير ‪ ،‬والفشل على اآلخرين ‪ ،‬وقد ظهر‬
‫على السطح مؤخراً رواية نشرت فى الصحافة تظهر فيها وزيرة الخارجية ودورها‬
‫‪ .148147‬رون سونير ‪ -‬يديعوت أحرونوت اسرائيل ‪.2006‬‬

‫‪175‬‬
‫القوى فى قبول وقف إطالق النار مبكراً‪ ،‬وإ دراكها السريع لعدم الفائدة من العمليات‬
‫العسكرية‪.‬‬

‫فمن هذا المنطلق والحرب أصبحت أمراً مفروغاً وهى المرة األولى التى تشن فيها‬
‫إسرائيل حرباً دون أى ضغط دولى إلنهائها حتى قرار قمة مجموعة الثمانية (‪)94‬‬
‫تبنى الموقف اإلسرائيلى فى األيام األولى للحرب بصيغة حق إسرائيل فى الدفاع عن‬
‫نفسها ‪ ،‬والصيغة األولى للقرار ‪ 1701‬لم تعجب إسرائيل فى البداية؛ ألن إسرائيل‬
‫بعملياتها واسعة النطاق وقبل يومين من وقف إطالق النار ابتزت الواليات المتحدة‬
‫وفرنسا لتغيير هذه الصيغة وتعديلها لصالحها‪.‬‬

‫وقد عبر اآلالف عن الحرب ‪ ،‬وقالوا إن البدء فى عمليات عسكرية واسعة‬


‫النطاق فى لبنان كرد على اختطاف الجنود بالقرب من زرعيت تم بشكل سريع ‪،‬‬
‫وفى زمن قياسى ‪ ،‬وكان الساسة اإلسرائيليون فى وضع حرج بعد أسبوعين ونصف‬
‫‪ ،‬من أسر الجندى اآلخر فى عملية مقاومة ناجحة فى غزة‪ ،‬وبعد عمليات عسكرية‬
‫ألكثر من شهر طالت مدتها فى غزة ‪ ،‬ويرجع هذا إلى وجود أولمرت وبيرتس على‬
‫رأس الحكومة المنتخبة لمدة قصيرة ‪ ،‬لم يمض عليها سوى ثالثة شهور فقط ‪ ،‬ويجب‬
‫أن يظهروا بمظهر جيد ال يقل عن العسكريين ‪ ،‬والجنراالت الذين سبقوهم فى السلطة‬
‫مما دعاهم إلى اتخاذ هذا القرار‪.‬‬

‫ومما ال يدعو للشك هو أن عمليتى الخطف التى حدثت قد أظهرت الردع‬


‫اإلسرائيلى بشكل سيئ ‪ ،‬ما جعل رد الفعل العسكرى يخرج بهذا الشكل من قسوة ‪،‬‬
‫وسرعة ‪ ،‬وعصبية فى رد الفعل العسكرى ضد حزب اهلل ‪ ،‬ولكن بعد أن تشاورت‬
‫إسرائيل مع الواليات المتحدة األمريكية ‪ ،‬والتى نقلت بالطبع وجهات النظر لبعض‬
‫الدول العربية ‪ ،‬والمؤيدة لضرب المقاومة فكان هذا الموقف ‪ ،‬هو بداية التحول المفيد‬
‫للواليات المتحدة لتقاربها مع الدول العربية ‪ ،‬بعد أن تطورت المواقف فى األونة‬
‫األخيرة ‪ ،‬وكان هذا الموقف العربى المتواطئ جديداً على الحرب ؛ فألول مرة يساند‬
‫الطرف العربى إسرائيل علناً فى حربها ضد طرف عربى آخر ‪ ،‬ومع حدوث هذا‬
‫التطور فى الموقف العربى أصبح اإلعالم اإلسرائيلى ‪ ،‬والتيار السياسى ‪ ،‬والمزاج‬

‫‪176‬‬
‫الشعبى المتمثل فى حكومة (كاديما – العمل) وهى حكومة الوسط واليسار الصهيونى‪5‬‬
‫‪ ،‬ومعارضتها من اليمين ‪ -‬ال تعارض الحرب؛ بل تدعو إلى توسيع العمليات‬
‫العسكرية ‪ ،‬واالندفاع نحو الحرب حيث إن الحرب ضد حزب اهلل أمر قادم ال محالة‬
‫فيه‪.‬‬

‫وقد وضعت الواليات المتحدة أولمرت ورئيس أركانه ووزيرى خارجيته‬


‫ودفاعه فى صورة موقفها ‪ ،‬وخطتها اإلقليمية فى لبنان ‪ ،‬وضد إيران وسوريا ‪،‬‬
‫وصورة مواقف عربية رئيسيةمطابقة لموقفها وموقف إسرائيل ‪ ،‬وظهر ذلك فى‬
‫البيان الرسمى لعدة دول عربية فى اجتماع وزراء الخارجية العرب فى القاهرة ‪،‬‬
‫والذى أكد فيه أولمرت حصوله على اتصاالت مباشرة مع دول عربية ال تربطها‬
‫بإسرائيل عالقات سالم أثناء الحرب‪.‬‬

