You are on page 1of 12

‫ما النموذج؟ وكيف يعمل؟‬ ‫ثوان‪...

‬‬ ‫في‬
‫ٍ‬
‫يف عام ‪ ،1776‬و�ضع «�آدم �سميث» �آراءه يف كتاب «ثروة الأمم»‪.‬‬
‫ما م َّيز «�سميث» عن جميع م�ؤ ّلفي كتب االقت�صاد هو قدرته‬ ‫ي�س ُّرنا �أن نختم �أعداد هذا العام مبلخ�ص هذا‬
‫الفائقة على الرتكيز‪ ،‬فمنذ ن�ش�أته وبداياته‪ ،‬ح�صل «�سميث»‬ ‫الكتاب الرائع وهو بعنوان «عادات النجاح‪ :‬كيف‬
‫على ق�سط وافر من التعليم‪ .‬كما التحق بجامعة «جال�سجو»‬ ‫ي�صل اال�ستثنائيون �إىل القمة» من ت�أليف «بريندون‬
‫وهو يف �سن الرابعة ع�شرة‪ ،‬ثم ح�صل على منحة درا�سية يف‬ ‫بو�شـ ــارد»‪ .‬فــالأداء اال�سـتثنائ ــي كما يرى «بو�شارد»‬
‫جامعة «�أك�سفورد» وهو يف ال�سابعة ع�شرة‪ ،‬و�أثناء عودته من‬ ‫يتخطى معايري النجاح القيا�سية على املدى الطويل‪ .‬فبعد درا�سات وا�سعة‬
‫«�أك�سفورد» �إىل «�أدنربه»‪ ،‬دُعي �إىل �إلقاء �سل�سلة من اخلطب‬ ‫وق�ضاء ِعقد من الزمن يف قيا�س �أداء اال�ستثنائيني حول العامل يحدد لنا‬
‫واملحا�ضرات العا َّمة التي دارت حول مو�ضوعات متن ّوعة بد�أت‬ ‫امل�ؤلف العادات ال�ست الأكرث فاعلية للو�صول �إىل النجاح والأداء اال�ستثنائي‬
‫باحلديث عن البالغة‪ ،‬ثم تاريخ الفل�سفة‪ ،‬و�أخري ًا عن فل�سفة‬ ‫امل�ستدام‪ .‬فقد �أ�سفرت واحدة من �أكرب الدرا�سات اال�ستق�صائية عن �ست‬
‫الت�شريع‪ ،‬وبف�ضل تلك املحا�ضرات‪� ،‬صار ب�إمكان الباحثني‬ ‫عادات ُتهد لنا الطريق وت�ساعدنا على النجاح امل�ستدام‪ ،‬تلك العادات‬
‫والفال�سفة والعلماء تكوين ت�ص ُّور عام ومعلومات مفيدة عن‬ ‫ال�ست هي ال�سعي نحو الو�ضوح‪ ،‬و�شحذ الهمة‪ ،‬وااللتزام ب�ضرورة تقدمي �أداء‬
‫�آراء «�سميث» وعنا�صر ال�شرح والتو�ضيح وطرح املفاهيم‪.‬‬ ‫ا�ستثنائي‪ ،‬ورفع الإنتاجية‪ ،‬وترك ب�صمة‪ ،‬و�إظهار ال�شجاعة‪ .‬وهذا هو كل ما‬
‫أهم ما نبحث عنه يف �شرح �أي مو�ضوع هو‬ ‫يرى «�سميث» �أنَّ � َّ‬ ‫نحتاجه لنقدم �أدا ًء عالي ًا ونحتفظ مبكاننا على القمة‪.‬‬
‫«الفكرة وال�صلة» التي تربط بني الأحداث التي تبدو غري‬ ‫ومع اقرتابنا من «قمة املعرفة»‪ ،‬التي نرتقي ونرى �آفاق املعرفة العاملية يف‬
‫مرتابطة‪ ،‬فهو يعترب العلم بحث ًا دائم ًا ود�ؤوب ًا عن «الروابط‬ ‫غربها و�شرقها كل عام‪ ،‬نقدم لكم ُملخ�صني لكتابني �أ�سا�سيني هما‪« :‬مزايا‬
‫اخلفية» التي تربط بني الأ�شياء املتنافرة التي تبدو للوهلة‬ ‫التن ُّوع‪ :‬كيف تنجح الفرق العظيمة يف اقت�صاد املعرفة» ت�أليف �سكوت بيدج‪،‬‬
‫الأوىل وك�أ َّنها متناثرة‪ ،‬وعلينا �أن نرى تلك ال�صالت بد َّقة‬ ‫وي�ستعر�ض املنافع التي ميكن حتقيقها حني تعمل الفرق الع�صرية املتن ّوعة‬
‫ت�شبه د َّقة حركة الآالت‪ ،‬ذلك لأنَّ «هناك �أوجه ت�شابه كثرية‬ ‫بع�ضها مع بع�ض يف بيئة مفعمة باحلما�سة واملناف�سة وال�سرعة‪ ،‬لأن القدرة‬
‫بني املنظومات والآالت»‪ ،‬ومن هنا تتم َّثل براعة الو�صول‬ ‫الفردية الن�سبية مل تعد كافية‪ .‬كما �أن حل امل�شكالت يتط َّلب جمع الكثري من‬
‫�إىل ال�شرح والطرح يف خلق منوذج ذهني‪� ،‬أو «�آلة خيالية»‬ ‫املعلومات وا�ستخدام مزيج معقَّد من الأدوات‪ ،‬بينما ي�سهم التن ُّوع املعريف يف‬
‫ذات قدرة وجدارة �أكرب‪ ،‬ما مي ّكننا من ربط �أ�سباب الأمور‬ ‫حتقيق النجاح للم�ؤ�س�سات عرب ِف َرقها الذكية‪ .‬وي�ؤكد امل�ؤلف �أن التن ُّوع ال يتم‬
‫بنتائجها و�إزالة االلتبا�سات التي قد تطال �أي منوذج �أو ق�ضية‪.‬‬ ‫ع�شوائي ًا‪ ،‬لأ َّننا نحتاج �إىل فهم الكيفية التي يعمل بها‪ ،‬مع خلق ثقافة تُعزّز‬
‫التفاعالت املتناغمة بني اخلربات املتع ّددة‪ ،‬واخللفيات التعليمية املتكاملة‪،‬‬
‫يرى «�سميث» �أنَّ القيا�س الع�شوائي هو عد ُّو النظرية الوا�ضحة‪،‬‬ ‫والهو َّيات املختلفة‪.‬‬
‫ويتم َّثل هذا القيا�س الع�شوائي يف حماولة املف ّكرين �شرح �شيء‬ ‫�أما امللخ�ص الثاين فيقدم كتاب كارال �أوديل و�سندي هيوبرت وعنوانه‪:‬‬
‫من خالل عالقته ب�شيء �آخر‪ ،‬فمث ًال نالحظ �أن م�ؤ ّيدي نظرية‬ ‫«ع�صر املعرفة‪ :‬ت�أثري �إدارة املعرفة يف م�ستقبل الأعمال»‪� ،‬إذ حتتاج كل‬
‫«فيثاغور�س» راحوا ي�شرحون جميع الأ�شياء م�ستخدمني‬ ‫م�ؤ�س�سة يف ظل اقت�صاد املعرفة �إىل تطوير برنامج فني متكامل ُيح ِّول املعرفة‬
‫خ�صائ�ص الأرقام؛ ولطاملا راح الأطباء ُي�ش ّبهون علم وظائف‬ ‫الفرد َّية �إىل م�ؤ�س�س َّية عرب ا�سرتاتيج َّية ذك َّية ومالئمة‪� .‬إدارة املعرفة ُجهد‬
‫الأع�ضاء باجلهاز ال�سيا�سي (ي�ض ُّم اجلهاز ال�سيا�سي جميع‬ ‫منظم يحول البيانات �إىل معرفة‪ ،‬وميكنها من النمو و�إ�ضافة قيمة حني يوفر‬ ‫َّ‬
‫املعرفة املنا�سبة للأ�شخا�ص املنا�سبني يف الوقت املنا�سب‪ ،‬وي�ساعد النا�س على‬
‫‪Adam Smith: 1723 – 1790‬‬ ‫ت�شا ُرك املعلومات وتوظيفها يف حت�سني الأداء امل� َّؤ�س�سي‪ .‬ولأنَّ ت�صميم منظومة‬
‫�صاحب كتاب (ثروة الأمم)‬
‫جديدة لإدارة املعرفة لي�س �أمر ًا �سه ًال‪ ،‬يجب البدء بتحديد القيمة املقرتحة‬
‫لربامج �إدارة املعرفة‪ ،‬وت�أمني دعم قادة امل� َّؤ�س�سة لتطوير ا�سرتاتيج َّية ر�سمية‬
‫ت�ضمن تخ�صي�ص جزء من املوارد لذلك الربنامج‪ ،‬ما يتط َّلب �إعداد عر�ض‬
‫عمل‪ ،‬وت�صميم منهج َّية معرفية ت�شمل تقييم القدرات التي يتمتَّع بها فريق‬
‫للتو�سع م�ستقب ًال‪.‬‬
‫التطوير‪ ،‬وحتديد الفر�ص اجلديدة وو�ضع خطط ُّ‬
‫جمال بن حويرب‬
‫المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬

‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬ ‫‪2‬‬
‫كانت حما�ضرات «�سميث» الثالث الأوىل‬ ‫وعدم الرتابط»‪ ،‬كما تن�ساب فيه الأفكار‬ ‫معي ويت ُّم التعامل معهم‬ ‫الأ�شخا�ص يف بلد َّ‬
‫ناجحة للغاية‪ ،‬ما جعل جامعة «جال�سجو»‬ ‫عرب الذهن ويف العقل بتلقائية‪ُ .‬ي�ضاف‬ ‫على �أ َّنهم جمموعة واحدة‪ ،‬وعاد ًة ما ي�ستمر‬
‫تختار «�سميث» يف عام ‪ 1751‬ملن�صب �أ�ستاذ‬ ‫�إىل هذا �أن ال�شرح الوايف كفي ٌل لي�س ب�إقناع‬ ‫التمثيل عن طريق هذا ال�شرح املجازي‬
‫املنطق‪ ،‬ومن هنا �أ�صبح «�سميث» �أول خبري‬ ‫املتخ�ص�صني فح�سب‪ ،‬بل والعامة كذلك‪ ،‬و�إال‬
‫ِّ‬ ‫�أنَّ ر�أ�س احلكومة هو ر�أ�س الدولة)‪ ،‬وعلى‬
‫اقت�صاد �أكادميي يف التاريخ‪� ،‬إذ و�ضع الإطار‬ ‫�صار لدى اخلرباء كثري من الدوافع واحلجج‬ ‫هذا يع ّلق «�سميث» بقوله �إنَّ ال�شرح الوايف‬
‫النظري لهذا املجال‪� ،‬أو ملا ن�سميه اليوم «علم‬ ‫واال َّدعاءات كي يتظاهروا مبعرفة �أكرث مما‬ ‫واملفهوم ال ب َّد �أن يكون �سل�س ًا ومرتابط ًا‪� ،‬أي‬
‫االقت�صاد»‪.‬‬ ‫يعرفونه بالفعل‪.‬‬ ‫�أ َّنه يخلو من «الفجوات‪ ،‬والثغرات‪ ،‬والتو ُّقف‪،‬‬

