You are on page 1of 17

‫نشأة المسكن في المدن‬

‫م‪/‬فيروز مصطفى إبراهيم ‪2019/04/24 -‬‬


‫كلية الهندسة ‪-‬جامعة طرابلس‬

‫مقدمة‬

‫المسكن هو الملجأ بالنسبة لإلنسان‪ ،‬وسواء قديما أوحديثا فإن هذا المفهوم اليزال سائدا حتى عصرنا‬
‫هذا مع اإلختالف في الحاجات وطريقة العيش وأساليب ومواد البناء‪ .‬وقد كان تطور "الملجأ" عبر‬
‫الزمن صورة عكست تطور الجنس البشري والتغييرات التي طرأت على حياته وكانت المحرك‬
‫األساسي لنشأة وتطور التجمعات البشرية وظهور المدن بشكلها البدائي الذي تطور مع الحضارات‬
‫المختلفة‪ ،‬التي ظهرت بشكل مترادف في بقع مختلفة من العالم‪ ،‬لقد ارتبط المسكن بتكوين‬
‫الحضارات األولى وكانت هذه الوحدة التي يلجأ اليها اإلنسان عند هبوط الظالم أوظهور األخطار‬
‫هي أكثر مظاهر التطور لدى اإلنسان ففيها ظهرت حاجة اإلنسان الستخدام أدوات مختلفة‬
‫وفراغات مختلفة كأماكن النوم والطبخ واالحتفاظ بالطعام‪ ،‬وهو ما كان متبعا عند الحياة في وحدات‬
‫منفصلة بشكل تجمعات صغيرة تضم عددا محدودا من األشخاص يعيشون معا‪ ،‬لكن مع اكتشاف‬
‫النار والعمل بالزراعة وتربية الحيوانات ظهرت التجمعات األولى لإلنسان كمجتمع صغير‬
‫متكافل(جبور‪،‬د‪.‬ت)‬

‫يمكن اعتبار أن المسكن والحاجة إلى السكن بالتحديد هو ماساهم في تطور المجتمعات والتحول من‬
‫جماعات هائمة في الطبيعة بحثا عن الماء والغذاء وتلجأ عند هبوط الظالم إلى الكهوف واألدغال‬
‫بحثا عن الحماية من قوى الطبيعة ومن المفترسات‪ ،‬إلى جماعات تقيم معا تنظم نفسها وتصنع‬
‫الدفاعات الكفيلة بالذود عنها وعن ممتلكاتها‪.‬‬

‫تعريف المسكن‬

‫المسكن هو المنشأة التي يأوي إليها اإلنسان وعائلته للعيش‪ ،‬واالحتماء من عوامل الطبيعة‪،‬‬
‫ولقضاء احتياجاته اليومية خارج نطاق عمله‪ ،‬ويستخدمه للراحة والنوم‪ ،‬وتحضير الطعام وتناوله‪،‬‬
‫واللقاءات األسرية واالجتماعية‪ ،‬وممارسة بعض النشاطات والهوايات األدبية أو الفنية أو الرياضية‬
‫أو الترفيهية أو اإلنتاجية‪.‬‬
‫المسكن عبر التاريخ اإلنساني‬

‫تغيرت أنماط السكن وأساليبه وأشكاله واستخداماته عبر التاريخ اإلنساني‪ ،‬وتطورت مع تطور‬
‫مفاهيم اإلنسان وثقافته وبيئته وعلومه وابتكاراته المتجددة‪ ،‬وعند النظر للمسكن كوحدة مكونة‬
‫للتجمعات البشرية التي نتجت عنها المدن بالصورة التي نعرفها اليوم نجد أنواعا مختلفة من‬
‫المساكن‪ ،‬وطبقا للتسلسل التاريخي يمكن تصنيف المسكن إلى عدة مراحل عبر التاريخ تبدأ من‬
‫ظهور اإل نسان في آخر مليون سنة من عمر األرض الذي يتجاوز أربعة آالف مليون سنة على‬
‫األقل ‪ ،‬يبدأ التأريخ للسكن في العصر الحجري بظهور اإلنسان المنتصب وهو أحد التطورات‬
‫المهمة للجنس البشري وقد اعتمد مسكنه األول كأول المساكن المأهولة من قبل البشر وقد تم‬
‫تقسيمها إلى مايلي ‪:‬‬

‫أ ـ العصر الحجري القديم األسفل (قبل أكثر من مليون سنة)‪ ،‬سكن اإلنسان المنتصب الكهوف التي‬
‫استخدمها ملجأ‪ ،‬وكان يؤوي عددا كبيرا من األشخاص طبقا لحجمه الذي قد يكون كبيرا نسبيا في‬
‫ّ‬
‫وخزن فيها ماكان‬ ‫بعض األحيان‪ ،‬أجرى االنسان تحسينات على الكهوف وقام بنحتها في الصخر‪،‬‬
‫يجمعه من صيد وثمار‪ ،‬ومارس فيها طقوسه الحياتية‪.‬‬
‫ب ـ العصر الحجري القديم (قبل ‪ 300‬ألف سنة)‪ ،‬وجدت مخيمات تظهر أول أشكال االستيطان‬
‫الجماعي‪ ،‬مؤلفة من أكواخ مستطيلة أو بيضوية الشكل من األغصان وجذوع األشجار‪ ،‬كما ظهرت‬
‫شواهد تدل على أن اإلنسان بنى لنفسه أكواخا من جذوع األشجار وعظام الحيوانات‪ ،‬و ّ‬
‫غطاها‬
‫باألغصان واألوراق وجلود الحيوانات‪.‬‬
‫جـ ـ في العصرين الحجري الوسيط والحجري الحديث (قبل عشرة آالف سنة) عرف اإلنسان‬
‫الزراعة واستئناس الحيوان‪ ،‬وظهرت مستوطنات من بيوت منفردة من جذوع األشجار والجلود‪،‬‬
‫متجمعة بانتظام‪ ،‬وأحيانا تكون ـ على شكل سكن جماعي ـ مبنية من أعمدة خشبية وجذوع أشجار‬
‫وأغصان‪.‬‬
‫وهكذا ظهرت المستعمرات السكانية التي كانت صغيرة أحيانا وكبيرة في أحيان أخرى وذلك يعود‬
‫لموقعها ووفرة الماء والغذاء إضافة إلى سهولة العمل في األرض وزراعتها‪ ،‬وكانت هذه المساكن‬
‫األولى تتميز بكونها فراغا واحدا تمارس فيه األشغال واألعمال اليومية كالنوم واالحتفاظ بالمقتنيات‬
‫الشخصية وتخزين المؤونة والطبخ الذي كان يمكن ممارسته في الخارج إضافة الى الحرف‬
‫واالأشغال وصناعة ما يلزم المنزل وسكانه‪.‬‬
‫منذ األلف الرابعة قبل الميالد بدأت تظهر أولى الحضارات في األراضي الخصبة حول مجاري‬
‫األنهار؛ بدءا من بالد ما بين النهرين (دجلة والفرات) والعاصي وصوال إلى وادي النيل‪ ،‬وظهر‬
‫أول أشكال االستيطان على شكل قرى ومدن‪ ،‬ظهرت معها الكتابة‪ ،‬وانتشرت عالقات التبادل‬
‫التجاري‪ .‬ونشأت مثل هذه الحضارات في وادي الهندوس في األلف الثالثة قبل الميالد‪ ،‬وفي شانغ‬
‫الصينية في األلف الثانية قبل الميالد مرورا باإلغريق والرومان في حوض البحر األبيض‬
‫المتوسط‪ ،‬والمايا واألنكا في المحيط االطلنطي‪ ،‬وصوال إلى العصور الوسطى والحضارة‬
‫اإلسالمية حتى عصور االكتشافات والنهضة العلمية‪.‬‬