‫وقد تعثر المشروع السياسى األمريكى فى لبنان على الرغم من انسحاب‬


‫القوات السورية ‪ ،‬ولكن مع وجود حزب اهلل وسالحه وتعثر المحافظين الجديد فى‬
‫العراق ‪ ،‬وإ نشاء محور المقاومة بين إسرائيل‪ ،‬وإ يران ‪ -‬وحزب اهلل‪ ،‬وحماس‪،‬‬
‫ومخاوف بعض الدول العربية من التسلح النووى اإليرانى ‪ ،‬بدأ ظهور الحلفاء العرب‬
‫من جديد تحت شعار محور اعتدال ‪ ،‬والذى ينتظر أما الحرب األمريكية على إيران‬
‫(‪)148‬‬
‫أو الحرب اإلسرائيلية على حزب اهلل‪.‬‬

‫وفى ظل هذه التطورات دخلت إسرائيل الحرب الشاملة ضد المقاومة فى‬


‫لبنان ‪ ،‬ولكن حدث ما لم يحسب عقباه وهو وجود خصم لديه العدة واإلرادة لقتال‬
‫استراتيجى والدفاع الشامل تحت تخطيط مدروس وعقالنى ‪ ،‬فقد قام حزب اهلل‬
‫بتجهيز نفسه طوال الست سنوات الماضية حتى ال تتكرر عمليات االجتياح السريع‬
‫في بيروت عام ‪.1982‬‬

‫وفى مساء يوم ‪ 12‬يوليو ‪ 2006‬قدم أولمرت لحكومته خطة لتنفيذ هجوم‬
‫جوى على منصات إطالق الصواريخ‪ 5‬التابعة لحزب اهلل ‪ ،‬والذى تبين بعد أنه كالم‬

‫‪ .149148‬سوسن ابو حسين وزراء الخارجية العرب يكلفون لجنه سياعية بالسفر فورا الي لبنان ( جريده الشرق‬
‫االوسط)‪ ،‬العدد‪ 12 / 10758 5‬مايو ‪.2008‬‬

‫‪177‬‬
‫غير صحيح ‪ ،‬وعلى رموز الحكومة اللبنانية ‪ ،‬وفى المقابل سيقوم حزب اهلل بقصف‬
‫حيفا ‪ ،‬وبعدها قام رئيس األركان بإبالغ أولمرت أن إسرائيل قد دمرت منصات‬
‫الصواريخ التابعة لحزب اهلل ‪ ،‬وأننا انتصرنا عملياً فى الحرب ‪ ،‬وقد تكرر اإلعالن‬
‫عن تدمير نسبة معينة من الصواريخ ‪ ،‬ثم تقوم المقاومة بالرد العملى ‪ ،‬والقصف‬
‫الصاروخى بعد ذلك ‪ ،‬مما أفقد الجمهور اإلسرائيلى المصداقية لدى مسئوليهم ‪،‬‬
‫وبدءوا فى تصديق اإلعالم العربى ‪ ،‬والمتمثل فى حزب اهلل‪.‬‬

‫ومع مرور الوقت صدر القرار االستراتيجى بإدخال القوات البرية إلى جنوب‬
‫لبنان بهدف تدمير المواقع األمامية لحزب اهلل بعد أن كان االنطباع هو عملية جوية‬
‫فقط ‪ ،‬ولم يحقق سالح الجو األهداف المطلوبة ‪ ،‬وتوسعت العمليات البرية تدريجياً‬
‫حتى وصلت النتائج وردود الفعل للمقاومة والخسائر االستراتيجية والبشرية إلى ما لم‬
‫يتوقعه أحد‪.‬‬

‫وبعد أن كانت للحرب أهداف رئيسية واضحة تتمثل فى كسر قوة حزب اهلل‬
‫والقضاء عليه مع نزع سالحه ‪ ،‬أصبح الهدف المهم اآلن هو االكتفاء بإضعاف حزب‬
‫اهلل ‪ ،‬وإ بعاده إلى ما وارء نهر الليطانى ‪ ،‬بعد ما تأكد أن كسر قوة حزب اهلل أمر‬
‫صعب التحقيق اآلن ‪ ،‬فاختاروا الهدف األسهل نسبياً ‪ ،‬وهو إضعاف الحزب‪ ,‬ولو‬
‫بشكل جيد‪ ،‬وكذلك إنهاء آخر تواجد للقوات السورية في لبنان‪ ،‬وتمت المداوالت‬
‫(‪)149‬‬
‫إلى‬ ‫والمناقشات داخل الدولة وقرروا تنفيذ القرار ‪ ، 1559‬وتحولت إسرائيل‬
‫تعيين نفسها أداة تنفيذية لقرارات دولية فإسرائيل معروفة منذ نشأتها بعدم تنفيذها أى‬
‫قرار دولى‪.‬‬

