You are on page 1of 286

‫التمكين‪:‬‬

‫مفهوم إداري معاصر‬

‫د‪.‬يحيى ملحم‬

‫‪-1-‬‬
‫بين يدي الكتاب‬

‫يمكنك تمكين الناس بعض األحي ان ويمكنك تمكين بعض الن اس في كل‬
‫األوقات ولكن من الصعب تمكين كل الناس في كل األحيان واألوقات‬
‫ابراهام لنكولن‬

‫بدأت األدبيات الغربية تهتم بموضوع التمكين الذي يتضمن منح المرؤوس حرية واستقاللية في‬
‫العمل وفرصة للمشاركة في اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية بشكل أكبر‪ .‬وقد تزامن ذلك مع‬
‫انحسار دور النقابات العمالية ودور القطاع الحكومي والمؤسسات العامة وتخفيف القوانين‬
‫‪ Deregulations‬والتشريعات التي كانت تُفرض بواسطة الدول‪ .‬وقد صدرت مئات المقاالت‬
‫والمؤلفات واألبحاث في موضوع التمكين خالل السنوات العشر الماضية لما لهذا الموضوع من‬
‫أهمية في إعتاق الفرد من الرقابة التقليدية والسياسات الصارمة واللوائح المُلزمة‪ ،‬علمًا بأن‬
‫الباحث والكاتب العربي يحتاج إلى بذل المزيد من االهتمام والدراسة بسبب تواضع ما نشر في‬
‫العالم العربي في هذه المجاالت‪.‬‬
‫وقد جاءت فكرة هذا الكتاب من أجل تقديم مساهمة في موضوع التمكين بهدف رفد المكتبة‬
‫العربية بهذا الجهد‪ ،‬آمالً أن يفيد القارئ العربي سواء أكان باحثًا أم طالبًا أم مديرًا وتتلخص‬
‫أهمية هذا الكتاب بشكل أكثر تحديدًا فيما يأتي‪.‬‬

‫أهمية هذا الكتاب‬


‫محاولة تقديم مفهوم جديد وإضافة متميزة في موضوع التمكين على الص عيد األك اديمي‬ ‫‪‬‬
‫والميداني في بيئة تحتاج إلى استكشاف هذا الموضوع وسبر أغواره‪.1‬‬
‫والشح الذي يقابله في العالم العربي باس تثناء بعض‬
‫إن الكم الهائل من الكتابات في الغرب‪ُّ ،‬‬ ‫‪‬‬
‫الدراسات والكتابات‪ ،‬مثل دراسة القري وتي‪ 2004 ،‬ودراسة أبو بك ر‪ 2000 ،‬وأفن دي‬
‫‪ 2003‬وغيرها في هذا المجال ال يعني بحال من األحوال عدم مالئمة هذا الموضوع للبيئة‬
‫العربية‪ ،‬وإنما يقع التقص ير على ع اتق األك اديميين والمديرين في محاولة استكش اف‬
‫وتوظيف هذه المفاهيم‪ ،‬ومعرفة نتائجها وآثارها على المستوى األكاديمي والعلمي‪.2‬‬

‫‪-2-‬‬
‫من المؤمل أن يقدم هذا الكتاب جه دًا مختلفًا نوعًا ما من خالل النظر إلى مفه وم التمكين‬ ‫‪‬‬
‫بصفته مفهومًا متصلًا ومرتبطًا مع مفاهيم وتطورات إدارية واقعية مختلفة‪ .‬فال يمكن بحال‬
‫من األحوال لفكرة التمكين أن تطبق وتنجح في أي مؤسسة‪ ،‬بغياب المناخ التنظيمي المالئم‬
‫واالستعداد اإلداري المناسب‪ ،‬وتوفر الموظف الذي يمتلك الكفاءة والقابلية لتحمل مسؤولياته‬
‫بالشكل المناسب‪.‬‬
‫وسيحاول هذا الكتاب اإلشارة إلى الممارسات المتعثرة من جهة‪ ،‬واإلش ارة إلى الس ياقات‬ ‫‪‬‬
‫المالئمة للتمكين من جهة أخرى‪ ،‬وعلى أسس و مبادئ س ليمة من أجل مس اعدة الم دير‬
‫العربي على فهم الشروط المناسبة وتهيئتها لتمكين الموظف من خالل اس تراتيجية بعي دة‬
‫المدى ال من خالل نظرة آنية قريبة األجل‪.‬‬
‫ومن هنا يرى الكاتب أن يقدم بين يدي القارئ‪ ،‬سواء أكان باحثًا أم مديرًا أم مثقفًا في المؤسسات‬
‫الخاصة أو العامة أو غير الربحية كتابًا حول التمكين بصفته مفهومًا إداريًا معاصرًا يركز على‬
‫إطالق طاقات اإلنسان وإمكانياته الذاتية بدوافع ذاتية‪ .‬وسيقدم هذا الكتاب القرائن التي تبين أهمية‬
‫هذا الموضوع ومالءمته للباحث والمدير العربي على حد سواء‪ .‬ويهدف أيضًا إلى استثارة‬
‫المدير في المؤسسة العربية والباحث في المراكز األكاديمية والجامعات العربية‪ ،‬على طرق‬
‫أبواب هذا الموضوع الذي تم تجاهله في زمن ُكتب عنه الكثير‪ ،‬وتمت ممارسته من قبل الكثير‬
‫من المنظمات في الدول المتطورة وفي زمن العولمة التي نحن جزء ال يتجزأ منها‪.‬‬
‫فهذا الكتاب يهدف بكل أمانة وإخالص بعيدا عن أهداف آنية أو قريبه األجل لتقديم معلومة من‬
‫نوع جديد تساعد القارئ العربي في محاولته التخلص من أعباء البيروقراطية واإلدارة التقليدية‪.‬‬

‫خطة الكتاب‬
‫يقع هذا الكتاب في تسع فصول شملت مفاهيم إدارية متنوعة ذات صلة بشكل مباشر وغير مباشر‬
‫في موضوع التمكين الذي يعد بمثابة مفهوما إداريا معاصرا‪ .‬ه ذا وقد تم تخص يص الفصل‬
‫األول مقدمة لمفهوم التمكين ليشرح طبيعة التمكين والتط ورات الفكرية التاريخية ال تي أسست‬
‫لفكر التمكين في اإلدارة المعاصرة إضافة إلى شرح أساليب التمكين التي تحدث عنها العلماء في‬
‫الفكر اإلداري الحديث‪ .‬أما الفصل الثاني فيوضح ركائز التمكين ومقوماته األساسية مثل المعرفة‬
‫والمهارة واالتصال والمعلوم ات والثقة بين أف راد المنظمة إض افة إلى موض وع الح وافز‬
‫والمكافآت‪ .‬أما الفصل الثالث فقد تم إفراده للحديث عن نتائج تط بيق مفه وم التمكين وآث اره‬

‫‪-3-‬‬
‫وفوائده بالنسبة للمنظمة والفرد فيه ا‪ .‬الفصل الرابع يتح دث عن موض وع التمكين وعالقته‬
‫بالخدمات‪ ،‬وخاصة أن أهمية تطبيق مفهوم التمكين تتزايد في قطاعات الخدمات بشكل أكبر من‬
‫القطاعات التصنيعية‪.‬‬

‫‪D‬ادس ال ذي ينتقل‬
‫الفصل الخامس يشرح موض وع التمكين والتنظيم اإلداري يليه الفصل الس‪D‬‬
‫للحديث عن التجارب والتطبيقات العملية لموضوع التمكين من خالل شركات نجحت في تطبيقه‬
‫وحققت النتائج التي تم اإلشارة لها في الفصل الثالث‪ .‬أما الفصل السادس والس‪DD‬ابع فيتطرق ان‬
‫لمواضيع ذات صلة بالعنصر البشري ورأس المال البش ري ودور العنصر البش ري في تنمية‬
‫المنظمات وتقدمها وتفوقها‪ .‬ولقيادة التغيير دور هام أيضًا في تمكين الع املين وتنمية ق دراتهم‬
‫واالستفادة من مشاركاتهم في منظمات األعمال‪ .‬هذا الموضوع تفاص يله ك انت واض حة في‬
‫الفصل الثامن من الكتاب أما الفصل األخير‪ ،‬الفصل التاسع فيقدم للقارئ الع ربي رؤية ح ول‬
‫كل مختصر‬ ‫واقع التمكين في البيئة العربية والثقافة اإلسالمية ويُختتم الكتاب بخالصة تبين بش‬
‫العناصر والمفاهيم األساسية التي تم شرحها في الفصول التس عة من ه ذا الكت اب كما يوضح‬
‫النموذج اآلتي‪.‬‬

‫الفصل الخامس‪:‬‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬آثار‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬ركائز‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫التمكين والتنظيم‬ ‫الخدمات والتمكين‬ ‫وفوائد التمكين‬ ‫التمكين ومقوماته‬ ‫التمكين‪:‬‬
‫اإلداري‬ ‫مفهوم إداري‬
‫معاصر‬

‫الفصل السادس‪:‬‬ ‫الفصل السابع‪ :‬رأس‬ ‫الفصل الثامن‪:‬‬ ‫الفصل‬ ‫الفصل‬


‫تجارب وتطبيقات‬ ‫المال البشري‬ ‫التمكين وعامل‬ ‫التاسع‪:‬قيادة‬ ‫العاشر‪:‬‬
‫رائدة في التمكين‬ ‫( العنصر البشري‬ ‫المعرفة‬ ‫التغيير‬ ‫التمكين في‬
‫واإلنتاجية)‬ ‫والتمكين‬ ‫البيئة العربية‬
‫واإلسالمية‬

‫فصول كتاب التمكين‪ :‬مفهوم إداري معاصر‬


‫المؤلف‬

‫‪-4-‬‬
‫جدول المحتويات‬

‫بين يدي الكتاب‪2................................................................................................‬‬

‫أهمية هذا الكتاب ‪2..............................................................................................‬‬


‫الفصل األول‪13..................................................................................................‬‬
‫مقدمة في التمكين‪13...........................................................................................‬‬
‫مفهوم التمكين وطبيتعه‪ :‬المداخل والطروحات‪13........................................................‬‬
‫المقدمة‪16.....................................................................................................‬‬
‫أهمية الموضوع‪17..........................................................................................‬‬
‫ماهية التمكين‪18.............................................................................................‬‬
‫العالقة بين الموظف واإلدارة‪20..........................................................................‬‬
‫التمكين في الفكر اإلداري‪24..................................................................................‬‬
‫المراحل التاريخية‪24.......................................................................................‬‬
‫األساليب الكالسيكية في اإلدارة ‪25.......................................................................‬‬
‫أوال نظرية اإلدارة العلمية‪25............................................................................ :‬‬
‫ثانيا‪ :‬النظرية اإلدارية ‪26....................ADMINISTRATIVE MANAGEMENT‬‬
‫ماري باركر فوليت (‪27....................................... )MARY PARKER FOLLETT‬‬
‫ثالثا‪ :‬النظرية البيروقراطية‪27........................................................................... :‬‬
‫األساليب السلوكية في اإلدارة‪28..........................................................................‬‬
‫‪ -1‬دراسات هوثورن وحركة العالقات اإلنسانية‪29 ..............................................‬‬
‫‪ -2‬نظرية الحاجات لماسلو‪29 ........................................................................‬‬
‫‪ -3‬نظرية ‪ X and Y‬ل دجلوس ماكقريقور ( ‪29 ............. )Douglas McGregor‬‬
‫دراسات هوثورن وحركة العالقات اإلنسانية ‪29.......................................................‬‬
‫نظرية ‪ X AND Y‬لصاحبها ‪( DOUGLAS MCGREGOR‬خطوة هامه تجاه التمكين)‪32. ..‬‬
‫الشخصية البالغة لدى كرس آرقريس (خطوة هامة جدا تجاه التمكين){‪32..........................‬‬
‫(‪32...............................................................................)CHRIS ARGYRIS‬‬
‫األساليب الحديثة في اإلدارة ‪33...........................................................................‬‬
‫نظرية النظم ‪33..............................................................................................‬‬
‫النظرية الظرفية‪34........................................................................................ :‬‬
‫حركة الجودة والتميز‪34.................................................................................. :‬‬
‫نظرية ‪35..................................................................................................Z‬‬

‫‪-5-‬‬
‫المنظمة المتعلمة (‪35................................)LEARNING ORGANIZATION‬‬
‫أساليب التمكين ‪38...........................................................................................‬‬
‫نظرية سيكولوجيا التمكينو (نظرية التمكين النفسي)‪38...............................................‬‬
‫تفويض السلطة أو الصالحية (‪39....................)DELEGATION OF AUTHORITY‬‬
‫أساليب التمكين المعاصرة‪40..............................................................................‬‬
‫أسلوب القيادة‪40.............................................................................................‬‬
‫أسلوب تمكين األفراد‪40....................................................................................‬‬
‫أسلوب تمكين الفريق‪40....................................................................................‬‬
‫مرحلة إدارة الجودة الشاملة والتمكين‪41...............................................................:‬‬
‫أسلوب األبعاد المتعددة{ في التمكين‪41.................................................................. :‬‬
‫آراء في التمكين‪42..........................................................................................‬‬
‫الخالصة ‪45..................................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني ‪52.................................................................................................‬‬
‫ركائز التمكين ومقوماته‪52...................................................................................‬‬
‫مقدمة ‪54......................................................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬المعرفة والمهارة ‪54.................................................................................‬‬
‫أهمية المعرفة وإ دارة المعرفة؟‪56........................................................................‬‬
‫مستقبل اإلدارة ‪60...........................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬االتصال وتدفق المعلومات‪62......................................................................‬‬
‫أنظمة االتصال غير الرسمية‪62.........................................................................:‬‬
‫عملية االتصال في المؤسسات الناجحة‪62.............................................................:‬‬
‫التمكين واإلدارة على المكشوف منهجاً إدارياً حديثاً ‪. .OPEN BOOK MANAGEMENT‬‬
‫‪64‬‬
‫المصارحة باألرقام‪66......................................................................................‬‬
‫فوائد تطبيق مفهوم اإلدارة على المكشوف ‪66..........................................................‬‬
‫اإلدارة على المكشوف واالبتكار‪67......................................................................‬‬
‫خطوات تطبيق منهج اإلدارة على المكشوف ‪68.......................................................‬‬
‫مفهوم اإلدارة بالتجوال‪72..........MANAGEMENT BY WANDERING AROUND‬‬
‫االتصال العفوي‪72..........................................................................................‬‬
‫‪-6-‬‬
‫الثقة بالقيادة والتمكين‪75....................................................................................‬‬
‫العمل الجماعي والجماعة ‪76.................COMMUNITY AND TEAMWORK .‬‬
‫الثقة بالنفس (‪79.....................................................................)CONFIDENCE‬‬
‫أسس الثقة بالنفس‪79........................................................................................‬‬
‫دعم روح المبادرة وتشجيعها ‪81..........................................................................‬‬
‫صراع بين الموظف واإلدارة‪84..........................................................................‬‬
‫نتائج اإلدارة بالخوف ‪86...................................................................................‬‬
‫الثقة والروح المعنوية ‪89...................................................................................‬‬
‫الشعور بالسعادة في العمل شعور مؤقّت‪91.............................................................‬‬
‫رفع مستوى حماس العاملين‪93...........................................................................‬‬
‫المكاشفة وبناء الثقة بالنفس‪95.............................................................................‬‬
‫رابعا‪:‬الحوافز المادية والمعنوية ‪97.......................................................................‬‬
‫مفهوم التسويق الداخلي (‪101................................... )INTERNAL MARKETING‬‬
‫التسويق الداخلي والتمكين‪102............................................................................‬‬
‫التسويق الداخلي والموظف المباشر ‪INTERNAL MARKETING AND FRONTLINE‬‬
‫‪103.................................................................................................STAFF‬‬
‫التسويق الداخلي والبيئة العربية ‪103.....................................................................‬‬
‫خالصة‪104..................................................................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪109...............................................................................................‬‬
‫اآلثار المترتبة والفوائد الناجمة عن تطبيق مفهوم التمكين‪109.......................................‬‬
‫مقدمة ‪111....................................................................................................‬‬
‫نتائج التمكين‪112............................................................................................‬‬
‫نتائج خاصة بالموظف‪112................................................................................‬‬
‫أعباء التمكين ‪114...........................................................................................‬‬
‫‪-2‬نتائج خاصة بالنسبة للمنظمة‪115................................................................... .‬‬
‫‪ -3‬نتائج خاصة بالزبائن ‪116............................................................................‬‬
‫التسويق بالعالقات ‪116..........................RELATIONHSIP MARKETING‬‬

‫‪-7-‬‬
‫الخالصة ‪119................................................................................................‬‬
‫الفصل الرابع ‪123...............................................................................................‬‬
‫الخدمات والتمكين‪123.........................................................................................‬‬
‫مقدمة ‪125....................................................................................................‬‬

‫التمكين والتحول من عالم المنتجات إلى عالم الخدمات‪125............................................‬‬

‫ماهية الخدمات‪126.........................................................................................‬‬
‫خصائص الخدمات‪127....................................................................................‬‬
‫الجودة الشاملة للخدمات ‪128..............................................................................‬‬
‫أوالً‪ :‬نموذج سلسلة الخدمة – الربح (‪.....)THE SERVICE PROFIT CHAIN MODEL‬‬
‫‪129‬‬
‫جودة الخدمة الداخلية ‪131..............................INTERNAL SERVICE QUALITY‬‬
‫نموذج مقترح للعالقة بين التمكين ورضا الزبائن‪133................................................‬‬
‫الخالصة ‪134................................................................................................‬‬
‫الفصل الخامس ‪139............................................................................................‬‬
‫التمكين والتنظيم اإلداري ‪139................................................................................‬‬
‫مقدمة ‪141....................................................................................................‬‬
‫اتجاهات تنظيمية{ معاصرة‪141...........................................................................‬‬
‫(الهايبراركي) ‪ ،HYPERARCHY‬هيكل تنظيمي معاصر‪150...................................‬‬
‫التفكير خارج الصندوق‪151............................................................................. :‬‬
‫التحوالت التنظيمية ‪153....................................................................................‬‬
‫العيش في عصر السرعة‪154.............................................................................‬‬
‫الخالصة ‪154................................................................................................‬‬
‫الفصل السادس ‪157............................................................................................‬‬
‫واقع التمكين من خالل‪ :‬تطبيقات وتجارب رائدة ‪157....................................................‬‬
‫مقدمة ‪159....................................................................................................‬‬
‫رؤية المؤسسات‪ ،‬ال رؤية المؤسسين(‪160...............)VISIONARY INSTITUTIONS‬‬
‫أسطورة الرجل العظيم‪168................................................................................‬‬
‫تجارب وحاالت أخرى من أرشيف الشركات الناجحة ‪171..........................................‬‬

‫‪-8-‬‬
‫التركيز على الربح قد يفقد المنظمة التركيز على اإلنسان ‪172......................................‬‬
‫أيديولوجية المنظمة(قيمها الجوهرية) ‪176..............................................................‬‬
‫ثقافة العمل في المؤسسات الممكنة للموظفين ‪179.....................................................‬‬
‫الخالصة ‪181................................................................................................‬‬
‫الفصل السابع ‪185..............................................................................................‬‬
‫رأس المال البشري ‪185.......................................................................................‬‬
‫(العنصر البشري واإلنتاجية) ‪185...........................................................................‬‬
‫مقدمة ‪187....................................................................................................‬‬
‫واقع العالقة بين المديرين والعاملين‪187................................................................‬‬
‫واقع العالقة بين المديرين والموظفين في المنظمات الناجحة ‪189..................................‬‬
‫العنصر البشري واإلنتاجية ‪190..........................................................................‬‬
‫العنصر البشري في واقع بعض المنظمات الناجحة‪191..............................................‬‬
‫رأس المال البشري في القرن الواحد والعشرون‪192.................................................‬‬
‫الميزة التنافسية والطاقات الكامنة في منظمات القرن الواحد والعشرين‪193......................‬‬
‫إطالق الطاقات الكامنة‪194................................................................................‬‬
‫التغيير في مصادر التفوق التنافسي‪195....................................................................‬‬
‫التكنولوجيا‪195..............................................................................................‬‬
‫الميزة التنافسية والميزة التقليدية‪198.....................................................................‬‬
‫أهمية العنصر البشري وكيفية إدارته‪-‬حاالت عملية‪199........................................... .‬‬
‫التدريب وتطوير مهارات العاملين‪201..................................................................‬‬
‫العمالة المؤقتة‪203..........................................................................................‬‬
‫أساليب إدارة الموارد البشرية المعاصرة واإلدارة الفاعلة لرأس المال البشري‪205.............‬‬
‫‪-1‬األمان الوظيفي‪206.....................................................................................‬‬
‫‪-‬االنتقائية في التعيين ‪207........................................................................‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪-3‬األجور العالية‪209.....................................................................................:‬‬
‫‪-4‬الحوافز‪211..............................................................................................‬‬
‫استقاللية الموظف‪212 ............................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪-5‬الموظف المالك (‪213........................................)EMPLOYEE OWNERSHIP‬‬
‫‪-6‬تدفق المعلومات‪213.....................................................................................‬‬
‫‪-9-‬‬
‫‪-7‬المشاركة والتمكين{‪215.................................................................................‬‬
‫‪-8‬روح الفريق ‪ ،‬وهيكلة الوظيفة ‪216...................................................................‬‬
‫‪-9‬التدريب وتطوير المهارات ‪217......................................................................‬‬
‫‪ .10‬المساواة االجتماعية ‪219...........................................SOCIAL EQUALITY‬‬
‫‪ .11‬تقليل الفرق في األجور (‪221................................)WAGE COMPRESSION‬‬
‫‪ .12‬الترقية من الداخل (‪222............................)PROMOTION FROM WITHIN‬‬
‫الممارسات السلبية في إدارة الموارد البشرية‪223.....................................................‬‬
‫الخالصة‪224...............................................................................................:‬‬
‫الفصل الثامن‪229...............................................................................................‬‬
‫رأس المال البشري ‪229.......................................................................................‬‬
‫(التمكين وعامل المعرفة)‪229................................................................................‬‬
‫المقدمة‪231......................................................................................................‬‬

‫مواصفات عامل المعرفة المم ّكن عند "بيتر دركر"‪231...............................................‬‬


‫رأس المال البشري (‪ )HUMAN CAPITAL‬وعامل المعرفة (‪KNOWLEDGE‬‬
‫‪234.......................................................................................... )WORKER‬‬
‫التأثير على األفراد ‪236 ................................................................................‬‬
‫اإلبداع والتمكين‪239...................................................................................... :‬‬
‫الخالصة‪240............................................................................................... :‬‬
‫الفصل التاسع ‪243..............................................................................................‬‬
‫قيادة التغيير والتمكين‪243....................................................................................‬‬
‫مقدمة ‪245....................................................................................................‬‬
‫ماهية القيادة‪245.............................................................................................‬‬
‫مصادر نفوذ وسلطة القيادة‪245......................................................................... :‬‬
‫الكفاءة القيادية‪248..........................................................................................‬‬
‫سياسة أنا أربح وأنت تربح‪249...........................................................................‬‬
‫أسلوب القيادة والتمكين ‪251...............................................................................‬‬
‫القيادة والتمكين ونظرية التغيير المتقدمة‪252...........................................................‬‬
‫نماذج عملية من نظرية التغيير المتقدمة‪257...........................................................‬‬
‫قيادة التغيير والتمكين ‪259.................................................................................‬‬
‫‪- 10 -‬‬
‫إعادة اختراع القيادة والتمكين‪260........................................................................‬‬
‫الخالصة ‪261................................................................................................‬‬
‫الفصل العاشر ‪265..............................................................................................‬‬
‫واقع التمكين في البيئة العربية والثقافة اإلسالمية‪265..................................................‬‬
‫مقدمة ‪266....................................................................................................‬‬
‫التمكين{ في التاريخ اإلسالمي‪267........................................................................‬‬
‫التمكين{ في العالم العربي ‪267.............................................................................‬‬
‫نقص الحرية‪271............................................................................................‬‬
‫مشكلة تمكين المر أه ‪271..................................................................................‬‬
‫نقص المعرفـة‪272..........................................................................................‬‬
‫البحث والتطوير في أرقام‪272............................................................................‬‬
‫المسؤولية في تردي مستويات التنمية البشرية في العالم العربي‪274...............................‬‬
‫الثقافة العربية ومفهوم التمكين‪275.......................................................................‬‬
‫آثار القيم االجتماعية والثقافية في الوطن العربي‪278.................................................‬‬
‫فكرة نصف الكأس الفارغ‪280............................................................................‬‬
‫مركز السيطرة (‪280............................................) LOCUS OF CONTROL‬‬
‫العالقة بين مركز السيطرة والتمكين ‪281...............................................................‬‬
‫رؤية في التغيير الثقافي‪282...............................................................................‬‬
‫أسباب ظاهرة "مركز السيطرة الخارجي"‪283........................................................‬‬
‫نظرية تحديد الهدف (‪.....)GOAL SETTING THEORY-EDWIN LOCKE‬‬
‫‪284‬‬
‫الخالصة ‪285................................................................................................‬‬
‫خاتمة الكتاب‪289...........................................................................................‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫قائمة الجداول‬
‫جدول ‪1‬أشكال العالقة بين الموظف واإلدارة‪22...........................................................‬‬
‫جدول ‪2‬التصنيفات المتعلقة بموظف المعرفة‪55...........................................................‬‬
‫جدول ‪ 3‬مقارنة بين النموذج اإلداري الحديث والنموذج القديم من خالل بعض الممارسات‬
‫اإلدارية التقليدية وما يقابلها من ممارسات حديثة‪58............................................. .‬‬
‫جدول ‪ 4‬التحول من الممارسة التقليدية في اإلدارية إلى الممارسة المعاصرة‪60....................:‬‬
‫جدول ‪ 5‬ازدهار الخدمات مقارنة مع المنتجات‪126....................................................‬‬

‫قائمة األشكال‬
‫شكل رقم ‪1‬ماسلو للحاجات‪30.................................................................................‬‬
‫شكل رقم ‪2‬سلسلة الخدمة‪-‬الربح‪-‬نموذج ‪128......................................HESKETT ET AL‬‬
‫شكل رقم ‪ 3‬نموذج مقترح في التمكين‪132..................................................................‬‬
‫شكل رقم ‪ 4‬الهيكل التنظيمي المعاصر‪141.................................................................‬‬
‫شكل رقم ‪ 5‬مقارنة بين الهيكل المنبسط والعمودي‪145..................................................‬‬
‫شكل رقم ‪ 6‬التظيم األفقي‪145.................................................................................‬‬

‫قائمة الحاالت‬
‫حالة ‪1‬في المباريات الرياضية ‪70............................................................................‬‬
‫حالة ‪2‬شفافية المكاتب‪73.......................................................................................‬‬
‫حالة ‪ 3‬المركز الصحي‪95.....................................................................................‬‬
‫حالة ‪4‬التمكين{‪97................................................................................................‬‬
‫حالة ‪ :5‬النزالء االستراليين ‪98...............................................................................‬‬
‫حالة ‪6‬قيم جوهرية ‪176........................................................................................‬‬
‫حالة ‪7‬موظف المستشفى ‪232.................................................................................‬‬
‫حالة ‪ 8‬قصة في التمكين ‪251..................................................................................‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫الفصل األول‬

‫مقدمة في التمكين‬
‫مفهوم التمكين وطبيتعه‪ :‬المداخل‬
‫والطروحات‪.‬‬

‫‪- 13 -‬‬
- 14 -
- 15 -
‫المقدمة‬
‫يعد الجانب اإلنساني وإدارة الموارد البشرية موضوعًا هامًا‪ ،‬ألن اإلنسان هو المسئول‬
‫ات أو دولة‬ ‫األول واألخير عن الفشل والنجاح ألي شركة من الشركات أو مؤسسة من المؤسس‬
‫من الدول‪ .‬لذلك كان االهتمام به وبإدارته وبتوجيهه وتحفيزه‪ ،‬من أهم األمور التي تك اد تف وق‬
‫أهميتها كل القضايا األخرى المتعلقة بالمال والتكنولوجيا والهيكل والتصميم‪ ،‬وغيرها من األمور‬
‫الملموسة (‪.)Pfeffer, 1994‬‬
‫تكمن في اإلنسان معالم غير ملموسة كثيرة‪ ،‬فيصعب معرفة كنهه وعوالمه وأعماق ه‪ ،‬وهو بحر‬
‫من المواقف واالنطباعات والغرائز والدوافع التي ال ترى‪ ،‬وتصعب مالحظتها وتحت اج إلى من‬
‫يسبر أغوارها‪ ،‬وقبل ذلك تحتاج إلى من يقف ويقدر أهمية التعامل معها‪.3‬‬
‫إن القضايا المتعلقة بالبعد البشري كثيرة جدا‪ ،‬وإدارة الم وارد البش رية موض وع مع روف‬
‫ومطروق في كتب اإلدارة بأشكال كثيرة متعددة‪ ،‬تُجمع في مجملها على أهمية االختيار واالنتقاء‬
‫ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب‪ ،‬وتطوير اإلمكاني ات والت دريب والمحافظة على‬
‫الموظفين وإعطائهم الحوافز والمكاف آت المادية والمعنوية‪ ،‬إلى غيرذلك من أس اليب التحف يز‬
‫وتطوير األداء والعالقات العمالية‪.‬‬
‫لكنه يبرز من بين هذه القضايا موض وع ما زالت اإلدارات العالمية في ش ركات الع الم غربا‬
‫ام ورعاية أحيانا ثانية‪،‬‬ ‫وشرقا تتناوله بحذر مرات وبشكوك مرات أخرى وريبة أحيانا وباهتم‬
‫وهو موضوع التمكين في اإلدارة‪.‬‬
‫وما كان هذا الشك واالهتمام والريبة ليحدث لو أنّ األمر متعلق بتطوير تكنولوجيا جديدة‪ ،‬أو في‬
‫زيادة أرباح المنظمات أو الحصول على عدد أكبر من العمالء أو زيادة حصص المساهمين‪ ،‬أو‬
‫غيرها من األمور الملموسة التي ال تعد وال تحصى‪.‬‬
‫تى بين‬ ‫ولكن عندما يتعلق األمر بقضية سياسية كالسيطرة والنفوذ‪ ،‬فإن الصراعات ال تنتهي ح‬
‫الدول على النفوذ والسيطرة والقوة والسيادة‪ .‬وموضوع التمكين هو موضوع نفوذ وإعادة توزيع‬
‫لذلك النفوذ‪.‬‬
‫وال يختلف األمر لدى المؤسسات فقضية تمكين اإلنسان بحق‪ ،‬معناها إعادة هيكلة مراكز القوى‬
‫وإعادة توزيع للسلطة ولحقوق التصرف واتخاذ القرار‪ .‬وهنا تصبح العملية صعبة ومعقدة أحيانا‬
‫وتحتاج إلى تفكير وإعادة نظر‪ .‬فتط بيق مفه وم التمكين في المنظمة يحت اج إلى تغي يرات‬

‫‪- 16 -‬‬
‫وتعديالت متعددة؛ منها سلوكية ونفسية وإدارية وسياسية وسلطوية‪ ،‬ومنها إعادة لهيكلة المنظمة‬
‫كذلك‪.‬‬
‫وتثير بعض الدراسات‪ 4‬شكوكا وأسئلة حول واقعية تطبيق مفهوم التمكين في اإلدارة‪ ،‬وص عوبة‬
‫تطبيقه على أرض الواقع‪ ،‬وعلى الرغم من هذه الشكوك فهنالك شركات عالمية ومؤسسات كبيرة‬
‫وصغيرة بدأت تمارس هذا المفهوم وتطبقه‪ ،‬وتجد مردودا إيجابيا ليس على المستويات المعنوية‬
‫(مثل رضا العاملين ووالئهم) فحسب‪ ،‬بل على المستويات المادية مثل األرباح واإليرادات كذلك‪.‬‬
‫وبالمقابل هنالك شركات ومؤسسات حاولت تطبيق المفه وم ولكنها فش لت‪ ،‬ولم تحقق النج اح‬
‫المتوقع‪ .‬وأخرى لم تحاول مستفيدة من تجارب اآلخرين الفاشلة‪.‬‬

‫وفي الجانب األكاديمي هنالك باحثون وعلماء استجابوا للنتائج األخ يرة‪ ،‬وأك دوا مثل ‪Chris‬‬
‫وهم وخيال ال جدوى منه وآخرون كثر أكدوا عكس ذل ك‪ ،‬أي أن التمكين‬
‫أن التمكين ْ‬
‫‪ّ Argryis‬‬
‫‪5‬‬
‫هو أساس للتقدم والرقي والنجاح وعلى أنه واقعي‪ ،‬ويمكن تطبيقه وتنفيذه في منظمات األعمال‬

‫هذه الجدلية على المستوى األكاديمي‪ ،‬وعلى المستوى اإلداري‪ ،‬أي على مس توى المؤسس ات‬
‫وعلى المستويات المختلفة‪ ،‬تعطي أهمية خاصة في تسليط الضوء على ه ذا المفه وم‪ ،‬لمحاولة‬
‫رات‬ ‫سبر أغواره بطريقة علمية‪ ،‬ومن ثم إبراز رأي موضوعي متكامل من خالل دراسة لعش‬
‫الكتب ومئات المقاالت األكاديمية والعلمية التي تناولت الموضوع من جوانب وزوايا متعددة‪.‬‬

‫أهمية الموضوع‬
‫هذا الموضوع ليس موضوعا يكتب به لترفيه المدير أو إثراء معلومات الق ارئ أو الب احث أو‬
‫لترف فكري‪ ،‬وإنما هو موضوع في غاية الجدية في زمن العولمة وثورة المعلوم ات والث ورة‬
‫الرقمية والثورة المعرفية‪ ،‬وغيرها من المستجدات المتسارعة التي ال تنتظر اإلنسان ال ذي يفكر‬
‫ببطء وال ذلك المدير المتردد‪.‬‬

‫ات‬ ‫وهذا الموضوع ليس للتسلية إنه في غاية األهمية وهذا الكالم ليس من أجل التسويق أو لغاي‬
‫ايا مهمة‬ ‫الدعاية أو إلثارة األهمية‪ ،‬فموضوع التمكين له أهمية خاصة الرتباطه بمجموعة قض‬
‫ة‪،‬‬ ‫على رأسها موضوع الالمركزية اإلدارية‪ ،‬والجودة الشاملة‪ ،‬وإعادة الهندسة‪ ،‬وإعادة الهيكل‬
‫اح‬ ‫وعمل الفريق‪ ،‬والمؤسسة المتعلمة‪ ،‬والمؤسسة األفقية‪ ،‬وغيرها من القضايا التي تتعلق بنج‬

‫‪- 17 -‬‬
‫المؤسسة وتفوقها وقدرتها التنافسية‪ .‬فهذه المف اهيم لها عالقة وثيقة بموض وع التمكين وه ذه‬
‫سببا أو نتيجة‪.‬‬
‫العالقة تكاد تكون في بعض األحيان إما ً‬

‫فالفرضية المطروحة أمام الباحث‪ ،‬والمدير‪ ،‬وأمام القارئ بشكل عام وببساطة تتمثل في‪:‬‬
‫"إنّ مزيدا من التمكين يؤدي إلى مزيد من النجاح اإلداري‪ ،‬ولكن بشروط ال بد من توافرها"‪.‬‬
‫لذلك سيتم إفراد فصول مستقلة لشرح مفصّل ألهم المقومات التي ال بد من توافرها‪ ،‬إض افة إلى‬
‫النتائج ال تي يمكن تحقيقها من خالل ممارسة مفه وم التمكين وتنفي ذه بص فته منهجًا إداريًا‬
‫معاصرًا‪.‬‬
‫ماهية التمكين‬
‫‪6‬‬
‫من أهم التعريفات التمكين وأوضحها هو ما جاء عند )‪Bowen and Lawler, (1992; 1995‬‬
‫" التمكين يتمثل في إطالق حرية الموظف‪ ،‬وهذه حالة ذهنية‪ ،‬وسياق إدراكي ال يمكن تطويره‬
‫بشكل ُيفرض على اإلنسان من الخارج بين عشية وضحاها‪ .‬التمكين حالة ذهنية داخلية تحتاج‬
‫إلى تبني وتمثُل لهذه الحالة من قبل الفرد‪ ،‬لكي تتوافر له الثقة بالنفس والقناعة بما يمتلك من‬
‫قدرات معرفية تساعده في اتخاذ قراراته‪ ،‬واختيار النتائج التي يريد أن يصل إليها"‪.‬‬
‫وقبل مناقشة تعريف مصطلح التمكين‪ ،‬البد من االعتراف بأن هنالك آراء مختلفة حول التعريف‬
‫إال أنها تجمع في أغلبها على أن التمكين يتمحور حول إعطاء الموظفين صالحية‪ ،‬وحرية أكبر‪،‬‬
‫في مجال الوظيفة المحددة ال تي يق وم بها الموظف حسب الوصف الخ اص بتلك الوظيفة من‬
‫ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى منحه حرية المشاركة وإبداء الرأي في أم ور في س ياق الوظيفة‪ ،‬أي‬
‫خارج إطار الوظيفة‪.7)Cogner and Kanungo، 1988، Bowen and Lawler، 1992(.‬‬
‫والتمكين لدى البعض ينظر إليه على انه تحرير اإلنسان من القيود‪ ،‬وتشجيع الف رد‪ ،‬وتحف يزه‪،‬‬
‫ومكافأته على ممارسة روح المبادرة‪ ،‬واإلبداع‪.8)Zemke and Schaaf,1989, 65( .‬‬
‫حاب‬ ‫والتمكين عند آخرين هو عدم القيام باألشياء على أساس القوانين الجامدة بحيث ينظر أص‬
‫التمكين إلى القوانين على أنها وسائل مرنة لتحقيق غاي ات المؤسسة وأه دافها‪ .‬ولكن الم دير‬
‫ذلك تفعل البيروقراطية‬ ‫البيروقراطي التقليدي ينظر إلى القوانين على أنها غاية ووسيلة معًا‪ .‬ل‬
‫ارمة‬ ‫فعلها في كبح جماح اإلبداع والتفكير المستقل‪ ،‬ولكن التمكين يحرر الفرد من الرقابة الص‬
‫والتعليمات الجامدة والسياسات المحددة‪ ،‬ويعطيه الحرية في تحمل المس ؤولية عن التص رفات‬
‫واألعمال التي يقوم بها‪ ،‬وهذا بدوره يحرر إمكانيات الفرد ومواهبه الكامنة ال تي حتما س تبقى‬
‫غير مفعّلة ومستغلة في ظل البيروقراطية الجامدة واإلدارات المستبدة‪.‬‬
‫‪- 18 -‬‬
‫فال يمكن االستفادة من مواهب الفرد وقدراته وإمكانياته‪ ،‬ال للمؤسسة وال للفرد نفسه مما ي ؤدي‬
‫إلى إهمال هذه القدرات وضياعها وموتها في النهاية (‪.9)Carlzon، 1987‬‬
‫وهناك من وصف التمكين على أنه حاله ذهنية ( ‪Bowen and Lawler, 1995; Berry,‬‬
‫(‪ .11)Rafiq and Ahmed, 1998‬لدرجة أن الموظف الذي يمتلك هذه الحالة الذهنية‬ ‫‪10‬‬
‫‪)1995‬‬
‫(‪ )State of Mind‬يمتلك الخصائص اآلتية التي يمكن أن نطلق عليها خص ائص الحالة‬
‫الذهنية للتمكين والتي تشتمل على‪:‬‬
‫‪ .1‬الشعور بالسيطرة والتحكم في أدائه للعمل بشكل كبير‪.‬‬
‫‪ .2‬الوعي واإلحساس بإطار العمل الكامل (أي األعمال واألشياء ال تي ت دور في ذلك العمل‬
‫الخاص الذي يقوم به الموظف)‪.‬‬
‫‪ .3‬المساءلة والمسؤولية عن نتائج أعمال الموظف‪.‬‬
‫‪ .4‬المشاركة في تحمل المسؤولية فيما يتعلق بأداء الوحدة‪ ،‬أو الدائرة‪ ،‬وح تى المؤسسة ال تي‬
‫يعمل بها‪.‬‬
‫إن ما يساهم في توضيح أهمية التمكين بشكل أكبر‪ ،‬أن نرى بأن التمكين يعطي الفرد مزي دا من‬
‫المسؤولية المناسبة للقيام بما هو مسؤول عنه (أي إعطاء اإلنسان األقرب للمش كلة مس ؤولية‬
‫كاملة وحرية للتصرف في المشكلة ألنه أو ألنها أقرب الناس للمشكلة وأكثرهم احتكاكًا وت أثيرًا‬
‫بمشكلته أو مشكلتها)‪ .‬مث ال على ذلك موظف البنك (‪ )Teller‬ال ذي يحتلك بش كل مباشر مع‬
‫الزبائن فهو أقرب من مديره لمشكلة الزبائن واألقدر على فهم ما يريد الزبون‪.‬‬
‫ويؤيد الكاتب ما جاء به ‪ Randolph and Sashkin (2002) 12‬من أن التمكين هو االعتراف‬
‫بحق الفرد بالحرية والتحكم‪ ،‬وهذا األمر يمتلكه اإلنسان بما يتوافر لديه من إرادة مستقلة وخبرة‬
‫ومعرفة ودافع داخلي‬
‫فهنالك بون شاسع بين من يمتلك إرادته ومن ال يمتلكها‪ ،‬ومن يتحمل المسؤولية ومن ال يتحملها‪،‬‬
‫ومن هو جدير بالثقة ومن هو غير جدير بها‪ .‬والقائمة ال تنتهي‪ .‬فإذا جرّدنا الفرد في أي س ياق‬
‫اجتماعي وتنظيمي من هذه المقومات‪ ،‬فسيكون في هذا تكريس لالنصياع والالمسؤولية والشعور‬
‫بعدم األهمية‪ .‬والشعور بعدم االستقاللية والشعور بفقدان أي معنى للوظيفة والش عور ب النقص‬
‫وتكريس الشعور بالتبعية وعدم القدرة على التصرف‪ .‬ه ذه النت ائج ال تب دو مُحبطة للموظف‬
‫فحسب‪ ،‬ولكنها أيضًا نتائج عكسية على المؤسسة التي تم ارس في ه ذه الحالة جهدًا أك بر في‬

‫‪- 19 -‬‬
‫الرقابة والتأكد والمتابعة بدالً من الثقة التي تعطي مجاالً لإلدارة والمدير ليقوم بأشياء أكثر أهمية‬
‫من مراقبة أتباعه والتأكد من أنهم يعملون وال يلعبون‪.‬‬
‫‪Lashely‬‬ ‫هذا وقد حاول بعض العلماء وضع تعريفات متباينة للتمكين‪ ،‬فمثال ق ام ‪(1999) 13‬‬
‫بتعريف التمكين من خالل تقسيمه إلى عدد من األصناف مث ل؛ التمكين بواس طة المش اركة‪،‬‬
‫والتمكين من خالل المساهمة في اتخاذ القرار والمش اركة في تحمل المس ؤولية‪ ،‬والتمكين من‬
‫خالل االنتماء مع ما يتضمنه من انتماء ألهداف المؤسسة‪ .‬ويؤخذ على هذا التعريف بأنه لم يحدد‬
‫تعريفا ومفهوما محددا للتمكين معتمدا بدال من ذلك على عدد من النتائج أو المقومات التي تساهم‬
‫في خلق المناخ المالئم للتمكين‪ ،‬وال يمكن بحال من األحوال أن تتم عملية التمكين دون مقومات‬
‫المشاركة والتفاعل واالنتماء الذي ينسجم مع الشعور بالمسؤولية وتحقيق األه داف‪ .‬ف التمكين‬
‫يقود الفرد إلى الشعور باالنتماء المعنوي للمؤسسة واالنتماء الم ادي‪ ،‬وكل منه ا مكمل لآلخر‪،‬‬
‫ويترك كل منها آثارًا إيجابية على نفسية الموظفة أو الموظف وشعورهما باألهمية في المؤسسة‬
‫إن التمكين‬ ‫وباالعتبار والتقدير‪ ،‬ألن التمكين وخاصة عندما نتحدث عن المؤسسات الخدمية‪ ،‬ف‬
‫اكلهم‪ ،‬ليس‬ ‫يساهم في جعل المؤسسة أكثر قربًا من الزبائن وأكثر مسؤولية تجاههم في حل مش‬
‫فقط خالل عملية البيع‪ ،‬بل في ما يسمى بخدمات ما بعد البيع والخدمات المكملة لصفقة البيع التي‬
‫أصبحت تستثمر لرفع مستوى العالقة بين الزبائن والمؤسسات على المدى الطوي ل‪ ،‬وفي ه ذه‬
‫ته على حد‬ ‫العالقة فإن التمكين يعطي الموظف الروح التي تمكنه من االنتماء لزبائنه ولمؤسس‬
‫سواء‪.‬‬

‫العالقة بين الموظف واإلدارة‬


‫يكمن سر نجاح الكثير من الش ركات العالمية الناجحة في التوافق بين ثقافتها وأه دافها ورضا‬
‫الزبائن‪ ،‬فهي معنية بإكس اب الموظف التمكّن والرؤية والرضا والثقافة ال تي تمكنه من تحقيق‬
‫االنتماء ألهداف المؤسسة‪ ،‬من خالل إرضاء الزبائن‪ ،‬فيشعر الموظف بالتوافق واالنس جام بين‬
‫تي يلتقي فيها معهم من جهة‪ ،‬ودوره في التعامل مع‬ ‫ائن والحلقة ال‬ ‫دوره في التعامل مع الزب‬
‫اإلدارة وشعوره اإليجابي اتجاهها في ممارساتها نحوه من جهة أخرى‪ .‬وفي كثير من األحي ان‬
‫يحدث تناقض بين األمرين أو تكامل في األشكال التالية(وهذه العالقة تنطبق بشكل أساس ي على‬
‫موظف الخدمات)‪:‬‬
‫‪ .1‬التوافق السلبي‪ :‬بأن تكون عالقة اإلدارة مع الموظف سلبية عدائية‪ ،‬فينجم عنها عالقة سلبية‬
‫عدائية بين الموظف والزبائن‪.‬‬
‫‪- 20 -‬‬
‫‪ .2‬التوافق اإليجابي‪ :‬بأن تكون عالقة الموظف مع المؤسسة إيجابية‪ ،‬فينجم عنها عالقة ايجابية‬
‫مع الزبائن‪.‬‬
‫‪ .3‬التناقض اإليجابي‪ :‬وهنا تكون عالقة اإلدارة مع الموظف إيجابية وعالقته مع الزبائن سلبية‬
‫أو العكس‪ ،‬أي أن تك ون عالقة الموظف مع المؤسسة أو اإلدارة س لبية ولكن عالقته مع‬
‫الزبائن إيجابية‪.‬‬
‫أما التفسير المحتمل لهذه الحاالت الثالث فهو كما يأتي‪:‬‬
‫فالنوع األول‪ :‬وهو المتوقع عندما تكون ممارسات اإلدارة تقوم على الشك وعدم الثقة‬
‫في الموظف أو االستغالل وتجاهل حقوق الموظفين وحاج اتهم المختلفة‪ ،‬فمن الطبيعي أن ينجم‬
‫عن ذلك ردود فعل سلبية من قبل الموظفين في تأدية األعمال التي يقومون بها‪ ،‬سواء أك ان في‬
‫اك مباشر وجهًا لوجه أم في‬ ‫مؤسسات الخدمات التي يتعامل فيها الموظف مع الزبائن في احتك‬
‫المؤسسات اإلنتاجية التي يعمل فيها الموظف بشكل مباشر مع الزبائن فتؤثر العالقة على كف اءة‬
‫الموظف وأدائه في األعمال‪ ،‬ومن الطبيعي أن المقدمات السلبية تفضي إلى نت ائج س لبية على‬
‫اإلنتاجية واألداء‪ ،‬فتزداد عوامل الصراع والرقابة‪ ،‬وتسود حالة عدم الثقة بين المدير والموظف‪،‬‬
‫مما ينعكس سلبًا في كل األح وال في نت ائج األداء المرتبطة باإلنتاجية وخاصة من الن واحي‬
‫المتعلقة بالنوعية والفاعلية‪ ،‬فقد يتم إنتاج الكم المناسب تحت وطأة المراقبة الدائم من قبل المدير‪،‬‬
‫ولكن على حساب النوعية والجودة والفاعلية‪.‬‬
‫أما النوع الث اني‪ :‬وهو متوقع وط بيعي أيضًا‪ ،‬وذلك عن دما تح اول اإلدارة العناية‬
‫برغبات الموظفين وحاجاتهم فينعكس ذلك إيجابًا على نتائج األداء‪ ،‬س واء أك ان مباش رًا في‬
‫التعامل مع الزبائن أم غير مباشر كما هو الحال في المؤسسات اإلنتاجية أو الصناعية‪.‬‬
‫أما النوع الثالث‪ :‬فينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ .1‬عالقة إيجابية سلبية‪.‬‬
‫‪ .2‬عالقة سلبية إيجابية‪.‬‬

‫اتهم‬ ‫أما في العالقة اإليجابية السلبية فتكون اإلدارة عالقتها مع الموظفين إيجابية وتقدر احتياج‬
‫ومشاكلهم‪ ،‬ولكن ال ينعكس ذلك على أدائهم في التعامل مع الزبائن‪ ،‬وهذه حالة شاذة وس ببها قد‬
‫يكون سوء اإلدارة في بعض أو معظم الممارسات المتعلقة بإدارة الموارد البش رية‪ ،‬مثل س وء‬
‫التعيين واالنتقاء والتدريب وغيرها من ممارسات سلبية‪.‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫وأما في العالقة السلبية اإليجابية‪ ،‬فعندما تمارس اإلدارة أساليب غير سليمة وغ ير مناس بة في‬
‫التعامل مع الموظف وال تلبي احتياجاته أو تعتني بمشاكله‪ ،‬ولكنه بالمقابل يقوم بأداء مهام وظيفته‬
‫بشكل مناسب‪ .‬وهذه األخيرة تحدث بشكل خاص في المؤسسات الخدمية التي يتعامل فيها قطاع‬
‫عام من الموظفين مع الزبائن وجهًا إلى وجه‪ ،‬ولكن هذه العالقة بشكلها السلبي اإليجابي ال تدوم‬
‫طويالً‪ ،‬وهذه العالقات أشار إليها وأكد عليها بشكل مباشر أو غير مباشر علم اء في الم وارد‬
‫البشرية والخدمات مثل (‪ .14)Bowen and Schneider, 1981; 1983; 1993‬والجدول اآلتي‬
‫يبين باختصار شكل هذه العالقات المختلفة‪.‬‬
‫جدول ‪1‬أشكال العالقة بين الموظف واإلدارة‬

‫عالقة الموظف مع‬ ‫األداء‬ ‫أنواع العالقات بين اإلدارة اإلدارة‪ /‬مع الموظف‪ /‬مع‬
‫الزبائن (مثاالً)‬ ‫الزبائن‬ ‫الموظف‬ ‫والموظف والنتائج‬

‫سلبية‬ ‫سلبي‬ ‫سلبية‬ ‫سلبية‬ ‫التوافق السلبي‬ ‫‪.1‬‬

‫إيجابية‬ ‫إيجابي‬ ‫إيجابي‬ ‫إيجابي‬ ‫التوافق اإليجابي‬ ‫‪.2‬‬

‫سلبية‬ ‫سلبي‬ ‫سلبية‬ ‫إيجابية‬ ‫التناقض اإليجابي‬ ‫‪.3‬‬

‫إيجابية‬ ‫إيجابية‬ ‫إيجابية‬ ‫سلبية‬ ‫(وينقسم إلى قسمين)‬

‫المصدر‪ :‬من إعداد الكاتب‪.‬‬

‫فاإلدارة الناجحة هي تلك اإلدارة ال تي تق وم بتش خيص طبيعة العالقة بين الم دير أو اإلدارة‬
‫والموظف من ناحية‪ ،‬وبين الموظف ونتائج األداء أو الزبائن من ناحية أخرى‪ .‬وهذا يحتاج إلى‬
‫استقصاء اآلراء واالنطباعات لمعرفة رأي كل ط رف من أط راف العالقة ب اآلخر‪ ،‬وما هي‬
‫التوقع ات ال تي يتوقعها كل من اآلخ ر‪ .‬وتحت اج إلى ممارسة مزيد من الش فافية والواقعية‬
‫والصراحة لبناء النوع الثاني من العالقات‪ ،‬وهو التوافق اإليجابي الذي يحتاج إلى مقوم ات من‬
‫وظفين‪ ،‬لينعكس‬ ‫التمكين والمشاركة والثقة‪ ،‬لكي تتمكن اإلدارة من بناء عالقات إيجابية مع الم‬
‫بشكل إيجابي ومتميز على الزبائن أو اإلنتاج‪.‬‬
‫فمفهوم التمكين من المفاهيم المعاصرة التي ترتقي بالعنصر البشري في المنظمة المعاصرة إلى‬
‫مستويات راقية من التعاون وروح الفريق والثقة بالنفس واإلب داع والتفك ير المس تقل وروح‬
‫المبادرة‪ .‬ويبين هذا الفصل وفصول أخرى‪ ،‬وإن اختلفت التعريفات والمف اهيم‪ ،‬ب أن ج وهر‬
‫‪- 22 -‬‬
‫التمكين يتمركز حول منح المرؤوس حرية في أداء العمل ومشاركة أوسع في تحمل المس ؤولية‬
‫ووعي أكبر بمعنى العمل الذي يقوم به‪.‬‬
‫والتمكين يحتاج إلى مقومات طويلة المدى من العالقة اإليجابية والثقة والش عور بالش راكة بين‬
‫اإلدارة والموظف أو العامل‪ .‬والتمكين ليس بمجرد تفويض صالحيات أو مسؤوليات‪ ،‬وإنما هو‬
‫حالة من الشعور بالمساواة ضد مبدأ الطبقية في التعامل‪ ،‬بحيث يعترف المدير بالموظف ودوره‬
‫ال{{ذي يق{{وم ب{{ه دون تقلي{{ل ألهمية ذل{{ك ال{{دور‪Van Oudtshoorn and Thomas، 1993،( 15‬‬
‫‪.)Spreitzer، 1995، Thomas and Vethouze، 1990، Cogner and Kanungo، 1988‬‬

‫المحاور اآلتية من هذا الفصل ستتركز حول موض وع التمكين في الفكر اإلداري والتط ورات‬
‫التاريخية في فكر التمكين ومن ثم شرح أساليب التمكين المتباينة‪.‬‬

‫‪- 23 -‬‬
‫التمكين في الفكر اإلداري‬
‫بدأ مفهوم التمكين المعاصر يتبلور في أدبيات اإلدارة وفي ممارسة بعض المؤسس ات في البيئة‬
‫الغربية بعد التسعينات من القرن العشرين‪ .‬فلم يظهر فكر التمكين بش كل مف اجئ‪ ،‬وإنما ظهر‬
‫نتيجة تراكمية وتطّورية عبر ما يزيد عن مائ ة ع ام من التط ور في الفكر اإلداري بمفاهيمه‬
‫ان‬ ‫المختلفة بشكل عام‪ ،‬وبالمفاهيم التي تتعلق بإدارة الموارد البشرية وإدارة العالقات مع اإلنس‬
‫داخل المؤسسة (العاملين) أو خارج المؤسسة ( الزبائن)‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬سيتطرق هذا الجزء من الفصل األول ألهم مالمح التطور والتدرج في مفاهيم ونظريات‬
‫الفكر اإلداري من خالل بعض المفكرين والفالسفة الذين س اهموا أكاديميا‪ ،‬وعلميا في تط وير‬
‫نظريات ظلت ترتقي بالفكر حتى مهدت السبيل لمفاهيم ومص طلحات‪ ،‬ترتبط بش كل مباشر أو‬
‫غير مباشر بمفهوم التمكين المعاصر‪.‬‬

‫المراحل التاريخية‬
‫من أهم المراحل التاريخية في الفكر اإلداري الحديث واألساليب التي رافقت تلك المراحل‪:16‬‬
‫‪ .1‬النظريات التقليدية (األساليب الكالسيكية) في اإلدارة‪.‬‬
‫‪ .2‬األساليب السلوكية في اإلدارة‪.‬‬
‫‪ .3‬األساليب الحديثة في اإلدارة‪.‬‬
‫‪ .4‬ما بعد األساليب الحديثة في اإلدارة‪.‬‬
‫‪ .5‬أساليب أخرى في اإلدارة‪.‬‬
‫يعود الفكر اإلداري إلى أحقاب تاريخية ضاربة في التاريخ‪ ،‬ألن اإلنسان خلقه اهلل واس تخلفه في‬
‫األرض ومنحه ق درة على التخطيط والتنظيم والقي ادة والرقابة والمتابعة والتنس يق وتوظيف‬
‫الموارد‪ ،‬والعمران على خالف بقية المخلوقات التي خلقها اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬فصفة التدبير أي‬
‫اإلدارة هي حالة فطرية في اإلنسان منذ أن أوجد اهلل سبحانه وتعالى آدم عليه السالم‪ .‬وهذا األمر‬
‫ب ديهي وال يحت اج إلى أدلة علمية أو تاريخية‪ ،‬ولكن بعض العلم اء أرّخ وا لبعض المراحل‬
‫التاريخية مثل ‪ Daniel Wren (1993)17‬الذي أرجع مراحل التطور في اإلدارة إلى عهد‬
‫السومريين‪ ،‬أي ما قبل ‪ 5000‬عام قبل ميالد المسيح عليه السالم‪ ،‬وذلك عندما استخدموا عملية‬
‫التوثيق في السجالت لمساعدة الدولة والمؤسسات التجارية في عملياتها اإلدارية‪ .‬واإلدارة كانت‬
‫اء الواحد منها عشرين عاما‬ ‫أيضا مهمة في عهد الفراعنة عندما بنوا االهرامات التي تطلّب بن‬

‫‪- 24 -‬‬
‫وعشرات اآلالف من العاملين‪ .‬إنّ هؤالء العاملين وأعدادهم الكبيرة ما كانت لتنجز مشروعا في‬
‫غاية العظمة والدقة والجمال دون توجيه وتنظيم وتفكير مبدع خالق‪.‬‬
‫وفي التاريخ اإلسالمي ظهرت مصطلحات وممارسات‪ ،‬إدارية منها مفاهيم إلهية مثل الش ورى‬
‫ومنها مفاهيم احتاج المسلمون إلى استنباطها مثل الدواوين‪ ،‬مثل ديوان الحسبة وغيرها‪.‬‬
‫وفي القرن السابع عشر بدأت الثورة الصناعية وظهرت معها أفكار آدم سميث ح ول الكف اءة‬
‫اإلنتاجية من خالل مبادئ التخصص وتقسيم العمل‪ .‬وقد ب دأت اإلدارة ونظرياتها تتبل ور في‬
‫الكتب واألبحاث والجامعات والمؤتمرات العلمية مع بداية القرن العشرين‪ ،‬من خالل الم دارس‬
‫الكالسيكية وتالها السلوكية والنظريات الحديثة‪.‬‬
‫أما النظريات الكالسيكية فقد كان في مقدمتها نظرية اإلدارة العلمية ال تي ج اء بها المهن دس‬
‫فريدريك تيلور (‪ )Fredrick Taylor‬في عام ‪.1911‬‬

‫األساليب الكالسيكية في اإلدارة‬


‫تنقسم األساليب الكالسيكية في اإلدارة إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫نظرية اإلدارة العلمية‪.‬‬
‫النظرية اإلدارية‪.‬‬
‫النظرية البيروقراطية‪.‬‬

‫أوال نظرية اإلدارة العلمية‪:‬‬


‫أما بالنسبة لنظرية اإلدارة العلمية التي تبلورت في كتاب مبادئ اإلدارة العلمية لفردريك تيلور(‬
‫‪ )Fredrick Taylor‬الذي سُمي بأبي اإلدارة العلمية‪ ،‬فنالحظ في المبادئ التي نادى بها "تيلور"‬
‫‪18‬‬
‫محاولة منه لوضع أسس ومبادئ علمية مدروسة‪ ،‬ومحددة لتعظيم إنتاجية العاملين ‪ .‬لقد كانت‬
‫تلك المبادئ بمثابة رد فعل من أبي اإلدارة العلمية تجاه حالة عدم التقيد من قبل الع املين ب أي‬
‫أسس أثناء قيامهم في العمل‪ ،‬فكل يعمل على هواه وكيفما أتفق‪ ،‬مما يؤدي إلى تذبذب في اإلنتاج‪،‬‬
‫وهذا التذبذب قد يفقد اإلدارة قدرتها على التنبؤ والتخطيط ومعرفة حجم اإلنتاج المس تقبلي‪ .‬فإما‬
‫أن تكون هنالك طريقة مثلى محددة في تأدية العمل ضمن خطوات وأسس محددة وموحدة‪ ،‬وإما‬
‫اج‬ ‫أن يعمل كل واحد بالطريقة التي يراها مناسبة‪ ،‬فال تتحقق الكفاءة وال تتحقق مستويات اإلنت‬
‫المتوقعة‪ .‬فاقترح فردريك تيلور منهجه المشهور "بالطريقة المثلى" في العمل‪ ،‬تلك الطريقة التي‬

‫‪- 25 -‬‬
‫تتحقق من خالل دراسة خطوات العمل وتحديد الخطوات الض رورية واإلبق اء عليها وتحديد‬
‫الخطوات غير الضرورية وإلغائها‪ ،‬فتبقى الطريقة المثلى لتأدية أي عمل يقوم به العامل‪.‬‬
‫أما التمكين ونظرية اإلدارة العلمية فعلى طرفي نقيض‪ ،‬ولم يكن أصال مفه وم التمكين معروفا‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬وما ورثه فردريك تيلور من الثورة الصناعية من آدم س ميث يتن افى أصال مع‬
‫مبدأ التمكين في اإلدارة المعاصرة‪ .‬النظرة التي ك انت س ائدة تج اه العامل على أنه آلة يجب‬
‫ضبطها بالطريقة المثلى إلنجاز أكبر كم من اإلنتاج‪ ،‬حتى لو تطلب األمر تقديم حوافز للع املين‬
‫من أجل زيادة إنتاجيتهم فقط‪ ،‬ومن أجل زيادة الكفاءة وتحسين مستوى اإلنتاج‪ ،‬وخاصة أن ما يتم‬
‫إنتاجه يتم بيعه‪ ،‬فمستوى الطلب في تلك الفترة من الزمن كان كبيرا من قبل مجتمع المس تهلكين‬
‫المتعطش للمنتجات الصناعية‪.‬‬
‫لذلك كان الفكر السائد في تلك الفترة من الزمن بعيدا عن مفهوم التمكين أو حتى التفويض‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب الظروف التي كانت سائدة في تلك الف ترة وخاصة ض عف المف اهيم ذات العالقة بالبعد‬
‫اإلنساني وسيطرة المفاهيم ذات البعد المادي‪ .‬و على ال رغم من ذلك فنظرية المب ادئ العلمية‬
‫تضر‪ ،‬على المدى البعيد‪ ،‬حتى في البعد المادي ال ذي طالما أسس له فردريك ت ايلور‪ ،‬بس بب‬
‫أم‬ ‫المغاالة في مبدأ الطريقة المثلى التي جاء بها والتي تؤدي بالعامل إلى الشعور بالملل والس‬
‫تطيع أن يحيد عنها قيد أنمله‪ ،‬فضال عن أنها ال‬ ‫واإلرهاق من إتباع أساليب محددة وثابتة ال يس‬
‫ات‬ ‫تترك للفرد مجاال للتفكير الخالق وخلق بدائل مختلفة لحل المشكلة‪ .‬وما تزال هنالك مؤسس‬
‫ام بها دون أي‬ ‫تطبق مبادئ اإلدارة العملية إلى وقتنا الحاضر‪ ،‬بوضع قواعد محددة للعامل للقي‬
‫مجال من المرونة أو التفاوت‪ ،‬وذلك من أجل ضمان نتائج محددة تحديدًا مسبقا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬النظرية اإلدارية ‪Administrative Management‬‬


‫يكية هي النظرية اإلدارية (‪Administrative‬‬ ‫اليب الكالس‬ ‫النظرية الثانية في األس‬
‫والمتفحص بعمق له ذه‬ ‫‪ )Management‬التي جاء بها ‪ Henri Fayol‬في ع ام ‪1916‬‬
‫‪19‬‬

‫النظريات التقليدية يجد درجة عالية من التركيز على تحقيق الضبط والنظام والثب ات في العمل‪،‬‬
‫ولكن ال يجد مجاال فيها لمنح الموظف أي دور في المشاركة وإبداء الرأي أو حرية التصرف‪.‬‬
‫أما ماري باركر فوليت وأفكارها اإلنسانية التي قدمتها في تلك الحقبة فقد سبقت زمانها بعقود‬
‫طويلة كما وصفها ‪.Peter Drucker‬‬

‫‪- 26 -‬‬
‫ماري باركر فوليت (‪)Mary parker Follett‬‬
‫لقد كان صوت ‪ Follett‬الصوت الوحيد المختلف في عهد المدارس اإلدارية التقليدية الذي تميز‬
‫عن بقية األصوات‪ 20‬وإذا كان ‪ Taylor‬يدعى ب أبي اإلدارة العلمية‪ ،‬ف إن ‪ Follett‬ك انت كما‬
‫يصفها ‪ Peter Drucker‬أم اإلدارة‪ .‬فقد تحدثت في مواضيع في أوائل القرن الماضي‪ ،‬ينظر‬
‫إليها على أنها حديثة حتى في وقتنا الحاضر‪ .‬فتناولت مواضيع مثل التعاون والعمل الجم اعي‪،‬‬
‫ونظرت إلى المؤسسات على أنها مجتمعات متعاونة علبها أن تعمل لتحقيق أه داف مش تركة‪.‬‬
‫وشجعت العاملين والمديرين على العمل بتوافق وتعاون وانسجام دون سيطرة جهة على أخرى‪.‬‬
‫وأكدت أهمية الحرية في التعبير وأهمية التعاون لحل الخالف في العم ل‪ .‬ورأت بأنه من واجب‬
‫المدير أن يساعد الناس في المنظمة على التعاون معا وتحقيق التكامل في المصالح واألهداف‪.‬‬
‫تبرز هذه المقاالت إيمان‬ ‫وفي مجموعة من المقاالت التي تم جمعها وتوثيقها عن ‪Follett‬‬
‫‪21‬‬

‫تلك المرأة الكبير بدور الموظف في المنظمة كمالك لها‪ ،‬لخلق شعور بالمسؤولية الجماعية تج اه‬
‫العمل وتجاه أهداف المنظمة واليوم وبعد ما يقارب من مئة عام ب دأت أدبي ات اإلدارة تن اقش‬
‫‪ "Employee‬و "المش اركة في ال ربح" و "‬ ‫مواضيع مثل "الموظف المالك" "‪Ownership‬‬
‫المشاركة في المكاسب"‪ .‬وهذا يؤكد اهتمام ه ذه العالمة بالبعد اإلنس اني في العمل‪ ،‬من خالل‬
‫نظرة متوازنة بين أهداف العمل وأهداف وحاجات اإلنسان‪ .‬على أي حال‪ ،‬كانت أفكارها متميزة‬
‫ومتقدمة على الحقبة التي كانت تعيشها وهذا يدل على أن االهتمام بالجانب اإلنس اني وتنميته ال‬
‫يرتبط بزمان أو مكان أو فكر معين‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬النظرية البيروقراطية‪:‬‬


‫ولدت النظرية البيروقراطية على يد المفكر األلماني ماكس ويبر (‪ )Max Weber‬وهو الذي‬
‫جاء بمب ادئ النظ ام الب يروقراطي للمؤسسة‪ ،‬لكي يضع نهاية لحقبة تاريخية من الفوضى في‬
‫أن الحل‬ ‫المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في ألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر‪ .‬ورأى ب‬
‫هو في ما أسماه "النظام البيروقراطي" الذي يعني حكم المكتب بوضع القوانين الرسمية وتقس يم‬
‫العمل ووضوح التسلسل الرئاسي وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية‪.22‬‬
‫وكان يؤمن بتحقيق مس تويات عالية من الكف اءة اإلنتاجية من خالل الض بط والدقة في العمل‬
‫ووضوح القوانين والتشريعات‪ .‬والتركيز على جانب من الجوانب اإلدارية قد يكون على حساب‬
‫جوانب أخرى ويحدث هنا مرة أخرى‪ .‬ما حدث مع تيلور من ردة فعل تجاه التسيب فنجد النتيجة‬

‫‪- 27 -‬‬
‫هنا مبالغة في التشدد والبطء في اإلجراءات والجمود في القوانين‪ .‬وكان جل هدف وغاية المفكر‬
‫البيروقراطي هو تحقيق النظام والكفاءة والعمل الجاد والبعد عن المصالح الشخص ية لحس اب‬
‫مصلحة المنظمة‪ .‬وهذه الغايات مهمة جدا في حياة المنظمات‪ ،‬وهنالك الكثير من المنظم ات في‬
‫ؤال‬ ‫العالم التي أصبحت منذ ذلك الوقت تأخذ بالنظريات البيروقراطية وتستفيد منها‪ .‬ولكن الس‬
‫الذي يطرح نفسه هو‪ :‬هل نستطيع أن نعتبر البيروقراطية وغيرها من النظريات الكالسيكية هي‬
‫الحل المناسب لمنظمات القرن الواحد والعشرين بعد التغيرات الكبيرة التي حدثت في الع الم من‬
‫حيث التغيرات التكنولوجية والمعلوماتية واالجتماعية وتغ يرات العولم ة؟‪ .‬وهل البيروقراطية‬
‫تفي بالغرض في ظل هذه التغيرات والتطورات؟‪ .‬وهل تلبي متطلبات موظف المعرفة وموظف‬
‫المهارة والموهبة؟ وهل تفي في ظل الدعوة إلع ادة هيكلة المنظم ات أفقيا ب دال من هيكلتها‬
‫عموديا كما كان سائدا في زمن الفالسفة الكالسيكيين؟‬
‫لم تنتظر هذه التساؤالت زمنا طويال‪ ،‬فقد بدأت تتفاعل منذ عام ‪ 1920‬مع بداية بروز حرك ات‬
‫جديدة توجه انتقاداتها لمبادئ اإلدارة الكالسيكية التي ال يحظى فيها الج انب اإلنس اني بحض‬
‫وافر‪ ،‬فظهرت النظريات السلوكية‪.‬‬

‫األساليب السلوكية في اإلدارة‬


‫بدأ التركيز خالل عام ‪ 1920‬على الجوانب اإلنسانية يتنامى ويؤثر في الفكر اإلداري‪ ،‬فظهرت‬
‫عدة نظريات تبدو في واقعها ثورة حقيقية على النظريات التقليدية الس ابقة ال تي لم تتع رض‬
‫للجانب اإلنساني‪ ،‬وإذا تعرضت للجوانب اإلنسانية فبهدف زيادة الكفاءة واإلنتاجية وليس بهدف‬
‫اإلنسان وتلبية رغباته وتنميته أو حل مشاكله‪ .‬من هنا بدأت نظريات أخ رى تنح و منحى آخر‬
‫نحو االهتمام بالجوانب اإلنسانية‪ ،‬ليس فقط من قبيل الج وانب المادية‪ ،‬وتلبية حاج ات العامل‬
‫المادية وإنما الترك يز أيضا على الج وانب المعنوية في المش اركة والحرية وتق دير الف رد‬
‫واحترامه‪ .‬وهذه التوجهات تعتبر ذات عالقة مباشرة أو غير مباش رة بتمكين اإلنس ان ومنحه‬
‫ور إال في وقت‬ ‫حرية ومشاركة أكبر‪ ،‬ولكن بالتأكيد فإن مفهوم التمكين بشكله المعاصر لم يتبل‬
‫متأخر وفي العهد القريب‪ .‬وما يمكن مراعاته هنا أن التمكين بشكله المعروف حاليا في أدبي ات‬
‫اإلدارة هو نتاج تراكمي وتطوري لما تمخضت عنه هذه النظريات المختلفة عبر عقود مضت‪.‬‬
‫ومن أهم النظريات ذات التأثير الهام في الفكر اإلداري اإلنساني‪:‬‬