‫شكل (‪ )1‬يوضح نشأة الحضارات القديمة وفقا للخط الزمني المصدر‪https://s-media-cache-ak0.pinimg.com :‬‬

‫لقد مر المسكن بمراحل تطورية عديدة عبر الزمن طبقا للموقع الجغرافي والمناخ السائد في منطقة‬
‫بنائه إضافة الى المواد التي كانت متوفرة ويسهل استخدامها لبناء المسكن‪ ،‬كما كان جزء رئيسيا من‬
‫تكوين المدن التي قامت بسبب وجود عدد كبير من األشخاص في مكان واحد وجب تنظيم حياتهم و‬
‫نشاطاتهم واستخدامهم لزراعة األراضي واستخراج الموارد وتوفير األدوات والسلع الالزمة لحياة‬
‫الناس‪ ،‬فالناس في مكان واحد يجمعهم كثير من العوامل منها ‪:‬‬

‫‪-‬الوالء للقائد أو الملك‬ ‫‪-‬العبادة‬ ‫‪-‬رابطة النسب‬ ‫‪-‬رابطة الدم‬ ‫‪-‬األرض‬


‫‪-‬تبادل الخبرات والخدمات‬ ‫‪-‬المصير المشترك‬ ‫‪-‬الحاجة الى العيش المشترك‬
‫ظهور المدينة‬

‫لقد ظهرت المدن للوجود منذ خمسة آالف سنة أوأكثر وذلك تطورا من القرية‪ ،‬التي بدأت من توجه‬
‫إنسان العصر الحجري الحديث لالستقرار واالعتماد على النشاط الزراعي في معيشته‪ ،‬وكانت‬
‫القرية مأوى لمجموعة من المزارعين أي مجموعة وحدات سكنية تطورت على أساس المأوى‬
‫الثابت‪ ،‬وشيدت بما توافر محليا من مواد صالحة لإلنشاء‪ .‬ونشأ عن ذلك تجمعات أوقرى أهلت‬
‫للترابط والحماية‪ ،‬وبرز ضمن مجموعة الوحدات السكنية سكن رئيس القرية والذي تحيط به‬
‫مساكن الفالحين وكان التكوين متشابها من ناحية الفراغات و المساحة واالختالف الوحيد هو‬
‫توسطه الموقع‪ .‬كانت معظم مواقع التجمعات في السهول توجد على ضفاف الوديان تفاديا ألخطار‬
‫سيول الوديان مهما اتسعت واالستفادة من مياه هذه السيول بزراعة بطون الوديان أوتخزين مياهها‬
‫خلف السدود والمدرجات أوفي صهاريج شيدت بمجاري الوديان ورفعت فتحاتها الستقبال المياه‬
‫فقط‪ .‬أما المدن الساحلية فشيدت على الخلجان والبحيرات الداخلية ومصاب الوديان لالحتماء بها‬
‫واالستفادة منها ولتصريف األمطار إليها‪.‬‬

‫التطورات التي طرأت على القرية استنادا إلى ماعرف بالنسبة للتطور الحضري بكل من منطقة‬
‫حوض النيل ومابين النهرين والحضارة اإلغريقية ومالحقها من حضارات تتمثل في مجموعة‬
‫عوامل من أهمها إدخال العنصر الديني على السكان لتدعيم سلطة الرئيس واعتبار هذا الرئيس‬
‫رمزا أو ملكا ممثال لآللهة‪ ،‬واستوجب ذلك بناء المعبد والقصر أوغيرها من المنشآت التي يمكن‬
‫التركيز عليها كمنشآت دينية ورمز للسلطة ‪ .‬كما ظهر السوق في القرية كموقع أوساحة لتبادل‬
‫السلع أو المنتجات الزراعية أوفائض اإلنتاج الزراعي أوالحرفي عند تطورها‪ ،‬إن المدينة عند‬
‫ظهورها في إطارها المتكامل كما تم وصفه لم يتغير شكلها الخارجي بما احتوته من أسوار وستائر‬
‫وأبراج وخنادق وبوابات حتى القرن السادس عشر الميالدي‪ ،‬أال أنها تطورت بماظهر بها من مهام‬
‫ووظائف حضرية جديدة‪ ،‬فقد تعددت منشآتها وأضيف للمعبد والقصر وساحة السوق العديد من‬
‫المنشآت الجديدة ‪ .‬فقد أتاحت المدينة إمكانية االجتماع للمواطنين من خالل أسواقها ومنشآتها‪،‬‬
‫فاتسعت ساحة السوق وتحولت إلى آجورة في النظام اإلغريقي أوفورم في النظام الروماني وأسواق‬
‫تخصصية أورحاب في المدن اإلسالمية ‪.‬‬