‫وأصبحت إسرائيل تعمل على فرض قرار دولى بنزع سالح حزب اهلل ونشر‬
‫قوات الجيش اللبنانى فى الجنوب ‪ ،‬وهو ما تحقق عبر القرار ‪ ، 1701‬مع إقامة‬
‫أمني فى الجهة اللبنانية من الحدود لمنع عدوه حزب اهلل لحين‬ ‫منطقة عازلة أو ٍ‬
‫حزام ٍ‬

‫‪ .150149‬روال سرحان ‪ /‬ما وراء الحرب علي لبنان ‪ /‬موقع الركن االخضر االحد ‪/19‬يوليو‪.2006/‬‬

‫‪178‬‬
‫إرسال قوات دولية تتبع األمم المتحدة ‪ ،‬وقد تحقق هذا المطلب عملياً باإلضافة إلى‬
‫تعديل القوات المتعددة الجنسيات إلى صالحيات من قوات اليونيفيل‪.‬‬

‫وقد نصح بعض الخبراء األجهزة األمنية بتقليص األهداف المعلنة للحرب ‪،‬‬
‫ولكن تبقى مشكلتان أساسيتان أال وهى تقوية الحكومة اللبنانية من خالل توجيه‬
‫ضربة قوية لحزب اهلل ‪ ،‬والثانية هى التوصل إلى سياسة مع لبنان أو داخل مجلس‬
‫األمن تمنع إيران وسوريا من إعادة تسليح حزب اهلل بعد انتهاء الحرب استعداداً‬
‫لمواجهات قادمة‪.‬‬

‫وقد اشترطت القوى السياسية اللبنانية عدة مرات حتى مذبحة قانا الثانية ‪-‬‬
‫وعبر عدة تصريحات للناطقين باسمها ‪ -‬وهم زعماء طوائف ليسوا وزراء ‪ -‬وقف‬
‫إطالق النار ‪ ،‬وعدم العودة إلى ما قبل ‪ 12‬يوليو ‪ ،‬وبعد معركة بنت جيبيل استمرت‬
‫هآرتس فى تحديد الهدف الحقيقى والفعلى لحزب اهلل لغرض تقوية النظام السياسي‬
‫فى لبنان ‪ ،‬والذى يرفض أن يكون رهينة بيد إيران وسوريا‪.‬‬

‫ومع الوصول إلى المرحلة الرابعة من صنع القرار نشرت يديعوت أحرونوت‬
‫أن رايس خلفت وراءها طاقماً للعمل مع القيادة اإلسرائيلية ؛ إلعداد تسوية تشمل قوة‬
‫متعددة الجنسيات ‪ ،‬بالتنسيق مع إسرائيل وبلير ‪ ،‬وتتسلم قطاعاً ضيقاً فى جنوب لبنان‬
‫وتبادل األسرى اإلسرائيليين بأقل ثمن ممكن ‪ ،‬ونزع سالح حزب اهلل وهنا يتم تعديل‬
‫القرار المقترح على مجلس األمن ‪ ،‬وتعديل الهدف من العدوان من خالل فحص‬
‫التقدم العسكرى ثم فحص الوضع السياسى اللبنانى ‪ ،‬والعربى واإلقليمى مع‬
‫(‪)150‬‬
‫األمريكيين للتأكيد على أن الحرب أمريكية بالدرجة األولى فى كل جوانبها‪.‬‬

‫وعدا ذلك فإن تأخر الحرب البرية هى الخطوة األكثر جدالً بالنسبة‬
‫لإلسرائيليين بعد أن اتخذ القرار بالزج بالفرق االحتياطية فى المعركة ‪ ،‬وتوسيع‬
‫العملية البرية فى يوم األربعاء ‪ 9‬أغسطس ‪ ،‬وتم بعدها وقف إطالق النار‪ ,‬وكان هذا‬
‫للتأثير على قرار مجلس األمن ؛ وإلنقاذ ما يمكن إنقاذه من صورة الجيش ‪،‬‬
‫والحكومة أمام الرأى العام اإلسرائيلى‪.‬‬

‫‪ .151150‬خليل العناني ‪/‬القرار‪ 1701‬دالالت وانعكسات ‪ /‬السياسه الدوليه ‪/‬العدد‪ 166‬صـ‪.141‬‬

