You are on page 1of 119

‫الجمـهـورية الجـزائـريـة الـديمقـراطية الشـعـبية‬

‫وزارة التـعليـم العـالي والبـحـث العـلـمي‬


‫جامـعة ُم ّحمـد بوضـياف بالمـسـيـلة‬
‫كليـة العـلوم اإلنسـانية واإلجتـماعية‬
‫قـسـم فلس ـفـة‬

‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في الفلسفة‬

‫‪ ‬إشراف ‪:‬‬ ‫‪‬إعداد الطالب‪:‬‬


‫‪ -‬الدراجي زروخي‬ ‫‪ -‬سعود محمد الصالح‬

‫السنة الجامعية ‪ 1025( :‬م ‪ 1026 /‬م )‬


‫شكر وعرفان‬
‫أت قدم بجز يل ال شكر والعر فان‬
‫وكامل االمتنان وأسمى عبارات التقدير و اإلحترام‬
‫إلى األستاذ المشرف "الدراجي زروخي "الذي ساهم‬
‫معي في إنجاز هذه المذكرة‬
‫وهذا من خالل مابذله من جهود و نصائح و توجيهات‬
‫كما أنقدم جزيل الشكر وكامل التقدير إلى‬
‫ّ بإسمه و‬
‫أساتذة قسم فلسفة بجامعة المسيلة كل‬
‫مقامه‬
‫ونشكر كذلك كل من قدم لنا علما أو نصحا أو‬
‫معروفا‬
‫و إلى كل صاحب فضل في هذا العمل خالص الشكر‬
‫وأخيرا و شكري و امتناني خاص إلى أولي العقل و‬
‫ّاهرة‪.‬‬
‫الحكمة و الرشاد في هذه األمة الط‬
‫اإلهـ ــداء‬

‫أهدي بحثي هذا إلى إخوتي ‪ :‬علي‪ ,‬عبد‬


‫الكريم‪ ,‬سليم‪ ,‬ناجي‪ ,‬عماد‪ ,‬الطيب‪ ,‬هاني‪ ,‬عبد‬
‫الستار‬
‫و أخص بالذكر و العرفان‪ :‬علي و عبد الكريم‬
‫ّذين كان لهما الفضل الكبير في إتمام دراستي‬
‫الل‬
‫وحصولي على شهادة الماستر في الفلسفة‬
‫و أتمنى من العلي القدير أن ييسر لهما طريق‬
‫النجاح و التوفيق و الهداية‬
‫فالثقافة تستطيع أن تمنحنا اللحظات الممتعة‪ ,‬إذ‬

‫توحي إلينا‬

‫أن ُن ْنشِ د أحيانا ً ُمجتمعين‪ ,‬وأن نرقص ُمجتمعين‪,‬‬

‫ونضحك ُمجتمعين‪ ,‬واآلداء الحسن لذالك كله ظاهرة‬

‫مشجعة وجمالية ينبغي عدم االستخفاف بها‪.‬‬

‫ولكن دورها األساسي أن ُتعلمنا العيش المشترك‬

‫والعمل المشترك وخاصة الكفاح المشترك‪.‬‬

‫هذه هي وظيفتها االجتماعية األساسية‪ ,‬ولن نتلهى‬

‫بإظاعة الوقت في إيجاد تعريف لمفهوم الثقافة‪.‬‬

‫مـــاكل بـــــــن نـــــــيب‬


‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث األول ‪ :‬المرجعية الفكرية لمالك بن نبي‬

‫يعترب القرن الواحد والعشرين قرنا قد شهد العديد من التغريات و املستجدات اجلديدة‪ ،‬اليت عرفها اإلنسـان يف هذا‬
‫القرن يف مجيع امليادين السياسية‪ ،‬و االقتصادية‪ ،‬و االجتماعية‪،‬و الثقافية‪ ،‬والدينية‪.‬‬

‫ولعل الناظر إىل هذه التغريات ‪،‬جيد أن اخلاسر األكرب الوحيد يف هذا الوضع العام هو اإلنسان و خاصة اإلنسان‬
‫املسلم أو نقول باألحرى إنسان العامل الثالث ‪.‬‬

‫و إن املتتبع حلركة هذا الوضع املزري ‪ ،‬جند أن هناك عدة أسباب أوصلت هذا العامل إىل هذه املشكلة العويصة‪،‬‬
‫فأصبح املتخصـصون يف هذا اجملال ينادون حبلول للخروج من هذه النكسات اليت حلت هبذا العـامل و ما يزيد اجلرح أن‬
‫هذه الدول متل إسماما شهد له القاصي و الداين مبدى قوته و حـركيته و مدى صماحيته يف كل وقت و يف كل زمان‬
‫‪ ،‬إال أن احلاملني هلذا الدين أناس فشلة‪.‬‬

‫و‬ ‫فأصبح رجال الدين ينادون حبتمية احلل اإلسمامي‪ ،‬ونادى املتخصصون يف جمال االقتصادي بـرفع االقـتصاد‬
‫حماربة البطالة و الغش‪ ،‬و رفع رجال الثقافة شعارا بازدواجية الثقافة لعلها هي السحر الذي يبعدنا من هذا املرض‪.‬‬

‫إال أنه لألسف بقى اإلنسان يعاين من وجعه و من مرضه‪ ،‬وال نستطيع أن نقضي أو على األقل أن نقاوم هذا املد‬
‫اجلارف‪ ،‬إال بالرجوع إىل طريق واحد‪ ،‬وهو طريق التفكري الفلسفي‪ ،‬مبعىن الفلسفة وألنه و كما علمونا أساتذتنا أنه مىت‬
‫وجدت الفلسفة تكون احلضارة‪ ،‬ومىت وجد الدين أو الثقافة أو االقتصاد ال ميكن أن تتوفر هذه احلضارة‪ ،‬و ميكن بلغة‬
‫احلتمية أن يكون هذا صحيحا و هو ما يؤكده الواقع املعاصر‪.‬‬

‫و من املؤكد أن هذا النوع من التفكري‪ ،‬قد أخرج اإلنسان من الظلمات إىل النور‪ ،‬ومن حالة الفوضى إىل حالة‬
‫وتطورا‪.‬‬
‫النظام‪ ،‬و من طغيان االستبداد إىل نعيم العدالة و احلرية‪ ،‬و من حالة التخلف إىل وضع أكثر تقدما ً‬
‫و جند العديد من املفكرين الذين سلكوا هذا املسل سواء يف العامل الغريب أو يف العامل العريب‪ ،‬حيث جند أن هؤالء‬
‫املفكرين قد أرادوا أن يقدموا حلوال جلميع املشاكل اليت يعاين منها اإلنسان‪ ،‬ألن الفلسفة هي الوسيلة ملنح احللول ال‬
‫ملناقشة املشاكل‪ ،‬بل شعارها هي تقدمي الدواء باملعىن الصحي يف وقت املناسب و يف املكان املناسب‪.‬‬

‫إال أن هناك بعض املفكرين بقيت فلسافاهتم حيز التجريد‪ ،‬وهي يف قفص املثالية‪ ،‬مل تنزل إىل مكان الداء أي الواقع‪،‬‬
‫و‬ ‫و بعض الفلسفات األخرى بقيت هي األخرى يف فوق واقع اإلنسان فقتلت قيمه و أهنكت وازعه الديين‬
‫األخماقي‪ ،‬أما الفكر العريب فنجد أن بعض املفكرين قد تزعموا أن احلل يكمن يف الرتاث و أن ال بديل عنه ورأى‬

‫‪9‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫مثلها و هـذا ما نطلق عليه‬ ‫البعض األخر أن احلل يكمن فقط يف تتبع ما وصلت إليه احلضارة الغربية وأن نسل‬
‫باملعاصرة‪.‬‬

‫ولكن إن الباحث عن احلقيقة‪ ،‬يف الفكر العريب خاصة و ‪ -‬هذا ما نعنيه ‪ -‬جند أن هناك مفكرين قد حاولوا حماولة‬
‫عميقة‪ ،‬جبمع بني روح األصالة و عطور املعاصرة‪ ،‬و إعطاء مناهج فعالة هلا من القدرة الكافية ملواجهة التحديات‬
‫اجلديدة ‪.‬‬

‫و‬ ‫ولعل من أبرز هؤالء املفكرين جند املفكر اجلزائري (( مالك بن نبي )) هذا املفكر الذي حاول أن يقدم حلوال‬
‫أدوية فعالة جتمع بني الروح الفكرة الدينية‪ ،‬وبني عمق املنهج التجرييب‪ ،‬و بني عصارة العلوم و خاصة العلوم اإلنسانية و‬
‫االجتماعية‪ ،‬هذا املفكر الذي مل يكن ال من بني التيار الرتاثي املتحجر‪ ،‬و ال من رواد التجديد الذين تنكروا لدينهم و‬
‫هلويتهم بل هو من الذين حاولوا اجلمع بني األصالة اإلسمامية و بني ما هو جديد عرب سلسة كانت عنواهنا دليما على‬
‫حمتواها و هي (( سلسلة مشكالت الحضارة ))‪.‬‬

‫يف‬ ‫ضـمن هـذا املنظـور سنح ـاول التعـرض إىل هـذه الشخصـية مــربزين أهـم معـامل حياتـه‪ ،‬و أهــم العوامـل الـيت أثــرت‬
‫تكوينه‪ ،‬و منهجه يف التفكري الذي ميزه عن غريه ‪ ،‬ألنه‪:‬‬

‫‪ -0‬ال ميك ــن فه ــم فك ــرة أو نظري ــة مقطوع ــة الص ــلة ع ــن إطاره ــا االجتم ــاعي و السي ـ ـاسي و االقتص ــادي و الثق ــايف ال ــيت‬
‫نشأت فيه‪.‬‬

‫‪ -2‬إن املفكر أو العامل هو نتاج لوسطه االجتمـاعي (ابتداء من األسررة)‪ ،‬و كـذا اوضـاعه االجتماعيـة‪ ،‬االقتصـادية و‬
‫يف‬ ‫الدينيــة‪ ،‬و مــن ــة يتعــني علينــا البحــث عــن أصــول األفكــار و النظ ـريات لــييف يف عقــل املفكــر أو العــامل و إ ــا‬
‫املعطيات اليت متيزت هبا املرحلة التارخيية اليت عاش فيها‪.‬‬

‫ولد مال بن احلاج عمر بن خلضر بن مصطفى بـن نـيب يف أحضـان أسـرة كرميـة متواضـعة‪ ،‬يف الفـاتح مـن شـهر جـانفي‬
‫‪0911‬م مبدينة قسنطينة(‪ ،)1‬إحدى مدن الشرق اجلزائري‪ ،‬يف زمن يعد فيصما ينب املاضي و املستقبل‬

‫(‪ )0‬عمار طاليب ‪ :‬مال بن نيب و مشلكه احلضارة‪ ,‬جملة الثقافية‪ ,‬الصادرة باجلزائر عن الوزارة اإلعمام والثقافة‪ ,‬العدد ‪ 0991 ,01‬م ص ‪.9‬‬

‫‪01‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫حيث يقول‪ << :‬االتصال بالماضي عن طريق آخر من بقي حيّا من شهوده‪ ،‬و اإلطالل على‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫المستقبل‪ ،‬عبر األوائل من رواده‬

‫بدأ مال بن نيب رحلته الدراسية بالكـتاب‪ ،‬مث سـرعان ما انتظم باملدرسة القرآنية‪ ،‬ليـحافظ على دراسة يف كليهما‬
‫يف‬ ‫إىل أنه فشل يف التوفيق بينهما خصوصا أمام ضعف املناهج و الوسائل يف الكتاب‪،‬فانقطع عنه ليبقى منتظماً‬
‫املدرسة الفرنسية إىل أن مت دراسته اإلعدادية بالتفوق‪.‬‬

‫من‬ ‫عاد بن نيب إىل قسنطينة ملواصلة دراسته حيث دخل إىل املدرسة الرمسية التحضريية و هنا بدأت مرحلة جديدة‬
‫(‪)2‬‬
‫هذا‬ ‫حياته‪ ،‬حبيث انفتح وعيه الديين حبيث تلقى دروساً يف السرية و العقيدة على يد األستاذ مولود بن املوهوب*‬
‫يعين أن مال بن نيب كان شخصية تتقبل التوجيهات والنصائح و كما أنه كان طالب علم جياليف العلماء وحياكيهم‬
‫<<‬
‫و قد تولى الشريخ مولرود بن موهوب جذب أفكارنا و ُعقولنا إلى خط تلك الحركة التقليدية‬ ‫حيث يقول ‪:‬‬
‫>>(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫القديمة‬
‫<<‬
‫فمن جهة عامة‬ ‫و من جهة اخرى كان هناك أساتذة فرنسيون يؤسسون يف عقله املنهج الديكاريت حيث يقول ‪:‬‬
‫>>(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫كان اساتذتنا الفرنسيون يصبون في انفسنا محتوى ديكارتي‬

‫أبعادا متعددة فكان مفتحاً على مجيع الثقافات‬


‫هذا يعين أن مال بن نيب أيضاً كان شخصية منفتحة العقل‪ ،‬و له ً‬
‫على الثقافات‬ ‫سوآء يف السرية أو الفقه ألنه كانت هذه املواضيع حتدد له تـصورات لبعض املفـاهيم‪ ،‬كما يطـلع‬
‫و األفكار األجنبية‪ ،‬كما أن احملتوى الذي تأثر به مال بن نيب يف هذه املدرسة هو احملتوى الديكاريت أي املنهج‬
‫الديكاريت املعروف‪ ،‬بعمقه يف التحلـيل و استعماله لإلحصاء هذا ما سوف يؤثر عليه يف عملية حتليله للمشاكل اليت‬
‫يعاين منها إنسان ما بعد املوحدين‪ ،‬بأن يربز بعملية التحليل مجيع ما يعاين منه اإلنسان ‪.‬‬

‫و يف سنة ‪ 0911‬م ذهب مال بن نيب إىل فرنسا قصد مواصلة الدراسة اجلامعية فحاول التسجيل يف معهد‬
‫ندسا‬
‫الدراس ـ ـ ـات الشرقية ببـ ـ ـاري ـيف‪ ،‬لكنه مل يسمـ ـح له بذل فدخل معهد الدراسـ ـ ـات الماس ـ ـ ـلكية ليتخرج منها مهـ ـ ً‬

‫(‪ )0‬مال بن نيب ‪ :‬مذكرات شاهد القرن الطفل و الطالب‪ ,‬دار الوعي‪,‬ط‪ ,0‬اجلزائر‪ 2101 ,‬م ‪ ,‬ص‪.01‬‬
‫* و هو رجل من رجال اإلصماح يف اجلزائر كان يصحح بعض املفاهيم و التصورات ملال بن نيب بالرغم من أنه مل حيتويه‪.‬‬
‫(‪ )2‬بوراس يوسف‪ :‬الفكر السياسي عند مال بن نيب‪,‬دار هومه‪ ,‬اجلزائر‪ 2101 ,‬م‪ ,‬ص‪.09‬‬
‫(‪ )1‬مال بن نيب‪ :‬مذكرات شاهد القرن‪,‬ص ‪.61‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ :‬ص ‪.61‬‬

‫‪00‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫ك ْهربائِيًا سنة ‪ 0911‬م‪ ،‬و لقد كانت الساعات اليت يقضيها يف الورشة مل تكن كما يقول<< ُم َجرد لعب‪ ،‬بل كانت‬
‫ممتلئة بالشعور الوارد على ِدين جديد و لم يكن أيضا تخلو من مالحظات و بواكير لتفكير اجتماعي بدأت‬
‫تخامر عقلي فبينما تلك األدوات البسيطة في يدي أشعر بأنها ليست لمجرد اللعب بل هي دالئل على مقدار‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫تطور المجتمع‪ ،‬ألن المجتمع البدائي آلته اليد و اإلصبع‬

‫إن هذا التخصص الكهربائي الذي درسه مال بن نيب قد حرك فيه هاجيف البحث و التفكري لسبل تطور اجملتمع و‬
‫معرفة أسباب ختلفه و أزمته احلضارية‪ ،‬هذا يعين أن ختصصه العلمي كان له دوراً إجيابيا و فعاالً يف رؤيته للمجريات‬
‫العاملية و اإلقليمية و حىت الوطنية‪.‬‬

‫سندا قويًا يف‬


‫اإلسمام و مست نفسها خدجية و كانت بطبيعة احلال له ً‬
‫و يف سنة ‪0911‬م تزوج بفتاة فرنسية اعتنقت ْ‬
‫التفكري فيما خيص مسائل عديدة‪ ،‬فهو يف هذا الصدد يقول‪<< :‬كانت الحياة المنزلية تبدأ بالنسبة لي عندما أعود‬
‫من المدرسة‪ ،‬فآخذ استراحة قصيرة و أتجاذب الحديث مع خديجة حول القضية الجزائرية أو حول الدين‬
‫فتبدي رأيها في موازنة اإلسالم و المسيحية بطريقة تفيدني أحيانا‪ ،‬أو تلفت نظري إلى أشياء ال تفقد أهمية لمن‬
‫>>(‪)2‬‬
‫كما لعبت زوجته دورا كبرياً يف تشكيل ذوقه الفين و اجلمايل كما أنه حصنته‬ ‫ال يحتقر الشيء البسيط لبساطته‬
‫أخماقيا ووفرت له اجلو العائلي ‪.‬‬

‫و يف عام ‪0916‬م انعقد املؤمتر اإلسمامي و الذي كان له وقع شديد على مال بن نيب الذي كان يرى بأن وقت‬
‫االخنراط يف العمل السياسي مبنياً على طلب احلقوق‪ ،‬يف الوقت الذي جيب فيه على احلركة اإلصماحية ُمواصلة خط‬
‫النضال يف طريق القيام بالواجبات‪ ،‬بل يذهب مال بن نيب أكثر من ذال و هو أن العلماء مل يكونوا يف املستوى‬
‫الوعي احلضاري و السياسي الذي خيوهلم ْإدراك خطورة املوقف(‪. )3‬‬

‫لغيرهم‪،‬‬ ‫حيث يقول‪ <<:‬فالظروف السانحة وضعت العلماء أمناء على مصلحة الشعب فسلموا األمانة‬
‫ألنهم لم يكونوا في مستواها العقلي و سلموها لمن وضعها تحت أقدامه ليكون سلماً يصعد عليه للمناصب‬
‫>>(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫السياسية‬

‫(‪ )0‬مال بن نيب‪ :‬مذكرات شاهد القرن‪ ,‬ص‪.294‬‬


‫(‪ )2‬نفسه‪ :‬ص‪.294‬‬
‫(‪ )1‬يوسف بوراس ‪ :‬الفكر السياسي عند مال بن نيب‪.22 ,‬‬
‫(‪ )4‬مال بن نيب‪ :‬مذكرات شاهد القرن‪ ,‬ص‪.161‬‬

‫‪02‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫<<‬
‫إنها تستهدف أهدافا سامية‪ ،‬دون أن ترسم خطتها و دون أن تحدد‬ ‫و يقول أيضاً يف هذا الصدد‪:‬‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫وسائلها‬

‫إىل‬ ‫هذا يعين أن مال بن نيب كان يريد أ ْن تكون احلركة اإلصماحية‪ ،‬هلا أهدافـاً و مناهج تقوم عليها لكي تبلغ‬
‫األهداف اليت تسموا إليها‪ ،‬ولكي ال تبقى أفكارها ميتافيزيقية إن صح التعبري‪ ،‬فما بد من ركائز واقعية ليقوم عليها و‬
‫يف نظرياته‬ ‫هذا ما يلمح إلينا أن شخصـيته كانت جتمع بني ما هو نظري و علمي يف آن واحد‪ .‬و هذا كان دأبه‬
‫الفلسفية و الفكرية‪.‬‬

‫ولقد بقى مال بن نيب موزعاً بني فرنسا و اجلزائر‪ُ ،‬حماوالً التوفيق بني تدبري عيشه و مزاولة نشاطه الثقايف‬
‫اإلصماحي‪ ،‬فلقد كانت ثقافته من أجل اإلصماح و توعية الشعب و النهوض به ومل تكن ثقافته من أجل ثرثرة جملموعة‬
‫أفكا ِر‪.‬‬

‫حبيث كان خيلف الشيخ العربي التبسي* يف احلديث عند غيابه‪ ،‬وذل يف نادي الشبيبة اإلسمامية يف تبسة‪،‬وهذا‬
‫عند تواجده باجلزائر اىل غاية احلرب العاملية الثانية‪،‬حيث مل تتوقف ترصد دوائر الصـراع الفكري له‪ ،‬فقد كتب يف ظل‬
‫هذه األوضاع باكورة أعماله و املتمثل يف كتاب الظاهرة القرآنية‪.‬‬

‫بن نيب بالتضييق الكبري عليه من طرف سلطات االستعمار الفرنسي‪ ،‬كما أدرك‬ ‫و بعد انطماق الثورة شعر مال‬
‫فاستغل انعقاد مؤمتر باندونغ و ألف كتابه‬
‫ضرورة أن يساهم يف الثورة ‪ ،‬وذال بأن يؤرخ هلا من الداخل كشاهد عيان‪ْ ،‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫فكرة اإلفريقية اآلسيوية على ِ‬
‫ضوء مؤمتر باندونغ ‪.‬‬

‫فقد كان مال بن نيب حامماً لِواء اإلصماح ومهوم أمته يف كل األحوال‪ ،‬فلم يكن ذال املثقف الذي كان يكتب‬
‫يف بيته‪ ،‬بل كان مثقفا يعيش هم أمته و هذا ما يدل عليه إنتاجا ته الفكرية و أعماله‪.‬‬

‫و سافر مال بن نيب إىل مصر و راسل قيادة الثـورة بغرض دخول إىل اجلـزائر لكن أمهل طلـبة‪ ،‬و رغم ما خلف هذا‬
‫األمر عليه من أسى‪ ،‬فإن عزميته مل تفتقر إذ يف ظـل هذه الـمآسي اليت كان يعيشها الشعب اجلزائري كان يف القاهرة يقوم‬
‫بأنشطة مع املفكرين و الساسة و املنظمات‪.‬‬

‫(‪ )0‬مال بن نيب‪ :‬مذكرات شاهد القرن‪ ,‬ص‪.196‬‬


‫*العريب التبسي ‪ :‬هو أحد املشايخ مدينة تبسة تأثر به مال بن نيب يف طريقة إصماحه و توجيهه‪.‬‬
‫(‪ )2‬العابد ميهوب‪ :‬الفكر الرتبوي عند مال بن نيب‪ ,‬رسالة دكتوراه غري منشورة جامعة حممد خضري‪ ,‬بسكرة‪,2104,‬ص‪.96‬‬

‫‪01‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫بعد االستقمال عاد مال بن نيب إىل اجلزائر سنة ‪، 0961‬و شعوراً مبكانته العلمية و الفكرية‪ ،‬عينته القيادة مدير‬
‫للتعليم العايل سنة ‪ 0961‬م كما كلف بإنشاء مركز للتوجيه الثقايف لكن لظروف عديدة تتعلق بالبريوقراطية و إمهال‬
‫التوجيه الثقايف من السلطة اجلزائرية و لعدم شعورها بأمهية فقد استقال من منصبه‪ ،‬ليتفرغ للعمل الفكري‪ .‬فنظم عدة‬
‫ندوات و حماضرات و شارك يف مـؤمترات يف أقـطار العامل اإلسمامي‪ ،‬كما اجتمع من حوله خنبة من عدة أقطار إسمامية‬
‫تنهل من فكره‪ ،‬و حتمل نظرياته اإلسمامية لتذهب بعيداً يف أرجاء العامل اإلسمامي‪ ،‬فأصبح بذل مدرسة جديدة يف‬
‫الفكر اإلسمامي املعاصر‪ ،‬إىل أن وافته املنية يف ‪ 10‬أكتوبر‪0991‬م تاركا وراءه تراثاً فكريا هائما بدأ يدخل اجلامعات‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلسـمامية و الـغربية ليـدرس وحيلل و يرسم نسقا جديداً يف تفكري اإلنسانية ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬العوامل المؤثرة في شخصية مالك بن نبي‬

‫أوال ‪ :‬العامل التربوي‬

‫على‬ ‫ال يستطيع املفكر أن يصل إىل اجتاهات و مواقف فلسفية معينة من دون وجود عوامل و مؤثرات تعمل‬
‫تشكيل و صقل آرائه بتجربة احلياة و العوامل احمليطة به‪ ،‬فكل من البيئة و املدرسة و اجملتمع‪ ،‬كل هذه املؤسسات‬
‫ساعدت بن نيب يف تكوين نظرياته و مواقفه يف اإلصماح و يف النهضة و يف الثقافة و يف الرتبية‪ ،‬و لكن كيف ساعدت‬
‫هذه العوامل مال بن نيب؟ و ما هي أهم هذه العوامل و احملفزات؟‬

‫نستطيع أن نقول أن هناك عدة عوامل و مؤثرات يف تفكري أي مفكر أو عامل و لكن سوف نركز على أهم هذه‬
‫العوامل لكوهنا شكلت تأثرياً مباشراً‪ ،‬و هي العامل الرتبوي و االجتماعي والعامل الثقايف الفكري‪ ،‬حبيث جند أن هذه‬
‫العوامل سامهت و بشكل كبري يف تكوين العقل اإلصماحي لفكر مال بن نيب‪.‬‬

‫و نقصد بالعامل الرتبوي هو العامل الذي حيصن املفكر منذ والدته‪ ،‬ولعل الكثري من العوامل األخرى مثما كالعامل‬
‫البيئي أو االقتصادي ال يؤثر مثل ما يؤثر هذا الظرف الرتبوي الذي هو املمهد األول لألفكار اليت يتلقاها أي باحث أو‬
‫طالب‪ .‬حبيث تشكل النشأة الرتبوية أو إن صح التعبري األسرة اليت هي املمهد األول للتعاليم األخماقية و الدينية لفكر‬
‫و يف‬ ‫مال بن نيب‪ ،‬حبيث شكلت األسرة لديه هي النواة األوىل و القناة األوىل اليت تعلم فيها مجيع القيم‬
‫و‬ ‫احلقيقة األمر تلعب األسرة دوراً يف التنشئة حبيث جند يف واقعنا املعاصر أن األسرة قد ألفتت ظهرها للرتبية‬
‫الروحي و األخماقي لدى مال بن نيب‬
‫أصبح دورها هامشيا إن مل نقل معدوماً متاما‪ ،‬فاألسرة هي اليت بنت اجلانب ُ‬

‫(‪ )0‬قاسم أمحد الشيخ بلحاج‪ :‬نظرية احلضارة عند املفكر مال بن نيب‪,‬دار اجلاحظية‪0991 ,‬م‪ ,‬ص‪.9‬‬

‫‪04‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫حبيث كانت جدته ألمة احلاجة "زوليرخة" هي املدرسـة األوىل اليت تكون فيها حسه الوطين‪ ،‬و تعاليم الرتبية الصاحلة‬
‫<<‬
‫و كانت هذه األقاصيص الورعة تعمل على تكرويني دون أن أدري‪ ،‬فمنها عرفرت أن‬ ‫حيث يقول هو ‪:‬‬
‫اإلحرساس‪ ،‬في مررتبة ُعليا من الخلرق اإلسالمي‪ ،‬وإحدى حكراياتها في اإلحساس جعلتني أنا إبن السادسة أو‬
‫>>‬
‫السابعة من عمري أقوم بعمل ربما كان على ما اعتقد أسمى ما قمت به في حياتي ‪.‬‬

‫زياد ًة على ذال كانت جدته مال بن نيب أي زوليخة تعطيه أخماقا مشحونة بالقيم وذل عن طريق احلكايات و‬
‫القصص ويف هذا يقول‪ << :‬وفي ظهيرة يوم الجمعة أخذت نصيبي من الرفيس و أخذت أقضمه بنهم ولذة و‬
‫فجأة سمعت بباب ال ّدار سائال‪ :‬أعطوني من مال اهلل و لم أكن عنردها أكلت من فطيرتي أكثر من النصف و‬
‫>> (‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫مع ذلرك بادرت بإعطرائها له عنردما تذكرت واحردة من حكرايات جدتي عن اإلحساس و ثوابه‬

‫إذاً لقد شكلت جدته مدرسة يف تلقيه ملختلف القيم حبيث كان دورها كبرياً يف تنمية اجلانب األخماقي لسلوكه‪،‬‬
‫و هذا يعين أن مال بن نيب كان من بني الذين نشأوا يف تربية صاحلة حبيث يشهد أن حىت والده كان له مواقف ضد‬
‫االستعمار الفرنسي و هذا ما ساهم أيضا يف تنمية احليف الوطين ملال بن نيب و هذا يشكل لديه خمتلف القيم‬
‫األخماقية اليت ينادي هبا فيما بعد يف مشروعه اإلصماحي‪ ،‬إذن نشهد أن األسرة قد لعبت دوراً يف تشكيل اجلانب‬
‫األخماقي و الفين لدى مال بن نيب‪ ،‬و لكن هل األسرة وحدها كفيلة بتحقيق و تنمية اجلانب الروحي لدى اإلنسان ؟‬

‫ثانيا‪ :‬العامل االجتماعي‬

‫بطبيعة احلال أن األسرة كمؤسسة وحيدة ال تستطيع أن حتافظ على الكيان األخماقي لإلنسان‪ ،‬فنجد أن احمليط‬
‫و‬ ‫االجتماعي الذي عاش فيه مال بن نيب قد عمل على تشكيل نـفسيته حبيث تلعب طبيـعة احمليط بني قسنطينة‬
‫تبسة‪ ،‬هو السبب الذي جعله حيرص على التمس باألصالة و املعاصرة يف آن واحد حبيث يقول ‪ <<:‬ففي تبسة كنت‬
‫أرى األمور من زاوية الطربيعة و البساطة أما في قسنرطينة فقد أخرذت األمور و األشرياء من زاوية المجترمع و‬
‫>> (‪)2‬‬
‫الحضارة واضعاً في هذه الكلمات محتوى عربياّ و أوروبياً في آن واحد ‪.‬‬

‫و‬ ‫فمن طبيعة املكان و احمليط االجتماعي كان مال بن نيب يبين نظرياتـه و أفكاره‪ ،‬فكـان ال يفصل بني احمليط‬
‫و‬ ‫الطبيعة اخلارجية يف طرحه الفلسفي ‪ .‬فعند زيارته لتبسة ‪ ،‬كان يري أن هذه املدينة مازالت حتافظ على عاداهتا‬

‫(‪ )0‬مال بن نيب‪ :‬مذكرات شاهد القرن‪ ,‬ص‪.09‬‬


‫(‪ )2‬نفسه‪ :‬ص‪.16‬‬

‫‪01‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫تقاليدها ‪ ،‬و مازالت طبيعتها بريئة‪ ،‬فيها طبيعة اإلنسان األصيل تتحكم فيها‪ ،‬و لكن يف قسنطينة من زاوية أخرى‬
‫مغايرة فبدأ اجملتمع يتحرك و يتطور و البيئة متغرية بني املدينتني‪ ،‬هذا يعين أن املنهج سوف يتغري بتغري املكان و حىت ال‬
‫و‬ ‫نستبق األمور جند أن مال بن نيب يف هذه املماحظة و الوصف اخلاضع للتجربة‪ ،‬قد أشار إليها ابن خلدون‬
‫هذا عندما وضع لكل أقوام صفات خاصة هبم على حسب املكان الذين يعيشون فيه‪.‬‬

‫يف‬ ‫و بذال كان ابن خلدون قد يعطي هو أيضا أمهية للمحيط االجتماعي و البيـئي خارج عن اإلنسان دورا‬
‫أخماق البشر و صفاهتم األخماقية فلكل حميط أناس‪ .‬حيث يقول ابن خلدون<< فأنا أجد أن أهل األقاليم المخصبة‬
‫العيش‪ ،‬الكثيرة الزرع و الضرع و الفواكه و اآلدم‪ ،‬يتصف أهلها غالباً بالبالدة في أذهانهم و الخشونة في‬
‫أجسامهم و هذا شأن البربر المقمسين في اآلدم و الحنرطة مع المتقشفرين في عيشتهم المقصرين على الشعيرة‬
‫في عقولهم و جسومهم‬ ‫و الذرة مثل المصامدة منهم و أهرل العمارة و السروس فنجد هرؤالء أحرسن حراال‬
‫>> (‪)1‬‬
‫‪.‬‬

‫فنماحظ أن ابن خلدون كان يماحظ من طبـيعة اإلقليـم و ما يوجـد فيه من أكـل وزرع و نبات يؤثر يف السمات‬
‫األخماقية و البيولوجية لإلنسان بتل املنطقة ‪ ،‬وهبذا كان ابن بين هو أيضا يماحظ األمور ويراقبها من خمال الزاوية‬
‫الطبيعية اليت تساهم يف تشكيل شخصية اإلنسان هنا جند أن مال بن نيب قد تأثر بابن خلدون يف فكرِه احلضاري ‪.‬‬

‫و‬ ‫وكذال جند أن مال بن نيب يف مـشروعه احلـضاري يستـعمل مصطلـحات هـي من واقع حياة الناس‬
‫من حميطهم االجتماعي و هذه أمثلة تدل على ذل ‪:‬‬

‫الزردة‪ :‬و هي عبارة عن و ليمه يقيمها رجال مع بعضهم ملناسبة حفل معني‪.‬‬

‫الدراويش‪ :‬يقصد هبم رجال السياسة الذين حيسبون أهنم حيسنون صنعاً يف قراراهتم‪ ،‬وهم يف احلقيقة األمر ال يفهمون‬
‫شيء (وهذا في نظر مالك بن نبي)‪ .‬والزوايا و اجلزرة ‪،‬و غريها من املصطلحات اليت هي من صميم احمليط االجتماعي‬
‫و هي اليت كانت تعطي نضرة عن الواقع اجلزائـري و صوره على مدى تفكريه ووعيه أو مدى ضعفه ‪.‬‬

‫فكان بذل مال بن نيب يراقب هذا الوضع االجتماعي و حياول إعطاء وصفه طبية ناجحة إلخراج اجملتمع اجلزائري‬
‫من هذا الوضع‪.‬‬

‫(‪ )0‬ابن خلدون‪ :‬مقدمة حتقيق حلامد أمحد الطاهر‪ ,‬دار الفجر للرتاث‪ ,‬القاهرة ‪,‬ط‪ , 2101, 2‬ص‪.001‬‬

‫‪06‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫و جند أن احمليط العاملي أيضا لعب دوراً يف إعطـاء ملسة لفكر هذا لفيلسوف‪ ،‬حبيث جند أن النزعة االستعمارية اليت‬
‫تنتـهجها الدول الغربية كانـت تؤثر عليه‪ ،‬حبيث كان يرى أن هذا االستعمار هو دخيل على هذه الشعوب و أنه سوف‬
‫يقتل الشخصية العربية يف مقوماهتا و مبادئها‪ ،‬فمال بن نيب كانت له يف هذا الوضع فلسفة االستعمار وهذا نابع عن‬
‫السياسات املتبعة من طرف الدول األكثر قوة‪ ،‬فوضع جمموعة من املناهج اليت جيب على اإلنسان أن يتبعها جملاوزة‬
‫االستعمار وحماولة التغـلب عليه فكريا‪ ،‬ألن خروج االستعمار ال يعين ذهابه و هذا ال ينتج عنه استقمال‪ ،‬بل نقصد‬
‫باالستقمال الفكري الذهين الذي يُعيد لإلنسان كرامته وأخماقه‪ ،‬وحبضور الوعي يعين غياب االستعمار‪،‬وبغياب الوعي‬
‫يعين حضـور االستـعمار يف أذهاننا حىت و إن مل ي ُكن موجودا يف بمادنا‪.‬‬

‫و أما يف احمليط الوطين‪ ،‬فلقد كان مال بن نيب يراقب و يتابع حال األمة اجلزائرية و خاصة حال الطبقة اإلصماحية‬
‫دائما يضع املناهج و الوسائل‬
‫‪،‬فكان دائما حياول أن يعقلن هذه احلركات اليت تعمل على حماربة االستعمار فكان ً‬
‫لتطبيقها‪ ،‬فلم يكن يوماً يتكلم من دون أن يضع األبعاد و األهداف املسطرة من أي حركة يريد القيام هبا لذل كانت‬
‫ويف هذا الوضع‬ ‫مجيع املؤسسات الوطنية واإلقليمية حياول أن جيعلها قوة ضاربة يف تناسقها و متاسكها‪ ،‬و لذل‬
‫اقرتح فكرة توحيد العملة االقتصادية‪،‬إن دل هذا إ ا يدل على فهمه الكامل للمشروع احلضاري الذي يريد إخراج العامل‬
‫الثالث من هذه التخبطات االقتصادية و الفكرية و االجتماعية و هذا ما أطلِق عليه فكرة اآلفروآسوية‬

‫ثالثا‪ :‬العامل الثقافي‬

‫و يقصد بالعامل الثقايف خمتلف القراءات و املطالعات و املناقشات اليت سامهت يف تكوين فكر ملال بن نيب ألنه من‬
‫من‬ ‫طبيعة الفـكر الفلسـفي‪ ،‬أنه فكر ال ميكن أن يقوم بلـغة الوجـودية ‪-‬إن صح التعبري‪ -‬هكذا ‪،‬إ ا البُد‬
‫إرهاصات ثقافية و فلسفية و تبعث الدهشة و البحث و التأمل لدى عقل املفكر‪.‬‬

‫في‬ ‫فمن الكتب مثما اليت تعترب موجهة لفكر مال بن نيب كتاب<< اإلفرالس المرعنوي للسيراسة الغرربية‬
‫الشرق>> ل أمحد رضا و <<رسالة التوحيد>> للشيخ حممد عبده‪ ،‬حيث يقول مال بن نيب‪<< :‬لقد رسم لي كتاب‬
‫معيارا صحيحاً‬
‫مزودا بالشواهد الكثيرة بهاء المجتمع اإلسالمي في ذورة حضارته‪ ،‬وكان ذلك ً‬‫(أحمد رضا) ً‬
‫نقيس به البؤس االجتماعي في العصر الحاضر‪ّ ،‬أما كتاب (محمد عبده) فقد أعطاني مستنداً للحكم على فقره‬
‫>> (‪)1‬‬
‫اليوم ‪.‬‬

‫(‪ )0‬مال بن نيب‪ :‬مذكرات شاهد القرن ‪ ,‬ص‪.66‬‬

‫‪09‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫فالكتاب األول ألمحد رضا مكنه من خمال الشواهد الكثرية اليت تضمنتها الكتاب‪ ،‬من التعرف على صورة اجملتمع‬
‫يف‬ ‫اإلسمامي املثلى‪ ،‬و هو يف قمة العطاء احلضاري‪ ،‬و كان بالنسبة إليه معياراً هاماً ميكن من خماله قياس أزمته‬
‫العصر احلاضر‪ ،‬أما الكتاب الثاين فقد أعطاه و كشف حالة الفقر الكبري الذي يعيشه هذا الفكر اليوم ‪.‬‬

‫بن نيب‪ ،‬فكان يقارن لكي يكتشف مكمن املرض وحياول رمي‬ ‫مبعىن أن هذا ما نلمسه يف املنهج الفكري ملال‬
‫<<‬ ‫>>‬
‫روح‬ ‫لـعبد الرمحـان الكواكيب قد كشف له عـن‬ ‫جند كتاب <<أم القرى‬ ‫السهم على املرض نفسه و كذل‬
‫>>‬
‫عميقاً‬ ‫جديدة متوثبة بدأت تسري في جسم األمة اإلسالمية رغم أنه خيالي‪ ،‬و لكنه أثره في نفسي كان‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬

‫أما عن الكتب الفكرية اليت بلورت فكرة احلضاري‪ ،‬خاصة يف موضوع فلسفة التاريخ جند كتاب <<املقدمة>> البن‬
‫خلدون‪ ،‬و كذال جند مال بن نيب قد كان مهتماً باجلانب األديب حيث يقول‪ <<:‬كانت كتاب المنفلوطي النظرات‬
‫>> (‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫و العبرات قد أثارت فينا الكثير من التنهيدات‬

‫وهذا ما نلمحه يف فكرة احلضارة عند مال بن نيب و هذا يف نشأهتا و يف أسباهبا و نتائجها و يف كيفية سقوطها و‬
‫‪.‬‬
‫حتطمها أي يف أطوارها الثماثة‪ ،‬كما طالع مال بن نيب يف فرتة مبكرة من حياته << مروج الذهب>> للمسعودي‬

‫يدل على حرصه على‬ ‫ومل يقتصر للمطالعة فقط على الكتب بل امتدت إىل اجلرائـد و هذا إن دل على شيء إ ا ُ‬
‫املطالعة و ِسعته لكل األفكار أينما كانت و سوف نذكر بعض اجلرائد اليت طالعها مال بن نيب على سبيل املثال ال‬
‫احلصر و هي ‪:‬‬

‫بن نيب‬ ‫جريدة النجاح لصاحبها السامي إمساعيل‪ ،‬وصحيفة اإلقدام لألمري خالد اليت كان هلا دوراً يف تفتح مال‬
‫حول وضع و معاناة الفماح اجلزائري و جريدة الشهاب البن بادييف‪ ،‬اليت سامهت يف بلورة فكره اإلصماحي‪.‬‬

‫ملما جلميع الثقافات بداية من الثقافة اليونانية إىل الثقافة‬


‫أما يف اجلانب الثقايف اآلخر فنجد أن مال بن نيب كان ًّ‬
‫الغربية حبيث قرأ كتاب التلميذ "لبيار بورجي" و الذي أخرجه من عامل األوهام و السذاجة كما يقول هو كما كانت‬
‫كتب "جون ديوى" تعرف مال بن نيب الطابع العلمي الذي متيزت به الفلسفة األمريكية‪ ،‬و تعرف على عمق التفكري‬
‫النفعي و التجرييب هلذه الفلسفة و هذا ما تأثر به يف حماولة لبعث الفـكر العـريب من مجوده إىل حركته‪ ،‬و قرأ‬

‫(‪ )2‬نفسه‪ :‬ص‪.66‬‬


‫(‪ )1‬نفسه‪ :‬ص‪.61‬‬

‫‪01‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫لـ"نيتشه"هكذا تكلم زرادشت كما اطلع على دراسات "آرنولد تويني" و " شنبلغر" حول موضوع احلضارة كما اطلع‬
‫لكل من "هيغل" و"كارل ماكس" وهذا فيما خيص فكرة اجلدلية و احلركية للحضارة‪.‬‬

‫يف‬ ‫و كما كانت لبعض الصحف الفرنسية أثرها البالغ و منها اإلنسانية السارية اليت نبهته إىل الوضع االستعماري‬
‫و‬ ‫أبشع صورهُ‪.‬‬

‫وخنلص إذاً أن فكر مال بن نيب كونته جمموعة من العوامل املختلفة فلم يكن مبحض الصدفة و إ ا كانت هناك عوامل‬
‫أسرية و اجتماعية وأخرى ثقافية سامهت يف بلورة فكره ولكن املتأمل يف فكر مال بن نيب جيد أن هناك شيء مميز فيه‬
‫السر‬
‫هو شيء آخر‪ ،‬حبيث جند مفكر بسيط يستطيع تكوين فكر فلسفي يف ظل هذه العوامل السالفة الذكر‪ ،‬فما هو َّ‬
‫وراء هذا الفكر؟ و ما هو الشيء اجلديد الذي أتى به شاهد القرن؟ و هذا ما سوف نبينه يف املبحث الثالث‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪:‬منهجه في التفكير‬

‫إن الناظر إىل فكر مال بن نيب جبد أن مجيع األفكار‪ ،‬كانت حتت حيز واحد هلا هدف واحد‪ ،‬و هي هتفو إىل أن‬
‫تغري اإلنسان من إنسان يعيش هكذا اىل إنسان يفهم ويعي رسالته وهدفه‪ ،‬حث قال عمر مسقاوي‪ <<:‬تنطلق أفكار‬
‫علما مستخلصا من تجارب الحضارة‬‫بن نبي ال لتضيف في المجتمع اإلسالمي معرفة جديدة بالفقه‪ ،‬أو ً‬
‫الحديثة‪،‬بل لتنظيم هذه المعارف في مفاهيم تربوية تسير باإلنسان خطوة متقدمة فهو يطرح اإلسالم كملهم‬
‫لقيمنا‪ ،‬و قادر على استعادة دور اإلنسان مبررا من نقل الحضارة اإلمبراطورية‪ ،‬وهو يري أن اإلسالم ال يقدم‬
‫>> (‪)1‬‬
‫ككتاب‪ ،‬و إنما كموقع اجتماعي يسهم بشخصية في بناء مصير اإلنسانية ‪.‬‬

‫إذاً فأفكاره كلها جديدة املعىن أنه مل يكن من بني الذين يرون أن مشكلة اإلنسان يف دينه أو فقهه أو يف هذه‬
‫يف‬ ‫التصورات و املفاهيم الدينية‪ ،‬أو يف الذين يرون أنه جيب على أن نركب روح احلضارة الغربية‪ ،‬فهو يري أن احلل‬
‫من‬ ‫املنهج أي يف العماقة اليت تربطنا باإلسمام‪ ،‬أو باألحرى بالدين‪ ،‬فاملنـهج جيب أن نغـريه بل علينا أن ننزعه‬
‫أذهاننا هذا املنهج املتزمت املتحجر‪ ،‬املغيب عنه العقل‪،‬بل املنهج الذي انتهجه مفكرنا هو منهج ذو فاعلية يتحرك و‬
‫ينفعل لكي يبين و يُطور‪.‬‬

‫(‪ )0‬بشري ضيف اهلل‪ :‬فلسفة احلضارة يف فكر مال بن نيب‪,2111 ,‬ص ‪.26‬‬

‫‪09‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫على‬ ‫و لقد عرفنا يف حياة مال بن نيب أنه درس ختصص كهرباء<<فرهو مهرندس كهربرائي ساعده تكوينه‬
‫هندسة عالم األفكار و النفوذ إلى أغواره‪ ،‬و كما أن الكهررباء تفيد اإلضراءة و اإلنارة من ناحية فإنها من ناحية‬
‫>> (‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫تعرض األشخاص إلى مخاطر االلتهاب واالحتراق و القتل موروثة األضرار و الظالم الدامس‬
‫أخرى ّ‬
‫و بذل أدرك مال بن نيب أن املعركة احلقيقية هي معركة فكرية قبل أن تكون أي شيء آخر فاملعركة مع كل من‬
‫صامدا متحركاً و‬
‫هو حولنا هي معركة و صراع أفكار فكلما كانت األفكار قوية‪ ،‬صامدة‪ ،‬متحركة‪ ،‬كان اإلنسان قويا ً‬
‫كلما كانت األفكار ضعيفة خامدة‪ ،‬ساكنة كان اإلنسان‪ ،‬ضعيفا‪ ،‬خادماً‪ ،‬ساكنًا<< فاألسالك هي بمثابة األفكار‪،‬‬
‫و الشحن بمثابة الحوافز و التيار باالتجاهات الفكرية أو الصراع الفكري و اإلضاءة مثال بالفعاليات‪،‬و الحقل‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الكهربائي بالحقل الفكري‪ ،‬و الفواصل العازلة بقواعد الصراع‬

‫إذاً هذه العملية التحليلية لألفكار مال بن نيب فكل فكرة مل تكن إال من روح العمل و التجربة املهنية‪ ،‬وهذه السمه‬
‫اليت ال تزعزع ال فكر ألنه مىت كان قواعده هشه أكلته األفكار اليت متل الرصانة وهذه هي ميزة الفكر الغريب فنجد أن‬
‫املفكر فكره خاضع للتجربة احلياتية و إىل التخصص العلمي وهذا ما جعل فكرهم ينهض باإلنسان بل يغري اإلنسان‬
‫حىت يف هيكلته‪،‬أما عن الفكر العريب فنجده اآلن هو يف صفوف املكتبات ألنه فقد أهم صفة و هي الواقعية يف الطرح‬
‫و التخصص يف األفكار‪.‬‬

‫و أما عن اجلراحة و التشريح فقد كان ميارسها يف ميدان متشعب عصي للغاية‪ ،‬تارة على األحياء واألموات‪ ،‬وتارة‬
‫على احلضارات الزاهرة و احلضارات اآلفلة و أخرى على األفكار امليتة و األفكار القاتلة و على االستعمار و قابلية‬
‫االستعمار و ال جرم أن جراحة األبدان أيسر بكثري من جراحة األفكار و تشرحيها فجراح األبدان ميثل أمامه األبدان‬
‫فيحاول أن يأخذ الداء ويقطعها و ينتشلها أما جراحة األفكار فأعوص ألهنا ال ختضع للمقايييف الثابتة و ال تعرف‬
‫(‪)3‬‬
‫املعايري الدقـيقة و ال ترابـط بتخصـص معني وهـي محالة أوجه تتلون لكل لون وهي قابلة للمغالطة واللف و التوجيه ‪.‬‬

‫فإذا قمنا هنا بوضع مقارنة بني جراح األبدان أي الطبيب و بني جراح األفكار جند أن جراح األبدان ُخيضع مجيع‬
‫أجهزته هلذا املرض أو الداء‪ ،‬و يستعمل كافة قوته لنـشل هذا الـجرح‪ ،‬إال أن جراح األفـكار حياول أن ال يستعمل‬
‫األجهزة‪ ،‬بل حياول ألن نواياه جمهولة و األسباب متعددة‪ ،‬وأن اجلرح له سبب واحد و األفكار متعددة لذل حياول‬
‫املفكر اجلراح‪ ،‬االلتزام بالدقة و احلذر و اجلرح معروف بنتائجه و أسبابه‪ ،‬أما األفكار فالعكيف متاماً فالفكرة تتغري بتغري‬

‫(‪ )0‬حممد البشري مغلي‪ :‬مال بن نيب كان أمة واحده براعة فكرية و مهارة عليه‪ ,‬جملة املوافقات‪ ,‬العدد الثالث‪,‬جوان‪,0994,‬اجلزائر‪,‬ص‪.216‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪:‬ص‪.216‬‬
‫(‪)0‬‬
‫حممد البشري مغلي‪ :‬مال بن نيب كان أمة واحده براعة فكرية و مهارة حتليلية ‪,‬ص‪.216‬‬

‫‪21‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫على‬ ‫بن نيب كان جراح أفكار حياول التعرف‬ ‫إال أن مال‬ ‫الزمان واملكان‪ ،‬فيصعب على جراح األفكار ذال‬
‫ضعف األفكار و إعطائها احلل املناسب هلا‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مبعىن لييف ذل املنهج اجلزئي‪ ،‬بل هناك ترابط و ضيفي بني‬ ‫و كذال جند أن مال بن نيب كان منهجه مشوليا‬
‫أفكاره‪ ،‬فما ميكن أن حيقق فكرة إال بفكرة أخرى تشملها و مثال ذال ‪ :‬تكامل دور املسلم واألمة اإلسمامية فكل‬
‫مسؤول عن اآلخر و كأنه يريد ان يُشعرك هبذه املسؤولية املتبادلة فإما أن تكون مـعول بناء تعمل على بناء و طن و‬
‫أمت ‪ ،‬أو تكون هادماً ألفكار غريك‪ ،‬كما أن منهجه يربط بتاريخ العصر األول و هو العصر الذهيب بطريقة فلسفية‬
‫رائعة على غري العادة من الكتب الدينية اليت تضخم املفـاهيم و تعـطي تصورات من غري فاعلية و حركية وربط‪ ،‬بل‬
‫كانت تعـطي صورة فقط‪ ،‬و لكن مال بن نيب هبذا املنهـج الشمـويل يربط حباضرك و ماضي و يبين ل مستقبل‬
‫بصورة فعالة ومبدعه و يؤكد "عبد اللطيف عبادة" أن هناك فكرة حمورية تشغل حيزا كبرياً من أعمال مال بن نيب و‬
‫أو برنامج مـوضوعي‬ ‫هي أن اإلصـماحيني عمـوماً ابتعدوا عن التخـطيط الذي يعاجل التغيري‪ ،‬من خمال هدف واضح‬
‫و اشتغلوا بقضـايا عرضية أو جـزئية‪ ،‬كسـعي عبده‪ ،‬و من بعده أقبال إلصماح علم الكمام وسعي األفغاين إلصماح‬
‫يف نظر ابن نيب ابتعد عن جوهر‬ ‫احلكم وانشغال "الكواكبي" و "أرسالن" و رشيد رضا مبسائل دفاعية كل ذل‬
‫و حتويل الشروط‬ ‫املشكلة اليت هي التخلف و بالتايل أمهلوا تربية اجملتمع بإعادة بناء شبكة العماقات االجتماعية‬
‫الواقعية للمجتمع حنو حتقيق التقدم‪.‬‬

