You are on page 1of 10

‫المبحث الثاني‪ :‬اإلطار المفاهيمي والتحليلي لتسييرـ المعـارف‬

‫إن تسييرـ المعارف من أهم الموارد والمقارباتـ البالغة األهمية في هذا العصر‪ ،‬ومن هذا المنظورـ على‬
‫المؤسساتـ إدراك أهميتها وكل الممارسات المتعلقة بها‪ ،‬من أجل التحكم في تسييرهاـ وتحقيق التميز في‬
‫أدائها‪ ،‬ويتناولـ هذا المبحث ماهية تسيير المعارف‪ ،‬عملياتها‪ ،‬استراتيجياتها‪،‬ـ نماذجها‪ ،‬ومشكالت‬
‫تطبيقها‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ماهية تسيير المعارف‬

‫نتناول في هذا المطلب كل من مفهوم تسيير المعارفـ وأهميته وعناصره‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم تسيير المعارف‬

‫لمفهوم تسيير المعارفـ عدة مداخل مما أدى إلى تعدد وتنوع التعاريف المقدمة له حيث يعرف‬
‫‪ Finneran‬تسيير المعارف على أنه "نظام وثيق يساعد على نشر المعرفة سواء على المستوى الفردي‬
‫أو الجماعي‬

‫من خالل المؤسسة بهدف رفع مستوىـ إدارة العمل‪ ،‬وهو يتطلع إلى الحصول على المعلومات المناسبة‬
‫في السياق الصحيح في الوقت المناسب للعمل المقصود"‪ ،‬وعليه يعمل تسيير المعارفـ على التجميع‬
‫المنظم‬

‫للمعلومات من مصادر داخل المؤسسة وخارجها‪ ،‬وتحليلها‪ ،‬وتفسيرها‪ ،‬واستنتاج مؤشراتـ تستخدم في‬
‫اتخاذ القرار وتوجيه نشاطات المؤسسة مما يؤدي إلى تحسين أدائها‪ .‬كما ينظر عادة لتسيير المعارف‬
‫كعملية يمكن تعريفها على "أنها تسييرـ واضح ومنهجي للمعارف والعمليات الحيوية المرتبطة به من‬
‫خلق‪ ،‬جمع‪ ،‬تنظیم‪ ،‬نشر‪ ،‬استخدام واستغالل‪ ،‬هذا ما يتطلبه تحويل المعرفة الشخصية إلى معرفة‬
‫تعاونية محوكمة والتي يمكن أن تكون مشتركة على نطاق واسع في جميع‬

‫أنحاء المؤسسة ويمكن تطبيقها بشكل مناسب"؛‪ 2‬وبالتاليـ فهدف تسيير المعارف هو تسيير المعارف‬
‫والمهاراتـ والكفاءات واالتصاالت وتعظيم أداء المؤسسة‪ ،‬والذي سوفـ يتحقق من خالل انشاء وتبادل‬
‫المعرفة‪ ،‬وكذا االستفادة من الرأسمال الفكري الذي يتجسد في تنظيم وتحويلـ هذه المعارفـ إلى ميزة‬
‫تنافسية مستدامة من خالل تحسين أداء األعمال‪ .‬إن تسيير المعارفـ من منظور تسييرـ الموارد‬
‫البشرية‪ ،‬هو أكثر من مجرد إدارة نظم المعلومات واألفراد‪ ،‬وإ نما هو تسيير فعال يسهل عملية اكتساب‬
‫المعرفة من قبل األفراد ويشجعهم على تطبيق معارفهمـ لصالح المؤسسة بحيث يتم تحقيق التميز في‬
‫األداء‪5.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪3‬‬

‫نعيم إبراهيم الظاهر‪ ،‬إدارة المعرفة‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬جدارا للكتاب العالمي‪ ،‬األردن‪،2009 ،‬‬

