You are on page 1of 14

‫أ‪ .

‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫العقيدة وتجلياتها السياسة في فكر ابن تومرت‬


‫أ‪ .‬أحمد شارف‬
‫جامعة زيان عاشور ‪ -‬الجلفة‬

‫الملخص‪:‬‬
‫ترتكز سياسة ابن تومرت ارتكازاً وثيقاً على عقيدته الدينية‪ ،‬هذه العقيدة اليت تباينت املواقف حوهلا‪ ،‬ومن خالل‬
‫نظرة يف تراث ابن تومرت تبني أ ّن عقيدة ابن تومرت ترتكز على ثالثة ركائز هي‪ :‬التوحيد‪ ،‬اإلمامة‪ ،‬واخلروج‪.‬‬
‫وظف هذه املرتكزات لتنفيذ مشروعه السياسي‪ ،‬فكيف ذلك؟‬
‫ركز ابن تومرت على مسألة التوحيد‪ ،‬فجعله شعاراً وامساً للدولة‪ ،‬هذا التوحيد الذي يرى فيه أنه يقوم على التنزيه‬
‫للذات اإلهلية‪ ،‬وهو خيتلف عن توحيد املرابطني الذي يقوم على "التجسيم" –يف نظره‪ -‬موظفاً منهج املتكلمني‪،‬‬
‫لكن ابن تومرت يف تنزيهه متادى إىل أن وصل إىل تنزيه فيه تعطيل‪ ،‬على طريقة املعتزلة‪.‬‬
‫وانطلق ابن تومرت من منطلق التوحيد إلدراكه جتنب علماء املرابطني اخلوض يف مسائل التوحيد مبنهج املتكلمني‪،‬‬
‫أي من علماء املتكلمني األشاعرة الذين سبقوه‪.‬‬
‫فأراد أن يهدم الدولة من أسس االعتقاد اليت مل يعرتض عليها ٌّ‬
‫الركيزة الثانية يف عقيدة ابن تومرت هي القول بأن اإلمامة أصل من أصول الدين‪ ،‬وأن اإلمام معصوم‪ ،‬وادعى اِثر‬
‫ذلك أنه اإلمام املعصوم واملهدي املعلوم‪ ،‬ويف هذه املعتقدات واالدعاءات يتبني أن ابن تومرت كان يعتنق عقيدة‬
‫الشيعة‪ ،‬ويتمثل جتارهبم التارخيية‪ ،‬واستطاع أن يؤثر يف أوساط السذج احلانقني على دولة املرابطني خاصة من قبيلة‬
‫مصمودة‪ ،‬فكون منهم جيشاً محل لواء اخلروج عن السلطان‪.‬‬
‫الركيزة الثالثة يف عقيدة ابن تومرت هي اخلروج عن السلطان القائم‪ ،‬واالحنالل من بيعته‪ ،‬ومحل السالح ضده‪،‬‬
‫فاستغل ابن تومرت تعدد اجلبهات اليت كان املرابطون يقاتلون فيها‪ ،‬فقاد جيشه يف معارك دموية ضد املرابطني‪،‬‬
‫انتهت ‪-‬بعد موته‪ -‬بانتصار املوحدين‪.‬‬
‫دب الضعف فيها‪ ،‬وتنكر خلفاؤها هلذه املرتكزات‪ ،‬واعرتفوا‬
‫ومل ميض قرن على تأسيس دولة املوحدين حىت ّ‬
‫بكذهبا‪.‬‬

‫‪452‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫ أمحد شارف‬.‫أ‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

:‫الملخص باالنجليزية‬

Article Summary: The Creed and its Political Representations in the


Thought of Ibn Tomart
Ibn Taymart's doctrine is based on his religious faith, a doctrine that has
different positions around it, and through a look at the legacy of Ibn Tomart
showing that the doctrine of Ibn Tomart is based on three pillars: Tawheed,
Imamah, and Exodus. He used these pillars to implement his political project.
Ibn Tumert focused on the question of Tawheed, making it a motto and a name
for the state. This unification, which he sees as based on the self-indulgence of
the divine, differs from the unification of Almoravid, which is based on "the
embodiment" That he arrived at the disobedience in it, in the manner of the
Mu'tazil.
The son of Tomert came out of the standard of unification because he realized
that the Almoravid scholars avoided the issues of monotheism by the approach
of the speakers. He wanted to destroy the state from the foundations of belief,
which was not challenged by any of the scholars of the poets who preceded him.
The second pillar in the doctrine of Ibn Tomart is to say that the Imamate is the
origin of the fundamentals of religion, and that the Imam is infallible, and
claimed that the Imam is infallible and known Mahdi, and in these beliefs and
allegations it turns out that the son of Tomert was embracing the doctrine of the
Shiites, and their historical experiences, and could affect the media The gulls
who hugged the Almoravid state, especially from the tribe of Masmouda, and
formed of them an army to carry out the banner of the Sultan.
The third pillar in the doctrine of Ibn Tomart is the departure from the existing
Sultan, and the disintegration of the sale, and bear arms against him, the son of
Tomert took advantage of the multiplicity of fronts where the Almoravids were
fighting, and his army in bloody battles against Almoravid, ended - after his
death - victory Almohadin.
It did not take a century to establish the state Almohadin even weakened, and
deny its successors to these pillars, and admitted lying.

455 ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫شخصية حممد بن تومرت (‪584‬هـ‪425-‬هـ) مؤسس دولة املوحدين‪ ،‬من الشخصيات اليت اختلفت‬
‫حوهلا املصادر‪ ،‬يف طبيعة مذهبها العقدي ومشروعها السياسي‪ ،‬واستمرار التساؤل حول دعوة ابن تومرت ودولته‬
‫كان وراء إعادة النظر يف العقيدة والسياسة يف دولة ابن تومرت اليت أطاحت بدولة املرابطني‪ ،‬ولعل هذه اإلطاحة‬
‫كانت عامال يف تباين مواقف املؤرخني قدامى ومعاصرين من شخص ابن تومرت بني مدح ومتجيد‪ ،‬وقدح واهتام‪.‬‬
‫ويف مقالنا هذا نعتمد جمموعة من املصادر املختلفة يف الوالء البن تومرت والرباء منه‪ ،‬ويأيت على رأسها كتاب‬
‫"أخبار املهدي ابن تومرت وبداية دولة املوحدين" ويعد هذا املصدر على رأس املصادر من حيث األمهية‪ ،‬ألن‬
‫صاحبه أبا بكر بن علي الصنهاجي‪ ،‬املعروف بالبيذق‪ ،‬كان أحد تالمذة املهدي بن تومرت‪ ،‬وأحد منفذي‬
‫مشروعه السياسي‪ ،‬ولذلك كان أقرب الناس إليه‪ ،‬وأكثرهم معرفة به وبدعوته و نصرة ملشروع دولته‪ ،‬وما يدل على‬
‫أمهيته؛ اهتمام املؤرخني به‪ ،‬واعتمادهم عليه‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك؛ ابن القطان صاحب "نظم اجلمان" و هو‬
‫املصدر اآلخر يف مواالة ابن تومرت ‪.‬‬
‫وقبل هذا وذاك فقد خلّف لنا املهدي ابن تومرت كتابني‪ ،‬أوهلما يضم مبادئه‪ ،‬ونظرياته يف األصول‪ ،‬ويف اإلمامة‪،‬‬
‫ويف التوحيد والعلم‪ ،‬وهو أهم الكتابني‪ ،‬وهو املشهور بـ (أعز ما يطلب)‪ ،‬والثاين كتاب " املوطأ " أو " موطأ‬
‫اإلمام املهدي "‪،‬وقد وضعه املهدي يف علم الفروع من عبادات واملعامالت واحلدود‪ ،‬على مثل موطأ اإلمام‬
‫مالك‪.‬وهو ما نقله عبد املؤمن بن علي من تعاليق املهدي وآرائه الفقهية‪ .‬تكلم يف كتابه أعز ما يطلب يف مسائل‬
‫عقدية كالمية وأخرى فرعية‪ ،‬واتبع تدرجا مقصودا خيدم مشروعه السياسي‪ ،‬ففي نصفه األول تكلم عن العلم‬
‫واجلهل‪ ،‬مث عن األصل والفرع‪ ،‬مث عن اللفظ والداللة‪ ،‬وعن أنواع اخلرب‪ ،‬وعن الشريعة والقياس‪ ،‬وعن العموم‬
‫واخلصوص‪ ،‬أما يف النصف الثاين فشرع يف مسائل التوحيد واإلمامة وأصحاب الفنت واملبطلني واجملسمني الطائفة‬
‫املقاتلة على احلق‪ ،‬واملهدي‪ ،‬واجلهاد‪،‬يف املقابل اعتمدت مصادر أبعد ما تكون عن املهدي مكانا وزمانا ومذهبا‪،‬‬
‫تنظر إىل ابن تومرت نظرة خمتلفة‪ ،‬وهذه املصادر القريبة والبعيدة تسعفنا يف إعطاء تصوراً قريباً إىل احلقيقة حول‬
‫هذه الشخصية اليت اختلفت حوهلا الكتابات‪.‬‬
‫فما هي املعامل العقدية ومظاهرها السياسية لرؤية ابن تومرت؟‬
‫‪-1‬التوحيد شعار للدولة‪:‬‬
‫التوحيد القاسم املشرتك بني كل الفرق اإلسالمية والديانات السماوية‪ ،‬إال أ ّن الرؤى يف توحيد اهلل تعاىل أبانت‬
‫على اختالفات كالمية عقدية بينها‪ ،‬كما أشار إىل ذلك مؤلفو كتب الفرق وامللل والنحل‪ ،‬فربز ابن تومرت يف‬
‫علم الكالم ومسائل العقيدة‪ ،‬واخلوض فيها بأساليب املتكلمني‪ ،‬فكان متكلماً‪ ،‬متشبعاً بفكر ومناهج األشاعرة‬
‫الكالمية‪ ،‬يصفه صاحب املعجب قائالً‪ :‬كان على مذهب أيب احلسن األشعري يف أكثر املسائل‪ ،‬إال يف إثبات‬
‫(‪)1‬‬
‫الصفات فإنه وافق املعتزلة يف نفيها ويف مسائل قليلة غريها‪.‬‬
‫ويصفه ابن خلدون بأنه من أدخل األشعرية إىل املغرب‪ ،‬وإن له يف طريقته األشعرية إمامة وقدم راسخة(‪ )2‬إال أن‬
‫هذه األشعرية مل تكن خالصة مبزجها بشيء من اخلارجية والشيعية حسبما يعلم ذلك بإمعان النظر يف أقواله‬

