You are on page 1of 13

‫خطة البحث‪:‬‬

‫مقدمـة‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬طبيعة الفلسفة اإلسالمية ‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الفلسفة اإلسالمية ‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نشأة الفلسفة اإلسالمية‪:‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تأثير الفلسفة اليونانية على مفكري اإلسالم‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المدرسية الكندية‬

‫المطلب األول‪ :‬الكندي فيلسوف العرب‬

‫المطلب الثاني‪ :‬قضايا المدرسة الكندية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬بعض ردود األفعال تجاه الندرسة الكيندية‬

‫خاتمة‬

‫قائمة المراجع‬
‫مقدمـة‪:‬‬

‫مما ال شك فيه أن التفكــير الفلسـفي بـدأ عن اليونـانيين ‪ ،‬ووصـلـ إلى إحــدى قممـه عنـد المسـلمين مــع تعــدد‬
‫الفرق حيث تناولوا مشاكل العـالم والنفس واأللوهيــة وناقشــوهاـ بأســلوب منطقي واتخـذواـ بصــددها مواقــف‬
‫خاصة (مذاهب)‪.‬‬

‫تعــددت آراء البــاحثين والعلمـاء حــول صـدق الفلسـفة اإلســالمية واتســاعها ومــدى رصـيد الحـق واليقين في‬
‫نظرياتها‪ ،‬حاولنـا في بحثنـا هـذا أن نسـلط الضـوء على بعض الموضـوعاتـ الـتي تظهـر المنـاحي الفلسـفية‬
‫الــتي ظهــرت عنــد بعض العلمــاء والقضــايا الــتي شــغلت عقــول فالســفة المســلمين في كثــير من المواضــع‬
‫حيث اهتم ــوا للقضـــايا الدينيـــة اهتمامـــا كبـــير وراحـــوا يوفق ــون بين ال ــدين والفلس ــفة باعتبارهمـــا مظه ــرين‬
‫لحقيقة واحدة‪ ،‬كما أن التقاء الفلسفة بالدين كان ال بد أن يتخـذ التوفيـقـ بين النقـل والعقـل‪ ،‬وبهـذه الصـورة‬
‫التي تعتبر للتوفيق بين الفلسفة اليونانية في صورتها المتأخرة وقضاياـ اإلسالم األساسية‪.‬‬

‫وبهذا الصدد إذا كانت الفلسفة ضــمن سـياق الحضـارة اإلســالمية بقيت ملتصـقة بمفـاهيم الفلســفة اليونانيـة‪،‬‬
‫فكيـ ـفـ وص ــلت الفلس ــفة إلى المس ــلمين م ــع ف ــارقـ المس ــافة والثقاف ــة واللغ ــة؟ وه ــل يتواف ــق التي ــار الفلس ــفي‬
‫اليونانيـ مع اإلسالم ؟ وما هو رصيد الفلسفة اإلسالمية عند فالسفة المسلمين؟‬

‫‪1‬‬
‫المبحث األول‪ :‬طبيعة الفلسفة اإلسالمية ‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الفلسفة اإلسالمية ‪:‬‬

‫أقرب كلمة مستخدمة في النصوص اإلسالمية (القرآن والسنة) لكلمـة فلســفة هي كلمــة الحكمــة‪ ،‬لهــذا نجــد‬
‫الكثير من الفالسفة المسلمين يستخدمون كلمة حكمة كمرادف لكلمة فلسفة الــتي دخلت إلى الفكــر العــربي‬
‫اإلسالمي كتعريب لكلمة ‪ Philosophy‬اليونانية‪.‬‬

‫ويرىـ بعض العلماء أنها مجموعة األفكار التي ارتآها العالم الكندي والفارابيـ وابن سينا ومن سار على‬
‫نهجهم في اهلل والعـ ــالم والنفس اإلنسـ ــانية ‪ ،‬حيث يـ ــذهب الكنـ ــدي في تعريف ـ ــه للفلسـ ــفة " هي علم األش ـ ــياء‬
‫بحقائقهـــا بقـــدر طاقـــة اإلنســـان" وأضـــاف"ـ إلى علم األشـــياء بحقائقه ــا علم الربوبي ــة وعلم الوحدانيـــة وعلم‬
‫الفضيلة وجملة علم كل نافع والسبيلـ إليه والبعد عن كل ضار واالحتراسـ منه "‬

‫ومن ثم يكــون غــرض الفيلســوف نظريـاـ وعمليــا أمــا الغــرض النظــري إصــابة الحــق والعملي العمــل بــه ‪،‬‬
‫ويــرى الفــارابي " أن الفلســفة هي العلم بــالموجودات بمــا هي موجــودة ويقســمهاـ إلى حكمــة إلهيــة وطبيعيــة‬
‫ورياضية ومنطقية" ‪ ،‬كما يعطيهاـ ابن سينا طابعا نفسيا فيقــول "الحكمـة اسـتكمال النفس اإلنســانية بتصـورـ‬
‫األمورـ والتصديقـ بالحقائق النظرية والعملية على قــدر الطاقــة اإلنسـانية ويقســم الحكمــة كــذلك إلى نظريــة‬
‫يتعلمها اإلنسان وال يعمل بها وحكمة عملية مدنية ومنزلية وأخالقية "‪.1‬‬

‫وحــول هــذه المفــاهيم كــان يتنــاول فالســفة اإلســالم مقتفين أثــر األســاتذة القــدماء من حكمــاء اليونــان‪ ،‬فكــانواـ‬
‫تـــارة يقـــتربون من أســـاتذة اليونـــان وتـــارة يبتعـــدون عنهم‪ ،‬ولم ينتهج ــوا منهج ــا مس ــتقال في التفلســـف ولم‬
‫يخالفوا رأي القدماء إال في المسائل التي تخرجهم من ملة اإلسالم‪ ،‬وظلواـ أســاتذة في هــذا العــالم في ظــل‬
‫أساتذة الفلسفة السابقين‪.‬‬

