Professional Documents
Culture Documents
واالنتقام
لوكيوس أنايوس سينيكا
1
الم�ؤلف :لوكيو�س �أنايو�س �سينيكا
العنوان :العفو واالنتقام
ترجمة :د .حمادة �أحمد علي
الطبعة :الأولى 2020
ت�صميم الغالف :عمرو الكفراوي
م�ست�شار الن�شر� :سو�سن ب�شير
المدير العام :م�صطفى ال�شيخ
رقم اإليداع:
2019 / 20430
الرتقيم الدوليISBN :
978 - 977 - 765 - 247 - 6
جميع الحقوق محفوظة .ال يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو أى جزء منه ،أو تخزينه فى نطاق
استعادة المعلومات ،أو نقله بأى شكل من األشكال دون إذن مسبق من الناشر.
All rights are reserved. No part of this book may be reproduced, stored in a retrieval
system, or transmitted in any form, or by any means without prior permission in
writing from the publisher.
1 Kareem El Dawla st. - From Mahmoud Basiuny st. Talaat Harb
CAIRO – EGYPT - Tel: 00202 25778743 - 00202 25779803 Mobile: +202-01111602787
E-mail:afaqbooks@yahoo.com – www.afaqbooks.com
1شارع كريم الدولة -من شارع حممود بسيوين -ميدان طلعت حرب -القاهرة -مجهورية مرص العربية
ت - 00202 25779803 - 00202 25778743 :موبايل01111602787 :
2
لوكيو�س �أنايو�س �سينيكا
العفو واالنتقام
ترجمة
د .حمادة أحمد علي
رئي�س ق�سم الفل�سفة
جامعة جنوب الوادي
3
بطاقة الفهرسة
إعداد الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية
إدارة الشؤون الفنية
4
المحتويات
9
سينيكا وعالمه
18
رواقية سينيكا
23
تراجيديا سينيكا
27
دراما سينيكا بعد المرحلة الكالسيكية
31
عــن العفـــو
33
مقدمة األطروحة
38
الفضيلة
44
األمير
53
الكتاب األول
99
الكتاب الثاني
111
تأليه كالوديوس المقدَّ س
113
مناسبة الكتاب وغرضه
121
مختصر
141
تأليه كالوديوس المقدَّ س
6
�إلى ابنتي البكر
رويدا
7
8
سينيكا وعالمه
الحظ سينيكا في رسالته ( )Letter 13.14أن ما صنع عظمة سقراط هو موته
بسم الشوكران ،حيث أكد موته صمود مبادئه الفلسفية ،واعتقاده بأن الموت ليس
ُ
مخيفًا ،وقد القى سينيكا مصير سقراط حين حكم عليه نيرون باالنتحار عام 65م،
صواب ،حيث إن
ٌ ونعتقد أن ما ذهب إليه تاكيتوس Tacitusفي حوليته ()15.63
الرواقية الرومانية وازنت بين موته وموت سقراط وهو يتحدث عن الفلسفة بسكينة
ينصب وصف تاكيتوس هنا على
َّ بين أصدقائه بينما يتقطر الدم من عروقه .ولم
وعظ سينيكا فحسب ،بل كذلك على منهج حياته.
وقد مُنيت حياة سينيكا بخيبة أمل من الناحية السياسية نتيجة تأثرها بالنفي
أخيرا ،وتخبرنا كتاباته
ً والعودة وتسوية عالقته باإلمبراطور نيرون تلميذه وقاتله
باليسير عن وظيفته السياسية وعالقته بنيرون باستثناء ما يمكن أن نستشفه من
مقاله عن العفو .On Clemencyوتخبرنا المصادر المتأخرة مثل تاكيتوس
وسويتونيوس وكاسيوس ديو (150ق.م235-م) Dio Tacitus, Suetonius,
and Cassiusأن سينيكا ُولد لعائلة عريقة في الفروسية بمدينة قرطبة Corduba
في هسبانيا بين عامي 4-1قبل الميالد ،وهو االبن الثاني من ثالثة أبناء لهيلفيا
ولوكيوس أنايوس سينيكا ،واألخ األصغر هو أنايوس ميال وهو والد الشاعر
9
صبيا
لوكان .وقد قضى األب فترة كبيرة من حياته في روما ،وكان حينها سينيكا ًّ
ً
تلميذا للفيلسوف سكيتوس، صغيرا ،وهناك تلقى تعليمه في البالغة ،وأصبح
ً
وتأخر دخوله في الحياة السياسية ،وحين امتنع ترشحه للمنصب في عهد تيبريوس
اعت َّلت صحته وأصابه الربو وربما السل ،وكانت عالقته بالسياسة قصيرة ،ونجا من
عداء كاليجوال بفضل موهبته في الخطابة كما تخبرنا المصادر ،ونفاه كالوديوس
إلى كورسيكا بعد وفاة كاليجوال بفترة وجيزة عام 41م بتهمة الزنا في جوليا ليفيال
الشقيقة الصغرى لكاليجوال ،وهذا االدعاء كاذب بالتأكيد .وقد قضى سينيكا
وقته في المنفى في دراسة الفلسفة ،وكتب «عزاء إلى هيلفيا» والدته ،و«عزاء إلى
بوليبيوس» السكرتير الخاص لكالوديوس ،ويكشف في هذا الكتاب عن رغبته في
العودة إلى روما.
وحين عاد سينيكا إلى روما بضمانات عدة ،كان كالوديوس قد تزوج فتا ًة
جرمانية هي أجريبينا الصغرى ،والتي حثته على استقدام سينيكا لتعليم ابنها نيرون
ذي االثني عشر عامًا ،وقد كان لكالوديوس ابنٌ آخر أصغر منه هو بريتانيكوس،
ومن الواضح أن أجريبينا المرا ِوغة طمحت أن ترى ابنها من لحمها ودمها على
العرش .وبعد أن توفي كالوديوس بخمس سنوات ناورت أجريبينا حتى تمكن
ابنها من تولي عرش اإلمبراطور ،وبعد فترة وجيزة دست السم لبريتانيكوس عام
55م .وقد عمل سينيكا مستشارًا لنيرون مع قائد برايتوري هو سكتوس أفرانيوس
بوروس Sextus Afranius Burrusمن عام 54وحتى تضاءل نفوذه في نهاية
العقد .ونحن نعلم أنه كتب مقاله «عن العفو» لنيرون؛ ليلقيه على مجلس الشيوخ
عقب انضمامه إليه بفترة وجيزة ،وقد احتوى مقاله «عن العفو» على بعض الشكوك
من خطة نيرون للحفاظ على اإلمبراطور الشاب من العدو المسعور ،واستخدم
مشيرا بها إلى نيرون السيناتور الروماني من باب المماثلة
ً سينيكا كلمة ملك rex
واالندهاش ،ويبدو أنه امتدح نيرون ،وأشار إلى سلطته التي ال حدود لها وإلى
10
قيمة العفو التي قد تحفظه من تقلبات السلطة ،وأيدت اإلدارة القضائية والمدنية
اإلمبراطورية سينيكا وبوروس.
وقد تضاءل تأثير سينيكا على نيرون بعد موت بوروس عام 62م ،وحاول
التنحي عن منصبه مرتين عام 62م و64م ،ورفض نيرون المحاولتين ،وغيب
سينيكا نفسه عن األحداث بعد عام 64م .وفي عام 65م جاءت مؤامرة بيزونية
Pisonianلقتل نيرون ليتولى محله الزعيم كالبورنيوس بيزو C. Calpurnius
ً
متورطا في المحاولة فقد برأ سينيكا ،Pisoورغم أن لوكان ابن أخ سينيكا كان
نفسه ،ولكن نيرون انتهز الفرصة ليأمر معلمه القديم بقتل نفسه ،فقطع سينيكا
شرايينه .ويخبرنا تاكيتوس أن نحافة سينيكا وتقدمه في العمر قد أعاقا تدفق الدم
منه ،وحين فشل االنتحار في قتله ،أجلسوه في حمام ساخن حتى يتدفق الدم منه
بسرعة ،وحاولت زوجته االنتحار بعده ،ولكنهم أنقذوها بأمر نيرون.
رواجا عند المسيحيين ُ
األ َول ،وأثرت كتاباته األخالقية على ً ولقي سينيكا
القديس بولس ،ونال حقه من النقد ،ونشب عليه هجوم للتناقض الظاهر بين
11
تعاليمه الرواقية في عدم االهتمام بالمظاهر الخارجية ورأيه في تكديس الثروة،
وربما لم ينلْ لهذا السبب نفس احترام الرواقي موسونيوس روفوس الذي
لُقِّب بـ«سقراط الروماني» .والشخص الوحيد الذي هاجم سينيكا في حياته هو
سيلليوس ،بسبب تراكم ما يقرب من 300مليون سسترس منذ صعود نيرون
للسلطة نتيجة الرسوم الباهظة على إيطاليا والواليات األخرى ،و ُنفي سيلليوس
إلى جزيرة بليار الختالسه وتلصصه .ويبدو أن سينيكا كان متقش ًفا رغم ثروته،
وفي مقاله «عن الحياة السعيدة» De vita beataاتخذ موقف الفيلسوف الغني
صاحب الثروة التي ُتربح و ُتخسر ،وموقفه منها منفصل تما ًما .ويحتمل سينيكا في
تقديرنا تناقضات عدة فرضتها حياته السياسية.
وقد ربطت الرواقية نظرتها األخالقية بالعواقب السياسية الفعلية ،وهي تؤكد
على المساواة في الحقوق السياسية وإتاحة الفرص االقتصادية المتكافئة ،ورغم
أن األصولية الرواقية أبقت على األهمية القصوى للسياسة ،إال أن القيمة األخالقية
هي الجوهرية فحسب ،فالسعي نحو المال والشرف والسلطة والصحة البدنية
14
وحتى حب األصدقاء واألطفال والزوجة يمكن أن يكون معقولاً إن لم ُي ِع ْق ُه شيء،
وهو ليس قيمة جوهرية حقة ،وقد أطلقوا عليه «تفضيل المحايدات» ،وال يتناسب
مع القيمة األخالقية .لذا حين ال يصل المرء إلى ما يتمناه ،فمن الخطأ أن يأسى.
وهذا هو السياق الذي قدم فيه الرواقيون لمذهب األباثيا apatheiaأي التحرر
من االنفعاالت ،وهم يدافعون عن العواطف واالنفعاالت األسمى حيث تنطوي
على تقدير حسن للخير الظاهر ،وهم يرون أن الرواقي الحق ال تحمل جنباته هذه
االضطرابات الشخصية ،وقد أدركوا أن أحداث الصدفة تكمن في سيطرتنا ،حيث
وجدت الرواقية أنه ال ضرورة للحزن والغضب والخوف أو حتى الفرح؛ ألن
هذه المشاعر تجشؤات عقل يترقب في قلق ورعب أشياء محايدة ،ويمكننا أن
نعيش حياة الفرح الحقة إذا قدرنا كل شيء قدره ،والتقدير الحق للشيء يكمن في
سيطرتنا المطلقة على زمننا.
ولم يطرح الرواقيون أي تغيير فعلي في توزيع الخيرات الدنيوية كما يفترض
اعتبارا متكافئًا لتصنيف البشر بسبب اعتقادهم ،وهم يعتقدون أن االعتبار
ً المرء
المتكافئ ال يستلزم معالجة كل شخص ،ولذا حث سينيكا السادة على عدم قهر
العبيد وعدم استخدامهم كأدوات جنسية؛ فإن عادة العبودية الصمت ،وال يوجد
ما هو أسوأ من الصمت .ورأى سينيكا أن الحرية الحقة هي الحرية الباطنية ،وأما
الشكل الخارجي ليس جوهرًا .وقد يتشابه سينيكا مع موسونيوس روفوس ،حيث
دعا إلى معاملة المرأة معاملة حسنة ،ناهيك عن حصولها على التعليم الرواقي.
وتقييد المرأة في النظام القانوني بدور منزلى حيث يتولى الرجل السلطة المصيرية،
ولم يتحدث سينيكا عما سيتحقق من فضيلة عن رواقية المرأة في حالة مكوثها في
جزء من الكرامة،
المنزل .ويعتقد بعض الرواقيين الرومانيين أن الحرية السياسية ٌ
ولذلك غاب الدعم للمؤسسات الجمهورية ،إال أن االهتمام بالظروف الخارجية
الذي تتفق عليه الرواقية ال يزال غامضًا ،ومن المؤكد أن عمق الحزن عند شيشرون
وقعا من حزنه على موت ابنته.
على فقدان الحرية السياسية كان أشد ً
وقد ثار جدل هائل حول ما إذا كانت األباثيا الرواقية قد فصلت الناس عن
السياسة الرديئة أم أنها أعانتها ،ومن المؤكد أن الرواقيين كما هو معلوم قد نصحوا
باعتزال السياسة ،واعتقدوا أن الثورة أسوأ من انعدام القانون .ويروي بلوتارخ أن
بروتوس األفالطوني سأل المتأمرين عن اغتيال يوليوس قيصر هل كانوا يقبلون
المبدأ الرواقي أم يؤمنون بأن انعدام القانون أسوأ من الحرب األهلية؟ إال أن غير
الرواقيين انحازوا لمجموعة القتلة .وانضم في عهد نيرون كثير من الرواقيين
البارزين -بما فيهم لوكان ابن أخ سينيكا -إلى الحركات السياسية الجمهورية التي
سياسيا.
ًّ تهدف إلى اإلطاحة بنيرون ،وفقدوا حياتهم نظير هذا ،وانتحروا
16
واعتقد الرواقيون -من منظور أخالقي -أن الحدود القومية ال عالقة لها
بالشرف والثروة والجنس والميالد ،ورأوا أنهم مواطنون كونيون ،وقد ظهر
اصطالح “مواطن العالم” عند ديوجين الكلبي ،وتمسك به الرواقيون ،وصار
جذرا للمواطنة الكونية الحديثة ،ولكن ما يطلق عليه مواطنة كونية غير واضح
ً
عمل ًّيا .واعتقد شيشرون في كتابه «الواجبات» أن فضائلنا اإلنسانية المشتركة
مقيدة ببعض الحدود الصارمة لدواعي الحرب ونوع السلوك المباح فيها ،وهكذا
صك شيشرون أساس القانون الحديث في الحرب ،وأنكر أن تلتزم إنسانيتنا بأي
واجب في توزيع الخيرات المادية لما وراء حدودنا .وقد أثر كتاب الواجبات
لشيشرون في األجيال التالية في هذا الصدد ،وقد بالغ شيشرون في إلقاء اللوم
على الرواقيين؛ ألننا نعمل بعيدً ا عن معتقداتنا في القانون الدولي خاصة في مجال
صحيحا.
ً فهما
الحرب والسالم ،وال نفهم بيننا واجباتنا المادية ً
وقد امتد تأثير الرواقية ليطال التراث الفكري الغربي برمته ،ويدين لها
بد ٍ
ين ثقيل ،ويكفي مثال واحد لمفكر مسيحي استغرق في الفكر المسيحي َ
الرواقية ،وهو كليمنت السكندري .وحتى أوغسطين الذي طعن فيما تطرحه
الرواقية حيث وجد أنه من الطبيعي أن ينطلق من مواقفها .ومن الملفت أن
كثيرا من الفالسفة في طليعة العصر الحديث تحولوا نحو الرواقية ،ولم يتجهوا
ً
نحو أفالطون وأرسطو ،وقد ُبنيت األفكار األخالقية الديكارتية على القوالب
الرواقية ،واستغرق اسبينيوزا في الرواقية في كل واردة عنده ،وتأسست
الغائية عند ليبنتز على الرواقية ،ووضع هوجو جروتيوس أفكاره عن القانون
واألخالقية الدولية على قوالب رواقية ،ولجأ آدم سميث إلى الفكر الرواقي
فحسب ولم يتجه للمدارس الفكرية القديمة األخرى ،وبُنيت أفكار روسو عن
التربية في جوهرها على نماذج رواقية ،ووجد كانط إلها ًما في الفكر الرواقي
عن إجالل اإلنسان والمجتمع العالمي السلمي.
17
جلي ،فالشعراء والتربويون الرومان كانوا
ٌّ وتأثير الرواقية في تاريخ األدب
على بينة من األفكار الرواقية ،وأشاروا إليها في غالبية أعمالهم ،كما هو واضح
عند فيرجيل ولوكان .ويكشف التراث األدبي األوربي المتأخر عن نفوذ الرواقيين
في األدب الروماني ،ناهيك عن تأثر عصرهم ذاته بأعمال شيشرون وسينيكا
وماركوس أوريليوس.
رواقية سينيكا
والء ُه للرواقيين في كتاباته بوصفهم
َ يصف سينيكا نفسه بالرواقي ،ويعلن
«أهلنا» ،ويستقل بذاته في عالقته ببعض الرواقيين ،في حين أنه يلتزم بأسس
المذهب الرواقي ،ويعيد صياغته بناء على تجربته وقراءته المتبحرة للفالسفة
اآلخرين ،واتبع في هذا منهج التراث الفلسفي الرواقي الذي يجسده بانيتوس
وبوزدونيوس ،اللذان قدما بعض العناصر األفالطونية واألرسطية لتتكيف مع
رحب
رواقية المجتمع الروماني .ويختلف سينيكا عن سابقيه من الرواقيين؛ ألنه َّ
بالفلسفة اإلبيقورية باختالفاتها.
وركز سينيكا في تطبيق المبادئ األخالقية الرواقية على حياته وحياة اآلخرين
بالمثل ،والتساؤل الذي هيمن على كتاباته الفلسفية هو :كيف يعيش المرء حياة
يضع اإلنسانَ
خيرة؟ وكان سينيكا يرى أن السعي للفضيلة والسعادة مسعى بطولي ُ
حول سينيكا
الناجح فوق بطش االنتهازية وفي مستوى الرب ،ولتحقيق هذه الغاية َّ
الحكيم إلى شخصية ملهمة ،بإمكانه تحفز اآلخرين ليتبعوا مثاله بلطف اإلنسانية
وبهجة الهدوء ،ومفتاح فلسفته هو كيف يوفق المحنة اإلنسانية بالعناية اإللهية،
وكيف يحرر ذاته من انفعاالت الغضب والحزن ،وكيف يواجه الموت ،وكيف
18
يحرر ذاته من المشاركة السياسية ،وكيف يعيش الفقر ويستخدم الثروة ،وكيف يفيد
اآلخرين ،وقد نظر إلى هذه المساعي في سياق أسمى وهو منظور األلوهية العاقلة
والفاضلة ليحقق نفس الفضيلة في محاوالت البشر .وقد ناقش سينيكا في مجال
خاصا بالصداقة وموقف
ًّ السياسة العفو عند الحاكم األسمى ،وقد أولى اهتما ًما
العبيد والعالقات اإلنسانية ،وهدف إلى استبدال البنية االجتماعية باعتمادها على
الثروة ببنية أخالقية مقاربة وف ًقا لغاية الحكيم.
لقد تخلل كتابات سينيكا قلق ومخاوف شخصية ،ورغم أن القارئ المعاصر
يقرأ عن حياة سينيكا األرستقراطية في عهد كالوديوس ونيرون ،وعن ضعف وقوة
شخصيته ،إال أنه يتجاوز في الوقت نفسه اهتمامات سينيكا وعصره .وقد يتردد
بين جمهور المعاصرين أن دعوته للبشر ليتوحدوا؛ هي مطلب لعبيده واهتمامه
باالنفعال اإلنساني وإصراره على التقوقع في ذاته لتحقيق السعادة ،وأن شخصية
سينيكا أوقعت عديدً ا من القراء في إشكالية ،وقد صوره بعض من معاصريه أنه
منافق وال يمارس ما يعظ به ،وأن أعمال سينيكا -خاصة تعازيه لبوليببوس وألمه
هيلفيا ومقاله عن الحياة السعيدة -كانت لخدمة مصالح شخصية ،ورأى سينيكا في
خطابه 84أنه بدل تعاليمه التي جمعها كالرحيق في ٍّ
كل يعكس التركيب المعقد.
لقد قسم الرواقيون المنطق إلى :الجدل وهو حجة قصيرة ،والخطاب وهو
عرض مستمر .وقد تجنبت كتابات سينيكا الجدل والمنطق الصوري عمو ًما ،ومع
ذلك يعرض بين حين وآخر رقائق من المنطق الرواقي بسخرية؛ ألن ما تحمله الدقة
حسن ما عليه المرء ،وينبغي تجنب كل أنواع المراوغات
عقيم وال ُي ِّ
ٌ المنطقية تز ُّيدٌ
سواء أكانت تنطوى على خيط رفيع في الجدل وتقيم فرو ًقا لفظية خفية للغاية ،أم
تتضمن تفسيرات فلسفية عويصة ،وحين يعمل سينيكا هكذا ،فإنه يجعل القارئ
متيقنًا من معرفة أن بإمكانه هزيمة منافسه إن أراد.
19
وعلمنا ضئيل عن وجهة نظر الرواقيين في الخطاب ،ويتضح هذا عند سينيكا
حيث استخدم طائفة من الطرق البالغية الرومانية إلقناع القراء برسالته الفلسفية،
واكتظت كتاباته بأمثلة حية واستعارات جمة وأقوال دالة لها وقع مؤثر ،فهو
يعرف كيف يغير لهجته من الحديث العرضي إلى الموعظة الرصينة واالستنكار
شعبيا ،يلقيه على لسان شخصيات متنوعة ،واشتملت عناوين
ًّ الساخر .وكان نصه
موضوعاته الجمهور والمعارضين االفتراضيين واألصدقاء والرموز التاريخية،
وجال في الطريق كصديق حميم وأحيانًا كعدو رجيم ،واتبع سينيكا كليانتس
وحول ِشعره ً
نثرا ،حتى يحث القارئ على تحسين ذاته. َّ
وبالنظر إلى الغايات األخالقية عند سينيكا ،ربما يكون من الغرابة أن يكرس
عملاً مطولاً للتساؤالت الطبيعة في الفيزياء ،ويصف العمل برمته كغايات أخالقية.
مرارا على أن العقل قد يرتقي إذا تجاوز االهتمامات اإلنسانية الضيقة
وأصر سينيكا ً
وعاين العالم بأسره ،وأن تأمل العالم الطبيعي تتمة للفعل األخالقي برؤية السياق
الكامل للفعل اإلنساني ،فنحن نرى الرب في مجده الكامل يهب الحياة لإلنسان؛
ألنه يدبر العالم برمته .ونثر سينيكا رسائله األخالقية بعيدً ا عن محاوراته الطبيعية
المحضة ،وأكد على ضرورة أن يواجه اإلنسان األحداث الطبيعية كالموت
والكوارث الطبيعية بامتنان للرب .وهو يحذر من إساءة استخدام اإلنسان للمصادر
الطبيعية ،واالنحطاط الذي يصاحب التقدم .ويصوب سينيكا في جل نقاشه عن
الطبيعة المذهب الرواقي ،سواء أكان باإلضافة أم التعديل ،وهو يفند تاريخ الجدل
حول الطبيعة بداية من فلسفة ما قبل سقراط حتى عصره بغية تحسين المذهب
الرواقي.
ونظر النقاد إلى الحكيم الرواقي على أنه أسمى من إمكانات البشر ،وأنه
متحجر العواطف .واعترف سينيكا أن الحكيم أمر نادر الحدوث بل هو كالعنقاء،
وقد يظهر كل خمسمائة عام ( ،)Letters 42.1وليس الحكيم كما يرى سينيكا
عائ ًقا للتقدم ،بل هو الملهم به ،ومنح سينيكا الحرية للحكيم من واقع الحياة،
مستشهدًا بكاتو األصغر the younger Catoعدو يوليوس قيصر ،ولم يكن كاتو
حكيما على الحقيقة ،ويقول سينيكا في مقاله «عن الثبات»« :لست على يقين إن
ً
كان كاتو تجاوزني أو ال» .وهو ال يطمس بهذا االختالفات الرواقية ،بل يسلط
الضوء على القوة الباطنة للحكيم بمثال كاتو وأمثلة أخرى من الماضى الروماني.
ودمج سينيكا الحكيم الرواقي بالصورة التراثية للبطل الروماني ،وهكذا ح َّفز َّ
قراءه
الرومانيين لتأدية واجبهم بمحاكاتهم للحكيم.
ويحدد سينيكا ثالث مراحل للتقدم األخالقي دون مستوى الحكيم ،ويعاينها
وف ًقا الفتقادنا لالنفعاالت العقلية ( .)Letters 75واألولى هي حالة تقترب من
وجود الحكيم ،وهو الشخص الذي لم يتيقن بعد أن الوجود بإمكانه مجابهة
االنفعاالت العقلية وتسمى العواطف أباثيا .والثانية وهي المرحلة األدنى من
المرحلة السابقة ،وهو الشخص الذي ينزلق إلى مستوى أدنى في التقدم يتجنب
ً
بعضا من االنفعاالت العقلية .واألخيرة وهي أدنى المراحل ،وهم أناس ال يحصون
وال يحققون أي تقدم ،ولم ْ
يقل سينيكا في حقهم شيئًا سوى أنه تجنبهم ألنهم
21
ملوثون ،وهم مختلفون عن الذين يناضلون ،ويذوقون المر في البداية ليصبحوا في
حالة أفضل؛ إال أنها فترة وجيزة وستنقضي ،ويقول سينيكا عنهم“ :حين ُيحرمون
األنين واآلهات ،س ُيختار منهم ألطف النبرات” ( .)Letters 23.4وال يزال سينيكا
يصر على أن هذه الكلمات حقة وغايتها الوصول للحق بقدر الممكن .والحكيم
ٌ
عرضة للصدمات ،وتبدو ردود األفعال آنية مثل االنفعاالت العقلية ،ولكن هذه
االستجابات االضطرارية قد تنجح مباشرة برسوخ الحكم .والحكيم -عند
سينيكا -ودود مع اآلخرين ومغمور بالبهجة ،وال عالقة له بالمتعة الزائلة التي
يتعاطها اآلخرون من المظاهر .ويصور سينيكا التطور األخالقي على أنه نضال
ٌّ
شاق أو حملة عسكرية أو مداهمة متصاعدة لمواقع العدو ،حيث يتكهن العدو
شرسا من ضحيته ،وربما يستسلم منافسه ،وسيظفر إذا قاوم حتى نهاية
ً هجو ًما
المعركة ،وقد تأتي الكوارث على المناضل من أشخاص آخرين ،أو من الظروف
المحيطة به ،ومنها الموت والنفي واالضطهاد والمرض ،وقد حفلت حياة سينيكا
بأمثلة شتى ،وذهب سينيكا إلى أن الشدائد وسائل للتقدم األخالقي ،وأن الظروف
تعين َمن يناضلون للوصول إلى التقدم األخالقي.
يتغيا التقدم األخالقي ال يجابه الظواهر الخارجية فحسب ،بل ينظر و َمن َّ
ونفسا تسعى إلى
ً في ذاته .ويخبرنا سينيكا -من وحي أفالطون -أن بداخلنا ر ًّبا،
تحرير ذاتها من براثن الجسد .ويدعو سينيكا القارئ إلى أن يرتد إلى ذاته الباطنة
ليتأمل حالة بعينها ،ومن ثم يتجه نحو تأمل اإلله ،ويجري هذا االنسحاب على
أيضا .ومن األفضل ألاَّ يطول عمل المرء في االشتغال بالسياسة.
الحياة الفاعلة ً
وهكذا ربط سينيكا االنسحاب األخالقي بمحاولة انسحابه من السياسة في األيام
األخيرة من عمره ،وهو يصر على االستمرار في إعانة اآلخرين بتعاليمه الفلسفية
كأي رواقي آخر.
22
تراجيديا سينيكا:
كتب سينيكا ثمانية أعمال تراجيدية ،وهي :أجاممنون ،وثيستيس ،وأوديبوس،
وميديا ،وفايدرا ،وفوينيساي أي النساء الفينيقيات ،وطروادة Troadesأي النساء
الطرواديات ،وهيركوليس فورينس Hercules furensأي جنون هرقل .وال
يتبق من فوينيساي سوى
تشتمل على أوكتافيا الكبرى ،وهيروكليس أوتيوس ،ولم َّ
شذرات ،وقد ُنظر لهذه الدراما بأوجه شتى عبر القرون ،وال يزيد َمن ينقدها على
أنها مجرد نصوص معيبة للدراما اليونانية القديمة لمسائل قد عالجها سينيكا ،ولم
يكن دوره فيها سوى أنه استخرجها من مخبأ الفلسفة الرواقية الرومانية ،وس َّلط
عليها الضوء ،وأسرف في التمثيل البالغي عليها ،أو أعاد بناء المسرحيات المفقودة
لسوفوكليس ومَن تبعه من شعراء أتيكا ،وفرضت علينا السمات التي ميزت الدراما
صوابها وال تستحق االهتمام النقدي اآلن .والحقيقة أنَّ دراما سينيكا نصوص ممتدة
للتراجيديا الرومانية عند ماركوس باكيوفيوس ولوكيوس أكسيوس التي افتقدتها
األجيال .وقد ُترجمت نصوص سينيكا الدرامية إلى اللغة اإلنجليزية عام 1581م
كتراجيديات تيني ،Tenneوأثرت على التراجيديين في العصر اإلليزابيثي ،ربما
قد تحول سينيكا إلى كتابة الدراما قبل فترة حكم كاليجوال 41-37ق .م ،رغم
أنه ال يمكن تحديد متى بدأ بالضبط ،وقد حفظ أجاممنون Agamemnonأول
إشارة للمسرحيات على حائط في بومبي ،ونستنتج منها أنها ُكتبت قبل ثورة بركان
فيزوف عام 71ق .م .وال يؤكد التحليل األسلوبي والبنيوى لمسرحيات سينيكا
هذا ،ويبدو أن الباحثين متفقون على أن ثيستس وفونيسيا من األعمال المتأخرة،
ونحن نعجز عن تحديد تاريخ الدراما عند سينيكا وعالقته بمقاالته وخطاباته،
وشعره قد أرشدت بعض القراء في القرن الخامس رغم أن هناك انطباعات في نثره ِ
العتبار سينيكا في أعمالهم ،ومنهم الكاهن والخطيب سيدونيوس أبولليناريس
،Sidonius Apollinarisومن بعده أيراسموس وديدرو.
23
إن التشكيك في كتابات سينيكا أمر طبيعي ،نتج عن فشل الرواقية كطريقة
رد هذا الفشل إلى ضعف أتباعها في التحكم في
للحياة في األعمال الدرامية ،و ُي ُّ
موضوعا
ً الرغبة واالنفعال ،أو صعوبة ممارسة الرواقية ذاتها ،أو أن العالم ليس
للعناية الربانية .وأن دراما سينيكا مفتوحة للنقاش وتفترض قراءتها إتاحة
الفرصة لألسطورة التي تدين موت كاسندرا أو بوليكسينا على يد كليتيمنسترا
Clytemnestraأو أوليسوس ،واستفاد سينيكا من هذه الحقيقة التراجيدية ليطرح
دراميا
ًّ مفهوم القدر الذي ال يرحم وعدم جدوى مُالحظاته .واعتُبرتْ ثيستس عملاً
في الجمهورية المتأخرة؛ لذا فهي العمل الوحيد الكامل لدينا ،حيث نجده فيما
ُيسمى المنفى ،والذي يمتدح حياة العوز ألبنائه ،ويذكرهم بأن الشخص الوحيد
السعيد الذي يعيش بال خوف ،هو َمن يشرب في ٍ
أوان فخارية .ولكن حين ُدعي
إلى العودة إلى قصر أرجوس لتآمر أخيه أتريوس الذي تسبب في نفيه ،استجاب
إلغرائه بالعودة بعد شيء من تردد ،وقال البنه“ :إني أتبعك” ،ولكن لم يستسلم
في اتباعه للحياة المترفة على عكس رفاهية الخير الرواقي.