‫‪- 28 -‬‬
‫‪ -1‬دراسات هوثورن وحركة العالقات اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -2‬نظرية الحاجات لماسلو‬
‫‪ -3‬نظرية ‪ X and Y‬ل دجلوس ماكقريقور (‪. )Douglas McGregor‬‬
‫‪ -4‬الشخص ية البالغة ل دى ك رس آرق ريس (خط وة هامة ج دا تج اه التمكين)‪Chris(.‬‬
‫‪)Argyris‬‬

‫دراسات هوثورن وحركة العالقات اإلنسانية‬


‫بدأت دراسات هوثورن في عام ‪ 1924‬في شركة ويسترين أليكتريك (‪)Western Electric‬‬
‫في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وبدأ الباحثون يدرسون أثر العوامل المادية مثل ظ روف العمل‬
‫ومستوى اإلضاءة على إنتاجية العامل في تلك الشركة‪ 23‬واستمرت تلك الدراسات ح تى ع ام‬
‫‪ 1932‬عندما بدأ الركود االقتصادي العظيم يعصف في البالد‪ ،‬فتوقفت دراسات هوثورن ال تي‬
‫ساهم بها ‪ Elton Mayo‬من جامعة هارفارد‪ .‬وعلى الرغم من أن تلك الدراس ات قد ب دأت‬
‫تحاول دراسة ظروف العمل المادية‪( ،‬مستوى اإلضاءة) وأثرها على إنتاجية الع املين‪ ،‬إال أنها‬
‫قد ظهرت‪ ،‬صدفة ونتيجة لخطأ في المنهجية المستخدمة‪ ،‬متغير آخر غير مقص ود وهو أهمية‬
‫التعاون واالهتمام باإلنسان و العامل على أنّها متغيرات تؤثر على اإلنتاجية بدال من اإلضاءة‬
‫أو ظروف العمل المادية التي قامت الدراسة أصال من أجل قياسها وقياس أثرها‪ .‬ورب ض ارة‬
‫سمي "أثر هوث ورن" (‪ )Hawthorn Effect‬ك ان من أهم‬
‫نافعة‪ ،‬فالخطأ في المنهجية الذي ُّ‬
‫األسباب التي فجرت ثورة جدي دة في الفكر اإلداري‪ ،‬ومهد الطريق لما س مي فيما بعد بحركة‬
‫وكانت وجهة نظر ه ذه الحركة‬ ‫العالقات اإلنسانية التي ظهرت خالل عام ‪،1960-1950‬‬
‫تنطلق من أن معاملة العاملين معاملة إنسانية جي دة ت ؤدي إلى تحقيق إنتاجية أفضل‪ ،‬وحركة‬
‫العالقات اإلنسانية هذه مهدت السبيل لما أصبح يع رف في ال وقت الحاضر بدراسة الس لوك‬
‫التنظيمي‪.‬‬
‫اهماته الفاعلة‬ ‫وظهرت بعدها نظريات أسست لدور العامل والموظف في المنظمة وقعّدت لمس‬
‫وحاجاته التي تتجاوز الحاجات المادية المجردة إلى الحاجات والمطالب اإلنس انية في قض ايا‬
‫اإلبداع واالبتكار والتفوق والتحدي والمشاركة في اتخاذ القرار وتمكين الموظف ومنحه حريات‬
‫‪24‬‬
‫للحاجات ونظرية ‪X‬‬ ‫أكبر في العمل‪ .‬ومن أهم هذه النظريات نظرية ‪Ibraham Maslow‬‬
‫ونظرية الشخصية البالغة لصاحبها ‪Chris‬‬ ‫‪ and Y‬لصاحبها ‪Douglas McGreoger‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫‪ Argyris‬وغيرها من النظريات التي بدت تمهد الطريق بشكل تدرجي نحو التمكين ورفع سوية‬
‫العنصر البشري في منظمات األعمال‪.‬‬

‫حاجات تحقيق ألذات‬

‫حاجات احترام ألذات‬

‫الحاجات االجتماعية‬

‫حاجات األمان‬

‫الحاجات الفسيولوجية‬

‫شكل ‪1‬سلم ماسلو للحاجات‬


‫شكل رقم ‪1‬ماسلو للحاجات‪$‬‬

‫وظهرت مقدمات هامة جدا مثل إثراء العمل وتوسيع العمل وإشراك العامل في المشورة واتخاذ‬
‫القرار؛ لتحسين صورة المنظمات التجارية بشكل خاص بعدما استغرقت لعدة عقود في عمليات‬
‫اإلنتاج والتسويق والربح وتحقيق أكبر حصة سوقية ممكنة‪ ،‬وقد ظل حجم الطلب يزيد عن حجم‬
‫العرض لفترات زمنية طويلة‪.‬‬
‫الجوانب‬ ‫فحان الوقت في بداية الخمسينات من القرن الماضي للتحول التدريجي نحو االهتمام ب‬
‫اإلنسانية‪ ،‬أمال بتحقيق تميز ونمو في المنظمات من نواحي اقتصادية ونواحي إنس انية على حد‬
‫سواء‪ ،‬فظهرت نظرية ماسلو الشهيرة في تقسيم حاجات اإلنسان إلى خمسة أقسام‪ ،‬كما هو مبين‬
‫في الشكل رقم واحد أعاله‪.‬‬

‫‪- 30 -‬‬
‫إن متابعة وتقصي دوافع وحاجات وهموم الع املين أفضى إلى دراسة قض ايا خاصة وأك ثر‬
‫تحديدا‪ ،‬تتعلق في مشاركة العاملين في اتخاذ الق رار وتحمل المس ؤولية وت دوير العمل (‪Job‬‬
‫‪ )Rotation‬وتفويض الصالحيات وتوسيع العمل (‪ )Job Enlargement‬و إثراء العمل (‪Job‬‬
‫‪ ، )Enrichment‬وغيرها من األمور التي بدأت تظهر في أدبيات اإلدارة‪ ،‬وفي مقدمة هذه‬
‫المفاهيم المعاصرة في زماننا هذا مفهوم تمكين العاملين‪ .‬ومن أهم المفاهيم ال تي س اهمت في‬
‫تسريع الخطوات نحو التمكين نموذج الخصائص المحورية‪.‬‬
‫‪ ‬نم وذج الخص ائص المحورية‪)Core Characteristics Model ( 25‬‬
‫‪Greg Oldham‬‬ ‫يحدد في هذا النموذج كل من ‪ Richard Hackman‬و‬
‫خمس خصائص هامة لوصف الوظيفة ذات المعنى والقيمة الكبيرة‪:‬‬
‫‪ .1‬تنوع المهام‪ -‬عندما تحتوي الوظيفة على أنشطة متعددة وعن دما تتطلب‬
‫من العامل مهارات ومواهب مختلفة‪.‬‬
‫‪ .2‬هوية الوظيفة‪ -‬عندما تتطلب الوظيفة من العامل القي ام بمه ام الوظيفة‬
‫بالكامل‪ ،‬من ألفها إلى يائها دون القيام بعمل مبتور‪ ،‬أو بجزء من العمل‪.‬‬
‫‪ .3‬أهمية المهام‪ -‬عندما تترك الوظيفة أثراً على اآلخرين داخل أو خ ارج‬
‫المنظمة (أي أن يكون للوظيفة دور في التأثير في حياة اآلخرين)‪.‬‬
‫‪ .4‬االستقاللية في العمل‪ -‬عندما تمنح الوظيفة حرية للعامل واس تقاللية في‬
‫العمل وحرية في التصرف في تخطيط العمل وجدولته وتحديد إجراءات‬
‫العمل‪.‬‬
‫‪ .5‬التغذية الراجعة‪ -‬عندما يحصل العامل على معلوم ات بش كل مباشر‬
‫وواضح عن نتائج عمله ونتائج أدائه‪.‬‬
‫أن األف راد ال ذين تتوافر‬
‫تؤكد هذه النظرية التي جاءت لتعزز نظرية إث راء العمل‪ّ ،‬‬
‫عندهم الخصائص الخمس السابقة سيكون لديهم إثراء العمل كبيرًا‪ ،‬وهذا يتطلب وجود‬
‫حاجة عند هؤالء لإلنجاز والتميز‪ .‬أما األفراد الذين ال تت وافر عن دهم تلك الحاجة أو‬
‫تلك الرغبة فلن يكون بمق دورهم إث راء العمل؛ ألنهم ال يتمتع ون بدرجة عالية من‬
‫الخصائص الخمس المذكورة‪.‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫نظرية ‪ X and Y‬لصاحبها ‪( Douglas McGregor‬خطوة هامه تجاه التمكين)‪.‬‬
‫تأثر (‪ )Douglas McGregor‬بأفكار ‪ Maslow‬ودراسات هوثورن‪ ،‬فقدم إضافة جديدة لحركة‬
‫العالقات اإلنسانية من خالل كتاباته‪ ،‬وخاصة في كتابه "الوجه اإلنس اني من المش روع" (‪The‬‬
‫‪ ، )Human Side of Enterprise‬من خالل نظريته التي سماها نظرية ‪ X‬و ‪ .Y‬ولكل من‬
‫‪ X‬و ‪ Y‬افتراضات؛ ففي حين يفترض المدير الذي يتب نى نظرية ‪ X‬أن العامل كس ول ويفتقد‬
‫لروح المبادرة وتحمل المسؤولية‪ ،‬فإن المدير الذي يتبنى نظرية ‪ Y‬يحمل افتراض ات مغ ايرة‬
‫تماما‪ ،‬فيرى في مرؤوسيه حب العمل وروح المبادرة والرقابة الداخلية والقدرات الخالقة وحب‬
‫التميز‪.26‬‬
‫ما يميز نظرية ماكريقر أمر في غاية األهمية‪ ،‬وهو السلوك بشكل يوافق توقع ات اآلخ رين (‬
‫‪ )Self-Fulfilling Prophecy‬أي أن الفرد قد يتأثر مع مرور الوقت بتوقعات اآلخرين تجاهه‪،‬‬
‫فتنسجم وتتوافق سلوكياته مع توقعاتهم‪ .‬فالمديرون من أنصار نظرية ‪ X‬يتصرفون بطرق فيها‬
‫مستويات عالية من السيطرة واإلشراف المباشر‪ ،‬بشكل ال يدع لمرءوس يهم مج اال من حرية‬
‫التصرف‪ ،‬أو االستقاللية في العمل‪ .‬وهذا النوع من القادة يخلق موظفين سلبيين واعتماديين وال‬
‫يعملون إال بحسب ما يطلب منهم‪ .‬أما المديرون من أصحاب نظرية ‪ Y‬فيتصرفون بطريقة أكثر‬
‫ديموقراطية‪ ،‬ويمنحون مجاال أوسع للمشاركة وحرية التصرف مما يفتح المج ال واسعًا أم ام‬
‫مرؤوسيهم نحو اإلبداع والتفوق وتحقيق الذات‪ ،‬والشعور بالقيمة الحقيقية لقدراتهم ومواهبهم في‬
‫العمل‪ .‬ويتصرف الموظفون مع الزمن بروح المب ادرة والمش اركة الفاعلة وحرية التص رف‬
‫والتمكين‪ ،‬انسجاما مع توقعات مديريهم منهم‪ .‬وهذا يشجع المديرين الذين ي ترددون في ممارسة‬
‫أساليب مثل التمكين‪ ،‬أن ال يشككوا بانتماء مرؤوس يهم ألن ثقتهم بهم هي ال تي ستص نع ذلك‬
‫االنتماء وعدم الثقة سيصنع غير ذلك‪.‬‬

‫الشخصية البالغة لدى كرس آرقريس (خطوة هامة جدا تجاه التمكين)‬
‫(‪)Chris Argyris‬‬
‫طلح "التمكين" “‬ ‫تخدام مص‬ ‫اج إلى اس‬ ‫رد لم تكن دائما تحت‬ ‫دعوة إلى تمكين الف‬ ‫ال‬
‫‪ ”EMPOWERMENT‬بشكل حرفي ومحدد‪ ،‬قام به كرس آرقريس (‪ )Chris Argyris‬من‬
‫جهود في نقض عرى النظريات التقليدية‪ ،‬هو في حد ذاته تعب ير واضح منذ ع ام ‪ 1957‬عن‬
‫يكية في كتابه "المؤسسة‬ ‫التوجه لفكر التمكين‪ ،‬وخاصة عندما وجه نقدا شديدا للنظريات الكالس‬
‫‪27‬‬
‫أن النظريات الكالس يكية‬
‫‪ ”Personality‬مؤكدا ّ‬ ‫‪and‬‬ ‫“‪Organization‬‬ ‫والشخصية"‬

‫‪- 32 -‬‬
‫والممارسات اإلدارية التقليدية ال تنسجم مع اإلنسان؛ إذا نظرنا إليه على أنه بالغ وناضج وعاقل‪.‬‬
‫ويرى آرقريس بأن اإلدارة العلمية بمبادئها المحددة والمقيدة تمنع الفرد من تحقيق ذاته؛ ألن كل‬
‫شيء محدد مسبقا ومقيد بطريقة محددة ال مجال فيه ألي اجتهاد من قبل الفرد‪.‬‬
‫كما يؤكد على أن مبادئ البيروقراطية ال تخلق سوى إنسان اعتمادي وسلبي يشعر أنه ال سيطرة‬
‫لديه على مقومات العمل أو بيئة العمل التي يعمل بها‪ ،‬بسبب السلطة الهرمية والعمودية وسيطرة‬
‫اإلدارة العليا المطلقة لمختلف المس تويات اإلدارية وس يطرتها على جميع الس لطات بش كل‬
‫مركزي‪.‬‬
‫أما في رده على المبادئ اإلدارية التي نادى بها هنري فايول؛ فيؤكد بأن هذه المبادئ ال تؤدي إال‬
‫إلى القصور الذاتي لدى العاملين؛ بسبب نظام وحدة األمر ووح دة التوجيه ال ذي يف ترض أن‬
‫الكفاءة تزداد عندما يتم تخطيط وتحديد وتوجيه كل فرد بكل صغيرة وكبيرة من قبل المراقب أو‬
‫المشرف‪.‬‬
‫لذلك ال يرى آرقريس أن هذه النظريات تتعامل مع العامل على أنه إنسان عاقل يمكنه أن يتحمل‬
‫مسؤولياته كإنسان بالغ عاقل مدرك‪ ،‬وإنما تح اول أن تتعامل معه وكأنه طفل يحت اج دائما إلى‬
‫التوجيه واإلشراف والمساعدة‪ .‬والحل من وجهة نظر كرس آرقريس هو في التعامل مع الن اس‬
‫على أنهم بالغون وناضجون دون وصاية عليهم‪ ،‬وهذا يتحقق من خالل توسيع نطاق صالحياتهم‬
‫ومنحهم حق المشاركة وتحمل المسؤولية في العمل‪ ،‬وتحسين شكل العالقات بينهم وبين اإلدارة‪.‬‬
‫ويقر بأن أسباب التغيب ودوران العمل والكسل والنفور من العمل‪ ،‬يعود في مجمله لممارس ات‬
‫اإلدارة التي أصبحت غير صالحة لالستخدام في الوقت الحاضر‪.‬‬

‫األساليب الحديثة في اإلدارة‬


‫نظرية النظم‬
‫النظام مجموعة من األنظمة الفرعية أو الوظائف التي تتفاعل فيما بينها وتستمد طاقتها من البيئة‬
‫الخارجية لتحقيق أهداف مشتركة‪ .28‬وهذه النظرية س اهمت في تغي ير نظ رة الع املين إلى‬
‫المؤسسة من النظرة الجزئية المحددة إلى النظرة الكلية الشمولية واألهداف المشتركة‪ .‬فبدال من‬
‫أن يهتم العامل أو المدير بشؤون وظيفته المحددة‪ ،‬أصبح االهتمام نحو األهداف العامة للمؤسسة‬
‫من خالل رؤية المؤسسة ككل متكامل‪ ،‬من خالل وظائف مترابطة ومتعاونة ومنسجمة بعض ها‬
‫مع بعض‪ ،‬مما كرس مبادئ التعاون والتنس يق والعمل المش ترك من خالل الفريق المتع اون‬
‫‪- 33 -‬‬
‫والعامل المؤهل والقادر على المساهمة الفاعلة‪ .‬ف زادت أهمية عمل الفريق ال ذي يعتمد على‬
‫العامل المتسلح بالمعرفة والقدرة على المبادرة واإلبداع والتطور‪ .‬ألن من أهم مقومات أعضاء‬
‫الفريق المتجانس أن يكون لكل واحد منهم قدرة على تقديم قيمة إضافية ومس اهمة نوعية للفريق‬
‫و إال فسيكون هذا العضو عبئا على الفريق ومعيقا لتحقيق أهدافه‪.‬‬

‫النظرية الظرفية‪:‬‬
‫تقوم هذه النظرية على مبدأ التكيف مع المتغيرات الظرفية أو البيئية التي تواجه المنظمة‪ .‬وه ذه‬
‫النظرية توصي بعدم تعميم أي مبدأ أو مفهوم من مف اهيم اإلدارة على مختلف المنظم ات وفي‬
‫مختلف الظروف‪ .29‬وهذا يعني أنه ال يوجد نظرية في اإلدارة ص الحة لكل زم ان ومك ان‪.‬‬
‫فاختيار أي مبدأ أو نظرية يعتمد على ما يناسب المنظمة‪ ،‬ويحتاج من القيادة أن تفكر وتوائم بين‬
‫واقعها من ناحية‪ ،‬وبين النظرية من ناحية أخرى‪ .‬وما يناسب مؤسسة أو ظرف من الظروف‪ ،‬قد‬
‫ال يناسب مؤسسة أخرى أو ظرف من الظروف األخرى‪ .‬وه ذه النظرية مفي دة من ناحية أنها‬
‫تتطلب من المؤسسة التفكير والعصف الذهني قبل المبادرة بتطبيق مبدأ ما أو فكرة إدارية معينة‪.‬‬
‫وما يبرر ذلك أن كثيرا من المنظمات تفشل نتيجة للتسرع في تطبيق فكرة إدارية جديدة لمج رد‬
‫أنها نجحت في مكان آخر‪ ،‬وس رعان ما تفشل نتيجة لع دم موائمتها للظ روف‪ ،‬أو للثقافة‪ ،‬أو‬
‫للمتغيرات الظرفية الخاصة بالمنظمة‪.‬‬
‫والنظرية الظرفية مجال مناسب ورحب للتفكير الخالق وعدم التسرع‪ ،‬وخاصة عن دما تُغف ل‬
‫المنظمة مبدأ المشاركة والتمكين وفرصة المشاركة في دراسة األفكار والتأكد منها قبل تطبيقها‪.‬‬

‫حركة الجودة والتميز‪:‬‬


‫بدأت حركة الجودة تتبلور وأخذت أهميتها تتزايد بعد الثمانينات من الق رن العش رين‪ ،‬وظهر‬
‫كل دائم‬ ‫مفهوم إدارة الجودة الشاملة الذي ُيعنَى بتحسين الجودة في مختلف نواحي المؤسسة بش‬
‫تي‬ ‫ومستمر في سبيل تقديم األفضل للزبائن‪ . 30‬وظهرت مؤسسات عالمية لرعاية المنظمات ال‬
‫تحقق معايير جودة متميزة ودعمها‪ ،‬مثل شهادة االيزو ومالكلوم بالدرج(‪)Malcolm Baldrieg‬‬
‫‪ Value‬والتم يز في األداء‬ ‫وغيره ا‪ .‬وظه رت أفك ار تتعلق بسلس لة القيمة ‪Chain‬‬
‫‪ ، Performance Excellence‬مما أدى إلى تنامي االهتمام بمفهوم الجودة من عدة أبعاد بما‬
‫ودة أدائهم‬ ‫في ذلك جودة المنتجات‪ ،‬والخدمات وأهم من ذلك أيضا‪ ،‬جودة أداء العاملين؛ ألن ج‬
‫‪- 34 -‬‬
‫دمات‬ ‫تعد من أهم المدخالت التي تصب في جودة المخرجات‪ ،‬سواء أكانت سلعًا ملموسة أم خ‬
‫غير ملموسة‪ .‬فسعت الكثير من المنظمات إلى العمل على ت دريب الع املين‪ ،‬ورفع ق دراتهم‬
‫وتشجيعهم على المشاركة وروح التعاون والمبادرة‪ ،‬حيث إن من أهم متطلب ات إدارة الج ودة‬
‫الشاملة هو مشاركة العامل في تحسين تلك الجودة من خالل ج ودة أدائه ومن خالل قدرته على‬
‫المبادرة وتحمل المسؤولية‪ ،‬دون حاجة لمراقبة من م دير أو لتعليم ات مح ددة تصف له كل‬
‫التفاصيل وخاصة في قطاع الخدمات(في الفصل الرابع تفاصيل أكثر‪ ،‬عن الخدمات)‪.‬‬
‫فركزت أدبيات اإلدارة على موضوع "تمكين الموظفين" بشكل واضح ومركز عند الحديث عن‬
‫الجودة الشاملة‪ .‬ألن المدير ال يستطيع تحقيق الجودة الشاملة والمستمرة وبشكل ت دريجي‪ ،‬دون‬
‫دور الموظف المحوري والهام في تلك العملية‪ .‬وخاصة ألن الجودة وتحسينها بشكل مستم‪،‬ر ال‬
‫يمكن تحقيقه دون تفاني الموظف وانتمائه لفكر الجودة؛ وألن التمكين يحت اج النتم اء الموظف‬
‫وقناعته الداخلية ببرامج الجودة وتعاونه مع المنظمة في سبيل تحقيقها‪.‬‬

‫نظرية ‪Z‬‬
‫‪31‬‬
‫‪.‬‬ ‫نظرية ‪ Z‬نظرية يابانية‪-‬أمريكية قدمها ‪ William Ouchi‬و‪Richard Tanner‬‬
‫ائف‬ ‫وتركز هذه النظرية على الحركة األفقية للعاملين وهي التي تعني‪ :‬أن يتقن العاملون الوظ‬
‫المختلفة قبل السعي للترقية إلى وظائف أعلى في السلم ال وظيفي‪ ،‬واالهتم ام بتخطيط المهنة (‬
‫‪ )Career‬واتخاذ القرار بش كل‬ ‫‪ )Career‬والتنمية المهنية ( ‪Development‬‬ ‫‪Planning‬‬
‫جماعي‪ ،‬والتركيز على عمل الفريق‪ ،‬والتركيز على مشاركة العاملين وانخراطهم في المنظمة‪.‬‬

‫المنظمة المتعلمة (‪)Learning Organization‬‬


‫المنظمة المتعلمة هي تلك التي تتغير بشكل مستمر وتتطور وتتقدم بشكل دائم‪ ،‬وذلك ب التعلم من‬
‫تجاربها وخبراتها التي تتكون من خبرات أعضائها‪ .‬والمنظمة المتعلمة كما يؤكد ‪Peter Senge‬‬
‫ترتكز على مقومات أساسية محورها ثقافة المؤسسة وقيمها التي ترتكز على العناصر اآلتية‪:32‬‬
‫‪ .1‬المعلومات وأهميتها في التعلم‪.‬‬
‫‪ .2‬روح الفريق وأهميته في التعلم الجماعي الذي يضاعف التعلم الفردي‪.‬‬
‫‪ .3‬التمكين‪ :‬وهو الذي يحرر العامل من أي قيود تمنعه من التعلم والمشاركة‪.‬‬
‫‪ .4‬المشاركة التي هي جوهر عملية التعليم والتعلم‪.‬‬
‫‪ .5‬والقيادة التي تحمل الرؤية نحو مؤسسة متعلمة متطورة باستمرار‪.‬‬
‫‪- 35 -‬‬
‫وحديث الساعة في أدبيات اإلدارة في الوقت الراهن هو حول موضوع المنظمة المتعلمة‪ ،‬وه ذا‬
‫من أهم المفاهيم اإلدارية المعاصرة التي تع زز موض وع التمكين وتس تثمره من أجل التجديد‬
‫المستمر والتطوير المستمر في المنظم ة‪ .‬وقد أص بحت عملية التجديد‪ ،‬والتغي ير حتمية‪ ،‬وال‬
‫مناص منها في منظمات القرن الواحد والعشرين‪ .‬وهنالك مقاالت تبدأ بعناوين مثل‪" ،‬إما أن تجدد‬
‫أو تبدد" و "إما أن تجدد أو تتبخر" ( ‪)Innovate or evaporate‬وتدل على أن المنظمات التي‬
‫تتجاهل عملية التغيير والتجديد والتطوير‪ ،‬فإن مصيرها إلى زوال‪ ،‬نتيجة للعولمة‪ ،‬وما تحمل من‬
‫متغيرات عالمية سياسية واقتصادية واجتماعية وتكنولوجية وسوقية‪ ،‬ال ت رحم من يرضى بحالة‬
‫االستقرار والرضا بالوضع الراهن‪.‬‬
‫والتعلُّم يتطلب معلمين ومتعلمين‪ ،‬ونرى أنهم العاملون الذين يواجه ون واجب ات جدي دة؛ منها‬
‫المعرفة والمهارة والمعلومة وتداول هذه المكاسب لالستفادة منها‪ ،‬كما يتوجب على العامل اآلن‬
‫تحمل المسؤولية وروح المخاطرة وتحمل الوقوع بالخطأ‪ ،‬ألن الخطأ هو مص در من مص ادر‬
‫ارب‪ ،‬والتعلم‬ ‫اء‪ ،‬والتعلم من التج‬ ‫التعلم‪ ،‬فيتعلم ويعلم الموظف من خالل التعلم من األخط‬
‫بالممارسة‪ ،‬والتعلم من االستعمال‪ ،‬والتعلم من تجارب اآلخرين‪ ،‬والتعلم من القراءة‪ ،‬والتعلم من‬
‫اإلصغاء‪ ،‬والتعلم من التفكير والعصف الفكري‪ ،‬والتعلم من توجيه اآلخرين وتعليمهم‪ .‬وأخ يرا‬
‫التعلم والتعليم مقومات أساسية لمن يريد أن يكون ممّكنا ومتسلحا بروح المب ادرة والمرونة‬
‫فإن ّ‬
‫والتكيف‪.‬‬
‫مما تقدم نرى بأن مراحل تطور الفكر اإلداري الحديث يتجه في إدارة العنصر البش ري تج اه‬
‫مرحلة جديدة من التعاون والمشاركة وروح الفريق‪ ،‬وبالتالي نحو تمكين العاملين وتوزيع الحق‬
‫في المشاركة بين مختلف المستويات اإلدارية وخاصة المستويات الدنيا من المنظمة‪.‬‬
‫فبينما كانت المفاهيم اإلدارية التقليدية تتجاهل مفهوم التمكين وتتجاهل مقوم ات التمكين‪ ،‬ف إن‬
‫اإلدارة المعاصرة أصبحت تتحول نحو االهتمام بشكل خاص بموضوع التمكين‪ ،‬سواء أكان ذلك‬
‫بشكل مباشر أم غير مباشر‪ .‬فنرى األدبيات ذات العالقة تتحدث بإسهاب وتركيز عن مواض يع‬
‫مثل‪ :‬التمكين‪ ،‬والمشاركة‪ ،‬وحرية العامل‪ ،‬ورضا العاملين‪ ،‬وغيرها من المواضيع ال تي تصب‬
‫أن تحقيق التميز والنجاح في المنظم ات يتحقق من خالل اإلدارة الص حيحة‬
‫في فكرة مفادها‪ّ :‬‬
‫للعنصر البشري‪ ،‬ومن خالل الدور المحوري الذي يمكن أن يساهم به اإلنسان في المنظمة‪.‬‬
‫أما في اآلن فسيتم التفصيل به بشكل خاص حول‪ :‬أساليب التمكين‪ ،‬ومراحل تطور المفهوم‪ ،‬من‬
‫خالل النظريات المختلفة التي ساهمت في صياغة معاصرة لمفهوم التمكين المعاصر‪.‬‬

‫‪- 36 -‬‬
‫أساليب التمكين‬
‫لقد تم الحديث حول التطور في الفكر اإلداري المعاصر بشكل يبين وجه العالقة بين هذا التطور‪،‬‬
‫وما رافقه من تطور واضح في الفكر السلوكي ال ذي س اهم في احتض ان فكر التمكين إلى أن‬
‫وصل وتبلور بشكله المعاصر في وقتنا الحاضر‪.‬‬
‫وسينصب الحديث في هذا المحور حول مراحل تطور مفه وم التمكين‪ .‬ف التمكين مفه وم له‬
‫تفسيرات متباينة نتيجة الختالف في وجهات النظر حول هذا المفهوم المرتبط بالسلوك البش ري‬
‫ددة أدت‬ ‫وبالسلوك التنظيمي والسلوك اإلداري وإدارة الموارد البشرية‪ .‬فهذه االرتباطات المتع‬
‫كل‬ ‫إلى بروز تفسيرات متعددة لمساعدة علماء اإلدارة للوصول إلى تحديد المفهوم وتعريفه بش‬
‫يخدم الباحث واإلداري على حد سواء بعد الوصول إلى رؤية مشتركة ح ول مفه وم التمكين؛‬
‫مفهومًا إداريًا معاصرًا‪.‬‬
‫وفيما يأتي سيتم شرح نظرية من أهم نظريات الس لوك التنظيمي وهي نظرية التمكين من خالل‬
‫البعد السيكولوجي‪.‬‬

‫نظرية سيكولوجيا التمكينو (نظرية التمكين النفسي)‬


‫لقد قدم بعض علماء السلوك التنظيمي تعريفات ساهمت في إثراء المخزون المع رفي لِمفه وم‬
‫التمكين من أمثال )‪ Kanter (1989‬و )‪ .33Thomas and Velthouse (1990‬ويعّرف‬
‫التمكين من ناحية سيكولوجية على أنه مفهوم تحف يزي يتمح ور ويتمركز ح ول الدافعية عند‬
‫اإلنسان نحو الكفاءة واالقتدار‪ ،‬أي إنه يشكّل دافعية لدى العاملين من أجل تحقيق مستويات عالية‬
‫من الكفاءة واالقتدار‪ .‬هذا وقد عرّف قاموس إكس فورد اإلنجل يزي فعل يمكّن (‪)Empower‬‬
‫ن التمكين يتضمن عامل‬
‫على أنه إعطاء القدرة للشخص الممكّن‪ .‬وعلى عكس تفويض السلطة فإ ّ‬
‫حفز ودافعية من خالل تمكين اإلنسان وتفعيل قدراته الذاتية ‪Conger and Kanungo،(34‬‬
‫‪ )1988‬فهو إذن تمكين بمنح اإلنسان القدرة وليس تفويضًا للقيام بمهام محددة فحسب‪35‬أ‪.‬‬
‫ويعرّف توماس وفلتهاوس ‪)Thomas and Velthouse, 1999(36‬التمكين بأنه الحافز الداخلي‬
‫الجوهري الذي يبرز من خالل عدد من المدارك التي تعكس مواقف األفراد نحو المه ام ال تي‬
‫يقومون بها في وظائفهم‪ ،‬وهذه المدارك مثل‪:‬‬
‫‪ .1‬المعنى (‪ :)Meaning‬ويقصد بالمعنى هنا استشعار الموظف قيمة العمل ال ذي يق وم به‬
‫ومعناه‪ ،‬ولذلك فإن لمعنى يتضمن التوافق بين متطلبات العمل واألدوار التي يقوم بها الفرد‬
‫من جهة‪ ،‬واالعتقادات والقيم والسلوكيات من جهة أخرى‪ ،‬فإذا كانت جميع هذه االعتبارات‬
‫‪- 37 -‬‬
‫عور الموظف‬ ‫منسجمة فإن الوظيفة بال شك ذات قيمة‪ ،‬وإذا كانت متناقضة فهذا يكرس ش‬
‫بنقص المعنى‪ ،‬أي إن الوظيفة ال معنى لها‪ .‬وكثيرًا ما يقول الموظفون ب أن "وظيف تي ال‬
‫معنى لها" عندما تكون روتينية أو عندما ال يتوافق عمله مع قيمه أو قدراته أو مبادئه‪.37‬‬
‫‪ .2‬الكفاءة (‪ :)Competence‬الشعور باالقتدار والمهارة والكفاءة أمر هام جدًا وهذا في حقيقة‬
‫األمر يعبر عن مدى اعتقاد الفرد وثقته بقدرته على القيام بمهام عمله بمهارة عالية (‪Gist،‬‬
‫‪.38)1987، Spreitzer، 1995‬‬
‫‪ .3‬االستقاللية وحرية التصرف (‪ :)Self-Determination‬إضافة إلى الش عور باالقت دار‬
‫والكفاءة فإن االستقاللية تعبر عن ش عور الف رد بحريته باالختي ار عن دما يرتبط األمر‬
‫باإلنجاز‪ ،‬وعمل األشياء‪ .‬فيصبح له الحق في اختي ار الب ديل المناسب لتنفيذ العمل‪ ،‬بما‬
‫يتناسب مع وجهة نظره‪ ،‬وتقديره الخاص (‪.39)Deci، et al، 1989‬‬
‫‪ .4‬التأثير (‪ :)Impact‬وهي درجة تأثير الفرد في نتائج المؤسسة االستراتيجية واإلدارية‬
‫والتشغيلية (‪.40)Ashforth، 1989‬‬

‫تفويض السلطة أو الصالحية (‪)Delegation of Authority‬‬


‫يعد تفويض السلطات مفهومًا محدودًا وقاصرًا عن مفهوم التمكين ومقتضياته‪ .‬فتفويض السلطة‬
‫يقتصر على منح المرؤوس سلطات محددة من قبل الرئيس‪ ،‬الذي يمكنه استردادها في أي وقت‬
‫شاء‪ ،‬ضمن أسس وقواعد رسمية محددة‪ .‬كما تفتقد عملية التفويض لمتطلبات أساس ية ال تتوافر‬
‫إال في التمكين؛ مثل الشعور الذاتي بالمسؤولية والثقة بالنفس‪ ،‬وقيمة الواجب المناط بالموظف‪،‬‬
‫ومستوى تأثير الموظف‪ ،‬وتأثير العمل في تحقيق نت ائج للمؤسسة‪ ،‬ولآلخ رين‪ ،‬إض افةً إلى‬
‫الشعور باالستقاللية‪ ،‬وحرية التصرف‪ ،‬وه ذا ينطلق من أعلى إلى)أس فل من خالل التسلسل‬
‫الرئاسي ونطاق اإلشراف التقليدي( ;‪Nelison, 1986; Conger and Kanungo, 1988‬‬
‫‪.41)Burke, 1986‬‬
‫‪ .5‬وهنالك من ينظر إلى التفويض على أنه جزء من عملية التمكين ومرحلة ابتدائية من مراحله‬
‫(‪.)Thomas and Velthouse, 1990‬‬

‫‪- 38 -‬‬
‫أساليب التمكين المعاصرة‬
‫وعلى أي حال فالكتابات المعاصرة حول التمكين تطرقت إلى عدة اتجاهات وأساليب في التمكين‬
‫منها‪:‬‬

‫أسلوب القيادة‬
‫يعـد تمكين المرؤوسين مـن األساليب القيادية الحديثةالتي تساهـم في زيادة فاعلية المؤسسة (‬
‫‪ 42) Bennis, 1989، Kanter, 1989, McClelland,1965‬وأسلوب القيادة هذا‪ ،‬يقوم على‬
‫دور القائد أو المدير في تمكين الموظفين‪ .‬وهذا األسلوب يشير إلى أن المؤسسة الممكّنة هي تلك‬
‫المؤسسة التي تتضمن نطاق إشراف واسع‪ ،‬بمعنى أن نسبة الموظفين إلى المديرين نس بة عالية‬
‫بالقياس إلى هذه النسبة في المؤسسات التقليدية‪ ،‬وتتضمن أيضًاَ منح صالحيات أكبر للمستويات‬
‫اإلدارية الدنيا في المؤسسة (‪ .43)،Malone, 1997‬وهذا األسلوب يركز بش كل خ اص على‬
‫تفويض الصالحيات أو السلطات من أعلى إلى أسفل‪.‬‬

‫أسلوب تمكين األفراد‬


‫يتمحور هذا األسلوب حول الفرد بما يسمى "تمكين الذات"‪ .‬ويبرز التمكين هنا عندما تبدأ العوامل‬
‫ذا‬ ‫االدراكية (‪)Cognitive‬للفرد بالتوجه نحو قبول المسؤولية واالستقاللية في اتخاذ القرار‪ .‬ه‬
‫وقد توصلت‪ 44))Spretizer 1996‬إلى أن الموظفين المتمكنين يمتلكون مس تويات أك بر من‬
‫السيطرة والتحكم في متطلبات الوظيفة‪ ،‬وقدرة أكبر على استثمار المعلوم ات‪ ،‬والم وارد على‬
‫رغم من أن التمكين هنا ينظر له على أنه تجربة فردية في التحكم‬ ‫المستويات الفردية‪ ،‬وعلى ال‬
‫اعي وتمكين‬ ‫والسيطرة وتحمل المسؤولية‪ ،‬إال أن هنالك أساليب أخرى تقوم على التمكين الجم‬
‫الفريق‪.‬‬

‫أسلوب تمكين الفريق‬


‫إن التركيز على التمكين الفردي قد يؤدي إلى تجاهل عمل الفريق‪ ،‬ل ذلك رأى بعض الب احثين‬
‫ردي‪.‬‬ ‫أهمية كبرى لتمكين المجموعة أو الفريق لما للعمل الجماعي من فوائد تتجاوز العمل الف‬
‫وقد بدأت فكرة التمكين الجماعي مع مبادرات دوائر الجودة‪ ) )Quality circles‬في السبعينات‬
‫والثمانينات من القرن الماضي (‪ .45 )Sims, 1986‬والتمكين على هذا األساس يقوم على بناء‬

‫‪- 39 -‬‬
‫القوة وتطويرها وزيادتها من خالل التع اون الجم اعي والش راكة والعمل معًا (‪Rothstein,‬‬
‫‪ .46 )1995‬يؤكد ‪Torrington et al ( 2005) 47‬‬

‫أن عمل الفريق يعد أسلوبا يستخدم لتمكين العاملين ومسوغا لتط وير ق دراتهم وتعزيز األداء‬
‫المؤسسي‪ ،‬وأن تمكين الفريق ينسجم مع التغييرات الهيكلية في المنظم ات‪ ،‬من حيث توس يع‬
‫نطاق اإلشراف والتحول إلى المنظمة األفقية والتنظيم المنبسط (‪)Flat Structures‬بدال من‬
‫التنظيمات الهرمية‪ .‬هذا وإن منح التمكين للفريق يعطي للفريق دورا أكبر في تحسين مس تويات‬
‫األداء؛ ألن اإلعتمادية المتبادلة (‪ )Interdependency‬بين أعض اء الفريق ت ؤدي إلى قيمة‬
‫كبرى من استقاللية الفرد (‪ . )Dependency‬كما تتحقق القيمة المضافة (‪ )Added Value‬من‬
‫اء الفريق‪،‬‬ ‫تعاون أعضاء الفريق عندما تتحقق شروط المه ارة والمعرفة لكل عضو من أعض‬
‫عندما يقدم كل منهم مساهمة نوعية تضيف شيئًا جديدًا إلى القرار الجماعي ب دال من االعتم اد‬
‫على الرأي الفردي الذي يعّد عرضة للخطأ والقصور‪.‬‬

‫مرحلة إدارة الجودة الشاملة والتمكين‪:‬‬


‫يرى ُدعاة الجودة الشاملة ضرورة تغير العمليات واألنشطة ال تي تعمل على أساس ها المؤسسة‬
‫ويعود هذا األسلوب إلى آراء إدوارد ديمنق‬ ‫‪48‬‬
‫تمشيا مع تمكين الموظفين (‪،)Honold, 1997‬‬
‫وأفكاره (‪ 49)Edward Deming‬حول الجودة وإدارة الجودة الشاملة‪ .‬ويقوم مفهوم إدارة الجودة‬
‫الشاملة على مبدأ أساسي وهو‪ :‬عملية التحس ين المتواصل والت دريجي في كل أبع اد المنظمة‬
‫ومجاالتها‪ ،‬من خالل انخراط الجميع و مشاركتهم الفاعلة في عملية التطوير وتحسين الج ودة‪.‬‬
‫وهذا يحتاج إلى منح الموظفين أو العاملين نوعا من الحرية في التصرف ونوعا من االس تقاللية‬
‫والمساهمة في اتخاذ القرار وفي تحمل أعباء المس ؤولية وتحقيق التق دم للمنظمة؛ ألن اإلدارة‬
‫العليا ال يمكنها إحداث هذا التحسين الشامل لكل مج االت المنظمة بمفردها فال بد من انخ راط‬
‫الجميع في هذه المسؤولية‪ .‬و البد من أن يتلقى الموظفون في برنامج إدارة الجودة الشاملة درجة‬
‫كبيرة من التشجيع والدعم‪ ،‬من أجل فعل كل ما يستطيعون فعله به دف التحس ين والتط وير‬
‫الصعد من أجل إرضاء الزبائن‪.‬‬
‫والنهوض في الجودة على مختلف ُ‬

‫أسلوب األبعاد المتعددة في التمكين‪:‬‬


‫يقوم هذا األسلوب على الجمع بين األساليب السابقة ويرفض اعتماد ُبعدًا أحادي الجانب لتفس ير‬
‫مبدأ التمكين ‪ ))Honold, 1997‬فيقول )‪ Honold, (1997‬بأنه حتى تكون عملية التمكين فاعلة‬
‫وناجحة فال بد من أن تقوم على جوانب وأسس متع ددة‪ .‬وه ذه األسس هي‪ :‬التعليم‪ ،‬والقي ادة‬
‫‪- 40 -‬‬
‫الناجحة‪ ،‬والمراقبة الفاعلة‪ ،‬والـدعم والتشجيع المستمر‪ ،‬والهيكلة المناسبـة (‪)Structuring‬‬
‫والتفاعل بين هذه جميعًا‪.‬‬
‫من هنا فإن الجميع يعملون شركاء (‪ )Partners‬ويأخذون زمام المبادرة بش كل جم اعي‪ ،‬من‬
‫خالل تفاعل الفريق المنظم‪ ،‬ويعملون أيضًا على صنع الق رارات االس تراتيجية (‪Garfield,‬‬
‫وعلى هذا األساس فالتمكين ليس شعورًا شخصيًا كأن يقول أحدنا‪" :‬أنا اليوم أش عر‬ ‫‪.50)1993‬‬
‫بالتمكين" فه ذا مس تحيل دون مقوم ات هيكلية وعوامل تنظيمية مالئمة‪ ،‬إض افة إلى مالئمة‬
‫رين‬ ‫العالقات بين المديرين والمرؤوسين على أسس من الثقة والدعم والتواصل‪ ،‬وتزويد اآلخ‬
‫بالمعلومات الضرورية وغير الضرورية لكي يشعر الفرد والفريق بشيء من المس ؤولية تج اه‬
‫وة‪،‬‬ ‫نتائج األداء المرغوبة‪ .‬فعوامل الثقة والمعرفة والمهارة والمعلوماتية والدعم والحوافز والق‬
‫من األسس الهامة في تكوين فريق وفرد متمكنين من زمام األمور في العمل وفي المؤسسه بشكل‬
‫عام (‪.)Cogner and Kanango, 1988‬‬

‫آراء في التمكين‬
‫هناك في واقع األمر جدل دائم حول موضوع التمكين وتعريف مصطلح التمكين‪ ،‬على الرغم من‬
‫اتفاق الكثير من الكتاب وعلماء اإلدارة على عناصر أساسية متفق عليها في تعريف التمكين‪ ،‬إال‬
‫أن البعض ما زال يجادل في وضع مفهوم واضح ومحدد للتمكين‪.‬‬
‫اخ التنظيمي المناسب‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك فإن حقيقة المفهوم تعتمد بش كل أساسي على المن‬
‫وأهم ما في ذلك هو خلق الشعور بالمسؤولية لدى أفراد المؤسسة وأنهم عند حسن ظن اإلدارة في‬
‫تحملهم لمسؤولياتهم (‪ 51)Bowen and Lawer, 1995‬ويؤكد ذلك مؤلف كتاب العادات السبع‬
‫ألكثر الناس فاعلية في كتابه الشهير واألكثر مبيعًا في العالم( (‪Stephen Covey 1999‬‬
‫‪52‬‬

‫الذي يُصر على أن الشعور بالمسؤولية هي الخطوة األولى والعادة األساس ية ال تي تق ود إلى‬
‫النجاح وإلى الفاعلية الفردية والجماعية‪.‬‬
‫إن المؤسسات الناجحة هي تلك التي تس تخدم أنظمة إدارية متع ددة لخلق بيئة عمل مش جعة‬
‫وداعمة للتفكير االستراتيجي على مستوى األفراد والمسئولين‪ .‬ذلك التفكير االستراتيجي الذي ال‬
‫ؤولية في‬ ‫يرتبط بالوظائف فحسب بل بها وبالمؤسسة على حد سواء‪ ،‬مع تبني مبدأ تحمل المس‬
‫إتقان وجودة األداء‪ .‬أي أن يصبح مبدأ اإلتقان في العمل وجودة األداء مس ؤولية الجميع وليست‬
‫مسؤولية لجهة محددة‪.‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫ويُبدي بعض العلماء تحفظا تجاه تطبيق مفهوم التمكين في المنظمات‪ .‬فيؤكد البعض من أمثال‬
‫‪53‬‬

‫‪ Eccles‬أن التمكين يتطلب جهودا جبارة من حيث إع ادة هيكلة المؤسسة وعملياتها‬ ‫)‪(1993‬‬
‫ائج ملموسة من ناحية‬ ‫اء جو من التمكين إن أردنا تحقيق نت‬ ‫وأنظمتها ومناخها التنظيمي‪ ،‬لبن‬
‫األرباح واإليرادات وغيرها من النتائج‪.‬‬
‫إن فشل اإلدارات في تطبيق ه ذا المفه وم يع ود في أغلب األحي ان إلى س وء تنفيذ التمكين‬
‫ومتطلباته األساسية‪ ،‬مثل‪ :‬المناخ التنظيمي المناسب‪ ،‬وإيج اد الثقة والتع اون بين الم وظفين‬
‫واإلدارة‪ ،‬وإيجاد سبل العلم والمعرفة والمؤسسة المتعلمة‪ ،‬وإيجاد قنوات االتصال الصحيحة وما‬
‫تحمله من معلومات‪ ،‬وإيجاد الحوافز ال تي ت دفع من يتحمل المس ؤولية إلى مزيد من الفاعلية‬
‫والنتائج الجيدة‪.‬‬
‫لذلك فالتمكين ليس حالً سحريًا وال عالجًا سريع األثر‪ ،‬ولكنه برنامج تغيير وتجديد يسبقه برامج‬
‫متعددة لتهيئة المناخ المناسب لتطبيق هذه الرؤية‪ ،‬والتي إن نجحت أدت إلى نتائج نهائية ب اهرة‬
‫على مستوى الفرد وعلى مستوى المؤسسة وعلى مستوى الزب ائن‪ ،‬فجميع ه ؤالء يمكنهم أن‬
‫يستفيدوا من تطبيق هذا البرنامج ومن فوائده المتعددة‪ .‬من الجدير ذكره هنا أن هن اك العديد من‬
‫اذج‬ ‫المنظمات التي نجحت في تطبيق مفهوم التمكين‪ .‬وسيبين الفصل الثامن من هذا الكتاب نم‬
‫واقعية لمنظمات نجحت في تطبيق مفهوم التمكين‪.‬‬
‫فكما يقول )‪ 54Forrester (1995‬ويؤكد‪ :‬إن كثيرًا من برامج التمكين قد تفشل عندما يص بح‬
‫التركيز منصبًا على القوة التي هي جزء ال يتجزأ من التمكين‪ ،‬دون إع ادة توزيع المعلوم ات‬
‫والمعرفة‪ ،‬والمكافآت‪ ،‬وغيرها‪ ،‬ونشرها بالشكل المناسب‪ ،‬وتكون بعد ذلك النتيجة منح الموظف‬
‫المباشر السلطة مثالً لكي يتصرف لصالح الزب ائن وفعل ما يمكن فعله إلس عادهم‪ ،‬ولكن‪ ،‬مع‬
‫األسف‪ ،‬دون امتالك التدريب الكافي والمهارة الكافية ليتصرف بمس ؤولية وعقالنية وفاعلي ة‪.‬‬
‫ألنه أحيانًا قد يتصرف الموظف بطريقة خاطئة لمصلحة الزبائن‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬ولكن على‬
‫حساب المصلحة العامة للمؤسسة‪.‬‬
‫وفي هذا االتجاه يقدم )‪ Bowen and Lawler (1995‬معادلة التمكين التي تبرهن على أهمية‬
‫اح التمكين في المنظمة‪،‬‬ ‫بعض المقدمات والمقومات التي قد تعتبر بمثابة عوامل أساس ية لنج‬
‫وهذه المعادلة‪:‬‬
‫"التمكين = القوة × المعلومات × المعرفة × المكافآت"‬
‫وحسب )‪Bowen and Lawler (1995‬فإن حاصل ضرب هذه العوامل األربعة يبين أنه إذا‬
‫كان أي عنصر من هذه العناصر مساويًا لصفر‪ ،‬فإن نتيجة التمكين الكلية سوف تكون صفرًا‪.‬‬
‫‪- 42 -‬‬
‫وهذا يذّكر المديرين بعدم إعطاء الموظفين قوة أكبر دون إعطائهم الدعم الك افي لممارسة ه ذه‬
‫القوة وهذه الحرية‪ ،‬بذكاء وحكمه‪ .‬وحسب رأي هؤالء العلماء وتجاربهم التي استخلص وها من‬
‫المؤسسات التي قاموا بإجراء دراسات وبحوث عليها‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن الممارسات اإلدارية التي تعمل على‬
‫بث القوة والمعرفة والمعلومات والمكاف آت‪ ،‬تمنح الم وظفين حالة ذهنية خ اص‪،‬ة وهي حالة‬
‫التمكن والتمكين المنبثقة من اإلمكانية والقدرة (‪ )Abilities and capabilities‬والقابلية‪.‬‬
‫وفر التمكين توافرت نتائجه‬ ‫فإن توافرت تلك الممارسات اإلدارية توافر عندها التمكين‪ ،‬وإن ت‬
‫المتعلقة برضا الموظف وشعوره باألهمية وباالستقاللية وبالمسؤولية وباالنتماء وبالعمل‪ ،‬لتحقيق‬
‫أفضل النتائج من حيث اإلنتاجية والربحية وسمعة المؤسسة من خالل الجودة والنوعية‪.‬‬
‫فأصبح ضروريًا في هذا العصر نتيجة ألحداث عالمية ومس تجدات إقليمية‪ ،‬وغ ير إقليمية أن‬
‫تس عى المؤسس ات إلى تحرير البشر من العبودية المفرطة لق وانين وتعليم ات ونظم وهيكل‬
‫تنظيمي‪ ،‬قد يقيد الفرد ويمنعه من التفكير الحر وحرية االختيار والمفاضلة بين ب دائل مختلف ة‪.‬‬
‫وقد تصل بعض الممارسات اإلدارية في بعض الدول وفي بعض المنظمات إلى مستوى استعباد‬
‫الموظف واستغالله أبشع استغالل‪ ،‬من أجل الربح وتحقيق حصص مغرية للمساهمين والمالكين‪.‬‬
‫ود‬ ‫وترى الكثير من أدبيات التمكين أنه من الصعوبة بمكان تحقيق أفضل ما لدى الفرد من جه‬
‫جبارة ومشاركات فاعلة وطاقات متفجرة‪ ،‬في حين تص نع المنظم ات في كل ي وم سياس ات‬
‫وإجراءات ُتمعن في معاملة أفرادها على أنهم لصوص أو متهمون أو أطفال على األقل‪.‬‬
‫ويجادل)‪ Deming (1982‬المؤسس لمفهوم إدارة الجودة الشاملة في دور المديرين في إزالة كل‬
‫العوائق التي تمنع الموظف من ممارسة وظيفته بكفاءة وفاعلي ة‪ .‬فيجب إع ادة النظر في دور‬
‫المديرين‪ ،‬وإعادة تشكيل أدوارهم‪ ،‬واتجاهاتهم‪ ،‬وصياغتها‪ ،‬وبرمجتها من جديد من أجل التخلي‬
‫تويات‬ ‫عن تلك الممارسات‪ ،‬التي تمنع العامل من القيام بكل ما يمكن القيام به للوصول إلى مس‬
‫أعلى من الكفاءة والفاعلية واإلبداع‪.‬‬
‫ويؤكد ‪ Deming‬أن هذه العوائق تحرم الموظفين والعاملين الحق الطبيعي في االعتزاز والفخر‬
‫بالعمل وحقهم الطبيعي بالقيام بعملهم بشكل جيد‪ .‬لذلك فإن اإلدارة ال تي تعمل على دعم أفرادها‬
‫وتمارس رقابة محدودة على تصرفاتهم فإنها تعزز روح اإلبداع لديهم (‪Pfeffer and Veiga‬‬
‫‪ 55).1999‬وروح المبادرة والفاعلية‪.‬‬
‫كل ما سبق يوضح لنا أن التمكين ال ينشأ من فراغ أو في ف راغ‪ .‬وإنما يحت اج إلى مقوم ات‬
‫يل وتعميق داخل المؤسسة‪ ،‬فأسس الثقة‪ ،‬والمعرفة‪،‬‬ ‫أساسية وهذه المقومات تحت اج إلى تأص‬

‫‪- 43 -‬‬
‫داتهم‪،‬‬ ‫ونشر القوة‪ ،‬والمشاركة في الرؤية‪ ،‬والمعلومة تحتاج إلى تغيير في نوايا الجميع‪ ،‬ومعتق‬
‫وسلوكياتهم‪ ،‬لتبني هذه األسس‪ ،‬لكي تعمل كشروط أساسية‪ ،‬إلنجاح مفهوم التمكين‪.56‬‬

‫الخالصة‬
‫على الرغم من شيوع التمكين مصطلحًا ومنهجًا تطبقه العديد من المؤسسات بأشكال مختلفة‪ ،‬إال‬
‫أن هذا المصطلح بقي عصيًا على الفهم والوضوح للكثيرين‪ .‬فبينما يرى البعض التمكين على أنه‬
‫بأن تفويض السلطة‬ ‫تفويض للسلطة‪ ،‬يزعم آخرون( ‪)Bowen and Lawler, 1995‬‬
‫والصالحيات ما هي إال جزء وش كل من أش كال التمكين‪ ،‬وأن التمكين هو في إع ادة الحرية‬
‫تلك الحرية التي يمتلكها أصالً بفطرته وبما يتوافر‬ ‫‪57‬‬
‫المسلوبة من الفرد(‪)Randloph, 2000‬‬
‫لديه من قدرات ذهنية وحسية تمكنه من القي ام بعمله باس تقاللية وحري ة‪ .‬ومنهم من نظر إلى‬
‫التمكين على أنه وهم وخيال من أمثال )‪ Argyris (1998‬و (‪، 58Eccles (1993‬كما ذكر‬
‫سابقا‪.‬‬
‫ال ‪Forrester‬‬ ‫ومنهم من رأي في هذا الحكم ظلمًا على المصطلح وتجنيًا على المفهوم من أمث‬
‫)‪ (2000‬الذي يؤكد أهمية التمكين وتوزيع السلطة ودفعها للمستويات اإلدارية المختلفة‪.‬وخاصة‬
‫تلك المستويات ذات االحتكاك المباشر بالزبائن وخطوط اإلنتاج األمامية‪.‬‬
‫و لكل من هؤالء العلماء وجهة نظره التي قد يقدم لها المبررات ويسوق لها المعطيات‬
‫التي تساعده في إقناع اآلخرين‪ ،‬وهذا بحد ذاته يدل على أن موضوع التمكين هو مادة‬
‫صالحة للبحث المستفيض لسبر أغوار هذا المفهوم من خالل تمحيص الواقع‪ ،‬واختبار‬
‫ه ذا المص طلح من خالل الممارسة الحقيقية له‪ ،‬من أجل معرفة أبع اده وآث اره‬
‫ومقوماتـه ومتطلباته المختلفة (‪ 59)Melhem, 2004; Eylon, 1998‬وهذا يقودنا إلى‬
‫ية من خالل‬ ‫مناقشة التمكين وعرض مقوماته وشروطه ومرتكزاته الحقيقية واألساس‬
‫الفصل القادم‪.‬‬

‫‪- 44 -‬‬
- 45 -
‫الفصل الثاني‬

‫ركائز التمكين ومقوماته‬

‫‪- 46 -‬‬
- 47 -
‫مقدمة‬
‫لطة وحرية‬ ‫أصبح مفهوم التمكين واضحا من خالل الفصول السابقة فهو ينص على توزيع الس‬
‫التصرف والتحكم أعلى إلى أسفل المنظمة‪ ،‬ومنح المرؤوسين الحق في المشاركة الفاعلة وتحمل‬
‫المسؤولية‪ .‬ويتعارض مع هذا المفهوم أن تبقى السلطة المركزية هي المتحكمة في كل ص غيرة‬
‫وكبيرة في المنظمة‪ ،‬وهنا يبقى الق رار مركزًا ومنوط ًا فقط بالرجل األول في المنظمة بحيث‬
‫تغيب المأسسة وتكون القرارات عرضة لمزاجية المدير وأهوائه ورغباته‪.‬‬
‫واألسوأ من تكريس المركزية في أي منظمة‪ ،‬هو في أن يمنح المدير للمرؤوسين الحق في اتخاذ‬
‫القرار و الحرية في التص رف‪ ،‬دون توف ير متطلب ات ذلك الحق وتلك الحرية في التص رف‬
‫والمشاركة في تحمل المسؤولية والمساءلة‪.‬‬
‫وتؤكد الكثير من األدبيات على أهمية خلق وتوطيد بعض المقومات األساس ية وتوطي دها قبل‬
‫تمكين العاملين في المنظمة‪ .‬من هنا فإن هذا الفصل قد خصص للحديث ح ول تلك المقوم ات‬
‫األساسية والتي تشتمل على أربعة مقومات وركائز أساسية إضافة إلى بعض المقومات األخرى‪.‬‬
‫وأهم هذه المقومات (‪:)Bowen and Lawler, 1992; 1995‬‬
‫‪ ‬العلم والمعرفة والمهارة‪.‬‬
‫‪ ‬االتصال وتدفق المعلومات‪.‬‬
‫‪ ‬الثقة بين القائد والمرؤوسين‪.‬‬
‫‪ ‬والحوافز المادية والمعنوية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬المعرفة والمهارة‬


‫ال يخفى على إنسان القرن الواحد والعشرين الكم الهائل من المعرفة التراكمية التي تكونت ما بعد‬
‫الحرب الكونية الثانية حتى يومنا هذا‪ .‬كما ال يخفى على أي مدير ما يشاهده ويلمسه الم رء من‬
‫تطورات تكنولوجية ومعرفية وعلمية تستدعي تغيرات في‪ :‬األنماط اإلدارية التقليدية‪ ،‬وتغيير في‬
‫إدارة الموارد البشرية‪ ،‬وتغيير في شكل العالق ات بين مختلف أقط اب اللعبة االقتص ادية في‬
‫المؤسسة‪ ،‬من مديرين ومساهمين وعاملين وزبائن ومجتمع بأكمله‪ .‬ومن أهم المفاهيم المعاصرة‬
‫في وقتنا الحاضر ما يسمى‪ :‬بإدارة المع رف‪،‬ة وعامل المعرف ة‪)Knowledge worker( ،‬‬
‫وغيرها من المصطلحات ال تي ت دل على تح ول واضح نحو اس تخدام المعرفة وإدارتها في‬
‫المنظمات‪.‬‬
‫‪- 48 -‬‬
‫تعريف عامل المعرفة(‪)Knowledge Workers‬‬
‫مصطلح موظف أو (عامل) المعرفة (‪ )Knowledge Worker‬غير شائع مصلحًا في أدبيات‬
‫اإلدارة العربية‪ ،‬وقد ال يالقي استحسانًا بسبب عدم استعماله وعدم تعود القارئ العربي على هذا‬
‫المصطلح‪ ،‬وعدم استخدام وتداول أي مصطلح‪ ،‬قد يفقده بطبيعة الحال معناه لدى القارئ‪ .‬ولفهم‬
‫طلح‪،‬‬ ‫العامل أو الموظف صاحب المعرفة ال بد من طرح بعض التصنيفات المتعلقة بهذا المص‬
‫كما يوضح الجدول اآلتي‪:60‬‬
‫جدول ‪2‬التصنيفات المتعلقة بموظف المعرفة‬

‫إبداع أفكار غير هامة‬ ‫إبداع أفكار هامة‬ ‫إب داع‬


‫األفكار‬

‫استخدام أفكار غير هامة‬ ‫استخدام أفكار هامة‬ ‫استخدام‬


‫األفكار‬

‫أفكار غير هامة‬ ‫أفكار هامة‬

‫والموظف المب دع للمعرفة‬ ‫‪Knowledge‬‬ ‫فهن اك الموظف المس تخدم للمعرفة ‪User‬‬
‫‪ .Knowledge Creator‬فالموظف المبدع للمعرفة هو ذاك الذي يخلق أفكار وأساليب إبداعية‬
‫جديدة ويعمل على توظيفها في المؤسسة‪ .‬وهذا الصنف يشمل العلماء والب احثين في مج االت‬
‫البحث والتطوير‪ ،‬ويشمل المهندس ين في تط وير الس لع الجدي دة وإنتاجه ا‪ ،‬والمص ممين‬
‫واألكاديميين والمبدعين‪ ،‬في مجال اإلعالن والدعاية والكتابة الصحفية‪.‬‬

‫شيوعا هو في استخدام المعرفة بعد ابتكارها مثل استخدام البرامج المتاحة بعد‬
‫ً‬ ‫والتصنيف األكثر‬
‫إبداعها ومثل المدققين الماليين الذين يستخدمون المعرفة المتوافرة والمتاحة‪.‬‬
‫‪Davenport‬المعرفة على أساس من يقدمون أفكارًا هامة وأفكارًا غ ير‬ ‫وقد صنف )‪(2001‬‬
‫هامة‪:‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫أما األفكار الهامة‪ :‬فهي تلك األفكار التي تساهم في تغيير األفراد أو الجماعات أو المؤسسات‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ ،‬أفكار في خلق إستراتيجيات جديدة تساهم في تغيير مسار المؤسسة‪ ،‬أو إبداع ب رامج‬
‫إدارية جديدة‪ ،‬أو تقديم أفكار في تغيير التكنولوجيان المستخدمة في المؤسسة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫أما األفك ار البس يطة وغ ير الهامة‪ :‬فهي تتضمن تعديالت طفيفة وغير جوهرية في طريقة‬
‫العمل‪ .‬مثال كأن يتم إحداث تعديالت في تصميم المكاتب لتصبح أقل تكلفة وأكثر كفاءة الستخدام‬
‫الموظفين‪ .‬وهي أيضا شبيهة بالتحسين المستمر على النوعية‪.‬‬
‫أما األفك ار العظيمة والهامة‪ :‬فهي مثل فكرة نظام المخ زون اللحظي (‪Just in Time‬‬
‫‪ )Inventory‬و كذلك أنظمة الحاسوب المساعد في اإلنتاج والحاسوب المس اعد في التص ميم‬
‫‪CAM، Computer Aided Manufacturing and CAD،Computer Aided Design‬‬

‫والنظرة التقليدية إزاء هذه التصنيفات تدعم فئة محدودة من فئات المنظمة‪ ،‬للمساهمة بتقديم أفكار‬
‫هامة وكبيرة والنظرة التقليدية لمعظم الموظفين أنهم فقط مستخدمون‪ ،‬وليسوا مبدعين لألفك ار‪.‬‬
‫وإذا حدث أن كانوا مبدعين فإنهم يبدعون أفكارا بسيطة وغير هامة‪.‬‬
‫و في هذا السياق يؤكد)‪ Davenport (2001‬أنه إذا أرادت المؤسسات أن تكون ناجحة في‬
‫القرن الواحد والعشرين فعليها أن تشجع موظفيها على إبداع المعرفة واستخدامها بش كليها المهم‬
‫وغير المهم وخلق األفكار الكبيرة والصغيرة على حدٍ سواء‪ .‬ومن المؤكد‪ ،‬كما يق ترح (‪)2001‬‬
‫‪ ،Davenport‬أن على المؤسسات إذا أرادت أن تنجح في المستقبل أن تسمح لكل من يعمل بها‬
‫على التفكير وتقديم اآلراء أن تكافئهم وتشجعهم على ذلك‪ .‬ومن أهم مقتض يات التش جيع‪ :‬أن‬
‫يعطى الموظف حرية في التفكير واستقاللية في العمل وفرصا للتمكين‪ ،‬وتشجيع روح المخاطرة‬
‫وعدم قمع المحاولة والخطأ‪.‬‬

‫أهمية المعرفة وإ دارة المعرفة؟‬


‫اإلدارة التقليدية والمعرفة‬
‫يق ومراقبة للعمل‬ ‫عند ذكر كلمة "إدارة" يتبادر للذهن أحيانا وظائف اإلدارة من‪ :‬تخطيط وتنس‬
‫وللعاملين‪ .‬وهذا ما كان فعالً مالئما للعهد الصناعي ( ‪ )The Industrial Era‬إبان الث ورة‬
‫الصناعية وما بعدها‪ .‬ولكن السؤال الحتمي في وقتنا الحاضر‪ ،‬هل هذه الوظائف ما زالت مالئمة‬
‫إلى وقتنا الحاضر في عهد تسوده المؤسسة األفقية ومجموعات العمل المس تقلة والدافعية الذاتية‬

‫‪- 50 -‬‬
‫لدى الع املين؟‪ ،‬هل ه ذه الوظ ائف ما زالت مالئمة في عهد عامل المعرفة (‪Knowledge‬‬
‫‪ )Worker‬بحسب وصف "بيتر دركر"‪.61‬‬
‫إن من أهم مالمح التغيير التي برزت في وقتنا الحاضر وبشكل خ اص بحل ول األلفية الثالثة‪،‬‬
‫ظهور المعرفة واعتماد المؤسسات على المعرفة والعامل أو الموظف ص احب تلك المعرف ة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من معرفة الدول النامية بما في ذلك الدول العربي ة‪ ،‬ب التغير ال ذي ح دث في‬
‫المؤسسات الغربية وفي الدول الصناعية تبعا لذلك‪ ،‬وعلى الرغم من استيراد الدول النامية للكثير‬
‫من مصادر المعرفة كتكنولوجيا المعلومات‪ ،‬إال أن األنماط اإلدارية لم تتغير تبعًا لذلك‪ ،‬ومازالت‬
‫الدول النامية والكثير من الدول العربية تتبع أساليب إدارية تقليدية‪.‬‬
‫إن النمط اإلداري التقلي دي ك ان مناس با لكي يتعامل مع ظ روف مختلفة عما تعيشه اإلدارة‬
‫والمؤسسة في الوقت الحاضر‪ .‬فالنمط اإلداري البيروقراطي التقليدي ربما كان مناس با ح تى‬
‫السبعينات من القرن الماضي‪ .‬أما في الوقت الحاضر فاألمور تتغير على مختلف الصُعد‪ .‬فثقافة‬
‫العامل كانت أقل ودوافعه مادية وانتماء الموظف للنقابات كان أمرًا ض روريًا‪ .‬والبيروقراطية‬
‫التي جاء بها ماكس ويبر كانت إيجابية وال يمكن االستغناء عنها‪ ،‬وتقسيم العمل كذلك كان أم را‬
‫أساسياً وكانت أدوار العمل ومهامه منفصلة ومستقلة عن العامل‪ .‬وما زالت منظمات األعم ال‬
‫حتى هذه األيام تمارس النظريات والمفاهيم اإلدارية التي نادى بها أناس مثل ماكس ويبر وهنري‬
‫فايول وفريدريك تايلور منذ ما يقرب من حوالي مائة عام أو أقل‪ ،‬علماً بأن هذه المفاهيم ك انت‬
‫مناسبة إلى حد كبير في ذلك الوقت‪ ،‬وهذا أمر طبيعي أن تكون مناسبة حينئذ وما هو غير طبيعي‬
‫هو في عدم استثمار المفاهيم المعاصرة التي تتناسب مع بيئة العمل المعاصرة أو عدم ممارستها‬
‫في هذه األيام‪ ،‬وما زالت الكثير من المنظمات تمارس مفاهيم مئة عام خلت‪ .‬والجدول اآلتي يبين‬
‫الفرق الواضح بين النموذج اإلداري القديم والنموذج الحديث‪ ،‬علما ب أن معظم المؤسس ات في‬
‫الدول العربية مثال ما زالت تطبق النموذج اإلداري القديم‪ ،‬على الرغم من عدم مالئمته في عهد‬
‫تتبنى فيه منظمات القرن الواحد والعش رون‪ ،‬المعرفة وأنظمة المعلوم ات اإلدارية وتكنولوجيا‬
‫المعلومات‪ ،‬وغيرها من مفاهيم إدارية معاصرة‪.‬‬

‫‪- 51 -‬‬
‫جدول ‪ 3‬مقارنة بين النموذج اإلداري الحديث والنموذج القديم من خالل بعض الممارسات‬
‫اإلدارية التقليدية وما يقابلها من ممارسات حديثة‪.‬‬
‫النموذج اإلداري القديم‬ ‫النموذج اإلداري الحديث‬

‫‪-1‬استقاللية اإلدارة عن العاملين فالمدير يدير والعاملون يعملون‬ ‫‪-1‬وج ود ت داخل بين اإلدارة والعمل والعم ال‬
‫‪ -2‬وض وح بداية العمل ونهايته وس هولة قي اس أداء الع املين وأغلب األعم ال‬ ‫وعدم القدرة على الفصل بينهم‪.‬‬
‫يدوية‪.‬‬ ‫‪ -2‬ص عوبة قي اس أداء الع امين وع دم وض وح‬
‫‪ -3‬فرض ية اإلدارة تق وم على أس اس أن العم ال تحكمهم أن انيتهم ومص لحتهم‬ ‫المهام وعدم سهولتها‪.‬‬
‫االقتص ادية بالدرجة األولى وال بد من م راقبتهم من قبل المش رفين للتأكد‬ ‫‪ -3‬هن اك دوافع معنوية في العمل ومه ارة‬
‫من أنهم يقومون بعملهم كما هو مطلوب منهم‪.‬‬ ‫العامل ومعرفته تحتم عليه تأدية عمله دون‬
‫‪ -4‬مه ام الم ديرين في اإلدارة ال دنيا وفي اإلدارة الوس طى كهم زة وصل‬ ‫مراقبة شديدة‪.‬‬
‫ووسيط في نقل المعلومات والتقارير والتعليمات من اإلدارة العليا لإلدارة‬ ‫دنيا أو‬ ‫ديرون في اإلدارة ال‬ ‫‪ -4‬يعمل الم‬
‫ال دنيا ومن اإلدارة ال دنيا لإلدارة العلي ا‪ .‬والتسلسل الرئاسي أمر في غاية‬ ‫الوس طى منس قين ومس اعدين وم دربين‬
‫القداسة وتجاوز المرجع ذنب ال يغتفر‪.‬‬ ‫يس اعدون في تنس يق المه ام وليس في‬
‫‪ -5‬ال يجوزتقويم المديرين فهم فوق الشبهات‪.‬‬ ‫مراقبة أداء المهام‪.‬‬