‫اليد اخلفية وم�صنع الإبر‬


‫خمتلفة‪ ،‬وعليه ي�ستطيع ع�شرة رجال �صناعة ‪� 48‬ألف �إبرة يف اليوم‪� ،‬أو نحو ‪5000‬‬ ‫ا�س�أل �أي خبري اقت�صاد حقيقي عن م�صدر «ثروة الأمم»‪ ،‬و�سيجيبك‬
‫جمموعة من الإبر‪.‬‬ ‫�أ َّنه يتم َّثل يف «املناف�سة»‪ ،‬و�إذا طرحت مزيد ًا من الأ�سئلة‪ ،‬ف�ستكت�شف �أنَّ‬
‫يقدّم «�سميث» اقرتاح ًا عن الآلية التي حتكم تق�سيم العمل‪ ،‬واملتم ّثلة يف الرغبة‬ ‫ن�شر الكتاب واكب اكت�شاف «اليد اخلفية»‪� ،‬أي يد التنظيم الذاتي لرتابط‬
‫بالبيع وال�شراء‪� ،‬أي �أنَّ رغبة الب�شر يف حت�سني �أحوالهم ظاهرة �إن�سانية فطرية‬ ‫الأ�سعار والك ّميات التي نطلق عليها اليوم ا�سم «نظام الت�سعري»‪� ،‬أو «نظام‬
‫يعرفها كل العامل‪ ،‬وهي الق َّوة التي تدفع بهذا النظام ُقدُم ًا‪ ،‬فكيف نبيع مليون �إبرة؟‬ ‫الأ�سعار»‪ ،‬غري �أنَّ كتاب «ثروة الأمم» يحتوي على معلومة �أخرى مه َّمة‬
‫التخ�ص�ص تعتمد على‬
‫ُّ‬ ‫�إنَّ توزيع العمل مق َّي ٌد بات�ساع ال�سوق‪ ،‬وهذا يعني �أنَّ درجة‬ ‫تو�ضح العالقة بني وفورات‬ ‫لطاملا �أغفلناها‪� ،‬أال وهي تلك الفكرة التي ّ‬
‫كم املنتج الذي ت�ستطيع بيعه‪ ،‬وعلى وفورات حجم عملك‪� ،‬إذ عليك �أو ًال تغطية‬ ‫ّ‬ ‫والتخ�ص�ص‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫احلجم‬
‫تكاليفك الثابتة (�أي ًا كانت)‪ ،‬على �أن يتب َّقى لك �شيء من نتائج �إنتاجك مهما كان‬ ‫�أ َّلف «�سميث» كتاب «ثروة الأمم» بغر�ض تو�ضيح �أ�سباب تب ُّو�ؤ «�إجنلرتا»‬
‫قلي ًال‪ ،‬وهذا هو ما ن�سميه «الربح»‪.‬‬ ‫ال�صدارة يف ذلك الزمن‪ .‬لقد �سعى �إىل حتديد ال�سيا�سات التي حت ّقق‬
‫ومن الوا�ضح �أنَّ املناف�سة ‪ -‬بطبيعة احلال‪ -‬هي ما يجعل النظام يعمل‪ ،‬فلكي يعمل‬ ‫الرخاء وتن�شره‪ ،‬ال التي تعوقه وت� ّؤخره‪ ،‬وبعد مرور مائة عام ان�شغل «وليام‬
‫النظام ب�سال�سة‪ ،‬يجب �أن يكون اجلميع �أحرار ًا يف دخول ال�سوق �أو اخلروج منه‪،‬‬ ‫بيتي» باملعجزة االقت�صاد َّية �أو «البلدان املنخف�ضة» حني كانت «هولندا»‬
‫ويف تغيري جتارتهم كما يحلو لهم‪ ،‬وهو ما يطلق عليه «�سميث» مفهوم «احلرية‬ ‫و«مملكة الأرا�ضي املنخف�ضة» دولتني خمتلفتني‪ ،‬ما جعلهما تبدوان‬
‫الكاملة»‪ ،‬ويوا�صل «�سميث» حديثه قائ ًال‪�« :‬أينما تتوافر حرية املناف�سة‪ ،‬يجرب تزاحم‬ ‫�أكرث رخا ًء من «�إجنلرتا»‪ ،‬ولكن بحلول عام ‪ ،1776‬كانت «�إجنلرتا» قد‬
‫املتناف�سني جميع الذين يريدون دفع بع�ضهم بع�ض ًا خارج العمل على حماولة �إجناز‬ ‫تغ َّلبت على كل مناف�سيها و�أ�صبحت �أكرث �أمم �أوروبا ثرا ًء و�أ�سرعها منو ًا‪.‬‬
‫عملهم بدرجة ما من الد َّقة والإتقان»‪ ،‬وهذا ما ن�سميه اليوم «اجلودة»‪ٍ .‬‬
‫حينئذ‬ ‫لقد �أو�ضح «�سميث» فر�ض َّيته يف �أول جملة وردت يف كتابه‪� ،‬إذ قال‪�« :‬إنَّ‬
‫�سي�سعى كل النا�س لبيع كل ما ميكنهم بيعه ب�أعلى �سعر ي�سمح به ال�سوق‪ ،‬وال�شراء‬ ‫�أكرب تط ُّور يف القدرات الإنتاج َّية للعمالة‪ ،‬واجلزء الأكرب من مهاراتهم‬
‫ب�أقل �سعر ممكن �أي�ض ًا‪ ،‬لكن كل هذا �سيتوازن ويتعادل مبرور الوقت‪.‬‬ ‫وبراعتهم وفطنتهم يف توجيه هذه وتلك‪� ،‬أو تطبيقها‪ُ ،‬يعزى �إىل تق�سيم‬
‫التخ�ص�ص �أحد �أ�س�س ثروة الأمم التي تريد �أن‬ ‫ُّ‬ ‫العمل»‪ ،‬ومن هنا اعترب‬
‫تتقدَّم‪.‬‬
‫كان تق�سيم العمل �شائع ًا يف «�إجنلرتا»‪ ،‬غري �أ َّنه مل يكن وا�ضح ًا متام ًا‪،‬‬
‫ففي بع�ض امل� َّؤ�س�سات الكربى والوا�سعة االنت�شار‪ ،‬كان امل�ساهمون يف املنتج‬
‫النهائي منت�شرين يف جميع �أنحاء العامل‪ ،‬ومن هنا ا�سته َّل «�سميث» كتابه‬
‫ب�أحد �أهم �أمثلة التاريخ‪� ،‬أال وهو زيارة �إىل م�صنع �إبر حديث‪ ،‬حيث ميكن‬
‫متابعة العملية بر َّمتها يف مكان واحد‪ ،‬فالعامل الذي مل يتع َّلم ت�صنيع‬
‫يتلق تدريب ًا على ت�صنيعها �سي�صبح حمظوظ ًا �إذا �أنتج �إبرة‬ ‫الإبر ومل َّ‬
‫واحدة يف اليوم‪ ،‬ولكنَّ «�سميث» يقول �إ َّنه يف امل�صانع احلديثة‪ ،‬ي�ستطيع‬
‫ع�شرة رجال �أو خم�سة ع�شر رج ًال �أن ي�صنعوا كميات كبرية من الإبر‪� ،‬أي‬
‫ما يعادل اثني ع�شر رط ًال يف اليوم‪� ،‬إذ جند رج ًال يجذب ال�سلك‪ ،‬و�آخر‬
‫يفرده‪ ،‬وثالث ًا يقطعه‪ ،‬ورابع ًا يثقبه‪ ،‬وخام�س ًا ي�صقله من �أعلى حتى يعطيه‬
‫ر�أ�س ًا‪ ،‬وتقت�ضي �صناعة ر�أ�س الإبرة عمليتني �أو ثالث عمليات مم َّيزة‪،‬‬
‫فالت�صنيع عملية‪ ،‬وال�صقل عملية �أخرى‪ ،‬بل ويع ُّد ت�شبيك الإبر يف الورق‬
‫يف حد ذاته مبثابة عمل وحرفة‪ ،‬ويتك َّون ت�صنيع الإبرة من ‪ 15‬عملية‬
‫‪3‬‬ ‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬
‫كيف ح�صل علم «االقت�صاد» على هذا اال�سم؟‬
‫وبنف�س الطريقة‪ ،‬تط َّرق «ديفيد ريكاردو» لنف�س املو�ضوع يف‬ ‫ظهر كتاب «ثروة الأمم» يف عام ‪� ،1776‬أي يف مرحلة توايل‬
‫نف�س الوقت‪ ،‬ولكن من زاوية �أخرى بال�سيا�سات البنكية والتمويل‬ ‫الأحداث التي �أ َّدت �إىل ما نطلق عليه الآن ا�سم «الثورة ال�صناعية»‪.‬‬
‫احلربي‪ .‬ر�أى «ريكاردو» � َّأن امل�شكلة الأ�سا�سية يف العامل تتمحور‬ ‫لقد ا�ستفا�ض «�سميث» يف الكتابة عن التوتُّر الذي كان �سي�ؤ ّدي �إىل‬
‫حددها‬ ‫حتم ًا حول ال�صراع الدائر بني ثالث طبقات اقت�صاد َّية َّ‬ ‫حرب اال�ستقالل الأمريكية؛ بيد �أنَّه مل يكن لديه ما يقوله عن‬
‫«�آدم �سميث»‪ ،‬وهي الأر�ض والعمالة ور�أ�س املال‪ ،‬فلم يكن‬ ‫�سل�سلة االخرتاعات التي بد�أت يف حتويل حياة ال�شعب الإجنليزي‪،‬‬
‫أر�ض �أ�سو�أ حا ًال‪،‬‬‫املزارعون لي�صبحوا �أثرياء طاملا ا�ستُزرعت � ٌ‬ ‫ما جعل م�ؤ ّرخني اقت�صاد ّيني كثريين ي�ستنتجون �أنَّه رغم تركيز‬
‫�إذ كانوا �سيدفعون كل �أرباحهم ك�أجور للع َّمال الذين �سيقومون‪،‬‬ ‫ال ب�أ�سباب‬ ‫«�سميث» على حالة ودرا�سة م�صنع الإبر‪ ،‬فقد كان جاه ً‬
‫بدورهم‪ ،‬ب�إنفاق كل ما يتقا�ضونه على الطعام‪ ،‬ولهذا لن يغتني‬ ‫الت�صنيع ونتائجه‪.‬‬
‫�سوى ُمالك الأرا�ضي‪ ،‬و�سينتهي الأمر باملجتمع �إىل الركود‪ ،‬وهو‬ ‫ثم بزغ جنم «ديفيد ريكاردو» و«تي �آر مالثو�س» على خلفية احلرب‬ ‫َّ‬
‫�أمر كئيب �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫والثورات‪ .‬قام «مالثو�س» �أو ًال بن�شر بحث بعيد كل البعد يف �أ�سلوبه‬
‫كان «ريكاردو» على علم بوجود طبقة جديدة ناه�ضة من‬ ‫عن ب�ساطة الكتابة ال�صحفية‪ .‬كان بحثه يتمحور حول جدول يقارن‬
‫الر�أ�سماليني ال�صناعيني‪ ،‬فقد الحظ �أنَّهم يت�صارعون على‬ ‫معدالت النمو احل�سابية بنظرياتها الهند�سية‪ ،‬ثم �صار هذا‬ ‫فيه َّ‬
‫النفوذ مع مالك الأرا�ضي والعمال‪ ،‬لكنَّه �صار مقتنع ًا � َّأن الت�صنيع‬ ‫البحث �أ�سا�س ًا لباقي الأبحاث‪ ،‬ولكي يجعل منطق البحث م�ؤ َّكد ًا‪،‬‬
‫�سي�صبح ظاهرة ق�صرية الأمد وغري قابلة لال�ستمرار‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫و�ضع «مالثو�س» فر�ض َّيتني قو َّيتني‪� ،‬أال وهما «�أهمية العاطفة بني‬
‫معدل الربح يف القطاعات ال�صناعية �أن يتبع‬ ‫البقاء‪ .‬كان على َّ‬ ‫بغ�ض النظر‬ ‫اجلن�سني»‪ ،‬و«بقاء اخل�صوبة على حالتها احلال َّية» ّ‬
‫معدل الربح يف الزراعة‪ ،‬وكانت الثورة الوليدة يف �إنتاج الب�ضائع‬ ‫َّ‬ ‫تغي يطر�أ على العوامل واملدخالت الأخرى‪ ،‬وبنا ًء على‬ ‫عن � ّأي ُّ‬
‫ال�صناعية �ستخبو ل َّأن �أحد ًا مل يرغب يف اال�ستثمار يف منتجات‬ ‫منوذجه ذاك‪ ،‬بدا له � َّأن «ق َّوة ال�سكان» �ستتغ َّلب �سريع ًا على «قدرة‬
‫بغري �سوق‪ ،‬و�سيتوقَّف الرتاكم ومنو الرثوات‪ ،‬و�ستُعرف هذه احلالة‬ ‫الأر�ض على �إنتاج ما يقتات به النا�س»‪ ،‬ولكن مثل هذه النظرية مل‬
‫التي ي�صل فيها الإنتاج ال�صناعي �إىل ق َّمته والتط ُّور االقت�صادي‬ ‫تكن م�شروطة‪� ،‬أو قابلة للنق�ض‪� ،‬أو حتى الإ�ضافة‪ ،‬ورغم تعديله‬
‫�إىل التو ُّقف مبا ن�سميه «احلالة امل�ستق َّرة»‪ ،‬ور�أى «ريكاردو» �أنَّه ال‬ ‫لبع�ض تلك الآراء يف ال�سنوات التالية‪ ،‬مل يفقد «مالثو�س» رف�ضه‬
‫ميكن جتنُّب هذه احلالة‪ ،‬ولكن ميكن ت�أجيلها فح�سب‪ ،‬وهذا �أمر‬ ‫لآراء من كانوا يرون � َّأن الظروف االجتماعية قابلة للتح�سني‪ ،‬ما‬
‫كئيب ومثري للت�شا�ؤم كذلك‪.‬‬ ‫يجعل درا�سة االقت�صاد �أمر ًا �صعب ًا و�سوداوي ًا وال يدعو �إىل التفا�ؤل‪.‬‬

‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬ ‫‪4‬‬
‫النهر اجلويف‬
‫مل يقتنع كثريون بفكرة �أنَّ النق�ص الدائم والع َوز والتفكري بالندرة قبل‬
‫التفكري بالوفرة هو م�صري الب�شر َّية يف بدايات القرن التا�سع ع�شر‪،‬‬
‫وراح بع�ض خرباء االقت�صاد البارزين يعملون على نظر َّية م�صنع‬
‫التخ�ص�ص‬
‫ُّ‬ ‫الإبر‪ ،‬غري �أ َّنهم مل يحقّقوا جناح ًا ملحوظ ًا يف رفع �شعار‬
‫ومنو املعرفة كمحورين �أ�سا�سيني لالقت�صاد‪ .‬لقد �أ�صبح اقت�صاد‬
‫«م�صنع الإبر»‪ ،‬بح�سب عبارة «كينيث �أرو» بعد �سنوات عدة‪ ،‬مبثابة‬
‫«نهر جويف» ال يربز على ال�سطح �إال بعد عقود قليلة‪.‬‬
‫و�سرعان ما ظهر �صحايف وكاتب �آخر متط ّرف على ال�ساحة �أ�صبح‬
‫فيل�سوف ًا اقت�صادي ًا فيما بعد‪� ،‬أال وهو «كارل مارك�س»‪ .‬لقد كان‬
‫«مارك�س» مقتنع ًا متام ًا بفكرة «ريكاردو» املتم ّثلة يف ال�صراع ثالثي‬
‫الأقطاب على ال�صدارة‪ ،‬وتب َّنى «مارك�س» فكرة الفقر االقت�صادي؛‬
‫التوجهات‬ ‫لك َّنه �أدخل عليها بع�ض التعديالت‪ ،‬و�إذ ت�أ َّمل «كارل مارك�س» ُّ‬
‫اال�ستعمارية‪ ،‬ا�ستبدل مب�صطلح «عوامل الإنتاج» مفهوم ًا �آخر هو‬
‫م�صطلح «الطبقات»‪ ،‬وبد ًال من ا�ستخدام «الأر�ض» �صار هناك مالك‬
‫للأر�ض‪ ،‬و�أر�ستقراطيون‪ ،‬و�إقطاع‪ ،‬وح َّلت «الربجوازية» �أو (الطبقة‬
‫‪John Stuart Mill: 1806 – 1873‬‬
‫حمل «ر�أ�س املال»‪ ،‬وجادل «مارك�س» �أنَّ الطبقات الوافدة‬ ‫املتو�سطة) َّ‬
‫ّ‬
‫فيل�سوف االقت�صاد احلر‬
‫حمل الطبقة الأر�ستقراطية من خالل الثورة الر�أ�سمالية‬ ‫�ستح ُّل َّ‬
‫اخلفية التي ميكن تت ُّبعها يف �أحداث جرت منذ قرنني �أو ثالثة‪ ،‬وبد ًال‬
‫الأمر بتغيري الأحوال االقت�صاد َّية للأمم لتتح َّول �إىل معرفة ملمو�سة‪،‬‬ ‫من احلديث عن «العمالة» وقوى الإنتاج‪ ،‬تط َّرف مارك�س وراح ير ّكز‬
‫�أو مواد ومنتجات و�آالت‪ ،‬ف�إنَّ هذا �سيعود �إىل العلوم الطبيعية والفنون‬ ‫على «الطبقة العاملة» البائ�سة كما كان يراها‪.‬‬
‫معني بالأ�سباب النف�سية‬ ‫القائمة على �أ�سا�سها‪� .‬أ َّما االقت�صاد فهو ٌّ‬ ‫�أ�صبحت التكنولوجيا هي نزعة الطبقة الر�أ�سمالية النامية‪ ،‬وكانت‬
‫وامل� َّؤ�س�سية للنمو فح�سب»‪ ،‬ومل يكن تق�سيم العمل قد اختفى متام ًا يف‬ ‫املتو�سطة تبت ُّز وحتظى بكل الأرباح املمكنة من النظام احلايل‪،‬‬ ‫الطبقة ّ‬
‫ذلك احلني‪ ،‬بل �أ�ضحى ق�سم ًا واحد ًا �أو فكرة �شاملة َّمت التعارف على‬ ‫�إذ كان �أع�ضا�ؤها مفطورين نف�سي ًا ملثل هذا العمل‪ ،‬ويف النهاية كانت‬
‫و�صفها بالـ«مبد�أ الأكرث ر�سوخ ًا» �أو مبد�أ «التعاون»‪ .‬يحدث التعاون‬ ‫املتو�سطة‪ ،‬ال ُمالك الأرا�ضي‪ ،‬هي التي �ستعمل وحت�صل فقط‬ ‫الطبقة ّ‬
‫حني ي�ساعد العاملون بع�ضهم بع�ض ًا على �أداء مها ّمهم‪� ،‬سواء �أكانت‬ ‫على ال ُفتات‪ ،‬ولكن كانت الطبقة العاملة �ست�صعد بعد ذلك وتقلب‬
‫التخ�ص�ص‪� ،‬أ�صبح هناك «�صندوق �أ�سود»‬ ‫ُّ‬ ‫ب�سيطة �أم معقَّدة‪ ،‬وبد ًال من‬ ‫الأحوال ر�أ�س ًا على عقب‪ ،‬وكان �أع�ضا�ؤها �سي�صادرون «و�سائل الإنتاج»‬
‫�أطلق عليه «جون �ستيوارت ميل» ا�سم «الإنتاجية» �أو (القدرة على‬ ‫من خالل عدم اال�ستقرار الذي �ست�شهده خمتلف الدول‪.‬‬
‫الإنتاج)‪ .‬كان «ميل» يرى �أنَّ الأمور �ست�صبح على ما يرام طاملا زادت‬ ‫ثم جاء خبري االقت�صاد الإجنليزي «جون �ستيوارت ميل» فلم يتجاهل‬ ‫َّ‬
‫القدرة على الإنتاج‪ ،‬ومن هنا �أ�صبح منو املعرفة التقنية ق َّوة اقت�صاد َّية‬ ‫التق ُّدم التقني متام ًا‪ ،‬غري �أ َّنه مل يحاول �شرحه �أي�ض ًا ولو بطريقة‬
‫كا�سحة؛ بينما �أ�ضحت القدرة على الإنتاج ق َّوة خارجية لها �أ�صولها‬ ‫بعيدة عن علم االقت�صاد كما كان يراه‪ .‬لقد افرت�ض وبكل ب�ساطة‬
‫وقواها الدافعة‪.‬‬ ‫ملدة �أطول؛ وكتب يف هذا يقول‪« :‬حني يتع َّلق‬ ‫�أنَّ الأمور �ست�ستمر هكذا َّ‬