إن ما تبقى بشكل جيد ليس إلاَّ ركام أسطورة ،حيث يجلس ثيستس مرتد ًيا ز ًّيا
ٍ
وبعض من الخمر المعتق ،وتجشأ من شبعه، ملكيا ،ويستمتع بشراب ُيط ِّيب القلب
ًّ
وهب فزِعًا حين أبلغه أتريوس أن عشاءه ُصنع من أوصال أبنائه ،ولكن هل هنا
تفسير أخالقي أو رسالة فلسفية؟! وإذا تابعنا وجهة نظر رواقي آخر هو إبكتيتوس
الذي وصف التراجيديا كما تحدث وهو القائل“ :حين تحدث الصدفةُ ،ي َغشى
على الحمقى” .Discourses 2.26.31ونخلص إلى أن قصة ثيستس توضح
واضحا
ً درسا
بالضبط استسالم الحمقى لرغبة السلطة ،وتبدو معالجة سينيكا ً
نشوة النصر التي سيطرت على آتريوس في يُق ِّوض به عوامل عدة ،وهي
نهاية الدراما التي هي أصداء ال يمكن إنكارها من الوعظ الرواقي ،وثان ًيا هشاشة
المدنية والقيم الدينية في المشهد الجحيمي الذي ُيضحي فيه أتريوس باألطفال،
24
وهذا المشهد صورة زائفة للتضحية ذاتها ،ويظهر الملقنون لالبتذال الرواقي في
مسرحيات عدة مثل فايدرا وكليتيمنسترا وميديا ،وهم يلقنون العبارة على عكس
تساوقها مع الفعل ،ولعب كريون Creonالدور نفسه في مسرحية أجاممنون.
ولدى أنصار سينيكا شكوك أكبر حول قيمة النجاح الدنيوي في دراما ثيستس،
السلطة؟ وقال إنه غير واثق بأنه يشعر أن
حين يسأل أوديب هل متعة اإلنسان في ُّ
اإلجابة ال ،ويقدم أوديب من بداية المسرحية متناقضات ب ِّينة ألسالفه اليونانيين
الذين أكدوا على اكتشاف ميالد الهوية هنا ،حيث يغمر أوديب اإلحساس بالدنس،
وفزع الملك حتى من الدراما المفتوحة؛ ألنه لن يستطيع الهروب من نبوءة قتل
أبيه ظ ًّنا منه أنه مسؤول عن اجتياح الطاعون لمدينة طيبة ،حتى أنه تمنى الموت
جزعا ،واختلفت حالته االنفعالية عن شخصيته المحورية في مسرحية
ً السريع
سوفكليس .إن نص سينيكا هو تقرير مطول لكريون في استحضار شبح آيوس في
حديقة مظلمة ،وهو أمر غاب في عمل سوفكليس ،وقد ُأسقط إحساس الشخصية
التي تتفاعل على خشبة المسرح ،ليجعل الشعور في دراما سينيكا محر ًما ،ويصبح
دافعا له.
حديث الشخصيات ر ًّدا على العنف ،أكثر من كونه ً
إن تدنيس السماء من منظور اإلنسان يتعارض مع الطبيعة الرواقيةَ ،و ُو ِج َد
له صدى في مسرح سينيكا ،حيث وضع مذهب الرواقية نصب عينيه العالقة بين
الكون وأجزائه .وتواف ًقا مع هذا الرأي ،فإن النوما أو الروح الحيوية ُيقابل كل نتائج
المادة بانسجام كوني لألجزاء مع الكل .وكما يقول إبكتيتوس في Discourses
“ :1.4.1كل األشياء مترابطة ببعضها ،وتتأثر أشياء األرض بما هو سماوي”،
ولكن ما نراه في الدراما مشهد مريب لهذا االنسجام ،وفكرة ضعف المرء أو
التهوين من شأنه بإمكانها أن تعطل اللوجوس العقالني المنسجم الذي يعكس
وجهة نظر المذهب عن العالم الذي قد نصل إلى إدراكه بالفهم والعقل ،وهكذا
نرى العالم يرتجف وقانون السماء يضطرب في عبارات مسرحية ميديا ،والشمس
25
من جريمة أتريوسفي مسرحية ثيستس ،وتختفي أصوات تحجب وجهها
الجوقة بعد افتضاح نوايا فيدرا الخفية ،وبشارة هوريفك التي تنذر بما ّ
يحل في
طروادة في مسرحية فيدرا .وتختلف مسرحيات سينيكا عن التراجيديا اليونانية،
حيث ال دور فيها للمؤسسات المدنية أو حتى تتدخل في هذه العالقة ،ومعالجة
مفهوم األرباب غير المغلوطة فيها .ويدعو جيسون القراء لمطالعة مسرحية ميديا
التي ترى أنه ال يوجد رب في السماوات ،والعربة التي كانت تجنح هي دليل على
العون الرباني ،فاألرباب معضلة ال يمكن معالجتها هنا.
دائما؛
إن الشخصيات الرئيسة في ميديا وثيستس مثيرة للقلق ال ألنها تنتصر ً
ولكن ألن طريقة نصرها تتوافق مع غاية الطموح الرواقي ،حيث تتبنى وصاياهم
موق ًفا بعينه تجاه العالم ،وهو التخلي عن الروابط العائلية واالجتماعية ورفضهم
للنظام األخالقي للعالم من حولهم ،ومحاولتهم العيش في أنويتهم باعتبارها
خاصا ومستقلاًّ
عالما ًّ
أفضل صورة للحياة .وطغاة سينيكا مثل حكمائه ،فهم يبنون ً
حول ذواتهم ال يمكن اختراقه ،وهم ال يستنكرون ذواتهم .وهناك انقسام في
الحوار مع النفس بين الضرورة األولى وهو رغبة النفس ،والضرورة الثانية وهو
اعتبارا الئ ًقا كمبدأ حاكم لهم.
ً الحكم عليها ،فهم يختارون
وهذا يؤدي بدوره إلى طابع بعد مسرحي metatheatricalفي عديد من
المسرحيات ،ففي مسرحية ميديا على سبيل المثال تظهر ميديا وهي تنظر إلى
فصول سابقة في قصتها لتكتشف ما هو مناسب لشخصيتها ،وأوديب عندما يغلق
عينيه يالحظ أن “هذا الوجه يليق به هو” أو كما يقول أتريوس“ :هذه جريمة ،هذا
الوجه يناسب ثيستس ويناسب أتريوس ً
أيضا” ،Thyestes 271ويبدو أن طابع
ما بعد المسرحية يعلو على اهتمام النخب الرومانية التقليدية ،حيث إنها تعرض
أفعالاً مثالية قد ُيجمع عليها الجمهور وهي تتبنى مثالية أخالقية بعينها.
26
وقد ناقش الباحثون باستفاضة مسألة أداء مسرحيات سينيكا على المسرح
قديما ،ويرى الباحث األلماني فريدرك ليو في القرن التاسع عشر أن هذه
ً
التراجيديات ُكتبت لإلنشاد فحسب ،فمن غير المعتاد أو من المحال تجسيد
التضحية الحيوانية والقتل على المسرح ،ويبقى السؤال بال جواب ،ولكن سواء
أكان الجمهور العادي في المسرح أم في مقصورة اإلنشاد ،فإنهم يشاركوننا
معرفة كاملة بكيفية تحول القصة ،وتشابه ذواتهم مع الشخصية الرئيسة في الواقع،
وإن سعادتنا في مشاهدة دراما سينيكا قد توسع مداركنا حين نالحظ سعادة هذه
الشخصيات التي تئن من األلم .ويقول سينيكا في مسرحية طروادة في سطر شهير
للرسول الذي يأتي بأخبار عن قاتل أستياناكس ويقص مشهد موت أستياناكس
ويجسده للمسرح“ :الجزء األكبر من الحشد المكتظ يمقت الجريمة ويشاهدها”،
وهذا التوتر بين هاجس السادية والفزع الذي تعرضه دراما سينيكا يمكننا من
التعرف على عدم رضى المشاهدين من مسرحيات سينيكا البائسة.
نموذجا للترجمة
ً وأخذ َّ
الكتاب المسرحيون في عصر إليزابيث سينيكا
والمحاكاة ،وزعم ت .س .إليوت أنه “ما من مؤلف أ َّثر بعمق على العقل اإلليزابيثي
أو صورة التراجيديا في عصر إليزابيث بقدر ما فعل سينيكا” ،وهناك إجماع على
أن إليوت كان مح ًّقا فيما قال .ولعل من العجب أن ُيحكم على سينيكا في العصر
الذي كان ينظر إلى التراجيديا على أنها تمثيل صائب لألنفة والتكبر والطموح
والفخر والظلم والغضب والحسد والكراهية والخصومة والنهب والخيانة والغدر
وجميع أنواع الشرور.
دائما ،ورأى
ويرتبط محتوى األعمال الدرامية عند سينيكا بالدرس األخالقي ً
تريفيت في تقديمه لمسرحية ثيستس أنها تعلم الصحيح من األخالق ،كما أنها
28
عرض بسيط إلمتاع الجمهور .وقد دافع اليسوعي مارتن أنطونيو ديلريو -1551
1608م ،وكذلك موساتو من قبله عن استخدام الدراما الرومانية في التعليم
توجيها يتزيا بالحكمة ،وتراجعت دراما سينيكا بعد
ً المسيحي حيث إنها تفترض
منتصف القرن السابع لسوء السمعة .وانتهز الشاعر جون درايدن فرصة تقديمه
لمسرحية أوديب لينتقد سينيكا ونصوص كورنيي قائلاً « :إن سينيكا يلهث خلف
التعبيرات الطنانة والجمل الرمزية والمفاهيم الفلسفية التي تصلح للدرس أكثر
من المسرح» .واستخدم التراجيدي الفرنسي جان راسين 1699 -1639م سينيكا
نموذجا في مسرحيته فيدرا ،وا َّدعى في الوقت نفسه أن والءه األساسي ليوربيديس.
ً
وليس هذا مستغر ًبا؛ ألن الرومانسيين ال يجدون وقتًا ليحبوا سينيكا ،وقد طفح
االهتمام في اآلونة األخيرة بجوانب األداء واألدب في دراما سينيكا بعد ظهور
الطبعات الجديدة والدراسات األكاديمية وبعض من العروض المسرحية لها،
وتجدر اإلشارة هنا إلى طبعة سارة كين المعدلة لمسرحية فايدرا التي ظهرت في
نيويورك في مايو 1996م ،وكتاب مايكل إليوت «دراما أوديب بعد الهولوكست»
بجامعة حيفا في إسرائيل في 2005م ،وإخراج جوان أكاالتيس لمسرحية ثيستس
على مسرح محكمة شيكاغو 2007م.
وهناك مالحظة على هذه الترجمة ،وهي أنها صيغت بشكل يوافق االصطالح
اإلنجليزي نظيره الالتيني بدقة متناهية ووضوح ،وتوازي أسلوب النثر مع
ِّ
الشعر .والقصد من هذه الترجمة هو وضع بنية لعمل تفسيري ،أكثر من كونها
نقلاً لتفسيرات شخصية ،وهي تتجنب االصطالحات التي تنطوي على مضامين
أخالقية مسيحية ويهودية ،وإذ اقتضت الحاجة إلى تفسي ٍر وضعناه في الهامش،
توضيحا ألسماء األعالم في األساطير والجغرافيا.
ً
29
30
عــن العفـــو
31
32
مقدمة
األطروحة
خلف نيرون والده بالتبني كالوديوس Claudiusبعد فترة وجيزة في أكتوبر
54م ،وأشاد به سينيكا وهاجم سلفه الميت بعنف ،واتضح هذا في كتاب تأليه
،Apocolocyntosisوبمرور عام أو عامين قبل أن يبدأ سينيكا كالوديوس(*)
ُسمى هذا المجلد تأليه كالوديوس اإللهي .The Gourdification of (the Divine) Claudius
(*) ي َّ
((( حول تاريخ العمل انظر ،9.1تجنبت هنا أن يكون هناك ٌ
مقال آخر “ On the Brevity of Life
“ قد كتب في عام 55انظر ( ،)Griffin 1976, 401–7وحول خطة العمل انظر أدناه ،وحول
مكانة الهيللينستية في الخلفية العقلية للكتاب ،انظر “« kingship theoryعند Braund 2009,
.24–30
((( يروي سينيكا الحكاية في ،2-2.1يبدو كأنه خيال مناسب.
33
عبر عنه أحيا ًنا ،ولكنه مفهوم على الدوام بالشرور الرئيسة
وبداية هناك تباين ُي َّ
لعهد كالوديوس :حيث قسوته وشذوذه في المسائل القضائية ((( .وقد وضع سينيكا
في خطاب تقلد نيرون للمنصب أمام مجلس السوناتو ً
نقاطا يرفض فيها نيرون
«الممارسات األخيرة التي أشعلت نيران السخط» ،وخصها بعادات كالوديوس
القضائية ،وأعاد سينيكا إلى السوناتو رجلاً ُنفي التهامه بالزنىا باإلمبراطورة
ميسالينا Messalinaإلظهار رحابة صدره “قدم ضمانة رصينة لعفوه في خطبه
المتكررة ،حيث كان سينيكا صوت اإلمبراطور الذي يصدح”((( ،وأسهم كتاب
العفو بوضوح في محاولة ‘وسم’ نيرون بأنه نمط مختلف لإلمبراطور .ويمكن
لالدعاءات الكبيرة التي قدمها سينيكا لطهارة نيرون – «غير المعيوبة والتي لم
تسفك دم مواطن» ( )5.1.1 ،2.11.1أن تعين في مواجهة الشائعات مهما
كانت ،وهي أن هذا العهد لم يختلف عن الحقب السالفة إطالقًا؛ ألن بريتانيكوس
55م االبن الشرعي لكالوديوس والمنافس لسلطان نيرون مات بشكل غير متوقع،
ومن المرجح أنه ُسمم بأمر نيرون(((.
ويقدم كتاب العفو بعبارات عامة محاولة لتوجيه نيرون ويعلل له التفكير
في طبيعة قوته ،ومجمل المحاولة تقريظ ُيلقي بظالله عليه ،ويبدو هذا التقريظ
موضوعيا يجمع المواعظ األخالقية أحيا ًنا أخرى ،حيث
ًّ ً
بسيطا أحيا ًنا ،ووص ًفا
قصد سينيكا حث نيرون على الفضيلة واإلشادة به كما لو كان فاضلاً بالفعل،
وقد استعمل هذا المنهج في الخطاب السياسي الروماني من قبل ،خاصة في
خطابات orationsالتي ألقاها شيشرون أمام يوليوس قيصر في أواخر 46
و45ق.م ،عندما كان قيصر هو القاضي األسمى األوحد (ديكتاتور) :وعندما دافع
34
عن الرجال الذين ُيحاكمون أمام قيصر (On Behalf of Ligarius, On Behalf
،)of King Deiotarusواستعمل شيشرون الثناء –بما في ذلك الثناء على عفو
قيصر -ال سيما عندما شكر قيصر الستعادة عدو سابق من المنفى (On Behalf
)of Marcellusليوضح الدور المدني المناسب الذي يأمل أن يؤديه الديكتاتور.
واستعمل بليني األصغر - the younger Plinyبعد جيلين من سينيكا -المنهج
نفسه عندما شكر اإلمبراطور على منحه لقب قنصل لمنطقة تراجان ،Trajanوهو
المثال المفصل لهذا النوع من روما القديمة ،وال يزال المجاز الذي تبناه سينيكا في
مفتتح خطابه لنيرون – حين يتحدث عن رغبته “أخدمك كمرآة لك لترى نفسك”
( )1.1.1يتردد صداه في العصور الوسطى وعصر النهضة في التسمية التي
أطلقت على هذا النوع –“مرآة األمراء” -حيث يعتبر كتاب األمير لميكافيللى
أفضل مثال مشهور لها(((.
وال تتماشى األطروحة التي نقرؤها اآلن مع هذه الخطة؛ ألن الجزء الثالث
مفقود تمامًا ،إما بسبب التلف الذي تسبب فيه نقل العمل ،وإما أن سينيكا قرر أن
يتخلى عن المشروع((( ،ومن ثم ال تفسر الخطة أن سينيكا ينوي أن يلقي المشروع
(6) On the reflections of and on the principate in Seneca’s writings, see esp. Griffin 1976,
202–21.
((( إذا تخلى سينيكا عن ذلك ألي سبب ،فمن المفترض أنه لم ُيعمم إن لم يوجد بين أوراقه بعد موته،
وكمسألة ثانوية إننا ال نعلم ما إذا كان العمل الكامل سوف يتألف من ثالثة كتب مثل كتاب «عن
الغضب» ،أم أن القسم الثالث المفقود سوف يزن الكتاب الثاني.
35
بالقالب نفسه المستخدم في كتابه «عن الغضب» ،مع التعديالت التي ُأجريت
ألجل االختالفات بين مداهمة الرذيلة والترويج للفضيلة – وألجل االختالفات
الموجهة ألقرانه في كتاب الغضب والموجهة ألميره في العفو.
ويفتتح كال الكتابين بخطاب بالغي بديع ،وهي معالجات أولية لموضوعاتها:
حيث ينبه في كتاب الغضب الكتاب األول على أن استئصال الغضب مرغوب
فيه وممكن ،وينبه كذلك في كتاب العفو على أن العفو صواب ونفع للبشر على
العموم ولكنه لألمير قبلهم .وقبل االحتفاء بخيرية نيرون ومزايا عفوه ()2.1
يرسم خطته كما في الفقرة المقتبسة أعاله ( ،)1.3ويحدد سينيكا الجزء األطول
لكتابه ( )9-19 -2.3بتمجيد العفو – كفضيلة «مناسبة للملك أو األمير» تخدم
أمن كليهما وتوجههما ( -)9-5.19 ،6.8 -2.3ويوضع داخل اإلطار سلسلة
من االعتبارات اإلضافية:
ويتحول سينيكا بعد هذه المقدمة واسعة النطاق للقضايا األساسية والثانوية،
((( ُكشفت عالقات هيكلية مفصلة في الكتاب األول انظر .Mortureux 1973, 69
36
والثناء الموجز على نيرون في بداية الكتاب الثاني ( )2-1إلى مقاربة دقيقة من
الناحية الفلسفية – والتوازى بينها وبين كتاب الغضب واضح ،فكما بدا في كتاب
الغضب الثاني بوصف دقيق لطبيعة وآلية الغضب وتمييزه عن ‘البهيمية’ (-1.2
،)5كذلك يصف سينيكا مفهوم العفو ذاته ( )3ويثبت أن نقيضه الحق ليست
الصرامة severitasبل القسوة ،)3-1.4( crudelitasويميز بين اتجاهين يمكن
الخلط بينهما :الشفقة )4.6-4.4( misericordiaوهي مدانة -ألنها عاطفة-
ألنها تسن نتائج ال عقالنية للتقييم الخاطئ ،والمغفرة )7( ignoscereوهي مدانة
ألنها – “صفح عن عقاب مستحق” -وتسن الظلم حيث تمنح المرء أقل مما
(((
يستحق ،ولم ْ
يقم بعد هذا التمييز بين العفو والمغفرة مقارنة (إن كان النص
كاملاً ) ،وال يمكننا أن نعرف بوضوح إلى متى استمر سينيكا في هذا القالب،
ولكننا نعرف أنه انتقل بها ليقدم نصيحة عملية في تحقيق وتعزيز السلوك الفاضل
للعفو وف ًقا للخطة المذكورة ( )1.3.1والتوازي مع كتاب الغضب واضح هنا
ً
أيضا في الجزء األخير وهو الجزء ‘العالجي’ في هذا العمل (،)43.3-2.18
والذي ُك ِّرس للنصيحة العملية في تحاشى أو تعديل رذيلة الغضب.
ولمعرفة المزيد عن النص وموازنة هذه المقدمة ،يمكننا أن ندرس بمزيد من
التفصيل جانبين رئيسين عند سينيكا ،األول طبيعة العفو الذي ينبه إليها ،والثاني
مكانة الرجل الذي ينبهه -الفضيلة واألمير.
((( يمكن أن ُيقاس الفارق بين الوفرة الخطابية للكتاب األول والدقة الفلسفية في الكتاب الثاني بحقيقة
أن العفو في الكتاب األول يقارن بالشفقة ( )1.1.4والمغفرة ()4 ،10،1 ،9.6 ،1.2.2
والرذائل الفعلية التي تمايزت في الكتاب الثاني.
37
الفضيلة
جاء سينيكا بشيء جديد للغاية في محاولة تفسير العفو clementiaوالحث
على غرسه( ،((1وقد وضعت المناقشات الالتينية السابقة الفضائل في االعتبار
واصف ًة إياها على أنها نوع من ضبط النفس temperantiaأو وصفها مع “استعداد
يختر أحد
ْ لترضيتها ”placabilitasبدافع “حماسي كبير”( ،((1ولكن لم
الرومانيون أن يكتب كتا ًبا مطولاً عن العفو وال أحد اليونانيين كذلك؛ ألنه ال
ٍ
معان توجد كلمة يونانية أو مفهوم يتطابق تما ًما مع كلمة العفو الالتينية .وهناك
يونانية تقاربت مع الفكرة نفسها وتدل بقدر ما على بعض الصفات التي تحتويها
كلمة العفو .ومن بين هذه الكلمات الرئيسة ‘الحلم -’epieikeiaاستعداد ضبط
النفس خاصة في مواجهة الخطأ أو اإلثارة -وكلمة ‘اللطف ’praötêsوكلمة
معا فإنها
‘العاطفة لجنس البشر .’philanthrôpiaولو أخذنا كل هذه الكلمات ً
جزئيا صفة حاسمة للعقل جوهرية لتصور الفضيلة
ًّ ال تقابل العفو؛ ألنها ال تستلزم
عند سينيكا كما سنرى.
ويمكننا أن نبدأ مقاربة هذا التصور بالنظر أولاً إلى التعريفات التي يقدمها
سينيكا في بداية الكتاب الثاني ( :)2-1.2.3إن العفو هو:
(10) 10. Griffin 2003 is the best brief overview. Also important and accessible are Griffin
1976, 133–71, and 2000, 535–45; Inwood 2005, 201–23; Konstan 2005; and Dowling
2006, all with references to earlier discussions.
(11) See, respectively, Cicero On Invention 2.164 and On Appropriate Actions 1.88. On
“great-spiritedness” (magnitudo animi), see On Anger 1.20.1n.
38
«اعتدال العقل ”temperantiaعندما يكون له القدرة على االنتقام ،أو “لطف
lenitasاألسمى نحو األدنى في إقرار العقاب” ،ومن اآلمن تقديم تعريفات عدة
خشية أن ُي َق ِّص َر التعريف األوحد في تغطية المسألة وبالتالي يمكن أن نعرفه.
“ميل العقل نحو اللطف في فرض العقاب” .والتعريف التالي ال يغطي كل
حالة ،لكنه يقترب من الحقيقة بدقة :وهو أن العفو هو:
(12) Great-spiritedness: 1.20.3, 2.1.1, cf. 2.5.4. Mildness and gentleness: 1.8.6, 9.1, 11.1,
13.4, 16.1, 22.3, 24.1, 2.1.1, 2.1, 5.1. Humaneness: see also 1.1.3, 3.2, 11.2, 13.4,
and on the doctrine of “appropriation” that underlies this quality and Stoic social
thought more generally, 1.13.4n., On Anger 2.31.7n.
(13) For strictness and clemency, cf. 1.1.4 and esp. 2.4, with the anecdote of Tarius’s son
discussed below and Griffin 2003, 174.
( ((1تنظر الشفقة في الحالة التي يكون فيها المرء وليس علتها ،ويتفق العفو مع العقل . Cf. 2.5.1
40
«وعندما اكتشف تاريوس أن ابنه ُيخطط لقتله وأدانه في المحكمة واحتجز
في منزله ،رضي الجميع بحكم النفي على الشاب – و ُنفي هذا ُ
المدلل في ماسيليا
وقدم له األب اإلجازة السنوية نفسها التي اعتيد أن يقدمها له قبل وصمه بالعار،
ٍ
امرئ في روما – حيث ال يفتقر األوغاد وبسبب هذه اإليماءة السخية ،اعتقد كل
إلى محا ٍم -أن الشاب قد ُأدين بالفعل ورأوا أن األب عاجز عن كرهه أو إدانته...
وعندما كان تاريوس ذاه ًبا إلى مجرى المحكمة ،طلب من القيصر أوغسطوس
الجلوس في مجلسه االستشاري ،وجاء أوغسطوس إلى منزله الخاص وجلس
بجوار تاريوس كمستشار – لم يقل « ال ،ال تدعه يأتي إلى بيتي»؛ ألن في هذه
الحالة ستكون المحاكمة للقيصر وليس لألب .وعندما استُمع إلى القضية
و ُفحصت األدلة بدقة – تلك األمور التي أثارها الشاب وتلك التي تدينه -طالب
أوغسطوس كل رجل بتدوين حكمه خشية أن ُيطلق الجميع حكم قيصر على
نفسه ،وقبل أن ُتفتح األلواح ،أقسم اليمين بأنه ال ينوي قبول ميراث تاريوس الذي
كان ثر ًّيا .سيقول ٌ
امرؤ ما« :هذا أمر تافه ،وال يستحق أن تفسح له غرفة بالتصويت
إلدانة االبن» ،وأعتقد أنه على العكس من ذلك تما ًما :كان ينبغي ألي أحد من
لتحمل الكالم الخبيث ،ولكن
ُّ قومنا أن يكون عنده ثقة كافية في ضميره الحي
يجب على األمراء أن يقدموا تنازالت كثيرة حتى للنميمة ،فهو أقسم بأنه لن يقبل
الميراث .والحقيقة أن تاريوس َف َق َد في اليوم نفسه اثنين من ورثته ،ولكن قيصر
أ ّمن حريته في الحكم ،وبعد أن أكد أن صرامته لم تكن محل اهتمام بذاته – أمر
تقديرا لألب .لم ينتبه لعبء
ً قائم عند األمراء -قال إنه ينبغي إبعاد االبن من المكان
الحكم الذي أقامه بل للرجل الذي نصحه ،ولم ُيحتم السلب وال الثعابين وال
زنزانة السجن بل خطط ليرضي األب بعقوبة خفيفة على االبن الشاب الذي اقتيد
إلى جريمة اعترف بها على نفسه بسلوكه المخجل وهو على مقربة خطوة واحدة
من البراءة :وأبعد عن المدينة وعن وجه أبيه».
41
نموذجا لألمير الصالح ..ليقارن باألب
ً وكما يقول سينيكا« :الواقعة نفسها تقدم
الصالح» ( ،)1.15.3والمدرك لوضع أغسطوس كأمير صالح يرعى المجلس
معا كأميرين
االستشاري لتاريوس من عاتق مثقلة به سلطته ،وأغسطوس وتاريوس ً
صالحين وأبوين كذلك يتفقان في الحكم بأنهما نموذج للعفو ،ويجب على الرجلين
أن يدركا اللطف واإلنسانية والروح المتقدة الصافية للعقل غير الملبدة باالنفعاالت
– الغضب والكراهية -التي ربما قد تثيرها محاولة قتل األبرياء بالحكم الخاطئ
الذي تقود إليه االنفعاالت ،وبالقدر نفسه من الوضوح تمثل العقوبة التي يتفقون
عليها بعض االعتدال في االستجابة المتعلقة بما قد يستحقه بصرامة :وفي حالة قتل
األبرياء فإن العقوبة المقبولة بعدالة صارمة صورة بشعة لإلعدام( .((1ونهاية ،يجب
أن تكون نتيجة الحكم عادلة لسبب مقبول يمكن إقراره بشفافية :فالشاب الذي كان
بال لوم «كان على بعد خطوة واحدة من البراءة» ،والحظ أن العفو في هذه الحالة
«يقلل الفعل و العقاب المستحق لدرجة ما» ( ،2.3.2وراجع )2.6.3وتؤدي
عفوا -ليس أنه
إلى “عقاب ألطف” ،ولكن ما هو ضروري للحكم –ما يجعله ً
ألطف بل أنه حصل درجة حقة من التخفيف ،وتقدم مجموعة متباينة من الحقائق
–مثل االبن الذي لم يكن بريئًا -وسوف يقضي الشخص العفو بدرجة مختلفة من
التخفيف -ربما النفي في مكان أقل جاذبية أو بإباحة غير سخية .وقدرة العفو الحقة
لقياس النتجة بعقالنية بهذه الطريقة هو ما يسمح لسينيكا بأن ُيدعى “العفو ممارسة
حرة للحكم :حيث يجعل الحكم قراراته ليست وف ًقا لصيغة محددة ،بل وف ًقا لما
هو عادل وصالح ...وليس كما لو كان الفعل دون ما هو عدل ،بل كما لو كان القرار
الذي وصل إليه الحكم أكثر عدل”(.((1
42
وتوضح حكاية حكم تاريوس أن صفاء العقل ينتج األحكام الجوهرية للعفو،
ِّ
ويماثل صفاء العقل الذي يتحاشى األحكام الجوهرية ‘لالنفعاالت’(((1؛ فالعقل
الذي يعفو ال يعرف الغضب مطل ًقا ،وليس بسبب العقل الرواقي الصوري – العفو
فضيلة والغضب رذيلة -ال يتعايشون في العقل ذاته؛ بل ألن العقل الذي يعفو ال
يفلت من العقل إلى األخطاء التي تجعل الغضب ممكنًا( ،((1وهذا الربط بين
العفو وتجنب الخطأ يتماس مع أمر آخر مهم -غال ًبا ما يغفل عنه المرء والحقيقة
أنه يخفيه ،عندما يقال إن العفو صفة بنيوية في جوهرها تظهر من خالل األسمى
المعطي والمتلقي
تجاه األدنى .وصحيح أن أحد تعريفات سينيكا تتضمن شرط أن ُ
للعفو هما حاالت متباينة( .((1ويصح هذا في الممارسة ويختلف في الحاالت
األغلب أو حتى توجد بين قاضي الحكم والمذنب أو بين الغازي والمغزو .وعلينا
التأكد من أن مثل هذه االختالفات مشروطة الظروف وليس جوهرية للفضيلة
ذاتها ،وهي كفضيلة – تعني أنها فعل لعقل إنساني يصدر األحكام بالطريقة التي
تقصدها الطبيعة -فالعفو يجب أن يكون مناس ًبا لكل البشر بما هو ،والحقيقة
من الصعوبة أن تجد مرجعيات ألقرانهم الذين يقال إنهم يتصرفون بعفو تجاه
43
بعضهم في عصر شيشرون( ،((2كما يالحظ سينيكا أن «العفو يجعل أي أسرة
تتمتع بالسعادة والسكينة» ( ،)1.5.4بعد إصراره على أن « العفو أمر طبيعي لكل
البشر» ( ،)1.5.2وصفاء العقل الذي يجلبه العفو لمجازاة األخطاء بعدل هو
خير إنساني حق ،وأ ًّيا كانت المستويات االجتماعية التي ارتكبت عليها األخطاء
وعوقبت بها.
ُ
ومن ثم :كما الحظنا بالفعل سينيكا يقول إن« :العفو ال يليق بأحد أفضل من
الملك أو األمير» ( ،)4 ،1.5.2 . ،1.3.3وهو يخاطب نيرون الذي جثم على
المكانة األسمى وليس المنصب األعلى ،ولذلك فقد حان الوقت الذي يفكر فيه
سينيكا كيف يتقرب من أميره ،ويحثه على هذه الفضيلة.
األمير
مفتاحا ألفعاله العامة أثناء وبعد الحرب األهلية
ً لقد جعل يوليوس قيصر العفو
بسبب مزاجه وميله الشخصي وإثبات أنه ليس سولال آخر يرغب في استعمال
القوة الغاشمة لينتقم بقسوة ( ،)cf. 1.12.1–3وتبعه الرجال الذين نفذوا إلى
” وهم ساللة يوليو-كلوديان ،Julio-Claudianوعندما سلطانه “الرجال
صوت السوناتو عام 27ق.م أن أوكتافيان وريث قيصر ينبغي أن يكون معلو ًما
َّ
مثل أوغسطوس ،كما صوت ً
أيضا على أن ُيكرم بدرع ذهبي منقوش بفضائله
عينها التي تنطوي على العفو والشجاعة والعدل والشفقة .وصك تبيريوس خليفة
أوغسطوس عملة معدنية على وجهها األول صورته ووجهها اآلخر العفو ،حتى
كالوديوس القاسي احتفل بسينيكا لعفوه ()Consolation to Polybius 13.2
(20) See the references gathered at Griffin 2003, 161, and the general thrust of the
argument in Konstan 2005.
