Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
المسكن هو الملجأ بالنسبة لإلنسان ،وسواء قديما أوحديثا فإن هذا المفهوم اليزال سائدا حتى عصرنا
هذا مع اإلختالف في الحاجات وطريقة العيش وأساليب ومواد البناء .وقد كان تطور "الملجأ" عبر
الزمن صورة عكست تطور الجنس البشري والتغييرات التي طرأت على حياته وكانت المحرك
األساسي لنشأة وتطور التجمعات البشرية وظهور المدن بشكلها البدائي الذي تطور مع الحضارات
المختلفة ،التي ظهرت بشكل مترادف في بقع مختلفة من العالم ،لقد ارتبط المسكن بتكوين
الحضارات األولى وكانت هذه الوحدة التي يلجأ اليها اإلنسان عند هبوط الظالم أوظهور األخطار
هي أكثر مظاهر التطور لدى اإلنسان ففيها ظهرت حاجة اإلنسان الستخدام أدوات مختلفة
وفراغات مختلفة كأماكن النوم والطبخ واالحتفاظ بالطعام ،وهو ما كان متبعا عند الحياة في وحدات
منفصلة بشكل تجمعات صغيرة تضم عددا محدودا من األشخاص يعيشون معا ،لكن مع اكتشاف
النار والعمل بالزراعة وتربية الحيوانات ظهرت التجمعات األولى لإلنسان كمجتمع صغير
متكافل(جبور،د.ت)
يمكن اعتبار أن المسكن والحاجة إلى السكن بالتحديد هو ماساهم في تطور المجتمعات والتحول من
جماعات هائمة في الطبيعة بحثا عن الماء والغذاء وتلجأ عند هبوط الظالم إلى الكهوف واألدغال
بحثا عن الحماية من قوى الطبيعة ومن المفترسات ،إلى جماعات تقيم معا تنظم نفسها وتصنع
الدفاعات الكفيلة بالذود عنها وعن ممتلكاتها.
تعريف المسكن
المسكن هو المنشأة التي يأوي إليها اإلنسان وعائلته للعيش ،واالحتماء من عوامل الطبيعة،
ولقضاء احتياجاته اليومية خارج نطاق عمله ،ويستخدمه للراحة والنوم ،وتحضير الطعام وتناوله،
واللقاءات األسرية واالجتماعية ،وممارسة بعض النشاطات والهوايات األدبية أو الفنية أو الرياضية
أو الترفيهية أو اإلنتاجية.
المسكن عبر التاريخ اإلنساني
تغيرت أنماط السكن وأساليبه وأشكاله واستخداماته عبر التاريخ اإلنساني ،وتطورت مع تطور
مفاهيم اإلنسان وثقافته وبيئته وعلومه وابتكاراته المتجددة ،وعند النظر للمسكن كوحدة مكونة
للتجمعات البشرية التي نتجت عنها المدن بالصورة التي نعرفها اليوم نجد أنواعا مختلفة من
المساكن ،وطبقا للتسلسل التاريخي يمكن تصنيف المسكن إلى عدة مراحل عبر التاريخ تبدأ من
ظهور اإل نسان في آخر مليون سنة من عمر األرض الذي يتجاوز أربعة آالف مليون سنة على
األقل ،يبدأ التأريخ للسكن في العصر الحجري بظهور اإلنسان المنتصب وهو أحد التطورات
المهمة للجنس البشري وقد اعتمد مسكنه األول كأول المساكن المأهولة من قبل البشر وقد تم
تقسيمها إلى مايلي :
أ ـ العصر الحجري القديم األسفل (قبل أكثر من مليون سنة) ،سكن اإلنسان المنتصب الكهوف التي
استخدمها ملجأ ،وكان يؤوي عددا كبيرا من األشخاص طبقا لحجمه الذي قد يكون كبيرا نسبيا في
ّ
وخزن فيها ماكان بعض األحيان ،أجرى االنسان تحسينات على الكهوف وقام بنحتها في الصخر،
يجمعه من صيد وثمار ،ومارس فيها طقوسه الحياتية.
ب ـ العصر الحجري القديم (قبل 300ألف سنة) ،وجدت مخيمات تظهر أول أشكال االستيطان
الجماعي ،مؤلفة من أكواخ مستطيلة أو بيضوية الشكل من األغصان وجذوع األشجار ،كما ظهرت
شواهد تدل على أن اإلنسان بنى لنفسه أكواخا من جذوع األشجار وعظام الحيوانات ،و ّ
غطاها
باألغصان واألوراق وجلود الحيوانات.
جـ ـ في العصرين الحجري الوسيط والحجري الحديث (قبل عشرة آالف سنة) عرف اإلنسان
الزراعة واستئناس الحيوان ،وظهرت مستوطنات من بيوت منفردة من جذوع األشجار والجلود،
متجمعة بانتظام ،وأحيانا تكون ـ على شكل سكن جماعي ـ مبنية من أعمدة خشبية وجذوع أشجار
وأغصان.
