Professional Documents
Culture Documents
Publication 12 11942 1767
Publication 12 11942 1767
اقتبس سوفوكميس موضوع مسرحياتو من التراث األسطوري السابق عميو ،و ىو تراث يزخر بقصص ذات مغزي
عن آثام بني البشر ،و عن المعنة المتوارثة التي اعتقد اإلغريق أنيا تحل بأفراد ينتمون إلي أسر شييرة في
الماضي الغابر ،بسبب األوزار التي اقترفيا أحد اسالفيم .و رغم أنو ال توجد وسيمة أكيدة تمكن الدارسين من
تحديد زمن كل مسرحية من مسرحيات سوفوكميس بدقة ،فقد أجمع معظميم عمي أنو يرجع تاريخ عرض
مسرحية أنتيغون إلي عام 444ق.م ،و تقول أحد الروايات إن سوفوكميس انتخب لمنصب " قائد عام " بعد
عرض مسرحية أنتيغون كمكافأة لو .
عرضت مسرحية أنتيغون ،مثل غيرىا من المسرحيات التراجيدية اإلغريقية عمي مسرح ديونيسوس جنوب
األكروبوليس ،حيث جمس المشاىدين عمي مدرجات من الحجر تواجو دائرة من الحجر تسمي األوركست ار ،
خمفيا بناء خشبي يسمي السقيفة و كان يستخدم في ىذه المسرحية و غيرىا ،ليشير إلي المنزل أو القصر
الممكي الذي تدور أمامو األحداث ،و فيو تسكن معظم شخصيات المسرحية .و تعتبر السقيفة الحد الفاصل
بين ما يراه الجميور و ما ال يراه ،أي بين الظاىر و الخفي ،و بين العام و الخاص .و من ثم يمكننا أن
نقول إنو يفصل بين عالمي الرجل و المرأة
و كانت الشخصيات الرجالية تدخل المسرح من المداخل الجانبية و تخرج منيا أيضا بعد انتياء أدوارىا ،و كان
أحد المداخل يشير لخروج الشخصية لتذىب إلي شوارع المدينة و اآلخر عند خروجيا تجاه بوابات المدينة و إلي
السيل الذي يقع خمفيا .بينما كانت الشخصيات النسائية تدخل و تخرج من مكان واحد يمثل باب القصر أو
المنزل ،و كانت أنتيغون ىي االستثناء الوحيد ليذه القاعدة ،إذ خرجت من أحد المداخل الجانبية لكي تدفن
أخاىا .و كان كل ما يحدث خارج خشبة المسرح بعيدا عن عيون الجميور ( سواء داخل المنزل أو بعيدا عنو )
يروي لممشاىدين عمي لسان إحدى الشخصيات ( الرسول أو الحارس ،و غيرىم ) .
1 المرحلة االولى المادة :تاريخ فن المسرح قسم التربية الفنية د.علي عبد االمير
و تدور أحداث المسرحية أمام قصر ممك طيبة السابق " أوديب بن اليوس " تبدأ المسرحية بعد موت األخوين
المتنازعين إتيوكميس المدافع عن المدينة و بولينيكس الذي ىاجم وطنو بالتحالف مع أرجوس ،و بعد أن سقط
كل منيما صريعا بيد أخيو تحقيقا لمعنة التي صبيا عمييما والدىما الراحل أويديبوس .
في المشيد األول من المسرحية نري أنتيغوني و ىي تتحدث مع أختيا إسميني حول القرار الذي أصدره كريون "
الحاكم " الذي آل إليو عرش طيبة ،و ىو قرار يقضي بدفن جثة إتيوكميس الذي قضي نحبو و ىو يدافع عن
وطنو طيبة ضد الغزاة ،و بترك جثمان بولينيكس في العراء دون دفن أو طقوس جناز ،ألنو كان معتديا عمي
وطنو مياجما لو .و ترجع خطورة ىذا القرار إلي أنو يفتقر إلي االعتدال :ال بمعني أنو صورة من صور
التطرف النبيل الذي يرمي إلي تحقيق الذات بطريقة ال سبيل إلي إيجادىا فيإطار الحياة ،و لكن ألنو صادر من
منطمق إثم و عصيان لألمر اإلليي الذي يقضي بدفن الميت و تكريمو.
و كان من الطبيعي أن تفزع أنتيغون لدي عمميا بيذا القرار الجائر في نظرىا ،فتصمم عمي معارضتيا حتي و
لو كان الموت ىو الثمن ،إذ كانت شخصيتيا عمي النقيض تماما من أختيا إسميني التي ما إن عرفت حتي
استبد بيا الخوف ،و لم تتغاض فقط عن قرار كريون ،بل أذعنت لو و شرعت تحذر أختيا من معارضتو حتي
ال تتعرض لميالك.
لكن أنتيغون ال تمقي بالتحذيرات أختيا ،و تقدم عمي مخالفة قرار الممك ،و من ثم يضبطيا أحد الحراس و ىي
تييل حفنات من الثرى عمي جثة أخييا ،فيقوم بإحضارىا لتمثل أمام كريون و أمام الجوقة المكونة من شيوخ
طيبة .