‫‪ -6‬القدرات والمهارات الفكرية هي من اختصاص المديرين وليس العاملين‪.‬‬ ‫ويم األداء من خالل منهجية التغذية‬ ‫‪ -5‬تق‬
‫العكسية ب‪ 360‬درجة ال يستثني المديرين‬
‫‪ -7‬معرفة الم ديرين ومه ارتهم في المه ام ال تي يق وم بها ويمارس ها الع املين‬
‫من تقويم مرؤوسيهم لهم‪.‬‬
‫تف وق إمكان ات الع املين ودور الم ديرين هو في إرش اد الع املين بكيفية‬
‫تأديتهم ألعمالهم‪.‬‬ ‫اج العامل إلى المعرفة وأنظمة‬ ‫‪ -6‬يحت‬
‫المعلوم ات وتكنولوجيا المعلوم ات ربما‬
‫‪ -8‬المدير يفكر والم رؤوس ينفذ ( وكما قل هنري ف ورد ذات ي وم "أنا ال أريد‬
‫أكثر من مديره‪.‬‬
‫إال أيدي تعمل ولسوء الحظ أنها متصلة بأجساد)‪.‬‬
‫‪ -7‬المرؤوس يعرف المهام المطلوبة منه أكثر‬
‫من مديره‪.‬‬
‫‪ -8‬الجميع يفكر من موقعه والجميع ُينظر إليهم‬
‫على أنهم شركاء ال أنداد أو عبيد‪.‬‬

‫‪Source: Davenport, Knowledge Work and the Future of Management, Op cit.‬‬


‫فمع موظف (أو عامل المعرفة) ومجتمع المعرفة ال تستوي األمور ب أدوات إدارية مضى عليها‬
‫كل هذا الوقت دون تبديل أو تغيير‪ ،‬واألمر ال يتعلق بالتغيير فقط من أجل التغيير‪ ،‬ولكن أص بح‬
‫ات تعيش عصر العولمة بأبعادها التكنولوجية والثقافية االجتماعية‬ ‫األمر حتميا على مؤسس‬
‫واالقتصادية أن تتغير في إدارتها لمواردها البشرية وهياكلها التنظيمية‪ ،‬لتص بح أك ثر مرونة‬

‫‪- 52 -‬‬
‫واستجابة للتغيرات البيئية الخارجية‪ ،‬ولتسمح لموظفيها باستخدام قدراتهم ومعرفتهم وكف اءاتهم‪،‬‬
‫وتمكينهم من أجل تحقيق ميزة تنافسية مستديمة لمؤسساتهم‪ .‬فهناك فرق بين توظيف قدرات فئة‬
‫محدودة مثل اإلدارة العليا في تحقيق التغيير والتطوير المنش ود كما هو األمر تقلي ديا‪ ،‬وبين أن‬
‫يزة‬ ‫يشارك الجميع في المؤسسة في محاولة استخدام مواهبهم وعقولهم في سبيل تحقيق تلك الم‬
‫التي تم ذكرها‪ ،‬وخاصة في زمن المعرفة ورأس المال الفك ري واإلب داعي ال ذي لم يعد يقبل‬
‫التفكير البيروقراطي الذي يُنكر إمكانيات فئات معينة لصالح فئات أخرى‪.‬‬

‫ظهور إدارة المعرفة وتطورها‬


‫لقد ظهر موضوع المعرفة وإدارة المعرفة منذ عدة سنوات(;‪Nonaka and Takeuchi, 1995‬‬
‫‪ 62Nonaka( )Cortada, 1998‬من خالل األدوات التالية‪:‬‬
‫اآللية (‪ )Automation‬في المصانع وح تى في الزراعة ال تي أدت إلى‬ ‫‪‬‬
‫التخلص من أعداد كثيرة من األيدي العاملة التي كانت تقوم بأعمال يدوية‪.‬‬
‫الحاسوب والمعلومات والحاجة لمعالجتها وظه ور تكنولوجيا المعلوم ات‬ ‫‪‬‬
‫وأنظمة المعلومات اإلدارية وغيرها من أدوات تقنية‪.‬‬
‫ظهور ما يسمى بموظف المعرفة ‪ )Knowledge workers(.‬و على‬ ‫‪‬‬
‫الرغم من أن هذه التسمية غير شائعة حتى هذا الوقت في مؤسسات ال دول‬
‫العربية‪ ،‬ولكن في كثير من المؤسسات في الدول الغربية أص بحت إلدارة‬
‫المعرفة وظيفة مشابهة لوظائف المؤسسة مثل وظيفة إدارة الموارد البشرية‬
‫دير‬ ‫ووظيفة اإلنتاج والتسويق والتمويل‪ ،‬وهناك أيضا وظيفة للمعرفة وم‬
‫‪Knowledge‬‬ ‫‪Manager‬‬ ‫لتلك اإلدارة اس مه م دير المعرفة ‪and‬‬
‫‪ ، Knowledge Management‬وتعد هذه الوظيفة محورية في مثل‬
‫بعض من هذه المنظمات الغربية‪.‬‬
‫تزايد نسبة المؤسسات الخدمية ال تي ج وهر عملها يق وم على المعرفة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وتزايد تداولها بين أفراد المنظمة مثل‪ :‬البن وك‪ ،‬والفن ادق‪ ،‬والش ركات‬
‫السياحية‪ ،‬وشركات التأمين‪ ،‬واإلنترنت‪.‬‬

‫‪- 53 -‬‬
‫فمع بداية القرن الواحد والعشرون زادت‪ ،‬بشكل ملحوظ‪ ،‬ع دد الوظ ائف ال تي تتطلب‬
‫الت (‬ ‫باه الموص‬ ‫ال وأش‬ ‫ركات االتص‬ ‫ات وفي ش‬ ‫المعرفة في معالجة المعلوم‬
‫‪ )Semiconductors‬وشركات اإلنترنت وغيرها‪.‬‬

‫مستقبل اإلدارة‬
‫بناء على ما سبق من التحول نحو المعرفة فإن مستقبل اإلدارة والممارسة اإلدارية ال بد أن‬
‫يتغير أيضا والجدول اآلتي يفي دنا كث يرا في اس تعراض التغ يرات المتوقعة للممارسة‬
‫المستقبلية للمدير واإلدارة‪.‬‬
‫جدول ‪ 4‬التحول من الممارسة التقليدية في اإلدارية إلى الممارسة المعاصرة‪:‬‬

‫الممارسة المعاصرة‬ ‫الممارسة التقليدية‬


‫المشاركة والعمل مع العاملين‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫المراقبة والتأكد من قبل‬ ‫‪‬‬
‫التحول نحو عمل الفرق والمجتمعات الص غيرة داخل‬ ‫‪‬‬ ‫المدير‪.‬‬
‫المؤسسة‬ ‫بيت‬ ‫العمل على تث‬ ‫‪‬‬
‫استقطاب الكفاءات والمحافظة عليها‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫التنظيمات الهرمية‪.‬‬

‫بناء المهارة المعرفية‬ ‫‪‬‬ ‫تعيين وتسريح الموظفين‬ ‫‪‬‬

‫تق ويم األداء الكيفي والن وعي المتعلق باإلنج ازات‬ ‫‪‬‬ ‫بناء المهارة اليدوية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المعرفية‪.‬‬ ‫اهد‬ ‫المش‬
‫ويم األداء ُ‬ ‫تق‬ ‫‪‬‬
‫بناء ثقافة المعرفة والتعلم‬ ‫‪‬‬ ‫دات المنتجة‬ ‫والكمي (مثال كمية الوح‬
‫يوميا)‪.‬‬
‫تجاوز البيروقراطية وتحييدها‬ ‫‪‬‬
‫تحييد الثقافة وتجاهل النظام‬ ‫‪‬‬
‫غير الرسمي‪.‬‬
‫دعم البيروقراطية‬ ‫‪‬‬

‫هذا الجدول يبين حجم التحوالت التي بدأت تتبل ور في ممارس ات الم ديرين وتوجه اتهم في‬
‫المؤسسة المعاصرة نحو بناء مناخ تنظيمي مناسب للمعرفة‪ ،‬ومن أجل احتض ان رأس الم ال‬
‫البشري في مؤسسة القرن الواحد والعشرين‪ .‬وهذه التحوالت تعتبر بحق ث ورة على األنم اط‬
‫اإلدارية التقليدية التي سادت في القرن العشرين وبدأت تتداعى في نهاياته تاركة المجال ألنم اط‬
‫حديثة تتالءم مع التحوالت البيئية المعاصرة‪.‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫وموظفو المعرفة يرغبون بالعمل بشكل مس تقل وتمكّن‪ ،‬ودون مراقبة وإش راف مباشر‪ ،‬ودور‬
‫اإلدارة يجب أن يتمحور في تمكين هؤالء من المشاركة في المعرفة والمهارة وتنس يق المعرفة‪،‬‬
‫ألن موظف المعرفة ربما ال يتوافر لديه الوقت الكافي للتعاون والمشاركة في المعرفة‪ ،‬وهنا يأتي‬
‫دور اإلدارة في مساعدة موظفي المعرفة‪ ،‬بتخليصهم من الوظ ائف الروتينية من أجل التف رغ‬
‫للقيام بالتعاون والمشاركة في المعرفة فيما بينهم‪.‬‬
‫من الجدير بالذكر هنا أهمية دور اإلدارة في استقطاب الم واهب الن ادرة للمؤسسة والمحافظة‬
‫عليها وعدم التفريط بها بسهولة‪ .‬فسر نجاح ش ركات مثل مايكروس وفت يكمن في الق درات‬
‫اإلدارية الفائقة للشركة في استقطاب موظفي المعرفة من أصحاب المواهب على مستوى صناعة‬
‫البرمجيات بمختلف أشكالها‪ .‬ومن ه ذا المنطلق يتوقع الكث ير من علم اء اإلدارة من أمث ال‬
‫أن تكون المنافسة في المستقبل حول اس تقطاب المه ارة وأص حاب‬ ‫)‪Davenport(2001‬‬
‫الكفاءات ممن يطلق عليهم بموظفي المعرفة‪ .‬وللمحافظة عليهم يجب على اإلدارة المعرفة التامة‬
‫واألكيدة بأن المناخ البيروقراطي غير مناسب لموظفي المعرفة‪ .‬فهم يرغب ون بتأدية أعم الهم‬
‫دون مراقبة شديدة ودون قواعد وإجراءات صارمة ونظم عمل رس مي‪،‬ة ألن إج راءات العمل‬
‫ير‬ ‫البيروقراطية قد تشكل بيئة طاردة لمثل هذه الكفاءات‪ ،‬ألنهم لن يتمكنوا من الحرية في التفك‬
‫واالستقاللية في اإلبداع واالبتكار‪ .‬ومن المعروف أن حرية التفكير والمحاولة والتجربة والفشل‬
‫واإلبداع واالبتكار كلها أمور من صميم عمل موظف المعرفة أو المؤسسة ال تي تمتلك ما يمكن‬
‫أن يطلق عليه "رأس المال المعرفي"‪.‬‬
‫يالحظ مما سبق في الحديث عن المعرفة والمهارة أهميتها بصفتها مقوم ًا أساسيًا من مقوم ات‬
‫تمكين العاملين ومنحهم‪ ،‬حرية في التصرف‪ ،‬وفي المشاركة‪ ،‬وفي التمكين‪ .‬وهذا أمر ط بيعي‪،‬‬
‫فكلما زادت خبرة الفرد‪ ،‬وزادت مهاراته ومكتسباته المعرفية‪ ،‬زادت قدرته على تأدية مهام عمله‬
‫بكفاءة واقتدار‪ ،‬واستقاللية أكبر‪ .‬و على الرغم من ذلك‪ ،‬فالمعرفة والمهارة ال تكفي وح دها من‬
‫أجل تمكين العاملين في منظمات األعمال‪ .‬لذلك تنظم إلى عنصر المعرفة عناصر أخرى أساسية‬
‫من أجل تمكين العاملين‪ .‬وألهمية المعرفة كمحور أساسي من المفاهيم المعاصرة ومن مقومات‬
‫التمكين كمفهوم معاصر فإنه سيتكرر الحديث عن هذا الموضوع في مواطن متع ددة من ه ذا‬
‫الكتاب‪ .‬أما اآلن فسيتم الحديث عن المقوم الثاني من ضمن المقوم ات األساس ية للتمكين وهو‬
‫االتصال وتدفق المعلومات‪ .‬وفيما يأتي شرح تفصيلي عن هذا المقوم الحيوي‪.‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫ثانيا‪ :‬االتصال وتدفق المعلومات‬
‫بعد استعراض دور المعرفة والمهارة كمتطلب ضروري وحيوي من متطلبات تمكين الع املين‪،‬‬
‫فإن العنصر الثاني الذي ال يقل أهمية هو االتصال وتدفق المعلومات وتداولها والمشاركة الفاعلة‬
‫ٍا يعتمد علية الموظف في عملية‬ ‫بها عبر مستويات المنظمة جميعها‪ .‬وتعد المعلومة سالحًا هام‬
‫اتخاذ القرار وفي حل مشاكل العمل ومشاكل المستهلكين‪ .‬فدون المعلومة الصحيحة أو المعلومة‬
‫المتجددة‪ ،‬ال يمكن للعامل التصرف بحرية‪ ،‬واقتدار؛ ألنه‪ ،‬ببساطة‪ ،‬يفتقر للمعلومة ال تي تمنحه‬
‫ثقة بالتصرف الصحيح دون خوف أو تردد من أن تصرفه قد يكون خطًأ‪.‬‬
‫فاالتصال الفاعل في المؤسسات الناجحة‪ 63‬يعزز في تلك المؤسسات مبدأ اإلبداع‪ .‬وهنالك خمسة‬
‫خصائص ألنظمة االتصال التي تعزز اإلبداع واالبتكار‪.‬‬

‫أنظمة االتصال غير الرسمية‪:‬‬


‫تتسم عملية االتصال غير الرسمية بلقاء أعضاء الفريق بشكل عضوي وبشكل طبيعي وتطوعي‬
‫لمناقشة المشاكل التي تواجههم‪ ،‬وقد تتشكل الدافعية لديهم والرغبة القوية لحل المش اكل ال تي‬
‫يواجهونها بسبب الشعور بالمسؤولية والتمكُن‪ ،‬وه ذا األمر هو ال ذي ي دفعهم تطوعًا وعفويًا‬
‫للشعور بالحاجة الماسة لاللتقاء والتواصل من أجل حل المشاكل وتقديم أفكار جدي دة‪ ،‬ومن أجل‬
‫التعلم والمساعدة الجماعية لحل المشاكل وتقديم إبداعات جديدة‪ .‬ويكاد يبدو هذا الطرح للق ارئ‬
‫و‪IBM،‬‬ ‫‪3M،‬‬ ‫‪G.M،‬‬ ‫مثالي ًا‪ ،‬ولكن هنالك ش ركات على أرض الواقع مث ال(‪Hp‬‬
‫‪ )MacDonald's‬قد استطاعت أن تقدم مثل هذا النموذج من االتصال غ ير الرس مي‪ .‬وه ذا‬
‫كل‬ ‫النموذج ال يكاد يبدو متاحًا أو ملحوظًا في مؤسسات الدول العربية أو دول العالم الثالث بش‬
‫عام‪ ،‬علمًا بأنه غير مستحيل‪ .‬ولكنه يحتاج إلى شروط‪ ،‬من أهمها المناخ التنظيمي المشجع على‬
‫روح‪ ،‬اإلبداع واالعتماد على الذات (روح الفريق) والتوازن في األهداف‪ ،‬وعدم قمع المحاولة‪،‬‬
‫والتجربة والسماح بهامش من المخاطرة والخطأ‬

‫عملية االتصال في المؤسسات الناجحة‪:‬‬


‫عملية االتصال هي عملية مكثفة وال تتم بشكل موسمي أو دوري أو بشكل نادر وإنما تتم بش كل‬
‫دائم‪ .‬ففي المؤسسات الناجحة ال يوجد ح واجز بين رئيس وم رؤوس وال يوجد رس ميات في‬
‫الخطاب وال يوجد خوف من المسؤول ألن مصلحة المؤسسة ومص لحة العمل همٌ واحد لكل من‬
‫‪- 56 -‬‬
‫المرؤوس والمسؤول فقد يقف المرؤوس في اجتماع ما‪ ،‬ويوقف الرئيس عن الحديث‪ ،‬أي يقاطعه‬
‫دون ممانعة ودون تكّون مشاعر معادية بين الطرفين‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا إلى حوادث كث يرة في الت اريخ اإلس المي في عهد الرس ول ‪ ‬وفي عهد‬
‫الصحابة فقد كانت درجة االحترام للقائد أو المسؤول أو األمير كبيرة وال توصف‪ ،‬ولكن عن دما‬
‫يشعر أحد الناس أن من واجبه نحو المصلحة العامة أن يتدخل‪ ،‬فإنّه يت دخل مباش رة ويمكن أن‬
‫يرفع صوته ليس من باب إساءة األدب ولكن من منطلق إحقاق الحق وتجنب الباطل‪ .‬فه ذا أحد‬
‫الصحابة يقف منتصبًا في عملية توزيع الثروة الشهيرة التي قام بها عمر بن الخطاب "رضي اهلل‬
‫ذا‬ ‫عنه" وقال له‪ :‬إن حصتك يا عمر في القماش أكبر من حصصنا فأين العدالة يا عمر؟ كان ه‬
‫سؤاالً مشروعًا ولم يحصل على إجابة فيها تحذير وترهيب ووعيد لهذا الشخص السائل المتطفل‪،‬‬
‫كما يراه البعض‪ ،‬ولكنه حصل على معلومات واضحة وكاملة بينّت له العلة والسبب ال ذي ربما‬
‫أجاب عن تساؤل اآلخرين فأراح سريرتهم واطمأنوا إلى عدالة أميرهم ونزاهته في التوزيع‪.‬‬
‫هذه المداخلة تبين المفارقات بين ما يحدث في المؤسسات الناجحة وبين ما حدث قبل أربعة عشر‬
‫قرنًا من الزمان‪.‬‬
‫ويعلّق توم بيترز ووترمان(‪ )Peters and Waterman‬في كتابيهما "البحث عن التميز" على‬
‫الممارسات التي تحدث في المنظمات غير الناجحة‪ ،‬مؤكدين أن المديرين التنفيذيين ال يجتمعون‬
‫اطبون‬ ‫بالدوائر األقل‪ ،‬أو نادرًا ما يحصل ذلك دون أجنده رسمية‪ ،‬والمديرون والموظفون يتخ‬
‫فيما بينهم من خالل الخطابات الرسمية‪ ،‬وفي زماننا هذا الكثير من المؤسسات تستخدم اإلنترنت‬
‫دول النامية‪ ،‬ما‬ ‫أو اإلنترانت في نقل المعلومات الرسمية وغير الرسمية‪ ،‬ولكن في مؤسسات ال‬
‫تزال عملية االتصال عبر اإلنترنت محدودة وال تكاد تجد ذلك الحوار بين أعضاء المؤسسة عبر‬
‫أن ه ذه التقنية تتوافر لكل موظف‪ ،‬ولكن دون اس تثمارها بالش كل‬
‫اإلنترنت‪ ،‬على الرغم من ّ‬
‫األمثل‪.‬‬
‫زمالء"‬ ‫في العديد الشركات الغربية توصف عملية االتصال عندهم بـ "اتخاذ القرار بواسطة ال‬
‫حيث تتم عملية اللقاء بشكل حر ومفتوح وعلى طريقة الحوار بالمواجهة‪ ،‬وتن اقش المواض يع‬
‫الحساسة دون حرج ويطرحون أي موضوع يمكن أن ينظر إليه في مؤسسات أخرى على انه من‬
‫المحرمات التي ال ينبغي المساس بها‪ .‬ومن أهم األسباب التي ال تمنعهم من الخجل أو الحرج من‬
‫طرح أي شيء هو ناتج عن أنهم يلتقون ويتحاورون بشكل دائم واالجتماع واللقاء عن دهم ليست‬
‫حالة نادرة أو حالة رسمية أو حادثة سياسية تهدف إلى مصالح خاصة أو لغايات عند مراكز قوى‬
‫معينة (‪.)Peters and Waterman, 1982‬‬
‫‪- 57 -‬‬
‫مما سبق نستنتج بأن انعدام اللقاءات واالجتماعات التلقائية وانعدام حوار الفرد مع اآلخر وغيابه‬
‫عنه لفترة زمنية طويلة يؤدّي إلى االبتعاد عن الحوار المفتوح والمكشوف‪ ،‬وكلما طالت الف ترة‬
‫الزمنية‪ ،‬زادت مقتضيات الرسمية واالحترام المبالغ فيه بين ال رئيس والم رؤوس‪ ،‬انع دمت‬
‫بالنهاية الشفافية والوضوح والصراحة‪.‬‬
‫لذلك على اإلدارة أن تبتكر السبل الكفيلة بالحوار المكثف واللقاء على أسس غير رسمية لمناقشة‬
‫أمور هامة وجدية‪ ،‬وعدم انقطاع المسؤول عن اجتماع ات المرؤوس ين في اإلدارات ال دنيا‪.‬‬
‫وكثيرًا ما يتعذر على المدير األعلى القابع في "برجه العاجي" لقاء المرؤوسين بس بب انش غاله‬
‫بأمور كثيرة تمنعه من لقائهم‪ ،‬ولكن ثبت من خالل الدراس ات واألبح اث الميدانية ب أن أولى‬
‫أولويات المدير الناجح هو في لقائه المتك رر في المس تويات اإلدارية المختلفة‪ ،‬لبث ال روح‬
‫المعنوية في نفوسهم ونقل رسالة المؤسسة وغاياتها وأهدافها إليهم حتى يتبنوها بشكل ص حيح‪.‬‬
‫ويؤكد هذا برامج تطرح حاليًا في أدبيات االتصال مثل‪ ،‬اإلدارة على المكشوف (‪Open book‬‬
‫وظفين‪،‬‬ ‫‪ ).mgt‬حيث تنادي هذه البرامج اإلدارية المنهجية بكشف جميع األمور أمام جميع الم‬
‫ليّطلع الموظف على كل شيء‪ ،‬وخاصة األمور المالية‪ ،‬فال يوجد أس رار وال يوجد معلوم ات‬
‫خاصة‪ ،‬وإنما الجميع في المؤسسة شركاء في المعلومة‪ ،‬فالمعلومة قوة بحد ذاتها تعطي الموظف‬
‫ثقة بأن اإلدارة ال تعمل بالخفاء وإنما الكل سواسية أمام المص ائب أو المكاسب‪ .‬وللح ديث عن‬
‫‪Open‬‬ ‫األدارة بالمكشوف هنالك شعارات كثيرة في األدبي ات الغربية تحت عن وان ‪Book‬‬
‫‪ Management‬واإلدارة بالتجوال (‪.)Management By Wandering Around‬‬
‫التمكين واإلدارة على المكشوف منهجاً إدارياً حديثاً ‪Open Book Management‬‬
‫يعد مفهوم اإلدارة على المكشوف من المفاهيم ذات العالقة بت دفق المعلوم ات وت داولها داخل‬
‫اهمة‬ ‫المؤسسة‪ ،‬وإذا استطاعت المؤسسة تطبيق مفهوم اإلدارة على المكشوف فإنه سيساهم مس‬
‫كبيرة في دعم مشروع التمكين في المؤسسة‪ ،‬ألن المعلومات وت دفقها تُع دّ من أهم مقوم ات‬
‫التمكين وخاصة عندما تتدفق المعلومات بطريقة قائمة على مبدأ محكم ومدروس كنظ ام اإلدارة‬
‫على المكشوف‪.64‬‬
‫يواجه مديرو الكثير من المؤسسات مشاكل كبيرة في التعامل مع مرؤوسيهم‪ ،‬وخاصة في القطاع‬
‫العام‪ .‬هذه المشاكل تتلخص على لسان حال الكثير من المديرين بالفشل والتقاعس والتب اطؤ في‬
‫العمل‪ ،‬وضعف الدافعية‪ .‬وعندما تسألهم عن عملية التف ويض‪ ،‬ورأيهم في موض وع التمكين‪،‬‬
‫ومنح المرؤوسين نوعا من االستقاللية وحرية التصرف؟ تجدهم ين برون لك ق ائلين‪ ،‬كيف أثق‬
‫بهؤالء الناس؟ وهم بهذه المواصفات‪ ،‬من عدم حب العمل ونقص وقود الدافعية‪ ،‬إضافة إلى عدم‬
‫‪- 58 -‬‬
‫األمانة والصدق‪ .‬فالموظف‪ ،‬من وجهة نظر المدير في الكثير من المنظم ات هو موضع اته ام‬
‫دائم‪ ،‬وعدم ثقة بأمانته وإخالصه‪ ،‬وعدم ثقة بقيامه بالعمل دون مراقبة وإشراف متواصل‪.‬‬
‫ولكن عندما تسأل ذلك المدير عن مدى تطبيقه ألي مقومات ومقدمات قد تساهم في مد جسور من‬
‫الثقة بينه وبين المرؤوسين‪ ،‬تجد أجوبة غير مقنعة في كثير من األحيان‪ ،‬وعندما تسأله عن منهج‬
‫جديد في اإلدارة مثل‪ :‬اإلدارة على المكشوف يقول لك‪ :‬ه ذه كلها أفك ار ال تتناسب مع واقعنا‬
‫وبيئتنا وهذه موضات جديدة في اإلدارة ال تتناسب معنا وال تتناسب مع مجتمعاتنا‪ ،‬ونحن ال ينفع‬
‫وف‬ ‫معنا سوى سياسة المركزية والرقابة الصارمة‪ .‬فدعونا نستعرض مبدأ اإلدارة على المكش‬
‫ونرى إمكانية تطبيقه وكيفية ذلك‪.‬‬
‫يتلخص مب دأ اإلدارة على المكش وف ال ذي تح دث عنه الكث ير من علم اء اإلدارة ومنهم‬
‫‪65‬‬
‫‪Schuster,J., Carpenter, J and Kane‬‬

‫ويؤكد هؤالء العلم اء أن فتح س جالت الش ركة للع املين وإطالعهم على األرق ام المهمة‪،‬‬
‫ومصارحتهم بإنجازات وإخفاقات ومشاكل المؤسسة‪ ،‬أهم بكثير من إخف اء المعلوم ات عنهم‪.‬‬
‫وهذا المنهج يحدد أه دافا مفهومة وواض حة ومترابطة للجمي ع‪ .‬وفي معظم الش ركات يهتم‬
‫اءة عالية‬ ‫العاملون باألرقام التي يحققونها وبمعدالت اإلنتاجية الخاصة بهم فقط ويحسبونها بكف‬
‫ويحسبون كذلك مكافآتهم المرتبطة بإنت اجيهم بكف اءة عالية فكيف بك عن دما يربط ون بين‬
‫إنتاجيتهم‪ ،‬وإنتاجية الشركة‪ ،‬والعالقة الطردية بين االثنتين‪.‬‬
‫اإلدارة على المكشوف ستمكن أفراد المبيعات من إدراك وتحديد حجم تأثيرهم وت أثير مس توى‬
‫مبيعاتهم جميعا على أداء الشركة الكلي من ناحية مالية‪ ،‬بدال من التقوقع ومعرفة عدد الوح دات‬
‫التي باعها مندوب المبيعات فقط‪ .‬فهو في ه ذه الحالة يتوسع إط ار االهتم ام لديه من دائرته‬
‫اون مع‬ ‫الضيقة إلى دائرة أوسع وهي دائرة الفريق والشركة كلّها‪ ،‬مما يساهم في مزيد من التع‬
‫كلها‪ ،‬ألن ه ذا‬
‫زمالئه في سبيل تحقيق أرقام أفضل على مستوى القسم كله‪ ،‬وبالتالي الش ركة ّ‬
‫المبدأ يمنح الموظف حوافز مرتبطة بأدائه الفردي وكذلك بأداء الفريق‪.‬‬
‫ما هي المتطلبات؟‬
‫متطلبات مبدأ اإلدارة على المكشوف تتلخص في‪:‬‬
‫عدم التركيز على المهام الفردية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المتابعة واالتصال وتدفق المعلومات‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫التدريب ضمن مناخ تنظيمي مالئم‬ ‫‪‬‬

‫‪- 59 -‬‬
‫تشكيل فرق عمل متجانسة وغير متنافسة وال متصارعة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المصارحة باألرقام‬
‫في مبدأ اإلدارة على المكشوف‪ ،‬يتعرف أعضاء المنظمة على أرقامها المهمة ويفهمون عالقات‬
‫تلك األرقام وتوابعها وآثارها‪ ،‬كما يكتسبون حساسية خاصة تجاه هذه األرقام من خالل اللقاءات‬
‫مان‬ ‫واالجتماعات التي تصبح جزءاً من العمل وليست على حساب العمل‪ .‬وهذا يساهم في ض‬
‫إخالص جميع العاملين وانخراطهم في المؤسسة وتفهمهم ألهداف الشركة وغاياتها ‪.66‬‬

‫فوائد تطبيق مفهوم اإلدارة على المكشوف‬


‫تهدف عملية مصارحة العاملين في الشركة أو المنظمة إلى ما يلي‬
‫الشعور بالتمكين وحرية التصرف والشعور بالملكية فيتص رف الع املون وك أنهم‬ ‫‪‬‬
‫أصحاب الشركة‪ ،‬فيهتمون بنجاحها وتقدمها ويتكون لديهم حماس ذاتي من أجل تحسين‬
‫مستويات األداء‪ ،‬دون مراقبة صارمة ودون حالة من عدم الثقة‪.‬‬
‫ون به من‬ ‫زيادة المعرفة والوعي في األرقام‪ ،‬مما يوفر للعاملين معنى أكبر لما يقوم‬ ‫‪‬‬
‫أعمال ومهام‪.‬‬
‫تحقيق التكامل والترابط من خالل التنسيق ومن خالل الهدف المشترك بين المستويات‬ ‫‪‬‬
‫اإلدارية المختلفة‪.‬‬

‫‪- 60 -‬‬
‫إجراءات اإلدارة على المكشوف‪:‬‬
‫كشف األرقام بكل صراحة بعد ت دريب األف راد على فهمها وفهم طريقة التعامل‬ ‫‪‬‬
‫بها‪ ،‬وهذا يتطلب تدريب األفراد على الق وائم المالية والحس ابات والميزاني ات‬
‫دريبا‬ ‫ومصادر التمويل والتدفقات النقدية ومعرفة نظام المكافآت‪ ،‬وهذا يتطلب ت‬
‫إلزاميا يلزم األفراد في معرفة هذه األرقام ومعرفة كيفية التعامل معها‪ ،‬وال ينظر‬
‫إلى هذه المعلومات على أنها ترف فكري لكي يفهم مساهمته في توليد األرقام‪.‬‬
‫تفعيل االتصاالت وتدفق المعلومات في المنظمة في مختلف االتجاه ات‪ ،‬عموديا‬ ‫‪‬‬
‫وأفقيا وقطريا مما يؤدي إلى السرعة الفائقة في اتخاذ القرار وحل المشاكل في أي‬
‫موقع من المواقع‪ .‬كما يساهم ذلك مساهمة كبيرة في منع اإلشاعة‪ ،‬ومنع احتك ار‬
‫المعلومة‪ ،‬أو استغاللها من أي مستوى من مستويات المؤسسة‪ ،‬بشكل سلبي وغير‬
‫مناسب‪.‬‬
‫الشعور العام بالمصلحة العامة من خالل اإلحساس المشترك بالمس ؤولية تج اه‬ ‫‪‬‬
‫النتائج التي أصبحت واضحة ومفهومة‪.‬‬
‫التدريب من أجل فهم األرقام‪ ،‬وهذه قد تكون مس ؤولية الم ديرين في المؤسسة‬ ‫‪‬‬
‫للتأكد من ق درة المرؤوس ين على فهم األرق ام‪ ،‬وال يوجد من هو أفضل من‬
‫المديرين في محاولة تدريب وتطوير قدرات الموظفين في هذا اإلطار‪.‬‬

‫اإلدارة على المكشوف واالبتكار‬


‫قد تنوي اإلدارة العليا التجديد واالبتكار ولكنها لن تس تطيع فعل ذلك دون م واهب وق درات‬
‫أتى من رغبتهم‬ ‫الموظفين الكامنة‪ .‬وأفضل شيء لتفجير مواهب وقدرات الموظفين الكامنة‪ ،‬يت‬
‫واستعدادهم للتعاون مع اإلدارة في المجاالت التي تتعلق باإلبداع واالبتك ار‪ ،‬ويس اعدهم على‬
‫تشكيل تلك الرغبة وضوح الحقائق وغياب األسرار وشفافية المواقف‪ .‬قد يك ون ل دى موظف‬
‫القدرة على اإلبداع ولكن لتحريك القدرات وتفعيلها‪ ،‬فال بد من دافعية ورغبة داخلية‪ .‬هذه الرغبة‬
‫الداخلية لن تتعزز في ظل اإلشاعة‪ ،‬وغياب المعلومة‪ ،‬واتخاذ اإلدارة العليا القرارات االنفرادية‪.‬‬

‫‪- 61 -‬‬
‫خطوات تطبيق منهج اإلدارة على المكشوف‬
‫الخطوة األولى‪ :‬التعريف والتوعية‬
‫يتالءم منهج اإلدارة على المكشوف كما يصفه ‪ Schuster،J., Carpenter, J and Kane‬مع‬
‫اهج‬ ‫منهج التمكين من حيث دور القيادة الذي أساسه قناعتها ونيتها األكيدة على تطبيق هذه المن‬
‫وتفعيلها‪ ،‬دون عزم القيادة وإصرارها وقناعتها لن يتسنى النجاح لهذه المش اريع‪ .‬والس بب في‬
‫ذلك يكمن في حاجة مثل هذه المبادرات إلى ال دعم من قبل القي ادة وتوفيرها للم وارد الالزمة‬
‫لعمليات التدريب والتطوير المناسبة‪ .‬ومن المحددات التي تقف أمام اإلدارة في تطبيق مش روع‬
‫اإلدارة على المكشوف‪ :‬انشغال وعدم توفر الوقت الكافي لإلدارة‪ ،‬وعدم قناعة القيادة في بعض‬
‫رارًا‬ ‫األحيان‪ ،‬وعدم استعداد القيادة على التخلي عن المعلومات‪ ،‬وخوفها عليها؛ ألنها تعدّها أس‬
‫وسالحًا ال يمكنها التنازل عنها‪ .‬ولكن الخطوة الهامة التي يمكن للقي ادة أن تق وم بها إذا توافر‬
‫لديها نوع من القناعة‪ ،‬أن تبدأ بعقد جلسات ولقاءات للعصف ال ذهني ولدراسة المفه وم دراسة‬
‫وافية‪ ،‬من خالل اإلطالع على ما كتب في هذا الموضوع من مقاالت وكتب ون دوات وح االت‬
‫دراسية عملية‪.‬‬
‫وعي بأهميته‬ ‫فعندما يتوافر لإلدارة العليا الوعي الكافي حول مفهوم اإلدارة على المكشوف وال‬
‫بالنسبة للمنظمة‪ ،‬فعندها ستبدأ القيادة بنشر الموضوع عبر مختلف المستويات اإلدارية وتح اول‬
‫توعية اآلخرين وإقناعهم بجدوى تطبيقه‪.‬‬
‫الخطوة الثانية‪ :‬تحديد األهداف‪.‬‬
‫أي منهج أو برنامج عمل ال بد أن تتضح أهدافه س واء أك انت أه دافاً عامة أم‬
‫تفصيلية‪ .‬وال بد من معرفة‪ :‬إلى أين نريد أن نصل‪ ،‬وعلى أي قاع دة نقف؛ لكي‬
‫يتم االنطالق على أسس واضحة المع الم‪ .‬ويتم تحديد األه داف من خالل تحديد‬
‫املوا معها‬ ‫األرقام ومؤشرات األداء الهامة التي ينبغي أن يتعلمها العاملون ويتع‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫االتفاق على المعايير التي تقيس درجة تقدم المنظمة اتجاه أهدافها طويلة األجل‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫املين‬ ‫‪ ‬تشكيل قيم ومبادئ وثقافة مشتركة على ضوء األدوار الجديدة المطلوبة من الع‬
‫والقيادة على حد سواء‪.‬‬
‫إعداد برامج للحوافز التي تدعم العملين وتشجعهم على التنفيذ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫إعادة تشكيل نظم االتصاالت الحالية بما يتفق ومنهج اإلدارة على المكشوف‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫ومن أهم األمور التي ينبغي االنتباه لها أن تتوافر للمنظمة قوى عاملة تتمتع بالمهارة وحب التعلم‬
‫والرغبة في تحمل المسؤولية والتمكين‪.‬‬
‫الخطوة الثالثة‪ :‬بناء فريق العمل وتدريبه وتطويره‪.‬‬
‫تتمثل مهمة الفريق في تفعيل روح الفريق‪ ،‬والعمل الجماعي حيث يتك ون الفريق من مختلف‬
‫الوحدات اإلدارية‪ ،‬بهدف دراسة واقع المنظمة من حيث مستوى استعداد الجميع للتعاون‪ ،‬ومن ثم‬
‫يعمل هذا الفريق على نقل العاملين إلى مس تويات من االس تعداد المرغوبة‪ ،‬من أجل التع اون‬
‫تمرة‪ ،‬بأهمية عمل الفريق‬ ‫والتنسيق والتفاهم‪ .‬وهذا يحتاج إلى نوع من التثقيف‪ ،‬والتوعية المس‬
‫وتعاونه‪.‬‬
‫الخطوة الرابعة‪ :‬خطة التنفيذ‬
‫ال بد في هذه الخطوة من عدم استباق النتائج‪ .‬أي إنه يجب االعتراف بأن الوقت لم يحن بعد لكي‬
‫يكون برنامج اإلدارة على المكشوف قيد التنفيذ دون وجود أي صعوبات‪ ،‬فال بد من وجود فجوة‬
‫بين الواقع الحالي والواقع المرغوب‪ ،‬والن اس في أي عملية تغي ير س رعان ما يع ودون إلى‬
‫ممارسة السلوكيات التي تعودوا عليها لفترة طويلة من الزمن‪ ،‬ما لم يكن هنالك قيادة واعية تعمل‬
‫على تثبيت أسس النظام الجديد وزعزعة أسس النظ ام الق ديم وتقويضه والتخلص من آث اره‬
‫المتبقية‪.‬‬
‫وتتضمن هذه الخطوة خطة عمل تصل إلى ثالث سنوات تش تمل الس نة األولى على ج دول‬
‫تفصيلي ومجموعة من البرامج الربع سنوية‪ .‬مع وجود خطط بديلة وظرفية لمواجهة الط وارئ‬
‫غير المتوقعة لتوفير قدرات على التكيف مع المستجدات والمتغيرات‪.‬‬
‫الخطوة الخامسة‪ :‬الدور المحوري لإلدارة الوسطى‪.‬‬
‫تلعب اإلدارة الوسطى دورا محوريا في تنفيذ برنامج اإلدارة على المكشوف بتش جيع عملي ات‬
‫التعلم واالبتكار والعصف الذهني بإيعاز وتوجيه وتف ويض من اإلدارة العلي ا‪ .‬وتعمل اإلدارة‬
‫وف‪ ،‬من خالل‬ ‫امج التمكين واإلدارة على المكش‬ ‫طى كحلقة وصل هامة لتفعيل برن‬ ‫الوس‬
‫االجتماع ات المكثفة مع اإلدارة العليا من أجل فهم رؤيتها والتأكد من توجهاتها ومن ثم إج راء‬
‫امج‬ ‫اجتماعات مماثلة مع اإلدارة الدنيا والعاملين لترجمة ونقل توجهات اإلدارة العليا حول برن‬
‫اإلدارة على المكشوف‪ ،‬وهذا يؤدي إلى زيادة ثقة العاملين بص دق توجه اإلدارة في التط بيق‬
‫والتنفيذ‪ .‬وهنا ال بد من أن يتوافر لإلدارة الوسطى حقيقة أن عليهم التنازل عن بعض صالحياتهم‬
‫وسلطاتهم السابقة لمصلحة اإلدارة الدنيا‪ .‬والمثال التالي حول المباريات الرياض ية ي بين دور‬

‫‪- 63 -‬‬
‫اإلدارة على المكشوف من خالل اللوحة اإللكترونية ال تي تكشف تق دم أداء الف رق المتبارية‬
‫للجميع‪.‬‬

‫حالة ‪1‬في المباريات الرياضية‬

‫في المباريات الرياضية توجد لوحة تسجيل إلكترونية تظهر عليها‬


‫نتائج الفرق المتنافسة‪ ،‬مما يوفر لكال الفريقين معلومات لحظية‬
‫ومباشرة يؤدي إلى حماس غير عادي لدى الفرق المتبارية وأيضا‬
‫لدى الجمهور‪ .‬ولو فترضنا غياب مثل هذه الوسائل التي تعرض‬
‫عليها النتائج فإنه سيختفي على الفور الوعي بأسباب العمل‬
‫وتتناقص مستويات الحماس وتقل الطاقات المبدعة والخالقة‪،‬‬
‫فمنهج اإلدارة على المكشوف يعمل تقريبا بمبدأ مشابه إلى حد‬
‫كبير مبدأ تلك اللوحة اإللكترونية التي يتابعها الجميع فتبعث الحياة‬
‫في أدائهم وتوجه تحركاتهم‪.‬‬

‫الخطوة السادسة‪ :‬التجديد والتطوير المستمر‬


‫توافر برامج التمكين واإلدارة على المكشوف من خالل فلسفتها القائمة على المش اركة وت دفق‬
‫وفر‬
‫المعلومات بشكل حر ومفتوح دون جمود‪ ،‬وقيود البيروقراطية‪ ،‬والمركزية‪ ،‬والسلطوية‪ ،‬ت ّ‬
‫فرص التجديد والتطوير المستمر من خالل مش اركة مختلف المس تويات اإلدارية وأعض اء‬
‫المؤسسة‪ .‬والتجديد بطبيعة الحال يعد محصلة ونتيجة جوهرية للمكاشفة والمصارحة‪.‬‬

‫وتع ززه ‪،‬وتعطي فرصا من قبل الع املين‬


‫وتبرز أهمية الحوافز والمكافآت التي تم يز األداء ّ‬
‫لالستفادة من الحوافز المادية والمعنوية مقابل ما يقدمونه من أفك ار إبداعية وخالقة‪ ،‬وه ذا ال‬
‫يعني عدم وجود عقوبات‪ ،‬فهناك الكثير من الموظفين ال ذين ال يمكنهم التكيف مع ه ذا المنهج‬
‫ألسباب كثيرة؛ فإما أن يتركوا العمل أو أن يواجهوا عقوبات نتيجة لعدم استعدادهم على التفاعل‬
‫والمس اهمة في التغي ير والتجديد نحو األفض ل‪ .‬ومع كل ما تم ذك ره عن منهج اإلدارة على‬

‫‪- 64 -‬‬
‫المكشوف إال أنه ما زال يفتقد لوجود دراسات ميدانية أكاديمية لدراسة واقع العالقة بين تط بيق‬
‫هذا البرنامج ووجود نتائج ملموسة بالنسبة ألداء المؤسسة وتميزها‪ .‬وهذا المنهج بجانبيه الفكري‬
‫والنظري يحتاج من الباحث العربي فضال عن الباحثين بشكل ع ام محاولة إج راء دراس ات‬
‫ميدانية رصينة لمعرفة واقعية هذا المنهج وواقعية تطبيقه في منظم ات األعم ال العربية؛ ألن‬
‫فاعلية هذا المنهج الميدانية إن ثبتت فقد تؤدي إلى تشجيع الكثير من المنظمات على االستفادة منه‬
‫وتطبيقه فعال‪.‬‬

‫مفهوم اإلدارة بالتجوال‪Management by Wandering Around‬‬


‫اإلدارة بالتجوال أسلوب من أساليب االتصال غير الرسمية‪ ،‬حيث يتعامل المدير مع المرؤوسين‬
‫مباشرة من خالل التجول بينهم والتحدث إليهم وقض اء بعض ال وقت معهم‪ .67‬وقد يحل ه ذا‬
‫األسلوب محل أساليب االتصال الرسمية للحصول على المعلومة مباشرة من الميدان‪ ،‬دون تغيير‬
‫أو تبديل‪ .‬ويهدف أسلوب اإلدارة بالتجوال إلى كسر الحواجز الرس مية والس لطوية بين القائد‬
‫والمرؤوسين وتعزيز العالقات الشخصية مع المستويات المختلفة والحص ول على المعلوم ات‬
‫ة‪.‬‬ ‫مباشرة من مصادرها الرئيسة‪ ،‬دون تصفية‪ ،‬أو تحريف‪ ،‬أو تدخل من قبل اإلدارات المختلف‬
‫وقد يستخدم اإلدارة بالتجوال كأسلوب من أجل غرس الرؤية والرسالة ال تي تتبناها القي ادة في‬
‫مرؤوسيها‪ .‬وهذا األسلوب يتطلب شرطًا أساسيا لنجاحه‪ ،‬وهو الثقة بين القائد والمرؤوسين‪ .‬وهو‬
‫من مفاهيم االتصال‪ ،‬المشابهة لمفهوم اإلدارة على المكشوف‪ ،‬فهو يقوم هذا على مب دأ بس يط‬
‫ولكنه مهم في نتائجه وما يحققه من فوائد للمنظمة عندما يتجول المسؤول في المواقع المختلفة في‬
‫المؤسسة‪ ،‬ليس بهدف المراقبة والتحكم والسيطرة فحسب وإنما بهدف أساسي وهو بث الحم اس‬
‫ورفع الروح المعنوية لدى العاملين من خالل احتكاك القيادة بهم وشعورهم باهتم ام القي ادة بما‬
‫يقومون به من أعمال‪.‬‬
‫ومن الجدير ذكره هنا‪ ،‬أن يقوم القائد بتشجيع الم ديرين في مختلف المس تويات اإلدارية على‬
‫بتطبيق هذا األسلوب‪ ،‬ألن الرجل األول في المنظمة ال يمكنه بمفرده تط بيق ه ذا المنهج‪ ،‬دون‬
‫مساعدة من حوله من مديرين‪.‬‬

‫‪- 65 -‬‬
‫االتصال العفوي‬
‫يعمل االتصال العفوي أو غير الرسمي( كما تم ذكره في بداية الفصل) كبديل عن أساليب الرقابة‬
‫ار‪،‬‬ ‫التقليدية‪ .‬وهذه نقطة جديرة بالعناية واالهتمام حيث إن الرقابة التقليدية تقيد اإلبداع واالبتك‬
‫ولكن عندما يتاح استخدام االتصال الحر القائم على أساس تلقائي ينس جم مع جهد المرؤوس ين‬
‫التلقائي لتحقيق أهداف المؤسسة‪ ،‬فإن ذلك يص نع نت ائج مذهلة من األداء الن وعي والكف اءة‬
‫اإلنتاجية غير المسبوقة‪ .‬فالرقابة التقليدية تحتاج إلى وس ائل مكلفة وتحت اج إلى مديرين همهم‬
‫وشغلهم الشاغل هو الرقابة والتف تيش والتأكد بط رق س رية وعلنية من أن الن اس يقوم ون‬
‫بأعمالهم‪.68‬‬

‫وقد تحتاج هذه أحيانًا إلى أساليب إستخبارية‪ ،‬وتجسس ية حيث إن بعض الم وظفين يعمل ون‬
‫مخبرين لمصلحة المدير‪ ،‬وهذه قمة "عدم الثقة" التي تكلّف المؤسسة تك اليف معنوية ومادي ة‪،‬‬
‫ولكن عند الحديث عن الرقابة التطوعية‪ ،‬الرقابة الذاتية والرقابة الجماعية الناجمة عن احتك اك‬
‫الناس في مواسم ومناسبات رمزية أو وطنية أو تذكارية بشكل مكثف بش رط أن تك ون هنالك‬
‫رؤية جماعية مشتركة‪ .‬فهذا يعمل عمله الملفت لالنتباه في استثارة الجه ود واستنهاض ها نحو‬
‫هدف مشترك يشعر كل فرد بالثقة وليس بدافع خارجي ونتائج الدافع الداخلي تصنع دائمًا وأب دًا‬
‫أضعاف‪ ،‬أضعاف ما تصنعه نتائج الدافع الخارجي‪ ،‬علمًا بأن نتائج الدافع الخ ارجي والض غط‬
‫الخارجي والرقابة الخارجية تقود إلى االنصياع واالنقياد الم ؤقت‪ ،‬ذلك االنقي اد ال ذي تنتهي‬
‫صالحيته بانتهاء الدافع الخارجي سواء أكان ذلك الدافع قوة الرقابة‪ ،‬أم قوة العقوبة‪ ،‬أو اإلكراه‪،‬‬
‫أو المكافأة‪.‬‬
‫وهنا البد من اإلشارة إلى أن توافر ه ذه العوامل الس الفة يس اهم في تعزيز دور التمكين في‬
‫اإلدارة؛ ألنه دون عوامل االتصال التي توفر المعلومات وتدفعها بانسياب حر فإن عملية التمكين‬
‫ستبقى متعثرة إلى ماال نهاية‪.‬‬
‫وتعمل اآلن الكثير من المؤسس ات على فعل كل ما يمكن فعله لتحس ين أس اليب التواصل بين‬
‫الموظفين‪ .‬فمثال ترى بعض المؤسسات بأن تصميم المكاتب بطريقة معينة‪ ،‬قد يكون له دور هام‬
‫في تحسين عملية االتصال بين الموظفين‪ ،‬وتحسين نتائج األداء تبعا لذلك‪ ،‬والحالة التالية توضح‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪- 66 -‬‬
‫حالة ‪2‬شفافية المكاتب‬

‫شفافية المكاتب‬
‫قام توماس ألين (‪ )Thomas Allen‬من (‪ )MIT‬بدراسة ت بين أن التصميم‬
‫الهندس ي للمكات ب الذي يس مح بوجود مس افة (‪ )10‬أمتار بي ن الموظ ف‬
‫واآلخر في داخل المكاتب المفتوحة‪ ،‬تكون احتمالية اتصالهم بعضهم ببعض‬
‫مرة في األسبوع ما بين (‪ .)%9-%8‬وعندما تكون المسافة (‪ )5‬أمتار بين‬
‫الموظف واآلخر‪ ،‬تكون احتمالية اتصالهم ببعضهم بعضا‪ ،‬لمرة في األسبوع‬
‫(‪ .)%25‬وهذا يدل عل ى أهمي ة ترتي ب وتص ميم المبان ي والمكات ب بحي ث‬
‫ال لالتص ال والتعاون‪ ،‬والتنس يق فيم ا بينه م وخاص ة عندم ا تكون‬
‫تعط ي مجا ً‬
‫المسافات قريبة ومفتوحة بين الزمالء في العمل‪.‬‬

‫ي‬

‫ثالثا‪ :‬الثقة‬
‫المقوم الثالث بعد المعرفة والمه ارة واالتص ال وت دفق المعلوم ات هو‪ :‬الثقة بين الم دير‬
‫والمرؤوسين فهذا مقوم جوهري من مقومات التمكين‪ ،‬أال وهو الثقة والتف اهم‪ ،‬فالثقة‪ :‬اس تعداد‬
‫الفرد للتعامل مع اآلخرين معتقداَ بكفاءتهم أو أمانتهم أو صدقهم واهتمامهم بمصلحته وعدم توقع‬
‫إساءتهم (‪.69)Mayer et al., 1995 and Hart and Saunders, 1997‬‬

‫‪- 67 -‬‬
‫الثقة بالقيادة والتمكين‬
‫الثقة سالح قوي وهي رأس مال هام جدا وكما يقول فرانسيس فوكوياما ب أن الثقة هي أهم رأس‬
‫مال اجتماعي وأن العجز في رأس المال هذا‪" ،‬الثقة" يعد أخطر من العجز في ميزان م دفوعات‬
‫الدول‪ .70‬والثقة شعور متبادل بين القائد والمرؤوسين‪ ،‬وثقة الناس في القائد هي دليل على نجاحه‬
‫وهي إحدى أهم نتائج التمكين وهذا ما يعرف بالتب ادل المثمر للطاق ة‪ .‬فالثقة يجب أن تكتسب‬
‫ولهذا السبب تعد القي ادة ص ناعة ينبغي إع ادة اختراعها‪ 71،‬واكتس اب الثقة يتحقق من خالل‬
‫ومهم‬ ‫االهتمام باآلخرين‪ ،‬وأن تكون إلى صفهم في ما يحدث لهم من خير أو شر وتشاركهم هم‬
‫ومشاكلهم حتى تحظى بثقتهم تلك الثقة ال تي قد تب نى كالبن اء من خالل اس تمرار االهتم ام‬
‫والتواصل والعالقة القائمة على الربح المتبادل وسياسة "أنا أربح وأنت تربح"‪.‬‬
‫إن االهتمام والصدق والصراحة من أهم المقومات التي تؤدي إلى تك وين التمكين ال ذي يجعل‬
‫المرؤوسين يتصرفون وكأنهم أصحاب المؤسسة أو على األقل كأنهم ش ركاء فيه ا‪ .‬والتمكين‬
‫بدوره يشكل دافعا نحو بذل طاقة غير عادية من أجل التغيير والتط وير نحو األفض ل‪ .‬وه ذا‬
‫بطبيعة الحال يقود نحو دافع من نوع آخر وهو تطوير الذات من خالل اكتس اب العلم والمعرفة‬
‫الممكنين تتكون لديهم رغبات ودوافع أكبر‬
‫ّ‬ ‫واستمرارية التعلم‪ .‬وتبين الدراسات بأن المرؤوسين‬
‫نحو اكتساب مع ارف جدي دة من خالل اإلقب ال على دورات الحاس وب واللغة وتكنولوجيا‬
‫المعلومات وغيرها من التقنيات وذلك بشكل يفوق أق رانهم ممن ال يتوافر لهم ق در مماثل من‬
‫الصالحيات أو التمكين ‪.Rothstein et al. (1995)72‬‬
‫والثقة بين بني البشر هي مشكلة المشاكل وتكاد تكون غاية في الصعوبة والتطبيق بسبب عوامل‬
‫متعددة ومتداخلة‪ .‬فالثقة الحقيقية صعبة حتى بين الناس الذين ارتبط وا معا لس نوات طويل ة‪،‬‬
‫كاألزواج مثالً على الرغم من انتقائهم واختيارهم بعضهم لبعض‪ .‬واألمر أصعب بكثير عندما ال‬
‫يكون لإلنسان خيار في انتقاء زمالء العمل‪ ،‬واألمر في غاية الصعوبة في المؤسسات الكب يرة‪،‬‬
‫وبالتأكيد فإن الثقة بين المدير والمرؤوس صعبة أيضاَ‪ ،‬وخاصة عندما يك ون لكل ط رف حق‬
‫إنهاء العالقة مع الطرف اآلخر بمحض إرادته‪.،‬وعندما نبحث في أسباب ودوافع المنظم ات في‬
‫وضع القوانين والتعليمات الصارمة والقيود فإننا نجد أنها تع ود ألحد أم رين‪ ،‬األول‪ :‬من أجل‬
‫تأمين سير األمور بش كل منتظم تالفيا للفوضى‪ ،‬واألمر اآلخر‪ :‬بطبيعة الح ال يك ون تالفيا‬
‫الستغالل النظام واإلساءة له من قبل اآلخرين‪ ،‬أي ع دم الثقة‪ .‬ومهما تكن األم ور فالثقة بين‬
‫رن الواحد والعشرون‪.‬‬ ‫أعضاء المنظمة‪ ،‬عاملين أم مديرين تعد في غاية األهمية لمؤسسات الق‬
‫فما هي يا ترى العوامل التي يمكن توفيرها من أجل ضمان الثقة بين أعضاء المؤسسة والفرقاء‬
‫‪- 68 -‬‬
‫المهتمين والمت أثرين بنت ائج عمل المؤسسة (‪ )Stakeholders‬مثل المس اهمين والزب ائن‬
‫والمنظمات األخرى؟‪ .‬إنّ أهم العوامل والمقومات التي يمكن أن تدعم الثقة وتعززها بين أف راد‬
‫المؤسسة يتمثل بما يأتي‪:‬‬

‫الكفاءة‪:‬‬
‫يثق بعضنا ببعض من خالل ما نتمتع به من كفاءة ومهارة‪ .‬وأحيانا نس تبدل كلمة الثقة بكلمة‬
‫كفاءة أو مهارة فنقول‪ :‬الطبيب الفالني يتمتع بكف اءة عالية‪ ،‬فنثق بتشخيصه للم رض كما نثق‬
‫بالعالج الذي يقدمه لنا فنسمح له بإجراء ما يلزم من تشخيص وعالج‪ .‬إذن "أمنحك ثقتي عن دما‬
‫أؤمن بكفاءتك وقدرتك‪ ،‬وتتوقف ثقتي بك عندما أشك في مهارت ك"‪.‬وه ذا ينس حب على مهن‬
‫ووظائف مختلفة مثل المعماري والميكانيكي ورجل الصيانة وغيرها من مهن بنسب مختلفة وهذا‬
‫ما ينسحب أيضاَ على عالقات العمل في المؤسسات ال تي نعمل به ا‪ .‬وه ذه الثقة أص بحت‬
‫ضرورية في منظمات األعم ال والمؤسس ات المختلفة أك ثر من أي وقت مضى‪ ،‬إذا ما أراد‬
‫المديرون التحول عن المنظمات التقليدية الهرمية والوظيفية المتخصصة‪ ،‬فبحكم التخصص كان‬
‫المدير يعلم ويعرف وعلى مهارة أكبر من أي موظف في القسم أو في ال دائرة‪ ،‬ولكن اآلن ليس‬
‫شرطًا الزماَ أن يكون المدير أعلم أو أكفأ من مرؤوسيه فوظيفته تنس يق مه اراتهم أك ثر من‬
‫إتقانها‪ .‬إذن وظيفة مدير القرن الواحد والعشرون وظيفة تنسيقية كما يؤكد ذلك بيتر درك ر‪ ،‬هي‬
‫تنسيقية للتخصصات المختلفة‪ ،‬ودور الثقة مهم فتزداد ثقته بهذه التخصص ات ال تي يعمل على‬
‫تنسيقها بمقدار كفاءة المتخصصين فيها‪ ،‬ومن هنا فهو يمنحهم ثقته ال تي بطبيعة الح ال يتبعها‬
‫يز والتعُلم‬ ‫منحهم حرية في التصرف وتمكيناَ واستقالليةً ومناخاَ مناسباَ لإلبداع واالبتكار والتم‬
‫الدائم (‪.Stewart, 2001( 73‬‬

‫العمل الجماعي والجماعة ‪. Community and Teamwork‬‬


‫العنصر الثاني الداعم والمعزز للثقة هو الجماعة والعمل الجماعي‪ ،‬بشرط توافر عوامل مشتركة‬
‫بين الجماعة من التعاون والمساواة والتعاضد والتكامل والهموم والطموحات واآلمال المشتركة‪،‬‬
‫يتضمنها عالقة وتعارف وصالت‪ ،‬وقد تحيا الجماعة حياة مشتركة وفقاَ لنظام خاص‪ .‬والجماعة‬
‫شكل كفرق عمل من أجل إنجاز مشروع ما أو حل مشكلة ما‪ .‬ففرق العمل أو جماعات العمل‬
‫قد تُ ّ‬
‫وتعززها ألنها تعزز الكفاءة‪ ،‬كما أن فرق العمل التي تق وم بالعمل الجم اعي تق وم‬
‫ّ‬ ‫تدعم الثقة‬
‫‪- 69 -‬‬
‫بأعمالها بشكل غ ير رس مي‪ ،‬والثقة هي من أهم مقوم ات التنظيم غ ير الرسمي(‪Stewart,‬‬
‫‪ .)2001‬والتنظيم غير الرسمي هو التنظيم العفوي الذي ينشأ عن الثقة بين أعضاء التنظيم‪.‬‬
‫وتجارب عمل الفرق في مؤسسات الدول العربية يشوبها الكثير من المشاكل والعيوب من خالل‬
‫المنافسة بين أألعضاء ونتيجة للصراعات ووجود التكتل والتحيز والشللية‪ .‬وإذا تم التخلص من‬
‫ومتحد ومتوافق ومتعاون ومتكامل‪ ،‬فإن ذلك س يؤدي‬
‫هذه العيوب وعمل الفريق بشكل متجانس ّ‬
‫إلى الثقة المتبادلة بين أعضاء الفريق‪ ،‬وكذلك بين اإلدارة والفريق وبين الف رق المختلفة وه ذا‬
‫بدوره يؤدي إلى تفعيل عملية التعّلم والتجديد وإنتاج المعرفة والمشاركة في المعلومات وت داول‬
‫المعرفة وانسياب المعلومات‪ ،‬بشكل حر يؤدي إلى تحقيق ميزة تنافسية للمؤسسة‪ ،‬ومن ثم يؤدي‬
‫إلى تشجيع اإلدارة على التخلي عن بعض صالحياتها للفرق ومنحها مزيدا من التمكين بعد الثقة‬
‫التي تؤدي إلى التمكين ومنح األفراد مزيدا من الحرية واالستقاللية‪.‬‬

‫االنتماء‬
‫ة‪ .‬والثقة هنا تعتمد على‬ ‫يعد االنتماء من العوامل المساندة للنقطتين السابقتين؛ الكفاءة والجماع‬
‫مدى استعداد العاملين في المؤسسة للوقوف خلف أهداف المؤسسة وغاياتها‪ .‬واالنتماء أله داف‬
‫المؤسسة وغاياتها لن يتحقق دون رؤية مشتركة ألهمية هذه األهداف من وجهة نظر الع املين‪،‬‬
‫والمشكلة أن كثيرا من المؤسسات تع اني وتت ذمر فيها اإلدارات من ع دم والء المرؤوس ين‬
‫وانتمائهم‪ .‬والمشكلة التي تقع فيها اإلدارات أنها تتجاهل عدم فهم واس تيعاب وقناعة الع املين‬
‫بأهداف أو غايات المؤسسة ببساطه‪ ،‬ألن هذه األهداف والغايات من وجهة نظر العاملين هي فقط‬
‫تخدم المديرين أو المساهمين على حساب العاملين‪ ،‬فال تتحقق الرؤية المشتركة التي تعدّ متطلب ًا‬
‫أساسيًا النتماء العاملين ووقوفهم خلف غايات المؤسسة مدافعين عنها‪.‬‬
‫إن االنتماء المشترك لغايات وأهداف المؤسسة ورس التها ينس جم ويتماشى مع وج ود أف راد‬
‫بموصفات الريادة ومؤسسات بأشكال منبسطة أفقية في هيكلها التنظيمي ومديرين يشرفون على‬
‫عدد أكبر من ذي قبل‪ ،‬بسبب توافر الموظف والعامل صاحب المعرفة والخبرة‪ ،‬وبتوفير برامج‬
‫التمكين التي تؤدي إلى تحقيق نتائج عالية في مستويات األداء‪.‬‬

‫االتصال‬

‫‪- 70 -‬‬
‫موضوع االتصال يتك رر هنا ألهميته وعالقته مع مح ور الثقة‪ ،‬ذات العالقة الوثيقة بالتواصل‬
‫واالتصال بين أفراد المنظمة‪ ،‬لبناء جو من الثق ة‪ .‬فاالتص ال هو بمنزلة أداة أو آلية لتنش يط‬
‫يحة‪ .‬فال‬ ‫وتكريس الثقة بين األفراد بتبادل المعلومات والتغذية الراجعة وتبادل المشورة والنص‬
‫اك‬ ‫يمكن تحقيق الثقة بين الناس دون اتصال ودون رسائل متبادلة بين األطراف المتبادلة‪ .‬وهن‬
‫وسائل متعددة لتفعيل عملية االتصال في المؤسسة من خالل عدد من الوسائل منها‪ :‬سياسة الباب‬
‫المفتوح‪ ،‬واإلدارة بالتجوال واإلدارة على المكشوف‪ ،‬وحلقات الجودة التي تم الحديث عنها بشكل‬
‫مفصل في البند السابق‪ ،‬إضافة إلى تفعيل أشكال االتص ال األفقي والعم ودي والقط ري بين‬
‫مختلف المستويات في المؤسسة‪ .‬وهناك مقولة حديثة في االتصال مفادها " نحن ال يوجد ل دينا‬
‫أي أسرار" وهذا الشعار أو المقولة تؤكد الشفافية والوضوح إضافة إلى تدريب الم وظفين على‬
‫فهم المعلومة والرقم وأهميتهما‪.‬‬
‫وبوداع المديرين لألنظمة البيروقراطية ف إن عليهم اس تقبال موض وع في غاية األهمية وهو‬
‫موضوع الثقة‪ ،‬فالثقة ليست ض رورة للع املين في المؤسسة فحسب‪ ،‬بل هي في غاية األهمية‬
‫أيضا لزبائن المؤسسة‪ .‬وعلى القادة فهم وإدراك أن الثقة لن تأتي بعصا سحرية ولكن تحتاج إلى‬
‫مضن في بنائها والمحافظة عليها ومأسستها؛ ألن ذلك سيحقق نتائج مبهرة في تعاون الجميع‬
‫ٍ‬ ‫جهد‬
‫نحو تحقيق هدف مشترك‪ .‬والثقة قد تك ون أيضا في النفس (‪ )Confidence‬إض افة إلى الثقة‬
‫باآلخر‪ .‬وبناء الثقة بالنفس قد يكون نتيجة ومحصلة طبيعية لثقة الناس فيما بينهم‪.‬‬
‫والثقة باآلخر هي الثقة بقدراته‪ ،‬وتأخذ شكال عاما؛ كأن يثق المعلم بقدرات تلميذه دون أن ت ؤثر‬
‫تلك الثقة على مصلحة المعلم بشكل مباشر‪ ،‬وهناك الثقة بين األطراف المختلفة من خالل التعاقد‪،‬‬
‫ينجم على هذا النوع من الثقة تأثير قد يكون ايجابيًا أو س لبيًا من حيث نت ائج األداء في ال ربح‬
‫والخسارة‪ .‬فهناك خسارة لطرف وربح آلخر وهناك ربح مش ترك وقد يك ون هنالك خس ارة‬
‫للطرفين‪.‬‬

‫الثقة بالنفس (‪)Confidence‬‬


‫الثقة قد تكون بالنفس وقد تكون بالغير‪ ،‬وهنا نتحدث عن الثقة بالنفس وكيف يمكن للقائد مثال أن‬
‫يصنع الثقة بمرؤوسيه‪ .‬ومن المهم أن يكون لدى القادة ثقة بالنفس وثقة باآلخرين وخلق الظروف‬
‫والبيئة المناسبة للثقة بالمرؤوسين؛ لكي يقوموا بأعمالهم بكفاءة عالية واقتدار‪.‬‬

‫‪- 71 -‬‬
‫والثقة بالناس ال تتحقق بالكالم والخطابات‪ ،‬وال يمكن خلق الثقة بالناس من خالل أن نربت على‬
‫أكتافهم‪ ،‬ونثني عليهم أثناء قيامهم بالعمل‪ .‬فهي ترتبط بالنجاح فعندما تتوقع أنك ستنجح فهنا تتولد‬
‫الثقة التي تدعم الجهد الالزم لتحقيق النجاح‪ .‬حتى على المستوى العام في اقتصاديات الدول فإن‬
‫الثقة في الذات (الطاقة واإليمان والوالء واالنتماء) هي التي تجذب االس تثمار‪.‬وتؤكد ‪Kanter‬‬
‫)‪ (2004‬أن الذي يصنع الفروقات الحقيقية هو الجهد الذي يقوم به األفراد وبشكل خاص ذلك‬
‫الجهد اإلضافي الذي يقدمه هؤالء األفراد‪ .‬وعندما تتكون الثقة في النفس يتكون عندها االستعداد‬
‫لبذل جهد من أجل تحقيق ما هو مطلوب‪ .‬وقد يشاهد المرء مثاال حي ًا وواقعيا لطبيعة الحم اس‬
‫والثقة بالنفس في األلعاب والمباريات الرياضية؛ فقد يكون الفائز في الخلف وقد يتقدم أحيانا إلى‬
‫األمام وقد يسقط أحيانا أخرى على األرض وقد يفقد في بعض األحيان الس يطرة على الك رة‪،‬‬
‫ولكنه يثابر ويتعلم من أخطائه ومن تجاربه‪ ،‬وهذا هو نتاج الثقة بالنفس (‪.)Kanter ,2004‬‬

‫أسس الثقة بالنفس‬


‫المساءلة‪ :‬قد ال‬ ‫‪74‬‬
‫تعتمد الثقة بالنفس على ثالثة أركان أساسية كما تقول )‪Kanter (2004‬‬
‫تبدو للوهلة األولى العالقة واض حة بين المساءلة والثقة‪ ،‬ولكن المتمعن في ما تطرحه ‪Kanter‬‬
‫)‪ (2004‬يرى تلك العالقة‪ ،‬ففتح باب المساءلة على مصراعيه في أي مؤسسة‪ ،‬يجّنب األفراد أي‬
‫مجال للشك في ممارستهم وفي نشاطاتهم‪ .‬وهذا األمر يساهم بش كل جلي في رفع مس توى ثقة‬
‫القادة بأنفسهم‪ ،‬وكذلك المرؤوسين من خالل تحمّل المس ؤولية الشخص ية ومعرفة ح دود تلك‬
‫المسؤولية بجدارة ومواجهة الحقائق بصدق وأمانة‪ ،‬واالعتراف باألخط اء بس رعة ومعالجتها‬
‫فورا‪ .‬فالمساءلة تنبثق من مواجهة اإلنسان للحقائق بصدق وأمانة وهي تعد حجر األساس للثقة‪.‬‬
‫فمثال ستكون ثقة األفراد بالقيادة عالية إذا كانت القيادة صادقة وتقول الحقائق‪ .‬فإذا تحملت القيادة‬
‫مسؤولياتها بصدق وأمانة فه ذا سيس اهم كما تق ول ‪ Kanter‬بتش جيع األف راد على تحمل‬
‫مسؤولياتهم بصدق وأمانة واقتدار‪ .‬فالقادة ينبغي أن يصنعوا ثقافة المساءلة من خالل اآلخ رين‬
‫وبواسطتهم ومعهم والقائد يضع الحقائق واضحة أمام الجميع ويضع المحاسبة والمس اءلة أساسا‬
‫للحقائق وتحديد األداء المطلوب ضمن تلك الحقائق‪.‬‬
‫‪ .1‬التعاضد والتك اتف‪ :‬هي القاعدة الثانية من قواعد الثقة ب النفس‪ .‬وتُب نى الثقة‬
‫عندما يشعر الفرد أن بمق دوره االعتم اد على من حوله وبمق دورهم هم أيضا‬
‫االعتماد عليه‪ ،‬وهذا ما يسمى باالعتماد المتبادل(‪ . )Interdependency‬وهذه‬
‫توى معرفة اآلخر ومعرفة ما يتوافر لديه من‬ ‫تتجاوز موضوع التعاون إلى مس‬