‫و يتأسف ابن نيب لكون اجلهود املبذولة الذهنية مل ترتجم يف صورة مذهب دقيق للنهضة و منهج منسجم بل ضلت‬
‫(‪)2‬‬
‫معىن أن هذا قد كانت نظرة املصلحني لقضية التغيري نظرة جزئية سطحية‬ ‫تنطلق يف صورة شعمات دفاعية أو جدالية‬
‫فعاب مال بن نيب عن هذا النوع من التفكري‪ ،‬فحاول الغوص يف هذه املشكمات و أخذ احللول الفعالة للخروج من‬
‫هذه األزمة و هذا ما نشهده حنن هذا اليوم يف تفكرينا كونه سطحي يعاجل املشاكل من رؤية واحدة وهذا ما يدلنـا على‬
‫أن حنن و منذ وقت طويل نـعش نفيف املشاكل بل زادت حدة و احللول مل ترقى إىل املستوى املطلوب و الواقع كفيل‬
‫على ما أقول‪.‬‬

‫وعلى غري العادة جند أن مال بن نيب أنه ابتعد عن املنهج الوصفي الذي وقع فيه الكثري من العلماء و املفكرين‬
‫العرب‪ ،‬بالرغم من أن الدارسني لفكر مال بن نيب يصفون منهجه بالوصفي‪ ،‬ولكن أقول أن الوصف يقتضي إعطاءه‬

‫(‪ )2‬حممد اهلادي احلسين‪:‬مال بن نيب حملات من حياته وقبسات من فكره‪,‬جملة املوافقات العدد الثالث جوان ‪,0994‬اجلزائر ص‪. 210‬‬
‫(‪ )1‬عبد للطيف عبادة‪:‬مناهج احلركات اإلسمامية املعاصرة يف التغيري‪ ,‬نقد وتقومي إنطماقا من فكر مال ين بين جملة املرافقات العدد الثالث‪ ,‬جوان‪0994‬‬
‫اجلزائر‪,‬ص‪.101‬‬

‫‪20‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫صورة كما هي موجودة فالطبيب يف أول أمره يصف ل مرض فقط‪ ،‬و لكن مفكرنا مال بن نيب كان طبيباً و‬
‫صيديل بالـعماج أو الوقاية و لكنه يلقى مع ذل منهج الكشـف و منهج الـوقاية و التـحقيق و التصويب و منهج‬
‫تشخيص املرض و حتديد األعراض‪ ،‬و يف معاجلته الواقعية ملشاكل العامل اإلسمامي جند أن منهجه حيمل اإلنسان املسـلم‬
‫على خطـورة األمر‪ ،‬حبيث يضع أصبـع عليه و ُحيمل مسؤولية كبرية جراء ما وصل إليه العامل‪،‬فنحاول مرة إفراغ و‬
‫تثبيط ‪ ،‬مث حيرك في روح األمل والغد ويرجع ل احليوية و احلركية فكان أحيانا مستخرجاً عربة ما‪ ،‬نظرية يوما‪،‬‬
‫إىل األفضل فميزة منهجه ليست‬ ‫يوما آخر واقعية يعطي لإلنسان ضرورة تغيري واقعه من األسوأ‬ ‫مسطراً قاعدة ً‬
‫الواقعية اليت ال يستطيع املرء تطبيقها خـاصة اإلنسان العريب‪ ،‬وأقصد يف هذه الواقعية واقعية كانط وبالضبط يف مفهومه‬
‫للواجب بالرغم من أهنا هذه الفلسفة الكانطية قد توجه توجيها مثاليا‪ ،‬إال أن فلسفة مال بن نيب بالرغم من تأثره‬
‫بكانط* إال أن أسلوبه كان أسلوباً إلصماح الواقع بنظرة جد متوافقة مع إمكانيات الشباب املثقف وهذا أكد عليه‬
‫<<‬
‫تفرد به‪ ،‬و ثقافته الغربية الواسعة مع ثقافته العربية‬
‫األستاذ مصطفى السباعي يف قوله ‪ :‬استطاع بأسلوبه الذي ّ‬
‫اإلسالمية أن توجه إليه أنظار جيل من شبابنا المثقف الذي يتوق إلى اإلصالح مع احتفاظه بقوة العقيدة و‬
‫>>(‪)1‬‬
‫على نقطة أساسية هي قوة العقيدة و أنا أفضل‬ ‫و عليه نقول أن قوة هذا املنهج قد ارتكزت‬ ‫سالمة التفكير‬
‫بلغة مال بن نيب أن أقول حركية و فاعلية العقيدة ألن هناك من هو يف صومعة مسـجد‪ ،‬أو يف زاوية من زوايـا اليت‬
‫ختـمل األفكـار و تقتلـها‪ ،‬وهـو له قـوة يف العقيدة‪ ،‬و لكن مال بن نيب كانت عقيدته متجددة و سارية املفعول فذكرها‬
‫التاريخ يف وقتها وبعد وفاته فالتاريخ ال ينسى‪ ،‬بل يبقي شرفاً ملن كانت عقائدهم ألحياء الضمائر و بعث النفوس و‬
‫إلشراقه األفكار‪ ،‬أما الذين مخدوا العقائد فهم نسيًا منسيًّا‪.‬‬

‫و ال ميكن أن نقف على منهج مال بن نيب يف التفكري إال إذا و فقنا على تعريفه للحضارة‪ ،‬حبيث ميكن أن نقول‬
‫أن احلضارة هي املصباح‪.‬‬

‫ونتساءل مىت يصح تسمية هذا املصباح باإلنتاج احلضاري؟ و احلقيقة ال ميكن وصفه بذل إال إذا صاحبت إجنازه‪ ،‬و‬
‫اآلدميون الذين قاموا بعملية اإلجناز‪ ،‬ميثلون مجيعا منتجات اجتماعية حلضارة معنية هذا جند أن التحليل و الرتكيب قد‬
‫بن نيب يف رؤيته للحضارة‪ ،‬فاحلضارة هي عملية حتليلية تركيبة جملموعة من الشروط اليت يستخدمها‬ ‫استخدمه مال‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫(‪ )0‬بشري ضيف اهلل‪ :‬فلسفة احلضارة يف فكر مال بن نيب ‪,‬ص‪.26‬‬
‫* بطبيعة احلال جند أن مال بن نيب قد تأثر بكانط عندما جعل تفسريه حلركة التاريخ أن يتوسط التفسري العقماين اهليغلي و التفسري املادي املاركسي حيث‬
‫جعل ثماث عوامل خمتلفة حترك التاريخ عامل األشخاص و عامل األشياء و عامل األفكار‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫و‬ ‫و املنهج الوضيفي للحضارة فهي كوهنا جمموعة من الـشروط األخماقيـة و املادية حيث يقول‪<< :‬فالمدرسة‬
‫العمل والمستشفى‪ ،‬ونظام شبكة المواصالت و األمن في جميع صوره عبر كامل أنحاء الوطن و احترام شخصية‬
‫المواطن‪ ،‬تمثل جميعها أشكاالً مختلفة للمساعدة التي يستطيع المجتمع أن يقدمها للفرد الذي ينتمي إليه‬
‫>>(‪)1‬‬

‫نرى يف هذا القول أن هناك عماقة وظيفية تشاركية بني أعضاء اجملتمع الواحد فما ميكن حسب هذا القول أن تصـل‬
‫إىل احلضارة إذا كان هنـاك تعارض بني الوظائف اليت يقوم بـها الـفرد واجملتمع حبيث أصبح هناك صراع و يصبح قانون‬
‫الغاب هو الذي يتحكم‪ ،‬فما بُد إذا من تعاون و تـوظيـف مجيع الشروط األخماقية أي املعنوية و املادية من اجل أن‬
‫يعيـش الفرد يف جمتمع يـُسمى مبجتمع احلضارة‪ ،‬ولعل املتأمل لواقعنا يرى أن الفرد أصبح يف غىن عن األخر‪ ،‬و اآلخر‬
‫قد انعزل عن الفرد‪ ،‬وأقصد هنا أن مؤسسات اجملتمع ال تعيش توافق مع الفرد بل هي يف صراع معه‪ ،‬و الفرد هو أيضا‬
‫يف صراع و عدم تشارك مع أفراد اجملتمع فأصبحت هناك حالة فوضى و هذا ما نعيشه حنن اليوم حيث أطلق مال بن‬
‫نيب على اإلنسان بإنـسان ما بـعد املوحـدين ألنه إنسان قد انعزل عن واقعه مل يقدم خدمة للمجتمع‪ ،‬فيحق لنا أن نقول‬
‫أن هذا اجملتمع هو جمتمع متخلف بكل ما حتـمله الكلمة من معىن فنرى أن مال بن نيب قد استخدم هذا استخدام‬
‫املنهج الوظيفي لكي يعرب عن مدى قمة احلضارة بأمسى معانيها‪.‬‬

‫ولعل الدارسني لفكر مال بن نيب أمجعوا أن هناك عدة مميزات ملنهجه يف التفكري سوف نذكر منها على سبيل املثال‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يعين أنه ال يريد ذل‬
‫‪ -‬حصانة الفكر اإلسمامي و أصالته و صفائه و فعاليته إنه يريد فكراً فعاالً منتجاً حضارياً‬
‫الفكر الذي يرتكز فقط على املفاهيم و التطورات بل يـريد فكراً يـركز بل يعـيش على روح النـشاط و احلركية لكي نصنع‬
‫حضارة‪ ،‬ألننا يف صراع الركب احلضاري‪.‬‬

‫‪ -‬يعتمد على التحليل الرياضي و املنطقي و الفلسفي كما يستعمل املنهج النفسي االجتماعي الستجماء مكونات‬
‫(‪)1‬‬
‫الفرد واجملتمع فلم يكن منهج واحد‪ ،‬فهو منهج متعدد خاضع للمؤثرات و القراءات املتعددة‪ ،‬فهو مل يقتصر فقط‬

‫(‪ )0‬األخضر شريط ‪:‬مشكلة التاريخ عند مال بن نيب رسالة ماجيستري ‪،‬معهد الفلسفة ‪0919,‬ص ‪. 011‬‬
‫(‪ )0‬حممد البشري مغلي ‪:‬مال بن نيب كان امة واحدة براعة فكرية ومهارة حتليلية‪,‬ص‪. 211‬‬

‫‪21‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫على اجلانب العلمي فقط بل تعمق بعمق الظاهرة النفسية و االجتماعية فأدرك أن كينونة التغيري و حقيقة نقض الرتاث‬
‫هي من صميم اإلنسان فاملشكلة هي مشكلة اإلنسان‪.‬‬

‫الظروف و اختناق األزمة حبيث تنبثق منها إمكانية العماج و تدارك‬ ‫فمنهجه كان يتميز بالنزعة التفاؤلية يف أحل‬
‫(‪)2‬‬
‫األمور وجتدد الدور الرسايل ‪ ،‬فمنهجه قائم على إرجاع األمل و بعث يف النفيف املستقبل‪ ،‬بالرغم من أن املشاكل‬
‫عديدة‪ ،‬و لكن احللـول متوفرة و مـوجودة كل على حسـب طاقته و إبداعه‪ ،‬وكل حسب مستواه و إمكانه‪،‬فهلُم نـُفكر و‬
‫نبدع ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فنظرته إىل املشروع الرتبوي و الثقايف و االجتماعي و السياسي كانت بلغة‬ ‫‪ -‬متيز منهجه بالتحليل الرياضي الدقيق‬
‫حتليلية رياضية و بلغة الفلسفة كانت بذور السببية و احلتمية ولغة الريـاضيات املنحىن البياين مسألة الصعود و اهلبوط و‬
‫االرتفاع والنزول فلم يكن منهجه قائم على اللفظ و اإلبداع األديب‪ ،‬بل كان عطره لغة الرياضيات وهي يف رأي لغة‬
‫املبدعني‪.‬‬

‫وميكن أن أقول يف ظل هذه املميزات أن منهج مال بن نيب كان محال أوجه فمرة منهجه حتليلي‪ ،‬حيلل ويفك‬
‫املفاهيم‪ ،‬و تركييب يضع و يركب املفاهيم ‪ ،‬فهنا نراه جيمع بني املنهج التحليلي و الرتكييب‪.‬‬

‫و تارة أخرى يستعمل الشواهد القرآنية ليحافظ على أصالته (منهج أصيل) و لكي ال يقع يف الفخ يزود أفكاره‬
‫بنسمات من الفكر املعاصر فيدخل لغة اليوم لكي جيمع بني ما هو ماضي و حاضر يف نفيف الوقت ‪.‬‬

‫إضافة إىل أن منهجه كان منهجاً موضوعيًا صارماً منطقيا ميزج بني لغة علم النفيف واالجتماع‪ ،‬ألنه أدرك أن مسألة‬
‫التغيري و اإلصماح البد من مجيع األسلحة ال سيما العلوم اإلنسانية و االجتماعية‪ ،‬ألهنا هي من العلوم اليت تضبط‬
‫ب تطوره وتقدمه هي قوة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬فأدرك مال بن نيب أن‬ ‫السلوك اإلنساين‪ ،‬فالعامل الغريب سب ُ‬
‫احلل قائم على فلسفة هتيكل اإلنسان‪ ،‬فكان منهجه ممازماً هلذه الطريقة فصوب و قوم وقيم اإلنسان فهل نعي الدرس؟‬

‫و ميكن يف اخلتام وصف منهج مال بن نيب بأهنا تعويذي خصوصاً أنه كان كثري الرتداد يف صلواته "لإلخماص‬
‫واملعوذتني" حبيث إذا تكلم مستشرق أو شخـص غريـب يف قضـايا املسلمني فسرعان ما يزدحم عليه تلقائيا و بإمماء من‬
‫منهجه الصارم املتحرر فيطرح هذه األسئلة‪:‬‬

‫(‪ )2‬نفسه‪:‬ص‪. 211‬‬


‫(‪ )1‬نفسه‪:‬ص‪. 211‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪:‬ص‪. 211‬‬

‫‪24‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -)0‬من املتكلم؟ حبثا عن هويته و استنباطا إلحداثياتـه التارخيية و السيـاسية و الثقافية‪.‬‬

‫‪ -)2‬ماذا يقول؟ استفسارا عن احملتوى و حتريا ملدى املـوضوعية و استقراء ألخطائنا‪.‬‬


‫(‪)1‬‬
‫‪ -)1‬و ملاذا يقول؟ تبعاً ألهدافه و تقفيا ملراميه و دراسة دوافعه ‪.‬‬

‫هكذا إذاً كان منهج مال بن نيب يتصف هبذه االحتياطات املنطقية للوصول إىل عني احلقيقة‪ ،‬فإن كان كل منا‬
‫يتحرى هلذه األسئلة املنطقية ملا وصلنا إىل ما وصلنا إليه‪ ،‬نعجب من كل مقال‪ ،‬نتباهى ألي خطاب‪ ،‬فلوكنا ندرس أي‬
‫خطاب‪ ،‬خاصة حنن يف تعدد اخلطابات خطاب يف احلداثة و خطاب يف السياسة و خطاب يف الدين‪ ،‬إن مل نقل‬
‫األديان ملا دخلنا يف غيبوبة الصراع الفكري‪.‬‬

‫من‬ ‫مشروعا حضـاريا‪ ،‬يريد منه إخراج اإلنسان املسلم‬


‫ً‬ ‫ونستخلص فيما سبق أن منهج مال بن نيب كان حيمل‬
‫دائرة التخلف إىل التطور‪ ،‬و من دائرة الفراغ الروحي إىل قوة الروح‪ ،‬و من األصنام و األوثان إىل عبادة األفكار ومن‬
‫األشياء و األشخاص إىل عامل العلم واملعرفة‪ ،‬و من الصراع إىل التفاهم واحلوار من أجل االلتحاق بالركب احلضاري ‪.‬‬

‫ولكن هناك إشكالية أثارها املهتمون بفكر مال بن نيب و خاصة املفكرين العرب و أقول العرب ألن هؤالء يهتمون‬
‫فقط باألفكار النظرية من غريها تطبيقا على أرض الواقع على عكيف الغرب الذين يهتمون بتطبيق أي فكر حىت و إن‬
‫صلح اجتماعي يتصدر‬ ‫هل هو ُم ْ‬
‫كان من عدوهم وهذه اإلشكالية هي إشكالية املنهج يف حد ذاته‪ ،‬مبعين منهجه هذا ْ‬
‫قائمة املصلحني الذين وع ْوا بأسباب الفساد يف جمتمعهم فأخضعوا الواقع للدراسة فهو مصل ُح ؟‬

‫‪ -‬أم أنه عامل اجتماعي بسيكولوجي يأيت يف طليعة علماء االجتماع مع ابن خلدون ودوركامي حيث درسوا الظواهر‬
‫االجتماعية و أخضعوها ملنطق التجريب؟‬

‫أم أنه فيلسوف تاريخ مثله مثل "تونبي" و "شبنلغر"‪ ،‬حبيث فلسفوا التاريخ و أخضعوا الظواهر التارخيية للعمل‬
‫الفلسفي؟‪.‬‬

‫أقول أنه جيب علينا كباحثني جتا وز هذه اإلشكالية ألهنا إشكالية مفرغة من حمتواها فعلينا أن نأخذ من منهج هذا‬
‫املفكر وألنه و مبوضـوعية أقول أنه منـهج ذايت وال أقصـد الذاتية أي االنطواء على الذات و التعصب إليها‪ ،‬و لكنه منهج‬
‫يتماشي مع الشخصية الذاتية‪ ،‬و حيافظ على مقوماهتا و ركائزها خاصة و حنن يف زمن القصف باهلوية وهو زمن‬
‫العوملة وكما أنه منهج جيعلنا نرجع حساباتنا إىل الذات و نُعيد ْفه ِمها و حماولة تغيريها‪ ،‬كما أنه منهج يتماشى مع مجيع‬

‫(‪ )0‬حممد البشري مغلي ‪:‬مال بن نيب كان امة واحدة براعة فكرية ومهارة وحتليلية ص‪. 219‬‬

‫‪21‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫الظروف احمليطة بالعامل الثالث ألن غريه من املفكرين قد استوردوا القيم الغربية و حالوا نشرها من دون فهمها هي‬
‫نفسها‪ ،‬فما بال و أن حناول بعثها يف اجملتمع‪ ,‬فمال بن نيب أدرك أن اإلنسان هو قائد احلضارة فمابُد من أن يكون‬
‫هناك فلسفة تعمل على هيكلته و تربيته الستغماله فيما خيدم اإلنسانية إال أنه منهج مال بن نيب حيتاج إىل إرادة‬
‫سياسية قوية إلجناح هذا املشروع احلضاري‪ ،‬فهو حيتاج إىل مؤسسات ذو فعالية و حركية حتاول تطبيق هذا املنهج‬
‫بالرغم من أننا نقول أن العامل اليوم أصبح ال يعرتف مبا هو حباجة إىل سياسة‪ ،‬بل أصبح اإلنسان هو يف حد ذاته‬
‫مسؤول عن قراراته‪ ،‬يقوم مبا هو حباجة إليه و لكن بطبيعة احلال نقصد اإلنسان الغريب‪ ،‬أما اإلنسان العريب فهو حيتاج‬
‫إىل إرادة سـياسية و إىل منهـج بل إىل مناهج عديدة و يف مجيع اجملاالت السياسية و االجتماعية و االقتصادية‬
‫والثقافية والدينية‪ ،‬و األهم يف كله فما بُدله من أن يتغري هو نفسه‪ ،‬لكي يستطيع أن يكون يف إطار الركب و التطور‬
‫إىل ثـورة تغيرييه يف‬ ‫احلضاري‪ ،‬و كذل مسألة التغيري التقف عند اإلنسان كونه هو املشكلة احلضارية‪ ،‬بل حيتاج‬
‫املفـاهيم الدينية كمـسألة القضاء والقدر واحلرية و املسؤولية‪.‬‬

‫كذل ثورة يف اجملال السياسي و الثقايف بتغري األ اط الثـقافية السـائدة إىل غري ذل من الثورات لكي يقفز إىل ما هو‬
‫جدير و إىل ما حيتاج إليه ‪.‬‬

‫و ميكن أن نستخلص جمموعة من النقاط أمهها‪:‬‬

‫أن حياة مال بن نيب كانت حياة بسيطة يف جمرياهتا‪ ،‬فلم تكن حياة إنسان كان ينعم باجلاه و السلطان واملال‪،‬بل‬
‫بالعكيف كانت حياة مثقف احتاج فيها الكثري و مترد مع صعوبات احلياة و لكنه مل مينعه هذا بأن يكون مثقفا واعيا‬
‫هبموم أمته ومشاكلها ملْ يكن مثقفا ذو شهادة بل كان حياته كلها حتليل و دراسة جلميع األزمات اليت يعاين منها سواء‬
‫الشعب اجلزائري بكافة أطيافه الطالب‪ ،‬الفماح‪ ،‬املثقف ورجل السياسة و رجل االقتصاد و مل يتوقف األمر هنا بل‬
‫درس حىت مشكلة املرأة جبميع أبعادها إذا حياته كان شعارها العلم من أجل اآلخر‪ ،‬من أجل جعل املعانات و املأساة‬
‫نستشف به مآسي الزمن و جربوت اآلخر‪.‬‬ ‫لسعادة ْ‬
‫و‬ ‫لقد شكلت العوامل املخـتلفة خاصة مـنها األسرية واالجتـماعية و كذل الدروس اليت تلقاها من معلميه‬
‫املطالعات اليت قام هبا يف الصحف‪،‬و الثقافة املتنوعة و املتفتحة على ثقافة اآلخر‪ ،‬كل هذا شكل نسق فكره احلضاري‪،‬‬
‫حيث تعمق فكره حول اإلنسان‪ ،‬ولعل حمتواه الفكري الذي شكل جمموعة من الـكتب جعلها تدور يف عمق واحد و‬
‫هي مشكلة احلضارة‪ ،‬ولكن لكل كتاب رؤيته للمشكلة من عدة زوايا فاملشكل متتعدد فمثما مشكلة اإلنسان هي‬
‫ثقافته‪ ،‬فأصدر كتاب بعنوان"مشكلة الثقافة" حيتاج اإلنسان املسلم لعدة شروط للنهضة فأكتشف لنا شروط النهضة‬

‫‪26‬‬
‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬ ‫الفصل األول‬

‫اليت حمتواها حتدد لنا خطوات للنهوض وهكذا إال أن هذا الفكر بالطبع حيتاج دائماً ملن حيدد له وظائفه وسريه يف‬
‫اجملتمع فهل ندرك الدرس؟‬

‫و إن املتأمل و املتعمق ملنهج مال بن نيب جيد و ‪-‬بكل موضوعية‪ -‬أنه منهجاً قد ابتعد فيه عن الدراسة السطحية‪،‬‬
‫بل تعمق و تغلل يف اجلذور املتسببة للمشاكل باحثا عن السنن و القوانني الكفـيلة بتحويل الشعوب من اخلنوع إىل‬
‫رفع الرأس‪ ،‬من التبعية‪ ،‬إىل القدرة‪ ،‬و الفاعلية‪ ،‬من الغفلة إىل الفطنة و احلذر‪ ،‬فأدرك أن املعركة احلقـيقية هي معـركة‬
‫فكرية بينـنا و بني اآلخـر فرأى بضرورة أن احلل عند الذات أي اإلنسان يف حد ذاته و ال يكمن احلل عند اآلخر‬
‫>>‬
‫] سورة الرعد اآلية ‪[01‬‬ ‫مستشهداً بقوله تعايل‪ <<:‬إن اهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‬

‫‪29‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث األول ‪ :‬اإلنسان مشروعا حضاريا‬

‫أوال‪ :‬أولوية اإلنسان‬

‫يعترب مالك بن نيب و كما رأينا يف الفصل األول أنه أعطى اهتماما بالغا باملشكالت اليت يعاين منها العامل‬
‫الثالث‪,‬و ذلك وفق دراسة متيزت نوعا ما بالتخطيط العقالين‪ ,‬و هذه ليست مبالغة بل هي حقيقة عندما بلغ حمور‬
‫املشاكل و هو هذا اإلنسان‪.‬‬

‫فعندما نعيش التخلف و البقي يف الذيل‪ ,‬عندما نغرق يف األزمات و اهلزائم عندما ال جند حلوال ملشاكلنا‪ ,‬بل‬
‫عندما جند أنفسنا أمام مشهد مأساوي ينبض بالرداءة و اهلشاشة و الرثاثة‪ ,‬يصبح لزاما علينا أن نعيد ترتيب أوراقنا‬
‫(‪)1‬‬
‫‪,‬من خالل أوراق مالك بن نيب ‪.‬‬ ‫أن نعيد قراءة ذاتنا‬

‫هذا اإلنسان الذي أصبح يف هذا الزمن الذي طغت عليه التقنية و صرخ فيه العلم صرخة مل نعرف طوهلا‪ ,‬أو مدة‬
‫بقائها‪ ,‬هذا العلم الذي غي الكثي من املعطيات و املفاهيم‪ ,‬اليت كانت يف وقت ما ينظر إليها البعض الباحثني أهنا‬
‫ال تتحرك وال تتزعزع‪ ,‬إال أن قوة العلم مل جتعل هذه املفاهيم تصمد أمام هذا اهليجان العلمي و إليك أيها القارئ‬
‫مثاال على ذلك الثقة مثال‪ :‬كمبدأ أخالقي كانت ميزة لإلنسان و خاصة اإلنسان العريب‪ ,‬اليوم أصبحت هذه القيمة‬
‫األخالقية مبدأ قانوين و أصبحت ذات صيغة قانونية ال أخالقية!!‬

‫وإن اخلوض يف هذه املسائل ليس من قبيل النزهة الفكرية‪ ,‬أو تصارع فيه بعض األفكار و هذا ما جنده اليوم عند‬
‫املثقفني اليوم عندما يعتربون أن موضوع اإلنسان يف الوطن العريب‪ ,‬أو موضوع النهضة‪ ,‬أو الثقافة نشرا‬
‫أليديولوجياهتم و ألفكارهم‪ ,‬إن مل نقل لتهاهتم الفكرية عندما نسمع من هنا و هناك مثال أن عمل املرأة حرام‪,‬‬
‫أو صوهتا حرام‪ ,‬حيث جند أن انشغاهلم جزئي و عرضي و هذا ما يؤكده حممد الغزايل يقول‪ << :‬إننا نعيش لنرى‬
‫دك مدن عظام و تمزيق أمة كبيرة و غيبوبة الوعي اإلسالمي إزاء آالم تحرك الرواسي‪ ,‬و مع نشاط الهائل‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الذي يسود جبهة العداء فقد رأيت بني قومي‬

‫(‪ )1‬أوليد بوعديلة ‪ :‬التغي اإلنساين‪ ,‬يف فكر مالك بن نيب‪ ,‬دار اهلدى‪ ,‬اجلزائر‪ ,‬ط‪ ,6332 1‬ص ‪.77‬‬
‫(‪ )6‬حممد الغزايل ‪:‬مهوم داعية ‪ ,‬عامل األفكار‪ ,‬اجلزائر ‪ ,‬ص‪.8‬‬

‫‪03‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ماذا يفعلون؟ الذين حيسبون أهنم حاملني لواء النهضة و الفكر و احلكمة و يرون أهنم هم احلل‪ ,‬يف ظل عامل‬
‫<<‬
‫ال يزالون يمضغون‬ ‫كثرت فيه احللول و قلت فيها صدق هذه احللول و فعاليتها بلغة مالك بن نيب‪ :‬إهنم‬
‫>>(‪)1‬‬
‫فهل ندرك األمر؟‪.‬‬ ‫خالفات جوفاء‪ ,‬وتسيطر عليهم أفكار ضحلة و تسيرهم أهواء قاتلة وشهوات عيبيه‬
‫<<‬
‫لذلك كـان مالك بن نيب حياول عرب هذا اإلنسان أن يين تجتمعا أفضل و يعترب ذلك أنه واجبا حيث يقول‪:‬‬
‫ذلك المجـتمع الذي أصبـحنا نشعر بوجـوب بنائه و تحريك طاقاته التي عطلها التاريخ منذ قرون‪ ,‬قرون‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫التدهور واالنحطاط التي كان حظ العالم اإلسالمي منها بعد ازدهار حضارته‬

‫فحالة هذا اإلنسان‪ ,‬و حالة هذا اجملتمع الذي أصبح لزاما على الغيور على حاله أن جيد خمرجا هلذه الوضعية‬
‫املأسوية اليت وصل إليها إنسان ما بعد املوحدين هذا اإلنسان املثقل باهلموم‪ ,‬منحرف السلوك و الفكر ‪ ,‬ثقافته ثقافة‬
‫سهلة و مرنة‪ ,‬ال حيقق أهدافه وغي منظم‪ ,‬مستهت لوقته و حياته اىل غي ذلك من األوصاف املزمنة حضاريا‪.‬‬

‫لذالك جند أن مالك بن نيب يف معادلته احلضارية اليت وضعها للخروج من هذه األزمات‪ ,‬فاإلنسان هو جزء‬
‫أساسي من هذه املعادلة اليت وصفها الباحثون بأهنا معادلة رياضية ‪:‬فكيف ذلك ؟‪.‬‬

‫لقد وضع مالك بن نيب هذه املعادلة وفق عملية جتمع بني العوامل عامل األشخاص و عامل األفكار و عامل األشياء‬
‫لكي حيقق نتيجة و هي الوصول إىل احلضارة أو إىل التطور فرياضيا هي ‪:‬‬

‫حضارة = إنسان ‪ +‬تراب ‪ +‬وقت‬

‫و جند أن مفهوم احلضارة يف تصور مالك بن نيب يعترب أن اإلنسان هو العقل املفكر باإلضافة إىل التاب الذي‬
‫ميثل يف عامل املاديات و تفاعل هذين االثنني ميثل لنا الوصول إىل هذا اهلدف‪ ,‬وهو اهلدف احلضاري‪,‬إن هذه العوامل‬
‫<<‬
‫لكن هذه العوالم الثالثة ال‬ ‫و تفاعلها هو املسي الفعلي حلركة التاريخ و جدليته حيث يقول مالك بن نيب‪:‬‬
‫تعمل متفرقة بل متوافق في عمل مشترك تأتي صورته طبقا لنماذج أيديولوجية من عالم األفكار تتم تنفيذها‬
‫بوسائل من عالم األشياء من أجل غاية يحددها عالم األشخاص‪ ,‬فالعمل التاريخي هو من صنع األشخاص و‬
‫>>(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫األفكار و األشياء جميعا‬

‫(‪ )1‬حممد الغزايل‪ :‬مهوم داعية ص‪.8‬‬


‫(‪ )6‬مالك بن نيب ‪:‬تأمالت‪,‬دار الوعي ‪,‬اجلزائر ط‪ 6310‬ص‪.152‬‬
‫(‪ )0‬مالك بن نيب ‪ :‬ميالد تجمع‪,‬ترمجة‪ :‬عبد الصبور شاهني‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬دمشق‪ ,‬سوريا ‪,‬ط‪,1772 ,0‬ص‪.67‬‬

‫‪01‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و لقد نفي مالك بن نيب أن تكون فكرة هيغل هي احملرك احلقيقي و الوحيد حلركة التاريخ كما نفى أن تكون نظرية‬
‫ماركس املادية هي أصل املادية التارخيية‪ .‬فهو جيمع دائما بني عامل األفكار و األشياء فكان كانطي الطرح‪.‬‬

‫فنجد إذا أن مالك بن نيب قد جتاوز الدراسات الكالسيكية اليت حاولت أن تعاجل املواضيع من وجهة نظر جزئية‬
‫أو دراسة عابرة من دون أن تضع املشكل على الداء‪.‬‬

‫فبذلك يكون هو من حول الدراسة إىل هذا اإلنسان كون أنه هو من حيمل لواء العمل و النهوض‪ ,‬على غي‬
‫ذلك من املفكرين الذين انشغلوا بقضايا مل تسمن و مل تغين من جوع‪ ,‬فهم يفكرون لغيهم ‪ ,‬ويكتبون ألنـفسهم‪,‬‬
‫<<‬
‫بينما البالد اإلسالمية‬ ‫وحيللون قضايا بعيدة عن الواقع اإلنساين يف البالد اإلسالمية حيث يقول مالك بن نيب‬
‫على نقيض ذلك أزمتها ليست في الحركة‪ ,‬بل في الركود‪ ,‬فهو مشكـلة اإلنسان المتوطن فيها‪ ,‬الذي عزف‬
‫>>(‪.)1‬‬
‫عن الحركة‪ ,‬و قعد عن السير في ركب التاريخ‬

‫إذا إن األزمة ليست إال يف اإلنسان‪ ,‬هذا الكائن الذي كرمته كل الديانات السماوية بل سعت إىل أن جتعله هو‬
‫خليفة اهلل يف األرض‪ ,‬و هذا ما جنده يف الدين اإلسالمي الذي أنزل خطابه القرآين مكرما هلذا اإلنسان و هلذا‬
‫الكائن احليوي االجتماعي‪.‬‬

‫جنده اليوم و أخص هبذا اإلنسان املسلم ألن هناك من يعترب أن مالك نيب قد وسع دائرة اإلنسان‪ ,‬فهو يقصد‬
‫اإلنسان املسلم و الدليل على ذلك عندما جعل الدين مفعل هلذا املعادلة فيصبح بذلك إنسان متوازن‪.‬‬

‫إال أن هذا اإلنسان املتوازن اليوم افتقد الكثي من توازنه الذي حصل عليه عندما كانت الفكرة أو الروح هي اليت‬
‫تعمل على توازنه و العصر األول أو ما يطلق عليه العصر الذهيب هو الكفيل على ذلك عندما جعلت منطلق العمل‬
‫بالفكرة و الروح‪ ,‬فنحن اليوم يف ظل هذه األزمات ال حنتاج إىل قشقشة ألفاظ أو إىل بلبلة أفكار بل حنتاج إىل‬
‫إنسان يقول مالك بن نيب‪ << :‬يجب أوال أن نضـع رجاال يمشون في التاريخ‪ ,‬مستخدمين التراب و الوقت و‬
‫>>(‪)2‬‬
‫فهو يصر على صناعة الرجال و صناعة النموذج الذي طاملا تكلمت‬ ‫المواهب في بناء أهدافهم الكبرى‬
‫عنه الفلسفات اإلنسانية‪ ,‬إال أهنا لألسف مل تصل إىل هدفها هذا اإلنسان املتحرك يف صميم التاريخ‪ ,‬حيث شغله‬
‫الشاغل عمارة األرض باستخدام كافة الوسائل املستعملة كالتاب و الوقت و املواهب‪ ,‬لكي يستطيع أن يصل إىل‬
‫حتقيق األهداف و يف مجيع اجملاالت سوآء السياسية أو االقتصادية أو االجتماعية و يف كل اجملاالت‪.‬‬

‫(‪ )1‬مالك بن نيب ‪ :‬شروط النهضة‪ ,‬ترمجة عمر كامل مسقاوي ‪ ,‬عبد الصبور شاهني‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬بيوت‪ ,‬ط‪ ,1727 0‬ص‪.110‬‬
‫(‪ )6‬نفسه‪ :‬ص‪. 111‬‬

‫‪06‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فمسألة اليوم هي ليست مسألة دين‪ ,‬أو ثقافة‪ ,‬أو حوار ‪ ,‬أو فلسفة بقدر ما هي إشكالية إنسان‪ ,‬لذلك نعيب‬
‫كل العيب و حنن يف هذا الزمن الغابر أن نعاجل مسائل ال عالقة هلا بالواقـع‪ ,‬إال مالك بن نيب قد عـاىن كثيا‬
‫من األمراض اليت جعلتنا نبقى يف نفس املكان بل األعجب أننا مل نتحرك لذلك وجـدت نفسي مضطرا و أنا أكتب‬
‫يف هذا املوضوع أن أطرح الطرح من دون توجيه نقد بقدر ما أنا متفاعل مع مالك بن نيب يف رؤيته الفكرية ملوضوع‬
‫اإلنسان‪ ,‬فمن جهة لوضعه إصـبعه على الداء و هو اإلنسان‪ ,‬و ملرارة الواقع الذي نعيشه يوميا و اإلنسان هو السبب‬
‫يف ذلك ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تصنيف مالك بن نبي لإلنسان‬

‫مييز مالك بن نيب يف مالحظاته لإلنسان و خصائصه‪ ,‬فجعل له تصنيفا يف مشروعه احلضاري مع وصف البيئة و‬
‫احمليط اليت تشكل طباع و شخصية الفرد وفق للمحيط و للبيئة و لقد صنف‪:‬‬
‫<<‬
‫الصنف األول‪ :‬و هو الذي يسكن المدينة ‪ ,‬إما‬ ‫مالك بن نيب بني إنسان املدينة و البادية حيث يقول ‪:‬‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪ .‬فيؤكد مـالك بن نيب بأن هذا اإلنسان قد تغلغلت‬ ‫متعطل ال يعمل شيئا‪ ,‬و إما أنه بيع بعض العقاقير‬
‫<<‬
‫قد تغلغلت في نفسه‬ ‫يف نفسه دواعي اإلحنطاط و يضرب مالك بن نيب مثاال على ذلك ويف هذا الصدد‬
‫دواعي االنحـطاط التي قـضت على المـدنيات المتعاقبة على بالده من أيام قرطاجة‪,‬فهو يحمل روح الهزيمة‬
‫>>(‪)2‬‬
‫و يواصل مالك بن نيب وصفه هلذا اإلنسـان الذي كان يف زمـانه و حسب رأيه أنه إنسان قلة‬ ‫بين جوانحه‬
‫و إنسان نصف أي أنه إنسان يتحرك و ال ينطلق بل يبقى يف نصف الطريق‪ ,‬و هو رجل الذي غي فكرة اإلصالح‬
‫إىل سياسة ألنه مل يكن مستعدا هلذا العمل الثقيل‪.‬‬
‫<<‬
‫الصنف الثاني ‪ :‬و هو الذي يسكن البادية مترحال بال مواشي‪,‬فالحا بال‬ ‫أما الصنف الثاين يقول فيه‪:‬‬
‫>>(‪)3‬‬
‫و أطلق عليه مالك بن نيب برجل الفطرة الذي يرضى من األشياء بالعدم ‪.‬‬ ‫محراث و ال أرض‬

‫و بذلك يكون مالك بن نيب قد قسم هذا اإلنسـان إىل صنـفني إنسـان املدينة الذي عشعشت فيه اهلزمية‬
‫يف روحه‪,‬و إنسان غلبت عليه الشهوة و إنسان البادية و الفطرة الذي يعمل من دون ملل أو كلل‪.‬‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب ‪ :‬شروط النهضة‪,‬ص‪.111‬‬


‫)‪ (2‬نفسه ‪:‬ص‪.111‬‬
‫)‪ (3‬نفسه ص‪.111‬‬

‫‪00‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بالرغم من أن هذه النظرة كانت يف فتة زمنية معينة و تارخيية يف وقت مضى إال أن هذا النوع من التصنيف جنده‬
‫قد تغي يف الوضع احلايل ألن‪ -‬وكما قلنا سابقا ‪-‬أن حركة التكنولوجيا قد وصلت حىت إنسان الفطرة فغيت من‬
‫طباعه و خصاله و أهنكته هو اآلخر فوصلنا إىل ما وصلنا إليه اآلن ‪.‬‬

‫فامتداد هذه احلركة العلمية قد جعلت هذه الشعوب ال تعرف حىت نفسها فما بالك بأن تعي هدف وجودها‬
‫على سطح هذه األرض اليت مل تعد تعرف إال باإلنسان الفعال‪ ,‬اإلنسان الذي وصفه القرآن الكرمي باخلليفة فهذا‬
‫النعت و الوصف يقتضي العمل و احلركة ال اخللود و الركود ‪.‬‬

‫ومل يقتصر شاهد القرن على البحث يف اإلنسان بل ربط اإلنسان بالبيئة اليت يعيش فيها و بطبيعة احلال أن البيئة‬
‫<<‬
‫إن المشاكل التي تحيط باإلنسان‪ ,‬تختلف باختالف‬ ‫و احمليط اخلارجي ختتلف عن غيه حيث يقول بن نيب‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫بيئته‪ ,‬فاإلنسانية ال تعاني مشكلة واحدة بل مشاكل متنوعة تبعا لتنوع مراحل التاريخ‬

‫فاألزمات اليت مير هبا اإلنسان جندها ختتلف باختالف احمليط و الزمن فليس املشاكل اليت هي يف القرن السابق هي‬
‫يف القرن احلايل‪ ,‬بل يف املشكل الواحد خيتلف مع البيئة و التاريخ فما بالك باملشاكل املتعددة‪.‬‬
‫<<‬
‫ففي بلد أوروبية كبلجيكا‪ ,‬نجد الرجل ال يتمتع بتوازن‬ ‫ويضرب شاهد القرن مثاال على ذلك حيث يقول ‪:‬‬
‫اقتصادي في حياته‪ ,‬فهناك اضـطراب نتج عن عدم مالئمة بين حاجاته‪ ,‬وتيار اإلنتاج الصناعي المسرع‬
‫و من هنا تنشأ مشكلة اجتماعية يعانيها شعب بلجيكا وهي مشكلة ‪ :‬حركة مضطربة ال يشعر بها شعب ال‬
‫>>(‪) 2‬‬
‫‪.‬‬ ‫يعيش في مجال هذا التيار‬

‫فاإلنسان يف هذه البيئة قد تعلق حباجات و ديناميكية غي مستقرة بل هي مضطربة يف هذا البلد األوريب‪ ,‬بينما‬
‫يتساءل البعض عن هذا الركود الذي أصاب إنسان العـامل الثالث‪ ,‬و الذي ألفت عليه العديد من أمهات الكتب‬
‫<<‬
‫بأنه‬ ‫و اليت هي اليوم مرصوصة يف مكتبات اجلامعات و البلديات و املساجد اليوم جييب مالك بن نيب بقوله‪:‬‬
‫تعلق بالعديد بعادات راكدة وضعت الفرد في حالة توازن خامد‪ ,‬و خمول تام في الوقت الذي خطت فيه‬
‫>> (‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫الحضارات خطوات العماليق‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب‪:‬شروط النهضة‪:‬ص‪110‬‬


‫)‪ (2‬نفسه‪:‬ص‪.110‬‬
‫نفسه‪ ,‬ص‪.110‬‬
‫)‪(3‬‬

‫‪01‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و عليه نؤكد يف ظل هذا الوضع الراهن جند أن إنسان هذا العامل قد ركن إىل العـديد من العادات و الـتقاليد اليت‬
‫كبلت له عقله و جعلته يف ذيل الدول إن مل نقل عدم وجوده متاما‪ ,‬و الواقع يؤكد على ذلك أن العادات‬
‫االجتماعية اليت كانت يف تجتمعاتنا اليوم قد أوصلته إىل هذه احلالة املزرية ‪.‬‬

‫فإن هذه العادات خلفت لنا ثقافة إنسان اهنزم يف مجيع امليادين لتعلق قلبه و فكره بعادات قدمية خلقت لنا‬
‫إفرازات وخيمة ‪ :‬كعادة الزعيم الذي جند أن أتباعه ال حيركون ساكنة و ال يقولون فيه شيء و ال حيركون نقدا و ال‬
‫حتريكا لعقوهلم و أفواههم وعادة الزعيم سواء زعيم دولة أو زعيم مجاعة إسالمية‪ ,‬أو زعيم مؤسسة أو زعيم تجتمع‬
‫إىل غي ذلك من الزعماء الذين أوصلونا إىل ما وصلنا إليه اليوم ‪.‬‬

‫لذلك جند أن عقولنا قد حتجرت و قست بأفكار سوف تبقينا على هذا احلال‪ ,‬فالتغيي حنتاج إليه اليوم و حنتاج‬
‫أكثر إىل فلسفة التغيي ‪.‬فاإلنسان هو صورة هلذا اجملتمع املريض فإنسان مريض تلقائيا تجتمع مريض حيث يقول‬
‫>>(‪)1‬‬ ‫<<‬
‫‪.‬‬ ‫فمن الرجل تنبع المشكلة اإلسالمية بأكملها‬ ‫مالك بن نيب ‪:‬‬

‫فنحن اليوم إذا حنتاج إىل إنسان يتخلص من كل الرواسب و العادات اليت يتلقاها من هذا اجملتمع‪ ,‬فهذه املشكلة‬
‫تلزم علينا أن نضعها نصب أعيننا لكي حنرك الواقع بل علينا تغييه ‪ ,‬فمن العيب جند مثال‪ :‬أن ماركس وفق الفلسفة‬
‫اليت هنض عليها قد استطاع بفكره الثوري الراديكايل القائم على املادة هي صانعة الواقع قد غي وجهة العامل من‬
‫نظرة إىل أخرى‪ ,‬من فكرة إىل واقع مادي و جنده قد أوجد لنفسه أتباع هم اليوم وراء هذا الفكر و هذا اإلنسان‬
‫الذي تصوره ماركس هذا اإلنسان املادي‪ -‬و إن كنا خنتلف مـعه يف وجهة نظره اختالفا جزئيا ‪ -‬إال أنه كون لنفسه‬
‫شعبية هي اليوم متثل مناهج و قوانني لدول عظمي يف العامل ‪.‬‬

‫وبقينا حنن نبحث عن أمور و ترهات ال عالقة هلا بالواقع‪,‬لذلك جند أن إنسان هذا اليوم قد خلقته هذه‬
‫الفلسفات املعوجة و الغي واضعة يدها على مكمن األمراض‪ ,‬فالفلسفة هي اليت تولد اإلنسان فمىت تكون الفلسفة‬
‫فاشلة يكون هناك إنسان فاشل‪.‬‬

‫لذلك عمل مالك بن نيب على إعادة هيكلة هذا اإلنسان الذي ظلم نفسه و ظلمته الفلسفات اليت مل تعطه حقه‬
‫من الدراسة و التفكي‪ ,‬و اهتمت فقط بأمور ال يستحقها هو اليوم‪ ,‬أو هو متفع عنها اليوم ‪ ,‬وفلسفات فاهتا الزمن‬
‫إن مل نقل مل يعد يلقى هلا باال هذا الزمن ‪.‬‬

‫(‪ )1‬مالك بن نيب‪:‬شروط النهضة‪،‬ص‪.111‬‬

‫‪05‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ثالثا‪ :‬الهيكلة التربوية‬

‫إن املسألة اجلوهرية يف التغي احلضاري مرتبطة بذات اإلنسان حيث تصور شاهد القرن العمل على إدراك البنية‬
‫النفسية بأبعادها املختلفة و املتفاوتة أراد أن حيول النفس اإلنسانية من حالة مذمومة يف الغرائز و الشهوات إىل حالة‬
‫إنسانية لذلك وضع مالك بن نيب هيكلة تربوية‪.‬‬

‫فاهليكلة اليت وضعها مالك بن نيب هلذا اإلنسان هي هيكلة قامت على أساس يقوم على ملئ هذا الفراغ حيث‬
‫>>(‪)1‬‬ ‫<<‬
‫هذه هي‬ ‫إذ يعتزل اإلنسان وحيدا ينتابه شعورا بالفراغ الكوني‬ ‫يقول مالك بن نيب يف هذا الصدد‬
‫طبيعة اإلنسان فعندما يعتزل اإلنسان الكون يشعر هبذا الفراغ الروحي ألنه باعد بينه و بني هذا العامل املتحرك الغي‬
‫<<‬
‫لكن طريقته في ملء هذا الفراغ هي التي تحدد طرز ثقافته و‬ ‫املتوقف لكن ماذا يفعل؟ جييب على ذلك‬
‫>>(‪)2‬‬
‫فهذا الشعور عليه أن ميـلئ هذا الفراغ و لكل إنسـان و طريقته يف ذلك على حسب ثقافته و‬ ‫حضارته‬
‫حضارته كاللجوء مثال إىل املالهي و املقاهي و غيها من السلوكات اليت عرفت هبا احلضارة الغربية نعين بذلك‬
‫اإلحنطاط اخللقي‪ ,‬و لكن هذا ال يعين متاما أن هذا اإلنسان الغريب منحط يف كل امليادين و لكن فقط جر سلوكه‬
‫إىل خماطر أخالقية تفسده كونه بلغة طه عبد الرمحن إنسان أخالقي‪.‬‬

‫ولقد مرت احلضارة اإلسالمية حسب بن نيب بثالثة مراحل وهي ‪:‬‬

‫‪ -‬و هي مرحلة الروح ‪ :‬تقابل املسافة التارخيية ما بني غار حراء وواقعة صفني عام ‪ 08‬هـ ‪.‬‬

‫‪ -‬مرحلة العقل ‪ :‬و تقابل مرحلة احلضارة اإلسالمية يف العصر األموي و العصر العباسي األول حيث وهنت‬
‫الروح و منا العقل ‪.‬‬

‫‪ -‬مرحلة الغريزة ‪ :‬و يقابل مرحلة احلضارة اإلسالمية يف العصر العباسي املتأخر و العصور اليت تلت إىل ابن‬
‫خلدون و هي العصور اليت أظلم فيها ليل التاريخ (‪.)0‬‬
‫<<‬
‫فأما أن المرء ينظر حول قدميه‬ ‫و لكن و ضع مالك بن نيب طريقتان مللء الفراغ حيث يؤكد هو على ذلك‬
‫>>(‪)3‬‬
‫و هذا حال اإلنسـان الذي يركن إىل الغـرائز و يشد نفسه على بقاء يف األرض‪ ,‬فهو يف‬ ‫أي نحو األرض‬
‫حالة ركود تام حنو الشهوات و غرائزه ‪ ,‬فقد ركن لشهواته و ملذاته و هذا هي حال اإلنسان العريب اليوم‬

‫(‪ )1‬مالك بن نيب‪:‬مشكلة األفكار يف العامل اإلسالمي ‪,‬دار الفكر بيوت ط‪,1788 1‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ )6‬نفسه‪:‬ص‪.17‬‬
‫(‪ )0‬حسني يوسف‪:‬واقع املسلمني وسبيل النهوض هبم يف فكر مالك بن نيب‪,‬تجلة املوافقات العدد‪,1777 0‬ص‪.051‬‬
‫)‪ (4‬مالك بن نيب ‪ :‬مشكلة األفكار يف العامل اإلسالمي‪,‬ص‪.17‬‬