‫‪179‬‬
‫إذن وبعد ما قمنا بدراسته فنحن نرى إنه ال يوجد فى إسرائيل خالف على أن إسرائيل‬
‫قد فشلت فى الحرب على لبنان وبدون نقاش حول أسباب الفشل ومن يتحمل مسئولية‬
‫النقاش على تفسير الحرب ‪ ،‬هو استمرار للحرب ؛ لقد فشلت السياسات الحالية ‪،‬‬
‫والتى حاولت إسرائيل ترميمها استراتيجياً بالردع ‪ ،‬والحلول الجزئية ‪ ،‬وفشل فك‬
‫االرتباط من جانب واحد ‪ ،‬فال يبقى شىء بعد الحرب على لبنان ‪ ،‬ولكن يبقى أحد‬
‫األمرين األول هو السالم الشامل والعادل ‪ ،‬والدائم والذى لن تقبل به إسرائيل ‪،‬‬
‫والثانى الجمود والفراغ السياسى والدبلوماسى والذى قد يؤدى إلى تدهور األوضاع‬
‫إلى حرب شاملة ‪ ،‬ومما يعنى ظهور المقاومة على جميع الجبهات المتواجدة على‬
‫(‪)151‬‬
‫الحدود‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫ال شك أن الصراع العربي اإلسرائيلي قد مر في مراحله المختلف بالعديد من‬
‫التغيرات التي أثرت على العالقات بين الدول سواء كان ذلك على المستوى االقليمي‬
‫أو الدولي فعلى المستوى االقليمي‪ ,‬فإن إسرائيل قد خاضت العديد من الحروب مع‬
‫دول عربية مختلفة و ذلك منذ حرب ‪ 48‬وحتى اآلن‪ ,‬فحرب ‪ 48‬التي كانت بين‬

‫‪ .152151‬خليل العناني ‪/‬القرار‪ 1701‬دالالت وانعكسات ‪ /‬السياسه الدوليه ‪/‬العدد‪ 166‬صـ‪/142‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫الجيوش العربية والعصابات اليهودية كانت لها كبير األثرعلى ما يحدث في الوقت‬
‫الحاضر‪ ,‬فعلى سبيل المثال مشكلة الالجئين الفلسطينيين في لبنان مازالت قائنة حتى‬
‫اآلن برغم انخفاض حدة المشكالت الناجمة من وجودهم في الجنوب اللبناني؛ إال أنه‬
‫كانت هناك مشاكل كثيرة وصراعات بين الدولة الللبنانية والفلسطينيين المتواجدين‬
‫على االراضي اللبنانية‪ ,‬خاصة في الفترة االخيرة من الستينات وأوائل السبعينات‬
‫حيث كان الصراع على أشده فى ذلك الوقت‪.‬‬

‫حتى جاءت حرب أكتوبر التي جمعت الدول العربية على كلمة واحدة وأظهرت‬
‫المعدن العربي حيث كانت المواقف العربية مساندة وبقوة لكل من مصر وسوريا‬
‫وخاصة الموقف اللبناني الذي ظهر أثناء هذه الحرب برغم المشاكل الداخلية التي‬
‫كانت تواجهها‪.‬‬

‫وبعد عام ‪ 1973‬انشغلت لبنان في بحر الحرب االهلية التي أخذت من اللبنانين‬
‫الكثير من الوقت في صراعات أدت إلى خسائر في االرواح واالموال ‪ ,‬حتى جاء‬
‫عام ‪ 1978‬والذي قامت فيه إسرائيل بقصف العمق اللبناني واستمر ذلك لمدة أربعة‬
‫سنوات كانت إسرائيل فيها تقوم بقصف مناطق عديدة داخل لبنان في أوقات متفرقة‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1982‬قامت إسرائيل باحتالل جنوب لبنان مما أدى ذلك إلى قيام حركة‬
‫مقاومة لالحتالل ونشأ حزب اهلل الذي بدوره بدأ في شن هجمات على القوات‬
‫االسرائيلية في جنوب لبنان‪.‬‬

‫ثم تطور أسلوب المقاومة والذي امتد إلى قيام حزب اهلل بضرب الشمال االسرائيلي‬
‫بصواريخ كاتيوشا في منتصف التسعينات ليكون أسلوباَ جديداً‪ ,‬حتى جاء عام ‪2000‬‬
‫حيث تم تحرير الجنوب اللبناني من االحتالل عدا مزارع شبعا‪.‬‬

‫والتي يوجد حولها الصراع بين الطرفين منذ عام ‪ , 2000‬إلى جانب أن حزب اهلل‬
‫كان يهتم بالقضية الفلسطينية نظرا لوجود الجئين فلسطينيين يقيمون في جنوب لبنان‪.‬‬

‫مما دعى قيادات حزب اهلل وخاصة السيد حسن نصر اهلل أن يذكر دائما في خطاباته‬
‫أن القضية الفلسطينية وخاصة مشكلة الالجئين هي في اهتمامات حزب اهلل‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫وفي منتصف عام ‪ 2006‬وبعد قيام مجموعة من حزب اهلل باختطاف جنود‬
‫إسرائيليين قامت إسرائيل بضرب لبنان بل وقامت باجتياح لبنان كما ذكرنا في‬
‫الفصل الثاني‪.‬‬