وهكذا ظهرت المستعمرات السكانية التي كانت صغيرة أحيانا وكبيرة في أحيان أخرى وذلك يعود
لموقعها ووفرة الماء والغذاء إضافة إلى سهولة العمل في األرض وزراعتها ،وكانت هذه المساكن
األولى تتميز بكونها فراغا واحدا تمارس فيه األشغال واألعمال اليومية كالنوم واالحتفاظ بالمقتنيات
الشخصية وتخزين المؤونة والطبخ الذي كان يمكن ممارسته في الخارج إضافة الى الحرف
واالأشغال وصناعة ما يلزم المنزل وسكانه.
منذ األلف الرابعة قبل الميالد بدأت تظهر أولى الحضارات في األراضي الخصبة حول مجاري
األنهار؛ بدءا من بالد ما بين النهرين (دجلة والفرات) والعاصي وصوال إلى وادي النيل ،وظهر
أول أشكال االستيطان على شكل قرى ومدن ،ظهرت معها الكتابة ،وانتشرت عالقات التبادل
التجاري .ونشأت مثل هذه الحضارات في وادي الهندوس في األلف الثالثة قبل الميالد ،وفي شانغ
الصينية في األلف الثانية قبل الميالد مرورا باإلغريق والرومان في حوض البحر األبيض
المتوسط ،والمايا واألنكا في المحيط االطلنطي ،وصوال إلى العصور الوسطى والحضارة
اإلسالمية حتى عصور االكتشافات والنهضة العلمية.
شكل ( )1يوضح نشأة الحضارات القديمة وفقا للخط الزمني المصدرhttps://s-media-cache-ak0.pinimg.com :
لقد مر المسكن بمراحل تطورية عديدة عبر الزمن طبقا للموقع الجغرافي والمناخ السائد في منطقة
بنائه إضافة الى المواد التي كانت متوفرة ويسهل استخدامها لبناء المسكن ،كما كان جزء رئيسيا من
تكوين المدن التي قامت بسبب وجود عدد كبير من األشخاص في مكان واحد وجب تنظيم حياتهم و
نشاطاتهم واستخدامهم لزراعة األراضي واستخراج الموارد وتوفير األدوات والسلع الالزمة لحياة
الناس ،فالناس في مكان واحد يجمعهم كثير من العوامل منها :
لقد ظهرت المدن للوجود منذ خمسة آالف سنة أوأكثر وذلك تطورا من القرية ،التي بدأت من توجه
إنسان العصر الحجري الحديث لالستقرار واالعتماد على النشاط الزراعي في معيشته ،وكانت
القرية مأوى لمجموعة من المزارعين أي مجموعة وحدات سكنية تطورت على أساس المأوى
الثابت ،وشيدت بما توافر محليا من مواد صالحة لإلنشاء .ونشأ عن ذلك تجمعات أوقرى أهلت
للترابط والحماية ،وبرز ضمن مجموعة الوحدات السكنية سكن رئيس القرية والذي تحيط به
مساكن الفالحين وكان التكوين متشابها من ناحية الفراغات و المساحة واالختالف الوحيد هو
توسطه الموقع .كانت معظم مواقع التجمعات في السهول توجد على ضفاف الوديان تفاديا ألخطار
سيول الوديان مهما اتسعت واالستفادة من مياه هذه السيول بزراعة بطون الوديان أوتخزين مياهها
خلف السدود والمدرجات أوفي صهاريج شيدت بمجاري الوديان ورفعت فتحاتها الستقبال المياه
فقط .أما المدن الساحلية فشيدت على الخلجان والبحيرات الداخلية ومصاب الوديان لالحتماء بها
واالستفادة منها ولتصريف األمطار إليها.
التطورات التي طرأت على القرية استنادا إلى ماعرف بالنسبة للتطور الحضري بكل من منطقة
حوض النيل ومابين النهرين والحضارة اإلغريقية ومالحقها من حضارات تتمثل في مجموعة
عوامل من أهمها إدخال العنصر الديني على السكان لتدعيم سلطة الرئيس واعتبار هذا الرئيس
رمزا أو ملكا ممثال لآللهة ،واستوجب ذلك بناء المعبد والقصر أوغيرها من المنشآت التي يمكن
التركيز عليها كمنشآت دينية ورمز للسلطة .كما ظهر السوق في القرية كموقع أوساحة لتبادل
السلع أو المنتجات الزراعية أوفائض اإلنتاج الزراعي أوالحرفي عند تطورها ،إن المدينة عند
ظهورها في إطارها المتكامل كما تم وصفه لم يتغير شكلها الخارجي بما احتوته من أسوار وستائر
وأبراج وخنادق وبوابات حتى القرن السادس عشر الميالدي ،أال أنها تطورت بماظهر بها من مهام
ووظائف حضرية جديدة ،فقد تعددت منشآتها وأضيف للمعبد والقصر وساحة السوق العديد من
المنشآت الجديدة .فقد أتاحت المدينة إمكانية االجتماع للمواطنين من خالل أسواقها ومنشآتها،
فاتسعت ساحة السوق وتحولت إلى آجورة في النظام اإلغريقي أوفورم في النظام الروماني وأسواق
تخصصية أورحاب في المدن اإلسالمية .