‫‪452‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫وأحواله وأحوال خلفائه من بعده ومن ذلك الوقت أقبل علماء املغرب على تعاطي مذهب األشعري وتقريره‬
‫(‪)3‬‬
‫وحتريره درسا وتأليفا إىل اآلن‪.‬‬
‫فعرب السلفيون بامتعاض ومرارة على‬
‫فكان ابن تومرت هو السبب يف إدخال العقيدة األشعرية يف بالد املغرب‪ّ ،‬‬
‫ما أحدثه ابن تومرت على بالد املغرب‪ ،‬اليت كانت قبل ذلك سنية سلفية‪ ،‬وهذا على حد وصف الذهيب(‪)4‬فتوحيد‬
‫ابن تومرت ممزوج مبعتقدات أهل الفرق املختلفة!‬
‫أعز َما يُطلَب " حتت عنوان "فضل التوحيد ووجوبه وأنه أول ما جيب‬ ‫وجعل ابن تومرت التوحيد يف كتابه " ُّ‬
‫حتصيله" وأورد يف هذا الفصل جمموعة من األحاديث النبوية‪ ،‬ويقول يف ذلك ‪ :‬إن العبادة ال تصح إال باإلميان‬
‫واإلخالص‪ ،‬واإلميان واإلخالص بالعلم‪ ،‬والعلم بالطلب‪ ،‬والطلب باإلرادة‪ ،‬واإلرادة بالرغبة والرهبة‪ ،‬والرغبة والرهبة‬
‫بالوعد والوعيد‪ ،‬والوعد والوعيد بالشرع‪ ،‬والشرع بصدق الرسول‪ ،‬وصدق الرسول بظهور املعجزة‪ ،‬وظهور املعجزة‬
‫بإذن اهلل سبحانه(‪ )5‬من خالل هذا املدخل يوظف ابن تومرت منهج املتكلمني يف اخلوض يف مسائل التوحيد‪،‬‬
‫ويوظف أسلوب الربط بني العبادة وما تتطلبه من إخالص وعلم واعتقاد بالوعد والوعيد‪ ،‬وصدق الرسالة‪،‬‬
‫واملعجزة‪ ،‬وهو يف ذلك على هنج أساتذته األشاعرة‪ ،‬مع استعارات من فكر املعتزلة‪.‬‬
‫ويذكر ابن القطان يف " نُظُ ُم اجلُ َمان " أن ابن تومرت فرض عليهم قراءة حزب واحد يف كل يوم إثر صالة‬
‫الصبح‪-‬بعد حزب القرآن‪ -‬ويشمل هذا الورد‪ ،‬عقيدة ابن تومرت‪ ،‬وتشتمل على معرفة اهلل تعاىل‪ ،‬والعلم حبقيقة‬
‫القضاء والقدر‪ ،‬واإلميان واإلسالم والصفات‪ ،‬وما جيب هلل تعاىل وما يستحيل وجيوز عليه‪ ،‬واإلميان مبا أخرب به‬
‫النيب ص ومالئكته وسلم مبا طريقه اإلخبار‪ ،‬مبا أعلمه اهلل تعاىل‪ ،‬من غيبه‪ ،‬وملع من أصول الدين‪ ،‬ومعرفة املهدي‪،‬‬
‫وأنه اإلمام‪ ،‬ووجوب اإلمامة‪ .‬إ ّن هذا احلزب جيمل لنا معتقد ابن تومرت فإىل جانب مسائل اإلميان باهلل تعاىل‪،‬‬
‫والقضاء والقدر‪ ،‬يذكر اإلميان باملهدي‪ ،‬وبيان صفاته‪ ،‬ووجوب اإلمامة‪ ،‬وأنّه اإلمام(‪ .)6‬وهذا يبني على أنه سيعلن‬
‫نفسه إماماً مهدياً حيمل لواء تغيري األوضاع " الفاسدة "‬
‫إ ّن ختصيص ابن تومرت دولته باسم " التوحيد " للتعريض باملرابطني على أهنم ليسوا على التوحيد‪ ،‬فرماهم بكل‬
‫األوصاف اليت خترجهم من التوحيد‪ ،‬ويركز ابن تومرت يف آرائه التوحيدية على مسألة تكاد تكون حمور عقيدته‪،‬‬
‫ومنطلق دعوته‪،‬ومرتكز اهتامه خلصومه‪ ،‬أال وهي مسألة تنزيه الباري سبحانه وتعاىل‪ ،‬فيقول‪ :‬العقل يعلم وجود‬
‫الباري سبحانه‪ ،‬واإلنسان يعلم وجود خالقه(‪ )7‬واملخلوق يستحيل أن يكون خالقا‪ ،‬ومنه فاخلالق ال يشبه‬
‫املخلوق(‪ ، )8‬وركز ابن تومرت على مسألة التنزيه‪ ،‬والبعد عن التشبيه إىل أن وصل إىل حد التعطيل‪ ،‬وهو ما يبني‬
‫التأثر بعقيدة االعتزال اليت غالت بالتوحيد ‪ ،‬وهو ما يسميه جولد سيهر بـ" االستعارة"(‪)9‬وركزت عليه يف عقديتها‪،‬‬
‫يصف لنا الشهرستاين املعتزلة بقوله‪ :‬فاملعتزلة غلوا يف التوحيد بزعمهم حىت وصلوا إىل التعطيل بنفي الصفات‪.‬‬
‫واملشبهة قصروا حىت وصفوا اخلالق بصفات األجسام(‪ )10‬فكان أبو عبد اهلل حممد بن تومرت على مذهب املعتزلة‬
‫يف نفي الصفات(‪.)11‬ويستطرد الشهرستاين يف وصف املعتزلة‪" :‬واتفقوا على نفي رؤية اهلل تعاىل باألبصار يف دار‬
‫القرار‪ ،‬ونفي التشبيه عنهم نكل وجه‪ ،‬جهة ومكاناً وصورة وجسما ًًوحتيزاً وانتقاال وزواال وتغرياً وتأثراً‪ ،‬وأوجبوا‬