‫ت�أثريات االمتدادات واملنافع االقت�صاد َّية‬


‫حد ما تلك التي كانت ترت َّنح وهي على �شفا خو�ض حروبها مع «نابليون» قبل خم�س‬ ‫بحلول عام ‪� ،1890‬صارت «�إجنلرتا» ت�شبه �إىل ٍّ‬
‫و�سبعني �سنة‪ .‬لقد مت َّثلت املفاج�أة الكربى يف بزوغ طبقة و�سطى كبرية‪ ،‬ولكن من امل�ؤ َّكد �أنَّ �أحياء ب�أكملها يف «لندن» كانت تعي�ش يف‬
‫فقر‪ ،‬بيد �أ َّنه كان فقر ًا من نوع خمتلف‪ ،‬فبف�ضل ال�صناعات اجلديدة‪ ،‬كان الفقراء يتمتَّعون مبزيد من امل�ساكن والدفء والنور والطعام‬
‫واملالب�س‪ ،‬وهذه هي الظاهرة التي نطلق عليها اليوم م�صطلح «النمو االقت�صادي»‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬
‫لقد راح �أحد خرباء االقت�صاد ي�شرح كيف حدث الت�صنيع‬
‫الذي بد�أ يف القرن املا�ضي‪ .‬كان هذا اخلبري هو «�ألفريد‬
‫مار�شال» �أ�ستاذ االقت�صاد ال�سيا�سي يف جامعة «كامربيدج»‬
‫حتى �أنَّ جناحه �أثار الده�شة‪ ،‬ففي �شرحه كيف يتعاي�ش‬
‫التخ�ص�ص مع املناف�سة يف العامل احلديث‪� ،‬أعاد «مار�شال»‬ ‫ُّ‬
‫احلد‬
‫توجيه ر�ؤية «�آدم �سميث» الثنائية ب�شكل بارع جعل َّ‬
‫والتخ�ص�ص) غري مرئي‬ ‫ُّ‬ ‫الفا�صل بني الأمرين (املناف�سة‬
‫متام ًا‪ ،‬ومل يكن الأمر يتط َّلب �سوى حيلة ب�سيطة‪ ،‬فنحن‬
‫ال ن�ستطيع �أن نفهم ما حدث لعلم االقت�صاد يف القرن‬
‫الع�شرين من دون �أن نعرف �شيئ ًا ولو قلي ًال عن زيادة‬
‫العائد اخلارجي �أو بعبارة �أخرى‪ :‬عن العوامل اخلارجية‪،‬‬
‫ف�سرعان ما �أعطي اخرتاع «مار�شال» ا�سم ًا غري ر�سمي‪.‬‬
‫فهل يعتمد ال�سعر على تكاليف الإنتاج‪� ،‬أم على رغبة‬
‫ال�شخ�ص الذي يدفعه؟ قال «مار�شال» �إنَّ الإجابة‬
‫ال�صحيحة هي �أ َّنه يعتمد على كلتيهما‪ ،‬فالعر�ض والطلب‪،‬‬
‫والإنتاج واال�ستهالك‪ ،‬واملنافع املكت�سبة وتكاليف الإنتاج‬
‫كلها مه َّمة بدرجات خمتلفة ويف �أوقات خمتلفة‪ .‬لقد تبنَّى‬
‫«مار�شال» ا�سرتاتيج َّية احلل الو�سط التي �أطلق عليها ا�سم‬
‫«التوازن اجلزئي»‪ ،‬فال�سوق ي�شبه الآلة احلا�سبة العمالقة‪،‬‬
‫�إذ يعطي ر�أ�س املال والعمالة ن�صيب ًا مت�ساوي ًا من الأهمية‬
‫بحيث يعتمد ك ٌّل منهما على الآخر اعتماد ًا متباد ًال وب�شكل‬
‫مت�سا ٍو‪ ،‬ومن �ش�أن االحتادات االحتكارية �أن تُعزّز �أثر هذا‬
‫االعتماد‪.‬‬
‫للتعامل مع العائدات‪ ،‬ر�أى «مار�شال» �أ َّنه يجب �أن يكون‬
‫هناك م�صدران لتخفي�ض التكاليف‪ ،‬ونوعان من العائد‬
‫املرتفع؛ يرتبط كالهما بوفرة الإنتاج‪� ،‬أي بحجم ال�سوق‪.‬‬
‫كانت االقت�صادات الداخلية (االقت�صادات اخلا�صة‬
‫مب� َّؤ�س�سة بعينها) هي اقت�صادات ظاهرة �أو كحالة م�صنع‬
‫الإبر املعروفة‪َّ � ،‬أما االقت�صادات اخلارجية‪ ،‬فكانت تعتمد‬
‫على التط ُّور العام لل�صناعة ككل‪ ،‬وت�شمل وفورات احلجم‬
‫توزيع تكاليف بع�ض اخلدمات الأ�سا�سية املطلوبة يف‬
‫الت�صنيع وتكاليف ر�أ�س املال الثابتة على الإنتاج الكلي‪ ،‬ما‬
‫ي�ؤ ّدي �إىل زيادة العائد‪.‬‬
‫ول�ضمان احلفاظ على املناف�سة يف النظام االقت�صادي كله‪،‬‬
‫�أدخل «مار�شال» املنافع التي ميكن توفريها للجميع دون‬
‫مقابل‪� ،‬أي العائد اخلارجي‪ .‬ي�أتي هذا العائد من حجم‬
‫ال�صناعة الذي ُي�شار �إليه ويو�صف ب�أ َّنه «ت�أثري اجلرية»‪،‬‬
‫و�سرعان ما �أُ�شري �إىل هذه العوامل اخلارجية على �أ َّنها‬
‫«ت�أثريات امتداد» من دون �أن تفقد معناها‪ ،‬فلم تكن‬

‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬ ‫‪6‬‬
‫ت�أثريات االمتداد هي النفقات املع َّلقة للن�شاط االقت�صادي‪ ،‬ومل يكن مطلوب ًا �أن َّ‬
‫يتم ت�أييد هذه النفقات يف ح�سابات الإنتاجية‬
‫احلدية‪ ،‬فهي مل تكن ُمدخالت‪ ،‬ومل تتط َّلب �ضمانات‪ ،‬ومل تلعب �أي دور يف �شكل وترتيب ال�سعر‪ ،‬ومن هنا حافظت ت�أثريات االمتداد‬
‫ّ‬
‫على نظرية «مار�شال» التي اعتربها كثريون �أدا ًة فعالة يف التوفيق بني زيادة العائد وفر�ضية مناف�سة اليد اخلفية‪ ،‬مع جعل‬
‫احل�سابات م�ضبوطة ومتوازنة‪.‬‬