‫ونخلص إلى أن الفلســفة اإلســالمية هي التفكــير في الكــون وفيمــا بعــده وفي اإلنســان في حالــة الفرديــة أو‬
‫الجماعية من المبادئ والوصايا‪.2‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نشأة الفلسفة اإلسالمية‪:‬‬

‫إذا اعتبرنا تعريف الفلسفة على أنها محاولـة بنـاء تصـورـ ورؤيـة شـمولية للكـون والحيـاة فـإن بـدايات هـذه‬
‫األعمـــال في الحضـــارة اإلســـالمية بـــدأت كتيـــار فكـــريـ في البـــدايات المبك ــرة للدول ــة اإلس ــالمية بـــدأ بعلم‬
‫الكالم(وعلم الكالم هو علم يتضمن الدفاع عن العقيدة وأصلها التوحيد وهو جدل يدور حول أصـول دين‬

‫‪ - 1‬حنا الفاخوري ‪ ،‬خليل الجر ‪" ،‬تاريخ الفلسفة العربية" (الفلسفة العربية في الشرق والغرب) ‪،‬ج‪،2‬دار الجيل‪ ،‬ط‪ ، 2‬بيروت&‪ ، 1993‬ص ‪27‬‬
‫‪ - 2‬محمد عبد العزيز المعايطة‪" ،‬الفلسفة اإلسالمية"‪،‬دار الحامد للنشر والتوزيع ‪،‬ط‪،1‬عمان‪ -‬األردن ‪ ، 2008‬ص ‪15‬‬

‫‪2‬‬
‫بعينــه باســتخدام أدلـة عقليـة)‪ 3 ،‬ووصــل علم الكالم الـذروة في القــرن التاســع عنـدما أصــبح المســلمون على‬
‫إطالع بالفلســفة اليونانيــة وذلــك في العصــر الــذهبي العباســي للدولــة العباســية حيث بــدأت الترجمــة في هــذا‬
‫العصــر وتحديــدا في عصــر المــأمون بن هــارون الرشــيد إذ أنــه أســس مدرســة الحكمــة أو مــا يســمى "بيت‬
‫الحكمة" سنة (‪217‬هـ‪ 832/‬م) وائتمن عليه يوحنا بن ماسويه عليه وخلفـ يوحناـ تلميذه الشهير حنين بن‬
‫إســحاق‪ ،‬وكــان حــنين أشــهر مــترجم للمؤلفــات اليونانيــة إلى الســريانية والعربيــة دون منــازع حــوالي ســنة(‬
‫‪242‬هـ‪857/‬م) أي بعد وفاة يوحنا بن ماسويه وكذلك كان ابنه إسحاق بن حـنين من األسـماء الــتي لمعت‬
‫في فن الترجمة وكان له الفضل األكبر في تعريف العرب بالفلسفة اليونانية ألنه نقل أو صحح أكــثر من‬
‫نصــف مصــنفات أرســطو‪ ،‬وكــذلك من بين األســماء الــتي لمعت في الترجمــة عبــد المســيح بن عبــد اهلل بن‬
‫ناعمة الحمصي ( النصف األول من القــرن التاســع وهـو الـذي كــان مســاعدا للفيلســوف الكنـدي وقــد تـرجم‬
‫له كتاب الربوبية الشهير ما سمي خطأ ألرسطوـ وهو شرح مـأخوذ عن تاســوعات أفلــوطين)‪ ،‬وقــد أثـرت‬
‫‪4‬‬
‫حركة الترجمة الحياة العلمية عند المسلمين خاصة في مجال العلوم الطبيعية وما بعد الطبيعية والدين‪.‬‬

‫لم تقـل شـهرة جـالينوس الطـبيب عن شـهرته بكونـه شـارحا ألرسـطو وأفالطـون ومؤرخـاـ ومنطقيـا فنقلـوا‬
‫كتبه الفلسفية وتعاليقه كما نقلوا كتبه الطبية ‪.‬‬

‫انتقلت الفلسفة المشائية إلى العالم اإلسالمي في بغداد مقبلة من حران وإ نطاكيـاـ بعــد أن جفت منابعهــا في‬
‫مدرسة اإلسكندرية وقدرـ لهـا أن تلقى قبـوال من بعض المفكـرين اإلسـالميين مثـل الكنـدي والفـارابي وابن‬
‫س ــينا واتخ ــذوها م ــادة خص ــبة لم ــا أطل ــق عليه ــا فيم ــا بع ــد الفلس ــفة المش ــائية في اإلس ــالم‪ ،‬تط ــورت الفلس ــفة‬
‫اإلســالمية من مرحلــة المســائل الــتي ال تثبت إال بالنقــل والتعبــد إلى مرحلــة دراســة المســائل الــتي ينحصـرـ‬
‫إثباتها باألدلة العقلية ولكن النقطة المشتركة عبر هذا االمتداد التاريخيـ كان معرفة اهلل واثبات الحق ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تأثير الفلسفة اليونانية على مفكري اإلسالم‬

‫عـــرف الشـــرق اإلســـالمي الحضـــارة الهلينيـــة وهي الـــتي نشـــأت عن تفاع ــل الفك ــر اليون ــانيـ األصـــيل من‬
‫األفكارـ والديانات الشـرقية ‪ ،‬ولم يكن للهللينيــة تــأثير واحــد في الشــرق والغـرب ألن الحضـارة في الغــرب‬
‫ظلت واحدة أما في الشرق فقد اصطدمت بلغة جديدة ودين جديد ‪.‬‬

‫مهــدت الترجمــة إلى انتشــار الفكــر الفلســفي اليونــاني بشــكل كبــير وكــانت المدرســة الفلســفية األكــثر شــيوعا‬
‫هي المدرسة األفالطونية المحدثة ‪ Neoplatonism‬التي كان لهـا أكــبر تـأثير في الســاحة اإلســالمية ذلـك‬