44
عندما حاول استدعاء سينيكا من المنفى(.((2
ولكن ترمي الطريقة التي يتحدث بها سينيكا عن موقف نيرون من عفوه
في ظالل مختلفة ،وقد كتب سينيكا خطاب تسلم المنصب لنيرون في أكتوبر،
ً
شريكا لهذا الجسد واعترف بسلطة السوناتو ومسؤولياته ،وألمح إلى أنه سيعمل
( ((2وف ًقا لنموذج العالقة بين «الرجل األسمى» والسوناتو الذي كان سار ًيا على
اسميا منذ زمن أوغسطوس ،ومع ذلك لم يذكر كتاب العفو في أي موضعًّ األقل
الشراكة االسمية أو السوناتو ذاته ،،ونقرأ بدلاً من ذلك في مطلع األطروحة
أن « العفو ال يناسب أحدً ا أفضل من الملك أو األمير» ( ،)1.3.3ونجد هنا
ذكر لقب نيرون باعتباره ً
ملكا ،وهو اللقب الذي كان لعنة على الطبقات العليا
الرومانية منذ ُطرد ملوك المدينة وتأسست الجمهورية في أواخر القرن السادس
قبل الميالد ،وعندما نرى أن سينيكا يتحدث بعد ذلك «األمراء والملوك وحراس
النظام المدني وبأي اسم آخر يمضون» ( )1.4.3ونجده في باقي العمل يشير إلى
الملك واألمير إلى أنهما مختلفان ،فإننا نستخلص نتيجتين :أن الترجمة المعقولة
لكلمة princepsفي هذا العمل هي االشتقاق الصريح لها وهي كلمة princeبكل
االرتباطات الملكية التي تجلبها الكلمة ،وكل األلقاب المتباينة لهذا النوع من
الناس التي يعيها سينيكا ال يستوجب مقارنتها بالسلطة االستبدادية التي ُيعلم تما ًما
أنها ُتمارس هذا الصنف من السياسة.
إذَنْ أطروحة نيرون تؤكد بال ريب وال خجل أنه ملك ،وأعظم ممن يحكمهم
بال قياس ،كما يوضح سينيكا بطرق مختلفة ،ففى بداية العمل ( )1.1.2بينما
يتطلع نيرون إلى ‘المرآة’ التي يحملها سينيكا أمامه متخيلاً أنه يسأل« :هل أجد من
بين البشر ما ُيرضي و ُيختار للعمل بدلاً من اآللهة على األرض؟» ،وال يجيب سينيكا
( ((2لالطالع على هذه األمثلة وغيرها انظر .Griffin 2003, 165–67
(22) Tacitus Annals 13.4.1–2.
45
صراحة هنا على السؤال “ فيختار َمن و ُيرضي َمن؟” والعبارات التالية – على سبيل
المثال“ :وكذلك المرء الذي لديه قدرة وهب الحياة وسلبها يستعمل هبة األرباب
العظمى بسمو ،ويصح هذا في حالة الرجال الذين يعرف أنهم يتمتعون بمكانة
عالية مساوية له” ( -)1.21.2تقودنا إلى أن نستنتج اإلجابة “باآللهة ذاتها”(،((2
وأضف إلى ذلك ال ُيفترض أن نيرون ملتزم بأى قانون :فعند قرب نهاية الخطاب
االفتتاحى يصور نفسه قائلاً « :فإنني أحتاط وأستبقي العفو ،وأراقب نفسي كما لو
كنت ملتز ًما بأن أقدم حسا ًبا للقوانين عن ذلك العفو أستدعيه من غياهب الظالم إلى
النور ،لقد تأثرت بأن أحدهما بدأ الحياة واآلخر أوشك على النهاية» ( ،)1.1.4إن
القوة االفتراضية للعبارة تقبل حقيقة أن األمراء كانوا قانو ًنا ألنفسهم ،ويؤكد سينيكا
مرارا بصور مختلفة على المسافة الهرمية بين نيرون والذين يعتمدون عليه ،وفي
ً
المجاز المستعار من معاملة األطفال اليتامى الذين في عشيرته هو وصيهم المخلص
( )18.1 ،1.1.5والوالد الخير ( )16.2 ،1.14.1أو الطبيب ()2–1.17.1
أو المعلم ( )1.16.2إنه ‘العقل’ أو ‘النفس الحي’ للجسد السياسي الذي «لن
يكون إال وزن ميت ...إن غاب عن السلطة المركزية عقل عظيم» (،1.35 ،1.4.1
« )2.2.1في حين يقبض على مصائر ومواقف البشر في قبضته» (،)1.1.2
والناس مجتمعون حيوانات جر ربما تفلق نيرها أو قيودها» (.)4.2 ،1.1.1
يشغل هذا المنصب طاغية؟ ويجيب سينيكا عن كيف ال يثبت أن
السؤال مباشرة (« :)3 ،1.12.1يختلف الطاغية عن الملك في تصرفه ولقبه...
والعفو عند الطاغية والملك كبير للغاية»( .((2غير المقيد بالقانون والمؤسسات،
( ((2لالطالع على أن نيرون رفيق اآللهة انظر .1.1.2, 1.4, 5.7, 7.1, 8.3, 19.8–9،وللحجة القائلة بأن
سينيكا ينوي تمثيل نيرون على أنه خيار اآللهة “وصي” انظر .Fears 1975
( ((2األسس التقليدية التي تميز الطاغية عن الملك تختلف عن التمييز القائم على الشخصية الذي
يضعه سينيكا هنا .see 1.12.1n
46
والملك يتحاشى النموذج السيئ – السلطة العمدية المطلقة للطاغية -ويقترب
من النموذج الخير ،فيغرس الملك العفو واإلنسانية ووضوح الروح المتقدة التي
تتدفق عليه ،بعبارة أخرى حيث ال قوة للقانون والمؤسسات ،وكل ما يتوقف على
الشخصية ،واألسباب التي اختارها األمير لتنظيم تصرفه ،ولكن تبدو هذه اإلجابة
مجرد وضع للسؤال األصلي بصيغة مختلفة :لماذا اختار مثل هذا الرجل أن ينظم
سلوكه بهذه الطريقة؟
ولذلك يقدم سينيكا أولاً سلسلة مطولة من الحجج الصريحة الحذرة تهدف
نافع ً
أيضا: إلى إقناع نيرون بأن العفو ليس صوا ًبا فحسب ،بل ٌ
cf., ( ((2تعزز مقدمة الكتاب الثاني كلها هذه الخطة؛ ألن نداءات الخيرية تلبي شعور نيرون بعظمته
). e.g., 1.5.6 (Nero as “master of the world”), 1.8.4 (Nero as the sun
47
•إن العظمة الراسخة المستقرة تتبع رجلاً واحدً ا يعلم الجميع أنها لهم بقدر
ما يعلو عليهم ...والناس من أجل هذا الرجل على استعداد تام أن يلقوا
بأنفسهم على السيوف المسنونة ويتخلوا عن حياتهم إذا كان دربه لألمان
مهد بجثثهم (.)1.3.3
ُي َّ
•والمرء الذي قد ينتقم في إيماءته ،ويدَّ عي بأنه على يقين أنه س ُيحتفى بكرمه
إذا ترك فرصة االنتقام تمضي (.)1.7.3
•جلب له (أوغسطوس) عفوه أمنه وسالمة باله ،فرأى الناس فضله بامتنان،
لذلك ملك بقبضته رقبة الشعب الروماني الذي لم يخضع بعد لسلطان
الحاكم ،فصنع عفوه شهرته إلى يومنا هذا ،وهو شيء يتمتع به قلة من
األمراء األحياء (.)1.10.2
•العفو إ َذنْ ال يريح البشر فحسب بل يجعلهم آمنين ،وهو زينة للسلطة
األسمى وضمانة لألمن (.)1.11.4
•وعندما يكون الملك رزينًا سكينًا تتبعه قواته التي تعينه ،وبمجرد أن
يستعملهم ألمر عام أو عسكري يتوقون للمجد ،ويتحملون بسرور كل
مهمة ،كما لو كان أحدهم يحمي أحد والديه (.)1.13.1
•يميل إلى مسار ألطف وهو ُيظهر عدم رغبته في اللجوء للمداوة القاسية عندما
ُي ْنادى بالعقوبة ،وال يعرف أفكار وحشية أو عدائية بل يمارس سلطانه بروية
ومن أجل الخير ،وهو يرغب في أن يستحسن مواطنيه أوامره .إنه يعتقد أنه
ملكا للجميع...محظوظ إلى أقصى مدى إن نجح في أن يجعل حظه الحسن ً
ٌ
وإن صنع األمير األمان بلطفه ،فلن يحتاج إلى حراس :وسوف تبسط أسلحته
(.)5–1.13.4
ولكن هناك دروس جمة هنا تزيد عن رسالة «دفع الخيرية» وهي تقابل
اإلحسان من األعلى إلى األسفل ولطف اإلنسانية بامتنان األسفل لألعلى والحب
– وروابط المودة التي تربط األمير بالشعب في هذا النموذج ال تقل في أهميتها
كالتبادل التقليدي الذي ينطوي أفضال ممنوحة ومردودة ،رغم أن األبعاد الهرمية
حقيقيا
ًّ لم تتقلص للحظة ،وتبني أشكال االتصال التي تعزز االتصال تبادلاً
لالهتمام ،حيث يتعهد كل طرف بجعل اآلخر آمنًا ( ،)cf. 1.19.5وعندما يكون
األمير “رجلاً يعلم الجميع أنها لهم بقدر ما يعلو عليهم”.
وأخيرا ،كان هناك وضع قانوني نوعي لألمير يمارس فيه العفو ويهم النخبة
ً
السياسية الذين (خلف نيرون ذاته) وكانوا جمهور سينيكا الرمزي( ،((2وكانت في
نهاية الجمهورية تقدم التهم الكبرى للنخبة – تهمة إساءة التصرف في المقاطعات
والتحريض على العنف والفساد االنتخابي والخيانة وما شابه ذلك -وعادة ما كان
ُيقدم للمحاكمة أمام إحدى «محاكم التحقيق الدائمة» quaestiones perpetuae
المكرسة للقانون العام ،وتحدد في مثل هذه الحاالت الجريمة والعقوبة المقابلة
باعتبارها مسألة إيجابية .وكانت لجنة القضاة في «المحكمة الدائمة مسؤولة عن
تقرير مسألة الذنب ،ولكن لم يكن لها دور في تقييم العقوبة -وبالتالي لم يكن
منظور لتطبيق نوع االعتدال العقلي الملزم في كتاب العفو عند سينيكا(.((2
ٌ لها
( ((2حول هذا األمر انظر .Griffin 1976, 161–64, and 2003, 175–77
توجيهيا مع العفو ،وسعى
ًّ ( ((2على النقيض كان للشفقة دور شائع في هذه المحاكم ،وآخر يوفر تباينًا
المحامي في محاولة إثارة الشفقة للمدعي عليه إلقناع القضاة بأن المدعي عليه ضحية الواقع
وليس جان ًيا -في الحقيقة إنه بريء – أو أن كل االمور التي يتم النظر فيها تستوجب أن يخلع
المدعي عليه من الخطاف رغم ذنبه الفعلي ،ولكن أ ًّيا من هذه الخطوات ليس لها عالقة بالعفو
الذي يحث عليه سينيكا.
49
سمى كوجنيتيو
وبموجب المبدأ صار من المعتاد إجراء شكل آخر من المحاكمة ( ُي َّ
)cognitionيشكل أمام السوناتو أو األمير ،وفي المحكمة نفسها -كما في محكمة
المواطنين غير الشرعيين أمام حاكم المقاطعة ،أو في المحاكمة المحلية التي رأيناها
في وقت سابق في حكاية لوكيوس تاريوس -حيث يتمتع الشخص أو األشخاص
الذين يحكمون القضية بحرية كافية في تقييم العقوبة ،وكذلك في تقرير ما إذا كانوا
يميلون في اتجاه الصرامة أو العفو ،وكانت مسألة النتيجة في مثل هذه الحاالت
ألقران سينيكا إذا كان األمير هو القاضي أو أعضاء آخرون من السوناتو ،وهم يتبنون
حجج النبالة األخالقية والفائدة العملية التي يقدمها سينيكا ألجل العفو.
وفي هذا الحدث بالطبع يوجه سينيكا أميره سواء في هذه األطروحة أو في
محادثاتهم وال يأخذ بها ،وعلى سبيل المثال عندما قتل نيرون أمه في ،59ولفق
لها جرائم حدثت في الماضي ،وعفا عن الذين زعم أنها نفتهم ،ال يمكن القول
هنا إنه ُيظهر العفو الذي تحدث عنه سينيكا( ،((2والعاقبة أن ُيوصف سينيكا في
السنوات األخيرة من حكم نيرون بمعلم الطاغية( ،((2وال نعلم متى قيم سينيكا
أميره وخيبة أمل تعاليمه ،ولكننا قد نأخذ كتاب العفو رمزً ا لفشله(.((3
50
مراجع للقراءة
Miriam Griffin. 1976. Seneca: A Philosopher in Politics. Oxford:
Clarendon Press.
Cairns, 157–82.
51
52
الكتاب الأول
53
54
قررت أن أكتب عن العفو لعلي أخدم القيصر نيرون ،وهو مرآة لك إن 1 - 1
جاز هذا ،حتى تظهر لك ذاتك كما لو كنت بمقربة من أن تنال عظيم
المباهج برمتها ،وأن الربح الحق لألفعال القويمة يكمن في أدائها ،حيث
ال ُيجنى من الفضائل سوى ذاتها ،ومن الحسن أن تجني نتاج طويتك
الصالحة ،ومن ثم تنظر إلى حشود الناس التي ال حدود لها أمامك ،ومن
بينهم المتخاصمون والمتناحرون بال َج َلد كما لو كانوا مسعورين وهم
يدمرون بعضهم بمجرد أن ينفلع هذا القيد( ،((3ويقول للذات:
«هل وجدت بين البشر ما ُيبهجني وما اختاره ألعمل في نفع األرباب 2 - 1
على األرض هنا؟ هل أقضي بأمور الحياة والموت في األمم ،وأقبض
وبشفتي اللتين تصرحان
َّ على قسمة البشر وموضعهم في كفة يدي،
بالحظ الذي تود أن تمنحه لكل مخلوق؟ ويستمد الناس والمدن أسباب
بهجتها من إجابتي ،فال نطاق في أي أين يزهو دون رغبتي وهواي ،فآالف
السيوف تكبت سالمي وال تستل في غفوتي ،والتي تدمر بها العشيرة
الجذر والفرع ،و ُترسل خاللها للعيش في أي أين ،وتمنح بها الحرية
وتنزعها كذلك ،ويستعمل بها الملوك العبيد ،وتكلل بها الرؤوس بمجد
موضوع لحكمي.
ٌ ملكي ،وتسقط بها المدن التي ترتفع– وكل هذا
وعندما أمتلك هذه القدرات الشاسعة في تصرفي ،فإن الغضب ال يدفعني 3 - 1
لفرض عقوبات غير عادلة– ال ،فال أفعل طيش الشباب وال أتحدى تهور
الناس الذي يستمد غال ًبا التحمل حتى من القلوب الرحيمة ،وال من
نوع المجد -وهو مروع ولكنه شائع في القيادات العليا -ويعتمد على
استعمال اإلرهاب ليستعرض المرء نفوذه ،فسيفي مغمود ،والحري
(31) In place of the lacuna posited here by Malaspina, I translate et, with some later manuscripts
and most editors.
55
ثابت حده ،وأنا مقتصد كلية حتى في الدم المنحط ،وال أحد يفشل في
شيء آخر يمدحه،
ٌ أن يظفر بفضلي بحكم كونه إنسا ًنا ،وإن لم يكن لديه
فإنني أحتاط وأستبقي العفو ،وأراقب نفسي كما لو كنت ملتز ًما بأن 4 - 1
أقدم حسا ًبا للقوانين( .((3ذلك العفو أستدعيه من غياهب الظالم
إلى النور( ،((3لقد تأثرت بأن أحدهما بدأ الحياة واآلخر أوشك على
النهاية ،ولطفت بأحدهما لمكانته الرفيعة واآلخر لوضاعته ،وعندما ال
أجد سب ًبا للشفقة( ،((3فأنا رحيم من أجل نفسي ،وإن دعتني األرباب
الخالدة للمحاسبة اليوم ،فإنني مهيأ أن أمنح الحساب لجنس البشر”.
وبمقدورك أن تعلن هذا بجرأة يا قيصر :فكل ما ُعهد لعهدتك اإليمانية 5 - 1
به أمان ،وأنت قد انتقصته( ،((3ولم ينتقص من األمة ذرة بقوة أو استراق،
وتتوق إلى ما ندر من المديح ،الذي لم َي َن ْل ُه أي من أسالفك :حيث مدح
البراءة( ،((3وهذه الخيرية الفريدة لن تضيع سدى ولن تقابل جاحدً ا أو
56
قاض ًيا خبي ًثا :وسوف يقدم لك االمتنان بالمقابل ،ولن ُيعز ٌ
امرؤ على آخر
بقدر معزتك للشعب الروماني ،وهذا خير عظيم مقيم.
لقد تكبدت عبئًا ثقيلاً على عاتقك ،ولم يتحدث أحد عن أوغسطوس 6 - 1
اإللهي اآلن أو السنوات ُ
األول لتبيريوس( ،((3وال يسعى أحد إلى ٍ
مثال
أميرا(((3
ويحكم بنموذج قد تلقيناه. ً وهو يحاكي جانبك ومكانتك
قد يكون هذا تحد ًيا إن كانت هذه الخيرية ليست فطرية بل مفترضة
للمناسبة ،فال يمكن ألحد أن يعمل طر ًفا لفترة طويلة ،فسرعان ما
يرتد الطبع إلى طبيعته الحقة ،ولكن األشياء األصيلة الوتيدة المدعومة
بالحقيقة والنضارة -إن جاز التعبير -تعظم وتحسن بمرور الزمن.
وقد واجه الشعب الروماني مقامرة حين ُغ ِم َط الدور الذي سيتخذه 7 - 1
شخصك النبيل ،ولكن َلبيت رغبات الناس اآلن ،وليس هناك خطر
مفاجئ من نسيان شخصك ،وتيقن أن الرخاء المفرط يخلق في الناس
الجشع ،وال يمكن ضبط رغباتهم الجامحة تما ًما فيرسمون ً
خيطا لما
فمن نجحوا
سوف يكتسبونه ،وهناك تقدم من العظيم إلى األعظمَ ،
في تحقيق توقعاتهم احتضنوا توقعات من نوع أشد شائنة ،وال يزال
مواطنوك ال يسعهم إال أن يعترفوا بأنهم سعداء ،وال يمكن أن ُيضاف
إلى حظهم الطيب شيء باستثناء ذلك.
أمورا تجبرهم على القيام بهذا ،وهو أمر يجعل الناس يتباطؤون في
ً إن 8 - 1
أن يفعلوا :فالحرية الوافرة والعميقة من العناية ،وهي بمنأى عن الزلل،
وحال االزدهار الحق لألمة يحوم أمام أعينهم ،وال يفتقرون شيئًا للحرية
( ((3وجهة النظر التقليدية هنا منعكسة Tacitus Annals 4.1.1في أن تيبيريوس حكم بعد فوز
أوغسطوس في 14م حتى أصبح تأثير وزيره سيجانوس بالغ األهمية .esp. from 23 on
( ((3حول كلمة princepsإلى المصطلح المترجم هنا باعتباره األمير §3.3n. below
57
الكاملة إال الفجور لتدمير ذاتها.
ومع هذا كله ،هناك إجالل لرحمتك التي ُيعرف عظيمها وقليلها على 9 - 1
ٍ
امرئ الخيرات األخرى بما يتناسب نحو مكافئ ،حيث ُيدرك كل
وحظهم الحسن ،وتعظم أو تقل وفق توقعهم لها ،ولكن الكل يتوقع أن
تستمد الفائدة ذاتها من الرحمة ،وال أحد يرضى َم ِل ًّيا عن براءته وأنه ال
يبتهج لرؤية العفو وهو يقف متأه ًبا لفشل اإلنسان.
وأعرف ً
بعضا يعتقدون أن العفو يدعم أردأ الناس ،حيث إنه ليس 1 - 2
ضرورة حتى ُترتكب بعض األخطاء ،وهي الفضيلة التي ال مكان لها
بين األبرياء ،أولاً مثلما ُيستعمل الطب بين المرضى و ُيحتفى به بين
األصحاء ً
أيضا ،وكذلك حتى تقدير عفو األبرياء رغم الناس الذين
يستحقون العقاب يسعون لدعمها ،ثان ًيا للعفو مكانٌ في شخصية األبرياء
حيث ُيالم الناس أحيا ًنا على أشياء رديئة الحظ ،وال يعين العفو األبرياء
فحسب بل الفضيلة على الغالب ،وبقدر ما يحدث في بعض األشياء في
حاالت بعينها أنه بمقدورك أن تعاقب كما ُتثني( ،((3فإن حقيقة التناسب
العريض للناس يمكن أن ُيعيد البراءة إذا .((4(...
وليس من المناسب أن تتخلى عن العفو كلية ،فعندما ُيمحى التمايز بين 2 - 2
األخيار واألشرار تتوالى الفوضى وتتفشى الرذائل ،وبالتالي فإن المرء
نوعا من االعتدال ليعرف كيف تتمايز الطبائع التي
بحاجة إلى أن ُيطبق ً
( ((3صياغة غامضة من المفترض أنها تعطي (على سبيل المثال) مقاومة الطاغية .cf. §26.1
”(40) Lost in the lacuna is some idea along the lines of “if they’re given a second chance
(Basore’s si <poenae remissio fuerit>) or “if you treat them as innocent” (si <eos
pro innocentibus habeas>) or “if clemency gives them hope” (Ball’s si <clementia
spem restituerit>). What S. should not say here is “if you forgive them” (Préchac’s
si <ignoscas>), since he will distinguish clementia from forgiveness at 2.7. But he is
not always self-consistent; cf. the end of this paragraph.
58
يمكن مداواتها والتي فقدناها( ،((4فال ينبغي لرحمة المرء أن تكون
عشوائية أو مقيدة للغاية :كما لو كان للقاسي أن يعفو عن الجميع بقدر ما
ال يعفو عن أحد ،ويجب علينا أن نستبقي المعنى ،ولكن التوازن صعب
مهما كان مقياس اإلنصاف صار ًما ( ،((4لذا ينبغي أن يميل المعيار إلى
اتجاه أكثر إنسانية.
وليس من بين الفضائل ما هو أفضل يناسب اإلنسان؛ ألنها ليست أكثر 2 - 3
إنسانية ،ويجب أن يكون هذا مسألة اتفاق عام ،ليس بيننا فحسب(،((4
( ((4عن العقاب باعتباره شفاء انظر ،On Anger 1.16وعن أهداف العقاب انظر .§21–22 below
( ((4يتحدث سينيكا بغزارة وغير دقة ،وعلى النقيض من االدعاء في 2.7.3الذي يقرر أن العفو بحكم
الواقع عادل.
( ((4الجزء األول هو موضوع الكتاب األول .ويتضمن الثاني تعريف العفو وتمييزه عن رذائل الشفقة
misericordiaوالصفح veniaفي ،7–2.3والجزء الثالث إما قد ُفقد وإ َّما غير مكتمل.
(44) The translation reflects Kronenberg’s animi remissionis—literally “of the relaxation
of the mind,” esp. with regard to strictness or severity (OLD s.v. remissio 4b, cf.
]§24.1: “People better obey someone who gives his orders in a milder [remissius
way”)—adopted instead of the archetype’s manumissionis printed by Hosius and
obelized by Malaspina (with a lacuna posited following). The reading is consistent
with the thought that clemency depends on mental calm and clarity and is hindered
;by mental turbulence and upset: cf. §5.5, 7.2, 13.4, 2.6.1 and introduction, section 2
similar thoughts occur also in On Anger (cf. esp. 1.16.6–7).
On ( ((4هذه مناصرة للرواقية؛ ألن سينيكا استعمل صيغة الجمع للشخص األول بهذا المعنى انظر
.Anger 1.5.2n
59
اجتماعيا ُولِ َد للخير العام ،ولكن
ًّ فمن الذي يكون إنسا ًنا لكونه حيوا ًنا
َ
بين الذين يكرسون اإلنسان للمتعة وينظرون لمصالحهم في أقوالهم
وأفعالهم( .((4فإذا كان اإلنسان يسعى للسالم والسكينة ،سوف يجد
جزءا من طبيعته؛ ألن الفضيلة تهوى السالم و ُتملكنا على
ً الفضيلة
نفوسنا.
وقيل إن أفضل َمن يناسبه العفو هو الملك أو األمير(((4؛ ألن الثروة 3 - 3
الكبيرة تجلب الشرف والمجد إذا كانت سلطتهم نافعة ،فامتالك القوة
لفعل الضرر مهلكة للسلطة ،فالعظمة الراسخة المتوازنة يتصف بها
الرجل الذي يعرفه اآلخرون بمدرج أن يعلو عليهم فحسب ،والذين
يوميا لرفاهيتهم سواء أكانوا فرادى أم مجتمعين،
ًّ تجدهم متوجسين
وعندما يظهر ال ينتشر الناس كما لو كانت بعض الوحوش الضارية
نجما
أفواجا كما لو كان ً
ً اللعينة قد قفزت من مخبئِ ِه ،يتدافعون نحوه
ً
فياضا ،والناس من أجل هذا الرجل على استعداد تام أن يلقوا المعا
ً
بأنفسهم على السيوف المسنونة ويتخلوا عن حياتهم إذا كان دربه
لألمان ُيمهد بجثثهم :يسهرون الليل ليحموا نومه ،ويحيطونه مثل درع
( ((4هذه مناصرة لألبيقورية؛ ألن غايتهم القصوى ‘السعادة’ بالمعنى المحدد لغياب األلم ،و‘التحرر من
االضطراب ’ ataraxiaالذي يشجع على الطمأنة السياسية ،رغم أن سينيكا يصور هذه الغايات
هنا على أنها مجرد أنانية :راجع توافق الحكيم (cf. On the Wise Man’s Consistency 15.4,
On Favors 4.2.1), he is capable of a more nuanced response, esp. in the Moral
.)Epistles (e.g., 9, 21.3ff., 25.4ff .
ملكا rexفاللقب يسيء إلى الموروث الروماني السياسي ،لقد كان ‘الرجل األهم’ ( ((4لم يكن نيرون ً
(أمير) ،وجذوراللقب لصيقة بالجمهورية ،اختاره أوغسطوس ليصف مكانته في المجتمع
ويستعمله جميع األباطرة الالحقين له ،ويحل سينيكا بداية من الفقرة § 4.3وطوال األطروحة
االختالف بين الملك واألمير (” )cf. §4.3n. on “Caesarوقد ترجمت كلمة princepsلكلمة
princeأمير ألنها قريبة الداللة فيما يفكر فيه سينيكا (.)e.g., §5.7 below
60
جوانحه ،وعندما تداهمه المهالك يضعون أنفسهم في طريقها(.((4
ولم تعقد المدن والشعوب هذا االتفاق دون سبب ،وهو أن يحبوا ويحموا 4 - 3
بملوكهم بهذه الطريقة ويضحوا بحيواتهم وما يملكون من أجل أمان
الحاكم ،ال ،وال يعني أنهم مجانين أو ال يقدرون قيمة حيواتهم عندما
ُت ْق ِد ُم آالف عدة على حمل السالح من أجل شخص بعينه ويتكبدون
عجوزا وضعي ًفا(.((4
ً الموت إلنقاذ حياة رجل واحد قد يكون
رضاء
ً مثلما ُيستعبد الجسد بأسره للعقل – رغم أن الجسد أكبر وأكثر 5 - 3
للبصر بينما نحالة العقل مخفية وموضع خفائه غير معلوم -واأليادي
واألقدام واألعين تؤدي أوامر العقل ،والجلد يحميها ،وال نزال ننبطح
ألمره أو نندفع باضطراب عندما ُيصدر األمر ،ونحن نسبر البحار بح ًثا
عن فائدة إن كانت سيادة العقل جشعة بينما لو كان توا ًقا للمجد فقد
منذ أمد بعيد ،أو نعاني الموت (((5 وضعنا يدنا اليمنى في اللهب
إن الحشد الغفير من الناس المحيطين بنفس رجل بعينه طوعا(((5
ً
( ((4لالطالع على التناقض بين اإلمبراطور الرديء الذي يشاكل البهيمة المخيفة واإلمبراطور الخ ِّير
الذي يحبه الناس ويحمونه طوعً ا انظر ..Pliny Panegyric 48–49
( ((4لالطالع على التقدير العقالني للناس لإلحسان الذي يمنحه الحاكم المقسط وطواعيتهم للدفاع
كبيرا” انظر .Polybius 6.6.10–12 عنه “حتى لوكان ً
شيخا ً
ُ
( ((5يشير سينيكا إلى أسطورة جايوس موكيوس Gaius Muciusالذي لقب سكيفوال Scaevolaأي
‘شمالي ’ Leftyبعد أن أغرق يده اليمنى في النار ليُرى الرس بورسينا Lars Porsennaملك
أتروسكان المادة التي صنعها الرومان – وقعت هذه الحادثة عندما كان بورسينا يحاول أن يجبر
الرومان على استعاده ملكه تاركوين المبجل Tarquin the Proudالذي ُنفي عام 509ق.م.
(51) I translate voluntariam subivimus <mortem>, the easiest correction of the
archetype’s corrupt reading, voluntariam subsiluimus (cf. Malaspina’s voluntariam
sub<ivimus mortem aut *** sub>siluimus). Most earlier corrections have tried
to salvage subsiluimus (“leapt beneath”), perhaps correctly, taking S. to be
referring to Marcus Curtius’s legendary leap into a chasm that had opened in the
Roman forum, an act that satisfi ed an oracle and saved his city (e.g., Hosius’s
voluntarii <terram> subsiluimus, “willingly leapt beneath the earth”).
61
تحكمهم روحه ويرشدهم منطقهُ ،ق ِّدر له الغلبة وتحطيم ذاتها بجيوشها
إن لم يرفعها بتروية.
1 - 4وهكذا فإن سالمة الملوك التي يحبونها تقود جحافلهم إلى المعركة،
عشرة في آن من أجل شخص واحد ،عندما يركضون لمقابلة الخط
األمامي للعدو ويعرضون صدورهم للجروح خشية أن تتحول معايير
معا فهو النفس
معركة قائدهم في الجو ،وألنه العروة التي تربط األمة ً
الحي الممتشق بالكثرة ،والكثرة بذاتها ال شيء سوى وزن ميت ،وفريسة
لاللتهام وغياب للعقل العظيم للسلطة المركزية .حينما ال ُيؤذى الملك
فالكل فكر واحد ،وعندما ُيفقد ُتكسر ُعرى األمان(.((5
وسوف تعني هذه الكارثة نهاية السالم لروما وتدمير ثروات مجتمعنا 2 - 4
العظيم ،وسيبقى هذا المجتمع بمنأى عن الخطر طالما أنه يعرف كيف
فرط فيها أو لم يمنعها من التبديل فسوف
يتحمل مقاليد األمور ،وإن َّ
ُتضيعهم بعض المفاسد ،وسوف تمزق هذه الوحدة وينفلت هذا النسيج
مطيعا.
ً لسلطتنا العليا ،وتنحل سيادة مدينتنا ولن تجد لها
62
معا ،فقيصر يحتاج إلى قوة األمة،
بحيث ال يمكن فصلهما إال بتدميرهما ً
رئيسا لها.
بينما تحتاج األمة قيصر ً
يبدو أن حديثي قد انحرف عن الموضوع إلى حد ما ،ولكن تيقن أنه مؤثر 1 - 5
في األمر تما ًما(((5؛ ألنك إن كنت تفكر في عقل األمة وهو جسدك (هكذا
الحجة في هذه النقطة) فإنني أتصور أنك ترى مدى ضرورة العفو؛ ألنك
تفصل نفسك عندما يراك اآلخر مفصولاً ،وبالتالي عليك أن تفصل حتى
المواطنين المستحقين للعقاب كما تبتر أطرافك المتعثرة ،وإن تطلبت
بعض األمور إراقة الدم عليك التحقق خشية أن يزيد الشق عن الضرورة.
وكما قلت :العفو أمر طبيعي( ((5للبشر جميعهم ،وتيقن أنه من األفضل 2 - 5
أن يتزيا به الناس في القيادة بقدر ما يملكه لحماية أحوالهم وما لديه من
مقدرات مادية تكشف عن ذاتها ،فضرر قسوة المرء على أخيه بسيط!
ولكن وحشية األمراء تعني الحرب.