‫‪- 72 -‬‬
‫رين كلما‬ ‫مواطن قوة لمحاولة التعاون من خاللها‪ .‬ويزداد احترام اإلنسان لآلخ‬
‫علم نقاط القوة المتاحة لديهم‪ ،‬فيثق أن باستطاعته االعتم اد عليهم وهم ك ذلك‪.‬‬
‫يقومون بما هو‬ ‫فالثقة في اآلخرين تزداد وتترعرع عندما يعلم اإلنسان بأنهم س‬
‫مطلوب منهم بكفاءة ومهنية عالية‪ ،‬ولكن عندما يعلم غير ذلك فإنه سيقول لنفسه‪:‬‬
‫" حسنا‪ ،‬سأقوم بهذا األمر بنفسي فليس باستطاعتي االعتم اد على غ يري في‬
‫إنجاز هذا العمل‪ ،‬ال أثق بهم وال يمكنني احترامهم"‪ .‬عندما يتردد مثل هذا القول‬
‫دهور‬ ‫وعندما تنشأ ظاهرة "فك االرتباط" بين الناس فيما بينهم تكون المحصلة ت‬
‫في األداء‪ .‬وهنا يأتي دور القي ادة في محاولة تأس يس التع اون وتأص يله في‬
‫المنظمة‪.‬‬
‫قد يبدو هذا الحديث كأنه وعظ وإرشاد نتيجة لتكراره في كثير من الكتب واألدبيات التي تتحدث‬
‫عن المنظمات وتنميتها‪ .‬فنقرأ في كثير من كتب اإلدارة عن مواضيع تتعلق بروح الفريق وبناء‬
‫الفريق وأهمية عمل الفريق وغيرها‪ ،‬ولكن كانتر (‪ )Rosabeth Kanter‬تؤكد في كتابها "الثقة"‬
‫واطن بالدولة وثقة الدولة‬ ‫حول دور الثقة الجوهري على كل األصعدة االجتماعية‪ :‬مثل ثقة الم‬
‫بالمواطن وثقة المستثمر في النظام القانوني وتشريعات االستثمار والنظ ام االقتص ادي‪ .‬وثقة‬
‫العامل برب العمل وثقة المدير بالمرؤوس وثقة األب بابنه وثقة األب بأبيه‪.‬‬
‫فالثقة تصنع المعجزات في الظروف الصعبة كما حدث في شركة كونتنانتال للطيران‪ ،‬وهي التي‬
‫هر ‪8‬‬ ‫تمكنت من إبقاء طائراتها تعمل دون توقف عندما توقفت شبكة الكهرباء عن العمل في ش‬
‫عام ‪ 2003‬عندما كانت أمريكيا تواجه ظالما دامسا كان األسوأ في تاريخها وبشكل خ اص في‬
‫شبكة الطاقة الشمالية الشرقية من أمريكيا‪ ،‬فتمكنت الشركة من تنس يق جهودها بطريقة معق دة‬
‫وتمكنت من تحريك طائراتها في الجو على الرغم من الكارثة‪ .‬وقد كان سر ذلك يكمن في ثالثة‬
‫أمور‪ :‬المساءلة والتعاون والمبادرة‪ .‬وكان مفتاح األمر في نوعية التعاون ومستواه الراقي على‬
‫الرغم من أن األفراد لم يتعاونوا في حل المشكلة وجها لوجه‪ ،‬إال أنهم تمكنوا من تنسيق جهودهم‬
‫ة‪.‬‬ ‫وتحمل المسؤولية وعلموا أن غيرهم في مواقع أخرى سيتحملون مسؤولياتهم بكفاءة وفاعلي‬
‫كان لديهم احترام كبير متبادل‪ ،‬وقد ُترجم ذلك االحترام إلى صورة من أجمل ص ور التنس يق‬
‫ير اآلخر من قبل ولكن ك ان‬
‫والتعاون في حل المشكالت‪ .‬لم يكن ذلك كالما نظريا فمنهم من لم َ‬
‫رائد هذا التعاون هو الثقة بقدرات اآلخر ومواطن القوة التي يمتلكها الطرف اآلخر ألن الش ركة‬
‫ال تمتلك غير المواهب الذكية والقدرات الخالقة‪.‬‬

‫‪- 73 -‬‬
‫‪ .2‬روح المب ادرة‪ :‬الركن الثالث من أركان الثقة هو روح المب ادرة‪ .‬فلو لم تتوافر‬
‫اع‬ ‫لشركة كونتننتال روح المبادرة لما أقدم العاملون على حل المشكلة عند االنقط‬
‫الكبير للتيار الكهربائي الذي حدث في تلك الفترة‪ ،‬وقد كان هنالك ثقة وتشجيع ألخذ‬
‫زمام المبادرة ومعرفة أكيدة بأن مبادراتهم ستصنع الفرق وتحل المشكلة‪ .‬دون ذلك‬
‫ال يوجد شيء أسمه ثقة بالنفس وثقة بالنظام وثقة الواحد باآلخر‪ .‬فالقادة وح دهم ال‬
‫يمكنهم فعل كل ما حصل في تلك الشركة‪.‬‬
‫املين‪ ،‬ولكن تجد أنها مكبوتة أو‬ ‫في كثير من الحاالت تجد روح المبادرة موجودة في أنفس الع‬
‫مصادرة بسبب ممارسات القيادة التي ال تعمل على تشجيع الع املين على روح المب ادرة‪ .‬وفي‬
‫أول محاولة للمبادرة تجد المدير يقول للمبادر‪ :‬نحن لسنا بحاجة ألفك ار جدي دة وال داعي ألن‬
‫تُتعب نفسك وال يوجد مجال أو استخدام لتلك األفكار‪ .‬مثل ه ذه ال ردود ت ؤدي إلى قتل روح‬
‫راد فهي‬ ‫المبادرة ووأد الثقة بالنفس في مهدها‪ .‬عندما يحصل هذا الرد من قبل أإلدارة نحو األف‬
‫تقدر عواقب ذلك الرد وآثاره في نفوس المرؤوس ين وأذه انهم‪ ،‬وال تق وّم حجم‬
‫في الحقيقة ال ّ‬
‫الضرر الذي يحدث هنا لمعنويات العاملين‪ ،‬فضال عن التدهور الذي قد يحدث للثقة بالنفس والثقة‬
‫بالقيادة‪.‬‬

‫دعم روح المبادرة وتشجيعها‬


‫دعم وتشجيع روح المبادرة في غاية األهمية‪ ،‬ولكن هنالك من يقول من المديرين بأن طبيعة عمل‬
‫المنظمة روتيني وال يتطلب روح المبادرة‪ ،‬فتقول ‪ :Kanter‬على ال رغم من ذلك ف إن روح‬
‫المبادرة مهمة حتى في المنظم ات البيروقراطية ال تي يحكمها قواعد عمل مح ددة وق وانين‬
‫صارمة‪ .‬وتشّبه ذلك بالمباريات الرياضية حيث الفريق الفائز عادة تك ون لديه مب ادرة أك بر‬
‫وأسرع من الفريق الخاسر‪ .‬وتالحظ بأن الفريق الفائز ربما فعل أشياء تتج اوز القواعد ال تي‬
‫حددها له المدرب وعادة لسان حالهم يقول " ال تقلق يا مدربنا فنحن سنتولى األمر بعناية كب يرة‬
‫ولن نعدم الفرصة والحيلة في الوقت المناسب" ‪ .‬عند التمعن والتحليل بهذا الرد من الفريق نحو‬
‫المدرب نجده تعبيرا عن تجاوز القواعد‪ ،‬وال يعني ذلك عدم االلتزام بها وإنما يعني أنها لن توفر‬
‫لهم الحل السحري والفوز على الخصم دون توافر نوع من المبادرة والتكيف وتحمل المسؤولية‪.‬‬
‫وقت‪ ،‬وهي‬ ‫والمبادرة تقود إلى اإلبداع وخلق أفكار جديدة وهي مهمة لكل المنظمات في هذا ال‬
‫مهمة أوال وأخيرا للثقة بالنفس‪.‬‬

‫‪- 74 -‬‬
‫دعم‬ ‫إنه ذلك الشعور بالقدرة على الفعل والتأثير وكل ما يحتاجه العامل لتقوية هذه الحالة هو ال‬
‫من اإلدارة والدعم من القيادة في أي مساهمة أو نشاط لكي تتعزز هذه الروح وتس تمر‪ .‬فالعملية‬
‫يرة‬ ‫ال تتم بيوم وليلة وإنما تحتاج إلى تشجيع على األعمال الصغيرة حتى نصل للمبادرات الكب‬
‫والمؤثرة‪ .‬المهم هو قيام القيادة ببناء المناخ والبيئة المناسبة لتش جيع الع املين على أن يب دأوا‬
‫بخطوات بسيطة‪ ،‬وأن يشعروا بأن هذه الخطوات لها أهمية ومساهمة‪ ،‬وهذا مهم في خلق نظ ام‬
‫منتج وثقة بالنفس‪ .‬فالناس ال يستطيعون الجلوس واالنتظار للقيام بالمب ادرات العظيمة‪ ،‬فهي ال‬
‫تأتي بشكل دائم ومستمر وإن جاءت فهي قد تأتي من القمة ال من القاعدة‪ .‬وه ذا ال يكفي لبن اء‬
‫مناخ عام من الثقة فال بد من مشاركة الجميع في المبادرة حتى يعلو صرح الثقة في المنظمة‪ .‬وال‬
‫مانع أن تكون المبادرات صغيرة أو كبيرة فالمهم أن تأخذ صفة الشمولية على مس توى المنظمة‬
‫كلها‪.‬‬

‫الثقة والسر الحقيقي للقيادة (‪)Kanter, 2004‬‬


‫يشعر المرء أحيانا بأنه واقع بين أحد أمرين‪ ،‬فإما الفشل‪ ،‬أو النجاح‪ ،‬وإما االزدهار‪ ،‬أو االنهيار‪،‬‬
‫فإن كانت الحالة هي حالة ازدهار‪ ،‬يتبادر للذهن أنها ستبقى كذلك‪ ،‬ويش عر الن اس هنا ب أنهم‬
‫سينجحون في أي شيء يجربونه‪ ،‬وستكون األمور على ما ي رام‪ .‬وفي الحالة الثانية‪ ،‬وهي حالة‬
‫الفشل والتجارب الفاشلة‪ ،‬وفيها يتبادر للذهن بأنها حالة دائمة يصعب الخالص منها وكأن الفشل‬
‫دائم ومستمر ولن يتغير‪ .‬لهذا السبب يجد من يفشل صعوبة في فهم فرص النجاح‪ .‬والمؤسسات‬
‫التي تتدهور األمور فيها أيضا تجد صعوبة في التحول من الفشل إلى النجاح وحتى الدول ال تي‬
‫يسيطر على اقتصادها الكساد تجد اإلصالح والتحول إلى االزدهار من ضروب المستحيل‪ .‬وهذا‬
‫هو السبب وراء بقاء منظمات أو دول لسنوات طويلة في الفشل والتراجع‪.‬‬
‫فأي شخص أو مجموعة أو منظمة معرضة لالنزالق في أحد القطبين فإما في دورة الفشل أو في‬
‫دورة النجاح واالزدهار‪ .‬والسر في حقيقة األمر الذي يؤدي بهم إلى االزده ار أو الس قوط هو‬
‫غالبا الثقة بالذات‪ .‬فالثقة بالنفس تشكّل الجسر الذي يربط بين اآلمال والتوقع ات من جهة‪ ،‬وبين‬
‫طلحات‬ ‫األداء من جهة أخرى‪ .‬وهو الجسر الذي يربط بين االستثمار والنتائج‪ .‬فمن أهم المص‬
‫المتداولة في األسواق مثال‪" ،‬ثقة المستهلك في االقتصاد وثقة الجماهير في القادة وثقة المستثمرين‬
‫في االقتصاد والثقة في مجالس الشعب والنواب والثقة في الحكومة وثقة الرياضيين في الفوز في‬
‫المباريات الرياضية" وهكذا‪.‬‬

‫‪- 75 -‬‬
‫ولكن الثقة بالنفس بالنسبة للقيادة ليس هو السر‪ ،‬وإنما ثقة القي ادة ب اآلخرين هي السر الحقيقي‬
‫للقيادة‪ .‬فالقيادة الناجحة هي التي تعمل ليل نهار في سبيل خلق مناخ تمنح وتخلق من خالله الثقة‬
‫بالموظفين وتخلق ثقة عالية بأنفسهم وبمصادر قوتهم‪ .‬فالقيادة هي التي تحفز العاملين لبذل أفضل‬
‫ما لديهم من جهد وتوجيه ذلك الجهد في اتجاه صحيح ومنتج‪ .‬والقادة عليهم أن يدركوا ويعتقدوا‬
‫بأنهم قادرون على االعتماد على غيرهم في القيام بواجباتهم بالشكل الصحيح‪ .‬فإذا ك ان فعال قد‬
‫أتي‬ ‫قام العاملون بتولي مهام عملهم وتحمل مسؤولياتهم بجدارة كأبطال؛ فال حاجة عندها لمن ي‬
‫ليتولى تلك المهام ويقول بأن العاملين لم يقوموا بها‪ .‬فالتركيز على نقاط ضعف العاملين يقوض‬
‫ثقتهم بأنفسهم‪ ،‬ويحطم معنوياتهم‪ ،‬ويؤدي إلى تالشي بريق الثقة في نفوسهم‪ .‬بالمقابل فإن اإليمان‬
‫بهم يؤدي إلى ازدهار الثقة وبنائها‪ ،‬والفوز عندها يصبح أقرب من أي وقت من األوقات‪.‬‬
‫فثقة القيادة بنفسها هي من ثقة القيادة بتابعيها‪ ،‬وتتمثل بكيفية بناء القائد للثقة في كل فرد من أفراد‬
‫المنظمة‪ .‬فالقادة يعززون الثقة في نفوس العاملين باعتناقهم لمعايير عالية تتبل ور في الرس ائل‬
‫والمعلومات التي يتبادلونها مع اآلخرين ويتمثلون تلك المعايير في تصرفاتهم وفي أفع الهم لكي‬
‫يكونوا قدوة لآلخرين ومثلًا يحتذى في المنظمة‪.‬‬
‫رى القائد‬ ‫إن بناء الثقة كما تقول كانتر يحتاج إلى معايير وقيم ورؤى يتمثلها وينشرها القادة وي‬
‫صداها في سلوك المرؤوس ين‪ .‬وهنا يحت اج القائد إلى ب ذل جهد خ اص في تعزيز تلك القيم‬
‫وترسيخها‪ ،‬من خالل االتصال واالحتكاك المستمر مع اآلخرين وتشجيع كل صاحب ق رار في‬
‫المنظمة أن يقوم بنفس ال دور في بن اء الثقة في مرؤوس يه؛ لكي تس اهم تلك الثقة في تعزيز‬
‫المسؤولية والمشاركة والوالء للعمل والشعور بملكية العمل والمهام التي يق وم بها كل واحد في‬
‫تي‬ ‫مكانه‪ .‬فالثقة بالنفس بناء هام في تكوين الفرد المتمكّن القادر على العمل بنفس المسؤولية ال‬
‫يحملها صاحب العمل وبروح المبادة الكاملة‪ .‬ومن هنا فإن الثقة ب النفس والتمكين ص نوان ال‬
‫يمكن تحقيق أحدهما دون اآلخر‪.‬‬
‫كما يحتاج بناء الثقة إلى نماذج قيادية تتمثل ما تقول وتضرب مثال يقت دي به اآلخ رون‪ ،‬فعلى‬
‫القيادة الناجحة أن تضع أسسًا وقواعد رسمية لبناء تلك الثقة‪ ،‬من خالل قوانين وإجراءات إدارية‬
‫النفس‪.‬‬ ‫تعزز الثقة بالنفس والثقة باآلخر والثقة بالنظام‪ .‬وهناك ممارسات تدمر وتقوض الثقة ب‬
‫والخوف يعتبر من أهم هذه الممارسات التي تدمر ثقة الفرد بنفسه كما تبين ذلك الفقرات القادمة‪.‬‬
‫اإلدارة بالخوف‪ ،‬وتدمير الثقة‬
‫يواجه مديرو اليوم إشكالية في التعامل مع م وظفيهم وقد نطلق على ه ذه اإلش كالية‬
‫صدمة الفجوة المعرفية ‪ Knowledge Gap Shock‬وهذه الفجوة ناتجة عن الفرق بين ما كان‬
‫‪- 76 -‬‬
‫يتمتع به الموظف من معرفة قبل الثورة المعرفية والثورة المعلوماتية وبعدها‪ .75‬والص راع هو‬
‫صراع إداري يكمن في االس تمرار على إدارة الم وظفين بأس اليب وأدوات ما قبل الث ورة‬
‫المعلوماتية وعلى أسس تقليدية تتجاهل الثورة المعلوماتية وتتجاهل التغير الحاصل في إمكانات‬
‫اح‬ ‫هؤالء الموظفين المعرفية والمعلوماتية‪ ،‬مع أن ما يتوافر لديهم أو على األقل ما يمكن أن يت‬
‫لديهم من معرفة ومواهب يستدعي نسف كل الممارسات واألساليب اإلدارية التقليدية في التعامل‬
‫مع هؤالء األفراد فتحدث أشكال متعددة من الصراع‪:‬‬

‫صراع بين الموظف واإلدارة‬


‫رة‬ ‫ما زال المدير يوجه المرؤوس على أساس تقليدي بيروقراطي وعلى أساس المراقبة المباش‬
‫والمستمرة‪ ،‬على الرغم من أن الموظف يعرف متطلبات عمله بش كل يف وق تلك المراقبة وال‬
‫يستدعي ذلك األشراف المباشر‪ ،‬فيحدث ن وع من الص راع بين الط رفين يفضي إلى قب ول‬
‫المرؤوس لسياسة األمر الواقع‪ ،‬وهذا ينعكس سلبا على أداءه وإنتاجيته ألنه يحاول أن يوائم بين‬
‫ير المالئمة‬ ‫قدراته ويقلل من مستوى تلك القدرات لتتناسب مع الممارسات اإلدارية التقليدية غ‬
‫أصال (‪.)Ryan and Oestreich, 1991‬‬

‫صراع في داخل اإلدارة‬


‫واإلدارة تعلم وتدرك في داخلها عدم قدرتها على مواكبة التطورات المعرفية المعاصرة فتحاول‬
‫مقاومة هذه التطورات وتكريس الواقع التقليدي في الممارسات والسياسات اإلدارية التي تستخدم‬
‫معها اإلدارة بالخوف واإلدارة بالترهيب‪.‬‬
‫ومنها صراع المشرف أو المدير أو الموظف القديم الذي يعلم في قرارة نفسه تفوق من يش رف‬
‫عليهم وتجاوزهم لقدراته وخبراته التي ال تتجاوز حدود التعليمات البيروقراطية الجامدة‪ .‬فيشعر‬
‫بصراع داخلي فيدافع عن مكتس باته ال تي منحها له المركز ال وظيفي الم دجج بالتعليم ات‬
‫واإلرشادات والقوانين والضوابط التي تخلو من الروح والمعنى في كثير من الحاالت‪.‬‬
‫‪Ryan‬‬ ‫فمدير اليوم يواجه تحديات تتجسد في تلك الفجوة‪ ،‬وهنا تأتي اإلدارة ب الخوف‪and( ،‬‬
‫‪ )Oestreich, 1991‬كونها من أخطر المشاكل التي تعمل على تعطيل بلوغ الطاقة القص وى‬
‫والطاقة الكامنة ‪ Potential Energy‬للعاملين في المؤسسة‪ ،‬وتهدد ما قد يتشكل لديهم من‬
‫مبادرات إبداعية و ابتكاريه‪ .‬الن اإلدارة بالترهيب تك ون في الع ادة على ط رفي نقيض مع‬
‫مقومات اإلبداع والتفكير المستقل‪ .‬ويعدّ الخوف نتيجة حتمية للممارسات اإلدارية السلبية ال تي‬
‫‪- 77 -‬‬
‫يفرضها المديرون ويأخذ الخوف أشكاال متعددة كحجب المعلومات وعدم الثقة في تداولها وعدم‬
‫المشاركة في اتخاذ القرارات ونقد المرؤوس أمام اآلخرين وزيادة مع دالت الت وتر والس لبية‬
‫والغضب والشعور الدائم بالنقمة من اإلدارة والمسؤولين‪ ،‬مما يؤدي إلى انخف اض مس تويات‬
‫اإلنتاجية وتدني مستويات األداء والنوعية و االبتكار واإلبداع‪.‬‬
‫ومن الصعب النهوض بالمؤسسة وتطويرها بشكل نوعي دون ط{{رفي المعادل{{ة الرئيس{{يين وهم{{ا‬
‫المدير والموظف وتع{ ّد العالق{{ة بينهم{{ا حج{{ر األس{{اس لنج{{اح عملي{{ات التط{{وير والتنمي{{ة في أي‬
‫منظمة‪ .‬وتتطلب هذه العالقة إطاراً من الثقة واالحترام والفهم المتبادل لخل{{ق بيئ{{ة مناس{{بة لتحقيق‬
‫األهداف العليا للمؤسسة‪ .‬كما تعدّ الهرمية ‪ Hierarchy‬والسلطوية والمركزية والبيروقراطية‬
‫الجامدة من أهم العوامل التي توفر البيئة المناسبة للخوف؛ والخوف قد يساهم في توفير س يطرة‬
‫وتحكم لإلدارة والمدير‪ ،‬ولكنه ال يوفر االنتماء المطلوب للمؤسسة وخاصة على المدى الطويل‪.‬‬
‫والخوف يؤدي إلى تجنب التجربة والمخاطرة والمحاولة طمعا باألمن والسالمة‪.‬‬
‫ومن أهم األمور التي تساهم في الخوف لدى المرؤوسين مسألة األمن الوظيفي ‪Job Security‬‬
‫حيث إن الموظف الذي يخاف على وظيفته تتدنى قدرته على التركيز وتتناقص إنتاجيته‪ ،‬وهذا ما‬
‫حدث مع شركة الخطوط البريطانية للطيران ‪ British Airways‬في الثمانينات من القرن‬
‫الماضي حيث عمدت الشركة إلى التسريح الجماعي للعديد من الم وظفين من خالل ما يس مى‬
‫ببرامج تخفيض العمالة ‪ ، Downsizing‬فواجهت نقصًا حادًا في إنتاجية المتبقي من العاملين ولم‬
‫تد ِر أن السبب هو في برامج التسريح التي قامت بها اإلدارة إال بعد أن أجرت اإلدارة استطالعًا‬
‫ركة‪،‬‬ ‫آلراء الموظفين‪ ،‬فقام المدير التنفيذي عندها بالدعوة إلى لقاء شامل مع جميع موظفي الش‬
‫وخاطبهم مؤكدا أنه لن يكون هنالك أي مزيد من التس ريحات‪ ،‬بع دها فقط ب دأت مس تويات‬
‫اإلنتاجية تتحسن عندما أمن الجميع على وظائفهم ومستقبلهم الوظيفي‪.‬‬
‫فتلويح المدير للموظفين بسالح األمن الوظيفي بأشكال مختلفة من األمور التي تبقي المرؤوسين‬
‫وانشغال بالخوف على وظائفهم‪ ،‬مما ينعدم معه التركيز على مصالح المؤسسة‬
‫ٍ‬ ‫في توتر وخوف‪،‬‬
‫العليا وأهدافها ورؤيتها‪ .‬قد يكون الخوف موجودًا في النفوس بشكل غير معلن وغ ير ملح وظ‬
‫بسبب الممارسات البيروقراطية للمؤسسة‪ ،‬فعلى اإلدارة أن تسعى للتعرف على ما يدور بأذهان‬
‫المرؤوسين ومشاعرهم‪.‬‬
‫وتوافر الصراحة والموضوعية للمرؤوسين أمر يص عب تحقيقه والتحقق منه‪ ،‬ولكن قد يك ون‬
‫هنالك ما يُستدل به من خالل تصرفاتهم وردود أفعالهم التي قد تتسم ب العنف أحيانا أو ال تردد‬
‫أحيانا أخرى‪ ،‬مما يؤدي إلى خفض إنتاجيتهم كمًّا ونوعا‪ .‬وقد تتمكن أي مؤسسة من تحقيق نتائج‬
‫‪- 78 -‬‬
‫مرضية من خالل اإلدارة بالخوف ولكنها لن تستطيع تحقيق الفاعلية الكاملة‪ ،‬األمر الذي ي ؤدي‬
‫إلى الحد من انعتاق أو انطالق الطاقات الكامنة والخالقة من عقالها فيبطئ حركة المؤسسة نحو‬
‫التجديد والتغيير والتطوير‪.‬‬

‫نتائج اإلدارة بالخوف‬


‫إذا تأصل الخوف في مجموعات العمل فتكون هنالك آثار س لبية ال تقتصر آثارها على نف وس‬
‫اتهم الخاصة والعامة‪ .‬ويمكن‬ ‫العاملين وطباعهم الشخصية فحسب‪ ،‬بل تؤثر على مجمل توجه‬
‫استعراض أبرز هذه اآلثار السلبية في ما يأتي‪:‬‬
‫الشعور السلبي تجاه المنظمة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وذلك بفقدان الثقة وعدم االفتخ ار بالمنظمة أو بالعمل بها واللج وء إلى التحايل وال ترقب ضد‬
‫مصالح المنظمة‪ ،‬فبدال من االنتماء فس يكون هنالك الحقد وحب االنتق ام والتفك ير في الكسب‬
‫بأشكال متعددة على حساب المنظمة باعتبارها عدوًا وليست بصديق‪ ،‬وعلى األقل يظل الموظف‬
‫يفكر باللحظة المناسبة لترك المنظمة وال يخشى تسريب معلومات سرية وغير سرية للمنافس ين‬
‫إن أُتيحت الفرصة لذلك‪.‬‬

‫التأثير السلبي على الجودة والنوعية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫ال يقتصر التأثير السلبي هنا من خالل تخفيض مستويات اإلنتاج بش كل كمي بل أيضا بش كل‬
‫نوعي‪ ،‬وخاصة في مجال الخدمات عندما يتمثل تخفيض الجودة والنوعية بالتعامل مع الزب ائن‪،‬‬
‫أو العمالء بطرق غير مالئمة؛ كعدم التع اون والبطء في تق ديم الخدمة والفضاضة في التعامل‬
‫وعدم احترام الزبائن وعدم حل مشاكلهم وعدم اللباقة وسوء التعامل وعدم االستجابة لشكاويهم‪.‬‬
‫وهذه األشكال من أشكال التعامل مع العمالء قد تؤدي إلى ت دهور المؤسس ات وخاصة في ظل‬
‫المنافسة نحو الجودة والنوعية‪ .‬وألن تعامل المرؤوسين مع العمالء أمر غير ملموس ‪Melh(76‬‬
‫‪ )Intangible Dimension( )em and Karasneh, 2005‬فقد يحدث ويؤدي إلى خروج‬
‫المنظمة من السوق دون أن تدري اإلدارة عن األسباب التي أدت إلى مثل هذه النتائج المدمرة‪.‬‬
‫‪-3‬التأثير سلبا على معنويات العاملين في المؤسسة‪:‬‬

‫‪- 79 -‬‬
‫وهنا يشعر الموظفون باإلهانة و الدونية وتثور بداخلهم مش اعر الغضب واالكتئ اب والت وتر‬
‫وخيبة األمل واإلجهاد‪ ،‬وهذه أعراض تؤدي إلى انعدام الثقة بالذات وضعف مس تويات التمكين‬
‫والقدرة على التفكير الخالق والمشاركة الفاعلة وحرية التفكير وعدم الجرأة على إب داء ال رأي‬
‫وانعدام الشجاعة على التصرف بحرية واستقاللية‪.‬‬

‫والحل يكمن في الثقة‬


‫تراتيجيات الهامة‬ ‫إن العالج الشافي يكمن في الثقة والتخلص من الخوف‪ ،‬وهناك عدد من االس‬
‫للتعامل مع ظاهرة الخوف‪:‬‬
‫بناء عالقات تقوم على التعاون والتفاهم المتبادل والثقة والمشاركة الحرة في‬ ‫‪‬‬
‫المعلومات بين مختلف مس تويات المؤسس ة‪ .‬إن ثقافة الم ودة والتف اهم والمحبة‬
‫تي يمكن‬ ‫والتواضع والمساواة االجتماعية وروح الفكاهة والمرح من أهم الوسائل ال‬
‫إتباعها للتخلص من الخوف والتوتر بين األطراف المختلفة داخل المؤسسة‪.‬‬
‫الكشف عن وجود مظاهر الخوف بين الموظفين‪ .‬وه ذا األمر يحت اج إلى‬ ‫‪‬‬
‫استطالع واستقصاء من نوع خاص للكشف عن مظاهر الخوف والشعور بع دم الثقة‬
‫من ممارسات اإلدارة واالطمئنان لممارساتها اتجاه الم وظفين‪ .‬وغي اب االتص ال‬
‫والتواصل قد يكون من األسباب التي قد ت ؤدي إلى الخ وف من اإلدارة‪ ،‬والتواصل‬
‫باب‬ ‫المستمر والشفافية الحقة قد تكون من األمور التي قد تؤدي إلى التخلص من أس‬
‫الخوف والشعور بعدم األمان‪ .‬إن الفجوة في االتصال بين البشر دوما تؤدي إلى حالة‬
‫من الشك والجفاء والشعور بعدم الثقة بين األطراف المختلفة‪ ،‬وه ذا ب دوره قد يقف‬
‫حجر عثرة أمام برامج التمكين التي تتطلب ثقة المرؤوسين بنوايا اإلدارة‪ ،‬فكث يرا ما‬
‫يشك الموظفون بنوايا اإلدارة في تمكينها للموظفين عند غي اب الثقة بين الط رفين‪.‬‬
‫وهناك دراس ات أكاديمية أك دت أهمية ثقة المرؤوس ين بنوايا اإلدارة عند إطالقها‬
‫رار‪ .‬ويجب‬ ‫الوعود بتمكين الموظفين ومنحهم نعمة الحرية والمشاركة في اتخاذ الق‬
‫على المدير أن يعترف بعد ذلك بوجود المشكلة (الخوف) ألن االعتراف بالمشكلة هو‬
‫البداية الصحيحة لحلها‪.‬‬
‫كل‬ ‫إعادة الهيكلة‪ :‬المنظمة ذات المستويات اإلدارية الهرمية المتعددة قد تش‬ ‫‪‬‬
‫المناخ المناسب لعالقات سلبية ولتوترات غير مرغوبة‪ ،‬وكما ذكرنا في فصول سابقة‬
‫فإن المؤسسة ذات المستويات اإلدارية القليلة تتمتع بنظام اتصال أكثر كفاءة ومشاركة‬
‫‪- 80 -‬‬
‫أكبر في المعلومات بين المستويات المختلفة أما الهيكل التنظيمي الهرمي الطويل فإنه‬
‫مح بخلق هالة‬ ‫يعمل على تكريس السلطوية ويعطي أهمية للمركز الوظيفي‪ ،‬مما يس‬
‫وهمية للمدير في مكتبه‪ .‬واألمور الشكلية في المكتب قد تبعث رس الة تنم عن الرهبة‬
‫والخوف‪ ،‬وتلك الرسائل قد تنشأ عن طريقة تصميم المكتب وموقعه في المبنى ( عادة‬
‫ما يقبع المديرون في أب راج عاجية رهيبة في أعلى ط ابق من طوابق المؤسس ة)‬
‫ووجود عدد من الحرس واألب واب المغلقة في وج وه الم وظفين‪ .‬فالم دير بحكم‬
‫اآلخرين؛ ألن وقته منصب‬ ‫البيروقراطية الكبيرة في المؤسسة ال وقت له لالتصال ب‬
‫ور البيروقراطية المتعلقة‬ ‫على التأكد من سير العمل بالشكل الصحيح من حيث األم‬
‫بالتعليمات والقوانين ونظام المؤسسة الرسمي‪ .‬وهذه األمور كلها تبعث على الخ وف‬
‫وخاصة نتيجة للفج وة ال تي تص نعها اإلدارات الوس طى ال تي تحجب الرؤية و‬
‫المعلومات بين اإلدارة الدنيا واإلدارة العليا‪.‬‬
‫البحث عن النقد وتشجيعه‪ :‬تعوّد القادة والمديرون على سماع األخبار الجيدة‬ ‫‪‬‬
‫عن سير العمل في الدوائر المختلفة التابعة لهم‪ .‬ويخشى المرؤوسون من نقل األخبار‬
‫السيئة‪ ،‬فال بد من تشجيعهم على قول الحقيقة والصدق في نقل المعلومة‪ .‬وينبغي عدم‬
‫التمسك الحرفي بمبدأ تجاوز المرجع والسماح للم رؤوس بمراجعة الم دير األعلى‬
‫بشفافية ودون خوف من المدير المباشر‪.‬‬
‫ممارسة الشفافية بأعلى صورها ومقاومة ما يسمى بس رية المعلومة والنهي‬ ‫‪‬‬
‫عن الغموض في عملية اتخاذ القرار‪.‬‬
‫الجُرأة في مناقشة كل الموضوعات‪ :‬هنالك بعض األمور التي يح رم أحيانا‬ ‫‪‬‬
‫على األفراد مناقشتها (مثل التعيينات التي تتم عن الم دير الع ام بن اء على عالقاته‬
‫الشخصية وال تخضع لنظام التعيين المتبع في المؤسسة)‪.‬‬
‫تشجيع المشاركة على اتخ اذ الق رار‪ :‬أخذ االس تراتيجيات الس ابقة بعين‬ ‫‪‬‬
‫االعتبار يمهد الطريق لموض وع تمكين الم وظفين‪ ،‬ومنحهم الحرية في التص رف‬
‫واتخاذ القرار الجماعي الذي يساهم بالنهاية في مساعدة المؤسسة في تحقيق أه دافها‬
‫وغاياتها‪ ،‬من خالل تدريب الموظفين وتعليمهم المستمر على تحمل المسؤولية‪ .‬وذلك‬
‫كله يساهم في خلق فرص اإلبداع واالبتكار والتميز‪.‬‬

‫‪- 81 -‬‬
‫فالثقة وتالشي الخ وف وإزالة الريبة بين األف راد داخل المؤسسة‪ ،‬كلها من المقوم ات الهامة‬
‫لتحرير الموظفين من القيود التقليدية أمال في تحويلهم من الداخل إلى شركاء في المؤسسة بالً من‬
‫أن يتحولوا خصومًا‪.‬‬
‫فالنظرة التقليدية التي ما زالت سائدة تكمن في النظر للمرؤوسين على أنهم خص وم وتكلفة ال بد‬
‫من محاولة العمل الدؤوب على تخفيضها كلما أمكن ذلك‪ .‬هذه النظرة تتحول وتتشكل في سلوك‬
‫اإلدارة والمرؤوسين‪ ،‬فتترجم في الواقع العملي على شكل ممارس ات لها انعكاس اتها الس لبية‬
‫بأشكال متعددة‪ ،‬نفسية ومعنوية ومادية‪ .‬تفضي هذه األشكال إلى عالقات عدائية بشكل أو ب آخر‬
‫ال تخدم مصالح المؤسسة وال الموظفين وال المستهلكين أو المراجعين‪ ،‬وتصبح سياسة الخ وف‬
‫والترصد وسياسة الربح والخسارة ‪ Win-loss Relationship‬سيدة الموقف‪.‬‬
‫بعد هذا كله فإن من المؤسف عدم وعي المديرين بوجود مثل هذه المشاكل‪ ،‬ومنهم من يعتقد بأن‬
‫سياسة الخوف و "العصا والجزرة" هي السياسة التي تنفع مع هؤالء‪ ،‬متهما الموظفين بالتق اعس‬
‫واألنانية والطمع واالستغالل‪ ،‬مما يؤدي إلى مراقبتهم والترصد لهم للتأكد من أنهم يقومون بتأدية‬
‫أعمالهم بالشكل المطلوب وحسب األصول‪.‬‬

‫الثقة والروح المعنوية‬


‫‪77‬‬
‫أن‬ ‫يبين ديفيد سيروتا ( ‪ ،.(2005David Sirota et al‬مؤلف كتاب "الموظف المتحمس"‬
‫بمقدور الشركات تحقيق أرباح من وراء الموظفين بواسطة منحهم كل ما يريدونه ويرى البعض‬
‫بأن هذه أفكار غير واقعية وحتى أنها غير معقولة؛ ألن منح الع املين كل ما يريدونه قد يع ني‬
‫اإلفالس للمنظمة وخروجها من السوق وأن إرضاء العاملين غاية ال تدرك‪.‬‬
‫ولكن ‪David Sirota and Louis A. Mischkind and Michael Irwin Meltzer‬‬
‫يعتقدون أن الكثير من المديرين يدمرون ثقة مرؤوسيهم باستخدام أس اليب إدارية اس تبدادية ال‬
‫تصلح إال للقلة القليلة التي قد تستحق مثل هذه الممارسات‪ .‬هذه النتيجة ليست مجرد افتراض ات‬
‫خيالية وإنما نتيجة دراسات قام بها سيروتا وزمالؤه منذ عام ‪ 1994‬على أكثر من ‪ 2،5‬ملي ون‬
‫‪Intuit‬‬ ‫موظف‪ .‬فتبين أن المنشآت التي تحظى بموظفين يتمتعون بمعنوي ات عالية مثل ‪and‬‬
‫‪ Barron’s‬تتفوق بمرات على منافسيها‪ .‬وهنالك نتائج توصلت إليها ه ذه الدراسة ت دل على‬
‫دى عامليها‪ ،‬وقد زاد‬ ‫زيادة واضحة في أسعار أسهم الشركات التي تتألف من معنويات عالية ل‬
‫معدل أسهم الشركات التي خضعت لهذه الدراسة إلى معدل ‪ %14‬خالل عام ‪.2004‬بينما ك ان‬

‫‪- 82 -‬‬
‫عت‬ ‫معدل الزيادة في الصناعة تصل إلى ‪ .%6‬وقد سحبت المقارنات على ‪ 9240‬شركة خض‬
‫للدراسة‪.‬‬
‫هذه الشركات الناجحة تعمل على أساس من المنطق دون تعقيد لألمور‪ ،‬فهي تشجع مرءوس يها‬
‫على االعتزاز بعملهم والفخر بما يقومون به من أداء‪.‬‬
‫يأمل العاملون بتحقيق ثالثة أهداف في العمل‪:‬‬
‫أن تتم معاملتهم بشكل عادل وبالتساوي‪ .‬ويهمهم أنهم يحصلون على أج ور عادلة‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫فهم دائما يطمحون أن يحصلوا على المنافع األساسية‪ ،‬ويهتم ون ب األمن ال وظيفي‪،‬‬
‫والمزايا الصحية مثل التأمين الص حي‪ .‬ومن ناحية أخ رى يهتم الموظف ب أن يُعامل‬
‫ية‬ ‫باحترام وتقدير لعقله وقدراته وأن ال يعامل كطفل أو متهم‪ .‬هذه الحاجات هي أساس‬
‫بالنسبة للعامل لتعزيز معنويات العاملين؛ فإذا حدث أي نقص في ه ذه العناصر تت أثر‬
‫المعنويات بشكل كبير وخطير‪.‬‬
‫يرغب العاملون بتحقيق شعور باإلنجاز من العمل ال ذي يقوم ون ب ه‪ .‬والعنصر‬ ‫‪.2‬‬
‫األساسي هنا أن يشعر العامل بالفخر بالعمل الذي يقوم به وبالمنظمة التي ينتمي إليها‪.‬‬
‫العمل مع اآلخرين والشعور بوجود أصدقاء يعملون معا بروح الفريق وه ذا يجلب‬ ‫‪.3‬‬
‫شعورا بالسعادة لدى العامل‪.‬‬
‫وقد رد ديفيد سيروتا وزمالؤه على المقولة التي تزعم بأن الموظف في ال وقت الحاضر ال يهتم‬
‫اتهم‬ ‫كثيرا في االستقرار واألمان الوظيفي؛ بأن هذه المقولة غير دقيقة ووجدوا من خالل دراس‬
‫الشاملة أن الموظف لم يتغير من حيث سعيه نحو األمان واالس تقرار في العمل‪ ،‬وأن عملي ات‬
‫التسريح الجماعي التي تتم بناء على ذلك في كثير من المنظم ات أمر غ ير مفيد على الم دى‬
‫الطويل‪.‬‬

‫مؤقت‬
‫الشعور بالسعادة في العمل شعور ّ‬
‫من هو الذي يقوض دافعية الموظف هل هو الموظف نفسه أم اإلدارة؟ يتردد مثل ه ذا الس ؤال‬
‫كثيرا وبشكل استنكاري أحيانا‪ ،‬أي أن اإلدارة ليست هي التي تقوض دافعية وحماس الم وظفين‬
‫وإنما هم الذين تتناقص الدافعية لديهم بعد ستة أشهر من بداية العمل‪ .‬وسيروتا ‪ ))Sirota‬يق ول‬
‫راد وليس‬ ‫عكس ذلك‪ .‬أي أن اإلدارة هي التي تدمر الدافعية والحماس في حقيقة األمر عند األف‬

‫‪- 83 -‬‬
‫العكس‪ .‬فالدراسات التي قام بها تُِّبين أن الناس عن دما ي أتون للعمل ف إنهم يكون ون س عداء‬
‫ومتحمسين ومعظمهم سعداء للغاية ويتشوقون لرؤية زمالئهم في العمل‪ .‬ولكن عند اس تعراض‬
‫البيانات التي حصل عليها سيروتا من خالل دراساته وجد أن المعنويات والحم اس يتناقص ان‬
‫بشكل سريع عادة بعد خمسة إلى ستة أشهر‪ .‬هنالك نظرية تصف هذه الفترة الذهبية‪ ،‬أي الس تة‬
‫تمر في‬ ‫أشهر على أنها كشهر العسل الذي حتما له نهاية‪ .‬ولكن هذا الشهر‪ ،‬أي شهر العسل يس‬
‫‪ %10‬من الشركات التي خضعت للدراسة لبقية حياة الموظف المهنية في المنظمة‪ .‬أي أن هنالك‬
‫منظمات تحافظ على استمرارية حماس موظفيها وروحهم المعنوية العالية‪ .‬والفرضية التي يمكن‬
‫عب أن تحافظ على حماسك لمؤسسة أو منظمة ال تبادلك نفس‬ ‫طرحها هنا هي أنه من الص‬
‫الحماس والدافعية‪ .‬ما يحدث على أرض الواقع أن الكثير من المديرين يتوقعون من المرؤوسين‬
‫أن يكونوا متحمسين ومندفعين للعمل بكل نشاط ولكن في أول مناس بة يح دث فيها تراجع في‬
‫المنظمة يعمد الم ديرون إلى التخلص من الم وظفين من خالل ب رامج التس ريح المختلفة‬
‫‪ . Downsizing‬فتتغير طريقة التعامل معهم بش كل ج ذري ويص بحون تكلفة زائ دة ينبغي‬
‫ددون‬ ‫التخلص منها‪ .‬فكيف تتوقع اإلدارة أن تستمر دافعيتهم وحماسهم بنفس المستوى وهم مه‬
‫بسيف التسريح أو الطرد؟ وكيف سيهتمون بمن ال يهتم بهم؟‪.‬‬
‫لقد ظهرت بعض االتجاهات في التسعينات من القرن الماضي وخاصة في ال دول الغربية حيث‬
‫الطفرة االقتصادية واالزدهار الذي حققته الواليات المتحدة األمريكية بشكل خ اص‪ ،‬فظه رت‬
‫اتجاهات تدّعي أن األمان الوظيفي ليس مهما وخاصة في الشركات العالية التقنية ‪High Tech‬‬
‫على أساس أنه فقدان الموظف لوظيفة في شركة ما يتمكن أن يجد وظيفة بكل سهولة في ش ركة‬
‫أخرى‪ .‬ولكن بتراجع الشركات العالية التقنية عادت أهمية األمان الوظيفي إلى القمة‪ .‬فمثال تصر‬
‫شركة ساوث ويست للطيران بعد حدث كارثة ‪ 11/9‬أن الشركة على استعداد لخسارة في أسعار‬
‫أسهمها ولكنها على استعداد للتضحية في أي موظف من موظفيها؛ ألنها تعتقد بأنها إذا فعلت ذلك‬
‫فسيبدأ حماس الموظفين يتدهور وتتحطم روحهم المعنوية بعد أك ثر من ثالثين عاما من البن اء‬
‫المتواصل لتلك الروح التي هي من أهم أسباب نجاح الشركة وتفوقها في سوق الطيران‪.‬‬
‫العقبات والصعوبات التي تعيق األداء تعدّ أيضا من األمور األخرى التي ت دمر الحم اس مثل‬
‫نقص التدريب أو عدم توافر الوسائل واألجهزة واإلمكانيات المناسبة أو ظ روف العمل غ ير‬
‫المناسبة أو بسبب الظروف البيروقراطية الجامدة التي تبطئ اإلجراءات وت ؤخر عملية اتخ اذ‬
‫القرار‪.‬‬

‫‪- 84 -‬‬
‫دال من‬ ‫الصراع هو أيضا من المشاكل التي تقوض الدافعية والفخر والحماس وتلهي العاملين ب‬
‫تحسين أدائهم‪ .،‬أي تلهيهم ببعضهم بعضا‪ ،‬وبمحاولة ال ربح على حس اب خس ارة اآلخ ر‪.‬‬
‫فالصراعات والتوترات بين األفراد تعدّ من أخطر العوامل التي قد تفت في عضد المنظمة‪.‬‬
‫ويقدم )‪ Pfeffer (1994‬آراء جدلية في موضوع المساواة في العمل‪ ،‬فيؤكد على أن الف وارق‬
‫الطبقية والفوارق السلطوية تساهم في إعاقة األداء‪ ،‬تلك الف وارق ال تي ينجم عنها التعامل مع‬
‫الموظفين كمواطنين من الدرجة الثانية‪ ،‬ويظهر هذا واضحا في الف رق بين الم وظفين حسب‪:‬‬
‫األجر الشهري من ناحية والموظف براتب مقطوع من ناحية أخرى أو الموظف الدائم والموظف‬
‫المؤقت‪ .‬فهذه التصنيفات بحسب )‪ Pfeffer (1994‬تعطي انطباعا بأن الموظفين براتب شهري‬
‫هم األقدر واآلخرين يجب مراقبتهم والحذر منهم‪ .‬وهن اك أيضا رم وز ت دل على الف وارق‬
‫اتهم الخاصة في‬ ‫السلطوية؛ ففي بعض الشركات يحق للموظفين براتب شهري اصطفاف مركب‬
‫مواقف قريبة بينما توجد مواقف الموظفين األقل حظًا في مواقع بعيدة‪ .‬فالش ركات ال تي تهتم‬
‫بالمحافظة على معنويات موظفيها تتجنب مثل هذه األمور‪ .‬وهذه األم ور بس يطة وليست لها‬
‫عالقة بالعمل ولكنها تغذي األنا واإلحساس ب التفوق للبعض على حس اب الغالبية العظمى من‬
‫العاملين‪.‬‬
‫هنالك نسبة من العاملين قد تصل إلى ‪ %5‬ال يحبون العمل قد تزيد ه ذه النس بة وقد تتن اقص‬
‫ولكنها تبقى نسبة قليلة إلى الغالبية من العاملين في المنظمة‪ .‬ه ؤالء القلة هم المزعج ون حقا‪،‬‬
‫ولكنَّ رد فعل المديرين أكثر إزعاجا عندما يعاملون عشرات أو مئات الع املين اآلخ رين على‬
‫أنهم ال‪ .%5‬فتوضع القوانين واإلجراءات التعسفية واإلشراف الشديد‪ ،‬فعن دها نجد أن الن اس‬
‫الذين قد قدموا للعمل بدافعية وحماس وفخر يواجهون ما لم يكن في حس بانهم ويكتش فون أنهم‬
‫يعاملون على أنهم مجرمون أو أنهم دائما متهمون‪.‬‬
‫وع ادة ما يك ون رد اإلدارة على النحو ااآلتي‪ " :‬ال نريد أن نتعامل بازدواجية ونريد أن نضع‬
‫قوانين تطبق على الجميع وليس على فئة دون أخرى" ‪ .‬وهذه هي المشكلة بحد ذاتها‪ ،‬وذلك بأن‬
‫نضع قوانين في تعاملنا مع الجميع وأن نس اوي بين الجمي ع‪ ،‬المتق اعس والمتحمس‪ .‬ونعامل‬
‫الجميع على أنهم أطفال أو مجرمون‪ .‬هذا هو األمر الذي يراه سيروتا م دمرا لل روح المعنوية‬
‫لغالبية العاملين أو نسبة كبيرة منهم بسبب نسبة أخرى وغالبا ما تكون نسبة قليلة‪.‬‬

‫‪- 85 -‬‬
‫رفع مستوى حماس العاملين‬
‫يمكن رفع مستوى الحماس عن طريق األمان الوظيفي‪ ،‬ويجب اللجوء لتس ريح‬ ‫‪.1‬‬
‫العاملين كآخر حل بيد اإلدارة وليس أول ما تق وم به اإلدارة‪ .‬فيجب محاولة أم ور‬
‫أخرى مثل تدريب العاملين أو أستيعاب أعمال أخرى لكي نصنع لهم عمال يقوم ون‬
‫به من عقود أو ما شابه ذلك‪ .‬أو صنع منافذ إنتاجية جديدة‪.78‬‬
‫‪ .2‬وجود فرق عمل تعمل بشكل مستقل أو شبه مستقل‪ .‬وفي الس بعينات مثال ق امت‬
‫شركة تويوتا بإثراء العمل لدى العاملين على خط إنتاج الس يارات‪ ،‬ففك رت بمنح‬
‫مجموعات من العاملين مهمة إنتاج السيارة بكامل مراحلها ثم فكرت بطريقة أفضل‬
‫من ذلك وذلك بجعل فريق من العاملين يقوم بجزء من عملية التجميع‪ ،‬ويمكن له ذا‬
‫الفريق أن يهتم أيضا بالجودة والصيانة المطلوبة في عملية اإلنتاج وك ذلك ت دوير‬
‫العاملين (‪ )Rotating workers‬وقد كانت هذه المحاولة رائعة ومرضية بالنسبة‬
‫للعاملين‪ .‬وهذا يقلل من الحاجة إلى البيروقراطية ويقلل من األسلوب "من أعلى إلى‬
‫أسفل" في اإلدارة ألن الناس هنا يديرون أنفسهم بأنفسهم‪.‬‬
‫‪ .3‬التقدير أيضا مهم‪ .‬فالعامل ال ينتظر من المدير أن يقول له بأنه يحبه‪ ،‬ولكنّه ي رغب‬
‫أن يقدر عمله وينظر إلنجازاته بالتقدير واالحترام‪ .‬المكافآت ينبغي أن تشبه ج ائزة‬
‫نوبل بحيث يساهم الزمالء في انتخاب من يستحق الحص ول على الج ائزة وعلى‬
‫اإلنجاز المتميز‪.‬‬
‫‪ .4‬أفضل أسلوب للتعامل مع الع املين هو أن تتعامل معهم اإلدارة على أنهم ش ركاء‬
‫وليسوا بأبناء أو أعداء أو مس تخدمين‪ .‬التعامل معهم على األقل على أس اس أنك‬
‫بحاجة إليهم وهم بحاجة لك وال يمكن القيام بمهام العمل دون هذه الشراكة المتعادلة‪.‬‬
‫كل‬ ‫وقد ُيَّقوض الحماس لدى العاملين عندما يتخذ المدير قرارات وأفعالًا تؤثر على العاملين بش‬
‫سلبي‪ ،‬وتؤثر على عملهم وحياتهم دون حتى علمهم بقراراته وأفعاله؛ عن دها ال يمكن أن نتجنب‬
‫هبوطا واضحا في الروح المعنوية للعاملين في المنظمة بالمقابل‪ ،‬خاصة عن دما تق وم بعمل ما‬
‫وتعتقد بأن هذا العمل يس تحق نوعا من ال دعم أو التق دير الشخصي وكل ما تحصل عليه هو‬
‫تجاهل أو قمع لهذا األداء؛ عندها سنشهد أيضا نقصا واضحا في الروح المعنوية للع املين‪ .‬وقد‬
‫يصل األمر ببعض المديرين وخاصة في اإلدارة الوسطى إلى االعتقاد بأن على المرؤوس أن ال‬
‫ا‪.‬‬ ‫يشعر بروح معنوية عالية‪ ،‬ويجب أن تبقى معنوياته متدنية‪ ،‬لكي ال يتمرد وتتضخم لديه األن‬
‫ألنه قد يتجاوز حدوده وعندها ربما يتمرد وتصعب بعدها السيطرة عليه‪ .‬ل ذلك ال بد أن يل زم‬
‫‪- 86 -‬‬
‫حدوده‪ ،‬فهو في النهاية مستخدم وليس مديرًا وليس مسئولًا‪ .‬هذه الذهنية الموجودة لدى المديرين‬
‫تعمل بشكل واضح وصريح ضد مبدأ حماس المرؤوسين ورفع الروح المعنوية لديهم‪ ،‬بل تعمل‬
‫على هزيمة تلك الروح المعنوية من الداخل‪.‬‬
‫وهذا يتناقض مع أي إمكانية لتطبيق منهج التمكين الذي من مقوماته األساسية وج ود حم اس‬
‫رف بحرية وتمكين وثقة‬ ‫ودافعية وروح معنوية عالية لدى العاملين‪ ،‬فال يمكن إلنسان أن يتص‬
‫بالنفس دون حماس ومعنوية ودافعية قوية نحو العمل واألداء‪ .‬لذلك من الم ديرين من يطلب من‬
‫العاملين حرية التصرف واالستقاللية بالعمل والتمكين والمشاركة‪ ،‬وهم في نفس الوقت يقوضون‬
‫اس والطاقة‬ ‫األسس الهامة التي قد تقوم عليها حرية التصرف واالستقاللية في العمل مثل الحم‬
‫الكامنة لدى المرؤوسين نحو العمل‪.‬‬

‫فما هو الحل يا ترى؟‬


‫تؤكد كانتر أن الحل من أجل الخروج من الحلقة المفرغة للفشل يكمن في القيادة‪ ،‬فهنا دور القيادة‬
‫دور مفصلي في عملية التحول من الفشل إلى النجاح‪ .‬ألن الثقة أصبحت في الحضيض ووصل‬
‫الناس إلى حالة من اليأس وفقدان األمل بالخروج من بوتقة الفشل‪ .‬فقد فقدوا األيمان أن بمق دور‬
‫الأفراد فعل أي شيء للخروج من مأزق الفشل وال تراجع‪ .‬وقد يكون ون قد فق دوا األمل أيضا‬
‫بالمدير ألنه في نهاية المطاف هو الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه منذ البداية‪ .‬فهنا ال مخ رج من‬
‫هذه الحالة إال بقيادة من نوع مختلف تعمل على إعادة صناعة الثقة ب النفوس من خالل أرك ان‬
‫الثقة التي ذكرت آنفا وهي المبادرة وتعزيزها والتعاون وتأصيله والمساءلة وتمكينها‪.‬‬

‫المكاشفة وبناء الثقة بالنفس‬


‫تساهم المكاشفة في بناء الثقة بين العاملين وهذا بدوره يؤدي إلى بناء التمكين وتحمل المسؤولية‬
‫بشكل مناسب كما توضح النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أوال – ففي ظل حالة التراجع التي قد تواجهها المنظمات أحيانًا‪ ،‬تطمس الحقائق وتتناقص القدرة‬
‫على مواجهتها‪ .‬فبعض القادة أو المديرين بحاجة هنا إلى إبقاء الحقائق مغطاة تحت السطح وليس‬
‫من مصلحتهم التحدث كثيرا عنها‪ .‬ألن الكشف عن الحقائق معن اه الكشف عن أخط اء الق ادة‬
‫ومشاكلهم التي أدت إلى هذه الحالة‪ .‬وترى حتى الحوار يقل والحديث يتناقص‪ .‬فللخروج من هذه‬
‫الحالة البد من جرأة القائد الذي يضع جميع الحقائق على الطاولة ويساعد اآلخ رين في التعامل‬
‫‪- 87 -‬‬
‫مع هذه الحقائق‪ .‬هذا الكشف عن الحق ائق ال ينبغي أن يتم بطريقة عقابية أو بطريقة انتقامية أو‬
‫بطريقة اللوم؛ ألن هذا سيديم الحالة السائدة ويبقيها‪.‬‬
‫ثانيا – بحاجة لبذل جهد في زرع روح التعاون وروح الفريق‪ .‬ووضع الناس بعضهم مع بعض‬
‫في غرفة أو في مكان واحد يحتك فيه الجميع أمرا ال يكفي ألنهم قد يكونون في مكان كه ذا دون‬
‫أن يتحدث بعضهم إلى بعض‪ ،‬وقد تتشكل عالقات عدوانية‪ ،‬وصراع في هذا المكان‪ ،‬وقد تك ون‬
‫هنالك عالقات سلبية فيما بينهم‪ .‬ولكن يجب وضع العاملين في مكان معا‪ ،‬ووضع ه دف كب ير‬
‫يعملون معا من أجل تحقيقه‪ .‬القائد صاحب الرؤية الكبيرة هو الذي يضع للعاملين غاية يجتمعون‬
‫معا‪ ،‬ويبذلون الجهد والوقت والتفكير من أجل تلك الغاية العظيمة‪ .‬ومن ثم منح الع املين فرصة‬
‫لتحقيق خطوات ولو صغيرة في تحقيق نجاحات وفوز وتقدم خطوة خطوة نحو األم ام باتج اه‬
‫روح المبادرة والتمكين‪ .‬فالناس تغلق األبواب أمامهم في حالة الفشل والخسارة وتكبت أنفاس هم‬
‫ويحسون باليأس والسلبية المدمرة‪ .‬والقادة الناجحون يخرجون من المأزق باالستثمار‪.‬‬
‫وتبين الدراسات (كانتر ‪ )2004‬أن القادة الج دد غالبا يحقق ون منج زات كب يرة في تحويل‬
‫منظماتهم من الفشل إلى النجاح‪ ،‬وبكل بساطة من خالل تحول الم وارد المتاحة لخلق بيئة عمل‬
‫مناسبة للعاملين الذين تقع على عاتقهم عملية التغيير وإنقاذ المنظمة‪ .‬وهنالك مثال تأتي به كانتر‬
‫يوضح ما نرمي له في هذا السياق في الحالة اآلتية‪:‬‬

‫‪- 88 -‬‬
‫حالة ‪ 3‬المركز الصحي‬

‫"مرك‪$‬ز ص‪$‬حي خاص كان يواج‪$‬ه اإلفالس عندم‪$‬ا ت‪$‬م تعيي‪$‬ن مدي‪$‬ر جدي‪$‬د وكان الجمي‪$‬ع‬

‫يعتقدون أ‪$‬ن أول قرار س‪$‬يتخذه هذا المدي‪$‬ر ه‪$‬و إغالق المرك‪$‬ز وبدال م‪$‬ن أ‪$‬ن يفع‪$‬ل ذل‪$‬ك‬

‫وج‪$‬د موجودات عظيم‪$‬ة‪ :‬اإلنس‪$‬ان الفعال‪ ،‬والمبان‪$‬ي الجميل‪$‬ة‪ ،‬ومجتمعا ً حول ذل‪$‬ك المرك‪$‬ز‬

‫متعطشا ً لخدماته‪ .‬فق‪$$‬د وج‪$$‬د ذل‪$$‬ك المدي‪$$‬ر طرقا ً لي‪$$‬بين للناس ك‪$$‬م ه‪$$‬ي قيمته‪$$‬م هام‪$$‬ة‬

‫وأس‪$‬اسية؛ فبدأ بإص‪$‬الح المشاك‪$‬ل الملموس‪$‬ة الت‪$‬ي لطالم‪$‬ا أثرت عل‪$‬ى حياته‪$‬م اليومي‪$‬ة ف‪$‬ي‬

‫العم‪$$‬ل‪ ،‬مدعم‪$$‬ا هذا بحوار مفتوح وكش‪$$‬ف للحقائ‪$$‬ق‪ ،‬وتشجي‪$$‬ع العاملي‪$$‬ن عل‪$$‬ى تقدي‪$$‬م‬

‫أفكاره‪$$‬م بشك‪$$‬ل مفتوح ودع‪$$‬م أ‪$$‬ي مبادرة حيوي‪$$‬ة لح‪$$‬ل المشاك‪$$‬ل؛ مم‪$$‬ا أدى إل‪$$‬ى تحول‬

‫ثوري ف‪$‬ي مس‪$‬توى الثق‪$‬ة بالنفس‪ .$‬بدأت ثق‪$‬ة الناس تزداد وتتشك‪$‬ل وبدأ الجمي‪$‬ع يرون أ‪$‬ن‬

‫بمقدوره‪$$‬م تقدي‪$$‬م مس‪$$‬اهمة م‪$$‬ا‪ ،‬وبدأ األداء يتحس‪$$‬ن وبدأ التشجي‪$$‬ع يتس‪$$‬ع عل‪$$‬ى نطاق‬

‫المجتمع الذي يستقبل خدماته الصحية من ذلك المركز"‪.‬‬

‫‪- 89 -‬‬
‫هذا ما صنعه في الوقت الحاضر نيلسون مانديال في تحويل الظروف واألحوال من أسوأ الس يئ‬
‫إلى أفضل ما يمكن‪ ،‬من خالل طرح الحقائق‪ .‬ولكن دون خوف أو وجل من عقوبة أو ما ش ابه‬
‫دق ألننا‬ ‫ذلك‪ .‬فطلب من الجميع أن يتقدم ويقول الحقيقة فقال لهم‪ " :‬تقدموا وقولوا الحقائق بص‬
‫يجب علينا التعامل مع الحقائق القائمة قبل أن نتقدم أي خطوة لألمام"‪ .‬من أهم مشاريع نيلس ون‬
‫مانديال تكوين لجنة التسوية والحقائق وهي من أهم المؤسسات التي بناها نيلس ون مان ديال في‬
‫جنوب أفريقيا وبنى أيضا جسرا بين األجناس المختلفة لبناء تك اتف وتعددية ثقافية و نش اطات‬
‫تثمارها في‬ ‫مشتركة بين مختلف الطوائف‪ .‬وبعدها عمل على تمكين الناس بإيجاد الموارد الس‬
‫ادت بها‬ ‫مشاريع جديدة لمجتمعات السود في تلك القارة‪ .‬فكان قد استثمر األركان الثالثة التي ن‬
‫كانتر وهي التي صلحت في الش ركات وفي المؤسس ات الخاصة والعامة وح تى في الف رق‬
‫الرياضية وهي التي نراها هنا تصلح على مستوى الدول‪.‬‬
‫هؤالء القادة يتميزون بأمر آخر له أهمية مكملة لما سبق‪ ،‬وهو ما تسميه كانتر بالبعد اإلنساني (‬
‫‪ )THE HUMAN TOUCH‬أو اللمسة اإلنسانية‪ .‬وهذه اللمسة قد تتحقق عن دما تن ادي‬
‫المرؤوسين بأسمائهم‪ ،‬وعندما يشعرون بالمتعة مع قيادتهم‪ ،‬وعندما ترسل مالحظة ألحدهم تقدر‬
‫رف‬ ‫من خاللها جهده المتميز وتثني عليه بما قام به من عمل‪ ،‬وأن تكلف نفسك كقائد عناء التع‬
‫على اهتمامات اآلخرين وتحاورهم حول تلك االهتمامات‪ .‬هذه محتويات اللمس ات اإلنس انية‬
‫مجتمعة مع النظم الرسمية التي تبني الثقة بالنفس؛ ألن الثقة في نهاية األمر تنبثق من قناعة الفرد‬
‫بأن هنالك من هو مهتم به‪ ،‬ويسأل عنه ويدعمه‪.‬‬

‫رابعا‪:‬الحوافز المادية والمعنوية‬


‫العوامل األساسية التي تم شرحها من معرفة وثقة وتدفق حر للمعلومات من العوامل األساسية في‬
‫تحسين مناخ التمكين في المؤسسات‪ ،‬والعامل الرابع ربما يكون مكملًا للعوامل السابقة‪ .‬فالتمكين‬
‫يحتاج إلى من يساعد ويتحمل مزيدا من األعباء وخاصة تحمل المسؤولية والمشاركة والتفك ير‬
‫الخالق والعصف الذهني‪ .‬وعلى الرغم من أن هذه األمور قد تكون بحد ذاتها حوافز تس اهم في‬
‫رفع معنويات العاملين وشعورهم بمع نى أرقى وأرفع لحي اتهم المهنية إال أن التمكين كما يؤكد‬
‫الكثير من العلماء (‪ 79)Randolph,2000‬ليس بمنحة مجانية فكما أن فيه مشاركة‪ ،‬ف المن افع‬
‫ففيه أيضا مشاركة في المخاطر ومحاسبة على النتائج وتحمل للمسؤولية بشكل يساوي التفويض‬
‫المعطى للموظف‪ .‬وبما أن األمر كذلك فال بد من نظام للح وافز يش جع الع املين على تحمل‬
‫المسؤولية بشكل صحيح‪ ،‬وهذه الحوافز مرتبطة بشكل مباشر بأداء الممكّن من العاملين‪ .‬وبمعنى‬

‫‪- 90 -‬‬
‫آخر فإنّ من يستثمر التمكين في تحقيق نتائج أداء متفوقة يحصل على حوافز أكبر‪ ،‬وهذا ي ؤدي‬
‫إلى المنافسة بين الممكنين نحو تحمل أفضل للمسؤولية والكفاءة واإلبداع والتفكير الخالق‪.‬‬

‫ومن القصص والنماذج التي تدلل على ذلك‪:‬‬


‫حالة ‪4‬التمكين‬

‫أ ن أح د العاملي ن ف ي أح د فروع فنادق ماريوت‬


‫(‪ )Marriot‬قام بحجز تذكرة طيران للحاق بأحد‬
‫رجال األعمال الذي نس ي حقيبت ه ف ي الفندق‪،‬‬
‫وقد استطاع تحري مكان إقامته الدائم من خالل‬
‫قاعدة ال بيانات المخزن ة ف ي نظام الحاس وب‬
‫التاب ع للفندق‪ .‬وس افر إل ى مكان إقام ة رج ل‬
‫األعمال حتى تمكن من تسليمه الحقيبة‪ .‬وكانت‬
‫تل ك مبادرة خاصة من ذلك الموظف كشكل من‬
‫أشكال التمكي ن‪ ،‬مم ا أدى إل ى أ ن تحول ت هذه‬
‫القص ة الحقيقي ة إل ى مث ل يقال ف ي ك ل مناس بة‬
‫وتحول صاحب هذه القصة إلى بطل‪ .‬ولو حدثت‬
‫هذه القص ة ربم ا ف ي مؤس سات بيروقراطي ة‬
‫أخرى؛ لحص ل ص احبها عل ى أش د العقوبات بدال‬
‫من الحصول على تميز وتقدير رفيع المستوى‪.‬‬

‫‪- 91 -‬‬
‫حالة ‪ :5‬النزالء االستراليين‬

‫"أقام عدد من االستراليين في أحد الفنادق عدّة أيام وقد الحظت‬


‫إحدى المضيفات ف ي مطع م الفندق عدم تردد هؤالء النزالء‬
‫وجب ة اإلفطار ف ي ك ل ص باح فأثار ذل ك اس تغرابها مم ا دفعه ا‬
‫لسؤالهم عن السبب‪ ،‬فتبين أن نوعية الوجبات المقدمة في ذلك‬
‫الفندق وبشك ل خاص وجبات اإلفطار ال تتناسب م ع ما تعودوا‬
‫علي ة م ن طعام ف ي بالدهم‪ .‬فتحرت هذه الموظف ة حول نوعي ة‬
‫وطبيع ة الوجبات المناس بة لدى االس تراليين وتمكن ت ف ي اليوم‬
‫التال ي م ن إعداد وجب ة شهي ة له م ودعته م إليه ا ف ي الص باح‪،‬‬
‫األم ر الذي أثار إعجابه م واندهاشه م وكذل ك أثار ذل ك إعجاب‬
‫اإلدارة الت ي قدم ت لهذه السيدة تشجيع ا وحوافز معنوية ومالية‬
‫وتقديرًا شخص يًا م ن خالل تردي د هذه القص ة ف ي ك ل مناس بة‬
‫مالئمة"‬

‫من الجدير ذكره هنا حول هذه القصص الحقيقية أنه لوال المن اخ التنظيمي المالئم ول وال‬
‫الحوافز والدوافع المستمرة لسلوكيات التمكين لما قام هؤالء الموظفون بهذه األدوار‪ .‬أما في‬
‫تراليين‬ ‫قصة الفندق فنتائجها كانت مبهرة فلم يمر وقت طويل حتى أصبح الكثير من االس‬
‫يرتادون هذا الفندق‪ ،‬وهذا أمر غير مستغرب بفعل السمعة ونقل المعلومة من شخص آلخر(‬
‫‪80‬‬
‫‪.)Word of Mouth‬‬
‫أما الحوافز فهي قبلية وبعدية في موضوع التمكين‪:‬‬
‫وظفين‬ ‫الحوافز القبلية‪ :‬أي قبل سلوك التمكين حيث تشجع اإلدارة الم‬ ‫‪‬‬
‫على ممارسة التمكين من خالل التشجيع على روح المبادرة والمخاطرة وعدم الخوف‬
‫من التجربة والخطأ وعدم الخوف من الفشل غير المتعمد‪ .‬به ذا تتش كل دافعية قوية‬