‫ومع التطور في شكل وحجم المدينة تطورت أشكال السكن وحجم المسكن‪ ،‬فمعظم المدن القديمة‬
‫قامت على نظرية الطبقات أوالحلقات حلقات السلطة والنفوذ التي كانت تحيط بالقصر أومركز‬
‫السلطة وفيما تنوعت أنواع المساكن داخل وخارج المدينة حافظت معظم المدن على توزيع‬
‫الوظائف داخل المسكن بحيث التتغير مع زيادة حجمه‪ ،‬كما كانت الطبيعة أو المناخ تحديدا محددا‬
‫أساسيا في تصميم المسكن وبنائه إضافة إلى العامل السياسي الذي يحدد الطبقة االجتماعية لسكان‬
‫المنزل وبالتالي حجمه ومكانه (بالقرب من منطقة القصر ومكان العبادة والسوق) أوبعيدا عنها ‪.‬‬
‫وبالنظر إلى التطور التاريخي للحضارات التي قامت في العالم القديم وكانت التطور الطبيعي‬
‫للتجمعات اإلنسانية والقرى التي عاش فيها اإلنسان األول يمكننا رصد المالمح األولى لمساكن‬
‫المدينة وترتيبها الوظيفي ودراسة تطورها عبر الزمن‪.‬‬

‫المسكن في مدن العالم القديم‪:‬‬

‫‪ ‬المسكن في مدن ما بين النهرين(حوالي ‪ 3500‬ق م)‬

‫تعود مدن حضارة ما بين النهرين إلى حوالي ‪ 5000‬سنة مضت ‪ ،‬وتميزت بالطبقية حيث كانت‬
‫منطقة القصر الملكي ومايحيط بها من مباني تخص طبقة الرهبان تقع داخل منطقة مسورة بالمدينة‬
‫تليها منطقة ذات االتصال المباشر بالملك (الطبقة الخاصة) ثم مجموعة السكان‪.‬‬

‫عند تصورنا للمسكن البابلي مثال كان هناك فناء مركزي مع مجموعة من الغرف المحيطة من كل‬
‫جانب‪ ،‬وكانت أكبر غرفة هي غرفة المعيشة وتقع دائما إلى الجنوب تواجه الشمال‪ .‬أما الجهات‬
‫الثالث األخرى فتقع غرف أصغر تستخدم للطبخ وتخزين المؤونة والنوم‪ ،‬قد التكون موجودة في‬
‫المنازل الصغيرة بينما المنازل الكبرى تحتوي عددا أكبر من الغرف وأحيانا يكون لديها أكثر من‬
‫فناء مع غرف من حولها وهي منازل تعود للعائالت الثرية أوالممتدة حيث يقيم األبناء المتزوجين‬
‫مع آبائهم في المنزل‪) SAGGS،1965( .‬‬

‫شكل (‪ )2‬يوضح منظور داخلي للمنزل البابلي المصدر‪http://www.diomedes.com/hmcsaubaidG.jpg :‬‬


‫‪ ‬المدن المصرية (الفرعونية) (حوالي ‪ 3000‬ق م)‬
‫وصفت المدن المصرية بمدن األموات‪ ،‬فقد قام النظام الفرعوني على اعتبار فرعون إله لذلك كانت‬
‫اإلمكانيات كلها مسخرة له‪ ،‬وكانت قصوره المرتبطة بالمعابد ومايتبعها من منشآت تخص الكهنة‬
‫أومقبرة الفرعون التي سيوارى فيها بعد مماته تصمم جميعها للتعبير عن استمرارية حياته في العالم‬
‫اآلخر وبقاء قدرته ومثلت هذه المعتقدات أهم خصائص المدن المصرية‪ .‬أما مدن العامة فلم تكن‬
‫مسورة ‪ ،‬فقد كانت األسوار تحيط بالمباني ومكوناتها الداخلية حاجبة إياها عن الطريق‪ ،‬وكانت مدن‬
‫العامة تنقسم الى تجمعات تضم أصحاب المهنة الواحدة أوالعاملين في مكان واحد فكان هناك قرى‬
‫العمال والمهندسين و الكهنة ‪...‬إلخ‪.‬‬

‫شكل (‪ )3‬يوضح منظور خارجي للمنزل الفرعوني المصدر‪http://www.touregypt.net/featurestories/amarnahouse.htm :‬‬

‫مثال للمسكن الفرعوني في تل العمارنة فخارج قرية العمال كان البيت أساسا منزل ريفي على‬
‫مساحة كبيرة ويحيط به فناء يضم حديقة ومطبخ وإقامة الخدم واالسطبالت والصوامع‪ ،‬محاطا‬
‫بسور عال مربع أو مستطيل الشكل موجهة بموازاة النهر‪ ،‬وتتألف من قسمين محددة جيدا الخاص‬
‫والعام‪ .‬في القسم العام كان هناك ماقد كان يعتبر غرفة المعيشة التي كانت قاعة واسعة تسمى القاعة‬
‫المركزية‪ ،‬والتي تضاف إلى دهليز المدخل في بعض األحيان وفي بعض األحيان هناك قاعتين‬
‫واسعتين على التوالي وهو االختالف األساسي لمنازل الطبقة الغنية عن منازل الطبقة الفقيرة‪ .‬في‬
‫الجانب هناك منحدر أودرج يصعد إلى البهو الشمالي حيث تقع هناك في األعلى في مواجهة الشمال‬
‫غرفة اإلستقبال الرئيسية التي تحيط بها بقية الغرف‪ ،‬القسم الخاص يتكون من قاعة مربعة تكون‬
‫غرفة النوم الرئيسية محاطة بعدد من الغرف أصغر حجما وحمام ومرحاض كما تحتوي أحيانا‬
‫على قاعة استقبال خاصة بالنساء وغالبا ماتكون غرف النوم في الركن الجنوبي للمنزل والوصول‬
‫إليها عن طريق بهو خاص‪ .‬كثير من المنازل كان لديها معبد خاص عند المدخل الرئيسي عبارة عن‬
‫شرفة يوصل إليها درج مع مذبح آلتون‪ ،‬وخلف المنزل كانت المباني الملحقة كصوامع الحبوب‬
‫(‪) Dunn،2011‬‬ ‫والمخازن واإلسطبالت والمطابخ وقاعة الخدم‪.‬‬