ومع التطور في شكل وحجم المدينة تطورت أشكال السكن وحجم المسكن ،فمعظم المدن القديمة
قامت على نظرية الطبقات أوالحلقات حلقات السلطة والنفوذ التي كانت تحيط بالقصر أومركز
السلطة وفيما تنوعت أنواع المساكن داخل وخارج المدينة حافظت معظم المدن على توزيع
الوظائف داخل المسكن بحيث التتغير مع زيادة حجمه ،كما كانت الطبيعة أو المناخ تحديدا محددا
أساسيا في تصميم المسكن وبنائه إضافة إلى العامل السياسي الذي يحدد الطبقة االجتماعية لسكان
المنزل وبالتالي حجمه ومكانه (بالقرب من منطقة القصر ومكان العبادة والسوق) أوبعيدا عنها .
وبالنظر إلى التطور التاريخي للحضارات التي قامت في العالم القديم وكانت التطور الطبيعي
للتجمعات اإلنسانية والقرى التي عاش فيها اإلنسان األول يمكننا رصد المالمح األولى لمساكن
المدينة وترتيبها الوظيفي ودراسة تطورها عبر الزمن.
تعود مدن حضارة ما بين النهرين إلى حوالي 5000سنة مضت ،وتميزت بالطبقية حيث كانت
منطقة القصر الملكي ومايحيط بها من مباني تخص طبقة الرهبان تقع داخل منطقة مسورة بالمدينة
تليها منطقة ذات االتصال المباشر بالملك (الطبقة الخاصة) ثم مجموعة السكان.
عند تصورنا للمسكن البابلي مثال كان هناك فناء مركزي مع مجموعة من الغرف المحيطة من كل
جانب ،وكانت أكبر غرفة هي غرفة المعيشة وتقع دائما إلى الجنوب تواجه الشمال .أما الجهات
الثالث األخرى فتقع غرف أصغر تستخدم للطبخ وتخزين المؤونة والنوم ،قد التكون موجودة في
المنازل الصغيرة بينما المنازل الكبرى تحتوي عددا أكبر من الغرف وأحيانا يكون لديها أكثر من
فناء مع غرف من حولها وهي منازل تعود للعائالت الثرية أوالممتدة حيث يقيم األبناء المتزوجين
مع آبائهم في المنزل) SAGGS،1965( .
مثال للمسكن الفرعوني في تل العمارنة فخارج قرية العمال كان البيت أساسا منزل ريفي على
مساحة كبيرة ويحيط به فناء يضم حديقة ومطبخ وإقامة الخدم واالسطبالت والصوامع ،محاطا
بسور عال مربع أو مستطيل الشكل موجهة بموازاة النهر ،وتتألف من قسمين محددة جيدا الخاص
والعام .في القسم العام كان هناك ماقد كان يعتبر غرفة المعيشة التي كانت قاعة واسعة تسمى القاعة
المركزية ،والتي تضاف إلى دهليز المدخل في بعض األحيان وفي بعض األحيان هناك قاعتين
واسعتين على التوالي وهو االختالف األساسي لمنازل الطبقة الغنية عن منازل الطبقة الفقيرة .في
الجانب هناك منحدر أودرج يصعد إلى البهو الشمالي حيث تقع هناك في األعلى في مواجهة الشمال
غرفة اإلستقبال الرئيسية التي تحيط بها بقية الغرف ،القسم الخاص يتكون من قاعة مربعة تكون
غرفة النوم الرئيسية محاطة بعدد من الغرف أصغر حجما وحمام ومرحاض كما تحتوي أحيانا
على قاعة استقبال خاصة بالنساء وغالبا ماتكون غرف النوم في الركن الجنوبي للمنزل والوصول
إليها عن طريق بهو خاص .كثير من المنازل كان لديها معبد خاص عند المدخل الرئيسي عبارة عن
شرفة يوصل إليها درج مع مذبح آلتون ،وخلف المنزل كانت المباني الملحقة كصوامع الحبوب
() Dunn،2011 والمخازن واإلسطبالت والمطابخ وقاعة الخدم.