‫ورد حزب اهلل على هذا االجتياح بقصف العمق االسرائيلي بصورة تدريجية حيث بدأ‬
‫بقصف شمال إسرائيل حتى وصل إلى قصف حيفا‪.‬‬

‫وقد أثر ذلك بالسلب على الروح المعنوية للشعب االسرائيلي نظرا لتغير إستراتيجة‬
‫الحرب الخاصة بحزب اهلل والتي أدت إلى فقدان شعبية رئيس الوزراء االسرائيلي‬
‫ورفع المعنويات لدى الشعب اللبناني‪.‬‬

‫وقد أدت هذه الحرب إلى مساءلة القوى السياسية المعارضة في اسرائيل لرئيس‬
‫الوزراء عن مغزى الدخول في هذه الحرب خاصة أن الحكومة االسرائيلية قد هيأت‬
‫للرأي العام أن هذه الحرب لن تستغرق أكثر من أسبوع‪ ,‬إال أن هذا الكالم لم يتحقق‬
‫مما أفقد الحكومة مصداقيته أمام الشعب االسرائيلي‪ .‬وهذا يوضح لنا أن الحكومة‬
‫االسرائيلية تفاجأت بقوة حزب اهلل وأنها دخلت هذه الحرب دون ان تحسب قوة حزب‬
‫اهلل ذلك أدى إلى خسائر اقتصادية‪ ,‬فضال عن اشتداد المعارضة التي واجهتها‬
‫الحكومة اإلسرائيلية من قبل القوى السياسية في إسرائيل والتي أثرت بدورها على‬
‫الرأي العام داخل إسرائيل والذي كان يرفض الحرب مع حزب اهلل‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فأن تدخل حزب اهلل في الصراع السوري القائم بين النظام‬
‫والمعارضة المسلحة ما هو إال بمثابة رد الجميل لسوريا التي وقفت مع حزب اهلل في‬
‫حربها ضد إسرائيل عام ‪ 2006‬ونرى أيضاً أن الموقف اإلسرائيلي من تدخل حزب‬
‫اهلل في سوريا كان بمثابة موقف المتابع لما يحدث وينتج عن هذا التدخل لترى ماذا‬
‫ستفعل إيذاء تحقيق مصالحها‪.‬‬

‫فمن هنا نرى أن إسرائيل تحاول الدخول في حروب لتفرض سيطرتها على المنطقة‬
‫خاصة إذا شعرت أن الخصم ال يمتلك القوة التي يستطيع مواجهتها بها ‪ ,‬وذلك الن‬
‫إسرائيل تعتبر الصراع العربي االسرائيلي هو صراع وجود ال صراع حدود‪,‬‬

‫‪182‬‬
‫والدليل على ذلك أن إسرائيل كثيرا ما تماطل في توقيع معاهدات سالم مع‬
‫الفلسطينيين خاصة وإ ذا قامت بالتوقيع على أي معاهدة ومنحت للفلسطينيين أي‬
‫منطقة لم تنسحب منها بل تقيم مستوطنات على أجزاء كبيرة منها‪ ,‬لذا نؤكد أن هذا‬
‫الصراع المذمن هو صراع وجود ال صراع حدود‪.‬‬

‫المراجع‬
‫أوال‪ :‬الوثائق‪:‬‬

‫‪ -‬نص مبادرة السالم العربية ‪28/3/2002‬‬

‫‪ -‬التقرير الثامن لألمين العام لألمم المتحدة حول القرار ‪1701‬‬

‫ثانيا‪ :‬الكتب‪:‬‬

‫‪ -1‬أحمد خليل محمودى‪ ،‬لبنان فى جامعة الدول العربية ‪،1958 – 1945‬‬


‫المركز العربى لألبحاث والتوثيق‪.‬‬

‫‪ -2‬توفيق ابو بكر‪ ،‬الصهيونية و اسرائيل و الحقائق من هرتسل الى رابين ‪،‬‬
‫الكويت‪ :‬شركة كاظمة‪.1977 ،‬‬

‫‪ -3‬طارق البشرى ‪ -‬الحركة السياسية فى مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الشروق‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫‪ -4‬حسين شريف‪ ،‬فلسطين من عصر ما قبل التاريخ حتى انتفاضة االقصى‬
‫وتوابعها‪ 2002‬م‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪.2003 ،‬‬