‫‪ - 3‬محمد علي أبو ريان‪« ،‬تاريخ الفكر الفلسفي في اإلسالم " ‪،‬دار المعرفة الجامعية ‪،‬ب ط ‪،‬اإلسكندرية ‪ ، 2007‬ص‪217‬‬
‫‪ - 4‬هنري كوربان و حسين نصر و عثمان يحي‪" ،‬تاريخ الفلسفة اإلسالمية" ‪،‬ترجمة نصير مروة و حسين قبسي‪ ،‬عويدات للنشر والطباعة ‪،‬ب ط ‪،‬‬
‫بيروت& لبنان‪ ، 2004‬ص ‪248‬‬

‫‪3‬‬
‫ال ــوقت‪ ،‬توغ ــل المس ــلمون في الفلس ــفة وعرف ــوا أفالط ــون واعت ــبروه أق ــرب الفالس ــفة إليهم ألن ــه تكلم عن‬
‫الخلــق اإللهي وأثبت وجــودـ الصــانع وبــرهن على وجــودـ النفس وخلودهـاـ وكــان تــأثيره فيهم كبــير تــأثر بــه‬
‫الكنــدي والفــارابي وابن ســينا وكــل التيــار اإلشــراقي الصــوفيـ ومن دار في فلكهم‪ ،‬وقـدـ كــان أرســطوـ مثــار‬
‫إعج ــاب فالس ــفة اإلس ــالم إذ أنهم كم ــا ك ــانوا يجل ــون أفالط ــون المث ــالي أص ــبحوا يق ــدرون أرس ــطوـ العقلي‬
‫إعجابـ ــا بعقلـ ــه وإ جالال لفلسـ ــفته‪ ،‬ويـ ــذكر أن العـ ــرب عرفـ ــوا بعض فالسـ ــفة اليونـ ــان ممـ ــا تقـ ــدموا سـ ــقراط‬
‫كــديموقريطس و فيثــاغورثـ كمــا عرفــوا السفســطائيينـ والرواقــيين واألبيقــوريين ومهمــا يكن من أمــر فلم‬
‫تصــل إلى المســلمين عن اليونــانيينـ ترجمــات فلســفية تســتحق الــذكر إال ألفالطــون وأرســطو وشــراحه فقــد‬
‫س ـ ــماه الع ـ ــرب المعلم األول ونقلـ ــوا جميـ ــع مؤلفات ـ ــه تقريب ـ ــا من الطبيعي ـ ــة وماورائي ـ ــة وخلقي ـ ــة واقتص ـ ــادية‬
‫وسياسية ومنطقية‪ ،5‬لقد كان ألثر الترجمات في العالم العـربيـ انقالبـا فكريـا وثقافيـا ولغويـا‪،‬ـ حيث أنـه في‬
‫عهد الدولة األموية لم يكونواـ يعنون إال بالعلوم القرآنية (علوم الفقه‪ ،‬علم الكالم‪ ،‬الحديث‪ ،‬اللغة)‪.‬‬

‫حتى أتت علوم كالطب والهندسة والرياضيات والطبيعيات والكيميـاء والموسـيقىـ والفلسـفة بفروعهـا ولقـد‬
‫سماها المسلمون بالعلوم الدخيلة وكان لهذه العلوم الدخيلة أثر عميق في جميع حقول الفكر اإلسالميـ‪.6‬‬

‫ولمــا كــان نتــاج العقــل اليونــانيـ يشــمل جميــع المعــارف وقــد أوجــد لــه اقتباســه طريقــة خاصــة‪ ،‬ولم يشــعرـ‬
‫المس ــلكون بحاج ــة إلى أن يض ــيفوا إلي ــه ش ــيئا جدي ــدا‪ ،‬ب ــل بوب ــوه ونظم ــوه وأص ــلحواـ أخط ــاؤه وتعمق ــوا في‬
‫فروعـــه‪ ،‬لـــذلك لم نجـــد الحض ــارة الهليني ــة في الع ــالم اإلس ــالمي تص ــطدمـ به ــا ‪،‬فيحص ــل بين الحض ــارتين‬
‫احتكـاك وتصـارع‪ ،‬اللهم إال في حقـل الـدين‪ ،‬حيث قـام صـراع جبـار بين أهـل النقـل وأهـل العقـل‪ ،‬أي بين‬
‫أتباع الوحي وأتباع الفلسفة ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المدرسية الكندية‬

‫‪ - 5‬حنا الفاخوري ‪ ،‬خليل الجر ‪" ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪24‬‬


‫‪ - 6‬المرجع نفسه ص‪31‬‬

‫‪4‬‬
‫من القضــايا الــتي تعــرض لهــا فالســفة اإلســالم بالجــدال قضــية إثبــات وجــود اهلل صــفاته‪ ،‬ووجــودـ‬
‫العالم أحادث هو أم قديم وقضية النفس اإلنسانية وفيما يلي أحد مدارس الفلسفة اإلسالمية وهي المدرسة‬
‫الكندية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الكندي فيلسوف العرب‬