‫‪ ‬المسكن في المدن الهندية (حوالي ‪ 2500‬ق م)‬

‫يضم تاريخ الهند المستوطنات والمجتمعات ماقبل التاريخ في شبه القارة الهندية‪ .‬بداية من حضارة‬
‫وادي السند إلى مزيج الثقافات الهندية اآلرية لتشكيل الحضارة الفيدية وصوال إلى الهندوسية‬
‫واليانية والبوذية‪ ،‬تميزت المدن الهندية بدرجة عالية من التخطيط والتماثل إضافة إلى مستوى متقدم‬
‫من تخطيط الطرق والخدمات وإمدادات المياه والصرف ‪.‬‬

‫[‬
‫شكل (‪ )4‬يوضح المساقط األفقية للمنزل الهندي المصدر‪http://mrholmes.pbworks.com/w/page/23951472/Alec-Jake- :‬‬
‫‪Ancient%20indian%20architecture‬‬

‫مثال لها منازل مدينة هارابا التي كانت تتميز بتصاميم تقريبا متماثلة للمنازل واتجاهاتها‪ ،‬كانت‬
‫بعض المنازل مكونة من غرفة واحدة لكن المنازل الكبيرة كانت تتكون من كثير من الغرف مرتبة‬
‫حول ساحة مركزية‪ ،‬ومعظم المنازل كان لها أكثر من طبقتين أوثالث مايبرر وجود عدد من‬
‫الساللم في أماكن مختلفة من المنزل‪ ،‬يقع المطبخ بالقرب من الساحة المركزية حيث يكون جزء‬
‫مغلق واآلخر مفتوح في الهواء الطلق بينما يجب أن يكون قريبا من باب يطل على الشارع كذلك‬
‫الحمام والمراحيض لسهولة نقل المخلفات‪ ،‬يحتوي المنزل على مكان للعمل ورعاية الحيوانات‬
‫وتخزين المؤن‪ ،‬تقع غرفة المعيشة في الدور األرضي وهي الغرفة الرئيسية للمنزل وأحيانا هي‬
‫الغرفة الوحيدة للمنزل‪ ،‬أما غرف النوم فتكون في األدوار العليا وتزداد حسب حجم المنزل واألسرة‬
‫ومستواها اإلجتماعي‪ ،‬ويستخدم سطح المنزل أحيانا كمكان لالسترخاء أواستقبال األصدقاء أوالنوم‬
‫في الليالي الحارة أوكمكان للعمل وتخزين أدواته أومكانا للعب األطفال‪) BBC،2014( .‬‬

‫‪ ‬المسكن في المدن الصينية (حوالي ‪ 1800‬ق م)‬

‫تعد الصين من أقدم الحضارات التي ولدت على ضفاف النهر األصفر منذ حوالي ‪ 5000‬سنة قبل‬
‫الميالد‪ ،‬لكنها كانت قرى ومجتمعات زراعية صغيرة لم تتحول إلى حياة المدن حتى العام ‪2070‬‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬تعتبر المدن الصينية أحد أبرز التجمعات التي نمت من مجتمع زراعي يضم عددا من‬
‫الفالحين وعائالتهم إلى التجمعات الحضرية والمدن التي أنشئت بعيدا عن المزارع وتسكنها النخبة‬
‫الحاكمة والمتعلمة وحاشيتهم ‪.‬‬

‫شكل (‪ )5‬يوضح المنزل الصيني المصدر‪http://slyfelinos.com/plans/displaying-16-images-for-ancient-chinese- :‬‬


‫‪house-floor-plan-1205932.jpeg‬‬

‫تتمتع المساكن في الصين القديمة بمستوى عال من التشابه بين األغنياء والفقراء من نواحي عديدة‬
‫منها التماثل الهندسي للمنزل أيا كان حجمه توجيه بوابة المنزل الرئيسية في اتجاه الجنوب‪ ،‬والبوابة‬
‫التي اليمكنك رؤية داخل المنزل من خاللها‪ ،‬إضافة الى الطريق المؤدي للمنزل‪ ،‬وهناك سمة بارزة‬
‫أال وهي الفناء الذي تطل عليه كل فتحات وأبواب المنزل عدا البوابة الخارجية التي هي المنفذ‬
‫الوحيد إلى الخارج ‪ ،‬ويختلف حجم الفناء بناء على ثروة العائلة وحجمها وذوقها في بناء منزلها فقد‬
‫يكون للمنزل فناء واحد أو عدد من األفنية متعامدة على محور الشمال والجنوب حيث تكون أغلب‬
‫المنازل مستطيلة الشكل‪ ،‬وتتوزع الفراغات بالتوالي محيطة باألفنية‪ ،‬فنجد بعد البوابة الرئيسة الفناء‬
‫الرئيسي الذي يكون فيه موقد الطبخ والمطبخ وعلى جانبي البوابة غرف أبناء األبناء أوالخدم لدى‬
‫األسر الغنية بينما األجنحة الغربية والشرقية هي لألبناء وفي الجهة الشمالية تكون غرفة المعيشة‬
‫لآلباء واألمهات وقد تستخدم كقاعة رئيسية الستقبال الضيوف وإقامة المراسم‪ .‬في البيوت الكبيرة‬
‫نجد عددا من الغرف الجانبية لألطفال وأفراد األسرة الممتدة‪.‬‬

‫‪ ‬المسكن في المدن الكنعانية ‪-‬الفينيقية (حوالي ‪ 1500‬ق م)‬

‫جاء الكنعانيون من سواحل الخليج العربي من األطراف الشرقية للجزيرة العربية واستوطنوا في‬
‫ساحل سوريا والجنوب الغربي من فلسطين ( المقصود سوريا الطبيعية – حاليا سوريا ولبنان‬
‫وفلسطين وشرق األردن )‪ ،‬عرف الكنعانيون الذين نزلوا الساحل اللبناني بعد القرن الثاني عشر‬
‫قبل الميالد بالفينيقيين‪ ،‬فالكنعانيون والفينيقيون شعب واحد‪( .‬خطيب ‪)2008،‬‬

‫المسكن بالنسبة للكنعانيين هو الموطن فهو الملجأ من األخطار الخارجية ومكان تعبد اآللهة ومكان‬
‫تجمع األ سرة في كل األوقات‪ ،‬يتكون المنزل بشكل أساسي من فناء مركزي تتوزع حوله الغرف‬
‫أوالمباني الصغيرة في حالة العائالت الممتدة التي يقيم معها األبناء وزوجاتهم وأبنائهم‪ ،‬ويتكون‬
‫المنزل غالبا من طابقين فإذا كان ساكنه فقيرا أومن عامة الشعب فيكون عدد الغرف قليال وحجمها‬
‫صغيرا أما إذا كان الساكن من األثرياء فيكون المسكن فسيحا وغرفه واسعة ويحتوي حديقة‪ ،‬كما‬
‫يحتوي عددا من المعابد الصغيرة لآللهة إضافة الى أماكن إقامة الخدم ‪.‬‬

