You are on page 1of 12

‫‪1‬‬ ‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬

‫ما الرثوة املعنوية؟‬


‫ثوان‪...‬‬
‫ٍ‬ ‫في‬
‫بعد مرور �أكرث من ‪ 200‬عام على ن�شر «�آدم �سميث» كتابه‬
‫ال�شهري «ثروة الأمم»‪ ،‬بد�أ املف ّكرون والباحثون يف علوم‬ ‫يف العدد الثالث من �سل�سلة «كتاب يف دقائق»‬
‫االقت�صاد واالجتماع وعلم النف�س االجتماعي يد ّر�سون الرثوات‬ ‫ُي�شر ُفنا تلخي�ص كتاب علمي ت�أليف الدكتورة‬
‫املعنوية والنف�سية والقوة الناعمة اخلفية لل�شعوب والأمم‪،‬‬ ‫«جويتني مايرتا» برعاية �سمو ال�شيخ من�صور‬
‫وهم ُين ّقبون عن م�صادر ومنابع ال�سعادة‪ ،‬وعلى مدى العقود‬ ‫بن زايد �آل نهيان‪ ،‬نائب رئي�س جمل�س الوزراء‬
‫ووزير �ش�ؤون الرئا�سة‪ .‬الكتاب بعنوان‪« :‬زايد‪:‬‬
‫الأربعة املا�ضية حاول علما ُء النف�س واالجتماع وعلما ُء ال�سيا�سة‬
‫من التحدّي �إلى االحتاد»‪ ،‬وقد �صدر عن «الأر�شيف الوطني»‪ ،‬وب�إهداء‬
‫واخلرباء اال�سرتاتيجيون؛ الإجابة عن الكثري من الت�سا�ؤالت‬
‫َم َه َره ال�شيخ من�صور بقلمه حيث قال‪�« :‬أهدي هذا الكتاب �إلى روح والدي‬
‫التي طاملا راودت بني الب�شر لآالف ال�سنني‪ ،‬ويبدو �أنَّ الوقت قد‬ ‫ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل ثراه‪ ،‬تقدير ًا و�إعجاب ًا بقيادته‬
‫حان جلني ثمار جهود ه�ؤالء العلماء ومعرفة ما و�صلوا �إليه‪،‬‬ ‫ضال عن الإلهام الذي ُت َ�س ِّطره‬‫املتميزة و�إ�سهاماته املجيدة لبلده و�شعبه»‪.‬فف� ً‬
‫لندرك ون�ستلهم ما يعنيه مفهو ُم «الرثوة املعنوية للأمم»‪.‬‬ ‫لم�س القارئ �أن ال�شيخ زايد كان �سابق ًا لع�صره‪،‬‬ ‫�سري ُة الراحل العظيم‪َ ،‬ي ُ‬
‫حيث َح ِظ َي بتقدير ا�ستثنائي وتفوي�ض �شعبي بقيادة االحتاد لثالثة وثالثني‬
‫وح ٍي من روح‬ ‫عام ًا حافل ًة بالإجنازات‪ .‬وما زالت الإمارات ُتوا�صل م�سريتَها ِب ْ‬
‫من ال�سهل �إدراك مفهوم الرثوة املادية �إذا ما قورن مبفهوم‬
‫الع�صر وهي ُت ُ‬
‫�سابق الزمنَ وت�سري من جناح �إلى جناح‪.‬‬
‫الرثوة املعنوية‪ ،‬فالرثوة املادية هي الأموال واملمتلكات والأ�صول‬
‫واملوارد املادية املتاحة التي ميلكها الإن�سان �أو امل�ؤ�س�سة �أو‬ ‫تتلخ�ص ر�ؤية الكتاب يف �أنه تقع على اجليل احلايل من املث َّقفني الإماراتيني‬
‫املجتمع‪ ،‬وي�ستطيع الت�ص ُّرف فيها بالبيع �أو ال�شراء �أو اال�ستثمار �أو‬ ‫م�س�ؤولي ُة فهم تاريخ بالدهم‪ ،‬باالعتماد على م�صادر متنوعة لتكوين �صورة‬
‫خلال�صة لتوجزَ‬ ‫متكاملة عن التحديات التي قادت �إلى االحتاد‪ .‬وت�أتي ا ُ‬
‫اال�ستهالك‪ ،‬فما الرثوة املعنوية باملقابل؟‬
‫درا�س ًة فريد ًة اعتمدت على م�صدرين �أوليني و�أ�سا�سيني من امل�صادر‬
‫�أ�شار باحثون كثريون‪ ،‬ومنهم‪« :‬جيم�س كوملان»‪ ،‬و«روبرت بومتان»‪،‬‬ ‫الأر�شيفية هما‪ :‬املكتبة الربيطانية يف لندن والأر�شيف الوطني يف �أبوظبي‪،‬‬
‫و«فران�سي�س فوكوياما» �إلى �أهمية وحيوية الدور الذي يلعبه ر� ُأ�س‬ ‫حيث َع َر�ضت ت�سل�س ًال زمني ًا لثالث حمطات رئي�سة يف حياة املغفور له ال�شيخ‬
‫املال االجتماعي واملتم ّثل يف ال�شبكات والعالقات الإن�سانية وقدرة‬ ‫زايد ال�سيا�سية‪ ،‬منذ �أن كان ممث ًال حلاكم �أبوظبي يف العني‪ ،‬ثم حاكم ًا‬
‫�أع�ضاء املجتمع الواحد على العمل مع ًا؛ وت�أثري ذلك يف �صنع �سعادة‬ ‫لإمارة �أبوظبي‪َّ ،‬ثم رئي�س ًا للدولة‪.‬‬
‫الأفراد‪ ،‬وكذلك �سعادة وتالحم املجتمع‪ ،‬ومن هنا ميكن اكت�شاف‬ ‫ال�سعداء جمتمع ًا �سعيد ًا» يكاد‬
‫ويف كتاب‪« :‬الرثوة املعنوية للأمم‪ :‬كيف ي�صنع ُّ‬
‫�أوجه الت�شابه بني ر�أ�س املال املادي ور�أ�س املال االجتماعي‪ ،‬فكما‬ ‫م�ؤلفه «�شيجريو �أوي�شي» ُي ِّلخ�ص ما �أبدعه املغفور له ال�شيخ زايد يف رحلة‬
‫ُيع ُّد الدخل واالدخار والأ�صول م�صاد َر مالية‪ ،‬ميكننا �أن نع َّد‬ ‫بنائه لدولة الإمارات ال�سعيدة والقوية‪ .‬فبعد �أكرث من قرنني على �صدور كتاب‬
‫ال�صداقات‪ ،‬و�سلوكيات الت�سامح والتعاون وال�شبكات االجتماعية‬ ‫«ثروة الأمم» لآدم �سميث‪ ،‬بد�أ علما ُء النف�س واالجتماع واالقت�صاد يدر�سون‬
‫ومكت�سبات معنوية ي�ستخدمها النا�س لتخفيف‬
‫ٍ‬ ‫املرتابطة؛ موارد‬ ‫الرثوات املعنوية والنف�سية والقوة الناعمة للأمم‪ .‬ويف هذا ي�شري املف ِّكر‬
‫وط�أة الأزمات وحل امل�شكالت يف الأوقات الع�صيبة‪ ،‬وكما هي‬ ‫ال�شهري «فران�سي�س فوكوياما» �إلى الدور الذي يلعبه ر� ُأ�س املال االجتماعي‬
‫احلال يف اال�ستثمارات املالية‪ ،‬ميكن للأفراد واملجتمعات املحلية‬ ‫يف �صنع �سعادة الأفراد وتالحم املجتمع ككل‪ .‬حيث تلعب الثقافة والطاقة‬
‫ال�صغرية‪ ،‬والإقليمية الكبرية ا�ستثمار الوقت واجلهد واملبادرات‬ ‫الإيجابية وروح التعاون والت�آزر دور ًا حا�سم ًا يف ا�ستيعاب وتدوير وا�ستثمار‬
‫عقل الإن�سان ويقوده �إلى حيا ٍة � َ‬
‫أف�ضل‪.‬‬ ‫الرثوة املعنوية‪ ،‬ما ُيرثي َ‬
‫يف تكوين ال�صداقات‪ ،‬وبناء الأ�سر املتناغمة‪ ،‬واملجتمعات‬
‫امل�ستقرة‪ ،‬والعالقات الزوجية الناجحة‪.‬‬ ‫ويف ملخ�ص كتاب «ال�شبكة والفرا�شة‪ :‬طفرات التفكري بني الفن والتطبيق»‬
‫ُ‬
‫نكت�شف �أنَّ طفرات التفكري‬ ‫ٍّ‬
‫لكل من «�أوليفيا فوك�س كابني» و «يودا بوالك»‪،‬‬
‫مثل الفرا�شات‪ :‬جميلة و ُمل ِهمة‪ ،‬ولكن َي�ص ُعب الإم�ساك بها‪ .‬حاالت الإلهام‬
‫حتدث بالرتكيز واالجتهاد فقط‪ ،‬بل تت�ش َّكل بنمط ي�صعب تف�سريه‬ ‫اخلارقة ال ُ‬
‫�أو التنب�ؤ به‪ .‬نحن يف العادة َنت�ص َّور هذه اللحظات جم َّردمفاج�آت فكرية‬
‫خال�صة ال �سبيل �إلى جذبها‪ ،‬وك�أنها حتدث للمحظوظني واال�ستثنائيني فقط‪.‬‬
‫واحلقيقة �أنَّ ب�إمكاننا اختبار حلظات الفتح والتج ِّلي وحتويل املُل ِهمات �إلى‬
‫ومار�سات‪.‬‬ ‫م ِّكنات ُ‬ ‫َُ‬
‫جمال بن حويرب‬
‫المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬

‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬


‫‪2‬‬
‫ا�ستيعاب وتدوير وا�ستثمار الرثوة املعنوية‪ ،‬ومع‬ ‫�أطلق عليه «روبرت بومتان» ا�سم ر�أ�س املال‬ ‫تو�صل عامل االجتماع «مارك جرانوفيرت»‬
‫فقد َّ‬
‫�أنَّ «بومتان» مل ير ّكز كثري ًا على احلالة النف�سية‬ ‫االجتماعي يف حتويل الأ�صول املعنوية �إلى ثروات‬ ‫�إلى �أنَّ لدى �أ�صحاب �شبكات العالقات‬
‫يف حد ذاتها‪� ،‬إال �أ َّنه �أ�شار �إلى ما ُيرثي َ‬
‫عقل‬ ‫مادية‪َّ ،‬ثم رفع م�ستوى ال�سعادة يف املجتمعات‬ ‫الوا�سعة فر�ص ًا �أف�ضل للح�صول على وظائف‬
‫الإن�سان و ُيغ ّذي روحه من عالقات اجتماعية‪،‬‬ ‫املتناغمة واملتالحمة‪ ،‬فلي�س هناك �أدنى �شك‬ ‫متم ّيزة وذات �أجور ُمزية‪ ،‬مقارن ًة بذوي‬
‫�إ�ضافة �إلى م�ؤ ّثرات البيئة اخلارجية‪.‬‬ ‫يف �أنَّ ر�أ�س املال االجتماعي يلعب دور ًا مهم ًا يف‬ ‫العالقات ال�ض ّيقة‪ ،‬ولهذا ال�سبب ُي�سهم ما‬

‫فما الذي يرثي عقل الإن�سان وي�سهم يف �إيجابيته؟‬


‫�أو ًال‪ :‬الإميان بهدف‬
‫هناك من يرى �أنَّ الإميان بهدف �أو فكرة �أو مبد�أ �أو غاية‬
‫�إن�سانية �سامية‪ ،‬مييل يف حياته عموم ًا �إلى ال�شعور بالأمان‬
‫وال�سالم والطم�أنينة الداخلية‪ ،‬التي جتعله يت�ص َّور ويعي�ش من‬
‫�أجل مبادئ تع ُّد يف جمملها �أعلى و�أ�سمى و�أكرث تكام ًال وتوافق ًا‬
‫مع قوانني العامل من الإن�سان الفرد املج َّرد وحده‪� ،‬إذ يع ُّد �شعور‬
‫الإن�سان ب�أنَّ حلياته معنى �أو هدف ًا م� ّؤ�شر ًا قوي ًا على الرثاء‬
‫املعنوي‪ ،‬عالوة على اقرتاب العلماء من اختبار وتعريف وقيا�س‬
‫معنى احلياة والهدف‪ ،‬ويف درا�سة وا�سعة �أجرتها جمعية علم‬
‫تبي �أنَّ «الإميان‬‫النف�س الإيجابي لتحديد م�صادر ال�سعادة‪ّ ،‬‬
‫بغاية كربى ي�ش ّكل �أ َّول منابع ال�سعادة الأ�صيلة والأ�سا�سية‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املرونة‬


‫امل� ّؤ�شر الثاين للرثوة املعنوية والنف�سية هو املرونة التي يتمتَّع‬
‫بها الإن�سان فتو ّفر له طريقة �إيجابية للتك ُّيف مع التجارب‬
‫ال�صعبة وما بعدها‪� ،‬إال �أنَّ املرونة النف�سية ال تظهر �إال حني‬
‫يتع َّر�ض النا�س للمواقف ال�صعبة �أو يواجهون الأزمات‬
‫والتح ّديات‪ ،‬حيث ال يوجد جمتمع ينجو �أو يخلو من الأزمات‬
‫الطارئة والكوارث الطبيعية‪ ،‬وتتج َّلى الرثوة املعنوية يف مرونة‬
‫�أفراد املجتمع وقدرتهم على التالحم وال�صمود يف وجه املل َّمات‬
‫كما حدث يف اليابان عام ‪ 2011‬بعد زلزال «توهوكو» الذي‬
‫�أودى بحياة ‪ 16,000‬ياباين و�أحلق �أ�ضرار ًا بالغة يف مفاعل‬
‫«فوكو�شيما» النووي‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املوارد العقلية‬


‫هناك من يعزو الرثاء املعنوي �إلى املوارد العقلية والذكاء الذي‬
‫يو ّفر للأفراد ما يحتاجون �إليه من ابتكارات وطرق و�أ�ساليب‬
‫حديثة حلل امل�شكالت؛ بدء ًا بالقراءة والكتابة وحل امل�شكالت‬
‫اليومية‪ ،‬وو�صو ًال �إلى العلوم والطب والهند�سة والتخطيط‬
‫امل�ستقبلي‪ ،‬ومن هنا يع ُّد ذكاء �أبناء �أي جمتمع من املفاهيم‬
‫اجلاذبة للعلماء املهت ّمني بالرثوة املعنوية‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬
‫رابع ًا‪ :‬الذكاء االجتماعي‬
‫تو َّقف العلماء تقريب ًا عن �إجراء الأبحاث يف جمال الذكاء‬
‫االجتماعي منذ �أن �أجرى «ثورندايك» و«�شتاين» �أبحاثهما‬
‫عام ‪ ،1937‬غري �أنَّ ك ًال من «كانتور» و«كيل�سرتوم» �أعادا‬
‫الذكاء االجتماعي �إلى دائرة االهتمام يف عام ‪،1989‬‬
‫وع َّرفا الذكاء االجتماعي ب�أ َّنه قدرة النا�س على التعامل مع‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫م�شكالتهم اليومية العادية وم�شكالتهم املت�شابكة واملركبة‪،‬‬
‫وقد اتفق �أخري ًا ب�شكل وا�ضح على �أنَّ الذكاء االجتماعي �أكرث‬
‫تن ُّوع ًا وتعقيد ًا من �أن يقا�س مبعايري مو�ضوعية‪ ،‬ما جعلهم‬
‫يح ُّثون علما َء النف�س على بحث العنا�صر املتن ّوعة للذكاء‬
‫االجتماعي مثل القدرة على و�ضع الأهداف‪ ،‬والتنفيذ‪ ،‬وق َّوة‬
‫الإرادة‪ ،‬ومعرفة الذات‪.‬‬