‫أبو يوسفـ يعقوب بن إسحاق بن الصباح بن عمران بن إســماعيل بن محمـد بن األشـعث الكنــدي المولـودـ‬
‫ح ــوالي (‪185‬هـ ــ‪801 /‬م) والمت ــوفىـ في (‪256‬هـ‪807/‬م)يع ــرف بفيلس ــوفـ الع ــرب ألن ج ــذوره تمت ــد إلى‬
‫أصــل عــربي قحطــاني وكــان أبــوه من ملــوك كنــدة بــالعراق كــان لــه اطالع واســع على الترجمــات العربيــة‬
‫للكتب اليوناني ــة وبخاص ــة فلس ــفة أرس ــطوـ كم ــا أن ــه ص ــحح بعض الترجم ــات وراجعه ــا وأل ــف "رس ــالة في‬
‫الفلســفة األولى" والواقــع أن رســائل الكنــدي الفلســفية فقــد معظمهــا فقــط نــذكر بعضــهاـ " رســالة في حــدوث‬
‫األش ــياء "‪" ،‬كالم في النفس"‪ " ،‬رس ــالة الكن ــدي في الج ــواهرـ الخمس ــة"‪" ،‬رس ــالة في عل ــة الك ــون والفس ــاد"‪،‬‬
‫"رســالة الكنــدي في علــة كــون الضــباب"‪ ،‬يعتــبر الكنــدي هــو أول من اســتعمل المنهج المنطقي في دراســة‬
‫الق ــرآن‪ ،‬ك ــانت أفك ــاره مت ــأثرا نوع ــا م ــا بفك ــر المعتزل ــة وعارض ـاـ لفك ــر أرس ــطو من ع ــدة ن ــواحي‪ ،‬ك ــانت‬
‫اهتمام ــات الكن ــدي متنوع ــة منه ــا الرياض ــيات والعلم والفلس ــفة ولكن اهتمام ــه الرئيس ــي ك ــان ال ــدين بس ــبب‬
‫تأثره بالمعتزلة لم يكن الكندي منصبا على الـدين اإلسـالم فقــط بـل كـان يحـاول الوصـولـ إلى الحقيقـة عن‬
‫طريـقـ دراســة األديــان األخــرى وكــانت فكرتــه هي الوصــولـ إلى الحقيقــة من جميــع المصــادر ومن شــتى‬
‫الديانات والحضارات‪ ،‬حاول الكندي أن يطبق الطريقــة الرياضــية والعدديــة في الفلسـفة وتــركيب العقـاقير‬
‫الطبي ــة‪ ،‬وأن ــه أل ــف رســالة في" أن ــه ال تنــال الفلســفة إال بعلم الرياضــيات"‪،‬ـ‪ 7‬اعتم ــد الكنــدي في بحثــه على‬
‫منهجين وهـ ــو منهج حسـ ــي تجريـ ــبيـ يعتمـ ــد على المالحظـ ــة ثم المقارنـ ــة بين الوقـ ــائعـ واسـ ــتنتاج األحكـ ــام‬
‫والقواعد من بينها‪ ،‬أمـا المنهج الثـاني فهـو المنهج العقلي الرياضـي يبحث في علم مـا بعـد الطبيعـة‪ ،‬ولكن‬
‫يمكننــا أن نجــد منهجــا ثالثــا للكنــدي يصــلح للبحث في العلــوم اإلنســانية ويعتمـدـ على المتــواترات واألخبــارـ‬
‫واألحــاديث يمكن أن نســميه بــالمنهج التــاريخي‪ .‬نحــا الكنــدي في المصــطلحات النحــو األفض ـلـ حيث عمــد‬
‫الى اللغـة العربيـة باحثـا فيهـا عن الكلمــات الــتي تعـبر بشـكل واضــح عن مــدلول الكلمــات اليونانيــة ‪ ،‬وعنــد‬
‫اســتعماله للكلمــة اليونانيــة يــذكر مــا يقابلهــا بالعربيــة مثــل (الحكمــة والفلســفة )‪ ( ،‬العنص ـرـ و األســقطس)‪،‬‬
‫( الهيــولى والمــادة )‪....‬الخ‪ ،‬من تالميــذه أحمــد بن محمــد الخرســاني وأحمــد بن الطيب السرخســي‪ ،‬وأبــو‬
‫زيد البلخي‪.8‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬قضايا المدرسة الكندية‪.‬‬


‫‪ - 7‬محمد علي أبو ريان ‪"،‬تاريخ الفكر الفلسفي في اإلسالم " ‪،‬دار المعرفة الجامعية ‪،‬ب ط ‪،‬اإلسكندرية ‪ ، 2007‬ص‪213‬‬
‫‪ - 8‬حنا الفاخوري ‪ ،‬خليل الجر ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪68‬‬

‫‪5‬‬
‫تناول الكندي في فلسفته ثالث قضاياـ رئيسية وهي اهلل‪ ،‬العالم‪ ،‬النفس‬

‫‪ -‬القضية األولى اهلل‪:‬‬

‫فاهلل من حيث طبيعته هو اإلنية الحقة( التي لم تكن ليس وال تكون أبدا لم يزل وال يزال أيس أبدا )‬

‫اإلنيـة ‪ :‬هي الوجـود‪ ،‬الليس‪ :‬هـو الالموجـود‪،‬ـ األيس‪ :‬هـو الموجـود‪،‬ـ فاهلل هـو الوجـودـ التـام الـذي لم يسـبقه‬
‫وج ــود وال ينتهي لــه وجــود وال يكــون وج ــود إال بــه وهــو كــذلك من حيث الصــفات واح ــد تــام‪ ،‬وللكن ــدي‬
‫ب ــراهين على إثب ــات وج ــود اهلل وه ــو يس ــتند إلى الح ــدوث والك ــثرة والنظ ــام الت ــدبير‪ ،‬والبره ــان األول ه ــو‬
‫برهان الحدوث‪ :‬فالشيء عنده ال يمكن أن يكون علة لذاته أي ال يمكن أن يكون موجودا لذاته‪ ،‬اذ العالم‬
‫متن ــاه أي أن ل ــه بداي ــة في ال ــزمن وم ــا دام متناهي ــا فه ــو موج ــود‪ ،‬إذا فه ــو ح ــادث وال ب ــد ل ــه من مح ــدث‪،‬‬
‫ومحدثه هو اهلل ‪.‬‬