‫شكل (‪ )6‬يوضح منظور للمنزل الكنعاني المصدر‪http://bet-ilim.blogspot.com/2011/12/inside-ancient- :‬‬


‫‪canaaniteisraelite-house.html‬‬
‫الطابق العلوي للمنزل يحتوي غرف المعيشة والنوم التي تأخذ جانبا واحدا من المنزل والطعام التي‬
‫تكون الغرفة المركزية‪ ،‬أما الطابق السفلي فيحتوي غرف الطبخ والتخزين لألدوات والمؤن إضافة‬
‫الى أماكن تربية الحيوانات‪ ،‬يربط الطابق السفلي بالعلوي درج جانبي يصل إلى السطح الذي‬
‫يستخدم للنوم صيفا في بعض األحيان‪.‬‬

‫‪ ‬المسكن في المدن االغريقية (حوالي ‪ 800‬ق م)‬

‫تعد الحضارة اإلغريقية أو (اليونانيّة القديمة) ‪ ،‬من أعرق وأرقى الحضارات القديمة‪ ،‬والتي أغنت‬
‫العالم بالعديد من العلوم والفنون‪ ،‬والتي ما زالت آثارها شاهدة عليها حتى يومنا هذا‪ .‬كما انها احتلت‬
‫مساحة شاسعة من العالم القديم شملت شبه جزيرة البلقان وسواحل البحر األبيض المتوسط جنوبا‬
‫والبحر األدرياتيكي غربا و بحر إيجة شرقا وتمتليء البحار بالجزر اليونانية خاصة في بحر إيجة‪،‬‬
‫امتازت الحضارة اإلغريقية بالتميز المعماري والفني واألدبي ‪.‬‬

‫المنزل اإلغريقي يتكون عادة من غرفتين اوثالث غرف حول فناء مفتوح تتمحور حوله حياة‬
‫العائلة اإلغريقية‪ ،‬البيوت الكبيرة قد تحتوي إضافة إلى الغرف األساسية (المعيشة والنوم) مطبخ‬
‫وغرفة استحمام وغرفة طعام للرجال وغرفة جلوس للنساء‪ ،‬ويؤدي المدخل الرئيسي مباشرة إلى‬
‫الفناء وفي الطرف قد تكون الساللم المؤدية إلى الطوابق العليا التي قد تحتوي غرف النوم‬
‫واالستحمام‪ ،‬كان للنساء والرجال حياة منفصلة في بعض األحيان داخل المنزل فكان الرجال‬
‫يعيشون في طرف بينما تعيش النساء في الطرف األخر وتكون لهم فراغاتهم وغرفهم الخاصة ‪،‬‬
‫بينما تكون معظم النشاطات كاإلسترخاء واالجتماعات العائلية التي تروى فيها القصص والحكايات‬
‫في الفناء ‪.‬‬

‫شكل (‪ )7‬يوضح المنزل اإلغريقي المصدر‪https://image.slidesharecdn.com/ancientgreeceinteriordesignfurniture-:‬‬


‫‪140225234750-phpapp02/95/ancient-greece-interior-design-furniture-4-638.jpg?cb=1393372612‬‬
‫‪ ‬المسكن في المدن الرومانية (حوالي ‪ 650‬ق م)‬

‫تعد الحضارة الرومانية وريثة الحضارة اإلغريقية فالتشابه بينهما في كثير من نواحي الحياة بدء‬
‫من اآللهة التي عبدوها حتى نظامهم السياسي إلى مالبسهم وطعامهم‪ ،‬لم يختلف المنزل في المدن‬
‫الرومانية عنه في اإلغريقية فمازال المنزل مكون من فناء رئيسي تحيط به الفراغات والغرف‬
‫الرئيسية للمنزل مع اختالف قد اليكون كبيرا وهو الحديقة الملحقة المحاطة برواق من األعمدة وفي‬
‫وسطها بركة مياه في بعض األحيان‪ ،‬وتقع عادة في الجهة المقابلة للمدخل الرئيسي للمنزل وتستخدم‬
‫لزراعة الخضر المنزلية واألشجار المثمرة بينما يكون الرواق مكانا لإلسترخاء واالستجمام‬
‫واستقبال الضيوف خاصة في ليالي الصيف الحارة‪ .‬تبقى المكونات الرئيسية للمنزل كما هي فعلى‬
‫الجانبين نجد غرف النوم يليها غرف تخزين المؤن والطبخ بينما قاعات اإلستقبال والمعيشة تقع‬
‫على جانبي المدخل أوحول الفناء الداخلي طبقا لحجم المنزل والطبقة اإلجتماعية لسكانه ‪.‬‬

‫شكل (‪ )8‬يوضح المنزل اإلغريقي المصدر‪:‬‬


‫‪Roman Style House Plans Antebellum Villa/http://arts.gailzavala.com/ancient-roman-style-house-plans/‬‬

‫‪ ‬المسكن في المدن االسالمية (حوالي ‪ 900‬ب م)‬

‫برزت المدن العربية اإلسالمية إلى العالم مع نهاية القرن السابع الميالدي‪ ،‬وتطورت ونمت خالل‬
‫الفترة التي عرفت بفترة العصور الوسطى بأوروبا والمدن اإلسالمية هي المدن التي تطورت مع‬
‫انتشار االسالم والدعوة اإلسالمية في الجزيرة العربية وفي األقطار المحيطة‪ ،‬وهي تنقسم إلى مدن‬
‫قائمة دخلها المسلمون وأقاموا فيها كدمشق وحلب والقدس واإلسكندرية وطرابلس وغيرها‪ ،‬ومدن‬
‫انشأها المسلمون منذ البداية فكانت معسكرات للجند أومقرات للحكم أوأراضي تم اقتطاعها إلسكان‬
‫المسلمين الجدد وأهم األمثلة لذلك البصرة والكوفة وبغداد والقاهرة والقيروان والمهدية وفاس‬
‫ومراكش‪ ،‬وكانت هذه المدن هي النماذج األولى التي شكلت فيها المدن اإلسالمية وانطلق منها نظام‬
‫اختصت به مدن العالم االسالمي‪.‬‬