‫‪452‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫تأويل اآليات املتشاهبة فيها‪ ،‬ومسوا هذا النمط " توحيداً"‪ ،‬هذا املعتقد االعتزايل كان يشري إليه ابن تومرت حني‬
‫يتحدث عن االعتزال‪ ،‬فما هو السبب الذي حنا بابن تومرت هذا املنحى؟‬
‫لقد لبس ابن تومرت لباس املعتزلة يف مسألة التوحيد‪ ،‬وختلى عن رؤية األشاعرة‪ ،‬إلدراكه ما كان عليه املرابطون من‬
‫عدم اخلوض يف أمور العقيدة‪ ،‬واالكتفاء بالنظر البسيط فيها‪ ،‬وأكب ابن تومرت يتهم املرابطني باجملسمة واملشبهة‪،‬‬
‫دور‬
‫وما أنكر األشاعرة قبله عقيدة املرابطني‪ ،‬بل إن الدولة املرابطية عرفت أمساءً خاضت يف علم الكالم‪ ،‬كان هلا ٌ‬
‫يف التأسيس والتنظري للدولة‪ ،‬أمثال أيب بكر احلضرمي( ت‪ ،)584‬الذي يقول فيه امل ّقري‪ :‬واملراد هبذا ّأول من‬
‫أدخل علوم االعتقاد إىل املغرب األقصى‪ ،‬فلما توجه أبو بكر بن عمر إىل الصحراء محّله وواله القضاء‪ ،‬فلما‬
‫مات‪ ،‬خلفه أبو احلجاج يوسف يف علوم االعتقادات‪ ،‬وغلب عليه الزهد؛ وله أرجوزة صغرى يف علم االعتقاد‪،‬‬
‫قرأها عليه القاضي أبو الفضل عياض(‪ ، )12‬كما كان أبو عمران الفاسي‪ ،‬قد أخذ علم الكالم يف رحلته إىل‬
‫يدل على أ ّن ما قام به ابن‬
‫املشرق‪ ،‬وهؤالء العلماء جتنبوا اخلوض يف هذه املسائل‪ ،‬وما اهتموا املرابطني بشيء‪ ،‬ما ّ‬
‫األول يف رحلته إىل املشرق‪.‬‬
‫تومرت من اهتام املرابطني كان خمطط له من اليوم ّ‬
‫فحمل ابن تومرت شعار التوحيد‪ ،‬وسعى إىل التنزيه حىت وجد نفسه يف دائرة املعتزلة والتشيع‪ .‬فسمى الدولة باسم‬
‫التوحيد‪ ،‬وأشهر السالح باسم اجلهاد حتت هذه الراية‪ ،‬متهما املرابطني بالكفر والضالل واملروق من الدين‪ ،‬وشرع‬
‫ابن تومرت يف بيان عقيدته‪ ،‬اليت ترتاوح بني الفكر االعتزايل والفكر الشيعي(‪)13‬حني تصبح اإلمامة أصل من‬
‫أصول الدين‪ ،‬والعصمة صفة من صفات اإلمام‪ ،‬فلماذا انطلق ابن تومرت يف مشروعه السياسي من عقيدة‬
‫التوحيد‪ ،‬ومنهج املتكلمني؟ أمل يكن املرابطون موحدين؟‬
‫حممد ابن تومرت يف رحلته العلمية يف املغرب واألندلس أدرك جماالت اهتمام فقهاء املرابطني ومناهجهم‪ ،‬فعلماء‬
‫املرابطني كان أكثر اهتمامهم باملسائل الفرعية‪ ،‬وعدم اخلوض يف مسائل التوحيد‪ ،‬وكانوا يرجعون يف فتاويهم‬
‫ألقوال سلفهم من املالكية‪ ،‬وال يعملون على االجتهاد بالرجوع إىل الكتاب والسنة(‪ )14‬فكانت هذه نقطة الضعف‬
‫اليت ارتكز عليها ابن تومرت‪.‬‬
‫وقد واجه ابن رشد الفقيه الفيلسوف هذا الفكر اجلديد من خالل نقد معامله من رجال األشاعرة كاإلمام الغزايل‪،‬‬
‫فكان يعارض ابن تومرت ورجال الدولة املوحدية‪ ،‬ببيان ما جناه علم الكالم على أهل املغرب من فساد‪ ،‬فيصف‬
‫(‪)15‬‬
‫تأثريهم ( أي املتكلمني) ‪ :‬مزقوا الشرع‪ ،‬وفرقوا الناس كل تفريق‪.‬‬
‫‪-2‬اإلمامة أصل الدين وأساس الدولة‪:‬‬
‫ويُعد باب اإلمامة من أهم أبواب "أعز ما يطلب"‪ ،‬ملا يتضمنه من بيان معتقد ابن تومرت السياسي‪،‬‬
‫فيقول بوجوب اعتقاد االمامة على الكافة‪ ،‬ويعتقد يف كوهنا ركن من أركان الدين‪ ،‬وعمدة من عمد الشريعة‪ ،‬ال‬
‫يصح قيام احلق يف الدنيا إال باعتقاد اإلمامة(‪. )16‬‬
‫ومصطلح "اإلمامة" مصطلح اختلفت األمة فيه اختالفاً كبرياً‪ ،‬إذ مل تـَُر ْق دماء بني املسلمني أكثر من‬
‫الدماء اليت أريقت حول موضوع اإلمامة‪ ،‬ومن إشكاالهتا‪ :‬هل تثبت باالختيار واالتفاق‪ ،‬أو تثبت بالنص‬
‫والتعيني‪ ،‬هل هي واجبة شرعاً أو عقالً(‪ )17‬فكان أهل السنة واخلوارج على قول االختيار والشورى مع وجود‬