‫ص‬

‫‪78.‬‬

‫وعليه فإن تسيير المعارف هو "عملية نظامية تكاملية تستهدفـ تنسيق فعاليات المؤسسة بقصد تحقيق‬
‫أهدافها‪ ،‬كما تعد منهجا لالرتقاء باألداء المؤسسيـ باعتماد الخبرة والمعرفة‪ ،‬وهنا يظهر البعد التطبيقي‬
‫لتسييرـ المعارف الذي يشير إلى توفيرـ األساليب والممارسات والوسائل المناسبة لتوليد المعرفة وتداولهاـ‬
‫ويظهرـ هذا البعد متجسدا في المركز التنافسي للمؤسسة"‪ ،‬فتسيير المعارف هو الجهد المنظمـ الواعي‬
‫الموجه من قبل مؤسسة ما‪ ،‬من أجل اكتساب‪ ،‬جمع‪ ،‬تولید‪ ،‬خزن‪ ،‬نشر وتطبيق كافة أنواع المعرفة‬
‫ذات العالقة بنشاطـ تلك المؤسسة‪ ،‬وجعلها جاهزة للتداول‪ ،‬اإلستعمال والمشاركة بين أفرادهاـ وهياكلهاـ‬
‫وأنظمتها‬

‫بما يرفع مستوى كفاءة اتخاذ القرارات ويحسن األداء التنظيميـ والتنافسي للمؤسسة‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أهمية تسيير المعارف‬

‫يمكن إجمال أهمية تسيير المعارف في مجموعة من النقاط منها‪2:‬‬

‫بعد تسييرـ المعارف فرصة كبيرة للمؤسسات لتخفيض التكاليف ورفع موجوداتها الداخلية لتوليد‬

‫اإليرادات الجديدة؛‬

‫• يعد عملية نظامية تكاملية لتنسيقـ أنشطة المؤسسة المختلفة في اتجاه تحقيق أهدافها؛‬

‫• يعزز قدرة المؤسسة لالحتفاظ باألداء المؤسسي المعتمد على الخبرة والمعرفة وتحسينه؛‬

‫يتيح تسيير المعارفـ للمؤسسة تحديد المعرفة المطلوبة وتوثيق المتوافر منها وتطويرها والمشاركة‬

‫بها وتطبيقهاـ وتقييمها؛‬


‫• يعد تسيير المعارفـ أداة المؤسساتـ الفاعلة الستثمار رأسمالها الفكري من خالل جعل الوصول إلى‬
‫المعرفة المتولدة عنها بالنسبة لألشخاص اآلخرين المحتاجين إليها عملية سهلة وممكنة؛‬

‫أداة بعد لتشجيع القدرات اإلبداعية للموارد البشرية لخلق معرفة جيدة والكشف المسبق عن العالقات‬
‫غير المعرفة والفجوات في توقعاتهم؛‬

‫يسهم في تحفيز المؤسسات لتجديد ذاتها ومواجهة التغيرات البيئية غير المستقرة؛‬

‫يوفرـ الفرصة للحصول على الميزة التنافسية الدائمة للمؤسساتـ عبر مساهمتها في تمكين المؤسسة‬

‫من تبني المزيد من اإلبداعات المتمثلة في طرح سلع وخدمات جديدة؛‬

‫• يدعم الجهود لالستفادة من جميع الموجودات المادية والالمادية بتوفير إطار عمل لتعزيزـ المعرفة‬

‫التنظيمية؛‬

‫يساهم في تعظيم قيمة المعرفة ذاتها عبر التركيزـ على المحتوى‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ا بسمان فيصل محجوب‪ ،‬عمليات إدارة المعرفة‪ :‬مدخل للتحول إلى جامعة رقمية‪ ،‬المؤتمر العلمي‬
‫الدولي السنوي الرابع "إدارة المعرفة في العالم العربي"‪ ،‬جامعة الزيتونة األردنية – كلية االقتصادـ‬
‫والعلومـ اإلدارية‪ ،‬األردن‪ 28-26 ،‬نيسان (أبريل) ‪ ،2004‬ص ص ‪.8 -3‬‬

‫محمد عواد الزيادات‪ ،‬اتجاهات معاصرة في إدارة المعرفة‪ ،‬دار صفاء للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪،2008‬‬

‫ص‬

‫‪60.‬‬

‫باإلضافة إلى أنه‪ :‬يساعد في نشر المعلومات والمعرفة بين جميع المواردـ البشرية في المؤسسة مما‬
‫يؤديـ إلى زيادة تمكين العاملين ورفع مستوى األداء وتحقيق كفاءة وفاعلية اإلنجازـ المستهدف؛‬