‫لم يختلف المسكن في المدينة العربية عن غيرها من المدن السابقة إالبشكل بسيط فالمسكن بقي‬
‫مكونا من فراغ رئيسي (الفناء) تحيط به الغرف وتكون الخدمات (الحمامات والمطبخ) على جانبي‬
‫المدخل الرئيسي الذي يكون منكسرا واليفتح بشكل مباشر داخل المنزل وتعلوه عادة غرفة ضيوف‬
‫الرجال التي تطل على الشارع‪ ،‬بينما تكون غرف النوم على جانبي الفناء والمعيشة التي تستعمل‬
‫الستقبال النساء أحيانا في الواجهة‪ ،‬في بعض األحيان عندما يكون حجم المنزل كبيرا يتكون من‬
‫طابقين تكون غرف النوم في األعلى مع غرف جلوس النساء أي يكون جزء من المنزل خاص‬
‫باستخدام النساء فقط ‪ .‬وقد يحتوي المنزل غرفا للتخزين وإقامة الخدم في بعض األحيان فقد كان‬
‫متعارفا إقامتهم في منزل صغير مالصق للمنزل الرئيسي وأحيانا يتصل معه بباب عند أسفل‬
‫الساللم أو من على السطح ‪.‬‬

‫شكل (‪ )9‬يوضح المنزل اإلسالمي المصدر‪http://mirathlibya.blogspot.com/2010/04/blog-post.html:‬‬

‫‪ ‬المسكن في المدن الحديثة ‪:‬‬

‫عرف بعض العلماء المدن الحديثة بأنها المدن التي ولدت مع الثورة الصناعية وازدهرت معها‬
‫ي ّ‬
‫(البرعي‪ ،)1982،‬بينما يرى البعض أن تاريخها يرجع إلى القرن الرابع عشر والسبب في وجودها‬
‫ونهضتها هو انتشار التجارة الخارجية بين القارات (وهيبة‪ )1980،‬والتي كانت ذات مكسب عال‬
‫بالرغم من ارتفاع مخاطرها أيضا‪ ،‬وهي الفترة التي ظهرت فيها أنماط جديدة من المساكن تختلف‬
‫عن المساكن في المدن القديمة ومدن العصور الوسطى التي كانت المساكن فيها أما مشابهة لمساكن‬
‫المدن القديمة أوتقع في محيط ملكية أوإقطاعية أوكنيسة‪ ،‬فقد شهدت العصور الوسطى في أوروبا‬
‫حروبا وصراعات في كافة المدن أدت إلى تدمير وتخريب معظمها ولجوء كثير من الناس إلى‬
‫األديرة والكنائس التي كثيرا ماتدخل رجالها لتهدئة األمور والسيطرة على الخالفات وبسط النظام‬
‫مما عزز سيطرة الكنيسة وساهم في ظهور النظام اإلقطاعي (وهيبة‪ )1980،‬ومن هنا ظهر نوع‬
‫جديد من الس كن وهو السكن المتعدد حيث يقيم عدد كبير من األشخاص في بيت واحد متعدد‬
‫الطوابق بحيث تحتل كل عائلة غرفة واحدة وأحيانا يجمع البيت كل األسر الصغيرة المكونة لعائلة‬
‫واحدة باعتماد ذات النظرية ‪.‬‬

‫المسكن في هذه الفترة كان يتكون من غرفة واحدة غالبا يتم تقسيمها لتحوي كل الوظائف‬
‫الضرورية للمسكن كالنوم والمعيشة والطبخ والطعام وممارسة الحرفة‪ ،‬فقد تحولت المساكن إلى‬
‫ورش لممارسة األعمال اليدوية وكافة أنواع النشاط التجاري بدء من بيع وشراء وتخزين السلع إلى‬
‫تربية الحيوانات حتى الفنادق الرخيصة التي تؤجر الغرف إضافة إلى وجبة طعام واحدة أوأكثر‬
‫حسب قدرة المستأجر على الدفع‪ ،‬لقد تميزت العصور الوسطى بالفوضى وانعدام التنظيم للمدينة‬
‫التي أصبح األثرياء يقيمون في قلبها داخل قصور بينما يعيش العامة في أحياء مكتظة داخل المدينة‬
‫مما دفعهم ذلك للخروج خارجها وبناء مساكن تؤويهم وعائالتهم وتتيح لهم ممارسة أعمالهم بأقل‬
‫قدر من التكلفة التي اليحتملها كثيرون وهو مادفع أصحاب كثير من البيوت الكبيرة إلى تأجيرها‬
‫كغرف مستقلة لعائالت كاملة‪ ،‬أدت هذه الفوضى إلى أساليب عشوائية في البناء والسكن وممارسة‬
‫األنشطة التجارية انعكست على شكل المدينة التي اختلطت حلقاتها الواضحة قديما وأصبح من‬
‫الصعب تمييز المباني وأنواعها واستخداماتها من شكلها الخارجي‪ ،‬إضافة إلى الظروف الغير‬
‫صحية التي يعيش فيها الناس نتيجة عدم دخول الشمس إلى كافة غرف المباني وسوء التهوية فيها‬
‫وعدم وجود مرافق صحية الئقة وذلك بسبب بنائها بدون تخطيط جيد أوعدم وجود مساحة كافية‬
‫يمكن من خاللها وضع النوافذ بطريقة مالئمة تعمل على دخول الشمس وتهوئة المكان حيث تطل‬
‫كثير من المباني على شوارع جانبية وأزقة تتالصق فيها المباني فال يمكن وضع نوافذ االعلى‬
‫الواجهة الرئيسية بل أحيانا لم يكن للمباني أي نوافذ ‪.‬‬

‫وبالرغم من الظروف السيئة للسكن في هذه الفترة اال أنها كانت إحدى محفزات توجه كثير من‬
‫المعماريين والمخططين إلى النظر للمسكن كوحدة أساسية مهمة يجب أن تتوافر فيها كل الظروف‬
‫المريحة لحياة اإلنسان باعتبارها ملجأه ومالذه منذ الوالدة وحتى نهاية العمر‪ ،‬وحتى في األوقات‬
‫التي يغادره فيها يبقى المنزل الواحة التي يشد اليها الرحال ليحصل اإلنسان على راحته واستجماع‬
‫قوته ليعود الى الحياة ويمارس أعماله ‪.‬‬