‫‪452‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫اختالفات بينهم‪ّ ،‬أما رأي النص والتعيني فأخذ به الشيعة‪ ،‬واستعمال مصطلح اإلمام يف السلطة السياسية أكثر ما‬
‫جنده عند اخلوارج والشيعة‪ ،‬فاإلمامة هي شعار الدعوة الشيعية‪ ،‬الديين والسياسي‪ ،‬وأهنا ختص آل البيت دون‬
‫متسك بنظرية اإلمامة‪،‬فهل كان –كما رأى‬
‫سواهم‪ ،‬وعلى كر العصور‪ .‬وهنا نتساءل عن إمامة ابن تومرت‪،‬فقد ّ‬
‫البعض‪-‬مستقال‪ ،‬بعيداً عن الدعوة الشيعية‪ ،‬وممثال لدعوة خاصة؟ وإن كان يف نفس الوقت حيرص على أن‬
‫ينتسب إىل آل البيت‪،‬حىت تتوفر فيه شرعية اإلمامة(‪ .)18‬أم كان يدعو إىل إمامة وفق الفكر الشيعي؟ وهنا نعود‬
‫إىل نص ابن تومرت يف االمامة‪.‬‬
‫«هذا باب يف العلم‪ ،‬وهو وجوب اعتقاد اإلمامة على الكافة‪،‬وهي ركن من أركان الدين‪ ،‬وعمدة من عمد‬
‫الشريعة‪،‬وال يصح قيام احلق يف الدنيا إال بوجوب اعتقاد اإلمامة يف كل زمان من األزمان إىل أن تقوم الساعة‪ .‬ما‬
‫(‪)19‬‬
‫من زمان إال وفيه إمام هلل قائم باحلق يف أرضه من عاد إىل نوح‪،‬ومن بعده إىل ابراهيم‪» ...‬‬
‫من خالل ما تقدم‪ ،‬جند أن ابن تومرت يعتقد يف اإلمامة ركناً من أركان الدين‪ ،‬ال يقوم إال باالعتقاد به‪،‬‬
‫ويعتقد بأن هذا اإلمام ال يكون إال معصوما من الباطل والضالل والظلم واجلهل‪ ،‬ويعتقد باالمام املهدي‪ ،‬هذه‬
‫العناصر الثالث ال جتتمع يف تاريخ الفكر اإلسالمي إال يف مذهب واحد وهو املذهب الشيعي‪.‬‬
‫يف حني أ ّن اإلمامة عند غري الشيعة هي ليست من أصول الدين‪ .‬فهي موضوعة حلفظ الدين وسياسة‬
‫الدنيا‪ ،‬يعرفها إمام احلرمني بقوله‪ :‬اإلمامة رياسة تامة‪ ،‬وزعامة عامة‪ ،‬تتعلق باخلاصة والعامة‪ ،‬يف مهمات الدين‬
‫والدنيا‪ .‬مهمتها حفظ احلوزة‪ ،‬ورعاية الرعية‪ ،‬وإقامة الدعوة باحلجة والسيف‪ ،‬وكف اخليف واحليف‪ ،‬واالنتصاف‬
‫(‪)20‬‬
‫للمظلومني من الظاملني‪ ،‬واستيفاء احلقوق من املمتنعني‪ ،‬وإيفاؤها على املستحقني‬
‫ويقول املاوردي‪ :‬اإلمامة أصال عليه استقرت قواعد امللة‪ ،‬وانتظمت به مصاحل األمة حىت استثبتت هبا‬
‫األمور العامة‪ ،‬وصدرت عنها الواليات اخلاصة‪ ،‬فلزم تقدمي حكمها على كل حكم سلطاين‪ ،‬ووجب ذكر ما‬
‫(‪)21‬‬
‫اختص بنظرها على كل نظر ديين؛ لرتتيب أحكام الواليات على نسق متناسب األقسام‪ ،‬متشاكل األحكام‬
‫فهي‪ :‬موضوعة خلالفة النبوة يف حراسة الدين وسياسة الدنيا‪ ،‬وعقدها ملن يقوم هبا يف األمة واجب باإلمجاع وإن‬
‫(‪)22‬‬
‫شذ عنهم األصم‬
‫فاإلمامة هي أشرف وأعلى العبادات إذا اقرتنت بالعدل(‪)23‬وهي يف نظر غري الشيعة ليست من أصول‬
‫الدين‪ ،‬بل هي من مقتضيات حفظ مصاحل الناس‪ .‬وهي من أعظم األعمال ملا ينتج عنها من انتشار األمن‪،‬‬
‫واتساع الرخاء‪ ،‬وانتهاء اخلوف واخلصومات‪ ،‬وابن تومرت يف عقيدة اإلمام ينتحل مذهب الشيعة‪ ،‬ليهيئ الدعائه‬
‫العصمة واملهدوية‪.‬‬
‫‪ -3‬المهدوية والعصمة في اإلمام‪:‬‬
‫إىل جانب مشاركة ابن تومرت الشيعة يف االعتقاد يف أصولية اإلمامة‪ ،‬فهو ي ّدعي أنّه اإلمام املعصوم‪ ،‬واملهدي‬
‫املعلوم‪ ،‬ففي سنة ‪ 415‬قام ابن تومرت خطيباً يف أصحابه وأعلن إليهم أنه املهدي املنتظر يف خطبة قصرية ينقل‬
‫إلينا نصها ابن القطان يف " نظم اجلمان " احلمد هلل الفعال ملا يريد‪ ،‬القاضي مبا يشاء‪،‬الراد ألمره‪ ،‬وال معقب‬
‫حلكمه‪ ،‬وصلى اهلل على سيدنا رسول اهلل‪ ،‬املبشر باإلمام املهدي‪ ،‬الذي ميأل األرض قسطاً وعدال‪ ،‬كما ملئت‬

‫‪452‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫جوراً وظلماً‪ ،‬يبعثه اهلل إذا نُسخ احلق بالباطل وأزيل العدل باجلور‪ .‬مكانه املغرب األقصى منبته وزمانه آخر الزمان‪،‬‬
‫وامسه اسم النيب عليه الصالة والسالم‪ ،‬ونسبه نسب النيب صلى اهلل تعاىل ومالئكته الكرام املقربون عليه وسلم‪،‬‬
‫وقد ظهر جور األمراء‪ ،‬وامتألت األرض بالفساد‪ ،‬وهذا آخر الزمان‪ ،‬واإلسم االسم والنسب النسب‪ ،‬والفعل‬
‫الفعل "(‪)24‬ومتت مبايعته من قِبل أنصاره(‪. )25‬‬
‫على أنه إذا كان املرابطون‪ ،‬أو كما ينعتهم ابن تومرت‪ ،‬طائفة املبطلني من امللثمني واجملسمني‪،‬كانوا‬
‫يتصفون مبا يرميهم به من العيوب واملثالب اليت يستحقون من أجلها اللعنات‪ ،‬واليت تستوجب بُغضهم ومعاداهتم‬
‫وجماهدهتم‪ ،‬فإهننا كطائفة أخرى بشر الرسول بظهورها‪ ،‬وهي اليت تقاتل على احلق وتقاتل عنه‪،‬وتقوم به إىل آخر‬
‫الزمان‪ ،‬وأن هذه الطائفة تقوم بأمر اهلل‪،‬ال يضرها من خذهلا أو خالفها‪ ،‬وأهنا ظاهرة على من عاداها إىل يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وأهنا تقاتل على أمر اهلل وتقهر عدوها إىل قيام الساعة‪ ،‬وأهنا تقاتل على احلق حىت جتتمع مع عيسى بن‬
‫مرمي‪ ،‬وحىت يقاتل آخرهم الدجال‪ ،‬وأن اهلل يفتح الدنيا كلها ألهل الغرب‪ ،‬وأخرياً أن هذه الطائفة ينصرها اهلل‬
‫حىت تقوم الساعة‪ .‬وبالرغم من أن ابن تومرت ال يقول لنا من هي هذه الطائفة بصريح العبارة‪،‬فإنه من الواضح أنه‬
‫يعين هبا طائفة اإلمام املعصوم‪ ،‬واملهدي املعلوم‪ ،‬أو باألحري طائفته اخلاصة‪ ،‬طائفة املوحدين‪ ،‬وهو حياول هنا‬
‫(‪)26‬‬
‫كعادته‪ ،‬أن يؤيد كل أقواله ونبوءاته بطائفة من األحاديث‪.‬‬
‫وهبذا فهو يقول بأهم املعتقدات الشيعية‪ ،‬وعمل على البسط قوال وكتابة عن هذه املعتقدات‪ ،‬فتكلم ابن تومرت‬
‫عن وجوب االعتقاد يف املهدي املنتظر‪ ،‬وصفات املهدي‪ ،‬وُكفر من مل يعتقد به‪ ،‬ووجوب السمع والطاعة له‪،‬‬
‫واألعمال اليت يقوم هبا‪ ،‬وما جيب له من التعزيز والتوقري‪ ،‬وأن اهلجرة إليه واجبة ال حيول بينها وبني أحد من‬
‫املسلمني أهل وال ولد وال مال‪ ،‬وأن من مسع بأمره وجبت عليه اهلجرة‪ .‬وال عذر له بوجه من الوجوه‪ ،‬ويُك ّفر من‬
‫مل يصل إليه ومل يطعه‪ ،‬وعالمة املؤمن وما جيب على املؤمن فعله‪ ،‬من األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وذكر هلم‬
‫(‪)27‬‬
‫عالمة املنافقني وبيّنها هلم بأوضح بيان‪ ،‬وجعل القتل يف مثانية عشر صنفا كالكذب واملداهنة‬
‫وأخذ يشوق إىل املهدي‪ ،‬ويروي أحاديث فيه‪ ،‬فلما توثّق منهم قال‪ :‬أنا هو‪ ،‬وأنا حممد بن عبد اهلل‪ ،‬وساق‬
‫نسبا له إىل علي‪ ،‬فبايعوه‪ ،‬وألف هلم كتاب "أعز ما يطلب"(‪)28‬ويذكر ابن القطان أن لقب املهدي‪ ،‬ل ّقبه به‬
‫العشرة من أصحابه ساعة مبايعتهم له‪ ،‬ويقول‪ :‬وقفت على نسخة صك كتبه رضي اهلل تعاىل عنه للفقيه القاضي‬
‫علي بن أيب احلسن اجلذامي‪ ،‬أوله بعد البسملة والصالة‪ :‬أقول وأنا حممد بن عبد اهلل بن تومرت وأنا مهدي آخر‬
‫الزمان(‪)29‬فادعى ابن تومرت املهدوية‪ ،‬وسلم بذلك أصحابه‪ ،‬ومسى البيذق كتابه"أخبار املهدي"‬
‫وصرح بدعوى العصمة لنفسه‪ ،‬وأنه املهدي املعصوم‪ .‬وروى يف ذلك أحاديث كثرية‪،‬حىت استقر عندهم أنه‬
‫املهدي‪ ،‬وبسط يده فبايعوه على ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬أبايعكم على ما بايع عليه أصحاب رسول اهلل –صلى اهلل عليه‬
‫(‪)30‬‬
‫وسلم‪-‬رسول اهلل‪.‬‬
‫ويعتقد ابن تومرت يف اإلمام املعصوم‪ ،‬ويرى أن ال يكون اإلمام إال معصوما‪ ،‬ويفصل يف صفات اإلمام‬
‫املعصوم(‪ )31‬فيقول‪ :‬وال يكون اإلمام إال معصوماً من الباطل ليهدم الباطل‪ ،‬ألن الباطل ال يهدم الباطل‪ ،‬وأن‬
‫يكون معصوماً من الضالل‪ ،‬ألن الضالل ال يهدم الضالل‪...‬وأن يكون معصوماً من اجلور ألن اجلائر ال يهدم‬