‫• مصدر إستراتيجي يدعم المؤسسة في تحقيق أهدافها على المدى البعيد والمتوسط والقريب؛‬

‫يزيد من القدرة التنافسية للمؤسسة ويجعلها سالحا تنافسيا فعاال إزاء المنافسين؛‬

‫زيادة مشاركة العاملين نظرا لسهولة الوصولـ إلى كافة المعلومات المتعلقة بالمؤسسة وأهدافها‬
‫وسياساتها‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬عناصر تسيير المعارفـ‬

‫ويتضمن تسيير المعارفـ عناصر عديدة منها‪:‬‬

‫• التعاون‪ :‬وهو المستوى الذي يستطيع فيه األفراد ضمن الفريق مساعدة بعضهم البعض في مجال‬
‫عملهم؛‬

‫• الثقة‪ :‬أي الحفاظ على مستوىـ مميز ومتبادل من اإليمان بقدرات البعض على مستوى النوايا‬
‫والسلوكـ والثقة يمكن أن تسهل عملية التبادل المفتوح‪ ،‬الحقيقي والمؤثرـ للمعرفة؛ التعلم‪ :‬أي عملية‬
‫اكتساب المعرفة الجديدة من قبل األفرادـ القادرين والمستعدين الستخدام تلك المعرفة في اتخاذ القرارات‬
‫أو بالتأثيرـ على اآلخرين‪ ،‬والتركيزـ على التعلم يساعد المؤسسات على تطوير األفراد بما يؤهلهمـ للعب‬
‫دور أكثر فاعلية في عملية انشاء المعرفة؛ المركزية‪ :‬تشير إلى تركيزـ صالحيات اتخاذ القرار والرقابة‬
‫بيد الهيئة التنظيمية العليا للمؤسسة‪،‬‬

‫وإ ن خلق المعرفة يحتاج إلى المركزية عالية؛ الرسمية‪ :‬أي المدى الذي تتحكم به القواعد الرسمية‪،‬‬
‫السياسات واإلجراءات القياسية بعملية اتخاذ القرارات وعالقات العمل ضمن إطار المؤسسة‪ ،‬وخلق‬
‫المعرفة يحتاج إلى مستوىـ عالي من المرونة في تطبيق اإلجراءات والسياسات مع تقليل التركيز على‬
‫قواعد العمل؛ الخبرة الواسعة والعميقة‪ :‬وتعني أن تكون خبرة األفراد العاملين في المؤسسة واسعة‬
‫ومتنوعة‬

‫وعميقة ومتخصصة؛‬

‫• تسهيالت ودعم نظام تكنولوجياـ المعلومات‪ :‬أي مستوى التسهيالت التي يمكن أن توفرها تكنولوجيا‬
‫المعلومات لدعم تسييرـ المعارف‪ ،‬وهي بذلك تشكل عنصر حاسم في عملية انشاء‬

‫المعرفة؛‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫خضیرـ کاظم حمود‪ ،‬مؤسسة المعرفة‪ ،‬دار صفاء للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2010 ،‬ص ‪.58‬‬

‫عبد الستار حسین یوسف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.9 -3‬‬


‫• اإلبداع التنظيمي‪ :‬أي القدرة على خلق القيمة‪ ،‬المنتجات‪ ،‬الخدمات‪ ،‬واألفكارـ أو اإلجراءات المفيدة‬
‫عن طريق ما يبتكره األفرادـ الذين يعملون معا في نظام اجتماعي حاذق ومعقد‪ ،‬والمعرفة تلعب‬

‫دورا مهما في بناء قدرة المؤسسة اإلبداعية‪.‬‬

‫وهذا يعني أن المؤسسة مجبرة على كشف والتقاط المعرفة التي يمتلكها العاملين واستغاللهاـ والمشاركة‬
‫في استخدامها لتحقيق التميز في األداء وزيادة حصتها السوقية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬إستراتيجيات تسييرـ المعرفة‬

‫يتم توظيف المعرفة الصريحة والضمنية من قبل المؤسسة من خالل تبني عدة إستراتيجيات منها‪:‬‬
‫إستراتيجية الترميز‪ ،‬إستراتيجية الشخصنة‪ ،‬وإ ستراتيجية جانبي الطلب والعرض‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬إستراتيجية الترميزـ‬