‫نظرة �إلى الإجمايل املحلي‬


‫رغم الإجماع على �أه ّمية امل� ّؤ�شرات املجتمعية (مثل �إجمايل الناجت املحلي‬
‫للفرد‪ ،‬ومعدَّالت االدخار‪ ،‬ومعدَّل البطالة) يف قيا�س الرثاء املادي‪ ،‬ف�إنَّ هناك‬
‫اتفاق ًا �أق َّل على حتديد م� ّؤ�شرات الرثوة املعنوية وال�سعادة املجتمعية‪ ،‬وتربز يف‬
‫هذا ال�سياق �أ�سئلة متعدّدة حتتاج �إلى �إجابات‪ ،‬ومنها‪ :‬هل ميكننا مث ًال‪ ،‬اعتبار‬
‫معدَّل الطالق م� ّؤ�شر ًا؟ وماذا عن طول العمر‪ ،‬وانخفا�ض معدَّالت البطالة‪،‬‬
‫وارتفاع م�ستوى التعليم‪ ،‬والوعي املعريف؟‬
‫حتى و�إن كان هناك اتفاق على فحوى وحمتوى امل� ّؤ�شرات‪ ،‬تبقى �أمامنا م�س�ألة‬
‫الرتجيح‪ :‬فهل ُيكن و�ضع م� ّؤ�شر اقت�صادي مثل م�ستوى دخل الفرد على ك َّفة‬
‫امليزان مقابل م� ّؤ�شرات مثل معدَّالت معرفة القراءة والكتابة �أو تل ُّوث الهواء؟‬
‫للإجابة عن مثل هذه الأ�سئلة‪ ،‬ابتكرت هيئة الأمم املتحدة م� ّؤ�ش َر التنمية‬
‫الب�شرية عام ‪ 1990‬ليجيب عن مثل هذه الت�سا�ؤالت‪� ،‬إذ مل يكن هناك معيار‬
‫متفق عليه لل�سعادة املجتمعية �إلى جانب امل� ّؤ�شرات االقت�صادية قبل ابتكار هذا‬
‫متو�سط‬‫امل� ّؤ�شر‪ ،‬وقد اقت�صر امل� ّؤ�شر يف البداية على قيا�س دالئل ب�سيطة مثل ّ‬
‫الدخل‪ ،‬وطول العمر‪ ،‬والتعلُّم‪.‬‬
‫وبعد ابتكار م� ّؤ�شر التنمية الب�شرية امل�شار �إليه‪ ،‬اقرتحت مقايي�س لل�سعادة‬
‫املجتمعية‪ ،‬يف عام ‪ 1995‬ابتكر «دايرن» م� ّؤ�شر جودة احلياة القائم على حتديد‬
‫بع�ض القيم مثل‪ :‬الق َّوة ال�شرائية‪ ،‬ومعدَّل اجلرمية‪ ،‬واحل�صول على احتياجات‬
‫اجل�سم الأ�سا�سية‪ ،‬وحقوق الإن�سان‪ ،‬والعناية بالبيئة والغابات‪َّ ،‬ثم ط َّور «دايرن»‬
‫�صور ًا ُمدّثة لهذا امل� ّؤ�شر؛ فمث ًال‪ :‬يع ُّد م� ّؤ�شر احرتام حقوق الإن�سان مبثابة‬
‫امل� ّؤ�شر الرئي�س لاللتزام بامل�ساواة‪ ،‬بينما تع ُّد العدالة يف توزيع الدخل مقيا�س ًا‬
‫جديد ًا لاللتزام بامل�ساواة‪ ،‬كما يع ُّد معدَّل معرفة القراءة والكتابة هو امل� ّؤ�شر‬
‫الأ�سا�سي لال�ستقالل املعريف �أو ا�ستقاللية التفكري‪ ،‬ويع ُّد االلتحاق باجلامعة‬
‫هو امل� ّؤ�شر لتكاف�ؤ الفر�ص‪.‬‬

‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬


‫‪4‬‬
‫متغيات �أخرى كثرية‬ ‫رابع ًا‪ :‬امل� ّؤ�شرات االجتماعية قد ال تعك�س ّ‬ ‫املتخ�ص�ص بال�سعادة املجتمعية يف مملكة‬ ‫ّ‬ ‫وقد اقرتح مركز الأبحاث‬
‫مثل‪ :‬مع َّدالت التخ ُّرج‪ ،‬ون�سب احلا�صلني على �شهادة الثانوية‪،‬‬ ‫وال�صحة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫«بوتان» م� ّؤ�شر ًا �إجمالي ًا لل�سعادة يتك َّون من‪ :‬م�ستوى املعي�شة‪،‬‬
‫وال�ضغوط التي تواجه النا�س يف حياتهم اليومية‪ ،‬فمث ًال‪ :‬قد‬ ‫والتعليم‪ ،‬وتن ُّوع الأنظمة البيئية والتك ُّيف‪ ،‬واالنتعا�ش والتن ُّوع الثقايف‪،‬‬
‫املتخ�ص�صون يف امل� ّؤ�شرات االجتماعية �أنَّ ارتفاع‬
‫ّ‬ ‫يفرت�ض املح ّللون‬ ‫وا�ستثمار الوقت وتنظيمه‪ ،‬واحلوكمة‪ ،‬ورفاهية املجتمع‪ ،‬والر�ضى‬
‫ن�سبة احلا�صلني على �شهادة املدر�سة الثانوية يعني زيادة ال�سعادة‬ ‫يو�ضح كيفية قيا�س رفاهية وازدهار‬ ‫النف�سي‪ ،‬غري �أنَّ املركز مل ّ‬
‫املجتمعية‪ ،‬ولكن هل يعي�ش خ ّريجو املدار�س الثانوية ب�سعادة يف‬ ‫املجتمع‪ ،‬والنه�ضة الثقافية‪ ،‬وح�سن ا�ستثمار الوقت‪ ،‬ورغم �إيجابيات‬
‫بالد يحمل كل �أو ن�صف �سكانها دبلوم الدرا�سة الثانوية بنجاح؟‬ ‫وقوة م� ّؤ�شرات التنمية الب�شرية وال�سعادة‪ ،‬تبقى �أمامنا م�شكالت عدَّة‬
‫احلقيقة �أنَّ فر�ص النمو االقت�صادي تزيد يف البالد ذات م�ستويات‬ ‫و�أ�سئلة حتتاج �إلى �إجابات‪:‬‬
‫التعليم املرتفع �أكرث منها يف البالد ذات التعليم املنخف�ض‪ ،‬ومع‬ ‫�أو ًال‪ :‬يقوم بع�ض اخلرباء بتحديد امل� ّؤ�شرات التي �ستدرج يف امل� ّؤ�شر‬
‫ذلك قد تكون املناف�سة بني الأقران �أكرث �شرا�سة يف البالد التي‬ ‫الإجمايل لل�سعادة املجتمعية‪ ،‬من دون �أن يرتكوا م�ساحة لوجهات‬
‫يرتفع فيها عدد ال�سكان ويزيد فيها التناف�س على فر�ص العمل كما‬ ‫النظر الأخرى واالختالف‪ ،‬مث ًال‪ :‬هل ميكن �إدراج معدَّالت البطالة؟‬
‫يف الهند مث ًال‪ ،‬بينما يحظى املتع ّلمون مب�ستويات �أعلى من جودة‬ ‫يو�ضح ال�صيغة التي يتم من خاللها ح�ساب‬ ‫ثاني ًا‪ :‬لي�س هناك ما ّ‬
‫احلياة ال�شخ�صية يف البالد التي تنخف�ض فيها م�ستويات التعليم‪،‬‬ ‫امل� ّؤ�شر العام‪.‬‬
‫وربا من ارتفاع مع َّدالت‬
‫تدن م�ستوى اخلدمات َّ‬ ‫ولك َّنهم يعانون من ّ‬ ‫ثالث ًا‪ :‬ال تخلو امل� ّؤ�شرات االجتماعية من �أخطاء يف القيا�س؛ فمث ًال‪:‬‬
‫اجلرمية‪ ،‬ومن هنا ف�إنَّ العالقة بني امل� ّؤ�شرات االجتماعية وجودة‬ ‫يف بع�ض الدول تكون الإح�صائيات اخلا�صة بالتعليم �أكرث د َّقة من‬
‫حياة النا�س اليومية لي�ست وا�ضحة متام ًا‪ ،‬لأنَّ بع�ض مقايي�س‬ ‫غريها‪ ،‬وعليه ال ميكن و�ضع ثقة كبرية يف امل� ّؤ�شرات االجتماعية‬
‫امل� ّؤ�شرات املط َّبقة حتى الآن لي�ست دقيقة‪.‬‬ ‫ب�شكل مطلق‪.‬‬