‫‪422‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫اجلور بل يثبته‪ ،‬وأن يكون معصوماً من البدع‪ ،‬ألن املبتدع ال يهدم الكذب بل يثبته‪ ،‬وأن يكون معصوماً من‬
‫العمل باجلهل‪ ،‬ألن اجلاهل ال يهدم اجلهل‪ ،‬وأن يكون معصوماً من الباطل ألن املبطل‪ ،‬ال يهدم الباطل‪ ،‬كما ال‬
‫تدفع النجاسة بالنجاسة‪ ،‬وكما ال تدفع الظلمة بالظلمة‪،‬كذلك ال يدفع الفساد بالفساد‪ ،‬وال يدفع الباطل‬
‫بالباطل‪ ،‬وإمنا يدفع بضده الذي هو احلق‪،‬ال يدفع الشيء إال بضده‪ ،‬وال تدفع الظلمة إال بالنور‪ ،‬وال يدفع‬
‫الضالل إال باهلدى‪ ،‬وال يدفع اجلور إال بالعدل‪ ،‬وال تدفع املعصية إال بالطاعة‪ ،‬وال يدفع االختالف إال باالتفاق‪،‬‬
‫وال يصح االتفاق إال باستناد األمور إىل أويل األمر‪ ،‬وهو اإلمام املعصوم من الباطل والظلم(‪.)32‬‬
‫وأوجب على أتباعه االعتقاد يف اإلمام املعصوم‪ ،‬واإلمام املعلوم‪ ،‬وذلك وفقاً لرأي الشيعة‪ .‬فهم يعتربون‪ ،‬حسبما‬
‫يصوغ لنا رأيهم الشهرستاين" وثبوت عصمة األئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر "(‪ )33‬ويبني ابن تومرت أنه مىت‬
‫(‪)34‬‬
‫يع أمر اإلمام‪ ،‬أو ُعصي أو نوزع أو خولف أو أُمهل أو مل يُرجع إليه‪ ،‬أو استبد دونه اختل األمر‬
‫ضَ‬ ‫ُ‬
‫وكان من رأيه القول بعصمة اإلمام علي على رأي اإلمامية من الشيعة(‪)35‬وقال ابن اخلطيب يف رقما حلل‬
‫لقالوا كان حممد بن تومرت يزعم أنه مأمور بنو عمن الوحي واإلله امو ينكر كتب الرأي والتقليد وله باع يف علم‬
‫(‪)36‬‬
‫الكالم وغلبت عليه نزعة خارجية وكان ينتحل القضايا اإلستقبالية ويشري إىل الكوائن اآلتية‬
‫وقف ابن خلدون موقفا مؤيدا البن تومرت يف عقيدته وفكره‪ ،‬ومل ينكر عليه شيئا سوى ادعاءه العصمة‪،‬‬
‫يعرب عن ذلك بقوله‪ :‬وملتحفظ عنه فلتة يف البدعة إال ما كان من وفاقه اإلمامة من الشيعة يف القول باإلمام‬
‫(‪)37‬‬
‫املعصوم‬
‫‪ -4‬الخارجية واستباحة الدماء‪:‬‬
‫لقد كان مظهر العنف ظاهراً يف شخصية ابن تومرت منذ محله راية األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪-‬يف طريق‬
‫عودته من املشرق‪ ،‬انطالقا من مصر إىل أن وصل املغرب‪،‬ففي فاس أمر أصحابه السبعة أن حيملوا معه "مقارع"‬
‫عصيا ويكسروا كل ما وجدوه يف احلوانيت من أدوت العزف واللهو(‪ )38‬ويف هذا افتئات على دور السلطان‪ ،‬يقول‬
‫البيذق ‪ :‬ملا دخلنا تلمسان وجد هبا عروسا تُزف لبعلها‪ ،‬وهي راكبة على سرج واللهو واملنكر أمامها‪ ،‬فكسر‬
‫وغري املنكر‪ ،‬وأنزهلا عن السرج‪ ،‬ومارس القتل والتنكيل باسم األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬
‫الدفوف واللهو َ‬
‫فقد حدث أنه قتل أشياخاً من فاس‪ ،‬وقطع رؤوسهم وعلقها(‪ )39‬استعمال القوة يف دعوته‪ ،‬يذكر البيدق أنه أثناء‬
‫دعوته للقبائل اليت دعاها‪ ،‬فأمر بقتال القبائل اليت اعرتضت دعوته‪ ،‬ومنها قبيلة بين حممود اليت قاتلها بقبيلة بين‬
‫(‪)40‬‬
‫واكاس‪.‬‬
‫واستغل ابن تومرت أوضاع املرابطني الداخلية‪ ،‬ومعاركهم اخلارجية‪ ،‬يف إبراز دعوته‪ ،‬ففيسنة‪ 415‬كانت وقعة اهنزم‬
‫فيها املسلمون وهي وقعة قتندة‪ ،‬قال ابن القطان‪ :‬مات فيها حنو عشرين ألفا وفيها حل ابن تومرت املتلقب‬
‫(‪)41‬‬
‫باملهدي بأغمات‪،‬حمرضا على اخلروج على السلطان وتفريق الكلمة املنتظمة‪.‬‬
‫مل يتوقف ابن تومرت عند هذا احلد‪ ،‬فقد رمى املرابطني بكل كبرية‪ ،،‬فعكف –يف عدة أبواب من كتابه‪-‬يتناول‬
‫مثال باملرابطني‪،‬وحترميطاعتهم‪،‬واحلض على جهادهم‪،،‬منها أهنم جمسمة كفرة‪ ،‬فحرم معونتهم‪ ،‬ووجوب خمالفتهم‬