‫‪ -5‬رفعت سيد أحمد وثائق حرب فلسطين الملفات السرية للجنراالت العرب‪.‬‬

‫‪ -6‬وفيق عبدالعزيز فهمى‪ ،‬العدوان الثالثى والضمير‪ 5‬العالمى‪ ،‬جامعة الدول‬


‫العربية‪.‬‬

‫‪ -7‬جيرمي بوين‪ .‬ستة أيام‪ ،‬كيف شكلت حرب ‪ 1967‬الشرق األوسط (‪-21‬‬
‫نيويورك‪ :‬مطبوعات سانت مارتين‪pg 39. ISBN 0-312- ,)1980 ،‬‬
‫‪.33864-3‬‬

‫‪ -8‬دالل محمود السيد‪ ،‬اإلدارة اإلسرائيلية لألزمات اإلستراتيجية‪ ،‬كلية االقتصاد‬


‫والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة ‪.2003‬‬

‫‪ -9‬جوناثان راندال‪ ،‬حرب األلف عام فى لبنان‪ ،‬ترجمة فنزرى الشعار ‪ ،‬دار‬
‫المروج ‪.1984‬‬

‫‪ -10‬هنرى لورنس اللعبة الكبرى – ترجمة د‪ .‬محمد مخلوف – تونس – دار‬


‫قرطبة – الطبعة األولى ‪ 1992‬المؤتمر السنوى السادس للبحوث السياسية ت‪-‬‬
‫القاهرة من ‪ 7- 5‬ديسمبر ‪.1992‬‬

‫‪ -11‬عبد اهلل بلقزيز‪ ،‬المقاومة وتحرير جنوب لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬مركز الدراسات‬
‫الوحدة العربية‪.‬‬

‫‪ -12‬عبد المنعم سعيد ‪ ،‬منار الشوربجى – لبنان تحت الحصار – اجندة اسرائيل‬
‫اليومية ‪.1996‬‬

‫‪ -13‬أمين هويدي‪ ،‬لعبة األمم في الشرق األوسط نحن وأمريكا وإ سرائيل‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫دار المستقبل العربي‪.1990 ،‬‬

‫‪ -14‬ثيودرون هانق‪ ،‬لبنان تعايش غاز من الحرب‪ ،‬ترجمة موريس صليب‪،‬‬


‫باريس مركز الدراسات العربى األوربى‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫ثالثا‪ :‬الدوريات‪:‬‬

‫لتقرير االستراتيجى العربى عام ‪.2000‬‬ ‫‪-‬‬

‫هالة مصطفى الغزو االسرائيلى للبنان فى االمم المتحدة‪ ،‬مجلة السياسة‬ ‫‪-‬‬
‫الدولية اكتوبر ‪ / 82‬العدد ‪.70‬‬

‫وحيد عبد المجيد – الموقف المصرى من الغزو االسرائيلى للبنان – مجلة‬ ‫‪-‬‬
‫السياسة الدولية ص ‪ - 160‬اكتوبر ‪ 82‬العدد ‪.70‬‬

‫خير الدين حسيب – الحرب اإلسرائيلية على لبنان وتداعياتها‪ -‬المستقبل‬ ‫‪-‬‬
‫العربى عدد ‪ -331‬سبتمبر ‪. 2006‬‬

‫ماجد كيالى ‪ :‬باحث وكاتب فلسطينى ‪ -‬سوريا ‪ ،‬الغزو اإلسرائيلى للبنان ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ابعاده وانعكاساته شئون عربية ‪ ،‬خريف ‪ ،2006‬العدد ‪127‬‬

‫أحمد ثابت ‪ :‬المقاومة اللبنانية وتصدع نظرية الردع اإلسرائيلى ‪ ،‬مختارات‬ ‫‪-‬‬
‫إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 140‬أغسطس ‪.2006‬‬

‫جمال مظلوم ـ إدارة حزب اهلل للعمليات العسكرية فى حرب لبنان السياسية‬ ‫‪-‬‬
‫الدولية ‪ ،‬العدد ‪ /166‬أكتوبر ‪. 2006‬‬

‫أحمد محمد ثابت ‪ ،‬الهزيمة الميدانية إلسرائيل وعواقب تدهور الردع بعد‬ ‫‪-‬‬
‫العدوان على لبنان ‪ ،‬شئون عربية ‪ ،‬خريف ‪ ، 2006‬عدد ‪.127‬‬

‫زكريا حسن ‪ ،‬إدارة إسرائيل للعمليات العسكرية فى لبنان ‪ ،‬السياسة الدولية ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫العدد ‪ 66‬أكتوبر ‪ ، 2006‬المجلد ‪.41‬‬

‫يوئيل ماركوس ‪ ،‬فشل ذريع ‪ ،‬هاأرتس ‪ ، 13/7/2006‬مختاارت إسرائيلية ‪،‬‬ ‫‪-‬‬


‫أغسطس ‪ ، 2006‬العدد ‪.140‬‬

‫ابراهيم غالى – الداخل اللبنانى بعد الحرب – مجال الدولة والطائفة‪ ،‬السياسية‬ ‫‪-‬‬
‫الدولية – العدد ‪ 166‬اكتوبر ‪ – 82‬المجلد ‪.41‬‬