‫قيا�س الرثوة املعنوية‬


‫كيف نقي�س ال�سعادة؟‬
‫مل حتقّق الدرا�سات التي �أُجريت على ال�سعادة طبق ًا لتقارير اال�ستق�صاء �أو‬
‫اال�ستفتاء ال�شخ�صي �أي تق ُّدم منذ بدايتها يف ثالثينيات القرن املا�ضي وحتى‬
‫منت�صف القرن‪ ،‬وذلك ب�سبب هيمنة النظرية ال�سلوكية‪ ،‬فطبق ًا للمدر�سة‬
‫ال�سلوكية‪ ،‬ال بد من قيا�س املعطيات مبعايري مو�ضوعية‪ ،‬ما جعل الدرا�سات‬
‫القائمة على الإبالغ واال�ستق�صاء الذاتي مو�ضع �شك‪ُ .‬ي�ضاف �إلى ما �سبق قلق‬
‫خرباء وعلماء النف�س حيال �صحة وفاعلية املقايي�س النف�سية‪ ،‬عالوة على و�ضع‬
‫معايري غري وا�ضحة لعملية التحقُّق‪.‬‬
‫باملقابل حقَّق علماء النف�س تق ُّدم ًا كبري ًا يف قيا�س موا�صفات نف�سية �أخرى‪ ،‬رغم‬
‫�أ َّنها �أكرث �صعوبة‪ ،‬فقد جنح «هرني موراي» يف قيا�س الدوافع اخلفية واحلاجة‬
‫�إلى االنتماء‪ ،‬لك َّنه مل يهتم مب� ّؤ�شرات ومقايي�س ال�سعادة العتقاده ب�أنَّ نظرية‬
‫«�أر�سطو» القائلة �إنَّ ال�سعادة هي �أ�سمى الأهداف ما زالت �صحيحة ومل يتم‬
‫تفنيدها‪ ،‬بينما مل ينجح عامل �آخر يف اكت�شاف �سر ال�سعادة‪.‬‬
‫لقد كان «موراي» مت�شائم ًا للغاية‪ ،‬حيث كانت املقايي�س ال�شائعة يف علم النف�س‬
‫�آنذاك �شديدة ال�صرامة‪ ،‬وبالإ�ضافة �إلى �سيطرة ال�سلوكية‪ ،‬مل يكن الباحثون‬
‫قد ق َّرروا ما �إذا كان بالإمكان قيا�س ال�سعادة وغريها من الظواهر وامل�شاعر‬
‫غيت الثورة املعرفية يف �ستينيات و�سبعينيات القرن‬ ‫الذاتية‪ ،‬وبعد عقود حني َّ‬
‫الع�شرين املوازين ال�سلوكية‪ ،‬ق َّرر علماء النف�س �أنَّ احلب وال�سعادة وغريهما من‬
‫امل�شاعر ال�شخ�صية مو�ضوعات �إن�سانية مه َّمة جد ًا‪ ،‬وال بد من بحثها‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬
‫قائم ًا‪ ،‬فمث ًال‪ :‬زعم «�آجنو�س كامبل» �أنَّ‬ ‫�آخرون �أ�سئلة عامة مثل‪ :‬ب�أخذ جميع الأمور‬ ‫� َّأما الباحثون العاملون يف امليدان الذي مل‬
‫هناك ثالث فر�ضيات يجب �أخذها بعني‬ ‫يف االعتبار‪� ،‬إلى �أي مدى ت�شعر بالر�ضى عن‬ ‫ت ُرقْ لهم املناهج الأكادميية‪ ،‬ومل يع ّولوا‬
‫االعتبار لكي نثق مبقايي�س ال�سعادة‪:‬‬ ‫برمتها حالي ًا؟‬
‫حياتك َّ‬ ‫كثري ًا على املدر�سة ال�سلوكية‪ ،‬فقد عملوا‬
‫‪ ‬الت�أ ُّكد من �أنَّ جميع التجارب التي مي ُّر بها‬ ‫را�ض)‪،‬‬
‫را�ض) ‪� -‬إلى(‪ٍ = 10‬‬ ‫االجابة (‪ = 1‬غري ٍ‬ ‫بب�ساطة وطرحوا �أ�سئلة مبا�شرة‪ ،‬وقد �أجري‬
‫النا�س يومي ًا ت�ضيف �إلى �شعورهم العام‬ ‫تو�صل الباحثون �إلى مقايي�س را�سخة‬ ‫وحني َّ‬ ‫�أ َّول ا�ستق�صاء مبا�شر لقيا�س ال�سعادة‬
‫بالر�ضى (ال�سعادة)‪.‬‬ ‫لدرجة الر�ضى‪ ،‬ازدهرت �أبحاث ال�سعادة‪،‬‬ ‫يف عام ‪ ،1946‬وكانت الأ�سئلة املطروحة‬
‫‪ ‬الت�أ ُّكد من �أنَّ هذه امل�شاعر تبقى ثابتة‬ ‫وبعد تق ُّبل الأو�ساط العلمية للتقارير الذاتية‪،‬‬ ‫ب�سيطة جد ًا مثل‪( :‬ب�شكل عام‪ :‬كيف ت�سري‬
‫لفرتة زمنية طويلة‪.‬‬ ‫بد�أ ُعلماء النف�س يف ا�ستخدام نتائج �أبحاث‬ ‫الأمور هذه الأيام؟ هل تقول �إ َّنك‪=3 :‬‬
‫‪ ‬االطمئنان �إلى �أنَّ النا�س ي�ستطيعون‬ ‫ال�سعادة والر�ضى عن احلياة التي �سبق‬ ‫�سعيد للغاية‪� = 2 ،‬سعيد �إلى حد ما‪=1 ،‬‬
‫و�صف م�شاعرهم ب�صراحة ود َّقة‪.‬‬ ‫رف�ضها‪ ،‬ورغم هذه التط ُّورات‪ ،‬بقي ال�شك‬ ‫ل�ست �سعيد ًا)‪ ،‬بينما طرح باحثون عامليون‬

‫اال�ستق�صاءات الذاتية وحل م�شكلة‬


‫التذ ُّكر‬
‫املوجه �إلى تقارير اال�ستق�صاء الذاتية عن تط ُّور يف منهجيات‬ ‫�أثمر النقد َّ‬
‫�أخرى‪ ،‬فمث ًال‪ :‬ابتكر الدكتور «كامنان» وفريقه منهج «�إعادة بناء اليوم» حيث‬
‫ُيد ّون امل�شاركون يوم َّيات تدور حول �أوقاتهم ال�سعيدة والكيفية التي يق�ضون‬
‫ي�سجلون كل يوم ما فعلوه يف اليوم ال�سابق‪ ،‬ومل�ساعدتهم‬ ‫بها �أوقاتهم‪ ،‬حيث ّ‬
‫على التذ ُّكر‪ ،‬كان الباحثون يطلبون منهم �أن يتذ َّكروا �أن�شطتهم ال�صباحية‪،‬‬
‫و�أن يد ّونوا كل ن�شاط على حدة‪ ،‬وتقدير الوقت الذي ق�ضوه فيه‪ ،‬وكيف كان‬
‫�شعورهم �آنذاك‪.‬‬
‫وابتكر كل من «ويلر» و«نزليك» منهج تدوين الأحداث‪ ،‬فبد ًال من ا�ستكمال‬
‫تقارير متتابعة يف �أوقات �سبق حتديدها م�سبق ًا‪ ،‬يطلب الباحثون وفق هذه‬
‫الطريقة من امل�شاركني ا�ستكمال هذا التقرير ك َّلما وقع حدث بعينه‪ ،‬ويف‬
‫بع�ض الأحيان يطلب الباحثون من امل�شاركني و�صف التفاعالت االجتماعية‬
‫فور حدوثها‪ ،‬ما يتيح لهم فر�صة اختبار الإف�صاح عن الذات والألفة وامل�شاعر‬
‫كما هي عليه يف الواقع ولي�س كما ميكن لهم �أن يتذ َّكروها‪.‬‬
‫ولكن رغم املم ّيزات التي توافرت ملثل هذه الأ�ساليب اال�ستق�صائية‪ ،‬فقد‬
‫كان معظم امل�شاركني يف هذه الدرا�سات‪ ،‬وبع�ض الباحثني القائمني عليها‪،‬‬
‫يت َّربمون من �صعوبة امله َّمات التي كانوا يعتربونها ثقيلة ومت�شابهة ومم َّلة‪.‬‬