‫‪422‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫وجهادهم‪ ،‬وحترمي طاعتهم‪ ،‬مستندا يف ذلك على جمموعة من اآليات القرآنية ومن األحاديث النبوية اليت أسقطها‬
‫عليهم (‪.)42‬‬
‫وهذا ما جعل املرابطني يصفونه باخلارجي‪،‬يذكر ابن القطان يف كتابه "نظم اجلمان" مآخذ املرابطني على ابن‬
‫تومرت‪ ،‬قال‪ :‬قالوا‪ :‬هذا رجل يكفر الناس بالذنوب‪ ،‬ويقول إنه من تاب ال يلزمه قضاء الصالة والصيام‪ ،‬ويرد‬
‫املطلقة ثالثا إىل زوجها‪ ،‬وطرح مذاهب العلماء‪ ،‬وخرج عن اإلمجاع وك ّفر املسلمني واستحل أمواهلم‪ ،‬وحرميهم‪،‬‬
‫فجعل أموال املسلمني غنيمة ختمس وقام على األمراء ونزع يده من طاعتهم‪ ،‬وقد أمجع العلماء على حترمي القيام‬
‫عليهم ووجوب طاعتهم‪ ،‬وكان مؤرخ املوحدين ابن القطان قد أنكر هذه التهم‪ ،‬بعد أن عرضها(‪)43‬إال أنه ويف‬
‫موقع آخر يقر باخلروج‪ :‬فيقول نقال عن ابن الراعي‪ ،‬أنه – أي ابن تومرت‪ -‬ملا كان يف أغمات‪ ،‬وظهر على‬
‫علمائها خلع مبايعة علي بن يوسف عن أعناق تابعيه وأصحابه‪ ،‬وكان بعضهم يربح يف املساجد‪.‬‬
‫يف أول لقاء البن تومرت باألمري علي بن يوسف‪ ،‬مل حيرتم مراسيم اللقاء‪ ،‬وملا طُلِب منه ذلك أنكر االعرتاف‬
‫باألمري‪ ،‬ووصلت به اجلرأة إىل اإلهانة‪ ،‬حني قال‪ :‬أين األمري؟ إمنا أرى جواري منقبات‪ .‬ودار حوار بينهما‪ ،‬فقال‬
‫ابن تومرت لألمري‪ :‬اخلالفة هلل وليست لك(‪)44‬ويف هذا يقر بعدم االعرتاف حبكم األمري علي بن يوسف‪،‬‬
‫واستحل ابن تومرت هبذا املعتقد اخلارجي‪ ،‬القائم على التكفري‪ ،‬دماء ألوف مؤلفة من أهل املغرب املالكية الذين‬
‫(‪)45‬‬
‫كانوا على معتقد أهل السنة واهتموهم زوراً وهبتاناً أهنم مشبهة جمسمة ومل يكونوا من أهل هذه املقالة‪.‬‬
‫قال اليسع يف 'تارخيه'‪ ... :‬فشرع أتباعه يغريون ويقتلون‪ ،‬وكثروا وقووا‪ ،‬مث غدر بأهل تينملل الذين آووه‪ ،‬وأمر‬
‫خواصه‪ ،‬فوضعوا فيهم السيف‪ ،‬فقال له الفقيه اإلفريقي أحد العشرة من خواصه‪ :‬ما هذا؟! قوم أكرمونا وأنزلونا‬
‫نقتلهم!! فقال ألصحابه‪ :‬هذا شك يف عصميت‪ ،‬فاقتلوه فقتل‪ ...‬وكل ما أذكره من حال املصامدة‪ ،‬فقد شاهدته‪،‬‬
‫(‪)46‬‬
‫أو أخذته متواترا‪ ،‬وكان يف وصيته إىل قومه إذا ظفروا مبرابط أو تلمساين أن حيرقوه‬
‫يقول البيدق‪ :‬كان البشري خيرج املخالفني واملنافقني واخلبثاء من املوحدين‪ ،‬وإثر ذلك قُتل كثريون باهتامهم‬
‫(‪)47‬‬
‫بالنفاق‬
‫ودعا الناس إىل سلوك هذه الطريقة وجزم بتضليل من خالفها بل بتكفريه ومسى أتباعه املوحدين تعريضا بأن من‬
‫(‪)48‬‬
‫خالف طريقته ليس مبوحد وجعل ذلك ذريعة إىل االنتزاء على ملك املغرب‬
‫إ ّن هذه البداية الدموية لدولة املوحدين كانت نذير شؤم على هنايتها اخلطرية‪ ،‬فقد وقع هرج ومرج أثناء‬
‫الصراع القائم بن أحفاد عبد املؤمن‪ ،‬فسالت دماء كثرية‪ ،‬واعرتف خلفاؤها باالدعاءات الكاذبة ملؤسس الدولة ابن‬
‫(‪)49‬‬
‫تومرت‬

‫‪424‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫أقام حممد بن تومرت دولة‪ ،‬تلقبت بلقب اخلالفة‪ ،‬وقطعت الدعوة لبين العباس من على املنابر (‪)50‬دولة حتكمها‬
‫العقيدة أو ما يصطلح عليه بالدولة الدينية‪ ،‬حتكمها أسس عقدية دينية‪ ،‬جتتمع فيها عقائد من فرق خمتلفة سنية‬
‫وشيعية وخارجية‪ ،‬إال أن النزعة الشيعية تكاد تكون األبرز‪ ،‬حيث االعتقاد يف كون اإلمامة أصل من أصول‬
‫الديانة‪ ،‬وعصمة اإلمام‪ ،‬وادعاء املهدوية‪ ،‬وهذه املعتقدات جندها عند أئمة الشيعة‪ ،‬وكأنه يستنسخ التجربة‬
‫الفاطمية يف كثري من مظاهرها ومبادئها‪.‬‬
‫وكان اجلماعة أو أصحابه العشرة األوائل هم أعضاء وزارته‪ ،‬يبحث معهم جالئل األمور‪ ،‬وعندئذ خيلو به موال‬
‫حيضر معه أحد سواهم‪ .‬فإذا جرى البحث يف أمور أقل أمهية‪ ،‬حضر اخلمسون من الصحب يف هيئة مجعية‬
‫(‪)51‬‬
‫استشارية‪ ،‬وإذا جرى البحث يف الشئون العادية حضر معهم السبعون‬
‫ونستطيع القول أن ابن تومرت طبق مبدأ ماكيفلي القائم على "الغاية تربر الوسيلة" يف حتقيق السيطرة‪ ،‬فاستخدم‬
‫كل املبادئ واملهارات للتأثري يف الناس وحتقيق االنتصار على اخلصوم‪ .‬ولعل من أهم هذه املبادئ إدعاء الفضيلة‬
‫للسيطرة والتصنع‪ ،‬واملشورة عند الضرورة‪ ،‬ووظف العلم والدهاء وخلط احلق بالباطل‪ ،‬فدولة املرابطني عرفت أمساءً‬
‫من علماء الكالم مثل منظرها احلضرمي أيب بكر املرادي‪ ،‬وأيب عمران الفاسي الذي نال نصيبا من علم الكالم‪،‬‬
‫هؤالء الذين سامهوا يف بنائها‪ ،‬ومل ينقضوا عهدها‪.‬‬
‫‪ -‬بالنظر إىل هذه املعتقدات ( اإلمامة أصل الدين‪ ،‬العصمة‪ ،‬االنتماء إىل آل البيت‪ ،‬املهدي املنتظر‪)...‬‬
‫ومقارنتها مبعتقدات الفرق األ خرى‪ ،‬جند أن ابن تومرت أراد أن يتتبع خطى مهدي العبيديني‪ ،‬وأن يبعث أهم‬
‫العناصر يف الفكر الشيعي دون اإلعالن صراحة عن التشيع‪ ،‬واستطاعت هذه األفكار أن جتد هلا طريقا ممهدا يف‬
‫مصمودة وبالد السوس‪ ،‬إال أن هذا احلكم ال ميكن أن يتم إسقاطه على كل الدولة املوحدية‪ ،‬بأن تنعت بالدولة‬
‫الشيعية‪ ،‬وذلك ملواقفهم من هذه املعتقدات‬
‫‪ -‬إن قراءة سرية املهدي ابن تومرت‪ ،‬وأفكاره املنبثة يف كتبه‪ ،‬وأعماله وأقواله‪ ،‬تبني أن هذه الشخصية متكنت من‬
‫حتقيق مشروعها السياسي بعد ختطيط دقيق‪ ،‬مل يرتك جماال للمصادفة‪ ،‬فكان النجاح لعدة اعتبارات ومهارات يف‬
‫شخصيته جتمع بني الدهاء واحلكمة‪ ،‬واملعرفةبالعقائد والسري‪ ،‬وانتحال عقائد خمتلفة للتأثري‪ ،‬خاصة املعتقد‬
‫الشيعي‪ ،‬الذي يظهر لنا جلياً يف االعتقاد باإلمامة على أهنا أصل من أصول الدين االعتقاد هبا واجب‪ ،‬واإلمام‬
‫من آل البيت‪ ،‬وال يكون إال معصوم من اخلطإ‪ ،‬وهو اإلمام املهدي املنتظر ومن مل يؤمن بذلك فهو كافر‪ ،‬كما‬
‫أخذ عن الشيعة واملعتزلة عقيدة التعطيل باسم التنزيه‪ ،‬فوظف هذه العقيدة يف تقويض سلطان املرابطني‪ ،‬متهماً‬
‫إياهم بالتجسيم‪.‬‬
‫عمل يف بداية املطاف على بث هذه األفكار يف قبيلة "مصمودة " فهيّأها لتبين هذا الفكر–خاصة وأ ّن املستوى‬ ‫ِ‬
‫الثقايف احملدود يف مسائل العقيدة كان حمدوداً– حىت يف فئات أهل العلم‪ ،-‬وهذا الفراغ يف الوعي الديين والثقايف‪،‬‬
‫ساعد على انتشار هذا الفكر الدخيل بسرعة‪ ،‬فاشرأبت أعناقهم للدفاع عنه‪ ،‬وامتشقوا السيوف للقتال من أجله‪،‬‬