‫‪02‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫جنده أنه يتخبط يف هذه املشاكل بسبب أنه قد ركن لشهواته و غرائزه ‪ ,‬لذلك فهو اآلن‪ -‬و يف حالنا املعاصر‪ -‬جند‬
‫أن الشهوة قد غلبت منطق العقل و الروح فـنجد أن اإلنسان األول أي الصـحابة‪ ,‬قد غلبوا منطق‬
‫العقل‪ ,‬و حركوا الروح لصنع احلضارة بينما بقينا حنن نركن لشهواتنا و ملطامعنا اليت هي يف غالبا األحيان تعصف بنا‬
‫و تعصف مبجتمعاتنا‪.‬‬
‫>> (‪(1‬‬ ‫<<‬
‫و يف هذه احلالة جنده أن اإلنسان ميأل وحدته‬ ‫و إما أن يرفع بصره نحو السماء‬ ‫و األساس الثاين‬
‫هبذه األفكار و يبحث عن مسو الروح يف عامل احلقيقة ‪ ,‬فهذا اإلنسان املسلم عليه أن يرفع بصره حنو عامل تجهول‬
‫حياول هو أن يسأل‪ ,‬ينقد‪ ,‬يفكر‪ ,‬جيرح‪ ,‬يتحرك‪ ,‬يكسر األوهام ‪ ,‬يبين األفكار ‪ ,‬حيلق عاليا‪ ,‬و هذا هو حال كما‬
‫<<‬
‫الرسول صلى اهلل عليه و سلم ‪:‬صاحب الدعوة و الرسالة ‪,‬أي ذلك اإلنسان الذي‬ ‫قال مالك بن نيب‬
‫>>‬
‫(‪ .)2‬و لكن القارئ اليوم يريد منا أمثلة نوعا ما تكون واقعية بالرغم من أن‬ ‫يملك أفكارا يريد تبليغها إلى الناس‬
‫األنبياء هم واقع مرت به البشرية حيث محـلوا لواء الدين و اإلصـالح‪ ,‬لكن لكي نبعث األمل من جديد ألن‬
‫اإلنسان الغريب عندما نكلمه عن هذا النوع من الصنـف يرتـابه نوعا من احلية و عدم التصديق و كأنه يف عامل آخر‪.‬‬
‫و لكن لكي نرجعه إىل واقعنا اليوم نأخذ دليال على ذلك‪ :‬و لكنه لألسف هو من نـوع اإلنسان الغـريب‪,‬و لكنه قدوة‬
‫لنا يف حتطيم و بناء اإلنسان "ديكارت" الذي قلب الوجود اإلنطولوجي من مقولة واحدة‪ ,‬قلب هبا الفلسفة و‬
‫>>‬ ‫<<‬
‫فدليل وجوده هو مدى تفكيه ‪ ,‬ففكره هو الضامن‬ ‫أنا أفكر إذن أنا موجود‬ ‫اإلنسان معا يف قوله‪:‬‬
‫لوجوده‪ ,‬لذلك جند أن بعده قد قـامت الفـلسفة الغربية و اإلنسـان الـغريب من حالة اجلمود و الركود إىل الفعالية و‬
‫احلـركية و من حالة التخلف إىل التطور ‪ ,‬فإن كان ديكارت قد بقى على حسب الروايات شهرا كامال و هو بعيد‬
‫عن داره و مقره يعاين جراح التفكي خائفا من سلطة الكنيسة بسبب أنه رفع نظره إىل السماء ‪ ,‬و إن كان "ماركس"‬
‫قد باع حذاءه من أجل أن يثبت على أفكاره و كان فكره من أجل عاملية قد انتشرت إىل كافة االجتاهات مشاال‬
‫و شرقا و جنوبا و غربا بل األدهى و األمر أن هلا معتنقني من ذوينا فماذا قدمنا حنن يف هذا العامل املليء باملوجات؟‬
‫هؤالء املثقفني الذين يتشدقون بعاملهم اخلاص هبم ‪ ,‬بل إهنم يعيشـون حياة األسيـاد و اإلنسان الذي يوجهـون له‬
‫خطـاباهتم يعـاين من مجيع األزمـات أزمة يف فكره و يف سلوكه و يف سياسته و اقتصاده بل يعاين حىت من أزمة أكله و‬
‫غذائه و مشربه فهل نعي األمر؟‪.‬‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب ‪ ،‬مشكلة األفكار يف العامل اإلسالمي ‪،‬ص‪.17‬‬


‫(‪ )6‬نفسه‪:‬ص‪.18‬‬

‫‪07‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫<<‬
‫أفمـن يمـشي مكبا على‬ ‫وإن هذه القطبية املزدوجة اليت وضعها شاهد القرن للتوجه النفسي يتجلى يف قوله‬
‫>>‬
‫]سورة امللك ‪.[22‬‬ ‫وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم‬

‫فان هذا النوع من املشي كظاهرة سلوكية اجتماعية‪ ,‬تعـين أن هذا اإلنـسان مزدوج احلركة و النقل فهو على غي‬
‫حال واحد فهو مرة منكبا على غرائزه و شهواته‪ ,‬و تارة حياول أن يصعد و يرفع مستواه‪ ,‬و هذا هو حال اإلنسان‬
‫<<‬
‫وفق جانيب جانب مالئكي و جانب حيواين و شيطاين و هذا ما يؤكده اخلطاب القرآين حيث يقول عز وجل‬
‫>>‬
‫]سورة الشمس ‪-7‬‬ ‫و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها‬
‫‪[01‬و هذا اإلنسان هو بني جانبني و عاملني عامل التقوى و عامل الفجور ‪.‬‬
‫<<‬
‫ويعطي لنا مالك بن نيب مثاال حول هذه املعطيات للتمحور حول الشيء حيث يقول فروبنسون كروزو يتغلب‬
‫على كآبة الوحدة بالعمل‪ ,‬و خالل هذا الوقت فإن هذا عالم أفكاره كله يتركز حول شيء‪ :‬إنها الطاولة التي‬
‫>> (‪)1‬‬
‫فهذا املثال يدل على اهتمام اإلنسان باألشياء فقط حني أن هناك إنسان يبحث عن‬ ‫كان يريد صنعها لنفسه‬
‫<<‬
‫نوع آخر من عامل البحث إنه يبحث عن عامل أفكار حيث تصوره لنا مالك بن نيب حي بن يقضان ال يتغلب‬
‫على كآبة الشعور بالوحدة لصنع طاولة‪ ,‬بل ببناء األفكار و اكتشافها إنه عالم ال يتجدد فيه الزمن لصالح‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫شيء ما‬

‫و هبذا يكون هذا اإلنسان تائها بني جانبني جانب يريد البحث عن عامل األشياء و عامل يريد اإلنسان البحث فيه‬
‫عن أفكار وهذا ما قام به حي بن يقضان بالبحث عن الفكرة اليت جتعل اإلنسان إنسانا و تصبغه بصبغة إنسانية‬
‫هذا هو حالة اإلنسـان الذي من املفروض أن يكـون يف عـامل اليوم إنسان يبحث عن الفكرة ألن الفكرة تدوم و‬
‫تبقى‪ ,‬بينما األشياء تنقضي و تضمحل ‪.‬‬

‫بل إن األشياء من يبحث عنها إال اإلنسان الذي دفن أفكاره و نظرياته ألنه مل يبحث عن دورها و فاعليتها بل‬
‫كانت من أجل حل مؤقت و هذا هو حال اإلنسان األول الذي جنده قد كانت الفكرة حلته و كانت روحه تدفعه‬
‫إىل بناء حضارة و هي حضارة مل يسبق إليها مثيل و هذا التاريخ اإلسالمي كفيل بذلك فيقرر لنا كيف كانت حالة‬
‫هذا اإلنسان الذي غلب منطق الفكرة يف بناءها و تأسيسها بينما بقي إنسان ما بعد املوحدين يعاين من مجيع‬
‫األمراض املزمنة و اليت حلت عليه بعده أسباب ال داعي إىل ذكرها‪.‬‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب ‪ :‬مشكلة األفكار يف العامل اإلسالمي‪,‬ص‪. 61‬‬


‫)‪ (2‬نفسه‪:‬ص‪. 66‬‬

‫‪08‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و لقد وضع مالك بن نيب ثالثة مراحل مير هبا اإلنسان يف ثالثة عوامل خمتلفة املرحلة و اخلصوصية‪ ,‬فكل مرحلة‬
‫<<‬
‫العمر الذي يكتشف فيه تلقائيا عالم األشياء ‪ ,‬و هو يلعب‬ ‫وطابعها اليت متر وفق قوانني ثابتة حيث يقول ‪:‬‬
‫>> (‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫بأصابعه و بمصاصته‬

‫و هي مرحلة الطفولة األوىل منذ والدته وخروجه إىل هذا العامل‪.‬و املرحلة الثانية<<العمر الذي تكتشف تدريجيا‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬و هو بذلك يتعرف على عائلته و أسرته و‬ ‫عالم األشخاص‪ ,‬و هو سيـتعرف فيه على وجه أمه بادي األمر‬
‫<<‬
‫ما حييط به من هذا العامل املتعدد و املتنوع لألشخاص‪ ,‬إما املرحلة الثالثة يقول فيها‪ :‬العمر الذي يكتشف فيه‬
‫>>(‪)3‬‬
‫و بذلك يكون أن اإلنسان قد مر بثالثة عوامل خمتلفة عامل األشياء و عامل األشخاص و‬ ‫أخيرا عالم األفكار‬
‫عامل األفكار أخيا‪.‬‬

‫و بذلك يكون قد كون حياة وفق هذه املراحل‪ ,‬و تعترب األفكار هي املرحلة املهمة يف حياة اإلنسان حيث يقول‬
‫>> (‪)4‬‬ ‫<<‬
‫فاألفكار هي وسيلة الندماج هذا الكائن‬ ‫األفكار وسيلة اندماج الفرد في المجتمع‬ ‫يف هذا الصدد‪:‬‬
‫احليوي و هي الطريق و البوابة لدخـول حضـن احلياة و بذلك تكون األفكار جنبا إىل جنب مع عامل األشياء و عامل‬
‫<<‬
‫إن األفكار تقاس مع العوالم الثالثة جنبا إلى جنب و يتفوق إحداها على‬ ‫األشخاص حيث يقول‬
‫>> (‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫األخرى‪,‬وفق نمط الثقافة‬

‫فالطفل الذي يولد يف أسرة متعلمة ليس مثل الطفل الذي يولد يف أسرة غي متعلمة‪ ,‬و فيه جند أن حىت اإلنسان‬
‫خيتلف مع اختالف الثقافة اليت ينهض عليها بداية من األسرة فإن كانت األسرة هلا توجه ماديا فإن الطفل بطبيعة‬
‫احلال سوف يكون له نفس التوجه و بذلك يصدق هذا حىت عن اجملتمع‪ ,‬فاجملتمع اليوم يبحث عن األشياء فعامل‬
‫األفكار فيه قد اندثرت إن مل نقل قد ماتت!!! ‪.‬‬

‫فلكل تجتمع و توجهاته على حسب هذه العوامل الثالثة فإننا حنن اليوم نعيش تجمتع ماديا على حسب حركات‬
‫هذه العوامل‪.‬‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب‪:‬مشكلة األفكار يف العامل اإلسالمي‪,‬ص‪.03‬‬


‫)‪ (2‬نفسه‪:‬ص‪.03‬‬
‫)‪ (3‬نفسه‪:‬ص‪.62‬‬
‫)‪ (4‬نفسه‪:‬ص‪. 62‬‬
‫)‪ (5‬نفسه‪:‬ص‪. 62‬‬

‫‪07‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫<<‬
‫الشيخوخة هي انحدار من عالم األفكار‬ ‫و يف املرحلة األخية اليت مير هبا هذا اإلنسان يقول الفكر البنيوي‬
‫>> (‪)1‬‬
‫و هذا هو حالة اإلنسان من عامل إىل عامل آخر فحىت احلقيقة القرآنية تدعم هذا‬ ‫إلى األشخاص إلى األشياء‬
‫>>‬ ‫<<‬
‫]سورة الروم ‪ [45‬و هذا هو حال اإلنسان بصفة‬ ‫ثم جعل من بعد قوة ضعفا‬ ‫الطرح حيث يقول عز وجل‬
‫عامة‪ ,‬حنن نؤكد أنه على اجملتمع بكافة أطيافه و هياكله أن يكون لعامل أفكار مرحلة شاسعة يف حياتنا كلها إال أن‬
‫هذا األمر بعيد التحقق‪ ,‬ألن هذه ميزة احلضارة فمرة هنا وهناك‪ ,‬ولكن نريد أن تتـحقق يف تجتـمعاتنا‪ ,‬ألين ال أريد أن‬
‫>>‬ ‫<<‬
‫لكي ال أرى هذا اإلنـسان العريب املتخلف التائه‪ ,‬املريض‬ ‫ليت أمي لم تلدني‬ ‫أقول كما قال قائل من قبل‬
‫املسكني‪ ,‬الضعيف‪.‬وبذلك وحنن أمام هذا الواقع ندفع الضريبة جملرد دخولنا هلذا اجملتمع و يف هذا الصدد يقول شاهد‬
‫القرن‪<< :‬الـفرد يدفع ضـريبة اندماجه االجتماعي و كلـما كان المجـتمع مخـتالا في نموه‪ ,‬ارتفعت قيمة الضريبة‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬

‫فنحن اليوم يدفع الفرد ليس مبجرد مطالبته حقوقه بل مبجرد انضمامه يف اجلماعة اليت قال عليها الدين اإلسالمي‬
‫بأن يف اجلماعة خي و يف الفرقة شر و لكن ماذا علينا أن نصنع إن كانت اجلماعة مريضة ؟ و الفرد هو أيضا اخطر‬
‫مرضا !! فاألفراد هم اليوم يدفعون ضريبة اتصاهلم باجملتمع و اندماجهم إليه‪ ,‬ملاذا ؟ ألن مؤسسات هذا اجملتمع‬
‫مريضة ( األسرة‪ ,‬املدرسة‪ ,‬املسجد‪ ,‬اإلعالم‪ ),‬كل هذه املؤسسات اليت عوض هي من تبين تكامل القيم اليت جيب‬
‫أن حيققها اإلنسان يف عامل معومل أصبحت فيه األسرة الواحدة هي متعددة األمناط جند يف تجتمعاتنا اليوم من هو‬
‫سلفي متفتـح و سلفي متشـدد و آخر ال هو سلـفي من نوع األول و ال من الثـاين و غي ذلك من األوصاف‬
‫املريضة‪,‬وجند أيضا من الباحثني الذين هم عوض أن يكونوا قدوة يف اجملتمع من مازالو ينتقدون يف آحاديث البخاري‬
‫و اآلخرين يتباهون بالفكر الغريب و حياولون إسقاطه على تجتمعاتنا فأي ثقافة هذه و األدهى و األمر أننا جند هؤالء‬
‫الباحثني من التيار الفلسفي‪ ,‬الذي هو من جيمع وال يفرق حياول أن جيد دائما احلل هلذا اإلنسان الذي هو اليوم‬
‫ممزق بني تيارات فكرية جديدة مل نسمع عليها من قبل ‪.‬‬

‫لذلك كان مالك بن نيب يلح على املسلم حيمل دائما فكرة اخلي ونبذ البشر لبناء هذا اجملتمع الذي حياول جيعل‬
‫فيه عامل األشياء حتت عامل األفكار‪ ,‬فنحن اليوم نعيش مع اإلنسـان يبحث فقط عن املادة‪ ,‬يتلذذ بشـهوات غيه‬
‫يريد فقط األشياء و ما يزيد اجلرح هي مستوردة من العامل الغريب فأي إنسان هذا !!!‬

‫هذا هو إنسان ما بعد املوحدين الذي تكلم عنه املفكر مالك بن نيب ‪.‬‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب‪:‬مشكلة األفكار يف العامل اإلسالمي‪,‬ص‪.62‬‬


‫نفسه‪ :‬ص ‪.01‬‬
‫)‪(2‬‬

‫‪13‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و باختصار إن اإلنسان يف فكر مالك بن نيب لقد لقي حظا كبيا من فكره‪ ,‬وهو اإلنسان الذي تقوم عليه‬
‫احلضارة و هو املعامل القوي يف املعادلة احلضارية البنيوية هذه احلضارة اليت هي يف نظره ليس تعلقا برونق الكلمة وال‬
‫هي أيضا خضوعا و إجالال ملفهوم يسمى احلضارة‪ ,‬إهنا هي ضرورية وجودية كاملاء‪ :‬إما أن نرتشف منه أو أن‬
‫منوت عطشا‪.‬‬

‫و بذلك تكون املنظومة الفكرية ملالك بن نيب قد قامت على فلسفة اإلنسان‪ ,‬وفق أفكار تقوم على تفاعل الفكرة‬
‫الدينية املتمثلة يف الروح‪ ,‬مع منطق فلسفة علم النفس و يف هذا يقول مالك بن نيب على دور هذه العلوم اإلنسانية‬
‫إلعداد هذا اإلنسان يقول يف هذا الصدد << إن العلوم األخالقية و االجتماعية و النفسية تعد اليوم أكثر‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫ضرورة من العلوم المادية ‪,‬فهي تعد خطرا في مجتمع مازال الناس يجهلون حقيقة أنفسهم‬

‫وفق مراحل اإلنسان احلياتية مع ضرورة تغي اإلنسان بل نقول تغي فكر اإلنسان هذا كله من أجل خدمة‬
‫اإلنسان املسلم‪ ,‬و إرجاعه إىل الطريق احلضاري‪.‬‬

‫ولكن كيف ذلك ؟‪.‬‬

‫يلزمنا مالك بن نيب لكي يركب إنسان هذا القرن طريق احلضارة عليه أن يؤثر بثالثة مؤثرات أوال‪:‬بفكره ‪,‬ثانيا‪:‬‬
‫بعمله‪ ,‬ثالثا‪ :‬مباله‪.‬‬

‫و لكي نصل إىل أن نكون إنسان مؤثرا يف اجملتمع عليه أن يقوم هذا التأثي على فكرة التوجيه‪ ,‬هذه الفكرة هي‬
‫أيضا لقيت اهتمام كبـيا من فكر مـالك بن نيب ألهنا يراها ضرورية لقيام وعي حقيقي إلنسان يعي هبدفه و يعي‬
‫بوجوده و منطلقات عمله‪ ,‬فما معىن هذه الفكرة و نقصد بالذات فكرة التوجيه؟ وما هي مكانتها يف البناء‬
‫احلضاري؟‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬فكرة التوجيه و دورها في البناء الحضاري‪.‬‬

‫أوال‪:‬مفهوم التوجيه‬

‫تعترب فكرة التوجيه فكرة هامة للخروج من التخلف الذي تعانيه اجملتمعات العربية و اإلسالمية لكوهنا آلية‬
‫(‪)2‬‬
‫إستاتيجية و وسيلة فعالة لتحقق اإلقالع احلضاري‪.‬‬

‫(‪ )1‬مالك بن نيب ‪ :‬وجهة العامل اإلسالمي‪ ,‬ترمجة عبد الصبور شاهني‪ ,‬دار الوعي‪,‬ج‪ ,0‬اجلزائر ط‪ 2102 0‬ص‪.23‬‬
‫)‪ (2‬حسان بركان‪ :‬الرؤية النقدية لفلسفة التنمية عند مالك بن نيب‪ ,‬منشورات خمرب جوار احلضارات و العوملة‪ ,2104‬ص‪. 215‬‬

‫‪11‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و لقد وضع هنا مالك بن نيب لتوجيه ثقافتنا و عملنا و رؤوس أموالنا‪ ,‬فهي مرحلة هامة و ضرورية ألي إقالع‬
‫حضاري‪ ,‬فال ميكن أن نؤسس ثقافة عاملية وطنية و حملية من دون توجيه هلا‪ ,‬و هي على حسب تعريف مالك بن‬
‫نيب‪ << :‬قوة في األساس‪ ,‬وتوافق في السير ‪,‬و وحدة في الهدف‪ ,‬فكم من طاقات و قوى لم تستخدم ‪,‬ألننا‬
‫>> (‪)1‬‬
‫ال نعرف كيف نكتلها!‬

‫فمعىن التوجيه أن يكون لدينا قوة يف التأسيس‪ ,‬حصانة و متانة يف القاعدة توافق وانسجام و تفاهم وتعاون على‬
‫حتقيق األهداف السياسية و االجتماعية و االقتصادية و الثقافية ملاذا؟ ألن هناك طاقات و قوى عقلية مهشت‬
‫بسبب مل يكن لدينا ختطيط مسبق هلذه الثروات العقلية‪ ,‬وهذه هي مبلغ اخلطورة يف دولنا العربية يف أي عمل‬
‫تنموي سواء فكري أو اقتصادي أو ثقـايف جند أننا جتـاهلنا الطاقات املوجـودة يف بلداننا و اعتمدنا على غينا‬
‫يف السيطرة و العمل فهل هذه الدول سوف تصنع التغيي؟‪.‬‬

‫كذلك إن فكرة التوجيه تعمل على إقامة دول قوية يف مجيع اجملاالت و ألننا أمهلنا هذه العملية يف خطواتنا‬
‫التنموية‪ ,‬كانت لدينا هشاشة سياسية وثقافية فاختقت دولنا يف مجيع امليادين فأصبحنا كما يقول مالك بن نيب‬
‫أمام هذا الوضع <<طاقات و قوى ضاعت فلم تحقق هدفها‪ ,‬حين زحمتها قوى أخرى‪ ,‬صادرة عن نفس‬
‫المصدر‪,‬متجهه إلى نفس الهدف >>(‪.)2‬‬

‫و بذلك لكي نصل إىل تكوين طريق احلضارة علينا أن نسعى إىل العمل وفق خطة منظمة لكي نصل إىل أهداف‬
‫منظمة و متناسقة تتماشى مع مجيع األهداف و الغايات من دون تغليب جانب على جانب آخر‪ ,‬أو هتميش‬
‫طرف على طرف آخر‪ ,‬و لكي نكون واقعيني يف طرحنا اليوم تشهد الدول خاصة العربية خطابا ملا يعرف باألقليات‬
‫و هذا اخلطاب خطاب ديين ‪,‬سياسي ‪,‬اجتماعي‪,‬اقتصادي ‪ ,‬و بدأت هذه األقليات تتحرك لكي تثبت وجودها‬
‫على أرض امليدان ألهنا مهشت من طرف السلطة و الدولة‪ ,‬زيادة على ذالك استعـملتها الدول العظمى يف إثارة‬
‫الفوضى يف بلداهنم‪ ,‬فنالحظ أن فكر مالك بن نيب و خاصة فكرة التوجيه أهنا تسعى إىل تكثيف مجيع اجلهود‬
‫البشرية وفق انسجامها و تنوعها خلدمة اهلدف احلضاري‪ ,‬فالفالح و الطبيب و املثقف و املعلم و التجار هم سواعد‬
‫البناء حيث يقول << فهناك ماليين السواعد العاملة و العقول المفكرة في البالد اإلسالمية‪ ,‬صالحة ألن‬
‫>> (‪)3‬‬
‫و لكي ال يقع التـعارض الـذي هو موجود اليوم يف سياستنا فنجد أن يف املنظومة‬ ‫تسـتخدم في كـل وقت‬
‫الواحدة صراع بني مجيع أطرافها فمثال اليوم‪ :‬جند صراع بني األستاذ و املدير بني النقابة و الوزارة التبوية بني هيئة‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة‪,‬ص ‪. 117‬‬


‫)‪ )2‬نفسه‪ :‬ص ‪.007‬‬
‫)‪ (3‬نفسه‪ :‬ص ‪.007‬‬

‫‪16‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪<< :‬‬
‫و المهم‬ ‫أولياء التالميذ و بني املدرسة و هكذا من يدفع الثمن الطالب يقول مالك بن نيب لتجاوز هذا الصراع‬
‫و‬ ‫هو أن ندير هذا الجهاز الهائل‪ ,‬المكون من ماليين السواعد و العقول ‪ ,‬في أحسن ظروفه الزمنية‬
‫>> (‪)1‬‬
‫اإلنتاجية‪,‬المناسبة لكل عضو من أعضائه‪.‬‬

‫و هبذا نستطيع أن نتجاوز هذا الصراع احملتدم بني هذه األعضاء املوجودة يف اجملتمع‪ ,‬فلكل عضو دوره و هدفه‬
‫اخلاص به‪ ,‬و لكن علينا أن حنقق هدف واحد هو بناء اجملتمع‪ ,‬ألن الناظر اليوم إىل واقعنا جند ولألسف عدم‬
‫الشعور هبذه املسؤولية اليت هي يف عاتقنا فنحن اليوم جند أن كل عضو يف تجتمع يتهرب عن آداء وظائفه لسبب‬
‫أو آلخر فذلك يدعو مالك بن نيب إىل أن يكون كل ضروب النشاط يف أي وطن‪ ,‬توجه حنو حتقيق هدف‬
‫حضاري‪,‬وجيب أن يكون هدفنا حنن أيضا ضروريا ‪ .‬فذلك ينبغي علينا أن نسـعى إىل تكوين لدينا حـس على ضرورة‬
‫التغيي و ضرورة العمل وفق توجيه مجيع مواهـبنا و أفـكارنا إىل خدمة اجملتمع و خدمة اإلنسان يف النهاية ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أهداف التوجيه‬

‫لقد سعى مالك بن نيب يف مشروعه احلضاري أن جيعل من أي مشروع سواء كان ثقافيا أو سياسيا أو اقتصاديا‬
‫حاضنة له ع رب توجيه أفكارنا و أعمالنا و فق هدف مشتك يسعى اجلميع للوصول إليه‪ ,‬عرب قوة العمل االجتماعي‬
‫الذي يرتكز عليها هذا املشروع احلضاري‪.‬‬

‫لكن إن الناظر إىل هذه الفكرة و أقصد فكرة التوجيه جند أهنا حتتاج إىل حمددات و ضوابط‪ ,‬فهل فكرة التوجيه‬
‫عند املسلم هي نفسها عند اآلخر ؟ و ما هي طابعها ؟‪ .‬ألن توجيه مشروع معني يقتضي الوقوف أمام مجيع‬
‫االجتاهات و األيديولوجيات املختلفة و املذهبيات املتنوعة و خاصة حنن يف عامل الكوكبة و األمركة الكل يريد فرض‬
‫السيطرة و اهليمنة هذا ما ينبغي أن نطرحه على املشروع احلضاري البنيوي‪.‬‬

‫و ل كن مالك بن نيب و يف نظرته كان وفق الزاوية و النظرة املاركسية و االشتاكية حيث كانت إجاباته عن‬
‫<<‬
‫خواطري الفكرية وفق زاوية حتمل يف طياهتا نربة حتمل إحياءات ماركس حيـث يقول بن نيب يف هذا الـصدد‪:‬‬
‫تكمن أساسا فكرة التوجيه اإلنسان الذي تحركه دفعة دينية‪ ,‬و بلغة االجتماع‪ :‬الذي يكتسب من فكرته‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الدينية معنى (الجماعة) و معنى الكفاح‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب‪:‬شروط النهضة ص‪.007‬‬


‫)‪ (2‬نفسه‪ :‬ص‪. 003‬‬

‫‪10‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فالصنف األول من كالمه يوحي مبدى تفاعل الفكرة الدينية اليت يعتربها مالك بن نيب ضرورية يف مشروعة احلضاري‬
‫و هذا مبلغ اإلحياء اإلسالمي يف فكره اإلصالحي‪,‬أما الصنف الثاين فنرى فيه أن مالك بن نيب قد اتفق مع ماركس‬
‫يف هذه النقطة ألن كيليهما يؤكد على ضرورة التناقض و الصراع و الكفاح االجتماعي ألنه هو الذي حيرك اجملتمع‬
‫و بطبيعة احلال إن القواعد املاركسية قد قامت على معىن اجلماعة و على معىن العمل و على مقصد الكفاح‪ ,‬هذا ما‬
‫يعرف قانون صراع ووحدة األضداد و املتناقضات الذي يقوم على اجلدل والتفاعل بني أطراف اجملتمع الواحد ‪.‬‬

‫فالتوجيه البنيوي قام على فكرة اجلـماعة و على حمرك الفكرة الدينية اليت تدفع هبمة اإلنسان اىل ضرورة العمل‬
‫و اإلنتاج و احلفاظ على روح اجلماعة الواحدة ‪.‬‬

‫و لكن الفكرة الدينية بالرغم من أهنا تكسب الفرد معىن اجلماعة و هذا فيه نظرة من زاوية واحدة‪,‬فالفكرة الدينية‬
‫هي أيضا تعطي للفرد طابعا نفسي خاص مبعىن اإلنسان كمفرد وليس كجماعة‪,‬و هذا ما قامت عليه الفلسفة‬
‫الوجودية اليت أرادت أن تصنع إنسان أطلق عليه "سارتر" إنسان مشروع‪ ,‬الذي يلغي كافة القيود االجتماعية و‬
‫احلتميات الدينية لكي يصنع بنفسه مشروعا وجوديا‪ ,‬فكون مالك بن نيب قد مال طرحه إىل اإلنسان االجتماعي جند‬
‫أن اإلنسان وحده أيضا قادرا على صنع مستقبله و وجوده وفق ملا تريد نفسه هو ال غي‪.‬و هبذا كانت الوجودية اليت‬
‫خلقت يف الفلسفة الغربية تجتمعا قويا يف مجيع اجملاالت بالرغم من انه هناك من أراد أن يسقطها على العامل العريب‬
‫مثل "عبد الرحمن بدوي" و لكن دون جدوى!!!‬

‫إذا تسعى فكرة التوجيه إىل احلفاظ على مجـيع مؤثرات اإلنسان يف مجيع امليادين لكي ال يذهب هذا التأثي‬
‫<<‬
‫من دون حتقيق أهداف واضحة و لكن يسـأل البعض عن أهـداف فكرة التوجـيه يقـول يف هذا شاهد القرن‪:‬‬
‫التوجيه هو تجنب هذا اإلسراف‪ ,‬في الجهد و في الوقت >>(‪.)1‬‬

‫فنالحظ هنا أن الفكر البنيوي أراد من فكرة التوجيه أن تعمل على االبتعاد عن التبذير‪ ,‬يف العمل و اجلهد‬
‫فنالحظ أن كل أعمالنا اليوم سواء الثقافية و السياسية و االجتماعية ينقصها التخطيط املسبق و التوجيه هلذه‬
‫األعمال فحىت احملافل األكادميية ينقصها هذا التوجيه فما نالحظه اليوم أن هذه مل ترقى إىل مستوى التوجيه و دليلنا‬
‫على ذلك عدم تأثيها واقعيا و يف اجملتمع‪ ,‬فنالحظ أن أعمالنا تسي من دون أي ختطيط مسبق أو الوصول إىل‬
‫هدف معني ففي بعض األحيان نقول أهنا لو مل تقم لكانت أفضل ألن حالنا هكذا أفضل‪.‬‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب‪:‬شروط النهضة‪,‬ص‪.077‬‬


‫*‬

‫‪11‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وبعد إقامة هذه احلافل األكادميية اليت أصبحت تقام ال لتوجيه األفكار و تثمينها بل هلدم األفكار و إثارة النعرات‬
‫الفكرية*‪,‬و هتدف فكرة التوجيه أيضا إىل احملافظة على الوقت و العمل وفق ما تقضيه الثواين و الدقائق و الساعات‬
‫و الشهور و السنوات و القرون‪,‬و ال أريد أن أتكلم عن أمهية الوقت يف حياة اإلنسان كأمال نريد صناعته‪ ,‬بعيدا عن‬
‫الواقع املرير الذي يعيشه اإلنسان املسلم اليوم‪ ,‬و ما وصل إليه من إضافة الوقت و التالعب به‪.‬‬

‫إذن فكرة التوجيه فكرة و خطوة هامة يف البناء احلضاري هتدف إىل بناء إنسان حضاري يسمو إىل العمل واجلهد‬
‫و النشاط الن ما يعاين به اإلنسان املسلم اليوم هو التوجيه أفكارنا و سلوكاتنا و أعمالنا لكي نصل إىل ما ذكره بن‬
‫نيب << يحدد مجرى التاريخ نحو الهدف المنشود >>فالتوجـيه هنا يسعى إىل أن يكون لدينا خـظ من تاريخ‬
‫البشرية من تاريخ اإلنتاج احلضاري العاملي‪ ,‬و لكي نساهم يف صنع هذا اإلنتاج علينا أن نوجه مجيع أفكارنا ألن‬
‫مشكلة اليوم هي مشكلة توجيه أفكار إىل مـا ختدم هذا اإلنـسان‪ ,‬ال إىل ما خيدم ذواتنا ومصاحلنا و إيديولوجياتنا و‬
‫مذاهبنا فعلينا أن نغي تجرى التفكي لكي نغي العامل فهل نعي؟‬

‫ففكرة التوجيه أخيا هلا أمهية بالغة يف املشروع اإلصالحي االجتمـاعي فمدى وجهنا طاقـاتنا و أفكـارنا و أعمالنا و‬
‫خاصة فلسفاتنا مدى كان تأثيها بالغة األمهية يف واقعنا اليومي ‪.‬‬

‫و لقد أشار بن نيب إىل هذا عندما قطع إلزاما أن يوجه اإلنسـان ثقافته و عمله و ماله خلدمة هذا املشـروع‪ ,‬و ال‬
‫ميكن جناح طرف إال بطرف آخر‪.‬‬

‫فنالحظ أن الفكر البنيوي قد اهتم باإلنسان ليس كجسم‪ ,‬بل فكرا‪ ,‬ثقافة‪ ,‬سلوكا‪ ,‬حضارة مث أراد من هذا‬
‫اإلنسان أن ال يعيش حياة البهيمة من دون توجيه و توجه و قصـد لكي يؤسس لنفسه كرامة على وجه األرض و إال‬
‫و كما قال املصلح "عبد الحميد كشك"<< يف إحدى خطاباته >>إن مل نعش بكرامة على وجه األرض‪,‬فتحت‬
‫األرض خي لنا‪.)1( .‬‬

‫وقد اهتم مالك بن نيب على مشروعا هاما قد وجه فيه أفكاره إليه و هو التوجيه الثقايف و دعا إىل أن تلعب‬
‫الثقافة مع العمل و املال أدوار مهمة يف حياة اإلنسان‪ ,‬إال أننا سوف نركز على التوجيه الثقايف ملا للثقافة دورا يف‬
‫حياة اإلنسان و خاصة اإلنسان العريب و يف ظل املستجدات الراهنة (ثورات عربية‪,‬تدخالت أجنبية‪,‬اهنيار مفاهيمي‬
‫سلوكي‪,‬أخالقي‪,‬مث حضاري )‪ .‬و هذا ما لثقافة دور فيه ألنه وما من إنسان إال و الثقافة كعضو من أعضائه حتيا و‬

‫* و هذا أيضا ما جنده عند حممد الغزايل عندما عاب عن اإلنسان املسلم لغياب فكره التوجيه فقال << أحيـانا نتحرك يف موضـعنا‪,‬و أحيانا نـسي يف طريق‬
‫مسدود و أحيانا نضرب عن ميني و مشال و كان بيننا و بني الصراط املستقيم خصومة >> مهوم داعية ‪,‬ص‪ : (1).13‬مالك بن نيب‪:‬شروط‬
‫النهضة‪,‬ص‪.077‬‬

‫‪15‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫متوت معه‪ .‬و هذا ما سوف يتعرف عليه يف عامل الثقايف الذي تصوره شاهد القرن يف مشروعه احلضاري ولكن‬
‫كيف تصور مالك بن نيب الثقافة يف مشروعه احلضاري؟‬

‫فالثقافة هي احلاضنة األساسية جلميع املشكالت اليت يعاين منها اإلنسان املسلم‪ ,‬لذلك سوف نقوم بتنقية‬
‫و حتليل هذا املفهوم احلضاري و فق ملا تصوره مالك بن نيب‪ ,‬فهل هذه القراءة كانت وفق الرهانات احلضارية ؟ وهل‬
‫كانت وفق تطلعات اإلنسان املسلم؟ الذي هو اليوم تائها يف عامل ال يعتف إال باإلنسان املثقف بكل ما حتمله‬
‫الكلمة من معىن هذا ما سوف نتعرف إليه ‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬المشروع الثقافي عند مالك بن نبي‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الثقافة‬

‫بعدما تعرفنا على املفاهيم اليت ارتكز عليها املشروع احلضاري ملفهوم اإلنسان و مفهوم التوجيه الذي أعده مالك‬
‫بن نيب لتوجيه مجيع املنطلقات الفكرية كالثقافة ‪,‬و قبل التعرف على كيفية التوجيه البنيوي الثقايف ال بد أوال أن‬
‫نتعرف على مفهوم ضروري و هو مفهوم الثقافة‪.‬‬

‫و إنه عندما نكون بصدد معاجلة هذا املفهوم‪,‬فإنه يصعب علينا حتديد مفهوم دقيق للثقافة نظرا إىل ارتباط هذا‬
‫األخي مبعايي لغوية و أخرى تارخيية و أخرى أنثروبولوجية ‪.‬‬

‫و الثقافة كمنظومة قد عرفت دراسة منطية ملختلف العصور اليت مر هبا التفكي البشري‪ ,‬و لقد كانت صورة الثقافة‬
‫على شكل نعت و وصف فكانت الثقافة مثل التاجيديا و الشعر عند اإلغريق‪.‬‬

‫و إننا سوف حناول أن نقدم مفاهيم للثقافة على خمتلف اللغات فان الثقافة حسب ‪:‬‬

‫*‪ -‬الالتينية‪:‬كانت الثقافة تعين الزراعة‪ ,‬هتذب النفس مثل الفالحة‪ ,‬عندما نقوم بقلع األعشاب الضارة و بغرس‬
‫األشجار‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫*‪ -‬اإلغريقية‪ :‬تعين الصناعة‪ ,‬صناعة األدوات يف تدبي املنزل و صناعة قوانني اجملتمع ‪.‬‬

‫أما مفهوم الثقافة يف القواميس العربية فأهنا تعرف الثقافة ‪ :‬فالثقافة عند "جميل صليبا" ثقف الرجل ثقافة أي‬
‫صارا حاذقا فثقفت الشيء أي حـذقته‪ ,‬فالـرجل املثقف‪:‬هو احلاذق الفهم‪ ,‬و غالم ثقف أي ذو ذكاء و فطنه‬
‫و املراد أنه ثابت املعرفة مما حيتاج إليه‪ ,‬و الثقافة مبعىن اخلاص هي تنمية بعض امللكات العقلية أو تسوية بعض‬

‫)‪ )1‬فاطمة فرفودة‪ :‬مفهمة الثقافة و ممكنات فلسفة الثقافة‪ ,‬اجلزائر ‪, 2104,‬ص‪. 22‬‬

‫‪12‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الوظائـف البدنية‪ ,‬و هي كل ما يتصف به الرجل احلاذق املتعلم من ذوق و حسن انتقادي و حكم‬
‫(‪)1‬‬
‫صحيح ‪,‬فلسان العريب يعرف الثقافة يقال ثقف الشيء و هو سرعة التعليم>> و يقول "ابن دريد" ‪ << :‬ثقفت‬
‫(‪)2‬‬
‫الشيء حذقته>> و القول أن فالن ثقف أي حذق و ذكي‪.‬‬

‫و إين ال أريد أن أتوغل كثيا يف هذا املفهوم ألنه و كما قلت سابقا الرتـباطه بعـدة اعتـبارات تـارخيية و جغرافية‬
‫و إنسانية‪ ,‬و لكن سنحاول تقدميا مفهوم عام هلذا املفهوم عمليا ألن ما حيتاجه اإلنسان العريب ليس مفهوم الثقافة‬
‫بقدر ما يبحث عن كيفية حتقق هذا املفهوم عمليا سـلوكيا و هذا هـو واقع أمرنا أننا نسي ميينا و مشاال‪,‬و الثقافة‬
‫تنهار يوما بعد يوم والفلسفة العربية تبقى تبحث عن مفاهيم نظرية فنحن بقدر ما أننا حنتاج هذه املفاهيم بقدر ما‬
‫أننا حنتاج إىل تأسيس هلذه املفاهيم‪.‬‬

‫و لقد وردت كلمة الثقافة يف لغة ابن خلدون يف مقدمته و لكن بصورة أدبية بوصفها مفردة لغوية دون الوقوف‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪.‬‬ ‫عند كلمة ثقافة لوصفها مفهوما و بتقديرها ظاهرة اجتماعية‬

‫و لقد ندرك أن احلالة اليت كانت تعرف هبا الثقافة وفق املفاهيم املقدمة أهنا كانت عبارة عن حالة من التطور‬
‫و التهذيب و بتشكيل خمتلف األمناط اليت متيز اإلنسان مبعىن احلالة النـشطة اليت يقـوم هبا هذا الكـائن احلذق و‬
‫الذكي‪.‬‬

‫و إن األمر الذي بادر من االهتمام بالثقافة ذلك املنعطف الذي اختذه العلم يف تطوراته اليت عرفها هذا العلم‬
‫لتطور العلوم البيولوجية و التجريبية خاصة يف القرن ‪. 01‬‬

‫أن معىن الثقافة ‪ Culture‬معىن تجازي انتقلت إليه الكلمة احلسي األصلي و هو معىن الزراعة أو التبية و هلذا‬
‫تدخل كلمة ‪ Culture‬يف تركيـب كلمة الـزراعة يف االجنـليزية كما تستعمل من زرع امليكروبات لكن من الناحية‬
‫اليت اصطلح عليها يف العربية تجازا هي مأخوذة من تثقيف الرمح أو تسويته ‪.‬‬

‫و لقد تغي مفهوم الثقافة بتغيي األوضاع اليت يكون سائدة يف كل قرن‪ ,‬ففي القرن السادس عشر كفت الكلمة‬
‫على حالة الشيء احملروث لتدل على فعل هو فالحة األرض‪ ,‬و بقي هذا التصور سائدا ملفهوم الثقافة إىل القرن‬
‫الثامن عشرا إختذ مفهوم الثقافة منحى يعرب عن التكوين الفكري عموما و عن التقدم الفكري الشخصي خاصة وما‬
‫ينتج عنه من تطبيقات و لقد اكتسب مفهوم الثقافة يف النصف الثاين من القرن الثامن عشر معىن مجاعيا جملموعة‬
‫اإلنسانية أما يف اجلانب املادي يف حياة االشخاص فقد أفردت له األملانية كلمة حضارة ‪.‬‬

‫)‪ (1‬مجيل صليبا‪:‬املعجم الفلسفي‪ ,‬جزء‪ , 0‬دار الكتاب اللساين‪ ,‬بيوت‪ ,‬لبنان ‪ , 0132,‬ص ‪. 273‬‬
‫)‪ (2‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪ ,‬ترعبد الصبور شاهني‪ ,‬دار الوعي‪ ,‬اجلزائر ‪,‬ط‪,2102 0‬ص‪. 01‬‬
‫)‪ (3‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪,‬ص‪.21‬‬

‫‪17‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وفق هذا أصبح العقل التنويري يعترب الثقافة مرادف للحضارة‪ ,‬نظرا للحركة العلمانـية املتقدمة يف تلك املرحلة و‬
‫املتطورة‪.‬‬

‫و يف هناية القرن التاسع عشر بدأت تعرج عن كوهنا مرادف للحضارة لتصبح النقيض‪ .‬فإن الصراع بني الثقافة‬
‫(‪)1‬‬
‫و احلضارة حمتدم لكون كل منهما له خصائص املميزة‪.‬‬

‫و لقد قدم العامل االنثربولوجي "تايلور" تعريفا حرك كل العقول املعرفية حبيث أن هذا املفهوم نقطة انطالق‬
‫جملموعة من التعاريف املقدمة للثقافة فتايلور يعترب << أن الثـقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل العادات‬
‫و التقاليد‪,‬و الفن‪,‬و العزف>> ‪ ,‬و زد على هذا التعريف رأي علماء االجتماع احملدثني "روبرت برستد" الذي‬
‫<<‬
‫إن الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو ما نقوم بعمله‬ ‫صرح قائال ‪:‬‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫أو نمتلكه كأعضاء في المجتمع‬

‫من هنا نالحظ أن هذين التعريفني جند بينهما فرق يف أن "روبرت برستد" اعترب أن الثقافة هي ظاهرة مركبة لكن‬
‫هذه الظاهرة بعضها فكري‪ ,‬و البعض اآلخر سلوكي و هذا القيام بعمله لكن يكون سلوك ماديا‪.‬‬

‫و لكن تايلور أسقط مفهوم الثقافة كظاهرة تشمل طابعا تفاعليا اجتماعيا ( كاألخالق ‪,‬العرف ‪ ,‬التقاليد ‪ ,‬الفن)‬
‫فبمجرد تكون العالقات بني الناس مبجرد حضور ثقافة معينة‪.‬‬

‫إذا نفهم أن الثقافة قد عرفت العديد من املفاهيم اليت عجت هبا إن دل هذا الشيء إمنا يدل على ضخامة هذا‬
‫املفهوم بارتباطه بعدة مسائل تدل على دالالت خمتلفة ‪.‬‬

‫و لقد اهتمت النخب املثقفة هبذا املفهوم و لكن هل جند الثقافة يف الفضاء الفلسفي؟‪.‬‬

‫جند مفهوم الثقافة قد لقي اهتماما واسعا من قبل املفكرين والفالسفة‪ ,‬وهذه ميزت الفكر الفلسفي فما من مفهوم‬
‫إال وكان أصحاب العقل و احلكمة رأي فيه‪ ,‬ومل تعد الثقافة حمور اهتمام و حديث فقط بل أصبح اإلنسان يقلق‬
‫<<‬
‫كم يكون المرء جاحدا‬ ‫على ثقافته و هذا ما جنده عند الفيلسوف "سيمغوند فرويد" عندما صرح قائال‪:‬‬
‫للجميل حسيرا النظر لو طمح إلى إلغاء ثقافة‪,‬فلو ألغيت الثقافة لما بقي شيء آخر سوى الحالة‬
‫الطبيعية‪,‬وهذه يصعب تحملها أكثر صحيح أن الطبيعة ال تطلب منا أن نجد من غرائزنا‪ ,‬بل يرخي لها حبال‬

‫)‪ (1‬فاطمة فرفودة‪:‬مفهمة الثقافة و ممكنات فلسفة الثقافة‪,‬ص‪.24‬‬


‫)‪ (2‬تجموعة من املؤلفني‪:‬نظرية الثقافة ترمجة على سيد الصاوي‪,‬سلسلة اجمللس الوطين للثقافة و الفنون و األدب‪ ,‬الكويت‪,‬د ط‪,0117,‬ص‪.1‬‬

‫‪18‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الحرية كامال‪ ,‬لكن طريقتها و هي طريقة فعالة للغاية في تقييدنا‪,‬يقضي علينا بكل برودة و قسوة و إنما بسب‬
‫>>(‪)1‬‬
‫هذه األخطار التي تهددنا الطبيعة اختصرنا المسافات فيما بينما و تقاربنا و أوجدنا الحضارة‪.‬‬

‫مبعىن أن "فرويد" يعترب أنه من الغي اإلمكان أن يتخلى اإلنسان عن ثقافته‪ .‬و التخلي عن الثقافة يعين حضور‬
‫احلالة الطبيعية اليت متيز أهنا حالة غرائز و شهوات و بذلك يتحول اإلنسان من كونه إنسان ثقايف إىل كونه كائن‬
‫طبيعي يتصف وتنحل‪ ,‬فيه مجيع ميزات احلالة الطبيعية اليت تبعد اإلنسان عن طريق احلضارة‪.‬‬
‫<<‬
‫أزمة العلوم األوروبية و الفونومولوجية‬ ‫ولقد اهتم "هوسرل" أيضا ملشكلة الثقافة و ذلك يف كتابة‬
‫>>‬
‫‪.‬‬ ‫الترنسدتالية‬

‫حبيث خص املؤلف الضخم احلديث عن أزمة العلوم املتجذرة‪ ,‬حبيث أعترب هذا أن الثقافة و أزمتها تتمثل يف أن‬
‫أزمة العلم و أزمة الفلسفة و عدم االتفاق بينهما هو الذي خلق ما يسمى بأزمة الثقافة‪ ,‬حبيث يعترب "هوسرل" أن‬
‫الثقافة هي ما بقي إلنسان من حق و هوية‪.‬‬

‫و لو تطلعنا و تعمقنا يف عامل الفلسفة جند أن كلمة الثقافة كان أول استخدام هلا يف احلقل الفلسفي‬
‫الفلسفة ترادف العلوم‬ ‫<<‬
‫مع<<هيغل>>حبيث جنده يقرر بذلك إلعطاء الثقافة و جهة معينة من خالل أن‬
‫>>(‪)2‬‬
‫اإلنسانية‪ ,‬يتضمن شروط وجودها في الثقافة‪ ,‬و ذلك أن وجود الروح له ارتباط أساسي بفكرة الثقافة‪.‬‬
‫و يقول أيضا "هيغل" << أن روح هذا العالم إنما هو الماهية الروحية المنتقدة بوعي الذات‪ ,‬و عليه فان ما به‬
‫يكون للفرد هنا صالح و حقيق إنما هو الثقافة فطبيعة األصلية و جوهره الصادقان‪ ,‬إنما هو الروح ال اغتراب‬
‫الكينونة الطبيعية و هذه الفردية تثقف ذاتها و ال يستقيم لها كيان حاق إال بذلك و على قدر ما تزيد تكوينا‬
‫>>(‪(3‬‬
‫و ثقافة لذلك الفردية التي تتكون و تثقف إنما هي في حال سيرورتها من جهة ماهية مـوضوعية و كلية‬
‫و هبذا يكون "هيغل" هو من أطلق مصطلح الثقافة يف البساط الفلسفي حبيث ربط الثقافة بفكرة الروح اليت هي‬
‫معروفة عند "هيغل"‪.‬‬

‫وكذا أيضا الفيلسوف األملاين "ايمانويل كانط" له كتاب ميتافيزيقا األخالق يف هذا النص سوف ندرك و نستنتج‬
‫<<‬
‫و‬ ‫انه يشي إىل الكلمة بدقة لكنه تكلم يف املفاهيم اليت يـقوم هبا كالتـثقيف و التهذيب حيث يقـول "كانط"‪:‬‬
‫ثالث تلمس من نفسه موهبة يمكن ان تجعل منه مع الشيء من التثقيف و التهذيب أمرا نافعا من نواحي‬

‫)‪)1‬‬
‫فرويد‪ :‬مستقبل الوهم‪,‬ترمجة‪:‬جورج طرابيشي‪,‬دار الطبيعة‪,‬بيوت‪,‬د ط‪,‬دس‪,‬ص‪.20-25‬‬
‫)‪ (2‬هانر جورج غاداماز‪ :‬احلقيقة و املنهج ترمجة‪ :‬حسني ناظم على حاكم صاحل‪,‬دار أويا للطباعة و النشر و التوزيع و التنمية و الثقافة‪,‬طرابلس‪,‬ط‪,0‬‬
‫‪ ,2117‬ص‪. 01‬‬
‫(‪ )3‬هيغل‪:‬فنولوجيا الروح‪,‬ترمجة ‪:‬ناجي العويلي‪,‬مركز الدراسات الوحدة العربية‪,‬بيوت‪,‬ط ‪,02111‬م ص ‪.421-401‬‬

‫‪17‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كثير‪ ,‬غير أنه يرى نفسه يعيش في ظروف ميسرة و يؤثر أن يجري وراء اللذات بدال كان يدخل جهدا في‬
‫نفسه استعداداته النظيرة البعيدة و يحسنها عندئذ يرى أن الطبيعة بحسب القانون العام كهذه لمكنها حقا أن‬
‫تظل باقية حتى ولو ترك اإلنسان كما يفعل سكان بحر الجنوب موهبته تصدأ و لم يفكر إال في توجيه حـياته‬
‫إلى الفراغ‪ ,‬و اللذة و النسل و االستمتاع على و وجه االجمال و بما هو كائن و عاقل يريد بالضرورةأن ينمى‬
‫>>(‪)1‬‬
‫جميع ملكاته لكونها نافعة وألنها أعطت له ليبلغ ألوانا عديدة من الغايات واألهداف‪.‬‬

‫نلخص من فكرة "كانط" أن على عاتـق املرء وفق واجبـاته‪ ,‬أن يهـتم بنفسه ويطورها عن طريق التثقيف و التهذيب‬
‫ابتعادا عن اإلمهال و النزوع إىل شهوات اإلنسان اليت دائما تعمل على إنزال اإلنسان إىل واقع الشهوة والرغبة‬
‫فالطبيعة مستمرة لذلك على املرء أن حياول دائما حماولة التفع عن مجيع النزوات ‪.‬‬

‫و هبذا نكون قد وجدنا أن الثقافة قد طرحت على البساط الفلسفي و كان مرحبا هبا يف مجيع األوساط الفلسفية‬
‫فعند "هيغل" مرتبطة بفكرة الروح و عند "كـانط" املسألة الثقافية مـرتبطة بفكرة التهذيب و تثقيف النفس‪ ,‬فالثقافة‬
‫إذا كانت توجد أيضا ضمن العقول الفلسفية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الثقافة كشرط من شروط النهضة عند مالك بن نبي‬

‫بعدما تعرفنا على مفهوم الثقافة يف ظل الفلسفة العاملية سوف نسقط لثام الثقافة يف الفكر العريب و سوف ندرس‬
‫الثقافة من وجهة نظر شاهد القرن فما مفهوم الثقافة عند مالك بن نيب؟ وما هي أمهيتها ؟‪.‬‬

‫بطبيعة احلال جند أن مفهوم الثقافة و كما ذكرنا سابقا كان مفهوم قد ارتبط بعدة معايي تارخيية و أنثروبوجلية و‬
‫غيها من املفاهيم‪ ,‬لذلك سوف جند أن مالك بن نيب أيضا سوف ينظر إىل املفهوم من وجهة نظر عملية أكثر منها‬
‫<<‬
‫بجب علينا أن نحدد الثقافة في ضوء‬ ‫مفاهيمه‪ ,‬من خالل صياغة هذا املفهوم تارخييا يقول مالك بن نيب‪:‬‬
‫تصورنا لوضعها التاريخي‪ ,‬أي يوصفها حركة مستمرة (صيرورة) فان التاريخ منعطفات هائلة خطيرة يتحتم فيها‬
‫هذا التعريف>>(‪. )2‬‬