‫فمع بداية عصر النهضة أصبح االهتمام بشكل ونوعية المسكن واضحا لدى العديد من الفنانين‬
‫والمعماريين لكنه كان اهتماما مقصورا على األثرياء من الطبقات العليا والنبيلة أما عامة الناس فقد‬
‫بقيت بيوتهم مكونة من غرف مفردة في مباني متعددة الطوابق تفتقر إلى المرافق العامة والخدمات‬
‫وغالبا ماكانت كل الوظائف اليومية من معيشة ونوم وطبخ وطعام وقراءة وأحيانا بعض األعمال‬
‫اليدوية تتم داخل الغرفة‪ ،‬ولم تتحسن ظروف السكن بمجيء الثورة الصناعية بل ازداد األمر سوء‬
‫فقد ازداد الطلب على المسكن مع تدفق العمال إلى المدن والمناطق التي تقع بها المصانع والتي لم‬
‫تستوعب هذه األعداد التي لم تكن مجهزة الستقبالهم وإقامتهم مع عائالتهم‪ ،‬واكتظت األحياء‬
‫السكنية بقاطنيها مماأثر على مستوى كثير منها وانتشرت األمراض نتيجة لإلزدحام ونقص‬
‫الشروط الضرورية للحياة الصحية السليمة داخل المساكن واألحياء السكنية‪.‬‬

‫شكل (‪ )10‬يوضح مساكن العمال المصدر‪www.victorianweb.org/art/architecture/london/56.html :‬‬

‫في العقود األولى من القرن التاسع عشر توجه أصحاب المصانع الى تخطيط وبناء مدن جديدة‬
‫مستعينين بمهندسين متخصصين وذلك إليواء عمال مصانعهم وتوفير بيئة آدمية وصحية لهم‬
‫ولعائالتهم وكانت تلك الوالدة المبكرة لعلم تخطيط المدن‪ ،‬لقد نشأت كثير من المدن الحديثة بهذه‬
‫الطريقة واتخذت نفس الطرق القديمة التي اعتمدت على المنطقة العامة المركزية بينما تبقى‬
‫المساكن في الحلقات واألطراف الخارجية ‪.‬‬
‫المساكن في هذه المدن الحديثة كانت بسيطة إلى حد ما واقتصادية في الحجم والمكونات بحيث تلبي‬
‫الحد األدنى من الظروف المالئمة للحياة الكريمة‪ ،‬فقد تكونت في الغالب من غرفة أوغرفتين للنوم‬
‫مع حمام ومطبخ وغرفة للمعيشة وأحيانا غرفة إضافية للطعام بينما اختفت معظم المكونات‬
‫اإلضافية كالمالبس والتخزين‪ ،‬وكانت تقع في مباني متعددة الطوابق تزداد أعدادها حسب الحاجة‬
‫لوجودها وساعد في ذلك التطور الصناعي في مواد وطرق البناء ‪.‬‬

‫شك‬

‫ل (‪ )11‬يوضح مساكن العمال المصدر‪http://image-bros.club/i/industrial-revolution-city-planning.html :‬‬

‫استمر التطور في المسكن مواكبا للتطور العلمي الذي انطلق حثيثا مع بداية الثورة الصناعية‬
‫وأصبحت المساكن تلبي متطلبات عدة إضافة إلى الوظائف األساسية كالراحة واالستجمام واللعب‬
‫وممارسة الهوايات‪ ،‬وأصبح عدد الفراغات والغرف المطلوبة في المنزل أكثر عددا وأكبر مساحة‬
‫ومصممة بشكل دقيق جدا في بعض الحاالت‪ .‬لقد تغيرت المعايير المعتمدة لتصميم المنازل بتغير‬
‫الحاجات والمتطلبات اإلنسانية لكنها الزالت تحتفظ بكثير من المعايير األساسية التي وجدت عليها‬
‫المنازل ‪.‬‬

‫الخالصة‬

‫المسكن هو الوحدة األساسية التي قامت عليها الحضارات وتطورت بها اإلنسانية ويعكس تطوره‬
‫تطور الجنس البشري‪ ،‬وبالنظر الى النماذج المذكورة للمسكن عبر التاريخ نالحظ أن التصميم‬
‫األساسي سواء للمسكن الريفي أوالمديني لم يطرأ عليه كثير من التغيرات خاصة وأن التصميم كان‬
‫مستوحى من طبيعة المكان وحاجة األشخاص في المجتمع‪ ،‬فكانت العوامل األساسية المؤثرة في‬
‫التصميم هي ‪:‬‬

‫‪ -1‬اإلحتفاء بالزوار و إقامة المراسم الدينية‪.‬‬


‫‪ -2‬الفصل بين مساحة العائلة ومساحة الضيوف‪.‬‬
‫‪ -3‬تعديل المناخ داخل المنزل والعمل على تلطيفه (معظم الحضارات القديمة قامت في مناطق‬
‫حارة )‪.‬‬
‫‪ -4‬تخصيص مزيد من المساحة للنساء باعتبارهن يبقين في المنزل وقتا أطول ويمارسن فيه‬
‫كل نشاطاتهن وأعمالهن تقريبا‪.‬‬
‫‪ -5‬الراحة واالستجمام والتمتع بالنباتات والمياه‪.‬‬
‫‪ -6‬حفظ المؤن ورعاية الحيوانات‪.‬‬
‫ماتم عرضه هو نماذج بسيطة من تطور المسكن عبر التاريخ داخل المدن‪ ،‬لكن السكن مر بمراحل‬
‫كثيرة ومن خالل تنوع أشكاله وفقا للموقع الذي يقام فيه‪ ،‬يمكن تقسيم أنواع السكن كما ذكر د‪.‬عبد‬
‫الفتاح وهيبة في كتابه "جغرافية العمران" إلى ‪-:‬‬