‫‪422‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫فادعى ابن تومرت أنّه من آل البيت‪ ،‬وأعلن نفسه اإلمام املهدي املعصوم‪ ،‬مغتنماً فرصة ضعف املرابطني‪ ،‬وتعدد‬
‫جبهات قتاهلم يف االندلس بني الثورات الداخلية‪ ،‬والتهديدات النصرانية الشمالية‪.‬‬
‫إضافة إىل كل ذلك فقد كانت البن تومرات مهارات وملكات خمتلفة وظفها إىل جانب العقيدة‪،‬فقد لبس لباس‬
‫الزهد‪ ،‬وحتكم يف مهارات اللغة واالتصال والدعاية‪ ،‬واختيار الزمان واملكان والعنصر البشري ‪ ،‬وهي كلها عناصر‬
‫سامهت يف حتقيق ابن تومرت هلدفه السياسي‪ ،‬كما جتتمع جل هذه العناصر يف جتارب اهليمنة والسيطرة عرب‬
‫تاريخ االنسانية‪ ،‬فباتت قواعد مسطورة يف كتب الفكر السياسي‪ ،‬وهذه العناصر اجملتمعة مل تكن لتنجح لو مل جتد‬
‫بيئة ثقافية مناسبةأهم خصائصها الرتكيز على الفروع دون األصول‪.‬‬
‫ويف اعتقادي أن التطرف املرابطي يف الفروع قابله تطرف أصويل تومريت‪ ،‬ظهر يف ادعاء العصمة واملهدوية‪ ،‬وهو‬
‫األمر الذي أنكره بعض خلفاء املوحدين من بعده‪ ،‬لعل هذا التطرف هو ما جعل هذه التجارب البعيدة عن قيم‬
‫احلرية والعدالة ال تستمر يف تاريخ الدول اإلسالمية‪.‬‬
‫وكثرياً ما كانت البدايات يف التاريخ تنبئ عن النهايات‪ ،‬واملقدمات عن النتائج‪ ،‬فلم ميض قرن من ظهور دولة‬
‫املوحدين حىت تسرب إليها الضعف واهلرج‪ ،‬فكثرت الدماء بني أفراد األسرة احلاكمة‪ ،‬وألغوا كل ما ادعاه ابن‬
‫تومرت من مهدوية وعصمة‪ ،‬كتب املأمون آخر املتنافسني على احلكم رسالة يقول فيها‪ :‬ولتعلموا أ ّن نبذنا الباطل‪،‬‬
‫وأظهرنا احلق‪ ،‬وأال مهدي إال عيسى بن مرمي‪ ،‬وما مسي مهدياً إال ألنه تكلم يف املهد‪ ،‬وتلك بدعة قد أزلناها‪،‬‬
‫واهلل يعيننا على القالدة اليت تقلدناها‪ .‬قد أزلنا لفظ العصمة عمن ال تثبت له العصمة‪ ،‬فلذلك أزلنا عنه رمسه‪،‬‬
‫فتسقط ومتحى وال تثبت‪ ،‬وقد كان سيدنا املنصور قد هم أن يصدع مبا به اآلن صدعنا‪ ،‬فلم يساعده أجله‪ ،‬وإذا‬
‫(‪)52‬‬
‫كانت العصمة مل تثبت عند العلماء للصحابة‪ ،‬فما الظن مبن مل يدر بأي يد يأخذ كتابه‬
‫ترتكز سياسة ابن تومرت ارتكازاً وثيقاً على عقيدته الدينية‪ ،‬هذه العقيدة اليت تباينت املواقف حوهلا‪ ،‬ومن خالل‬
‫نظرة يف تراث ابن تومرت تبني أ ّن عقيدة ابن تومرت ترتكز على ثالثة ركائز هي‪ :‬التوحيد‪ ،‬اإلمامة‪ ،‬واخلروج‪.‬‬
‫وظف هذه املرتكزات لتنفيذ مشروعه السياسي‪ ،‬فكيف ذلك؟‬
‫ركز ابن تومرت على مسألة التوحيد‪ ،‬فجعله شعاراً وامساً للدولة‪ ،‬هذا التوحيد الذي يرى فيه أنه يقوم على التنزيه‬
‫للذات اإلهلية‪ ،‬وهو خيتلف عن توحيد املرابطني الذي يقوم على "التجسيم" –يف نظره‪ -‬موظفاً منهج املتكلمني‪،‬‬
‫لكن ابن تومرت يف تنزيهه متادى إىل أن وصل إىل تنزيه فيه تعطيل‪ ،‬على طريقة املعتزلة‪.‬‬
‫وانطلق ابن تومرت من منطلق التوحيد إلدراكه جتنب علماء املرابطني اخلوض يف مسائل التوحيد مبنهج املتكلمني‪،‬‬
‫أي من علماء املتكلمني األشاعرة الذين سبقوه‪.‬‬
‫فأراد أن يهدم الدولة من أسس االعتقاد اليت مل يعرتض عليها ٌّ‬
‫الركيزة الثانية يف عقيدة ابن تومرت هي القول بأن اإلمامة أصل من أصول الدين‪ ،‬وأن اإلمام معصوم‪ ،‬وادعى اِثر‬
‫ذلك أنه اإلمام املعصوم واملهدي املعلوم‪ ،‬ويف هذه املعتقدات واالدعاءات يتبني أن ابن تومرت كان يعتنق عقيدة‬
‫الشيعة‪ ،‬ويتمثل جتارهبم التارخيية‪ ،‬واستطاع أن يؤثر يف أوساط السذج احلانقني على دولة املرابطني خاصة من قبيلة‬
‫مصمودة‪ ،‬فكون منهم جيشاً محل لواء اخلروج عن السلطان‪.‬‬

‫‪422‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫الركيزة الثالثة يف عقيدة ابن تومرت هي اخلروج عن السلطان القائم‪ ،‬واالحنالل من بيعته‪ ،‬ومحل السالح ضده‪،‬‬
‫فاستغل ابن تومرت تعدد اجلبهات اليت كان املرابطون يقاتلون فيها‪ ،‬فقاد جيشه يف معارك دموية ضد املرابطني‪،‬‬
‫انتهت ‪-‬بعد موته‪ -‬بانتصار املوحدين‪.‬‬
‫دب الضعف فيها‪ ،‬وتنكر خلفاؤها هلذه املرتكزت‪ ،‬واعرتفوا بكذهبا‪.‬‬
‫ومل ميض قرن على تأسيس دولة املوحدين حىت ّ‬