يضم تاريخ الهند المستوطنات والمجتمعات ماقبل التاريخ في شبه القارة الهندية .بداية من حضارة
وادي السند إلى مزيج الثقافات الهندية اآلرية لتشكيل الحضارة الفيدية وصوال إلى الهندوسية
واليانية والبوذية ،تميزت المدن الهندية بدرجة عالية من التخطيط والتماثل إضافة إلى مستوى متقدم
من تخطيط الطرق والخدمات وإمدادات المياه والصرف .
[
شكل ( )4يوضح المساقط األفقية للمنزل الهندي المصدرhttp://mrholmes.pbworks.com/w/page/23951472/Alec-Jake- :
Ancient%20indian%20architecture
مثال لها منازل مدينة هارابا التي كانت تتميز بتصاميم تقريبا متماثلة للمنازل واتجاهاتها ،كانت
بعض المنازل مكونة من غرفة واحدة لكن المنازل الكبيرة كانت تتكون من كثير من الغرف مرتبة
حول ساحة مركزية ،ومعظم المنازل كان لها أكثر من طبقتين أوثالث مايبرر وجود عدد من
الساللم في أماكن مختلفة من المنزل ،يقع المطبخ بالقرب من الساحة المركزية حيث يكون جزء
مغلق واآلخر مفتوح في الهواء الطلق بينما يجب أن يكون قريبا من باب يطل على الشارع كذلك
الحمام والمراحيض لسهولة نقل المخلفات ،يحتوي المنزل على مكان للعمل ورعاية الحيوانات
وتخزين المؤن ،تقع غرفة المعيشة في الدور األرضي وهي الغرفة الرئيسية للمنزل وأحيانا هي
الغرفة الوحيدة للمنزل ،أما غرف النوم فتكون في األدوار العليا وتزداد حسب حجم المنزل واألسرة
ومستواها اإلجتماعي ،ويستخدم سطح المنزل أحيانا كمكان لالسترخاء أواستقبال األصدقاء أوالنوم
في الليالي الحارة أوكمكان للعمل وتخزين أدواته أومكانا للعب األطفال) BBC،2014( .
تعد الصين من أقدم الحضارات التي ولدت على ضفاف النهر األصفر منذ حوالي 5000سنة قبل
الميالد ،لكنها كانت قرى ومجتمعات زراعية صغيرة لم تتحول إلى حياة المدن حتى العام 2070
ق.م ،تعتبر المدن الصينية أحد أبرز التجمعات التي نمت من مجتمع زراعي يضم عددا من
الفالحين وعائالتهم إلى التجمعات الحضرية والمدن التي أنشئت بعيدا عن المزارع وتسكنها النخبة
الحاكمة والمتعلمة وحاشيتهم .
تتمتع المساكن في الصين القديمة بمستوى عال من التشابه بين األغنياء والفقراء من نواحي عديدة
منها التماثل الهندسي للمنزل أيا كان حجمه توجيه بوابة المنزل الرئيسية في اتجاه الجنوب ،والبوابة
التي اليمكنك رؤية داخل المنزل من خاللها ،إضافة الى الطريق المؤدي للمنزل ،وهناك سمة بارزة
أال وهي الفناء الذي تطل عليه كل فتحات وأبواب المنزل عدا البوابة الخارجية التي هي المنفذ
الوحيد إلى الخارج ،ويختلف حجم الفناء بناء على ثروة العائلة وحجمها وذوقها في بناء منزلها فقد
يكون للمنزل فناء واحد أو عدد من األفنية متعامدة على محور الشمال والجنوب حيث تكون أغلب
المنازل مستطيلة الشكل ،وتتوزع الفراغات بالتوالي محيطة باألفنية ،فنجد بعد البوابة الرئيسة الفناء
الرئيسي الذي يكون فيه موقد الطبخ والمطبخ وعلى جانبي البوابة غرف أبناء األبناء أوالخدم لدى
األسر الغنية بينما األجنحة الغربية والشرقية هي لألبناء وفي الجهة الشمالية تكون غرفة المعيشة
لآلباء واألمهات وقد تستخدم كقاعة رئيسية الستقبال الضيوف وإقامة المراسم .في البيوت الكبيرة
نجد عددا من الغرف الجانبية لألطفال وأفراد األسرة الممتدة.