‫التقارير غري الذاتية لقيا�س الر�ضى‬


‫مري�ضات �سرطان الثدي م�ستويات «كورتيزول»‬ ‫ال�شعور بال�سعادة؛ بينما مييل «الكورتيزول»‬ ‫يف مرحلة متقدّمة‪ ،‬ويف حماولة البتكار مقايي�س‬
‫ثابتة مقارنة بنظرياتهن يف فئة الع ّينات‬ ‫أ�صحاء وال�سعداء يف‬
‫لالرتفاع ال�شديد لدى ال َّ‬ ‫مو�ضوعية‪ ،‬حاول باحثون �آخرون جت ُّنب طرح‬
‫ال�سليمة‪ ،‬وقد �أظهرت امل�شا ِركات يف جمموعة‬ ‫ال�صباح الباكر‪� ،‬أي بعد اال�ستيقاظ من النوم‬ ‫الأ�سئلة على النا�س لدرا�سة امل� ّؤ�شرات احليوية‬
‫االختبار م�ستوى منخف�ض ًا من «الكورتيزول»‬ ‫مبا�شرة‪َّ ،‬ثم ينخف�ض فج�أة‪ ،‬وهذا يعني �أنَّ ثبات‬ ‫وقيا�س معدَّالت الر�ضى‪ ،‬فمث ًال‪َّ :‬مت ا�ستخدام‬
‫الناجت عن التع ُّر�ض لل�ضغوط‪ ،‬وغياب الدعم‬ ‫م�ستوى «الكورتيزول» يف الدم خالل �ساعات‬ ‫«الكورتيزول» لقيا�س م�ستويات ال�سعادة لدى‬
‫االجتماعي‪ ،‬و�أحرزن نقاط ًا �أق َّل يف �سرعة‬ ‫النهار م� ّؤ�شر ًا على اال�ضطراب وعدم الراحة‪،‬‬ ‫الأفراد‪ ،‬حيث ي�شري ارتفاع م�ستوى «الكورتيزول»‬
‫التذ ُّكر واختبارات الذاكرة‪.‬‬ ‫فقد اكت�شف «�أبركرومبي» وفريقه �أنَّ لدى‬ ‫يف فرتة بعد الظهر �إلى التع ُّر�ض لل�ضغوط وعدم‬
‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬
‫‪6‬‬
‫املجتمع املثايل من منظور حديث‬
‫ع َّرف «�أفالطون» و«�أر�سطو» املجتمع املثايل من خالل �شكل احلكم؛ ا َمل َلكية‬
‫بالن�سبة �إلى �أفالطون‪ ،‬والأر�ستقراطية بالن�سبة �إلى �أر�سطو‪ ،‬بينما ع َّرفه‬
‫«هوبز» من خالل خمرجاته‪� ،‬أي التناغم والتالحم والعالقات االجتماعية‬
‫والنظام االجتماعي ككل‪ ،‬وقد حاول «جريمي بنتام» ر�سم �صورة للمجتمع‬
‫املثايل يف كتابه «مبادئ الأخالق والت�شريع»‪ ،‬وكان ذلك عام ‪،1789‬‬
‫مت�ص ّور ًا و�آم ًال ببناء جمتمعات مدنية من�ضبطة حتكمها منظومات‬
‫وت�شريعات قانونية من �ش�أنها حل م�شكالت الب�شر‪ ،‬وتقليل همومهم‪،‬‬
‫وكذلك زيادة �سعادتهم‪.‬‬
‫�أ َّما «فريدريك �إجنلز» ور َّواد املدر�سة ال�شمولية والفكر اال�شرتاكي فكانوا‬
‫يرون املجتمع املثايل �أقرب ما يكون �إلى منظومة متماثلة ت�سودها امل�ساواة‬
‫باعتبارها حجر الزاوية واملدخل الوحيد لبناء جمتمع مثايل‪ ،‬وقد ع َّللوا‬
‫ذلك ب�أنَّ غياب امل�ساواة هو ال�سبب الأهم والأوحد لل�صراعات بني الب�شر‬
‫على مر التاريخ‪ ،‬ولأنَّ عدم امل�ساواة يقود �إلى اندالع ال�صراعات واحلروب‬
‫و«الدمار ال�شامل»‪ ،‬فقد �أ َّكد ه�ؤالء �أنَّ املجتمع املثايل ال ميكن �أن يكون‬
‫طبقي ًا �أو تناف�سي ًا‪ ،‬ف�ألغوا بذلك دور اجلدارة والكفاءة واجلهد والعمل يف‬
‫بناء املجتمعات الراقية‪ ،‬وقد حاول «جون رولز» معاجلة اخللل الذي اعرتى‬
‫ين�ص على �أنَّ املجتمع‬‫فكر اال�شرتاكيني املثاليني‪ ،‬ف�أ�ضاف �شرط ًا جديد ًا ُّ‬
‫ي�شجع على تكاف�ؤ الفر�ص وتوفريها يف حتقيق الرثوات‬ ‫املثايل هو الذي ّ‬
‫وتوزيعها‪.‬‬
‫�أ َّما منظمات العوملة الدولية القوية مثل‪� :‬صندوق النقد الدويل والبنك‬
‫الدويل‪ ،‬ف�إ َّنها تر ّوج �ضمني ًا للمجتمعات الكبرية املتط ّورة‪� ،‬إذ تفرت�ض‬
‫�سيا�سا ُتها �أنَّ الرثوة املادية هي �أ�سا�س املجتمع املثايل لأ َّنها ت�ضمن تلبية‬
‫االحتياجات الأ�سا�سية مثل الغذاء واملاء والدواء والك�ساء وامل�أوى‪ ،‬ولذا‬
‫املنظمات الدولية جانب ًا كبري ًا من‬‫خ�ص�ص الأمم املتحدة وغ ُريها من َّ‬ ‫ُت ّ‬
‫خ�ص�ص كل‬ ‫معوناتها ب�شكل مبا�شر لتلبية االحتياجات الأ�سا�سية‪ ،‬بينما ُي ّ‬
‫من البنك الدويل و�صندوق النقد الدويل موار َد كثري ًة مل�ساعدة الدول على‬
‫تطوير اقت�صاداتها‪ ،‬غري �أنَّ هذه املعونات تت�ض َّمن نظرية التحديث التي‬
‫تقطع ب�أنَّ التط ُّور االقت�صادي يقود �إلى التحديث والتجديد و�إلى حياة‬
‫م�ستويات �أعلى من الرثوة املعنوية للأمم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مما يعني �ضمني ًا �أي�ض ًا‬
‫�أف�ضل‪َّ ،‬‬