‫‪425‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫(‪-)1‬املراكشي‪ ،‬عبد الواحد بن علي التميمي‪ ،‬حميي الدين (ت ‪746‬هـ)المعجب في تلخيص أخبار المغرب من لدن فتح األندلس إىل‬
‫آخر عصر املوحدين‪ ،‬تح ‪:‬الدكتور صالح الدين اهلواري‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪-‬بريوت‪ ،‬ط‪1447 ،1‬هـ ‪4007 -‬م‪ ،‬ص‪.141 :‬‬
‫(‪-)2‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرمحن بن حممد بن حممد‪ ،‬أبو زيد‪ ،‬ويل الدين احلضرمي اإلشبيلي (ت ‪808‬هـ) ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ‬
‫العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر‪ ،‬تح‪ :‬خليل شحادة‪ ،‬دار الفكر‪،‬بريوت‪،‬ط‪ 1408 ،4‬هـ ‪ ، 1888 -‬م‪/7‬‬
‫‪.176‬‬
‫(‪-)3‬عنان‪ ،‬حممد عبد اهلل (ت ‪1407‬هـ) دولة اإلسالم في األندلس‪،‬مكتبة اخلاجني‪،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 1411 ،4‬هـ ‪ 1880 -‬م‪.413/3 ،‬‬
‫(‪-)4‬الذهيب‪ ،‬مشس الدين أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قَ ْامياز (ت ‪648‬هـ) العرش‪ ،‬تح حممد بن خليفة بن علي التميمي‬
‫عمادة البحث العلمي باجلامعة اإلسالمية‪ ،‬املدينة املنورة‪،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1444 ،4‬هـ‪ 4003/‬م‪.77/1 :‬‬
‫(‪-)5‬ابن تومرت‪ ،‬أعز ما يطلب‪ ،‬تح‪ :‬عمار طالب‪ ،‬إصدار وزارة الثقافة‪ ،‬مطبعة اجليش‪ ،‬اجلزائر‪ ،4006 ،‬ص‪.414 :‬‬
‫(‪-)6‬ابن القطان‪ ،‬أبو حممد حسن بن علي‪ ،‬املراكشي الكتامي (ق‪6‬ه) نظم الجمان في ترتيب أخبار ما سلف من الزمان‪ ،‬تح‪ :‬حممود‬
‫علي مكي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،1880 ،4‬نظم اجلمان‪ ،‬ص‪81:‬‬
‫(‪-)7‬ابن تومرت‪ ،‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪-)8‬ابن تومرت‪،‬املصدرالسابق‪ ،‬ص‪.417 :‬‬
‫(‪-)9‬عنان‪ ،‬املرجع السابق‪.313/3 ،‬‬
‫(‪-)10‬الشهرستاين‪،‬أبو الفتح حممد بن عبد الكرمي بن أىب بكر أمحد (ت ‪848‬هـ)‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬مؤسسة احلليب‪ ،‬ص ‪18‬‬
‫(‪ -)11‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن عبد اهلل بن أيب القاسم بن حممد احلراين احلنبلي الدمشقي‬
‫(ت ‪648‬هـ)شرح العقيدة األصفهانية‪ ،‬تح‪ ،‬حممد بن رياض األمحد‪،‬املكتبة العصرية‪ ،‬ط‪1‬بريوت‪1448 ،‬هـ ‪ ،‬ص‪.43:‬‬
‫(‪ -)12‬امل ّقري‪ ،‬شهاب الدين أمحد بن حممد بن أمحد بن حيىي‪ ،‬أبو العباس املقري التلمساين (املتوىف‪1041 :‬هـ)أزهار الرياض يف أخبار‬
‫القاضي عياض‪ ،‬تح‪ :‬مصطفى السقا وإبراهيم اإلبياري وعبد العظيم شليب‪ ،‬مطبعة جلنة التأليف والرتمجة والنشر–القاهرة‪ 1388،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1838‬‬
‫‪.171/3‬‬
‫(‪ -)13‬هناك قاسم مشرتك كبري بني املعتزلة والشيعة يف عقيدة األمساء والصفات‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬العرش‪.131/1 ،‬‬
‫(‪ -)14‬ألّف ابن رشد احلفيد موسوعته الفقهية حتت عنوان بداية اجملتهد وهناية املقتصد‪ ،‬ويدخل ضمن الفقه املقارن‪ ،‬وفتح باب االجتهاد‬
‫(‪ -)15‬علي أومليل‪ ،‬السلطة الثقافية والسلطة السياسية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،3‬بريوت ‪ ،4011‬ص‪.408 :‬‬
‫(‪ -)16‬ابن تومرت‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.448:‬‬
‫(‪ -)17‬الشهرستاين‪ ،‬املصدر السابق‪47 ،‬‬
‫(‪ -)18‬عنان‪ ،‬املرجع السابق ‪407/3‬‬
‫(‪ -)19‬ابن تومرت‪ ،‬املرج نفسه‪.448 ،‬‬
‫(‪ -)20‬اجلويين‪ ،‬عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد‪ ،‬أبو املعايل‪،‬ركن الدين‪ ،‬امللقب بإمام احلرمني (ت ‪468‬هـ)غياث األمم في‬
‫التياث الظلم‪ ،‬تح ‪:‬عبد العظيم الديب‪،‬مكتبةإماماحلرمني‪ ،‬ط‪ ،4‬ص‪.44 :‬‬
‫(‪ -)21‬املاوردي‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد بن حممد بن حبيب البصري البغدادي‪ ،‬الشهري باملاوردي (ت ‪480‬هـ) األحكام السلطانية دار‬
‫احلديث‪،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.13 :‬‬
‫(‪ -)22‬املاوردي‪ ،‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪ -)23‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الغزايل الطوسي (ت ‪808‬هـ)‪ ،‬تح‪ :‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬مؤسسة دار الكتب الثقافية ‪ -‬الكويت ‪،‬‬
‫فضائح الباطنية‪ ،‬ص‪.408 :‬‬

‫‪422‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬
‫أ‪ .‬أمحد شارف‬ ‫العقيدة وجتلياهتا السياسة يف فكر ابن تومرت‬

‫(‪ -)24‬ابن مساك العاملي‪ ،‬احللل املوشية‪.68 ،‬‬


‫(‪ -)25‬ابن القطان‪ ،‬ص‪.86:‬‬
‫(‪ -)26‬املراكشي‪ ،‬املعجب‪141 ،‬‬
‫(‪ -)27‬ابن القطان‪ ،‬املصدر السابق‪.81 ،‬‬
‫(‪-)28‬أبو سهل حممد بن عبد الرمحن املغراوي‪ ،‬موسوعة مواقف السلف يف العقيدة واملنهج والرتبية‪،‬املكتبة اإلسالمية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ -‬مصر‪ ،‬النبالء للكتاب‪ ،‬مراكش ‪ -‬املغرب‪.64/6‬‬
‫(‪-)29‬ابن القطان‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫(‪ -)30‬املراكشي‪ ،‬املعجب‪141 ،‬‬
‫(‪-)31‬ابن تومرت‪ ،‬اعز ما يطلب‪ ،‬ص‪.448 :‬‬
‫(‪ -)32‬ابن تومرت‪ ،‬أعز ما يطلب‪.448 ،‬‬
‫(‪ -)33‬عنان‪ ،‬املرجع السابق ‪404/3‬‬
‫(‪ -)34‬املصدرالسابق‪،‬اعز ما يطلب‪ ،‬ص‪.430 :‬‬
‫(‪-)35‬السالوي شهاب الدين أبو العباس أمحد بن خالد بن حممد الناصري الدرعي اجلعفري (املتوىف‪1318 :‬هـ)‪،‬االستقص األخباردول‬
‫املغرب األقصى‪ ،‬تح جعفر الناصري‪ /‬حممد الناصري‪،‬دار الكتاب – الدار البيضاء‪.80/4 ،‬‬
‫(‪-)36‬السالوي‪ ،‬االستقصاء ‪.88/4 ،‬‬
‫(‪-)37‬ابن خلدون‪.308/7 ،‬‬
‫(‪-)38‬البيذق‪ ،‬أبو بكر بن علي الصنهاجي‪ ،‬دار املنصورة‪ ،‬الرباط‪ ،1861 ،‬ص ‪.43‬‬
‫(‪-)39‬ذكره البيذق ص ‪.44‬‬
‫(‪-)40‬البيذق‪،‬ص‪.34 :‬‬
‫(‪-)41‬ابن عذاري املراكشي البيان املغرب يف أخبار األندلس واملغرب‪308/1‬‬
‫(‪ -)42‬عنان‪ ،‬املرجع السابق‪411/3 ،‬‬
‫(‪ -)43‬ابن القطان‪ ،‬نظم اجلمان‪.76 ،‬‬
‫(‪ -)44‬البيذق ص‪.46 :‬‬
‫(‪-)45‬الذهيب‪ ،‬العرش‪77/1 :‬‬
‫(‪ -)46‬أبو سهل املغراوي‪ ،‬السلف‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫(‪ -)47‬البيذق‪ ،‬أخبار املهدي‪ ،‬ص‪38 :‬‬
‫(‪ -)48‬السالوي‪ ،‬االستقصاء ‪187/1‬‬
‫(‪ -)49‬انظر مقدمة حتقيق كتاب نظم اجلمان‪.48 ،‬‬
‫(‪-)50‬املراكشي‪ ،‬املعجب‪ ،‬ص‪.61:‬‬
‫(‪ -)51‬عنان‪ ،‬دولة اإلسالم يف األندلس‪.186-188/3 /‬‬
‫(‪ -)52‬ابن عذارى‪ ،‬القسم املوحدي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت ‪ .1888‬ص‪486-487 :‬‬

‫‪422‬‬ ‫العدد الثامن ــــــــــــــــ جملة العلوم القانونية واالجتماعية جامعة زيان عاشور باجللفة‬

You might also like