‫تعتمد هذه اإلستراتيجية على المعرفة الصريحة بوصفها معرفة قياسية‪ ،‬رسمية قابلة للوصف‪ ،‬التحديد‪،‬‬

‫القياس‪ ،‬النقل والتقاسم ويمكن تحويلهاـ بسهولة إلى قواعد بيانات وقواعدـ للمعرفة القياسية‪ ،‬ويمكن من‬
‫خالل شبكة المؤسسة تعميمها على جميع العاملين من أجل اإلطالع عليها واستيعابهاـ وتوظيفهاـ في‬
‫أعمال المؤسسة المختلفة؛ فهذه اإلستراتيجية والتي تسمى أيضا بنموذج مستودع المعرفة تعمل على‬
‫تجميع المعرفة الداخلية والخارجية في نظام توثيقـ المعلومات أو مستودع المؤسسة وجعله متاحا‬
‫للعاملين في عملية تبادل المعرفة بخطوتين‪ :‬نقل المعرفة من الفرد إلى المستودع‪ ،‬وفيماـ بعد من‬
‫المستودعـ إلى الفرد‪ ،‬وبالتالي فإن هذه اإلستراتيجية هي بمثابة األسلوب الذي يحقق اقتصاديات الحجم‬
‫في المعرفة ألن المعرفة المرمزة يعاد استخدامهاـ المرة تلو المرة بما يحسن من مستوى المعرفة في‬
‫كل مرة تستخدمـ فيها‪2.‬‬

‫ا المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪ 2‬نجم عبود نجم‪ ،‬إدارة المعرفة (المفاهيم واإلستراتيجياتـ والعمليات)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪،162‬‬
‫‪.163‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إستراتيجية الشخصنة‬

‫تركز هذه اإلستراتيجية على المعرفة الضمنية وهي معرفة غير قابلة للترميز القياسي‪ ،‬فهي غير‬
‫رسمية ألنها تكون حوارية تفاعلية في عالقات األفراد وجها لوجه‪ ،‬وغير قابلة للوصفـ والنقل والتعليم‬
‫والتدريبـ وإ نما قابلة للتعلم بالمالحظة المباشرة والتشارك في العمل والفريق والخبرة‪ ،‬فهذه‬
‫اإلستراتيجية والتي تسمى أيضا بنموذج شبكة المعرفة ال تحاول أن ترمز أو تستخرج المعرفة من‬
‫األفرادـ بل الفرد الذي يمتلك‬

‫المعرفة هو الذي ينقل الخبرة من خالل االتصال فردا لفرد‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬إستراتيجية جانبي العرض والطلب‬

‫جاء ‪ Mc Elriy‬بمفهوم إستراتيجية جانبي العرض والطلب حيث تميل األولى إلى التركيز فقط على‬
‫توزيعـ ونشر المعرفة الحالية للمؤسسة وتبعا لذلك فهي تركزـ على آليات المشاركة في المعرفة‬
‫ونشرها؛ـ أما إستراتيجية جانب الطلب فتركز على تلبية حاجة المؤسسة إلى معرفة جديدة‪ ،‬وتتجه نحو‬
‫التعلم واإلبداعـ أي التركيز على آليات توليد المعرفة‪2 .‬‬

‫ا حسین عجالن حسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫محمد عواد الزيادات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.146‬‬

‫‪2‬‬

‫‪145‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬مشكالت تطبيق تسييرـ المعارف‬

‫عند تطبيق منهج تسيير المعارف تبرزـ مشكالت كثيرة منها‪2:‬‬

‫قد يعمل منفذو نظام تسيير المعارف في عزلة عن اإلدارة العليا للمؤسسة وهذا يؤديـ إلى بناء وتطويرـ‬
‫قدرات وإ مكانات تتالءم مع معتقداتهم الشخصية وقناعاتهم باألنشطة والممارساتـ التشغيلية والوظيفية‬
‫األفضل‪ ،‬وليس تلك التي تفضلها المؤسسة وهذا بدوره قد ينشئ قدرات لن تستخدم بصورتهاـ الكاملة‬
‫والتي تؤول إلى ممارسات معينة ال تكون هي المفضلة وفقا لنظام المعرفة الذي جرى بناؤه‪ ،‬وهنا‬
‫تبرز ضرورة وأهمية التنسيقـ مع اإلدارة العليا في بناء وتطوير نظام تسييرـ المعارف للمؤسسة؛‬