جاء الكنعانيون من سواحل الخليج العربي من األطراف الشرقية للجزيرة العربية واستوطنوا في
ساحل سوريا والجنوب الغربي من فلسطين ( المقصود سوريا الطبيعية – حاليا سوريا ولبنان
وفلسطين وشرق األردن ) ،عرف الكنعانيون الذين نزلوا الساحل اللبناني بعد القرن الثاني عشر
قبل الميالد بالفينيقيين ،فالكنعانيون والفينيقيون شعب واحد( .خطيب )2008،
المسكن بالنسبة للكنعانيين هو الموطن فهو الملجأ من األخطار الخارجية ومكان تعبد اآللهة ومكان
تجمع األ سرة في كل األوقات ،يتكون المنزل بشكل أساسي من فناء مركزي تتوزع حوله الغرف
أوالمباني الصغيرة في حالة العائالت الممتدة التي يقيم معها األبناء وزوجاتهم وأبنائهم ،ويتكون
المنزل غالبا من طابقين فإذا كان ساكنه فقيرا أومن عامة الشعب فيكون عدد الغرف قليال وحجمها
صغيرا أما إذا كان الساكن من األثرياء فيكون المسكن فسيحا وغرفه واسعة ويحتوي حديقة ،كما
يحتوي عددا من المعابد الصغيرة لآللهة إضافة الى أماكن إقامة الخدم .
تعد الحضارة اإلغريقية أو (اليونانيّة القديمة) ،من أعرق وأرقى الحضارات القديمة ،والتي أغنت
العالم بالعديد من العلوم والفنون ،والتي ما زالت آثارها شاهدة عليها حتى يومنا هذا .كما انها احتلت
مساحة شاسعة من العالم القديم شملت شبه جزيرة البلقان وسواحل البحر األبيض المتوسط جنوبا
والبحر األدرياتيكي غربا و بحر إيجة شرقا وتمتليء البحار بالجزر اليونانية خاصة في بحر إيجة،
امتازت الحضارة اإلغريقية بالتميز المعماري والفني واألدبي .
المنزل اإلغريقي يتكون عادة من غرفتين اوثالث غرف حول فناء مفتوح تتمحور حوله حياة
العائلة اإلغريقية ،البيوت الكبيرة قد تحتوي إضافة إلى الغرف األساسية (المعيشة والنوم) مطبخ
وغرفة استحمام وغرفة طعام للرجال وغرفة جلوس للنساء ،ويؤدي المدخل الرئيسي مباشرة إلى
الفناء وفي الطرف قد تكون الساللم المؤدية إلى الطوابق العليا التي قد تحتوي غرف النوم
واالستحمام ،كان للنساء والرجال حياة منفصلة في بعض األحيان داخل المنزل فكان الرجال
يعيشون في طرف بينما تعيش النساء في الطرف األخر وتكون لهم فراغاتهم وغرفهم الخاصة ،
بينما تكون معظم النشاطات كاإلسترخاء واالجتماعات العائلية التي تروى فيها القصص والحكايات
في الفناء .
تعد الحضارة الرومانية وريثة الحضارة اإلغريقية فالتشابه بينهما في كثير من نواحي الحياة بدء
من اآللهة التي عبدوها حتى نظامهم السياسي إلى مالبسهم وطعامهم ،لم يختلف المنزل في المدن
الرومانية عنه في اإلغريقية فمازال المنزل مكون من فناء رئيسي تحيط به الفراغات والغرف
الرئيسية للمنزل مع اختالف قد اليكون كبيرا وهو الحديقة الملحقة المحاطة برواق من األعمدة وفي
وسطها بركة مياه في بعض األحيان ،وتقع عادة في الجهة المقابلة للمدخل الرئيسي للمنزل وتستخدم
لزراعة الخضر المنزلية واألشجار المثمرة بينما يكون الرواق مكانا لإلسترخاء واالستجمام
واستقبال الضيوف خاصة في ليالي الصيف الحارة .تبقى المكونات الرئيسية للمنزل كما هي فعلى
الجانبين نجد غرف النوم يليها غرف تخزين المؤن والطبخ بينما قاعات اإلستقبال والمعيشة تقع
على جانبي المدخل أوحول الفناء الداخلي طبقا لحجم المنزل والطبقة اإلجتماعية لسكانه .
برزت المدن العربية اإلسالمية إلى العالم مع نهاية القرن السابع الميالدي ،وتطورت ونمت خالل
الفترة التي عرفت بفترة العصور الوسطى بأوروبا والمدن اإلسالمية هي المدن التي تطورت مع
انتشار االسالم والدعوة اإلسالمية في الجزيرة العربية وفي األقطار المحيطة ،وهي تنقسم إلى مدن
قائمة دخلها المسلمون وأقاموا فيها كدمشق وحلب والقدس واإلسكندرية وطرابلس وغيرها ،ومدن
انشأها المسلمون منذ البداية فكانت معسكرات للجند أومقرات للحكم أوأراضي تم اقتطاعها إلسكان
المسلمين الجدد وأهم األمثلة لذلك البصرة والكوفة وبغداد والقاهرة والقيروان والمهدية وفاس
ومراكش ،وكانت هذه المدن هي النماذج األولى التي شكلت فيها المدن اإلسالمية وانطلق منها نظام
اختصت به مدن العالم االسالمي.