‫‪- 92 -‬‬
‫لدى العاملين وخاصة في المستويات الدنيا من المؤسسة على القيام بأدوار يتمثل فيها‬
‫تحمل المسؤولية والتصرف باستقاللية وحرية‪.‬‬
‫أما الحوافز البعدية‪ :‬فهي بعد التصرف سواء نتج عن هذا التصرف أو‬ ‫‪‬‬
‫السلوك نتائج إيجابية أم لم ينتج فالمهم نوعية وجودة تلك السلوكيات ال تي يقصد منها‬
‫الوصول إلى نتائج إيجابية قد تتحقق وقد ال تتحقق بفعل أسباب غير متوقع ة‪ .‬وه ذه‬
‫الحوافز البعدية تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫حوافز مادية‪ :‬هي مثل الحوافز المرتبطة باألداء مثل‬ ‫‪.1‬‬
‫المشاركة بأسهم الشركة وغيرها من الح وافز ال تي تم ذكرها في‬
‫وافز فال بد من أن‬ ‫مواقع مختلفة من الكتاب‪ .‬ومهما كانت هذه الح‬
‫تتأكد اإلدارة من ربطها بشكل مباشر مع نت ائج األداء ذات العالقة‪:‬‬
‫بتحمل المسؤولية‪ ،‬وروح المبادرة والمرونة في التفكير‪ ،‬والمشاركة‬
‫في حل مشاكل العمل‪ ،‬والمس اهمة في تق ديم اقتراح ات جوهرية‬
‫لتحسين إجراءات العمل‪ ،‬ومكافأة استعداد العاملين على المشاركة في‬
‫المعلومات وروح الفريق‪.81‬‬
‫حوافز معنوية‪ :‬في هذا يجادل الس ياق علم اء مثل‬ ‫‪.2‬‬
‫كرس آرقريس بأن الحوافز الخارجية ال تؤدي إلى االنتماء‪ .‬ويوضح‬
‫بأن هنالك عالقة قوية بين االنتم اء والتمكين‪ ،‬ومن هنا فهو يش جع‬
‫على االنتماء الداخلي الذي ال يتحقق إال من الدوافع الداخلية إذا‬
‫أردنا بش كل خ اص تمكين الم وظفين (‪Argyris,‬‬ ‫‪.3‬‬
‫‪.82)1998‬‬
‫هذا صحيح إلى حد ما ولكن الدوافع الداخلية ال بد أن تتعزز بدوافع خارجية‪ ،‬وبالت الي ال بد من‬
‫لوك وتقويته كما يؤكد ‪Skinner‬‬ ‫وجود حوافز خارجية بشكليها المادي والمعنوي‪ ،‬لتعزيز الس‬
‫من خالل مساهماته في نظرية تعزيز السلوك المشهورة التي على رأس ها التعزيز‬ ‫)‪(1948‬‬
‫اإليجابي‪ ،‬وهي التي تنص على تعزيز السلوك عند الفرد بمنح صاحبه نتائج مرغوبة بن اء على‬
‫ذلك السلوك‪.83‬‬
‫ومن الجدير ذكره هنا أن الحوافز المعنوية ترتبط بشكل أكبر في الدوافع الداخلية عند الفرد‪ .‬فمن‬
‫يبادر باقتراح منهجية أقل تكلفة في تصميم المنتج؛ فال بد من تقدير جهده من خالل نظام للجوائز‬
‫يتضمن مثال تكريم المبدعين في حفل بهيج‪ ،‬ووضع أسم هذا الشخص في نشرات ومطبوع ات‬
‫‪- 93 -‬‬
‫المؤسسة تقديرا له‪ .‬وقد يتبع ذلك منحه أدوات ووسائل وموارد مالية لتطوير أفك ار جدي دة في‬
‫مجاالت معينة‪ .‬فهذا سيعزز لديه روح المبادرة واالستمرار على النهج الذي بدأ به والبناء عليه‪.‬‬
‫وهذا بحد ذاته يعدّ من أهم الحوافز المعنوية التي ترتبط بطاقة الفرد الكامنة وخاصة عندما تكون‬
‫ذات عالقة بنفس التميز الذي تميز به الموظف‪ .‬فهنا نالحظ أن قي ام المؤسسة ببن اء وتوس يع‬
‫المختبر الذي تمكن الموظف من خالله إنجاز ذلك العمل المتميز تكريما له يعدّ أهم وأقوى أنواع‬
‫الحوافز المعنوية التي تعدّ من جنس العمل المبدع الذي بدأ به الفرد‪ .‬وهنالك عدد من المف اهيم‬
‫األخرى التي يمكن اعتبارها مقومات مساندة ومساعدة للعاملين في موض وع التمكين وخاصة‬
‫عندما تحاول المنظمة إتباع نظم التسويق بالعالقات والتسويق الداخلي‪.‬‬

‫مفهوم التسويق الداخلي (‪)Internal Marketing‬‬


‫ظهر مصطلح التسويق الداخلي مفهومًا من المفاهيم المعاصرة منذ الثمانينات من القرن الماضي‬
‫ليدلل على إمكانية محاكاة التسويق بمعناه التقليدي داخل المنظمة‪ ،‬وس حب العالقة بين الموظف‬
‫والموظف على العالقة بين الموظف والزبون‪ .‬فكما تح اول المنظم ات تق ديم أفضل ما يمكن‬
‫لزبائنها الخارجيين تحاول أيضا تسهيل عمل زبائنها الداخليين‪( 84‬الم وظفين) (رفيق وأحم د‪،‬‬
‫‪ .)2000‬ويعرّف التسويق الداخلي أنه النظر إلى الموظفين على أنهم زب ائن فيما بينهم أي أنهم‬
‫ات داخلية‪ ،‬والعمل‬ ‫زبائن داخل المنظمة والنظر إلى الوظائف التي يقومون بها على أنها منتج‬
‫على تقديم هذه المنتجات بشكل يرضي الزب ائن ال داخليين من أجل تحقيق أه داف المنظمة (‬
‫‪ )Berry, 1994‬فمثال في المطعم يعدّ الموظف (السفرجي) الذي يقدم الوجبات للزبائن بمنزلة‬
‫الزبون بالنسبة للطاهي الذي يطهو الوجبات‪ ،‬والوجبة التي يوص لها ه ذا الموظف أو الموظفة‬
‫للزبائن تعدّ بمنزلة المنتج‪ .‬فلكي يتمكن هذا الموظف (السفرجي) من تقديم الوجب ات بس رعة‬
‫لزبائنه فال بد من أن يحصل عليها بنفس السرعة من الطاهي أيضا‪ .‬وغالبا ما يعتمد كل موظف‬
‫في المنظمة في إنجاز مهام عمله على موظف آخر يعدّ بالنسبة له مزودًا للخدمة وهو يعدّ بمنزلة‬
‫زبون أمام ذلك المزود‪ ،‬وهكذا‪ .‬ففيما تحاول المنظمات إرضاء زبائنها العاديين‪ ،‬فينبغي مقدما أن‬
‫ترضي زبائنها داخل المنظمة على اعتبار أن رضا الزبائن الداخليين (الموظفين) يؤدي حتما إلى‬
‫رضا الزبائن الخارجيين‪ .‬وهذا يعد من المقومات اإلضافية ال تي تس اهم في تحس ين المن اخ‬
‫التنظيمي وتعزيز المشاركة والتعاون وروح الفريق والتمكين‪.85‬‬
‫ولقد حاول كل من رفيق وأحمد (‪ )2000‬مراجعة أدبيات التسويق الداخلي بما يقرب من عشرين‬
‫عاما من أجل تقديم تعريف دقيق للمفهوم‪ .‬كما حاول كل من‪Varey and Lewis (1999) 86‬‬
‫وضع تعريف محدد للتسويق الداخلي ومن أشمل التعريفات تعريف رفيق وأحمد‪:‬‬
‫‪- 94 -‬‬
‫"التسويق الداخلي جهد معد مسبقا ومخطط بأسلوب مشابه لمفهوم التس ويق التقلي دي‪ ،‬من أجل‬
‫مواجهة مقاومة التغيير ومن أجل تحفيز وتوجيه العاملين وتنسيق جه ودهم نحو التنفيذ الفع ال‬
‫الستراتيجيات المنظمة على المستويين العام والوظيفي؛ بهدف تحقيق رضا المستهلك من خالل‬
‫عملية خلق موظفين متحمسين ومهتمين بالزبائن (‪2000‬و ص ‪.")452‬‬
‫في المراجعة ألدبيات التسويق الداخلي يرى المرء أن المؤسسات مدعوة لتغي ير نظرتها تج اه‬
‫موظفيها‪ .‬أي إنه يجب على المنظمات التحول من النظرة التقليدية السلبية في كثير من األحي ان‬
‫إلى اعتبار العاملين ذوي أهمية وقيمة واعتبار‪ .‬وقد أكد )‪ Pfeffer (1994‬في كثير من كتاباته‬
‫ثر من أي عنصر آخر من عناصر‬ ‫أن سر الميزة التنافسية أصبح يكمن في العنصر البشري أك‬
‫اإلنتاج‪ .‬وهذا يتطلب من اإلدارة أن تعمل مع وليس ضد موظفيها‪ .‬وهذا ما يق وم عليه مفه وم‬
‫التسويق الداخلي وحسب وجهة نظر )‪Varey and Lewis (1999‬فإن مفهوم التسويق الداخلي‬
‫ال ينظر للموظفين فقط على أنهم زبائن بل يع دّهم ش ركاء يمتلك ون حق المش اركة وتحمل‬
‫المسؤولية والمساهمة في عملية صنع القرار‪.‬‬

‫التسويق الداخلي والتمكين‬


‫هنالك عالقة ضمنية بين التسويق الداخلي والتمكين بصفتها مفاهيم معاصرة متناغمة بعضها مع‬
‫بعض‪ ،‬فمفهوم التسويق الداخلي يشجع الموظفين على فعل كل ما يمكنهم فعله؛ لمساعدة زمالئهم‬
‫في العمل على تحقيق رغبات الزبائن حتى لو أدى ذلك إلى تجاوز التعليمات أو السياسات ال تي‬
‫تضعها المنظمة‪ .‬من هنا نرى أن التسويق الداخلي ال يتناقض مع مفهوم التمكين بل ينسجم تماما‬
‫معه ويعدّ مكملًا له‪ .‬فإن تم التعامل مع العاملين على أنهم زبائن أو شركاء فسوف يتم انخراطهم‬
‫برسالة المنظمة وأهدافها اإلستراتيجية وحاجات الزبائن‪ ،‬وعندها سيتبلور اهتم امهم في محاولة‬
‫إرضاء الزبائن والمساهمة في تحقيق الفاعلية للمنظمة‪Sargeant and Asif, 1998; and( 87‬‬
‫‪)Frost and Kumar, 2000‬‬
‫من هنا نالحظ بأن مناخ التسويق الداخلي سيؤدي إلى منح العاملين مزي دا من حرية التص رف‬
‫والتمكن والرضا‪ ،‬مما يؤدي في النهاية إلى أن تفضي هذه المقدمات إلى تطور أفضل في نت ائج‬
‫األداء‪ ،‬وإلى تطور في العالقات الداخلية والخارجية‪ ،‬وإلى نتائج مادية ومعنوية ملموسة بالنسبة‬
‫للمنظمة من حيث تحقيق األهداف اإلستراتيجية واألهداف القص يرة الم دى وزي ادة ق درات‬
‫المنظمة التنافسية وقدراتها على التكيف مع التغيرات البيئية المختلفة؛ ألن سر نجاح المنظمة في‬
‫التكيف واالستجابة مع التغيرات التي تواجهها منظمات القرن الواحد والعشرين يكمن في ق درة‬

‫‪- 95 -‬‬
‫العاملين أنفسهم على التكيف واالستجابة لتلك المتغ يرات‪ ،‬بأس لوب معاصر من حيث المرونة‬
‫والعالقات الداخلية والخارجية المناسبة‪.‬‬

‫التسويق الداخلي والموظف المباشر ‪Internal Marketing and Frontline‬‬


‫‪Staff‬‬
‫أن استراتيجية التسويق الداخلي تبدو متطلبًا أساسًا لبناء‬ ‫يبين )‪Czaplewski et al. (2001‬‬
‫‪88‬‬

‫قدرات الموظف ودافعيته‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى مستويات عالية من جودة الخدمات التي يقدمها‬
‫الموظفون‪ ،‬وبالمقابل فإن جودة الخدمات تساهم في رضا الزب ائن أو العمالء وض مان والئهم‪،‬‬
‫ومن ثم تحقيق إيرادات عالية للمنظمة وتحقيق ربحية عالية في النهاية‪.‬‬

‫التسويق الداخلي والبيئة العربية‬


‫ما يزال نموذج التسويق الداخلي يتطور من ناحية أكاديمية وتطبيقية نحو منهج نظري متقدم في‬
‫البيئة الغربية بشكل خاص‪ ،‬علما بأن تناول هذا الموضوع في البيئة العربية ما زال محدودًا جدا‪،‬‬
‫حيث إن الدراسات التي تكتب في هذا المجال تكاد تكون محدودة للغاية‪ .‬والسبب يكمن في الفجوة‬
‫الحقيقية بين مفهوم التسويق الداخلي والممارسة الواقعية لمنظماتنا في الوطن الع ربي‪ ،‬حيث إن‬
‫دي‪ ،‬والممارسة اإلدارية التقليدية‪ ،‬من‬ ‫العالقة بين الموظفين ما زال يسيطر عليها‪ :‬الفكر التقلي‬
‫خالل‪ :‬السلطة الهرمية‪ ،‬والتفكير البيروقراطي‪ ،‬وغياب دور التنظيم غير الرسمي‪ ،‬وغياب عمل‬
‫مية وما تنص عليه‬ ‫الفريق‪ .‬وحصر العالقة بين الموظف والموظف اآلخر على العالقة الرس‬
‫القوانين والتعليمات التي ال تسمح بمجال كافٍ من العالقة على أساس التسويق الداخلي‪.‬‬
‫أما النقاط اآلتية فهي تلخص وجهات النظر والمبادئ المختلفة في أدبيات التسويق الداخلي حسب‬
‫ما توصل له أمثال ( ;‪Berry, 1982, Gronroos , 2000, Rafiq and Ahmed, 1998‬‬
‫‪:)2000‬‬
‫التعامل مع الموظفين على أنهم زبائن‪ -‬زبائن داخليون‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تحفيز وإرضاء الزبائن الداخليين‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫زرع الفكر المتمركز حول المستهلك (‪ )Customer Orientation‬بين الزبائن‬ ‫‪‬‬


‫الداخليين‪.‬‬
‫تكريس مبدأ التعاون والتنسيق وروح الفريق‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪- 96 -‬‬
‫التأكيد على اإلستراتيجيات الوظيفية والعامة لدى الموظفين الداخليين‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫التأكيد على تفعيل المحاور السابقة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫النظر إلى المديرين والمرؤوسين على أنهم شركاء‬ ‫‪‬‬

‫وعلى الرغم من هذه النظرة الواسعة والشمولية لمنهج التسويق الداخلي إال أن هنالك نقص ًا في‬
‫مجالين مهمين للغاية‪:‬‬
‫األول في انخراط الموظف ومشاركته وتمكينه‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫حصول الموظفين على المكتسبات المناسبة من حيث المعرفة والمهارة‬ ‫‪.2‬‬
‫وإلمكانات‪ .‬ولسد هذه الفجوة ال بد من االستثمار في ت دريب الع املين لتحس ين‬
‫قدراتهم إذا أرادت المنظمات فعال أن تطبق وتواكب المف اهيم الش املة للتس ويق‬
‫الداخلي‪ .‬وخاصة في البيئة العربية التي تحتاج إلى فهم المصطلح وتوظيفه بش كل‬
‫مناسب في أدبيات التسويق المستخدمة في اللغة العربية‪ ،‬حيث إن اس تخدام ه ذه‬
‫دم‬ ‫المصطلحات قد يبدو غير مالئم بسبب عدم التعود عليها من ناحية‪ ،‬وبسبب ع‬
‫وجود المناخ والبنية الفكرية المناسبة الستيعابها من ناحية أخرى‪ ،‬فقد تبدو نش ازا‬
‫وغير مستساغة للقارئ العربي‪ .‬وهذا ال يع ني تجاهلها‪ ،‬فمن غ ير المفيد تجاهل‬
‫األفك ار المعاص رة والحديثة ولكن من األفضل التع رف إليها ومحاولة تحليلها‬
‫وتمحيصها من خالل الواقع والبيئة بصرف النظر عن مالءمة تطبيقها في ال وقت‬
‫الحاضر‪ ،‬فإن لم تكن مالئمة حاليا فقد يأتي ال وقت المناسب ال ذي قد تك ون فيه‬
‫مالئمة ومناسبة للتطبيق وخاصة في زمن العولمة وتقاطع الثقافات وتزاوجها‪.‬‬
‫خالصة‬
‫أن األف راد بحاجة إلى دعم على أسس من التع اون وتش جيع روح المب ادرة‬
‫ونخلص إلى ّ‬
‫والمساءلة‪ ،‬من خالل المعلومات الصادقة والصراحة والوضوح‪ .‬ف إذا توافرت ه ذه ال دعائم‬
‫الثالث؛ فإن الناس سيمتلكون الثقة بالنفس‪ .‬ولكن عندما تفتقد المنظمة للحقائق الواض حة‪ ،‬وعند‬
‫أثير (أي أن أفعالك‬ ‫غياب المساءلة‪ ،‬وعند غياب الدعم‪ ،‬من قبل اآلخرين‪ ،‬وعندما تفتقد لقوة الت‬
‫لها تأثير) ‪ ،‬فعندها تفتقد إلى الثقة بالنفس‪ .‬وعندها ال يرى العاملون ج دوى من ب ذل جه ود‬
‫إضافية‪ ،‬ووقت إضافي‪ .‬وعندها يتردد المستثمرون في االس تثمار‪ ،‬ويتوقف المت برعون عن‬
‫التبرع‪ ،‬ويختفي المعجبون‪ ،‬وتتدهور الثقة أكثر فأكثر‪.‬‬

‫‪- 97 -‬‬
‫ومن أهم دالالت الثقة أنها تنمو بتك رار التج ارب الناجحة وتجعل من الس هولة أن تس تخدم‬
‫ول نشر‬ ‫مهاراتك في المرات القادمة (كالباحث الجديد في مجال البحث يشعر بالنشوة نتيجة لقب‬
‫أبحاثه من قبل المجالت العلمية فإن هذا الشعور يكسبه قدرة على ممارسة مهاراته البحثية بيسر‬
‫وسهولة في المرات القادمة)‪ .‬وتزداد الثقة في كل مرة أكثر من المرة السابقة‪ .‬وعندما تتن اقص‬
‫الثقة بالنفس نتيجة للفشل والتراجع وعدم تحقيق أي تقدم فهذا يجعل تحقيق التقدم والخ روج من‬
‫بوتقة الفشل أمرا في غاية الصعوبة‪ .‬وهكذا عندما تتدهور الثقة في النفس تصبح األمور أصعب‬
‫وكل مرة تزداد صعوبة‪ .‬وهنا تحتاج المنظمة مثال إلى قيادة جديدة وبداية جديدة (أي أن تبدأ من‬
‫جديد متجاهال آثار الهزيمة أو الفشل)‪ .‬وهنا يأتي دور القيادة أو دور اإلنسان الذي يبدأ من جديد‬
‫دون استسالم للفشل‪ ،‬فأخطر ما يدمر األفراد والمجتمعات والمنظمات وحتى األمم هو خط ورة‬
‫االستسالم للفشل ال ذي ي ؤدي للهزيمة‪ ،‬وما هو أخطر من الهزيمة في المعركة هو الش عور‬
‫بالهزيمة في وقت السلم ألنها الحالة التي تؤدي إلى موت الثقة التي تصنع الكر بعد الفر‪.‬‬
‫يرا من هو القائد‪،‬‬ ‫أما بريق الفوز فيصنع دائرة للنجاح وسلسلة من التقدم لألمام ال يهم معها كث‬
‫ألن النجاح يصنع قوة دافعة ايجابية يتحمل الكل خاللها المسؤولية وليس القائد فحسب‪ .‬المش كلة‬
‫الخطيرة في حاالت فقدان الثقة التي تنتج عن سلسلة من الخسائر المتالحقة‪ .‬فالمنظمة تشعر بهذه‬
‫الحالة عندما تفقد الدعم وفي تدني مستوى اإلقب ال من قبل الزب ائن‪ ،‬وت دنٍ واضح في الحصة‬
‫السوقية‪ ،‬وعندما ال يتوافر األعمال الكافية للعاملين‪ ،‬وتبدأ اإلدارة في إعادة النظر في وج ودهم‬
‫ودورهم‪ ،‬وهكذا تجد هذه األمور كلها أعراضًا لسلسلة الفشل والتدهور‪ .‬وإن لم توقف هذه الحالة‬
‫فإنها ستتفاقم وتسوء أكثر وأكثر‪ ،‬والفشل ال يولد إال الفشل(‪)Kanter, 2004‬‬
‫وأخيرا فإن الثقة والحوافز والمعرفة والمهارة والمعلومات‪ ،‬وتدفقها بش كل حر وواض ح‪ ،‬لهي‬
‫جميعها من أهم مقومات التمكين بصفته مفهومًا من مفاهيم اإلدارة الجدي دة‪ .‬وه ذه المقوم ات‬
‫يتبعها ويعززها مقومات أخرى مثل التسويق الداخلي والمناخ التنظيمي المالئم والمشجع لتعاون‬
‫العاملين وروح الفريق‪.‬‬

‫‪- 98 -‬‬
- 99 -
‫الفصل الثالث‬

‫اآلثار المترتبة والفوائد الناجمة‬


‫عن تطبيق مفهوم التمكين‬

‫‪- 100 -‬‬


- 101 -
‫مقدمة‬
‫على الرغم من ما كتب حول موضوع التمكين في المنظمات الخدمية والصناعية وفي منظم ات‬
‫األعمال بشكل عام إال أن نتائج وآثار التمكين تتطلب مزي دا من الدراسة والبحث‪ ،‬لتحديد طبيعة‬
‫العالقة بين التمكين من جهة وبين نتائج وآثار التمكين من جهة ثانية‪ .‬لذلك يتطلب من الب احثين‬
‫والممارسين محاولة استكشاف نتائج وآثار التمكين للتع رف على فاعلية تطبيقه وأهمية تبنيه في‬
‫المنظمات وخاصة منظمات األعمال‪.‬‬
‫من هنا تحاول هذه الوحدة التعرف ولو بشكل أولي وتمهيدي إلى نتائج وآثار تمكين الموظفين في‬
‫المستويات المختلفة من المؤسسة ومن خالل بعض الدراسات‪ 89‬ال تي ح اولت استكش اف تلك‬
‫العالقة بين تمكين الم وظفين وبعض اآلث ار الناجمة عن ذلك التمكين‪ .‬فال يمكن ألحد أن يكتب‬
‫وة من‬ ‫حول موضوع مثل التمكين ويتحدث عن شروطه ومقدماته من دون شرح النتائج المرج‬
‫ناحية األداء والرضا والتميز ورفع ق درات المؤسسة التنافس ية وتحقيق مس تويات عالية من‬
‫األرباح والنتائج المختلفة‪.‬‬
‫فهل يحقق التمكين عالقات عمل طيبة وخدمات وربحية جيدة؟ وهل تكفي النتائج التي توصل لها‬
‫كل من ‪ Heskett, et al., 1997‬في نموذج حلقة الخدمة – الربح (‪The Service Profit‬‬
‫‪ 90)Chain‬والذي سيتم الحديث عنه في الفصل القادم من هذا الكتاب‪ .‬ذلك النم وذج‬ ‫‪Model‬‬
‫الذي يبين العالقة الخطية بين ربحية المؤسسة نتيجة لرضا العاملين نتيجة لتمكينهم‪ ،‬الذي يؤدي‬
‫بدوره إلى رضا الزبائن والمحافظة عليهم‪ ،‬وذلك بدوره يؤدي إلى تحقيق مس تويات جي دة من‬
‫األرباح كلما تحسن مستوى رضا الزبائن‪.‬‬
‫فهل التمكين يدفع الموظفين لصنع فروقات حقيقية للمنظمة أم أن أسلوب خط اإلنت اج الواسع‬
‫النطاق (‪ )Mass Production ine‬يكفي بدال من ذلك؟(‪. ) 91Bowen and Lawler; 1992‬‬
‫وهل من يتمتع بسلطة اتخاذ القرار وحرية التصرف سيكون بمقدوره تقديم خدمات بمستوى عال‬
‫من الجودة؟ وهل هذا بدوره يقود لتحقيق سلوكيات تتسم بدوافع لتحقيق مكاسب للمنظمة؟‪Profit-‬‬
‫‪oriented behavior‬‬

‫‪ 93Nielsen and Pederson (2003) .)Flohr Nielson and Host, 2000(92‬يدعمون كل‬
‫رف‬ ‫ما سبق ويجيبون عن األسئلة السابقة باإليجاب‪ .‬فنتائجهم بينت أن منح العاملين حق التص‬
‫بحرية واستقاللية يحقق مستويات تنافس ية أفضل مع ال دعم واإلرش اد والت دريب المناسب‬
‫للموظفين في الوقت المناسب‪ .‬وهذا فحوى الفرضية التي تقول بأن س عادة ورضا الزب ائن من‬

‫‪- 102 -‬‬


‫ائال‪ " :‬هل رأيت‬ ‫رضا الموظفين وربحية المنظمة أيضا من رضا الزبائن‪ .‬ويقول البعض متس‬
‫يوما ما زبائن يشعرون بالسعادة والرضا بعد تعاملهم مع موظف يشعر بالتعاسة واإلحب اط وقلة‬
‫الحيلة؟"‪ .‬هذا طبعا تحليل منطقي للعالقة بين البشر‪ ،‬فموظف س عيد في عمله حتما س تنعكس‬
‫‪94‬‬
‫سعادته على اآلخرين من خالل تعامله معهم (‪)Bowen and Schneider, 1985; 1993‬‬
‫وهذا قد يكون أكثر صحة إذا توافر الموظف الذي يتمتع باالستقاللية والحرية والتمكين والق درة‬
‫والدافعية واالنتماء للعمل‪ ،‬فإن ذلك س ينعكس على تعامله مع اآلخ رين وينجم عن ذلك تق ديم‬
‫خدمات بجودة مماثلة لما يتمتع به من نوعية في حياته الوظيفية (‪)Quality of Work Life‬‬
‫ولكن هذه االفتراضات تحتاج إلى أدلة أكاديمية من خالل دراسات تطبيقية ميدانية من أجل التأكد‬
‫من هذه العالقات المنطقية علما بأن المنطق النظري ليس برهان ًا كافي ًا‪ ،‬وال يوجد أفضل من‬
‫البرهان العملي من خالل دراسات استكشافية يتبعها دراسات تاريخية وطولية (‪Longitudinal‬‬
‫‪ )studies‬للتأكيد على صحة هذه اآلراء‬
‫نتائج التمكين‬
‫نتائج خاصة بالموظف‪.‬‬
‫يحقق التمكين نتائج في غالبها إيجابية للموظف المناسب لمفهوم التمكين‪ ،‬وهنالك عدد من المزايا‬
‫والتبعات التي تنجم عن تمكين الموظفين نذكر منها‪:‬‬
‫‪ ‬تحقيق االنتم اء‪ :‬يساهم التمكين في زيادة االنتم اء ال داخلي بالنس بة للموظف (‬
‫‪95‬‬
‫كما يساهم في زيادة انتمائه للمهام التي يقوم بها وزيادة انتمائه‬ ‫‪)Argyris, 1998‬‬
‫للمؤسسة ولفريق العمل الذي ينتمي له‪ .‬وتبين الكث ير من أدبي ات التمكين أن من أهم‬
‫فوائد التمكين بالنسبة للموظف شعوره باالنتماء للعمل وزيادة اإلنتم اء هي محص لة‬
‫لرغبته بالعمل ومناخ العمل‪ .‬وينتج عن االنتماء تحسن في مستوى اإلنتاجية وتدني في‬
‫التغيب عن العمل وتناقص في معدل دوران العمل‪.‬‬
‫‪ ‬المش اركة الفاعلة‪ :‬تمكين العاملين يساهم في رفع مستوى مشاركتهم‪ .‬والمش اركة‬
‫الناجمة عن التمكين تتميز بمستوى عالي من الفاعلية والمشاركة اإليجابية التي تنبع من‬
‫اركة‬ ‫واقع انتماء الفرد وشعوره بالمسؤولية تجاه أهداف المنظمة وغاياتها‪ .‬إذن المش‬
‫الناجمة عن التمكين هي المشاركة الفاعلة والهادفه وليست أي ن وع آخر من أن واع‬
‫المشاركة مثل المشاركة السلبية أو المشاركة دون هدف‪.‬‬
‫‪ ‬تط وير مس توى أداء الع املين‪ )Bowen and Lawler, 1995b( :‬فتحسين‬
‫تي‬ ‫مستوى أداء الموظف ورفع مستوى الرضا لدى الموظف من األمور األساسية ال‬
‫‪- 103 -‬‬
‫تتمخض عن تطبيق مفهوم التمكين في اإلدارة ( ‪)Neilson and Pederson, 2003‬‬
‫ففكرة تحسين أداء الموظفين هي فكرة ذات أهمية كقوة دافعة ومحصلة هامة تقف خلف‬
‫برامج التمكين‪ .‬فتحسين نوعية األداء وخاصة في مؤسسات الخدمات بواسطة ب رامج‬
‫التمكين تعدّ عاملًا من عوامل النجاح‪ .‬فالموظف هو المستفيد األول من برامج التمكين‬
‫ألن المؤسسة التي تح اول تمكين موظفيها تح اول أيضا أن تمنحهم ثقتها وس لطتها‬
‫وصالحياتها ومكافآتها وتحاول أن تمنحهم استقاللية وحرية في التصرف‪.‬‬
‫‪ ‬اكتس اب المعرفة والمه ارة‪ :‬إن نجاح برامج التمكين تتوقف على توأفر المعرفة‬
‫والمهارة والقدرة لدى العامل أو الموظف‪ .‬والمعرفة والمهارة ال يمكن أن تتحقق دون‬
‫تنمية وتدريب‪ .‬وهذا يتطلب في الكثير من الحاالت انخراط الموظف بدورات تدريبية‬
‫وندوات وورش عمل ومؤتمرات يكتسب من خاللها معرفة ثمينة تصبح ث روة يمتلكها‬
‫أينما حل وأينما ارتحل وحتى بعد مغادرته للمنظمة التي كان يعمل بها سابقًا‪.‬‬
‫‪ ‬المحافظة على الموظف من قبل المنظمة‪ :‬بناء على ما ذكر في النقطة السابقة فإن‬
‫المنظمات الناجحة هي تلك التي ال تفرّط بموظفيها الممكنين بس هولة فزي ادة معرفة‬
‫ومهارة الموظف وتطوير كفاءته وقدراته يحتم عليها زيادة التمسك به والمحافظة علية‬
‫ألطول فترة ممكنة؛ ألنها قدمت كل ما تم ذكره من مقدمات تدلل على حرص المنظمة‬
‫على هذا الموظف وخطورة التخلص منه أو فقدانه لصالح منظم ات منافسه س يكون‬
‫حتما من أكبر األخطاء‪.‬‬
‫‪ ‬ش عور الموظف "بمع نى الوظيف ة"‪ :‬الموظف الممكّن يدرك قيمة العمل بشكل أكبر‬
‫من غيره‪ ،‬وخاصة عندما يستشعر سيطرته على مهام العمل ويدرك قيمة نفسه ودوره‬
‫تي تصب في‬ ‫في التأثير على النتائج ويشعر بأنه عنصر هام له دوره وله مساهمته ال‬
‫مصلحة المنظمة‪ ،‬ويرى األمور بنظرة شاملة وليس فقط من زاوية ما يقوم به من عمل‬
‫منفصل‪ ،‬وإنما يرى ما يقوم به ً‬
‫حلقة ضمن حلق ات أخ رى تصب جميعها في تحقيق‬
‫أهداف مشتركة‪ .‬فيتغير بالنسبة له معنى العمل من معنى محدود في إطار ض يق إلى‬
‫معنى أوسع وأشمل مما يساهم في تحقيق ال ذات وتحقيق التم يز في العمل وإش باع‬
‫الحاجات العليا‪ 96‬المعنوية بدال من العمل فقط إلشباع الحاجات المادية البحتة‪.‬‬
‫‪ ‬تحقيق الرضا ال وظيفي‪ :‬هو أحد أهم المزايا المحققة من نتائج التمكين‪ .‬فالش عور‬
‫بحرية التصرف والمشاركة واالستقاللية في العمل من العوامل التي تؤدي إلى زي ادة‬
‫رضا العاملين وشعورهم بالسعادة‪.‬‬
‫‪- 104 -‬‬
‫ترتب‬ ‫وعلى الرغم من ما ذكر من نتائج تبدو مرغوبة ومقبولة ألي إنسان إال أن هنالك أعباء ت‬
‫على تمكين العاملين ال بد من اإلشارة إليها‪.‬‬

‫أعباء التمكين‬

‫مثلما يحقق التمكين منافع ومكاسب ومزايا متعددة بالنس بة للموظف‪ ،‬فهو قد يتض من أعب اء‬
‫اء الناتجة‬ ‫مزيدا من األعب‬
‫ً‬ ‫ومسؤوليات ليست بذات السهولة واليسر فال بد من أن يتحمل العامل‬
‫عن تحمل مزيدٍ من المسؤولية والمساءلة معا‪ .‬فتحمل المسؤولية يصاحبه مسؤولية عن النت ائج‬
‫ومحاسبة عليها‪ ،‬فال يقتصر تمكين الموظف على حصوله على منافع ومكاسب فحسب بل هنالك‬
‫جوانب تتمثل في المشاركة بالمخاطرة سواء أكانت نتائج تحمل المخاطرة إيجابيًا أم سلبيًا فال بد‬
‫من المشاركة في الجانبين‪ .‬ألن التمكين يشبه إلى حد ما ملكية الموظف للوظيفة التي يق وم بها‪،‬‬
‫والمالك عادة يتحمل المخاطرة ونتائج تلك المخاطرة‪ .‬لذلك قد ال يكون مشروع التمكين مناس با‬
‫لكل الناس ألن بعض الن‪$$$$$‬اس ال يحبون تحمل المساءلة وعواقب األمور ويق اومون المخ اطرة‬
‫وتحمل نتائج المخاطرة‪ .‬أما الج انب المهم في األمر هنا أن المش اركة في المخ اطرة وتحمل‬
‫تبعات المسؤولية بالنسبة للموظف تؤدي إلى زي ادة ح رص الموظف على‪ :‬تجنب األخط اء‪،‬‬
‫وتجنب التكاليف‪ ،‬وتجنب النتائج التي قد يكون لها أثر سيء بالنسبة للمنظمة‪ .‬فمثلما أنه س يكافأ‬
‫على النتائج الجيدة فال بد أن يساءل عن النتائج السلبية‪ ،‬مما يؤدي إلى أن يب ذل كل جهد ممكن‬
‫لتجنب تلك النتائج‪ .‬من هنا نجد بأن بعض الموظفين يتهرب من التمكين خوفا من المس اءلة في‬
‫حالة النتائج غير المُرضية‪ .‬فيرغب بأن تحدد له كل األمور وكل المه ام دون أن يك ون له أي‬
‫دور في تحديد النتائج أو سير العمل؛ خوفا من تحمل المسؤولية والمس اءلة ورغبة في األم ان‬
‫واستقرار النتائج‪.‬إال أن‪$$‬ه يب‪$$‬دو مم‪$$‬ا س‪$$‬بق أن مزاي‪$$‬ا التمكين أك‪$$‬بر من أعبائ‪$$‬ه عن‪$$‬د البعض إذا توافرت‬
‫المقدمات المناسبة للتمكين وخاص‪$$‬ة وج‪$$‬ود الموظ‪$$‬ف ص‪$$‬احب الق‪$$‬درة واالس‪$$‬تعداد المس‪$$‬بق‪ ،‬ومن يتحلى‬
‫بروح المبادرة واالستقاللية‪.‬‬

‫‪-2‬نتائج خاصة بالنسبة للمنظمة‪.‬‬


‫إذا كانت المنظمة قد قدمت للموظف كل ما يمكنها أن تقدم من معلومات ومعرفة ومهارة وتدريب‬
‫وثقة وحوافز من أجل رفع سوية ذلك الموظف‪ ،‬فمن الطبيعي أن يكون لذلك كله مردود بالمقابل‬
‫اهم في تحقيق‬ ‫ينعكس على المنظمة بالخير والعمل الجاد‪ ،‬الذي يحقق للمنظمة نتائج إيجابية تس‬

‫‪- 105 -‬‬


‫أهداف المنظمة الطويلة المدى والقصيرة المدى‪ ،‬وتحقيق نتائج مثل ال ربح والتوسع والس معة‬
‫الجيدة وغيرها من نتائج جيدة لمصلحة المنظمة‪.‬‬
‫فإذا تبين بأن برامج التمكين تساهم في تحسين أرباح المؤسسات‪،‬فإنه يك ون أم را حتميا على‬
‫اإلدارات أن تحاول تطبيق مثل هذه المبادرات لتحقيق تميز وتقدم في مستوى أرباحه ا‪ .‬وهنالك‬
‫أدلة ميدانية تدل على عالقة إيجابية بين التمكين وإثـراء العمل (‪ ( )Job enrichment‬إثراء‬
‫العمل مظهر من مظاهر التمكين) من ناحية‪ ،‬وجودة الخدمات (المصداقية والثب ات في تق ديم‬
‫الخدمات واالستجابة والتعاطف) من ناحية أخرى‪ .‬وقد أثبتت العديد من األدبيات عالقة واضحة‬
‫بين الفرد الممكّن من ناحية ونوعية الخدمات (‪ )Service Quality‬ال تي يق دمها الموظف‬
‫‪97‬‬
‫للزبائن من ناحية أخرى (‪)Kanter, 1989‬‬
‫وهنالك تأثيرات هامة أخرى مثل تأثير التمكين اإليجابي على الس لوك ذي العالقة بالربحية‪ .‬أي‬
‫نى تحقيق‬ ‫أن التمكين يساهم في خلق سلوكيات وممارسات لدى العاملين في المنظمة تؤيد وتتب‬
‫أهداف المنظمة وغاياتها وخاصة الربحية منه (‪Heskett,( )Profit-oriented behavior‬‬
‫‪. )1997‬‬
‫ومما سبق يتبن لنا أن التمكين له نتائج هامة تنعكس على المنظمات تتمثل فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ ‬زي ادة والء الع املين للمنظمة‪ :‬فالعامل الذي يشعر بالتمكين وحرية التصرف في‬
‫العمل يعلم بأن هذه الحرية جزء من عالقة إيجابية وص حية بين اإلدارة والع املين‪،‬‬
‫وهذا بدوره يساهم في تحسين مستوى والء العاملين للعمل وانخراطهم فيه‪.‬‬
‫كماً ونوعا‪.‬‬
‫‪ ‬تحسين في مستوى إنتاجية العامل ّ‬
‫‪ ‬زي ادة ف رص اإلب داع واالبتك ار نتيجة لحرية التصرف وتشجيع العاملين على روح‬
‫المبادرة والتفكير الخالق وتقديم أفكار خالقة‪.‬‬
‫‪ ‬مس اعدة المنظمة في ب رامج التط وير والتجديد‪ :‬الموظف الممكن أكثر رغبة في‬
‫التغيير وتجده أقل مقاومة للتغيير‪ .‬هذا ومن أصعب األم ور ال تي ت ؤدي إلى فشل‬
‫مشاريع التغيير هي في مقاومة التغيير من قبل الموظفين خوفا من التغيير‪ ،‬وألس باب‬
‫كثيرة ال توجد لدى األفراد الذين يتمتعون بالتمكين وحب التغيير والتجديد‪.‬‬
‫‪ ‬تحقيق نتائج أداء جيدة من حيث ج ودة األداء ومن حيث الربحية والحصة السوقية‬
‫وسمعة المنظمة وتحقيق مؤشرات مالية أفضل بشكل عام‪.‬‬

‫‪- 106 -‬‬


‫‪ ‬تحس ين العالقة بين الع املين من خالل مفه وم التس ويق ال داخلي(‪Internal‬‬
‫الذي يعدّ من المفاهيم المنسجمة مع مفهوم التمكين من حيث ج ودة‬ ‫‪)Marketing‬‬
‫العالقة بين أعضاء الفريق أو بين العاملين فيما بينهم بشكل يؤدي إلى تغيير جذري في‬
‫نظرة العامل لزميله في العمل (انظر مفهوم التسويق الداخلي في الفصل السابق)‪.‬‬

‫‪ -3‬نتائج خاصة بالزبائن‬


‫هنالك دراسات ألمثال (‪ )Bowen and Sccneider, 1993‬تؤكد أن الزبائن الذين كانوا‬
‫تويات عالية‬ ‫يتعاملون مع موظفين يتمتعون بمستويات عالية من التمكين كانوا يعبرون عن مس‬
‫من الرضا‪ ،‬فهذا يدل على عالقة طردية بين رضا الزبائن والتمكين ل دى الم وظفين‪ .‬فتمكين‬
‫الموظفين وخاصة في المؤسسات الخدمية كالمحال التجارية والبنوك والخدمات الصحية والفنادق‬
‫والمطاعم وغيرها‪ ،‬يساهم في زيادة ق درة الموظف على التعامل بمس تويات عالية من المرونة‬
‫والفهم والتكيف واالستجابة‪ ،‬وهذا يؤدي إلى سرعة األداء واإلنجاز وج ودة الخ دمات بخالف‬
‫الموظف الذي ينتظر التعليمات من غيره مما قد يساهم في البطء في إنجاز الخدمة‪ ،‬وهذه الناحية‬
‫دمات(‪Flohr,‬‬ ‫(أي السرعة في إنجاز معامالت الزبائن) تعد من أهم بنود الجودة في قطاع الخ‬
‫‪ )Nielson, 1995‬وتجدر اإلشارة هنا إلى موضوع هام ومعاصر في العالقات التسويقية وهو ما‬
‫يسمى التسويق بالعالقات (‪ )Relationship Marketing‬وينبثق عن هذا الموضوع بشكل‬
‫‪Customer‬‬ ‫خاص مفهوم معاصر أيضا وهو إدارة العالقات مع الزب ائن (‪Relationship‬‬
‫‪.CRM )Management‬‬

‫التسويق بالعالقات ‪RELATIONHSIP MARKETING‬‬


‫يعد مفهوم التسويق بالعالقات من المفاهيم المعاصرة في التسويق (‪)Gronroos, 1994; 2000‬‬
‫وفي إدارة األعمال بشكل عام وهو يقوم على مبدأ العالقات بين البشر في داخل المؤسسة كإدارة‬
‫وعاملين وخارج المؤسسة كزبائن وموردين‪ .98‬تنبثق هذه النظرة المعاص رة في التس ويق من‬
‫الحاجة الفطرية للبشر التي تسيطر على الغالبية العظمى من السلوك اإلنس اني وخاصة عن دما‬
‫تتعلق المسألة في ردود أفعال الناس على سلوكيات اآلخرين‪ .‬يقول ع الم الس لوك المش هور‬
‫روبرت هوقان(من أطروحته للدكتوراه) أن الخاصية األساسية ال تي تس يطر على شخص ية‬
‫اإلنسان وسلوكه هي الطبيعة االجتماعية أو العالقاتية‪ .‬وهذا األمر ليس جدي دا فمع روف منذ‬
‫األزل بأن اإلنسان مدني بطبعه وبفطرته ولكن هوقان (‪ )1982‬يضيف بأن البشر ليسوا بج زر‬
‫منعزلة ومستقلة عن اآلخرين فالناس ال تتحدد هويتهم إال من خالل عالقاتهم مع اآلخرين‪.‬‬
‫‪- 107 -‬‬
‫‪99‬‬
‫بأنه إذا أرادت المنظمات فعال التركيز على‬ ‫كما يؤكد )‪Schneider and Bowen (1999‬‬
‫رغبات الزبائن ومحاولة تلبية تلك الرغبات‪ ،‬فال بد من التركيز على بناء العالقات ال تي تتطلب‬
‫ائن فيجب أن ينظر لهم على أنهم بشر أوال ومن ثم‬ ‫مراجعة للنظرة والرؤية التي ترى بها الزب‬
‫مستهلكين ثانيا‪.‬‬
‫إن النظرة التقليدية للزبائن‪ ،‬ال تترك أمام الموظف أو المنظمة سوى التعامل مع الزبائن بطريقة‬
‫ومادية مجردة‪ ،‬وبالتالي تصبح سلوكيات البائع أو المنظمة جام دة‬ ‫تبادلية ‪Transactional‬‬
‫ومقيدة بقيود األسلوب التبادلي المجرد (سلعة مقابل الثمن وثمن مقابل السلعة) المحكوم بالعالقة‬
‫رة وكينونة‬ ‫المادية االقتصادية الجامدة الخالية من الجانب العالقاتي الذي هو في حقيقته من فط‬
‫ائن أو العمالء أو‬ ‫اإلنسان‪ .‬وبناء على هذا األسلوب في التعامل نجد أن البائع سيتعامل مع الزب‬
‫المراجعين (‪)Nielson and Pederson, 2003‬بصورة يحكمها فقط البيع والشراء بصورة‬
‫جامدة‪ ،‬ال تمنح مجاال للموظف باستخدام أي خاصية من خصائص المرونة والتكيف واالستجابة‬
‫والنظرة اإلنسانية أو العاطفية‪ .‬وال يمكن للطبيب أو المم رض أن يج رد نفسه من الج وانب‬
‫العاطفية اإلنسانية أو ما يسمى حديثا بالذكاء العاطفي (‪ )Emotional Intelligence‬في تعامله‬
‫مع المرضى‪ ،‬وهنا يأتي الدور الهام لتسويق العالقات الذي ينس جم انس جاما تاما مع مفه وم‬
‫التمكين المعاصر‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬قد يكون لدى البائع أو المنظمة أو الموظف المباشر*( الموظف‬
‫المباشر هو الذي يحتك بشكل مباشر مع الزبائن) رغبة في المرونة وقدرة على االس تجابة‪ ،‬وما‬
‫يمنعه هو ثقافة المنظمة التي ال تشجع إال على التعامل التبادلي المصلحي أو االقتصادي المجرد‪.‬‬
‫فالتمكين بمفهومه المعاصر يساهم في تحس ين ج ودة العالق ات بين الم وظفين والزب ائن(‬
‫‪100‬‬
‫والعالقة بين‬ ‫‪))Gummesson, 1995, 1987; Czepiel, 1990 )Grönroos , 1994‬‬
‫الموظف والزبائن يمكن استيعابها من خالل منهج تسويق العالقات‪ .‬وقد عّرف ‪Berry (1983,‬‬
‫)‪ p.25‬تسويق العالقات أنها العملية التي يتم بواس طتها تك وين وتعزيز عالق ات المنظمة مع‬
‫الزبائن‪ ،‬وصيانة تلك العالقة والمحافظة عليها‪ .‬وعالقة الموظف مع الزبائن هي المفتاح الرئيس‬
‫لعالقة الزبائن مع المنظمة (‪.101)Sheth and Parvatiyar, 1995‬‬
‫يقودنا ما سبق إلى تأكيد ما توصل إليه ‪ Bateson (1985)102‬أن الموظف المباشر هو أفضل من‬
‫بمقدوره أن يلبي رغبات الزبائن عندما تتوافر له السيطرة والتحكم في زمام األم ور‪ ،‬وعن دما‬
‫تتوافر له الثقة بالنفس والقدرة على التصرف وحل مشاكل الزبائن بنوع من الحرية واالستقاللية‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك فإن رضا الزبائن سيتزايد عندما يمتلك الموظف ق درة وكف اءة واس تعدادا لحل‬

‫‪- 108 -‬‬


‫مشاكلهم وتلبية احتياجاتهم بمرونة ويسر‪Bitner et al., 1990; Hartline and Ferrerl, (103‬‬
‫‪104‬‬
‫‪.)1996‬‬
‫وعلى أي حال فإن الموظف الممكن هو من يحافظ على عالق ات طيبة مع الزب ائن أك ثر من‬
‫الموظف الذي ال حول له وال قوة في أمور وظيفته‪ ،‬وخاصة عندما تكون عملية التمكين مناس بة‬
‫في ذلك السياق وعندما يحسن الموظف استخدامها‪.‬‬
‫كاف من حيث دور التمكين وحرية‬
‫حتى اآلن فإن دور مزود الخدمة أو السلعة لم يتم بحثه بشكل ٍ‬
‫الموظف‬ ‫التصرف من قبل الموظف في التأثير سلبا أم إيجابا على العالقة بين المنظمة متمثلة ب‬
‫والزبائن من جهة أخرى‪ .‬وهنا يمكن طرح فرض ية قابلة لالختب ار من ناحية بحثية مفادها أن‬
‫مستوى التمكين المتاح للعاملين وخاصة في المنظمات الخدمية من الممكن أن ي ؤثر على نوعية‬
‫‪ (Bitner et al., 1994; Schlesinger and‬وجودة العالقة بين الزب ائن والمنظمة‬
‫‪Zornitsky, 1990) (Bitner، et al.، 1994; Schlesinger and Zornitsky، 1990)105‬‬

‫من ناحية أخرى فإن الموظف المباشر وعالقاته مع الزبائن هي أيضا ذات أهمية في التأثير على‬
‫درجة التمكين لدى هؤالء الموظفين‪ .‬فعندما تنهج المنظمة نهج تسويق العالقات فهي تمنح هؤالء‬
‫الموظفين نوعا من التمكين للتصرف بحرية ومرونة مع رغبات الزبائن واس تجابة لرغب اتهم‬
‫‪106‬‬
‫الخاصة التي ربما تختلف في بعض األحيان من شخص آلخر (‪)Corsun and Enz, 1999‬‬
‫‪ .‬وتزداد أهمية التمكين كلما كانت رغبات الزب ائن متفاوتة‪ ٍ،‬ألن ه ذا التف اوت في رغب اتهم‬
‫وحاجاتهم ومشاكلهم يتطلب موظفا يتمتع بالمرونة الكافية للتجاوب مع هذه االختالف ات‪ .‬ودون‬
‫هذا التمكين سيطبق الموظف قاعدة ثابتة مع جميع الزبائن متجاهال أن لديهم هموما وربما قضايا‬
‫مختلفة‪ ،‬وهذا يكاد يكون واضحا جدا عند المنظمات التي تقدم مثال خدمات استش ارية أو قانونية‬
‫أو خدمات طبية‪ .‬ففي الخدمات القانونية سيواجه رجل القانون‪ ،‬بصفته مقدم خدمة‪ ،‬قضية مختلفة‬
‫وربما فريدة من نوعها لدى كل مواطن متقدم بشكوى‪.‬‬
‫من ناحية أخرى وجد )‪ Corsun and Enz (1999‬أن احترام وتقدير الزبائن للبائع أو الموظف‬
‫المباشر يمنحه تعزي زا وتش جيعا في ممارسة التمكين‪ .‬ه ذه العالقة التبادلية تؤكد أن معاملة‬
‫الزبائن أيضا للموظف المباشر لها دور في ميله لتقديم خدمات ذات ج ودة أفضل ورعاية أفضل‬
‫للزبائن )‪ Corsun and Enz (1999‬ويجادل )‪ Corsun and Enz (1999‬بأن المنظمة التي‬
‫ترعى وتهتم بعالقات الزبائن(‪ )Customer Relationship‬وتش جع موظفيها على ممارسة‬
‫عالقات طيبة معهم فإن هذا التشجيع يعدّ مؤشرا على تمكين الموظفين‪ .‬إذن يمكننا أن نعدّ احترام‬
‫الزبائن عامال مشجعا وليس هو العامل الحاسم في تمكين العاملين الذين يعمل ون بش كل مباشر‬
‫‪- 109 -‬‬
‫على خدمة الزبائن إضافة إلى قدرة الموظف األص لية على ممارسة التمكين‪ .‬ل ذلك يمكننا أن‬
‫نخلص إلى القول بأنه من األمر المتوقع أن يمارس الموظف الق ادر والمؤهل عالق ات جي دة‬
‫وايجابية مع الزبائن ضمن مفهوم تسويق العالق ات والعالق ات مع الزب ائن‪ ،‬ويمكن له ؤالء‬
‫الموظفين استثمار تلك العالقات من أجل تلبية احتياجات الزبائن بشكل أفضل‪ .‬وأنهم األقدر على‬
‫اإليفاء بوعودهم والتزاماتهم للزبائن‪ .‬وقد تبين أيضا من خالل أدبي ات التس ويق والتمكين ما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫‪ ‬رغبة الزبائن في التعامل مع الموظف الذي يتمتع باستقاللية وقدرة أكبر على التص رف‬
‫دون الرجوع بشكل متكرر للتعليمات أو لرأي المسؤول‪.‬‬
‫‪ ‬حصول الزبائن على معلومات وخ برات جي دة‪ :‬ف الموظف الممكن لديه من المه ارة‬
‫والمعرفة ما يمّكنه من توفير كامل المعلومات التي يحتاجها الزب ائن ح ول الس لعة أو‬
‫الخدمة‪ .‬وبمقدور الموظف الممكن حل مشاكل الزبائن بشكل أفضل‪.‬‬
‫‪ ‬المرونة والتكيف واالستجابة في التعامل مع الزبائن دون الحاجة إلى الرجوع للم دير أو‬
‫للتعليمات أو للمركز‪.‬‬
‫‪ ‬حص ول الزب ائن على خ دمات حسب الطلب لق درة الموظف المتمكن من مراع اة‬
‫االختالفات في رغبات الزبائن وتقديم ما يلبي احتياجاتهم حسب الطلب‪.‬‬

‫الخالصة‬
‫مما سبق في هذا الفصل يتبين أن نتائج وفوائد التمكين ذات أبعاد متعددة تشمل كل من الموظف‬
‫الذي يستشعر معنى الوظيفة والمهام التي يقوم بها وتكون عملية التمكين بالنسبة له السبيل لتنمية‬
‫قدراته وتحقيق ذاته والشعور باحترام اإلدارة له‬
‫وأما من ناحية المنظمة فإن تمكين العاملين فيها يؤدي إلى تنمية المنظمة بشكل أفضل وقدرة‬
‫أكبر على التطوير والتجديد ومواكبة التغيرات البيئية المتسارعة ومستجدات القرن الجديد‪ .‬هذا‬
‫ألن الموظف الممكّن أكثر استعدادا للتكيف مع برامج المنظمة في التغيير والتطوير‪ ،‬وأكثر قابلية‬
‫للمشاركة في هذه البرامج ‪،‬ال بل من الممكن أن يساعد في عملية اإلبداع والتجديد من خالل ما‬
‫يتمتع به من روح المبادرة وتحمل المسؤولية فيكون عنصر دعم وتعزيز لرؤية المنظمة‬
‫وتحقيقها للتميز والتفوق التنافسي والتنمية المستديمة‪.‬‬

‫‪- 110 -‬‬


‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن التمكين له نتائج ايجابية بالنسبة للزبائن أو المراجعين الذين يتمنون‬
‫التعامل مع موظف يتمتع بقدرات خالقة واستقاللية واستجابة وصالحيات تمكنه من اإلجابة على‬
‫استفساراتهم من دون الرجوع إلى مديره أو إلى النص الحرفي للتعليمات دون تفكير وتمعن‪.‬‬
‫إن برامج التسويق بالعالقات وتحسين مستوى العالقة بين المدير والموظف والزبائن‬
‫والموردين‪ ،‬كلها عالقات قد تكون أكثر مالءمة وتوافقا مع واقع المنظمات التي تبادر في منح‬
‫عامليها تمكينا وتحكما وسيطرة على زمام األمور في المنظمة‪.‬‬

‫‪- 111 -‬‬


- 112 -
‫الفصل الرابع‬

‫الخدمات والتمكين‬

‫‪- 113 -‬‬


- 114 -
‫مقدمة‬
‫تنقسم منظمات األعمال إلى منظمات صناعية ومنظمات خدمية‪ .‬فالمنظمات الصناعية هي تلك التي تنتج‬
‫أوجه نش اط ملم وس أو س لعاً (‪ )Goods‬ملموسة‪ ،‬وأما المنظم ات الخدمية فهي تلك المنظم ات ال تي تنتج‬
‫أوجه نش اط غ ير ملموسة أو خ دمات (‪ .)Services‬هنالك توسع ملح وظ في قطاع ات الخ دمات على‬
‫حس اب القطاع ات اإلنتاجية الص ناعية ونش اط الموظف يختلف في المنظم ات الص ناعية‪ ،‬عن المنظم ات‬
‫اإلنتاجية مما يساهم في االختالف في طبيعة التمكين ودرجته في كل قطاع‪ .‬ففي المنظمات اإلنتاجية التي‬
‫تق دم منتج ات ملموسة بمواص فات مح ددة مس بقا قد ال ت ترك مج اال كب يرا للموظف لالجته اد أو التكيف أو‬
‫المرونة‪ ،‬أما في المنظم ات الخدمية فنط اق التمكين قد يك ون أوسع ألن الموظف يتعامل مع المس تهلك‬
‫والخدمة المقدمة للمستهلك تتأثر بالدور الذي يلعبه الموظف ولكن بدرجات متفاوتة من منظمة خدمية إلى‬
‫منظمة أخرى‪.‬‬

‫لذلك قد ال نرى في قطاع الخدمات شيئا ملموسا يقدمه الموظف أو مقدم الخدمة‪ ،‬وهنالك أمثلة كثيرة على‬
‫ذلك في لتعليم أو في المنظمات الصحية أو التأمين أو السفر أو في الهاتف أو صالون الحالقة أو غيرها‪.‬‬
‫فالخدمة تتمثل في ق درة ب ائع الخدمة على حسن التص رف والكياسة واللباقة والس رعة في تأدية الخدمة‬
‫للزبائن‪ .‬من هنا يحتاج موظف الخدمات إلى نوع من المرونة في التصرف ونوع من الحكمة في التعامل‪،‬‬
‫وهذا غالبا ال يعتمد على نص محدد وإ نما يعتمد على مواهب وقدرات وسيطرة بائع الخدمات وما يتوافر‬
‫لديه من ص الحيات في حسن التص رف والمرونة والحرية في حل مش اكل الزب ائن بالطريقة ال تي يراها‬
‫تخدم المصلحة العامة للمنظمة والزبائن على حد سواء‪.107‬‬

‫في هذا الفصل سيتم التركيز بشكل خاص على أهمية التمكين في قطاع الخدمات‪ ،‬والتحول الملحوظ في‬
‫العالم من القطاع الصناعي إلى قطاع الخدمات‪ ،‬علما بأن التمكين مفهوم عالمي يمكن تطبيقه في أي مجال‬
‫بنسب متفاوتة تعتمد على طبيعة عمل المنظمة أو المؤسس ة‪ .‬كما س يتناول ه ذا الفصل نموذج اً نظري اً‬
‫يتحدث عن العالقة بين التمكين‪ ،‬وبين الربح فيما يسمى بنموذج سلسلة الخدمة‪ -‬الربح الذي تم اإلشارة له‬
‫في الفصل الس ابق ( ‪ .108 )The Service Profit Chain Model‬وهذا الفصل س يبين للقارئ أهمية‬
‫التمكين في قطاع الخدمات وما يترتب على ذلك من فوائد ونت ائج ايجابية من خالل تمكين ب ائع الخدمات‪،‬‬
‫لتعذر وجود مقاييس ومعايير ومواصفات محددة للخدمة كما هو الحال في السلع‪.‬‬

‫‪- 115 -‬‬


‫التمكين والتحول من عالم المنتجات إلى عالم الخدمات‬
‫يؤكد ‪ Tom Peters‬في كتابه الجديد (‪" )2004‬تخيل مرة ثانيه" ‪ Re-imagine109‬أن هنالك‬
‫تحوال واضحا في إنتاج الخدمات على حساب المنتجات الصناعية‪ .‬فمع مطلع عام ‪ 2003‬حدثت‬
‫موجة انكماش عالمية في مبيعات المنتجات في حين بدأت الخدمات تزدهر‪ ،‬فانظر األرقام التالية‬
‫في الجدول اآلتية‪:‬‬

‫جدول ‪ 5‬ازدهار الخدمات مقارنة مع المنتجات‬

‫المنتجات‬ ‫االنخفاض‬ ‫الخدمات‬ ‫االرتفاع‬

‫مبيعات التلفزيونات‬ ‫‪12%‬‬ ‫االشتراك في القنوات الفضائية‬ ‫‪5%‬‬

‫مبيعات لعب األطفال‬ ‫‪10%‬‬ ‫مبيعات خدمات رعاية األطفال‬ ‫‪5%‬‬

‫مبيعات معدات وكاميرات التصوير‬ ‫‪7.7%‬‬ ‫مبيعات خدمات التصوير‬ ‫‪3%‬‬

‫مبيعات السيارات‬ ‫‪2%‬‬ ‫مبيعات صيانة وإ صالح السيارات‬ ‫‪3%‬‬

‫مبيعات أدوات المطبخ‬ ‫‪1%‬‬ ‫مبيعات المطاعم‬ ‫‪2%‬‬

‫هذا وتؤكد الكثير من الدراسات والمؤشرات إضافة لهذه األرقام التي وضحها ت وم بي ترز في‬
‫كتابه لعام ‪ 2004‬التحول الملحوظ في اعتماد االقتصاد العالمي على المؤسسات التي تقدم سلعًا‬
‫ملموسة إلى المؤسسات التي تقدم خدمات غير ملموسة كالخ دمات البنكية والرياض ية والفنية‬
‫وخدمات االنترنت والمحطات الفضائية وغيرها من الخدمات‪.‬‬
‫ماهية الخدمات‬
‫الخدمات‪ ،‬كما تم ذكره أنفًا هي أوجه نشاط غير ملموسة فعند ذهاب المستهلك إلى البنك أو إلى‬
‫الفندق أو عند السفر في الطائرة‪ ،‬أو في وسائط النقل‪ ،‬يحصل المستهلك على خدمة وهذه الخدمة‬
‫وس‪ ،‬وإنما‬ ‫غير ملموسة‪ ،‬وعند شراء بوليصة تأمين أيضا ال يحصل المستهلك على شيء ملم‬
‫يحصل على األمان واالطمئنان على ممتلكاته من أي عارض أو حادث‪ .‬إذن الخاصية األساسية‬
‫للخدمات أنها غير ملموسة‪ ،‬وه ذه من أهم الخص ائص ال تي تم يز الخ دمات عن السلع (‬
‫‪- 116 -‬‬
‫‪ )Lovelock,‬فعند المقارنة بين الخدمات والسلع يالحظ المرء في السلع أنه بواس طة‬ ‫‪1983‬‬
‫حاسة اللمس واستخدام الحواس المختلفة يمكن تحديد جزء هام من ج ودة المنتج وكفاءته مقابل‬
‫يء نفسه‪،‬‬ ‫السعر الذي يدفعه ثمنا للخدمة‪ ،‬ولكن في السلع الملموسة ال يمكن للمشتري فعل الش‬
‫وإنما هنالك عوامل أخ رى للحكم والتق ويم مثل س رعة أداء الموظف وخبرته وقدرته على‬
‫مساعدة المستهلك في حل المشكلة بالطريقة المناسبة (‪)Lovelock, 1983‬‬

‫خصائص الخدمات‬
‫فمن أهم الخصائص التي تميز الخدمات عن السلع بحسب كل من (;;‪Zeithaml et al, 1985‬‬
‫‪110‬‬
‫‪)Shostack, 1982; Parasuraman et al., 1985‬‬
‫الخاص ية األساس ية‪ :‬تتسم الخدمات بأنها أوجه نش اط غ ير ملموسة ((‬ ‫‪‬‬
‫‪.Intangible‬‬
‫الخدمات غير متجانسة (‪ )Heterogeneity‬و متباينة (‪ .)Variability‬هذه‬ ‫‪‬‬
‫دة‬ ‫الخاصية هامة جدا في بيان دور مقدم الخدمة‪ .‬فالسلع ال يمكن أن تختلف من وح‬
‫إلى أخرى فمن الصعوبة بمكان ضبط أي فروقات بين جهاز حاسوب وآخر من نفس‬
‫المنتج لنفس الشركة‪ ،‬ويصعب هذا األمر في الكثير من الخدمات وذلك بسبب اختالف‬
‫الزبائن وتباين احتياجاتهم واختالف الظروف وتباين المتغيرات تحت س يطرة مق دم‬
‫الخدمة‪ .‬وهنا يأتي دور مقدم الخدمة وما يتوافر لديه من مرونة وصالحية وتمكين في‬
‫تلبية رغبات الزبائن المختلفة والظروف المتباينة التي تحكم كل خدمة‪.‬‬
‫فال يمكن تخزين تذاكر‬ ‫الخ دمات غ ير قابلة للتخ زين(‪)Perishable‬‬ ‫‪‬‬
‫السفر في حالة المقاعد غير المحج وزة من أجل اس تخدامها في الرحلة القادمة وال‬
‫يمكن تخزين تذاكر المسرح غ ير المس تخدمة للمس رحية القادمة والمقعد الدراسي‬
‫الب‬ ‫الشاغر في أحد المعاهد ال يمكن توفيره للعام الدراسي القادم إذا لم يشغله أي ط‬
‫لهذا العام‪.‬‬
‫صعوبة الفصل بين إنت اج الخدمة واس تهالكها (‪ )Inseparable‬فتُستهلك‬ ‫‪‬‬
‫توديو‬ ‫الخدمة خالل علمية اإلنتاج‪ .‬من األمثلة على ذلك في صالون الحالقة وفي أس‬
‫المصور وفي المستشفى وفي الفندق وغيرها من الخدمات‪ .‬وتُبرز ه ذه الخاص ية‬
‫بشكل واضح أهمية مقدم الخدمة (‪ )Service Provider‬وما يتمتع به من قدرات من‬
‫حيث المرونة والتكيف والسرعة في األداء‪.‬‬
‫‪- 117 -‬‬
‫يتبين من خالل أدبيات الموضوع بأنه عندما يصعب الفصل بين عمليات إنتاج الخدمات من قبل‬
‫مقدم الخدمة واستهالكها من قبل مستقبل الخدمة‪ ،‬أي الزبون‪ ،‬فعندها يمتلك مقدم الخدمة في هذه‬
‫الحالة فرصة ذهبية ومهمة في تحسين الجوانب النوعية‪ ،‬أو الوظيفية من الخدم ة‪ .‬ل ذلك يمكن‬
‫لمقدمي الخدمات من أصحاب القدرات العالية أن يلعبوا أدوارا أساسية‪ ،‬وهامة في إعادة تشكيل‪،‬‬
‫وصياغة رأي وإدراك وانطباع المستهلك أو الزبون بما يتعلق بنوعية الخدمات التي يقدمها لهم‪.‬‬
‫وبشكل خاص عندما يتمتع بالتمكين الكافي في تغيير وجهات نظر الزبائن ح ول المنظمة‪ ،‬فينقل‬
‫تصورًا إيجابيًا للزبائن حول جودة المنظمة‪ ،‬وما تقدمه من خدمات‪.‬‬
‫دم‬ ‫من هنا يبدأ لغز العالقة بين التمكين والخدمات يتضح من خالل العالقة بين الزبون وبين مق‬
‫ين‬ ‫الخدمة (أي الموظف الذي يقدم الخدمة) فهذا الموظف هو الذي يمتلك اللغز والسر في تحس‬
‫نوعية الخدمة ورؤية قيمة عالية لها في نظر الزبائن‪ ،‬وقد يتحكم بالخدمة من خالل أدائ ه‪ ،‬ومن‬
‫رعته ومن خالل أناقته‬ ‫خالل ابتسامته الجميلة‪ ،‬ومن خالل مودته وحسن تعامله‪ ،‬ومن خالل س‬
‫ولباقته‪ ،‬ومن خالل مجاملته وقدرته على تقديم بدائل أك ثر مالءمة للزب ائن ومن خالل مرونته‬
‫وقدرته على االستجابة وتفهم احتياجات الزبائن‪.‬‬
‫هذه األمور تشكل حجر األساس في مستوى الخ دمات المقدمة‪.،‬وإن الج ودة المتوقعة من قبل‬
‫الزبائن تختلف حسب االستراتيجية المتبعة بواسطة المنظمة (‪ .)Grönroos, 1994‬هذا يقودنا‬
‫إلى نظرية جودة الخدمات الشاملة التي طورّتها المدرسة النرويجية للخدمات ‪Nordic School‬‬
‫‪. of Services‬‬

‫الجودة الشاملة للخدمات‬


‫دمات من وجهة‬ ‫حسب المدرسة النرويجية للجودة الشاملة للخدمات‪ 111‬فإن الجودة المتوقعة للخ‬
‫نظر المستهلك هي محصلة ألمرين أو جانبين‪ :‬األول‪ ،‬هو الجانب الفني والث اني‪ :‬هو الج انب‬
‫المعنوي الذي ينتج عن التفاعالت المختلفة مع المنظمة (‪ .( )Norman, 1984‬فبينما يُدعى‬
‫الجانب األول في أدبيات تسويق الخدمات بالجانب الفني للجودة (‪ )Technical Quality‬يُسمى‬
‫‪112‬‬
‫الجانب الثاني بالجانب الوظيفي للجودة (‪)Grönroos, 1994( )Functional Quality‬‬
‫ويشّبه‪ Gilmore and Carson (1993;2000)113‬الجوانب الفنية في الجودة ألي خدمة باألبعاد‬
‫الليّنة (‪ )Soft Dimensions‬واألبعاد النوعية أو الوظيفية كما س ماها ‪ Grönroos‬باألبع اد‬
‫الصلبة (‪ . )Hard Dimensions‬واألبعاد اللينة هي التي يتم تجاهلها في الغالب بسبب صعوبة‬
‫قياسها وض بطها على ال رغم من أهميتها ال تي تف وق أهمية الج وانب الص لبة أو الفنية (‬

‫‪- 118 -‬‬


‫‪ )Grönroos, 1994‬فالجوانب الفنية (الصلبة) في الخ دمات الطبية مثال تتمثل في األجه زة‬
‫والمعدات الطبية التي يستخدمها الطبيب في عالج المريض وحص ول الم ريض على العالج‬
‫المناسب الذي يساهم في شفائه من المرض‪.‬والجوانب غير الفنية (الليّنة) تتمثل في طريقة تعامل‬
‫ورفقه واهتمامه اإلنساني بالمريض الذي يعاني األلم‪ ،‬وهذه الجوانب ربما تف وق أهمية‬
‫الطبيب ِ‬
‫الجوانب الفنية األخرى التي ال يستهان بأهميتها أيضا‪.‬‬
‫هنا تتدخل عملية التمكين وحرية التصرف والشعور بامتالك زمام المبادرة‪ .‬فهل يمتلك الموظف‬
‫في المؤسسة الخدمية كالمطعم أو الفندق أو المستشفى مثال قدرة على تحسين جودة الخدمات في‬
‫نظر الزبائن وهو‪ ،‬أي ذلك الموظف‪ ،‬ال تتوافر لديه سوى الق وانين والتعليم ات واإلرش ادات‬
‫الحرفية للتصرف بها مع الزبائن؟‪ .‬هل سيملك مثل هذا الموظف الذي ال تتوافر لديه سوى سؤاله‬
‫لمديره عن أي قضية مختلفة وغير منصوص عليها في اللوائح‪ ،‬هل س يتمكن ه ذا من ممارسة‬
‫مبادئ اللباقة والكياسة وحسن التصرف وتقديم البدائل المختلفة للزبائن؟‪.‬‬
‫لقد أثبتت الكثير من الدراسات أن الموظف الذي تتوافر له الحرية المناسبة في التصرف تت وافر‬
‫لديه أيضا القدرة الفضلى على اإلبداع والمشاركة واتخاذ القرار في األوقات الصعبة‪.‬‬
‫من كل ما سبق ال يمكننا القول ب أن التمكين هو فقط مناسب وض روري للمؤسس ات الخدمية‬
‫فحسب‪ ،‬إال أن طبيعة الخدمات؛ ألنها غير ملموسة ومتغيرة وغير قابلة للتصميم النمطي والدقيق‬
‫كالمنتجات الملموسة‪ ،‬فهي أكثر حاجة لممارسة التمكين منها في المؤسسات اإلنتاجية‪.‬‬
‫تي‬ ‫وهذا يقودنا لبيان أهمية التمكين في قطاع الخدمات بشكل خاص من خالل بعض النماذج ال‬
‫ذي يوضح العالقة الخطية بين‬ ‫نذكر منها على وجه الخصوص نموذج سلسة الخدمة‪-‬الربح‪ ،‬ال‬
‫التمكين والعالقات اإلنسانية داخل المنظمة من جهة‪ ،‬وسلسلة من النتائج المرغوبة من جهة ثانية‪،‬‬
‫و هي التي تقود عبر عدة حلقات إلى الحلقة األخيرة المتعلقة بتحقيق أرباح وإيرادات للمنظمة‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬نموذج سلسلة الخدمة – الربح (‪The service profit chain‬‬