‫• قد يجري ترويج نظام تسيير المعارف بصورة غير واقعية وبقدرات وإ مكانات غير واقعية وهذا قد‬
‫ينعكس في صورة فشل وإ حباطاتـ متكررة وعمليات تصفية أو حذف لبعض خطوطـ المنتجات أو‬
‫بعض المنتجات؛‬
‫في كثير من األحيان فإنه ال يجري التركيز على الفرص السوقية وعلى حاجات األعمال‪ ،‬وإ نما التركيز‬
‫على تقديم تسيير المعارفـ على أنه يمتلك قدرات وإ مكانات عامة تكشفـ قيمة تنافسية غير واضحة‬
‫وغير محددة‪ ،‬وهذا التركيز يؤدي إلى تحقيق ميزة تنافسية محدودة أقل من المتوقع‪.‬‬

‫ويشيرـ ‪ Sveiby & Lioyd‬إلى مشكالت أخرى منها‪:‬‬

‫إن الكثير من جهود تسييرـ المعارف تخفق وتفشل بعد تقديمها بسبب عدم تخصيص الموارد‬

‫البشرية والمادية الكافية لنجاحها؛ إن تطبيقـ مدخل تسيير المعارف يتطلب فهما كامال وكافياـ لألمد‬
‫الطويل قبل جهود التطبيقـ وعدم مراعاة هذا األمر ينعكس سلبيا في النتائج الجوهرية للمؤسسة‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫محمد عواد الزيادات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.115‬‬

‫‪.Ibid., p07 1‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬توليد المعرفة وتحقيقـ اإلبداع‬

‫يرى كل من ‪ Bogner & Bansal‬أن األداء التنظيمي المستدام يرتبطـ بتطويرـ القدرات من خالل‬
‫برنامج تسييرـ فعال الذي من شأنه خلق أثر فعال باستعمال المعارف الموجودة والمطورة داخليا كمدخل‬
‫لبناء المعرفة الجديدة التي تؤدي إلى اختراعات أو ابتكارات‪ ،‬حيث يؤكدـ العديد من الباحثين على‬
‫مفهوم المؤسسات التي تبني كفاءاتها على معارفها الخاصة وليس على المعرفة المكتسبة من الخارج‪،‬‬
‫وبالتاليـ يمكن توليد المعرفة أو نشرها عندما يتم تسييرها من خالل قدراتهاـ المعقدة‪ ،‬وأول هذه القدرات‬
‫هو توليد معرفة جديدة والتقاط سلسلة مستمرة من أنشطة التعلم التي تكون فيها المعرفة الجديدة مطورة‬
‫على أساس كل حدث تعلم الذي يمثل مدخالت نادرة للتعلم المستقبلي؛ كما يرى ‪ Nonaka‬أن تسيير‬
‫المعارفـ يتوضح من خالل نشر المعرفة واستغاللها وتحويلها إلى معرفة جديدة‪ ،‬بما يمكن المؤسسة‬
‫من الحصولـ على‬

‫عادات لتحويل ودمج وخلق قيمة للموارد في العمليات الروتينية‪ ،‬وعليه فإن بناء مؤسسة إبداعية‬
‫ومتعلمة يتطلب تسييرـ المعارف كشرط مسبق لتحقيق تميز األداء واألعمال‪2.‬‬

‫وبالتاليـ يعد تسيير وتوليد المعارف من أهم المقاربات التسييرية للرأسمال البشريـ مما يساعد على‬
‫تحسين القابليات اإلبداعية لدى األفراد مع توفير موارد أخرى يسمح بوجودـ تدفقات جديدة لإلبداع في‬
‫المؤسسة‬
‫والتي تظهر في شكل مخرجات (منتوجات‪ ،‬عمليات‪ ،‬أنظمة‪ ،‬حلول‪ ،‬وبراءات اختراع‪...‬إلخ)‪ ،‬والتي‬
‫يستفيد منها المستهلك النهائي‪ ،‬األسواق‪ ،‬المؤسسات اإلقتصادية‪ ،‬مراكز البحث العلمي‬
‫والجامعات‪...‬إلخ‪ .‬ويمكن توضیح تأثيرـ تسيير وتوليد المعارف على اإلبداع في المؤسسة من خالل‬
‫الشكل التالي‪.‬‬