‫فمن خالل هذا القول يؤكد مالك بن نيب أن الثقافة قد عرفت العديد من املنعطفات و التغيات اليت بطبيعة احلال‬
‫سوف تؤثر على هذا املفهوم‪ ,‬و تعترب النهضة اإلسالمية من بني تلك املنعطفات اليت يراها مالك بن نيب حمطة‬
‫أساسية يف تغيي هذا املفهوم‪ ,‬و ذلك من خالل مرحليتني يؤكد مالك بن نيب ‪:‬‬

‫)‪ )1‬امانويل كانط‪ :‬أسس مسافييقا االخالق‪,‬تر‪ :‬عبد الغفار مكاوي‪,‬دار الفنون للطباعة و النشر ‪ ,‬القاهرة‪,‬د ط ‪,‬د س ص‪.05‬‬
‫)‪ )2‬مالك بن نيب‪:‬مشكلة الثقافة‪,‬ص‪.71‬‬

‫‪53‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫األول‪ :‬حنددها يف ضوء حالتنا الراهنة‪ ,‬و نقصد بذلك الثقافة‪.‬‬


‫(‪)1‬‬
‫الثاين‪ :‬حتددها يف ضوء مصينا ‪.‬‬

‫فإن اجليل احلايل حسب مالك بن نيب موحد فاصل بني منوذجني لعهدين ‪ :‬عهد الكساد و اخلمول‪ ,‬و عهد‬
‫النشاط و املدينة‪.‬‬

‫و يؤكد مالك بن نيب على أن موضوع النهضة و احلضارة حيتاج إىل أن نتصورها وفق مبحثني حيث يقول مالك‬
‫بن نيب‪:‬‬

‫‪ )0‬تلك اليت تصل باملاضي‪ :‬أي خالصة التدهور و االحنطاط‪.‬‬


‫(‪)2‬‬
‫‪ )2‬تلك اليت تصل خبمائر املصي و جذور املستقبل‪.‬‬

‫و أن الكالم عن الثقافة هو نفسه احلديث عن النهضة اليت هي من أول واجبات إنسان ما بعد املوحدين حيث‬
‫<<‬
‫إن من أول واجباتنا تصـفية عاداتنا تقاليـدنا و إطارنا الخلقي و االجتماعي لما فيه‬ ‫يقول يف هذا الصدد‬
‫>> (‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫من عوامل قاتلة و رمم ال فائدة منها‬

‫و لكي يستطيع اإلنسان القيام هبذه التصـفية ال بد له من فكر جديد‪ ,‬حيطم هذه األوضاع املورثة وفق البحث‬
‫يف وضع جديد و هو النهضة وفق جتديد طريقتني‪:‬‬

‫‪ -‬األوىل‪ :‬سلبية يفصلنا عن رواسب املاضي‪.‬‬


‫(‪)4‬‬
‫‪ -‬الثاين‪ :‬إجيابية تصلنا باحلياة الكرمية‪.‬‬

‫هاته هي الطريقتني اليت وضعـها مالك بن نيب للخـروج من هذا الوضع املزري وفق تصورين نقضي فيها على مجيع‬
‫السلبيات اليت تتصل باملاضي و عاداته السلبية‪.‬‬

‫وحياول االنسان االتصال مبعىن احلياة اليت طاملا اإلنسان يبحث فيها و هي احلياة الكرمية اليت تضفي على اإلنسان‬
‫إنسانيته و إن هلذه طريقتني تارخيا حسب مالك بن نيب و حبيث يؤكد أن التاريخ الفلسفي قد صار على هذين‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة ص‪.71‬‬


‫)‪ )2‬نفسه‪,:‬ص‪.70‬‬
‫)‪ )3‬نفسه‪:‬ص‪.70‬‬
‫)‪ )4‬نفسه‪:‬ص‪.70‬‬

‫‪51‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫املنهجني‪ ,‬فوضع مثاال على الطريقة األوىل حيث يقول يف هذا الصدد<<كان توماس االكوينيي يبقي الثقافة الغربية‬
‫و ضد‬ ‫‪ .‬ولو من غير قصد لتكون األساس الفكري للحضارة الغربية و ما كانت ثورته ضد ابن رشد‬
‫>> (‪)1‬‬
‫‪.‬و إن "االكويني" هبذا‬ ‫القديس أوغسطين إال مظهرا للتجديد السلبي‪ ,‬حتى يستطيع تصفية ثقافته‬
‫األسلوب وفق مالك بن نيب قد هنج طريقة تفصله عن رواسب و خملفات املاضي و أثره السليب على العقل البشري‬
‫بينما بقينا حنن يف هذا الوضع مع هذه املواضيع‪ ,‬اليت تشغل العقل العريب و إن كان هذا املصطلح مرفوض عند‬
‫"الجابري" ألن العقل مل يتكون بعدبسبب أننا بقينا يف نفس املواضيع اليت ال تسمن و ال تغين من جوع‪ ,‬هذا اجلوع‬
‫الذي بقينا فيه نعاين بسبب هذه املواضع اليت حركت األقالم و اختلفت فيها العقول إال أهنا لألسف مل حترك‬
‫الواقع‪ ,‬هذا الواقع الذي هو أغىن من كل نظرية‪.‬‬

‫أما املثال الثاين يضعه بن نيب وفق الطريقة الثانية يقول شاهد القرن‪ <<:‬أتى بعده ديكـارت بالتـحديد اإليجابي‪,‬‬
‫الذي رسم الثقافة الغربية طريقها الموضوعي‪ ,‬الذي ينمي على المنهج التجريبي ذلك الطريق‪ ,‬الذي هو‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫في الواقع السبب المباشر لتقدم المدينة الحديثة تقدمها المادي‬

‫وفق هذا رسم ديكارت طريق احلضارة وفق مقولة اليت قلبت الوجود رأسا على عقب‪ ,‬و قدمت للعقل الغريب‬
‫طريق البحث و األمل الذي وصل به العقل الغريب إىل طريق احلضارة و الواقع يؤكد على ذلك‪.‬بينما يصفه البعض‬
‫اآلخر أن ديكارت قد كان ذاتيا حبكمة و حتديده االجيايب‪,‬فهذه القراءة لديكارت (يف نظري) مل تكن دراسة‬
‫موضوعية هلذا العقل‪ ,‬فكيف ميكن أن نـصفه ذاتيا يف حيـن أننا حنن أصبحنا منارس و ننادي بالشك الديكاريت‬
‫يف مجيع امليادين؟‪.‬‬

‫وكما رأينا يف الفصل األول أن مالك بن بين كان متشبع بثقافة إسالمية أصلية حبيث مل يلغي احلضارة اإلسالمية‬
‫من هذين الطريقتني حيث يؤكد على ذلك‪ <<:‬أن الحضارة اإلسالمية قد جاءت بهذين التجديدين مرة واحدة‬
‫و صدرت فيها عن القرآن الكريم الذي نفى األفكار الجاهلية البالية‪,‬ثم رسم طريق الفكرة اإلسالمية الصافية‬
‫>>(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫التي تخطط للمستقبل بطريقة ايجابية‬

‫وفق هذا القول أكد مالك بن نيب أن القرآن الكرمي هذا الدستور اإلهلي الذي رسم هنجا للقضاء على مجيع هذه‬
‫األفكار البالية اليت كانت يف اجملتمع اجلاهلي و أفكاره الغي أخالقية‪ ,‬و رسم طريق الفكرة الطيبة بلغة القرآن الكرمي‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة ص‪.70‬‬


‫)‪ )2‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة النهضة‪,‬ص‪.022‬‬
‫)‪ (3‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪,‬ص‪.72‬‬

‫‪56‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الذي نادى إىل بناء إنسان صاحل يسعى إىل أعمـار األرض و استـخالف اهلل يف األرض بالعمل و القوة و التخطيط‬
‫للمستقبل و القلـق عليه وفق النـظرة الوجـودية اليت تدعو إىل خلق مجيع اإلمكانيات ببناء احلاضر و تصور املستقبل‪.‬‬
‫<<‬
‫و هذا العـمل نفـسه ضروري اليوم للنهضة اإلسالمية‬ ‫و هذا هو الطريق احلضارة و النهضة حيث يقول‪:‬‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬

‫و لكن الناظر إىل واقعنا جيد أنه حيتاج أكثر من هذه الطرق فهو حيتاج إىل منهج التغيي إن مل نقل مناهج الن‬
‫اإلنسان العريب سواء يف الفتة السابقة أو يف الفتة الراهنة فإن األمر خطي و أمر النهضة و احلضارة يقر علينا أن‬
‫نضع مجيع احلسابات وفق بصية حيث يقول "محمد الغزالي"‪<<:‬إذا كنا عـلى أبواب نهـضة حقـة فلندرس بدقة‬
‫و بصيرة أسرار ما أصابنا فان العافية ال تتيسر بدواء مرتجل‪ ,‬و النصر ال يجيء باقتراح مرتجل إن األسالف‬
‫>>‬
‫و يؤكد أيضا للخروج من هذه‬ ‫تصدروا قافلة العالم بجدارة و األحالف ملئوا ذيل القافلة بجدارة أيضا ‪.‬‬
‫<<‬
‫بعض المرض يحتاج إلى صدمات كهربائية لتصحيح وعيه‪,‬‬ ‫املشكلة اليت كتبتها أيادينا بأفكارنا املعوجة‬
‫وإيقـاظ ما تخدر من حسه‪ ,‬و المسلـمون يحتاجون إلى أمثال هذه الصدمات كي يحسنوا الخالص مما حل‬
‫)‪(2‬‬
‫!!!‬ ‫بهم<<‬

‫وفق هذا التصور البنيوي ملشكلة الثقافة اليت نظر إليها من وجهة نظر تارخيية ربطها مبوضوع النهضة و اعتربها‬
‫شرطا ضروريا للنهضة حضارية تسعى إىل قيام حياة كرمية هلذا اإلنسان الذي سوف يعاين من نظر مالك بن نيب إن‬
‫مل نغي عامل أفكاره و عامل ثقافته‪.‬‬
‫‪<<:‬‬
‫و‬ ‫و لقد شهد مصطلح الثـقافة حسب مالك بن نيب عدة تعريفات كل حـسب اجتاه موضوعه حيث يقول‬
‫هكذا وصل الفكر إلى سؤال‪ :‬ماهي الثقافة؟ و لكن عن طرق مختلفة و منهج متخالفة‪ :‬فجاءت وجهات‬
‫النظر مختلفة أيضا الختالف النزعات مترجمة عن اتجاهات سياسية‪ :‬فمن أجل هذا كله اختلفت تعاريف‬
‫>>(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫الثقافة باختالف الزاوية التي ينظر منها إلى الموضوع‬

‫و هبذا اختلفت توجهات النظر إىل الثقافة بطبيعة االجتاهات الفكرية اليت يكون عليها هذا اإلنسان‪ ,‬ووضع‬
‫مالك بن نيب هذا املفهوم على حسب السياق املوضوعي الثقايف الذي يشهده هذا املفهوم‪ ,‬و لقد وضع‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪ ,‬ص‪.72‬‬


‫)‪ (2‬حممد الغزايل‪ :‬مهوم داعية‪,‬ص‪.051‬‬
‫)‪ (3‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪,‬ص‪. 21‬‬

‫‪50‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫<<‬
‫المدرسة الغربية‪ :‬التي‬ ‫مالك بن نيب هذا املفهوم وفق تفسيين يعود إىل مدرستني حيث يقول يف هذا الصدد‪:‬‬
‫ظلت وفيه لتقاليد عصر النهضة‪ ,‬و هي ترى عموما أن الثقافة ثمرة الفكرة‪ ,‬أي ثمرة اإلنسان>>(‪.)1‬‬

‫و هبذا الثقافة تعين أهنا قائمة على فلسفة اإلنسان دون اجملتمع‪,‬و هناك طرح فكري آخر عكس ذلك حيث يقول‪:‬‬
‫>>(‪)2‬‬ ‫<<‬
‫و هكذا طبعت الثقافة بطبيعة‬ ‫المدرسة الماركسية‪ :‬التي ترى أن الثقافة في جوهرتها ثمرة المجتمع‬
‫ماركسية قائمة على قيم اجملتمع باعتبارها وظيفة متعلقة باجلماعة‪,‬فهي فلسفة اجملتمع‪.‬‬

‫وقدم مالك بن نيب مفهوم الثقافة وفق اآلراء الفلسفية مثل "وليام اوجبرن" و "رالف لينتون"‪ ,‬لكي يتسىن حسب‬
‫رأيه معرفة االجتاهات اليت سيطرت على االجتاهات الثقافية‪ :‬حيث يقول مالك بن نيب حسب التعريفني‪ <<:‬يذهب‬
‫رالف لينتون إلى أن الثقافة "كل" تتداخل أجزائه تداخال وثيقا و لكن من الممكن أن نتعرف فيه على شكل‬
‫بنائي معين أي نتعرف على عناصر مختلفة هي التي يكون الكل (‪ >> )3‬وفق هذا التعريف الذي قدمه ليبتون‬
‫حسب مالك بن نيب أن هذا التعريف قائم على مستويني‪ :‬املستوى األول‪ :‬توجد فيه العموميات اليت حيدد فيها‬
‫جذور احلياة الثقافية للمجتمع مثل الدين‪ ,‬اللغة ‪ ,‬و التقاليد‪.‬‬

‫و املستوى الثاين‪ :‬الذي ذهب إليه "لينتون" هو مستوى األفكار اخلاصة الناجتة عن التخصص املهين‪.‬‬

‫أما "وليام اجبرن"‪ << :‬فانـه يفرق في الثـقافة بين مجـالين الثقافة المادية أي مجموع األشياء و أدوات العمل‬
‫و الثمرات التي نخلقها و المجال الثاني‪:‬الجانب االجتـماعي كالعقـائد و التقاليد و العادات و األفكار‬
‫>>(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫و اللغة و التعليم‬

‫و لكن هذه التعريفات اليت قدمها مالك بن نيب و على الرغم من أين اعتمدت على اختصارها‪ ,‬ألهنا حسب‬
‫<<‬
‫لعل اآلراء التي عرضناها تعطينا في هذا الصدد توجيهات قيمية‪ ,‬و إن كانت في الحق ال‬ ‫مالك بن نيب‬
‫تمنحنا حلوال حقيقية >> (‪.)5‬فان وضع سؤال الثقـافة يف العامل العريب و اإلسالمي خيتلف و يأخذ معىن خمتلف‬
‫يف واقعنا االجتماعي اليت مل خيلق بعده‪.‬‬

‫و كما قلنا يف السابق أن الثقافة ختتلف من تجتمع إىل آخر فال نستطيع أن حندد مفهوم واحد للثقافة‪ ,‬ألن لكل‬
‫تجتمع و طبيعته اخلاصة به‪.‬‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪,‬ص‪. 21‬‬


‫)‪ )2‬نفسه‪:‬ص‪.21‬‬
‫)‪ )3‬نفسه‪:‬ص‪.21‬‬
‫)‪ )4‬نفسه‪ :‬ص‪. 21‬‬
‫)‪ )5‬نفسه ‪:‬ص‪.23‬‬

‫‪51‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫<<‬
‫تعريف لينتون الذي يرى أن الثقافة على أنها مجموعة من األفكار سليم و لكنه‬ ‫فيقول مالك بن نيب‪:‬‬
‫<<‬ ‫>>(‪)1‬‬
‫الذي يرى أن الثقافة جملة من األشياء و األفكار‬ ‫و تعريف "أوجبرن"‪:‬‬ ‫ناقص من نواح عديدة‪.‬‬
‫سليم أيضا و لكنه ناقص من نواح أخرى>>(‪ )2‬أما التعاريف املاركسية اليت يرى أن الثقافة هي انطباع و انعكاس‬
‫للمجتمع‪,‬فيقول فيها مالك بن نيب‪ << :‬فهي سليمة أيضا دون أن يكون أكثر إقناعا >>(‪ .)3‬فان هذه التعاريف‬
‫ال نستطيع أن نسقطها يف الواقع االجتماعي العريب ألهنا مل تستطيع فهم و تفسي لواقع اجتماعي معني‪,‬بقدر أن‬
‫الواقع العريب مل خيلق حىت واقعه و عامل أشيائه فكيف يستطيع أن يبين ثقافة معينه‪.‬‬

‫و لكن واقعنا اليـوم يثبت أن العامل العـريب و اإلسـالمي قد فقد الكثي من املعايي األخالقية و االجتماعية‬
‫و السياسية ألن عامل ثقافة هذا اإلنسان املا بعد موحدي قد أصيح إنسان بلغة "إدغاموران" إنسان تائه‪.‬‬

‫و هبذا الواقع العريب يؤكد مالك بن نيب أن نغي و نعـطي مفهوما للثقافة ال من زاويه نظرية فحسب‪ ,‬و هذا ما‬
‫اهتمت به املدارس العربية بل من وجهة نظر عملية و تربوية حيث يقول مالك بن نيب‪ << :‬فلو افترضنا أن تعريف‬
‫معينا توفر له شرط الصحة‪ ,‬و لكنه في ذاته مقتـصر على الجـانب النظري‪ ,‬و لم يكن في رأينا كافيا في بلد ال‬
‫تساعد ظروفه العامة على تكـلفة مضـمونة بطريقة ضمنية >>(‪ )4‬فعـندما يتجه العقل املاركسي إىل تفسي معىن‬
‫الثقافة فانه سوف يعطينا نربة أيدلوجية ماركسية‪ ,‬و عندما يضع األمريكي مشكلة الثقافة فانه سوف يضعها وفق‬
‫املنتجات و الظروف العامة عن احلضارة الغربية‪.‬‬

‫و بذلك سوف جند أنفسنا حسب مالك بن نيب‪ << :‬منساقين مع طبيـعة المشكـلة الخاصة بالبالد العربية‬
‫>>(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫و اإلسالمية إلى تطبيق منهج آخر‪ ,‬هو المنهج الذي يستخدم في تعريف الشيء المعقد‬

‫ثالثا‪ :‬الثقافة تعريف ا و مفهوم ا‬


‫وفق هذا اآلراء جند أن مالك بن نيب قد عاجل موضوع و مشكلة الثقافة من مجيع اجلوانب اليت عرفتها الثقافة‬
‫من ناحية املفهوم و من ناحية التأسيس وفق هذا فما هي الرؤية اليت قدمها مالك بن نيب للثقافة؟‪.‬‬

‫ال ميكن احلديث عن الثقافة يف اجملال العـريب و على مستـوى الفكر اإلسالمي من دون التطرق و االقتاب‬
‫من مالك بن نيب الذي شغله قضية الثقافة‪ ,‬و ظل مسـكونا هبا و مل يفـارقها االهتمام طيلة حياته وإسهاماته يف هذا‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪,‬ص‪.21‬‬


‫)‪ )2‬نفسه‪ :‬ص‪.21‬‬
‫)‪ )3‬نفسه ‪ :‬ص‪.21‬‬
‫)‪ (4‬فسه ‪ :‬ص‪.51‬‬
‫)‪ (5‬نفسه‪:‬ص‪. 51‬‬

‫‪55‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الشأن هي األكثر حضورا و أمهية على مستوى الدراسات الفكرية و اإلسالمية فمالك بن نيب استطاع أي يبلور‬
‫نظرية الثقافة‪ ,‬و هي النظرية اليت اكتسبت شهرة بني الكتاب و الباحثني الذين ظلوا يرجعون إليها و يعرفون هبا يف‬
‫كتاهبم و أحباثهم‪.‬‬

‫يضاف إىل ذلك أن مالك بن نيب ظل يلفت النظر و االهتـمام لنظريته تلك‪,‬و جدد احلديث عنها باستمرار‬
‫و يف مناسبات عديدة‪ ,‬و مل يتوقف عن الكتابة و احلديث عنها و التذكي هبا و ذلك منذ أول كتاب له حيدث فيه‬
‫عن الثقافة و هو كتاب (شروط النهضة) الصادر باللغة الفرنسية يف باريس عام ‪ 1717‬إىل كتاب الذي خصصه‬
‫هلذه القضية‪ ,‬و هو كتاب (مشكلة الثقافة) الصادر باللغة العربية يف القاهرة عام ‪ 1751‬و هكذا يف احلديث‬
‫خالل احملاضرات اليت ألقاها يف القاهرة و دمشق و طرابلس ‪.‬‬

‫و الذي جعل ابن نيب يهتم بفكرة الثقافة هو أنه بعد جولته إىل القاهرة عام ‪,1752‬و ترمجة كتابه (شروط‬
‫النهضة) و فكرة اإلفريقية اآلسيوية يف ضوء مؤمتر باندونغ‪ ,‬و صدروها باللغة العربية أنذلك ‪,‬وجد ابن نيب اهتمام من‬
‫الطالب العرب يف القاهرة حول أفكار الثقافة‪.‬‬

‫و يف هذا الشأن يذكر عمر مسقاوي يف تصديره لكتاب مشكلة الثقافة إن الطالب العرب يف القاهرة‪ ,‬كانوا‬
‫يرتادون تجلس ابن نيب عام ‪. 1757‬‬

‫هذا االهتمام شجع ابن نيب خيصص مفهـوما حول الثـقافة و جيـمع و يشـرح يف ما توصـل إلـيه من أفكار و‬
‫من‬ ‫تصورات‪ ,‬و يف هذا الصدد جاء كتابه (مشكلة الثقافة) و بعد إثين عشر عاما على صدور الطبعة األوىل‬
‫الكاتب‪,‬و اعترب ابن نيب يف مقدمته الطبعة الثانية إن األفكار اليت عـرضها حول الثقـافة كانت غربية يف الوسط الثقايف‬
‫(‪)1‬‬
‫العريب‪,‬وأنه قد تناول قضية الثقافة من زاوية جديدة و غرابة أفكاره يف رأيه ترجع إىل أمرين مها‪:‬‬

‫‪ -‬أوال‪ :‬ألهنا مل توضح الدراسات الغربية يف املوضوع ألسباب منهجية‪.‬‬

‫‪ -‬ثانيا‪:‬الن األفكار املعروضة هنا ليست يف جوهرهتا إال امتداد و شرحا وحتليال من ناحية‪ ,‬و تركيبيا من ناحية‬
‫أخرى لألفكار اليت قدمها يف كتابه شروط النهضة‪ ,‬الذي نشر منذ ربع قرن باللغة الفرنسية أي عندما كان املوضوع‬
‫(‪)2‬‬
‫بكرا بالنسبة للعامل اإلسالمي فحسب ‪ ,‬بل أيضا يف بالد الغرب‪.‬‬

‫و لعل هذا االنطباع بغرابه هذه األفكار تولد عند ابن نيب بعد صدور وتداول كتابه ( مشكلة الثقافة ) و ما شكل‬
‫حول من وجهات نظر‪ ,‬و هلذه عرب ابن نيب عن هذه الغرابة يف الطبعة الثانية من هذا الكتاب‪.‬‬

‫)‪ )1‬زكي امليالد‪ ,‬مشكلة الثقافة (تطور و املنهج) موقع األستاذ مالك بن نيب تاريخ‪, 2100/12/12‬الوقت ‪.20:21‬‬
‫)‪ )2‬مالك بن نيب‪:‬مشكلة الثقافة‪:‬ص‪.00‬‬

‫‪52‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كان منطق التفكي عند ابن نيب يتحدث على قاعدة التمايز و االستقالل الثقايف فهو ال يرى يف التعريفات‬
‫املطروحة للثقافة سواء منها ما عرب عن وجهة النظر الغربية أو املاركسية ما يدعو إىل االعتاض‪ ,‬و ليس نقصها راجعا‬
‫فيها‪.‬‬

‫و هذا ما يؤكده مالك بن نيب ‪,‬و إمنا يعترب مضموهنا ال ميكن أن يعطيها مفتاح حل املشكلة يف الظروف النفسية‬
‫و الزمنية للمجتمعات العربية و اإلسالمية ‪.‬‬

‫و مازالت هذه األفكار حتفظ تقدر من الغرابة‪ ,‬خصوصا من ناحيتها التكيبية‪ ,‬أما يف ناحيتها التحليلية فلم تعد‬
‫هلا تلك من الغرابة الالفتة‪.‬‬

‫و منشأ هذه الغرابة يف هذا الوقت‪,‬لعله يعود اىل الغموض الذي حييط هبذه األفكار‪ ,‬من جهة صعوبة معرفة‬
‫كيف توصل ابن نيب لبناء نظريته يف الثقافة بالتكيب الذي شرحه يف كتاب شروط النهضة مت يف كتابه (مشكلة‬
‫الثقافة)‪.‬‬

‫التحليل النفسي للثقافة ‪:‬‬

‫لقد عاجل ابن نيب مشكـلة الثقـافة من ناحيتـني أطلق على النـاحية األوىل نسـميه التحليل النفسي للثقافة و على‬
‫الناحية تسمى التكيب النفسي للثقافة‪.‬‬

‫يف الناحية األوىل‪ ,‬حاول ابن نيب أن يتبع بصوره سريعة و عامة بعض املالمح التارخيية اليت سامهت يف تكوين‬
‫مفهوم الثقافة‪ ,‬و من أين جاءت كلـمة الثقافة و من مىت استخدمت يف اللغة العربية ؟ و كيف تبلور هذا املفهوم و‬
‫تطور و حتدد يف الثقافة األوروبية ؟‬

‫و تعترب فكرة الثقافة هي فكرة حديثة جاءتنا من أوروبا و الكلمة اليت أطلقت عليها هي صورة حقيقية للعبقرية‬
‫األوروبية ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و إن التحليل التارخيي( الذي قدمه مالك بن نيب كان مهما و الفتا بعض الشيء يف وقته‪ ,‬و بالذات على مستوى‬
‫الكتابات و األدبـيات العربية و اإلسالمية اليت مل تكن المعة‪ ,‬ومل تشهد جتديدا و تراكما مبكرا و مهما يف هذا‬
‫الشأن‪ ,‬أما اليوم فان صورة ذلك التحليل التارخيي قد تغيت من حيث أمهيته و قيمته(‪.)1‬‬

‫و إن التحليل التارخيي الذي قدمه مالك بن نيب إلشكالية الثقافة هي عبارة عن تجرد فصل متهيدي و مدخل‬
‫كيفية جوهرية هي أن لكل تجتمع و خصائصه الثقافية اليت متيز عن غيه كون هذا املفهوم حسب بن نيب مينع مجيع‬
‫استياد احللول من تجتمع إىل آخر‪ ,‬ألن كل تجتمع و له مرحلته التارخيية املختلفة‪.‬‬
‫<<‬
‫و إن هذه املالحظة اليت وضـعها بن نيب ليست قائـمة على اعتبارات دينية أو سياسية حيث يقول شاهد القرن‬
‫و ليس مبنى هذه المالحظة قائما على اعتبارات دينية أو سياسية‪ ,‬بل هي قائمة على اعتبارات فنية‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫خالصة‬

‫و هلذا يقرر بن نيب أن من املخاطرة اقتباس حل أمريكي أوحل ماركس‪ ,‬كما نطبقه على أي مشكلة تواجهنا يف‬
‫(‪)3‬‬
‫العامل العريب و اإلسالمي‪ ,‬ألننا هنا أمام تجتمعات ختتلف اجتاهاهتا و أهدافها‪.‬‬

‫فابن نيب يرفض أي استاد ألي حل أجنيب‪ ,‬ألنه بطبيعة احلال ختتلف من تجتمع إىل آخر فالحظ هنا أن لكل‬
‫تجتمع و خصائصه املميزة عن غيه هلذا يعترب ابن نيب انه كان من بني املفكرين الذين الزموا هذه الفكرة و هي‬
‫الرفض املطلق ألفكار اليت ال تناسب ظروفنا و خصائصنا ‪.‬‬

‫و هذه الفكرة هي أكثر رسوخا حيث ظل يعمل يف مجيع مؤلفاته و حماضراته حياول فهم و دراسة و منهجية‬
‫التعامل مع الفكر الغريب‪.‬‬

‫هذا الفكر الذي حاول السيطرة على مجيع العقول العربية و من حيث التباهي هبذا الفكر و هذا ما جنده مثال‬
‫عند "سالمة موسى" و "لطفي السيد"‪ ,‬و "طه حسين" ‪ ،‬و "ساطع الحصري" ‪ ،‬و "عبد الرحمن بدوي"‬
‫و هؤالء اعتنقوا مذاهب فلسفة غربية و نسبوا أنفسهم إليها و عرفوا هبا ‪.‬‬

‫و التحليل النفسي للثقافة كان يقصد التعميق التمايز و االختالف الثقايف و قدم "عمر مسقاوي" كيف تداول‬
‫بعض األفكار حول الثقافة عند بعض الطلبة الذين تلقوها يف احملاضرات اجلامعية نقال عن اثنني من املفكرين‬
‫األمريكني مها "وليام اوجبرن" ورالف "لينتون" ‪ ،‬كان من دوافع اهتمام ابن نيب بتخصيص كتاب حول الثقافة‬

‫)‪ )1‬زكي امليالد‪ ,‬مشكلة الثقافة (تطور و املنهج) ‪,‬ص‪.15‬‬


‫)‪ )2‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة ‪:‬ص‪.021‬‬
‫)‪ (3‬نفسه‪:‬ص‪.27‬‬

‫‪58‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إىل جانب ما وقع يف يد ابن نيب من كتاب كان رائجا يف ذلك احلني و هو كتاب دور األفكار التقدمية حول تطوير‬
‫<<‬
‫إن إبن نبي حول الثقافة برؤية جديدة لم تألفها المصطلحات‬ ‫اجملتمع ‪ ،‬و يقول مسقاوي يف ذلك‬
‫المستوردة التي تمت صياغتها في إطار الفكر الليبرالي أو في إطار الفكر االشتراكي التقدمي >>(‪. )1‬‬

‫يرى ابن نيب أن اجلمال له تأثي يف الروح االجتماعية و شرح هذه الفكرة بقوله أن األفكار هي املنوال الذي تستنتج‬
‫عليه األعمال وهي اليت تتولد من الصـور احملـسة من اإلطار االجتماعي فتنعكس يف نفس من يعيش فيه و هنا تصبح‬
‫صورا معنوية يصدر عنها التفكي ‪.‬‬

‫و لقد اعتىن ابن نيب كثيا ملناقشة أفكار و تصورات حول الثقافة و تعريـفاهتا و حـدد تجـاالت التـوافق و االختالف‬
‫فهناك على أساس فين و تقين ‪ ،‬و ثقايف و تارخيي من جهة ‪ ،‬فين وتقين يرتبط مبسـتويات التـطور و التقدم املدين‬
‫و احلضاري العام ‪ ،‬و ثقايف و تارخيي يرتبط بتمايز املكونات الثقافية و التارخيية ‪.‬‬
‫<<‬
‫فهو يعتبر أن الثقافة‬ ‫و لقد فهم شاهد القرن الثقافة وفق نظرة اختلفت عن التعريفات الكالسيكية املعروفة‬
‫هي الكم المتراكم من الصفات و القيم و الخصائص المكتسبة طيلة مرحلة زمنية لقياس حياة الفرد الموجود‬
‫>>(‪)2‬‬
‫فهي تجموعة من الصفات اخللقية و القيم االجتماعية اليت يلقاها الفرد‬ ‫داخل محيط أو نسيج إجتماعي‬
‫<<‬
‫فالثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكل فيه الفرد‬ ‫منذ والدته كرأس مال أويل يف الوسط الذي ولد فيه‬
‫طبا عه و شخصيته و هو المحيط الذي يعكس فيه حضارة معينة الذي يتحرك في نظافة اإلنسان و معطيات‬
‫>>(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫المجتمع‬

‫إن الثقافة هبذا املفهوم هي الرصيد األويل الدافع إىل املبادرة و احلاجة إىل التعبي و مواكبة العصر يف الرؤية‬
‫(‪)4‬‬
‫إىل ذالك الدكتور "أسعد السحمراني" يف تعرضه ملفهوم الثقافة‬ ‫املستقبلية و حماولة إثبات الشخصية كما ذهب‬
‫<<‬
‫أنها المهد المنشئ لشخصية اإلنسان تفرض عليه قيمتها و قواعدها اذ الغزو الثقافي لشخصية‬ ‫فقال‪:‬‬
‫األوربي ازدادت حركة االغتراب و ق وي النفوذ االستعمار الذي استقر في عمق قناعات بعض الناس يتأثر من‬
‫>>(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫الفكر األوربي‬

‫(‪ )1‬مالك بن نيب ‪ :‬مشكلة الثقافة ‪ ،‬ص‪.3‬‬


‫(‪ )2‬نفسه‪ :‬ص‪.3‬‬
‫(‪ )3‬حممد شاويش‪ :‬مالك بن نيب و شروط النهضة‪،‬التبني‪ ،‬عدد ‪ ,01‬اجلاحضية‪,‬ص‪.32‬‬
‫(‪ )4‬عمر بن سليمان‪ :‬فلسفة ثقافة‪ ،‬ص ‪.203‬‬
‫(‪ )5‬أسعد السحمراين ‪ :‬مالك بن نيب مفكرا إصالحيا‪ ,‬ص ‪.210‬‬

‫‪57‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫<<‬
‫فهي الرحم الذي تنمو فيه‬ ‫و عليه البد أن ندرك أن للثقافة أمهية كربى يف تكوين الفرد و بناء شخصية‪:‬‬
‫أفكاره و تطلعاته الذي تتحدد فيه قيمه و أهدافه و هي التي تحقق التوازن في عالم اإلنسان الداخلي و هي‬
‫تعلمه كيف ينخرط في الجماعة ليؤدي دوره من خاللها بشكل متكامل دون أفضليات ‪ ،‬فالثقافة تنمي‬
‫الجانب المعنوي في اإلنسان و المجتمع بمستوى متوازن كما ينمو الكائن الحي بكل أعضائه في وقت واحد‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬

‫و بذالك فالسلوكيات اليت تعمل على جتسيدها يف تجتمع فكلها تدعو إىل اليقظة و التحرر و الوقوف للموانع‬
‫اليت حتول دون الوصول إىل التغي أو التحديث فالثقافة كما يريـدها مالك بن نـيب هي تـلك اليت تبين و توجه و تثابر‬
‫<<‬
‫عبارة عن مجـموعة من الصفات الخلـقية و القيم االجتماعية التي تؤثر في الفرد‬ ‫و ال تعرف اخلمول فهي‪:‬‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫منذ والدته و تصبح الشعوريا العالقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه‬

‫و عليه فالثقافة هي نظرية يف السلوك أكثر من أن تكون نظرية يف املعرفة فالشرط األول لتحقيق مشروع ثقايف هو‬
‫الصلة بني األشخاص أي أن أساس بناء ذلك هو دائما يف نظر شاهد القرن التكيب و التأليف بني االشخاص‬
‫و املقصود هو عامل األشخاص أي اجملتمع الذي يريد إن يؤدي وظيفة يف وسط احمليط الذي يعـيش فيه‪ ،‬فالثقافة اليت‬
‫يقصد إليها هي تلك اليت ال تدرس يف املدارس و تشكل على مقاعدها إذ هو إال عامل مساعد من عوامل‬
‫(‪)3‬‬
‫الثقافة‬

‫إذ البد أن ندرك‪" :‬أن الثقافة ال تضم في مفهومها األفكار فحسب و إنما تضم أشياء أعم من ذلك كثيرا‬
‫تخص كما ترى أسلوب الحياة في مجتمع معين من ناحية و السلوك االجتماعي الذي يطبع تصرفات الفرد‬
‫(‪)4‬‬
‫في ذلك المجتمع من ناحية أخرى " ‪.‬‬

‫ألن تنظي م اجملتمع و حياته و حركته و سلوكياته‪ ،‬تراجعه‪ ،‬فوضاه‪ ،‬ركوده ‪ ،‬جداله ‪ ،‬كلها ذات عالقة بنظام‬
‫األفكار املنتشرة يف ذلك اجملتمع فإذا ما تغي هذا النظام فان مجيع اخلصائص االجتماعية تتعدل يف نفس االجتاه‪ ،‬إن‬
‫(‪)5‬‬
‫األفكار‪ ,‬ألمهيتها حسب شاهد القرن هي يف تجموعها فرعا من أدوات التطور يف تجتمع معني ‪.‬‬

‫(‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬أفاق جزائرية ترمجة شريف مكتبة النهضة اجلزائرية بدون تاريخ ص‪.027‬‬
‫(‪ )2‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة ص‪.75‬‬
‫(‪ )3‬عمر بن سليمان‪ :‬فلسفة الثقافة ص‪.201‬‬
‫(‪ )4‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة ص‪.02‬‬
‫(‪ )5‬عمر بن سليمان‪ :‬فلسفة الثقافة ص‪.201‬‬

‫‪23‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و بطبيعة احلال فان األفكار هي الضامن الوحيد اليت تعـبي عن مدى وعي أي تجتمع الن هذا األخي هي اليت‬
‫تشكل عامل ثقافته و أخالقه و سلوكياته و لكل تجتمع طابـعه الفكري الذي مييزه عن غيه‪ .‬و إليك مثال على ذلك‪:‬‬
‫فاجملتـمع األول الذي ميزه بن نيب على غيه نظرا لـتجلي الروح فيه فـان مجيع عـالقاته الدينـية و االقتصادية و الثقافية‬
‫هي رمز هلذه الروح السامية اليت جتلت يف نفوس ذلك العصر على عكس ذلك فإننا جند أن النفوس يف العصر‬
‫األخي حتكمت فيها الغـريزة و الشـهوة و بذالك تعـفنت فيها مجيع الصفات األخالقية و كثرت فيها األفكار القاتلة ‪.‬‬

‫و على هذا جند أن أمهية األفكار يف حياة تجتمع معني تتجلى يف صورتني‪ :‬أما أن تؤثر كعوامل هنوض باحلياة‬
‫(‪)1‬‬
‫االجتماعية و إما أن تؤثر على عكس ذلك كعوامل تراجع حبيث جيعل النمو االجتماعي صعبا مستحيال‪.‬‬

‫فالثقافة كمكتسبات بإمكاهنا إن ختص الفرد و تعمل على تقوية مناعته ضد املثبطات من جهة‪ ,‬و ضد االكتساح‬
‫أو االستعمار الناشئ عن الذوبان يف فلـسفة حضارية أخـرى تنتهي بالسيطرة و االستالب املؤدي إىل تغيب مهمة‬
‫الفرد األساسية يف اجملتمع املسلوب و ما يتبع ذلك من تردد و اضمحالل للهوية أو اخلاصة اليت كان للبعد الثقايف‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫دور يف احلفاظ عليها‬

‫و يعترب ابن نيب أن الثـقافة هي اليت توجـه الطاقات الفردية لتحقيق بناء الفرد يف الداخل بالنسبة إىل مصلحته‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫و لتحقيق مكانه يف اجملتمع بانسجام تلك املصلحة مع مصلحة اجملتمع‬

‫و عليه فإن مشكلة الثقافة هي ليست متطابقة مع العاملني العريب و الغـريب فهي ليـست مشكـلة منحصرة يف حماولة‬
‫فهم الثقافة و إمنا يف حتقيقها بصورة عملية و مسايرة للواقع االجتماعي أي بتوظيفها كوسيلة عصرية متكننا من خطو‬
‫خطوة إىل اإلمام يف طريق حتققها عمليا على أن تكون اخلطوة اجلديدة تركيبا لعناصر الثقافة اليت نرقى و نتطور‬
‫و من دوهنا نتاجع فإذا ما وصل تجتمع معني لتطوره الطبيعي فانه يؤدي عملية تركيب ثقافة بصورة تلقائية تنحصر‬
‫يف املقاومات الثقافية يف وحدة متجانسة متثل ثقافة و ليس هذا منهجا تقوم على أساس تنظيم الثقافة و إمنا هي‬
‫(‪)4‬‬
‫ظاهرة طبيعية‪.‬‬

‫و نفهم أن كل ظاهرة اجتماعية هي ال تستقر يف صورة نشأهتا‪ ،‬فهو كائن تفاعلي جديل‪ ،‬و الثقافة هي اجلسر‬
‫و هي اليت تنمو مع كل هذه الظواهر االجتماعية‪.‬‬

‫(‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة ص ‪.05‬‬


‫(‪ )2‬ضيف اهلل بشي‪ :‬فلسفة احلضارة يف فكر مالك بن نيب منشورات اجمللس األعلى بدون ط سنة ‪ ، 2114‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ )3‬ضيف اهلل البشي‪ :‬فلسفة احلضارة يف فكر الثقافة ص ‪.31‬‬
‫)‪ )4‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة ص ‪.02‬‬

‫‪21‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و إن هذه النكسات اليت تقع للظواهر االجتماعية ال ميكن أن تعاجل إال بثورة ثقافية عارمة و جادة تكون هي‬
‫يف احلقيقة عناية انطالقة جديدة هلذه احلياة االجتماعية ‪.‬‬

‫و الظرف يف هذه احلالة خيلق أمام تجتمع متقهقر مثل تجتمعاتنا العربية اإلسالمية استحالة ال يستطيع التغلب‬
‫عليها فيستسلم و إن الواقع املرير يؤكد على ذلك حيث جند إن هذه اجملتمعات قد ركبت لبعض نقاط القوة اليت‬
‫عرفتها فاستسلمت ألمر الواقع و بقيت تعاين مرارة الواقع املريض هذا الواقع اليت تعيشه هذه اجملتمعات اليت‬
‫استسلمت ألبسط األمور نظرا الن الواقع الثقايف لديها مل يستطع أن يقاوم‪ .‬ألن ثقافة هذه اجملتمعات هي ثقافة‬
‫هشة مرنة غي صاحلة ‪.‬‬

‫و لكن خيلق ظرف نفسه بالنسبة إىل تجتمع أخر فرصه لدفعة جديدة و هذا ما جنده مثال يف اجملتمع املبين‬
‫اليت مسيت بالثورة الثقافية على كل ما هو سليب ملواجهة أي واقع تواجهه من أجل تعديله يف االجتاه الذي يريده‬
‫(‪)1‬‬
‫و يراه صاحلا له ‪.‬‬

‫و بني هذين املثالني بني االستسالم لواقـع و بني الثورة التعسفية ألي واقع ال يستساغ‪ ،‬درجات من اخلنوع‬
‫و التقوقع و اهلروب من املسؤولية هي بالضبط درجات األزمة الثقافية اليت يتخبط فيها اجملتمع‪ ،‬اليت حياول بكل‬
‫(‪)2‬‬
‫جهدها إخفاقها السلطات السياسية املورطة أو االنتهازية ألهنا تعودت على أال تسمي األشياء مبسمياهتا‪.‬‬

‫و إن هذه االنتهازية و هذه التورطات و هذه الشـطارة يف إخفـاء الواقع باسم الواقعية كلها من معدن واحد‬
‫معدن األزمة الثقافية املعدن الذي تصاغ منه كل الفاجعات و كل النكسات و كل احملاوالت الفاشلة سواء يف امليدان‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ .‬األمـر الذي يؤدي حتما إىل التاجع‪ ،‬إذ كيف عن‬ ‫الصناعي أم الزراعي أم األخالقي أم السيـاسي أم العسـكري‬
‫مواكبة العصر و التحدث عن النهضة خاصة إذا أدركنا أن الواقع الذي يعيشه الفرد هو واقع أزمات من الصعب‬
‫حلها ‪.‬‬

‫و هذا هو بالنسبة إىل اجملتمـعات العربية فان كـل أزمة أو ختـنق أو فشل يف مجيع ميادين احلياة فهو مرده‬
‫<<‬
‫إىل اجلانب الثقايف الذي يعطي للمجتمعات مكانتها و عزهتا يقول مالـك بن نيب‪ :‬فأي إخفاق يسجله مجتمع‬
‫>>(‪)4‬‬
‫و يف طبيعة احلال مرحلة تارخيية‬ ‫في إحدى محاوالته إنما هو التعبير الصادق على درجة أزمته الثقافية‬

‫(‪ )1‬مالك بن نيب‪ ،‬مشكلة الثقافة‪ ,‬ص‪.10‬‬


‫(‪ )2‬نفسه‪:‬ص‪.12‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪:‬ص‪12‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪26‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يسجلها التاريخ اإلنساين على مجيع احلضارات اليت تعاين من هذه النكسات ‪ ،‬فالتاريخ يسجل النائم و املستيقظ‬
‫يف ركب السجل احلضاري ‪.‬‬

‫و يف األخي يعترب مالك بن نيب أن الثقافة هي احمليط العام الذي يشكل شخصية الفرد اإلنساين من مجيع‬
‫اجلوانب‪ ,‬و لكي نفهم التعريف الذي قدمه مالك بن نيب للثـقافة و منـتلك القدرة عـلى تكوين مفهوم واضح و جلي‬
‫للثقافة البنيوية فهو باختصار يتكون من العناصر التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬أوال ‪ :‬هو تجموعة من الصفات اخللقية‪ ،‬فنجد أن مالك بن نيب يركز على العنصر األخالقي و يعتربه هو‬
‫الركيزة حبيث يعترب الفلسفة األخالقية هي منهج تربوي ألي ثقافة‪ .‬حبيث جعل القيم األخالقية تفوق العقل حبيث‬
‫رأى أن املبدأ األخالقي هو الصلة الوثيقة و املتينة بني مجيع أفراد اجملتمع و هذا ما يشي إىل مدى ضرورة الصلة‬
‫األخالقية بني مجيع أفراد اجملتمع من أجل قيام أي حضارة ‪.‬‬

‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬القيم االجتماعية حبيث يعتقد أن شاهد القرن أن عامل األشخاص ال يكون تجتمع ذا نشاط فعال إال‬
‫إذا متاسك أفراده وترابط‪ ،‬و ال ميكن للفرد املنعزل أن يكون حضارة و ثقافة فإن عامل األفكار و األشياء ال ميكن أن‬
‫يتأسس إال إذا تآلف عامل أشخاصه و ترابطوا فيما بينهم‪.‬‬

‫‪ -‬ثالثا ‪ :‬التأثيات اليت يتعـرض هلا الفرد منـذ والدته‪ ،‬يرى شاهد القرن إن الفرد منذ والدته يكون غارق يف عامل‬
‫األفكار و األشياء اليت يعيش معها يف حـوار دائم‪ ،‬فاحمليط الداخلي الذي ينام اإلنسان يف ثناياه و يصحو و الصورة‬
‫اليت جتري عليها حياتنا اليومية تكون إطارنا الثقايف الذي خياطب كل تفصيل فيه روحنا بلغة منعزلة لكن سرعان‬
‫ما تصبح بعض عباراتنا مفهومة لنا عندما نقوم حنن بتفسيها يف عامل األفكار و األشياء‪.‬‬

‫‪ -‬رابعا ‪ :‬الثقافة هي تلك العالقة اليت تربط سلوك الفرد و أسلوب احلياة يف الوسط الذي ولد فيه هذا الكائن‬
‫حبيث ميلك هذا الكائن تجموعة من املقاييس اليت تشكل طباعه اجلماعي و هذه األحكام هي اليت حتدد طابع‬
‫املش كالت و تسمح بالفعالية اإلمجالية للفرد و هي اليت حتدد املباين االجتماعية للشخصية االجتماعية أو ما أطلقنا‬
‫عليه بأسلوب احلياة ‪.‬‬

‫هذا التعـريف للثقافة جيـعلنا نؤكد أن الثقافة حسب املنظور البنيوي هي حوض األلوان و األنعام و العادات‬
‫و التقاليد و األوزان و احلركـات و هي اليت تطـبع على حياة اإلنـسان اجتاها و أسلوبا يقوى اإلنسان عبقرية‪ ،‬يغذي‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫طاقته اخلالقة‪ ،‬هي الرباط العضوي بني اإلنسان و اإلطار الذي حييط به‬

‫(‪ )1‬زكي امليالد‪ ,‬مشكلة الثقافة (تطور و املنهج) ‪,‬ص‪.00‬‬

‫‪20‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ولكن املتأمل إىل هذا املفهوم الشامل جيد انه إذا كانت الثقافة هي تجموعة من الصفات اخللقية و القيم‬
‫االجتماعية فان السؤال الذي نطرح ه ما هي هذه الصفات اخللقية ؟ معىن هذا انه هل ميكن و حنن نعيش يف هذا‬
‫الزمن إن تكون صفات خلقية تتصل مع الثقافة أو باألحرى ما هي هذه الصفات اليت تكون أكثر قربا و اتصاال‬
‫بالثقافة ؟ وما هي أيضا تلك القيم االجتماعية؟‬

‫ألن األخالق هي حقل واسع و هي أيضا متتلك خاصية العلم و االستقاللية مع خمتلف العلوم‪ ،‬حبيث جند إن‬
‫األخالق تتقاطع مع الثقافة و هذا التقاطع حيتاج منا إىل ضبط و حتديد و املشكلة األكرب من حيدد هذا التقاطع إذا‬
‫حصل هذا التقاطع هل هم رجال الدين أم رجال القانون أم هم الفالسفة‪ .‬و إذا وضعنا هذا األمر بني ظهرانيا فإننا‬
‫نقول إن عامل األفكار لإلنسان املسلم اليوم يعيش هذا التقاطع فالثقافة هي منعدمة كون إن القيم األخالقية‬
‫ضعيفة غي و ليس هلا حمدداهتا خاصة حنن يف زمن ال يعتف إال باإلنسان املثقف و ليس املثقف و فقط بل املثقف‬
‫الواعي‪ ،‬تثقيفا جتاه و قضايا أمته وفق منظور شامل و عميق عمق الفكرة‪ ،‬و هذا ما تعانيه األمة اليوم كون أن هذه‬
‫القيم األخالقية هي غي منظمة و غي متناسقة وما يربر ذلك ما يعيشه العامل اإلسالمي من فوضى‪،‬و مجود‪،‬و فقدان‬
‫للمسؤولية النتشار القيم العلمية و الصناعية‪.‬‬

‫و عندما نؤكد على القيم االجتماعية فكـذلك احلال هو ان هذه القيم تتصل بعلم االجتماع و بفلسفة القيم‬
‫و مها من احلقول املعرفية و املستقلة ‪.‬‬

‫و إن تأثيات هذه القيم على الفرد منذ والدته تتشابك معه عناصر أخرى قد يتصل و يتقاطع مع الثقافة فنصبح‬
‫حنن حباجة إىل جهاز و خمابر حتاول تدقيق هذا املفـهوم و هذا الضبط‪ ،‬و يف ظل عيشنا يف جو فوضوي من األفكار‬
‫مما جعل النمط االجتماعي هو الذي يفرض منطا سلوكيا معينا ‪.‬‬

‫إذا إن التعريف الذي قدمه بن نيب حيتاج إىل ضبط دقيقا و حتديدا صارما كون هذا التعريف يتميز بعمومية‬
‫شديدة‪ ،‬وان هذا الضبط ملهمة صعبة يف موضوع الثقافة و خاصة و حنن يف هذا الزمن الذي نقصت فيه صيحة‬
‫التفلسف و طغت فيه قوة و صوت العلم ‪.‬‬

‫و بقى تعريف بن نيب من التعاريف املقدمة للثقافة متيز فيه بعمومية عامة و شاملة و لكن كان يف حتليله للثقافة‬
‫أكثر متييزا حبيث حلل و دقق يف حتليله و اسقط منهجه الفكري اخلاص للثقافة هذا املنهج الذي جعله يقدم وحيلل‬
‫نظرية يف الثقافة جعلته يكون مميزا فيه ‪.‬‬

‫و كما انه هذه املالحظات اليت وضعناها للتعريف الذي قدمه بن نيب للثقافة ال نسلب منه صفة التعريف‬
‫بالتأكيد و إمنا ال نرى فيه خاصية التعريف احملكم ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و من خالل هذا املفهوم الشامل الذي قدمه شاهد القرن للثقافة يسـتلزم علينا إذا تعرفنا على الثقافة تعريفا‬
‫و مفهوما فان للثقافة مثقفا و هناك عالقة جدلية بني هاذين املعطيني للثقافة و املثقف وال ميكن طرح سؤال الثقافة‬
‫بعيدا عن املثقف ‪ ،‬فما هو املثقف لدى مالك بن نيب ؟ ‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬المثقف دوره و رسالته‬

‫يثي مفهوم املثقف العديد من اإلشكاالت املرتبطة بتحديده معرفيا و منهجيا فتتكاثر املفاهيم و الشبكة العالئقية‬
‫(‪)1‬‬
‫اليت ينتمي إليها مما يوقع الباحث يف اللبس املنهجي عند تناول مفهومي الثقافة و املثقف ‪.‬‬