‫‪185‬‬
‫عماد جاد – اسرائيل بعد الحرب – مراجعة شاملة –السياسة الدولية – العدد‬ ‫‪-‬‬
‫المجلد ‪.41‬‬ ‫‪ 166‬اكتوبر ‪2006‬‬

‫عبد القادر ياسين – رؤية عربية للحرب على لبنان ‪ - -‬السياسة الدولية –‬ ‫‪-‬‬
‫العدد ‪ 166‬اكتوبر ‪ 2006‬المجلد ‪.41‬‬

‫بشير عبد الفتاح – الموقف العربى من العدوان االسرائيلى على لبنان‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫السياسة الدولية – العدد ‪ 166‬اكتوبر ‪ 2006‬المجلد ‪. 41‬‬

‫سامح راشد – ايران وسوريا – التحالف حول لبنان – السياسة الدولية – العدد‬ ‫‪-‬‬
‫‪ 166‬اكتوبر ‪ -2006‬المجلد ‪.41‬‬

‫حسن نافعة – اإلدارة السياسية للحرب وداللة القرار رقم ‪ -1701‬المستقبل‬ ‫‪-‬‬
‫العربى ‪ 332- -331‬سبتمبر ‪.2006‬‬

‫جنانان جرنيبرج مختارات اسرائيلية العدد ‪ 147‬مارس ‪.2007‬‬ ‫‪-‬‬

‫يدعيوت احرونوت مختارات اسرائيلية العدد ‪. 149‬‬ ‫‪-‬‬

‫خليل العناني ‪/‬القرار‪ 1701‬دالالت وانعكسات ‪ /‬السياسه الدوليه ‪/‬العدد‪166‬‬ ‫‪-‬‬


‫افتتاحية هاآرتس ‪ -‬مختارات إسرائيلية ‪ 2006 /9 / 4‬العدد ‪ 142‬أكتوبر‬
‫‪. 2006‬‬

‫نوريث تور ‪ ،‬معاريف ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 141‬سبتمبر ‪2006‬‬ ‫‪-‬‬


‫‪.‬‬

‫عنان برشكوفسكى ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 142‬أكتوبر ‪. 2006‬‬ ‫‪-‬‬

‫يعقبول شاحام ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 142‬أكتوبر ‪.2006‬‬ ‫‪-‬‬

‫هاارتس ‪ 20/9/2006‬عوزي بنزيمان ‪ /‬مختارات اسرائيلية عدد ‪. 142‬‬ ‫‪-‬‬

‫عوزى بنزيمان ‪ ،‬هاأرتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬إفتتاحية‬ ‫‪-‬‬


‫ها آرتس ‪ ، 15/10/2006‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 143‬نوفمبر‬
‫‪. 2006‬‬

‫‪186‬‬
‫أمير أورين ‪ ،‬هاآرتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 147‬مارس ‪.2007‬‬ ‫‪-‬‬

‫يارون لومدون مختارات إسرائيلية العدد ‪ 140‬أغسطس ‪.2006‬‬ ‫‪-‬‬

‫إفتتاحية هاآرتس ‪ -‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 140‬أغسطس ‪.2006‬‬ ‫‪-‬‬

‫إفتتاحية هاآرتس ‪ ،‬العدد ‪ ،141‬سبتمبر مختارات إسرائيلية ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫زكريا حسين السياسة الدولية العدد ‪ 169‬يوليو ‪ 2007‬المجلد ‪.42‬‬ ‫‪-‬‬

‫جادي بالتيانسكى ‪ ،‬معاريف ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪،‬العدد ‪ ، 140‬أغسطس‬ ‫‪-‬‬


‫‪. 2006‬‬

‫راؤوفين بدهتسور ‪ ،‬هاآرتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪،‬العدد ‪ ، 140‬أغسطس‬ ‫‪-‬‬


‫‪. 2006‬‬

‫آرات شابيط هاآرتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ، 40‬أغسطس ‪، 2006‬‬ ‫‪-‬‬

‫آرات شابيط هآراتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 141‬سبتمبر ‪.2006‬‬ ‫‪-‬‬

‫ألوف بن هاأرتس ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪ ، 141‬سبتمبر ‪. 2006‬‬ ‫‪-‬‬