‫كما أن عمليات تسيير المعارفـ تظهر كأساس يسمح بتطوير عمليات التعلم الفردي والجماعي‬
‫والتنظيمي من خالل حدوث التفاعل بين األفراد الذي تتمثل نتائجه في اكتساب مهارات ونماذج عقلية‬
‫مشتركة‪ ،‬هذا التعلم يسمح بتحسين األداء التنظيميـ ويساعد في عمليات التصميم‪ ،‬االبتكار‪ ،‬المراجعة‬
‫والتعديل وغيرها‪ ،‬وتحقيق أعلى مراتب األداء والمتمثلة في التميز واإلبداع‪ ،‬وبالتاليـ يمكن القول أن‬
‫عمليات تسيير المعارفـ والتعلم تحقق نفس الغرض من حيث تحقيق أعلى درجات النضج والتقدم‬
‫والمتمثلة في اإلبداع والتميز‪ .‬ويمكن توضيح التأثير اإلجمالي لتسيير المعارفـ على عمليات التعلم‪،‬‬
‫التميز واإلبداع من خالل الشكل‬

‫التالي‪.‬‬

‫‪.6 .1‬عالقة إدارة المعرفة باإلبداع التنظيمي‪:‬‬

‫إن تحول االقتصاد إلى االقتصاد المبني على المعرفة الجديدة‪ ،‬ولد الحاجة إلى اإلبداع لترجمة‬

‫المعرفة إلى سلع وخدمات وعمليات جديدة أو مطورة تحققها المنظمة للوصول إلى الميزة التنافسية‪:‬‬

‫يجب على المنظمة أن تتمتع بمعرفة إدارة اإلبداع‪ ،‬وبدون ذلك تدمر قدراتها الحقيقية‪ ،‬إذ يجب‬

‫التركيزـ على نشاط البحث والتطويرـ لتحقيق النجاح والوصولـ إلى اإلبداع‪ .‬فمن خالله يمكن‬

‫للمنظمة أن توظفـ الخزين المعرفي في منتجات وخدمات جديدة‪ .‬إلى جانب اعتباره استثمار‬

‫مستقبلي ومصدر للتقنية ويبتكرـ القدرات على استيعاب واستثمار المعرفة الجديدة‪.‬‬

‫إدارة اإلبداع يتطلب تحليال دقيقا لألنواع المختلفة من المعرفة التي تدخل في إبداع المنتج‪،‬‬

‫الخدمة‪ ،‬وتحديدـ احتياجات السوق ثم تقديم اإلبداعات التي تلبي هذه االحتياجات‪.‬‬

‫إنتاجية صناع المعرفة باالعتماد على اإلستراتيجيون المعرفيون لمخيلتهمـ في توليد حلول للمشاكل‬

‫والتفكير بطريقة مبدعة واكتشافـ أفكار جديدة‪.‬‬


‫‪ -‬االعتماد على األسلوب الفرقي في العمل‪ ،‬حيث يجب أن تضم الفرق أفرادـ ذوي مهارات متعددة‬

‫ومعرفة متباينة‪ .‬مما يسمح بتبادل ونشرـ وخلق معارف جديدة والوصول إلى اإلبداع‪.‬‬

‫التدريب والتعلم المستمر لألفراد‪ ،‬فالمجتمع والمنظمة المبدعة يعشقان المعرفة ويوظفان الحواس‬

‫للتعلم مما يحفزهم على توظيفـ المعارف في اإلبداع واكتساب معارف جديدة‪.‬‬

‫تبني هياكل تصلح لمنظمات عصر المعلومات والمعرفة والمعبرـ عنها بشبكة خاليا مرنة ومتصلة‬

‫بما يتناسب مع حركة المعرفة الدائرة والمتداخلة والمتقاطعة‪.‬‬

‫اعتماد تكنولوجيا المعلومات في نشر المعرفة والخبرة بين صفوف العاملين‪ ،‬فالمعرفة إذا تولدت‬