‫و تطلعنا املعاجم إن املثقف يف اللغة ‪:‬‬

‫نستمده من لسان البن منظور الذي يربطه بكلمة ثقف أي مبعىن ذو فطنة و ذكاء و املراد أنه ثابت املعرفة مبا‬
‫(‪)2‬‬
‫حيتاج إليه " أي هو الشخص الكيس الفطن احلاذق ‪.‬‬

‫و معىن املثقف باللغة الفرنسي ة موسوعة الالند الذي يرى انه هو ميزة شخص متعلم‪ ،‬و كان قد طور هبا هذا‬
‫(‪)3‬‬
‫املتعلم ذوقه‪ ،‬وحسه النقدي و حكمه‪ .‬ثانيا ‪ :‬تربية يتتب عليها تولد هذه امليزة‬

‫و إن مفهوم املثقف مت تداوله ألول مرة يف القرن التاسع عشر حيث يعود تاريخ املـثقف و هو املصطلح الـذي يدل‬
‫على فئة من الناس‪ ،‬تعتمد منزلتها االجتماعية على دعوهتا باخلربة االجتماعية و لكنهم ليسوا تجرد كتاب أو فالسفة‬
‫(‪)4‬‬
‫أو فنانني إىل بواكي القرن التاسع عشر ‪.‬‬

‫و تطور استخدام هذا املصطلح يف العلوم االجتماعية ليشي إىل فئة اجتماعية متتلك مجلة من املعارف املتخصصة‬
‫متكنها من إدارة شؤون العامة يف اجملتمعات املعاصرة‪ ،‬و من هذا املنطلق قسم املثقفون إىل قسمني مها‪:‬‬

‫التقليديون مها ‪ :‬املعلمون و رجال الدين ‪ ،‬اإلداريني ‪.‬‬

‫العضويون ‪:‬وهم من تربطهم مؤسسات و مصاحل مباشرة من أجل تنظيم املصاحل و اكتساب املزيد من السيطرة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬عبد احلليم مهور باشا‪ :‬فلسفة الثقافة‪ ,‬اجلزائر‪ ،2104 ،‬ص‪.212‬‬
‫(‪ )2‬ابن منظور‪:‬لسان العرب‪ ،‬دار الكتب العلمية ط‪ ، 2104 ،0‬ص‪.542‬‬
‫)‪ (3‬الالند أندري‪ :‬موسوعة الالند الفلسفية ‪ ،‬ج ‪ ، 0‬تر أمحد خليل ‪ ،‬منشورات عويدات بيوت لبنان ‪ ،‬ط ‪ ،2110، 2‬ص ‪.250‬‬
‫(‪ )4‬طونيب بينتيت‪:‬مفاتيح اصطالحيه جديدة ترمجة‪ :‬سعيد الغامني‪ ،‬بيوت‪،‬ط ‪ ، 2101 ،0‬ص ‪.430‬‬

‫‪25‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أ‪ -‬المثقف في الفكر الغربي ‪:‬‬

‫مت جتاوز هذا املفهوم يف الفكر الفلسفي الغريب إىل مفهوم املثقف امللتزم بقضايا تجتمعه و ال تتوقف وظيفته عند‬
‫حد إنتاج األفكار و املعارف و املـشاريع فاملثقف يف الغـرب اعترب مبـثابة الضمي احلي الذي يتكلم نيابة عن اجملتمع‬
‫(‪.)1‬‬
‫<<‬
‫ذلك التعريف الشهير مع جولـيان بندا للمثقفين بأنهـم عصبة صغيرة من‬ ‫و كما يقول "إدوار سعيد"‪:‬‬
‫الملوك ‪-‬الفالسفة الذين يتحلون بالموهبة االستثنائية و بالحس األخالقي الفذ و يكونون ضمير‬
‫>>(‪)2‬‬
‫واخنراط املثقفون يف النضال من أجل قضايا يروهنا عادلة من وجهة نظرهم‪ ،‬و حضر جون بول سارتر‬ ‫البشرية‬
‫كنموذج متثيلي هلم‪ ،‬حيث اكتسب املثقفون مكانة مرموقة يف اجملتمـعات احلديثة‪ ،‬بسبب التحوالت السـياسية‬
‫اليت عرفتها هذه األخية‪ ،‬و اخنراطهم الفاعل يف تجاالت عدة معتمدين على النقد كآلية معرفية‬ ‫و االجتماعية‬
‫<<‬
‫خرجنا مع سارتر و خاصة بعد انتفاضة ماي ‪8691‬‬ ‫يصححون من خالهلا األخطاء اليت يرتكبها السياسيون‬
‫>> ( )‬
‫‪.3‬‬ ‫في فرنسا من مفهوم الطبقية و الثورة االشتراكية إلى مفهوم اإلنسان و التحرر االجتماعي‬

‫يف مطلع التسعينيات مع اهنيار االحتاد السوفيايت وميالد نظام دويل عاد الزحم ملفهوم املثقف و عاد التساؤل هذه‬
‫املرة ليس عن وظيفة بل عن مشاريعه الفكرية و املعرفية‪ ،‬بعد أن ظل املثقف لعقود ميارس النقد على غيه أصبحت‬
‫السهام توجه له‪ ،‬و خاصة فكرته عن االلتزام السياسي و األخالقي‪ ،‬فيى "ميشال فوكو" انه حان الوقت للتحدث‬
‫عن املثقف اخلصوصي أي لديه معـارف متخصصة و أطـلق عليه اسـم اخلبي يدل احلديث عن املثقف الكوين كما‬
‫يتخيله سارتر(‪ )4‬فلم يعد منذ مدة مطالبا بلعب الدور فقد تبلور دور جديد للعالقة بني النظرية و املمارسة‪ ،‬حيث‬
‫يعود املثقفون إىل االشتغال ال على ما هو كوين و منوذجي و حقيقي بالنسبة للمجتمع بل داخل قطاعات حمددة و‬
‫نقط معينة‪.)5( .‬‬

‫ب‪ -‬المثقف في الفكر العربي‪:‬‬

‫)‪ )1‬عبد احلليم مهور باشا‪ :‬فلسفة الثقافة‪ ,‬ص‪.212‬‬


‫)‪ (2‬إدوارد سعيد‪ :‬صورة املثقف ترمجة غسان غصى‪,‬مىن دار املنار‪,‬بيوت‪,0150,‬ص‪.221‬‬
‫(‪ )3‬عبد االله بلقيز‪ :‬هناية الداعية املمكن و املمتنع يف ادوار املثقفني‪ ،‬بشبكة العربية‪ ،‬بيوت‪ ،‬ط‪ ،2101 0‬ص‪.02‬‬
‫(‪ )4‬عبد احلليم مهور باش‪:‬فلسفة الثقافة‪ ،‬ص‪.215‬‬
‫(‪ )5‬ميشال فوكو‪ :‬وظيفة السياسة للمثقف عز الدين خطايب‪ ،‬تجلة رؤى فلسطني عدد ‪,2101‬ص‪.20‬‬

‫‪22‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أما يف العامل العريب فان املثقف كان يتميز بتغليب النزعة النضالية كعنصر أساسي ارتبط هذا املثقف باملهمة‬
‫االستعمارية و كل أشكال الطغيان االستعماري فكانت هذه الصفة مالزمة له‪.‬‬

‫و سوف نتعرف على مفهوم املثقف لبعض مفكري العامل اإلسالمي‪ ،‬مبعرفة نظراهتم املختلفة للمثقف وفق املسار و‬
‫الدور و الوضع العام للمجتمعات العربية ‪.‬‬
‫<<‬
‫إن المثقف إذا هو في جوهره ناقد اجتماعي إنه الشخص الذي همه‬ ‫"فمحمد عابد الجابري" يقول‪:‬‬
‫أن يحدد و يحلل و يعمل من خالل ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫اجتماعي أفضل نظام أكثر إنسانية و أكثر عقالنية إنه بذلك يصبح ضمر المجتمع‬
‫<<‬
‫المثقف هو من ينتمي إلى طبقة اجتماعية فاعلة في المجتمع حيث تتميز عن غيرها‬ ‫أما "برهان غليون"‬
‫بتفكيرها العالي و الناقد و تدخل في عمله الصراع االجتماعي و السـياسي و في النهاية يكون تأثيرها واضحا‬
‫أو من خالل مشاركات قوية لصنع السياسة و القرار السـياسي أو من خـالل أعمال فكرية تؤثر في الناس و‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫المجتمع فكريا و ثقافيا و معنويا‬

‫إن املتأمل يف هذين املفهومني للمثقف العـريب حبيث يرون املثـقف إنسانا ذا معـارف عملية و فلـسفـية و اجتماعية‬
‫فهو ذلك املثقف الذي يتكلم عن اجملتمع حيس باجملتمع من وجعه و آالمه هو يستخدم النقد كآلية يناضل من أجل‬
‫قيم اجملتمع‪.‬‬

‫أما شاهد القرن فانه يعرف املثقف فهو يعتربه إنه هو املثقف املسلم‪ ،‬الذي حيمل رسالة عاملية إهنا تلك اليت جتعله‬
‫حتدى الراهن الذي عرف هيمنة املادي على الوحي و من الضروري أن يسعى إىل إنصاف هذا األخي ‪.‬‬

‫إنه الذي يفكر يف اإلنسان العاملي و إسهامته يف مواجهة املشكالت يف أبعادها الكونية و الوجودية‪.‬‬

‫و لقد تكـلم ابن نيب عن دور اإلس ـالم حتديدا يف مواجهة هذه القضايا و هو رسالة وجب أن ال يفصله عن‬
‫<<‬
‫إذا أراد المسلم أن يسد هذا الفراغ في النفوس المتعطشه‪ ,‬النفوس المسيطرة‬ ‫املثقف العاملي ألنه يقول‪:‬‬
‫للمبررات الجديدة فيجب أوالا أن يرفع مستواه إلى مستوى الحضارة أو أعلى منها كي يرفع الحضارة‪ ,‬بذلك‬
‫على قداسته الوجود‪ ,‬إلى ربانية الوجود و ال قداسة الوجود إال بقداسة اهلل >>(‪. )3‬‬

‫(‪ )1‬حممد عابد اجلابري‪ :‬املثقفون العرب حمنه ابن حنبل و نكبة ابن رشد‪ ،‬بيوت‪ ,‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،2101 ،2‬ص‪.24‬‬
‫)‪ )2‬برهان غليون‪ :‬هتميش املثقفني و مسألة النخبة القيادية‪ ,‬بيوت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ابن نيب‪ :‬مالك‪ :‬دور املسلم و رسالته يف الثلث األخي من القرن العشرين‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬ط‪,0173 ,0‬ص‪.07‬‬

‫‪27‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فهو إذا ذلك الفرد الواعي املدرك لرسالته و دوره يف التغيي االجيايب عامال ملا كلفه الواجب الديين تغيا و عمال‬
‫و حضارة‪.‬‬

‫حبيث يسعى شاهد القرن وفق هذا املثقف العاملي أن يفكر يف اإلنسان العاملي من أجل مواجهة مجيع املشكالت‬
‫اإلنسانية فاملثقف وفق مالك بن نيب هو ذلك اإلنسان الذي يعيش مهوم أمته و شعبه هو ذلك املثقف الذي يسعى‬
‫جاهدا بأفكاره و سلوكاته أن جيد حلـوال‪ ،‬أن حيـاول دائما أن يعيش لغيه ال لنفسه‪ ,‬فهو يسعى إىل بناء تجتمع‬
‫متحضر يسعى فيه إىل بناء إنسان جديد عكس ما يعيشه اإلنسان املا بعد املوحدي الذي تغلغلت فيه اهلزمية‬
‫و غلبت فيه روح االستكانة‪ ،‬وحبيث حياول و يسـعى أن يغلب سلوكه على معرفته‪ ,‬فاملعرفة وحدها ال تكفي عند‬
‫مالك بن نيب‪ ,‬حىت ولو أننا و قفنا أمام هذا املوقف أن السلوك أكثر من املعرفة‪ ,‬فحىت املعرفة هي تلعب دورا‬
‫يف بناء اإلنسان خاصة و عن هذا العامل نعيـش وفق العامل الذي يعتف إال باملعرفة‪ ،‬و ليست املعرفة‪ ،‬و كفى بل‬
‫املعرفة املتخـصصة‪ ،‬فنحن حنتـاج من املثقف اليوم سلوك و معرفة لكي نعيش حياة األسياد ال حياة األذلة ‪.‬‬

‫غي أن الصورة املثالية للمثقف اليت وضعها كافة املفكرين العرب تبقى صورة مثالية بعيدة عن الواقع ومع التطورات‬
‫احلاصلة يف ظل السياسات اجلديدة دفع الكثي من العلماء‪ ،‬إىل فتح النار على املثقفني العرب خاصة منهم "علي‬
‫<<‬
‫المقصود باألزمة فقدان المصداقية الفكرية‬ ‫حرب" الذي أكد هذا األخي أن املثقف يعيش أزمة عميقة بقوله‪:‬‬
‫و الفاعلية النضالية بعد تصدع النظريات الشاملة في قراءة العالم‪ ,‬و بعد انهيار المشاريع االيديولوجية و‬
‫>>‬
‫(‪.)1‬‬ ‫السياسية في ضوء التحوالت المتسارعة على أرض الواقع‬

‫هكذا إذا تصور بن نيب للمـثقف بأنه ذلك املثقـف الذي امسيه باملثقف الرسويل‪ ,‬و املثـقف احلارس للقيم و املثقف‬
‫املتكلم باسم اجملتمع‪ ،‬و هو الضمي احلي النابض يف قلوب أفراد اجملتمع هذا هو دور املثقف‪ :‬أن يعيش بل يعاين بل‬
‫يكابد ويالت األمل‪ :‬مهما كان هذا األمل سوآء ‪,‬أمل فكريا‪ ,‬سلوكيا‪ ,‬أخالقيا‪ ,‬اقتصاديا‪ ،‬سياسيا بل آالم ثقافية‪ .‬فهل‬
‫ندرك األمر؟‪.‬‬

‫أن تكون مثقفا ثوريا على مجيع املـشاكل اجملتمع بل تكـرس حيـاتك هلذا اهلـدف كما فعل من قبل "سقراط"‪<<:‬فلو‬
‫كان سقراط مثقفا و كفى‪ ،‬لنعم بفكرته و عاش‪ ،‬و لكنه أبى إال أن يكون"مثقفا ثوريا "يحاول تغيير و تبديل‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الحياة فمات ضحية دعوته‪ ،‬لكن مات سعيدا برسالته‬

‫)‪ (1‬علي حرب‪ :‬أوهام النخبة و نقد املثقف‪ ,‬املركز الثقايف العريب‪ ,‬بيوت‪ ,‬ط‪ ,2115 ,2‬ص‪. 01‬‬
‫)‪ )2‬زكي جنيب حممود‪ :‬عريب بني ثقافنت‪ ,‬دار الشروق‪ ,‬ط‪,0111 ,0‬ص‪.200‬‬

‫‪28‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فعلينا أن نكون مثقفني سقراطيني‪ ،‬نضحي من أجل أفكـارنا ومن أجل أن تبقى احلقيقة خالدة خلود البشر‬
‫على هذه األرض الطاهرة‪ ،‬فشعار الواقع اليوم هو املثقف املضحى‪ ،‬لكي نسعى أن نركب طريق احلضارة‪.‬‬
‫بالرغم من أننا نعيش مرارة الواقع بني مثقف يعيش يف األبراج العالية‪ ,‬ال ينظر إال إىل األعلى‪ ,‬و مثقف يغلب آرائه‬

‫االيدلوجية ومثقف لرمبا فين عمـره يف فكـرة واحدة طيلة حياته‪ ,‬و مثقف يركب األمواج العالية‪ ,‬ينقد العوملة‬
‫و يستعمل أدواهتا‪ ,‬مثقفا منعزال انعزل حىت عن آدائه عمله فما بالك مبجتمعه ‪ .‬و هكذا نشكك حىت يف حكمنا‬
‫عليهم هل هم مثقفي حقا؟ بل لكي ال نبقى يف حيز اإلشكاالت ألننا ال منلك إجيابات‪ ,‬بل حنن نريد يف الوقت‬
‫احلايل ثقافة عملية‪ ،‬نقدية متحركة‪ .‬و مثقفا واعيا سلوكيا معرفيا لكي يكون تجتمعا فكريا ال تجتمع متشتت فكريا‬
‫ألن ثقافته و مثقفيه متشتني‪ ,‬و ما يدل على ما أقول ما يشهده العامل العريب من حراك شعيب جند فيه أن املثقف غي‬
‫موجود متاما‪ ،‬فأي فكر و أي فلسفة هذه‪ ,‬ثورة من دون مثقف ‪ .‬هذا هو حالنا فنحن اليوم نعيش جراء مثقف واعي‬
‫و لكنه استسلم ألمر الواقع‪.‬‬

‫نعيش مع املثقف انعزل يف األوساط اجلامعية و االكادمييةمل يسقط منهجه يف اجملتمعات الشعبية‪ ,‬ومع مثقف‬
‫سلطوي و مثقف معارض للسلطة و بقينا هكذا و الواقع يزيد تراجعا فهل من مخرج؟‪.‬‬

‫وميكن أن نقول أن عامل الثقافة قد تشـكل وفق عناصر كانت هي اللحمة االجتماعية بني أفراد اجملتمع اإلنساين‬
‫من أجل بناء احلضارة‪ ،‬و نستخلص و نستنتج مما قلناه سابقا‪:‬‬

‫إن املشروع احلضاري و بنائه يف فكر شاهد القرن قد ارتكز على معادلة رياضية كان اإلنسان أساس هذه‬
‫املعادلة وفق مالك بن نيب يف نظره لنصنع احلضارة يف وقت و زمن معني‪ ,‬و لكن ال يسعنا إىل أن نقول نعم حنن‬
‫حباجة إىل هذا اإلنسان و خاصة حنن يف هذا الظرف العصيب‪ ,‬و لكن أي إنسان يا مالك بن نيب فهذه املعادلة هي‬
‫شاملة مشولية اإلنسان يف خضم التاريخ‪ ،‬و لكن ركب مالك بن نيب مفعال قويا للخروج من هذا املأزق احلضاري بأن‬
‫جعل الدين طاقة ينشر بذوره يف هذه املعادلة وفق قوة روحية لإلنسان لبناء شبكة العالقات االجتماعية اليت‬
‫انفصلت بسبب غياب الفكرة الدينية يف اجملتمع‪ ,‬مع هذا دعم مالك بن نيب مشروعة احلضاري بفكرة التوجيه اليت‬
‫تصنع التفكي و تبين اإلنسان و فق مقومات أساسية لبناء مؤسسات و مشاريع اقتصادية وسياسية و ثقافية‪ ،‬قائمة‬
‫على دعامة لكي ال يذهب العمل هكذا فهي قوة يف األساس وسد منيع لكافة معوقات النهضة اليت حتيل اإلنسان‬
‫دون التطور و التقدم‪.‬‬

‫ارتبط املشروع احلضاري للفكرة أساسية و هي الثقافة اليت كانت من أهم القضايا اليت عاجلها مالك بن نيب و كانت‬
‫شغله الشاغل لبناء شباب و ٍاع لقضايا أمته ووطنه وأسرته بل بنفسه قبل كل شيء ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بالرغم من أن هذا املفهوم ارتبط مبعايي تارخيية و أنثروبولوجية و حضارية‪ ،‬و عرفت به احلضارة الغربية نظرا‬
‫لتطور احلركة العلمية يف هذه احلضارة‪ ،‬ولكن انشغلت به أيضا العقول العربية و منهم مالك بن نيب الذي اعتربها‬
‫شرطا ضروريا للنهضة‪ ،‬بل إن أي مشروع حضاري من دون فكرة أو ثقافة فهو مردود عليه و غي ناجح ألن الثقافة‬
‫دائما حتتاج إىل تجموعة من الصفات اخللفية و االجتماعية اليت حييط بذات الفرد و هذا ما طرحناه على املفكرمالك‬
‫بن نيب ما هي الصفات األخالقية و االجتماعية اليت حنتاج حنن اليوم يف ظل أزمة القيم بل ظل غياب الفلسفة‬
‫و ال نقول غياب و لكن نقص‪,‬هذا يعين أن تعريفه للثقافة كان تعريفا شامال و هو له مربرات يف ذلك لرمبا أنه أراد‬
‫أن يدمج ذات الفرد و قيمة األخالقية مع القيم االجتماعية اليت تشكل عامل و عالقات اجملتمع و هو بذالك أنه‬
‫وصف بعامل االجتماع و هذا ال هتمنا التسمية بقدر ما هتمنا النظرية و ما حتمل من دالالت واقعية خترجنا من هذا‬
‫املأزق احلضاري‪ ,‬فهل ندرك األمر؟‬

‫و أيضا جند أن مالك بن نيب أكد على وظيفة املثقف و رسالته و ربطها باجلانب العملي خاصة و هو يدرك‬
‫أن للمثقف مكانه و دوره يف اجملتمع ‪.‬‬

‫اشتط مالك بن نيب يف آخر كتبه على أن رسالة املسلم و دوره أن حيمل الرسالة عمل و خي هلذه األمة و أن يكون‬
‫معول بناء و ليس معول هدم ‪.‬‬

‫غي أن الصورة املـثالية اليت رمسها شـاهد القرن للمـثقف هي صـورة معظـمها يف السمـاء و بعضها يف األرض‪ ,‬حنن‬
‫اليوم نعيش مع مثقف مـزيف بل ما حتمل الكلمة من معىن نظرا ألن مؤسسات اجملتمع قد زيفته و غيت له إجتاهه و‬
‫هدفه‪ ,‬مع وجود اعتبارات سياسية ال يكفي املقام لشرحها فأصبحنا نعيش مع ثالث أنواع من املثقفني ‪:‬‬

‫‪ -‬مثقف واعي مستسلم ألمر الواقع ‪.‬‬

‫‪ -‬مثقف معارض للمجتمع و الدولة و للهوية و األرض‪.‬‬

‫‪ -‬مثقف منقاد لالجتاهات السياسية ال حيمل هم تجتمعه و مشاكله‪,‬بالرغم من أن دور املثقف توظيف حكمته‬
‫يف ما يفيد العباد و الكون و هي الوظيفة اليت يشتك فيها مع العلم و الفلسفة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المبحث األول ‪ :‬التركيب النفسي للثقافة‬

‫أوال‪ :‬الثقافة و العلم‬

‫انطلق شاهد القرن يف مشروعه الثقايف من حتليله النفسي للثقافة فهو أراد اإلجابة عن سؤال كيف نفهم الثقافة‬
‫فهما خاصا و مستقلا‪ ,‬و عبارة الرتكيب الثقـايف أراد من خلهلا أن جيـيب عن سؤال كيف نـطبق الثقافة ؟ أو كيف‬
‫ميكن أن تكون الثقافة معىن فعلي و واقع يف حياتنا ؟‪.‬‬

‫و لقد حللنا فيما سبق حتليل نفسيا للثقافة و أشرنا فيه أن الفكر البنيوي أراد أن جبعل للثقافة فهما خاصا‬
‫باجملتمعات العربية و واإلسلمية‪ ,‬مستقل وفق خصائص تارخيية و سياسية و دينية للمجتمعات العربية‪.‬‬

‫أما يف تركيبه للثقافة فقد انطلق شاهد القرن من الفرق بني الثقافة و العلم‪ ,‬فما هو الفرق بينهما ؟‪.‬‬

‫انطلق مالك بن نيب يف متيزه بني الثقافة و العلم من سؤال مهم هو‪ :‬ما هي الثقافة اليت تنشئ الصلت و الروابط‬
‫الثقافية يف اجملتمع و ختلق الفرد الفعال‪.‬؟‬

‫و قد قلنا أيضا فما سبق أن الثقافة يغلب عليها اجلانب السلوكي‪,‬حيث يذكرنا بن نيب بقوله و لعله يريد دائما أن‬
‫>>‬ ‫<<‬
‫(‪.)1‬‬ ‫يوضح فكرته‪ :‬أن الثقافة ليست مجرد علم يتعلمه اإلنسان‪ ,‬في المدارس و يطالعه في الكتب‬

‫و هذا هو املعىن الشائع لألسف يف أذهاننا بأن الثقافة هي جمرد دراسة لبعض الكتب !!!‬
‫<<‬
‫علينا أوال أن ننتهي من البلبلة الفكرية المضرة‬ ‫لذلك هو انطلق مببدأ يف غاية األمهية و يف هذا الصدد يقول‪:‬‬
‫جدا و التي تجعل من كلمة ثقافة مرادفا لكلمة ِعلْم (‪.)2‬‬
‫>>‬

‫<<‬
‫أن الطبيب الجزائري يتساوى مع زميله‬ ‫ووفقنا ملنهج الفكري ملالك بن نيب يوضـح لنا عرب مثـاال واقعـيا يف قوله‪:‬‬
‫>> (‪)3‬‬
‫فمعىن هـذا أن كل من الطبيبني قد‬ ‫اليهـودي أو يفوقه أحيانا فما يتصل بالجانب المهني‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬تأملت‪,‬ص‪.174‬‬


‫)‪ )2‬مالك بن نيب‪ :‬من أجل التغيري‪ ,‬دار الوعي‪ ,‬اجلزائر‪,‬ط‪ ,3112 ,1‬ص‪.47‬‬
‫)‪ (3‬مالك بن نيب‪ :‬تأملت‪,‬ص‪.171‬‬

‫‪37‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫درس ا يف نفس املسار‪ ،‬فالعلم و التعليم ال خيتلفان متاما ففي بعض األحيان جند أن الطبيب اجلزائري يفوق كثريا‬
‫ا‬
‫الطبيب اليهودي فربامج التعليم و الكتب هي واحدة‪,‬و لكن أين مكمن االختلف؟‬

‫جييب مالك بن نيب‪ :‬أن االختـلف بني الطبـيب اجلـزائري و اليـهودي يكمن يف اختلفهما يف رؤيتهما يف‬
‫املشكلت االجتماعية اليت حتيط بكل منهما‪ ,‬فالوسط و احمليط خمتـلف متامـا بني االثنني‪ ,‬فالوسط اليهودي يف‬
‫اجلزائر هو ليس وسط يف البلد العربية‪ .‬فتختلف هنا العادات و التقاليد و األوضاع النفسية‪ ،‬فهو يسميها بالفعالية‪،‬‬
‫<<‬
‫فالثـقافة إذا‬ ‫اليت يراها مالك بن نيب أهنا فقدت يف اجملتمـعات العـربية بسبب فقدان الصلت الثقافية فهو يقول‪:‬‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫ما تكـونت في مجتمع نشأت فيه تلقائيا شبكة الصالت الثقافية و تحدد فيه فعالية الفرد‬

‫فإن هذه العوامل املختلفة هي اليت تؤثر يف شخصية الفرد حبيث يعرب عنها مالك بن نيب بالثقافة حيث‬
‫<<‬
‫يقول على أنها هي الجو المتكون من العادات و التـقاليد و أذواق و إذا ما حلـلنا هـذه الكلمات فإننا مع‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪ .‬إذا االختـلف ميـكن يف ما حييـط بكل منهما‪،‬‬ ‫اعتبارنا لكل ما يطبع الشخصية في ظاهرها و باطنها‬
‫فالعلم واحد يبنهما والثقافة خمتلفة ألهنا هي اليت تشكل جوانب الشخصية فل جندها عند كليهما‪ ,‬و لكن ماذا‬
‫يضيف العلم و الثقافة يف الفرد؟‪.‬‬
‫<<‬
‫إن العلم يعطي المعرفة‪ ,‬إ نه يعطي اللياقة و المهارة و العلم يعطي امتالك القيم النفسية التي تولد‬ ‫جييب ‪:‬‬
‫>>(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫األشياء‬
‫<<‬
‫فالثقافة تعطي العلم و تعطي امتالك القيم اإلنسانية التي تخلق الحضارة‬ ‫و ماذا تعطي الثقافة أيضا ؟‬
‫>>(‪)4‬‬

‫حسب بن نيب ليسا مرتادفني‪ .‬ألن‬‫إذا إن الثقافة هي اليت تصنع العلم و تولده‪ ,‬و العلم هو ال يولد الثقافة و هبذا ْ‬
‫العلم وفق هذا يولد األشياء‪ ,‬يولد التقنية‪ ،‬يضـفي الطـابع العملي على املنتوجات العلمية و لكن الثقافة ‪ :‬هي القادرة‬
‫على امتلك مجيع القيم اليت تصنع يف األخري احلضارة اإلنسانية ‪.‬‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬تأملت‪,‬ص‪.171‬‬


‫)‪ )2‬نفسه‪ :‬ص‪.174‬‬
‫)‪ )3‬مالك بن نيب‪ :‬من أجل التغيري‪,‬ص‪.47‬‬
‫)‪ )4‬نفسه‪:‬ص‪.47‬‬

‫‪37‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و يضرب مالك بن نيب أمثلة على ذلك أن مثل الفيتنام املستعمرة مل تستطيع أن تواجه االستعمار اللربايل بالعلم‬
‫بل باإلدراك و الفهم الذي عرف معناه الفلح إىل أعلى شخص‪ ,‬و هكذا مل يستطع أيضا الشعب اجلزائري* احملتَل‬
‫املستعمر من بلدنا ليس خروجا‬‫ِ‬ ‫أن جيد خمرجا للستعمار الفرنـسي‪ ،‬إالا من خلل املعرفة الكاملة بضرورة خـروج‬
‫عسكريا بل خروجا نفسيا من أذهاننا و ذاواتنا هذا ما يريده بن نيب‪ .‬و ليست الفئة املتعلمة العلمية هي اليت أخرجت‬
‫االستعمار بل أخرجه الفلح و الطبيب و النجار و العجائز و الكهول‪.‬‬

‫و هي احلقيقة اليت نعيشها اليوم أن مشكلة الشعوب العربية أهنا أخفقت يف طرد االستعمار و بقيت تعيش حتت‬
‫وطأة االستعمار الثقايف الغريب‪ ،‬و هي اليوم تعيش أزمات بعد أزمـات و هذا ما نشـهده مثل يف الـيمن ليبيا‪ ,‬سوريا‬
‫>>(‪)1‬‬ ‫<<‬
‫فالثقافة هي اليت‬ ‫لم تكن القضية قضية إخفاق علم بل إخفاق ثقافة‬ ‫فهي كما يقول شاهد القرن‬
‫كون جمتمعا قويا بني مجيع عوامله الثلثة بني أشخاصه و أشيائه و أفكاره‪ ,‬فما نعانيه اليوم هو فصل بني هذه العوامل‬ ‫ت ا‬
‫اليت جعلت بني دولة واحدة تيارات سياسية تناقش يف مصري بلداهنا مع تيارات سياسة غربية بل أصبح اليوم أن العامل‬
‫الغريب وتياراته هم أوىل بنا يف بلداننا‪,‬فما هو احلل؟‪.‬‬
‫<<‬
‫في كل االوقات الصعبة في التاريخ‪ :‬الثـقافة هي التي تكون طوق النجاة للمجتمع‬ ‫جييب بن نيب بقوله‪:‬‬
‫>>‬
‫حين يتعرض لخطر الغرق (‪.)2‬‬

‫فالثقافة إذا هي املمر للنجاة من كل النكسات اليت تقع ألي شعب‪.‬‬

‫يضيف مالك بن نيب بني متييز للثقافة و العلم‪ ,‬إن العلم ال يتميز بالشخص بل هو موضوعي تغيب عنه الذاتية فهو‬
‫أي رجل العلم عاملا مراقبا لتغريات الظواهر و يراقب األشياء لكي يسيطر عليها و يعمل على جتميلها‪.‬‬

‫و لكن الثقافة هي أكثر و اكرب من ذلك فهي حسب شاهد القرن هي من ختلق اإلنسان و ختلق رجل العلم بل هي‬
‫<<‬
‫تلك النظرة الغزالي أو باسكال اللذين كانا يبحثان عن‬ ‫اليت جتعل اإلنسان يراقب ذاته قبل كل شيء فهي‬

‫* كلما يتكلم مالك بن نيب عن االستعمار إالا وذكر االستعمار الفرنسي باجلزائر و كلما ناقش فكرة معاصرة إالا و ضرب مثاال باجلزائر مما يدل على مدى‬
‫تعلقه لوطنه ‪.‬‬
‫)‪(1‬مالك بن نيب ‪ :‬من أجل التغبري‪,‬ص‪.44‬‬
‫)‪)2‬نفسه‪:‬ص‪.44‬‬

‫‪37‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تناسق بين عالم الظواهر و عالم الداخل‪ ,‬تلك هي النظرة التي تسمح لإلنسان أن يسيطر على ذاته‪ ,‬و أن‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫يسيطر على األشياء التي ابتدعتها عبقريته‬

‫إذا لقد ميز مالك بن نيب الثقافة و العلم و اعترب أن الثقافة هي أوثق صلة بالشخصية فهي اكرب من مجع‬
‫معلومات معينه‪ ,‬فهي نظرية سلوكية أكـ ثر منها معرفية فهي سلوكا و حميطا و شخصية وطباعا وذوقا و حركة و نغما‬
‫<<‬
‫إنه لمـن أولويات واجـبنا أن تعود الثقافة عندنا إلى مستواها‬ ‫و لونا ولكي تكون الثقافة هكذا يقر ين نيب أنه‪:‬‬
‫الحقيقي ولذلك يجب أن نحددها كعامل تاريخي لكي نفهمها‪ ,‬ثم كنظام تربوي تطبيقي لنشرها بين طبقات‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪ ,‬معىن هذا أن مالك بن نيب أراد من خلل هذا جيعل مفهوم الثقـافة مفهوما لكي نفهمها و نذكرها‬ ‫المجتمع‬
‫و نفسرها و حنللها وهذا ما حنتاجه فهناك من ال يفهم الثقافة بل ال يعرف حىت معناها‪ ,‬فعندما حندد الفهم الكامل‬
‫للثقافة كمفهوم‪ ,‬يسهل علينا فما بعد أن جنعلها و حنوهلا إىل عملية تركيبية ضرورية لتحقيق و تطبيق هذه األشياء اليت‬
‫منحنا إياها الفهم للثقافة‪.‬‬

‫وال نتسىن لنا هذا الفهم إال من خلل منهج حيدد لن ا طبيعة و حمددات هذا الفهم للثقافة‪ ،‬و هذا املنهج ربط فيه‬
‫مالك بن نيب بني الثقافة و التاريخ و الثقافة و الرتبية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬معنى الثقافة في التاريخ و التربية‬

‫ربط بن نيب الثقافة و التاريخ و جعل كل منهما مكمل لآلخر و بينهما علقة و ظيفية وجعل من الثقافة تارخيا‬
‫<<‬
‫ال يمكن لنا أن نتصور تاريخا بال ثقافة‪ ,‬فالشعب الذي يفقد ثقافته يفقد‬ ‫ومن التاريخ لثقافة فهو يقول‪:‬‬
‫>>(‪)3‬‬
‫فالثقافة هي من بداية آدم هي حميط بدأ اإلنسان للحرك بداخلنا بل هي تاريخ جمتمع متحضر‬ ‫حتما تاريخه‬
‫فهي الوسط الذي يشكل فيه مجيع خصائص اإلنسان و اجملتمع املتحضر‪ ،‬فهي معىن الكتلة اليت حتمل عادات‬
‫<<‬
‫بعبارة جامعة هي ما يعطي الحضارة سمتها الخاصة و‬ ‫وعبقريات و أذواق وعواطف فهي بلغة مالك بن نيب‪:‬‬
‫يحدد قطبيها‪ :‬من عقلية ابن خلدون و روحانية الغزالي أو عقلية ديكارت و روحانية جان دارك هذا‬
‫>>‬
‫(‪ ,)4‬فهي إذا كل ما يشكله احلداد و الفنان و الراعي و العامل و اإلمام و هبذا‬ ‫هو معنى الثقافة في التاريخ‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب ‪ :‬من أجل التغبري‪ ,‬ص‪.44‬‬


‫)‪ )2‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة‪ ,‬ص‪.131‬‬
‫)‪ )3‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪ ,‬ص‪.41‬‬
‫)‪ )4‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪ ,‬ص‪.44‬‬

‫‪37‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫يرتكب التاريخ و يُصنع‪ ,‬هذا معىن الثقافة يف التاريخ فهو كل ما يصنعه طبقات اجملتمع املختلفة عرب هذا التاريخ‬
‫اإلنساين‪.‬‬

‫و لقد أراد مالك بن نيب أن يسعى إىل أن جيعل الثقافة نظاما تربويا شامل لذلك أراد ان يربطها بالرتبية فما معىن‬
‫الثقافة يف الرتبية؟‪.‬‬

‫يتجلى معىن الثقافة يف الرتبية من خلل حتديد صياغة هـدفها‪ ,‬باعتبار أن الثقافة هي ليست علما خيص طبقة من‬
‫طبقات الشعب‪ ,‬بل إهنا دستور و قانون يفـرضه احلياة العـامة‪ ،‬فهي الطريق و املمـر الذي يعرب الناس إليه‪ ,‬فالثقافة‬
‫والرتبية جت مع بني راعي الغنم و العامل هذا اجلمع نقضي فيه مقتضات احلياة العامة‪ :‬ألن وظيفة الثقافة هي كالدم‬
‫<<‬
‫الثقافة هي ذلك الدم في جسم المجتمع يغذي‬ ‫الذي تغذي اجلسم فهي اليت تغذي اجملتمع حيث يقول‪:‬‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪ ,‬فالثقافة هي اليت تتدخل يف مجيع شؤون الفرد و خصوصياته و هي اليت تسعى إيل بناء جمتمع‬ ‫حضارته‬
‫وحضارته فهي وظيفتها تكمن يف بناء لكل من الفرد و اجملتمع ‪.‬‬

‫ومن خلل هذا نستنتج أن الثقافة تتحول إىل أسلوب حياة يف اجملتمع حبيث تسعى إىل التأثري على كافة أطياف‬
‫اجملتمع و هذا من خلل أن مالك بن نيب قد اشرتط أ ْن يرتبط الثقافة بفصوهلا و عناصرها لكي تصبح الثقافة‬
‫هي دستورا للمجتمع عرب عناصر الثقافة‪.‬‬

‫لذلك حدد مالك بن نيب عناصر أربعة للثقافة وفق برنامج تربوي و هو يتألف و يرتكب من عنصر األخلق‬
‫من أجل تكوين الصلت االجتمـاعية و الروابط االجتماعية‪ ,‬و عنصر اجلـمال من أجل تكـوين الذوق الـعام و‬
‫منطلق عملي من أجل حتديد أشكال النشاط العام و الفن التطبيقي املوائم لكل نوع من أنواع اجملتمع أو الصناعة‬
‫حسب التعبري اخللدوين ‪.‬‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪:‬ص‪.47‬‬

‫‪33‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ثالثا‪ :‬العناصر الثقافية و أثرها على القيم‬

‫أ‪ -‬التوجيه األخالقي‪:‬‬

‫لقد طرح مالك بن نيب مشكلة الثقافة وحدد مفهومها اللغوي التارخيي و االجتماعي‪ ،‬و كما قلنا سابقا الهتمه‬
‫الدراسة النظرية بقدر ما حياول بناء الثقافة على أسس ثقافية أوىل هذه العناصر الثقافية هو العنصر األخلقي‪.‬‬

‫و لقد إ هتم مالك بن نيب يف مشروعه الثقايف لعنصر األخلق‪ ،‬هذه األخرية هي سـلوك يتفاعل فيه الضمـير و‬
‫الفكر و العاطفة و اإلرادة و التنفيذ و العادة‪ ,‬و كل هذه تكون وحدة سلوكية أخالقية نعيشها في واقع الحياة‬
‫اليومية و طبيعة اختيارات األفراد و األمم ألنماط السـلوك هي ما يكون القيم لتلك األفراد و األمـم و هي ما‬
‫(‪)1‬‬
‫تعطي كل أمة طابعها األخالقي الخاص بها‪ ,‬الطابع الذي يميزها عن غيرها من األمم‪.‬‬

‫و لقد تناول مالك بن نيب فكرة األخلق يف إطار الدين أو ما يسميه ( بالفكرة الدينية) فالفكرة الدينية تصيح‬
‫مركزا أساسيا ألي بناء حضاري أو تفاعل حضاري‪ ,‬فالتفاعل عملية فكرية روحية تسمو بقيمها املطلقة فساهم يف‬
‫البناء و تدفع إىل األمام و إىل األعلى حىت إذا نزلت إىل مستوى املادة حتول التفاعل احلضاري إىل صدام‬
‫حضاري(‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬و دور األخلق عند‬ ‫وهلذا عُرفت األخلق عند ابن نيب بأهنا حمور النمو االجتماعي و الثقايف و االقتصادي‬
‫مالك بن نيب يف مشروعه كانـت من أجل تقـوية الروابط بني األفـراد اجملتمـع الواحد فهو يف ذلك يقول‪ <<:‬إن فعالية‬
‫>>(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫المجتمعات تزيد أو تنقص بقدر ما يزيد فيها تأثير المبدأ األخالقي أو ينتقص‬

‫هذا ما أراده مالك بن نيب من األخلق بأن ا يكون أداة عملية تعمل على ضبط النفسي و االتزان الشخص و‬
‫هي يف نفس الوقت هي جوهر الواقع‪ ،‬هو امليدان الذي حتيا فيه احلضارة و تنمو و تتقدم‪.‬‬

‫أما عن تأثري املبدأ األخلقي يف الثقافة فإنه يرى مالك بن نيب هو املقوم األساسي للثقافة فهو يأيت من السماء‬
‫ليوثق الصلة بني أفراد اجملتمع حبيث جيعلهم كالبنيان املرصوص يشد بعضه بعضا هذه الروح اخللقية هي منحة من‬
‫السماء إىل األرض تأتينا مع نزول األديان عندما تولد احلضارات‪.‬‬

‫)‪(1‬حممد فاضل اجلمايل‪ :‬حنو توحيد الفكر الرتبوي يف العامل اإلسلمي‪,‬ط‪,1‬الدار التونسية‪,‬تونس ‪,1143‬ص‪,177‬ص‪.174‬‬
‫)‪ )2‬امساعيل سامعي‪ :‬مالك بن نيب و الفقه احلضاري‪,‬دار اهلدى‪ ,‬اجلزائر ‪,3111‬ص‪.14‬‬
‫)‪ (3‬عبد اللطيف عبادة‪ :‬صفحات مشرقة من فكر مالك بن نيب‪,‬دار الشهاب ‪ ,‬اجلزائر‪,‬ص‪.111‬‬
‫)‪ )4‬مالك بن نيب‪ :‬تأملت ‪,‬ص‪.177‬‬

‫‪37‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫<<‬
‫و ألف بين‬ ‫و مهمتها يف اجملتمع ربط األفراد بعضهم ببعض كما يشري إىل ذلك القرآن الكرمي يف قوله تعاىل‬
‫>>‬
‫]سورة‬ ‫قلوبهم لو أنفقت ما في األرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم لكن اهلل ألف بينهم‪ ,‬إنه عزيز حكيم‬
‫األنفال‪.[12‬‬

‫فبهذا املبدأ مبثابة املؤشر النطلق احلضارة‪ ,‬و لذلك جند أن مالك بن نيب يربر لنا اثر هذا املبدأ األخلقي حىت يف‬
‫احلضارة الغربية حيث يقول‪<< :‬فان أكبر مصادر خطئنا في تقـدير المدينـة الغربية أنـنا ننظر إلى منتجاتها و‬
‫كأنها نتيجة علوم و فنون و صناعات‪ ,‬و ننسى أن هذه العلوم و الفنون و الصناعات ما كان لها أن توجد لوال‬
‫صالت اجتماعية خاصة‪ ,‬ال نتصور هذه الصناعات و الفنون بدونها‪ ,‬فهي األساس الخلقي الذي قام عليه‬
‫صرح المدينة الغربية من علوم و فنون‪ ,‬بحيث لو ألغينا ذلك األساس لسرى اإللغاء على جميع ما تشاهده‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪,‬فهذا القول يؤكد لنا أن احلضارة ما كان هلا أن تـقوم لوال هذا املبـدأ األخلقـي و‬ ‫اليوم من علوم و فنون‬
‫املظاهر املتعددة اليت تبني لنا العنصر األخـلقي مثل املـصنوع البـشري للراديو الذي كان نتيجة جملموعة من اجلهود‬
‫العلمية و الفنية كانت الروابط املعنوية دافعا له‪ ,‬عندها هؤالء العلماء "لهرتز" و "ماركوني" و غريهم فان أي مظهر‬
‫من مظاهر احلضارة الغربية يرجع إىل الرابط الديين الذي بعث إىل نشوء احلضارة‪.‬‬

‫و هبذا فإن الثقافة كلما كانت مرتبطة باالخلق كلما كانت اجيابية و كلما ركد اجلانب األخلقي ركدت الثقافة‬
‫<<‬
‫فاهنا ال ميكن أن تكون أسلوب حياة يف جمتمع إالا إذا ارتكزت على املبدأ األخلقي فهو يف هذا الصدد يقول‬
‫فإذا قررنا وجود هذا العنصر بوصـفه ضرروة منطـقية اجتماعية فإننا نكـون قد وضعنا فصال هاما من فصول‬
‫الثقافة >>(‪, )2‬وهو بذلك يقصد العنصر األخلقي‪.‬‬

‫فألخلق هي تركيب تربوي جلميع عناصر الثقايف وهي أوىل املقومات يف اخلطة الرتبوية ألي ثقافة‪.‬‬

‫إذا األخلق تعمل على بناء جمتمع مرتابط و متـماسك بني أفراده‪ ،‬و هي من أهم عناصر الثقافة اليت تعمل‬
‫على بعث احلضارة و قيام جمتمع متحضر يف مجيع امليادين فهو يقول<< قوة التماسك هذه جديرة بأن تؤلف لنا‬
‫>>(‪)3‬‬
‫‪,‬و ال ميكن ألي ثقافة أن تنهض بل و يبقى يف مسار الثقافات احلية إال ببعث القيم‬ ‫حضارتنا المنشودة‬
‫األخلقية اليت بدورها حتقق اللحمة االجتماعية بني أفراد اجملتمع الواحد ‪.‬‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬تأملت‪,‬ص‪.124‬‬


‫)‪ (2‬نفسه‪:‬ص‪.177‬‬
‫)‪ (3‬مالك بن نيب‪:‬مشكلة الثقافة‪,‬ص ‪.71‬‬

‫‪37‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫فنفهم أن العنصر األخلقي هو من حيدد الغايات و األهداف الدوافع ألي جمتمع و لكن َمن يطبع هذه‬
‫العلقات بصورة معينة و يعطيها ذوقا معينا ؟‪.‬‬

‫هنا التجأ شاهد القرن إىل لبنة ثانية من لبنات الثقافة و هو العنصر اجلمايل أو ما يسمى بالتوجيه اجلمايل‪.‬‬

‫ب ‪ -‬التوجيه الجمالي‪:‬‬

‫إذا كانت األخلق اعتبارها بن نيب إرادة القوة و هو يقول‪ <<:‬أرسي القرآن في ضمير المسلم تحديدا جوهريا‬
‫>>(‪)1‬‬
‫وهي الدافع القوي ألي نشاط أخلقي لتكوين عمل حضاري‪.‬‬ ‫إلرادة القوة‬

‫و اجلمال هبذا هو من يضيف للعمل األخلقي ذوقه‪ ،‬لكي ال يكون جافا فهو يقول << فبالبذوق الجميل الذي‬
‫ينطبـع فكر الفرد يجـد اإلنسان في نفسه نزوعـا إلى اإلحـسان في العـمل و توخـيا إلى الكريم من‬
‫العادات>>(‪. )2‬‬
‫<<‬
‫أن تمنحنا الثقافة قيما‬ ‫فإذا كانت األخلق قد مجعت فاجلمال يعطينا قيما مجالية هلذه العلقة فهو يقول‪:‬‬
‫جمالية إذ للمجتمع الذي تأسس و تكون يتطلب صورة و مظهر‪ ,‬يتطلب تنظيمه الشكلي من حيث ملبسه‪,‬‬
‫معاشه‪ ,‬ترتيب أشياء بيته>>(‪ )3‬وهكذا فان اجلمال هو من يضفي الطابع اجلمايل يف حياتنا فهو يساهم هبذا اجلمال‬
‫أن يكون جزءا من حل مشكلتنا اليومية‪,‬كما أن اإلسـلم مل يهـمل و مل يزهد هذا اجلانب ألننا نرى يف القرآن‬
‫>>‬
‫الكرمي يذكر اجلمال يف البغال فيقول املوىل عز وجل‪<<:‬و لكم فيها جماال حين تريحون و حين تسرحون‬
‫]النحل ‪ [11‬واجلمال هو من يضفي طابع املصلحة ال املنفعة يف احلياة و هو بذلك يقول << كلمة الجمال ليست‬
‫نفعية‪ ،‬الركوب مصلحي‪ ,‬فعندما يركب البغال و الحمير نقضي مصالحنا و لكن القرآن يبرز قيمة أخرى هي‬
‫>>(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫القيمة الجمالية‬

‫فالثقـافة إذا عليها أن تكـفل اجلانب الذوق اجلمـايل لكي تؤسس قيم ثقافية واجتماعية يعمل التاريخ على‬
‫تسجيلها و تدوينها ألن التاريخ عبارة عن مذكرة ألهـم احلركات و األفكار اليت يقدمها الفرد للمجتمع و بذلك‬
‫يكون الفرد حباجة إىل منطق عملي أو ما يسميه بن نيب بالفعالية ‪.‬‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب الفكرة اإلفريقية اآلسيوية‪ ,‬ترمجة عبد الصبور شاهني‪ ,‬دار الوعي اجلزائر‪ ,‬ط‪,3112, 1‬ص‪.323‬‬
‫)‪ (2‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪,‬ص‪.73‬‬
‫)‪ )3‬مالك بن نيب‪ :‬جمالس دمشق‪,‬دار الوعي‪,‬اجلزائر‪,‬ط‪,1‬ص‪.111‬‬
‫)‪ (4‬نفسه‪ :‬ص‪.111‬‬

‫‪78‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ج ‪ -‬المنطق العملي‪:‬‬

‫اجملتمع الذي حتققت فيه الوحدة نشأ يف الرباط بني أفراده وحتققت صورته اجلمالية و حتقق شكله فله حاجات‬
‫ضرورية و يومية تتحقق نشأة الفعالية‪ ,‬و املنطق العملي هو تركيب احلركات حسب نتيجتها مبعىن ربح الوقت و القيام‬
‫بأعظم األعمال يف أقل األوقات و أقل التكاليف‪ ,‬هذا يعين انه ال جمال للعبث بالوقت و حنن أحوج إليه اليوم يف‬
‫حياتنا‪ << :‬نحن أحوج ما نكون إلى هذا المنطق ألن العقل المجرد متوفر لدينا غير أن العقل المنطقي الذي‬
‫>>(‪)1‬‬
‫لذلك حنن اليوم نعيش عامل تنقصه الفعالية‬ ‫يتكون في جوهره من اإلرادة و االنتباه سيئ يكاد معدوما‬
‫واحلركية و هذا ما ي نقصنا يف سلوكنا االجتماعي‪ ،‬الذي هو جامد و خامد و ما يزيد اجلرح أن املثقف العريب ال‬
‫<<‬
‫إن‬ ‫يتحرك‪ ,‬فألن األفكار هي موجودة سواء يف املاضي أو احلاضر و لكن ماذا ينقصنا؟ جييب شاهد القرن ‪:‬‬
‫>>(‪)2‬‬
‫هذا لألسـف هو حالنا فاألفكار‬ ‫الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة و لكن منطق العمل و الحركة‬
‫تناقش و تعدم و حتيا و لكن الواقع العمل و احلركة لألسف هو نفسه بالرغم من أن الواقع هو أغين من كل فكرة أو‬
‫نظرية ألن الشعوب تعلم أنه إذا اختل املنطق العملي فهذا يؤدي إىل العبث (‪)3‬و العبث له داللة يف عمقنا‬
‫االجتماعي الذي عشناه يف املاضي و حنن نعيشه يف احلاضر و التاريخ مير لكي يذكر من كان شغله الشاغل إعمار‬
‫الوقت مبا يفيد األرض و الكون‪.‬‬

‫و إن املبادئ و العناصر الثقافية سـابقة الـ ذكر هي عبارة عن مفاهيم يف ذات اإلنسان وماهيته فهو أخلقي‬
‫و كائن مجايل و اجلمال بدوره حي رك اهلمم و حيقق شرط الفعالية اليت تعطي للفرد يف سلوكه حيوية و عمل‪ ،‬لكن‬
‫هذه العناصر الثقافية الثلثة هي مفاهيم وحدها يف عامل اإلنسان بني األخلقي و اجلمايل و العملي فكيف ميكن أن‬
‫ترتكب الثقافة ضمن هذه العناصر؟‪.‬‬