‫مظاهر التناق�ض‬
‫يف عام ‪ 1974‬قام عامل االقت�صاد «ريت�شارد �إي�سرتلني» بتجربة العالقة بني املال وال�سعادة للمرة الأولى‪ ،‬فقد كتب يف بحث بعنوان «هل ي�ؤ ّثر النمو‬
‫االقت�صادي على م�ستقبل الب�شرية؟ بع�ض النتائج املثبتة» ما �ش َّكل �صدم ًة للأو�ساط االقت�صادية يف ذلك الوقت‪� ،‬إذ قام بجمع معلومات عن ال�سعادة‬
‫من �أربع ع�شرة دولة من �أكرث الدول ثرا ًء (مثل‪ :‬الواليات املتحدة و�أملانيا الغربية)‪ ،‬والأكرث فقر ًا (مثل نيجرييا والهند)‪ ،‬وحني قارن ّ‬
‫متو�سط‬
‫م�ستويات ال�سعادة يف هذه الدول‪ ،‬فوجئ �أنَّ هناك فروق ًا ب�سيطة بني الدول الغنية والفقرية‪ ،‬فرغم عدم �شعور �سكان جمهورية «الدومينيكان»‬

‫‪7‬‬ ‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬
‫ويتم َّثل يف �أنَّ العالقة بني الدخل وال�سعادة ميكن �أن تختلف بني �أهل‬ ‫و«الهند» بال�سعادة (تراوحت ن�سبة ال�سعادة فيهما بني ‪ 1.6‬و‪ 3.7‬على‬
‫البلد الواحد �أو بني بالد ع َّدة متف ّرقة‪.‬‬ ‫مقيا�س من ‪� 0‬إلى ‪ 10‬نقاط)‪ ،‬و�شعر مواطنو «كوبا» و«الواليات املتحدة»‬
‫لكن يبقى ت�سا�ؤل �أو اختبار �آخر للعالقة بني املال وال�سعادة‪ :‬فماذا ميكن‬ ‫بقدر من ال�سعادة (تراوح بني ‪ 6.4‬و‪ .)6.6‬بينما جاءت الدول الع�شر‬
‫�أن يحدث حني ي�صبح البلد �أكرث ثرا ًء ب�شكل تدريجي ومبرور الوقت؟‬ ‫الباقية يف م�ستوى �أقل ن�سبي ًا (يرتاوح بني ‪ 4.4‬و‪ ،)5.5‬فبينما كانت‬
‫لقد در�س «�إي�سرتلني» اال�ستبانات وامل� ّؤ�شرات اخلا�صة بال�سعادة على‬ ‫متو�سطة‬ ‫بع�ض الدول الفقرية �سعيدة جد ًا‪ ،‬كانت بع�ض الدول الغنية ّ‬
‫مدى ‪ 25‬عام ًا �صارت فيها الواليات املتحدة �أكرث ثرا ًء‪ ،‬وكان ذلك على‬ ‫ال�سعادة‪.‬‬
‫مدى ربع قرن بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬فوجد �أنَّ ن�سبة الأمريكيني‬ ‫مما خل�ص �إليه «�إي�سرتلني» هو �أنَّ دور املال والرثوة املادية لي�س‬ ‫وكان َّ‬
‫الأكرث �سعادة زادت ب�شكل ثابت يف الفرتة ما بني ‪ 1946‬و‪َّ ،1957‬ثم‬ ‫تو�صل‬ ‫بالأهمية التي كان يتخ َّيلها‪ ،‬ويتخ َّيلها العا َّمة والنا�س كافة‪ ،‬ولأ َّنه َّ‬
‫انخف�ضت يف الفرتة ما بني ‪ 1957‬و‪ ،1963‬وانخف�ضت مرة �أخرى‬ ‫�إلى نف�س النموذج وامل� ّؤ�شرات يف دول ع َّدة‪ ،‬ا�ستنتج «�إي�سرتلني» �أنَّ‬
‫من ‪� 1966‬إلى ‪ ،1970‬ما جعله ي�ستنتج �أنَّ من املمكن �أن نقول �إ َّنه �إذا‬ ‫العالقة بني الدخل وال�سعادة قوية على امل�ستوى الفردي فقط‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫كان للمال وال�سعادة طريق واحد وم�سار ثابت‪ ،‬وهو ما يجعلنا نفرت�ض‬ ‫«رمبا يكون �أكرث الأمور �إثارة للده�شة هو �أنَّ تقدير ال�سعادة ال�شخ�صية‬
‫�أنَّ الرثاء املتزايد �سيجعلنا �سعداء‪ ،‬ف�إنَّ هذا ال ينطبق على �أجزاء �أو‬ ‫لـ‪ 10‬دول من ‪ 14‬يقع على بعد ن�صف نقطة من نقطة املنت�صف‪� ،‬أي‬
‫واليات البلد الواحد‪ ،‬مثلما مل ينطبق على كل الدول على ح ّد ال�سواء‪،‬‬ ‫مما يعني �أ َّنه ال توجد �أد َّلة على وجود رابط منهجي‬ ‫املتو�سط (‪َّ ،)5‬‬
‫من ّ‬
‫ومن هنا قادت هذه الدرا�سة �إلى اال�ستنتاج ب�أنَّ النمو االقت�صادي وحده‬ ‫وم� ّؤ�شر حا�سم بني م�ستوى الدخل وم�ستوى ال�سعادة يف هذه الدول‬
‫ال يجعل النا�س �سعداء‪.‬‬ ‫الع�شر‪ ،‬وقد �أطلق على هذا اال�ستدالل «ظاهرة تناق�ض �إي�سرتلني»‪،‬‬

‫العالقة بني �سـرعة الـنـمو االقت�صادي وال�سعادة‬


‫تو�صل عدَّة باحثني �إلى �أنَّ �سرعة النمو االقت�صادي والزيادة املت�سارعة‬
‫يعتمد ت�أثري النمو االقت�صادي على �سرعة حدوثه ب�شكل وا�ضح وجلي‪ ،‬كما َّ‬
‫ملتو�سط دخل الفرد ت�ؤ ّثر �سلب ًا يف م�ستويات ال�سعادة‪ ،‬مبعنى �آخر‪� :‬إذا ت�ساوت دولتان يف الرثاء وكانت �إحداهما �أ�سرع يف النمو االقت�صادي من‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الأخرى‪ ،‬ف�إنَّ الدولة التي ت�شهد منوا بطيئا �ستكون �أكرث �سعادة‪ ،‬فقد �أجرى الباحثان «�ستيفن�سون» و«وولفرز» يف عام ‪ ،2008‬عدَّة درا�سات على‬
‫الأمم التي كانت ت�شهد منو ًا اقت�صادي ًا‪ ،‬مثل «كوريا اجلنوبية» و«�أيرلندا»‪ ،‬فوجدا �أنَّ �س َّكان الدولتني كانوا �أقل �سعادة يف املراحل الأولى للنمو‬
‫االقت�صادي‪ ،‬وقد �أرجعا هذه الظاهرة �إلى عدم امل�ساواة يف توزيع الرثوات بني ال�س َّكان يف تلك املرحلة‪.‬‬

‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬


‫‪8‬‬
‫ثراء العالقات االجتماعية‬
‫ودوره يف �صنع ال�سعادة‬
‫ح�سب االقت�صاديون الأوائل مثل (بنتام وميل) ال�سعادة‬ ‫ِ‬
‫والأمل امل�صادر الأولى للدافعية والبحث عن املنفعة‪،‬‬
‫لكنَّ االقت�صاديني املعا�صرين يعدُّون الدخل هو م�صدر‬
‫املنفعة املبا�شرة‪ ،‬ومن هنا ينزع ه�ؤالء االقت�صاديون‬
‫�إلى الرتكيز على مقايي�س ميكن حتويلها �إلى قيم مالية‪،‬‬
‫اخلطية القوية بني الرثوة‬ ‫معتمدين يف ذلك على العالقة ّ‬
‫املادية ور�ضى النا�س عن حياتهم‪.‬‬
‫ورغم ال�صلة القوية بني �إجمايل دخل الفرد‪ ،‬وتقارير‬
‫اال�ستق�صاءات الذاتية عن �سعادة الأمم‪� ،‬إال �أنَّ م� ّؤ�شرات‬
‫ال�سعادة مل ت�أخذ م�سارات خطية مت�سقة على الدوام‪،‬‬
‫كما وجد «�إجنلهارت» وفريقه البحثي انحرافات م�شابهة‬
‫يف بيانات ا�ستبيانات درا�سة القيم بني خمتلف الأمم‪،‬‬
‫وف�سروا �سعادة النا�س يف بع�ض الدول رغم معاناتهم‬ ‫َّ‬
‫اقت�صاديا باالعتقاد القدري والإميان ودوره يف حياة‬ ‫ً‬
‫ال�سابق مث ًال‪ ،‬وهكذا ر�أى «�إجنلهارت» �أنَّ التفاوت يف درجة التد ُّين هو التف�سري املالئم‬ ‫الب�شر‪.‬‬
‫لالنحرافات يف امل� ّؤ�شرات بني دول �أمريكا الالتينية و�أقاليم االحتاد ال�سوفييتي املختلفة‪.‬‬ ‫�سجلت �أغلب دول �أمريكا الالتينية درجات �أعلى‬ ‫لقد َّ‬
‫ويف بحث �أكرث �أهمية عن ال�سعادة ال�شخ�صية‪ ،‬برزت �أد َّلة وا�ضحة ت�شري �إلى �أنَّ جودة العالقات‬ ‫مما توحي به وتفرت�ضه معدَّالت‬ ‫للر�ضى عن احلياة َّ‬
‫االجتماعية تع ُّد من �أهم م� ّؤ�شرات ال�سعادة يف املجتمعات املعا�صرة‪ ،‬وهذا ما �أثبتته �أبحاث‬ ‫الدخل و�إجمايل الناجت املحلي‪ ،‬كما بدت بع�ض الدول‬
‫كامبل‪ ،‬وكونفر�س‪ ،‬وروجرز‪ ،‬ومن هذا املنطلق ت�أ َّكد الباحثون االجتماعيون وعلماء النف�س من‬ ‫مما يعك�سه �إجمايل‬ ‫اال�شرتاكية يف ذلك الوقت �أقل ر�ضى َّ‬
‫وجود رابط قوي بني جودة العالقات الأ�سرية خا�صة واالجتماعية عامة‪ ،‬وبني و�سعادة الأمم‬ ‫الناجت املحلي‪ ،‬وكان املالحظ �أنَّ �شعوب دول �أمريكا‬
‫وثراء ر�أ�سمالها الب�شري‪.‬‬ ‫الالتينية �أكرث تد ُّين ًا من �شعوب االحتاد ال�سوفييتي‬

‫هل تقود �سعادة الأفراد �إلى‬


‫�سعادة املجتمع؟‬
‫يف بحث رائع‪ ،‬حثَّ ك ٌّل من «هايدت» و«�سيدر» و«كي�سرب» الباحثني يف‬
‫علوم ال�سعادة على «التفكري يف �سعادة اجلماعات‪ ،‬ال �سعادة الأفراد‬
‫فح�سب»‪ ،‬كما �أ�شاروا �إلى �أ َّنه لي�س مبقدور الأفراد ال�سعداء �أن‬
‫حلجتهم مبثال‬ ‫يخلقوا جمتمع ًا �سعيد ًا‪ ،‬داعمني لر�ؤيتهم وم�ؤ ّيدين َّ‬
‫اال ب�سيط ًا‬
‫�إنتاج الدجاج والبي�ض‪ ،‬وقد طرح الباحثون يف البداية �س�ؤ ً‬
‫هو‪ :‬كيف ن�ستطيع زيادة �إنتاج البي�ض؟ وقد �أجاب من ينتهجون‬
‫منحى فردي ًا عن هذا ال�س�ؤال قائلني‪� :‬أو ًال‪ :‬اخرت الدجاج الأكرث‬ ‫ً‬
‫�إنتاج ًا للبي�ض‪ ،‬وثاني ًا‪ :‬قم برتبية املزيد من ع ّينات ذلك الدجاج‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬
‫لكنَّ نظرية االنتقاء الطبيعي هذه مل حت ّقق الهدف‪ ،‬فبعدما َّمت انتقاء‬
‫يتح�سن �إنتاج البي�ض �أبد ًا‪ ،‬ثم‬
‫الدجاج الأف�ضل كما افرت�ض الباحثون‪ ،‬مل َّ‬
‫الحظ الباحثون �أنَّ الدجاج الأكرث طرح ًا للبي�ض‪ ،‬يعاين من ن�شاط زائد‬
‫و�سلوك عدواين ويق�ضي معظم الوقت يف احلركة والعراك‪.‬‬
‫يف مرحلة ثانية من الدرا�سة‪ ،‬قام �أحد الباحثني مبراقبة احلظائر‬
‫الأعلى �إنتاج ًا من غريها (ولي�س الدجاجات الأكرث �إنتاج ًا فقط)‪ ،‬ثم‬
‫انتقى الدجاجات املنتجات من احلظائر الأكرث �إنتاج ًا‪ ،‬ما �أدَّى �إلى زيادة‬
‫وتلخ�ص تف�سري هذه الظاهرة يف �أنَّ‬ ‫�إنتاجها للبي�ض عن معدَّالتها ال�سابقة‪َّ ،‬‬
‫احلظائر املنتجة كانت حتوي ب�ضع دجاجات تنتج كثري ًا من البي�ض‪ ،‬لك َّنها‬
‫امل�شجعة للجماعات الأخرى‪ ،‬وعليه فهي‬ ‫تتمتَّع بال�سلوكيات والديناميكيات ّ‬
‫ال تعتمد على الإنتاج الفردي فح�سب‪� .‬أي �إنَّ زيادة الإنتاج ُتعزى �إلى التعاون‬
‫وغياب ال�صراع بني اجلماعة �أكرث من املناف�سة‪ ،‬عالوة على تد ُّرج وتوزيع‬
‫املهام‪ ،‬ما ي�ؤ ّكد حقيقتني �ضروريتني‪ :‬البحث عن م� ّؤ�شرات النجاح الفردية‬
‫وتطبيقها على اجلماعات �أو ًال‪ ،‬ثم البحث عن م� ّؤ�شرات النجاح اجلماعية‬
‫وتر�سيخها ك�سلوك �إيجابي بني اجلماعات �أي�ض ًا‪.‬‬
‫من هذا نرى �أنَّ كل الأبحاث العلمية التي ُترى على املجتمعات حول‬
‫ال�سعادة اخلا�صة قد �أخذت املنحى الفردي للتعامل مع ال�سعادة اجلماعية‪،‬‬
‫وهناك �إمكانية �أن تختلف م� ّؤ�شرات ال�سعادة لدى الأمم كثري ًا عن م� ّؤ�شرات‬
‫ال�سعادة لدى الأفراد‪ :‬متام ًا كما اختلفت م� ّؤ�شرات وجود الدجاجات جيدة‬
‫الإنتاج عن م� ّؤ�شرات احلظائر عظيمة الإنتاج‪ ،‬ومن هنا ي�صبح ال�س�ؤال‬
‫الأهم هو‪ :‬حني ن�ضع �أكرث الأفراد �سعادة يف جمموعة بعينها‪ ،‬هل �سيك ّونون‬
‫�أ�سعد اجلماعات‪� ،‬أم �أ َّنه من ال�صعب اختزال �سعادة املجموع يف �سعادة‬
‫الفرد؟ وهل توجد ثقافات �أو �أعراف وقيم ُتر ّوج لل�سعادة وتن�شرها؟ ف�إن‬
‫كان الأمر كذلك‪ ،‬فعلينا حتديد وتن�شيط اجلماعات الإيجابية املر ّوجة‬
‫لل�سعادة‪ ،‬وعدم االعتماد على الأفراد فح�سب‪ ،‬وهكذا تتح َّول م�س�ؤولية‬
‫ال�سعادة من امل�ستوى الفردي‪� ،‬إلى امل�ستويات امل� َّؤ�س�سية واملجتمعية‪.‬‬