‫البرهــان الثــاني الــذي اتخــذه على وجــود اهلل فهــو برهــان الكــثرة‪ :‬فقــد رأى الكنــدي أن األشــياء المحسوســة‬
‫متك ــثرة ب ــاألنواعـ و متح ــدة باألجن ــاس‪ ،‬ف ــالحيوان مثال واح ــد ب ــالجنس‪ ،‬كث ــير ب ــاألنواعـ ( الحص ــان‪ ،‬الق ــط‪،‬‬
‫الجمل‪...‬الخ) فاالشتراك في الوحدة يرجـع إلى علـة أولى مـا بعـدها علـة‪ ،‬وهي علـة اشـتراكهاـ في الوحـدة‬
‫وهذه العلة األولى هو اهلل ( سبحانه وتعالى )‪.‬‬

‫أمــا البرهــان الثــالث هــو برهــان التــدبير‪ :‬وهــو دليــل الغائيــة في الوجــودـ المحســوس فالعــالم المحســوسـ لم‬
‫يوجــد عبثــا بــل ال بــد لــه من مــدبر‪ ،‬وال يمكن معرفــة المــدبر إال بمعرفــة تــدبيره وهــو الكــون المحســوس‬
‫المنتظم‪ ،‬وهذا الدليل اقتبسه الكندي من أرسطوـ‪.9‬‬

‫‪ -‬القضية الثانية العالم‪:‬‬

‫يرى الكندي أن العالم خلق من العدم ‪ ،‬وهذا الرأي يخالف رأي أرسطوـ الذي يقـول بـأن العـالم قـديم وأنـه‬
‫ليس مخلوقـاـ من العــدم ‪ ،‬اســتطاع الكنــدي أن يصــل إلى دليــل أصــيل لخلــق العــالم يــبين فيــه أن العــالم ليس‬
‫بقديم ‪ ،‬كما كـان يقـول أرسـطو ‪ ،‬واتفـق الكنـدي مـع أرسـطو في فكـرة مفادهـا أن الحركـة وإ ن كـانت تبـدو‬
‫عملية ال متناهية فإن مصدرهاـ الثبات وأن هذه الكينونة الثابتة هي التي حولت الثبات إلى حركة ‪.‬‬

‫وبمـا أن الـزمن في حقيقتـه متنـاهي فال بـد أن تكـون لـه بدايـة‪ ،‬وبمـا أنـه مقيـاس الحركـة(هي حركـة الجـرم‬
‫أو الكتل ــة ف ــإذا ك ــان ج ــرم ك ــانت حرك ــة‪ ،‬والج ــرم متن ــاه وحركت ــه متناهي ــة وال يمكن أن نتخي ــل زمن غ ــير‬

‫‪ - 9‬محمد علي أبو ريان ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪219-218‬‬

‫‪6‬‬
‫متنــاهي)‪ ،‬والحركــة اليمكن أن تكــون بــدون الموجــودات المتحركــة في العــالم ‪ ،‬فالحركــة محدثــة والعــالم‬
‫محدث ألن له بداية في الزمن‪ ،‬وهو مخلوق هلل تعالى‪.10‬‬

‫‪ -‬القضية الثالثة النفس‪:‬‬

‫يجمع الكندي في مســألة النفس بين رأي الحكيمين أفالطــون وأرســطوـ وال نعــرف للكنــدي رأيــا خاصــا في‬
‫النفس‪ ،‬ويقــول أنهــا أي النفس "تماميــة جــرم طــبيعي ذي آلــة قابلــة للحيــاة وهي أيضــا اســتكمال أول لجســم‬
‫طــبيعي ذو حيــاة بــالقوة‪ " :‬هــذا مــا كــان فيــه الكنــدي على رأي أرســطو‪ ،‬أمــا النفس في رأي أفالطــون هي‬
‫"جــوهرـ عقلي متحــرك من ذاتــه‪ ،‬وهي جــوهر اآلهي بســيطـ ال طــول لــه والعــرض وال عمــق‪ ،‬وهي نــور‬
‫الب ــارئ والع ــالم الش ــريف ال ــذي تنتق ــل إلي ــه نفوس ــنا بع ــد الم ــوت‪ ،‬وه ــو مقامه ــا األب ــدي ومس ــتقرهاـ ال ــدائم ‪،‬‬
‫فــالنفس عنــد الكنــدي خالــدة حيث يقــول " إنمــا نجيء في هــذا العــالم في شــبه المعــبر والجس ـرـ الــذي يجــوز‬
‫عليــه الســيارة‪ ،‬ليس لنــا مقــام يطــول و أمــا مقامنــا ومســتقرناـ الــذي نتوقــع فهــو العــالم األعلى الشــريف الــذي‬
‫تنتقل إليه نفوسنا بعد الموت "‪.11‬‬

‫لكنه ال يقطـع شـيء فيمـا إذا وجـدت النفس قبـل البـدن على رأي أفالطـون أو وجـدت معـه‪ ،‬وعالقـة النفس‬
‫بالبدن عارضة وهي ال تفعل أفعالها إال بالبدن‪ ،‬وهي متحدة به ولكنهاـ تبقى بعد فنائه‪.‬‬

‫ويقســم الكنــدي قــوى النفس إلى الحاســة والمتوســطة والعاقلــة ‪ ،‬أمــا القــوى الحاســة فهي الــتي تــدرك صــور‬
‫المحسوساتـ في مادتهـاـ وآالتهـا الحـواس الخمس ‪ ،‬أمـا القـوى المتوسـطة فهي القـوى المصـورة والمتخيلـة‬
‫وهي ال ــتي توجـ ـدـ ص ــور األش ــياء من غيب ــة حوامله ــا عنه ــا وتعم ــل في ح ــالتي (الن ــوم واليقظ ــة ) والق ــوى‬
‫العاقلة فهي التي تدرك صور المجردات دون مادة ‪ ،‬أي القدرة على التفكير ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬بعض ردود األفعال تجاه الندرسة الكيندية‬