‫اقرتح مالك بن نيب لكي ال تكون أشياء جمرد فل زم من وسائل نضعها يف أيدينا و هذه الوسائل يعطينا إياها العلم‬
‫أو الصناعة حسب تعبري ابن خلدون و بذلك أضاف شاهد القرن عنصرا آخر هو الصناعة أو التقنية ‪.‬‬

‫د‪ -‬التوجيه الفني أو الصناعة‪:‬‬

‫)‪ (1‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪,‬ص‪.71‬‬


‫)‪ )2‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة‪,‬ص‪.174‬‬
‫(‪ )3‬مالك بن نيب‪ :‬جمالس دمشق‪,‬ص‪.111‬‬

‫‪78‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫<<‬
‫إن كـل الفـنون‬ ‫و هذا يعترب الشرط األخري يف بناء ثقافة مع اختلف املهن و الـوظائف حيث يقول‪:‬‬
‫>>(‪)1‬‬
‫و أن الصناعة هي اليت حتقق كسب‬ ‫و المهن و القدرات و تطبيقات العلوم تدخل في مفهوم الصناعة‬
‫العيش للفرد وهي اليت حتافظ على كيانه و استمراره لكي يستطيع أن يبين جمده و حضارته‪ ,‬و لكي حيقق الفرد هذا‬
‫اهلدف يقرتح شاهد القرن ضرورة إنشاء جملس للتوجيه الفين لكي يستطيع سد الفراغ املوجود يف اجملتمع ‪.‬‬

‫و ميكن أن نقول أنه لقيام ثقافة معينة يف جمتمع معني‪ :‬جيب أن تقوم علقات بني أفراد اجملتمع على أساس‬
‫أخلقي لكي حنقق معىن اإلرادة يف العمل و القوة فيه‪ ,‬و حتدد هذه الصورة فيه ذوق مجاليا حيددها بصورة سريعة ويف‬
‫وقت اقل املنطق العملي‪ ،‬و هو يف األخري هذا العمل يتطلب تطبيق جمموعة من الوسائل و اإلمكانيات املادية يوفرها‬
‫العلم و هي بالرتتيب ال وجود ألفضليه عنصر على آخر يقول‪ <<:‬أن الثقافة تشمل على أربعة فصول فصل‬
‫األخالق و فصل جمال و فصل منطق عملي وفصل علم‪>> )2(.‬و بطبيعة احلال أن لكل تقدمي على عنصر حتدد‬
‫اجتاه الثقافة و اجتاه احلضارة‪.‬‬

‫إالا أن إسقاط هذه العناصر على ارض الواقع يقر أن مالك بن نيب قد أكد أن احلضارة اإلسلمية ‪-‬و هذا ما‬
‫يهمنا‪ -‬قد انزلقت يف سيطرة العلم على أوضاع الثقافة هذا الوضع قد حييلنا إىل أزمة ثقافية <<فاألزمة إذا تولدت‬
‫>>(‪)3‬‬
‫فعندما جعلنا العلم ثقافة فإنه نعيش أزمة ثقافية و إذا عشنا أزمة ثقافية معىن‬ ‫ألننا تناولنا العلم على أنه ثقافة‬
‫هذا أننا نعيش أزمة حضارية يف كافة املستويات‪ .‬ألنه إذا كان االجتاه علمي للثقافة فإهنا تغيب األخلق و تغيب‬
‫الروح اليت هي احملركة لكل عمل إنساين و هذا ما نشاهده يف الواقع بداية انتشار ثقافية غاب فيها معىن األخلق مما‬
‫حييلنا بطبيعة احلال إىل القول بأن هناك ركود ثقايف ألن هناك ركود أخلقي مما يعين حضور أزمة الثقافية منطقيا‪.‬‬

‫وسنستخلص مما سبق أن املشروع الثقايف يف البناء احلضاري ملالك بن نيب ارتكز على جمموعة من املقومات‬
‫األساسية‪ ,‬حيث اإلنسان الذي هو منبع احلل وهو مفتاحه‪ ،‬فإذا شرع هذا اإلنسان يف العمل فقد انطلق مشروعه‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬مشكلة الثقافة‪,‬ص‪.77‬‬


‫)‪ )2‬مالك بن نيب‪ :‬تأملت‪,‬ص ‪.143‬‬
‫)‪ )3‬مالك بن نيب‪ :‬جمالس دمشق‪,‬ص‪.113‬‬

‫‪78‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫احلضاري‪ ,‬هذا اإلنسان حيتاج دائما إىل توجيها لكي يكون قوة إنسانية حضارية كي حيقق اهلدف االمسي عرب توجيها‬
‫جلميع أعماله و ثقافته‪.‬‬

‫و الثقافة هي عامل مفتوح حدده بن نيب بني عوامل ثلثة تتفاعل فيها مجيعا بني األشخاص و األفكار و األشياء‬
‫فكلما كانت هذه العوامل بينها تناسق و نظام كلما كانت الثقافة ثقافة ذو فاعلية‪ ,‬و كلما ارتفع عامل عن عامل آخر‬
‫حدث اضطراب‪ ،‬و كانت الثقافة مضطربة و لكن حدد مالك بن نيب مفهوما خاصة للثقافة ميزة عن باقي اجملتمعات‬
‫األخرى ألن مشكلة الثقافة عندنا هي ليست عند غرينا و احلل هو عند الذات البشرية ال عند اآلخر‪.‬‬

‫أعطى الفكر البنيوي للثقافة مفهوما ربطه باجلانب السلوكي العلمي أكثر منه املعريف ألن اجملتمع اليوم يف نظر بن‬
‫نيب حباجة للعمل و ليس للفكرة ألن األفكار موجودة فهو حيتاج إىل توجيه األفكار لكي يتغري العامل‪.‬‬

‫و لكي يتغري العامل و التاريخ حدد جمموعة من العناصر لكي نسعى إىل تطبيق الثقافة على أرض الواقع يف ظل‬
‫تعدد و تنوع القيم خصص أربعة عناصر تربوية لكي تكون هناك ثقافة واعية و هي تربية أخلقية اليت تعمل على‬
‫توجيه القيم إىل ضمري الفرد لتجعل منه طاقة روحية و حية يظهر مردودها يف افعاله و تصرفاته و من أجل تشكيل و‬
‫بناء شبكة العلقات االجتماعية اليت يف نظره قد اندثرت و اندثرت معها القيم و اصبحنا يف ما يعرف مبشكلة القيم‬
‫فحدد مالك بن نيب هذا العنصر األخلقي و أعطاه بعدا هاما يف نظرته الثقافية من أجل تبليغ رسالة و حتمل‬
‫مسؤولية العمل التاريخ الذي يعدد اجملتمع إىل حضارة مرة ثانية ‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬التوجيه األخالقي و الجمالي و إشكالية القيم‬

‫وإن احلديث عن املبدأ األخلقي جيرنا حتما إىل احلديث عن املبدأ اجلمايل فهو أساس من أسس املنهج الرتبوي‬
‫و إن أمهية هذه العلقة يف تركيبه الثقافة حتددها املعادلة التالية‪ :‬مبدأ أخالقي ‪ +‬ذوق جمالي = اتجاه الحضارة*‬
‫ولقد اعترب بن نيب أن هذه العلقة تقدم فيها جانب له علقة بالقيم حيث يقول‪ << :‬هذه العالقة تأتي في ترتيب‬
‫خاص يقدم أو يؤخر المبدأ األخالقي عـلى ذوق الجمـال في سلم القيم الثقافية‪ ,‬حتى تتكون نموذج معين من‬
‫المجتمع سببه هذا الترتيب>>(‪ .)1‬وإن أولوية عنصر على عنصر آخر و نقصد هنا املبدأ األخلقي و املبدأ‬

‫)‪)1‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة‪,‬ص ‪.147‬‬


‫دل إمنا يديل على مدى تكامل اجلانب املعريف ملالك بن‬
‫* إن املعادلة اجلربية اليت استنتجها مالك بن نيب تدل على مدى تعمقه يف الرياضيات ‪,‬و هذا إن ا‬
‫نيب و هذا ما يقودنا إىل القول مبدى علمية املنهج الفكري ملالك بن نيب‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫<<‬
‫فاألولوية التي تمثلها أحد المبدأين في تركيب‬ ‫اجلمايل حيدد طبيعة الثقافة بل اجتاه احلضارة حيث يقول‪:‬‬
‫الثقافة تحدد ذاتيتها كما تحدد به اتجاه عام للحضارة>>(‪.)1‬‬

‫و هذا حييلنا بطبيعة اجملتمعات إذا كان إجتاه للحكم فيه املبدأ األخلقي أو الذوق اجلمايل يكون هناك منوذجني‬
‫<<‬
‫نموذج يقوم فيه النشاط على الدوافع الجمالية و نموذج يقوم فيه النشاط على الدوافع‬ ‫من اجملتمع‬
‫األخالقية أوال >>(‪.)2‬‬

‫إذا أن االختلف القائم بني هذين يف اجملتمع ليس شكلي بقدر ما هو ضمين أو جوهري و هذا ما عرب عنه‬
‫<<‬
‫هذا االختالف األساسي ليس مجـرد اختالف شكـلي إنه يـؤدي إلى نتائج تـاريخية ذات‬ ‫شاهد القرن‪:‬‬
‫أهـمية كبيرة>>(‪ ,)3‬و هذا ما يؤكد بطبيعة احلال املاضي و احلاضر معا حبيث أن يف املاضي كان للجتاه األخلقي‬
‫دور يف بناء حضارة و مرحلة الروح و كان لألخـلق قـوة سامـية يف إبراز قوة الروحية لإلنسان يف القضاء على الغرائز‬
‫اليت وحتيل دون أداء اإلنسان رسالته‪.‬‬

‫و يضرب شاهد القرن مثاال أيضا من تاريخ احلضارات‪:‬‬

‫‪-1‬إن اجملتمع الغريب قد يعيش فنا و هو الفـن التصويـري الذي يقوم بتصـوير املرآة العارية نتيجة دوافع مجالية‪ ,‬يف حني‬
‫جيد خلف آثارا يف التصوير و هو ما شاهده اليوم يف متاحف احلضارة الغربية ألن القيم األخلقية جتعل الفنان يف‬
‫العامل اإلسلمي ال يطلق العنان للفنان بان حترك فيه مجيع ألوان اجلمال و خاصة املرآة العارية‪.‬‬

‫‪ -3‬اأما تطور امللبس يف اجملتمع الغريب قد انطلق من أجل أن يربز مجال املرآة يف جسدها ومظهرها ولكن تطور‬
‫ملبس املرآة يف اجملتمع اإلسلمي قد خيص مجال املرأة يف الشارع مثل ملية اللف‪.‬‬

‫و لكن القول هبذا املثال جيعلنا نقول أن املرأة حىت يف اجملتمع اإلسلمي أصبحت ذات اجتاه مجايل من أجل إبراز‬
‫مجاهلا‪ ,‬نظرا لغياب اإلخلف يف ثقافتنا و نقص نبض القيم األخلقية فنحن يف وضع مأساوي للقيم حبيث انقلبت‬
‫و أصبحت القيم اجلمالية هي اليت تتحكم يف القيم الثقافية‪.‬‬

‫و يعود هذا االختلف بني ثقافتني يف اجملتمع اإلسلمي و الغريب خيضع إىل العادات و التقاليد حبيث يعود هذا‬
‫<<‬
‫اإلختالف يعود األصول البعيدة فالثقافة الغربية قد ورثت الجمال من التراث‬ ‫حسب قوله‪:‬‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬تأملت‪,‬ص ‪.42‬‬


‫)‪ )2‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة‪,‬ص ‪.144‬‬
‫)‪ )3‬نفسه‪,‬ص ‪.144‬‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫اليوناني الروماني أما الثقافة اإلسالمية من ميراث وقادة األسماء من إبراهيم إلى محمد صلى اهلل عليه وسلم‬
‫>(‪ )1‬ويعترب مالك بن نيب أن كل ثقافة يتضمن قيم أخلقية و ذوق مجايل فهي يعرب عن عبقرية جمتمع معني‪ ،‬فهي‬
‫اليت حتدد حىت اجتاه يف التاريخ فما بالك باإلنتاجات العلمية و األدبية‪.‬‬

‫و لو نتأمل إىل واقعية العناصر الثقافية اليت حددها مالك بن نيب من أجل تكوين عامل ثقايف موحد يف ظل بروز‬
‫قيم هي ‪ :‬عدم التفكر يف اآلخر و التعصب للرأي و اإلسـتعمار بطرق جديـدة مثل العوملة‪ ،‬الشركات األجنبية و حىت‬
‫األفكار اليت تبدوا وحتمل مجاال يف ذاهتا مثل احلرية ‪ ,‬الدميقراطية‪ ,‬التواصل قد جعلها اليوم احلضارة الغربية بسبب إهنا‬
‫قدمت عنصر على حسـاب عنصر آخر وهو مثل قد حـددت حـىت العلقة بني اإلنـسان األوريب و اإلنسانية مجعاء‬
‫فنجد أن ظاهرة اإلستعمار كظاهرة ثقافية يدل على أن الثقافة الغربية وعندما نقول الثقافية الغربية نعين هبا العقل‬
‫الغريب قد حددت علقة اإلنسان األوريب باإلنسانية‪ ،‬و هذا تأثري بطبيعة احلال نتج على ترتيب القيم فتصبح القيم‬
‫األخلقية على حساب القيم اجلمالية مما يدعو ذلك إىل نشوء ثقافة قوة وسيطرة وهيمنة‪ ,‬و هو يقول يف هذا‬
‫الصدد ‪:‬‬

‫<< فكل ثقافة تسيطر هي في أساسها ثقافة تنمو فيها القيم الجمالية على حساب القيم األخالقية>>(‪ )2‬وهذه‬
‫النتيجة اليت توصل إليها بن نيب إثر تقدمي عنصر على آخر ألن له تأثري على جانب القيم‪ ،‬فنلحظ أن هذا التقدمي‬
‫قد تنج قيم جديدة و دخلنا يف إشكالية القيم بني األنا و اآلخر‪.‬‬

‫و هذا ما نلحظه يف حضاراتنا اليوم إن نعيش ثقافة يف الوطن الغريب ثقافة مغلوب على أمرها بلغة ابن خلدون‬
‫نظرا للقطبية بني عاملني يف اجلانب السياسي و اإلقتصادي و اإلجتماعي و الثقايف‪ ،‬القوى يف العامل الغريب‬
‫و الضعيف يف العامل املتخلف‪ ،‬فثقافة العامل هي الغريب هي الثقافة املسيطرة واملهيمنه تدعو إىل صدام مع اآلخر بل‬
‫والقضاء عليه‪ ،‬وهذا ما نعيشه يوميا نظرا لتقدم عنصر اجلمال يف الثقافة الغربية املعاصرة‪ ،‬ولكن ما هو هناية هذا‬
‫الثقافات اليت متنح األولوية اجلمالية على حساب القيم األخلقية ؟‬

‫جبيب شاهد القرن‪ <<:‬إن الثقافة تمنح األلوية لذوق الجمال تغذي حضارة تنتهي إلى فضيحة حمراء يقود‬
‫جنونها رجل مثل نبرون أو امرأة مثل سيتالين وذلك ألنها تسيطر عليها دوافع األنوثة >>(‪.)3‬‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة‪,‬ص ‪.144‬‬


‫)‪ )2‬نفسه‪:‬ص ‪.147‬‬
‫)‪ )3‬نفسه‪:‬ص ‪.147‬‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وهو يف الواقع أن هناك من يؤكد أن هناية هذه الثقافة حتما نظرا ألهنا مل تقم على أسس ثابتة وهذا ما جيعل دائما‬
‫املهتمون بالشأن الثقايف يؤكدون أن هناك ثقافة متوت و ثقافة تضمحل (الثقافة األيرانية‪,‬املاليزية) و إن تقدمي عنصر‬
‫األخلقي أيضا بل حساب امليادين األخرى خاصة الذوق اجلمايل مإذا يكون هناية هذه الثقافات؟ "إن الثقافة التي‬
‫تمنح األولوية للمبدأ األخالقي تكون حضارة مآلها التحجر و الجمود إلى فضيحة صامته سوداء"(‪ ,)1‬و هذا‬
‫ما يؤكده التاريخ البشري أ ان اجملتمعات قد عاشت مرحلة التصوف نظرا ألن ثقافيها قد ارتكزت على اجلانب خلقي‬
‫فقط وروحي يدعوا إىل االتصال باهلل و التفكري يف ذاته و الزهد يف الدنيا و الركود إىل جنه اآلخرة حسب تصرفهم‬
‫واعتقادهم‪ ,‬وهذا حىت حاليا فإن هناك ثقافات هي موجودة يف واقعنا بل يف جمتمعاتنا بل يف شوارعنا و معنا‬
‫يف مقاعد الدراسة و يف املرافق األكادميية من يدعوا إىل هذه الثقافة القائمة فقط على ركن أخلقي يف حني هناك‬
‫اليوم من يفكر يف العيش مبواقع أخرى فلم تكفه األرض ففكر يف السماء و هكذا ‪.‬‬

‫و إن تقدمي أو تأخري عنصر على عنصر آخر يف عامل الثقافة فإنه يؤثر يف عامل السياسة مما يؤدي إىل تأسيس‬
‫دميقراطية كمنهج سياسي جيعل من حرية الفرد هدفها و ذالك بدافع مجايل و دميقراطية تعمل على استبعاد اجملتمع‬
‫بدل الفرد وذالك وفق دافع أخلقي و هذا حسب مالك بن نيب ‪.‬‬

‫و عليه فإن موقف مالك بن نيب من مشكلة توجيه الثقافة يؤكد على ضرورة مراعاة مجيع االعتبارات وفق‬
‫ضروريات احلياة و مطالبها‪ ،‬علما أن لكل حضارة تواجه هذه العناصر الثقافية إالا أن االختلف يكمن<< تأثيرها‬
‫يختلف في الحياة و التاريخ بحسب ترتيبها على سلم القيم المصطلح عليها>>(‪ ,)2‬فإن تقدمي عنصر على‬
‫عنصر آخر فإنه سوف يؤثر على سلمة سلم القيم حبيث يدعوا بن نيب إىل توازن هذه العناصر لكي حيقق عامل ثقايف‬
‫يف ظل سلم القيم الذي يعرف اهتزازات يف ظل املستجدات اجلديدة حبيث أن لكل عنصر و أمهية ‪.‬‬

‫فمثل عنصر اجلمال ال جيب أن يبقى يف هياكل املسرح و املوسيقى و الشعر بل علينا أن نوجه نشاطنا اجلمايل حىت‬
‫يف طريقة زراعة البصل و الكرنب يف حني أن نأمل أن تكون حياتنا مجيعها لوحة مجيلة و أنشودة منغومة قصيدة‬
‫وحركة ونشاطا متناغما‪ ،‬وهبذا فإن أي خلل حيدث هذه العلقات و العناصر الثقافية فإنه تنهى إىل خلل و عندما‬
‫يكون هناك خلل يعين خلل حضاري و هذا ما ن شاهده اليوم من خلل لسبب ما آلت إليه الثقافة الغربية اليت تدعونا‬
‫إىل كثري من التأمل يف الوقت بدأت فيه احلضارة و الثقافة اإلسلمية حتدد منط ثقافتها فإننا علينا أن ندير جهاز‬
‫ثقايف للتحكم يف هذه العناصر األربعة ‪.‬‬

‫)‪ )1‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة‪,‬ص ‪.141‬‬


‫)‪ )2‬نفسه‪ :‬ص ‪.141‬‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ولكي ال نعيش يف عامل أصبحت للكلب محامات و فيها الناس ميوتون جوعا وهذا ما هو كائن يف اجملتمعات اليت‬
‫تصدر فيها اجلمال على شعور قوم و على ثقافتهم ‪.‬‬

‫بل ما ندعو إليه اليوم و يف ظل الوقـع الراهـن أن نـرتب عناصر الثقافة لكي ال نعيش ثقافة رقص و هرج و مرج‬
‫و هذا هو حال الثقافة لألسف‪ ,‬بل أنه يف بعض األحيان نندم عندما نتكلم عن وضع الثقافة يف بلدانا بل إنين‬
‫لعل اهلل حيدث أمرا يف هذه األوطان اليت حتاول بأن تنهض‬
‫حتصرت حزنا و أنا أتطرق إىل هذه النقطة بالذات و لكن ا‬
‫ا‬
‫بثقافتنا من وضع إىل وضع آخر يف حني ترصد األعني الثقافية الغربية اليت حكمت جبمال على القيم األخلقية مما‬
‫جعلنا اليوم نعيش بني ثقافة القوي و ثقافة الضعيف‪ ،‬مما جعل البعض يدعو إىل حوار بني الثقافيني أو إىل صدام بني‬
‫ثقافتني و هكذا ‪.‬‬

‫و لكي تعود ثقافة املسلم على املسلم أن يسأل نفسه‪ :‬أين بين قومي؟ لكي أربط بينهم صلة روحية و أخلقية‪.‬‬

‫أين مجال الكون؟ مجال الكون يف النفس فكن مجيل ترى الوجود مجيلا‪.‬‬

‫أبن مهنيت و عملي و أين كراميت؟ الكرامة يف العمل ‪.‬‬

‫يف حني أين وسائلي؟ فالوسائل هي يف اليد و العقل و القـلب لبنـاء حضـارة عاملية يسـعى إليها اجلميع‬
‫و ينشدها اإلنسانية مجعاء ‪.‬‬

‫و ال يسعنا إال أن نقول بأن عامل الثـقافة هو عامل وفق عناصر ثقافية مشلت األخلق واجلمال و العمل والتقنية‬
‫و أن أي تقدمي أو تأخري يف عنصر من هذه العناصر حييل إىل خـلل يف القيم و هذا يضعـنا أمام مـأزق وعـدة‬
‫من املشكلت ألنه حسب ابن نيب إذا عـشنا ثقافة من دون فكر أو فعالية ‪،‬فالفعالية و الفكر تغري الثقافة و الثقافة‬
‫من دون فكرة فهي ريشة و ترف التزن شيئ ا من موا زين التاريخ و الثقافة من دون فعالية فهي طريق أعمى حييلنا دون‬
‫التقدم ‪ ،‬فمىت سطعت األخلق و مدى كثر إشعاعها يف زمن العلم و التقنية جيعل ضمري الفرد حيا‪ ،‬مبا يضبط‬
‫طاقته احليوية و بوجهها حنو طاقات سـامية‪ ،‬وهو حبـاجة إىل مجال املـحيط وكلما زاد مجال احمليط زاد اخليال و اجلميل‬
‫عند األفراد‪.‬‬

‫املسلم اليوم هو حباجة إىل العقل التطبيقي الذي يعمل على تعليم الفرد كيف ينشئ املقاييس الصاحلة اليت مت اده‬
‫التجربة من أن ينشئ املقاييس الصاحلة‪ ،‬و اليت متكن من إصدار أحكام صحيحة و موضوعية على األشياء اليت‬
‫تتعامل وفقها و الصناعة اليت هي أساس تكتمل به الربنامج الرتبوي الثقايف و بذالك نكون قد أسستنا لعامل ثقايف‬
‫متعدد و متنوع حققنا فيه شبكة العلقات االجتماعية القاعة على التفاعل املنظم مع مجيع العوامل واألفكار‬

‫‪73‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫واألشخاص و األشياء وفقا لعنصر الفعالية اليت دائما الطاقة احليوية اليت جيب أن يتصف هبا اإلنسان و خاصة‬
‫اإلنسان العريب املسلم الذي هو اليوم يعيش ثقافه االستسلم للواقع‪ ,‬و هذا حتما يؤدي بنا إىل العيش من دون‬
‫كـرامة ألن الكـرامة اليوم هي ليست أصالة‪ ,‬وليست معاصرة ‪،‬أو دين أو حوار‪ ,‬أو فلسفة ‪،‬أو علم‪ ,‬بقدر ما هي يف‬
‫كـلـمـتني‪ :‬ثـق ـ ـافة عـم ـل ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المبحث الثاني‪ِ :‬سمات الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬

‫انتهينا يف املبحث السابق أن مالك بن نـيب قـد حـدد عـامل الثقافـة يف ضـوء م ـسألة القـيم و أكـد علـى ضـرورة تنـاغم‬
‫و انســجام هــذه العناصــر الثقافيــة لكــي حيقــق لنــا فعاليــة املســلم و حركتيــه و إهــتم بضــرورة املبــدأ األخلقــي لصــنع ثقافـة‬
‫تنسجم مع املنطق اجلمايل و املنطق العملـي لتكشـف مجيـع الـوس ـائل العمليـة لنجـاح املشـروع الثقـايف‪ ,‬ألنـه و كمـا يـري‬
‫شاهد القرن أن عامل الثقافة إذا حقق الرتابط الوظيفي بني عناصره فإنـه سـوف حيقـق لنـا يف سـلوك املسـلم تغيـريا و ثـورة‬
‫نفســية علــى مجيـع ملمــح الضــعف الــذي أصــاب إنســان مــا بعــد املوحــدين و يتفاعــل مــع مجيــع الصــعوبات الــيت تواجــه‬
‫يف هذه احلياة‪.‬‬

‫و لكن هذا ما يأمله شاهد القرن و يتمنـاه‪ ,‬إالا أن مالـك بـن نـيب يتطـرق يف خمتلـف كتاباتـه ألهـم السـمات املرضـية‬
‫املنتشرة يف الثقافة العربية اإلسـلمية الراهنـة ‪ ،‬و يعـرض أهـم االنعكاسـات السـلبية علـى سـلوك الفـرد وعلـى نظـام احليـاة‬
‫يف اجملتمع‪ ,‬املرتتبة يف ختلخل العامل الثقايف‪.‬‬

‫و إن من بني السمات الثقافة اإلسلمية املعاصرة اليت ذكرها ابن نيب‪ ,‬يف مشروعه احلضاري هي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬اللفظية‬

‫هــي ميــزة تــدل علــى اســتخدام تلــك األلفــا الرنانــة و علــى الثرثــرة و يف احلــديث‪ ,‬و ذلــك علــى حســاب الكلمــة‬
‫دائما العمل و السلوك‪ ,‬و كأن ابن نـيب دائمـ ا يركـز علـى أمهيـة التطبيـق و‬
‫املعربة عن الفكرة‪ ,‬و عندما نقول الفكر تعين ا‬
‫الرتمجة العملية أكثر من اللغوية و األدبية‪.‬‬

‫هذه الظاهرة املرضية هي السمة اليت يراها مالك بن نيب تطبع ثقافة جمتمع ما بعد املوحدين اليـوم لدرجـة أفرغـت معهـا‬
‫الكلمــات م ــن مض ــامينها و ص ـارت اللغ ــة أداة ومهيــة‪ ,‬يف ح ــني أن الثقاف ــة الغربي ــة الي ــوم تق ــوم عل ــى اللغ ــة ك ــأداة فعلي ــة‬
‫لتواصــل و ل ـرتابط‪ ,‬إذا أصــبحت أحكــام اإلنســان علــى األشــياء أحكــام ســطحية أضــعفت قدرتــه عــل تقــدير التصــحيح‬
‫(‪)1‬‬
‫لألمور ‪.‬‬

‫(‪)8‬‬
‫حممد بغداد باي‪,‬الرتبية و احلضارة‪ ,‬عامل األفكار‪,‬ط‪ ,8883 ,8‬اجلزائر‪ ,‬ص ‪.77‬‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و يف هذا الصدد يقول مالك بن نيب ‪ << :‬و الغرام بالكلمات أخطر من الغرام بالمعدن أو الرخام أو‬
‫الحجر‪ ,‬فهو يؤدي أوال و قبل كل شيء إلى أن يفقد اإلنسان حاسة تقدير األمور على وجهها‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الصحيح‪ ,‬و هو أمر ضروري لكل جهد ايجابي من أجل البناء‬

‫الصعيد الصحايف جند أن الصحافة تعاين‬ ‫الصدد أمثلة متعددة فعلى سبيل املثال يف ا‬‫و يورد مالك بن نيب يف هذا ا‬
‫يف متجيد القادة و الزعماء مبا يفوق طبيعة البشر ‪ ،‬بأن نطـلق العديد من املـواصفات كالـزعيم و اجملـاهـد و اجلليل‪ ,‬و‬
‫إن هذه السمة لإلشارة هي موجودة حىت يف ثقافاتنا اليوم و أصبحت مرضا خطرا تتسم به القنوات اإلعلمية اليوم‪.‬‬

‫اأما على مستوى املؤسسات التعليمية فلطاملا طغى جانب احلقائق النظرية املكتسبة من الكتب على اجلانب‬
‫التطبيقي وهذا حىت يف املواد الطبيعية املتعلقة بالتجريب املتوفرة أدواهتا‪ ,‬كدراسة تراكيب األدوية مثل ‪ :‬الحظ بن نيب‬
‫بأن احملاضر كان جيهد نفسه يف وصفه إحدى النباتات من الكتب ومل يُكلف نفسه عناء قطف النبتة املوجودة خلف‬
‫النافذة ليقدم صورة حياة عن املوضوع الذي هو صدد شرحه لطلبه ‪ ،‬وهذا هو حال مدارسنا اليوم تفتقد إىل دراسة‬
‫فاعلية حتول املفهوم إىل السلوك‪.‬‬

‫و فما خيص الدين فإن الفقه بقي يف مواضع بعيدة عن اجلانب الواقعي ‪ ،‬يقول ابن نيب ‪ (( :‬وفي هذه المرحلة‬
‫أيضا ال يهتم أحد بالمشكالت الواقعية‪ ,‬كما كان يفعل أئمة الفقه اإلسالمي‪ ,‬بل يكون االهتمام منصبا على‬
‫مشكالت خيالية على ما كان عليه فقهاء عصر االنحطاط‪ ,‬حيث لم يعودوا يكبون على المشكالت التي‬
‫يثيرها نمو المجتمع بل على حاالت <<خيالية محضة>> كالبـحث في جنـس المالئكة أو كالتوضؤ من وطء‬
‫(‪)2‬‬
‫البهيمة)) ‪ ,‬وهذه هي اليوم هي الثقافة السائدة إلنسان اجملتمع الثالث اليت استفحلت فيه هذه األمراض حبيث‬
‫>>‬ ‫<<‬
‫‪.‬‬ ‫تلقن الناس مفاهيم و معايير دون أن تتحول مدلوالتها إلى أنماط سلوكية‬ ‫جند أن هذه األفواه‬

‫ثانيا‪ :‬الفخر و المديح‬

‫تعترب أيضا هذا نوع من األمراض الذي أصاب الثقافة اإلسلمية نظرا لتحطم و انفصال الفكر والضمري‪ ,‬حبيث‬
‫تتخذ هذا املرض كآلية دفاعية‪ ,‬حيركها مركب النقص الذي يعيشه إنسان ما بعد املوحدين حيث يقول ‪((:‬فحين‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب ‪ :‬وجهة العامل اإلسلمي‪,‬ص‪.77‬‬


‫(‪ )8‬مالك بن نيب ‪ :‬ميلد اجملتمع‪,‬ص‪.77‬‬

‫‪78‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫اتجهت الثقافة إلى امتداح الماضي أصبحت أثرية‪ ,‬ال يتـجه العمل الفكري فيها إلى األمام بل ينتكس إلى‬
‫الوراء و كان هذا االتجاه الناكص المسرف سببا في انقطاع التعـليم كله بـطابع دارس ال يتفق و مقتضـيات‬
‫الحاضر و المستقبل‪ ,‬و بذلك أصيبت األفكار بظاهرة التشبث بالماضي‪ ,‬كأنما قد أصبحت متنفسا له))‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ .‬حبيث أصبح هذا املرض يعاين منه النخبة املثقفة حبيث هناك من بقي ميدح املاضي و يبكي عليه يف حني أبعد‬
‫طرحه العلمي يف حل مشاكل الناس ‪ ،‬و استدراك احلقائق و اكتشاف مواطن املرض و اخللل و هذا هو دور املثقف‬
‫يف هذا الزمن الذي انطوى الكل عن الداء و املرض و بقوا يف غيبوبة أفكارهم‪.‬‬

‫و ما يدل عن الشلل الفكري قولنا "إننا كاملون" فهذا ا ستنتاج قياسي نظري و مفهوم جمرد مندح به هذا الدين‬
‫حنن اليوم حباجة إىل سؤال كيف نطبق و نفعل املفـاهيم الكـاملة يف الدين اإلسلمي مبا خيدم حال الفرد و األمة؟‬
‫فاحلقيقة اليت حنتاجها هي العملية اليت تصبح حقيقة ذو فاعلية و مؤثرة يف اجملتمع‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الجدل و التبرير‬

‫السمة أقول أن هذه السمـة اليت ذكرها بن نيب يف طرحه احلضاري كلها تسقط اليوم على‬
‫قبل أن أعرف هذه ِّ‬
‫الراهنة بالرغم من أن فكر بن نيب هو يف القرن العشرين ‪ ,‬هذا يعين بأننا يف حاجة إىل ضخ دماء جديدة إىل‬
‫ثقافتنا ا‬
‫عامل ثقافتنا يف ضوء املشـكلت الراهنـة‪ ,‬و اجلدل هو كثرة الكلم و هي نزعة سفسطائية ال تقود إىل َح ْل نتائج‬
‫جديدة فهي كلم فارغ حبيث ال يقود هذا الكل م إىل هنضة اجملتمع ألننا و حنن يف هذا الزمن لسنا حباجة إىل هذا‬
‫<<‬
‫النوع من اجلدل‪ :‬إن اللحظة تفرض أن نسد أذننا و خصوصا أنوفنا حتى ال نشم رائحة هذا النفاق‪ ,‬يجب‬
‫أن نفرض الصمت و التأمل و العـمل ألنه لـيس لديـنا من الوقت لِنسـْ ِمع ثرثرة اآلخرين و خصوصا ثرثرتنا ‪ .‬في‬
‫>>(‪)2‬‬
‫ألنه هذا ما وقع فيه‬ ‫الحقيقة إذا كان الصمت من ذهب قبل المأساة فأنه اليوم من الذهب المصفى‬
‫الكثري من يرون أنفسهم أ اهنم مثقفون كثرة الكـلم و التربير حبجج و براهني وهي ال تغرب من الواقع احلـايل بـل إنين‬
‫أجزم بأن ما وقع اليوم للدول العربية من خـراب و دمـار هو من كثـرة اجلـدال و الكلم و التربير!!! َويعترب بن نيب أن‬
‫هذه األساليب اإلصلحية اليت تنتهجها الدعاة هي أساليب دفاعية كما فعل "جمال الدين األفغاني" و "أحمد‬
‫رضا" و "الكواكبي" حبيث جند أن هذه املناهج هي فعلا مناهج تربر أن اإلسلم هو دين احلق‪.‬‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب ‪:‬وجهة العامل اإلسلمي ‪,‬ص ‪.78‬‬


‫(‪ )8‬مالك بن نيب ‪:‬بني الرشاد و التية‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬دمشق‪,‬ط‪,8737 ,8‬ص‪.888‬‬

‫‪78‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫يف حني أننا حنتاج إىل الشروط الواقعية و األساسية اليت حتقق مشروع هنضوي ثقايف فعلي و يؤكد على حرب‬
‫<<‬
‫للمثقفين و المنظرين العرب من دعاة اإلصالح و التغيير سواء منهم ذو المرجعية اإلسالمية الفكرية‬
‫القديمة من األصوليين و السلفيين أو ذو المرجعية الحديثة من العلمانيين و الديمقراطيين الليبراليين أو‬
‫يحاول تحقيق مشاريعه بواسطة الكالم و الخيال أي بطريقة سحرية‬ ‫الماركسيين إذ أن كل منه‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪ .‬و هذا أيضا ما يفعله حىت دعاة الدميقراطية يف الوطن العريب أهنم ادخلوا اجملتمعات يف حالة‬ ‫مثيولوجية‬
‫الفوضى و استعملوا اللغة للتعويض عن احلل وهذا ما فعله أنصار الربيع العريب الذين سخروا أنفسهم بلغتهم إىل هدم‬
‫هذه األوطان ‪ ,‬و هذه يف القيم السائدة جدال وكلم يف غياب الفعالية و صدق هذه احللول‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الذرية‬

‫و هي أيضا نوع آخر أصاب إنسان ما بعد املوحـدين حبيـث هي تعـين عدم القدرة على ْإد َراَك األشياء و‬
‫األحداث اليت جتري يف هذا الواقع يف صورة كلية شاملة تربط بني مجيع الصـلت بعيـدا عن النظرة اجلزئية و‬
‫االنفصالية ‪ ،‬األمر الذي يصبح معه إصدار أي حكم صحيح على الواقع مستحيلا إذ حتول الذرية عندئذ بني العقل‬
‫و تتبع الفكرة و حركتها املنطقية‪.‬‬

‫السمة هي اليت متيز الواقع الثقايف الراهن حيث أصبح عقل املسلم اليوم ال يرى‬‫حبيث يرى بن نيب أن هذه ِّ‬
‫>>(‪)2‬‬ ‫<<‬
‫‪ ,‬و هـذا َما‬ ‫املشاكل إالا اليت يستطيع ملسها فقط إن طريقتنا في الفهم تعد لمسـِية بدل أن تكون عقلية‬
‫ِ‬
‫الغايات‪.‬‬ ‫جيعلنا نبتعد عن اهلدف و الوسائل و‬

‫خامسا‪ :‬التعالم‬

‫و هو املصطلح الذي أطلقه على النخبة يف اجملتمع العريب واإلسلمي‪ ,‬و أعتربها هي من أهم السمات اليت‬
‫متيزت هبا الثقافة يف الوطن العريب حبيث أداء العلم و املعرفة‪ ,‬ويرجع شاهد القرن إىل ظهور هذه الفئة إىل الثقافة‬
‫>>‬ ‫<<‬
‫‪ ,‬و هؤالء املتعاملون‬ ‫إن ثقافتنا لم تنتج سوى حرفيين ُمنبثين في صفوف شعب أمي‬ ‫العربية حيث يقول‪:‬‬
‫مل يعيشوا ُمهوم أمتهم بل جعلوا العلم طرق من أجل الظهور يف أماكن بارزة بل و جعلوه آلة للعيش ‪.‬‬

‫(‪ )8‬علي حرب‪:‬نقد النص ‪ ,‬املركز الثقايف العريب‪ ,‬بريوت‪ ,‬ط‪ ,8777 ,8‬ص‪.877‬‬
‫املستعمرة‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬دمشق‪ ,‬سوريا‪ ,8777‬ط‪ ,8‬ص‪.88‬‬
‫َ‬ ‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬الصراع الفكري يف البلد‬

‫‪78‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و من هذه املعاينة يؤكد شاهد القرن أن هذا املرض هو مرض عضـال أكثـر خطرا من مرض اجلهل واألمية‪ ,‬ألن‬
‫عقل املريض مل يتعلم العلم من أجل أن جيعله ضمـريا فعـاالا بل آلة للـعيش و سلمـا نصعد به إىل مناصب الربملان و‬
‫إن كلم هذا املتعامل هي هتتهة تتمثل فيها شيخوخة و داء عضال فهو الصيب املزمن(‪. )1‬‬

‫هبذا نعترب أن مشكلة الثقافة جيب عليها أن تزيل هذا املـرض الذي أفـشى لنا قيم عكرت اجلو و حالت بني و بني‬
‫طرق النهضة لذالك يدعونا شاهد القرن إىل جمتمع بكافة أطيافه من األعلى إىل األسفل لبناء ثقافته تربوية يف ظل‬
‫مسألة القيم اليت تدعونا دائما إىل تربية األنظمة السياسية و أخلقة العمل الثقايف‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬االضطراب الفكري و السلوكي‬

‫يعطي ابن نيب ميزةا أخرى يف ثقافة إنسان العامل الثالث وهي كنتيجة للتقاطب املزدوج الذي ترتمجه العقلية‬
‫السلوكية املتناقضة لدى الفرد‪.‬‬
‫املزدوجة و االستجابات ُ‬
‫السلوكي إىل اتصال املسلم املعاصر باحلضارة الغربية املعاصرة فهو أما متشبث‬
‫حبيث جنده يرجع هذا االضطراب ُ‬
‫وإما منسـلخ عنـه و متعـلق بالثقافة الغربية و ما أنتجت ‪ ,‬و‬
‫خلص‪ ,‬ا‬
‫ْ‬ ‫برتابه القدمي ُكلي ا و اعتبارهِ الوسيلة الوحيدة للـ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫اختاذها مقياسا ال بديل عنه للتقدم‬

‫وهذا االضطراب هو دافع الشباب البوم إىل التـطرف الفكـري وبسهـولة امتصـاصهم الجتاهات خمتلفة و‬
‫إيديولوجية لغياب الوعي‪ ,‬حبيث جند أن معظم الشباب اليوم هو واقع يف مأزق فكري للمتاهات الفكرية اليت يعيشها‬
‫دل هذا إمنا يدل عن عدم و جود تناغم ثقايف‬
‫الشباب املسلم فأحدهم سلفي متشدد و البعض اآلخر جهادي إن ا‬
‫يف اجملتمع و غياب عوامل الـثقافة و إنفـصاهلا مما أدى إىل بروز قيم أخلقية مرضية سببها اضطراب فكري و ُسلوكي‬
‫ناجم عن ثقافة هزيلة لعقل إنسان ما بعد املوحدين‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬القابلية لالستعمار‬

‫إن إنكفاف القيم و بروز الشيئية مبعىن طغيان الشيء على عامل األفكار ‪ ,‬واختلط النسيج الثقايف ‪ ,‬و علل‬
‫الشبكات االجتماعية‪ ,‬و الذرية مع غياب فاعلية املثقف الواعي كل هذه السمات اأدى إىل بروز سلبيات متوارثة‬
‫جيل بعد جيل حبيث جعلت هذه السمات تعشش يف أحضان اجملتمع ‪ ,‬هذه هي الوضعية اليت آل إليها جمتمع ما‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة‪ ,‬ص‪.887‬‬


‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬فكرة كومنولث إسلمي‪ ,‬مكتبة عمار‪ ,‬القاهرة‪,‬ط‪ ,8738, 8‬ص‪.78.78‬‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫بعد املوحدين ‪ ،‬هذه هي السلبيات أطلق عليها مالك بن نيب بالقابلية للستعمار ‪ ,‬هذه هي مسة و مصطلح بارز‬
‫وصفه إىل حالة إنسان العامل الثالث فهو مصطلح تارخيي يعرب عن كل معاين السلبية و كل‬‫ِ‬
‫اشتهر به شاهد القرن ل ْ‬
‫حاالت النفسية و الذهنية إلنسان ما بعد املوحدين مشحونة بالعقد اليت حتول دون التطور‪.‬‬

‫و يؤكد علماء التاريخ و املهتمون بالشأن التارخيي أن أي حضارة ال تنهار من اخلارج بل من الداخل فهي تتآكل‬
‫هي نفسها و متوت من الداخل لكي يُسهل على االستعمار دخوهلا‪.‬‬

‫و نفس الفكرة يؤكد "أرنولد توينبي" أن العدو اخلارجي البد له أن يرتكب أشد املكر يف تسديد الضربة القاضية‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫لشعب يقدم على اجناز حمقق‬

‫فالقابلية للستعمار حددت السمات العامة للسلوكيات و للثقافة و لألفكار يف اجملتمع فهي اليت حددت‬
‫وضعية الشعب الستقبال االستعمار فهذه الصفات جعلت الشعوب غنيمة سهلة للستعمار ولكن ما مدى بقاء‬
‫املستعمرة ؟‪.‬‬
‫َ‬ ‫هذه القابلية للستعمار اليوم يف حني ان االستعمار قد خرج من البلد‬

‫إننا أثناء اإلجابة عن هذا السؤال جند أنفسنا أننا حباجة إىل املرحلة التارخيية ‪ ,‬حبيث جند أن املستقرئ حلركة‬
‫االستعمار جيد أن االستعمار قد أدرك جيدا اخلصائص النفسية و االجتماعية و العقلية اليت ميزت جمتمعات العامل‬
‫الثالث و أدرك جيدا حىت شعور هذه الشعوب حنو دينها و قضاياها املصريية ‪ ،‬فحني جند أن اجملتمعات قد ختلصت‬
‫من االستعمار إالا أن روح االستعمار مل تربح عقول أفرادهم و ثقافتهم ألن البعض قد جيد أن مالك بن نيب قد كان‬
‫خمطئ يف وصفه مثلا للشعب اجلزائري بأنه قابل للستعمار وهو بقي يناضل من أجل حترير بلده ولكن حسب مالك‬
‫بن نيب ليس وجود عسكري بل هو وجود نفسي و سيكولوجي يف أذهانـنا فإذا أخرجناه من نفوسـنا فانه خيرج ال‬
‫حمـالة من أرضنا‪ ,‬لذالك جند أن االستعمار اليوم هو يف شكل جديد مقنع لكي يتحكم يف شعوب العامل سياسي ا‬
‫واقتصادي ا وثقافي ا‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حبيث تعترب الدراسات أن هذا املفهوم مازال قائما إىل حد اليوم يف صورة "القابـلية للتبعية" ‪ ,‬التبعية للغرب يف‬
‫كل شيء‪ ,‬فهو مثل يريد منا بطالة لكي حيصل منها يد عاملة يستعملها يف ما حبب هو‪.‬‬

‫ويريد منا إحنطاَطا يف األخلق لكي تشيع الرذيلة‪.‬‬

‫ويريد منا ساس اة والسياسة لتفريق األمة و تقسيم اجملتمع‪.‬‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬القضايا الكربى‪ ,‬دار الوعي‪ ,‬اجلزائر‪,‬ط‪, 8887 ,8‬ص‪.78‬‬
‫(‪ )8‬سلوى بن جديد‪ :‬مفهوم التبعية عند مالك بن نيب‪,‬رسالة ماجستري‪,‬غرب مشورة جامعة اجلزائر‪,‬السنة اجلامعية‪.8777-8777‬‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و يريد منا مثقفا يركن لكل خطاب‪ ,‬يتباهى مبعرفته ينقد فقط و ال يعطي البديل و احلل ‪.‬‬

‫حبيث أصبح ي تصرف هو يف كل مواقفنا الوطنية و القومية وما التحالف ضد النظام اللييب إال دليل على ذالك و‬
‫هذا ما تعيشه اليوم دول العامل الثالث من فوضى سياسية وأخلقية و اقتصادية و أزمة قيم ‪ ،‬ألننا مل خنرج‬
‫ودمرنا فهل نعي؟‬
‫االستعمار من ذاتنا فدرسنا هو ا‬
‫إذا إن االستعمار بقى معششا يف ذواتنا نظرا ألن الصفات السلبية مازالت تعصف هبذا اإلنسان الذي لألسف‬
‫أهنكته كل هذه األمراض خاصة الثقافية فأصبحنا نقوهلا و لألسف نعيش حتت كلمات من ساسة لدول غربية لعلها‬
‫تفرج مهومنا وخترجنا من واقعنا األليم يف حني جند أن بعض املثقفني من مازال ينتقد األحاديث للبخاري أقول عن‬
‫هذا أن االاستعمار قد درس نفسية املثقف فجعله يعيش هم أحاديث البخاري و مل يغري واقعه ‪.‬‬
‫جند أيضا بعض األحزاب السياسية هي اليوم تصارع على كراسي السلطة تنتقد الرئيس و سياسة وهم ال يدرون‬
‫بأن هذه األعمال هي لغة مالك بن نيب بوليتيك أكثر منها عمل سياسي منظم و هـكذا يرتاجع اجملتمع إىل اخللف و‬
‫من مث ينتكس وأي انتكاسة و حنن نعيش ثقافة هلدم الوطن ال لبنائه!‪.‬‬

‫ولكن إن الناظر إىل مفهوم القابلية للستعمار الذي وصفه شاهد القرن للعامل الثالث جند فيه أن مالك بن نيب مل‬
‫يضع هذا املفهوم يف سياقه التارخيي فلوا نقف مثل يف تاريخ املاضي جند أن الشعوب املستعمرة رفضت االستعمار‬
‫ردا على االستعمار فنجد أن‬
‫رفض ا مطلق ا و دليلنا على ذالك الثورات العسكـرية الذي قـام هبا مـثل الشعب اجلـزائري ا‬
‫هذه الصفة جيب أن ترفع عن هذا الشعب الذي استعمل القوة النفسية و العسكرية اليت أدت به إىل نيل استقلل‬
‫هذا يقودنا إىل أن مالك بن نيب يبدوا أنه غري موضوعي يف وصفه للشعوب أهنا قابلة للستعمار خاصة الشعوب اليت‬
‫قاومت االحتلل بشىت أنواعه و لقد جتاهل مالك بن نيب فكرة هامة و هي "نظرية المؤامرة"‪ ,‬و ما حيدث يف الدول‬
‫العربية من ثورات و تدخل الغرب يف هذا الشأن إالا داللة على ذالك و من أراد أن يفهم األمر جيدا عليه بقراءة‬
‫كتاب "برتوكوالت حكماء صهيون " و ليدرس التاريخ جيدا حىت يتبني له حجم حقد الغرب على العرب‪.‬‬

‫و لكن بعد حتليلنا لعنصر القابلية للستعمار الذي مجع كل السلبيات و السمات الثقافية املعاصرة اليت أجنبت‬
‫قيم وأفكار قاتلة و لإلشارة فقط أن هناك مسات ثقافية أخرى و لكن ركزنا على بعض منها ألمهيتها‪ ,‬و ألننا ال نريد‬
‫أن نرى العجب من هذه الثقافة!!‬

‫هذه الثقافة اليت حتمل العجب يف محلها هلذا األمراض و السلبيات اليت هي مسة ملزمة لإلنسان املسلم و لثقافته‬
‫و لكن هل ميكن إزالة هذه السمات املرضية لبناء ثقافة إسلمية معاصرة تقف أمام كل املعارك احلالية ؟‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪:‬الحلول العالجية لبناء الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫المبحث الثالث‬


‫يف ظل السمات املرضية اليت متيزت به الثقافة اإلسلمية املعاصرة و انعكاساهتا على مسألة القيم حبيث خلقت لنا‬
‫أزمة قيم حقيقة يف ضمري اإلنسان املسلم بغياب ا الروح األخلقية و هدم لشبكة العلقات االجتماعية إالا أن املفكر‬
‫شاهد القرن مل يقف مكتوف األيدي أمام هذه املعوقات بل إناه اقرتح جمموعة من احللول للخروج من هذه اآلفات‬
‫اليت خلقت لنا ُسلوك جعلنا نبقى يف ظلمات التخلف و التدهور و من هذه احللول نبدأ ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬إعادة تشكيل شبكة العالقات االجتماعية‬

‫ال وجود يف جمتمع لعامل األفكار و ال لعامل األشياء إال بوجود عامل األشخاص‪ ,‬فعامل األشخاص الذي نعرب عنه‬
‫يطورمها ‪ ,‬كما أناه ميثل القاعدة‬
‫شبكة العلقات االجتماعية يف وسط ثقايف ما هو الذي بوجود هذين العاملني و ا‬
‫الروحية تكون‬
‫الصلبة اليت تنطلق منها كل عمل تارخيي مشرتك ‪ ,‬و على قدر ما تكون هذه الشبكة متصلة مبربراهتا ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫متاسك خيوطها الن العلقة االجتماعية هي يف ظل العلقات الروحية و يكون مردودها النشاط املشرتك مرتفعا‬

‫و من أجل إعادة بناء هذا العامل يركز بن نيب على عملية تكييف اإلنسان املسلم اجتماعيا‪ ,‬حبيث تصبح كل‬
‫تصرفاته و انعكاساته غري منافية للنزعة االجتماعية‪ ,‬ألنه يرى أن عامل الثقافة قد يعيش انفصاال بني عوامله و هذا ما‬
‫هو موجود حاليا فإننا نعيش ثقافة بعيدة كل البعد عن النزعة االجتماعية ‪ ،‬هذه النزعة اليت تعمل على إحياء سلطة‬
‫الضمير لتوجيه غايات اإلنسان إىل تبليغ الرسالة العاملية‪ ,‬إذ أ اهنا تساهم يف تقديم النوع اإلنساني‪ ,‬يضهر هنا يف‬
‫حديث مالك بن نيب أنه ركز على شبكة العلقات اإلجتماعـية لكنـنا اليوم أمام معطيات جديدة تتمثل يف تطور‬
‫وسائل اإلعلم و اإلتصال و اليت فتت شبكة العل قات اإلجتماعية خاصة منها العامل اإلفرتاضي الذي أصبح و هم‬
‫يعيش فيه الفرد املسلم متجاهلا عامله احلقيقي‪ ,‬كما أنه العامل اإلفرتاضي تسبب يف نفاذ األفكار اهلدامة إلينا فنحن‬
‫مطالبون بإعادة هيكلة الفرد مع هذه املعطيات اجلديدة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تقديم الواجب على الحق‬