‫الكينزية واحلركة االقت�صاد َّية احلديثة‬


‫بحلول عام ‪� ،1945‬أي بالتزامن متام ًا مع نهاية احلرب العاملية‬
‫الثانية‪ ،‬راح علم االقت�صاد يزدهر مرة �أخرى‪ ،‬وكانت �أمريكا هذه‬
‫املرة مركز هذا االزدهار‪ .‬لقد حدث الك�ساد الكبري‪ ،‬وظهر «جون‬
‫ق�صتنا مع هذه املرحلة تتع َّلق بالظاهرة‬ ‫مينارد كينز»‪ ،‬ولذا ف� َّإن َّ‬
‫�أو «الكينزية» ن�سبة �إىل «كينز»‪ .‬اكت�شف «كينز» االقت�صاد اجلمعي‬
‫�أو اجلماعي‪ .‬لقد كان العامل غريب ًا‪� ،‬إذ مل يقابل العر�ض بالطلب‬
‫بال�ضرورة ويف كل الأحوال‪ ،‬ومل يكن االدخار جيد ًا بال�ضرورة‪ ،‬كما‬
‫مل يكن االقرتا�ض �سيئ ًا بال�ضرورة �أي�ض ًا‪ ،‬ففي ع�شرينيات وبداية‬
‫ثالثينيات القرن املا�ضي‪ ،‬جاءت موجة هائلة من التفكري العلمي‬
‫غمرت االقت�صاد التقني‪ ،‬رافع ًة طموحات االقت�صاد ووا�ضعة‬
‫أدوات جديد ًة بني يديه‪ ،‬وميكننا �أن نطلق على هذا التح ُّول ا�سم‬ ‫� ٍ‬
‫«الربنامج احلديث»‪ ،‬وهو قرار م�شرتك يق�ضي ب�إزاحة التبا�س‬
‫الفهم ال�شفوي �أو الدارج وا�ستبدال مناهج �أكرث دقة به‪.‬‬
‫�أراد بع�ض املف ّكرين �أن يدجموا التفكري الإح�صائي يف النظرية‬
‫اهتم بع�ضهم‬ ‫االقت�صاد َّية بغر�ض حتليل البيانات احلقيقية‪ ،‬بينما َّ‬
‫الآخر مب�شكالت التخطيط‪ ،‬يف الوقت نف�سه ق َّررت فئة �أخرى �أن‬
‫ت�ضع برناجم ًا �شكلي ًا لتحليل التفاعالت الب�شر َّية ريا�ضي ًا‪ ،‬بدء ًا‬
‫ببديهيات جذرية‪ ،‬وت�ص َّورت فئة �أخرى علم ال�سلوك اال�سرتاتيجي‬
‫لكن ال�سمة‬ ‫الذي �صار يعرف فيما بعد باالقت�صاد ال�سلوكي‪َّ ،‬‬
‫امل�شرتكة لهذه امل�سائل املعقَّدة مت َّثلت يف تف�ضيل املناهج الريا�ضية‬
‫‪John Maynard Keynes: 1883 – 1946‬‬ ‫واملنطق ال�شكلي‪ ،‬فقد بزغت احلركة احلديثة لتمييز االقت�صاد‬
‫فيل�سوف االقت�صاد الكلي‬
‫التطبيقي عن االقت�صاد التقليدي الذي اعتمد على الأبحاث‬
‫النظرية فقط‪.‬‬
‫ثم جاء «�إدوارد ت�شامربلني» الذي بدا م�ستوعب ًا مل�س�ألة النمو‬ ‫َّ‬
‫لقد ا�شرتك التجديديون يف قناعة واحدة مم َّثلة يف �أنَّه رغم كون‬
‫االقت�صادي �أكرث من غريه من علماء االقت�صاد‪� .‬أدرك‬
‫الف�صل بني االقت�صاد اجلمعي واالقت�صاد الكلي مفيد ًا يف بداية‬
‫«ت�شامربلني» � َّأن �أي بائع يتم َّكن من جذب ال�سوق والعمالء �إىل‬
‫الأمر‪ ،‬مل يعد ا�ستمراره مقبو ًال‪ ،‬وبعبارة �أخرى‪ :‬كان على علم �إدارة‬
‫منتجاته (من خالل الرتويج والت�سويق الناجح) ي�ستطيع �أن يبيع‪،‬‬
‫ال ب�سعر ال�سوق الذي ّ‬ ‫الأعمال احلديث �أن ي�ضع �أ�س�س ًا لفهم ظواهر االقت�صاد اجلمعي‬
‫احلدية للإنتاج‪ ،‬بل �أن يبيع‬
‫يغطي التكاليف ّ‬
‫املتغية من خالل �شرح‬ ‫مثل �إخفاق الأ�سعار يف مواكبة الظروف ّ‬
‫�أ َّية كمية من املنتجات ب�أي �سعر مينحه �أكرب ربح‪ ،‬ف�إذا ما �شعر‬
‫يتوجب على علم‬ ‫ال�سلوك االقت�صادي اجلزئي للأفراد‪� ،‬إذ كان َّ‬
‫العمالء �أنَّهم يريدون منتج ًا بعينه‪ ،‬ف�سيدفعون �أكرث‪ ،‬ويع ُّد التمييز‬
‫موحد عن ال�سلوك االقت�صادي من القاع‬ ‫االقت�صاد تقدمي تقرير َّ‬
‫الناجح للمنتجات‪ -‬القائم على اخل�صائ�ص‪ ،‬والعالمة التجارية‪،‬‬
‫�إىل الق َّمة كي ي�صبح ُمقنع ًا‪.‬‬
‫والإعالن‪ ،‬واملكان‪ -‬جوهر الت�سويق الناجح‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬
‫من تلقاء نف�سه‪ ،‬ف�ستتناق�ص العوائد‪ ،‬ويع ُّد منو الإنتاجية �أو الدخل‬
‫منوذج املرتوكات‬
‫تعب عن تراكم العمالة م�ضروبة يف ثابت ع�شوائي مي ّثل منو‬ ‫دالة ّ‬ ‫بقي لغ ٌز واح ٌد يف االقت�صاد التقني يف �أوائل خم�سينيات القرن‬
‫معدالت حدوث التق ُّدم التقني من خالل افرتا�ض‬ ‫املعرفة‪ ،‬وتُقا�س َّ‬ ‫حدة‪،‬‬‫املا�ضي‪ ،‬فقد �صارت امل� َّؤ�س�سات �أكرب؛ وبدت املناف�سة �أقل َّ‬
‫�أنَّ املعرفة �ستزيد زيادة ثابتة مبرور الوقت‪ ،‬وعام ًا تلو الآخر‪ ،‬وقد‬ ‫مما كان عليه من قبل‪،‬‬ ‫ومع ذلك كان االقت�صاد ينمو ب�شكل �أ�سرع َّ‬
‫حدث هذا بالفعل‪ ،‬وما زال يحدث مبتواليات َّ‬
‫م�ضطردة‪.‬‬ ‫فكيف حت َّول تقلُّ�ص املُ َّدخرات �إىل منو اقت�صادي؟ وماذا حدث ملا‬
‫لكن منوذج «�سولو» افرت�ض �ضمني ًا �أنَّ املدخرات لي�ست مه َّمة‬ ‫كان ُيفرت�ض �أ َّنه املنطق احلتمي لتناق�ص العوائد؟ لقد كان هناك‬
‫يف النمو االقت�صادي‪ ،‬وهو �أم ٌر غريب‪� ،‬إذ ي�شري �إىل �أنَّ ت�أثري‬ ‫مي�ض وقت طويل قبل �أن‬ ‫مبد�أ جديد يو�شك على البزوغ؛ ومل ِ‬
‫املدخرات بوا�سطة زيادة‬ ‫ر�أ�س املال لكل عامل‪ -‬مثل م�ضاعفة َّ‬ ‫ُيطلق عليه ا�سم «منوذج املرتوكات»‪ ،‬وها هو «روبرت �سولو» يدخل‬
‫معدل النمو �سي�صبح م�ؤ َّقت ًا‪ ،‬ولكن متى �سي�صبح‬‫ال�ضرائب‪ -‬على َّ‬ ‫ال�ساحة‪.‬‬
‫م�ؤ َّقت ًا؟ خالل �سنوات �أم خالل عقود؟ ولكنَّ هذا مل يكن مهم ًا‪،‬‬ ‫يع ُّد ابتكار �أو فكر «�سولو» منوذج ًا �إنتاجي ًا يقوم على التبادل ومن‬
‫ففي النهاية �ست�ؤ ّدي كل هذه الإجراءات �إىل تناق�ص العوائد‪،‬‬ ‫�أهم �إ�سهاماته‪ .‬ا�ستبدل «�سولو» مببد�أ ن�سبة اال�ستثمار (ر�أ�س املال)‬
‫�إذ ارتفعت �أجور العاملني بالن�سبة �إىل تكلفة الآالت‪ .‬وعليه فلن‬ ‫متغية‬ ‫�إىل النمو‪ ،‬مبد�أ �آخر جديد ًا ن�سبي ًا مم َّث ًال يف دا َّلة �إنتاجية ّ‬
‫تتم َّكن الأمم من رفع َّ‬
‫معدالت من ّوها بنف�س الن�سبة‪ ،‬فب�إمكان النمو‬ ‫ذات مزايا م�ضاعفة‪ .‬لقد �سمح هذا املبد�أ للمنتجني بالتح ُّرك‬
‫التغي التقني فح�سب �أن يفعال ذلك‪.‬‬
‫ومعدل ُّ‬‫ال�سكاين َّ‬ ‫والتق ُّدم �إىل الأمام و�إىل اخللف‪ ،‬م�ستخدمني ر�أ�س املال حني‬
‫ويف عام ‪ ،1951‬ا�س ُتخدِ مت النظرية والتحليل التقريبي يف حتديد‬ ‫تكون العمالة ُمك ّلفة والعك�س بالعك�س‪ ،‬ومن هنا مل يعد النموذج‬
‫متى يكون للمعادالت التي ت�صف االقت�صاد ح ًال‪ ،‬ما �أوجد ح ًال‬ ‫مي ّثل م�شكلة خطرية‪ ،‬كما �أف�سحت الآلية اجلديدة (التنقُّل �إىل‬
‫لأحد �أ�صعب الألغاز يف علم االقت�صاد احلديث‪ ،‬وبنا ًء عليه حت َّولت‬ ‫متغي جديد على النموذج‪� ،‬أال وهو‬ ‫الأمام واخللف) املجال لدخول ّ‬
‫املعادالت �إىل ُمنحنيات و�إىل فراغات بد ًال من نقاط على خطوط‪،‬‬ ‫التغيات التكنولوجية‪.‬‬ ‫معدالت ُّ‬ ‫«املعطيات» التي ت�صف َّ‬
‫وحت َّولت الر�سوم الهند�سية البيانية التي ت�صف العر�ض والطلب‬ ‫افرت�ض «�سولو» وجود مناف�سة مثالية‪ ،‬ما يخدم منوذجه‪ ،‬بحيث‬
‫�إىل حدود لإمكانية الإنتاج (منحنيات �إمكانية الإنتاج)‪.‬‬ ‫تغي �أحدهما‬ ‫تُعاد املنتجات احل ّدية لر�أ�س املال وال ُع َّمال‪ ،‬و�إذا ما َّ‬

‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬ ‫‪8‬‬
‫اجتاهات جديدة‬
‫بحلول عام ‪ ،1978‬ابتكر «بول كروجمان» خريج معهد ما�سات�شو�ست�س للتكنولوجيا منوذج ًا للمنتجات املم َّيزة‪ .‬لقد �شرح كيف ميكن‪،‬‬
‫ال مل� َّؤ�س�سة فح�سب‪ ،‬بل لأ َّمة ب�أ�سرها �أن حتتفظ مبيزات مع َّينة‪ ،‬و�أن تُب ِعد املناف�سني‪َّ .‬بي «كروجمان» كيف يتحقَّق التعاي�ش بني زيادة‬
‫العوائد والتوازن العام‪ ،‬ف�إذا ما تق َّدمت دولة �أو منطقة مع َّينة يف الإنتاج ال�شامل لأحد املنتجات الراقية الذي ال يوجد له بديل‪ ،‬ف�إ َّنها‬
‫َّ‬
‫و�سيتعذر على الآخرين اقتحام هذه‬ ‫التخ�ص�ص �سيق ّلل تكاليف الوحدة (�أي وحدة املنتج)‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ت�ستطيع االحتفاظ بهذا التق ُّدم‪ ،‬وذلك لأنَّ‬
‫الدائرة‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬
‫ي�شري هذا �إىل �أنَّ االعتماد على الأ�سواق لي�س �ضروري ًا كي ت�سري‬
‫الأمور على ما يرام‪ ،‬كما كان يرى (ت�شامربلني)‪� ،‬إذ قد يزيد تو ُّتر‬
‫الأ�سواق مبرور الوقت‪ ،‬بد ًال من العودة �إىل حالتها «الطبيعية»‪ ،‬وبلغة‬
‫النظريات‪ ،‬قد تكون هناك �أ�شكال عدة للتوازن‪ ،‬وكانت هذه نتيجة‬
‫ثورية للغاية لأ َّنها ق َّللت من �ش�أن نظريات الرخاء و�أ�شارت �ضمن ًا �إىل‬
‫وجود دور تلعبه احلكومات‪ ،‬فلم يعد مبد�أ االختالفات اجلغرافية‪،‬‬
‫التخ�ص�ص‬‫ُّ‬ ‫�أو امليزة الن�سبية هو ال�شيء الوحيد الذي ّ‬
‫يو�ضح �أطر‬
‫بغ�ض النظر عن �أي‬ ‫العاملية‪ ،‬ويف بع�ض الأحيان يكون التاريخ نف�سه‪ّ ،‬‬
‫بلد بد�أ بداية جيدة‪ ،‬هو ال�سبب‪.‬‬
‫وقبل مرور وقت طويل‪ ،‬و�ضع «بول رومر» منوذج ًا �أكرث قدرة على‬
‫التخ�ص�ص‪� ،‬أي زيادة تق�سيم العمل ب�أ�سلوب عام‪ .‬يطلق على‬ ‫ُّ‬ ‫و�صف‬
‫هذا النموذج ا�سم «اقت�صاد التجديد» الذي يعتمد على توفري منتجات‬
‫تختف متام ًا؛ وكان‬
‫جديدة كي يعمل‪ ،‬غري �أنَّ املنتجات القدمية مل ِ‬
‫مقيا�س الدولة هو عدد �س َّكانها‪ .‬هذا يعني �أنَّ �أم ًة كبرية مثل ال�صني‬
‫يجب �أن تنمو ب�شكل �أ�سرع من دولة �أخرى ذات اقت�صاد �صغري ومغلق‪.‬‬
‫التخ�ص�ص‪� ،‬أي املنتجات اجلديدة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫مت َّثلت النقطة الأ�سا�سية يف �أن‬ ‫‪Paul Robin Krugman‬‬
‫‪2008‬‬ ‫احلائز على نوبل لالقت�صاد‬
‫وما ي�ستتبعه من زيادة يف العوائد‪ ،‬هو �أ�سا�س زيادة الإنتاج‪.‬‬

‫التغي التقني النابع من الداخل‬


‫ُّ‬
‫بحلول عام ‪ ،1988‬ن�شر «رومر» ورقة بحثية ي�ؤ ّكد فيها �أنَّ تراكم‬
‫املعرفة �أهم من تراكم العوامل املادية‪ ،‬وقد �أدَّت هذه الفكرة �إىل‬
‫فوزه بجائزة «نوبل» لالقت�صاد بعد ثالثني عام ًا‪ ،‬فلم تزل املواد‬
‫اخلام الأ�سا�سية التي ُتخلط لإعطاء املنتج املطلوب كما هي‪ ،‬لكنَّ‬
‫و�سيلة خلط هذه املواد �أ�صبحت �أكرث تعقيد ًا يف ال�سنوات الأخرية‪.‬‬
‫مل يكن «رومر» قد ا�ستخدم م�صطلح املعرفة «التي ميكن ا�ستخدامها‬
‫مرات عديدة دون زيادة يف التكاليف»‪ .‬لك َّنه فرق بني م�صطلح‬
‫«املعرفة التلقائية التي ال تتط َّلب تفكري ًا» (�أي �أنَّ ر�أ�س املال الب�شري‬
‫ال يعي�ش �أطول من الفرد) وم�صطلح «املعرفة التي تتط َّلب تفكري ًا»‬
‫(�أي �أنَّ ر�أ�س املال الب�شري يعي�ش �أطول من الفرد)‪ .‬لقد تط َّورت هذه‬
‫امل�صطلحات تدريجي ًا‪ ،‬و َّمت ربط الرثوات امل�ستخدمة مرات عديدة‬
‫والرثوات غري امل�ستخدمة مرات عديدة بالأ�شياء املادية والأفكار غري‬
‫املادية‪َّ ،‬ثم اختزالها يف كنايات عن الذ َّرات والفتات‪.‬‬
‫التخ�ص�ص‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫لقد جعل منوذج «رومر» الأخري املتع ّلق بالنمو من خالل‬
‫عندئذ �صار «رومر» حري�ص ًا على الروابط بني‬‫ال�سكان �أ�سا�س النمو‪ٍ .‬‬
‫متخ�ص�ص ًا ومنو املعرفة‪ ،‬ففي‬
‫ِّ‬ ‫ر�أ�س املال الب�شري املتد ّرب تدريب ًا‬
‫جميع الأحوال ال ت�ؤدي العمالة قليلة اخلربة مهام البحث والتطوير‪،‬‬
‫‪Paul Michael Romer‬‬ ‫فمن يقوم بذلك هم املهند�سون‪ ،‬والعلماء‪ ،‬والعمال املاهرون‪ ،‬ثم‬
‫احلائز على نوبل لالقت�صاد‬
‫�أو�ضح منوذج الوفرة ‪� buffalo model‬سبب كون ال�سكان مقيا�س ًا‬
‫‪2018‬‬

‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬ ‫‪10‬‬
‫غري �صحيح للحجم‪ ،‬والأهم هو �أنَّ هذا النموذج َّبي كيف �أنه من خالل‬
‫كتب مشابهة‪:‬‬ ‫فتح الأ�سواق �أمام املعرفة اجلديدة‪ ،‬ت�ؤ ّثر �سيا�سة التجارة ال يف الرخاء‬
‫فح�سب‪ ،‬بل ويف معدَّل النمو نف�سه‪� ،‬إذ يختلف اقت�صاد ابتكار الأفكار عن‬
‫اقت�صاد �صناعة الأ�شياء‪ ،‬لأنَّ �أي عدد من النا�س ي�ستطيع نقل الأفكار‬
‫‪Capital in the Twen-‬‬
‫وا�ستخدامها دون تكاليف‪ ،‬بدء ًا من امللكية الفكرية وو�صو ًال �إىل البحث‬
‫‪ty-First Century.‬‬ ‫الأ�سا�سي‪.‬‬
‫‪By Thomas Piketty. 2017.‬‬
‫ومن هنا �أ�صبحت االبتكارات‪� ،‬أي جمموعات «املعارف» املتنوعة التي‬
‫بزغت ورواد الأعمال الذين ا�ستخدموها‪� ،‬أ�سا�س النمو‪ .‬كان جتميع‬
‫مال ب�شري ًا �إ�ضافي ًا (يف‬
‫املواد القدمية بطرق جديدة‪ ،‬وما يتط َّلب ر� َأ�س ٍ‬
‫�شكل تدريب متزايد) ومزيد ًا من ر�أ�س املال املادي هو �شيء حقيقي‪،‬‬
‫‪Knowledge, Class, and Eco-‬‬ ‫لكنَّ تكاليف العثور على جمموعات جديدة من املعارف كانت ال�شيء‬
‫‪nomics‬‬
‫‪Economics as Social Theory.‬‬
‫معارف جديدة‪� ،‬آملني‬ ‫َ‬ ‫املثري لالهتمام‪ ،‬ومن هنا راح النا�س يبتكرون‬
‫‪By Theodore Burczak and others.‬‬
‫ي�سجلون براءتها‪� ،‬أو‬‫يف حتقيق الربح‪َّ ،‬ثم ُيخفون بع�ض خ�صائ�صها‪� ،‬أو ّ‬
‫‪2017.‬‬ ‫ي�ستخدمون ميزة املعرفة اجلديدة كي يوا�صلوا ال�سعي ويبتكروا مزيد ًا‬
‫من املعرفة‪.‬‬
‫تر َّتبت النتيجة الثانية للنموذج على النتيجة الأوىل؛ وكانت هذه النتيجة‬
‫مرتبط ًة بانت�شار املناف�سة االحتكارية‪ ،‬وكان «رومر» يرى بو�ضوح �أنَّ‬
‫‪Patents, Citations, and‬‬ ‫وجود احلقوق املتع ّلقة بامللكية الفكرية‪ ،‬واحلقوق املتع ّلقة ب�أ�سرار‬
‫‪Innovations‬‬ ‫التجارة واملهارة‪ ،‬تعني انت�شار املناف�سة االحتكارية يف االقت�صاد كله‪،‬‬
‫‪A Window on the Knowledge‬‬
‫‪Economy.‬‬ ‫وتعني و�ضع �أ�سعار وعالمات جتارية على جميع املنتجات بدء ًا بالكتب‪،‬‬
‫‪By Adam B. Jaffe, Manuel Trajten-‬‬ ‫ومرور ًا برقائق الذرة‪ ،‬واملطاحن‪ ،‬واملحار بغية متييزها‪ ،‬وهنا �أ�صبح‬
‫‪berg, and Paul M. Romer. 2005.‬‬
‫‪2017.‬‬ ‫مبد�أ التكاليف الثابتة رابط ًا مهم ًا‪ .‬لقد احتفظت مناذج النمو الأخرى‬
‫يف منوذج الوفرة ب�سلوك عدم ت�أثري امل�شرتين �أو البائعني يف ال�سعر‪� ،‬أي‬
‫املناف�سة املثالية‪.‬‬
‫قراءة ممتعة‬
‫اقت�صاد املعرفة‬
‫ص‪.‬ب‪214444 :‬‬ ‫هكذا ن�ش�أ االقت�صاد اجلديد الذي نعرفه اليوم ونع�شقه ب�سبب ا�سمه‬
‫دبي‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‬ ‫الإيجابي املتع ّلق ب�ضرورة �أن يعرف الإن�سان �أكرث‪� ،‬أال وهو اقت�صاد‬
‫هاتف‪04 423 3444 :‬‬ ‫تغي نتيجة ذلك؟‬
‫املعرفة‪ ،‬فما الذي َّ‬
‫نستقبل آراءكم على ‪pr@mbrf.ae‬‬
‫تتغي يف النظرية االقت�صاد َّية‪� ،‬أو على الأقل‬ ‫يبدو �أنَّ �أمور ًا كثرية مل َّ‬
‫تواصلوا معنا على‬ ‫التغيات املهمة بالفعل هي التي طر�أت على‬ ‫�أنَّ التغيري مل يحدث بعد‪ُّ .‬‬
‫العامل الذي وقعت فيه واملم َّثلة يف �صعود االكت�شافات واالبتكار‪ ،‬وابتعاد‬
‫الدولة عن ال�سيطرة على االقت�صاد و�إدارته‪ ،‬وفتح الأ�سواق العاملية‪ .‬لقد‬
‫حلق علم االقت�صاد بهذه التط ُّورات يف الوقت املنا�سب‪ ،‬غري �أ َّنه ال يزال‬
‫هناك جهد �س ُيبذل يف ا�ستيعاب تلك التط ُّورات والعمل طبق ًا لها‪.‬‬
‫‪qindeel_uae‬‬ ‫لقد �أ�صبح االقت�صاد �أكرث �إثارة لالهتمام‪ ،‬وباتت حتدّياته تنتظرنا كي‬
‫‪qindeel_uae‬‬ ‫ن�ستك�شف �أ�سرار ثروة الأمم �أو املهارات التي �أطلق عليها «�آدم �سميث»‬
‫‪qindeel.uae‬‬ ‫ا�سم «العواطف الأخالقية»‪� ،‬أي ما نعتربه �إن�ساني ًا يف طبيعة الإن�سان‪.‬‬
‫‪qindeel.ae‬‬

‫‪11‬‬ ‫ملخصات لكتب عالمية تصدر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة‬
‫مبادرة ‪#‬بالعربي‬
‫َّ‬
‫أطلقتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بهدف تشجيع الجمهور العربي‬
‫على استخدام لغتهم األم عبر قنوات التواصل االجتماعي‪ ،‬واستعادة المكانة الرائدة‬
‫للغة العربي�ة كلغة عالمية‪ ،‬وتعزيز حضورها في وسائل اإلعالم المختلفة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫شارك في فعاليات مبادرة بالعربي‬ ‫ِ‬ ‫تزامنا مع االحتفال باليوم العاليم للغة العربي�ة‪،‬‬
‫المقامة في معظم مراكز التسوق بالدولة في الفترة من ‪ 14‬إلى ‪ 18‬ديسمبر ‪.2018‬‬

You might also like