اتخذت الجوقة صف كريون بطبيعة الحال ،كونيم شيوخ طيبة ،و بيذا وقفت أنتيغون وحدىا بعنادىا و تتباىي
بفعمتيا .و إزاء ىذا التحدي السافر من جانب أنتيغون تستبد غطرسة كريون ،و يمجأ إلي التيور خوفا عمي
ىيبتو التي توشك عمي الضياع بسبب العبث بق ارراتو .و بعد نقاش عنيف و جدل محتدم مع أنتيغون يأمر الممك
كريون باقتيادىا مكبمة باألغالل إلي السجن .إلي أن تنفذ فييا عقوبة الرجم حتي الموت كما يقضي القرار.
1026
و ىنا تندفع إسميني صارخة ،و ممقية بالتبعة عمي عاتقيا وحدىا ،متوسمة إلي كريون أن يبقي عمي حياة
أختيا ،راغبة في مشاركتيا العقاب عمي اعتبار أنيا شريكتيا في الجرم ،غير أن كريون ال يري في مسمك
إسميني سوى الطيش و الجنون ،فيأمر بسجنيا مع أختيا .
بالوقت نفسو ترفض أنتيغون بشدة أن تشاركيا أختيا تبعة فعمة قامت ىي بيا ،حيث أن ذلك لم يصدر بناء
عمي إيماء بالواجب الحق منذ البداية ،بل تم بدافع العطف وحده ،لذلك فيي ال تقبل حبا يأتي في غير وقتو أو
عطفا يأتي بعد فوات األوان.
ثم يدخل ىايمون خطيب أنتيغون و ابن كريون في الوقت نفسو ،و يبدأ النقاش مع أبيو في تعقل و ىدوء أول
األمر ،مفندا ق ارره الجائر ،و محاوال إقناعو بأن الصواب قد جانبو ،و أن عميو التروي و التدبر حتي ال يعض
بنان الندم .لكن ىذا النقاش اليادئ بين الوالد و االبن ما يمبث أن يحتدم و يصبح ساخنا ،فيثور كريون في
خاتمة المطاف و يستبد بو الغضب ،و يستنكف من أن يتمقي دروسا من شاب غر في نظره ،فييدد بقتل
الخطيبة أمام ولده ،و عندئذ يخرج ىايمون من القصر و الغضب يممؤه معمنا أنو يفضل الموت مع أنتيغون
عمي الحياة مع أبيو .
و تخشى الجوقة من حدوث ما ال تحمد عقباه نتيجة لغضبة الشاب و خروجو محزونا سائسا ،أما كريون فيعدل
عن قرار الرجم ،و يأمر بدال من ذلك باقتياد أنتيغون إلي كيف منعزل ،و أن تقبر فيو حتي تمقي حتفيا ،فال
يحتمل ىو وزر قتميا .
ثم يفد إلي القصر العراف الكفيف تيريسياس " المتنئ عن طريق عالمات السماء " و ينذر كريون بسوء المآب ،
حيث أنو تحدي قوانين األرباب السامية بتركو جثة رجل ميت دون دفن ،و بإزىاق روح فتاة بغير حق ،و أن
ذلك التحدي سوف تترتب عميو عواقب وخيمة
و من جديد يشتبك كريون في مشاحنة جدلية عنيفة مع العراف ،يخرج األخير عمي أثرىا بعد أن يفضي إلي
كريون بنبوءات مفزعة ،و بعد أن يعمن أن السماء قد غضبت عميو .و بعد انصراف تيريسياس ينتاب كريون
الفزع ،و يساوره الشك ألول مرة في مدى صواب تصرفاتو ،فيمجأ إلي الجوقة كي يتممس منيا النصح .
3 المرحلة االولى المادة :تاريخ فن المسرح قسم التربية الفنية د.علي عبد االمير
بيذه المحظة بدأت الجوقة في التزحزح عن موقفيا الموالي لو بعد أن لمست بنفسيا جموح إ اردتو ،لذلك فما إن
قصدىا حتي حثتو عمي الفور باإلسراع إلي الكيف عساه يتمكن من إنقاذ أنتيغون قبل ىالكيا ،و دفن جثة
القتيل تنفيذا لرغبة اآللية
غير أنو حين يصل كريون إلي الكيف -بعد فراغو من مواراة الجثة الثرى -يجد أن الفتاة التعيسة قد أزىقت
روحيا شنقا لتيرب من مصيرىا المؤلم ،و يشاىد ابنو ىايمون و قد تشبث بجسدىا و ىو ينتحب .و في غمرة
اليأس القاتل يندفع ىايمون نحو أبيو مجردا سيفو من غمده محاوال قتمو ،لكنو يخطئو فيجيز بدال من ذلك عمي
حياتو حزنا و كمدا ،و يسقط إلي جوار جسد أنتيغون جثة ىامدة .
و حينما يعود كريون إلي قصره حامال جثة ابنو ىايمون ،و ىو غارق في لجة من األسى -يجد أن زوجتو
يوريديكي قد انتحرت بعد سماعيا نبأ ىذه الفاجعة المريرة التي حرمتيا من فمذة كبدىا .
بعد ىذه األحداث الجسام يتزلزل كيان كريون ،و يغرق في طوفان من األحزان ،ألن وجوده كمو قد انتيي إلي
دمار ،و ألن حياتو فقدت مغزاىا ،و صار أشبو بالموتي رغم أنو ما زال عمي قيد الحياة .