‫إن الثقافة اليت نعيشها اليوم هي معظمها يغلب عليها املطالبة باحلقوق أكثر من الواجبات و إن تغيري الواقع يعين‬
‫<<‬
‫تغيري الثقافة حيث يقول‪ :‬إن التغيير بصورة عملية في الواقع الذي يتمثل في النموذج االجتماعي‬
‫اآلفروآسيوي‪ ,‬و في المنظر اإلنساني من طنجة إلى جاكرتا ‪ ,‬و لكن كل واقع اجتماعي في جذوره هو قيمة‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬ميلد اجملتمع ‪,‬ص‪.83‬‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫>>(‪)1‬‬
‫‪,‬ألنه أي تفكري حسب بن نيب علينا أن نعود إىل جذوره األوىل للقضاء عليه‬ ‫ثقافية محققة في واقع اإلنسان‬
‫فمجتمعاتنا تعيش حتت أزمة البحث عن احلقوق‪ ,‬إالا أن مالك بن نيب يعترب أن الواجب من ميزات اإلنسان املتحضر‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الذي يرقى فوق درجة نوعه ‪ ,‬و يتضمن الواجب فكريت ‪ :‬التكييف الفردي و المسؤولية الجماعية ‪.‬‬

‫و الواجب عند شاهد القرن ال يفهم مبعزل عن احلق‪ ,‬حبيث نشاهد اإلنسان املعاصر اليوم مييل إىل املطالبة‬
‫باحلقوق ‪ ،‬وهذا راجع إىل احلالة النفسية اليت متيزه حبيث جتعل منه فردا يفتقد العمل املشرتك حبيث يصبح كل فرد‬
‫<<‬
‫أما المجتمع الذي يرتفع و ينمو فإن ذالك يعني أن لديه رصيدا من الواجبات‬ ‫يعمل فقط حلسابه اخلاص‪,‬‬
‫>>(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫فائضا على الحقوق‬

‫لذا فهو يؤكد يف مشروعه احلضاري على ثقافة الواجب من أجل تنمية الشعور باملسؤولية حبيث حتقق هذا مصلحة‬
‫العامة اليت ترجع هذا العامل الثقايف وفق ثقافة يرتكز على روح الواجبات‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬إعادة المكانة للوقت و التُراب‬

‫الوقت و الرتاب من بني العناصر اليت تدخل يف تركيب احلضارة ‪ ,‬فمىت كان نشاط اإلنسان َهادف ا و فعاالا كان‬
‫هلذين العنصرين قيمته حتددها‪ ,‬حبيث اعترب بن نيب الثقافة اليت جيب أن تكون عليها ثقافة حمور طنجة إىل جاكرتا أن‬
‫<<‬
‫إن الثرثرة تكثر كلما قل النشاط و الحركة‪ ,‬إذ حينما يسود الكالم‬ ‫تكون ثقافة هتتم بالوقت حبيث يرى ‪:‬‬
‫>>(‪)5‬‬
‫‪,‬من اجل عدم إضاعة الوقت‪.‬‬ ‫يبطئ الحركة‬

‫هلذا حرص بن نيب إىل إعادة اعتبار هلـذين العاملـني و ذالك عن طريق الرتبية اليت تسعى إىل إشعار الفرد‬
‫و اجملتمع معا بقيمتها االجتماعية و النفسية املتمثلني يف بيان أمهية إصلح الرتاب و التخطيط له‪.‬‬

‫يعطي بن نيب حل لتثبيت فكرة الزمن حبيث إننا إذا أراد الفرد ان يثبت فكرة الزمن أن خيصص الفرد عملا‬
‫يف نصف ساعة من كل يوم من اجل أداء واجب معني تقوم به يف ظل اجملتمع حبيث جند أنه لو أن كل إنسان‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬فكرة األفريقية اآلسيوية‪ ,‬ص‪.878-878‬‬


‫(‪ )8‬علي القريشي‪ :‬التغري اإلجتماعي عند مالك بن نيب‪ ,‬الزهراء لإلعلم العريب‪ ,‬القاهرة‪,‬ط‪, 8777 ,8‬ص‪.877‬‬
‫(‪ )7‬إبراهيم عاص‪ :‬حوار مالك بن نيب‪ ,‬مركز الرتبية اإلسلمية‪ ,‬دار لسا‪ ,‬ط‪ , 8‬دون تاريخ ‪,‬ص‪.83‬‬
‫(‪ )7‬مالك بن نيب‪ :‬تأملت ‪,‬ص‪.78‬‬
‫(‪ )7‬مالك بن نيب‪ :‬فكرة األفريقية اآلسيوية‪,8887 ,‬ص‪.77‬‬

‫‪73‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫(‪)1‬‬
‫منتوجا حضارياا يَدوياا و عقلياا و روحياا من أجل أن يطيع على أسلوب احلياة فنجده‬
‫استغل من وقته لكان احلصاد ا‬
‫فتكون بناء ثقافة هتتم بالوقت و تعطى الرتاب فـاعليـة و حركية للخروج من‬
‫يف سلوك اجملتمع و سلوك يطمع به الفرد ا‬
‫حالة السكون‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬التخلص من القابلية لالستعمار‬

‫هذه السمة اخلطرية اليت يتميز هبا اإلنسان ما بعد املوحدين هذه القابلية يف طريقة اإلنتاج و االستهلك وألن هذه‬
‫<<‬
‫تبعية االسـتهالك هي أن يستهلك ما ينتجون الغرب و تبعية‬ ‫السمة هلا أهدافا ختدم اآلخر حيث يقول بن نيب‪:‬‬
‫>>(‪)2‬‬
‫وهذه السمة‬ ‫اإلنتاج أن ننتج على شاكلة ما ينتجون دون مراعاة الحتياجاتك الخاصة و ظروفك المحلية‬
‫يف اجلانب االقتصادي حبيث جند أن العامل الثالث مولع بالغالب حبيث جند املغلوب على أمره يقلد يف مأكله و‬
‫مشربه و أمناط تفكريه‪ ,‬حبيث يعترب مالك بن نيب أن التبعية الثقافية هي أخطر من التبعية االقتصادية ألن التبعية‬
‫االقتصادية ال نستطيع اخلروج منها إال بثقافة واعية مثلما فعلت الصني يف ثورهتا مع روسيا وهكذا فعلت أملانيا بعد‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫احلرب العاملية الثانية إرادة قوية و استخدام كافة اإلرادات و اإلمكانات لتحقيق اإلقلع احلضاري‬

‫و ال ميكن التخلص من التبعية الثقافية إالا عن طريق وعي الذات ملرجعيات الفكرية والعقائدية‪ ,‬و هكذا فان‬
‫طريق االستقللية احلقة و النهوض تبدأ بالعمل على العمل البناء باألفكار الفعالة و العمل وفق التجديد و روح‬
‫املثابرة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬تصفية الثقافة من جملة اآلفات‬

‫إن اللفظية و التربيرية هي و اجلدلية‪ ,‬و الرومانسية و التعامل و الذرية هي من مجلة من اخلصائص اليت متيزت هبا‬
‫الثقافة اإلسلمية املعاصرة ‪ ،‬حبيث أصبحت متتاز أسلوب احلياة و تطبع ُسلوك األفراد يف اجملتمع اإلسلمي الذي فقد‬
‫تردي الوقع العام للمجتمع و ليست سبباا فيه‪.‬‬
‫مربرات حتضره‪ ,‬و على الرغم من أن هذه السلبيات تعد نتيجة ا‬

‫حبيث يؤكد مالك بن نيب أنه من أجل تكوين عامل ثقايف يصر على ضرورة تصفية عاداتنا و تقاليدنا من هذه‬
‫املميزات اليت انطبعت هبا ثقافتنا فنحن حنتاج اليوم إىل ثقافة حتمل صفات متلك من الفعالية و القدرة على جتاوز‬
‫مجيع املشكلت الراهنة و عدم االنبهار باأللفا و حماولة السباق على تأسيس مصطلح و إبتكار مفهوم‪ ,‬وهذا ما‬

‫(‪ )8‬حممد بغدادي‪ :‬الرتبة واحلضارة‪,‬ص‪.877‬‬


‫(‪ )8‬إبراهيم عاص‪ :‬حوار مالك بن نيب‪ ,‬ص‪.87‬‬
‫(‪ )7‬نفسه‪ :‬ص‪.87‬‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫بقيت به الفلسفة العربية يف حني بقي الفرد يعاين من ويلت االستعمار ‪ ,‬يف حني جند أن الثقافة الغربية محلت مجلة‬
‫واحدة "أنا أفكر إذن أنا موجود" فقلـب الوجود فعلا و بقينا حنن نتفلسف حول مواضيع ال تسمن و ال تغين من‬
‫جوع منها ‪ :‬هل العقل العريب موجود؟ هل حنتاج إىل أصالة أم معاصرة؟‪ ....‬و هكذا من املواضيع اللفظية البعيدة عن‬
‫الواقع املعاش‪ .‬اأما عن التربيرية فان الثقافة اليوم هي حتمل مجلة من أدلة للتربير فقط على أمور يف حني أن مجيع‬
‫املناهج اليت يدعوا إىل التغيري هي دفاعية و جـدالية أكثر منها حتـمل يف طياهتا األدلة فقط‪ ,‬يف حني أن املسلم اليوم‬
‫حيتاج إىل منهج تنبثق فيه الفكرة الدينية من روح التجريد إىل ضرورة العمل السلوكي الواقعي‪.‬‬

‫و إذا قلنا الثقافة متتاز بأن النخبة اليت حيمل لوائها هي ثقافة سطحية غري متغلغلة يف األغوار لكون أن مثقفيها‬
‫اخلاصة و جعلوا من‬
‫هم محلة لواء الكلمة فقط و إن كانت الكلمة لكان احلال أفضل‪ ,‬بل إهنم يعـملون مصاحلهم ا‬
‫شعارا لذالك كان سهلا على املعسكر الغريب بأن يدخل بلداننا بأيدينا و أيدي مثقفينا فهل ندرك‬ ‫العلم فقط ا‬
‫األمر؟‪.‬‬
‫لذالك على الثقافة أن تتخلص من كوهنا معرفة إىل كوهنا قيمة أخلقية حيي هبا املثقف و حيقق هبا دوره الفعال‬
‫<<‬
‫أن المشكلة هي ليست في أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها و إنما المهم‬ ‫يف جانب العقيدة حبيث يقول‬
‫أن نرد لهذه العقيدة فاعليتها وإشعاعها االجتماعي‪ ,‬ليس المطلوب منا أن نبرهن للمسلم على وجود اهلل بل‬
‫>>(‪)1‬‬
‫وهذا هو دور املسلم يف ضوء أزمة‬ ‫مطلوب منا أن نشعره بوجوده و نمأل نفسه باعتباره مصدرا للطاقة‬
‫القيم الن املسلم اليوم هو يعيش فراغ ُروحي لطغيان اجلانب املادي على حياتنا الواقعية و غياب الفكرة الدينية اليت‬
‫تضفي على اجملتمع متاسكه و ترابطه فاإلنسان اليوم حيتاج إىل ما من يفعل هذه العقيدة األخلقية لكي خيلق عامل‬
‫ثقايف متناغم بني عوامل الثقافة عامل األشخاص و عامل األفكار و عامل األشياء‪.‬‬

‫حبيث يؤكد شاهد القرن على أمهية الدين سواء يف اجلانب الفردي و الشخصي‪ ,‬ويف تنظيم الطاقات حيث‬
‫<<‬
‫يدخل الدين ُمباشرة في الشخصية التي تكون األنا الواعية في الفرد و في تنظيم الطاقة الحيوية التي‬ ‫يقول‪:‬‬
‫تضعها الغرائز في خدمة هذه األنا لدى الفرد و كان النشاط لدى الفرد سببا في وجود النشاط المشترك‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪ ,‬وهبذا يؤكد على ضرورة تفعيل الثقافة للدين كونه‪ ,‬مفعلا اجتماعيا جلميع العلقات اإلنسانية‪.‬‬ ‫خالل التاريخ‬

‫و هبذا عندما تكون الثقافة ذو صبغة حتمل فاعلية فإهنا سوف تنعش اجملتمع بقيم جديدة على غرار هذه القيم اليت‬
‫فقدت الفاعلية لإلنسان ‪.‬‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬وجهة العامل اإلسلمي ‪,‬ص‪.77‬‬


‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬ميلد اجملتمع ‪,‬ص‪.38‬‬

‫‪77‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫سادسا‪ :‬التوجيه العملي و اإلقتصادي‬

‫يؤكد شاهد القرن أنه ال ميكن أن ينجح املشروع الثقايف إال من خلل توجيه العمل و رأس املال‪.‬‬
‫>>(‪)1‬‬ ‫<<‬
‫‪ ,‬و هذا كنشاط يتولد‬ ‫العمل وحده هو الذي يخط مصير األشياء في اإلطار االجتماعي‬ ‫حبيث يعترب‬
‫من تفاعل اإلنسان مع الزمن و الرتاب ويربط بدوافع هذا اإلنسان و أهدافه هلذا كان العمل عند مالك بن نيب ميثل‬
‫حلقات اإلنسان‪.‬و يتضمن مفهوم العمل عند مالك بن نيب معنيني‪ :‬معىن تربوي و معىن َك ْسبيا و ميكن املعىن الرتبوي‬
‫يف بيان أمهية يف جمتمع ال يزال بداية يف التكوين‪ ,‬و معىن الكـسيب يعىن أن لكـل جهد يستحـق أجرا و يرتجم هذا‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫املدلول أن فكرة الواجب تساوي احلق‬
‫<<‬
‫إن توجه العمل في‬ ‫و إن توجيه العمل حيقق لنا اللحمة االجتماعية بني أفراد اجملتمع حيث يقول مالك بن نيب ‪:‬‬
‫ِ >>(‪)3‬‬
‫‪ ,‬وكل طوائف اجملتمع حتقق‬ ‫مرحلة التكوين االجتماعي بعامة تعني سير الجهود الجماعية في اتجاه واحد‬
‫لنا جهودا فالراعي و الفلح ‪ ,‬و صاحب احلرفة و التاجر و الطالب و املثقف و البناء و العامل كل هؤالء حيققون لنا‬
‫لبنة جديدة يف طريق النهضة‪.‬‬

‫و كل عمل _مهما كان نوعه_ حيقق لنا تطورا فغرس شـجرة و إزالة األذى عن الطـريق و نظافة شوارعنا و ملء‬
‫أوقات فراغنا يف مساعدة اآلخرين عمل وهكذا و لكن يتم هذا إالا من خلل التوجيه املنطقي للعمل كشرط عام‬
‫أوالا مث كوسيلة عيش بعد ذالك إعادة االعتبار ليد اإلنسان يف عامل األشياء إذ أن له تأثريا على فكره و بالنتيجة على‬
‫حميطه‪.‬‬

‫و هبذا جند أنه عندما تتحرك اليد فإهنا تصنع املعجزات و مىت ركدت اليد و نامت تنام معها األعمال وبذالك‬
‫حتيا ثقافة الكسل و اخلمول كما هو منتشر اليوم بثقافاتنا‪ ,‬و أنه حسب بن نيب أنه مىت كان توجيه ا للعمل و للثقافة‬
‫وجهنا أفكارنا و أعمالنا مىت حققنا عامل‬
‫مىت يعيش اإلنسان يف جو من الكـرامة‪ ,‬ألن اليوم _ كمـا قلنا سـابقا_ مىت ا‬
‫الراهنة‪.‬‬
‫ثقايف متناغم يقف أمام املشكلت ا‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهظة ‪,‬ص‪.878‬‬


‫(‪ )8‬حممد بغداد باي‪ :‬الرتبية واحلضارة‪,‬ص‪878,878‬‬
‫(‪ )7‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة ‪,‬ص‪.877‬‬

‫‪888‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و يفرق مالك بن نيب بني مفهومي الثروة و رأس املال حيث جند أن الكثري من الناس اليوم خيلط بني هذين‬
‫املفهومني‪ ,‬فمفهوم الثروة ُمرتبط بطبيعة املال الذي هو عند اإلنسان و هو املال الساكن‪ ,‬بينما يربط مفهوم رأس املال‬
‫(‪)1‬‬
‫بطبيعة املال املتحرك يف اجملتمع املتقدم‪ ,‬وهو ميثل قوة ممولة فيه ‪.‬‬

‫َو إذ تعرفنا الثروة يف اجملتمعات املتخلفة على من يكسبها فإننا يف الدول املتقدمة ال نتعرف على أصحاب‬
‫رؤوس األموال بقدر ما نتعرف على أصحاب مصانع و العقارات و مؤسسات اقتصادية‪ ,‬و بذالك ينتقل رؤوس‬
‫األموال لكي تشكل لنا حركة اقتصادية يف اجملتمع مما يؤدي على القضاء على كافة املشاكل االجتماعية‪ ,‬فمالك بن‬
‫نيب أقرتح رؤية اقتصادية فعالة يتمثل يف التخطيط الذي تشرف عليه الدولة من أجل بناء حياة اقتصادية ناجحة‬
‫تقضي على كافة األموال احملتكرة يف أيدي قليلة لكي ال ختلق الطبقية يف اجملتمع‪ ,‬حبيث جند اليوم أن هناك فئة من‬
‫تتحكم يف رؤوس األموال حبيث جند أن الشعب البسيط يبحث عن لقمة العيش لكي حيقق هبا بقائه يف حني ينعم‬
‫البعض بأمواهلم ِممَا يق ضى على روح التعاون و القيم اإلنسانية و هذا هو حال األمة اليوم يقول‪ :‬فالقضية إنما‬
‫<<‬

‫هي قضية منهاج يحدد لنا تخطيطا مناسبا تنبني عليه حياتنا االقتصادية‪ ,‬و ال يكون فيه التركيز رؤوس األموال‬
‫في أيدي فئة قليلة‪ ,‬تشغل السواد األكبر من الشعب‪ ,‬بل يجب أن يتوفر فيه إسهام الشعب مهما كان فقيرا و‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫بذالك يتم التعادل بين طبقات المجتمع و تنسجم مصلحة الجماعة مع مصلحة الفرد‬

‫و يؤكد و يلح مالك بن نيب على ضرورة تكوين جملس من أجل عملية التوجيه الثروة لكي حيقق لنا رؤوس‬
‫أموال خدمة األهداف االقتصادية‪ ,‬ألن ما نلحظه اليوم من وقوع بلدان يف مشاكل اقتصادية هو ناتج بطبيعة احلال‬
‫من عدم توجيه الثورة يف خدمة مصاحل األفراد و هذا ما جنده على سبيل الـمثال يف اجلزائر ‪ ,‬فالثروة متوفرة و لكن‬
‫التخطيط العقلين الرشيد لتكييف هذه الثروة غري موجود مما جعلنا يبقى يف ظل التخلف و تسلطه‪.‬‬

‫و بطبيعة احلال فإن هذا التوجيه الثلثي اليوم بني ثقافة ختلق الفعالية و حترك اإلنسان يف أعماله لكي خيلق لنا‬
‫جوا من التحكم بثروتنا ورؤوس أموالنا و هذه حتقق لنا التنمية املنشودة و خترجه من ظلمات عصر املوحدين و ختلق‬ ‫ا‬
‫لنا إنسان قد حقق عامل ثقايف متناغم يتجاوز فيه املشكلت الراهنة خاصة مع طغيان القيم السلبية كطغيان املادة و‬
‫ظهور الطبقية و بروز االحتكار و إستغلل الضعفاء‪ ,‬فمىت وجهت الثقافة و العمل و رأس املال حقق‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة ‪,‬ص‪.877‬‬


‫(‪ )8‬نفسه ‪:‬ص‪.837‬‬

‫‪888‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫<<‬
‫و بهذا التوجيه الذي يسير متضافرا مع توجيه الثقافة و توجيه العمل يكون الفرد‬ ‫اإلنسان شروطه اللزمة‪,‬‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫قد أستكمل الشروط الالزمة لتشييد حضارة تطابق إطاره الخاص‬

‫إذا نستخلص بأن هذه احللول العلجية اليت قدمها مالك بن نيب من أجل علج األمراض و املورثات السلبية‬
‫لإلنسان ما بعد املوحديـن فإن هذه األهداف كلها هتـدف إىل تنبـيه الوعي و شحذ اإلرادة‪ ,‬و خلق الفعالية و إيقا‬
‫الضمري‪ ,‬و حتريك األيدي و العضلت حبيث تصل هذه الشروط الفعالية لدى إنسان ما بعد املوحدين وتصل‬
‫اإلنسان إىل عجلة التاريخ و جدليته الصاعدة اليت ال تعرف إالا باإلنسان الفعال‪ ,‬املتحرك‪ ,‬العامل‪.‬‬

‫و هبذا العملية يستكمل اإلنسان املسلم ما أمره خالقه بأن يكون فردا مستخلفا يف هذه األمراض من أجل‬
‫حتقيق بقائه و حتقيق مربرات و جوده‪ ,‬و لكن ما هي الوسائل العملية لتحقيق هذه الغاية؟‬

‫جييب شاهد القرن‪ (( :‬هي ثالثة عناصر اليد و القلب و العقل ألن كل الطاقات االجتماعية تنطلق منها‪ ,‬فكل‬
‫طاقه اجتماعية تصدرها من دوافع القلب و من مسوغات وتوجيهات العقل و من حركات األعضاء‪ ,‬فكل‬
‫نشاط اجتماعي مركب من هذه العناصر و الفاعلية يكون أقوى في الوسط الذي تُنتج أقوى الدوافع و أقوى‬
‫(‪)2‬‬
‫التوجيهات و أنشط الحركات)) ‪ ,‬أي فكر هـذا ينادي بضرورة تفعيل ثلثة عناصر اليد و القلب و العقل من‬
‫أجل بناء نشاط إنساين ُمتكامل‪.‬‬

‫و هذا ما يؤكده أعمال علماء اآلثار الذين أثبتوا العلقة بني اليد و العقل ‪ :‬فكلما حتركت اليد وعملت حرصت‬
‫العقل على االبتكار‪ ,‬و نضيف هنا تدخل الضمري الذي يدفع اليد كي تتحرك و توجه ابتكارات العقل فيما يفيد‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلنسانية و ال يضرها و هذا الضمري يستمد مقوماته من عقيدة الفرد اليت يؤمن هبا ‪.‬‬

‫فإن شاهد القرن هو يؤكد على ضرورة أن تكون أعمال اإلنسـان و مبتكراته وفقا ملا يقره الضمري اإلنساين و أنه‬
‫مىت حتركت اليد و نشطت حنرك العقل و انفجر و خلق املعجزات مبا يفيد اإلنسانية‪.‬‬

‫و لكن املتأمل اليوم جي د أن العامل العريب و الغريب جيد فوضى يف مجع امليادين السياسية و الثقافية و االقتصادية‬
‫وخاصة العامل العريب فمالك بن نيب يوجه رسالته املعرفية اليت جتمع بني اليد و العقل و القلب للعامل الغريب لكي ال‬
‫خيلق سلبية ‪ ،‬ألن املتأمل اليوم جيد أن مجيع املشكلت الراهنة هي بسبب انفلت العقل من الضمري و تسلحه فقط‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة ‪,‬ص‪.837‬‬


‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬تأملت ‪ ,‬ص‪.77‬‬
‫(‪ )7‬حممد بغداد باي ‪ :‬الرتبية واحلضارة‪,‬ص‪.878‬‬

‫‪888‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫مبا حيقق غاياته‪ ,‬و يب قى اإلنسان املسلم يسعى لتحقق وجوده من مأكل و مشرب و ملجأ ألن هذه الرسالة املعرفية‬
‫هي تصح للعامل الغريب و لكي ال نقع يف الثرثرة الفلسـفية يبقى املسلم اليوم أوىل عمل له بأن يتخلص من مجيع‬
‫األفكار امليتة و األفكار املميتة و خيلق جو من األفكار اليت حتمل الفعالية يف كل جوانبها لكي تتخلص من هذه‬
‫املورثات السلبية و خيلق جو من القيـم السامية اليت تـدعوا لبنـاء حضـارة عاملية رسـالتها التعايش و الوفاق و بالرغم من‬
‫أن مالك بن نيب قد سلح مجيع الشروط و العوامل من اجل القضاء على مجيع األمراض اليت تعاين منها اإلنسان‬
‫كربطه مثل بني السياسة و الثقافة و جعل من السياسة مهمة لتوجيه الطاقات االجتماعية لتحقق بناء اجملتمع‬
‫والثقافة هي توجيه الطاقات الفردية‪ ,‬و التوفيق بني الثقافة و السياسة يتحقق عن طريق الفرد ألنه هو العنصر الواعي‬
‫(‪)1‬‬
‫املوجه للطاقات االجتماعية ‪.‬‬

‫و التخلص مثل من التقليد األعمى للغرب و حماولة اقتحام أفكارهم يف حل مشاكلنا إالا أنين قمت بالرتكيز على‬
‫اإلنسان كونه هو املشكلة اليت تنبع منها مجيع هذه األمراض فمىت كانت مسات اإلنسان العايل اجلديد قادرا على‬
‫مجع بني املادة و الروح متحمل مسؤولية‪ ,‬حركي واع فهو من طريق احلضارة ‪.‬‬

‫هكذا إذا رسم شاهد القرن عاملة الثقايف حبيث جعل فيه تناغما و انسجاما ‪ ،‬مجع فيه بني الفعالية كشرط هلذه‬
‫الفكرة‪ ,‬و ختليص اإلنسان من وحل املورثات السلبية و بناء اقتصاد قوي وفعال أن دل هذا إمنا يدل على مشولية‬
‫اخلطاب الثقايف النهضوي يف فكر مالك بني نيب بني الديين و السياسي و االقتصادي من اجل بناء ُحميط يتصدى‬
‫جلميع املستجدات اجلديدة‪.‬‬

‫و هبذه النظرية الثقافية أشتهر مالك بن نيب يف احلقل الفلـسفي و عُـرف هبذه النـظرية كونه قد حللها من مجيع‬
‫اجلوانب‪ ,‬و لكن ما مدى حتقق املشروع الثقايف لفكرة مالك بن نيب؟ بالرغم من أن مالك بن نيب قد قدم الداء و‬
‫الدواء و بني املرض وأعطى الدواء فما مدى صواب هذه النظرية الثقافية؟‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬تأملت ‪,‬ص‪.87‬‬

‫‪887‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المبحث الرابع ‪ :‬نقد و تقويم المشروع الثقافي لمالك بن نبي‬

‫إذا يعترب مالك بن نيب من بني املفكرين الذين ناقشوا العديد القضايا و املشكلت اليت تعاين منها األمة‬
‫اإلسلمية‪ ,‬و كان له مشاريع مجة من أجل إخراج اإلنسان العريب من هذه النكسة احلضارية اليت سجلها التاريخ‬
‫اإلنساين فكـتب يف الثقافة كما رأينا و تصور عامل ا ثقافي ا خيضع ملعايري تربوية جادة من أجل بناء سلم ثقايف يقع يف‬
‫توازن مع ُسلم القيم‪.‬‬

‫و لقد كان مالك بن نيب سباق ا يف التأكيد على وجود طريق ثالث للنهضة اليت يناشدها اإلنسان العريب إالا أنين‬
‫أقول أن اإلنسان العريب يناشد اليوم مع موازنة ما قلته سابقا يتمىن العيش فقط بسلم‪ ,‬حيفظ بقائه ووجوده!!!‬

‫ولقد طرح قضايا التنمية بكل أبعادها و قد متيز طرح مالك بن نيب للمشكلت بطريق موضوعية ترتبط بوضعية‬
‫اإلنسان املتخلف و ما يلزمه من أحوال نفسية اجتماعية من جهة أخرى على مستوى التشخيص التحليلي الذي ال‬
‫يتفق عند الوصف اخلارجي بل ألعراض املرض ‪ ,‬بل يسعى إىل حبث أسبابه احلقيقة‪.‬‬

‫و من جهة على مستوى املعاجلة القائمة على املن هج الرتبوي البنائي الذي يرمي إىل إعادة تشكيل البنية الثقافية‬
‫مبا جيعلها أداة فعالة يف إحداث التغري يف الفرد و اجملتمع متجاوزا شاهد القرن املنهج الوصفي الذي اتسمت به‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الدراسات االجتماعية و الرتبوية يف الوطن العريب‬

‫و لقد ابتعد املشروع الرتبوي عن احللول اجلاهزة املستوردة من قبل االجتاهات الليربالية و املاركسية ‪ ,‬و أيضا‬
‫ابتعد عن احللول التقليدية اليت تقضي على روح التجديد و مواكبة التطورات احلالية ‪ ،‬مما جيعل املشروع الثقايف‬
‫<<‬
‫إن‬ ‫البنيوي مشروع ا مستقلا و هذا ما قصده علي القريشي أثناء وصفه وتقييمه للمشروع الثقايف ملالك بن نيب‬
‫جدة البرنامج التربوي الثقافي الذي حدده بن نبي لم يكتسب ميزته كنظرية في اإلنشاء السلوكي فقط ‪ ،‬بل‬
‫>>(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫لكونه أيضا مصمما يتناسب مع واقع متخلف هو بحاجة إلى أن توجه فيه الثقافة على نحو تربوي‬
‫وهذا ما جيعل من الثقافة سلوك يتجه إىل الرتبية و إىل خدمة اجملتمع بينما وقع بعض املفكـرين اآلخرين من نقد‬
‫للتقنية‪ ,‬ونقد للعقل العريب و نقد للعقل الغريب ‪ ،‬مما جعل فلسفاهتم حيز التجريد‪ ,‬و لكن ما متيز به املفكر مالك بن‬
‫نيب _مبوضوعية_ أن نظريته الثقافية تتناسب مع واقعنا املتخلف حبيث جعل من الثقافة أمرا قابلا للتطبيق فالثقافة‬
‫عنده العمل‪ ,‬هي تضحية‪ ,‬هي هم ‪ ،‬هي شعور بالواجب و باملسؤولية وغريها من القيم حبيث ميكن أن نقول أن‬

‫(‪ )8‬حممد بغداد باي‪ :‬الرتبية واحلضارة‪,‬ص‪.887‬‬


‫(‪ )8‬على قريشي‪ :‬التغريات اإلجتماعية عند مالك بن نيب ‪,‬ص‪.788‬‬

‫‪887‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫<<‬
‫يغذي اإلجماع التربوي المستقل‪ ,‬خاصة إن الواقع السوسيولوجي و التربوي عموما مازال يفتقد‬ ‫الثقافة ‪:‬‬
‫>>(‪)1‬‬
‫‪.‬فهي برنامج تربوي ثقايف هبـدف إىل توجيه السلوك العلمي مما جيعل عامل الثقافة‬ ‫النظرية و نهج المستقلين‬
‫عنصرا هاما يف حتقيق سلم ا قيمي حيقق كرامة اإلنسان العريب‪.‬‬

‫ولكن املتأمل رمبا لتقييمنا للربنامج الثقايف ‪ ،‬جند أننا نتباهى هبذه النظرية ‪ُ ،‬رمبا ألننا حباجة إليها يف واقع َمأساوي‬
‫يعيشه اإلنسان العريب‪ ,‬أو رمبا أصبحنا نتساقط على كل ما هو جدير بالطلب إن صح التعبري إالا أن هذا ال‬
‫مينعنا من حماكمة املشروع الثقايف عند مالك بن نيب بالرغم من أن حماكمة أي مشروع إصلحي تقتضي تطبيقه‬
‫على أرض امليدان للمعرفة اإلجيايب و السليب منه ‪ ,‬و هذا ما وقعت فيه لألسف الفلسفة العربية يف أهنا حتاكم مشاريع‬
‫إصلحية يف حني أهنا مل تطبق على أرض الواقع ‪ ،‬و هذا ما جنده مثلا عند املهتمني بفكر مالك بن نيب حبيث أهنم‬
‫تباهوا أو استبشروا خريا هلذا املشروع إال أنه لألسف بقي احلال كما هو عليه ‪ .‬كما أن مشروعه بالرغم من تناسبه‬
‫مع وضعنا و مع أصولنا إالا أناه لو وضعنا مقارنة مثلا مع الفكر الغريب جند أن أملانيا و حدها تكشف ثلثة نظريات‬
‫يف يوم واحد!!!( وهذا ما يدعونا إىل ضرورة جتديد املشاريع اإلصلحية )‪.‬‬

‫و لقد تعرفنا من قبل أن الربنامج الثقايف يتميز مبعادلة رياضية اليت كان اإلنسان مفاعل فيها حيث اهتم‬
‫باإلنسان ‪ :‬اإلنسان ‪ +‬تراب ‪ +‬وقت = حضارة و جعل من استغلل اإلنسان للرتاب و الوقت ضرورة سوف‬
‫حتقق لنا حضارة و تقدم ا يف حني يعترب غازي التوبة أن هذه املعادلة هي غري صحيحة بالضرورة ‪ ،‬فاستغلل‬
‫اإلنسان إذن للرتاب و الوقت ال يعطى بالضرورة حضارة حسب املعادلة ‪:‬‬

‫إنسان ‪ +‬وقت ‪ +‬تراب = حضارة‬

‫فقد تكون ‪:‬‬

‫إنسان ‪ +‬وقت ‪ +‬تراب = دمار‪.‬‬

‫و الوضع الصحيح للمعادلة هو إنسان متوازن= حضارة وملا كان املسلم حتم ا متوازنا تصبح صورة املعادلة إنسان‬
‫(‪)2‬‬
‫مسلم= حضارة ‪.‬‬

‫(‪ )8‬على قريشي‪ :‬التغريات اإلجتماعية عند مالك بن نيب ‪:‬ص‪.787‬‬


‫(‪ )8‬آمنة تشيكو‪ :‬مفهوم احلضارة عند مالك بن نيب‪ ,‬وارنولد توبين ملؤسسة الوطنية للكتاب‪ ,‬اجلزائر‪,8777,‬ص‪.877‬‬

‫‪887‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ُرمبا لو نقف قليل مع نقد غازي توبة للمعادلة الرياضية البنيوية جند أن غازي التوبة كان حيمل نظرة إيديولوجية‬
‫للمشروع البنيوي أكثر منها معرفية ألنه مالك بن نيب أعترب أن اإلنسان ال يستطيع القيام بأي نشاط حضاري و‬
‫(‪)1‬‬
‫إنساين وثقايف إال من خلل الفكرة الدينية اليت ترافق املركب احلضاري خلل التاريخ ‪.‬‬

‫إالا أن ما ميكن الوقوف عليه يف مشروع الثقايف و أنا توغلت قليل يف خباياه أن ُهناك مشولية يف املشروع حبيث‬
‫جند أن املعادلة هي بناء ثقايف مج ع فيه مالك بن نيب ينب عامل األشخاص و عامل األفكار و عامل األشياء لتحقيق‬
‫حضارة و مزجه بالدين لتحقيق الفعالية إالا أ ان هناك روح مل تظهر خفية هي ال ُسلطة بالرغم من أن مالك بن مثل‬
‫"كانط" كان يعرتف بسلطة الضمري و لكن نقول ‪ :‬أن السلطة اخلارجية أيضا دور يف ُ‬
‫الوصول إىل طريق احلضارة‬
‫ألهنا هي اليت هتيكل العمل وحتافظ على رؤوس األموال وهي اليت حتفز الفرد بقيام أي نشاط إنساين وهذا ما وجهه‬
‫املفكر الفرنسي "روجي غارودي" ملشروع الثقايف ملالك بن نيب فنحن حنتاج إىل سلطة سياسية لكي حيقق لنا التوازن‬
‫الذي بدوره يدفع اإلنسان إىل العمل مضيا للوصول إىل طريق احلضارة‪ ,‬فنجد أن مالك بن نيب عندما رسم املعادلة‬
‫الرياضية قد ربطها كما قلنا سابقا بالفكـرة الدينية أو ما يسمـاى باإلديـولوجيا‪ ,‬لكـن من املفروض أن يكون اإلنسان‬
‫املقصود باحلضارة هو اإلنسان املسلم‪ ,‬ألن اإلسلم هو الدين الوحيد الذي إقرتن بالقيم األخلقية لكن الديانات‬
‫األخرى ركزت على التكنولوجيا و املدنية‪ ,‬و من هنا يكون مالك بن نيب قد مهاش اإلنسان بإعطائه للحرية يف إختيار‬
‫اإلديولوجيا فهناك العديد من اإلديولوجيات املادية اليت قضت على حقيقة اإلنسان و نظرت إليه نظرة مادية كباقي‬
‫األشياء هذا من جهة و من جهة ثانية فإن مالك بن نيب يصدر حكما عام ا على عدم فعالية اإلنسان املسلم‪ ,‬و حنن‬
‫نعلم مجيع ا أن تعميم الظواهر اإلنسانية الجيدي نفع ا كما أن اإلنسان املسلم أثبت فعاليته يف اجملتمعات الغربية هذا‬
‫ما يقودنا إىل القول أن مشروع الثقايف ملاك بن نيب حيتاج إىل سياسة راشدة ألن هذا ما تفطان إليه اإلتثربولوجي‬
‫الفرنسي "كلود ليفي ستروس"‪ ,‬الذي يؤكد أن ليس هناك إنسان متقدم أو متخلف إمنا هناك سياسة متقدمة و‬
‫أخرى متخلفة‪,‬كما أن املشروع املكمل و البديل احلقيقي ملالك بن نيب هو مشروع"روجي غارودي" ‪ ,‬الذي ربط‬
‫الثقافة بقوة و فعالية السياسة أو ما أمساه هو بأسياد املال و السلطة كعنصر أساسي جيب أن تضاف إىل معادلة‬
‫مالك بن نيب‪ ,‬فاإلنسان ال يأخـ ذ مكانه احلقيقي و ال تكن له فعالية ما مل خيضع لألسياد املال و السلطة للمثقف‪,‬‬
‫و هذه هي األزمة احلقيقية اليت يعاين منها العامل اإلسلمي اليوم‪.‬‬

‫لذا جيب أن تفجر معادلة مالك بن نيب لتجاوز مشكلة القيم ‪:‬‬

‫منتوج حضاري = إنسان مسلم ‪ +‬تراب ‪ +‬و قت ‪ +‬خضوع أسياد السلطة و المال للمثقف‬

‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ :‬شروط النهضة ‪,‬ص‪.77‬‬

‫‪887‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و هذا بطبيعة احلال هو حال أي فكر ‪ :‬علينا دائما أن نقف مع روح املبادرة و النقد و التعديل ألي مشروع‬
‫هنضوي سواء كان ثقافيا أو سياسيا أو اقتصاديا ألن العامل اليوم هو يف ثورة فكرية ال تعرتف إالا بالنظريات اليت‬
‫تصمد أمام كل هجان و هذا هو احلال مثل الفلسفة اليت كانت تبحث عن سؤال املعرفة من "عهد فيثاغورس" إىل‬
‫البحث عن سؤال القيم إىل سؤال املفهوم و هذا ما جنده يف الفكر الغريب يف حني بقي الفكر العريب و منها حىت‬
‫النظرية الثقافية ملالك بن نيب حتتاج دائما إىل من حيييها و يبلورها ملعرفة أسرارها و خباياها فهل ندرك األمر؟‬

‫و يف األخري نستخلص مجلة من النتائج التالية‪:‬‬

‫متيز ابن نيب لتحليله للنظرية الثقـافة و تركيـبة لعناصرها فل معىن لتاريخ من دون ثقافة‪ ,‬وال وجود لثقافة من دون‬
‫تاريخ‪ ،‬والثقافة هي ليست هي علما‪ ,‬ليـست كتابة يف الكتب واجمللت‪ ,‬ليست ذكاء يف معرفة‪ ,‬بل هي سلوك عملا‬
‫مها‪ ,‬هي تضحية‪ ,‬هي شرف ‪ ,‬هي مبدأ بل مبادئ و فق هذا وضع شاهد القرن برناجما تربويا شامل للتحكم يف‬
‫عامل الثقافة‪ :‬تربية أخلقية من أجل التضامن و التكافل و التعاون ألن أي سقوط إجتماعي يصيب عامل األشخاص‬
‫فانه يؤثر فيها على عاملي األفكار واألشياء‪.‬‬

‫و ال تقوم قائمة هلذه األمة إال بثقافة يعود الرابط بني مجيع العوامل املختلفة و املتنوعة و حاملة هلدف واحد وهو صنع‬
‫احلضارة‪.‬‬

‫و تربية مجالية من أجل فعالية الفرد و مجالية املـحيط و اجلمـالية اإلنسان يف ذوقه وملبسه و مشيه و نظره و‬
‫فكره من أجل حياة مجيلة‪.‬‬

‫و تربية عملية من أجل بناء إنسان عامل يعطي للعمل مكانة و للوقت رصيده اخلاص به‪ ،‬فكم من أوقات‬
‫ضاعت فجاءت فيها ثقافات مل نسمع فها كان هلا دوياا على سلم القيم تارة إجيابيا و تارة سليب‪.‬‬

‫و تربية فنية خلدونية يوفرها العلم من أجل أن حيقق عامل األشياء يتوازن فيه مع عامل األشخاص و األفكار‪.‬‬

‫و أي تقدمي او تأخري يف عنصر من عناصر الرتبية الثقافية فإنه ترتيب عليه آثار يف سلم القيم لذالك فان لكل‬
‫عنصر و قيمتة فما علينا إالا أن نضع أيدينا على مجيع العناصر فل إفراط وال تفريط ‪.‬‬

‫و هبذا قد نكون قد فهمنا أن صـح التعبري مفـ همة الثقافة اليت عرفت يف العامل الغريب‪ ،‬و قد أخذت نصيبها من‬
‫االهتمام والتنقيب والبحث و مل يعد عندهم اهلم الفـ كري يف املصطلح‪ ،‬بقدر ما أصبح االهتمام هبوية الثقافة و هبذا‬
‫فثقافة الغربية تعيش ثقافة العلم و التقنية و األنوار‪ ,‬هذا ما جيعلنا نقول إن املثقف العريب دوره يف إرساء معامل الثقافة‬
‫اليت ذكرها شاهد القرن وقد متيز بن نيب يف حتليله للثقافة و فق عناصر دعت إىل أن تكون فلسفة الثقافة قائمة على‬

‫‪883‬‬
‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬ ‫الفصل الثالث‬

‫فلحة النفس كما عرفت الثقافة بأهنا فلحة يف األرض‪ ،‬و هبذا نكون قد أخرجنا مثقف الذي اليوم حبيس اجلامعة‬
‫وحبيس التأليف و حبيس النقاش و اجلدل إىل مثقف واقعي حيل مشاكل الناس بل على األقل يشعر مبشاكل الناس‬
‫و مهومهم‪ ,‬فمىت كانت الثقافة و املثقف وفق خطة جتمع بني عمق و فعالية العمل على أرض ووفق هدف مشرتك‬
‫بني مجيع أفراده كانت القيم اليت حتقق لنا احلضارة و حتقق لنا التطور والتقدم‪ ،‬و ما هذا إالا طريق نسلكه إىل سبيل‬
‫احلضارة و إال بقينا عطشا منوت جوعا بل منوت فكرا منوت ثقافةا فنموت ان مل نقل نعدم حضارة‪.‬‬

‫إ ان املسلم املعاصر هو منزوع منه احلضارة واستسلم للواقع بسبب وجود جموعة من املورثات السليبة‪ ,‬حبيث مل‬
‫يعد قابلا ألي عمل حضاري إال إذا تلخص من هذه املورثات واألمراض اليت منها الذرية و التعامل و وصول فكرة‬
‫اآلخر واالنغماس فيه و العكس من ذالك البقاء يف جذور املاضي و البكاء عليه مما خلق لنا القابلية للستعمار و‬
‫خلق لنا ثقافة سلبية هشة تغيب عنها الفاعلية ‪ ،‬هذه الفاعلية اليت جيب أن نغرس القيم األخلقية وأن نستثمر مجيع‬
‫املواهب والقدرات وأن يكون اإلطار االجتماعي اإلجيايب ينمي اإلرادة لصناعة التاريخ لذلك علينا أن نغري الوسط‬
‫االجتماعي ألنه يعمل على تغيري اإلنسان و يوفر مجيع احللول للخروج من هذه النكسة‪.‬‬

‫و قدم أيضا ابن نيب حلوالا علجية ملعوقات النهـضة و قدمها يف ضوء سلسلة مشكلت احلضارة و أكد على‬
‫ضرورة أن تلعب الثقافة دورا يف تغيري اإلنسان فخلق لنا فلسفة اإلصلح و التغيري وفق العامل الثقايف إراده مالك بن‬
‫نيب أن يكون أخلقيا إال أن الواقع يقر الوضع احلايل يغرق يف عامل مجايل ابتعد قليل فقليل عن أصول اجلمال احلق‬
‫و لكن رغم هذا قدم لنا حلوال هي ليست سهلة وليست مستحلية تناسب مع الظروف احمليطة لإلنسان العريب من‬
‫أبسط عمل ‪ :‬غرس شجرة إىل ختطيط اقتصادي إىل فعالية موجهة حنو األفكار إىل عامل ثقايف تكون نتيجته أن القيم‬
‫تعرف مسارها إىل أين تسري؟‬

‫يف تقييمنا للمشروع الثقايف الفكري ملالك بن نيب يؤكد مدى صحة هذه األفكار و لكن ال نعرف مدى‬
‫صلحيتـها ومدى مقاومتهـا للجنرافات و هيجان األوضاع بالرغـم من أن بعض الدول نسمع عليها من هنا و هناك‬
‫أهنا تطبق التفكري البنيوي و لكن نقول و نؤكد أنه مىت كانت الثقافة حتمل يف طياهتا تربية شعار اهم سقراط و‬
‫تضحية سقراط فإننا نقول أننا هكذا نركب طريق النجاة و سفـينة األمـان ألهنا اليوم كثرت السفن و لكن ال نعرف‬
‫إىل أين نسري؟ يف ضوء عامل يعرف اليوم الكثري من التغريات و املستجدات اجلديدة‪.‬‬

‫وب الرغم من مشولية األفكار و فعاليتها يف املشروع الثقايف البنيوي حنتاج دائما إىل مؤسسة بل إىل مؤسسات‬
‫لتحقيق أي مشروع هنضوي بل أكثر من ذلك حنتاج إىل إرادة ‪ ،‬ووعي ‪ ،‬وضمري ‪ ،‬وإخلص لتحقيق طريق احلضارة‬
‫الذي هو طريق احلضارة الثقافية‪.‬‬

‫‪887‬‬
‫الخـ ـ ـ ــاتمـ ــة‬

‫ويف األخريريمي ن ريريق ا إريريال الم ا ري م رريريق ضو حريريرو بحريرياو هحريريو و حتقري رريريق تريريى و تريريا إ ري هحريريو ري‬
‫ال هو كل ا حتحر ة بوخت فهو و نارهو ُ يل يلنريو حتوشر الىل ا ريإال ا يت حبثت يف تذا اجملريول و نهم و ري بريق ريي‪ ,‬ا ريذو‬
‫يلاصال الىل تذا اهلى وفري رريوث اإريويف نريام ريق ريو ضمسريو و ري بريق ريي بو ب رية ا ثإوف رية ا رييت ريمي نحتريو ري‬
‫نب يلم ا إ م‪ ,‬وف نوغم و ا جوم ا ااث ا ث اة روث األشخوص‪ ,‬و روث األش وء و روث األف و ‪.‬‬

‫و ن ق ضم تخيلص جممارة ق ا نإوط نهو ق خ ل تذا ا حتق ‪:‬‬

‫ ت اضححريريو حتنريريوء جمتم ري‬ ‫وف ري ريريو كتحتريرين ركريرية رريريق ح ري‬
‫ال نم و ري بريريق ريريي ريريى رريريوا ه ريريو ال ريريوم ثإ ري ‪ ,‬ري‬
‫سيل م‪ ,‬وف ظر جتم ب ن ا و ضص ل و نه وصر‪ ,‬وف و شهى ن ا إريال ا ليل ريل ة ا رييت يلحتريت و إحتريت ف رير‬
‫وتذ شهود ه و ارتزاز ملل ر زائرو‪ ,‬كوم رين ضارير به رين ضدخريل ا إريل ا ليل ريلئ ا زائريرو لريمق ا ليل ريلة ا ومل رية‪ ,‬و‬
‫نجريو ‪,‬اضحري نىاد ‪ ,‬ا طحت ريب‬
‫خوصة ا ليل لة ا رب ة‪ ,‬و تذا و ب ملو بق ي أل ن حب كوم مهن ا اه ى ت نريم ا لري ا ن‬
‫و هىت املثإ ‪ ,‬ف وم خنيلة ف ر يف ا ل ر ا ريب ر ز الىل اراء و نا يف ف رير غريمي ت ريب نيلري فيل ريلة ا خريت و‬
‫حتال اآلخر‪ ,‬و نيل اإوفة بنوء ا ذا ت و رب تهو ‪ ,‬الال ض ين و ض و ضكتب تذ ا يلمو ت بريو رغم ريق ضبريو شريهود روفرية‬
‫ملل ر ثل شوتى ا إرم وءين شوتى ا إل ضم صري ا ت حتريمي ال نريو رينو حبو رية الىل تريذا ا تحتريوتئ هلريذا ا ل رير بإريى ريو ض نريو‬
‫حبو ة الىل السإوط تذا ا ل ر يف ا اا ضو ف ر آخر تذا ال هريم بإريى ريو همنريو ض نريو خنرير ال ريوم تريذا ا ريوث و خوصرية‬
‫ال وم ا وث ا ريب ق و ن ساآء ق ف رير ضو سرييلاكن ضو ي ترين يل ريوث ضو دو و سريو تن يف تريذا ا ريز ق ا ريذو ضصريحتقنو‬
‫ري يف يف ه ريريو ال ضسريريتط ضم ضمس هريريو ه ريريو اإوف ريرية‪ ,‬بريريل ضمس هريريو ه ريريو رح رياائ ة حريريطربة‪ ,‬اللريريطرا و يلهريريو ريريىف ا ريريثمق‬
‫وتا ا حتإوء يف ذ ل ا ركب اضححو و فهل نعي الدرس؟‬

‫كا نريريو ضوال و حتريريل كريريل شريريئء‪ ,‬ريرييلم ن كو ريريت ضوىل سري ريو تنو ر ري ا إريريل و نري ريا ر ريل ري رريريوث ا ري رياا و اآل ريرية ري ريرفهو‬
‫ا غريمي و ا حتمي‪ ,‬وب نمو بإ نو حتق رق ف ر ىمي و بو رغم ق ض نو ننق يلإىمي‪ ,‬الالن ض نريو إريال بيلغرية شريوتى ا إريرم غريمي‬
‫غمي جمرى ا تو خ تذا ىن ريل نو دائمو ضم حتق ونوول بإى ا ريوم بلقريص و تإ ريب ضو ف رير‪ ,‬برير اد و‬ ‫ل‬
‫ريريلو ة ريريئ تإريريىم الىل دو ضكثريرير ربريريو الىل ا ليل ريريلة و تريريئ غ ريريمي ا اا ري و صريرين ن‪ ,‬و إريريال ضم ف ريرير و ري بريريق ريريي و‬
‫حري ة نريرين تريريذ ا ظريريرو غريريو ر ريرير و اضحريريوي‪ ,‬ريريذا و ريريب ريل نريريو كحتريريوهث ن ضم‬ ‫خوصريرية ا ثإريريويف نريرين كريريوم و ريريى ظريريرو‬
‫ل ريرير يف فيل ريريلة ى ريريى نريريىم وا نريريو و خ اص ري ة ز ننريريو فيل ري ف ا ريريب ضم تمريريى ريل ري ضف ريو و ري بريريق ريريي و ريريق‬
‫ا ب كل ا ب ضم تمى ريل ف ر و بق ي وهى ‪ ,‬و ل ا إريل ا ريريب ضسريمي و سريج ن هلريذا ا ل رير نريو نن نريو‬
‫ق ا رض و ا بىا ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الخـ ـ ـ ــاتمـ ــة‬