لم يختلف المسكن في المدينة العربية عن غيرها من المدن السابقة إالبشكل بسيط فالمسكن بقي
مكونا من فراغ رئيسي (الفناء) تحيط به الغرف وتكون الخدمات (الحمامات والمطبخ) على جانبي
المدخل الرئيسي الذي يكون منكسرا واليفتح بشكل مباشر داخل المنزل وتعلوه عادة غرفة ضيوف
الرجال التي تطل على الشارع ،بينما تكون غرف النوم على جانبي الفناء والمعيشة التي تستعمل
الستقبال النساء أحيانا في الواجهة ،في بعض األحيان عندما يكون حجم المنزل كبيرا يتكون من
طابقين تكون غرف النوم في األعلى مع غرف جلوس النساء أي يكون جزء من المنزل خاص
باستخدام النساء فقط .وقد يحتوي المنزل غرفا للتخزين وإقامة الخدم في بعض األحيان فقد كان
متعارفا إقامتهم في منزل صغير مالصق للمنزل الرئيسي وأحيانا يتصل معه بباب عند أسفل
الساللم أو من على السطح .
عرف بعض العلماء المدن الحديثة بأنها المدن التي ولدت مع الثورة الصناعية وازدهرت معها
ي ّ
(البرعي ،)1982،بينما يرى البعض أن تاريخها يرجع إلى القرن الرابع عشر والسبب في وجودها
ونهضتها هو انتشار التجارة الخارجية بين القارات (وهيبة )1980،والتي كانت ذات مكسب عال
بالرغم من ارتفاع مخاطرها أيضا ،وهي الفترة التي ظهرت فيها أنماط جديدة من المساكن تختلف
عن المساكن في المدن القديمة ومدن العصور الوسطى التي كانت المساكن فيها أما مشابهة لمساكن
المدن القديمة أوتقع في محيط ملكية أوإقطاعية أوكنيسة ،فقد شهدت العصور الوسطى في أوروبا
حروبا وصراعات في كافة المدن أدت إلى تدمير وتخريب معظمها ولجوء كثير من الناس إلى
األديرة والكنائس التي كثيرا ماتدخل رجالها لتهدئة األمور والسيطرة على الخالفات وبسط النظام
مما عزز سيطرة الكنيسة وساهم في ظهور النظام اإلقطاعي (وهيبة )1980،ومن هنا ظهر نوع
جديد من الس كن وهو السكن المتعدد حيث يقيم عدد كبير من األشخاص في بيت واحد متعدد
الطوابق بحيث تحتل كل عائلة غرفة واحدة وأحيانا يجمع البيت كل األسر الصغيرة المكونة لعائلة
واحدة باعتماد ذات النظرية .
المسكن في هذه الفترة كان يتكون من غرفة واحدة غالبا يتم تقسيمها لتحوي كل الوظائف
الضرورية للمسكن كالنوم والمعيشة والطبخ والطعام وممارسة الحرفة ،فقد تحولت المساكن إلى
ورش لممارسة األعمال اليدوية وكافة أنواع النشاط التجاري بدء من بيع وشراء وتخزين السلع إلى
تربية الحيوانات حتى الفنادق الرخيصة التي تؤجر الغرف إضافة إلى وجبة طعام واحدة أوأكثر
حسب قدرة المستأجر على الدفع ،لقد تميزت العصور الوسطى بالفوضى وانعدام التنظيم للمدينة
التي أصبح األثرياء يقيمون في قلبها داخل قصور بينما يعيش العامة في أحياء مكتظة داخل المدينة
مما دفعهم ذلك للخروج خارجها وبناء مساكن تؤويهم وعائالتهم وتتيح لهم ممارسة أعمالهم بأقل
قدر من التكلفة التي اليحتملها كثيرون وهو مادفع أصحاب كثير من البيوت الكبيرة إلى تأجيرها
كغرف مستقلة لعائالت كاملة ،أدت هذه الفوضى إلى أساليب عشوائية في البناء والسكن وممارسة
األنشطة التجارية انعكست على شكل المدينة التي اختلطت حلقاتها الواضحة قديما وأصبح من
الصعب تمييز المباني وأنواعها واستخداماتها من شكلها الخارجي ،إضافة إلى الظروف الغير
صحية التي يعيش فيها الناس نتيجة عدم دخول الشمس إلى كافة غرف المباني وسوء التهوية فيها
وعدم وجود مرافق صحية الئقة وذلك بسبب بنائها بدون تخطيط جيد أوعدم وجود مساحة كافية
يمكن من خاللها وضع النوافذ بطريقة مالئمة تعمل على دخول الشمس وتهوئة المكان حيث تطل
كثير من المباني على شوارع جانبية وأزقة تتالصق فيها المباني فال يمكن وضع نوافذ االعلى
الواجهة الرئيسية بل أحيانا لم يكن للمباني أي نوافذ .