‫‪ -1‬رد فعل المستشرقين‪:‬‬

‫ســوف نعــرض بعض اآلراء الــتي دارت حــول الفلســفة اإلســالمية حيث اختلــف البــاحثون في تقــدير منزلــة‬
‫الفلس ـ ـ ــفة اإلس ـ ـ ــالمية من ال ـ ـ ــتراث اإلنس ـ ـ ــاني الفلس ـ ـ ــفي‪ ،‬فانقس ـ ـ ــم المستش ـ ـ ــرقونـ إلى قس ـ ـ ــمين المستش ـ ـ ــرقون‬
‫المجحفون‪ ،‬المستشرقون المنصفون‪.‬‬

‫فأمــا المستشــرقون المجحفين ‪ :‬فأصــحاب هــذا الــرأي ينكــرون على فالســفة اإلســالم الجــدة واألصــالة في‬
‫تفكيرهم الفلسفي ويعتبرونهم مجرد نقلة للتراث اليوناني الفلسفي وهــذه الطائفــة تبــدي آراءهـا على أســاس‬

‫‪ - 10‬محمد علي أبو ريان ‪"،‬المرجع نفسه ص‪321‬‬


‫‪ - 11‬حنا الفاخوري ‪ ،‬خليل الجر ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪78 – 76‬‬

‫‪7‬‬
‫دعوى عنصرية خطــيرة تشـكك في قـدرة العقــل العــربي على التفلســف وتـرىـ أنـه ليس في مقـدور العـرب‬
‫أن يتفلس ــفوا ألنهم جنس س ــامي و أن ه ــذا الجنس ال ق ــدرة ل ــه على تن ــاول األم ــورـ المج ــردة بينم ــا الجنس‬
‫اآلري "اليونــانيون القــدماء منهم" هم وحــدهمـ أصــحاب المقــدرة على ذلــك ومن بين المستشــرقينـ المجحفين‬
‫رين ــان‪ Rénan‬حيث ق ــال به ــذا الص ــدد‪ « :‬أن ــا أول من ع ــرف الجنس الس ــامي إذا قوب ــل ب ــالجنس الهن ــدي‬
‫واألوروبيـ يعتبر حقا تركيباـ أدنى للطبيعة اإلنسانية‪ ،‬فالروح السامية تمتاز بالوحدة والبساطة أما الــروح‬
‫اآلريـ ــة فإنهـ ــا تمتـــاز بـــالكثرة والتعقيـ ــد والســـاميون يعتنقـ ــون التوحي ــد المطل ــق ال ــذي يتمشـ ــى مـ ــع فطـ ــرتهمـ‬
‫الســاذجة‪ ،‬وقــد أثــر هــذا على نظمهمـ السياســية واالجتماعيــة والدينيــة »‪ ،‬وبنــاء على هــذا الــرأي الــذي ســاقه‬
‫رينــان‪ ،‬فإنــه يمتنــع على العقليــة اإلســالمية الــتي تنتج آراء علميــة أو مــذاهب فلســفية وبــذلك تكــون الفلســفة‬
‫اإلسالمية نوعا من التكرار للفلسفة اليونانية‪.12‬‬

‫أما المستشرقين المنصفين‪ :‬فهذا الفريق يرى أن اإلنســان الشـرقيـ لـه من الخصـائص العقليــة الطبيعيـة مــا‬
‫لإلنسـ ـ ــان في أي مكـ ـ ــان ومن أي جنس يتحـ ـ ــدد‪ ،‬ومن بين هـ ـ ــذه الخصـ ـ ــائص العمـ ـ ــل العقلي المنظمـ وهـ ـ ــذه‬
‫الخاصية اصطلح عليه باسم الفلسفة وفي هذا يقول مؤرخ الثقافـة العقليـة ويليـام ديلـتي ‪:Wiliam Dilthy‬‬
‫« أن الغرب مدين للعرب في توسع نطاق الجبر اليوناني‪ ،‬وهم بال شك قد هينوا األمــر بتقــدمهم الخــاص‬
‫إلى نشـ ــأة العلم الطـ ــبيعي الحـ ــديث‪ ،‬فتوسـ ــعواـ في الكيميـ ــاء عمـ ــا وصـ ــلت إليهم من مدرسـ ــة اإلسـ ــكندرية‪،‬‬
‫وأوجــدوا عــدة مستحضــرات كيمياويــة كمــا تقــدموا في الرياضــياتـ واســتخدموها كآلــة للتقــدير الكمي ( في‬
‫المساحة) »‪.13‬‬

‫ويقول مونتت ‪ Montet‬في كتابه "اإلسالم" متحدثا عن الفلسفة اإلسالمية‪:‬‬

‫«‪....‬ورأين ــا أن س ــر نف ــوذ أرس ــطو العجيب على العق ــل الع ــربي وعلى المس ــلمين جميع ــا ه ــو أن طريق ــة‬
‫تفكـــيره ســـواء أكـــان في الناحيـــة العلميـــة التجريبيـــة أم المنهجيـــة المنطقي ــة ‪ ،‬فيم ــا ع ــدا ذل ــك فـــإن الفلســـفة‬
‫اإلس ـ ــالمية وإ ن ك ـ ــانت تب ـ ــدو في مب ـ ــدئها وجوهرهـ ـ ـاـ أرس ـ ــطية إال أنه ـ ــا ليس ـ ــت ص ـ ــورة مك ـ ــررة لألفك ـ ــارـ‬
‫اإلغريقيـــة‪ ،‬إذ العـــرب وإ ن احـــترمواـ اإلغريـــق كأســـاتذة لهم إال أنهم فهم ــوا كي ــف يحتفظ ــون حقـــا بطـــابع‬
‫األصــالة الــذي جعــل لكتبهم ورســائلهم الجــدة الخالصــة »‪ ،‬هــذا وقــد حضــر المفكــر المســلم رينييــه قينــون‬
‫‪ Réné Guenon‬المســـمى عبـــد الواحـــد يحي بعـــد إســـالمه كت ــاب" أزم ــة الع ــالم الح ــديث" كتـــاب باللغـــة‬
‫الفرنســية "‪ " La Crise Du Monde Moderne‬حــذر من ماديــة الحضــارة الغربيــة وأشــادـ بروحانيــة‬
‫الشرق ومن بين أقواله الجميلة‪ «:‬إن شئت التعرف على الميتافيزيقا فعليك بالعرب »‪ ،‬كما دافــع دوغــات‬