‫ومت ريريز و ري بريريق ريريي يف حريريرورن اضححريريو و به رين كريريوم نيل ري ا ريرية يف حريريرورن ا ت ريريود و س وس ري و‪ ,‬د ن ريريو و هريريىت‬
‫اإوف ريريو‪ ,‬و سري يف يل يل ريرية‪ ,‬و رك حتريرين يلثإوفريرية الىل بنريريوء ال ريريوم ريغو ر رريريق ال ريوم ا ملريريو ب ريريى اهريريىو‪ ,‬كريريوول ريريق خ ري ل‬
‫ا ثإوفة و ف مج حمولرا ن‪ ,‬دائمو ضم ت يلم رنهو ناتو همة حب ضرطوتو لها و كمو يلنريو سريوبإو شريو مجري ف رين‬
‫ب ن م ضخ ن و ا تمور ن‪ ,‬و تئ احملري ط ا ذو ام شخ ة ا ري وم ررب لس و ت و ريود ا إري م ريق ضسرير‬
‫و ريريجى و ى سريرية و جمتم ري ‪ ,‬و ضو رطريريب و خيلريريل هلريريذ امللس ريريو ت يلنريريو الىل اإوفريرية حريريطربة و نقريريل‪ ,‬و تريريذا ريريو‬
‫لكى ا اا و كوم كوول ر املثإ يف روث ال ر الالن بإا ا إل و الاحتو ت و اد ‪ ,‬و ف اإوفرية كريوم صريو هو‬
‫ت املى سة كمو راتو ريغيلب و ظريم ا نريوس و المنو ا ثإوفة تئ سيلاك و رفة و رمل و ف رير حريق ة‪ ,‬الم و ري‬
‫بريريق ريريي ث ن ريرير امل رفريرية و ريريق ريريل ريريق ا ثإوفريرية تريريئ ضغيلحتهريريو سريرييلاكو مجريرين ا اا ري ‪ ,‬فهريريا ريريىرا الىل اإوفريرية ريلم ريرية ه ا ريرية‪,‬‬
‫فرسريريم روملريريو اإوف ريريو و بر وجمريريو ربا ريريو كو ريريت ا ب ريرية األخ ريرية هولريرير بإريريا يف حريريرورن ا ثإريريويف و تريريذا ريريو تو ريرين ا ريريام يف‬
‫ظريريل ضز ريرية ا إ ري م و غ و ريريو و رب ريرية مجو ريرية ريريوول ف ري ذو ا ريريوم تنم رية اخل ريريول و ا بريريىا ا مريريوي الالن ضم تنريريوك ريريق‬
‫ن م ريهم مبريق مبث ريإل ن بريوم و ري بريق ريي ريى ريهار بريو ل ر ا غريريب يف تريذ ا نإطرية فريهو اإوفرية و ضو ف رير و ضو فيل ريلة‬
‫تذ ا يت ريرفض ضو ف رير ق دوم د استن هىت و ا كوم ق غمي و ‪.‬و رب ة رميل ة كريوم كريوول نهريو الخريرا ا ريوم ريق‬
‫هو ريرية ا مريرياد الىل هو ريرية ا ل و ريرية و ريريق اخليلريرياد و ا ركريرياد الىل ا مريريل و ا نحريريوط و ر ري ا إيلريريب و ا إريريل و ا ريريى ريرين‬
‫ا تو خ‪.‬‬

‫و رب ريرية فن ريرية وف ري ا تريريو خ املولريريئ بومل ريريطيل اخليلريريىوين تريريئ ا ريرينورة ضو ريريافمي مج ري ا اسريريوئل و األش ري وء إ ريريوم رمريريل‬
‫هحو و‪.‬‬

‫فنإريال الذا ا ريرين يلخريريرو ريريق املحري ت ا إ مرية ا ريرييت هظهريريو ا ريريام كغ ريريوك ا ريااز األخ ريريئ فهكريريى ريلري لريريرو هحريريا‬
‫ا ل ر ا ى نة ن ا مل املح ك‪.‬و ا تحر ت ضخري ا إريحت و ا ريرداء يف ا ري م و ا ل ري ل‪ ,‬فرس ريم روملريو مجو ريو تنوغمريو‬
‫و يف ا وم يف يلحتري ن‪,‬و حربن‪,‬و ح تن‪ ,‬و يف طر إة ل مي ‪.‬‬

‫وم يف ا ماد و غوبت ف ن ا ل و ة‪ ,‬و حريت يف سرييلاكو ن و ضخ رين اللريورة ا ا ريت و االسريتهتو برين فهكريى‬ ‫و صو ا‬
‫ريل ري لريريرو و ريرياد اإوفريرية رميل ريرية مريريتم بو و ريريب ا يلمريريئ ال ا نظريريرو ريريذا و ض ريريو ضكتريريب يف تريريذا املال ريريا ض د ت ضم‬
‫ضب ريريطن آلم ريريو نتو ريرين ا ريريام ريت يل ري ا ثإوفريرية ا ريرييت ت ريخ يلهو ا ريحت ض‪ ,‬ضو ا ثإوفريرية ا ومل ريرية ضو ا ثإوفريرية واهريريى ضوا ثإوفريرية‬
‫املت ىد ضو تل يف اإوفة ضم اإوفو ت و ت ذا ق املاال ا يت ل رإا نو بل نق ر ى اإوفرية رريرا شريجر اإوفرية‬
‫و ا تنريا تريذا كريل ريو يف‬ ‫ا يلمة ا ط حترية‪ ,‬اإوفرية اهري ام اآلخرير‪ ,‬اإوفرية ا ت ريووم وا تحريو ق‪ ,‬اإوفرية ا رينقق‪ ,‬اإوفرية االخريت‬
‫األ ر‪.‬الالن ضم ا نوظر الىل ا اا جنى ضم خول ا ثإوفة تجن نا و مبو سا ى ر ا م تريذا امل ريو تريا ريو اإريويف‬

‫‪111‬‬
‫الخـ ـ ـ ــاتمـ ــة‬

‫بريريض ف ريرين صريريا ت ا إ ري م و ارتيل ري ف ريرين صريريا ت ا ت ريريب و ا ريريى ا و ت و ا تري ريوك مبختيل ري ض اارريرين خوصريرية ا تريريوك‬
‫ا ل رو‪ ,‬تذا و جي ل املته ل الىل وا نو ب ى راء ذا ن ضوال و غمي او و حتنوء اإوفة إ ض وم ا ال اضحوي املتهزم‪.‬‬

‫الىل‬ ‫والم ا ريريوث ا ثإريريويف ا ريريذو ضرطريريو شريريوتى ا إريريرم ذو ص ريحتغة ربا ريرية‪ ,‬ضكريريى ريل هريريو ريريئ ريريام ت رينوك ا ريإوفة ري‬
‫مذ ب سيلاك ا وم و ف ر ‪ ,‬الالن ضم و بق ي يف حرورن اضححو و ترينوك ض ُر خلئ‪ ,‬ولريقن ف مريو ب ريى املل رير‬
‫"روجــي غــارو " و تريريذ تريريئ طحت ريرية ا ل ريرير ا ليل ريريلئ ا ريريذو تم ريريز بريريو رض ريلري ا بريريىا و ا تجى ريريى و تريريذا جتى ريريى يف‬
‫ريريوم الىل حبو ريرية‬ ‫ود تريرين اضححريريو ة ا ريرييت جنريريىتو كو ريريت شريريو يلة رنريريى و ري بريريق ريريي الالن ضم "روجــي غــارو "‪,‬ارتريريرب ضم ا‬
‫الىل اضحلريو ريلري ااز رين ريئ ريتط‬ ‫الىل سيلطة دائمو خوصة‪ :‬سيلطة املثإري ريلري املريول و ريل دو رية ا رين و ري‬
‫احملوفظة ريل ضكرب كنز و تا ا إ م‪.‬‬

‫ ت اضححريريو خوصريرية ول ري ن‬ ‫ة رريريرب ح ري‬ ‫جنريريى ضم شريريوتى ا إريريرم كريريوم د إريريو يف وصريريلن يلثإوفريرية ا س ري‬ ‫و كريريذا‬
‫ال ريريوم ا ريريوث ا ثو ري بو إوبيل ريرية سريريت مو ‪ ,‬تريريذا امل ريريطيل ا ريريذو ضهريريى صريريقة ف ر ريرية ريريىى ب ريريض ا إ ريراء ل ريرير شريريوتى‬
‫ا إريريرم ‪ ,‬الالن ضين ض ريريال ال جيريريب ريل نريريو ضم يلإريريئ ا يلري نريام ريلري اآلخريرير ق‪ ,‬بريريل ريل نريريو ضم يلريريام ض ل ريرينو‪ ,‬ضم تريريذا االسريريت مو كريريوم‬
‫ت جة طحت ة البى نهريو أل رية هيلريت ل ريهو ‪،‬و اسريتثإيلت ريو ا نهحرية و ها ريت لوفتهريو الىل ارارير لظ رية و إو ريى‬
‫وزا ت وين ق ا تخيل و امل و و ت‪.‬‬

‫إننا فعلنا بأنفسنا أكثر مما فعله االستعمار بنا!!!‪.‬‬

‫الالن ضم شريريوتى ا إريريرم ث إري تنريريو ضرطري هيلريرياال و طريرير حتنريريوء رريريوث اإريريويف و سريريم خطريرية اإوف ريرية رتا ريرية يلنجريريو رريريوث‬
‫ا ت ودو و تذا ا رتوم ضك ى تخطئ الش و ة ا إ م‪.‬‬

‫فمو ر ن و و ضم إال ريل نو ضم ح ض ود نو ريل تذ األف و و ا ت ا ا ت ا يت ول هو شوتى ا إرم و وول‬


‫دائمو الىل ا تجى ى و اا ة ا ر وف سل نة ا نجو و تئ ا ثإوفة ا يت راتو‬ ‫حلهو ظروفهو اضحو ة و‬
‫تئ اضحل ا اه ى حتنوء ا ذا ت و نى و ا رتوم ا ى ى و ق تنو فرين هز ق و يل و ق و ادو نوول مج و‬
‫خوصة ضوي األ حتوك ق ا إ ء ضم تىاكاا تذا اضحول‪ ,‬حتنوء ض ول صوضحة وف اإوفة سيل مة ى و الىل طر‬
‫تمر‬ ‫اضححو هحو ا ىار ت و نىرت و ق بثإوفة وار ة و ثإ ا ن ل املول و ل ا وسة سا‬
‫تذ اضححو و و‪ .‬و اهلل تا وي ا تاف ري ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الفهرس‬
‫الــبس ـ ـملة‬

‫الـ ـق ــول‬

‫الـتشكر وعرفـان‬

‫اإلـهـ ـ ــاا‬

‫ال ـمـقامة‪ ................................................................................‬أ‬

‫الفصل األول‬

‫شخصية مالك بن نبي ومنهجه في التفكير‬

‫نيب‪09.................................................‬‬ ‫املبحث األول ‪:‬املرجعية الفكرية ملالك بن‬

‫نيب‪41.......................................‬‬ ‫املبحث الثاين ‪:‬العوامل املؤثرة يف شخصية مالك بن‬

‫الرتبوي‪41...........................................................................‬‬ ‫أوال‪ :‬العامل‬

‫اإلجتماعي‪41........................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬العامل‬

‫الثقـايف‪41..........................................................................‬‬ ‫ثالثا‪ :‬العامل‬


‫التفكري‪49.............................................................‬‬ ‫املبحث الثالث ‪:‬منهجه يف‬
‫الفصل الثاني‬

‫الخطاب النهضوي الثقافي في فكر مالك بن نبي‬

‫حضاريًا‪00....................................................‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬اإلنسان مشروعا‬

‫اإلنسان‪00...........................................................................‬‬ ‫أوال‪ :‬أولوية‬

‫لإلنسان‪00...........................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تصنيف مالك بن نيب‬

‫الرتبوية‪03............................................................................‬‬ ‫ثالثا‪ :‬اهليكلة‬

‫‪111‬‬
‫احلضاري‪14......................................‬‬ ‫املبحث الثاين ‪ :‬فكرة التوجيه و دورـها يف البنا‬

‫التوجيه‪14.............................................................................‬‬ ‫أوال‪:‬مفهوم‬

‫التوجيه‪10............................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬أـهااف‬

‫نيب‪13.............................................‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬املشروع الثقايف عنا مالك بن‬

‫الثقافة‪13..............................................................................‬‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم‬

‫نيب‪10.......................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الثقافة كشرط من شروط النهضة عنا مالك بن‬

‫مفهوماً‪11....................................................................‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الثقافة تعريفاً و‬

‫رسالته‪31....................................................................‬‬ ‫رابعا‪ :‬املثقف دوره و‬

‫الفصل الثالث‬

‫القيم و الثقافة اإلسالمية المعاصرة‬

‫للثقافة‪10.......................................................‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬الرتكيب النفسي‬

‫العلم‪10............................................................................‬‬ ‫أوال‪ :‬الثقافة و‬

‫الرتبية‪13...........................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬معىن الثقافة يف التاريخ و‬

‫القيم‪17........................................................‬‬ ‫ثالثا‪ :‬العناصر الثقافية و أثرـها على‬

‫القيم‪70.............................................‬‬ ‫رابعا‪ :‬التوجيه األخالقي و اجلمايل و إشكالية‬

‫املعاصرة‪79...............................................‬‬ ‫املبحث الثاين ‪ :‬مِسَات الثقافة اإلسالمية‬

‫اللفظية‪79....................................................................................‬‬ ‫أوال‪:‬‬

‫املايح‪90..........................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الفخر و‬

‫‪121‬‬
‫التربير‪94.........................................................................‬‬ ‫ثالثا‪ :‬اجلال و‬

‫الذرية‪99..................................................................................‬‬ ‫رابعا‪:‬‬

‫التعامل‪99................................................................................‬‬ ‫خامساً‪:‬‬

‫السلوكي‪90....................................................‬‬ ‫سادساً‪ :‬االضطراب الفكري و‬

‫‪90....................................................................‬‬ ‫سابعاً‪ :‬القابلية لالستعمار‬

‫معاصرة‪93..............................‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬احللول العالجية لبنا ثقافة اإلسالمية‬

‫االجتماعية‪93..............................................‬‬ ‫أوال‪ :‬إعادة تشكيل شبكة العالقات‬

‫احلق‪93................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تقامي الواجب على‬

‫الرتاب‪91...........................................................‬‬
‫ر‬ ‫ثالثا‪ :‬إعادة املكانة للوقت و‬

‫لالستعمار‪97........................................................‬‬ ‫رابعا‪ :‬التخلص من القابلية‬

‫اآلفات‪97........................................................‬‬ ‫خامسا‪ :‬تصفية الثقافة من مجلة‬

‫اإلقتصادي‪400........................................................‬‬ ‫سادساً‪ :‬التوجيه العملي و‬

‫نيب‪401...................................‬‬ ‫املبحث الرابع ‪ :‬نقا و تقومي املشروع الثقايف ملالك بن‬

‫اخلامتة‪440........................................................................................‬‬

‫املراجع‪441............................................................................‬‬ ‫املصادر و‬

‫الفهرس‪449.......................................................................................‬‬

‫‪121‬‬
‫‪111‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫القرآن الكريم‬
‫أولا‪ :‬الم ـصـادر‬
‫‪ .1‬مالك بن نيب ‪ :‬مذكرات شاهد القرن الطفل و الطالب‪ ,‬دار الوعي‪ ,‬اجلزائر ط‪.1‬‬
‫‪ .2‬ـ ـ ـ‪ :‬تأمالت‪ ,‬دار الوعي‪ ,‬اجلزائر‪,‬ط‪2112 ,1‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬ـ ـ ـ‪ :‬شروط النهضة‪,‬ترمجة عمرمسقاوي‪,‬عبد الصبورشاهني‪ ,‬دار الفكر‪,‬بريوت‪,‬ط‪1191 ,2‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬ـ ـ ـ‪:‬مشكلة األفكار يف العامل اإلسالمي ‪,‬دار الفكر بريوت‪,‬ط‪1111 , 1‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬ـ ـ ـ‪ :‬وجهة العامل اإلسالمي‪,‬ترمجة عبد الصبورشاهني‪,‬دارالوعي‪,‬اجلزائر‪,‬ط‪2112 ,1‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬ـ ـ ـ‪ :‬مشكلة الثقافة‪ ,‬ترمجة عبد الصبور شاهني‪ ,‬دار الوعي‪ ,‬اجلزائر ‪,‬ط‪2112, 1‬م ‪.‬‬
‫‪ .7‬ـ ـ ـ‪ :‬أفاق جزائرية ترمجة شريف مكتبة النهضة اجلزائرية بدون تاريخ ‪.‬‬
‫‪ .1‬ـ ـ ـ‪ :‬دور املسلم ورسالته يف الثلث األخري من القرن العشرين‪,‬درا الفكر‪,‬ط‪1171 ,1‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬ـ ـ‪ :‬من أجل التغيري‪ ,‬دار الوعي‪ ,‬اجلزائر‪,‬ط‪2112 ,1‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬ـ ـ‪ :‬جمالس دمشق‪ ,‬دار الوعي‪,‬اجلزائر‪,‬ط‪2112 ,1‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬ـ ـ‪ :‬بني الرشاد و التية‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬دمشق‪,‬ط‪1171 ,1‬م‪.‬‬
‫املستعمرة‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬دمشق‪ ,‬سوريا‪,‬ط‪1111 ,1‬م‬
‫َ‬ ‫‪ .12‬ـ ـ‪ :‬الصراع الفكري يف البالد‬
‫‪ .12‬ـ ـ‪ :‬فكرة كومنولث إسالمي‪ ,‬مكتبة عمار‪ ,‬القاهرة‪,‬ط‪1171, 2‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬ـ ـ‪ :‬الفكر اإلفريقية اآلسيوية‪ ,‬ترمجة عبد الصبور شاهني‪ ,‬دار الوعي اجلزائر‪ ,‬ط‪2112, 1‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬ـ ـ‪ :‬القضايا الكربى‪ ,‬دار الوعي‪ ,‬اجلزائر‪,‬ط‪2112 ,1‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬ـ ـ‪ :‬ميالد جممع‪,‬ترمجة‪:‬عبد الصبور شاهني‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬دمشق‪ ,‬سوريا ‪,‬ط‪1179 ,2‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬ـ ـ‪ :‬من أجل التغيري‪ ,‬دار الوعي‪ ,‬اجلزائر‪,‬ط‪2112 ,1‬م‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬المـراجــع‬
‫‪ .1‬إبراهيم عاص‪ :‬حوار مالك بن نيب‪ ,‬مركز الرتبية اإلسالمية‪ ,‬دار لسا‪ ,‬ط‪ , 1‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .2‬إبن خلدون‪ :‬مقدمة حتقيق حلامد أمحد الطاهر‪ ,‬دار الفجر للرتاث‪ ,‬القاهرة ‪,‬ط‪ 2111, 2‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬ادوارد سعيد‪ :‬صورة املثقف ترمجة غسان غصى‪,‬مىن دار املنار‪,‬بريوت‪1119,‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬أسعد السحمراين ‪ :‬مالك بن نيب مفكراً إصالحيا‪.‬‬
‫‪ .5‬امساعيل سامعي‪ :‬مالك بن نيب و الفقه احلضاري‪,‬دار اهلدى‪ ,‬اجلزائر ‪2119‬م‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪111‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .9‬امانويل كانط‪ :‬أسس مسافرييقا االخالق‪,‬تر‪ :‬عبد الغفار مكاوي‪,‬دار الفنون للطباعة و النشر ‪,‬‬
‫القاهرة‪,‬بدون طبعة‪,‬بدون سنة‪.‬‬
‫‪ .7‬آمنة تشيكو‪ :‬مفهوم احلضارة عند مالك بن نيب‪ ,‬وارنولد توبين ملؤسسة الوطنية للكتاب‪ ,‬اجلزائر‪1111,‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬أوليد بوعديلة ‪ :‬التغري اإلنساين‪ ,‬يف فكر مالك بن نيب‪ ,‬دار اهلدى‪ ,‬اجلزائر‪ ,‬ط‪2119 ,1‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬برهان غليون‪ :‬هتميش املثقفني و مسألة النخبة القيادية‪ ,‬بريوت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫‪ .11‬بشري ضيف اهلل‪ :‬فلسفة احلضارة يف فكر مالك بن نيب‪2115 ,‬م‪..‬‬
‫‪ .11‬بوراس يوسف‪ :‬الفكر السياسي عند مالك بن نيب‪,‬دار هومه‪ ,‬اجلزائر‪ 2112 ,‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬حسان بركان‪ :‬الرؤية النقدية لفلسفة التنمية عند مالك بن نيب‪ ,‬منشورات خمرب جوار احلضارات‬
‫والعوملة‪2115‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬زكي جنيب حممود‪ :‬عريب بني ثقافتني‪ ,‬دار الشروق‪ ,‬ط‪1111 ,1‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬ضيف اهلل بشري‪:‬فلسفةاحلضارة يف فكرمالك بن نيب منشورات اجمللس األعلى بدون ط سنة ‪ 2115‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬طونيب بينتيت‪:‬مفاتيح اصطالحه جديدة ترمجة‪ :‬سعيد الغامني‪ ،‬بريوت‪،‬ط ‪2111 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬عبد االله بلقيز‪ :‬هناية الداعية املمكن واملمتنع يف ادوار املثقفني‪،‬بشبكة العربية‪،‬بريوت‪ ،‬ط‪2111 1‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬عبد احلليم مهور باشا‪ :‬فلسفة الثقافة‪ ,‬اجلزائر‪2115 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬عبد اللطيف عبادة‪ :‬صفحات مشرقة من فكر مالك بن نيب‪,‬دار الشهاب ‪ ,‬اجلزائر‪.‬‬
‫‪ .11‬علي القريشي‪ :‬التغري اإلجتماعي عند مالك بن نيب‪ ,‬الزهراء لإلعالم العريب‪ ,‬القاهرة‪,‬ط‪1111 ,1‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬علي حرب‪ :‬أوهام النخبة و نقد املثقف‪ ,‬املركز الثقايف العريب‪ ,‬بريوت‪ ,‬ط‪2111 ,2‬م ‪.‬‬
‫‪ .21‬علي حرب‪:‬نقد النص ‪ ,‬ملركز الثقايف العريب‪ ,‬بريوت‪ ,‬ط‪1112 ,1‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬عمر بن سليمان‪ :‬فلسفة ثقافة‪،‬اجلزائر‪2115,‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬فاطمة فرفودة‪ :‬مفهمة الثقافة و ممكنات فلسفة الثقافة‪ ,‬اجلزائر ‪ 2115,‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬فرويد‪ :‬مستقبل الوهم‪,‬ترمجة‪:‬جورج طرابيشي‪,‬دار الطبيعة‪,‬بريوت‪,‬بدون طبعة بدون سنة‪.‬‬
‫‪ .25‬قاسم أمحد الشيخ بلحاج‪ :‬نظرية احلضارة عند املفكر مالك بن نيب‪,‬دار اجلاحظية‪1111 ,‬م‪.‬‬
‫‪ .29‬جمموعة من املؤلفني‪:‬نظرية الثقافة ترمجة على سيد الصاوي‪,‬سلسلة اجمللس الوطين للثقافة و الفنون‬
‫واألدب‪ ,‬الكويت‪,‬بدون طبعة‪1117,‬م‪.‬‬
‫‪ .27‬حممد الغزايل ‪:‬مهوم داعية ‪ ,‬عامل األفكار‪ ,‬اجلزائر ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫‪111‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .21‬حممد بغداد باي‪,‬الرتبية و احلضارة‪ ,‬عامل األفكار‪,‬ط‪2117 ,2‬م‪ ,‬اجلزائر‪.‬‬


‫‪ .21‬حممد عابد اجلابري‪ :‬املثقفون العرب حمنه ابن حنبل و نكبة ابن رشد‪ ،‬بريوت‪ ,‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬ط‪2111 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬حممد فاضل اجلمايل‪ :‬حنو توحيد الفكر الرتبوي يف العامل اإلسالمي‪,‬ط‪,1‬الدار التونسية‪,‬تونس ‪1172‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬هانر جورج غاداماز‪ :‬احلقيقة و املنهج ترمجت حسني ناظم‪,‬على حاكم صاحل‪,‬دار أويا للطباعة و النشر‬
‫و التوزيع و التنمية و لثقافة‪,‬طرابلس‪,‬ط‪2117 ,1‬م ‪.‬‬
‫‪ .22‬هيغل‪:‬فنولوجياالروح‪,‬ترمجت ناجي العويلي‪,‬مركز الدراسات الوحدة العربية‪,‬بريوت‪,‬ط‪2111 ,1‬م‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المـوسوعات و المـعاجم‬
‫‪ .1‬إبن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ,‬دار الكتب العلمية‪,‬ط‪2115 ,1‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬مجيل صليبا‪:‬املعجم الفلسفي‪ ,‬جزء‪ , 1‬دار الكتاب اللساين‪ ,‬بريوت‪ ,‬لبنان ‪1112,‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬الالند أندري‪ :‬موسوعة الالند الفلسفية‪،‬ج‪,1‬تر أمحد خليل‪،‬منشورات عويدات بريوت لبنان‬
‫ط‪2111،2‬م‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬المجـالت والـدوريات‬
‫‪ .1‬عمار طاليب ‪ :‬مالك بن نيب و مسلكه احلضارة‪ ,‬جملة الثقافية‪ ,‬الصادرة باجلزائر عن الوزارة اإلعالم والثقافة‪,‬‬
‫العدد ‪ 1172 ,11‬م ‪.‬‬
‫‪ .2‬عبد الطيف عبادة‪:‬مناهج احلركات اإلسالمية املعاصرة يف التغيري‪ ,‬نقد وتقومي إنطالقا من فكر مالك ين‬
‫بين جملة املرافقات العدد الثالث‪ ,‬جوان‪1111‬م اجلزائر‪.‬‬
‫‪ .2‬حممد اهلادي احلسين‪:‬مالك بن نيب حملات من حياته وقبسات من فكره‪,‬جملة املوافقات العدد الثالث جوان‬
‫‪1111‬م‪,‬اجلزائر ‪.‬‬
‫‪ .1‬حممد البشري مغلي ‪:‬مالك بن نيب كان امة واحدة براعة فكرية ومهارة حتليلية‪,‬جملة املوافقات‪ ,‬العدد الثالث‬
‫‪,‬اجلزائر جوان ‪1111‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬ميشال فوكو‪ :‬وظيفة السياسة للمثقف عز الدين خطايب‪ ،‬جملة رؤى فلسطني عدد‪2111 ,29‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬حممد شاويش‪ :‬مالك بن نيب و شروط النهضة‪،‬التبني‪ ،‬عدد ‪ ,11‬اجلاحضية‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الرسـائل الجامـعية‬
‫‪ .1‬االخظر شريط ‪:‬مشكلة التاريخ عند مالك بن نيب رسالة ماجيستري معهد الفلسفة‪1111 ,‬م‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫‪111‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .2‬سلوى بن جديد‪ :‬مفهوم التبعية عند مالك بن نيب‪,‬رسالة ماجستري‪,‬غرب مشورة جامعة اجلزائر‪,‬السنة‬
‫اجلامعية‪.1115-1111‬‬
‫‪ .2‬العابد ميهوب‪ :‬الفكر الرتبوي عند مالك بن نيب‪ ,‬رسالة دكتوراه غري منشورة جامعة حممد خضري‪,‬‬
‫بسكرة‪2111,‬م‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬المواقع اإللكترونية‬
‫‪.1‬زكي امليالد‪ ,‬مشكلة الثقافة (تطور و املنهج) موقع األستاذ مالك بن نيب تاريخ‪, 2119/12/12‬الوقت‬
‫‪.21321‬‬

‫‪117‬‬
‫‪-‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫‪051‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ .0‬يوسف بوراس ‪ :‬الفكر السياسي عند مالك بن نيب‪.22 ,‬‬
‫‪ .2‬زكي امليالد‪ ,‬مشكلة الثقافة (تطور و املنهج) موقع األستاذ مالك بن نيب‬
‫تاريخ‪, 2102/10/10‬الوقت ‪.20:01‬‬

‫‪- 051 -‬‬


‫مـقـ ـ ــدمــة‬

‫يشهد لعاههامل لصاااههو لعاهها ااناها اههاسما عهها يالههعاخ عها لع ههاني ‪ ,‬فاعمهها و ا للاعههت لص مهت لعههو لاههي عادهها‬
‫لإلنلان لصاااو‪ ,‬ااف ي اف ل يبكي دمااً ى حاعت هذل لإلنلان لعذي أاابخ لعاطب ل لصوض يف ي لجملاالت‬
‫حاه ه ه ه ه ي ه ه مل يف ا ه ه ا خ‪ ,‬ل يف افكه ه ه‪ ,‬ل يف اش ههخ‪ ,‬ل يف مصه ه ه‪ ,‬ي ه ه مل أي هها يف اف ههخ‪ ,‬ه ههذه لضم ه هولض ل‬
‫لضلااف اتا ما ح ًعا ا ح انة نلانات اشاهبا لعكي م لفآفات ل لضسطان‪.‬‬

‫ل عهها ناه هها ا لعههانل ‪ ,‬عكههي ن ههذ و لصا ههي‪ ,‬العمبكههي اههت عهها يفاههي لعب هاض بههي عكههي نل شهف ممههخ لع ه لل‬
‫ل ن سذ ممخ لعابة‪ ,‬فمج أن لإلنلهان ان يااش يف ل هع أف ي بكي مما ها اخ لعاا ‪ ,‬حبا ان يااش يف م م‬
‫مع غ ه‪ ,‬ان حيالل ب فكانه بما نلان ل امل طباات يف جها ل هامل نفاهف الهاده لع ها لعهو ااهب ه نلهانات ههذل‬
‫لإلنلان‪ ,‬حمالالً فاخ لعااال ا لضه لف م دلن اامت ل ا كبان ل هتج ل ااصب‪.‬‬

‫ل ع ه ج ههوت أ ه لصفك ه هوي يف لعا ههع لعههذي يش ههد ه لعكي ه م ه لع ه لت حملالع ههت نشههاده لإلنل ههان ل نجا ههخ‬
‫ا لعطويه لعصهحا ‪ ,‬ل ميكه لع ههال همها يف هي ههذه ليه لت عالهت ليه لت لضن هات‪ ,‬بههي ليه لت لل هانيت أن نوجههع‬
‫هااخ لض مات ل لعمكلات ا ة ل بانلت ااااات ل صهاديت ل أسهوإ ج عا اهت ل ديماهت بهي ميكه نجها اهبب‬
‫ههذه لضل ها ا امهي سهو بعهع به اهع ههذه لال بهانلت لعلهاعفت لعهذ و‪ :‬ا لعاامهي لعي هايف أل ن هال بههاضحوإ‬
‫الثقافة هذه لضس ة ااب أن أي لن كاات أل أ مت جمل هعع م ح هو‪ ,‬أل يف طوي هت ا لع ح هو‪ ,‬أل جم عهع يمعهاأل جم عهع‬
‫يه اط يف نامخ ل اابااخ ال ل لعي افت ابب يف ذلعك‪.‬‬

‫فاعي اف ههت ه ههي لعوا هها لل ههاني لع ههذي امياه ه ش ههاام لعا ههامل‪ ,‬ل ه ه هي لع ههو ااط ههي ههي لعش ه هاام لعا ههامل سصائص ههخ‬
‫أفكههانه ل ذهمااا ههخ لعههو ا ههاده ا لعو ههب لل ههاني‪ ,‬أل ال ه ط هههذه لعش ههاام ل جتا د هها يف أاههفي لعل هاف ‪ ,‬ي ههادةً‬
‫ى ذعك هي اعت ى لجمل عاات لإلنلانات‪ ,‬ن مل ن ي حىت ى لضنض لعو يل لن ادا صاذل؟‬

‫ضن امل افت هذه لعشاام ال مي ك لع نة حىت ى لعا ف‪.‬‬

‫ل اا ب لعي افت م ب أه لحملطهات لعهو ع اهت حفهاً به لً يف هامل لع نلاهت ل لع فكه ‪ ,‬حباه ه أن لع نلاهات‬
‫لع وباههت ل لعا ههي لع ههو ‪ -‬ن ا ه لع اب ه ‪ -‬لا ه طا أن يب ههان لعي اف ههت عفد هها ‪ ,‬ل ه يف س ه ج هها ل ههامل ههايف‬
‫ي عاشى مع لع طانلت لعو وفدا لإلنلان ب لع اني ‪.‬‬

‫فعه افههت لإلنلههان لضلل لعههذي حههالل أن ياههاش مههع لعطبااههت نحا ًع ها ادهها ل مسنل هاً يهها‪ ,‬ا افههت نلههان هههذل‬
‫لعاصهو لعهذي أاههب ال يبحه ه هات يامههخ عها فاهي لإلنلههان لضلل‪ ,‬بهي أاههب يبحه ه ماه لجههاده ل دلنه‬
‫لناههاع خ ل ع ههخ يف لع ههون لعالحه ل لعاش هوي ‪ ,‬عصههمع افههت ه ه ها لضلل لعلههاطوة ههى هههذل لعاههامل‪ ,‬ل م ه ههخ ت ا ه‬

‫‌أ‬
‫مـقـ ـ ــدمــة‬

‫لي ف لل اني‪ ,‬فاعي افت هي افامت لعمجاة يف ي لض مات ل لعمكلات يف امل يوت فاخ اف لعمجاة‪ ,‬فدماك م‬
‫ي ه ال ا أن اههفامت لعمجههاة اكع ه يف لعاههادة ا لضاههال لضلا‪,‬ل همه هاك م ه يههوإ أن اههفامت لعمجههاة هههي لل هالن ل‬
‫لعااش مهع لعاهامل لضسهو يف حهالن دلئه لم صهي‪ ,‬ل لفآسهو يهوإ أن اهبب لعمكلهت ل لعاهان يف جتهاه لعلاااهت ل للاكها‬
‫فا اما أن نولجع حلابااما ل ن يف ااااااما‪ ,‬ل ال فإنما ما ان يف طوي لع خ ف ل لالهناان‪.‬‬

‫ال أنمهها نس ه أنههخ مههىت ههان عشههاب م ه شههاام لعاههامل اهها يف لعشههور أل يف لع ههوم أل يف لعشههعال ل ل مه هام‬
‫ل ا هها ههانال مل ه هع أل ملح ه ها أل شااا ه ه أل غه ه ذع ههك مه ه لص ههذلهب‪ ,‬افه هتً لل اه هتً م ههىت ههان لاه ه ح ا د‬
‫ل احد ل ت ي ه أ يهو ل ألفهو ع جهال لض مهات ل لصاانهاة ههذل مها تهالل فاهخ لعاها لل هانة ل لعي افهت لإلاه مات‬
‫اماخ‪ ,‬ل ن انهت لل هانة لع وباهت ه حهت يف ذلعهك ل عاهي لعهباض يهوإ غه ذلعهك ل هها احهو يف ذلعهك‪ ,‬ال أين‬ ‫ا‬
‫أد ما في باعال ع مي ً‪:‬‬

‫ن لإلنلههان لضمههي لعاهها ‪ ,‬أل لعههذي حيعههي هها ً م ه لإلدنلك م ه ما يههوإ اجاج هاً أل ن ص هاً أل اولجا هاً يف طهها‬
‫مه لع ط ها ات مهي ً‪ :‬يف لإلدلنة أل يف لص ناهت أل يف لجمل عهع‪ ,‬أل يهوي مههي ً اصهوفاً غه الئ هاً يالهي ا لعصهاحل لعاههامل‬
‫ل ا نفا لجمل عع‪ ,‬ياش مباشوة ب اعخ هذه ‪ :‬اف ما ن اما أ أباما ‪.‬‬

‫ل ع ه له عهت أي ها لع نلاهات لعاوباهت وا ها لعي افههت‪ ,‬سااهت يف لفآلنهخ لضسه ة ل يف هي لصله ج لت ل يه ة‬


‫لعو ياوفدا لعاامل لعاو م انلت ل حولك شايب هذل جانب‪ ,‬ل جانب لفآسو لصد ها ما ياوفخ شبام لصل لعذي‬
‫ن مهي فاههخ لكه عهها عمهها ناهاعما لعكههوم هههذه لعا ههال لعهو اطوفههت ديماهاً ل فكويهاً ل ه ت اهاً نه ه هههذل هخ‬
‫ل طولم ا ا ي‪ ,‬ن فع لعاا ويبت غاعااً‪.‬‬

‫ل مهها مه مفكههو يف لعاههامل لعاههو ال ل ههان ع ي افههت نصههاب مه فكههوه‪ ,‬نوهها علههحو لإلاه ل ن مهها ن اههاذ ط ه ر‬
‫لصلهعاات عها فاههي به هو مه بهي لههذل ب اعههخ‪<<:‬لع ده أي فمها مه حبهو لض ها >>‪ ,‬أل نوهها عيو هوة عففاهت ل يههوة‬
‫ل هذل ما نشد ه عألاف مع مي فاما لعاا ‪.‬‬

‫طوح بمكدت ساات ل أ يو ج يت مع لصفكو ل لئهوي‬ ‫ما ا لعي افت ل اصدا ل أن اهنا ل مااوها‬ ‫ل عك‬
‫"مالــب ــي ـ "‪ ,‬هههذل لصفكههو لعههذي ه ه ل اههب جههي فكههوه يف حمالعههت عوا ه لصشهها ي لل ههانيت لعههو ياههاين ممدهها‬
‫لإلنل ههان ساا ههت‪ ,‬نل ههان لعا ههامل لعياعه ه ‪ ,‬ل ح ههالل مه ه سه ه ل فك ههوه أن يواه ه نله ه اً ح ههانياً مه ه سه ه ل ا له ه ت‬
‫ا لع ه ل لعفااعاههت‬ ‫"مشـ ـكالت الحضـ ـارة" لعههو أ طاههها با ه لً ع خههولل م ه أ مههت لع خ ههف ل لعو ههاد ل لع ك ه ي‬
‫ل لعبما ‪ ,‬ل ن للي يكع م لعذلت ال لفآسو‪.‬‬

‫‌‬
‫ب‬
‫مـقـ ـ ــدمــة‬

‫أن نصي ا هذه لضه لف ال م س ل نا امل ايف يل جمبهاً ا جمهب مهع اه لع ها عصهمع‬ ‫ل ال ميك‬
‫ههى تعههي ناههاع خ لعكه هانات ل لل ههانيت‪ ,‬ضن لص ه ه مي ا لل امهها ب ه فاههخ أن ههامل افههت هههذل لإلنلههان‬ ‫نلههان ههادنلً‬
‫و لإلنلان لصاااو ها امل ايف ممدان متاماً يشكال لعا يه مه لفآههات ل لض مهات لعكه مه طبااهت‬ ‫ل أسص باعذ‬
‫لإلنلههان لصل ه لع فههاال لهههذل مهها ه ه م ه لصفكههو "مالــب ــي ـ "‪ :‬فكيــي كنكــي نكــخكي ع لمــق فــال قــاف‬
‫كفيل إلراج اإل سان العر مي هـذ‬ ‫ف ظل مشكمة القي ؟‪ ,‬عهل النشرعع الثقـاف الذي قدمه مالب ي‬
‫األزمات ع النكسات؟‬

‫ل ن مه أه ه لع نلاههات لعههو امالعههت هههذه لصشههك ت‪ ,‬ل أ صه همهها لصشههك ت لعي افههت يف حبايهي هههذل مههي ً‪ :‬مههذ وة‬
‫لعااب ه مادههام لعههو ام هالعت لعفكههو لعوبههاي صاعههك ب ه نههيب‪ ,‬ل موج هع حملع ه ب ه لدي لعههذي اهها ين يف فد ه ل ت اههي‬
‫لصشول لل اني صاعك ب نيب‪.‬‬

‫ل عكه ن ه ت ههى لصصههادن بههاعوغ م ه اههافو لصولجههع لعههو امههالل فده لصشههول لل ههاني صاعههك به نههيب‪ ,‬سااههت‬
‫اباههت شههول لعمد ههت ل مشههك ت لعي افههت‪ ,‬فك اب هخ شههول لعمد ههت امههالل فاههخ ف ههخ لل ههانة ل حو دهها ل اا هممدا لعكاناههت‬
‫ل النامد ها‪ ,‬ل ابههخ أي هها مش هك ت لعي افههت صاعههك ب ه نههيب لعههذي له ه باههامل لعي ه افت ل أه ه لضفك هان لعههو اما هش هههذه‬
‫لصشك ت‪ ,‬ل م أجي ت ا فد امي ع عشك ت لعي افات يف ي أ مت لع ا نا يت أن أابع لصمد لع ح اه ي‬

‫ألالً‪ :‬ص همااب خ مههع لصا هها ل اناهاً‪ :‬ضين أندت أن أح ههي أفكههان ماعههك به نههيب بشههكي مبلههط ل مالههو‪ ,‬عهها أ طههي‬
‫اانة‪ ,‬أ يو وباً بال اما ل لاع ما لعولهمت‪ ,‬ل أحااناً مت أابع لصهمد لعم ه ي عكهي ال أ هع فاعها ل اهت فاهخ لع نلاهات‬
‫لصد عت عفكهو ماعهك به نهيب‪ ,‬ههذه لع نلاهات اباشهوت ل اباههت بفكهو ماعهك به نهيب‪,‬ف نها يف حبيهي ههذل مل أجه ل ال‬
‫موجع ياجخ ن لً ضفكان ماعك ب نيب م غ ااصب أل س فات‪ ,‬لحالعت يف ي هذل أن أ هول ة ماوفاهت ج يه ة‬
‫هت فصهال‪ ,‬حاه‬ ‫يذل لعفكو ‪ ,‬ل ع لع مت باكطت لع اعات م أجي لعااال ا ه فما هذل‪ ,‬ل لكطت ا كهان مه‬
‫أن عكي مبح مااو‪ ,‬ل لكطت اع ايل‪:‬‬ ‫حي اي ي فصي ى جمعا ت م لصباح ‪ :‬حبا‬

‫فالفصل األعل ‪ :‬مالنخ ماعهك به نهيب ل ممدجهخ يف لع فكه حي هاي ههذل لعفص هي هى هت مباحه دها اه لن‬
‫يف ف ههك للح ه ‪ ,‬ب ليههت حباههاة ماعههك ب ه نههيب ل أه ه مما لهتهها‪ ,‬ل يف لصبح ه لعيههاين أه ه لعاالمههي لعههو اهها ت يف ا ه ي‬
‫فكوماعههك ب ه نههيب ل أس ه لً ممدجههخ يف لع فك ه ل اههف انههت دنلاههات ماعههك ب ه نههيب ع ا ههاات لعههو متوهبهها لل ههانة‬
‫لإلنلانات‪ ,‬عا أين أعاح يف أذههانك أن ههذل لعفصهي مل يكه نح هت يف حا هاة ماعهك به نهيب‪ ,‬بهي حالعهت أن أ ه يف‬
‫هذل لعفصي أه لص امات ل لعو ائ لعو شك ت شخصات هذل لصفكو‪.‬‬

‫‌‬
‫ت‬
‫مـقـ ـ ــدمــة‬

‫ل ع متا ماعك به نهيب به ن مشهول خ هان بهانًة ه سطابهاً ح هانياً عإلنلهانات امهت ل سااهت لضمهت لإلاه مات‬
‫فكههان م هالن الفصــل الثــا ‪:‬لكطههام لعمد هاي لعي ههايف يف فكههو ماعههك به نههيب‪ ,‬ل لح ههاإ هههذل لعفصههي ههى ه‬
‫مباح ‪:‬‬

‫فاصبحه لضلل اط هو ت فاهخ ا أهه بما هت يف مش هك ت لل هانة ل هها لإلنل هان مه ناحاهت لضلعايههت ل أ ها خ ل‬
‫لعامصو لعياين اك عت اصهماف لعبهمااي لعذي ميا لإلنلان ل لإلنل هان لفآسهو مه ن هاحات لعهع هحاط ل لضفكهان ل‬
‫لعامصو لعياع لياك ت ل لع اع ات لعوبايت لعو مدا ماعك ب نيب حملالعت بمها نلهان يله طاع لع اها باعاعهي لل هاني‬
‫وا اك فخ لعلهم ل يك فخ لعالجب لإلنهلاين‪ ,‬أمها لصبحه لعيهاين اطو هت فا هخ ا أ اهت فكهوة لع اجاهخ ل مه إ فا ا دها‬
‫ل دلنها يف لعبما لل اني م ناحات لصفدا ل لضه لف يذه لعفكوة لعاهي لع هان يا ه أن ماعهك به نهيب ه لجدهخ‬
‫مشول خ لل اني م نالح ت لعي افت ل لعاعي ل لصال ‪.‬‬

‫عذلعك اطو ت يف لصبح لعياع ا لصشول ل لع اجاخ لعي هايف‪ ,‬ب ليهتً مه لعي هافت‪ ,‬للعي افهت فكهوة سااهت لههذل‬
‫افات‬ ‫لع اغي يف ااني لصفدا ‪ ,‬ب ن ما حالعت أن أجاب‬ ‫م ناحات لالنط ر ل لع اا ‪,‬ل ع ل ع ت‬
‫ميك اطبا لعي افت يف لعال ع‪,‬ضن مها حن اجهخ لعاها عها لصفدها ب ه ن ع اهت لصفدها ‪ ,‬ل ضن هامل لعي هايف ه لج احهخ‬
‫لالنش ار ل لع ص ‪ ,‬فحالعت م هذه لع ول ة أن أ اصانل عاا ع يه افت أ يهو ممهخ حبه يف لصفدها ‪ .‬ل ذعهك مه‬
‫س ه ل ا ه م لع ح اههي لعمفلههي ع ي افههت ل م ه س ه ل دلن لصي ههف ل ناههاع خ يف لع ههون لعالح ه ل لعاش هوي فكههان هههذل‬
‫لعفد لعشامي ع ي افت ‪.‬‬ ‫لعفصي لعياين يبح‬

‫أما يف الفصل الثالث ‪:‬ل با مها ااوفما ى افات ت لعي افت نفويا ‪ ,‬اطو ت يف لعفصهي لعياعه ا لعو اهب ل‬
‫لع طبا لعاع ي ع ي افت يف لع اني ل لعوبات مع أه لعامااو ل لص امات لعي افات ل م إ أ ا دا ل ا ها ى مشك ت‬
‫لع ا ‪,‬ل ساات لعامصوي لع اجاخ لضس يف ل لعذلر ل عايل ل م إ ا يدعا ى جانب لع ا ‪.‬‬

‫ل يف لصبح ه لعيههاين اطو ههت فاههخ ا أه ه لعلههعات ل لصعا ه لت لعههو جت ههت يف لعي افههت لإلا ه مات لصاااههوة ‪,‬حبا ه‬
‫ما ان اش هعي اخ لعيه افت م لع ففات‪ ,‬ل لعفخول لص ي ‪ ,‬ا يوة ل ه ل ل ا ه م لصهبنلت ‪ ,‬لماه ة لعذنيهت ل لع ج ئهت‬
‫لعو أاابت فكو لإلنلان‪ ,‬ا موض ال سو لع اامل لعذي ان ا ه ى لعل اك ل لعفكو ش ي لً‪.‬‬

‫ا ههت لما ه ة أح ه ت ههجت يف لعا ههامل لعا ههو له ههي لع اب ا ههت عإلا ه اعان ل مه ه إ ا ههافو لعش ههول لع م ههت الاه ه بال‬
‫لالا ه اعان ل لعوحاههب بههخ‪ ,‬ال أن هههذه لض هولض هههي ههت ماجههادة عفههولف ل أاههبام تههاط باإلنلههان‪ ,‬ال أن هههذه‬
‫لض هولض ميكه لع دها مه سه ل باههض لل هال لعا جاههت إلسهولل لعي افههت مه هههذل لعال هع‪ ,‬ا لل ههع سهو مه سه ل‬
‫مااو ي ة‪ ,‬ال أين ن ت يف حبيي هذل ا أه لعامااو لعهو امااهب مهع هولفما ل مهع حاع مها لعولهمهت‪ ,‬مه هادة‬

‫‌‬
‫ث‬
‫مـقـ ـ ــدمــة‬

‫اة لعا ات لإلج عا ات‪ ,‬لا م لعالجب لل لعذي طاصا اطاعب بهخ اهع مسالهات لجمل عهع لصه ين‪ ,‬ا هادة‬
‫اعت ل مكانت لعا ت للعولم عصمع لصاادعت لل هانيت‪ ,‬للعه خ ص مه لع اب اهت عإلاه اعان‪ ,‬عها لإلاه اعان لعالهكوي‬
‫بي لإلا اعانلعفكوي ل لإل صادي ل لعلاااهي‪ ,‬ل اصهفاخ لعي افهت ل ل ها لعي هايف مه لعا يه مه لضمهولض ل لفآفهات‬
‫ا لع اجاخ لعوباي ل لال صادي لعذي ال ميك اح لصشول لعي ايف البخ‪.‬‬

‫ل يف لصبح لضس اطو ت فاخ ا ا م ن ل ا ام ع عشهول لعي هايف صاعهك به نهيب ل حالعهت ح ا هت أن أ ه‬
‫ول ة ماويفات يذل لصشول لل اني لعبمااي‪.‬‬

‫ليف لضس الخاننة ‪:‬لعو انت س ات عبح هيي مه سه ل أهه لع ااهاات عبمها هامل هايف اه ا ي هف جمبها‬
‫ا جمب عل لع ا ‪ ,‬ل لعا اف ا اع لعوهانات لل انيت ل ي ة لعو الااوف ال باإلنلان لصي ف لعال ي‪.‬‬

‫أه لضابام ل لع لل ي لعهو دفا ه ا ا ههذل لعبحه ممدها أين عها مهت نلجاها ا لإل امهت‬ ‫ل نم ب‬
‫ات ب جئ أ مهد أهن ااني فه فكو دلئعا ماذل عا ان ع ناا امل ايف يهسم بالويهت ل لعا لعهت‬ ‫أ ما دنلاو ‪ ,‬لع‬
‫هولطات ل عالت هذه مطاعب لصل ج لت ل ي ة بي هي طباات ماجادة يف اف ما ل ساات اف ما‬ ‫ل لعكهولمت ل لع مي‬
‫هتالنما ل افما أنجع لعي افت لإلا مات لصاااوة ا لع اف للع هان‪.‬‬ ‫لإلا مات‪ ,‬لعك‬

‫ل ما ي ي ين حو ت ى لل اما ل ساات ل هاما لعي هايف أين مهت أيفهي يف ح ابهو أفكهان تعهي يف طااهتها هولنة‬
‫ا اه مها ب نفلهما ل ا اه مها بال امها ن مل ن هي بااصمها هخ‪ ,‬لههذه لضفكانبطبااهت للهال ههي لب كهان مه أاهي ل مههمد‬
‫ف لهفي حبهت‪ ,‬أمها ه لضاههبام لضسهوإ ههي له عهامي بههاعفكو لعاهو لعهذي حي هال ممهها بهاحي لعاعهي لعكيه لعههذي‬
‫يسم باصولجات ل لع ا يي ل لعم اب اا أن اي هذل لعفكو ل أ ص لعفكو لعاو يال ب لع طانلت للاعات‪.‬‬

‫لعصاابات لعو للجد هي ‪:‬ا انم لصولجع يف فدعدا صاعك ب نيب ل اما هدا أحاانهاًمع اشهاب فكهو‬ ‫أما‬
‫ماعك ب نيب حبا موة يل ب ل " كارل ماركس" ل "هيغل" لغ ه م لصفكوي لع هوبا ‪ ,‬لمهوة يله ب ل " الرسـخل‬
‫صمى اهلل فميه عسم " ل "فنر ي الخطاب"‪ ,‬مما يصاب اما لع بط لع ا عألفكان ماعك ب نيب‪.‬‬

‫ليف لضس أمت أن أ ان لف ت يف ا م ول ة ماويفات ج يه ة عفكهو ماعهك به نهيب ل ل هذن ع هانإ ه هي‬
‫حشا أل ن ص يف مااو ي فكوة م أفكان هذل لعبح أل جتاه ت فكوة ل ااع ت يف لضسوإ أل ب ن مه تويفها‬
‫أل سط ع ت فدعي ل افي يف لع ح اي ل لهلل ه لصاف ل ها م لنل لع ص ل ها أه إ لعلباي‪.‬‬

‫‌‬
‫ج‬
‫فهرس‬
‫الموضوعات‬

You might also like