‫ا‪-‬السكن الريفي‬
‫ينظر إليه على أنه أساس نشأة السكن كما نعرفه اليوم فهو المرحلة التالية لالستقرار في المزارع‬
‫والمراعي بعد مرحلة الصيد وسكن الكهوف‪ ،‬وينقسم إلى نوعين طبقا لنشاط السكان في المواسم‬
‫المختلفة فقد كان هناك ‪:‬‬
‫‪ -‬السكن المؤقت ‪ :‬الذي يتخذه الصيادون و الرعاة وحتى الزراع البدائيون في مواسم معينة‬
‫تتكرر كل سنة أوتتغير كل بضعة سنوات‪ ،‬ومن أشكال هذا النوع من السكن الخيام‬
‫والعشش المؤقتة واألكواخ الثلجية وقد تكون مفردة أوعلى هيئة تجمعات صغيرة حسب‬
‫النشاط والموقع الذي تقام فيه‪.‬‬
‫‪ -‬السكن الدائم ‪ :‬ويتمثل في بيوت القرى التي تبنى غالبا من الطين والقش ويسكنها غالبا من‬
‫يشتغلون بالزراعة وقد تقام على أطراف األرض الزراعية كتجمعات تتكون منها القرى‬
‫التي تمثل اللبنة األولى لقيام بعض المدن‪.‬‬
‫ب‪-‬السكن الحضري أو المديني‬
‫يعتبر صورة متطورة للسكن الريفي لكنه بني بمواصفات المدينة التي تتالصق بيوتها وتتراصف‬
‫على جانبي الشوارع‪ ،‬وتتميز هذه المنازل بمساحتها المحدودة وطبقاتها المتعددة كما تكون منظمة‬
‫بشكل جيد لتستوعب نشاط ساكنيها الذين تختلف أعمالهم و وظائفهم عن سكان الريف ‪.‬‬
: ‫المراجع‬

.‫ دار الفكر العربي‬:‫القاهرة‬. ‫الثورة الصناعية و آثارها االجتماعية و القانونية‬. 1982 .‫ أحمد حسن‬،‫ البرعي‬.1
‫الميراث‬. ‫ مدونة‬."‫ "' بيوت الحضر' رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي‬.2010 .‫ جمال الهمالي‬،‫ الالفي‬.2
. http://mirathlibya.blogspot.com/2010/04/blog-post.html.2010 ،‫(ابريل‬blog). 17
. http://www.arab-2016 ،‫ يونيو‬27 ‫تاريخ الوصول‬. ‫"الموسوعة العربية‬. ‫ "المسكن‬.‫ت‬.‫ د‬.‫ جبور‬.3
ency.com.
.‫ محاضرة‬."‫ "البيوت التقليدية‬.2015 .‫ نغم علي‬،‫ حسن‬.4
(blog). 6 ‫"الجبهة‬. ‫ ديانتهم وأثرها على التوراة‬،‫ حضارتهم‬،‫ نشأتهم‬:‫ "الكنعانيون‬.2008 .‫ ابراهيم‬،‫ خطيـب‬.5
. http://www.aljabha.org/?i=34798.2008 ،‫يوليو‬
. ‫ومفاهيم‬ ‫مقدمة‬ ‫اإلسكان‬. ‫ت‬.‫د‬ .‫الوتار‬ ‫الدين‬ ‫نور‬ ‫ سمير‬.6
.pdf.‫ومفاهيم‬20%‫مقدمة‬20%-‫اإلسكان‬20%207%‫محاضرة‬faculty.ksu.edu.sa/alwattar/363PL/
‫ المجلس الوطني للثقافة و الفنون و‬.128 ‫عالم المعرفة‬. ‫المدينة االسالمية‬. 1988 .‫ محمد عبدالستار‬،‫ عثمان‬.7
.‫االداب‬
‫ دار‬.‫ تاريخنا‬.‫ مج‬6 .1 .‫ مج‬.‫ االولى‬.‫ت‬.‫د‬. )‫ ليبيا(من عصور ما قبل التاريخ حتى القرن السابع حتى الميالد‬.8
.‫التراث‬
. ‫كوم‬ ‫"المهندس‬. ‫أهميته‬ ‫و‬ ‫مفهومه‬ ..... ‫"االسكان‬ .1989 .‫ مروة‬.9
http://www.eng2all.net/forum/engineering1989/.
.‫دار النهضة العربية‬. ‫في جغرافية العمران‬. 1980 .‫ عبد الفتاح محمد‬،‫ وهيبة‬.10
11. "ancient china houses". ‫ت‬.‫د‬. House of Architecture (blog). 2017 ،‫ يناير‬1 ‫تاريخ الوصول‬.
https://depts.washington.edu/chinaciv/3intrhme.htm.
12. Bietak, Manfred. ‫ت‬.‫د‬. "HOUSES, PALACES AND DEVELOPMENT OF SOCIAL
STRUCTURE IN AVARIS".
13. Brunzell, Tove, ‫ و‬Sanaa Duric. 2012. "Moroccan Architecture, traditional and
modern". Bachelor thesis, Helsingborg - Sweden: Lund University.
14. Dunn, Jimmy. 2011. "Private Housing at Amarna". Tour Egypt (blog). 22 2011 ،‫مايو‬.
http://www.touregypt.net/featurestories/amarnahouse.htm.
15. El-Shorbagy, Abdel-moniem. 2010. "Traditional Islamic-Arab House: Vocabulary
And Syntax". International Journal of Civil & Environmental Engineering IJCEE-
IJENS, 2010.
16. "Indus Valley: Home Life". 2014. BBC.
http://www.bbc.co.uk/schools/primaryhistory/indus_valley/home_life/.
17. "Industrial Revolution City Planning". 2017 ،‫ فبراير‬27 ‫ تاريخ الوصول‬.‫ مدونة‬.‫ت‬.‫د‬.
http://image-bros.club/i/industrial-revolution-city-planning.html.
18. SAGGS, H. W. F. 1965. EVERYDAY LIFE IN BABYLONIA AND ASSYRIA. Assyrian
International News Agency Books Online.
http://www.aina.org/books/eliba/eliba.htm.
19. Smith, Michael E. 2007. "Form and Meaning in the Earliest Cities: A New Approach
to Ancient Urban Planning". JOURNAL OF PLANNING HISTORY, 2007 ،‫فبراير‬.
20. Vaishnavi, Pralay, Narayan, ‫ و‬Ishrat. ‫ت‬.‫د‬. "ROMAN PERIOD". PRESENTATION,
College of Engineering,Pune. https://www.slideshare.net/EACT_COEP/13-roman-
cities.

You might also like