وفوق هذا فإن الفضائل ُتوجد في انسجام الدولة المتبادل بحيث ال 3 - 5
يزيد أحد طرفيها في التفضيل أو الشرف أكثر من اآلخر( ،((5فالحرية
مفعما
ً الممنوحة مالئمة لصنوف بعينها من الشخصيات( ،((5فكونك
بالحيوية( ((5فهذا صائر ألي ٍ
فان حتى المتواضع :فهل ما هو عظيم أو
( ((5وعد سينيكا في 1.3أن يكون الموضوعي األول هو سكينة العقل التي تفضي إلى العفو ،ويبدأ
اآلن التعامل مع هذا الموضوع مباشرة.
حرفيا “وف ًقا للطبيعة .”secundum naturamوحول أهمية هذا المعيار بالنسبة للرواقيين انظر
ًّ (((5
مقدمة عن الغضب القسم الثاني.
( ((5هذا موقف الرواقيين األصيل .cf. On Anger 1.11.2n
( ((5لالطالع على المبدأ القائل ينبغي أن نتصرف بطرق تناسب صفاتنا –وصفاتنا المشتركة هي أننا
بشر ،وصفاتنا الفردية بمواهبها المتفردة ومزاجاتها ،انظر Cicero On Appropriate Actions
.1.107ff
( ((5حول هذه الفضيلة انظر .On Anger 1.20–21 and accompanying note
63
سموا أشد بالدة من شفا المصيبة؟ ال تزال هذه الصفة تتمتع بنطاق
أعظم ًّ
وافر من الحظ الحسن و ُينظر إليها بمزية أفضل من منصة القاضي عن
المكان الذي يقف فيه المتفرجون.
إن العفو يصل باألسرة إلى السعادة والسكينة ،ولكنه مثير لإلعجاب في 4 - 5
شيوعا فيه؛ ألن المرء الذي ال يعرف غضبه عوائق والذي
ً القصر وهي أقل
تكتسب أحكامه الفظة قبول َمن يدينهم ،الذين ال يقاطعهم أحد والذين
ال يعتزمون التضرع حين يزيد غيظهم عن ًفا أكثر من المألوف -ذلك
الشخص الذي يفكر في نفسه“ :هل بإمكان أي امرئ أن يكسر القانون
بأخذ الحياة ،ولكني فحسب بمقدوري كذلك بصون حياته”(.((5
إن الروح العظيمة هي التي تزيين للحظ الحسن العظيم ،وإن لم َت َ
رق 5 - 5
بذاتها إلى مستوى الحظ الحسن وتطول أجنحتها فإنها تمرغ حتى الحظ
الحسن على األرض ،إن السمة المميزة للروح العظيمة هي المسالمة
والهدوء والنظر على المذابح واإلهانات من موضع السمو ،فاالغتياظ
في الغضب مخنث ،وكذلك القسوة على َمن يلقون أنفسهم على قدمك
فتمزقهم بأسنانك – هذا سلوك الوحوش ،وليست عند الوحوش نبالة.
فالفيلة واألسود تمرغ الحيوانات التي تطرحها ،إنه سلوك االفتراس
الذي يحكمهم.
( ((5تخفي المفارقة أمرًا -كي يلغي العفو ما يقوله القانون فإن المخطأ قد يدان -قد يعود إليه سينيكا
في الكتاب الثاني ،حيث يستوجب عليه أن يفسر لماذا ينبغي للحكيم أن يعطي الناس كل ما
يستحقونه ،ويكون هاد ًئا ،ويتظاهر بأنه يعطي أقل مما يستحقه الناس.
( ((6لالطالع على الدوافع الذاتية المماثلة لضبط الغضب راجع .cf. On Anger 2.34.2, 3.32.1
64
بالمدَّ عى عليهم الذين يستحقون فقد الحياة والمكانة ،فإنه
اجتماعية تليق ُ
مسموحا به فقط لمن هو في محل الحكم :فالحياة يمكن أن
ً يصنع شيئًا
تأخذ طري ًقا مما هو أسمى وال يمكن أن تمنح لما هو أدنى.
ولكونك ً
منقذا فهذا سمة مميزة للحظ األسمى ،والتي ال ينبغي أن يزيد 7 - 5
اإلعجاب بها عندما تمنح نفس قوة األرباب ،الذين يشرق لطفهم في
ضوء النهار على األخيار واألشرار ،وإن األمير بطلبه مسلك األرباب
ينبغي أن يسعد لرؤية مواطنيه ألنهم أخيار ونافعون ،بينما يترك آخرين
ليدير ظهره للرفقة ،ودعه يبتهج بوجود البعض ،وينظر ِ
بح ْل ٍم لوجود
آخرين.
في هذا المجتمع –حيث الحشود في حراك متواصل على الشوارع 1 - 6
الفسيحة التي ازدحمت كلما أبطأت الحواجز تدفقها الجارف ،وحيث
تطلب المقاعد في الثالثة مسارح في الوقت نفسه( ،((6وحيث تستهلك
جميع منتجات المزارع في العالم بأسره -تخيل مدى الخراب العظيم
حكما صار ًما قد ُيبرر.
ً هناك إذا بقي الكسر فحسب
وكم يندر وجود القاضي الذي ال يتحمل المسؤولية بموجب القانون 2 - 6
ٍ
امرئ الذي يوجه تحقيقه؟ وكم يندر المتهم البريء؟ فال تزيد مقاومة
عندما يتعلق األمر بمنح العفو أكثر َمن الذي يستحق أن يسعى نحوه
غال ًبا.
كلنا يقترف الخطأ( ،((6فبعضنا يفعله بطرق ضارية ،وآخر بتفاهة، 3 - 6
Marcellus ( ((6هذه هي مسارح بومبي (أول مسرح دائم في روما أقيم عام 55ق.م) ومارسيلوس
ً
(أيضا عام 13 (بدأ بعد فترة وجيزة من بومبي ولم ينشأ حتى عام 13ق.م ) وبالبوس Balbus
ق.م)
( ((6حول الموضع راجع .cf. esp. On Anger 2.10.2–6, 28, 3.26.3–5
65
والبعض بغرض ،وآخر بدافع عشوائي أو يضل الطريق بشر آخر،
وبعض منا يتوقف بنوايانا الخيرة وال يصمد قليلاً ،ونفقد براءتنا على
مضض وبال هوادة ،وال يقتصر األمر على ذلك بل نستمر في السقوط
حتى نهاية أيامنا.
وبما أنني ذكرت األرباب ،فمن الحري وضع هذا النموذج لألمير 1 - 7
ليحاكيه :دعه يتمنى أن يعامل مواطنيه كما يود أن تعامله األرباب ،فهل
من مصلحتنا أن القوى التي ذكرناها عاليه ال تعرف الصفح حين نخطئ
أو نضل؟ إن عداوتهم قد تمتد لتدميرنا تما ًما ،والحري أنَّ أي ملك
يكون آمنًا وال تجتمع أطرافه(.((6
وإن كانت األرباب عادلة وفياضة باليسر بما هي ال تعاقب اآلثام الجسيمة 2 - 7
بتفجير الرق ،فمن اإلنصاف أن يمارس اإلنسان باعتدال مسؤوليته على
وإرضاء للعين عندما تكون
ً اآلخرين ،ويتأمل إذا ما كانت حالة أشد جذ ًبا
السماء صافية والشمس مشرقة ،أو عندما يهز قصف الرعد المتكرر كل
الخلق ،وتبرق الصواعق من كل حدب! فإن الممارسة المتروية والهادئة
للقوة لها نفس مظهر السماء الصافية والباهية.
والحكم الملكي عندما يقسو يغرق في الضباب والظالل ،ويرتعد الناس 3 - 7
بمعفي من
ٍّ من كل جانب ويولولون ،وحتى َمن يدق الناقوس ليس
الزعزعة .ويمكن للمرء أن يتغافل بيسر عن البسطاء الذين يعندون في
( ((6يشير سينيكا إلى الحكيم “الذي ال يغضب من الخطائين؛ ألنه يؤمن بأن الحكيم ال يولد بل ُيصنع”
(.)On Anger 2.10.6
( - ((6هذا بعد أن ُبغض المخطئ بتوعده انظر .On Anger 3.23.6n
66
حقيقيا ،وآالمهم من أخطاء فعلية،
ًّ ضررا
ً السعي لالنتقام :فهم يعانون
وهم يخشون االحتقار أو أن يظهروا ضعفاء ،وليسوا رحماء حين ال
يردون للذين يضرونهم ،والمرء الذي قد ينتقم في إيماءته ،ويدعي بأنه
على يقين أنه ُسيحتفى بكرمه إذا ترك فرصة االنتقام تمضي.
والناس في وقفة ذلهم لديهم متسع أكبر حين يقدمون على استعمال 4 - 7
القوة وشد المالبس واالندفاع في المشاجرات وتغاضيهم عن غضبهم،
ضررا خفي ًفا ،وأما بالنسبة للملك فإن
ً وضربات معتادة تصنع بالتساوي
رفع صوته بلغة معادية يتعارض مع جالله.
هل تعتقد أنه من المجحف أن تجرد الملوك من حرية التعبير عما في 1 - 8
عقولهم حتى في أقل ما يملكونه؟ و«هذه عبودية» كما تقول “وليست
سلطة سامية” ،هل تعني أنك ال تجد سلطتك لتكون عبودية نبيلة(((6؟
إن موقف هؤالء الذين يظلون مختبئين في الحشد مختلفين :حيث
صراعا طويلاً لتُرى ،ورذائلهم مكفورة في الظالل،
ً تخوض فضائلهم
ولكن كلمات وأفعال الناس الذين في موقفك تجعل تجوالهم محل
حرصا على سمعتهم الذين
ً القيل والقال .ولهذا السبب أكثر الناس
تتردد أسماؤهم على كل شفاه ،أ ًّيا كان صنف االسم الذي يتداولونه.
فكم من األشياء ُتستنكر عليك وهي مسموحة لنا بفضلك! فبمقدوري 2 - 8
أن أتجول في المدينة دون خوف في كل أرجاء المدينة ،ودون مرافقة
رفيق ،وال يوجد سالح في بيتي وال بجانبي ،ولكنك تعيش مع السالح
( ((6الفكرة المفارقة التي ترى أن السلطان الملكي “عبودية ممجدة” استئنفت عنها أدناه ،وعبر عنها
بالملك المقدوني أنتيجونوس الثاني جوناتوس ( Antigonus II Gonatasحكم من -276
239انظر )Aelian Miscellaneous History 2.20وانظر Consolation to Polybius 7.2
أمورا عدة.
) (on Claudiusحيث يشير سينيكا إلى أن األمير رغم كل قوته إال أنه يحظر ً
67
حتى في حالة السالم الذي توفره ،وال تستطيع أن تبتعد في حياتك عن
الحاشية التي ُتبقيك في سياج وتتبعك أينما حللت.
الضرورة وهذه(((6 هذه عبودية الجالل األسمى :ال يمكن تقليصها، 3 - 8
تشارك بها األرباب المحبوسين في السماء ً
أيضا ،وغير مسموح لهم أن
يهبطوا( ((6من فوق بأكثر من أن ُيأمنوك لتفعل كذلك :لقد زرعت مؤقتًا
على سيادتك.
قليلون َمن هم على وعي بتحركات الرجال مثليُ ،يسمح لنا بأن نغدو 4 - 8
ونروح و ُنغير مالبسنا دون أن يالحظنا الناس في جمعهم ،وال يمكنك
ويحيط بك ضوء عظيم يوجه نظرات الشمس(((6 أن تختبئ إال من
الجميع ،هل تفكر أنك تغدو للتو؟ إنك ُتشرق.
ال يمكن أن تتحدث دون أن تستمع أمم العالم لما تقول ،وال ينتابك 5 - 8
الغضب دون أن يرتعد العالم ،وال ُتلقي بأحد على األرض دون أن
ترج المنطقة المجاورة ،مثل ضربات البرق ُتعرض قلة للخطر و ُتخيف
الكل ،فالعقوبات التي يفرضها الرعب المنتشر على مدى واسع َيزيد
على الضرر ،ليس دون سبب؛ فعندما يتمتع المرء بقوة كاملة ال ينصب
االهتمام في مقدار ما فعله ،بل في مقدار ما يمكن أن يفعله.
68
بالسخافات(((6
التي يتلقوها وأضف إلى هذا االعتبار :حيث تعبأ 6 - 8
ٍ
مزيد من السخافات ،فالملوك تجعل الناس البسطاء أكثر عرضة لتلقي
يستمدون األمن بموثقية من اللطف؛ ألن العقاب يقمع كراهية القلة
ولكنه يحفز كراهية الكل.
وينبغي للرغبة في الغضب أن تتوقف قبل أن يصير الكف علة للغضب، 7 - 8
وإال ُتصبح مثل األشجار التي ُتقلم فتطلق فروعها عال ًيا ،وكثير من
النباتات التي ُتقطف فتتبرعم بكثافة ،وكذلك تضخم قسوة الملك
صفوف أعدائه بتدميرها :فكل َمن ُيقتل آباؤه وأطفاله وأقرباؤه وأصدقاؤه
سوف يحل محلهم.
وأود أن أقنعك بهذه الحقيقة بمثال من عائلتك ،فقد كان أوغسطوس 1 - 9
أميرا( ((7معتدلاً ،وإذا شرع المرء في تقدير حكمه وكذلك فعل
اإللهي ً
ليوقن ،وحمل السالح في محنة الجمهورية التي شارك فيها الجميع(،((7
وكان في عمرك أي بلغ الثامنة عشرة ،وطعن أصدقاء في القلب ،ونصب
بالفعل مؤامرة لمارك أنطوني حين كان قنصلاً ،وصار طر ًفا ح ًّقا في
المحظورات(.((7
وبلغ األربعين بمرور الزمن ،وهو يقضي الوقت في الغال ،ووصله بيانٌ بأن 2 - 9
69
لوكيوس سينا Lucius Cinnaرجل ليس على قدر من الذكاء ،حيث كان
يتآمر عليه( ،((7فأين ومتى وكيف سوف يهجم عليه عن طريق أحد المتآمرين؟
وقرر أن ينتقم من سينا ،وأمر باجتماع حاشية القنصل ،وقضى ليلة 3 - 9
كريما للغاية
ً مزعجة وهو يفكر في أنه أدان شا ًّبا من أسرة عريقة كان
باستثناء هذه الحادثة ،وهو حفيد جنايوس بومبي ،الرجل الذي كان
ُيملي على مارك أنطوني فرمان المحظورات على العشاء ال يستطيع أن
يقتل رجلاً واحدً ا وحيدً ا.
( ((7الرجل الذي يُدعى “لوكيوس سينا ”Lucius Cinnaكان جنايوس كورنيلوس سينا ماجنوس
Gnaeus Cornelius Cinna Magnusابن لوكيوس كورنيلوس سينا -حماه يوليوس قيصر
عدوا ألوغسطوس ًّ “ولِدَ
وافق الح ًقا على قتله -وحفيد بومبي العظيم ،ويوصف في 8باعتباره ُ
ولم يصنع” أصبح قنصلاً عام 5م ،وتأريخ سينيكا للحادث إلى وقت كان فيه أوغسطوس في
الغال في األربعينيات من العمر ،ومن المرجح أنه كان في عام 14-16ق.م ،ومكانته التاريخية
محل شك ،وهناك طبعة متوسعة ربما أسندت إلى سينيكا بشكل مباشر أو غير مباشر موجودة في
22.2–55.14 Cassius Dioيرجع تاريخها إلى 4م.
70
وقاطعته زوجته ليفيا( ((7وقالت“ :هل تأخذ بنصيحة امرأة؟ هل تفعل 6 - 9
ما يصنعه الطبيب عندما ال تكون الوصفات المعتادة غير مجدية :فجرب
عالجات مضادة ،فالصرامة لن تصل بك إلى مكانٍ ،فقد قلد ليبيدوس
Lepidusسالفيدينوس ،Salvidienusوقلد مورينا Murenaليبدوس،
وقلد كايبوي Caepioمورينا ،وقلد إجناتيوس Egnatiusكايبوي –
ولن أقول شيئًا عن آخرين أستقبح ذكرهم( ،((7جرب اآلن وانظر كيف
سوف يصل بك العفو :وتجاهل لوكيوس سينا ،لقد ُقبض عليه ولن
ُيلحق بك أذى ،مع ذلك يمكن أن ُيسدي لسمعتك بعض الخير”.
( ((7ليفيا دورسيال ) Livia Drusilla (58 BCE–29 ceزوجة أوغسطوس وأم تيبيريوسُ ،طلقت من
وأمرت عام 39بالزواج من أوغسطوس ،ولكن نجت والد األخير تيبيريوس كالوديوس نيرونُ ،
منه خمسة عشر عا ًما ،ثم ألهت حفيدها كالوديوس.
( ((7عُين كوينتوس سالفيدينوس روفوس سالفوس Quintus Salvidienus Rufus Salviusقنصلاً
عم 39ق.م حين اتهم في والئه ألوكتفيان وأُدين من السوناتو (،)Cassius Dio 48.33.1–3
واألسماء األخرى المذكورة هنا ماركوس إيميلوس لبيدوس Marcus Aemilius Lepidus
ابن تريومفير triumvirمؤامرة بتاريخ ،29وفارو مورينا Varro Murenaوفانيوس كايبيو
معا عام ،22-23وماركوس إجناتوس روفوس Marcus Fannius Caepioاللذان عمال ً
Egnatius Rufusالذي ُأعدم عام 19بسبب أعمال عنف ال تستهدف أوغسطوس مباشرة ،وانظر
Suetonius Augustus 19.1الذي ذكر عديدًا من المتآمرين بما فيهم الحر أسينيوس إبيكادوس
Asinius Epicadusوالعبد تيليفيوس ،Telephusويضع سينيكا هذا األخير في االعتبار فعندما
يذكر ليفيا فهو يشير إلى َمن يعتبر أن أفعالهم مصدر للخجل ،أما األشخاص ذوو المكانة المتردية
فكانوا بالنسبة للعقل اليوناني مشينين في حد ذاتهم.
71
عدوا ولست
«يا سينا رغم أني عثرت عليك في معسكر أعدائي -مولود ًّ 8 - 9
مصنوعا -سوف أتركك تعيش وتحتفظ بممتلكات عائلتك ،اليوم تزهو
ً
وتغني حتى يحسد المنتصرون المهزمين ،لقد مررت على كثير من
اآلباء الذين قاتلوا بجواري ألعطيك التبجيل الذي تسعى إليه ،ورغم
أنني أستحق تقديرك ،فقد تعهدت بقتلي”.
في هذه اللحظة صرخ سينا كما لو كان مجنو ًنا ،وقال أوغسطوس”: 9 - 9
ْ
تحفظ وعدك يا سينا :لقد اتفقنا أال تقاطع ،وكما قلت إنك تستعد لم
لقتلي” ،وحدد المكان ورفاقه في المؤامرة ،واليوم ،وترتيب َّ
الش َرك،
والشخص المنوط به السالح.
( ((7كما كان من المخجل أن تتعرض للهجوم الجسدي من مثل هذا الشخص ( ،)§6n.ومن المشين
أن ُيظهر أنه أقل نفو ًذا.
(77) The translation reflects Haase’s putas, for potes.
( ((7من المفترض أن سينيكا يفكر في األرستقراطيين الذين تقلدوا لقب القنصل في عهد أوغسطوس
—Cossus Cornelius Lentulus (in 1 BCE), Lucius Aemilius Paulus (1 CE),
Marcus Servilius (3 CE), Paullus Fabius Maximus (11 CE)-مع أن ظهورهم كان شا ًّذا
قبل التاريخ الذي يحدده سينيكا.
72
االسم بل الذين يجلبون الشرف ألسالفهم؟”(.((7
11 - 9ولن نأخذ نصيب األسد في هذا الكتاب بتكرار ما كل ما قاله (ألنه تحدث
ما يربو عن ساعتين ،وهو يضع الطريقة التي سيقر بها العقوبة الوحيدة
التي سينالها سينا) :وقال أوغسطوس“ :سأمنحك حياتك ،كنت ساب ًقا
عدوي بالسالح واآلن متآمر وقاتل ،ومن هذا اليوم نبدأ صداقتنا ،ودعنا
نتنافس لنرى َمن الذي سيتصرف بحسن النية– أنا كمنقذ لك أو أنت
كمدين لي”.
12 - 9وبعد ذلك منحه أوغسطوس بالفعل قنصلية ،ووبخه ألنه لم يجرؤ على
مخلصا ووريثه الوحيد( ،((8ولم
ً الطلب ،واتخذ سينا خليلاً وصدي ًقا
يصر أوغسطوس هد ًفا للتآمر مرة أخرى.
ْ
فمن الذي 1 - 10إن جدك العظيم األكبر( ((8عفا عن الذين غزوه ،وإن لم يفعل َ
جند من معسكر أعدائه سالوست Sallustورجالاً مثل سيحكم؟ فإنه َّ
ككيوس Cocceiusوديلليوس Delliusوحاشية من أقرب المقربين
له( ،((8وسرعان ما أدخل في عفوه رجالاً مثل دوميتيوس Domitius
وميساال Messalaوأسينيوس Asiniusوشيشرون – Ciceroفي
حرفيا “الذين هم زينة ألقنعة ألسالفهم ،”imaginibus suis decori sintإشارة إلى أقنعة ًّ - ( ((7
الشمع ألسالفهم ،حيث إن الرومانيين كانوا يشرفون بعمل فتحة في بهو منازلهم ،ويقصد
سينيكا أن الناس ال ُيسمون بمعايير أسالفهم بل يضيفون بريقهم إليهم.
-كان إدخال شخص في إرادة آخر من الوسائل السائدة التي استعملها الرومان للداللة على ( ((8
األلفة االجتماعية واالحترام ()Champlin 1991
-يتحدث سينيكا عن أصل نيرون الحميم من أوغسطوس باعتباره نجل أجربيانا الصغرى وحفيد ( ((8
أجرييانا الكبرى ابنه جوليا وأغسطوس ابنها الوحيد،
حرفيا “ العصبة برمتها (الذين لهم حق) الدخول أولاً انظر On Favors 6.34.1–2 S. traces
ًّ - ( ((8
to Gaius Sempronius Gracchus (d. 121 BCE) and Marcus Livius Drusus (d. 109
) BCEممارسة النبل الروماني لتقسيم أصدقائهم إلى درجات محاكاة للملوك الهيللينستيين ،وقد
اتخذ كالوديوس أصدقاء بعينهم للدخول في حضرته ).(Pliny Natural History 33.41
73
الحقيقة كل نخب المجتمع( ،((8أما بالنسبة لمَن مثل ليبيدوس– تركه
يصون موته( !((8ترك ليبيدوس بشرف يناسب مواطنًا رائدً ا في المجتمع،
يسمح بنقل وظيفة رئيس الكهنة له حتى مات اآلخر؛ أراد أن تكون
ْ ولم
شر ًفا وليس غنيمة.
2 - 10جلب له عفوه أمنه وسالمة باله ،فرأى الناس فضله بامتنان ،لذلك ملك
بقبضته رقبة الشعب الروماني الذي لم يخضع بعد لسلطان الحاكم،
عفو ُه شهر َت ُه إلى يومنا هذا ،وهو شيء يتمتع به قلة من األمراء
فصنع ُ
األحياء(.((8
أمرا لنقوم بذلك( ،((8ونقبل أن 3 - 10نحن نعتقد أنه رب ،لكن لم َّ
نتلق ً
Gaius ( ((8قائمة الجمهوريين الذين اختارهم أوغسطوس ومنهم جايوس سالوستيوس كريسبوس
Sallustius Crispusحفيد االبن وابن بالتبني للمؤرخ سالوست ،Sallustوماركوس كوشيوس
نيرفا Marcus Cocceius Nervaكان قنصلاً عام 36ق.م بعد عفو أوكتافيان عنه ،وكيونتوس
ديلوس Quintus Delliusالذي أطلق عليه ‘المتسابق البهلوان’ في زمن الملوك الثالثة الرتباطه
برجال السياسة على التوالي وانفصاله عنهم حتى استقر على أوكتافيا بعد معركة أكتيوم،
وجنايوس دوميتيوس أهنوباربوس Gnaeus Domitius Ahenobarbusمشايع لقتل يوليوس
قيصر وبروتوس ثم مارك أنطوني ،والذي تحول في الوقت المناسب إلى أوكتافيان قبل أكتيوم،
وماركوس فاليريوس ميساال كورفينوس Marcus Valerius Messala Corvinusقنصل عام
31ق.م الذي يشبه في وظيفته أهنوباربوس ،وجايوس أسينيوس بولليو Gaius Asinius Pollio
(انظر )On Anger 3.23.5n.الذي حافظ على مزيد من استقالل أوغسطوس عن اآلخرين الذين
سماهم ،وماركوس تيليوس شيشرون Marcus Tullius Ciceroقنصل عام 30ق.م ،وهو االبن
الفاسق للخطيب وهو الرجل الوحيد الذي نجا من عائلته من اإلبعاد.
( ((8أقدم وأعظم األرستقراطيين في حكومة الثالثة ماركوس إيميليوس ليبيدوس (Marcus Aemilius
Lepidus (ca. 89–ca. 13الذي همشه أنطوني وأوكتفيان ونفاه األخير عام ،36وسمح له بالعودة
إلى روما واحتفظ بوظيفة pontifex maximusحتى وفاته والتي خلفه فيها يوليوس قيصر عام .44
( ((8وهذا طبيعة سينيكا ،فهو على استعداد بالتضحية باالتساق من أجل سطر حسن :على النقيض في
الفقرة 1.8حول شهرة األمراء التي ال مفر منها.
( ((8على النقيض (بالتضامن) مع كالوديوس الذي يسخر سينيكا من تأليهه في كتاب تأليه كالوديوس
.Apocolocyntosis
74
خيرا يستحق اسم أبيه لمجرد أنه لم يرد اإلهانات
أميرا ً
أغسطوس كان ً
التي يعانيها بقسوة (وإن حساسية األمراء لإلهانات أعلى من األضرار)،
إنه ضحك من التعليقات الخشنة التي حيكت عليه( ،((8وعندما كان
يفرض عقوبة كان يجربها على نفسه ،ونأى بنفسه عن قتل الرجال الذين
أدانهم بتهمة الزنا مع ابنته ،فقد منحهم رسائل عبور يكونون بها آمنين
عندما يرسلهم بعيدً ا(.((8
75
«عفوا» ،وهذا القيصر هو العفو الحق – ألنه
ً 2 - 11أنا ال ُأسمي القسوة المضنية
ٍ
لماض بال عيب ولم يسفك دماء مواطنيه -والنوع الذي ال يبدأ من ندم
وحشي( ،((9في موقف السلطان األسمى في ضبط النفس الحق ،والتائق
ْ
فأقبل لهذا :لتتخلص من حافة سلطة لربط البشر جميعهم بالذات(،((9
الفرد وال تتطلع لكيف يمكن للمرء أن يفلت من مواجهة أحد مواطنيه
بعيدً ا عن انفعال متحمس أو حماقة متهورة أو بسبب أحد قد أفسد بما
وضعه األمراء السالفون والمتقدمون.
4 - 11العفو إ َذنْ ال يريح البشر فحسب بل يجعلهم آمنين ،وهو زينة للسلطة
األسمى وضمانة لألمن ،فلماذا يصل الملوك إلى الشيخوخة ويورثون
ممالكهم ألبنائهم وأحفادهم في حين أن سلطان الطغاة بغيض وقصير
األجل؟ ما الفرق بين الطاغية والملك ( حيث تتساوى ثرواتهم ولديهم
المتعة(((9 الرخصة ذاتها)؟ إن الطغاة ينغمسون في العنف على سبيل
بينما يفعل الملوك ،كذلك فحسب لبعض األسباب الضرورية.
« 1 - 12وماذا إ َذنْ » ربما قد تعترض «وهل ال يقتل الملوك الناس عادة؟» ،نعم،
ولكن بقدر ما يستحثهم الصالح العام ،والوحشية أقرب إلى قلوب
( ((9حتى لو لم تكن الحقيقة معروفة على نطاق واسع ،فإن سينيكا على وعي بمسؤولية نيرون عن وفاة
بريتانيكوس.
(91) The translation starts from Mazzoli’s comprendendi item sibi amor to provide a
stopgap for the archetype’s deeply corrupt conpraenditte sibi mor.
( ((9هذه عالمة الرجل ‘الهمجي’ في .On Anger 2.5
76
الطغاة ،فالطاغية يختلف عن الملك في سلوكه وليس في لقبه(،((9
جديرا لملوك عدة وكذلك لوكيوس
ً فقد كان ديونيسوس األكبر مثالاً
سولال ،فما الذي منع أن ُيطلق عليه اسم طاغية ،هل ألنه توقف عن قتله
فحسب حين نفد من األعداء(((9؟
2 - 12نعم ،قلص حكمه المطلق ولبس رداء المواطن البسيط ،وأي طاغية
شرب من دم اإلنسان بشراهة كما فعل هو؟ لقد أمر بذبح سبعة آالف
مواطن روماني ،وهو يجلس بالقرب من معبد بيلونا temple of
3 - 12لم تكن هذه كذبة ،قد بدا هؤالء لسولال حفنة ،وسوف نرتد لسولال
( ((9الحكام الملكيون الذين اكتسبوا لقب الطاغية في اليونان في القرن السابع والسادس قبل الميالد
أوليا بحقيقة أنهم حققوا سلطانهم الفريد باالغتصاب بدلاً من الوسائل التي
يختلفون عن الملوك ًّ
أقرها المجتمع مثل (الميراث) ،كما وضعها أرسطو ( .)Politics 3.9.3 1285a15ff.ويكمن
االختالف بين الذين حكموا بالقانون وبالتوافق مع رعاياهم والذين لم يفعلوا كذلك ،ويقيم
سينيكا في كتاب العفو تمييزً ا مختل ًفا يستثمر فيه كل شيء في الشخصية ويتجنب مسألة القانون
التي يرتبط بها حاكم مثل نيرون نظر ًّيا (§.).1.4n
( ((9سيطر ديونيسوس األكبر السيراكوزي على شرق صقلية بحق شرعي أو اخر من نهاية القرن
الخامس حتى ،367رغم تعليق سينيكا هنا بأن هناك حكايات عدة تحضره لنمطية القاضي،
وقد أنهى لوكيوس كورنيلوس سولال فيليكس Lucius Cornelius Sulla Felix (ca. 138–79
) - BCEوهو رجل ال يرحم ومؤيد لحكم السوناتو األرستقراطي -ما يقرب من عقد في الحرب
األهلية في روما بتقلده منصب الديكتاتور الدستوري ،وصوره شيشرون بالطاغية (Against
رومانيا لهذا النوع في هذا الكتاب وفي كتاب عنًّ ) Verres 2.3.81–82وأصبح سولال مثالاً
الغضب .On Anger 1.20.4, 2.2.3, 34.3, 3.18.1–2
( ((9عادة ما يجتمع السوناتو في المعابد – بما في ذلك معبد بيلونا إلهة اشتعال المعارك ،الذي يقع في
الطرف الجنوبي من حرم مارتيوس ،خارج حدود المقدسة للمدينة ،وقد تبع هذا الحادث هزيمة
سولال ألعدائه في معركة بوابة كولين في نوفمبر 82ق.م.
77
عاجل( ،((9وحين نتناول مسألة كيف ينبغي للمرء أن يتعامل مع غضب
األعداء على األقل يفصل مواطنيه عن الجسد السياسي ويتجاوز هذا
التصنيف ،وأعود إلى األمر الذي أثرته :هناك بون شاسع بين الملك
والطاغية يخلقه العفو ،فكالهما تحيطه األسلحة ،فأحدهما تحمى
أسلحته السالم ،واآلخر يستعملها للتخويف لكبح الكراهية البغيضة،
وهو ليس بمقدوره النظر برباطة جأش إلى األيادي التي عهد إليها
باألسلحة.
4 - 12يدور الطاغية في دائرة مفرغة؛ فهو يكره ألنه يخاف ،و ُيخوف ألنه يكره،
لذا يلجأ إلى هذا ال َّن ْظم البغيض( ((9الذي يدمر به كثيرين – “ دعهم
يكرهوا شريطة أن يخافوا” -وهو ال يعي ضراوة الغضب الذي ينشأ عن
ُيبقي أفكارنا في الضبط، يعتدل(((9 نمو الكراهية؛ ألن الخوف حين
وحين يستقر الخوف ويشحذ ويهدد بشدة يفسد العقول فتطيش ويحثها
على الجرأة فتصنع كل شيء.
