You are on page 1of 1

‫جمع الطحالب البحرية‬

‫تنظيم الحرفة ومعيش الحرفيين‬


‫مقدمة‬

‫يستفاد من عبارة الجمع‪ ،‬أن من يقوم بفعل الجمع يضم أشياء إلى بعضها‪ ،‬سواء أكانت متجانسة‬
‫بطبيعتها أو بوظيفتها‪ ،‬مثلما نقول جمع األوراق – من نفس الطبيعة ‪ -‬أو جمع معدات النجارة – نفس‬
‫الوظيفة ‪ -‬أم ال متجانسة كأغراض السفر؛ التي منها ما يلبس ومنها وثائق إثبات الهوية‪ ،‬وضمنها أدوات‬
‫النظافة الجسدية‪ .‬وسأقتصر على داللة الجمع بمفهوم ل ّم أشياء متجانسة ذات خصائص مح ّددة‪ ،‬في أنها‬
‫طحالب تنمو وتستخرج من البحر‪ .‬وأقصد بأنها تستخرج أي يتم اقتطافها بفعل بشري‪ ،‬أو يتم التقاط بعضها‬
‫مما تلفظه حركات الموج‪.‬‬
‫ويتبادر سؤال‪ :‬هل تعلم اإلنسان القديم االلتقاط والصيد بأساليب شبيهة بما نعرفه اليوم لنطلق على‬
‫هذا النشاط أو الفعل تسمية حرفة أو مهنة "االلتقاط والجمع"؟ يفيدنا علم الحفريات ‪la paléontologie‬‬
‫أن اإلنسان القديم كان يجمع القواقع وأنياب الفيلة النافقة ويستخدمها كحلية‪ ،‬مثلما يلتقط ويجمع الثمار وبقايا‬
‫اللحوم ليقتات بها ضمانا لبقائه على قيد الحياة‪.‬‬
‫نبعت من نشاط االلتقاط والجمع‪ ،‬بواكير ثقافة بشرية تراكمت حلقاتها‪ ،‬وانتشرت عبر عشرات‬
‫ّ‬
‫وحث فضوله الكتشاف‬ ‫اآلالف من السنين‪ ،‬كان فيها دافع الحاجة محركا أساسيا لتطور مهارات اإلنسان‪،‬‬
‫سبل حفظ الحياة؛ كان أهمها اكتشاف إشعال النار‪ ،‬الذي ساهم في تج ّمع أفراد من الجنس البشري حولها‪،‬‬
‫طلبا للدفء واألمن من فتك الحيوانات المفترسة وطهي طعامه‪ .‬ثم ما لبث أن شرع في تشكيل ما يجد من‬
‫مواد في محيطه؛ خشبا وحجارة وطينا عرف بعدها تشكيل ما اكتشفه من نحاس وحديد‪ .‬فاحترف صناعات‬
‫كانت تتطور بما ابتكره من حيل لتطويع المادة مستعينا بما أنتجه من أدوات عبر العصور‪ .‬وظل يعتمد‬
‫على النار (الطاقة) في السلم وحاالت الحروب حتى يومنا هذا‪.‬‬
‫ويالحظ أن اإلنسان‪ ،‬مثلما رافقه االبتكار في ما زاول من حرف‪ ،‬ما يزال محتفظا بنشاط االلتقاط‬
‫والجمع‪ .‬من هنا برزت فكرة نهج األسلوب العلمي إلجراء دراسة – وإن جاءت متواضعة شكال ومضمونا‬
‫– لجمع الطحالب البحرية في منطقة محددة في الساحل الممتد بين مدينة الجديدة والوالدية‪ .‬حيث بلغ عدد‬
‫الممارسين لهذا العمل عشرة آالف‪ 1‬فرد من ساكنة المنطقــة؛ رجال‪ ،‬نساء‪ ،‬وأطفال – منهم من لم يتجاوز‬
‫سن العاشرة – يتوافدون كل صباح من أيام شهر يوليوز من صيف كل عام‪ ،‬في جماعات غير منتظمة‬ ‫ّ‬
‫إلى الشاطئ‪ ،‬يظلون في عمل متواصل‪ ،‬وال يغادرون البحر إال قبيل الغروب ببضع دقائق! وآخرون على‬
‫قوارب محملة بشباك ليس ما بها أصناف من الحوت‪ ،‬بل طحالب بحرية‪ .‬يتوجهون إلى جانب من الشاطئ‪،‬‬
‫مخصص لتفريغ محصول ما جنوه من الطحالب‪ .‬ليح ّمل على شاحنة إلى الميناء‪ ،‬حيث إجراءات وزن‬
‫ي من بدلة‬‫وتسجيل وضبط دقيقة‪ ،‬ينتظر كل طاقم قارب دوره لساعات قد تطول‪ ،‬قبل أن يتحرر كل حرف ّ‬
‫الغطس "المقرفة"‪.‬‬
‫سنلقي من خالل هذا البحث نظرات من زوايا مختلفة تقربنا من المعيش اليومي لهؤالء الحرفيين‬
‫في عالقاتهم مع محيطهم البيئي واالجتماعي‪ ،‬وتمثــــالتهم عن جمع الطحالب البحرية – كحرفة – وكنشاط‬
‫يشكل نواة تجعلهم يترابطون بشبكة معقدة من العالقات – ح ّد التناقض – بتنافسهم وتضامنهم وتعاونهم‬
‫وتكافلهم وتنافرهم حول تنظيم حرفتهم‪.‬‬

‫حسب تقرير مندوبية الصيد البحري " ‪ " DPM‬عن الطحالب البحرية بالجديدة (‪)2020-2015‬‬ ‫‪1‬‬

You might also like