‫روعى مندل ‪ ،‬بديعوت أحرونوت ‪ ،‬مختارات إسرائيلية ‪ ،‬العدد ‪، 141‬‬ ‫‪-‬‬


‫سبتمبر ‪. 2006‬‬

‫يوئيل ماركوس مختارات ‪ ،‬العدد ‪ ، 140‬أغسطس ‪.2006‬‬ ‫‪-‬‬

‫جاكى حرجى‪ -‬مختارات إسرائيلية العدد ‪ 141‬سبتمبر ‪.2006‬‬ ‫‪-‬‬

‫موشيه اليعاد ‪ /‬يديعوت احرونوت ‪2006 /15/7‬مختارات اسرائيلية عدد‬ ‫‪-‬‬


‫‪.140‬‬

‫أفتتاحية هاتسوفية مختارات اسرائيلية عدد ‪ 143‬نوفمبر ‪. 2006‬‬ ‫‪-‬‬

‫يديعوت احرونوت مختارات اسرائيلية ياعبل برفوفسكي العدد ‪ 146‬فبراير‬ ‫‪-‬‬


‫‪. 2007‬‬

‫رابعا‪ :‬الرسائل‪:‬‬

‫‪187‬‬
‫أمين شعبان‪ ،‬العوامل المؤثرة فى تطوير العالقات االسرائيلية‪-‬الهندية وانعكاساتها‬
‫على األمن القومى العربى‪ ،2005-1992‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬جامعة‬
‫أسيوط‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬قسم العلوم السياسية‪.2008 ،‬‬

‫خامسا‪ :‬الصحف‪:‬‬

‫‪ -1‬سهيل الناطور أوضاع الشعب الفلسطيني في لبنان كما يعرفها باحثون‬


‫فلسطينيون جريدة النهار اللبنانية عدد ‪ 26‬مايو ‪.1995‬‬

‫‪ -2‬رون سونير ‪ -‬يديعوت أحرونوت اسرائيل ‪.2006‬‬

‫‪ -3‬سوسن ابو حسين وزراء الخارجية العرب يكلفون لجنه سياعية بالسفر فورا‬
‫الي لبنان( جريده الشرق االوسط) ‪ /‬العدد ‪ 12 / 10758‬مايو ‪.2008‬‬

‫سادسا‪ :‬االنترنت‪:‬‬

‫‪ -1‬الصراع العربي االسرائيلي في خمسين عام ‪www.mbc.co‬‬

‫‪www.eyelash.ps ، www.yabeyrouth.com‬‬

‫‪ -2‬رؤية للوضع اللبنانى عام ‪www. Bbc Arabic ww.f.law.net-1982‬‬

‫‪ -3‬عامر النفاخ – قمة بيروت العقالنية العربي ‪www.azzaman.con‬‬

‫‪ -4‬المؤسسة التعاونية األمريكية اإلسرائيلية – ويكبيديا الموسوعة الحرة على‬


‫االنترنت‪.‬‬

‫‪ -5‬االنسحاب النهائي ‪ 24 --‬مايو ‪ 2000‬ويكبيديا الموسوعة الحرة على االنترنت‬

‫‪ -6‬موقع قناة الجزيرة‬

‫‪188‬‬
‫عزمى بشارة – مأزق اسرائيل التاريخى بعد الحرب على لبنان – ‪– 23/9/2006‬‬
‫‪Www.Arabianegativity.Com - http://www.grenc.com‬‬

‫‪ -7‬سالي القاسم ‪ /‬الحرب البسيكولوجية ‪http://sally.maktoobblog.com‬‬


‫‪http://www.dascsyriapress.net http://www.clhrf.com‬‬

‫‪ -8‬روال سرحان ‪ /‬ما وراء الحرب علي لبنان ‪ /‬موقع الركن االخضر االحد‬
‫‪/19‬يوليو‪2006/‬‬

‫سابعاً ‪ :‬مقاالت من اإلنترنت‬

‫‪ -‬القمة العربية تمهد لعالقات عربية إسرائيلية ‪ -‬شاملة بقيادة سعودية‪.‬‬

‫‪ -‬القمة العربية في بيروت‪ 29/3/2002‬تعرض عالقات طبيعية مع إسرائيل‬


‫مقابل االنسحاب الكامل‪.‬‬

‫‪ -‬مركز المعلومات العربي الفلسطينيون في لبنان –الطبعة ‪ – 15‬بيروت ‪:‬‬


‫‪ – 1995‬ص‪.78‬‬

‫‪ -‬مركز العودة الفلسطيني السياسة الرسمية تجاه الالجئيس الفلسطينيين في لبنان‬


‫–لندن نشرة المركز ‪ 2002‬ص ‪.2‬‬

‫‪ -‬وسام فؤاد (تفاعالت إقليمية ودولية – فلسطين ولبنان‪ -‬أغسطس ‪ 2005‬ص‬


‫‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫‪ -‬شرف قرطام ‪ -‬تحليل شخصيات ‪ -‬زعماء الحرب لبنان وصيف ملتهب‬


‫‪.2006‬‬

‫‪ -‬يحي دبوق رئيس الوزراء اإلسرائيلي اولمرت في واشنطون حرب لبنان‬


‫نجاح استراتيجي(مركز المعطيات والدراسات االستراتيجيه )‬

‫‪189‬‬
190

You might also like