‫‪)model‬‬
‫ه ذا النم وذج ال ذي قدمه (‪ )Heskelt et al، 1994‬من النم اذج الهامة ال تي أش ارت إلى وج ود حلق ات‬
‫مترابطة ومتسلس لة داخل المؤسسة‪ ،‬كل حلقة مرتبطة بحلقة س ابقة لها والحقة تب دأ من الحلقة األساس ية‪،‬‬
‫وهي‪" :‬نوعية الخدمات الداخلية ( ‪ )Internal Service Quality‬فهذه الحلقة األُم واألصل‪ ،‬قد تساهم في‬

‫‪- 119 -‬‬


‫خلق سلسلة من الحلقات التي تقود في النهاية إلى رفع مستويات الربحية والنمو لدى المؤسسة الناجحة كما‬
‫‪114‬‬
‫‪:‬‬ ‫يبين الشكل اآلتي‬
‫شكل ‪2‬سلسلة الخدمة‪-‬الربح‬
‫شكل رقم ‪2‬سلسلة الخدمة‪-‬الربح‪-‬نموذج ‪Heskett et al‬‬
‫بقاء الموظفين‬
‫واالحتفاظ بهم‬
‫قيمة‬ ‫الرضا‬ ‫النوعية الداخلية‬
‫الخدما‬ ‫الوظيفي‬ ‫للخدمات‬
‫ت أو‬
‫للسلع‬ ‫إنتاجية‬
‫الموظف‬

‫رضا الزبائن‬ ‫النمو‬


‫ووالئهم ‪C.S‬‬ ‫واإليرادات‬
‫‪loyalty‬‬

‫الربحية‬
‫‪Profitably‬‬

‫‪Source: Heskett, J.L, et al., Putting the Service Profit Chain to Work, Op cit.‬‬

‫كل واضح‬ ‫لذلك فإن نموذج "سلسلة الخدمة – الربح" كما هو موضح في الشكل السابق يدلنا بش‬
‫على عالق ات خطية بين الربحية ووالء الزب ائن ورضا الموظف ووالئه للمنظمة إض افة إلى‬
‫مستوى إنتاجيته (‪.)Heskett، et al.، 1994‬‬
‫فتبدأ هذه الحلقات بالحلقة األخيرة‪ ،‬بالربح والنمو الذي يُعزز ويزيد أو يتناقص من خالل زيادة أو‬
‫تناقص الحلقة التي تسبقها وهي والء الزبائن‪ .‬ووالء الزبائن ينظر إليه على أنه حلقة تنبثق بشكل‬
‫مباشر عن رضا الزبائن‪ ،‬فرضا الزبائن هنا يصب بتحسين مستويات انتمائهم‪ .‬ورضا الزب ائن‬
‫محصلة لمستوى الخدمات وقيمتها فكلما كانت قيمتها عالية يفترض‬
‫ً‬ ‫أيضًا يتمخض بشكل مباشر‬
‫أن تساهم في زيادة رضا الزبائن والعكس صحيح‪ .‬وهذه األخيرة تُعزز وت زداد بزي ادة رضا‬
‫الموظفين ووالئهم وإنتاجيتهم‪ .‬فمن غير المعقول الحصول على زبائن سعداء بواسطة خ دمات‬
‫يقدمها موظفون تعس اء‪ ،‬ورضا الم وظفين ينجم عن الحلقة األصل واألم وهي المتعلقة بنوعية‬
‫‪- 120 -‬‬
‫تي تمّكن‬ ‫الخدمات الداخلية المرتبطة بسياسات المؤسسة الداعمة والمشجعة للموارد البشرية ال‬
‫الفرد من القيام بعمله باقتدار وكفاءة ومسؤولية‪.‬‬
‫جودة الخدمة الداخلية ‪Internal Service Quality‬‬
‫ما هي يا ترى جودة الخدمة الداخلية َ‪Internal Service Quality‬؟؟‬
‫قد نفهم بسهولة ما هو المقصود بجودة الخدمة التي يتلقاها الزبائن والتي في هذا السياق قد تكون‬
‫الخدمة الخارجية التي تخ رج من المؤسسة إلى الزب ائن‪ ،‬ولكن الخدمة الداخلية تحت اج إلى‬
‫توضيح وشرح‪.‬‬
‫اخ التنظيمي‬ ‫فالخدمة الخارجية هي في الحقيقة نتاج الخدمة الداخلية‪ ،‬والخدمة الداخلية هي المن‬
‫الداخلي الذي يوفر للعاملين داخل المؤسسة اإلمكانيات والق درات ال تي تمكنهم من أداء العمل‬
‫بنوعية وكفاءة وفاعلية عالية‪ ،‬بحيث يساهم هذا األداء الفاعل بجودة خ دمات ومنتج ات عالية‬
‫ومرتفعة‪.‬‬
‫ومن أهم عناصر ذلك المناخ اإليجابي‪:‬‬
‫‪ .1‬توفير مناخ مالئم لإلبداع والتميز‪.‬‬
‫‪ .2‬توفير مناخ لالعتماد المتبادل من خالل التعاون وروح الفريق المتكامل‪.‬‬
‫‪ .3‬توفير درجات من التمكين وحرية التصرف في العمل‪.‬‬
‫‪ .4‬توفير مناخ من الثقة بين المدير والمرؤوس‪.‬‬
‫‪ .5‬توافر مناخ من التعلم المستمر والسماح بهامش من المخاطرة والخطأ والتجربة‪.‬‬
‫‪ .6‬توافر الدعم والحماية للمرؤوسين من أجل اإلبداع‪.‬‬
‫‪ .7‬توفير تدفق مستمر للمعلومات‪.‬‬
‫‪ .8‬توفير المناخ المالئم للتدريب واكتساب المهارة والمعرفة‪.‬‬
‫‪ .9‬توفير الحوافز المناسبة‪.‬‬
‫هذه العناصر هي مكونات أساسية للجودة الداخلية التي تمكن المرؤوسين في داخل المؤسسة من‬
‫أداء العمل بجودة عالية ونوعية متميزة‪ .‬ويبرز من بين مكونات الجودة الداخلية مك ون أساسي‬
‫وهام وهو تمكين الموظف ومنحه حرية تصرف وصالحيات أكبر‪.‬‬
‫التمكين أم أس لوب خط اإلنت اج (‪Empowerment or Production Line‬‬
‫‪)Approach‬‬
‫‪- 121 -‬‬
‫هنا يجدر بنا مناقشة خيار من بين خيارين أحدهما يرتبط التمكين‪ ،‬واآلخر يرتبط بأسلوب " خط‬
‫‪The‬‬ ‫‪Production‬‬ ‫‪Line‬‬ ‫‪Approach‬‬ ‫‪or‬‬ ‫‪The‬‬ ‫اإلنت اج" و "الرقابة ( ‪Control‬‬
‫‪.)Approach‬الذي أكده ‪ Theodore Levitt, 1972115‬عندما تحدث عن أسلوب خط اإلنتاج‬
‫الذي يفترض مستويات عالية من النمطية والرتابة على خط اإلنتاج‪ ،‬ذلك الخط الذي تت دفق من‬
‫خالله المنتجات في المصنع بشكل واسع النطاق‪ ،‬مما يتطلب درجة عالية من األشراف والرقابة‬
‫على العاملين من اجل ضمان تطبيق التعليمات واإلجراءات الصارمة‪ ،‬التي تضمن بدورها إنتاج‬
‫السلع بدرجة مناسبة من االنسجام‪ ،‬والثبات؛ لتف ادي أي خلل في دقة المواص فات والمق اييس‬
‫الخاصة بهذه المنتجات‪.‬‬
‫هذا األسلوب بحسب)‪ Gilmore and Moreland (2000:4‬يتطلب ما يناسبه من الهيكل‬
‫التنظيمي المناسب بحيث يكون تنظيما هرميا وبيروقراطيا تتم فيه عملية االتصال من أعلى إلى‬
‫اسفل لضمان درجة عالية من النمطية في العمل ‪ Work Standardization‬وقد دعى العديد‬
‫من العلماء وعلى رأسهم‪ Levitt (1976) 116‬إلى ضرورة محاكاة هذا األسلوب في واقع قطاع‬
‫الخدمات لضمان مستويات ثابتة من االنسجام وتفادي عملية التذب ذب في مس تويات اإلنت اج‪،‬‬
‫كالبنوك والتامين والصحة وغيرها من قطاعات الخدمات المختلفة‪.‬‬
‫سطة بشكل مب الغ فيه‪ ،‬فمن غ ير الممكن في واقع األمر أن نضع لموظف‬
‫هذه االفتراضات مب ّ‬
‫البنك (كالتلر مثال) ضوابط محددة للقيام بها من اجل تقديم الخدمات للزبائن‪ .‬ومن غ ير الممكن‬
‫تحديده بوقت ثابت لإليداع أو لصرف شيك أو إلنجاز أي حركة‪ .‬وكما ال يمكن تحدي ده بش كل‬
‫وم به العامل‬ ‫ثابت بطريقة محددة للترحيب بالزبائن أو حل مشاكلهم المختلفة والمتباينة مثلما يق‬
‫على خط اإلنتاج عند قيامه بتغليف أو تعبئة المنتجات في عبوات لتكون جاهزة لش حنها لتج ار‬
‫الجملة أو التجزئة‪ .‬ففي قطاعات الخدمات يختلف األمر تماما عنه في القطاع اإلنتاجي‪ .‬وتزداد‬
‫الحاجة الستخدام أسلوب التمكين كما يؤكد ذلك كل من ;)‪Bowen and Lawler (1992;1995‬‬
‫;‪Lovelock, 1983117‬‬ ‫‪118‬‬
‫;‪Bitner et al., 1990; Parasuraman et al.،119 1985‬‬
‫‪120‬‬
‫وكلما كانت المهام التي يقوم بها موظف الخدمات أكثر‬ ‫‪Hartline and Ferrel, 1996‬‬
‫تعقيدا وأقل روتينية وأكثر شخصنه(‪ )Personalized‬زادت أهمية المرونة في مواجهة التب اين‬
‫في رغبات المستهلكين‪ ،‬مما يتطلب من الموظف مراعاة احتياجات المس تهلكين حسب الطلب (‬
‫‪.) Customization‬‬
‫من هنا تؤكد مختلف الدراسات الدور الهام والمُتجاهل (‪ )Melhem, 2005‬للموظف المباشر‪،‬‬
‫فموظف الخدمات عندما يتمتع بحرية التصرف وروح المبادرة الذاتية وال دافع ال ذاتي لخدمة‬

‫‪- 122 -‬‬


‫الزبائن بمستويات عالية من الكفاءة والمرونة والتكيف فإنه يجلب إلى مؤسس ته نت ائج جي دة‬
‫وسمعة حسنة وإيرادات أفضل‪.121‬‬
‫وهنا يجب على القيادة أو اإلدارة الحيطة والحذر فقد قام الكثير من القادة بمنح م وظفيهم ه ذه‬
‫ية‪،‬‬ ‫المستويات من االستقاللية‪ ،‬وكان بالمقابل استغالل الموظفين لهذه الثقة لمصالحهم الشخص‬
‫ومنهم من قام بفساد مالي وفساد إداري‪ ...‬الخ‪ .‬فالحل كما يقترح )‪Peffefer (1999; 2000‬‬
‫‪ Jeffrey‬في العديد من دراساته العلمية الرصينة يكمن في جعبة القائد الناجح الذي يصنع ثقة‬
‫متبادلة وليس ثقة من طرف واحد وهو القائد الذي يعزز أواصر االنتماء والوالء وأسس المعرفة‬
‫والكفاءة بين الموظفين‪.‬‬
‫هذا التعزيز كما أشرنا في مواضع متعددة من هذا الكتاب يحتاج إلى مناخ مؤسسي مالئم يتطلب‬
‫إعدادا مسبقا واستراتيجية طويلة المدى وتغيرات هيكلية وتنظيمية مصاحبة‪ ،‬فمثال من الص عب‬
‫تعزيز أواصر الثقة واالنتماء بالشعارات والخطابات فقط فال م انع أب دا من الش عارات ولكن‬
‫الشعارات تحتاج إلى ما يصدّقها من حيث ممارس ات اإلدارة وأفعالها ال تي ينبغي أن تص دق‬
‫أقوالها‪ .‬فعندما ينظر المرؤوس إلى ممارسات القيادة المجحفة فإنه لن يكون مقتنعا أبدا بشعارات‬
‫الثقة واالنتماء التي تحاول الكثير من القيادات تسويقها‪.122‬‬

‫نموذج مقترح للعالقة بين التمكين ورضا الزبائن‬


‫وقد تم تعديل نموذج "سلسلة الخدمة الربح كما هو موضح ب النموذج اآلتي‪ 123‬حيث تم اخ تزال‬
‫اركة‬ ‫جودة الخدمة الداخلية إلى بُعد التمكين ومنح العاملين مزيدا من التفويض والحق في المش‬
‫والمساهمة في تحمل المسؤولية جنبا إلى جنب مع المديرين في المنظمة‪ .‬ويوضح الش كل اآلتي‬
‫عالقة خطية مباشرة بين التمكين ومقومات التمكين المتفق عليها في هذا الكتاب‪ ،‬وهي‪ :‬المعرفة‬
‫رة بين‬ ‫والمهارة واالتصال وتدفق المعلومات والحوافز والثقة‪ .‬كما أن هناك عالقة خطية مباش‬
‫التمكين ورضا العاملين‪ ،‬ومن ثم عالقة مباشرة بين رضا العاملين ورضا الزبائن‪ .‬وقد تم اختبار‬
‫هذه العالقات من خالل دراسة ميدانية ملحم (‪ )Melhem, 2003‬تم تطبيقها على البنوك التجارية‬
‫في المملكة األردنية الهاش مية وقد خضع له ذه الدراسة ‪ 570‬من م وظفي البن وك من ذوي‬
‫االحتكاك المباشر مع الزبائن‪ .‬وقد قام الباحث بتدعيم دراسته بمقابالت معمقة‪ .‬وقد أشارت نتائج‬
‫كل رقم(‪ .)2‬أي أن التمكين‬ ‫الدراسة الكمية والكيفية إلى تأييد العالقات المباشرة التي يبينها الش‬
‫لدى موظف البنك يساهم في رفع مستوى الرضا الوظيفي‪ ،‬ومستوى الرضا الوظيفي يس اهم في‬

‫‪- 123 -‬‬


‫رفع مستوى الرضا لدى الزبائن‪ ،‬علما بأن مقومات التمكين أيضا تساهم في زي ادة مس تويات‬
‫التمكين لدى الموظفين بنسب متفاوتة كان من أهمها وأقواها‪ :‬المعرفة والمهارة ومن ثم الثقة بين‬
‫المدير والموظف‪.‬‬
‫شكل رقم ‪3‬نموذج مقترح في التمكين‬

‫المعرفة‬
‫رضا‬
‫رضا‬ ‫المعلومات‬
‫الزبائن‬ ‫التمكين‬
‫الموظف‬ ‫الثقة‬
‫الحوافز‬

‫المصدر‪ :‬من إعداد الكاتب‪.‬‬

‫الخالصة‬
‫موضوع التمكين وتسويق الخدمات من المواضيع الهامة في أدبيات التمكين والتسويق‪ .‬وتتزايد‬
‫أهمية هذا الموضوع بتزايد اعتماد اقتصاديات الدول على قطاع الخ دمات‪ ،‬وخاصة بعد األلفية‬
‫الثالثة وزيادة االعتماد على تكنولوجيا المعلومات‪ ،‬وتوسع شبكة اإلنترنت‪ ،‬وتع اظم خ دماتها‪،‬‬
‫والتطور الكبير في تكنولوجيا االتصال‪ ،‬وفي التكنولوجيا بشكل عام‪.‬‬
‫وهنالك زيادة واضحة في إقبال المستهلكين على الخدمات مثل خ دمات االتص ال (اإلن ترنت‬
‫والفضائيات والهاتف النقال أو المحمول) والتأمين والسياحة والترفيه والسفر وخدمات التوصيل‬
‫والتجارة االلكترونية والبنوك والصيانة وخدمات المطاعم وخدمات الشحن والبريد وغيرها‪ .‬هذا‬
‫كله ساهم في تركيز المنظم ات على رأس الم ال البش ري والترك يز على العمالة (‪Labor‬‬
‫‪ )Intensive‬أكثر من التركيز على رأس المال التقليدي (‪ ، )Capital Intensive‬فلم تعد الكثير‬

‫‪- 124 -‬‬


‫من الشركات تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة لبناها التحتية‪ ،‬فتحولت بدال من ذلك إلى االستثمار‬
‫في القوى العاملة‪ ،‬والطاقات البشرية المتسلحة بالخبرة والمعرفة‪.‬‬
‫لع‬ ‫وكون الخدمات أوجه نشاط غير ملموسة‪ ،‬وتعتمد على الطاقات البشرية بشكل أكبر من الس‬
‫الصناعية‪ ،‬وتتميز الخدمات بأنها غير ملموسة وغير منفصلة وغير قابلة للتخزين ومتباينة وغير‬
‫متجانسة وكل هذه الخصائص تجعل العنصر البشري والموظف المحتك بالزبائن(‪Customer-‬‬
‫‪ )Contact Employee‬على درجة من األهمية في قدراته ومرونته وتمكّنه واستجابته للتباين‬
‫والتغير في رغبات الزبائن واحتياجاتهم‪.‬‬
‫وهنا يأتي دور اإلدارة التي تحرص على تقديم خ دمات ذات ج ودة عالية من خالل الموظف‬
‫المحتك بالزبائن‪ ،‬وذلك بخلق المناخ المناسب ال ذي يمكّنه من ممارسة دوره في خدمة الزب ائن‬
‫بكل كفاءة واقتدار‪ .‬وقد قدم في هذا السياق )‪ Heskett et al (1994‬نموذجا (انظر الشكل‬
‫الس ابق) هاما للربط بين ذلك المن اخ التنظيمي المناسب ال ذي يتسم بج ودة أو نوعية الخدمة‬
‫الداخلية‪ )Internal Service Quality( ،‬ومجموعة من النتائج المترتبة على ذلك المناخ‬
‫التنظيمي‪ .‬هذه النتائج تخدم مصلحة المنظمة على المدى الطويل وتمر في سلسلة خطية بحلقات‬
‫متتابعة تؤدي في نهايتها إلى تحقيق أرباح وإي رادات جي دة للمنظمة‪ ،‬وخاصة في المنظم ات‬
‫الربحية كما حدث في شركة سيرز (‪ )Sears‬في دراسة )‪ Rucci et al., (1994‬التي طبقت‬
‫بشكل فعلي نموذج "سلسلة الخدمة‪-‬الربح" لهيس كيت (‪ )Heskket‬حيث ثبتت مص داقية ه ذا‬
‫النموذج على أرض الواقع‪ .‬فأساس ومصدر هذه النتائج من رضا ووالء للموظفين ورضا ووالء‬
‫مماثل من قبل الزبائن‪ ،‬وإيرادات وأرباح مماثلة تحققها المنظمة‪ .‬ومص در ه ذه النت ائج كلها‬
‫الطاقة الكامنة المتمثلة في القوى البشرية التي تمتلك الحرية في التصرف واالستقاللية والتمكين‬
‫بصفتها توجهات إدارية معاصرة ‪،‬ثبت فاعليتها في كثير من المنظمات‪.124‬‬

‫‪- 125 -‬‬


- 126 -
- 127 -
‫الفصل الخامس‬

‫التمكين والتنظيم اإلداري‬

‫‪- 128 -‬‬


- 129 -
‫مقدمة‬
‫التنظيم يدل على الجهود التي تبذل من أجل تحقيق أه داف المنظمة من خالل تحديد الس لطات‬
‫والمسؤوليات وإقامة العالقات بين العاملين في الجهد الجماعي المشرك‪ 125‬والتنظيم يشمل الهيكل‬
‫التنظيمي الذي يعبر عن شكل العالقات الرسمية بين المستويات اإلدارية المختلفة‪ ،‬كما يتض من‬
‫القوانين واللوائح ونظم العمل المختلفة‪.‬‬
‫سيتطرق هذا الفصل للعالقة بين التنظيم اإلداري والتمكين من أجل تحديد طبيعة التنظيم المناسب‬
‫للتمكين كأسلوب إداري معاصر‪ .‬والفرضية األساسية في هذه الوحدة تؤكد عدم مالءمة الهياكل‬
‫التنظيمية التقليدية مع تطبيق مفهوم التمكين‪ .‬فمن غير الممكن تطبيق مفهوم معاصر مثل مفهوم‬
‫التمكين في ضل هياكل تنظيمية ومبادئ مؤسسية وجدت منذ مئة عام‪.‬‬
‫والتنظيم المناسب يشكل المناخ والتربة المناسبة ال تي ت ترعرع فيها عملية تمكين الم وظفين‬
‫وحرية التصرف لديهم‪ .‬فالتنظيم التقليدي العمودي أو الهرمي أو البيروقراطي الذي تتسلسل فيه‬
‫القرارات والمعلومات والتعليمات‪ ،‬واالتصال من أعلى إلى أسفل‪ ،‬لم يعد يصلح للتمكين بس بب‬
‫مواصفاته التي تتعارض مع أسس التمكين‪ .‬ومن أهم مواص فات التنظيم التقلي دي‪ :‬المركزية‬
‫والتسلسل الرئاسي وأسلوب الرقابة من أعلى إلى أسفل والنظم البيروقراطية أو النظم السلطوية‪.‬‬
‫ففي هذه النظم تمركز للسلطة في قمة الهرم‪ ،‬أي أن السلطة والحق في اتخاذ الق رار يتزايد كلما‬
‫اتجهنا إلى قمة الهرم التنظيمي بينما في التمكين يحدث العكس فيتم دفع الس لطة وحرية اتخ اذ‬
‫القرار من أعلى إلى أسفل‪.‬‬
‫وم إداري‬ ‫لذلك ستبدأ هذه الوحدة في تناول االتجاهات التنظيمية المعاصرة التي تنسجم مع مفه‬
‫عصري مثل مفهوم التمكين‪.‬‬

‫اتجاهات تنظيمية معاصرة‬


‫التغير والتغيير جزءان ال يتجزأن من حياة المنظمات المعاصرة كب ديل حتمي للهياكل التنظيمية‬
‫التقليدية‪ .‬هنالك بعض االتجاهات التنظيمية المعاصرة التي ال بد من استعراضها في هذا الكتاب‬
‫والهدف من ذلك هو معرفة عالقة هذه التح والت التنظيمية بالتوجه الع ام لبعض المؤسس ات‬
‫يرات‬ ‫بعملية التمكين‪ .‬وكما ذكرنا في أك ثر من موقع‪ ،‬فإن التمكين ال يمكن أن ينجح دون تغ‬
‫ؤال المهم‬ ‫مصاحبة مثل التغيرات التنظيمية التي قد تكون مناسبة لتطبيق مفهوم التمكين‪ .‬والس‬
‫هنا‪ ،‬ألم تعد التنظيمات التقليدية مناسبة لتطبيق مفهوم التمكين ومف اهيم معاص رة أخ رى مثل‬

‫‪- 130 -‬‬


‫المنظمة المتعلمة والجودة الشاملة وإعادة هيكلة العمليات وتنظيم الفريق والتنظيم ات الش بكية‬
‫وغيرها؟‬

‫نعم‪ ،‬إن التنظيمات التقليدية‪ ،‬في حقيقة األمر‪ ،‬لم تعد مناسبة‪ ،‬وال بد من ب دائل لتحل محل ه ذه‬
‫الهياكل التنظيمية القديمة‪ .‬واهم هذه االتجاهات التنظيمية التي يمكن أن تصاحب مفهوم التمكين ‪:‬‬

‫‪ .1‬الهيكل التنظيمي المقلوب ‪: Upside-down pyramid‬الذي ويقوم على وضع‬


‫الزبائن على رأس الهيكل التنظيمي من ناحية األهمية كما يوضح الش كل الت الي‬
‫رقم ‪ 4‬يتبعهم الموظف ون ومن ثم يليهم المس تويات اإلدارية المختلفة وص وال‬
‫باإلدارة العليا ومجلس اإلدارة‪ .‬وهذا التغير لم يتم بين عشية وضحاها‪ ،‬وإنما نجم‬
‫‪126‬‬
‫(انظر التطورات التاريخية في الفكر اإلداري في الفصل‬ ‫عن تغيرات تاريخية‬
‫الثاني) في التحول إلى االهتمام بالزبائن ورضا الزبائن‪.‬‬

‫ذين يمكن للمنظمة‬ ‫ومن ثم محاولة إرضاء من يمكنه أن يرضي الزبائن‪ ،‬أال وهم الموظفون ال‬
‫ًا من‬ ‫تمكينهم من تقديم خدمات أو منتجات ذات قيمة تفي برغبات الزبائن‪ ،‬مما يحقق هدفًا هام‬
‫أهداف المنظمة‪.‬‬
‫شكل رقم ‪ 4‬الهيكل التنظيمي المعاصر‬

‫الزبائن‬

‫الموظفون و اإلدارة العليا‬


‫اإلدارة الوسطى‬

‫اإلدارة‬
‫العليا‬

‫‪Source: Schermerhorn, J, Management, Op cit.‬‬

‫‪131‬ل‪ -‬التنظيم ي‪ :‬إعادة تص ميم الهيك ل‬ ‫االتجاه المعاص ر ف ي تص ميم ‪-‬الهيك‬


‫التنظيم ي وقلب ه رأس ا عل ى عق ب م ن أج ل من ح أهمي ة أك بر للزبائ ن يليه م‬
‫العاملون ف ي الص فوف األمامي ة للمنظم ة وهكذا حتى نص ل إل ى المس تويات‬
‫اإلدارية العليا‪.‬‬
‫‪ .2‬تقلص المس تويات اإلدارية في التسلسل الرئاسي ‪Shorter Chains‬‬
‫‪of Command‬‬
‫وهذا يعني تقليص عدد المستويات اإلدارية عموديا‪ .‬وتؤكد المفاهيم اإلدارية التقليدية على ع دم‬
‫تجاوز التسلسل الرئاسي بأي شكل من األشكال‪ ،‬ولكن التوجهات المعاصرة تؤكد جم ود ه ذه‬
‫النظرة وترى بوجوب المرونة وعدم التقيد بهذه المبادئ بشكل ح رفي‪ .‬إض افة إلى أن الهياكل‬
‫التنظيمية الرأسية الطويلة ذات المستويات المتعددة‪ ،‬تؤدي إلى بطء عملية اتخ اذ الق رار‪ ،‬وإلى‬
‫تقليل أو انعدام عملية االتصال ونقل المعلوم ات بين اإلدارة العليا‪ ،‬واإلدارة ال دنيا‪ ،‬وتن اقص‬
‫الشفافية ووضوح القرارات (‪.127)Harvey,2001‬‬

‫االتجاه المعاصر في التسلسل الرئاسي‪ :‬تقليص عدد المستويات‬


‫اإلداري ة وجع ل الهيك ل التنظيم ي أكث ر انبس اطا وأكث ر أفقي ا‬
‫ويساهم هذا التوجه بتحقيق الميزة لتنافسية للمنظمات‬

‫‪ .3‬التقليل من وحدة األمر ‪Reducing Unity of Command‬‬


‫من المبادئ الكالسيكية التقليدية أيضا مبدأ وحدة األمر‪ ،‬وينص هذا المب دأ على ع دم تج اوز‬
‫المرجع وأن يتبع كل موظف في المنظمة رسميا لمسئول أو مدير‪ ،‬وال يجوز التبعية لمدير آخر‪.‬‬
‫وهذا ما تؤكده المبادئ الكالس يكية في اإلدارة لمنع أي ازدواجية في المرجعية‪ ،‬ومنع ص دور‬
‫أوامر من أكثر من مدير‪ ،‬ولمنع حصول الموظف على أوامر متض اربة من مص ادر توجيه‬
‫متعددة‪ .‬ولكن هذه المبادئ ال تصلح للقرن الواحد والعشرين في ظل المنظمات األفقية وفي ظل‬
‫المنظمات التي تعمل على أساس روح الفريق‪ .‬ومبدأ وحدة األمر ينظر له في ال وقت الحاضر‬

‫‪- 132 -‬‬


‫من قبل كثير من المنظمات والباحثين على أنه يتعامل مع العاملين على أساس أبوي‪ ،‬وعلى مبدأ‬
‫من عدم الثقة‪ ،‬وعدم األهلية (‪.)Pefeffer, 1994‬‬

‫االتجاه المعاص ر ف ي وحدة األم ر‪ :‬تس تخدم منظمات القرن الواح د‬


‫والعشرون تنظي م الفري ق وقوى العمل ذات المهام المحددة ‪Task‬‬
‫‪ Forces‬والتنظيمات األفقي ة الت ي تهت م بالزبائن ‪Customer‬‬
‫‪ Conscious‬وال تهت م بالمركزي ة وم ن هن ا ال ضي ر ف ي أ ن يتلق ى‬
‫الموظف تعليمات من أكثر من جهة أو شخص إذا كان لديه التمكين‬
‫وحرية اختيار األفضل‪.‬‬

‫‪ .4‬نطاق إشراف واسع ‪Wider Span of Control‬‬


‫نطاق اإلشراف هو عدد المرؤوسين الذين يشرف عليهم مدير واحد بكفاءة وفاعلي ة‪ .‬فنط اق‬
‫اإلشراف الضيق يعني بأن عدد المرؤوسين الذين يقعون تحت إش راف م دير‪ ،‬قليل ونط اق‬
‫اإلشراف الواسع يعني أن عدد المرؤوسين الذين يشرف عليهم مدير واحد كبير‪ .‬وشروط نطاق‬
‫اإلشراف الصحيح أن يتحقق اإلشراف بكفاءة وفاعلية‪ .‬وال يوجد عدد مثالي يمكن تحديده لنطاق‬
‫اإلشراف بسبب اختالف قدرات المرؤوسين وطبيعة المهام التي يقومون بها واختالف حاجاتهم‬
‫للمتابعة واإلشراف‪ .‬ويقل أعداد المرؤوس ين تحت نط اق اإلش راف كلما نقصت مع رفتهم‬
‫ومهارتهم أو كلما تناقصت ثقة اإلدارة بهم‪ .‬ومن المعروف أن هنالك عالقة عكسية بين نط اق‬
‫األشراف وتكاليف اإلشراف‪ ،‬فكلما اتسع نطاق اإلشراف نقصت تك اليف اإلش راف‪ .‬وهنالك‬
‫عالقة أيضا بين نطاق اإلشراف وعدد المستويات اإلدارية‪ ،‬فكما زاد نطاق اإلشراف نقص عدد‬
‫المستويات اإلدارية التي تفصل بين قمة الهرم وأسفله‪ .‬فالهياكل التنظيمية المنبسطة ذات نطاق‬
‫إشراف واسع والهياكل التنظيمية الطويلة والهرمية العمودية نطاق اإلشراف فيها ضيق‪ .‬ولكن‬
‫المنظمات الهرمية الطويلة لديها مديرون أكثر‪ ،‬فهي أك ثر تكلفة وهي أقل كف اءة وأقل مرونة‬
‫وأقل استجابة للسوق وللزبائن من المؤسسات المنبسطة‪.‬‬

‫‪- 133 -‬‬


‫االتجاه المعاص ر ف ي نطاق اإلشراف‪ :‬التحول إل ى نطاق اإلشراف الواس ع‬
‫المص احب لعملية اختصار العديد من المستويات اإلدارية و هي المصاحبة‬
‫لعملية التمكين ودفع مزيد من الثقة وتحمل المسؤولية للمستويات الدنيا من‬
‫المؤس سة‪ ،‬بس بب قل ة حاج ة هذه المس تويات لإلشراف الذي كان س ائدا ف ي‬
‫المنظمات التقليدية ونتيجة لزيادة معرفتهم‪ .‬ومهارتهم‪.‬‬

‫يرات‬ ‫واألساليب التنظيمية المناسبة بدأت تتطور بشكل تدريجي مع التطور الطبيعي في المتغ‬
‫الخارجية والداخلية التي حتمت على المؤسسات أن تتحول عن التنظيم الرأسي القديم‪ .‬فكيف تم‬
‫ذلك؟‬
‫بدأت المؤسسات تدرك أهمية الدور الذي يقوم به الموظفون في قاع دة اله رم التنظيمي ودور‬
‫المهارة والمعرفة التي يمكن أن يتمتع بها هؤالء‪ .‬يقول بيتر دركر عالـم اإلدارة المشهور بأننا‬
‫ورة‬ ‫أصبحنا نعيش اليوم في زمن يسمى زمن المعرفة وآخرون يرون أننا نعيش في عصر الث‬
‫المعلوماتية والثورة الرقمية وغيرها من الثورات التي تعتمد على سالح المعرفة والعلم‪ .‬وه ذا‬
‫كله ليس من فراغ وإنما من المش اهدات الحقيقية للتط ور الملح وظ في إمكاني ات الموظف‬
‫ارة‬ ‫ومكتسباته العلمية والمهاراتية‪ ،‬حيث كان الموظف قبل عشرات السنوات يعتمد على المه‬
‫العضلية والقدرة التقليدية أك ثر من الي وم حيث يعتمد العامل في البنك وفي المستش فى وفي‬
‫المصنع على أدوات أكثر تقنية تتطلب مهارة أعلى‪ .‬ونتيجة لما سبق ساهمت هذه التطورات في‬
‫التحول التنظيمي بزيادة نطاق اإلشراف (‪ )Span of Control‬بحيث زاد عدد الموظفين وقل‬
‫عدد المديرين‪ ،‬وهذا أدى إلى تحول في الهيكل التنظيمي من الشكل الهرمي إلى الشكل الهرمي‬
‫المنسبط كما يوضح المثال اآلتي في شكل رقم (‪ ،)5‬فزاد عدد الموظفين في القاعدة وقل العدد‬
‫دة الهيكل التنظيمي‪ .‬والشكالن‬ ‫في اإلدارة اإلشرافية‪ ،‬ورافق ذلك إعطاء صالحيات أكبر لقاع‬
‫اآلتيان يبين ان تص ميمًا للهيكل التنظيمي اله رمي إلى اليمين والهيكل التنظيمي المنبسط إلى‬
‫اليسار‪ ،‬فيدل األول على عدد أكبر من المس تويات اإلدارية ال تي تفصل بين القمة والقاع دة‪،‬‬
‫ويوضح الشكل الثاني عددا أقل من المستويات اإلدارية واتساعا أكبر في نطاق اإلش راف‪ ،‬مما‬
‫يساهم في زيادة كفاءة وفاعلية هذا التصميم عندما تتحقق شروط المعرفة والمهارة واالستقاللية‬
‫لدى العاملين وعندما يتوافر لهم التمكين والحق في التصرف بحرية واعتمادية متبادلة‪.‬‬

‫‪- 134 -‬‬


‫شكل رقم ‪ 5‬مقارنة بين الهيكل المنبسط والعمودي‬

‫وتبع هذا التحول تحوالت تدريجية في األشكال التنظيمية فلم يعد تص ميم الهيكل التنظيمي على‬
‫فوفة التنظيمية ومن ثم‬ ‫شكل المثلث كما هو في الشكلين السابقين ‪،‬وإنما تحول إلى شكل المص‬
‫تحول في بعض المنظمات إلى الشكل الدائري أو األفقي‪ ،‬كما هو موضح في الشكل اآلتي‪:‬‬
‫شكل رقم ‪ 6‬التظيم األفقي‬

‫فريق‬
‫فريق‬
‫فريق‬ ‫فريق‬ ‫فريق‬
‫فريق‬
‫فريق‬ ‫المحور األساسي‬ ‫فريق‬
‫فريق‬
‫فريق‬
‫فريق‬

‫فريق‬
‫ومن مزايا هذه التنظيمات أنها تعتمد على روح الفريق بحيث يكون لكل فريق قائد يعمل لهدف‬
‫معين ويتبلور هذا الهدف في محور عمل المنظمة األساسي كما هو م بين في منتصف الش كل‬
‫ويبدو أن الجميع يعمل بتنسيق وتعاون نحو تحقيق هذا الهدف المحوري‪.‬‬
‫كما تسعى جميع الفرق وتتعاون بوظائف مختلفة بعض ها مع بعض في س بيل تحقيق اله دف‬
‫المركزي الذي تسعى له المؤسسة‪ ،‬ومن األش كال األخ رى‪ ،‬المص فوفة التنظيمية (‪Matrix‬‬

‫‪- 135 -‬‬


‫‪ ، ).org‬حيث يقوم هذا النوع من التنظيم على الجمع بين المؤسسة الوظيفية (‪Functional‬‬
‫‪ )organization‬والتنظيم على أساس المنتج أو المشروع في نفس المؤسسة‪.‬‬
‫هاب كامل‪،‬‬ ‫ويصعب المجال هنا لذكر جميع التنظيمات وتطوراتها التاريخية بشكل دقيق وبإس‬
‫(‪)128‬‬
‫إال‬ ‫ادئ اإلدارة‬ ‫ولكن تجدر اإلشارة إلى أنه ال يخلو في الوقت الحاضر كتاب من كتب مب‬
‫ويبين بالتفصيل هذه التطورات في التنظيم من التنظيم الهرمي التقليدي الذي ال يتكيف بحرية مع‬
‫المتغيرات الخارجية إلى التنظيمات التي أصبحت اليوم تخرج عن اإلطار التقليدي بسبب حتمي‬
‫ال مناص منه وهو التغيرات الداخلية والخارجية‪ ،‬وعلى وجه الخصوص التغ ير التكنول وجي‬
‫والمعرفي والعلمي الذي سمح للموظف أن يمتلك إمكانيات وقدرات تمكنه من تحمل المسؤولية‬
‫في العمل بشكل أكبر من السابق‪.‬‬
‫هنالك طبعًا أسباب كث يرة لتمكين الموظف ومن بينها العالقة بين التمكين والتنظيم وهي عالقة‬
‫ة‪ ،‬ولكن في زمن‬ ‫تبادلية‪ ،‬أي إنه ال يمكن للموظف التمكين في ظل الهياكل التنظيمية القديم‬
‫مؤسسة الفريق والمؤسسة األفقية فإن اإلدارة أصبحت أكثر ميالً إلعطاء الموظف مستوى أكبر‬
‫من الحرية في العمل وحرية في التصرف والمشاركة في اتخاذ القرا‪،‬ر والت دخل في ش ؤون‬
‫كانت قبل فترة من األمور التي ال تعنيه فأصبحت ضمن اهتماماته‪ .‬كل هذا س اهم في تبل ور‬
‫رؤية اإلدارة ألهمية موضوع التمكين ودوره في تكوين وتشكيل نتائج جيدة على مستوى األداء‬
‫وخاصة في المؤسسات التي يتفاعل فيها الموظف في أول الس لم التنظيمي مع الزب ائن وجهًا‬
‫لوجه (المؤسسات الخدمي ة)‪ .‬هنا بال ذات تكمن أهمية التمكين في أن يعطى الموظف الحرية‬
‫واالستقاللية المضبوطة إلرضاء العميل والمحافظة عليه‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة هنا إلى أن تصميم المنظمات على شكل تقلي دي‪ ،‬كما هو س ائد في الكث ير من‬
‫منظمات األعمال‪ ،‬ربما يفقدها القدرة على االبتكار ومواكبة التطورات المعاصرة‪.‬‬

‫المركزية والالمركزية‪:‬‬ ‫‪.5‬‬


‫المركزية تتلخص بص نع الق رار بواس طة المرك ز‪ ،‬أي بواس طة اإلدارة العليا‪ ،‬بينما في‬
‫الالمركزية يتم تفويض الحق في عملية اتخاذ القرار لمختلف المستويات اإلدارية في المنظمة‪.‬‬
‫مح بالمرونة والتكيف مع‬ ‫والالمركزية الصحيحة هي تلك التي تقلص المستويات اإلدارية فتس‬
‫المتغيرات الخارجية وخاصة متغيرات السوق والزبائن والمنافسة والتكنولوجيا‪.‬‬

‫‪- 136 -‬‬


‫والكثير من المديرين من يعتقدون أن مؤسستهم تسير وفق الالمركزية ولكن يقول ت وم بي ترز‬
‫صاحب الكتاب الشهير ‪ In search of excellence‬البحث عن التميز‪ .129‬أن معظم المديرين‬
‫في المؤسسات يعتقدون أنهم يمارسون الالمركزية ولكن هذا غ ير ص حيح‪ .‬فمن أهم المالمح‬
‫غير الملموسة لممارسة الالمركزية الصحيحة ما يأتي‪:‬‬
‫تدفق المعلومات‪ :‬فيتحرك األفراد في المواقع األمامية ويجمعون معلومات‬ ‫‪.1‬‬
‫دقيقة وحديثة من أجل اقتناص الفرص‪.‬‬
‫تشجيع اإلبداع والبتكار ألشياء غير متوقعة ال من قبل المنافسة المؤسسات‬ ‫‪.2‬‬
‫وال من قبل السوق والمستهلك‪ ،‬ومثال ذلك عندما قامت ش ركة (كرايزل ر) بص ناعة‬
‫ال(ميني فان) فكانت الحاجة إلى سيارة تجمع بين (الميكروباص) والس يارة الص غيرة‬
‫حاجة غير مدركة أو مرئية في السوق‪.‬‬
‫صدق وشفافية المعلومات الالمركزية السليمة تسمح بنقل المعلومات غير‬ ‫‪.3‬‬
‫المحرفة بالحصول عليها من مصادرها مباشرة دون تدخل اإلدارة الوسطى مثال‪ .‬وهذه‬
‫المصادر للمعلومات قد تكون المستهلك أو الموزع أو البائع أو المؤسسة‪.‬‬
‫انتقال المعلومات بشكل متوازٍ‪ :‬أي أن المعلومة ال تنتقل بالتمرير من نقطة‬ ‫‪.4‬‬
‫إلى أخرى ولكن يتعامل مختلف األفراد في مختلف الميادين مع نفس المعلومات في نفس‬
‫الوقت بمعالجة المعلومات بشكل متناسق ومتوازي فتختفي فترات االنتظ ار ويس تغل‬
‫الوقت بدال من نقل المعلومة من فرد إلى آخر إلى آخر وهكذا في النظام المركزي‪.‬‬
‫تمكين الموظف في الخطوط األمامية‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫سرعة المعلومات المرتدة‪ :Feedback‬فعندما تكون قريبا من الح دث‪،‬‬ ‫‪.6‬‬
‫فإنك تسمع بسرعة أو ترى بنفسك ردود الفعل على المنتج أو الخدمة المقدمة للمستهلكين‬
‫بذلك تستطيع التكيف بسرعة وتعديل خطئك بشكل لحظي‪.‬‬
‫كثرة المحاوالت‪ :‬فيعتمد النجاح على التجربة والخطأ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫تحمل للمسؤولية والسيطرة‪ :‬السيطرة المركزية لالتحاد السوفيتي أدت إلى‬ ‫‪.8‬‬
‫زيادة اإلنتاج في البداية‪ ،‬ولكن انهار السوق في النهاية‪ ،‬فكانت ‪ %80 - %60‬من‬
‫المنتجات الزراعية تتلف بسبب غي اب ص احبها وتحكم المركز وغي اب التف ويض‬
‫والسوق‪.‬‬
‫فالالمركزية الحقة تعني تمكين الموظف وملكيته لعمله وتعني اإلدارة المتحررة مشاركة أكبر‪،‬‬
‫فالعامل ليس جزءًا من الشركة بل هو الشركة‪ .‬وهو ال يدين بالوالء لإلدارة بل لنفسه‪ .‬وهو ليس‬

‫‪- 137 -‬‬


‫بحاجة إلى من يراقبه ألنه يراقب نفسه بنفسه فحتى بالصناعات اإلنتاجية الملموسة فإن خطوط‬
‫اإلنتاج تتحول إلى خطوط خدمات‪.‬‬
‫هذا ويمكن الم زج بين المركزية والالمركزية في نفس المنظمة بحيث تتخذ بعض الق رارات‬
‫تويات اإلدارية المختلفة لتلك‬ ‫الهامة بشكل مركزي‪ ،‬ويتم تفويض القرارات ذات العالقة بالمس‬
‫المستويات صاحبة العالقة‪ .‬إن التطور في أنظمة المعلومات اإلدارية وتكنولوجيا المعلومات قد‬
‫مكن المديرين في الكثير من المنظمات من تفويض الصالحيات بشكل أوسع وتمكين الموظفين‬
‫تروني‪،‬‬ ‫بشكل أكبر مقابل االحتفاظ بالمعلومات ونتائج األداء ومراقبة كل التطورات بشكل إلك‬
‫‪ )BankOne‬مثال‬ ‫دون الحاجة إلى التدخل المباشر بكل شيء فمديرو ش ركة بانك ون(‪Inc‬‬
‫وظفين في‬ ‫توسعها وانتشار فروعها عبر العالم فهذا لم يؤثر على تمكين مديري الفروع أو الم‬
‫الفروع المختلفة‪ .‬وقد تمكنت إدارة البنك من تف ويض كل ما يمكن تفويضه والقي ام به من قبل‬
‫الفروع‪ ،‬وبقي لإلدارة العليا الحق في اتخاذ ما ينبغي من قرارات مصيرية أو هامة محتفظة بها‬
‫بشكل مركزي‪.‬‬

‫االتجاه المعاصر في المركزية والالمركزية‪ :‬كلما كان متاحا فإن التمكين‬


‫يمكن أن يساهم في زيادة مستوى الالمركزية في المنظمة‪.‬وإن التطور في‬
‫نظم المعلومات وتكنولوجيا المعلومات قد ساعد مديري اليوم على تفويض‬
‫ك ل م ا يمك ن ليتمكنوا م ن التفرغ لك ل م ا ه و أس اسي ومص يري بالنس بة‬
‫للمنظمة‪.‬‬

‫(الهايبراركي) ‪ ،Hyperarchy‬هيكل تنظيمي معاصر‪g‬‬


‫ومن الهياكل التنظيمية المعاصرة والمتطورة عن الهياكل التنظيمية السابقة نمط تنظيمي يعرف‬
‫(بالهايبراركي) ‪ Hyperarchy‬وهو ذلك التنظيم المفتوح الذي‪ 130‬يساهم هذا في إطالق طاقات‬
‫الموظفين الكامنة بشكل غير عادي‪.,Gary(.‬‬
‫فيقول فيليب إيفانز االستشاري المعروف‪ :‬إن اله ايبراركي هو فريق منظم ذاتيًا وتت دفق بين‬
‫ذا الرجل وأحالمه‬ ‫أعضاءه روح معنوية عالية وتفاعل عجيب‪ ،‬وهذا التنظيم ليس في خيال ه‬
‫وإنما في واقع شركة تويوتا المعروفة‪ ،‬ومجتمع هذا النوع من التنظيمات منظم ذاتيًا ويعمل بما‬

‫‪- 138 -‬‬


‫يشبه العمل التطوعي‪ .‬ومعروف بأن األفراد الذين يعمل ون مع جماع ات عمل تط وعي ال‬
‫يحتاجون إلى من يراقبهم أو يدفعهم للعمل فهم بأنفس هم طواعية يعمل ون بفاعلية وطاقة عالية‬
‫جدًا‪ .‬هذا األمر طبعًا ال يمكن بحال من األحوال أن يكون متاحًا في الش ركات التقليدية‪ ،‬وه ذا‬
‫وع من‬ ‫التنظيم ساهم في إنقاذ شركة تويوتا في عام ‪ 1997‬من كارثة محققة من خالل هذا الن‬
‫التنظيمات الذي عمل على إخماد حريق شب في أحد خطوط اإلنت اج‪ ،‬واس تطاع الموظف ون‬
‫بطاقاتهم الفائقة الذاتية أن يخمدوا الحريق‪ .‬ويقول لورين جيري (‪ )Loren Gary‬في مارس‬
‫‪ 2004‬انه من سياسات تويوتا عدم تكديس البضائع في المخازن‪ ،‬فقد أدى الحريق إلى ح دوث‬
‫نقص في التزويد‪ ،‬فقرر الفريق إنتاج مواد من التي أتى عليها الحريق باس تخدام ما هو متوافر‬
‫من األجهزة‪.‬‬
‫حينها قام كل فريق من الفرق التي تعمل في التزويد بإدارة شبكتين فرعيتين حتى أصبح اإلنتاج‬
‫مضاعفًا‪ .‬هذا كله احتاج من الموظفين إلى بذل قصارى جه دهم لتع ويض النقص في التوريد‬
‫دون توقع تعويض‪ ،‬أو مقابل من الشركة‪ .‬وتقول نشرة المخت ار اإلداري ال تي تص در عن‬
‫الشركة العربية لإلعالم العلمي‪ 131‬في ترجمة مقالة ل ورين ج يري أنه لم تقف ش بكة التوريد‬
‫الرئيسية التي احترقت مكتوفة اليدين‪ ،‬بل دخل الموظفون المخازن المحترقة بعد إطفاء الحريق‬
‫مباشرة‪ ،‬وقاموا بعملية جرد‪ ،‬وزودت قنوات التوريد األخرى بما تبقى من معدات وآالت ومواد‬
‫اج إلى‬ ‫نجت من الحريق‪ .‬وفي خالل عشرة أيام فقط انتهت آثار الكارثة‪ ،‬وعاد ستون خط إنت‬
‫العمل بطاقتها السابقة‪.‬‬
‫النجاح في هذا التنظيم الذاتي يبدو واض حًا من منطلق ات اقتص ادية وشخص ية بحتة‪ ،‬ففي‬
‫المؤسسات التقليدية يعتبر عقد العمل والوصف الوظيفي ملزمًا ويحد من حرية أداء الم وظفين‪،‬‬
‫كما يملك من يتحكم في المعلومات السلطة المطلقة‪ .‬لكن تنظيم (اله ايبراركي) يمتلك ق وانين‬
‫االطالع‬
‫دى كل موظف الحق المكتسب ّ‬ ‫بسيطة لزيادة شفافية المعلومات التي تتاح للجميع‪ .‬فل‬
‫على ما يفعله اآلخرون بوضوح (يرى مثالً كل مبرمج أو محاسب إنجازات زمالئه فتحفزه على‬
‫المنافسة والعمل‪ .‬أو يرى قصور أداء زميل له فيهرع لتقديم يد الع ون والمس اعدة)‪ .‬كل ذلك‬
‫يؤدي إلى زيادة الثقة والتعاون في تنظيم (الهايبراركي) المفتوح والمنظم ذاتي ًا‪ .‬فعن دما شب‬
‫الحريق في أحد خطوط إنتاج تويوتا‪ ،‬شعر الجميع بمستوى متوقد ومنقطع النظير من المسؤولية‬
‫فافية‬ ‫وهرعوا بسرعة فائقة دون أن يطلب منهم ودون انتظار حوافز أو مكافأة‪ .‬وذلك ألن الش‬
‫والثقة جعلت الجميع يستشعرون أعلى مستويات المسؤولية واألمانة‪.‬‬

‫‪- 139 -‬‬


‫إنه بسبب التحديات التي تحفز على االبتكار والتكيف مع المتغيرات‪ ،‬على المنظم ات المفتوحة‬
‫وعميقة التنظيم توليد درجات عالية من الطاقة والتفاعل أك ثر من الق وانين وأس اليب التنظيم‬
‫الهرمي من أعلى إلى أسفل‪ .‬ألنها تسمح للمشاركين بحرية اختيار مهامهم والعمل وفق ق درات‬
‫كل شخص‪ ،‬مع الشعور بالرضا الشخصي عن العمل فكلما زادت إنتاجية العاملين في منظمات‬
‫مفتوحة‪ ،‬زاد رضاهم عن أنفسهم وكلما زاد رض اهم زادت ثقتهم بأنفس هم‪ ،‬وكلما زادت ثقتهم‬
‫بأنفسهم وزمالئهم زادت شفافيتهم‪ ،‬وكلما زادت الشفافية يص بح النظ ام أك ثر انفتاحًا وعمقًا‬
‫وتفاعالً‪ .‬وعندما تبدأ دائرة الفاعلية في أي منظمة‪ ،‬فإنها ال تغلق أبدًا‪ ،‬فيص بح النظ ام مفتوحًا‬
‫دائمًا ومنطلقًا أبداً (‪.)Gary, 2004‬‬

‫التفكير خارج الصندوق‪:‬‬


‫التفكير خارج الصندوق مجازًا لوصف أولئك الذين يمتلكون القدرة على التفكير بش كل مختلف‬
‫خارج العرف التقليدي المحدد والجامد‪ .‬وال يستطيع فعل ذلك إال المتمردون على الروتين الذين‬
‫يتمتعون بقدر كبير من الرغبة في التميز والتجديد ومواجهة التحديات‪.‬‬
‫أما التفكير داخل الصندوق فال يكلف صاحبه ش يئًا س وى الخض وع للنظم التقليدية بطريقة‬
‫استسالمية سلبية‪ .‬صحيح أن التفكير الروتيني والتقليدي يحمي صاحبه من المخاطرة والوق وع‬
‫باحتمالية الخطأ إال أن المخ اطرة المحس وبة والمدروسة والخطأ الن اتج عن التجربة بقصد‬
‫اإلبداع‪ ،‬هذه العوامل (المخاطرة والخطأ) جزء أساسي من متطلبات النجاح على مستوى الفرد‬
‫وعلى مستوى المؤسسة‪.132‬‬
‫تجدر اإلشارة هنا إلى أنه عندما يطلب المدير من الموظف واجبًا ما فإن المدير ع ادة يع رف‬
‫مسبقًا اإلنجاز المطلوب من الموظف وحدود ذلك اإلنجاز ولكن هنالك ما نسبته ‪ %1‬تقريبًا من‬
‫الموظفين الذين يفاجئون مديريهم بتقديم شيء خارج إطار الصندوق بحيث ال يتوقع المدير هذا‬
‫التميز واالختالف اإليجابي في ذلك العمل‪ .‬وهؤالء الذين يقومون بما يتجاوز حدود المطل وب‬
‫والواجب هم الذين ينجحون ويصلون إلى مراكز التميز واإلبداع إذا توافرت ل ديهم الظ روف‬
‫المواتية لذلك‪.‬‬
‫مثل هؤالء المرؤوسين يحتاجون إلى مديرين من نوع آخر أيضًا فهم يحتاجون إلى مدراء لديهم‬
‫تميز في النواحي ااآلتية‪:‬‬
‫وجود رؤية واستراتيجية شاملة وعلى أسس مرتبطة برسالة المؤسسة وقيمها‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وجود توجه لدى المديرين نحو تنمية المنظمة وتجديدها بشكل دائم‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪- 140 -‬‬


‫ائق على‬ ‫عدم قبول الوضع الراهن على أنه وضع آمن ومستقر وعدم القبول بالحق‬ ‫‪.3‬‬
‫األرض‪.‬‬
‫تشجيع اإلبداع والتميز‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫تشجيع روح المخاطرة وتحمل الخطأ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫تحمل مستويات من اإلرباك وعدم الوض وح (ألنه عن دما تك ون البيئة متغ يرة‬ ‫‪.6‬‬
‫وديناميكية التغير فإن الحلول تبدأ أحيانًا ضبابية وغير واض حة‪ ،‬وه ذا هو الوضع‬
‫المناسب في مثل هذه الحاالت)‪.‬‬
‫تشجيع التمكين والمرونة والروح المبادرة لدى أفراد المؤسسة‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫االهتمام بالمضمون والجوهر واالبتعاد عن الشكليات‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫ديمومة البحث واإلطالع على تجارب اآلخرين سابقين ومعاصرين‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫وأساسي في بناء تنظيم يشجع هذه المح اور التس عة من خالل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫محوري‬ ‫فدور القيادة هنا دور‬
‫المرونة في النظم والقوانين والعالقات الرسمية وغير الرسمية ومن خالل هيكل تنظيمي م رن‬
‫يعطي المبدع مجاال لإلبداع وللمجتهد نصيب من االجتهاد‪.‬‬
‫هذا كله يحتاج إلى قادة يرون المؤسسة بعين ثاقبة كالسفينة التي تمخر عب اب البحر وكل واحد‬
‫منهم قبطان تلك السفينة ذات الوجهة المحددة‪ ،‬هؤالء يرون مؤسسة ال مصالح شخصية‪ ،‬يرون‬
‫أهدافًا استراتيجية ال أهدافًا جزئية‪ .‬يرون مصلحة عامة ال مصلحة خاصة يمشون في الميدان ال‬
‫يجلسون في أبراجهم العاجية‪ ،‬لذلك فإنّ وجود موظف ناجح ومبدع دون قائد ناجح ومبدع يؤدي‬
‫إلى مؤسسة فاشلة‪.‬‬
‫أن‬ ‫ووجود قائد ناجح ومبدع دون موظف مبدع وناجح يؤدي أيضًا إلى مؤسسة فاشلة‪ .‬علمًا ب‬
‫خطورة البديل األول أكبر من خطورة البديل الثاني في هذه المعادلة‪.‬‬

‫التحوالت التنظيمية‬
‫ات‬ ‫يقول توم بيرز في كتابه اإلدارة المتحررة ‪ 1992133‬هنالك تحوالت هائلة تجتاح المؤسس‬
‫والشركات العالمية‪ ،‬وهذه التحوالت هي حقائق تشهدها شركات عالمية ناجحة وهي كذلك ألنها‬
‫متحررة ومتحولة‪ .‬وهي تحوالت في ثقافة المؤسسات وط رق التنظيم والعمل وتغي ير نظ ام‬
‫الحوافز واستغالل الموارد وأساليب التخطيط‪ .‬وهذه التحوالت تتطلب إعادة هيكلة المؤسسات‪.‬‬
‫وقد شملت هذه التحوالت النواحي التنظيمية اآلتية‪:‬‬

‫‪- 141 -‬‬


‫‪.1‬التوسع من التنظيم الرأسي إلى األفقي وهذا يستدعي مزيدا من التفويض واالعتماد على‬
‫المس تويات اإلدارية ال دنيا وعلى خط المواجهة في المؤسسة أي ذلك الخط ال ذي يعمل فيه‬
‫الموظفون الذين يتعاملون مع الزبائن مباشرة‪.‬‬
‫‪.2‬من التخطيط في كل األسواق إلى اختيار السوق المناسب‬
‫‪ .3‬من االتكالية إلى إنجاز العمل باالعتماد على الذات‬
‫‪.4‬من التخطيط المستمر إلى العمل المستمر‬
‫داع وتأدية العمل بطريقة مختلفة أو‬ ‫‪.5‬من أداء نفس العمل بنفس الطريقة إلى اإلب‬
‫ابتكار أعمال مختلفة من األصل واالنتقال إلى الجامعة المفتوحة والتعليم المستمر‬
‫‪.6‬من المركزية إلى الالمركزية ومن البيروقراطية إلى التمكين‬
‫‪7‬ومن مكافأة األقدمية إلى مكافأة اإلنجاز واإلبداع‪.‬‬
‫‪.8‬من العامل المستخدم إلى العامل صاحب العمل‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫‪.9‬ومن حلقة اإلنتاج إلى الحلقة المعرفية‬
‫‪.10‬من التركيز على الحجم والكفاءة إلى التركيز على الفاعلية‬
‫‪.11‬من الثبات إلى التكيف‬
‫‪.12‬من المتوقع إلى المفاجئ‬
‫ات‬ ‫فقبل أن تسقط المنظمات وتتداعى هياكلها التنظيمية الهرمة ال بد من التغيير فهناك مؤسس‬
‫وشركات تتداعى أمام أعين الجميع كما يقول ت وم بي ترز فتختفي المب اني الكب يرة المكدسة‬
‫بالموظفين كما اختفت المصانع التي كانت تقاس باألميال طوال وعرضا بسبب ض عف ه ذه‬
‫المنظمات من الناحية الهيكلية والتنظيمية وعدم القدرة على التكيف مع التغيرات وعدم ق درتها‬
‫على منح العاملين مناخا تنظيميا مناسبا من أجل إطالق الطاقات اإلبداعية الخالقة لديهم‪ .‬إضافة‬
‫إلى عدم االستفادة من قدرات العاملين ومواهبهم وآرائهم بسبب منعهم من أي فرصة للمشاركة‬
‫والتمكين‪.‬‬

‫العيش في عصر السرعة‬


‫تحتاج معالجة بوليصة التأمين في إحدى الشركات وانتقالها من قسم إلى آخر ومن مس ؤول إلى‬
‫آخر ‪ 23‬يوميا بينما يبلغ الوقت الفعلي إلنجازها ‪ 18‬دقيقة فلماذا تمر البوليصة في عدة إدارات‬
‫علما بأن موظف واحد اآلن في شركة تأمين ناجحة يتمكن من إنجازها في دقائق‪.‬‬
‫‪- 142 -‬‬
‫كما تحتاج شركة طيران ناجحة مثل ‪ Southwest Airlines‬إلى ‪ 15‬دقيقة لتفريغ الطائرة من‬
‫حمولتها من الركاب وإعادة تحميلها وإقالعها ثانية‪ .‬األمر ال ذي عجز معظم المنافس ين عن‬
‫تفسير هذه الظاهره‪ .‬وسر ذلك يبدو باإلنسان‪ ،‬فإذا تكونت لديه اإلرادة على العمل والتعاون مع‬
‫اهاته‬ ‫اإلدارة والشعور بأنه هو نفسه صاحب المؤسسة فيمتلك عندها دافع وحافز ال يمكن مض‬
‫بأي عامل أو عنصر من عناصر العمل الملموسة أو المشاهدة للعيان‪.‬‬

‫الخالصة‬
‫إن التمكين بصفته مفهومًا معاصرًا يتطلب تنظيمًا معاصرًا أيضًا‪ .‬فمما سبق‪ ،‬نستنتج‬
‫وجود عالقة بين التنظيم وتص ميم الهيكل التنظيمي من ناحية ومس توى التمكين من‬
‫ناحية أخرى‪ .‬وتوضح المحاور اآلتية خالصة للتح والت الالزمة من أجل االنتق ال‬
‫للتنظيم المناسب الذي يتناسب مع مفهوم التمكين بشكله المعاصر‪:‬‬
‫االنتقال من الهياكل التنظيمية الهرمية إلى الهياكل التنظيمية األفقية التي‬ ‫‪.1‬‬
‫تعد إطارًا مناس با لمزيد من المش اركة وحرية التص رف والتمكين ل دى‬
‫العاملين‪.‬‬
‫كل‬ ‫تصميم الهياكل التنظيمية بشكل تقترب فيه المنظمة من زبائنها بش‬ ‫‪.2‬‬
‫أفضل‪.‬‬
‫محاولة تقليل عدد المستويات اإلدارية والتقليل من االل تزام الح رفي‬ ‫‪.3‬‬
‫بمبادئ اإلدارة التقليدية مثل مبدأ وحدة األمر والتسلسل الرئاسي وغيرها‪.‬‬
‫أن يكون نطاق اإلشراف واسعًا مع مراع اة تحقيق الكف اءة والفاعلية‬ ‫‪.4‬‬
‫المناسبتين‪.‬‬
‫االتجاه نحو الالمركزية‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫تشجيع التفك ير الخالق من خالل الق وانين واألنظم ة ال تي تش جع‬ ‫‪.6‬‬
‫المرؤوسين على حرية التفكير خارج إطار النص وص المح ددة والتفك ير‬
‫خارج الصندوق‪.‬‬

‫‪- 143 -‬‬


- 144 -
‫الفصل السادس‬

‫واقع التمكين من خالل‪ :‬تطبيقات‬


‫وتجارب رائدة‬

‫‪- 145 -‬‬


- 146 -
‫مقدمة‬
‫هنالك وجهات نظر مختلفة ومتباينة في أدبيات التمكين‪ ،‬ففيما يرى البعض أهمية ه ذا المفه وم‬
‫وضرورته لمنظمات القرن الواحد والعشرون يرى آخ رون ع دم ج دوى تمكين الموظفين(‬
‫‪135‬‬
‫وعدم واقعيته‪ ،‬لصعوبة تطبيقه وعدم جدية المديرين في تنفيذه‪ ،‬حنى ولو‬ ‫‪)Argyris, 1998‬‬
‫كانوا مقتنعين بأهميته وجدواه‪ .‬ومنهم من يجادل‪ :‬أن التمكين ما هو إال وهم أو موضة ع ابره (‬
‫‪ ،)Eccels, 1993‬في عالم اإلدارة‪ ،‬كبقية الموضات في المفاهيم اإلدارية التي تأتي وتذهب مثل‬
‫املة والمقارنة المرجعية (‬ ‫ودة الش‬ ‫درة (‪ )Reengineering‬وإدارة الج‬ ‫إدارة الهن‬
‫‪ )Benchmarking‬وغيرها من المفاهيم المعاصرة ال تي ينظر لها البعض على أنه موض ات‬
‫عابرة (‪.136)Fads‬‬
‫يهدف هذا الفصل إلى مناقشة والرد على مثل هذه الجدليات‪ ،‬من خالل تج ارب وقصص واقعية‬
‫حدثت في تاريخ المنظمات الناجحة‪ ،‬وغير الناجحة من أجل اإلشارة إلى واقعية وش رعية ه ذا‬
‫روع‬ ‫المفهوم المعاصر‪ .‬وعلى الرغم من أنه ال بد من اإلشارة إلى أنه من الممكن أن يفشل مش‬
‫التمكين لدى من يفشل في تهيئة الظروف والمقومات المناسبة لتطبيق هذا المفهوم‪ ،‬كما يؤكد هذا‬
‫الكتاب في مختلف أجزاءه وفصوله‪.‬‬
‫ذا‬ ‫فهنالك تجارب وقصص كثيرة تدل على ممارسة واقعية لمفهوم التمكين بأشكال متعددة‪ .‬وه‬
‫الفصل يهدف بش كل أساسي إلى نقل الق ارئ من الواقع النظ ري إلى الواقع العملي من خالل‬
‫التطبيقات والحاالت الرائدة في تطبيق هذا المفهوم‪ ،‬وما يقابلها من ش ركات ربما وص لت إلى‬
‫القمة في مرحلة معينة ولكنها فشلت في المحافظة على تلك القمة‪.‬‬
‫إن عدم وجود تجارب غنية وكافية وموثقة من عالمنا العربي ال يمنع من االستفادة من تج ارب‬
‫اآلخرين ومحاولة اختبار هذه التجارب في واقع عالمنا العربي وفي واقع منظماتنا العربية ال تي‬
‫الغرب‬ ‫ال تزال لم تنضج تجاربها بعد‪ ،‬بسبب حداثة تجاربها اإلدارية والتنظيمية والمؤسسية‪ .‬ف‬
‫ارب وتاريخها الطويل‬ ‫والدول الصناعية لديها تجارب ناضجة ال يختلف عليها اثنان‪ .‬تلك التج‬
‫فمثال تأسست شركة ‪ Citicorp‬عام ‪ 1812‬و ‪ Proctor and Gamble‬عام ‪ 1837‬وشركة‬
‫‪ Johnson and Johnson‬في عام ‪ 1886‬وما زالت هذه الشركات ناجحة ومتميزة على‬
‫تمرارها‬ ‫الرغم من مرورها بنوبات متفاوتة من الفشل والنجاح إال أنها حافظت على بقائها واس‬
‫على مر العقود‪.‬‬
‫إن طرح تجارب هذه الشركات المعمرة قد يساهم في االس تفادة منها ومن تج ارب اآلخ رين‪،‬‬
‫كمصدر من أهم مصادر التعلم‪ ،‬ولكن ينبغي الحذر عند دراسة تجارب اآلخرين وذلك بدراستها‬
‫‪- 147 -‬‬
‫دراسة واعية تحليلية بنظرة ثاقبة‪ ،‬وعدم تناول تلك األفكار على عواهنها دون تمحيص وتدقيق‪.‬‬
‫ذا هو‬ ‫وخاصة محاولة تحليلها مرتين؛ مرة كأفكار نظرية بحتة ومرة عند محاولة تطبيقها‪ ،‬وه‬
‫األهم‪ .‬ومن أهم ما يلزم الباحث والمدير العربي عند التعرض لهذه التج ارب أن يحقق وي دقق‬
‫جيدا في مدى مالءمتها لبيئتنا العربية ولثقافتنا المؤسسية‪ .‬فمن أكبر األخطاء التي قد تح دث في‬
‫هذا اإلطار تطبيق مفاهيم ال تتناسب مع البيئة والثقافة والقيم والع ادات والتقاليد المحلي ة‪ .‬على‬
‫ال رغم من أن هنالك خطأ بالمقابل نقترفه أحيانا وهو محاولة رفض كل ما هو آت من الغ رب‬
‫بحجة عدم مالءمته للبيئة العربية‪ .‬فال بد من التوازن بين األم رين من خالل إحك ام التفك ير‬
‫العلمي والعقالني في أي فكرة أو مفهوم دون إصدار أحكام فورية ودون االستس الم المباشر من‬
‫غير تحقيق وتمحيص‪.‬‬
‫وال يمكن إنكار حقيقة مهمة وهي أن معظم اإلنتاج الصناعي واإلنتاج الفكري والعلمي ق ادم من‬
‫تى بداية‬ ‫البيئة الغربية‪ .‬فقد استطاعت أمريكا خالل الفترة من نهاية الحرب العالمية الثانية وح‬
‫السبعينات من القرن الماضي أن تنتج أك ثر من ‪ %75‬من التكنولوجيا الحديثة في الع الم‪ .‬وقد‬
‫أنفقت الحكومات والشركات األوروبية أكثر من ‪ 20‬بليون دوالر على مشاريع البحوث متع ددة‬
‫الجنسية فقط في مجال االتصاالت وتكنولوجيا المعلومات وعمليات التص نيع المتقدمة وتنفق كل‬
‫‪137‬‬
‫من ألمانيا واليابان بحدود ‪ %3‬من دخلها القومي على البحوث والتنمية‬
‫في هذا الفصل سنتطرق لتجارب رائدة ليس فقط في إطار الموضوع الرئيس لهذا الكتاب أال وهو‬
‫التمكين‪ ،‬وإنما ما يدور حول هذا الموضوع من تقاليد تنظيمية تش كل مق دمات حقيقية وت رب‬
‫خصبة من أجل زراعة فسيلة التمكين ورعايتها لتصبح سالحا تعيش من خالله هذه المؤسس ات‬
‫سنوات وسنوات‪.‬‬
‫رؤية المؤسسات‪ ،‬ال رؤية المؤسسين(‪)Visionary institutions‬‬
‫إن أول من صاغ هذه التسمية‪" ،‬مؤسسات ذات رؤية"‪ ،‬هم كل من ‪James C. Collins and‬‬
‫‪138‬‬
‫الذي يتحدث عن‬ ‫‪ Jerry I. Porras‬في دراستهم المشهورة في كتاب ‪Built to last‬‬
‫رؤية المؤسسات أو المؤسسات صاحبة الرؤية وه ذه التس مية قد تبعث على االس تغراب‪ ،‬فقد‬
‫احب‬ ‫عرف في أدبيات اإلدارة‪ ،‬تسميات مختلفة عن هذه التسمية‪ ،‬فهنالك رؤية القائد والقائد ص‬
‫ُ‬
‫الرؤية الثاقبة ورؤية المدير الناجح ورؤية اإلدارة العليا والرؤية االس تراتيجية للم دير ال ذي‬
‫يتصف بالكاريزما وهكذا القائمة ال تنتهي من تسميات تش ير إلى تمح ور الرؤية وانطالقها من‬
‫شخص أو أشخاص يتسمون بقدرات خالقة يتركون من خاللها بص ماتهم على المؤسسة ال تي‬
‫حاب رؤى على‬ ‫ينتمون إليها‪ .‬أما هنا فسيكون الحديث عن شركات صاحبة رؤى ال أفراد أص‬
‫‪- 148 -‬‬
‫الرغم من أن هذا ال يقلل بحال من األحوال من أهمية وجود أفراد وقادة يمتلكون رؤى وبصائر‬
‫ادة في التمكين‬ ‫في قيادة مؤسساتهم إلى التفوق والنجاح‪ .‬وهنا تجدر اإلشارة إلى دور هؤالء الق‬
‫من خالل منح اآلخرين مجاال واسعا من المشاركة في بناء المؤسسة وتقديم مساهماتهم في ه ذا‬
‫البناء الذي ينتمي للجميع وال ينتمي لشخص ما في المؤسسة‪.‬‬
‫إنّ الكتاب يقدم للقارئ العربي رؤية مغايرة عن الكثير من المفاهيم اإلدارية ال تي ت درس في‬
‫الجامعات العربية وحتى في الجامعات الغربية‪ .‬فالمف اهيم ال تي ترع رعت في كتب اإلدارة‬
‫تتمحور حول دور القائد في بناء األفكار العظيمة ودور القائد الفذ والقائد الكارزماتي وغيرها من‬
‫المواصفات التي تدور حول دور القائد في تحديد مصير المؤسسة ونجاحها وتفوقها أو في فشلها‬
‫وتدهورها‪ .‬فهذا الطرح ال يكاد يرقى لمستوى بناء شركات معمرة ومن نوع" شركات الرؤية"‪.‬‬
‫‪ Sam‬مؤسس ش ركة‬ ‫أما الشركات الناجحة فقد حظيت بقادة من أمثال ‪Walton‬‬
‫‪ Wal-Mart‬لتجارة التجزئة الذي ورد عنه قوله‪:‬‬

