Professional Documents
Culture Documents
الطبيعة والقانون يتعارضان في أغلب األحيان )...( 1ألن ما هو أكثر قبحا من وجهة
3
نظر الطبيعة 2هو دائما األكثر ضررا ،و هو تحمل الظلم بينما األقبح تبعا للقانون
بعبد الموت أفضل له هو ارتكابه .إن احتمال الظلم ال يالئم إنسانا حرا ،وإنما يليق
من الحياة حين ال يكون لديه ما يدفع به الظلم وسوء المعاملة عن نفسه وعن أحبائه
في االن عينه .ولكن الضعفاء والسواد األعظم هم الذين على العكس سنوا القوانين.
إنهم إذن قد وضعوا القوانين وقرروا الثناء او اللوم بالنسبة إليهم وبالنسبة إلى
مصلحتهم الشخصية .ولكي يخيفوا األقوياء ،وهم األكثر قدرة على أن يعلوا عليهم،
ولكي يحولوا بينهم وبين أن يعلوا عليهم بالفعل ،تراهم يزعمون أن كل استعالء قبح
وظلم وأن الظلم يقوم في جوهره على الرغبة في االستعالء على اآلخرين (.)...
ذلك هو السبب في أن القانون يعلن أن كل محاولة لتجاوز المستوى العام ظلم وقبح.
وهذا ما يسمى بالظلم .ولكن الطبيعة نفسها تثبت لنا ،فيما أرى ،وعن عدل تام
مستساغ ،أن من هو أكثر قيمة يجب أن يتفوق على من هو أقل قيمة ،والقادر على
العاجز .وهي ترينا في كل مكان ،لدى جميع األجناس الحيوانية وجميع األعراق
البشرية وجميع المدن ،أن األمر كذلك ،وأن العدل يتمثل في سيادة القوي على
الضعيف ،وفي االعتراف بهذه السيادة .فبأي حق في الواقع أشعل أكسيرسيس
4
من كتب وسحر وخرافة وقوانين تخالف كلها نظام الطبيعة ،وسيجعل نفسه سيدا
أمامنا ،وهو الذي كان عبدا ،وحينئذ سيتألق قانون الطبيعة ويشرق بأجلى سناه)...( .
هاك ما هو العدل ،وما هو الجميل وفقا للطبيعة ،إنني بسبيل أن أشرح ذلك لك بكل
صراحة :وهو أنه يجب لكي نعيش عيشة حسنة ،أن نتعهد في أنفسنا أقوى األهواء
6بدال من أن نقمعها .ويجب أن نجعل أنفسنا قادرين على إشباع هذه األهواء مهما
كانت قوية بما لدينا من ذكاء وشجاعة ،وذلك بأن نحقق لها كل رغباتها .ولكن ليس
ذلك من غير شك في متناول العوام :ومن ثمة يأتي لوم الجمهور ألولئك الذين يخجل
من عدم استطاعته تقليدهم ،راجيا أن يخفي بذلك ضعفه الذاتي ،وهو يعلن أن الشر
عار ،محاوال ،وفقا لما قلت سابقا ،أن يستبعد من ميزتهم الطبيعة عليه بالمواهب،
ونظرا لعجزه عن اإلشباع التام ألهوائه ،فإنه يمدح االعتدال والعدالة بسبب جبنه
الذاتي .وعندما يولد اإلنسان ،في الواقع ،ابنا لملك ،أو عندما يجد في نفسه القوة
الضرورية ليفوز بسلطة عالية ،فأي عار يمكن أن يلحق بمثل هذا الشخص ،وأي شؤم
أكثر من أن يعتدل اعتداال حكيما ،في الوقت الذي يستطيع فيه أن يتمتع بالخيرات
جميعها دون أن يعترضه أحد ،وأن يجعل من قانون الجمهور ولومه وأحاديثه العامة
سيدا على نفسه .وكيف ال يكون هذا الشخص شقيا من ناحية األخالق وفقا للعدالة
واالعتدال عندما ال يستطيع أن يعطي شيئا ألصدقائه أكثر مما يعطيه ألعدائه ،وذلك
في مدينته الخاصة التي هو سيدها.
هذه هي الحقيقة ا لتي تزعم أنك تبحث عنها يا سقراط ،إن الحياة السهلة واإلفراط
واإلباحة عندما تكون مواتية تؤلف الفضيلة والسعادة ،أما فيما عدا ذلك فإن جميع هذه
الخياالت التي تقوم على ما يتفق عليه الناس مما هو مناف للطبيعة إنما هو حماقة وعدم.
-1إن فكرة مقابلة نظام الطبيعة بنظام القانون الناشئة عن مالحظة االختالفات بين الشعوب حتى على
مبادئ األخالق كانت مألوفة لدى السوفسطائيين.
-2الطبيعة (Phususفي اللسان اليوناني) :النمو التلقائي للكائنات الحية ،يطلق كاليكالس والسفسطائيون
عامة كلمة الطبيعة للداللة على واقع تلقائي ومعطى مقابل القانون االصطالحي وقد ألح السفسطائيون
على صفة المواضعة واالصطالح التي تتصف بها القوانين مقابل الطبيعة.
-3القانون :يدل هذا اللفظ (في اليونانية )Nomosعلى قاعدة عامة آمرة تنظم فعالية الناس وتفرض
القانون والعادات واألعراف .والمراد به أيضا القانون المكتوب الذي يسنه المشرع.
-4أكسيرسيس :هو ملك فارس (486-465ق.م) أخمد بقسوة الثورات التي نشبت في مصر (486ق.م)
وبابل (482ق.م ) .لكي يثأر لهزيمة أبيه في ماراتون انكب طويال على إعداد حملة ضخمة لغزو اليونان
قادها بنفسه.
-5زيوس :كبير آلهة اليونان .هو عند هوميروس أبو اآللهة والناس .وهو بوجه خاص إله النور
السماوي ،يتحكم في الظواهر الفيزيقية كالمطر والصواعق وتعاقب الفصول والليل والنهار...
-6األهواء ( :)les passionsالمراد بهذا اللفظ (في اليونانية )Epithumiaفي سياق النص الرغبات
القوية.