‫وترسختـ في هياكل وعمليات وثقافة المنظمة تتحول إلى منتجات جديدة‪.‬‬

‫التركيزـ على جانب الطلب على المعرفة الجديدة لسد حاجاتها‪ ،‬ألن التركيزـ على العرض من‬

‫المعرفة يجعل المنظمة تركز على توزيع ونشر المعرفة المتوافرة مما يضعفـ التعلم واإلبداع‪،‬‬

‫والمعرفة الجديدة تولدها مجموعات العمل التي تضم أفراد مبدعين‪.‬‬

‫‪.I. 7‬أساليب تحفيز وتنمية األفكار اإلبداعية‪:‬‬

‫توجد العديد من األساليب التي يمكن االعتماد عليها من قبل المنظمات لتنمية األفكارـ اإلبداعية‬

‫نوضحهاـ في‪:‬‬

‫العصف الذهني‪ :‬وهو أسلوب يعتمد على نوع من التفكير الجامعي والمناقشة بين مجموعات صغيرة‬
‫بهدف إثارة األفكارـ اإلبداعية وتنوعها‪ ،‬ويجب أن تتضمن جلسة العصف الذهني من ‪ 6‬إلى ‪ 12‬عضوا‬
‫‪ .‬وتتمـ في مرحلتين الجلسة األولى للحصول على أكبر قدر ممكن من األفكارـ والجلسة الثانية لتقييم‬
‫األفكارـ‬

‫ودمجهاـ وتطويرها للحصول على أفكار أكثر تطورا‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫―‬
‫―‬

‫(‪ )5‬سامي محمد هشام‪ ،‬اإلدارة باألفكار‪ ،‬دار الراية للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪،2008 ،1‬‬
‫ص ‪.96‬‬

‫التفكير بالمقلوب‪ :‬أي إذا كانت لديك فكرة إبداعية فمن اجل ابتكارـ فكرة إبداعية أخرى عليك أن تفكر‬
‫عكس الفكرة‪ .‬أي قلب ما تراه في حياتك حتى تأتي بفكرة جديدة فمثال لماذا الطالب يذهب للجامعة؟‬

‫عندما تعكسه‪ ،‬لماذا الجامعة ال تذهب للطالب‪ ،‬وهو ما حدث فعال بظهور الدراسة عن بعد عبر‬
‫االنترنيت‬

‫وغيرها‪.‬‬

‫أسلوب دلفي‪ :‬وفقا لهذا النوع من األساليب يتم طرح المشكل على المسؤولين بحيث يكون كل واحد‬
‫على‬

‫حدا مع تسجيل آرائهم ووجهاتـ نظرهم‪ .‬ثم تصنيفـ وترتيب الحلول مع إعادة عرضها على نفس‬

‫المسؤولينـ مرة أخرى لطلب بدائل أخرى للحلول لم ترد في التصنيف األول وتكرر الخطوات السابقة‬
‫حتى‬

‫يتم التوصل إلى أفضل الحلول بصدد المشكلة موضوعـ البحث‪.‬‬

‫المجموعات الصورية أو الشكلية‪ :‬هذا األسلوب أوجده لبيك وفان دوفان وفيه يتم االبتعاد عن تناول‬

‫العالقات بين أفراد المجموعة‪ ،‬والهدف األساسيـ منه هو التخفيف من حدة سيطرة أفكار أحد أعضاء‬
‫المجموعة على أفكار اآلخرين‪ .‬ومن أهم خطواته‪:‬‬

‫تسجيل األفكارـ في قصاصات من ورق من قبل كل فرد‪ .‬يتم عرض األفكار ويدونها رئيس الجلسة‪.‬‬

‫يتم فتح النقاش مع منع النقد‪.‬‬

‫بقوم كل فرد بتقييم األفكار المعروضة سرا ليقوم رئيس الجلسة بعرض األفكار التي استحوذت على‬
‫االهتمام األكبر ليعاد التصويت مرة ثانية للوصول إلى قرارـ نهائي‪.‬‬

‫(‪ )6‬د‪ .‬سعد یاسین عامر‪ ،‬د‪ .‬علي محمد عبد الوهاب‪ ،‬الفكر المعاصر في التنظيم واإلدارة‪ ،‬مركزـ وايد‬
‫سارفيسـ لإلشارات والتطويرـ اإلداري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1998 ،2‬ص ‪.773‬‬

You might also like