‫‪ - 12‬حنا الفاخوري ‪ ،‬خليل الجر ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪180-177‬‬


‫‪ - 13‬المرجع نفسه ص ‪26‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ Dugat‬عن الفلســفة اإلســالمية وذكــر‪ «:‬أن عقليــة ابن ســينا اليمكن إال أن تنتج جديــدا وطريفــا في ميــدان‬
‫الفكر»‪.14‬‬

‫‪ -2‬رد فعل الغزالي وابن تيمية‪:‬‬

‫كـ ـ ــان عصـ ـ ــر أبـ ـ ــو حامـ ـ ــد الغـ ـ ــزالي المولـ ـ ــودـ (‪450‬هـ‪1058/‬م) المتـ ـ ــوفى (‪505‬هـ‪1111/‬م) يعج بـ ـ ــالفرق‬
‫اإلسالمية فــآل على نفسـه أن يعـرف كـل هـذه الفــرق ليتـبين لـه الحــق من الباطــل‪ ،‬ومن هنــا بــدأ رحلتـه في‬
‫المعرفة التي كــانت سـائدة في زمانــه فتعـرفـ على كــل الفــرق معرفـة الـدارس الممحص و عـرف من بين‬
‫ه ــذه الفــرق الفالس ــفة‪ ،‬فهض ــم مــا عنــدهم و كتب في ذل ــك كت ــابين أحــدهما "مقاص ــد الفالس ــفة" ع ــرض فيــه‬
‫آراهم دون نقص خاصـ ــة ابن سـ ــينا و الفـ ــارابيـ و كتابـ ــا أسـ ــماه "تهـ ــافت الفالسـ ــفة" رد فيـ ــه على مـ ــزاعيم‬
‫الفالســفة في قضــاياـ الفلســفة الرئيســية في زمانــه كاهلل و العلم و النفس‪ ،‬أمــا وجــودـ اهلل عــز وجــل فالــدليل‬
‫علي ــه عن ــده ه ــو دلي ــل الص ــنعة ال ــتي ت ــدل على الص ــانع يق ــول في كتاب ــه إحي ــاء عل ــوم ال ــدين إن ه ــذا األث ــر‬
‫العجيب و الــترتيب المحكم ال يســتغني عن صــانع يــدبره و فاعــل يحكمــه و يقــدره بــل تكــاد فطــرة النفــوس‬
‫تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره و مصرفه بمقتضىـ تـدبيره و يثبت الغــزالي هلل الصـفات الـتي وصــف‬
‫بها اهلل تعالى نفسه‪.‬‬

‫و العالم عنده مخلوق اهلل و هو حادث ‪،‬و اهلل هوالــذي أحدثــه ‪،‬أمــا قــول الفالسـفة بقــدم العـالم ‪،‬فال يــرى لـه‬
‫تخريجاـ مقبوال‪ ،‬و ينتقد الغزالي نظرية الفيض عند الفارابي وابن سينا و يــرى أنهــا تعطيــل لصــفة الخلــق‬
‫عنــد الحــق عــز وجــل أمــا خلــود النفس و بقائهــا عنــد المــوت‪ ،‬فــيرىـ الغــزالي أن النفــوس الطيبــة تخلــد في‬
‫الجنة و الخبيثة في النار‪ .‬وهنا نرى أن الغـزالي وإ ن اختلــف مـع الفالسـفة كالفــارابي وابن سـينا في كثـير‬
‫ممـــا ذهبـــوا إليـــه‪ ،‬من مـــذهب أهـــل اليونـــان في القـــول بقـــدم الع ــالم وب ــالفيض ب ــدال من الخل ــق من العـــدم‪،‬‬
‫فالغزاليـ يتفق مع هؤالء في فرع من فروع المعرفة‪ ،‬وهو المعرفة الحدسية‪.‬‬

‫و يختلـ ـ ــف ابن تيميـ ـ ــة (‪ 1263/ 661‬م)(‪ )723/1328‬عن الغـ ـ ــزالي في أنـ ـ ــه لم يقبـ ـ ــل من الفالسـ ـ ــفة ال‬
‫المقدمات وال النتائج ونعى عليهم اعتمادهم على العقل وحده وسيلة للمعرفة فأنكر أدلـة القـائلين بـالواجب‬
‫الوجــود‪ ،‬والممكن الوجــود في إثبــات وجــود اهلل تعــالى‪ ،‬إن القــائلين بــواجب الوجــودـ لم يقيمــوا دليال على‬
‫واجب الوجــود فــإنهم جعلــوا وجــوده موقوفــا على إثبــات الممكن الــذي يــدخل فيــه القــديم ‪،‬فال يمكن إثبــات‬
‫واجب الوجــود على طــريقتهمـ إال بعــد إثبــات ممكن قــديم‪ ،‬وهــذا ممتنــع في بديهــة العقــل ‪ ،‬والــواجب الــذي‬
‫أثبت ــوه ق ــالوا‪ :‬إن ــه يمتن ــع اتص ــافه بص ــفة ثبوت ــه‪ ،‬وق ــالوا ال يك ــون ص ــفة وال موص ــوفاـ البت ــة‪ ،‬وه ــذا ممتن ــع‬
‫الوج ــود‪ ،‬ال ممكن الوج ــود فض ــال عن أن يك ــون واجب الوج ــود‪ ،‬وفن ــد ابن تيمي ــة آراء الفالس ــفة في ق ــدم‬
‫‪14‬‬
‫‪http : //ar.wikibooks .org /wiki /%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84;2009‬‬