5 - 12والخيط الذي يعلق بالريش يحجم الحيوانات البرية ،ولكن حين بتقدم
الفارس المدجج عليهم من خلفهم سيحاولون الفرار( ،((9ويطئون
الخوف الذي قد فروا منه ،فالشجاعة تحد عندما ُتزيف بالضرورة
القصوى ،ويترك الخوف بعض الشعور باألمن ،ويقدم احتمالاً لألمل
أكثر من الخطر ،وبصورة أخرى ،إذا كان الذي يرضخ للمخاوف مراد ًفا
78
للعقوبات ،فمن الغوث بالفعل أن يسرع إلى الخطر ،ويتخلص من حياة
المرء كما لو كانت حياة اآلخرين.
1 - 13وعندما يكون الملك رزينًا ساكنًا تتبعه قواته التي تعينه ،وبمجرد أن
يستعملهم ألمر عام أو عسكري يتوقون للمجد ،ويتحملون بسرور كل
مهمة كما لو كان أحدهم يحمي أحد والديه؛ ألنه يعتقد أنه يساهم في
ً
ومتعطشا للدماء ليس راحة بال الناس ،ولكن عندما يكون الملك قاس ًيا
بمقدور حارسه أن يعينه بل يشعر باالضطهاد.
2 - 13ليس بمقدور أحد أن يتخذ خد ًما صالحين بنوايا صالحة خالصة في حين
ٍ
كأدوات للتعذيب مثل مخلعة أو أدوات مصممة للقتل أو يستعملهم
يعاملهم كوحوش ُيلقي إليهم البشر ،فما من ُمخاصم أشد شقاء وقل ًقا
من هذا الرجل ،يخشى األرباب والبشر ألنهم شاهدون وناقمون ألفعاله،
ومن ثم يصل إلى النقطة التي يستطيع فيها تحويل سلوكه ،ومن المؤكد
أن األسوأ من بين الصفات الرديئة لقسوة اآلخرين :هو أنك ال تستطيع
أن تستعيد خطواتك لألفضل بل تستديم عليها ،وتستعمل جرائم جديدة
شريرا؟
ً لدرء عواقب قديمة ،فمن أشد تعاسة من رجل عليه أن يكون
3 - 13يا له من أمر بيئس -في عينيه ،على أي حال! فمن غير المفهوم ألي أحد
ٍ
كأدوات لسلطانه ،وينظر إلى أن يشفق على رجل يستعمل القتل والسرقة
كل شيء بارتياب في الداخل والخارج ،ويلجأ إلى السالح ألنه يخاف
منه ،وال يثق في والء األصدقاء وال تفاني األبناء ،وعندما ينظر حوله
فيما فعله وما ينوي فعله وما ُيكنه صدره المشحون بالجرائم والتعذيب
كرها في عينيه
غال ًبا ما يخشى الموت ويأمل فيه على الغالب؛ ألنه أعظم ً
من الذين يخدمونه.
4 - 13وعلى العكس تما ًما ،فإن اإلنسان الذي يجعل كل شيء موضوع اهتمامه
79
يراقب بعض األشياء أكثر وبعضها أقل ،بل يرعى كل عنصر للدولة كما
جزءا من نفسه ( ،((10يميل إلى مسار ألطف وهو ُيظهر عندما
ً لو كان
أفكارا
ً ُي ْنادي بالعقوبة عدم رغبته في اللجوء للمداوة القاسية ،وال يعرف
وحشية أو عدائية بل يمارس سلطانه بروية ومن أجل الخير ،وهو يرغب
ٌ
محظوظ إلى أقصى مدى في أن يستحسن مواطنيه أوامره .إنه يعتقد أنه
إن نجح في أن يجعل حظه الحسن ً
ملكا للجميع :حسن العشرة وودود
ولين في تعبيره (وهذا ما ترتقي به األمم) ويميل إيجا ًبا إلى المطلب
المعقول ،وال يعارض بشدة غير المعقول ،يحبه المجتمع كله ويدافع
عنه ويعتز به.
5 - 13يتحدث الناس عنه فيما بينهم كما في وجهه ،ويرغبون في تربية األطفال،
ويسحبون القساوة التي أصابتنا من مشكالت المجتمع ( .((10فكل إنسان
متيقن بأن أبناءه سوف يمتنون له إلظهارهم في مثل هذا السن ،وإن صنع
األمير األمان بلطفه فلن يحتاج إلى حراس ،وسوف تبسط أسلحته.
1 - 14فما إ َذنْ واجبه؟ مثلما يفعل اآلباء الصالحون ،الذين قد اعتادوا أن
يوجهوا أبناءهم بلطف أحيا ًنا ويشدوا عليهم أحيا ًنا وينصحوهم
االبن من أول
َ ُ
الرجل الرشيدُ جرم
وتكرارا حتى بالضرب ،وال ُي ِّ
ً مرارا
ً
مخالفة له ،أليس كذلك؟ ال ،إنه ال يجر القلم ليقر هذا األمر إال عندما
تتغلب األضرار بتكرارها ورعونتها على صبره ،أو عندما يكون الذي
( ((10ينطبق الموقف الخاص بالتوقع المعياري للحاكم عند الرواقية وهو أن كل الناس وهم يتطورون
فكر ًّيا يعتبرون اآلخرين موضوعات تكافئ اهتمامهم ،ويكمن هذا التناسب في هذا التوقع .انظر
مقدمة كتاب عن الغضب القسم الثاني .On Anger introduction, section 2, 2.31.7n
(101) I translate reducitur in place of the manuscripts’ nonsensical recluditur (cf.. Watt
1994, 230, suggesting repudiatur).
80
يخشاه( ((10أسوأ من السلوك الذي يدينه ،وحينما ُيقبل على هذا يحاول
بطرق عدة أن ينتشل الصفة المعوجة من حالتها األنية وحالها المؤسف،
وتتخذ اإلجراءات األخيرة عندما ُيفقد األمل ،وال أحد يصل إلى محك
المضنية إال بعد محاوالت من المداوات الممكنة(.((10
العقوبة ُ
( ((10من المفترض أن السلوك السيئ يخشى المستقبل– وال يتخفى السلوك السيئ في الحاضر.
( ((10وهكذا رؤية العقاب في كتاب الغضب .On Anger 1.16.2–3, 19.5–7, and cf. §22 below
( ((10عبارة مشرفة تنطبق بشكل غير رسمي على الوطنيين الرومان ،وأصدر السوناتو مرسو ًما الح ًقا
ليوليوس قيصر في 45ق.م وألغسطوس في عام 2ق.م ،ورفض تيبيريوس قبولها ولكنها
اصطالحا إمبراطور ًّيا فيما بعد ،حيث يمكن القول “ إن األمير هو والد الوطن” (Digest
ً صارت
.)48.22.18.1
( ((10يشير سينيكا على التوالي إلى جنايوس بومبيوس ماجنوس “ العظيم ”the Greatوليوكيوس
كورنيلوس سولال فيليكس “المحظوظ ،”the Fortunateوبالطبع لقب أوغسطوس الذي
رسميا كجزء ًّ منحه السوناتو لجايوس يوليوس قيصر أوكتافيانوس في 27يناير ق.م ،وأفترض
من ألقابهم عن طريق األباطرة الالحقين ما عدا تيبريوس.
(106) The translation follows Kruczkiewcz in deleting the otiose phrase hoc illis tribuentes
(“ascribing this to them”) at the end of this sentence.
( ((10كان األطفال الرومان يخضعون لسلطة األب patria potestasبغض النظر عن أعمارهم طالما
أن األب على قيد الحياة ،وفي حاالت االنحراف يمارس األب سلطته – بما فيها الحياة والموت-
في إقامة محاكمة محلية من النوع الموصوف في الفقرة .15
81
3 - 14فدع األب أن يكون بطيئًا في بتر أطرافه( ،((10دعه حتى يفعلها مرة
ويضعهم في مكانهم ،وعندما يتأخر فعله دعه يئن ،فحين يتسرع المرء
في اإلدانة يكون كما لو كان سعيدً ا باإلدانة ،فالعقاب السريع عقاب
ظالم على الغالب(.((10
مجازا بالطبع مستغلاًّ فكرة أن األطفال قريبون من والديهم كما اآلباء قريبون من
ً ( ((10يتحدث سينيكا
أطرافهم ،وما يصح في العالقة بين اآلباء واألطفال فهو صحيح ،وف ًقا للرواقيين الذين يرون أن كل
العالقات اإلنسانية مفهومة على نحو صحيح .On Anger 1.15.2n
( ((10الكفاءة “تقري ًبا” اختيار عليل فالمعاقبة المفرطة هي أن تعطي بأكثر مما يستحق ،وهذا أمر غير
منصف (.)cf. 2.7.1
( ((11األدوات المدببة تُستعمل للكتابة على المناضد الخشبية المشمعة.
( ((11خدم لوكيوس تاريوس روفوس أوغسطوس في سلسلة من األوامر العسكرية أثناء الحرب
األهلية وبعدها ،وكان ُيكافئ بالثروة والقنصلية في 16ق.م.
( ((11مرسليا الحديثة تأسست كمستعمرة يونانية في أواخر القرن السادس قبل الميالد ،وكانت مركزً ا
للثروة والثقافة ،ووجهة عامة لنفي الرومانيين.
82
القيصر أوغسطوس الجلوس في مجلسه االستشاري ،وجاء أوغسطوس
إلى منزله الخاص وجلس بجوار تاريوس كمستشار – لم يقل “ ال ،ال
تدعه ،يأتي إلى بيتي” ،ألن في هذه الحالة ستكون المحاكمة للقيصر
وليس لألب.
4 - 15وعندما استُمع إلى القضية و ُفحصت األدلة بدقة -تلك األمور التي
أثارها الشاب وتلك التي تدينه -طلب أوغسطوس كل رجل بتدوين
حكمه خشية أن ُيطلق الجميع حكم قيصر على نفسه( ،((11وقبل أن
تُفتح األلواح ،أقسم اليمين بأنه ال ينوي قبول ميراث تاريوس الذي كان
ثر ًّيا(.((11
5 - 15سيقول ٌ
امرؤ ما “ :هذا أمر تافه ،وال يستحق أن تفسح له غرفة بالتصويت
إلدانة االبن” ،وأعتقد أنه على العكس من ذلك تما ًما .كان ينبغي ألي
أحد من قومنا أن يكون عنده ثقة كافية في ضميره الحي لتحمل الكالم
الخبيث ولكن يجب على األمراء أن يقدموا تنازالت كثيرة حتى للنميمة،
فهو أقسم بأنه لن يقبل الميراث.
( ((11في قضايا االستماع ،طلب نيرون من أعضاء مجلسه االستشاري وضع آرائهم مدونة كتابة دون
علمه (.)Suetonius Nero 15.1
( ((11حول ممارسة جعل قيصر وري ًثا انظر .cf. §9.12n. above
(ُ ((11يفترض أن االبن قد ُحرم من الميراث ( )cf. §14.1رغم ما أظهره له والده في المنفى.
83
الثعابين(((11
وال زنزانة السجن ،بل خطط ليرضي األب السلب وال
بعقوبة خفيفة على االبن الشاب الذي اقتيد إلى جريمة اعترف بها على
نفسه بسلوكه المخجل وهو على مقربة خطوة واحدة من البراءةُ ،
وأبعد
عن المدينة وعن وجه أبيه.
3 - 16إن الرجل الذي يهذب أبناءه بالضرب المتواصل حتى في أقل خطأ
فمن المعلم الجدير
يرتكبونه سيبدو أسوأ نوع من اآلباء ،أليس كذلك؟ َ
األحرار(((11
هل الذي ينقذ طالبه إذا بالدراسات التي تليق بالرجال
فشلت ذواكرهم أو زاغت أبصارهم عند القراءة ،أم الذي يفضل أن
يصوب ويعلم بلوم يبدأ بحمرة الخد من الخجل؟ أرني قائدً ا tribune
عفوا. وحشيا ،وسوف ُأريك ً
امرأ يفر منه الجنود في الصحراء ً ًّ
4 - 16أليس من غير المعقول ،أليس كذلك ،أن تكون قاس ًيا متعجر ًفا في أن
المرئ عاجز عن الكالم مثل حيوان أبكم؟ ومن ثم فإن ٍ أمرا
تعطي ً
المدرب المتمرس ال ُيخيف الخيل بالضربات المتكررة ،وإال فإنه يعند
( ((11لمعرفة دور الثعابين والطرود في معاقبة قاتل أبيه انظر .On Anger 1.16.5n
( ((11وهكذا المعنى الحرفي لعبارة سينيكا – liberalia studiaالذي استمد منه المفهوم المعاصر
“الدراسات الليبرالية liberal studiesأو اآلداب الليبرالية .”liberal arts
84
ويتقلب ،ما لم يهدئه بالمداعبة.
5 - 16ويصدق الشيء نفسه على الصياد الذي يستعمل كال ًبا مدربة لتتبع
فريسته وتطاردها :فهو ال ُيرهبها (فهذا ُيبطئ همتها ،وبترويعها يحط
من تربيتها) ،وال يمنحها رخصة للتجول حول هنا وهناك ،ويمكنك أن
تضيف لهذه األمثلة معالجات لتحمل الوحوش البطيئة – التي ُولدت
للبلية والتعسف -التي ُتقاد بقسوة مفرطة لرفض النير.
2 - 17إن داللة الطبيب الرديء أن ييأس من العثور على دواء :فالمرء المكلف
برفاهية الكل قد يأخذ النهج ذاته من الذين ُأصيبت عقولهم ،فال يتخلى
على عجل عن األمل ويعلن أن األعراض قاتلة ،واألحرى أن يناضل ضد
العيوب ويقاومها ،ومواجهة بعض الناس بأمراضهم وخداع اآلخرين
باستعمال حمية لطيفة هادف في مداواتهم وسريع وفعال باألدوية التي
تعمل دون الكشف عنها ،وينبغي لألمير أال يقلق من استعادة الصحة
فحسب ،بل أال يترك ندو ًبا تشوه.
( ((11أمراض العقل هي صفة سيئة ،morositasوال يؤكد استعمال كلمة ‘مرض’ مستوى االستعمال
الرواقي؛ ألن كلمة مرض اعتقاد تقييمي معتنق ،ولكنه خاطئ ويؤدي بنا إلى االنفعال (Graver
)2002a:150–53ولكن على المرء أن يتخيل كيف أن كلمة مرض بالمعنى السينيكي تؤدي بنا
إلى تجربة المرض بالمعنى المعيار الرواقي ،ولالطالع على مجاز ‘الشفاء’ قارن على سبيل المثال
.On Anger 1.6.2, 2.10.7
85
3 - 17وال يكتسب الملك مجدً ا من معاقبة وحشية (وهل من أحد يشك في
هذا؟) ،ولكنه يحصل على عظيم المجد إن أبقى سلطانه قيد التحقق،
يحفظ كثيرين من غضب آخرين ،وال يقدم أحدً ا ضحية له.
1 - 18إن إعطاء أوامر للعبيد بأسلوب معتدل يستحق الثناء( ،((11حتى في حالة
ْ
تغمض عينيك عن معاناتهم بقدر سجية الخلق والصفاء الرقيق ،فال
اللتين ُمنحتا لك ،والتي ادخرتها حتى لألسرى والذين اشتريتهم ،فعندما
أحرارا وشريفي المولد ومبجلين فال تتجنبهم – ال تعاملهم
ً يكون الناس
رقي ًقا وال ُت ْ
سئ إليهم ،بل عاملهم كأناس من رتبه دنيا وصلوا إليك هدايا
وليسوا عبيدً ا.
2 - 18و ُيسمح للعبيد باللجوء للتشريع( ،((12فيجوز لهم القيام بأى شيء
وكل شيء للعبد ،فالحقوق المشتركة للكائنات الحية تقول إن بعض
األشياء ال يمكن القيام لإلنسان(َ .((12
فمن الذي ال يكره فيديوس بولليو
Vedius Pollioأشد من كره عبيده له ،ألنه سمن ثعابينه بدم البشر ،وأمر
أن ُيلقى َمن ارتكبوا ً
بعضا من الجرم في بركة مملؤة بثعابين السمك
eels؟( ،((12لقد استحق هذا الرجل أن يموت ألف مرة ،سواء لتغذيته
للعبيد بالموريس moraysوهو ينوي إطعام الموريس بهم أو لتربية
ثعابين السمك بهدف إطعامهم بالطريقة نفسها.
( ((11يتبع سينيكا رأي الرواقية الرشيد بأن العبودية مجرد حالة مشروطة للنفس المادية :حيث إن
األشخاص المستعبدين لهم نفس الطبيعة العقلية لألحرار ،فهم رفقاؤنا بقدرة مكافئة للفضيلة
.Moral Epistles 47, On Favors 3.18–28
( ((12هذا لإلله أو لألمير ذاته ،لممارسة العبيد واآلخرين الذين يبتغون اللجوء أو القرب من تمثال
اإلمبراطور Pliny Epistles 10.74, Tacitus Annals 3.36.1, Suetonius Augustus 17.5,
.Tiberius 58
(121) ough a slave qua “animate tool” (cf. Aristotle Politics 1 ,253b27ff.
( ((12لالطالع على القصة انظر .On Anger 3.40.2n
86
3 - 18وقد ُيشار إلى السادة القساة كأهداف بغيضة ومكروهة في المجتمع
بأسره ،فأخطاء الملوك ولوثاتهم يتسع نطاقها ،وتنتقل الكراهية لهم عبر
األجيال ،فكم كان من األفضل أال ُيولد بدلاً من أن ُيحسب ممن يولدون
لقارعة الناس!
2 - 19فالملك وسيلة الطبيعة :و ُيدرك هذا األمر من الحيوانات األخرى خاصة
عند النحل( ،((12فغرفة ملكهم متسعة للغاية ،وفي مكان آمن من الخلية،
في المركز ،وال يرهق نفسه أثناء عمل اآلخرين ،وإذا ُفقد الملك ينهار
ينصبون أكثر من حاكم( ،((12ويسعون للعثور
المجتمع بأسره ،حيث ال ِّ
على أحد في المعركة هو األسمى ،وزد على ذلك أن الملك بارز في
صورة جسمه ويختلف عن اآلخرين في الحجم والروعة.
3 - 19ومن ثم فإنه يتفرد بالسمة عاليه ،في حين أن النحل سريع الغضب
(نظرا لقدراته الجسمية) وعنيف للغاية ،يخلف وراءه شوكته
ً للغاية
مفترسا
ً في لدغته ،والملك ليس له شوكة(((12؛ ألن الطبيعة ال تريده
(‘ ((12قانون الطبيعة’ نظام عقالني للعالم ،وهو كامن ،وبالتالي ال يكون خبي ًثا.
( ((12وصف شبيه النحل في األدب الالتيني بفرجيل Vergil ,Georgics 4.149ff ., esp. 210ff
في تكريسهم لحاكمهم ،حيث اقتبس سينيكا هذه العالقة بالفعل ( ،)§4.1وأخطأ اليونانيون
والرومانيون فكر ًّيا حين اعتقدوا أن ملكة النحل ٌ
ملك.
( ((12اختلف عن أرسطو الذي يقول إن كل خلية لها حكام عدة ،وتنهار إذا قلوا أو زادوا (History of
.)Animals 5.22 553b14–19
( ((12يختلف عن أرسطو الذي يرى أن ملك النحل له شوكة (حمة) ولكن ال يستعملها (History of
.)Animals 5.21 553b5–7
87
كثيرا ،وطرحت أسلحته جان ًبا ،ونزعتويسعى للعقاب الذي ُيكلف ً
أسلحة غضبه ،وهذا درس هائل للملوك العظماء؛ ألن الطريقة الطبيعية
ويقدم بالعمل على أصغر الصغيرة(((12 لتحمل اآلالم في مخلوقاته
تدرج مثاالت رائعة(.((12
5 - 19حتى لو كانت األمور كذلك ،فمسار الغضب ليس آمنًا ،فال يسعها
إال الشعور بالخوف بنفس قدر سعيها إلى تخويف اآلخرين( ((12وال
يسعها إال أن ُتبقي العين متيقظة حول كل يد ،وتتحفز للهجوم حتى لو
لم تتعرض للمطاردة ،فليس لديهم خالص آخر من الفزع ،فهل يتحمل
أحدٌ أن يعيش هذه الحياة حين يكون بمقدوره أن يمارس القوة القانونية
بال ضرر وهو آمن بطريقة تجلب العافية والمرح على كل جانب؟ من
الخطأ أن تعتقد أن الملك آمن حيث ال يوجد شيء بجانب الملك آمن،
وكي ُيرتب األمان يجب أن يتعهد كل جانب ويصنع الطرف اآلخر من
األمن.
88
6 - 19فما من حاجة لبناء القالع الرصينة أو تحصين التالل المنحدرة أو
تسوير جوانب الجبال لحماية النفس بسلسلة من الحصون واألبراج؛
فالعفو يضمن للملك أن يكون آمنًا في العراء ،وحب مواطنيه هو حصنه
الحصين الوحيد.
9 - 19وماذا بعد؟ أال يشغل مكا ًنا بقرب األرباب الذين يسلكون وفق طبائعهم
مستعملين قدرتهم اللطيفة والكريمة إلصالحنا؟ هذه هي الغاية المناسبة
والمثال األنسب :حيث ُتعتبر األعظم ألنك األفضل.
(130) This is the most textually troubled passage in the treatise. Most editors read some
version of “o ne ille cui contingit <ut> sibi quoque vivere debeat” (with Baehren’s
suppletion of ut and various choices in punctuation), but I can find in those words
no thought appropriate to the context, nor does any suggested alternative seem
convincing. The possibility of a more extensive lacuna after contingit cannot be
ruled out.
89
1 - 20وهناك سببان لألمير حتى ُيعاقب ،إذا انتقم لنفسه أو إذا انتقم لغيره،
وسوف أتناول الحالة األولى أول( ،((13إن من الصعب ضبط النفس
حين يرضى العقاب مظلمة شخصية أكبر من مسألة تهذيبية.
3 - 20فمثال هذا الرجل العظيم( ((13ليس كر ًما في كلفة اآلخر بل ُيعطي ما
يعطي لنفسه بعض الكلفة ،ولذا سوف أطبق اصطالح ‘العفو’ ليس
لرجل متساهل حيث مصيبة اآلخر محل خالف بل لرجل ال ينقلب حين
ينكدر ،والذي يعلم أن الروح العظيمة تستلزم التسامح من مكانة السلطة
األسمى ،وال شيء يسمو على األمير الذي ُأهين وأفلت من أن ُيعاقب.
90
وقدرة األمير في الحياة تعلو ً
أيضا على طلب الراحة ،وقدرته الواضحة
ً
أيضا على توكيد ألم غيره ،ويخص هذا التعليق المداهمات والغارات
التي يشنها األسافل؛ ألنه يرى أن الذين كانوا قرناءه صاروا اليوم أدنى
ٍ
كاف ،وحتى العبد يمكن أن يقتل الملك ،وكذلك منه ،وهذا تبرير
الثعبان والسهم ،ولتحافظ على حياة – ال ُيقام هذا إال برجل أعظم من
الذي آمنه.
2 - 21وكذلك المرء الذي لديه قدرة وهب الحياة وسلبها يستعمل هبة األرباب
العظمى بسمو ،ويصح هذا في حالة الرجال الذين ُيعرف أنهم يتمتعون
له(((13
بمجرد الحكم عليهم ،وقد تمتع بانتقام بمكانة عالية مساوية
كامل وحقق كل ما يتطلبه العقاب الحق ،فأن تدين بحياتك المرئ ما
العلى لينبطح عند قدم عدوه وينتظر
بمثابة ضياعها ،فعندما ُيلقى أحد من ُ
حكم اآلخر على حياته ومملكته تجلب حياته المجد لمخلصه ،حيث
يكتسب شهرة عريضة بتركه اآلخر دون أن يصيبه بدلاً من أن يمسحه من
أنموذجا أبد ًّيا لفضيلة اآلخر ،في حين أنه
ً على وجه البسيطة ،وهو يبقى
كان سيمر بلحظة قد تؤدي لالنتصار.
3 - 21والحقيقة إذا كانت مملكة اآلخر تأمن بترك مسؤوليته ،وإذا كان بإمكانه السيادة
التي سقطت منه ،فإن الرجل الذي يقنع بأنه لن يأخذ شيئًا سوى المجد من
انتصارا على انتصاره
ً ثمارا هائلة من الثناء ،ويساوي هذا
ملك مهزوم يجني ً
وشهادة بأن المرء عثر على المنتصر ليمتلك ال شيء جدير بالنصر.
4 - 21وينبغي على األمير أن يتعامل باعتدال مع مواطنيه سواء الحقير منهم أو
الوضيع ،وال يكترث إن كانت مسألتهم تافهة :فينبغي أن تدخر البعض
91
بسرور ،وتثير غضب آخرين بالعفة – عليك أن تسحب يدك كما تفعل
في المخلوقات الصغيرة التي تؤذيك إذا سحقتها .وأما في حالة الذين
يعتبرون عقاب المجتمع بأسره وحمايته بالمصالح ،فعليك أن تتحين
الفرصة لعمل بارز للعفو.
1 - 22دعونا ننتقل إلى أضرار أناس آخرين بغية لما يسعى إليه القانون في
تحقيق هذه األهداف الثالثة التي ينبغي لألمير أن يسعى إليها :سواء
تقويم الشخص المعاقب أو إصالح أي شخص بمعاقبته أم السماح
ألي منهم أن يعيش بأمان بمجرد أن ينزع الفاسدين من بينهم .وسوف
يسهل عليك أن ُت ِّ
قوم المخطئ نفسه بعقوبة أقل :فالمرء يدبر حياته بعناية
حين يتخلى عن شيء ما بأكمله ودون شائبة ،في حين ال يخجل أحدٌ
الحترام الذات الذي فقده تما ًما ،وعدم وجود ما تؤثر عليه العقوبة نوع
من اإلفالت منها.
ُ 3 - 22يرسي األمير ممارسات صالحة للمجتمع ويستأصل الرذائل إذا كان
صبورا عليها – ليس بموافقتها بل بتولي تعقبها دن قصد وبتفجيعها(،((13
ً
إن عفو الحاكم يجعل الناس يستحون من ارتكاب الخطأ .فإن ُعين
العقاب من رجل لطيف فهو مؤلم.
1 - 23وسوف ترى -عالوة على ذلك -أن الجرائم التي ُيعاقب عليها تلك
92
التي ارتكبت ،فقد خاط والدك( ((13رجالاً كثيرين في أجولة على مدار
خمس سنوات يفوق ما سمعناه في كل األزمنة السالفة مجمعة .كان
األطفال أقل جرأة في انتهاك الحرمات كما لو كان ال يوجد قانون يستر
الجريمة( ،((13وفضل الناس في الماضي البعيد الذين كانوا بعيدي النظر
وعلى دراية بطبيعة األشياء أن يتغافلوا الجريمة كما لو كان ال يمكن
تصورها أو لم يتوقعوا تلك الجرأة ،واألحرى كان معاقبتها ويروا من
ثم أنها يمكن أن ُترتكب .وهكذا جاءت مذابح القتل على طول الخط
مع القانون ،كما لفتت العقوبة انتباههم للفعل ،ووصل تفاني األبناء إلى
حضيضه بمجرد أن رأينا األجولة تزيد على الصلب(.((14
( ((13اإلمبراطور كالوديوس والد نيرون بالتبني ،حول عقاب قاتل أبيه انظر ،.On Anger 1.16.5n
وحول ولع كالوديوس بالعقاب وهو داللة على الوحشية والدموية .Suetonius Claudius 34.1
(139) Cicero On Behalf of Sextus Roscius 70 (a case of parricide.
( ((14كثير من أبناء الرومان قد ُعوقبوا أكثر من العبيد وغير المواطنين (.)cf. §26.1
( ((14ال يوجد دليل على حدوث هذه الحركة في السوناتو في زمن سينيكا ،وهنا استعمل سينيكا
حقيقيا على أي حال.
ًّ خياله ،وكان قلق الرومان تجاه عبيدهم
93
في العار لألمير عن تعدد الوفيات للطبيب ،واألفاضل من الناس يطيعون
ً
امرأ يعطي أوامره باعتدال.
2 - 25ولهذا السبب ينبغي أن نكره الوحشية؛ إنها تتخطى حدود العرف أولاً ،
وتتعدى حدود البشر ثان ًيا في البحث عن صور جديدة من العقاب
( ((14هذا وثيق الصلة بالحجة القائلة بأن الغضب على النقيض من طبيعتنا كبشر (–On Anger 1.5.2
،)3رغم أن مالحظات سينيكا التالية توضح أن القسوة التي يفكر فيها تتجاوز نوع الوحشية التي
يمارسها فاالريس وكاليجوال (.)On Anger 2.5 and 2.19.1n.
( ((14لالطالع على هذه الحادثة انظر .On Anger 3.17.1n
( ((14يلمح سينيكا إلى قتل اإلسكندر لصديقه كليتوس في حالة سكر .On Anger 3.17.1n
94
وفي استدعاء مواهب خاصة لتحلم بوسائل لمضاعفة األلم وإطالته،
في إحالل البؤس محل الشرور .وفي النهاية ُتختزل أفكارها المريضة
والكريهة إلى جنون مطلق :وقد تتحول القسوة إلى متعة ،ويصبح
ارتكاب القتل بهجة فعلية(.((14
5 - 25وبالطريقة نفسها ال يزعج مرض شخص بعينه حتى األسرة ،ولكن حين
يسبب الطاعون وفيات عدة يثير المجتمع ويقاتل ،كما يرفع الناس
أكفهم لألرباب الحقة .وإذا اشتعلت النيران في أحد المنازل أخمدتها
األسرة والجيران بالماء ،ولكن إذا ابتلعت النيران منازل عدة فال يمكن
إخمادها إال بجانب كبير من المدينة.
1 - 26وعندما يقسو البسطاء حتى العبيد ينتقمون ،فإنهم يواجهون مو ًتا محق ًقا
( ((14يفكر سينيكا في ‘المرض’ الحالة الكامنة خلف الغضب ،وهو ما يشخصه ‘بالهيمية ‘On Anger
.2.5; cf. 2.4.2 below
(146) Reading aversio, odia in place of eversio, †odiae† printed by Malaspina.
95
بالصلب ،فكل األمم والشعوب قد تعهدت بتدمير الحكام الطغاة سواء
عندما ُيعانون أو يتعرضون للتهديد ،وأحيا ًنا يستنهض حراس الطغاة
فيعاملونهم بغدر وشراسة ووحشية أو بأي طريقة شريرة دربهم عليها
شريرا؟ فال يظل
ً الطغاة ،فماذا يتوقع المرء من شخص علمه أن يكون
قابعا لفترة من الزمن أو يمضي سوء التصرف إلى مأربه الذي ينشده.
الشر ً
2 - 26وإن افترضنا أن القسوة آمنة ،فأي صنف من الممالك تتمتع بها؟ مدينة
تشبه المدينة التي استولى عليها بالحرب ،حيث ُترى الرهبة المضنية
على كل وجه :فأينما حللت ترى الحزن واالرتباك والرجفة ،وأينما
نظرت تدرك السعادة بالخوف ،ويتجه الناس للمآدب بصعوبة ،وحتى
الثملون يقبضون على ألسنتهم ،والواشون يفتشون عن أسباب لتوجيه
وأعدت األلعاب بنفقة كبيرة وفخامة ملكية ومجموعةالتهم(ُ ،((14
3 - 26أيتها األرباب الخيرة ،أي نوع من الشر البائس هذا – القتل والغضب
والبهجة في صليل القيود وتطاير رؤوس المواطنين وإراقة الدماء أينما
حللت ووضع اآلخرين في رحلة مخيفة في مرأى منكم(((14؟ كيف
يختلف نوع الحياة التي نعيشها لو كانت الدببة واألسود هم حكامنا،
وإن كانت الثعابين وكل الحيوانات المؤذية قد ُمنحت الهيمنة علينا؟
ً
وحوشا 4 - 26هذه المخلوقات مجردة من العقل ،وإدانتنا واتهامنا بكوننا
monstersيحرمها من إيذائها( ،((14ووجود النوع نفسه حتى بين
الحيوانات يجلب األمن ،بينما جنون وحشية اإلنسان ال يكبح من
96
مداهمة حتى أقرب الروابط ،إنه يتعامل مع ما له وغربائه على نحو
مختلف – ُيصبح أشد إثار ًة كلما طال أمده( -((15ومن ثم ينتقل من قتل
األفراد إلى تدمير قبائل بأكملهاُ ،يحاسبها بإظهار قوة إشعال النار في
المساكن وتجريف المدن القديمة ،يعتقد أنه لم ينجز مهمة القائد بأمر
قتل واحد أو اثنين ،بل يحكم بأن ينزل إلى رتبة جندي عام إذا لم تنتظر
جماعة بائسة بأكملها ضربة الجالد في آن(.((15
(150) The text is defective, and Gertz’s correction, translated here—“quo plus se exercitat,
<eo incitat>ior”—has the advantage of readily explaining the error (it presumes that
the scribe’s eye jumped from the end of exercitat to the middle of incitatior, thus
omitting the intervening text). But “more aroused” does not directly respond to the
preceding thought, which concerns savagery’s failure to draw a relevant distinction.