وبالرغم من الظروف السيئة للسكن في هذه الفترة اال أنها كانت إحدى محفزات توجه كثير من
المعماريين والمخططين إلى النظر للمسكن كوحدة أساسية مهمة يجب أن تتوافر فيها كل الظروف
المريحة لحياة اإلنسان باعتبارها ملجأه ومالذه منذ الوالدة وحتى نهاية العمر ،وحتى في األوقات
التي يغادره فيها يبقى المنزل الواحة التي يشد اليها الرحال ليحصل اإلنسان على راحته واستجماع
قوته ليعود الى الحياة ويمارس أعماله .
فمع بداية عصر النهضة أصبح االهتمام بشكل ونوعية المسكن واضحا لدى العديد من الفنانين
والمعماريين لكنه كان اهتماما مقصورا على األثرياء من الطبقات العليا والنبيلة أما عامة الناس فقد
بقيت بيوتهم مكونة من غرف مفردة في مباني متعددة الطوابق تفتقر إلى المرافق العامة والخدمات
وغالبا ماكانت كل الوظائف اليومية من معيشة ونوم وطبخ وطعام وقراءة وأحيانا بعض األعمال
اليدوية تتم داخل الغرفة ،ولم تتحسن ظروف السكن بمجيء الثورة الصناعية بل ازداد األمر سوء
فقد ازداد الطلب على المسكن مع تدفق العمال إلى المدن والمناطق التي تقع بها المصانع والتي لم
تستوعب هذه األعداد التي لم تكن مجهزة الستقبالهم وإقامتهم مع عائالتهم ،واكتظت األحياء
السكنية بقاطنيها مماأثر على مستوى كثير منها وانتشرت األمراض نتيجة لإلزدحام ونقص
الشروط الضرورية للحياة الصحية السليمة داخل المساكن واألحياء السكنية.
في العقود األولى من القرن التاسع عشر توجه أصحاب المصانع الى تخطيط وبناء مدن جديدة
مستعينين بمهندسين متخصصين وذلك إليواء عمال مصانعهم وتوفير بيئة آدمية وصحية لهم
ولعائالتهم وكانت تلك الوالدة المبكرة لعلم تخطيط المدن ،لقد نشأت كثير من المدن الحديثة بهذه
الطريقة واتخذت نفس الطرق القديمة التي اعتمدت على المنطقة العامة المركزية بينما تبقى
المساكن في الحلقات واألطراف الخارجية .
المساكن في هذه المدن الحديثة كانت بسيطة إلى حد ما واقتصادية في الحجم والمكونات بحيث تلبي
الحد األدنى من الظروف المالئمة للحياة الكريمة ،فقد تكونت في الغالب من غرفة أوغرفتين للنوم
مع حمام ومطبخ وغرفة للمعيشة وأحيانا غرفة إضافية للطعام بينما اختفت معظم المكونات
اإلضافية كالمالبس والتخزين ،وكانت تقع في مباني متعددة الطوابق تزداد أعدادها حسب الحاجة
لوجودها وساعد في ذلك التطور الصناعي في مواد وطرق البناء .
شك
استمر التطور في المسكن مواكبا للتطور العلمي الذي انطلق حثيثا مع بداية الثورة الصناعية
وأصبحت المساكن تلبي متطلبات عدة إضافة إلى الوظائف األساسية كالراحة واالستجمام واللعب
وممارسة الهوايات ،وأصبح عدد الفراغات والغرف المطلوبة في المنزل أكثر عددا وأكبر مساحة
ومصممة بشكل دقيق جدا في بعض الحاالت .لقد تغيرت المعايير المعتمدة لتصميم المنازل بتغير
الحاجات والمتطلبات اإلنسانية لكنها الزالت تحتفظ بكثير من المعايير األساسية التي وجدت عليها
المنازل .
الخالصة
المسكن هو الوحدة األساسية التي قامت عليها الحضارات وتطورت بها اإلنسانية ويعكس تطوره
تطور الجنس البشري ،وبالنظر الى النماذج المذكورة للمسكن عبر التاريخ نالحظ أن التصميم
األساسي سواء للمسكن الريفي أوالمديني لم يطرأ عليه كثير من التغيرات خاصة وأن التصميم كان
مستوحى من طبيعة المكان وحاجة األشخاص في المجتمع ،فكانت العوامل األساسية المؤثرة في
التصميم هي :
ا-السكن الريفي
ينظر إليه على أنه أساس نشأة السكن كما نعرفه اليوم فهو المرحلة التالية لالستقرار في المزارع
والمراعي بعد مرحلة الصيد وسكن الكهوف ،وينقسم إلى نوعين طبقا لنشاط السكان في المواسم
المختلفة فقد كان هناك :
-السكن المؤقت :الذي يتخذه الصيادون و الرعاة وحتى الزراع البدائيون في مواسم معينة
تتكرر كل سنة أوتتغير كل بضعة سنوات ،ومن أشكال هذا النوع من السكن الخيام
والعشش المؤقتة واألكواخ الثلجية وقد تكون مفردة أوعلى هيئة تجمعات صغيرة حسب
النشاط والموقع الذي تقام فيه.