‫" لق د كرس ت حيات ي ف ي هذه الشرك ة لبناء أفض ل شرك ة‬


‫لتجارة التجزئ ة ف ي العال م‪ ،‬ول م يك ن ف ي ذهن ي يوم ا م ن‬
‫األيام تأسيس ثروة شخصية كهدف أو كغاية"‬
‫وشّبه أصحاب كتاب ُ"أسس ليبقى" بناء مؤسسة بدال من مؤسس كالقصة التي تروي الف رق‬
‫بين مخترع الساعة ومخبر الوقت‬
‫" فمُخبر الوقت شخصية بارعة‪ ،‬بنظرة منه إلى قرص الش مس في أي وقت من األوق ات أو‬
‫نظرة إلى النجوم يمكنه أن يخبرك عن الساعة والوقت بالتحديد بالسنة وباليوم والساعة والدقيقة‪.‬‬
‫ود معرفة‬ ‫وهذا الشخص هو بارع حقا في اإلخبار عن الوقت وبمقدوره أن يجيب أي إنسان ي‬
‫الوقت أو الساعة‪ ،‬أفال يكون هذا اإلنسان أكثر براعة وعبقرية لو أنه بدال من اإلخبار عن الوقت‬
‫صنع آلة‪" ،‬ساعة توقيت"‪ -‬لتخبر عن الوقت في أي وقت حتى بعد غياب هذا العبقري أو ح تى‬
‫بعد رحيله‪ ،‬عن هذا العالم‪ .‬ففي الحالة األولى إذا فقدنا مخبر الوقت فقدنا معه الوقت وفي الحالة‬
‫الثانية لو فقدناه بقيت بعده تلك اآللة التي ستساعد البشرية على مر الزمان ح تى بعد أن ينس اه‬
‫الناس لكنهم لن يتمكنوا من نسيان ما بين أيديهم مما وفره لهم ليدلهم على الوقت في أي مكان أو‬
‫أي زمان‪".‬‬

‫‪- 149 -‬‬


‫القائد صاحب الرؤية أو القائد الكاريزماتي هو بمنزلة مخبر ال وقت ولكن القائد ال ذي يب ني‬
‫مؤسسة تتجاوز األشخاص وتزدهر بعد تعاقب القادة كمن يبني الس اعة‪ ،‬وال يقتصر دوره على‬
‫مهارة إجابة الناس عن سؤالهم عن الوقت‪ ،‬وإنما في بناء آلة أي ساعة؛ تعطي الناس الوقت على‬
‫مر األزمان‪.‬‬
‫فالحديث في هذا الفصل عن مؤسسات بنيت وصممت لتبقى بسبب قادة كان جل اهتمامهم منصبًا‬
‫على بناء( ساعات) يعني مؤسسات تبقى وتستمر بقوى دفع ذاتية‪ ،‬ال مجرد بن اء أمج اد تخلد‬
‫ذكراهم على مر العصور‪ .‬وهذا ال يمنع من وجود قادة يبنون مج دا ومؤسس ات في آن واحد‬
‫فيذكرهم التاريخ وتبقى صروحهم شامخة تدل عليهم‪ .‬ولكن في حقيقة األمر حتى هؤالء فإنهم قد‬
‫ال يكون في نواياهم أو من ضمن أهدافهم بناء أمجاد لهم وترك بصماتهم على منج زاتهم وإنما‬
‫كان جل تركيزهم على بناء مؤسسات بإنكار ذاتهم فلم ينكرهم من جاء بعدهم‪ .‬وبدال من التركيز‬
‫على سمات القائد الفذ فقد كان التركيز على سمات المؤسسة ذات الرؤية‪ .‬وسمات المؤسسة ذات‬
‫الرؤية تتحقق من خالل مساهمة كل ف رد من أفرادها ومن خالل ق دراتهم التفاعلية والتكاملية‬
‫واإلبداعية في المشاركة في البناء‪ ،‬تلك القدرات التي تتطلب مناخا من التمكين وحرية التصرف‬
‫واالنتماء الداخلي لدى هؤالء األفراد‪.‬‬
‫وفي السطور اآلتية ما يقوض أسطورة األفكار العظيمة والقائد المعج زة أو ما ي دعى بق ادة‬
‫اإلعجاب‪.‬‬

‫أسطورة األفكار العظيمة‬


‫وًا من الجامعة وكانا في بداية‬ ‫ان وقد تخرجا ّت‬ ‫ام ‪ 1937‬التقى مهندس‬ ‫في ‪ 23‬آب من ع‬
‫العشرينات من العمر ودون أي خبرة إدارية فقد اتفقا على تأسيس شركة جدي دة‪ .‬ولم يكن لهما‬
‫‪139‬‬
‫‪ .‬ما كانا يعرفانه هو فقط بناء ش ركة معا في مج ال الهندسة‬ ‫أي فكرة حول ماهية الشركة‬
‫الكهربائية‪ .‬حاوال ولم يتوصال إلى فكرة عظيمة‪ .‬قرر كل من ‪Bill Hewlett and Dave‬‬
‫أن يؤسسا الشركة وبعدها أن يفكرا في المنتج‪ .‬وبدأت الشركة تع اني في تجربة‬ ‫‪Packard‬‬
‫أفكار ومنتجات مختلفة دون تخطيط وتركيز حتى عام ‪ 1940‬عندما بدأت الشركة تكسب بعض‬
‫العقود من الحرب‪.‬‬
‫شركة سوني أيضا عندما بدأت في عام ‪ 1945‬لم يكن لدى ماساريو إبوكا‪ ،‬المؤسس أي فك رة‬
‫محددة حول طبيعة المنتج الذي ستقدمه الشركة‪ .‬وقد حاول المؤسس وعدد من الموظفين الذين‬
‫باشروا معه العمل في الشركة التفكير والعصف الذهني فيما يمكنهم التفكير به كمنتج لكي تنتجه‬
‫‪- 150 -‬‬
‫الشركة‪ .‬ليس هذا فحسب فقد كانت أول محاولة لشركة سوني هو (طباخ أرز بسيط) وك ان قد‬
‫فشل فشال ذريعا‪ .‬أما أول أهم منتج فقد كان شريط التسجيل الذي فشل أيضا في السوق‪.‬‬
‫مقابل هاتين الشركتين سوني وهوليت باكارد كانت كل من كنوود (‪ )Kenwood‬و تكساس‬
‫انسترمانتس (‪ )Texas Instruments‬قد بدأتا حياتهما بأفكار خالقة وأفكار عظيمة‪ .‬نجحت‬
‫هذه الشركات ولكنها لم تحافظ على المستوى نفسه الذي بدأت به تلك األفكار العظيمة‪..‬‬
‫بالمقابل فقد بدأ ‪ Sam Walton‬مؤسس ‪ Wal-Mart‬دون فكرة عظيمة‪ .‬لم يمتلك أي ش يء‬
‫سوى الرغبة في عمل ريادي مستقل وبعض المعرفة والرغبة في تجارة التجزئة‪ ،‬ويقول ‪Sam‬‬
‫‪ Walton‬في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز " لم يكن عندي أي فك رة عن ه دف أو غاية‬
‫ون هنالك‬ ‫محددة ولكن كان لدي الثقة الكبيرة بأنه بالعمل الجيد والجاد وتقديم األفضل‪ ،‬ولن يك‬
‫أي حدود تقّيدنا أو معيقات تقف أمامنا"‪ Walton .‬بدأ خطوة‪ ،‬خطوة من محل تج اري بس يط‬
‫حتى وصلت المؤسسة إلى بناء فكرة عظيمة‪.‬‬
‫هذه الشركات األسطورة مثل ‪ HP، Sony، Wal-Mart‬وضعت حدا لالعتقاد السائد المسيطر‬
‫على تفكير كثير من الناس حول نشأة وتشكيل الشركات العمالقة والمعمرة أو الناجحة من حيث‬
‫إنها ال بد إال أن تبدأ بفكرة عظيمة‪ .‬فيعتقد كثير من الرياديين المبت دئين أو ممن ت راوده نفسه‬
‫اهم في تراجع‬ ‫ببناء مشروع ما أنه لن يتمكن من ذلك دون فكرة عظيمة‪ .‬وهذا االعتقاد قد يس‬
‫كثير من الناس عن بناء مشاريع خاصة بهم ويبعدهم عن األعمال الريادية والمشاريع الصغيرة‬
‫التي قد تساهم في بناء اقتصاديات وطنية كبيرة‪.‬‬
‫ليس المقصود من هذا الكالم الترويج لنقض األفكار العظيمة في بداية أي مشروع‪ ،‬ولكنه يؤكد‬
‫حقيقة هامة مفادها؛ أن األفكار العظيمة قد ال تعني كل شيء وقد ال تكون هي نهاية المطاف بحد‬
‫ذاتها‪ .‬فهناك كثير من الشركات بدأت بأفكار عظيمة وانتهت بفشل وال أحد يعلم عن مصير هذه‬
‫الشركات أي شيء كما لم يعد يذكرها أحد‪ .‬فقد بدا لماريوت (( ‪ J. Willard Marriott‬مثال‬
‫الرغبة في إنشاء مشروعه الخاص دون فكرة عظيمة ودون حتى فكرة واض حة ح ول طبيعة‬
‫ذلك المشروع‪ .‬و‪ Nordstrom‬بدأ مشروعا صغيرا بمحل أحذية صغير في وسط مدية س ياتل‬
‫و ‪ Procter and Gamble‬بدأ بمعمل بسيط لصناعة الصابون والشموع مقابل ‪ 18‬شركة‬
‫منافسة في سنسناتي (‪ )Cincinnati‬في عام ‪ .1837‬وموتوروال بدأت كمصلح بطاري ات في‬
‫إحدى الشركات األخرى و ‪ Philip Morris‬بدأ تاجر تجزئة صغير في ص ناعة التوب اكو‬
‫والسجائر في أحد أزقة لندن‪.‬‬

‫‪- 151 -‬‬


‫وهنالك تجارب رائدة في العالم العربي‪ ،‬منها على سبيل المث ال البنك الع ربي‪ ،‬ومؤسسه عبد‬
‫المجيد شومان‪ .‬وتم افتتاح أول فرع من فروع البنك العربي في القدس الشريف عام ‪ 1930‬وقد‬
‫ول إلى‬ ‫كان المشروع بداية متواضعة واآلن بعد أكثر من سبعين عاما نرى هذا المشروع يتح‬
‫اوز‬ ‫منظمة عابرة القارات بفروع تمتد حول العالم‪ .‬وقد كانت رؤية مؤسس هذا المشروع تتج‬
‫المصالح الخاصة إلى المصالح العامة التي تتعلق بالتنمية االقتص ادية العربية ومحاربة البطالة‬
‫تويات عالمية متقدمة وذلك من خالل إدارة العنصر‬ ‫والنهوض باالقتصاديات الوطنية إلى مس‬
‫‪140‬‬
‫البشري إدارة ناجحة ومنح العاملين فرصا ربما ال تتوفر في الكثير من المنظمات األخرى ‪.‬‬
‫في الحقيقة فإن بعض الشركات الناجحة والرائدة عالميا في الوقت الحاضر مثل س وني ب دأت‬
‫‪3M‬‬ ‫‪(Minnesota‬‬ ‫‪Mining‬‬ ‫ركة(‪and‬‬ ‫حياتها بسلسة من الفشل تلو الفشل وش‬
‫بدأت بمنجم ألكسيد األلمنيوم وكان المش روع فاشال مما أدى إلى‬ ‫‪Manufacturing Co‬‬
‫ركة في‬ ‫خسارة المستثمرين وامتعاضهم عما آلت إليه أسعار أسهمهم‪ .‬وقد كانت بداية هذه الش‬
‫غاية السوء لدرجة أن مديرها التنفيذي لم يتسلم راتبه لعدد من الس نوات ال تي أدار بها ه ذه‬
‫الشركة‪ .‬بينما في المقابل فإن منافس هذه الشركة نورتون بدأ بمنتجات متميزة وابتكارية وق دم‬
‫حصصًا جيدة للمساهمين لمدة ‪ 15‬عاما تقريبا وضاعف رأس ماله ‪ 15‬ضعفا خالل تلك الفترة‪.‬‬
‫ولكن عند المقارنة بين الشركتين نجد أن الشركة الثانية نورت ون لم ت دم ط ويال‪ ،‬ولم تعمر‬
‫وتصبح أسطورة من النجاحات كما حدث لشركة ‪ 3M‬المعروفة عالميا التي تصل منتجاتها من‬
‫األوراق الالصقة إلى مختلف أنحاء العالم وهي التي تصنع أنواع مختلفة من األقراص المدمجة‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫وأول طائرة لبل بوينج (‪ )Bill Boeing‬كانت تجربة فاشلة في عالم الطيران مما أدى بصاحبها‬
‫بل لدخول تجارة األثاث لكي يتمكن من البق اء في الس وق‪ .‬بينما في المقابل ف إن ش ركة (‬
‫‪ )Douglas Aircraft‬كانت قد بدأت بنجاح مثير في مجال الطيران وقد صُممت لتصبح شركة‬
‫‪ )Walt‬مع (‪Columbia‬‬ ‫الطيران األولى في العالم‪ .‬وعندما تق ارن والت دزني (‪Disney‬‬
‫‪ )Pictures‬تجد بأن األولى قد بدأت بمسرح فاشل ولكن الثانية بدأت بتقديم فيلم حقق لها مردود‬
‫يعادل ‪ 130000‬دوالر بتكاليف ‪ 20000‬دوالر في عام ‪ 1922‬فيما كانت شركة والت دزني‬
‫ومسرحها ال أحد يعرف عنه شيئا‪.‬‬
‫انظر اآلن إلى كل من هاتين الشركتين‪ ،‬تجد أن الف ارق بينهما اآلن كالف ارق بينهما في ع ام‬
‫دايتها مقابل تلك‬ ‫‪ 1922‬ولكن معكوسا هذه المرة لصالح الشركة التي لم يكن يعرفها أحد في ب‬
‫التي كانت حينها على لسان الجميع‪.‬‬

‫‪- 152 -‬‬


‫إن هذا يدلنا على حقيقة أن األفكار العظيمة تكمن في البناء التراكمي لقدرات المؤسسة وليس في‬
‫بروز فكرة رائعة وعظيمة في مرحلة من مراحل حياتها سواء نشأت الفكرة في ب دايتها أو في‬
‫نهايتها فتشبه الفرق في القصة بين من يجيد إعالم الناس عن الوقت بدقة ومن يصنع لهم وسيلة‬
‫"الساعة" التي تعطيهم الوقت في أي وقت وفي أي مكان بوجوده وحتى بعد أن ي ذهب‪ .‬وحقيقة‬
‫بناء المؤسسة كبناء تلك الساعة التي تبقى عقاربها تدور وتعطي ال وقت لناظره ا‪ .‬والمت ابع‬
‫للمنظمات ذات التجارب الناجحة يرى دورا هاما فيها للقيادة في تمكين المرؤوسين ومنحهم حقا‬
‫في بناء الصرح وحرية في التصرف ومساهمة في اتخاذ القرار‪ ،‬بل وأبعد من ذل ك‪ ،‬وج ود‬
‫شعور عام بأن البناء ملك للجميع وليس ملكا لفرد أو مؤسس‪.‬‬
‫اد‬ ‫فالمؤسسات والقادة قد يكون من واجبهم أمام هذه الحقائق إدراك حقيقة التحول من بناء أمج‬
‫ألشخاصهم إلى بناء مؤسسات بمساهمة كل فرد فيها لكي تبقى تلك المؤسس ات للجميع ال لتبقى‬
‫لفرد أو فئة على حساب فئات أخرى‪ .‬فدور مساهمة األفراد هنا‪ ،‬جميع األف راد هي المس ألة‬
‫المحورية في استمرارية المؤسسة وبقائها على مر العقود والسنوات‪ .‬فالسر هو في بناء مؤسسة‬
‫وليس بناء فكرة‪ ،‬وهنالك فرق بين من يبني فكرة‪ ،‬ومع الزمن وتغيراته تذهب الفكرة‪ ،‬ومن يبني‬
‫مؤسسة فتبقى المؤسسة‪ .‬في الحالة األولى؛ تتغير األفكار وتتجدد فتصبح األفكار متقادمة‪ ،‬وفي‬
‫الحالة الثانية تصبح المؤسسة هي صانعة األفكار ومعمل التجديد واإلحياء الدائم لتلك األفك ار‪،‬‬
‫فتصنع األفكار وتطور وتقتل وتموت وتأتي المؤسسة بأفكار جديدة‪ ،‬فتكون عملية التجديد عملية‬
‫مستمرة ودائمة‪ .‬وهذا يحتاج من القادة إلى عزيمة ومثابرة وحماية دائمة للمؤسسة وعدم النظر‬
‫إلى الفكرة أو الخدمة أو السلعة التي تقدمها المؤسسة على أنها هي نهاية المط اف‪ ،‬وإنما النظر‬
‫إلى المؤسسة على أنها هي نهاية المطاف‪ ،‬ألن القائد إذا نظر إلى الفكرة أو السلعة على أنها هي‬
‫نهاية المطاف‪ ،‬فهو في هذه الحالة قد ساوى بين المؤسسة والفكرة‪ ،‬فإن فشلت الفك رة فش لت‬
‫المؤسسة‪ .‬إذن ينبغي أن تتجاوز المؤسسات األفكار وتسموا فوقها نحو بناء متجدد ومتغير بتغير‬
‫األفكار وتغير الزمان وتغير المكان‪.141‬‬
‫فمثال ‪ Bill Hewlett‬واجه اإلحباط في المرحلة األولى من حياة الشركة بفشل تلو آخر‪ ،‬ولكنه‬
‫بالتعاون مع صديقه ‪ Dave Packard‬ومن خالل المثابرة والصبر والمحاولة والتجربة‪ ،‬وعدم‬
‫االستسالم لليأس استطاعا في النهاية أن يبنيا شركة إبتكارية لها قيم جوهرية أساس ية أساس ها‬
‫الفرد وقدراته اإلبداعية وقدرته على التعلم والتطور والتجديد في قدراته وخبراته وإنتاج أفك ار‬
‫تساعد المؤسسة على النهوض من أي كبوة أو مشكلة‪ .‬من هنا فإن الدراسة التي ق دمها كل من‬
‫‪ Collins and Porrs‬تؤكد أن أهم فرق بين بناء الفرد المركزي المؤسس وبناء المؤسسة‬

‫‪- 153 -‬‬


‫المستديمة يكمن في قدرة أفراد تلك المؤسسة على البناء والعطاء المستمر والتجديد‪ .‬وهنا تكمن‬
‫‪D‬ذهب ويبقى مجتمع المؤسسة‬
‫‪D‬أتي وي‪D‬‬
‫أيضا أهمية تمكين الفرد مقابل تمكين المدير فالمدير ي‪D‬‬
‫‪D‬درات ذاتية جماعية‬
‫خلفه‪ .‬إذا استطاع أن يغرس بهم الطاقة الكامنه ويساعدهم على تطوير ق‪D‬‬
‫فيكون قد نجح تماما كمن بنى للناس آلة (ساعة) يستفيدون منها في أي وقت من األوقات‪.‬‬
‫وهذا ما فعله هذان المهندسان لشركة ‪ HP‬كان باستطاعتهما أن يبقيا مهندسين‪ ،‬ولكنهما بدال من‬
‫ذلك تحولت نيتهما من تصميم منتج معين أو منتجات معينة إلى تص ميم مؤسسة وخلق من اخ‬
‫داخل هذه المؤسسة قادر على إنتاج سلع عظيمة‪ .‬وقد كان خطاب ‪ Bill Hewlett‬في عام‬
‫‪ 1950‬يؤكد مدى اهتمام المؤسسة بالفرد ودور الفرد ببقاء المؤسسة‪ ،‬بقوله‪:‬‬

‫"‪.....‬لدينا مهندس ون يتمتعون بقدرات خالق ة ولدين ا مناخ آم ن يناس بهم‪،‬‬


‫ونحاول أ ن نتأك د أ ن ك ل مهندس تتواف ر ل ه الفرص الطويل ة المدى وكذل ك‬
‫تتواف ر المشاري ع المناس بة لهؤالء المهندس ين‪ .‬ونح ن نحاول ضمان تواف ر‬
‫إدارة توف ر لك ل مهندس الس عادة والقدرة اإلنتاجي ة ألقص ى ح د ممكن‪.‬‬
‫سنمكن هؤالء المهندسين من العمل في بيئة منتجة ومناسبة لتطوير قدراتهم‬
‫ومنحهم كل حرية في مجال التفكير الخالق والمبدع‪".‬‬
‫‪Source: Collins, J and Porras, J, Built To Last Op cit‬‬

‫فلم تكن الغاية إنتاج اآللة الحاسبة مثال وإنما كانت الشركة والفلسفة التي تقوم عليها تلك الشركة‬
‫هو التركيز على اإلنسان المبدع ومنحه التمكين الكافي للمساهمة في صنع ق وة دافعة مس تمرة‬
‫ودائمة للمؤسسة‪.‬‬
‫‪ Masaru‬في سوني‪ .‬لم تكن غايته النهائية صناعة وإنتاج الوكم ان وإنما في‬ ‫كذلك ‪Ibuka‬‬
‫تأسيس سوني‪ ،‬المؤسسة‪ ،‬وما تقف وراءه من قيم جوهرية‪ .‬وك ذلك "والت دزني" ال تي لم تكن‬
‫"فانتازيا" ‪ Fantasia‬أو ‪ Snow White‬وال حتى "دزني الند" نهاية المطاف بالنسبة له وإنما‬
‫خلق والت دزني‪ ،‬المؤسسة‪ ،‬وقدرتها على خلق السعادة في قل وب اآلخ رين‪ .‬وك ذلك ‪Sam‬‬

‫‪- 154 -‬‬


‫‪ Walton‬الذي لم تكن غايته النهائية خلق فكرة ‪ Wal-Mart‬وإنما في تأسيس ‪، Wal-Mart‬‬
‫الشركة التي تنتج الفكرة تلو الفكرة‪.‬‬
‫إن الكثير من الشركات المعمرة والناجحة قد اتسمت بهذه الس مات في الترك يز على المؤسسة‬
‫بصفتها مؤسسة؛ ألن المؤسسة هي التي تنتج األفك ار والمنتج ات والخ دمات وليس العكس‪.‬‬
‫المنتجات والخدمات ال تنتج مؤسسات لتدوم وإنما في واقع األمر المؤسسات هي التي تنتج ه ذه‬
‫الموروثات فمنها ما يدوم ومنها ما يذهب ويفشل ومنها ما تنتهي دورة حياته ولكن تط ول دورة‬
‫حياة المؤسسات أكثر بكثير‪ .‬وهذا هو المهم في هذا الب اب هنا وهو أن تنتقل المؤسس ات إلى‬
‫التركيز على مصلحة الشركة أو المؤسسة أو المنظمة وبقائها وديمومتها‪ ،‬وأن يكون ه ذا ف وق‬
‫ان‬ ‫المصالح الفردية وفوق مصالح األشخاص على الرغم من أنها توفر لهم جميعا مصدرا لالم‬
‫واالستقرار‪ ،‬إال أن بقاءها وحياتها تبقى فوق المصالح الشخصية وفوق بناء أمج اد آلش خاص‬
‫يأتون ويذهبون‪ ،‬ولكن في النهاية‪ ،‬تبقى المؤسسة‪.‬‬
‫إذن ينبغي أن تتحول النظرة إلى جعل المؤسسة هي نهاية المطاف في تفكير مؤسس ها وإدارتها‬
‫وموظفيها على حد سواء‪ .‬عندها ينبغي أن يكون تفكير المؤسسة وإدارتها لكل ما تتطلبه عمليات‬
‫ائج عامة ذات قيمة‬ ‫التجديد واإلبداع وتقديم سلع أو خدمات ذات قيمة عالية للمستهلك وتقديم نت‬
‫للمجتمع‪ .‬وهذا ال يعني تجاهل حاجات ومصالح األفراد وإنما يعني تمكينهم من العمل الجماعي‬
‫والمؤسسي الذي يخدم مصلحة الكل على حساب المصالح الفردية ألن خدمة المصالح الفردية لن‬
‫يدوم عندما تتأثر مصلحة المؤسسة وإنما تتحقق مصالح األفراد كمحصلة طبيعية لنجاح المؤسسة‬
‫وديمومتها‪.‬‬
‫وم أساسي أال وهو‬ ‫إن بناء مؤسسة وبناء مناخ فيه تجديد وإبداع وتطوير مستمر يحتاج إلى مق‬
‫اإلنسان‪ .‬فعملية التجديد والتفوق في زمن المنافسة العالمية نحو اإلبداع والتف وق ال ت أتي من‬
‫التكنولوجيا وال تأتي من اآللة فاآللة صماء وال تأتي من الم وارد المالية فكم من أم وال ذهبت‬
‫لسوء إدارة أصحابها‪ .‬وال تأتي من البنية التحتية فكل هذه األشياء تدار بواسطة اإلنسان‪ .‬اإلنسان‬
‫هو المجدد في المؤسسة‪ ،‬وهو الذي يطور التكنولوجيا‪ ،‬وهو الذي يبني اآللة‪ ،‬وهو ال ذي يؤسس‬
‫تي تعتمد‬ ‫البنى التحتية للمؤسسات‪ .‬إذن اإلنسان هو المحرك األساسي لكل العناصر األخرى ال‬
‫عليها المؤسسة‪ .‬لذلك فعندما تبني مؤسسة نبني إنسانا‪ ،‬المؤسسة واإلنسان صنوان ال يفترقان فال‬
‫يمكن أن تكون هناك مؤسسة دون إنسان‪.‬‬

‫‪- 155 -‬‬


‫وعند الحديث هنا عن اإلنسان إنما نعني اإلنسان كيفا ال كم ا‪ .‬اإلنس ان الق ادر على العط اء‬
‫ذا‬ ‫والتجديد وتقديم الرأي والمشورة والمشاركة الفاعلة‪ .‬ومن أهم مقومات هذا التشكيل إدارة ه‬
‫اإلنسان بحيث يمتلك زمام أمره وزمام المبادرة‪.‬‬
‫أسطورة الرجل العظيم‬
‫إن أسطورة األفكار العظيمة التي تم اإلشارة إليها تكاد ترتبط بأس طورة الرجل العظيم‪ .‬فع ادة‬
‫القادة الكارزماتيون يحاولون إبراز قوتهم وعظمتهم من خالل أفكار عظيمة‪ .‬على الرغم من ذلك‬
‫فقد بينت دراسات علمية ميدانية مثل دراسة ‪ Peters and Waterman, 1989‬في "البحث عن‬
‫التميز" (‪ )In Search of Excellence‬ودراسة ‪ Collins and Porras‬في "أُسس ليبقى" (‬
‫‪ )Built‬أن أسطورة الرجل العظيم مثلها مثل أسطورة األفكار العظيمة ال تص لح‬ ‫‪to‬‬ ‫‪Last‬‬
‫مؤشرًا على بناء مؤسسة عظيمة‪ ،‬أي إنه ال عالقة طرديه بين وجود رجل عظيم وقائد كارزماتي‬
‫من ناحية ومؤسسة قوية ذات ميزة تنافسية مستديمة من ناحية أخرى‪.‬‬
‫فقد عمل ‪ James Stillman‬رئيس ‪ Citicorp‬س ابقا ورئيس ‪ Citybank‬الحقا منذ ع ام‬
‫‪ 1891‬حتى عام ‪1909‬ورئيس مجلس اإلدارة حتى عام ‪ ، 1918‬عمل خالل هذه الفترة على‬
‫تطوير المنظمة وبناء بنك وطني عظيم‪ .‬وقد ح ول البنك من ش ركة ض يقة األفق إلى منظمة‬
‫معاصرة بكل ما للكلمة من مع نى‪ .‬وقد رعى البنك منذ تأسيسه وط وره إلى هيكل تنظيمي ال‬
‫مركزي وأسس مجلس إدارة قوي يتألف من مديرين تنفيذيين قي اديين وأسس ب رامج ت دريب‬
‫وتأهيل في ذلك الوقت قبل أن يفكر منافسوه بمثل هذه البرامج بثالثة عقود‪.‬‬
‫تصف تقارير ‪ Citybank‬كيف أن ‪ Stillman‬المهندس المؤسس لهذا البنك بنى مؤسسة ظلت‬
‫تناضل وتترعرع حتى بعد وفاته‪ ،‬فقد اس تطاع ‪ Stillman‬أن يب ني مؤسسة بس واعد قوية‬
‫ه عن‬ ‫شاركت برؤية وروح ومعنوية ريادية‪ .‬وقد كتب رسالة لوالدته يوضح فيها أسباب تنحي‬
‫رئاسة المؤسسة وترك ذلك المنصب لخلفه من بعده بقوله‪:‬‬

‫" لقد جهزت نفسي منذ سنتين لترك منصبي ولكي أكتفي بدوري االستشاري‬
‫في الشركة‪ .‬أعرف بأن هذا قرار حكيم فهو ال يريحني من تحمل المسؤولية‬
‫فق ط ولكن ه يمن ح رفاق ي فرص ة لك ي يشاركوا أيض ا ف ي تحم ل المس ؤولية‬
‫وعبء األمانة‪ .‬ولكي يتمكنوا من المضي قدما في استكشاف الفرص التي‬
‫الفرص ستكون أكبر في المستقبل من أي وقت‬
‫‪- 156‬‬‫ليس لها حدود وربما‪ -‬هذه‬
‫مضى"‬
‫‪Source: Collins, J and Porras, J, Built To Last Op cit‬‬
‫‪Companies Op cit‬‬
‫‪D‬اركة‪،‬‬
‫‪D‬ال لهم للمش‪D‬‬
‫‪D‬اح المج‪D‬‬
‫هذه المقولة تعبر عن استعداد كامن لمنح اآلخرين دورًا‪ ،‬وإفس‪D‬‬
‫وتحمل المسؤولية‪ ،‬إضافة لتمكينهم من استكشاف فرص جديدة‪.‬‬
‫وهذا المنطق نفسه ينطبق على شركة‪ Wal-mart ،،‬ومؤسسها ‪ Sam Walton‬الذي قال في‬
‫مذكراته‪:‬‬
‫" كنا منذ البداية نحاول أن نكون أفضل من أي منافس آخر ونقدم أفضل ما‬
‫‪D‬ون األفضل – أفضل‬
‫‪D‬تهلك‪ .‬فقد عملنا بكل طاقتنا لنك‪D‬‬
‫يمكن أن نقدمه للمس‪D‬‬
‫المديرين وأفضل العاملين بكل ما أوتينا من قوة وعزيمة‪ .‬ال شك أن ل‪DD‬دي‬
‫‪D‬ذه القي‪D‬ادة روح المقاتل في‬
‫شخصية قيادية مشجعة ولكن يتوارى تحت ه‪D‬‬
‫‪D‬ياء على أحسن‬
‫‪D‬نع األش‪D‬‬
‫الصفوف األمامية‪ ،‬ذلك اإلنسان الذي يود أن يص‪D‬‬
‫وجه‪ .‬وكان أهم شيء بالنسبة لي هو بناء المنظمة على أحسن صورها"‬
‫تمر ولم يكن واعظا‬ ‫فعلى سبيل المثال كان ‪ Walton‬يقدس التغيير والتجريب والتحسين المس‬
‫وتمكن من خلق اآلليات المؤسسية المناسبة لدفع عملية التغيير في االتجاه الصحيح وخلق نوعية‬
‫وجودة في العمل بش كل أفضل كل ي وم‪ .‬وقد نفذ رؤيته من خالل منح المديرين في ال دوائر‬
‫المختلفة الحرية والصالحيات إلدارة دوائرهم كما لو أنها لهم أو ملكهم أنفسهم‪ .‬قام بمنح مكافآت‬
‫عمال متميزا‪ ،‬وقد خلق أيضا مس ابقات لتش جيع‬
‫ً‬ ‫لكل مجد وتقدير شخصي أيضا لكل من يعمل‬
‫العاملين على االنخراط بمحاوالت وتجارب إبتكارية وخالقة وكان يعقد لقاءات لالحتفال بأفضل‬
‫التجارب والحديث عن الطريقة التي يمكن االستفادة منها عمليا‪ .‬وكان يعقد لق اء في كل ي وم‬
‫سبت في الصباح ليقدم للحضور أحد الموظفين الذين حاولوا ش يئا جدي دا وك ان ذلك مفي دا‬
‫وناجحا‪.‬‬
‫هذا ويتم باستمرار نشر األفكار المتميزة التي يقترحها الموظف ون في مجلة الش ركة الداخلية‬
‫والتي يرغب الجميع باإلطالع عليها حال ص دورها‪ .‬وقد عملت اإلدارة أك ثر من ذل ك‪ .‬فقد‬
‫استثمرت في نظام أقمار صناعية (‪ )Satellite Communications System‬لالتصال‪ ،‬لنشر‬
‫التفاصيل الدقيقة حول الشركة بالسرعة الممكنة‪.‬‬

‫‪- 157 -‬‬


‫يزاً يتعلق‬ ‫مقترحا متم‬
‫ً‬ ‫يعمل األفراد في هذه الشركة في أجواء مشجعة جدا فإذا قدم أي موظف‬
‫مثالً في تحسين النوعية أو تقليل النفقات أو خدمة الزب ائن‪ ،‬فيتم نقل ونشر ه ذه األفك ار أو‬
‫المقترحات بسرعة قصوى‪ .‬فكل اقتراح متميز يصل إلى أكثر من ‪ 800‬فرع ويتفاعل مع ه ذا‬
‫االقتراح أك ثر من ‪ 80000‬موظف مما يس اهم في تحقيق مكاسب هائلة على مس توى تقليل‬
‫التكاليف مثال أو في تحسين اإلنتاجية أو قد يكون في حل مشكلة فنية معينة‪.‬‬
‫وهذا يدل على نية اإلدارة في خلق مؤسسة تتجدد وتتحول ال بقدرة قائ دها الخارقة وال بفك رة‬
‫واحدة متميزة فحسب‪ ،‬ولكن بمنح الفرصة للجميع كي يقدموا أفكارا ويكافأوا على تقديم األفكار‬
‫ل‪،‬‬ ‫وخاصة تلك األفكار القيمة‪ ،‬مما يؤدي إلى التنافس بين الموظفين من أجل تقديم أفكار أفض‬
‫جلها يدور حول تحسين اإلنتاجية أو آلي ات معينة لتقليل التك اليف أو طريقة أفضل في خدمة‬
‫الزبائن‪.‬‬

‫‪- 158 -‬‬


‫تجارب وحاالت أخرى من أرشيف الشركات الناجحة‬
‫شركة موتوروال ‪))Motorola‬‬
‫درس في القيادة‬
‫لقد كان حلم مؤسس شركة موتوروال ‪Paul Galvin‬يتمثل ببناء شركة عظيمة ومستديمة وهو‬
‫ام ‪ 1928‬هي من‬ ‫ال يملك خلفية حتى في الهندسة‪ ،‬ولكن هذه الشركة المعروفة التي تأسست ع‬
‫أنجح الشركات التقنية في التاريخ كما يؤكد ‪James Collins and Jerry Porras‬في كتاب‬
‫"أسس ليبقى"‪ .‬وإن ع دم براعة ‪ Galvin‬في التكنولوجيا أو في الهندسة االلكترونية لم يمنعه من‬
‫تحقيق حلمه‪ ،‬فقام بتعيين أفضل المهندسين وش جع الجميع على التفك ير والح وار والنق اش‬
‫والمعارضة في الرأي وكان يقول لهم " الرأي المعارض والمضاد أفضل من غ يره" ف أعطى‬
‫األفراد الحرية في طرح األمور التي يمكنهم القيام بها بمفردهم‪ .‬فمن قام بأي ابتك ار أو فك رة‬
‫جديدة له الحق بدعوة اآلخرين ليعرض فكرته عليهم والنقاش حولها من أجل تطويرها وتبنيها‪.‬‬
‫فقد وضع تحديات ومهام تحتاج إلى جهود ذهنية ومنح الموظفين المس ؤولية الكاملة والمج ال‬
‫الكافي والمناخ المناسب الستثارة الجميع من أجل التعلم والتط ور‪ .‬وتش جيع التعلم من خالل‬
‫ّاء وكانت أهم مقوماته تكمن في ق وة‬
‫الفشل والخطأ‪ .‬فلم يكن جالفن مخترعًا‪ ،‬ولكنه كان قائدًا بن ً‬
‫ومتانة ذلك البناء وقوة أولئك الناس الذين يشيدون معه ذلك البناء‪ .‬واستمر البناء بسبب مشاركة‬
‫الجميع في البناء وتحصين ذلك البناء بشكل مستمر‪.‬‬
‫ولكننا نجد ضعفا في كثير من المؤسسات أو الشركات في هذا األمر الهام‪ ،‬وهو تجاهل مستقبل‬
‫البناء ومن يساهم في البنّاء فكثيرا ما كان يتم التركيز على مؤسس واحد وال يتم محاولة التفكير‬
‫البناء (القائد) األوحد لن يدوم إلى األبد‪.‬‬
‫بخلق ّبنائين أو مؤسسين آخرين‪ ،‬ألن ّ‬
‫مقابل كل تجربة ناجحة نجد تجارب أخرى مغايرة‪ .‬فنجد مثالً مؤسس شركة ‪ Zenith‬صاحب‬
‫األفكار العظيمة والشخصية الفذة الكرزماتية حيث كان الجميع ينادونه بالكوماندور الذي يُه اب‬
‫جانبه وكانت أفكاره في غاية الذكاء واألهمية في نجاح تلك الش ركة وتفوقها في مرحلة معينة‪،‬‬
‫ام‬ ‫ولكنه كان هو زينث وزينث هو‪ .‬كان قويا وشديدا وناجحا في قراراته‪ ،‬ولكن برحيله في ع‬
‫‪ 1958‬فقدت الشركة من ال يمكن أن يحل مكانه ويقوم باألعمال ويقدم األفك ار العظيمة ال تي‬
‫كان يقدمها‪ .‬فقارن بين كل من زينث وموتوروال!‪ .‬األولى صنعت شخصا أو ص نعها ف ردا‬
‫فذهب وذهبت فبعد عام ‪ 1993‬ال يعلم عن زينث أحد فقد ظلت تتراجع لغياب القوة الدافعة فيها‪،‬‬
‫ولكن موتوروال ظلت تتوسع وتزدهر‪ ،‬لغياب التركيز المبالغ به على األشخاص‪ ،‬وإنما بناء قوة‬

‫‪- 159 -‬‬


‫متجددة ال تتوقف أو تنضب عند شخص أو أشخاص؛ ألن الجميع يعمل بروح الفريق والتركيز‬
‫ات في مكانها كل حسب‬ ‫كله على البناء المتكامل وعلى دور كل أعضاء البنيان في وضع اللبن‬
‫ها الحرية في‬ ‫تخصصه وقدراته‪ ،‬بحرية في التفكير وطاقة مبدعة متجددة خالقة مبتكرة أساس‬
‫التفكير والتمكين وروح المبادرة‪.‬‬

‫التركيز على الربح قد يفقد المنظمة التركيز على اإلنسان‬


‫ات‬ ‫ال أحد يستطيع أن ينكر أهمية الربح للشركات والمنظمات الخاصة والربحية‪ ،‬ولكن المنظم‬
‫الناجحة المستديمة تركز جل اهتمامها على مواضيع تتجاوز الربح؛ على ال رغم من أن ال ربح‬
‫جزء هام من أه دافها ولكنه ض من س ياق أه دافها الجوهرية وليس المح ور األساسي لتلك‬
‫األهداف‪.‬فمثال روبرت جونسون مؤسس ‪Johnson & Johnson‬في عام ‪ 1886‬أسس تلك‬
‫الشركة برؤية جوهرية أساسها "تخفيف اآلالم الناس والقضاء على المرض" ‪ .‬في ع ام ‪1908‬‬
‫ائن على رأس أولوياتها‬ ‫عت خدمة الزب‬ ‫توسع في تلك الرؤية إلى أيديولوجية تجارية وض‬
‫واالهتمام بالموظفين وتنميتهم قبل حصص المساهمين‪ .‬وقد ترجم هذه الرؤية أحد مديري البحث‬
‫والتطوير في الشركة مؤكدا أن دائرة البحث والتطوير ال يهمها بش كل أساسي توزيع الحصص‬
‫على المساهمين بقدر ما يهمهم تطوير فن الش فاء وعالج اإلنس ان‪ .‬والقيم الجوهرية للش ركة‬
‫تختلف عن الكثير من الشركات عند الح ديث عن اإلي رادات ففي ما تركز غالبية الش ركات‬
‫الخاصة على تعظيم اإليرادات فإن جونسون تؤكد على اإليرادات المتواضعة أو المعقولة‪.‬‬
‫وقد تمحورت فلسفة هذه الشركة على يد مؤسسها في عام ‪ 1943‬على أس اس من األولوي ات‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫"أول أولوي ة كان ت الزبائ ن‪ ،‬وذل ك بتقدي م س لع وخدمات بأعل ى مس توى ممك ن م ن الجودة وأق ل‬

‫مس توى ممك ن م ن التكالي ف وبمس توى معقول م ن الربح‪ .‬أم ا المس ؤولية الثاني ة فه ي تجاه الناس‬

‫يمكنون الشركة من القيام بتأدية المسؤولية األولى‪ ،‬تجاه الزبائن‪ ،‬وهم الرجال والنساء الذين‬
‫الذين ّ‬
‫‪- 160 -‬‬
‫يعملون ف ي المكات ب وف ي المخت برات وف ي ك ل مكان‪ .‬واألم ن الوظيف ي م ن األمور الت ي ال تحتم ل‬

‫المس اومة وظروف العم ل يج ب أ ن تكون ممتازة جدا‪ .‬ال ب د م ن وجود نظام محك م يوف ر للموظفي ن‬

‫الفرص ة للتع بير والشكوى وتقدي م االقتراحات‪ .‬والمشرفون والمديرون يج ب أ ن يتمتعوا بالكفاء ة‬

‫العالية والمرونة العقلية‪ .‬يجب تأمين فرص للتنمية وتطوير الكفاءات‪ .‬واالحترام يجب أن يكون سيد‬

‫الموقف على أساس كرامة الفرد وحقوقه"‪.‬‬


‫‪Source: Collins, J and Porras, J, Built To Last Op cit‬‬
‫وبعدها تم التركيز على طبقة المديرين‪ ،‬وأكد بأن علينا مسؤولية أيضا تجاه اإلدارة‪ ،‬فالم ديرين‬
‫هم أفراد يتمتعون بمواهب عالية وتعليم وتج ارب وق درات كب يرة‪ .‬يجب أن يتمتعوا بعقالنية‬
‫ومنطق وفهم‪ .‬ومن ثم تمّ توجيه جزء هام من فلسفة الشركة تجاه المجتمع الذي يستخدم ويستهلك‬
‫ما تفرزه من خدمات وسلع‪ ،‬فتُرجمت تلك الفلسفة من خالل دعم أعم ال الخ ير والمس اعدات‬
‫للمشاريع المدنية وتنمية المجتمع ودعم الصحة والمش اريع الحكومية الخيرية واالنخ راط في‬
‫المجتمع لتكون الشركة امتدادا طبيعيا فيه‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالربح وتوزيع الربح على مستحقيه وبشكل خاص المساهمين فقد كان ه ذا البند‬
‫في آخر القائمة من فلسفة جونسون‪ ،‬فمع أهمية الربح الذي يعد بمنزلة شريان هام من ش رايين‬
‫المؤسسات الربحية إال أنه ذكر بأن‪:‬‬

‫‪- 161 -‬‬


‫"آخ ر مس ؤولياتنا م ع عدم التقلي ل م ن أهميته ا‪ ،‬ه ي أمام المس اهمين‪ ،‬والشرك ة عليه ا أ ن‬
‫تحق ق أرباحاً جيدة‪ .‬ويج ب تخص يص جزء هام م ن األرباح الت ي نحققه ا لص الح البح ث‬
‫والتطوير والبرامج اإلبداعية‪ .‬ينبغي أن يوجه دعم خاص للتجديد في كل شيء‪ ،‬وفي السلع‪،‬‬
‫وفي البرامج واألفكار والمشاريع‪ ،‬ويجب علينا أن نجرب كل جديد‪ .‬فعندما نحول هذه الرغبات‬
‫إل ى حقائ ق فحتما س ينجم ع ن ذل ك مردودات مناس بة ومعقول ة للمساهمين‪ .‬ونح ن مص ممون‬
‫على إنجاز هذه الوعود بكل ما أوتينا من قوة"‪.‬‬

‫إن استعراض هذا النموذج الذي تم إعالنه من قبل جونسون مؤسس ش ركة جونس ون‪ ،‬ي بين‬
‫نة من‬ ‫قضايا هامة ومفيدة لتكون فلسفة ألي منظمة في القرن الواحد والعشرين أي بعد ‪ 52‬س‬
‫هذا الشعار‪ .‬وهناك عدد من القضايا التي ال بد من سردها بصفتها بنودًا تحليلية لهذه الفلسفة‪:‬‬
‫إن هذه الفلسفة لم تكن مج رد ش عارٍ يط رح ويوضع في‬ ‫(‪)1‬‬
‫تقارير المنظمة وفي دساتيرها ومن ثم يدفن في األدراج أو فوق الرفوف وإنما كان‬
‫واقعا يتحرك على األرض‪.‬‬
‫كان التركيز في تلك الفلسفة على اإلنسان واحترامه وتق دير‬ ‫(‪)2‬‬
‫احتياجاته سواء أكان مستهلكا أم موظفا‪.‬‬
‫لم يكن تحقيق األرباح هو الغاية النهائية للشركة‪ ،‬وإنما كانت‬ ‫(‪)3‬‬
‫محصلة أكيدة لفلسفة جوهرها تقديم األفضل من خالل التط وير المس تمر والتعلم‬
‫والتجريب وخوض غمار المحاولة والمخاطرة‪.‬‬
‫وقد كانت الترجمة واضحة لهذه الفلسفة في عام ‪ 1982‬عن دما ت وفي ‪ 7‬أش خاص في مدينة‬
‫مى‬ ‫شيكاغو األمريكية نتيجة لتناولهم ألحد األدوية التي تنتجها الشركة‪ ،‬وهو عالج للصداع يس‬
‫تايلنول (‪( )Tylonol‬وقد تمت اإلشارة إلى هذا المثال في موضع آخر من هذا الكتاب‪ ،‬والتفصيل‬
‫هنا لزيادة في التوضيح بما يتناسب مع الموضوع في هذا الفصل)‪ .‬وكان س بب تلك الحادثة هو‬
‫العبث من خالل وضع السم في تلك الكبسوالت من قبل عابثين من خ ارج الش ركة‪ .‬فق امت‬
‫الشركة مباشرة يسحب جميع العبوات من جميع أنحاء الواليات المتحدة األمريكية وليس فقط من‬

‫‪- 162 -‬‬


‫الوالية التي ح دثت فيها الكارثة وقد كلفت ه ذه العملية ‪ 100‬ملي ون دوالر مع حملة إعالمية‬
‫بجهود ‪ 2500‬فرد للقيام بهذه الحملة لتحذير الجمهور وللتعامل مع المشكلة بالشكل المالئم‪ .‬وقد‬
‫علقت الكثير من الصحف واصفة حكمة الشركة وذكاءها في مواجهة المش كلة على ال رغم من‬
‫التكاليف الباهظة والخسائر الفادحة التي تكبدتها‪.‬‬
‫بعد أيام من كارثة جونسون وجونسون وعقار التايلنول واجهت ش ركة منافسة أخ رى‪ ،‬ولكن‬
‫فقد واجهت مشكلة مش ابهة لما ح دث مع جونس ون‬ ‫برؤية مغايرة وهي ‪Bristol-Myers‬‬
‫وجونسون في أقراص أللم ال رأس‪ ،‬ت دعى اكس درين (‪ )Excedrin‬في منطقة ‪ Denver‬في‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ .‬فكان الفرق واضحا في التعامل مع نفس المشكلة بين شركة أسست‬
‫لتبقى وبين شركة أسسها صاحب شخصية فذة‪ .‬فبدال من س حب جميع العب وات من المح ال‬
‫التجارية من الواليات المتحدة األمريكية كما فعلت جونسون وجونسون‪ ،‬فقد اكتفت هذه الش ركة‬
‫بسحب عبواتها فقط من والية واحدة هي والية كولورادو ولم تقم بحملة لتوعية وتحذير الناس‪.‬‬
‫هذا االختالف يعززه رؤية اإلدارة وقيمها الجوهرية التي تركز على ال ربح والخس ارة في كل‬
‫صغيرة وكبيرة‪ .‬ويرى المراقبون والمحللون والمواطن العادي في أمريكيا الف رق بين ه اتين‬
‫السياستين فمثال جونسون وجونسون تمكنت من استعادة ثقة الجماهير بعد فترة بسيطة من الزمن‬
‫بسبب التزامها الكبير بالقيم الجوهرية التي تنادي بها وتمسكها بتلك المبادئ التي تأتي على س لم‬
‫فة‬ ‫أولوياتها قبل النواحي الربحية والمادية القريبة‪ .‬وهذه ترجمة حقيقية لمبادئها المبينة في فلس‬
‫الشركة التي ذكرت قبل قليل‪.‬‬
‫عندما ينظر المرء إلى الجانب البشري المرتبط بهذه الفلس فة ي رى دورا واض حا لإلدارة في‬
‫المحافظة على نوعية من الموظفين تنطبق عليهم مواصفات التمكين‪ ،‬فهم يتمتع ون بمس تويات‬
‫وع من‬ ‫عالية من االنتماء الداخلي لما يقومون به من أعمال ويشعرون بمعنى للعمل يصاحبه ن‬
‫التحدي للذهن واإلبداع والقدرات الخالقة‪ .‬هذا يقودهم إلى الشعور بأن ما يعملونه كأنه ملك لهم‬
‫وليس مفروضا عليهم‪ .‬فنجد أن تحمل المسؤولية أمر ذاتي وليس خارجي‪.‬‬
‫فخطاب هذه الشركات المتكرر يركز على شيء أساسي في حياتها وحياة مديريها وهو الح ديث‬
‫عن اإلبداع والتميز والتجديد ورضا الموظفين والزبائن والنوعية واألخالق واالبتك ار وغيرها‬
‫أن عملية‬
‫من األفكار المشابهة‪ ،‬ونادرا ما تجد في الخطاب شيئا حول تعظيم األرب اح‪ .‬ويب دو ّ‬
‫تعظيم األرباح تأتي نتيجة طبيعية وتحصيل طبيعي‪ ،‬حاصل لمثل هذه المقدمات الجوهرية‪ .‬ومن‬
‫بين هذه القيم الجوهرية يبرز دور اإلدارة في منح العاملين ثقة في النفس ومش‪DD‬اركة في تحمل‬
‫المسؤولية وتمكّن من العمل بحرية مسؤولة‪.‬‬
‫‪- 163 -‬‬
‫أيديولوجية المنظمة(قيمها الجوهرية)‬
‫إن عملية تمكين الموظفين تحتاج إلى مؤسسة تلتزم بمؤسسيتها‪ ،‬وليس فقط بمؤسس ها‪ ،‬وبطبيعة‬
‫الحال فإن المؤسسات التي تلتزم بمؤسسيتها تلتزم بمبادئ تصنعها كنسيج يربط كل أفرادها على‬
‫مدى من الزمن أطول من حياة األشخاص واألفراد‪ .‬وهذا حال المؤسس ات الناجح ة‪ ،‬تص نع‬
‫لة من‬ ‫لنفسها قيما جوهرية ال تحيد عنها وال تأتي هذه القيم مصطنعة وإنما تأتي أصيلة ومتأص‬
‫صميم رسالة المؤسسة التي تعتنقها‪.‬‬
‫الحة لمختلف‬ ‫وال يوجد قيم جوهرية أو أيديولوجية جوهرية وأساسية يمكن أن تعمم لتصبح ص‬
‫المؤسسات‪ ،‬وإنما كل مؤسسة يمكنها صياغة قيمها بنفسها فتكون لها قيمها الجوهرية الخاصة بها‬
‫لتكون مصدرا من مصادر التوجيه واإللهام في المؤسسة‪ .‬وفيما يأتي عرض لبعض األمثلة للقيم‬
‫الجوهرية لدى بعض المنظمات‪.‬‬

‫أمثلة على قيم جوهرية من واقع المنظمات الناجحة‬


‫الحالة رقم ‪ 1‬هي عبارة عن أمثلة واقعية للقيم الجوهرية التي تتمثلها عدد من الشركات الناجحة‬
‫مثل شركة فورد وجنرال اليكترك وآي بي أم وموتوروال و هيليوت باكارد ‪:‬‬

‫‪- 164 -‬‬


‫فورد‪ :‬األفراد هم مصدر قوتنا‪ ،‬واألرباح هي مجرد وسائل لقياس‬
‫نجاحنا‪.‬‬
‫واألمانة والصدق قواعد أساسية في عملنا‪.‬‬

‫جنرال إلكتريك‪ :‬تحسين نوعية حياة الناس من خالل التكنولوجيا‬


‫واالبتكار‪،‬‬
‫والتوازن في مسؤولية الشركة تجاه زبائنها وموظفيها والمجتمع والمساهمين‪،‬و‬
‫توفير الفرص وتحمل المسؤولية‪ ،‬واألمانة والصدق‪.‬‬

‫آي بي أم‪ :‬توجيه االهتمام األكبر للموظفين وفعل كل ما يمكن إلسعاد‬


‫زبائننا وعمل كل ما يمكننا لصنع األشياء كما ينبغي وبمستوى رفيع من‬
‫التفوق‪.‬‬
‫سوني‪ :‬تقدير واحترام وتشجيع قدرات األفراد الخالقة واإلبداعية‪.‬‬

‫موتوروال‪ :‬موتوروال تستمد بقاءها من الخدمة التي تقدمها للمجتمعات‬


‫بتقديم سلع وخدمات ذات مستوى عال من الجودة والسعر المناسب‪ .‬و‬
‫تشجيع الطاقات اإلبداعية والخالقة في األفراد‪ .‬والتعامل مع أألفراد‬
‫بدرجات عالية من االحترام والتقدير‪.‬‬

‫هيليوت باكارد‪ :‬احترام وتقدير الفرد‪ .‬وال تقبل لآلخرين ما ال تقبله‬


‫لنفسك‪.‬‬
‫حالة ‪6‬قيم جوهرية‬
‫‪Source: Collins، J and Porras، J (1994) Built to last، USA.‬‬
‫والقيم الجوهرية تمثل المبادئ والمعتقدات األساسية والدائمة التي ال تقبل التفاوض أو التن ازل‪.‬‬
‫وكما يؤكد أحد المديرين التنفيذيين لشركة آي بي أم أن معتق دات المؤسسة ال تي ترتبط بقيمها‬
‫الجوهرية تمثل المرشد والموجه للطاقات البش رية الكامنة‪ ،‬ألنها تس اعدهم على وج ود غاية‬
‫مشتركة فيما بينهم‪ .‬فمهما حدثت تغيرات أخرى ال تتغير هذه القيم وال يمكن أن تتبدل مع مرور‬
‫الزمن‪ .‬وسر نجاح أي مؤسسة يعتمد على مدى التزامها بمعتقداتها‪ ،‬هذه المعتقدات التي ال تتغير‬
‫مهما تغيرت سياساتها وإجراءاتها وأهدافها‪ .‬فاإلجراءات والسياسات واألهداف يجب أن تتغ ير‬
‫وتعدل في أي وقت تصطدم بمعتقدات الشركة وقيمها الجوهرية‪ .‬فالقيم الجوهرية للمؤسسة التي‬
‫تنبثق عن رسالة المؤسسة وترتبط بها ارتباطا وثيقا ينبغي أن تتسم بالصدق واألصالة وأن تكون‬
‫مستمدة من واقع المؤسسة لتمّكن أفرادها من حمايتها مهما تغير األفراد أو ذهب مديرون وج اء‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫‪- 165 -‬‬
‫والقيم الجوهرية ال يمكن استعارتها من اآلخ رين وال يكمن دراس تها في كتب اإلدارة وتبنيها‬
‫ألنها تبدو جميلة وبراقة ولكنها تأتي من الداخل‪ ،‬أي من القناعة الراسخة لدى القي ادة ال تي قد‬
‫تؤمن إيمانا راسخا بحرية الفرد وتقديم كل احترام وتقدير له أو مثال احترام الزبائن والعمل على‬
‫تقديم أفضل الخدمات لهم‪.‬‬
‫وهنالك مثال واقعي من شركة ‪ 3M‬التي تعتنق مبدأ التجديد واالبتكار واإلب داع التكنول وجي‬
‫وتمكّن أفرادها من كل سبل التميز والتفوق؛ من أجل إنتاج سلع وأفكار مبتكرة وخالقة‪.‬‬
‫وترتبط القيم الجوهرية عادة بقضية جوهرية مصيرية وهي قضية وج ود‪ .‬أي قض ية س بب‬
‫وجود وقيام المؤسسة من حيث المبدأ‪ ،‬فهل نشأت من أجل تقديم خدمة معينة كالتعليم الجامعي أم‬
‫من أجل الربح والمردود العظيم للمساهمين؟‪ .‬وهل نشأت من أجل تقديم برمجيات بتكنولوجيات‬
‫متقدمة لحل مشاكل المستخدمين أم نشأت لمنافسة الشركات األخ رى؟‪ .‬وهك ذا ال بد أن تربط‬
‫ألمؤسسه دائما بالغاية نفسها األساسية من وجودها؛ لكي تحدد أه دافها العامة وقيمها الجوهرية‬
‫األصيلة‪.‬‬
‫وتؤكد الدراسات (‪)Peffefer, 1994‬ع دم ج واز الخلط بين القيم الجوهرية للمنظمة والقيم‬
‫األخرى مثل الثقافة واالستراتيجية والعمليات والتكتيكات والسياسات واإلجراءات المختلفة‪ .‬هذه‬
‫أصال من أجلها ال‬
‫ً‬ ‫كلها تتغير إذا لزم األمر‪ ،‬ولكن القيم الجوهرية وغايات المؤسسة التي وجدت‬
‫يمكن أن تتغير‪ .‬فعندما نقول‪ ،‬مثالً‪" :‬نريد أن نقدم لزبائننا أفضل ما يمكن من خدمات" إذا كانت‬
‫هذه الفكرة تشكل معتقدا راسخا وجوهريا فإنها ال يمكن أن تتغ ير كما تتغ ير الطريقة ال تي‬
‫نستخدمها للترحيب بالزبائن عند دخولهم إلى محالتنا التجارية‪ .‬فه ذه عب ارة عن" أيتكيت" قد‬
‫يتغير وتلك (تقديم خدمات أفضل) ال يمكن أن تتغير وال يمكن أن تنتهي مهما تغيرت األح وال‬
‫والظروف‪.‬‬
‫فالمؤسسة التي تحترم قيمها الجوهرية عادة تحترم العنصر البشري والسبب في ذلك ّأنه ال يمكن‬
‫رده وإنما من‬ ‫ألي مؤسسة من تحقيق قيمها الجوهرية من خالل المؤسس أو شخص القائد بمف‬
‫تمر بينهم‬ ‫خالل أفراد المؤسسة وتعاونهم والثقة بينهم والمواهب الكامنة لديهم والتواصل المس‬
‫والمعرفة المتجددة وروح المبادرة وتحمل المسؤولية عندهم‪.‬‬
‫رف‪.‬‬ ‫وهذا كله يصب في الجوهر الرئيس في هذا الكتاب وهو ما يتعلق بالتمكين وحرية التص‬
‫وليس المقصود هنا هو محاولة خلق أدلة أو االستدالل بقض ايا تتوافق مع الفرض يات ال تي‬
‫نسوقها هنا حول موضوع التمكين‪ ،‬وإنما األمر هنا يرتبط بوج ود مق دمات ومن اخ تنظيمي‬
‫متكامل يحفز ويفتح الباب أمام تنفيذ وتطبيق مفهوم التمكين المعاصر بنجاح وبكفاءة وفاعلي ة‪.‬‬
‫‪- 166 -‬‬
‫وليس المراد هنا عند التحدث عن مواضيع تدور في سياق التمكين من بعيد أو ق ريب أن ه ذه‬
‫المواضيع حتمية‪ ،‬أي أن التمكين يرتبط بها بشكل حتمي وال ينجح بأي شكل من األشكال دونها‪.‬‬
‫ولكن من المؤكد بأن هذه المقدمات مثل وج ود قيم جوهرية ورس الة وغاية معنوية أساس ية‬
‫للمنظمة‪ ،‬هذه كلها عوامل قد تكون من العوامل المساعدة ال بل والمؤيدة لتطبيق مفهوم التمكين‪.‬‬
‫ألن وجود هذه العوامل يساهم في وضع ثقل أكبر على المشاركة والرأي الجم اعي وتع اون‬
‫المرؤوسين مع القادة ومساهمتهم في التغيير والتجديد والتطوير ألنه دون مشاركة اآلخرين لن‬
‫تتمكن المنظمة من إحداث التغيير الطويل المدى في عمر المنظمة وسيكون التغيير تغي يرًا من‬
‫خالل القادة والمؤسسين ال من خالل األفراد والمؤسسة‪.‬‬
‫فعملية التجديد والتقدم إلى األمام تحتاج إلى مواهب وتحتاج إلى دافع ورغبة للتجديد والتحديث‪.‬‬
‫باع إال مع‬ ‫والدافع للتقدم والتطوير والنمو وعدم التراجع حاجة ال يمكن أن تصل إلى حد اإلش‬
‫الذين يكتفون بالقليل أو بالوضع السائد‪ .‬أما دعاة التجديد والتغيير ف دائما يح اولون اكتش اف‬
‫فرص جديدة فال يقبلون بالنجاح الذي توصلوا إليه ليبدأوا البحث عن نجاحات جدي دة‪ .‬وه ذه‬
‫الدوافع نحو التقدم ال تأتي من مصادر خارجية وإنما تأتي من الداخل‪.‬‬
‫فالمؤسس ات الناجحة ال تكتفي باعتن اق رؤية عظيمة أو رس الة عالمية أو قيم جوهرية وإنما‬
‫تصنع كل ما يمكنها من عوامل لترجمة هذه القيم إلى واقع عملي يتحرك على األرض من خالل‬
‫تكتف ببث شعارات تن ادي وت دعو إلى اإلب داع‬
‫ِ‬ ‫تعاون وتفاني أفرادها‪ .‬فمثال شركة ‪ 3M‬لم‬
‫واالبتكار بل ترجمت ذلك فعليا بتوفير المناخ المالئم لمهندسيها ومنحهم ‪ %15‬وقتًا مقتطعًا من‬
‫وقت العمل ودون أن يعملوا خالل هذه الفترة (ال‪ )%15‬أيّ شيء‪ ،‬ما عدا التفكير بأفكار خالقة‬
‫تتعلق بمنتج جديد أو تصميم معين أو تعديل تصميم أو منتج ليصبح أك ثر إب داعا وتح ديثا أو‬
‫غيرها من أفكار إبداعية‪.‬‬

‫ثقافة العمل في المؤسسات الممكنة للموظفين‬


‫المؤسسات التي تعتنق وتؤمن بفكر التمكين تقلب الهيكل التنظيمي التقلي دي رأسا على عقب كما‬
‫أشرنا إلى ذلك في الفصل الس ابق من خالل الش كل رقم (‪ ( )4‬فمثال ش ركة نوردس تروم (‬
‫‪ )Nordstrom‬وضعت زبائنها على قمة الهرم وبعد ذلك وض عت الب ائعين في المقدم ة‪ ،‬ثم‬
‫المديرين في اإلدارة الوسطى‪ ،‬ومن ثم اإلدارة العليا‪.‬‬

‫‪- 167 -‬‬


‫ذي‬ ‫وأول شيء يتسلمه الموظف الجديد قبل أن يباشر عمله في نوردستروم هو كتيب العمل ال‬
‫يتألف فقط من بطاقة مساحتها تساوي ‪ 5x8‬إنش مكتوب في أعالها "أهال بك في نوردس تورم"‬
‫ومن ثم الجملة اآلتية‪:‬‬

‫" نحن سعداء بانضمامك لشركتنا‪ .‬القاعدة األساسية للعمل في‬


‫هذه الشرك ة تتلخ ص ف ي تقدي م خدمات متميزة لزبائننا‪ .‬ض ع‬
‫لنفسك أهدافا شخصية ومهنية عالية جدا‪ .‬فنحن على ثقة عالية‬
‫بقدراتك لتحقيق هذه األهداف"‪.‬‬

‫أما قوانين نوردستورم فهي‪:‬‬

‫"القاعدة رقم واحد‪ :‬ح ّكم نفسك في جميع المواقف التي تواجهها‪.‬‬
‫ال يوجد لدينا أي قوانين أخرى‪.‬‬
‫الرجاء أن تشعر بكل حرية إن كان لديك أي استفسار وأن تعود ألي من‬
‫مديريك في أي وقت من األوقات"‪.‬‬

‫قد يعتقد المرء بأن المؤسسات الناجحة التي تقدم هذه الشعارات للموظفين الجدد سهلة وودية في‬
‫كل الظروف‪ .‬وحقيقة أألمر غير ذلك تماما‪ .‬فكث ير من الم وظفين ي تركون وال يس تطيعون‬
‫االستمرار في مثل هذه المؤسسات نتيجة ألن ما تطلبه هذه المؤسس ات ليس بتلك الس هولة من‬
‫حيث األداء من ناحية ومن حيث التوافق مع قيم المؤسسة وثقافتها‪.‬‬

‫‪- 168 -‬‬


‫المؤسسات الناجحة ال يوجد في أجندتها مجاال للهزل والفراغ وإنما تقوم على العمل الجاد وعلى‬
‫قيم وأه داف تحت اج إلى جهد وجد ومث ابرة‪ .‬من هنا نجد أن ه ذه المنظم ات تلفظ خارجها‬
‫المتقاعسين والذين ال يرغبون بتحمل مسؤولياتهم على أكمل وجه‪ ،‬وال ترحب بمن ال يب ادر وال‬
‫ذلك‪ .‬وال بد‬ ‫يحاول تطوير نفسه وتعزيز قدراته على الرغم من أنها تحاول توفير كل ما يلزم ل‬
‫ات الناجحة تمتلك قيما ال يمكن‬ ‫تزام بثقافة المؤسسة وقيمها ألن بعض المؤسس‬ ‫أيضا من االل‬
‫لبعض الناس من التأقلم معها بسهولة‪ ،‬فنرى مثال في بعض المنظمات احترام ًا ف وق الع ادة‬
‫ائن في‬ ‫لرغبات الزبائن (بحيث إن بائع األحذية مثال ال يرى ضيرا من أن ينحني لمساعدة الزب‬
‫قياس الحذاء للتأكد من المقاس المناسب‪ ،‬وغيرها من الممارس ات ال تي ال تتناسب مع البعض)‬
‫وثقافة التعاون وروح الفريق وروح المبادرة والتفكير المبدع الخالق المستقل‪.‬‬
‫كل هذه مظاهر لثقافة بعض المؤسسات‪ ،‬التي ال تناسب بعض الن اس فتعمد المنظمة على ع دم‬
‫بذل جهد خاسر معهم فتترك لهم الباب مفتوحا على مصراعيه لمغادرة المؤسسة واالحتفاظ بمن‬
‫يتكيف مع القيم والثقافة ومستويات األداء المتاحة داخل المنظمة‪.‬‬

‫الخالصة‬
‫يع ود نج اح وتق دم أي مؤسسة اجتماعية على الم دى الطويل إلى العمليات والتفاعالت‬
‫نتيجة لفكرة واحدة عظيمة أو لعالم وصاحب رؤية ال مثيل‬
‫ً‬ ‫األساسية المتجذّرة في المؤسسة وليس‬
‫له وصاحب قرارات عظيمة وال من يمتلك قوة إعجاب عظيمة وكاريزما وسلطان عظيم‪ .‬ل ذلك‬
‫ينبغي أن ال يكون التركيز على شخصية القائد على الرغم من أن هنالك قادة مشهورين لهم أسماء‬
‫المعة في التاريخ وصنعوا أفكارا عظيمة واتخذوا قرارات هامة في تاريخ منظم اتهم أو ح تى‬
‫واندثارا برحيلهم‪ ،‬وهناك قادة مشهورون أيضا‬
‫ً‬ ‫زواال بزوالهم‬
‫ً‬ ‫دولهم‪ ،‬ولكن واجهت تلك األفكار‬
‫ار‬ ‫قدموا قرارات وأفكارا راقية في الحكمة والقوة والبصيرة ولكنهم تمكنوا من إدامة تلك األفك‬
‫العظيمة من خالل تمكين غ يرهم من ممارسة أدوار عظيمة تماما ك األدوار ال تي ق اموا بها‬
‫بعظمتها‪ ،‬على الرغم من االختالف في نوعية األفكار؛ ألن البشر مختلفون بأفكارهم ومهاراتهم‬
‫وقدراتهم وطريقة تفكيرهم‪ .‬المهم هنا في األمر أن يفكر صاحب القيادة العظيمة في بن اء ق ادة‬
‫وبناةٍ قادرين على االستمرار في البناء لكي يساعدوه في وج وده ولكي ال يتوقف وا عن‬
‫ورجال ُ‬
‫ار‪،‬‬ ‫البناء بعد غيابه عنهم‪ .‬المهم في القيادة أن تنتج رجالًا ألن الرجال أهم من المنتجات واألفك‬
‫وألن الرجال هم من يصنعون األفكار والسلع والخدمات‪ ،‬والعكس دائما غير صحيح‪.‬‬

‫‪- 169 -‬‬


‫ونس‪$$‬تنتج من التج‪$$‬ارب ال‪$$‬تي تم س‪$$‬ردها في ه‪$$‬ذا الفص‪$$‬ل مجموع‪$$‬ة من العناص‪$$‬ر المش‪$$‬تركة تتم‪$$‬يز به‪$$‬ا‬
‫الشركات الناجحة ذات الميزة التنافسية المستديمة‪:‬‬