Did S. perhaps write “<eo caec>ior” (“becoming more random the longer it keeps
?)”at it
(151) Malaspina, following Mazzoli, posits a lacuna at this point, perhaps correctly. He
also suggests, less securely, that the lost material would have included the treatment
of Sulla promised at §12.3.
( ((15منح أكليل من أوراق البلوط لجندي أنقذ رفيقه في المعركة ،وذبح العدو ،وقبض على األرض
المتنازع عليها ،ومنح السوناتو مثل هذا الطوق ألوغسطوس ليمضي بالدرع الذهبية التي قد
يحتفي به في عفوه والفضائل األخرى (.)Res Gestae 34.2
97
98
الكتاب الثاني
99
100
لقد انتقلت للكتابة عن العفو للقيصر نيرون عاليه بتعليقى لك ،واسترقت 1 - 1
نفيسا
السمع باندهاش عندما قلت هذا ،ورويت بتعجب لآلخرين كال ًما ً
ومفعما بالحيوية ولطي ًفا للغاية والذي تفجر على نحو مفاجئ وعفوي بال
ً
كلفة ،يجعلك تفكر في كيف تتصارع خيريتك مع حظك الحسن.
ويقينًا أن نقرر اآلن الخير والحق ونطرد شهوة خيرات اآلخرين –مصدر 4 - 1
كل كرب ،-ومن المناسب استعادة الكمال األخالقي مع النية الخالصة
حاكما
ً ( ((15سكتوس أفرينيوس بوروس Sextus Afranius Burrusمن جنوب الغال ،أصبح
للحرس البرايتوري في عهد كالوديوس 51م وظل في المنصب حتى وفاته ،وكان مسؤولاً عن
توجيه نيرون في السنوات األولى من حكمه مع سينيكا ،وكان الشخص الوحيد المسموح له
مسلحا لسلطة اإلمبراطور
ً بحمل السيف في حضور اإلمبراطور ،وكان الحاكم الرايتوري امتدا ًدا
()Millar 1977:123
(“ ((15العصر الذهبي” هو زمن عدن عندما عاش البشر في سالم ووئام مدعومين بالطبيعة المثمرة
تلقائيًّا ،ويرجع تخيل العصر الذهبي في األدب الالتيني إلى ،Vergil Eclogue 4وكون نيرون
ضمانة لعصر ذهبي جديد فهو ‘تنبأ’ بألوهية كالوديوس .Apocolocyntosis 4.1.8–9
101
واالعتدال جن ًبا بجنب؛ ألن الرذائل استطالت بجور وأثمرت في النهاية
عصرا سعيدً ا َّ
وضاء. ً
ونأمل أن يتحقق هذا يا قيصر بإيمان جزل ،وسوف يصل لطف روحك 1 - 2
وينتشر في ربوع سلطاننا( ،((15وسوف ُيحبك كل شيء على شاكلتك،
وسوف تبدأ العافية من الرأس ،وسوف ُيمأل العقل بالحياة أو ُتفعم
بالحيوية كل األشياء المرهقة ،وسيكون هناك مواطنون ،وسوف يكونوا
موالين جديرين بهذه الخيرية ،وسوف ُيستعاد السلوك القويم لكل ربوع
العالم ،وسوف ترفع يدك لتجازى في أي مكان تملكه.
اسمح لى أن أستطرد قليلاً في عبارة لك ليس تمل ًقا ألذنيك (هذا 2 - 2
ليس طريقىُ ،
وأفضل أن أخبرك الحقيقة بدلاً من أن أمنحك متعة وأنا
متزلف) ،ولكن ما غايتي إ َذنْ ؟ أن أوقفك على أن تكون على دراية
بأعمالك الخيرة وأقوالك بقدر الممكن ،لذا ربما قد ُتقبل على ما تفعله
اآلن بدافع االندفاع الفطري ،إنني أفكر في األمر :كلمات كثيرة تبدو
عظيمة بل مقيتة وقد شقت طريقها بين الرجال وصارت مشهورة بكونها
على شفاه الجميع ،مثل قول “دعهم يكرهوا شريطة أن يخافوا” ،وهناك
امرؤ قائلاً “ :بعد موتي قد ُتلعن األرض
نظم يوناني يشبه هذا يتحدث به ٌ
بالنار” ،وأشياء من هذا القبيل(.((15
-رجع المترجم من الالتينية إلى Hosius’s omne imperii corpus (for the archetype’s ( ((15
corrupt omne imne imperii corpus), against Rossbach’s per omne immane
imperii corpus, printed by Malaspina. S. uses immane only with deeply negative
connotations (e.g., §2.3 below, “monstrous [immani] and hateful [invisa]”), and
.it is hardly likely to be used here
( ((15سبق ذكر أن الشطرة األولى من أكيوس أتريوس .at 1.12.4والثانية من تراجيديا يونانية مجهولة
( ،)TGrF 2, frag. 513وقد كشف عنها ( )Cassius Dio 58.23.4عندما استعملها شخص ما
حي” Suetonius Nero 38.1 في محادثة ،وأولها نيرون بتعديلها بقول “ال ،بينما أنا ٌّ
102
وقد عبرت فطنة البشر بطريقة ما أو بأخرى عن المشاعر القوية والعاطفية 3 - 2
نفسا ً
وبغيضا :فلم يصل إلى سمعي أن ً وحشيا
ًّ حين يكون الموضوع
خيرة ولطيفة تحض بقول متقد( ،((15فما النتيجة إ َذنْ ؟ عليك في بعض
وقسرا وترد ًدا للغاية -أن تكتب شيئًا ما
ً نادرا
األمور -وإن كان هذا ً
يجعلك تكره أنه بمقدورك أن تكتب ،حيث يجب أن تفعلها كما تفعلها
ٍ
بتوان شديد وإرجاء كثير.
ولن يغطي التعريف التالي كل حالة ،ولكنه يقترب من الحقيقة تقري ًبا 2 - 3
وهو أن “العفو اعتدال يقلص الفعل والعقاب المستحق إلى حد ما”،
عما يفعل!”( ،((15ومن ً
اعتراضا“ :ال توجد فضيلة ألي أحد تقل َّ ونتوقع
ثم يفهم الكل أن العفو يعوق ذاته باختزال ما يمكن تعيينه باستحقاق.
ويعتقد الجاهل أن الصرامة مضادة للعفو ،ولكن ال توجد فضيلة عكس 1 - 4
( ((15يبدو أن مالحظة نيرون محل الثناء عاليه تفي بالمعيار؛ لذلك يضحي سينيكا باالتساق أو الدقة
ألجل عبارة ملفتة لالنتباه .On Anger 2.8.3n
( ((15يستعمل سينيكا المجاز وأسلوب اإلسقاط ،formula excidereويشير إلى قضية مفقودة في
القانون بإدخال خاطئ أو سوء صياغة (.)cf. OLD s.v. formula 6c
( ((15هذا األمر عصيب لسينيكا وقد تناوله في الفقرة 7أدناه قبل بدء النص مباشرة ،وانظر ً
أيضا see
.also 6.3nحول تضمين هذه المؤهالت باعتبارها درجات ‘أو نس ًبا مستح ًّقا .’due proportion
103
أي شيء آخر ،إ َذنْ ما الذي يضاد العفو؟ القسوة ،وما هي إال فظاظة
العقل في فرض العقاب ،وقد يعترض أحدهم “ بل بعض الناس ال
يفرضون عقا ًبا وهم قساة – على سبيل المثال الذين يقتلون الغرباء الذين
يتخطون دروبهم ال ألجل االكتساب بل ألجل القتل ،والحقيقة أنهم
ال يكتفون بالقتل بل يعذبونهم مثل بوسيريس Busirisوبروكوستيس
( Procustes((16والقراصنة الذين ضربوا أسراهم وحرقوهم أحياء”.
ضررا) وليس
ً ح ًّقا يبدو هذا قسوة ،بل ليس سع ًيا لالنتقام (ألنه ال يتكبد 2 - 4
غض ًبا ألفعال خاطئة (ألنه ال تسبقه جريمة) إنه يقع خارج تعريفنا الذي
ُحدد بإفراط العقل في فرض العقاب ،ويمكننا القول :إن السلوك اآلخر
ليس قسوة بل بهيمية( ((16تنهل المتعة في الوحشية أو يمكن أن نطلق
عليه حماقة ،فهناك أنواع عدة للقسوة ،وما من توثيق أشد في تشخيصه
من ذاك الذي يصل إلى غاية قتل الناس وتمزيقهم إلى أجزاء.
سوف أطلق على الذين لديهم أسباب للعقاب أنهم ‘قساة’ ،ولكن لم 3 - 4
حدا للعقاب كما في حالة فاالريس ( Phalaris((16الذي ورد
يضعوا ًّ
أنه مارس وحشيته ليس ضد األبرياء فحسب بل ضد أي إنسان وأي
شيء يستحسنه المرء ،ويمكننا تحاشي الخلط ونستعمل هذا التعريف:
وهو أن القسوة هي ميل العقل نحو الفظاظة القصوى ،ويرفض العفو
هذه الصفة ويجبرها أن تبقى بعيدة عنه؛ ألنه بصرامته يأتلف العفو.
( ((16نموذجان للقسوة يقترنان هنا باألدب الالتيني :وهما بوروس ملك مصر الذي ضحى بالغرباء
أيضا بداماستيس لزيوس حتى قتله هيروكليس ،وبروكروستيس ( Procrustesالمعروف ً
Damastesأو بوليبيمون ) Polypemonقتله ثيسيوس بعد أن قبض عليه قاطع طريق في أتيكا
وعذبه ومدده على سرير وقطع أطرافه.
( ((16حول البهيمية feritasانظر .see 1.25.2n
( ((16على نقيض On Anger 2.5.1حيث إن فاالريس ليس مثالاً للقسوة بل للبهيمية التي نقاشناها
للتو.
104
ومن المناسب أن نسأل ما الشفقة ونحن بصدد هذا األمر؛ ألن معظم 4 - 4
ٍ
امرئ ميال للشفقة الناس يثنون عليها بوصفها فضيلة ،ويدَّ عون أن كل
إنسان خير .وهذه ً
أيضا رذيلة للعقل( .((16وتقترب كلتا الرذيلتين
-القسوة والشفقة -من العفو والصرامة ،وعلينا أن نتحاشاهما ،فنحن
ننزلق إلى القسوة ألنها تشبه الصرامة( ،((16بينما ننزلق إلى الشفقة ألنها
تشبه العفو ،والخلط في اتجاه الشفقة ينطوي على مخاطرة أقل ،والذين
يرتدون عن الحق يخطئون في كلتا الحالتين بالتساوي(.((16
وكما أن الدين يعتز باألرباب في حين تجرحهم الخرافات ،ولذا كل 1 - 5
الصالحين ُيظهرون العفو واللطف ويتحاشون الشفقة؛ ألنها زلة لروح
بائسة تنهار باالنفعال بمتاعب الناس( ،((16وبالتالي هو أكثر ألفة عند
األشرار :النساء العجائز والحمقاوات اللواتي يتحركن بالدموع ،فالشفقة
تنظر إلى حالة المرء فحسب وليس علتها والعفو يتوافق مع السبب.
إني أعلم أن الرواقيين يتمتعون بسوء السمعة بين الجهال لكونهم قساة 2 - 5
للغاية ،ولذا من غير المرجح أن يقدموا للملوك واألمراء نصيحة،
و ُينحى إليهم الالئمة في توكيدهم على أن الحكيم ال يشعر بالشفقة
( ((16هذا كانفعال وهو من وجهة نظر الرواقية رذيلة في حد ذاته انظر On Anger, introduction,
.section 2
(164) - Gertz’s supplement—“<per speciem enim severitatis in crudelitatem incidimus>,
per speciem clementiae in misericordiam”—is necessary, and the sense is clear.
( ((16هذا مختلف في الفكر الرواقي ،حيث إن كل الرذائل مثل كل الفضائل هي وحدة مطلقة ودون
درجات .cf. 1.5.3n
فنيا وهو كلمة speciesبمعنى صورة ذهنية أو انطباع impression اصطالحا ًّ
ً ( ((16يستعمل سينيكا
وهو يشير إلى إدراك تقييمي ينطلق من االنفعال عندما نقبل االنطباع باعتباره صوا ًبا (cf. On
.)Anger introduction, section 2 and 1.2.5n.وعن االنطباعات وعالقتها بالشفقة cf.
.1.1.4n. and §4 below
105
وال يغفر( ،((16وهذا التوكيد في حد ذاته ليس منص ًفا؛ ألن الرواقيين
ال يفسحون أملاً للخطأ اإلنساني ويحيلون أوجه القصور جميعها إلى
العقاب مباشرة.
وإن كان الحال كذلك ،فما الحكمة من ذلك؟ وهو أن يندفع الناس نحو 3 - 5
التخلي عن إنسانيتهم وتحرمهم من تقديم العون المتبادل وهو المالذ
اآلمن من المصيبة – لماذا ال ينبغي أن تكون مذمومة؟ ال ،فليست من
مدرسة أرق وألطف من الرواقية ،وال تزيد عنها في حبها لجنس البشر
نافعا وخدو ًما،
وانجذابها للخير العام ،لدرجة أن غايتها أن تكون ً
وال تنظر إلى اهتماماتها ذاتها كمدرسة بل في اهتمامات الناس على
المستوى الفردي والجمعي.
الشفقة محنة ناتجة عن انطباع بعدم سعادة اآلخرين أو حزن ينشأ 4 - 5
بمتاعب اآلخرين الذين يعتقد المرء أنهم يعانون وهم ال يستحقون هذا،
ولكن ال يصيب الحكيم محنة( ((16وعقله مبتهج ،وال يحدث له شيء
يضعه في محنة ،وزد على ذلك ،وال شيء يجذب اإلنسان بقدر الروح
العظيمة ،والروح ذاتها ال تكون عظيمة وموحشة في آن واحد.
فالكآبة تفسد عقولنا وتعزلها و ُتقبضها :وهذا ال يصيب الحكيم حتى 5 - 5
في ظل خسائره ،ويقاوم أي غضب في مصيبته فيرديه ويحطمه أمامه،
وهو ُيبقي على تعبيره هاد ًئا ثابتًا( ،((16وهو ما ال يستطيع فعله إذا أفسح
المجال للحزن.
( ((16تنسب وجهة النظر هذه إلى الرواقيين at SVF 3.640–41; cf. Cicero On Behalf of Murena
.62
( ((16لالطالع على المبدأ الرواقي األصيل انظر .cf., e.g., Cicero Tusculan Disputations 3.7f
( ((16هذه الصورة المتقدة لسقراط في ،On Anger 2.7.1ولم يحافظ كل الرواقيين على وجهة النظر الضارة
لال مباالة في المظهر والزينة انظر .the fragment of Epictetus preserved at Gellius 19.1
106
وأضف إلى ذلك حقيقة أن الحكيم بعيد النظر ولديه خطة للفعل جاهزة، 1 - 6
وال شيء جلي َّ
وضاء يأتي من شيء ما غامض ،فالحزن غير مناسب
لرؤية جوهر األشياء ومعرفة ما هو مفيد وتجنب المخاطر واالعتداد بما
هو عدل ،ولذلك ال يأسى الحكيم؛ ألن هذا يستلزم بؤس العقل.
ويفعل الحكيم كل األشياء األخرى التي يرغبها من يشعرون بالشفقة(((17
َ 2 - 6
ببهجة وعقل مطمئن ،ينجذب لدموع اآلخرين وال ينضم إليهم ،يمد
نوعا
يده للسفينة الغارقة ،وهو المالذ للمنفي ،والعملة للمحتاج -ليس ً
من اإلهانة يقدمه الذين يريدون أن ُيظهروا التعاطف مع بعضهم والذين
يشمئزون ممن يساعدونهم ويخافون أن يلمسوهم ،ولكن عملة يقيمها
إنسان آلخر من مصدر يتشاركون فيه( ،((17سيحرر االبن من الجواب
لدموع األم ويتراجع عن قيوده ،ويعفي المجالد من تدريباته(،((17
ويدفن جثة المجرم ،ولكن يفعل كل هذه األشياء بسكينة عقل وملمح
ثابت.
( ((17ترجمت كلمة voluntبكلمة يريدون بدلاً من كلمة أريد في المتن الذي أترجم منه.
(171) On Favors 2.13.2.
( ((17كان الرجل الذي ُيدرب في مدرسة المجالدين ( )ludusعادة عبدً ا ،ويؤدي به التدريب غال ًبا إلى
الموت في الحلبة.
( ((17عبارة “في تناسب الواجب” عبارة تتناول مسألة أساسية تتعلق بالعفو ،وإن كان العفو يسلتزم
مغفرة “ إلى حد ما” انظر عاليه 3.2بأي مبدأ عقالني نقرر درجة المغفرة؟ انظر أدناه 3.7
المقولة المذكورة تتوازن مع هذه الجملة ”-المتألمون بالحظ” -وهي ال عالقة لها بالعفو.
107
استطاعته ،فمتى يفضل استعمال قوته ومصادره في استعادة ما أطاح به
سوء الحظ؟ من المؤكد أن تعبيره غير منبوذ ،وال عقله ً
أيضا ،وإن كان
على مرأى من امرئ ُكسرت ساقه أو ُسحقت عظامه ،فإنه يدعم عجزه
لمن أصابتهم
بعكاز ،إنه يفعل الخير لكل َمن يستحق ،وينظر بعطف َ
المحنة مثل األرباب.
ً
أمراضا ،بل استجابات ( ((17على نقيض On Anger 2.2.5, 4.2حيث االبتسام والتثاؤب الال إرادي ليسا
طبيعية ،ويستعملها سينيكا قياسات مماثلة لتوضيح الهزة العقلية األولى كمقدمة لالنفعال.
( ((17هذا التماثل يتسم بالضعف؛ ألنه يشير إلى أن الحكيم ينظر إلى موت الغرباء بال اكثراث أو يعتبر
سوء حظ الغرباء غري ًبا عليه أو على أصدقائه.
(176) The translation reflects Hosius’s agedum, adopted as a stopgap where the archetype
read vacuam. (Malaspina obelizes vacuam and posits a lacuna, probably correctly.).
( ((17الصفح يعفي أو يتابع تقييم التخلي الذي أُجري في حين أن العفو -في مثال سينيكا -يشكل
فعل التقييم ذاته،.
108
هذا :إن المغفرة ُتمنح َ
لمن ينبغي أن ُيعاقب ،وال يفعل الحكيم شيئًا
ينبغي أال يفعله وال ينسى شيئًا ينبغي أن يفعله ،وبالتالي هو ال يحول
عقا ًبا ينبغي أن ُيفرض.
وتناسب هذه األفعال العفو ال المغفرة ،ويمارس العفو حرية الحكم: 3 - 7
حيث ال يجعل األحكام لصيغة بعينها بل وفق ما هو عدل وخير ،وبعيدً ا
عن اإلفراط ،و ُيقيم القيمة القضية بالقدر الذي تبتغيه ،وتضع األشياء
كلها ليس كما لو كانت تقل عما هو عدل ،بل كما لو كانت ما وصلت
إليه األحكام أعظم عدل( ،((17ولكن أن تغفر فإنك تتخلى عن عقاب
امرئ تقضي بأنه ينبغي عقابه .والمغفرة هي تقليص لعقاب مستحق.
وينجز العقل هذا في المقام األول :حيث يؤكد أن الذين يتخلون عنه ال
ُيعانون شيئًا آخر ،فهو أكمل من المغفرة وأعظم تشري ًفا.
109
وفى رأيي ،أن محك الجدل ينطوي على مسألة االصطالحات في حين 4 - 7
أن الجوهر مسألة اتفاق بالتوكيد ،وسوف يخفف الحكيم العقاب
بحاالت عدة ،وسوف يقي كثيرين ليست صفاتهم سليمة ولكنهم
قادرون على التقويم ،إنه يحاكي الفالحين األخيار الذين ال يعتنون
باألشجار التي تنمو مستقيمة فحسب ،بل يدعمون تلك التي اعوجت
فروعا أخرى خشية أن تتوقف عن النمو،
ً لسبب ما ليقيموها ،ويقلمون
ويخصبون التي أضعفتها التربة الفقيرة ،ويمنحون أشعة الشمس للتي
ُحجبت عنها ،لذلك يدرك الحكيم الشخصية التي يتعامل معها ونظامها
قوم ويقيم تشوهها.
وكيف ُي ِّ
110
المقد�س
َّ ت�أليه كالوديو�س
111
112
مناسبة الكتاب وغرضه
تُوفي اإلمبراطور كالوديوس في 13أكتوبر عام 54م عن عمر يناهز أربعة
وستين عا ًما ،والسبب المحتمل للوفاة هو السم ،رغم أن الك َّتاب القدامى اختلفوا
مهووسا
ً سمم ،ابتهج كثير من الناس بموت كالوديوس مع أنه لم يكن
الم ِّ
في هوية ُ
مثل سلفه كاليجوال ،فقد كان صعب المراس قاس ًيا ،وغير متو َّقع الفعل ،وبجانب
ٌ
أغراض لتعجيل زواله .وبغض النظر عن الطريقة التي هذا ُأحيط بحاشية كانت لها
تُوفي بها ،فإن المسؤولية المطلقة في موته تقع على عاتق أجربيانا Agrippina
آخر زوجاته األربع ،وهي امرأة تتمتع بسلطة إجرامية بائنة ،حيث أشارت على
كالوديوس بتبني نيرون ،ابنها من زيجة سابقة ،،وقد عضد هذا التبني من سلطة
بريتانيكوس Britannicusابن كالوديوس وزواجه من ميسالينا Messalina
سيئة السمعة عام 41م ،وأعطى للشاب والكهل رفقة التعاقب ،ولكن مسيرة نيرون
سريعا وحانت وفاة كالوديوس بشكل مثير للريبة ،في آن ُحرم فيه
ً مضت قد ًما
بريتانيكوس من منح توجا الشجاعة ،toga of manhoodوحرصت أجربيانا
بمجرد خروج كالوديوس من الطريق بمعاونة مستشارين موثوق بهم على تولي
(وسمم عام ،55ولم يدم بريتانيكوس
نيرون -وليس بريتانيكوس -زمام األمور ُ
) ،وقد أُعلن كالوديوس إلهًا من السوناتو بعد وفاته بفترة التعيس مع والده
قصيرة – وهذه الخطوة عززت مكانة الشاب نيرون.
113
لم تكن عالقة سينيكا بكالوديوس حميدة :حيث كان مسؤولاً عن نفيه،
معلما لنيرون
ً وحتى بعد أن عاد من النفي بقي بعيدً ا ،وعلى النقيض فقد كان
الشاب ،وكانت أجربيانا حليفةً له ،وقد أعانها سينيكا على ضمانة خالفة نيرون،
وسرعان ما صار حاكمًا لإلمبراطورية ،ويتقاسم السلطان مع بوروس Burrus
ويوالي الحرس البرايتوري (كتب خطاب موت كالوديوس لنيرون) ،لذا َّ
مكن
وضع سينيكا من أن يجد يوم 13أكتوبر يو ًما سعيدً ا بالفعل.
العنوان والمؤلف
ذكر معلق قديم واحد فقط -هو كاسيوس ديو بعد مضي أكثر من قرن -كتاب
سبب للتشكيك في المؤلف،
ٌ سينيكا عن موت كالوديوس وتأليهه ،وليس لدينا
فالمخطوط المعروف ينسب العمل له ،مع أن أقدم مخطوطة للكتاب ترجع إلى
القرن التاسع الميالدي ،وتأيد االعتبارات األسلوبية إجماع اآلراء ،ألن ِّ
الشعر في
القسم السابع والثاني عشر يكشف العالقة الوطيدة بالبيان واالستعمال الموزون
في تراجيديا سينيكا ،والحجة الوحيدة التي تنفي أن العمل من أعمال سينيكا هي
الرأى القائل بأن الفيلسوف الحاذق ال يبتهج أو يحقد ،ومع ذلك كان سينيكا رجلاً
معقدً ا للغاية ،ومن الصعب أن تتساير معتقداته الفلسفية مع حياته.
إن ديو هو مَن أعطانا عنوان الكتاب ومحتواهَّ :
«ألف سينيكا كتا ًبا أطلق عليه
114
التأليه ،وإنه كما لو كان لبعض ملوك مؤلهين» ،ومن بين المخطوطات القديمة
عنوان «تأليه كالوديوس اإلله بالهجائية» ،والذي يبدو أنه وصف للفهرسة أكثر
من العنوان ،وعنونته مخطوطات أخرى «العزف على موت كالوديوس» ،وهو
استعمال سائد في العصر الوسيط ،ولذلك من األصوب أن نتبع ديو.
.’court slave
ومع ذلك ال نعول على هذا التراث في كتابنا الذي يرتبط بهجائية مختلفة
ترتبط بالكاتب الروماني مينيبوس Menippusفي القرن الثالث والكاتب الروماني
شائعا ،ولم َ
يبق من عمل ً فارو ) Varro (116– 27 BCEذلك النوع الذي كان
مينيبوس شيءٌ ،ولم يُنشر من عمل فارو إال جزء ضئيل – مع أن شيشرون قال
إنَّ فارو واحدً ا من الك َّتاب الموسوعيين حيث نشر 490كتا ًبا منها 150هجائية،
منتجا على األقل حتى زمن
ً و ُقلدت أعماله على نطاق واسع ،وظل هذا النوع
الكاتب اليوناني لوكان Lucianفي القرن الثاني الميالدي.
كان كالوديوس في سن المراهقة ُيرى على ما يرام عندما كان يجلس أو ال
قائما ،ولكن كان له صفات مثيرة لالشمئزاز ،ومنها الضحكة البغيضة ،وحب
يزال ً
الضرط العالي ،والسيالن الدائم لألنف ،وكان يحشر نفسه على مآدب الوالئم،
وحبه للمضاربة .وكان سينيكا أفضل من جريفز ألنه أهمل تركيز كالوديوس على
مسألة الجنس ،حيث سخر كالوديوس من الكتاب القدامى لتقويضهم الجنس
على الرجل والمرأة ،في حين أن الشذوذ كان هو السائد في روما في هذه الفترة
مع بعض القيود في بعض الطبقات االجتماعية السياسية.
كان كالوديوس قائدً ا كفؤً ا ،غزت روما في عهده بريطانيا ،وأدار شؤو ًنا
وعرف عنه اهتمامه باألعمال العامة ،شيد
عسكرية أخرى على نحو حسنُ ،
118
ً
عروضا وألعا ًبا شعبية – منها جانب من مجريين للماء وطر ًقا وقنوات عدةَّ ،
نظم
مسرح غريب يتصارع فيه هو مع حوت قاتل محاصر في ميناء أوستيا .وبجانب
البناء أعاد ترميم وتزيين المباني التي لها مكانة ،واهتم بشؤون المقاطعات ،ووسع
من المواطنة .ولكن سينيكا تغافل عن هذا أو تعامل معه بتجاهل ،وركز فحسب
على الحماقة.
أحب كالوديوس األمور القانونية ،ومدد جلسات المحاكمة ،وغال ًبا ما كان
يترأسها ،وقدم إصالحات مفيدة ،ولكن مصادرنا جميعها تتفق على أنه كان متدخلاً
وانتقاميا بشكل ملحوظ (ابتكر مزيدً ا من األشغال
ًّ ومتقل ًبا وغير مكترث بالشاهد
وهمش دور الباحثين القانونيين ،وحول سينيكا هذا األمر إلى مزح)،
للمحاميين َّ
كان شغو ًفا بإصدار مراسيم ال حدود لها؛ ففي إحدى المناسبات المعروفة صك
مرسو ًما يعلن فيه أن الضرط مفيد للصحة العامة .كان يحب مشاهدة العقوبات
القاسية ،حيث كان يبتكر في التعذيب بما يفوق المعيار الروماني.
120
مختصر
رغم أن كتابنا موجز إال أنه مركب ،لذا فإننا في حاجة إلى العمل قبل السؤال
عن كل ما يعنيه.
ويُأخذ كالوديوس إلى قاضي الجحيم أيكوس Aeacus؛ ألنه متهم بجرائم
قتل ال ُتحصى ،ولم يجد محام ًيا يدافع عنه ،ليفسد االدعاءات عليه ،ونجح االدعاء
وتناقش العقوبة :فهل يحل كالوديوس مكان سيزيف Sisyphusوتانتالوس
Tantalusأو إكسون Ixion؟ ال ،يجب أن ُتستنبط بعض المهام العقيمة التي
ناسبت حياته ،فقد أمر بلعب النرد ،وصندوق النرد مثقوب ،وقررت العقوبة بشكل
شاعري ،ثم يظهر جايوس قيصر(كاليجوال) ،ويطلب من كالوديوس أن يكون
قانونيا لتقديم االلتماسات لجايوس
ًّ عبده ،و ُلبيت رغبتهُ ،
وعين كالوديوس موظ ًفا
).Gaius’s freedman Menander (14-15
124
التأليه وآراء سينيكا الفلسفية
كيف يرتبط النص الذي نحن بصدده بالرواقية؟ وفقًا آلراء سينيكا الفلسفية
التي ُعبر عنها باتساق في بقية أعماله النثرية ،ينبغي لألخيار أن يولوا أهمية فحسب
إلرادتهم وأغراضهم األخالقية ،وأما األحداث الخارجية التي تكمن في مجال
موضوعا لتعلقنا المتحمس ،ولهذا السبب فإن الرواقي الذي
ً الصدفة فليست
أسباب للحزن والغضب والخوف أو حتى األمل؛ فكل هذه
ٌ يعيش ح ًّقا ليس لديه
األشياء تضلل العقل وهي تكمن في التعلق بعوارض الحياة .ويعترف سينيكا
مرارا بأن تطوره األخالقي غير مكتمل ،ولكن يقدم نفسه في كل مكان مناضلاً
ً
لتحقيق المعايير الرواقية ،وهذه القواعد رخصة للسخرية – ولكنها نوع مستقل
تنظر في الحمقى الذين يتعلقون عب ًثا باألشياء الخارجية (كما في الهجائية العاشرة
لجوفينال) ،وما الروح التي تحفز نصنا؟
ضليع
ٌ كيف يقدم المتحدث نفسه؟ وما نوع الجمهور الذي يخاطبه؟ إنه
في السياسة ،واالستعمال الساخر للمعاني التي تصادف جمهوره الضالع ً
أيضا
ٍ
امرئ له تجربته بالسياسة ،ويتطور االنطباع حين يخبرنا أنه تلقى القصة خفية من
مع غموض مجلس الشيوخ .فهو يتوقع أن يعرف جمهوره قصة صعود دروسيال
Drusillaالمزعومة ،وهي عينة من ال َّنم ِّ في عصر كاليجوال ،ويضع كل هذا
المتحدث وجمهوره مباشرة داخل العالم السياسي في ذلك الوقت بدلاً من أن
يبتعدوا عنه ،ويسخر المتحدث في الوقت نفسه من لغة التأريخ واحتجاجها على
الحقيقة خالية التحيز ،ويتوقع أن جمهوره على دراية بهذا النوع من الكتابة ً
أيضا
125
حتى لو ذهبوا للمزاح (والمزاح ما تجعله عاطفة وانحياز لكالوديوس و ُيقدم على
أنه حقيقة واضحة بسيطة ،أو يحتمل أن تكون كذلك).
والملحوظ من بين هذه المشاعر الجموح ،الجموح تجاه ماذا؟ تجاه أي
قيود على الصديق السياسي قبل كل شيء ،ويقدم المتحدث نفسه محتفلاً بنهاية
الطغيان الذي منعه من الحديث بحرية – مثل شخص يهتم بالسياسة والتغيرات
التي تجلبها ،وال تقول الرواقية الرشيدة «أعلم أنني قد عتقت من اليوم»..........