-السكن الدائم :ويتمثل في بيوت القرى التي تبنى غالبا من الطين والقش ويسكنها غالبا من
يشتغلون بالزراعة وقد تقام على أطراف األرض الزراعية كتجمعات تتكون منها القرى
التي تمثل اللبنة األولى لقيام بعض المدن.
ب-السكن الحضري أو المديني
يعتبر صورة متطورة للسكن الريفي لكنه بني بمواصفات المدينة التي تتالصق بيوتها وتتراصف
على جانبي الشوارع ،وتتميز هذه المنازل بمساحتها المحدودة وطبقاتها المتعددة كما تكون منظمة
بشكل جيد لتستوعب نشاط ساكنيها الذين تختلف أعمالهم و وظائفهم عن سكان الريف .
: المراجع
. دار الفكر العربي:القاهرة. الثورة الصناعية و آثارها االجتماعية و القانونية. 1982 . أحمد حسن، البرعي.1
الميراث. مدونة." "' بيوت الحضر' رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي.2010 . جمال الهمالي، الالفي.2
. http://mirathlibya.blogspot.com/2010/04/blog-post.html.2010 ،(ابريلblog). 17
. http://www.arab-2016 ، يونيو27 تاريخ الوصول. "الموسوعة العربية. "المسكن.ت. د. جبور.3
ency.com.
. محاضرة." "البيوت التقليدية.2015 . نغم علي، حسن.4
(blog). 6 "الجبهة. ديانتهم وأثرها على التوراة، حضارتهم، نشأتهم: "الكنعانيون.2008 . ابراهيم، خطيـب.5
. http://www.aljabha.org/?i=34798.2008 ،يوليو
. ومفاهيم مقدمة اإلسكان. ت.د .الوتار الدين نور سمير.6
.pdf.ومفاهيم20%مقدمة20%-اإلسكان20%207%محاضرةfaculty.ksu.edu.sa/alwattar/363PL/
المجلس الوطني للثقافة و الفنون و.128 عالم المعرفة. المدينة االسالمية. 1988 . محمد عبدالستار، عثمان.7
.االداب
دار. تاريخنا. مج6 .1 . مج. االولى.ت.د. ) ليبيا(من عصور ما قبل التاريخ حتى القرن السابع حتى الميالد.8
.التراث
. كوم "المهندس. أهميته و مفهومه ..... "االسكان .1989 . مروة.9
http://www.eng2all.net/forum/engineering1989/.
.دار النهضة العربية. في جغرافية العمران. 1980 . عبد الفتاح محمد، وهيبة.10
11. "ancient china houses". ت.د. House of Architecture (blog). 2017 ، يناير1 تاريخ الوصول.
https://depts.washington.edu/chinaciv/3intrhme.htm.
12. Bietak, Manfred. ت.د. "HOUSES, PALACES AND DEVELOPMENT OF SOCIAL
STRUCTURE IN AVARIS".
13. Brunzell, Tove, وSanaa Duric. 2012. "Moroccan Architecture, traditional and
modern". Bachelor thesis, Helsingborg - Sweden: Lund University.
14. Dunn, Jimmy. 2011. "Private Housing at Amarna". Tour Egypt (blog). 22 2011 ،مايو.
http://www.touregypt.net/featurestories/amarnahouse.htm.
15. El-Shorbagy, Abdel-moniem. 2010. "Traditional Islamic-Arab House: Vocabulary
And Syntax". International Journal of Civil & Environmental Engineering IJCEE-
IJENS, 2010.
16. "Indus Valley: Home Life". 2014. BBC.
http://www.bbc.co.uk/schools/primaryhistory/indus_valley/home_life/.
17. "Industrial Revolution City Planning". 2017 ، فبراير27 تاريخ الوصول. مدونة.ت.د.
http://image-bros.club/i/industrial-revolution-city-planning.html.
18. SAGGS, H. W. F. 1965. EVERYDAY LIFE IN BABYLONIA AND ASSYRIA. Assyrian
International News Agency Books Online.
http://www.aina.org/books/eliba/eliba.htm.
19. Smith, Michael E. 2007. "Form and Meaning in the Earliest Cities: A New Approach
to Ancient Urban Planning". JOURNAL OF PLANNING HISTORY, 2007 ،فبراير.
20. Vaishnavi, Pralay, Narayan, وIshrat. ت.د. "ROMAN PERIOD". PRESENTATION,
College of Engineering,Pune. https://www.slideshare.net/EACT_COEP/13-roman-
cities.