‫هل تزيد �سعادة املجتمع يف فاعليته؟‬


‫مثلما حاول الباحثون تعريف املجتمع املثايل‪ ،‬حاول �آخرون تعريف املجتمع‬
‫الإيجابي والف َّعال‪ ،‬مر ّكزين على معدَّالت الف�ساد يف املجتمعات؛ ح�ضورها‬
‫�أو غيابها‪ ،‬حيث تقوم َّ‬
‫منظمة ال�شفافية الدولية كل عام بن�شر م� ّؤ�شرات‬
‫الف�ساد العاملية اعتماد ًا على البيانات املتاحة‪ ،‬وا�ستبيانات اخلرباء‪،‬‬
‫متو�سط ال�سعادة وم� ّؤ�شرات الف�ساد يف‬
‫تبي وجود عالقة قوية بني ّ‬ ‫وقد َّ‬
‫يتم �إثبات املعادلة‬
‫ا�ستطالعات م�ؤ�س�سة «جالوب» العاملية‪ ،‬وال عجب �أن َّ‬
‫والعالقة �إح�صائي ًا والت�أ ُّكد من �أنَّ الأمم الأكرث ف�ساد ًا هي الأمم الأقل‬
‫�سعادة‪.‬‬
‫وي�ضاف �إلى الف�ساد كمقيا�س لعدم كفاءة املجتمعات وعدم �سعادتها‪،‬‬
‫م� ّؤ�شرات الرعاية ال�صحية مبا يندرج حتتها من انخفا�ض يف معدَّل وفيات‬

‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬


‫‪10‬‬
‫متو�سط �أعمارهم عند الوالدة‪ .‬لقد ثبت �أنَّ الأمم ذات‬ ‫املواليد وارتفاع ّ‬
‫كتب مشابهة‪:‬‬ ‫متو�سط العمر املرتفع تتمتَّع بقدر �أوفر من ال�سعادة؛ �إال �أنَّ هناك �أمم ًا غري‬
‫ّ‬
‫متو�سط �أعمار �شعوبها مثل «هوجن كوجن»‪ ،‬و«�سلوفاكيا»‪،‬‬ ‫�سعيدة رغم ارتفاع ّ‬
‫و«جورجيا»‪ ،‬حيث تبدو منظومة الرعاية ال�صحية يف هذه الأمم فعالة‪ ،‬لكن‬
‫النا�س‪ ،‬على عك�س ما نفرت�ض ونتو َّقع‪ ،‬غري �سعداء‪ .‬من ناحية �أخرى هناك‬
‫‪Tribe‬‬
‫‪On Homecoming and Belonging.‬‬ ‫متو�سط �أعمار �أهلها‪ ،‬كما جند يف «املك�سيك»‬ ‫�أمم �سعيدة رغم انخفا�ض ّ‬
‫‪By Sebastian Junger. 2016.‬‬ ‫و«جنوب �أفريقيا» مث ًال‪.‬‬
‫متو�سط �سعادة الأمم وفاعليتها ال غبار‬ ‫وعلى الرغم من �أنَّ العالقة بني ّ‬
‫عليها‪� ،‬إال �أنَّ هناك �أمم ًا تخ ّيب تو ُّقعاتنا من حيث كفاءتها‪ ،‬وميكننا تف�سري‬
‫مثل هذه النتائج على �ضوء خ�صائ�صها النا�شئة‪� ،‬إذ يع ُّد �أغلب �سكان دول‬
‫‪Trust‬‬ ‫متو�سطي ال�سعادة‪،‬‬
‫مثل «هوجن كوجن»‪ ،‬و«اليابان»‪ ،‬و«�أملانيا»‪ ،‬و«الربتغال» ّ‬
‫‪The Social Virtues and the‬‬
‫‪Creation of Prosperity.‬‬ ‫مع �أنَّ هذه املجتمعات تعمل بكفاءة وحت ّقق �إنتاجية اقت�صادية مرتفعة‪،‬‬
‫‪By Francis Fukuyama. 1996.‬‬ ‫والعك�س �أي�ض ًا �صحيح‪ ،‬فهناك �أمم يعي�ش �سكانها ب�سعادة رغم افتقارها‬
‫�إلى الكفاءة‪ ،‬فلماذا يحدث هذا؟‬
‫قد تكون القيم الثقافية �أحد الأ�سباب‪ ،‬فمن املمكن �أن تكون «هوجن كوجن»‪،‬‬
‫واليابان»‪ ،‬و«�أملانيا»‪ ،‬و«الربتغال» من الدول التي ُتعلي �ش�أن الإجنازات‬
‫‪The Wealth of Humans‬‬ ‫املادية �أكرث من ال�سعادة‪ ،‬ومن هنا ف�إنَّ زيادة �إنتاجية املجتمع ّ‬
‫حت�سن‬
‫‪Work, Power, and Status in the‬‬
‫‪Twenty-first Century.‬‬ ‫�أحواله العامة �أكرث من �سعادة �أفراده ك ّل على حدة‪ ،‬والعك�س �صحيح؛‬
‫‪By Ryan Avent. 2016.‬‬ ‫�إذ يعمل ومييل مواطنو بع�ض الأمم �إلى اال�ستمتاع بحياتهم رغم �سوء‬
‫�أو�ضاعهم االقت�صادية‪.‬‬

‫من املهم �أن ن�شري يف اخلتام �إلى �أهمية �إجراء املزيد من الدرا�سات عن‬
‫الرثوة املعنوية للمجتمعات‪ ،‬فرغم توافر معايري مقبولة لقيا�س هذه الرثوة‪،‬‬
‫قراءة ممتعة‬ ‫يبقى من املهم �أن نط ّورها‪ ،‬و�أن نبتكر املزيد من املعايري‪ ،‬ومن املهم �أي�ض ًا‬
‫درا�سة ت�أثري اجلينات والبيئة يف الرثوة املعنوية وم� ّؤ�شراتها وخمرجاتها‪،‬‬
‫ص‪.‬ب‪214444 :‬‬
‫دبي‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‬
‫ومن املهم �أي�ض ًا �أن ندرك ون�ستوعب الآثار بعيدة املدى للم�شاركات الفردية‬
‫هاتف‪04 423 3444 :‬‬ ‫واملجتمعية‪ ،‬عالوة على تدريب الباحثني على اتخاذ املنحى اجلماعي يف‬
‫نستقبل آراءكم على ‪pr@mbrf.ae‬‬ ‫درا�سة ال�سعادة‪ ،‬بد ًال من االقت�صار على املعرفة الفردية التي يتب َّناها علم‬
‫االقت�صاد وعلم النف�س ك ٌّل على حدة‪ ،‬وهذا يعني �أنَّ االقت�صاد ال�سلوكي‬
‫تواصلوا معنا على‬
‫يوظف �أدوات حديثة مت ّكننا من ا�ستيعاب‬ ‫الذي يجمع بني العلمني‪ ،‬ميكن �أن ّ‬
‫املح ّركات اجلماعية ل�سعادة املجتمعات‪ ،‬وهذا ما عنيناه بالت�أكيد يف درا�سة‬
‫اجلماعات ال�سعيدة‪ ،‬ال الأفراد ال�سعداء فقط‪ ،‬هذا ورغم ما يتب َّقى من‬
‫حتدّيات‪ ،‬علينا �أن منعن التفكري ونت�أ َّمل ما ح َّققناه حتى الآن‪ ،‬وما يجب‬
‫�أن ُي�ش ِع َرنا بالتفا�ؤل يف هذا االجتاه‪ ،‬هو اهتمام املزيد من علماء االقت�صاد‬
‫‪qindeel_uae‬‬
‫ال�شباب ومن علماء النف�س الإيجابي املوهوبني وعلماء االجتماع اجلادين‬
‫‪qindeel_uae‬‬
‫بهذا املجال‪ ،‬الذي �سيمدُّنا مبخرجات �إيجابية يف ال�سنوات القريبة القادمة‪،‬‬
‫‪qindeel.uae‬‬
‫‪qindeel.ae‬‬
‫مع ت�أكيد �أنَّ ال�سعادة املجتمعية والرثوة املعنوية للدول هي م�س�ؤولية جماعية‬
‫وم�شرتكة‪ ،‬ومل ولن تكون جمرد م� ّؤ�شرات حلاالت وحماوالت فردية‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬

You might also like