حر دو ًما ،وإمكان الحرية في أي شخص بغض
كما تصر الرواية على أن الحكيم ٌّ
النظر إلى الظروف ،وتعلمنا الرواقية أن حريتنا الحقة عقلية ،وال تعتمد على موت
أحمق بأي حال.
ثم نأتي لمسألة تاريخ « 13أكتوبر عام جديد لعصر السعادة العظمى» ،وهذا
تقسيم زمني للرواقية ،فالسعادة بملكنا في كل زمن ،ليس لها بداية وال نهاية ،ال
تبدأ بموت أحمق ومجيء القيصر نيرون ،كما تعبر األجزاء الجريئة في المفتتح
عن بعض االنفعاالت غير الرواقية في جو من الغضب والحقد واالحتفال ،لذا تعبر
هذه العبارة عن شعور ال يمكن أن يطلق سوى األمل .وترفض الرواقية االعتراف
باالنفعاالت؛ ألنها رفيقة الخوف ،فتجرع األمل من التوق لعوارض الحياة.
والعمل كما الحظنا قد تداول بعد فترة وجيزة من موت كالوديوس ،وما من
126
دليل على اإلطالق على أن العصر الذي دشنه هو ح ًّقا عصر سعادة (وبالطبع لم
يكن) ،فلتسميه التعلق بأشياء غير يقينية ،كما قلنا :هناك بعض أسباب للتفاؤل
وأيضًا أسباب عدة للخوف ،ربما يعبر المتحدث عن أمل سينيكا ورفيقه بوروس
من إمكان السيطرة على نيرون وأمه.
إن كتاب العفو الذي ُكتب في فترة كتابة هذا العمل يفترض االتجاه الرواقي
موقفًا تجاه مستقبل نيرون ،حيث يعطيه نصيحة أخالقية ويخول له األمر التباعها،
وهي ألاَّ تدع رفاهيتك تعتمد على اختياراتك .وفي هذا الكتاب على النقيض لم
نسمع نصيحة ُتعطى من موقف الثبات ،ولكن تكهن غير حصيف عن مستقبل كل
الرومانيين بما فيهم المتحدث ذاته ،وطابع من االحتفال عن هذا االحتمال ،وهذه
ليست مشاعر رواقية ،والحقيقة أن الرواقية تحث على التأمل المستمر لألشياء
الرديئة التي قد تحدث ،حتى ال نقع في فخ األمل بالتحديد.
إن مفتتح العمل يشير بالفعل إلى سيكولوجيا غير رواقية ،ونجد باالنتقال
إلى جسد النص قراءة رواقية أصيلة ساخرة :حيث معاملة كالوديوس الساخرة،
ومعاقبة إسقاطاته الخلقية والجسدية ،وطرد األرباب له ،ومحاكمته ومعاقبته،
لذلك أعتقد أنه بعد أن خاطب العمل في مفتتحه نيرون والتزامه بالمشاعر العامة،
رواقيا
ًّ تحول إلى سجل رواقي حقيقي ،ودعنا نتساءل ما االختالف لو كان العمل
ُق ًّحا؟
أولاً :إن الهجوم على كالوديوس مقتضب ،وكان لدينا شعور حسن من
سوء كالوديوس كمثال ،كما استعمل سينيكا جايوس قيصر (كاليجوال مثالاً في
كتاب عن الغضب) ،ولكن بعد ذلك نبتعد عن المشاعر األخالقية العامة ،وكان
كالوديوس هو محرك العمل على طوله ،وقصة العمل هي مفاجأة رفضه ،وانتباه
المتحدث لكالوديوس مفتون ومسحور ومشمئز -وهي مواقف مفهومة للمتحدث
127
والجمهور اللذين عاشا مع هذا الرجل سنوات عدة بائسة ،ومشاريعهم النادرة التي
أعاقتها حماقته ،وقتل أقاربهم لنزواته الظالمة ،وضياع حياتهم لقسوته وغبائه.
وبمقدورنا أن نتخيل هذه المشاعر في وقت يتغير فيه النظام ،وعندما يرحل قائد
ال يحظى بشعبية .والحقيقة أن معرفة هذه المشاعر هي طرف كبير لجعل النص ال
ً
مضحكا اآلن بعيدً ا عن لحظته التي ُكتب فيها. يزال
وما هو واضح أن المتعة التي يمنحها العمل لهذا التركيز المفتون هي غير
رواقية بالمرة ،وجمهورها َّ
مركب من أشخاص يهتمون بالسياسة – الذين يشعرون
بالكراهية واالشمئزاز والحزن على القتلى ،ويأملون في زمن أفضل قادم ،ويصور
سينيكا نفسه في أعماله الفلسفية على أنه رجل لديه ميل قوي للغضب ،وهو ما
يجب عليه أن يكافحه ليسيطر عليه ،ويصور نفسه في كتاب الغضب -المكتوب
43م حتى العظات األخالقية المكتوبة 64-63م -بأنه يواجه صعوبة في السيطرة
على انفعاله نحو اإلهانات والعمر وهلم جرا ،وال يشفيه تفحصه لذاته ،ويستمر
مبهجا للغضب
ً انفجارا
ً في النضال ضد االنفعال األساسي ،ونرى في كتاب التأليه
غير المقيد بأي تأمل رواقي ،ويغرس العمل ويلبي انفعاالت الغضب المتشابهة
في جمهوره.
ثانيًا :إن صورة األرباب في العمل ليست رواقية تمامًا ،وتصرف هيروكليس
وفيفير Feverمثير للسخرية -ولكن جوبتر ذاته منسي ومرتبك وقائد وحاكم
رديء ،وهذا غير مقبول ،وأقرب للكفر بما هو ممكن في العالم الرواقي ،حيث
يمثل زيوس (جوبتر) العقالنية الكاملة وأخالق الكمال.
ثال ًثا :إن المركز األخالقي هو كالم أغسطوس ،إنه جاد وإلهي ومعجب،
ولكن أي حالة من الذهنية كان عليها أوغسطوس كما ُصورت؟ إنه غاضب
حتى ال يستطيع أن يحتوي ذاته ،ويشعر بالخجل ً
أيضا :ويقول إنه يشعر بالخجل
128
أمام المنصب الذي صنعه بذاته عندما يرى أنه شغل منصب كالوديوس ،و ُيصور
الغضب والخجل كردود فعل مناسبة تما ًما لقتل كالوديوس أقارب أوغسطوس،
وسينيكا متورط ً
أيضا؛ ألن أحد قتلة يوليوس االثنين هو يوليا الذي اتهم باقتراف
جريمة الزنا ،والذي من أجله فقد حياته ،وسواء أكانت هي الحقيقة في القصة أم
ال ،فإن القراء يفترضون أن المؤلف غير مكترث لمصيرها.
خامسا :هناك تركيز لنوع من السعادة يركن إلى الصدفة ،وقد رأينا هذا التوكيد في
ً
129
المفتتح ،ولكن توضح صورة جنازة كالوديوس «أن الجميع مبتهجون وسعداء ،وأن
الرومانيين كانوا يتجولون كاألحرار» ،بالطبع يمكن أن يحتوي النص الرواقي على
مثل هذا السرد ،ولكن قد ُأتبع بتفكير عن خيالء اآلمال الدنيوية ،وإنكار أن ما كان
يختبره هؤالء الناس كان هو الحرية والسعادة الحقة (وهذه هي الطريقة التي تعمل
بها هجائية جوفينال السعادة الدنيوية ،فالهجائية العاشرة ثابتة في العمل الرواقي).
فكاهيا
ًّ وأخيرا :في قلب العمل تعبير مربك عن األمل ،وثناء شعري ليس
ً
لنيرون ،ومحاولة فهمه بهذه الطريقة تتعارض مع جمال ِّ
الشعر (الذي يعكس
صدى فرجيل في أنشودة الرعاة الرابعة ،ونبوءتها بالعصر الذهبي) ،والدليل
السياقي المسهب بأن األمل في مستقبل عظيم قد ُعبر عنه بفيض ومشاعر متقدة
في زمن تنصيب نيرون على العرش ،فمن بمقدوره أن يتحدث عن الحالة الذهنية
لحياة المؤلف الواقعية بما هي وهو يؤلف هذه السطور والتي يعلن فيها أبوللو أن
نيرون يساويه في الموهبة والجمال؟ وأ ًّيا كانت حالة الوصي الجديد على العرش،
فإن النص ذاته ُيعبر بجرأة عن أمل في حقبة سعادة وثقة في رجل قد ملكها في
سلطانه ليحققها ،في الوقت نفسه قد ُينظر إلى األمل في جمهوره المقصود على
أنه هش ،ويجب أن يكون األمل الهش ونيرون ذاته طر ًفا من هدف النص الرواقي
األصيل ،بدلاً من األمل الحقيقي والصورة المستقيمة كلية لفضائل نيرون.
ولنفرض أننا اآلن نفكر في الغضب واالشمئزاز في السياسة ،فغال ًبا ما
سنغضب من سياسيينا ،وغال ًبا ما سنشعر باالشمئزاز أو ننفر مما هو سياسي أو
مجموعة السياسيين ،ونحن نقول «مشمئز» و نرغب في القيء ،وهذان ردا فعل
متمايزان في األهمية ،ونركز في الغضب على الفعل أو األفعال الخاطئة ،ونقول
«ينبغي أال يحدث ،ويستحق المرء العقاب» ونعتزم التقويم أو تصويب التوازن،
وفي اشمئزازنا نقول« :يخ Yuckأخرجني من هنا» ،ونعتبر سياسيينا ملوثات قذرة
ونرغب في االبتعاد عنهم ،سواء بقذفهم على كومة قمامة أو – إن لم يمكن هذا-
إخراج أنفسنا من السياسة .واالشمئزاز في عالم السياسة يؤدي إلى النقاء ،وهذا ما
ال ُي ِّ
قدمه عالم السياسة.
131
وليس لالشمئزاز أصل نظري في الفكر اليوناني والروماني ،ولكن دراسة
روبرت كاستر Robert Kasterالهامة عن االشمئزاز fastidiumتمكننا من فهم
السمات المميزة لالشمئزاز الروماني ،حيث درس كاستر كل تكرارات المصطلح
وارتباطاته في الالتينية اإلمبراطورية والجمهورية ،ويرى كاستر أن المصطلح انت ُِفي
من مقولتين للتجربة االنفعالية مختلفتين تما ًما ،أحد نوعي االشمئزاز قد وصفته
للتو :حيث نفور قوي من فكر الملوث كما يشير كاستر والذي تدعم مادته حجج
علم النفس الحديث ،فاالشمئزاز لموضوعات أولية بعينها ولكن االستجابة نفسها
تمتد غال ًبا إلى الناس الذين ُينظر إليهم على أنهم غير مكترثين.
ومن ثم هذا الهجاء هو عمل لسينيكا يظهر فيه لنا التاريخ :حيث يقود التعقيد
والغموض والغمر والنفور السياسي المغالي المرء الذي أحب الفلسفة الرواقية
وصارع طوال حياته بوالء مزدوج ،وبالنظر إلى بذور التحيز الرواقي في العمل،
فإن سينيكا طلب الح ًقا أن ُيعفى من واجباته ولم يكن ذلك مفاجأة ،وكذلك
الطريقة الكريمة والسقراطية النتحاره في نهاية المطاف ،فال يزال الهجاء غار ًقا في
عالم ‘الخيرات الخارجية’ وهي تتحرك في هذا االتجاه.
133
134
شكر وتقدير
إنني مدين بالفضل إلى كاتلين كولمان ومارجريت جريفر ،وزمالئي
المحررين على التعليقات المفصلة ،وكذلك جيفري جارالند وكاترين كيرن
لمساعدتهما البحثية القيمة وأفكار جيدة عدة.
135
136
مزيد من القراءة
Eden, P. T. Seneca: Apocolocyntosis. Cambridge: Cambridge
Buchhandlung, 1923.
285–311.
Press, 2003.
137
———. Nero: The End of a Dynasty. London: Duckworth, 1974.
1961.
edition 2009.
138
Princeton, NJ: Princeton University Press, 2004.
of Seneca’s Apocolocyntosis,” in
Bartsch, S. and Wray, D., eds., Seneca and the Self. Cambridge:
139
140
ت�أليه كالوديو�س المق َّد�س
141
142
أود أن أسجل اإلشارات التي صدرت في السماء عن الثالث عشر من
أكتوبر( ((18في العام الجديد الذي بدأ فيه عصر للسعادة القصوى ،ولم أحمل
بغيضة لمحاباة أو حقد :بل الحقيقة الموضوعية فحسب ،وإن سألني امرؤ ومن
أين تحصلت على معلوماتي -قبل كل شيء ،إن لم أشعر بها فلن أجيب ،فمن
سيجبرني؟ أعلم أنني قد ُأعتقت من اللحظة التي قابل فيها نهايته -ذلك الرجل
حقيرا»،
ً حيا على القول المأثور «فالمرء قد يولد إما ً
ملكا وإما الذي كان دليلاً ًّ
مؤر ًخا وإن كنت أشعر بالرغبة في الرد ،فسوف أقول ما أرتضيه(َ ،((18
فمن طلب ِّ
مضطرا لتحديد مصدرى فاسأل الرجل
ًّ ليكشف مصادره؟ ولكن ال يزال ،وإن كنت
الذي شاهد دروسيال ( Drusilla((18وهو يصعد للسماء ،وسوف يقول الرجل
نفسه إن كالوديوس سلك الطريق ذاته ‘بخطوات غير متكافئة‘( .((18وسواء أكان
يريد ذلك أم ال ،فعليه أن يرى كل شيء يصعد للسماء ،حيث إنه مسؤول عن طريق
أبيان Appianالذي صعد فيه كل من أوغسطوس اإللهي والقيصر تيبيريوس إلى
143
سرا ،ولن ينطق بكلمة والناس
األلهة كما تعلمون .وإذا سألته ،فسوف يخبرك ًّ
حوله؛ ألنه بعد أن أقسم في السوناتو أنه رأى دروسيال يصعد إلى السماء -ورغم
هذه المعلومات المفيدة لم يصدقه أحد -فأقسم أنه لن يقول شيئًا مطل ًقا حتى لو
رأى.
الرجل الذي ُقتل في وسط المنتدى ،ماذا سمعت منه في هذا اليوم؟ سوف
أروي بمصداقية ووضوح – ويقينًا أتمنى له المعافاة والسعادة.
أعتقد أنك سوف تفهمني إذا قلت :إنه يوم الثالث عشر من أكتوبر ،وال
أستطيع أن أخبرك الساعة الدقيقة (فمن األيسر أن يقبل الفالسفة بما هو أكبر من
الساعات!) ولكن كانت ال تزال الساعة ما بين الظهيرة والواحدة بعد الظهر «وهذا
وقت فج للغاية ،وفكر في األسلوب األدبي :حيث ال تروق قناعة الشعراء في
وصف شروق الشمس وغروبها ،وهم يتطفلون في هذا الوقت على مآدب غدائنا،
144
فهل سيتفقدون هذه الساعة الجذابة؟».
مخرجا.
ً وتنفس كالوديوس ،ولكنه لم يجد
ومن ثم نحا ماركوري الذي كان سعيدا دوما بكالوديوس أحد األقدار
ِ
«أنت امرأة قاسية قح! لماذا تسمحين بتعذيب الرجل الفقير؟ الثالثة جان ًبا وقال:
أال تمنحيه راحة من معاناته؟ لقد قضى اآلن أربعة وستين عا ًما يناضل فيها مع
حياته ،لماذا تحقدين عليه وعلى الجمهورية؟ دعي للمنجمين حق التغيير ،لقد
إمبراطورا ،وليس من
ً كانوا يتوقعون وفاته كل عام– بل كل شهر ،منذ أن أصبح
عجب أن يخطئوا ،وألاَّ يبين أحدهم ساعته األخيرة ،فال أحد حتى يدرك أنه على
قيد الحياة ،فافعلي ما يجب القيام به:
وأجابت كلوثو« :عن طريق هيروكليس! أود أن أمنحه برهة زمن حتى يمنح
المواطنة آلخر المتشردين الباقيين» -ألنه قرر أن يرى كل اليونانيين والغاليين
واإلسبانيين والبريطانيين يلبسون التوجا (« toga((18وحيث إنك تحب اإلبقاء
( ((18انظر ،virgil Georgics 4.90واستشهد به في كتاب عن العفو :On Clemency 1.19.2حيث
تعليمات للنحال حول ما يفعله ذكر النحل الذي فقد السباق لقيادة الخلية (وكذلك يشكر فيرجيل
الملوك وليس الملكات الذين يحكمون مملكة النحل)
مثيرا للجدل في تمديده للمواطنة سواء منحه إياها لمجموعة مقاطعات أو ( ((18كان كالوديوس ً
ألفراد ،وقد ُيدفع بهذه السياسة من أسس عسكرية :حيث يمكن للمواطنين أن يخدموا في الفيالق.
145
على بعض األجانب لتربية الماشية ،وهذا ما تصر عليه ،فليكن ذلك» ،ومن ثم
صغيرا وأخرجت ثالثة مغازل «األول ألوجرينوس Augurinus
ً فتحت صندو ًقا
والثاني لبابا Babaوالثالث لكالوديوس( ،((18وقالت هؤالء الرجال الثالثة
قررت أن يموتوا في العام نفسه ،متوالين بدقائق معدودة ،فلن أرسله بعيدً ا دون
رفاق ،فليس من الصواب أن الرجل الذي اعتاد رؤية اآلالف يتابعونه ويسبقونه
ويلتفون حوله أن يغادر خلسة بمفرده ،إنه سيكون راض ًيا عن هذه الرفقة في هذه
اللحظة».
واضعا النهاية
ً القدر على مغزل قذر ،وينهشه
ُ َ
الغزل «ولذا هي تتكلم وينسج
لحياته الملكية البليدة ،ولكن الخيس تشد َشعرها الطويل ألعلى في عقدة عجيبة،
وتتوج جبينها بأكليل موسى والذي تملكه ،وتسحب من خصلة الثلج األبيض ً
خيطا
المعا ،من الصوف األبيض يوجهها بيد سعيدة ،كلما دارت به يتحول اللون بشكل
ً
ساحر ،وقفت أختها مندهشة :تحول الصوف الشائع فجأة إلى معدن ثمين ،وعلى
هذا الخيط الجميل يدور العصر الذهبي ،وبال نهاية ،يغزل جزة الصوف السعيدة،
وتملؤها أيديهم بفرح ،والعمل جميل ،والمهمة تسير بعجل دون جهد ،ويلف
الخيط الدقيق المغزل الدوار بيسر ،تجاوزت سنواته نيستور Nestorوتيثونوس
،Tithonusوكان فويبوس هناك ً
أيضا ،يعينهم ويغني ويسعد باألوقات المقبلة،
سهل عملهم ،وفي
وينتزع القيثارة اآلن ،ويساعد في الغزل ،ويسحرهم بصوته و ُي ِّ
حين يكيلون الثناء على قيثارة أخيهم وغنائه ،يدورون أكثر مما اعتادوا ،فثناؤهم
جعل عملهم يتجاوز فترة حياة اإلنسان الطبيعية ،ويقول أبوللو“ :أيتها األقدار،
ال تجعليه أقصر ،دعيه يحيا وراء سنوات الفانين ،فهذا الرجل يشبهني في النعمة
( ((18يرى إيدن Edenربما ذلك بداية قافية لحضانة ُص ِّم َم ْت لتعليم األطفال حروف الهجائية ،فأول
اسمين مختلقين فكلمة بابا Babaتوحي بالغباء ،وفي سياق كالوديوس تذكرنا بالعرج -وهو
اتصال مناسب.
146
والجمال ،وال تقل مهارته في الغناء ،إنه سوف يمنح سنوات سعيدة لشعبه المنهك،
إنه سوف يحطم الصمت الطويل للقوانين ،كما تبدد الزهرة ((18( Luciferالنجوم
بتحليقها السريع ،وكما تنهض نجوم الليل Hesperusعندما تعود إلى الليل ،أو
عندما ُيذوب احمرار الفجر الظالل ،ويبزغ النهار والشمس ،في روعته ينظر إلى
العالم ،وتسرع عربته من بوابة البداية :مثل اقتراب قيصر اآلن ،مثل نيرون اآلن
وكل روما تنظر إليه ،حيث يبرق وجهه المضيء بإشراق لطيف ،وتكشف رقبته
الجميلة جمال َشعره المتدلي”(.((18
وهذا ما قاله أبوللو ،ولكن الخيس منذ أن َض ُعف لهذا الرجل حسن المظهر،
انغمست فيه بسخاء ،ومنحت نيرون سنوات عدة من مخزونها ،أما بالنسبة
لكالوديوس فقد أخبروا الجميع باالحتفال والكلمات الميمونة لترسل له خارج
الباب(.((19
ظهورا لحياته
ً إنه ضحى بحياته( ،((19ومنذ هذه اللحظة كف عن أن يعطي
(وبالمناسبة توفي وهو يستمع إلى الممثلين الساخرين ،لذلك قد ال تجد سب ًبا
يخيفني منهم) ،وآخر كلماته ُسمعت بين البشر – بعد أن سمع صو ًتا عاليا من
جانب يسهل التواصل معه ،وقال« :أيتها السماوات ،أعتقد أنني حطمت نفسي»،
حسنًا ،ال أعرف هذا ،ولكن يقينًا قد حطم كل شيء.
ومن النافل أن تخبر عن األحداث الالحقة على األرض ،فأنت تعرفها تما ًما،
147
وما من خطر إلغفال فرحة العامة وقد دمغت ذكريات الناس ،وال أحد يغفل ما
يجعله سعيدً ا ،استمع اآلن إلى األعمال المتداولة في السماء ،ويتحمل َمن روى
لي مسؤولية دقة هذا التقرير.
جاء الرسول إلى جوبتر يخبره أن الرجل قد وصل ،وهو طويل القامة َ
وشعره
نوعا من التهديد ،ألنه ظل يهز جيئًة وذها ًبا ،ويسحب
أبيض للغاية ،وبدأ يختلق ً
قدمه اليمنى للخلف ،وقال الرسول إنه سأله عن البلد الذي جاء منه ،فتمتم الرجل
بشيء غير مفهوم ،فصوته مبحوح ،وكالمه مشوه ،ولم يستطع الرسول أن يسأله
ٍ
مكان مألوف. رومانيا أو من أي
ًّ يونانيا أو
ًّ عن اللغة التي يتحدثها ،فلم يكن
ومن ثم أمر جوبتر هيروكليس -الذي كان يتجول في أنحاء العالم ويبدو أنه كان
على دراية بكل بلدانه -بأن يكشف األصل القومي لهذا الرجل ،وكان هيروكليس
منزعجا من النظرة األولى له ،رغم أنه لم يعتد أن يستاء من المسوخ( ،((19وعندما
ً
رأى الوجه العجيب والمشية الغريبة ،وهذا الصوت – الذي بدا وكأنه ال يشبه شيئًا
لبيئة الحيوان ،ولكنه صنف لنوع من صوت نباح أجش ،والذي عادة ما يصدره
حصان البحر( -((19وفكر أن عمله الثالث عشر كان في يده ،وعندما تفحص
المخلوق جيدً ا ،وبدا وكأنه يشبه إنسا ًنا ،اقترب فوجده غال ًما من اليونان ،وقال:
َمن أنت؟ ومن أين؟ صف مدينتك وأهلك(((19؟
وابتهج كالوديوس ألنه وجد علماء كالسيكيين هناك ،وكان يأمل أن يقدروا
كتاباته التاريخية ،لذلك تحدث بسطر من هوميروس يدلل على أنه قيصر ،فقال:
( ((19ربما يقصد كما يرى إيدن “ الذي يخشى المسوخ في بعض المناسبات وليس على اإلطالق”.
ملموسا.
ً حرفيا “وحوش البحر ،”sea beastsولكن تتضح الفكرة أكثر إذا تخيل المرء مثالاً
ًّ (((19
( ((19انظر ( 1.170 Homer Odysseyمع تعديل واحد بسيط) ،ولكن نمط السؤال شائع عند
هوميروس.
148
من طروادة ،وألقت بي الريح على ساحل تراقيا( ،((19ولكن السطر التالي كان أكثر
صد ًقا ،وبالدرجة نفسها من هوميروس :وأنا سلبت المدينة ودمرت الناس(.((19
ووضع واحدة على هيروكليس لم تكن حادة للغاية ،إذ لم تكن فيفر Fever
هناك(( ((19حيث تخلت عن معبدها ،وجاءت مرافقة وحيدة لكالوديوس تاركة
وراءها كل األرباب اآلخرين في روما) وقالت« :األكاذيب وليس شيئًا سوى
األكاذيب ،تلك هي قصته ،وسوف أخبرك أنا الذي عشت معه سنوات عدة :إنه
وُلد في ليون ( ،Lyons((19وهو مواطن من مدينة موناتيوس ،وأخبرك بأنه ُولد على
بعد ستة عشر ميلاً من فيينا ( ،Vienne((19ومولود من أصل غالي (،Gaul((20
وفعل ما يجب على الغال فعله :لقد استولى على روما( ((20أنا أضمن لك أنه
وُلد في ليون حيث حكم لينيكوس Licinusلسنوات عدة ،ولكنك وأنت الذي
قد تجولت في األماكن أكثر من أي سائق بغل ينبغي أن تعرف طول المسافة من
( ((19انظر ،9.39 Odysseyأوديسا إلى ألكينوس ،Alcinoosحيث اتبع كل األباطرة ممارسة
يوليوس قيصر في المطالبة بنسب إينياس وأمير طروادة.
( ((19انظر 9.40 .Odysseyمع حذف الكلمة األولى من السطر “ إلى أسماروس .”to Ismarus
( ((19عرفت فيفر بأنها إلهة رومانية ،وكان لها ضريح في باالتين ،Palatineوكانت ماالريا Malaria
تهديدً ا عا ًّما في المنطقة ،ولهذا من المحتمل أن فيفر كانت تتصل باآللهة لهذا السبب ،لذلك
تقول “وأنا الذي عشت معه لسنوات عدة” ترتبط برجفة كالوديوس والحركات غير المنضبطة
للرعشة ،وارتجاج شخصية ماالريا.
( ((19ولد كالوديوس في لوجدينوم ( Lugdunumليون) في 1أغسطس 10ق.م ،كان أبوه دروسوس
في حملة ضد الجرمان ووالدته أنطونيا Antoniaترافقه.
( ((19هذه المدينة في غاليا ناربونينسيس Gallia Narbonensisمنافسه لليون -وضعت لتورية لفظية
تالية.
ً
وأيضا تعني ( ((20غاليوس جيرمانوس Gallus germanusتورية :وتعني جيرمانوس ‘أصيل’
جيرمانوس ‘جرماني’ تورية :وتعني جيرمانوس ’ أصيل’ ً
وأيضا تعني جيرمانوس ‘جرماني’ إشارة
إلى ميالد كالوديوس باعتباره ’ ’German Gaulفي أرض العدو.
( ((20استولى الغاليون على روما عام 390ق.م انظر تاكيتوس ،Tacitus ,Annals 11.24.9وأشار
كالوديوس إلى هذا الحدث في الكالم ،والمالحظ أنه يرجع إلى االقتباس من هوميروس في نهاية
الفصل الخامس.
149
زانثوس Xanthusإلى رون .((20(»Rhône
ٍ
بنبرة عالية يحكمها ،وال يفهم أحد وهنا اشتاط كالوديوس ،وتحدث بغضب
ما يقول ،وأعطى األمر لفيفر أن تعاقب ،واستعمل اإلشارة التي اعتاد استعمالها
لقطع رقبة الناس ،ويده ترتجف ،وتثبت بما فيه الكفاية لهذا الغرض فحسب ،وأمر
بقطع رقبتها ،فعليك أن تعتقد أن كل الناس كانوا ِحلاًّ له :فقليل من الناس أعاروه
اهتما ًما(.((20
ومن ثم قال هيروكليس« :استمع لي! وتوقف عن الحماقة ،لقد جئت إلى
مكان تمضغ فيه الفئران حتى الحديد( ،((20وأخبرني الحقيقة عاجلاً ،قبل أن
ملهما أصبح شخصية مأساوية وقال(:((20ً ُأخرج التفاهة منك» ،وليجعل نفسه
« ُبح بمدينة والدتك بال ٍ
توان ،أو أصدعك بهذه الهراوة َ
فتلق حتفك ،وغال ًبا ما تقتل
هذه الهراوة الملوك الجبابرة ،أرني صوتك وكالمك غير الواضح؟ ما عشيرتك؟
أخرج صوتك ،فذات مرة بحثت عن أرض
ْ وما وطنك؟ ارفع رأسك المنكس؟
بعيدة للملك ثالثة أضعاف ،ورعيت ماشية نبيل إلى مدينة أناخوس Inachusمن
البحر الغربي ،ورأيت جرفًا يظهر بين نهرين – يواجهه فويبوس دو ًما كلما صعد-
حيث يتدفق رون العظيم في سيل جارف ،والعرار the Ararمستغر ًبا أين يجد
( ((20زانثوس Xanthusهو نهر يتدفق عبر طروادة القديمة ،ويتدفق رون عبر ليون.
( ((20واصل كالوديوس االتجاه الذي بدأه سلفه ،حيث كلف العبيد المحررين بمهام زائدة ،ففي عام
48قد أصبح ناركيسوس وال ًيا للحرس ليوم واحد ،وكان الخدم يكافئون بالشرف مقارنة بما
يمنح أعضاء السوناتو ،فقد حصل ناركيسوس على ornamenta quaestoriaوباالس Pallas
على ( ornamenta praetorianومن المفارقات أن ُيكافأ القتراحه بأن المرأة الحرة تعمل مع
العبيد).
واضحا أنها للمزحة :فمثل هذا المكان يمكن
ً ( ((20كلمة ‘حتى’ ليست في النص الالتيني ،ولكن يبدو
أن تقرض فيه الفئران الصغيرة والكبيرة الحديد ،فهو مكان مهيب.
( ((20الكالم التالي محاكاة رائعة للتراجيديا ُكتبت بطريقة ،Latin iambic senariiومستوى الحوار
مقياس لتراجيديا سينيكا ،والتفعيلة والمفرادت قريبة من عمله Hercules Furens
150
مجراه ،ويغسل بصمت الضفاف بالمياه الضحلة الراكنة ،فهل هي هذه األرض
التي التقطت فيها أنفاسك األولى؟».
وقال هذه جرأة وقوة كافية :ولكن مع ذلك ُيروع من فطنته ويخشى “خرقة
من األزرق”( .((20وعندما رأى هيروكليس ما كان عليه الرجل ،تغافل عن تفاهته،
وأدرك أنه ال أحد في روما يساويه ،وأنه مات هنا ألنه ليس لديه النفوذ نفسه:
فالمتعجرف هو ملك على ركام حطامه( ،((20وهكذا بدأ يتكلم كاآلتي (بقدر
ما يمكن فهمه)« :هيروكليس أقوى األرباب ،كنت أتمنى أن تتحدث نيابة عني
في هذا الجمع ،وإن سألني أحد عن شاهد شخصي ،فسوف أذكرك أنت؛ ألنك
تعرفني تما ًما ،وإن كنت تفكر في العودة فسوف تتذكر أنني من سمعت الشكاوى
شهري يوليو وأغسطوس ،وأنت تعلم كم التهديدات
أمام معبدك طوال النهار في َ
علي تحملها ،واالستماع إلى محاميي المحكمة ليل نهار ،وإن كنت
التي كان َّ
قد مررت بهذه التجربة رغم أنها قوية للغاية ،لفضلت أن تنظف زرائب أيجين
كثيرا في التفاهة (( )((20ولكن منذ أن تمنيت.((20(...
:Augeanلقد أطلت ً
( ((20في اليونانية môrou plêgênوهي “ضرب األحمق” ،ويغير سينيكا العبارة التراجيدية الشائعة
على ضرب الرب ،بمعنى لطمة زيوس الصاعقة ،الستبدال كلمة أحمق môrosبكلمة رب .theos
( ((20قول مأثور ولكن يضاف إليه فكاهة :تورية على جالوس (كل من غال ومتعجرف) ،وإشارة إلى
كالوديوس الذي حول روما إلى كومة من الخراب.