‫‪9‬‬
‫العالم ألنهم يقولون إن اهلل فاعل باإليجاب ال باالختيار‪ ،‬فاهلل عنده فاعل قادر على الفعل منــذ األزل لكنــه‬
‫فاعـ ــل باالختيـ ــار ألن االختيـ ــار صـ ــفة تناسـ ــب اإللـ ــه‪ ،‬فلـ ــه أن يفعـ ــل وأن ال يفعـ ــل مـ ــع قدرتـ ــه على الفعـ ــل‬
‫والتركـ ‪ ،‬فال يجب عليه شيء‪ ،‬وقد علمنا من الفارابي وابن سينا أن اهلل خلــق العــالم ضــرورة‪ ،‬وهــذا هــو‬
‫الــذي جعــل ابن تيميــة يقــف مضــادا لهــذين الــرأيين حيث يــرى أن المعرفــة النقليــة ال تضــادـ العقــل بــل إن‬
‫صريح المعقول عنده ال يتعارض مع صحيح المنقول‪.15‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫بهــذا يكــون الكنــدي قد عــالج أهم الموضــوعاتـ الفلســفية الــتي عالجها الحكمــاء األقــدمون من قبله‬
‫وله يعــود الفضل في أن عــرف العــرب مــذاهب لم يألفوها من ذي قبل ويخــوض أمــامهم في موضــوعات‬
‫لم تجد إلى أذهانهم بعد منفذا ‪ ،‬إن المهمة كانت شاقة لكن الكندي عرف كيف يؤديها على أحسن وجه ‪.‬‬

‫كان ال بد من أن تقضــي المواجهـة بين الفلســفة والـدين إمــا إلى تعــارض أو تـأثير أو تـأثر أو تــزاوج على‬
‫أي صورة من انتشار التيارات الثقافية فقد كان من المؤكدـ أال يتجاهـل الــدين القضـايا الفلســفية ومســلماتها‬
‫ال س ــيما عن ــد الخص ــوص أي أرب ــاب النظ ــر العمي ــق ‪،‬فعن ــدما توغ ــل المس ــلمون في الفلس ــفة وفي ش ــروح‬
‫‪15‬‬
‫‪- http : //ar.wikibooks .org /wiki /%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84;2009‬‬

‫‪10‬‬
‫أرســطوـ ومنطقــه وأصــبحوا أســاتذة وطــال بــاعهم في التفلســف‪ ،‬حصــلت في القــرن الثــاني عشــر والثــالث‬
‫عش ــر للميالد حرك ــة ترجم ــة عكس ــية من العربي ــة إلى الالتيني ــة‪ ،‬وقـ ـدـ أث ــرت ه ــذه الترجم ــات على الفك ــر‬
‫األوروبي وأعـ ــادت إلى األوربـ ــيين الـ ــتراث اليونـ ــاني منقحـ ــا ومشـ ــروحاـ ومعلقـ ــا عليـ ــه وعرفـ ــواـ ابن سـ ــينا‬
‫بأفيش ــينا‪ ،‬وكــان كت ــاب الق ــانون في الطب البن ســينا ي ــدرس في جامع ــات فرنس ــا إلى القــرن الثــالث عشــر‬
‫الميالدي كمــا عرفتــه أيضــا قاعــات أكســفوردـ إلى نهايــة القــرن الثــالث عشــر الميالدي‪ ،‬وقــد كــانت الفلســفة‬
‫اإلســالمية الجســر الــذي نقــل الفلســفة اليونانيــة إلى أوروبــا‪ .‬وبهــذا نخلص إلى أن المســلمين أنتجــوا فلســفة‬
‫خاصة بهم جديرة بأن تسمى فلسفة إسالمية أسهم فيها مفكروا اإلسالم من الشعوب اإلسالمية المختلفة‪.‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫‪ ‬حنا الفاخوريـ ‪ ،‬خليل الجر ‪" ،‬تاريخ الفلسـفة العربيـة" (الفلسـفة العربيـة في الشـرق والغـرب) ‪،‬ج‬
‫‪،2‬دار الجيل‪ ،‬ط‪ ، 2‬بيروت‪. 1993‬‬

‫‪ ‬محمـ ــد عبـ ــد العزي ـ ـزـ المعايطـ ــة‪" ،‬الفلسـ ــفة اإلسـ ــالمية"‪،‬دار الحامـ ــد للنشـ ــر والتوزيـ ــع ‪،‬ط‪،1‬عمـ ــان‪-‬‬
‫األردن ‪.2008‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ ‬محم ـ ـ ــد علي أب ـ ـ ــو ري ـ ـ ــان ‪"،‬ت ـ ـ ــاريخ الفك ـ ـ ــر الفلس ـ ـ ــفي في اإلس ـ ـ ــالم " ‪،‬دار المعرف ـ ـ ــة الجامعي ـ ـ ــة ‪،‬ب‬
‫ط ‪،‬اإلسكندرية ‪.2007‬‬

‫‪ ‬هنري كوربان و حسين نصر و عثمان يحي‪" ،‬تاريخ الفلسفة اإلسالمية" ‪،‬ترجمة نصيرـ مروة و‬
‫حسين قبسي‪ ،‬عويدات للنشر والطباعة ‪،‬ب ط ‪ ،‬بيروت لبنان‪.2004‬‬

‫‪‬‬ ‫‪http : //ar.wikibooks .org /wiki /%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84;2009‬‬

‫‪12‬‬

You might also like