( ((20كان العمل السادس لهيروكليس تنظيف إسطبل لثالثة آالف من ماشية الملك أوجايوس ،والتي
لم ينظفها لسنوات عدة ،وكم التفاهة المنسوب للمحامين له أبعاد هائلة ،والمزحة المضافة هي
أن كالوديوس بعيد عن تنظيف التفاهة ،وهو ذاته محطم كل شيء.
( ((20يجب أن تتضمن هذه الفجوة في المخطوطات نهاية خطاب كالوديوس ،بما في ذلك محاولة
عرضا لهيروكليس عندما يقول ً تطويع معونة هيروكليس في مشروع األلوهية ،ربما قدم
هيروكليس الح ًقا“ :هذا المنقار قريب من قلبي” ( -)mea res agiturومع ذلك قد تُفسر هذه
أوليا بتأليه
المالحظة بطريق آخر (انظر ادناه) حيث اقتحم االثنان منزل آلهة السوناتو ،وقدَّ ما طل ًبا ًّ
كالوديوس .ويرى فينريك Weinreichأن هذا كان وقتا مناس ًبا لمحاكاة ساخرة غير مترابطة
ونمط قديم لخطابات كالوديوس.
151
« ...ولست مندهشًا من أنك متهمٌ في ديوان السوناتو؛ ألنه ال شيء خارج
حدودك( ،((21وأخبرنا فحسب أي نوع من األرباب تتمنى أن ُيقبل ،ال يمكن أن
يكون الرب األبيقوري؛ ألن هذا النوع من األرباب ال ُيزعج نفسه وال يسبب لآلخرين
إزعاجا( ،((21هل هو اإلله الرواقي؟ كيف يمكن أن يكون؟ هل هو مدور مثل الكرة
ً
كما يقول فارو Varroبال رأس وال ُق ْل َفة؟ هناك شيء من إله الرواقية فيه ،وأرى
اآلن :أنه بال قلب وال رأس( ،»((21عن طريق هيروكليس ! إذا طلب هذا االمتياز
من ساتورن Saturnحيث يحتفل هذا اإلمبراطور الساتورني Saturnalicus
( princeps((21بشهر عطلة على مدار العام كله ،ولم يحصل عليه ،ولكن ينبغي أن
ٍ
ومعاد للغاية لكالوديوس. ( ((21ال يمكن تحديد المتحدث ،ولكن الواضح أنه قرأ مزيدً ا من الفلسفة،
( ((21منقولة من األقوال األولى ألبيقور .Epicurus’s Kuriai Doxaiوانظر ديوجين الالئرتي
.Diogenes Laertius X.139حيث اعتقد أبيقور أن اآللهة هادئة وغير منزعجة ،وليست في
حاجة للبشر ،وال تمتن لسخائهم ،وال تغضب من تجاهلهم ،ووف ًقا للرواية الكاملة التي قدمها
الشاعر الروماني لوكريتوس قد يقنعنا الكهنة بالخوف من اآللهة ،والعقاب الذي قد يصيبننا به،
ولكن يوضح الفهم العقالني للعالم أن هذه المخاوف بال أساس .وموطن الفكاهة هنا هو محاولة
مشيرا إلى أن اإلمبراطور له فلسفة مميزة ،ويكمنً إضفاء معنى فلسفي لسياسة عبادة اإلمبراطور،
موطن الفكاهة اآلخر في فكرة أن كالوديوس مثل اإلله األبيقوري المستقل الذي ال يهتم بالعقاب.
( ((21ترى الرواقية أن اإلله نظام أخالقي وعقالني متأصل في العالم كله ،وفي العظة األخالقية Moral
Epistle 41المشهورة لسينيكا يقول سينيكا« :على الناس أال ينحنوا أمام صور اإلنسان بل يبجلوا
العقالنية األخالقية التي في ذواتهم كما هي في العالم ككل» .وكان الرواقيون طبائعيين ً
أيضا
وكل جوانبهم للشخصية مادية ،لذا فإن محاولة فارو لوصف شكل األلوهية ليست سخيفة على
غامضا ،وعبارة “بال قلب وال رأس” ترجع على األرجح ً اإلطالق ،مع أن محتوى الوصف يبقى
إلى اعتقاد الرواقية في أن الحكيم يغرس ألوهيته التي تفتقر إلى االنفعاالت –مع أن هذا مؤكد،
حيث إن الرواقيين يضعون األخالق والعقل واالنفعاالت في القلب .وربما يشير االفتقار إلى
الرأس افتقار اإلله إلى الخصوصية التاريخية وكذلك التحيز :حيث تحث التدريبات العقلية
الرواقية غال ًبا الطالب على أن يتشاكلوا مع العالم ،وأن يفكروا في ذواتهم ككل مترابط وليس
كأجزاء .وإن فكاهة التفكير في كالوديوس على أنه إله رواقي على نفس الدرجة في حالة اإلله
األبيقوري؛ ألن كالوديوس ليس مثالاً لألخالق الكاملة العقالنية واإلنصاف والخلو من االنفعال.
مولعا ب Saturnaliaويمدد ً ( Saturnalicus princeps ((21تعبير جديد حيث كان كالوديوس
فترته ويلتحق باالحتفاالت بحماس ،ولكنه كان من نوعية الحكام الذين يحولون األشياء ،ففي
عهده كله كان Saturnaliaغير عقالني ومسر ًفا.
152
ندخله في رفقة اآللهة – ناهيك عن جوبتر الذي أدانه بالسفاح! ألن كالوديوس قتل
صهره سيالنوس ‘ Silanusلماذا ،أنا أسألك؟’ ألنه كان لديه أخت أشد إثارة من
الشابات ،وأطلق عليها الجميع فينوس ،Venusولكنه فَضَّل أن يطلق عليها جونو
( ،Juno((21وأنت تقول لماذا أخته؟ ‘أحب أن أعرف’ ،اسمع يا غبي :يمكنك أن
تقطع ً
شوطا في أثينا ،ولكن يمكنك أن تقضي كل الوقت في اإلسكندرية( ،((21وأنت
تقول « :ولكن بما أنك في روما ،فإنك مطالب بتدريب على التقشف»( ((21هل هو
ماض لتقويم الفوضى لنا؟ إنه ال يعرف حتى ما يجري في غرفة نومه ،فرأسه ح ًّقا في
ٍ
السحب(.((21
«يريد أن يكون إلهًا؟ فال يكفي أن يكون لديه معبد في بريتين (Britain((21
L. Junius ( ((21كانت جونو Junoأخت جوبتر ورزوجته ،وجونيوس سيالنوس توركيوتوس
Silanus Torquatusالحفيد األكبر ألغسطوس ،خطبه كالوديوس البنته أوكتافيا ،ولكن قررت
أجربيانا أنه من الصالح أن تتزوج أوكتافيا نيرون ،لذلك كان عليها أن تتخلص من سيالنوس ،ثم
فتنت سيالنوس بأخته جونيا كالفينا Junia Calvinaواتهمتهم بسفاح المحارم ،وأدانه السوناتو،
وانتحر في 49م في اليوم نفسه الذي تزوج فيه كالوديوس بأجربيانا ،ومن المفارقات في الموقف
برمته أن كالوديوس عم أجربيانا ،وهذا الزواج كان صاد ًما بالمعايير الرومانيية ناهيك عن أنه غير
قانوني بالمرة ،ويقول سويتونيوس Suetoniusإنه لفت االنتباه إلى جانب سفاح المحارم في
الصراع بوصفها ‘ابنة’ و‘مرضعة’.
( ((21يمكن ألبناء نفس األب في أثينا أن يتزوجوا وليس األبناء من نفس األم ،ولكن في اإلسكندرية
عند البطالمة شاع الزواج بين اإلخوة واألخوات كلهم.
حرفيا “ الفئران تلعق حجر الرحى” وهي عبارة غامضة ربما تدلل على التقشف ( يمكن لعق ًّ (((21
غبار الطحين من الرحى إن لم تتمكن من العثور على ما يكفيك من الطعام في أي مكان).
مشهورا بالفلك meteôriaحيث ينظر إلى الفضاء وال يالحظ شيئًا ،ولكن ً ( ((21كان كالوديوس
خاضعا
ً الفقرة تشير إلى الفقر الجنسي ،حيث ُعرف عن كالوديوس عاطفته للمرأة ،وبكونه
لزوجاته ،وربما تكون اإلشارة إلى المعرفة والسيطرة وليس نقص الرجولة ،وعُرف عن ميسالينا
كثرة العشاق حتى إنها تنافست يو ًما ما مع عاهرة في معاشرة أكبر عدد من الرجال في ليلة واحدة،
قانعا لفترة طويلة بإخالصها.
ومع ذلك كان كالوديوس ً
( - ((21في .(Colchester (Camulodunum
153
وأين يعبده المتوحشون ويصلون ‘ليواجه األحمق حين يحسن التصرف؟»(.((21
وأخيرًا بزغ نهار جوبتر( ((22حيث لم يكن يُسمح ألعضاء السوناتو أن يعبروا
عن آرائهم أو يعقدوا ً
نقاشا في وجود الغرباء في حجرة السوناتو ،وقال« :الزمالء
أعضاء السوناتو األعزاء( :((22لقد سمحت لك بعقد جلسة استماع ،ولكنك حولتها
إلى فوضى حقيقية ،أود أن تحترم قواعد حجرة مجلس السوناتو ،كيف يفكر فينا
(أى نوع من الموجودات هو)؟ هم يطلبون من كالوديوس المغادرة ،وأول َمن سأله
عن رأيه هو األب جانوس ( ،Janus((22لقد ُعين ليكون قنصل ما بعد الظهيرة ،ومن
المقرر أن تبدأ المدة من 1يوليو( -((22وهو رجل كان بإمكانه أن يرى «من الخلف
واألمام»( ((22حين يتعلق األمر بعمله ،وبسبب أنه عاش في المنتدى تحدث ببالغة
وإفراط ،ولم يستطع المختزل )((22(( stenographerمواكبته ،ولذلك فلن ُأدلي
كثيرا عن عظمة اآللهة:
بما قاله ،وال أرغب في وضع الكلمات في فمه ،فهو تحدث ً
إلها جعلته
ومثل هذا شرف لم ُيعط ألحد ،وقال « إن كان هناك شيء عظيم يصنع ً
اآلن سخرية زهيدة ( ،((22وهكذا بما أنني ال أرغب في صنع حجة مغالطة على
( ((21في اليونانية môrou euêlatou tucheinاإلنابة الثانية لألحمق؛ ألن كلمة إله هذه المرة في صيغة
مشتركة للصالة.
( ((22يُصور جوبتر على أنه مهمل وغير كفء مثل كالوديوس نفسه.
( ((22حرف ًّيا أعضاء مجلس السوناتو patres conscriptiوهي صيغة خطاب للسوناتو المجتمع.
مثاليا من اتجاهين.
( ((22جانوس إله األبواب والبوابات ويبدو ًّ
( ((22يسخر سينيكا من عادة الشرف قصيرة األجل لمنصب القنصل :ويبدو أن جانوس قنصل لفترة ما
بعد الظهيرة فقط ،ربما ليس لديه عمل على اإلطالق ،حيث إن مجلس السوناتو غال ًبا ما يتوقف
في منتصف النهار.
( ((22تستعمل العبارة الهوميرية في اليونانية لوصف ذكرى الرجال األقدمين من الماضي وإيحاء
المستقبل ،ويطبقها هنا على جانوس بالمعنى الحرفي.
( ((22نوتاريوس Notariusفي هذا التوقيت هو نظام اختزال ُطور لتسجيل األفعال اليومية للسوناتو
acta senatusوالذي بدأ العمل به 59ق.م بإشراف يوليوس قيصر.
( ((22كلمة Fabam mimumمسرحية الحبة “ « bean farceوكانت مسرحية هزلية مبتذلة للترفيه،
والمقصود بمعنى الحبة غير واضح ،ربما يوحي بتقديس الموتى ،وقد تُلمح الجانب النظري
لكالوديوس والجانب العملي للعجرفة.
154
إلها
الشخص ad hominem argumentسوف أمضي بعد هذا اليوم حتى ال أصنع ً
من ‘الذين يأكلون ثمرة األرض’ أو الذين تغذيهم ‘األرض الواهبة للحياة‘(،((22
إلها أو يقال عنه إنه إله أو يصور كذلك، ٍ
امرئ يناقض قرار السوناتو إما ُيصنع ً وأي
يجب أن نمنحه للشياطين ( ،((22أو نصارعه مع المتطوعين الجدد( ((22في ألعاب
المجالدة القادمة».
والتالي الذي طلب منه أن يعبر عن رأيه هو ديسبيتر Diespiterابن فيكا بوتا
( Vica Pota((23وكان قنصلاً منتخ ًبا ،ومراب ًيا للمال لزمن قصير ،واعتاد أن يكسب
عيشه ببيع وثائق المواطنة ،ومشى هيروكليس نحوه متود ًدا ولمس أذنه( ((23واقترح
االقتراح التالي« :حيث إن كالوديوس المؤله فيه قرابة دم ألوغسطس المؤله ،وال
يقل عن جدته المؤلهة أوجوستا ،Augustaوتأليهه أمر ،ويتجاوز كل البشر في
الحكمة ،ومن المصلحة الوطنية أن يكون هناك امرؤ بمقدوره أن ‘يلتهم اللفت
المبخر’ مع رومولوس ( ،Romulus((23واقترح بأن كالوديوس المؤله ينبغي أن
إلها من اليوم فصاعدً ا ،بالطريقة نفسها التي أصبح فيها أي شخص ً
إلها وفق يكون ً
أصول القانون ،ويُضاف هذا الحدث إلى تحوالت أوفيد Metamorphoses of
.((23(»Ovid
هناك كلمات عدة تُظهر أن كالوديوس هو الغالب؛ ألن هيروكليس رأى أن
155
قوته في النار تواصل التجول هنا وهناك قائلاً « ال تقاومني؛ فهذا المنجل قريب من
قلبي( ،((23وإن كنت تريد شيئًا يو ًما ما فسوف أرد الفضل ،وإن خدشت ظهري
فسوف أخدشك»(.((23
« هذا الرجل أعضاء السوناتو الموقرون ،الذي أنظر إليه على أنه ال تهابه ذبابة
( ((23ربما يرى كثيرون بسبب أن كالوديوس وعد هيروكليس مكافئة ليعينه ،ويكفي أن نتذكر أن هيروكليس
نفسه رجل تحول إلى إله ،فمن الطبيعي لديه مصلحة في مصير إنسان آخر يسعى إلى التأليه.
حرفيا”،تغسل يدي األخرى” .manus manum lavat ًّ (((23
(ُ ((23عرف أوغسطوس ببالغته ،وهذا الخطاب جاد تما ًما في األسلوب ،وقطعة خطابية مؤثرة.
( ((23يستعمل أوغسطوس اعتداله وتقديره المعروفين لكسب تعاطف الجمهور.
( ((23حرج اإلمبراطور “ Pudet imperiiإنني أخجل من منصبي في القيادة” -استعملها هنا لإلشارة
إلى الخالف الذي ابتدعه أوغسطوس نفسه :حيث المبدأ ،وقال هذه العبارة السياسي والجندي
البارز ميساال كورفينوس ) Messala Corvinus (64 BCE–8 CEوهو مجهول المكان ،ربما
وعزل بعد ستة أيام فقط ،ومن المرجح أنه رأى حاكماُ ،
ً يشير إلى مناسبة بعد أن عينه أوغسطوس
أن المنصب المسؤول عن شرطة المدينة َي ْع َم ُل بطريقة قمعية.
156
واعتاد أن يقتل البشر بسهولة مثل كالب جاثمة(((23
علي أن أقوله
،ماذا ينبغي َّ
وقت للحداد على كارثة المدينة ،وأركز على
لدي ٌ
عن الرجال األفاضل؟ فليس َّ
المصائب التي ار ُتكبت في حق عائلتي ،وسوف أتغافل عن السابق ،وأصف األمر
األخير ،وحتى لو لم يعرف كاحلي ذلك ،فأنا أعرف‘ :فالركبة أقرب للقلب من
عظمة الذقن’ (( ،)((24وهذا الرجل الذي تراه هناك بعد اختفاء سنوات عدة متغط ًيا
بأسمى(((24
أظهر اهتمامه لي امتنانه باآلتي ،فقد قتل الجوليتين وهم أحفادي
الكبار ،أحدهما بالسيف واآلخر بالجوع( ،((24وقتل حفيدي األكبر لوكيوس
سيالنوس – وسوف تحكم يا جوبتر فيما إذا كانت قضية ظالمة ،وعلى أي حال
هذا نفسه حدث لك إن كنت سوف تنظر إليه بإنصاف .أجبني يا كالوديوس
المؤله( :((24لماذا حكمت على الرجال والنساء الذين قتلتهم قبل أن تتفحص
جانبهم في القضية وقبل أن تسمع شهادتهم(((24؟ لماذا ُتدار األمور بهذه الكيفية؟
يقينًا ال تدار من السماء هكذا.
-11انظر إلى جوبتر الذي حكم لسنوات عدة ،والشيء الوحيد الذي فعله
( ((23إشارة أخرى للتغوط – وهذه إشارة مهذبة تمش ًيا مع النبرة العالية للكلمة تُقارن جرائم قتل
كالوديوس بقتل كلب ،ومن المفترض أنها تعني تلوث الجسم السياسي.
( ((24فقرة معطوبة وصعبة ،ولكن ربما يكون المعنى أن أوغسطوس يعرف شخصية كالوديوس من
خالل قتله ألقارب أوغسطوس.
( ((24أخذ كالوديوس كنية قيصر مثل أسالفه ،ويُخبرنا سويتونيوس أن قسمه المفضل هو “أقسم
بأوغسطوس” ،وهو يود التوكيد على التقارب المزعوم لسياسته مع سياسة الرجل العظيم.
( ((24األولى هي جوليا Juliaابنة دروسوس ابن تيبيريوس ،واألخرى جوليا ليفيال وهي ابنة
جيرمانيكوس ،Germanicusوكالهما تعرض لعداوة ميسالينا ،وهو ما دفع كالوديوس
إلدانتهما .وكما يرى سويتونيوس “أن التهمة غير واضحة ،وال يوجد فرصة للدفاع” ،لقد ذبحت
األولى ،وتوفيت الثانية في المنفى ،وكانت إحدى التهم الموجهة لجوليا ليفيال هي الزنا مع
سينيكا ،وذهب سينيكا إلى المنفى معها عام 41م.
( ((24مفارقة معقدة – مثل ديسبيتر رغم نواياه الساخرة والعدائية ،يشير أوغسطوس إلى كالوديوس
بأنه مؤله بالفعل ،وبالطبع هو كذلك.
( ((24وف ًقا لمصادرنا هي ممارسة شائعة لكالوديوس.
157
أنه كسر ساق فولكان Vulcanوركله بالقدم ،وألقاه من عتبة السماء( ،((24ومن ثم
غضب من زوجته وعلقها( ،((24لكنه لم يقتلها ،أليس كذلك؟ أما أنت فقد قتلت
كنت َع ًّما لها بقدر ما أنا لك عم ،هل تقول ‘ال أتذكر‘؟ ربما تلعنك
ميسالينا التي َ
اآللهة ،فعدم تذكرك لقتلها أمر مشين أكبر من القتل ذاته(.((24
«وأضف إلى هذا أنه لم يتوقف عن اضطهاد جايوس قيصر حتى بعد موته،
وكذلك كالوديوس قتل صهره( ،((24ورفض صهره(((24 فقد قتل جايوس
جايوس أن يُطلق على ابن كراسوس Crassusلقب ‘العظيم‘ ،وأعاد كالوديوس
له االسم ولكن أخذ رأسه( ،((25فقد قتل من أسرة واحدة كراسوس وبومبيوس
ماجنوس Pompeius Magnusوسكريبونيا ( – Scribonia((25وليست عشيرة
غبيا بما فيه الكفاية بالتحديد بل كلهم نبالء(((25
،وكان كراسوس في الحقيقة ًّ
فكان بمقدوره أن يكون ً
ملكا ،هذا هو الرجل الذي تريدون أن تؤلهوه اآلن!
158
«انظر إلى جسده الذي شكله غضب اآللهة منذ والدته ،حيث وضعته في
معا بسرعة فليأخذني عبدً ا
حجم صغير ،وإذا استطاع أن يجمع ثالث كلمات ً
إلها؟ و َمن سيؤمن به؟ وإذا أ َّلهتم أناس مثل هذا فلن يؤمن
فمن الذي سيعبده ً
لهَ ،
ِ
لنمض مباشرة إلى بكم أحدٌ باعتباركم آلهة .السادة أعضاء السوناتو الموقرون
أجب أحدً ا بقسوة انتقا ًما
ْ لب األمر :إذا كنت قد برأت نفسي بينكم ،وإذا كنت لم
لظلمي ،أقدم االقتراح التالي –وقرأ من من مفكرته« -حيث إن كالوديوس المؤله
قتل صهره أبيوس سيالنوس ( Appius Silanus((25وأبناء صهره بومبيوس
ماجنوس ولوكيوس سيالنوس وبنات صهره كراسوس فروجي Crassus Frugi
(رجل مثل هذا مثل حبتين بازالء في بؤجة) وبنات صهرته سكريبونيا ،وزوجته
ميسالينيا ،وغيرهم ممن يصعب ذكرهم ،فأقترح أنه ينبغي أن ُيعاقب بشدة ،وألاَّ
ُيمنح أي حصانة من القضاء ،وأن يتم ترحيله في أقرب وقت ممكن ،وأن يغادر
السماء خالل ثالثين يو ًما وأوليمبوس خالل ثالثة”.
مرروا االقتراح للتصويت ،وال تتوانوا ،واقبض عليه يا ماركوري ،وال ِو رقبته،
واسحبه إلى الجحيم من السماء ،ذلك المكان الذي يقولون ال أحد يعود منه(.((25
( ((25س .أبيوس إينيوس سيالنوس C. Appius Iunius Silanusوهو قنصل في عام 28م ،تزوج
دوميتيا Domitiaأم ميسالينا عن طريق كالوديوس ،وبعد أن استفزميساليا برفض تقدمها ،فقد
أخبرت هي وناركسوس كالوديوس بأنهما حلما بأن أبيوس يغتاله ،فأمر بقتله على الفور.
( Unde negant redire quemquam ((25سطر مشهور من قصيدة كاتيلليوس Catullusعن وفاة
عصفور ليسبيا ،)3.12( Lesbiaحيث يتصور الطائر الصغير بطريقة مأسوية ،وهو يقوم برحلة
قاتمة إلى العالم السفلي ،وعلى النقيض هنا فالسماء هي المكان “الذي يقولون ال يرجع منه
أحد” :فبمجرد أن يصل المرء إلى السماء ال يُلقى منها ،ومع ذلك فإن كالوديوس استثناء لهذه
القاعدة ،وهو مثل العصفور اآلن ،وهو في طريقه للعالم السفلي.
( ((25فيا سكرا أو الطريق المقدس Via Sacraهو الطريق الذي سوف يُحمل فيه رفات كالوديوس
من الباالتيوم على المنتدى ،حيث ُيلقي خطابه الجنائزي.
159
عما يجري لهذا الحشد الكبير من الناس :هل من الممكن أن يكون جنازة
كالوديوس؟ الحقيقة لقد ُرتب كل شيء ببذخ وروعة ،يمكنك أن ترى بوضوح
أنها جنازة إله( ،((25حشد ضخم ،وتجمع كبير لعازفي البوق ،والعازفون على كل
أدوات النحاس –حتى يسمعها كالوديوس .الجميع مبتهج وسعيد ،والرومانيون
يتجولون مثل األحرار ،وأجاثون Agathonوقليل من المحامين يبكون ،وكان
حزنهم عمي ًقا ،ويخرج علماء القانون من ظالل تبدو شاحبة وهازلة ،وبالكاد
يتنفسون ،كما لو كانوا يعودون للحياة في تلك اللحظة(.((25
وعندما رأى كالوديوس جنازته أدرك أنه مات ،حيث ُعزف اللحن الحزين
“بأغنية رائعة ورقص”(.((25
والطموا صدوركم
( ((25وصف كل مَن تاكيتوس وسويتونيوس طبيعة الجنازة الفخمة مقارنة بكالوديوس.
( ((25أسف المحامون ألوقات التقاضي التي كانوا يقضونها في عهد كالوديوس ألنها ولت .وعلماء
القانون الذين فسروا القانون نفسه ،والذين ُظلموا في عهد كالوديوس يأملون في رجوع كرامتهم
السالفة.
( ((25مصدرها في اليونانية غير واضح.
( ((25الديرج The dirgeفي الالتينة قصيدة ساخرة بلحن حزين ،وهي قصيدة كورالية مفضلة في
تراجيديا سينيكا ،والجناس أداة سينيكية شائعة ،وقد استُعمل هنا بطريقة ساخرة ،ويتضمن الديرج
هنا إنجازات حقيقية لكالوديوس ولكن لهجته ساخرة ،ليخلط الخير مع الشر والسخيف بحيث
ال يؤخذ على محمل الجد.
160
ودعوا المنتدى يرن بأصوات الحزن
وجه القوس
وبيد واثقة َّ
فاخترق العدو.
بخرق صغير.
رج المحيط
يبرئ قضاياه
احزنْ على القاضي الذي ِّ
أسرع من أي ٍ
قاض آخر
( ((26استعمل البريتون صبغة جافة داكنة تُسمى woadلتلوين عناصر متنوعة بما فيها الدروع.
161
يسمع من طرف واحد
ُ فأحيا ًنا
لم َ
يبق القاضي الذي يستمع الدعاوي
162
السفلي من البوابة بين التبر Tiberوالطريق المكفور ،وقد أخذ ناركسوس
وطيبها باالغتسال ،وجاء ليقابل الحر طري ًقا مختصرا وسبقه (((26
،ونظف نفسه َّ ً
كالوديوس ،وقال« :لماذا تتساقط اآللهة لزيارة البشر؟» وقال ماركوري« :اذهب
وأخبرهم أننا هنا».
( ((26ناركسوس Narcissusالرجل الحر القوي ،كان مرتبطًا بثقة بعهد كالوديوس ،وبالتالي كان هد ًفا
لعداء أجربيانا ،وخرج من المدينة للعالج من النقرس عندما ُقتل كالوديوس ،وأمر باالنتحار حين
عودته إلى روما ،وهنا يصل إلى العالم السفلي قبل كالوديوس؛ ألنه لم يتبع الطريق المنعطف
للسماء.
( ((26انظر .Odes 2.13.33 ff
( ((26استعمل في اليونانية طقوسًا عجيبة في عبادة إيزيس ،إنها تحيي باكتشاف ثور جديدُ ،يعتقد أنه
تجسيد جديد ألوزوريس ،وهكذا استُقبل كالوديوس الذي ُأقيمت له في التو جنازة على األرض،
وهو ُيحيى باعتباره مولو ًدا جديدً ا بين األموات.
163
أقصر منها حيث قطع رأسه(.((26
وأخيرا جاءت ابنة أخيه وابنة أخته وصهر أبنائه وصهره وصهرته
ً وكل المتميزين،
وكل أقاربه ،وجاءوا ص ًّفا الستقبال كالوديوس .وعندما رآهم كالوديوس ،صرخ
جميعا هنا؟» .فأجاب بيدو
ً قائلاً ‘ “ :العالم برمته مليء باألصدقاء‘( ((26كيف أنتم
بومبيوس(« :((26ماذا تقول ،أنت مثالاً للقسوة؟ تسأل كيف؟ ومن الذي أرسلنا
إلى هنا سوى أنت ،أنت قتلت كل أصدقائك ،ودعونا نذهب إلى المحكمة ،وهذه
المرة سأريكم منضدة المدعى عليه ومقعد القاضي».
( ((26كان منيستر ممثلاً وراقصًا يحظى بإعجاب كبير ،ومن سوء الحظ أنه جذب انتباه ميسالينا ،التي
طلبت من كالوديوس أن يأمره بأن يقضي كل ما أمرت به هي ،ويبدو أنه فشل في االمتثال ،وأمر
كالوديوس بإعدامه ،ويخبرنا تاكيتوس أنه خلع كل مالبسه ليظهر لإلمبراطور عالمات الضرب
الوحشي على جسده ،ويريه أنه ضحية للقوة ،وقال كالوديوس :ال يهم سواء أكانت المسألة نتيجة
إجبار أم اختيار -ومضى قد ًما في التنفيذ (.)Annals XI.36.1–3
( ((26الشذرة في اليونانية جزء من الكوميديا.
( ((26غير معروف.
( ((27قاضي العالم السفلي التقليدي ،بيده كل إجراءات محكمة العالم السفلي ،يلقي نظرة على
المؤسسات الرومانية المعروفة.
164
يترأس القضايا المرفوعة بموجب قانون القتل العمد( ،((27وطلب بيدو اإلذن
عضوا
ً بتوجيه التهمة ضد كالوديوس( ((27وتالوة االتهام :حيث قتل خمسة وثالثين
رومانيا وآخرين «مثلما ينثر حبيبات الرمال
ًّ فارسا
ً من السوناتو وواحدً ا وعشرين
أخيرا بوبليوس
ً وذرات الغبار»( ،((27لم يجد كالوديوس محام ًيا يمثله ،وظهر
فصيحا بلسان
ً بترونيوس Publius Petroniusصديق قديم له ،وكان رجلاً
كالوديان( ((27وطلب االستمرار ،فرفض ،وتال بومبيوس االتهام بهتاف جهور،
وبدأ محامي الدفاع محاولة نقاش صاحبه في القضية ،وأخبره أياكوس وهو رجل
منصف بأنه لن يستطيع ذلك ،وبعد سماع طرف واحد في القضية ،أدان كالوديوس
قائلاً :هل تعاني مما أصبت به اآلخرين ،سوف يقام القسط المستقيم(.((27
ودار نقاش طويل حول الجملة وما يجب أن يعانيه ،وهناك َمن قالوا إن
على فترات ،وإن تانتالوس سوف يموت من العطش ما لم سيزيف قد دفع له
( ((27أصدر القانون سولال the lex Cornelia de sicariisعام 81ق.م والذي ينص على عقوبة
اإلعدام على القتل أو الشروع فيه.
( ((27يمكن المقاضاة بأي مواطن.
( ((27انظر .Homer Iliad, 9.385
( ((27حاز بيترونيوس P. Petroniusعلى وظيفة متميزة ومعقولة حيث كان وال ًيا proconsulآلسيا
من ،30-29وليس هناك دليل آخر على أنه كان صدي ًقا لكالوديوس.
( ((27انظر في اليونانية Hesiod frag. 286 M–Wوهو استشهاد بقول مأثور ،والتركيز هنا على أن
كالوديوس يحصل على نوع العدالة المنحرفة التي قضى بها هو من قبل.
( ((27من المفترض أن العدالة قد تحولت إلى درجة عالية من الغموض في عهد كالوديوس ،حتى
بدت فكرة العدالة المتزنة والمتداولة غريبة.
( ((27ما هو معروف عن كالوديوس هو إجراء محاكمة دون سماع الطرفين.
165
يعنه أحد ،وفي مرحلة ما ينبغي أن يأخذ أكسيون Ixionالفقير المكبح الموضوع
على عجالته ،ولكن تقرر عدم إعطاء راحة للمتخاصمين القدامى ،خشية أن
يتوقع كالوديوس في مرحلة ما االعتبارات نفسها ،وعليه أن يحلم بنوع جديد من
العقاب ،فبعض المهام العقيمة تنطوي على أمل لغاية دون أي نتيجة ،ومن ثم أمره
أياكوس بلعب النرد باستعمال صندوق النرد المثقوب من األسفل.
وبالفعل بدأ كالوديوس بتعقب مكعبات النرد التي تسقط دو ًما ،وال يجدها
في أي مكان:
ويديم التخفي
166
وظهر جايوس قيصر غفلة ،وطلب من كالوديوس باعتباره عبده ،ودعا
الشهود الذين رأوه وهو يضرب كالوديوس بالسياط والعصي وكفوفه( ،((27و ُت ِل َي
حكم المحكمة :ومنحه أياكوس لجايوس قيصر ،وهو بدوره أعطاه لرجله الحر
ميناندر Menanderليكون كاتب قانونه المسؤول عن االلتماسات(.((28
( ((27تشهد عدة مصادر على السلوك القاسي لكاليجوال تجاه كالوديوس.
( ((28وينتهي األمر بكالوديوس الذي كان يعطي األحرار سلطا ًنا ًّ
فذا إلى أن يصبح خاد ًما بال سلطان
ووظيفة مملة.
167