‫‪ .1‬وجود مناخ من الثقة المتبادلة داخل المؤسسة‪.‬‬


‫‪ .2‬تشجيع العاملين على اإلبداع والتفوق واكتساب المهارة والمعرفة‪.‬‬
‫‪ .3‬تشجيع روح المبادرة وتدفق المعلومات والشفافية واالتصال المستمر‪.‬‬
‫‪ .4‬تقديم الحوافز للمبدعين وخاصة التقدير المعنوي لجهودهم‪.‬‬
‫كل هذه العناصر قد ساهمت بدورها كمرتكزات جوهرية ومتطلبات أساس ية لتمكين الع املين‬
‫واستقالليتهم وش عورهم بملكيتهم للمه ام ب دالً من اإلحس اس بأنها مفروضة عليهم‪ .‬وه ذه‬
‫المرتكزات تؤيد ما جاء في الفصل الثاني من مقومات وركائز لتمكين العاملين‪ :‬الثق‪$$$‬ة والمعرف‪$$$‬ة‬
‫واالتصال وتبادل المعلومات والحوافز والمكافآت‪.‬‬

‫‪- 170 -‬‬


- 171 -
- 172 -
‫الفصل السابع‬

‫رأس المال البشري‬


‫(العنصر البشري واإلنتاجية)‬

‫‪- 173 -‬‬


- 174 -
‫مقدمة‬
‫‪.)Human‬‬ ‫إن تمكين العاملين يرتبط بمفهوم معاصر‪ ،‬وهو رأس المال البش ري ( ‪Capital‬‬
‫فتقليديا كان الحديث دائما يدور حول راس المال النقدي الذي كان يع دّ المح رك الحقيقي لتنمية‬
‫المنظمات وتحقيق أهدافها‪ .‬ومع األلفية الثالثة بدأ الحديث حول رأس المال البشري يتزايد بشكل‬
‫حد سواء‪.‬‬
‫واضح في أدبيات اإلدارة ومن خالل مداوالت المديرين واألكاديميين على ٍ‬
‫من هذا المنطلق سيتناول هذا الفصل‪ ،‬بشكل مح دد ومركّز أهم مح رك من محرك ات التنمية‬
‫والتطوير واإلبداع والتجديد في منظمات األعمال وفي مختلف المؤسسات االجتماعية (علما بأن‬
‫هذا يعدّ المنطلق األساسي لهذا الكتاب)‪ .‬فسيتحدث هذا الفصل عن الدور المحوري ال ذي يمكن‬
‫للعنصر البشري أن يقوم به في نهضة وتطور المنظم ات من خالل الح ديث عن رأس الم ال‬
‫الحقيقي أال وهو رأس المال البشري ورأس المال المعرفي والفكري‪ .‬وسيتناول هذا الفصل دور‬
‫اإلدارة الجوهري في تكوين رأس المال البش ري وتط ويره وتنميته والمحافظة عليه باعتم اد‬
‫وتطبيق المرتكزات األساسية التي يمكن من خاللها تمكين الفرد وتط وير طاقاته الكامنة بعد أن‬
‫ثبت أهمية هذه الطاقات في تحقيق ميزة تنافسية حقيقية ال يمكن محاكاتها أو التوصل بسهولة إلى‬
‫أسرارها‪.‬‬

‫واقع العالقة بين المديرين والعاملين‬


‫على الرغم من التطور البحثي والنظري واألكاديمي في بيان العالقة السوية التي ينبغي أن تكون‬
‫بين المديرين والموظفين‪ ،‬إال أن معظم المؤسسات ما تزال تحكم مرؤوسيها على فرضية مفادها‬
‫أن المرؤوس متهم بالتقصير والتقاعس والتهرب من الواجب ات‪ .142‬وعند اس تعراض الل وائح‬
‫والقوانين والنظم الموجودة في كثير من المؤسسات يرى المراقب سلطة و س يطرة مب الغ بها‬
‫ويعبر المدير عنها بصيغ كثيرة من األمر والنهي بحق العاملين‪ ،‬ال تفعل ك ذا‪ ،‬تجنب ك ذا‪ ،‬ال‬
‫تقترب من كذا‪ ،‬وهكذا من صيغ تفترض بالمرؤوس سوء التصرف‪ ،‬وهذا بطبيعة الحال ناتج عن‬
‫عدم الثقة‪ .‬فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو‪ :‬متى سيعامل المدير مرؤوسه على أنه إنسان‬
‫عاقل بالغ راشد؟‪.‬‬
‫وفي األساليب اإلدارية التقليدية تجاهل لحق المرؤوس ين في معرفة ما ي دور في المنظمة من‬
‫حولهم‪ ،‬فهنالك مساحة واسعة من الفراغ المعرفي والمعلوماتي يلف ذهنية الم رؤوس ونس قه‬
‫المعرفي‪ .‬فما ال يعرفه عن نوايا مديره وخططه وآماله وطموحاته وآالمه يفوق بمئات المرات ما‬
‫‪- 175 -‬‬
‫بر كم من‬ ‫يعرفه‪ .‬فهو ال يعرف إال ما يخص ويتعلق بإطار عمله المحدد الذي يتيح له إنجاز أك‬
‫ان‬ ‫المنتجات وتحقيق أكبر كم من المبيعات يفوق أضعاف األجر الذي يتقاضاه من مديره‪ .‬ولس‬
‫حال المدير في ذلك‪" :‬من تدخل فيما ال يعنيه لقي ما ال يرضيه" وهنا ما ال يعنيه تعبر عن مقدار‬
‫ال يعدّ وال يحصى من األمور والتطورات التي ال تعني هذا الموظ ف‪ .‬فال يعنيه من وجهة نظر‬
‫المدير أهداف المؤسسة وال أرباحها وال غاياتها وال همومها ومشاكلها وال يعنيه تطورات السوق‬
‫والزبائن‪ ،‬وال يعنيه شراسة المنافسة وخطط المنافسين وال يعنيه المواد ومستلزمات اإلنتاج‪ ،‬إال‬
‫إذا كان يعمل في هذه الميادين بشكل مباشر وعمله جزء ال يتج زأ منه ا‪ .‬فال يعنيه إن ربحت‬
‫المؤسسة أم خسرت وإن تفوقت أم أفلست‪.143‬‬
‫وينجم عن هذه الممارسات شعور العامل بض آلة دورة في المؤسسة ال تي يعمل بها‪ ،‬وبأنه فقط‬
‫مستخدم يمكن االستغناء عنه في أي لحظة تنتهي الحاجة الملحة له‪ .‬وهذا األمر الذي ي ؤدي إلى‬
‫الشعور بالعداء المعلن أو غير المعلن بين الطرفين والشعور ب أن كل ط رف يريد اس تغالل‬
‫ان‬ ‫الطرف اآلخر وكسب أكبر قدر ممكن منه‪ ،‬وهذا يؤدي بدوره إلى حالة من عدم الثقة واألم‬
‫بين كل طرف‪.144‬‬
‫وما زالت الممارسات التقليدية تقوم على التعامل مع العاملين على أنهم تكاليف ال بد من التخلص‬
‫منها بأقرب وقت ممكن‪ .‬وهناك من المديرين من يق ول جازمًا بأنه‪ :‬ج رب كل الوس ائل ولم‬
‫تنجح‪ ،‬فال يمكن أن ينجح شيء كما تنجح سياسة التشدد والرقابة والمتابعة والبيروقراطية‪ ،‬وربما‬
‫في حاالت أخرى الديكتاتورية‪ .‬قد يكون هذا الرأي صحيحا في بعض الظروف‪ ،‬وقد يكون حال‬
‫ناجحا على المدى القصير‪ ،‬ولكن التط ورات المعاص رة تعطي إش ارات تحذيرية هامة ضد‬
‫األساليب التقليدية والبيروقراطية التي لم تعدّ مناسبة لكث ير من المؤسس ات المعاص رة ال تي‬
‫أصبحت تتعامل مع متغيرات مختلفة عن المتغيرات التي كانت سائدة قبل عقد أو عقدين أو أكثر‬
‫من الزمان‪.145‬‬
‫فهناك تغيرات تكنولوجية واقتصادية وسياسية واجتماعية وسوقية ومعلوماتية تستدعي تغ يرات‬
‫داخل المنظمات من أجل التكيف مع هذه التغيرات العاصفة‪.‬‬
‫من ناحية أخرى فإن أولئك المديرين الذين كثيرًا ما يقولون بأنهم جربوا كل الوسائل وال يفيد وال‬
‫حيح ولكنهم في‬ ‫يجدي مع العامل سوى سياسة القبضة الحديدية‪ ،‬قد يكون ادعاء مثل هؤالء ص‬
‫واقع األمر يواجهون إشكالية هامة‪ :‬هي االعتقاد بأن التغيير قد يتم بين عشية وض حاها‪ .‬ف إن‬
‫حاولوا مثال تطبيق مفهوم اإلدارة باألهداف أو برنامج التمكين ولم يحققوا من ذلك نتائج مباشرة‬
‫فإنهم سرعان ما يتهموا هذه البرامج بالقصور وعدم المالءمة لبيئتهم‪ ،‬األمر الذي يؤدي بهم إلى‬
‫‪- 176 -‬‬
‫العودة إلى ممارسة األساليب التقليدية حيث تزداد ثقتهم بها ويزداد إصرارهم على نبذ األس اليب‬
‫اإلدارية المعاصرة؛ على أنها موضات عابرة أو بأنها ممارسات غربية‪ ،‬ال تالئم بيئاتهم‪.‬‬
‫اإلشكالية األخطر‪ ،‬أن هؤالء المديرين لم يبذلوا جهدًا في بناء الظ روف والمق دمات المناس بة‬
‫للتغيير المناسب‪ .‬فبناء جو من الثقة والتمكين يحتاج إلى مقدمات أساسية تحتاج إلى وقت ال بأس‬
‫به مثل التدريب والتهيئة والحوافز والتصال وتدفق المعلومات (انظر الفصل الرابع) وغيرها من‬
‫البرامج التي تحت اج إلى وقت قبل قطف ثم ار الثقة والتع اون والمحبة والتك اتف والتعاضد‬
‫والمشاركة وتحمل األعباء والمسؤوليات‪ .‬لذلك ينفذ صبر بعض المديرين بسرعة‪ ،‬والسبب دائمًا‬
‫يتمثل بمحاولة الحصول على النت ائج بس رعة دون روية وتهيئة كافية من أجل الوص ول إلى‬
‫أهداف ونتائج على المدى الطويل وليس على المدى القصير‪ .‬وهناك من يش به األمر بالص بر‬
‫والمتابعة والمثابرة المطلوبة في موضوع الزراعة وفالحة األرض‪ ،‬فمن غير الممكن للم زارع‬
‫على سبيل المثال أن يزرع أرضه باألشجار أو بالمزروعات‪ ،‬ثم يتولى عنها دون رعاية وحراثة‬
‫وسقاية وعناية‪ ،‬ويأتي في العام الذي يليه يرجوا قطف الثمر‪ ،‬فعندما ي أتي ال يجد ما يتوقعه من‬
‫إنتاج‪ ،‬فأنّى له ذلك؟‪.‬‬
‫فيجد أن النبتة قد ماتت أو تكاد أن تم وت‪ ،‬في درك ب أن الحل هو في ب ذل كل جهد لرعاياتها‬
‫وسقايتها والص بر كل الص بر على النت ائج ال تي لن يتحصل عليها إال بعد فعل كل ما يمكنه‬
‫للوصول إلى تلك النتائج‪.‬‬
‫اف وتقل‬ ‫ولكن هذا الصبر والمعاناة والجهد وانتظار السنوات حتما سيؤتي إكله في نهاية المط‬
‫مستويات الجهد والتكاليف وتزداد مستويات اإلنتاج وكميات المصادر‪ .‬هذه هي النظرة الطويلة‬
‫به إلى حد ما عملية‬ ‫المدى والمتأنية لألمور‪ .‬وهكذا األمر مع اإلنسان الذي نتعامل معه فإنّه يش‬
‫ثقة واحترامًا وإذا زرعت ش كًا فلن تحصد‬
‫مودة وقيمًا فستحصد ً‬
‫زرعت ً‬
‫َ‬ ‫الفالحة والزراعة‪ ،‬فإن‬
‫غير الشك وعدم الثقة‪.‬‬

‫واقع العالقة بين المديرين والموظفين في المنظمات الناجحة‬


‫ما يحدث في المؤسسات الناجحة أمر مغاير وملفت لالنتباه وهذا ليس أمرًا خياليًا وإنما هو واقع‬
‫تمارسه المؤسسات الناجحة بشكل اعتيادي وهو جزء ال يتجزأ من ثقافتها‪ .‬ما يح دث في ه ذه‬
‫المؤسسات الناجحة يقوم على اعتبار الفرد فيها بالغًا‪ ،‬عاقالً وخاصة أولئك األفراد الذين يقف ون‬
‫على "خط النار" أو على خطوط اإلنتاج أو "خط المواجهة مع الزبائن فينظر إليهم مديروهم على‬

‫‪- 177 -‬‬


‫أنهم األجدر في معرفة األمور‪ ،‬وفي حل المش اكل على أرض الواقع بالش كل المناسب‪ ،‬وعلى‬
‫أنهم األقدر واألجدر على اإلبداع والتطوير‪ ،‬إذا ترك لهم المج ال في ذلك‪ ،‬ألنهم األق رب إلى‬
‫خطوط المواجهة‪ ،‬وإلى الخطوط األمامية‪ .‬وهذه المؤسسات الناجحة ترى في الموظف أنه قادر‬
‫خالقة‪ ،‬ولكن بشرط أن يترك له المجال لخلق تلك األفكار‪.‬‬
‫على صنع أفكار ّ‬
‫فالتعامل مع اإلنسان على أنه إنسان بالغ وعاقل وراشد يشكل مصدرًا هامًا وأساسيًا كمصدر من‬
‫مصادر تحقيق التميز والتفوق‪ ،‬وهذا ما أكدته الدراسات التي أجريت على أكبر الشركات نجاحًا‬
‫مثل ‪.IBM‬‬
‫يقول أحد مديري الشركة الكبار‪: 146‬إن فلسفة ‪ IBM‬تقوم على معتقدات أساس ية أهمها اح ترام‬
‫الفرد‪.‬وتبدو هذه بأنها فكرة بسيطة ولكنها في ‪ IBM‬تستولي على قدر أساسي من اهتمام وعناية‬
‫اإلدارة‪.‬‬

‫العنصر البشري واإلنتاجية‬


‫ر‪.‬‬ ‫تمنح المؤسسات أو المنظمات الناجحة للعنصر البشري عناية خاصة أكبر من أي شيء آخ‬
‫وهذا البعد يحتاج إلى اهتمام ورعاية وجهد وإدارة ذات رؤية تتجه نحو احترام العنصر البشري‬
‫واعتباره أهم عنصر من عناصر اإلنتاج‪ ،‬ويقول واتسون اإلبن (وهو ابن مدير ‪ IBM‬المؤسس)‬
‫‪ Tom‬و‬ ‫"أن هذه الرؤية تجاه اإلنسان كان اعتقادًا متأصالً ل دى وال دي"‪ ،‬وي رى ‪Peters‬‬
‫‪ Waterman‬في البحث عن التميز‪ ،‬بأن الشركات المتميزة يشيع فيها أكثر ما يش يع؛ احترامها‬
‫لإلنسان‪ ،‬وتقديره فوق كل شيء آخر‪ .‬وهذا االعتقاد ال ينشأ تلقائيًا‪ ،‬وال صدفة‪ ،‬إنما يحت اج إلى‬
‫مضن ومساندة‪ ،‬ودعم من قبل محاور الشركة األساسية مثل‪ :‬نظام الشركة ونمطها اإلداري‬
‫ٍ‬ ‫جهد‬
‫يعزز البعد اآلخر من أجل تحقيق نتائج غير عادية من خالل أناس‬
‫وقيمها‪ ،‬وكل بعد فيها يجب أن ّ‬
‫عاديين‪.147‬‬
‫هذه االعتبارات هي فقط التي تصنع مؤسسة بأفراد يمتلكون قراراتهم ويعملون بحم اس ورغبة‬
‫ويعملون بانتماء وش عور ب أن المؤسسة مؤسس تهم وأن ال واجب واجبهم وأن المس ؤولية‬
‫أن كثيرا من المديرين يقولون بأفواههم بأنهم يولون‬ ‫مسؤوليتهم‪ .‬ويرى )‪Argyris (1998‬‬
‫‪148‬‬

‫الجانب البشري أك بر اهتم ام وعناية‪ ،‬وواقع الح ال يختلف اختالفًا كب يرًا عن ذلك فهم في‬
‫الممارسة أبعد ما يكونون عن احترام ورعاية الجانب اإلنساني في المؤسسة‪ .‬ولكن المؤسس ات‬
‫المتميزة تفعل بالتأكيد شيئًا مغايرًا )‪ Peters and Waterman (1982‬فتعمد منذ نشأتها إلى‬
‫إيالء الجانب اإلنساني كل اهتمام من خالل برامج الت دريب والح وافز والمس اواة االجتماعية‬

‫‪- 178 -‬‬


‫وتوفير "بيئة األسرة" والتواصل المستمر وسياسة الباب المفتوح واالحتف ال بالمب دعين‪ ،‬ومنح‬
‫الجوائز لهم‪.‬‬
‫طة‬ ‫حتى إن الرقابة على األداء في مثل هذه المؤسسات تكاد تكون ذاتية وتقويم األداء يتم بواس‬
‫الزمالء ‪ Peer Review‬أي التقويم من قبل الزمالء وليس من قبل المدير‪ .‬وه ذا الن وع من‬
‫التقويم لألداء يكاد يكون مستحيالً في المؤسسات التقليدية؛ ألنه يحتاج إلى درجة عالية من الوعي‬
‫رد على أنه ليس‬ ‫وتوفير المعلومات وتحمل المسؤولية‪ .‬ففي المؤسسات التقليدية التي تعامل الف‬
‫محل ثقة وعلى أنه متهم وعلى أنه غير ناضج إلى الحد الذي يمكّن المؤسسة من االعتماد عليه‪،‬‬
‫رية وال‬ ‫في مثل هذه المنظمات التقليدية ينظر للمعلومات ذات العالقة بتقويم األداء على أنها س‬
‫االطالع عليها لغايات تقويم أداء زمالئهم‪.‬‬
‫يجدر بالموظفين العاديين ّ‬

‫العنصر البشري في واقع بعض المنظمات الناجحة‬


‫في المؤسسات الناجحة تختلف حتى المسميات ألنها تعطي دالالتها الحقيقية فمثالً تسمية موظفين‬
‫تستبدل بطاقم المؤسسة (‪ )Crew Members‬على غرار طاقم الطائرة ونفس التسمية في شركة‬
‫هيوليت باكارد (‪ )Hewlet Packard‬أو ‪ HP‬وشركاء (‪ )Associates‬في ‪Mart – Wall‬‬
‫لتدل على أن هؤالء األفراد ليسوا مستخدمين‪ ،‬األمر ال ذي قد يعطي داللة غ ير مرغوبة وإنما‬
‫شركاء أو طاقم المؤسسة لكي تعطي داللة مرغوبة تؤثر بشكل مباشر في انتم اء المرؤوس ين‬
‫وعالقتهم باإلدارة‪.‬‬
‫وفي المؤسسات الناجحة يعمل الموظف بمتعة ورغبة وهنالك نوع من المرح والفكاهة في العمل‬
‫(مثل ‪ )South West Airliners‬كما يشعر العامل بالربح من خالل سياسات المؤسسة التي‬
‫تعكس جزءًا من أرباح المؤسسة الناتجة عن أداء الموظف المتميز على الموظفين أنفسهم وهنالك‬
‫سياسة "الموظف خبير"‪ .‬وتعني‪" :‬ترك الموظف يقوم بما يلزم ألنه هو أعرف إنسان بمتطلب ات‬
‫وظيفته التي هي جزء من حياته اليومية" وعليه فهو أخبر وأعرف من مديره ربما في كث ير من‬
‫متطلبات العمل اليومي الخاص به‪.‬‬
‫وفي المؤسسات الناجحة ال يوجد "ساعة عمل" أو دفتر تسجيل وقت البدء واالنتهاء من العم ل‪.‬‬
‫وهناك اهتمام كبير في االتصال المباشر وجها لوجه‪ .‬ومن المهم أن تكون هنالك عالقة طيبة بين‬
‫اإلدارة والموظفين بحيث يكون من الصعب كسر هذه العالقة كما هو الحال في شركة دلتا ال تي‬

‫‪- 179 -‬‬


‫تعمل على التوظيف من داخلها (‪ )Promotion From Within‬وربما تدفع أجورًا أعلى مع‬
‫محاولة الحفاظ على الموظفين وعدم إنهاء خدماتهم أو تسريحهم‪.‬‬

‫رأس المال البشري في القرن الواحد والعشرون‬


‫يبدو أن عوامل النجاح والتميز التقليدية قد تغيرت وما زالت تتغير‪ .‬فعلى سبيل المث ال لم تع دّ‬
‫الموارد الطبيعية واألرض والذهب والنفط هي العوامل الض رورية والعملة الن ادرة للنج اح‪.‬‬
‫فالمعلومات والمعرفة والثورة الرقمية هي العوامل المسيطرة في الوقت الحاض ر‪ .‬فيق ول بل‬
‫قيتس‪ ،‬المدير التنفيذي للشركة العمالقة‪ ،‬مايكروسوفت‪" :‬إن أهم األصول أو الموجودات المتاحة‬
‫ل دينا تكمن حقيقة في الخي ال البش ري فهو أغلى ما نملك وأهم ما ل دبنا من موج ودات"‪.‬‬
‫فمايكروسوفت يمتلك رأس مال يقدر بحوالي ‪ 500‬مليار دوالر ويُعتقد بأن أصول البنية التحتية‬
‫ال تساوي ‪ %1‬من ذلك الرقم( ‪.Bennis (2001‬‬
‫هنا يدعو )‪ Warren Bennis (2001‬إلى استعراض االعتبارات اآلتية‪:149‬‬
‫حوالي ‪ 400‬فرد كانوا قبل ‪ 14‬عامًا يعلمون دور ش بكة االن ترنت وقوتها الهائلة‬ ‫‪.1‬‬
‫واليوم ماليين البشر ال يستغنون عنها‪.‬‬
‫قبل ‪ 14‬عامًا لم يكن هنالك علم معروف بالتجارة اإللكترونية واآلن يق در ح والي‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ 1.6‬تريليون دوالر‪.‬‬
‫قبل ‪ 14‬عامًا كان أفضل عشرة استثمارات في أمريكيا في قطاعات الطاقة والبنوك‬ ‫‪.3‬‬
‫والتصنيع واآلن أفضل عشرة شركات كلها في تكنولوجيا المعلومات (مثل دل للكمبيوتر‬
‫وكيسكوسس ‪ ،Ciscosys‬من مايكروسيستمز ‪ Sun micro Systems‬وغيرها‪.‬‬
‫قبل ‪ 14‬عامًا ك ان األم ازون اسم نهر في البرازيل واآلن أم ازون دوت ك وم‬ ‫‪.4‬‬
‫االت‬ ‫‪ Amzon.com‬علم معروف عالميًا في عالم التجارة اإللكترونية وخاصة في مج‬
‫بيع الكتب‪.‬‬
‫دث خالل المئة‬ ‫فخالل حقبة قصيرة من الزمن تغير التاريخ بشكل يتجاوز حجم التغير الذي ح‬
‫سنة السابقة‪.‬‬
‫‪Edward‬‬ ‫‪E-‬‬ ‫‪Lawler‬‬ ‫إن التطور التكنولوجي والتطور العلمي والمعرفي كما يق ول ‪lll‬‬
‫من األسباب التي ساهمت في نمو األهمية الحقيقية لرأس المال البشري‪ .‬نمو المعرفة‬ ‫‪150‬‬
‫)‪(2001‬‬

‫‪- 180 -‬‬


‫يتسارع ويعمل على تغيير أشكال المؤسسات وأشكال العمليات اإلنتاجية والمنتجات ال تي تنتجها‬
‫هذه المؤسسات‪ .‬إن االنترنت هي من األمثلة الماثلة للعيان على التطور التكنولوجي الذي نعيشه‬
‫اآلن‪ .‬ونتيجة لذلك فإن طبيعة األعمال وطريقة العمل الذي يقوم به الفرد قد تغيرت أيضًا‪.‬‬
‫(‪ ،2001‬ص‪ )27‬مستشهدًا ببعض الدراسات الغربية حول‬ ‫‪151‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬يؤكد الرشدان‬
‫أهمية رأس المال البشري‪ ،‬من ناحية اقتص ادية‪ ،‬فيق ول‪" :‬وقد اس تخدم بس كاروبولص (‪G.‬‬
‫درجات اإلعادة للنفقات التعليمية لمختلف مراحل التعليم‪ ،‬في حس اب‬ ‫‪)Psacharopaulos‬‬
‫العائد االقتصادي للتعليم لثالثين بل دا في أوروبا الغربية وأمريكيا الجنوبية والش مالية وآس يا‬
‫وأفريقيا‪ ،‬تختلف فيما بينها في مستوى النمو االقتصادي‪ ،‬وقد توصل من خالل ذلك إلى مجموعة‬
‫من النتائج التي تؤكد على أن االس تثمار في رأس الم ال البش ري يعطي م ردودا أفضل من‬
‫االستثمار في رأس المال المادي"‪.152‬‬
‫هذا ولم تعدّ مقومات الميزة التنافسية التقليدية صالحة للوصول إلى تلك الميزة التنافسية من خالل‬
‫وة‬ ‫رأس المال واألصول المادية أو قوة التفاوض مع المشتري أو قوة التفاوض مع البائع أو الق‬
‫التكنولوجية أو التنافسية‪ .‬هذه المصادر التقليدية التي امتلكتها مؤسسات لفترة زمنية طويلة خالل‬
‫القرن العشرين لم تعدّ صالحة ومستمرة للقرن الحادي والعشرين ألن الميزة تبقى م يزة عن دما‬
‫يتميز بها الفرد أو المؤسسة عن اآلخرين ولكن عندما يسهل اقتباس هذه الميزة بسهولة تفقد كونها‬
‫ميزة‪ .‬إذن هذه المصادر أصبحت سهلة التقليد فلم تعدّ تملك حقًا "الميزة"‪ .‬لذلك ال بد من أن تبحث‬
‫المؤسسات عن مصادر أخرى للوصول إلى الميزة التنافسية الحقيقية‪.‬‬

‫الميزة التنافسية والطاقات الكامنة في منظمات القرن الواحد والعشرين‬


‫يقول توم بيترز في كتابه "البحث عن التميز" أن جميع الشركات التي خض عت لدراس ته دون‬
‫استثناء تعمل إداراتها على دفع السلطة وتفويض الصالحيات إلى األسفل وإلى المستويات الدنيا‬
‫في المؤسسة‪ ،‬لجعل االستقاللية في هذه المستويات أهم وأكبر ما يمكن ألك بر ع دد ممكن من‬
‫الناس‪ .‬ويستطرد قائال في صفحة (‪ )310‬من الكتاب بأن "هذه األشياء لم تكن لتحدث دون وجود‬
‫بساطة في الهيكل التنظيمي" أي عدم وجود مؤسسات بحجم كب ير وإنما محاولة تص غير حجم‬
‫المؤسسة عن طريق تقسيمها إلى ما يشبه الشركات الصغيرة ش به المس تقلة وإعط اء ه ذه‬
‫التقسيمات مزيدًا من حرية التصرف واالستقاللية في اتخاذ القرارات القصيرة المدى والمتوسطة‬

‫‪- 181 -‬‬


‫ي‪ ،‬ألن‬ ‫المدى والمشاركة الكبيرة في القرارات االستراتيجية جنبًا إلى جنب مع المركز الرئيس‬
‫صغر الحجم يحقق درجة من المرونة مما يسهل التمكين للمستويات المختلفة والعكس صحيح‪.‬‬

‫إطالق الطاقات الكامنة‬


‫يؤكد عالم االستراتيجية المعروف مايكل بورتر في نموذجه الشهير ‪153‬ح ول مص ادر الم يزة‬
‫التنافسية الخمسة وهي تتلخص في قدرة الشركة على كبح جم اح المنافس ين والحص ول على‬
‫عائدات أعلى من المعدل في الصناعة من خالل التصدي للقضايا الخمسة اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬دخول منافسين جدد‪)Entry of new competitors(.‬‬
‫‪ .2‬مواجهة خطر طرح سلع بديلة‪)The Threat of substitutes(.‬‬
‫‪ .3‬مواجهة القوة التفاوضية للمشترين‪)The Bargaining power of buyers(.‬‬
‫‪ .4‬مواجهة القوة التفاوضية للبائعين‪)The Bargaining power of suppliers(.‬‬
‫‪Rivalry‬‬ ‫‪among‬‬ ‫‪ .5‬مواجهة المنافسة بين المنافس ين الق ائمين‪existing (.‬‬
‫‪)competitors‬‬
‫يُجمع الكثير من علماء اإلدارة على أن التغير وحالة عدم الثبات أصبحت تطال كل شيء تقريبا‬
‫حتى هذه العوامل الخمسة لمايكل بورتر التي طالما زخرت بها كتب ومق االت اإلس تراتيجية‪.‬‬
‫ففي وقت من األوقات كان ينظر إلى هذه العوامل على أنها هي وحدها التي يمكنها تحقيق الميزة‬
‫التنافسية والتفوق في السوق‪ ،‬األمر ال ذي تطمح إليه مختلف مؤسس ات األعم ال على وجه‬
‫الخصوص والمؤسسات بأشكالها المختلفة على وجه العموم‪.‬‬
‫فما الذي حدث؟‬
‫يؤكد لنا الكثير من علماء اإلدارة وعلى رأسهم ‪ Jeffery Pfeffer‬في كتابه‪Competitive 154‬‬
‫)‪ Advantage Through People(1994‬أن هنالك تحولًا في مصادر الميزة التنافسية خالل‬
‫آنفا‪ ،‬إلى العنصر‬
‫تحوال واضحا عن المصادر الخمسة ال تي تم س ردها ً‬
‫ً‬ ‫الثالثة عقود األخيرة‪،‬‬
‫البشري وإدارة ذلك العنصر البشري بطريقة تحقق ميزة تنافسية مستديمة وليست مؤقتة‪.‬‬
‫فاألمر الذي حدا بمؤسسات مثل ‪ Wal-Mart، Southwest Airlines، Toyota-GM‬أن‬
‫تصل إلى ما وصلت إليه من نجاحات يكمن في تركيزها على أمر يصعب تقليده‪ ،‬مما يدل على‬

‫‪- 182 -‬‬


‫أن المصادر الخمسة وغيرها من مصادر تقليدية للميزة التنافسية‪ ،‬لم تعدّ تشكل سرًا يخفى على‬
‫أحد وإنما السر كل السر يكمن في الطاقات الكامنة في المؤسسة وكيفية التعامل معها وإدارتها‪.‬‬

‫التغيير في مصادر التفوق التنافسي‬


‫إن إدارة العنصر البشري وكيفية التعامل معه في الوقت الحاضر تعدّ في غاية األهمية وستتزايد‬
‫ابقة‬ ‫في المستقبل كأهم مصدر من تحقيق التفوق التنافسي‪ .‬وإضافة إلى المصادر التقليدية الس‬
‫التي قدمها بورتر ف إن هنالك مص ادر أص بحت تع دّ تقليدية على ال رغم من أهميتها مثل‬
‫التكنولوجيا المستخدمة في العمليات اإلنتاجية وفي المنتج نفسه والحماية التي تفرض ها ال دول‬
‫والوصول إلى المصادر المالية واقتصاديات اإلنتاج الواسع النطاق‪ .‬كل هذه المص ادر ال تي‬
‫تحقق الميزة التنافسية ما زالت مهمة ولكن أهميتها في تحقيق الميزة التنافسية بدأت تتغير وإن لم‬
‫تتغير في الدول العربية مثال أو بعض دول العالم الثالث‪ ،‬وحتى هذه اللحظة فإنها حتما س تتغير‬
‫في المستقبل ألنها مصادر غير ثابتة على المدى الطويل على أهميتها وحاجة مؤسسات األعمال‬
‫لها‪ .‬وهذا يترك المجال لثقافة المؤسسة ورأس مالها البش ري وكيفية إدارته كمص در أساسي‬
‫وفعال على المدى الطويل للمساهمة في ديمومة الميزة التنافسية التي نتحدث عنها هنا‪.‬‬

‫التكنولوجيا‬
‫فالتكنولوجيا مثال لم تعدّ حكرًا على أحد‪ ،‬والتطور والتجدد التكنول وجي حَتّم على المؤسس ات‬
‫دوام التطوير والتجديد فإذا نظرنا إلى زيروكس (‪ )Xerox‬في عام ‪ 1959‬نرى بأنها قد طورت‬
‫آالت التصوير المعروفة وبعد ‪ 13‬عامًا وصلت حصتها السوقية أكثر من ‪ %90‬ألجهزة ظلت‬
‫و‪ :‬أين هي‬ ‫تعتمد على نفس التكنولوجيا حتى عام ‪ .1972‬والسؤال المهم في الوقت الراهن ه‬
‫المنتجات أو األجهزة التي يمكن تصنيعها اآلن لكي تحتفظ ب‪ %90‬من حصة السوق ولمدة ‪13‬‬
‫عاما وباالعتماد على نفس التكنولوجيا؟!‬
‫إن دورة حياة المنتجات أصبحت قصيرة جدا وعملية تطوير السلع الجديدة تتم بشكل أسرع من‬
‫أي وقت مضى‪ ،‬واالعتم اد على تكنولوجيا ثابتة أص بح من ض رب الخي ال‪ .‬فالتكنولوجيا‬
‫المستخدمة والمتطورة مثل ال‪ CAD‬و ال ‪ CAM‬والجمع بينهما وتقنيات أخرى كلها ساهمت‬
‫يزة‬ ‫في تهميش الميزة التنافسية التي تحصل عليها الشركات‪ ،‬وساهمت في تقليص مدة تلك الم‬
‫في حال الحصول عليها‪ .‬فتقادم السلع بسرعة يجعل من األهمية بمك ان الس رعة في التجديد‬
‫واالبتكار واإلبداع إذا أراد المنتجون تحقيق ما يرغبون به من أرباح وتخفيض النفق ات وكسب‬

‫‪- 183 -‬‬


‫حصة سوقية مالئمة‪ .‬وهذا التسارع في تقادم المنتجات يعني أن الميزة الفنية التي ك انت تشكّل‬
‫يوما من األيام مصدر قوة‪ ،‬قد ولت وأدبرت‪ ،‬إن لم تخضع لتجديد وتطوير بشكل مستمر‪ .‬فهناك‬
‫حاجة للتجديد والتحديث المستمر كما يؤكد ‪ ،Pfeffer‬واالستجابة لتغيرات السوق والتكنولوجيا‪،‬‬
‫وهذا يتطلب الطاق ات الكامنة البش رية‪ ،‬التي سيكون بمقدورها اإلبداع واالبتكار والتجديد‬
‫المستمر‪.‬‬
‫تعد المشكلة فقط في قصر دورة حياة السلع‪ ،‬بل أيضًا في الت دهور في حماية االكتش افات‬
‫ولم ُ‬
‫واالختراعات العلمية؛ بسبب قدرة المنافسين الفائقة في تقليد تلك االختراع ات واالكتش افات‪.‬‬
‫وهنالك دراس ات توص لت من خالل اختب ار ‪ 48‬منتج جديد‪ ،‬لش ركات في اإللكتروني ات‬
‫والصناعات الكيماوية وصناعة العقاقير وصناعة المعدات إلى حقيقة مفادها‪ :‬أن تك اليف تقليد‬
‫منتج جديد مقارنة مع تكاليف إبداعه تعادل حوالي ‪ %65‬ونسبة الوقت الذي يتم إنفاقه في التقليد‬
‫إلى الوقت الذي يذهب في اإلبداع يعادل ‪ %70‬وعلى الرغم من أن االختراع ات ت أتي معها‬
‫بعض الحماية‪ ،‬إال أن هذه الحماية أصبحت تُخترق بأشكال مختلفة‪ ،‬وبسهولة غير معه ودة من‬
‫خالل توظيف التكنولوجيا نفسها‪.‬‬
‫فهناك عدة إشكاليات ترتبط تحقيق الميزة التنافسية من خالل االس تثمار في البنية التحتية أو في‬
‫‪ )Process‬التي كانت تستخدم إلنتاج السلع والخ دمات‪.‬‬ ‫تكنولوجيا العمليات(‪Technology‬‬
‫واإلشكالية تكمن في أن الجهات التي تبيع التكنولوجيا (الربوت‪ ،‬مثال) لمش ترٍ‪ ،‬ال ت تردد في‬
‫تقديمها لمنافسه‪ ،‬بنفس المواصفات‪ ،‬وربما بمواصفات أفضل‪ .‬وكذلك االستشارات التي تقدمها‬
‫المؤسسات االستشارية وبيوت الخبرة‪ ،‬فهي ال تمانع من تقديمها أو تقديم أفضل منها لمن يطلبها‬
‫من المنافسين‪ .‬وهذا ال يعني عدم شراء تكنولوجيا جدي دة ‪،‬أو ع دم الس عي للحص ول على‬
‫استشارات أو خبرات معينه‪ ،‬وإنما يجب إدراك حقيقة أن ه ذه كلها أص بحت متاحة للجميع‪،‬‬
‫والميزة التنافسية التي يمكن لمنظمة ما أن تحققها‪ ،‬تتجسد بقدرتها على توظيف هذه المكتس بات‬
‫والتقنيات‪ ،‬واالستفادة منها بالسرعة وبالكفاءة والفاعلية المطلوبة‪ .‬وه ذه الفاعلية والكف اءة ال‬
‫تتحقق إال إن بتوافر الطاقات البشرية القادرة بفاعلية على االستفادة القصوى من هذه التكنولوجيا‬
‫سواء أكانت برمجيات أم حواسيب أم أجهزة إلكترونية متطورة‪.‬‬
‫وقد يقول قائل بأن التكنولوجيا المتخصصة هي الحل لتحقيق تميز على المنافسين‪ ،‬فيؤكد الواقع‬
‫والبحث العلمي مؤخرا أمرًا مغ ايرا له ذه الحقيقة‪ ،‬وهو أن التكنولوجيا المتخصصة لن تحقق‬
‫ألصحابها الميزة التنافسية التي يسعون لتحقيقها‪ ،‬إال إذا توافر لديهم قدرات بشرية م اهرة؛ ألن‬
‫المزيد من التخصص في التكنولوجيا المس تخدمة يع ني الحاجة الماسة للمزيد من المه ارة‬

‫‪- 184 -‬‬


‫ذا‬ ‫والكفاءة المطلوبة للتعامل مع هذه التكنولوجيا واالستفادة منها‪ .‬والمثال الذي يؤكد صحة ه‬
‫بة‬ ‫األمر يأتي من شركة من شركات التأمين تدعى "شناندا"‪ ،‬وقد عمدت هذه الشركة إلى حوس‬
‫ام ‪،1980‬‬ ‫عملياتها بمبلغ يصل إلى مليوني دوالر من أجل تسريع عملياتها‪ ،‬وكان ذلك في ع‬
‫شيئا من هذا االس تثمار‪ ،‬ولم تتحسن العملي ات‪ ،‬كما ك ان‬
‫حيث وجدت الشركة بأنها لم تجني ً‬
‫مؤمالً‪ ،‬فقد ظلت تحتاج إلى ‪ 27‬يوما و ‪ 32‬موظفا في ثالث وحدات لتحويل وإنجاز بوليصة‬
‫به‬ ‫التأمين الواحدة ‪،‬ولكن عندما غيرت أسلوبها في إدارة العاملين‪ ،‬وكونت مجموعات عمل ش‬
‫مستقلة مكونة من ‪ 7-5‬أفراد‪ ،‬وطورت عمليات الت دريب وتط وير األداء‪ ،‬وغ يرت نظ ام‬
‫الحوافز‪ ،‬فأعطت حوافز لمن يتحمل مزيدا من المسؤولية ‪ ،‬بعدها فقط وصل عدد األي ام ال تي‬
‫تحتاجها لتحويل البوليصة إلى النصف‪ ،‬كما تالشت شكاوى الزبائن بشكل نه ائي‪ ،‬وقل ع دد‬
‫الموظفين الذين يتطلب منهم القيام بالعمل إلى ‪ %10‬مما كان مطلوب سابقًا (‪.)Pfeffer, 1994‬‬
‫يؤكد كل ما تقدم أن اآلالت ال تصنع األشياء‪ ،‬وإنما اإلنسان هو الذي يص نع اآلالت واألش ياء‬
‫حد سواء‪ ،‬وإذا لم تدرك منظمات األعمال ه ذه الحقيقة وتأخذ به ا‪ ،‬فس تبقى تنظر إلى‬
‫على ٍ‬
‫وتُعدّه تكلفة على المؤسسة تماما كما هي اآللة‪ ،‬وه ذه نظ رة‬
‫اإلنسان بنفس نظرته إلى اآللة‪َ ،‬‬
‫ان هو‬ ‫جدد‪ ،‬واآللة أجهزة تتقادم مع الزمن وتتآكل ‪،‬فاإلنس‬
‫تجدد وتت ّ‬
‫قاصرة؛ ألن اإلنسان ثروة ّ‬
‫ويحسن من مستوى التنظيم والهندسة والعمليات اإلنتاجية إذا‬
‫ّ‬ ‫الذي يجدد اآللة ويجدد التكنولوجيا‬
‫تم إدارة هذا اإلنسان بالطريقة الصحيحة والتعامل معه بالشكل المناسب‪.‬‬
‫وكذلك في وقت من األوقات كانت عملية اإلنتاج الواسع النطاق تحقق للشركات كفاءة اقتصادية‬
‫عالية (‪ )Economies of Scale‬فانتقلت األهمية اآلن إلى المرونة في العمليات اإلنتاجية (‬
‫‪)Lean Production‬بسبب المرونة وعدم الثبات في رغبات المستهلكين وتقلبات السوق مما‬
‫يحتم على المنتجين التحول من اإلنتاج الواسع النطاق وإغراق السوق بكميات كبيرة من صنف‬
‫واحد‪ ،‬إلى الحذر واالستجابة للتغير في رغبات المس تهلكين‪ ،‬وكف اءة أي مصُ نّع تعتمد على‬
‫كفاءته في التكيف مع تقلبات السوق والزبائن‪ .‬ومن ناحية ثانية على ق درة المنتج على إنت اج‬
‫وتوصيل المنتج للزبائن بأكبر سرعة ممكنة‪ .‬وهذا التحول بطبيعة الحال يتطلب تعاونا ومهارة‬
‫بشرية من اإلنتاج الروتيني بكميات كبيرة إلى قدرات إبداعية في المرونة واالستجابة لرغب ات‬
‫السوق‪.‬‬
‫إذن كل ما سبق يؤكد لنا التزايد في أهمية العنصر البشري والطاقات الكامنة التي تعدّ اآلن هي‬
‫السر المخفي في تميز من يريد أن يتميز أو فشل من يريد أن يفشل من مؤسسات خاصة أو حتى‬

‫‪- 185 -‬‬


‫ات هو األمر الحاسم في نجاحها‬ ‫ذه المؤسس‬ ‫عامة أو خيرية؛ ألن عملية إدارة البشر في ه‬
‫وتفوقها‪.‬‬

‫الميزة التنافسية والميزة التقليدية‬


‫مما سبق يتبين تحول وتراجع األهمية النسبية لمصادر الميزة التنافسية التي أصبحت تعدّ تقليدية‬
‫مثل تلك التي تحدث عنها مايكل بورتر(‪ )Michael Porter‬وكانت تشكل مص ادر للم يزة‬
‫التنافسية لفترة طويلة من الق رن العشرين‪ ،‬ومزايا تقليدية أخ رى مثل التكنولوجيا ال تي يتنبأ‬
‫البعض أنها ستصبح بضاعة تحت متناول الجميع‪ ،‬مثلما كانت الكهرباء يوما من األي ام م يزة‬
‫وأصبحت فيما بعد في متناول الجميع‪ ،‬وك ذلك رؤوس األم وال والب نى التحتية وغيرها من‬
‫مصادر تم الحديث عنها في الصفحات السابقة‪.155‬‬
‫ولكن ال بد هنا من اإلشارة إلى بعض القضايا الهامة وهي‪:156‬‬
‫أن هذه المصادر التقليدية ستبقى تساهم في تحقيق الميزة التنافسية‬ ‫‪-‬‬
‫إذا ما اقترنت بطاقات قادرة على توظيفها وتعظيم االستفادة منها‪.‬‬
‫أن هذه المصادر تختلف أهميتها ومس اهمتها في تحقيق الم يزة‬ ‫‪-‬‬
‫التنافسية من صناعة ألخرى ومن دولة ألخرى‪ .‬ففي بعض الدول‪ ،‬مثال في ال دول‬
‫النامية‪ ،‬ما تزال هذه المصادر تشكل ميزة تنافسية‪ ،‬ولو على المدى المنظ ور‪ ،‬فيما‬
‫أصبحت تتراجع في الدول الغربية والدول الصناعية‪.‬‬
‫تعتمد الميزة التنافسية في أي مؤسسة على نجاح الطاق ات الكامنة‬ ‫‪-‬‬
‫فيها واأليدي الماهرة على استكشاف مصادر متجددة تمنحها ميزة تنافسية وتفوقا‬
‫على اآلخرين‪ .‬واستكشاف مصادر متجددة باستمرار ال يتأتى إال من خالل اإلبداع‬
‫والتجديد واالبتكار وهذا ال يتأتى بدوره إال بواسطة أيدي عاملة قادرة على اإلبداع‬
‫والتجديد المستمر واأليدي العاملة ال يمكنها بحال من األح وال أن تص بح خالقة‬
‫وارد‬ ‫ومبدعة بالصدفة‪ ،‬وإنما من خالل المنهج اإلداري المتبع في إدارة هذه الم‬
‫البشرية نحو اإلبداع والتمكين والتفكير المستقل الخالق‪.‬‬
‫ودون هذه الطاقات الماهرة قد نكتسب مصدرا من مصادر الميزة‬ ‫‪-‬‬
‫التنافسية يوما من األيام كما حدث للشركات التي حصلت على حماية جمركية لفترة‬
‫من الزمن كمصدر من مصادر التميز‪ ،‬وعندما تالشت هذه الحماية لم تع دّ ه ذه‬
‫الشركات قادرة على مواجهة المنافسة إال إذا توافر لها من هو قادر على استكشاف‬
‫‪- 186 -‬‬
‫وى‬ ‫مصادر أخرى للتميز بحيث كلما اختفى مصدر من مصادر التميز تمكنت الق‬
‫العاملة من التفكير الخالق في استكشاف مصادر وفرص جديدة‪.‬‬

‫أهمية العنصر البشري وكيفية إدارته‪-‬حاالت عملية‪.‬‬


‫هناك أمثلة كثيرة واقعية تبين أهمية العنصر البشري في خلق الميزة التنافسية المستديمة فشركة‬
‫‪ South West Airlines‬بصفتها شركة طيران محلية في الواليات المتحدة األمريكية وال يكاد‬
‫يخلو كتاب من كتب اإلدارة وإدارة الموارد البشرية إال ويذكر أو يتحدث عن قدرات هذه‬
‫المؤسسة في التفوق على منافسيها من خالل أدواتها ومنهجيتها المستخدمة في إدارتها لمواردها‬
‫البشرية‪.‬‬
‫فمنذ عام ‪ 1972‬حتى وقتنا الحاضر والشركة في تقدم مستمر وأرباح متص اعدة خالفا لب اقي‬
‫الشركات المنافسة‪ .‬ويؤكد المراقبون بأن هذه الشركة لم تحقق نجاحها المضطرد بسبب ق وانين‬
‫الحماية أو بسبب سياسات البيع الواسع النطاق وقد واجهت خالل أول ثالث سنوات من تأسيسها‬
‫منافسة شرسة من قبل المنافس ين ال ذين لم يس محوا ألي من طائراتها ب الطيران‪ .‬ومع ذلك‬
‫استطاعت قيادتها من خالل انتماء كافة أفرادها وإصرارهم على المقاومة والبقاء من خالل رؤية‬
‫ثاقبة لقيادتها وتصميم أكيد على النجاح‪ .‬وقد واجهت الفشل الذريع في بداياتها ولكنها استطاعت‬
‫تحقيق ميزة تنافسية مستديمة من خالل استراتيجية تتعلق بتخفيض تكاليف اإلنتاج وتقديم أسعار‬
‫تذاكر منخفضة لجمهورها من المسافرين (‪ .)Cost-Leadership Strategy‬وتخفيض تكاليف‬
‫اإلنتاج لديها لم يتحقق من خالل أحدث الوسائل واألجهزة التكنولوجية‪ ،‬وإنما من خالل اإلنتاجية‬
‫العالية لطاقمها من العاملين الذين يمتلكون مستويات عالية من الدافعية على الرغم من وجود عدد‬
‫أقل من الموظفين مقارنة مع الشركات المنافسة‪ .‬فمعدل العاملين لكل ط ائرة يصل فيها إلى ‪97‬‬
‫مقابل ‪ 131‬المعدل العام في الشركات المنافسة‪ ،‬وعدد المسافرين لكل موظف يصل إلى ‪2318‬‬
‫مقابل ‪ 848‬لدى المنافسين ويتمكن موظفوها من تفريغ حمولة معظم رحالتها من المسافرين عند‬
‫الهبوط وإع ادة تحميل الط ائرة وإع دادها لإلقالع خالل ‪ 15‬دقيقة‪ ،‬وهو وقت قياسي مقارنة‬
‫بالمعدل في صناعة الطيران وهو ‪ 45‬دقيقة‪ .‬كل هذا يعطي الشركة ميزة تنافسية في قدرتها على‬
‫االستخدام االمثل لطاقتها اإلنتاجية واالستيعابية األمر الذي يتعذر على المنافس ين تحقيق ه‪ .‬فقد‬
‫حصلت هذه الشركة على جائزة أفضل شركة طيران لتسع مرات متتالية في أحد األشهر في كل‬
‫من اإللتزام بمواعيد الهبوط واإلقالع وتذمر المسافرين من ضياع أو تأخر استالم حقائبهم وهذا‬
‫يتسن للمنافسين تحقيقه ولو مرة واحدة‪ .‬فكم يعاني المسافرون في كثير من رحالت الط يران‬
‫َّ‬ ‫لم‬

‫‪- 187 -‬‬


‫في العالم بشكل عام وبالدول النامية بشكل خاص من ع دم الدقة في مواعيد اإلقالع والهب وط‬
‫وضياع الحقائب أو على األقل التأخر في تسليمها إضافة إلى الت دني في خ دمات ما قبل وبعد‬
‫السفر وأخطاء في الحجوزات وغيرها‪ .‬وقد كان المنافسون والمراقبون دائما في ح يرة وتعجب‬
‫من هذه الشركة وقدرتها في تحقيق هذا النجاح والتميز المس تديم في س وق الط يران المحلية‬
‫األمريكية‪ ،‬وقد حاول الكثير من النافسين حذو سياسات واس تراتيجيات س اوث ويست اإلدارية‬
‫وغير اإلدارية وأصيبوا باإلحباط ألنهم لم يحققوا نفس التميز أو التفوق الذي حققته هذه الشركة‪.‬‬
‫سر في نجاح هذه الشركة؟‬
‫فما هو ال ّ‬
‫أوالً‪ :‬النجاح في كيفية إدارة العنصر البشري بأس اليب إدارية فاعلة‪ ،‬وه ذا السر هو في أغلب‬
‫ارج قد يالحظ ما تمتلكه‬ ‫األحيان غير بارز وغير واضح للعيان أو للمراقب؛ فالمراقب من الخ‬
‫المؤسسة من تكنولوجيا وأنظمة معلومات إدارية والمعدات واألدوات التشغيلية واألنظمة المالية‬
‫والمحاسبية ولكن الثقافة والقيم التي مكَنت ساوث وست من النجاح غير مرئية وغ ير واض حة‬
‫بنفس الطريقة‪ ،‬وقد يكون من السهل وصفها ولكن من الصعب فهمها وتطبيقها على الواقع؛ ألن‬
‫الثقافة لدى مؤسسة من المؤسسات تشبه إلى حد ما شخصية الفرد تلك الشخصية التي تتناسب مع‬
‫نظامه الفسيولوجي وخصائصه المكتسبة والوراثية والتي يصعب تقمّصها من قبل ش خص آخر‬
‫افة‬ ‫فوصل إلى ما وصل إلية من خالل تاريخ من المكتسبات التربوية والفردية والشخصية إض‬
‫إلى الوراثية التي ال تالئم شخصية أخرى بحال من األحوال‪ .‬لذلك تكون هذه الشخص ية أم را‬
‫يصعب تقليده من قبل اآلخرين‪.‬‬
‫وهكذا مشكلة الثقافة‪ ،‬ومنهج العمل لدى المؤسسات يشبه إلى حد ما ثقافة األف راد والجماع ات‬
‫البشرية‪ .‬فسر نجاح اليابان يكمن في التوافق الدقيق بين ثقافة الشعب الياباني والتقدم التكنولوجي‬
‫والتصنيعي الذي سعت دولة اليابان لتحقيقه فكانت تلك الثقافة‪ ،‬ثقافة االحترام والتع اون والعمل‬
‫الدؤوب وحب العمل من أهم العناصر التي ساهمت في وصول اليابان إلى ما وصلت إليه وهكذا‬
‫بالنسبة للثقافة األلمانية واألوروبية وغيرها من الثقافات‪ .‬وعن دما ي أتي أي مجتمع أو مؤسسة‬
‫ون‬ ‫لتحاول المزاوجة بين ثقافة اآلخر وممارساتها االقتصادية أو اإلنتاجية فإن النتيجة ربما تك‬
‫غير مرضية والنتائج ربما تكون مختلفة عن النتائج المرغوبة (‪.)Pfeffer, 1994‬‬
‫وألن الثقافة هي مجموعة مترابطة من القيم والعادات والتقاليد والتصرفات فمن السهل نقل قيمة‬
‫أو عادة ما ولكن من الصعب تقليد النظام القيّمي المترابط والمتكامل لمجتمع آخر أو لمجموعة‬
‫بشرية أخرى أو لمؤسسة أخرى‪.‬‬

‫‪- 188 -‬‬


‫ثانيا‪ :‬إن تحقيق ميزة تنافسية من خالل العنصر البشري يستلزم تغي ير الكيفية ال تي ينظر بها‬
‫لآلخرين وتغيير نظرة الفرد لشكل عالقات العمل‪ .‬وهذا يعني تحقيق التفوق والتم يز مع طاقاتنا‬
‫ديلهم أو تحجيمهم‬ ‫البشرية‪ ،‬مع العاملين في المؤسسة وليس من خاللهم فقط وليس من خالل تب‬
‫اء الثقة المتبادلة معهم ومن‬ ‫وتحجيم أعمالهم وتحديد مواهبهم‪ .‬بل من خالل االعتماد عليهم وبن‬
‫خالل اعتبارهم مص درًا للتم يز اإلس تراتيجي للمؤسسة وليس كتكلفة يجب العمل على تقليلها‬
‫وتفاديها‪ .‬هذا وقد توصل علماء من أمثال ‪ Pfeffer‬إلى أن المؤسسات التي طبقت هذه األفك ار‬
‫أظهرت نجاحا يفوق مثيالتها من المؤسسات التي ظلت تمارس األساليب التقليدية مع مرؤوسيها‬
‫وموظفيها‪ .‬وهناك العديد من الممارسات في وظائف الموارد البش رية ال تي يمكن أن تس اعد‬
‫المؤسسة على إثبات صحة ادعائها من حيث النظرة اإلنسانية التي نتحدث عنها في هذا الس ياق‬
‫ومن أهمها التدريب والتطوير والمحافظة على الموظفين‪.‬‬

‫التدريب وتطوير مهارات العاملين‬


‫يؤكد مرة أخرى )‪ Pfeffer (1994‬على أنه إذا كانت الميزة التنافسية تتحقق من خالل البشر فإن‬
‫مهارة هؤالء البشر مهمة وأساسية وبالمحصلة فإن من االستنتاجات الجلية والواضحة للتغير في‬
‫مصادر الميزة التنافسية تنامي أهمية العنصر البشري بما يتوافر لديه من كفاءة ومهارة مكتس بة‬
‫ادة‬ ‫وغير مكتسبة‪ .‬ومن المالحظ (بشكل خاص في بعض الدول العربية) هذه اآلونة بالذات زي‬
‫اإلقبال على التعلم والتعليم بشكل أكبر من أي وقت مضى‪ ،‬فقد زاد عدد الحاصلين على شهادات‬
‫جامعية وشهادات عليا في بعض الدول العربية‪ ،‬بشكل يكاد يفوق الدول المتقدمة‪ .‬وهذا التط ور‬
‫في السعي وراء التعليم أمر أساسي لتط ور الش عوب ومن أجل الوص ول إلى تنمية بش رية‬
‫واقتصادية جيدة‪.‬‬
‫رى جنوحا‬ ‫ولكن المراقب لوضع التعليم واكتساب المعرفة والمهارة في بعض الدول العربية ي‬
‫ود بنا إلى ما‬ ‫نحو التركيز على التعليم من ناحية شكلية أو كمية وليس من ناحية نوعية وهذا يع‬
‫أشرنا له في مواطن أخرى من الكتاب من حيث ضعف الدافع ال داخلي وق وة اك بر لل دوافع‬
‫الخارجية‪ .‬فهنالك فرق بين من يتعلم بهدف العلم ومن يتعلم بهدف آخر ومهما كان الدافع اآلخر‬
‫فسيبقى خارجي والدافع الخارجي غير أصيل وخاصة عن دما نتح دث عن العلم والمعرفة وقد‬
‫يختلف األمر في السعي نحو اكتساب المهارات الفنية والتي قد يكون الحص ول على وظيفة هو‬
‫بمثابة الدافع نحوها‪ .‬ولكن عندما نتح دث عن العلم والمعرفة فال يوجد دافع في ال دنيا أهم من‬
‫الدافع الداخلي األصيل الذي دفع علماء في التاريخ العربي واإلسالمي إلى السفر مئات األمي ال‬

‫‪- 189 -‬‬


‫لتوثيق معلومة بسيطة وقد تكون كلمة أو جملة أو أقل من ذلك أو أكثر‪ .‬وعندما ال يكون ال دافع‬
‫هو من أجل العلم ونشر العلم فإن المنهج والوسيلة العلمية قد تكون من جنس الهدف والدافع‪ ،‬فقد‬
‫يكتفي المرء حينها بأقل ما يمكن من جهد في س بيل كتابة بحث أو مقالة أو كت اب‪ ،‬إن ك انت‬
‫العوامل المادية الخارجية‪ ،‬المادية أو المالية أو الشهرة أو الترقية أو المكاسب الجهوية أو غيرها‪،‬‬
‫هي العوامل المسيطرة على ذلك المرء (الرشدان‪.157)2001 ،‬‬
‫فالسعي نحو التعلم والتدريب واكتساب المهارة أمر جيد وحتما س يؤدي إلى نت ائج جي دة على‬
‫المدى الطويل في البالد العربية مثال‪ ،‬ولكن على الجهات الفاعلة والمؤثرة أن تعمل على التوجيه‬
‫واإلرشاد إلى الناحية المعنوية الرصينة في الدوافع الفردية نحو اكتساب هذه المكتس بات الثمينة‬
‫والتي هي أثمن من الذهب واألحجار الكريمة إذا صقلت بنوايا ونوازع جوهرية معنوية خيّ رة‪.‬‬
‫أي أن يكون العلم والمعرفة‪ ،‬واكتس اب ونشر العلم والمعرفة من أجل العلم والمعرفة ومن أجل‬
‫التنمية البشرية والحضارية والثقافية والقيمية بدال من أن تك ون األه داف فقط تجارية ومادية‬
‫ولخدمة مصالح شخصية قريبة األجل‪.‬‬
‫أما في مجال التدريب فهناك نقص وخاصة في تدريب المستويات ال دنيا من المؤسسة‪ ،‬فغالبا ما‬
‫تشمل برامج التدريب المستويات اإلدارية الوسطى والعليا؛ وذلك لعدم وجود سياس ات عامة في‬
‫مؤسسات الدول العربية بشكل خاص‪ ،‬تعنى بتشجيع تدريب الموظفين في المس تويات المختلفة‪،‬‬
‫فضال عن نقص تشجيع التدريب للمستويات األك ثر حاجة للت دريب وهي المس تويات ال دنيا‬
‫ولتشجيع برامج التدريب من قبل الدول عليها أن تجعل الموازنات التدريبية للمؤسسات الخاصة‬
‫معفاة من الضرائب‪ .‬ومن األسباب المباشرة لنقص برامج التدريب نفقات التدريب التي تصرف‬
‫مباشرة‪ ،‬وأما منافع التدريب فال تج نى مباش رة وإنما يمكن اإلحس اس بنتائجها على الم دى‬
‫الطويل‪ ،‬وهذه المنافع ممكن أن تستفيد منها مؤسسات أخرى في حالة ترك الموظف للعمل لسبب‬
‫من األسباب‪.‬‬
‫فالشركات اليابانيه فاقت التوقعات بمستوى اهتمامها بالتدريب ألنها تحصل من ذلك على أف راد‬
‫يتمتعون بمهارة وانتماء يقودان لتحقيق الميزة التنافسية للمؤسسات‪ ،‬ويبلغ مستوى الت دريب في‬
‫اليابان أربعة أضعاف التدريب في الواليات المتحدة األمريكية‪ .‬فهم يعلمون أن برامج الت دريب‬
‫مكلفة ولكنهم يعلمون أنها ستقود إلى أفراد يتمتعون بمهارات عالية وانتماء لمن ساهم في تطوير‬
‫مهاراتهم ومعارفهم‪.‬‬
‫دّ‬ ‫فالمشكلة تكمن في أن الكثير من المؤسسات‪ ،‬وخاصة الشركات الخاصة في بالدنا العربية تع‬
‫التدريب ترفًا‪ ،‬وأنه غير أساسيٍ‪ ،‬وال يوجد لدى الكثير نظام قائم وخطه استراتيجية للتدريب‪ ،‬وال‬
‫‪- 190 -‬‬
‫يوجد صلة واضحة بين برامج التدريب‪ ،‬إن وجدت‪ ،‬بأهداف المؤسسة االس تراتيجية‪ ،‬وال يوجد‬
‫قناعة بأن التدريب سيؤدي إلى تحقيق ميزة تنافسية للمؤسسة‪ .‬وغياب السياسات العامة وتشجيع‬
‫الدول يساهم في تعطيل محور أساسي من محاور إدارة الموارد البشرية في المؤسسة التي تساهم‬
‫بدورها في رفع مستويات المعرفة والمهارة التي تساهم في خلق إنسان ق ادر على المش اركة‬
‫والمبادرة وتحمل المسؤولية والتطوير المستمر ووجود معنى أعظم لحياته الوظيفية‪.‬‬
‫وحقيقة األمر أنه ال أحد ينكر أهمية التدريب (ولو على المستوى النظري) في خلق معنى أعظم‬
‫لحياة الفرد وأهمية أكبر للعمل الذي يقوم به‪ .‬فإذا وصل االهتمام بالفرد إلى ه ذا المس توى من‬
‫خالل االهتمام بتدريبه وكفاءته ومهارته ومعرفته‪ ،‬فمن األولى بالمؤسسات المحافظة علية وعدم‬
‫التخلي عنه بسهولة وعدم القبول باستبداله بطرق أقل تكلفة‪ ،‬ولكنها قد تكون أقل فائ دة للمؤسسة‬
‫على المدى الطويل‪.‬‬

‫العمالة المؤقتة‬
‫لقد ظهر اتجاه متزايد في ال وقت الحاضر نحو العمالة المؤقتة أو الخارجية بأس ماء‬
‫بحنا‬ ‫مختلفة‪ ،‬ولقد انتقلت هذه الظاهرة في التوظيف من الدول الغربية إلى الدول العربية‪ ،‬فأص‬
‫نرى مؤسس ات تلجأ إلى التوظيف الم ؤقت والتوظيف من خالل التعاقد مع ش ركات خارجية‬
‫للتوظيف وتّدعي هذه المؤسسات بأنها بذلك تسعى إلى تحقيق الميزة التنافسية‪ .‬ويتساءل الكث ير‬
‫من المراقبين والمنتقدين(‪ ، )Pfeffer, 1994‬لهذه الظاهرة بالقول‪" :‬كيف ستحقق مؤسسة ما‬
‫ميزة تنافسية مستديمة بموظف مستعار وليس أصيلًا في المؤسسة التي يعمل بها؟ وأين االنتم اء‬
‫الذي يمكن أن تخلقه المؤسسة لدى هؤالء والمؤسسة بالنسبة لهم هي الشركة التي قامت بتشغيلهم‬
‫وتوظيفهم"؟ والمشكلة تكون أكثر خطورة عندما يقوم هؤالء الموظفون المس تعارون بوظ ائف‬
‫أساسية تعتمد عليها المؤسسة في منتجها الرئيس‪ .‬ومن األمثلة على ذلك في بعض الجامعات مثال‬
‫تلجأ الجامعة إلى أساتذة ليعملوا لديها بشكل مؤقت أو جزئي ‪ Part- time‬بهدف تخفيض النفقات‬
‫وتقليل التكاليف؛ ألن الموظف المؤقت تكلفته أقل بكثير من الموظف ال دائم‪ .‬والس ؤال اله ام‬
‫هنا‪":‬هل لدى هؤالء القدرة على تحقيق الميزة التنافسية للمؤسسات التي يعملون بها؟" ونعلم ب أن‬
‫لديهم االستعدّاد للعمل في أي مؤسسة وربما يعملون في أكثر من مؤسسة بنفس الوقت ففي ه ذه‬
‫الحالة لمن سيكون انتماؤهم في العمل ولمن س يكون والؤهم له في تحقيق أداء متم يز بنوعية‬
‫عالية؟ وهذا األمر له آثاره السلبية وخاصة على منظمات تق دم خ دمات فنية أو تكنولوجية أو‬
‫تعليمية أو مالية مثل الجامعات التي تعتمد في كفاءاتها المحورية على مهارات وق درات عامليها‬
‫‪- 191 -‬‬
‫وهذه الكفاءات ستكون ناقصة إذا لم تقترن بنسبة من االنتماء للمؤسسة التي يعملون بها الن تميز‬
‫المؤسسة يعتمد بالدرجة األولى على تميزهم وقدرتهم واس تعدّادهم للتعلم المس تمر والتط وير‬
‫واكتساب المعرفة‪ ،‬وهذه المزايا ال تتوافر لمن يدرك بأن عمله مؤقت وليس دائمًا فضال عن من‬
‫يعمل لحساب الشركة المتعاقدة وليس المؤسسة ال تي يعمل بها ويم ارس فيها أعماله(‪Pfeffer,‬‬
‫‪.)1994‬‬
‫واألمر األكثر تحديا في موض وع التمكين‪ ،‬إن أرادت المنظمة مثال تمكين الم وظفين ومنحهم‬
‫مستحقات التمكين من الحوافز والمعلوم ات الكاملة والمس تمرة والت دريب الك افي والمعرفة‬
‫عر أنه في وضع‬ ‫المتجددة فمن غير الممكن فعل كل ذلك مع موظف غير مستقر أو موظف يش‬
‫مؤقت‪ .‬فال يمكن أن يتناسب التمكين بمعناه الصحيح مع عمالة مستعارة وغير أصيلة‪.‬‬
‫ويؤكد ‪ Pfeffer‬أن هذه العملية لن تحقق ميزة تنافسية مستديمة بأي شكل من األشكال‪ .‬ويؤكد أن‬
‫كثيرا من المؤسسات والباحثين على حد سواء قد أغفلوا اآلثار السلبية الطويلة المدى الناجمة عن‬
‫يين‬ ‫العمالة التي يطلق عليها هنا بالعمالة المستعارة‪ ،‬والسرعة في الحصول على موظفين‪ .‬فتع‬
‫موظفين بشكل دائم يتطلب ربما‪ :‬اإلعالن واس تقبال طلب ات المرش حين ودراسة الطلب ات‬
‫وتصفيتها ومقابلة المتقدمين واتخاذ القرارات المتعلقة بانتقائهم وتع يينهم ومن ثم انتف اعهم من‬
‫التامين الصحي والضمان االجتماعي أو التقاعدي‪ ،‬وهذه كلها تكاليف بالنس بة للمؤسسة ال تي‬
‫يعملون بها‪ .‬ولكن الحصول على موظف مؤقت أو ‪ part-time‬قد يتطلب فقط مكالمة هاتفي ة‪.‬‬
‫ومن سلبيات ذلك ربما الحصول على أفراد ال تنطبق عليهم المواصفات المطلوبة‪.158‬‬
‫سجلت حاالت حيث يعمل أفراد بش كل‬
‫وقد يسبب العامل المؤقت أضرارا مادية في العمل‪ ،‬وقد ُ‬
‫مؤقت ال يتوافرون على التدريب والتأهيل الكافيين‪ ،‬ففي مصانع للكيماويات ساهم هؤالء بالعديد‬
‫من الحوادث الخطيرة التي أدت إلى وفاة أف راد داخل المص نع من خالل انفج ارات وحرائق‬
‫وأحداث ذات عالقة بتسرب مواد كيماوية‪ ،‬وكان سبب ه ذه الح وادث في معظم الح االت من‬
‫العمالة المؤقتة‪ .‬لهذا فإن المؤسسات في الواقع هي صاحبة القرار األول واألخير في هذا الش أن‬
‫فإن أرادت تحقيق ميزة تنافسية مستديمة من خالل االعتم اد على األي دي العاملة المؤقتة ومن‬
‫خالل االستئجار فإنها في واقع األمر لن تحصل على هذه الميزة إال إذا استخدمت هؤالء فقط في‬
‫اليف‬ ‫مواقع ووظائف ثانوية وبمستوى محدود جدا‪ .‬أما إذا كان هدف المؤسسات هو توفير التك‬
‫وضبط النفقات وتحقيق فوائد ومكاسب على المدى المنظور‪ ،‬فإن هذه المكاسب لن تستمر لتحقق‬
‫ميزة تنافسية لفترات طويلة‪.‬‬

‫‪- 192 -‬‬


‫أما إذا أرادت فعال تحقيق ميزة تنافسية مس تديمة ونج اح دائم‪ ،‬فال بد من تحقيق ذلك من خالل‬
‫مناخا مناس بًا للتعلم وللمحاولة‬
‫ً‬ ‫أدوات االنتقاء السليم والتأهيل والتدريب‪ ،‬ومنح هؤالء الع املين‬
‫والتجربة والفشل وهامشًا من الخطأ واالستفادة من األخطاء‪ ،‬وف وق ه ذا وذاك منح الع املين‬
‫مشاركة أكبر وحرية أكبر وتمكينا أكبر لكي يتمكن وا من تأدية أعم اهم بمرونة وتفك ير ذاتي‬
‫مستقل من أجل تقديم أفكار خالقة‪ ،‬وتجديد وإبداع في الس لع أو الخ دمات‪ ،‬أو األفك ار ال تي‬
‫يقدمونها‪ .‬وهذا كله يحتاج إلى جهد إداري حثيث في إدارة الموارد البشرية ويحت اج إلى نظ ام‬
‫محكم يرشد اإلدارة في كيفية التعامل مع مواردها البشرية ال تي تع دّ رأس مالها الحقيقي‪ ،‬وهو‬
‫فعال ما يسمى برأس المال البشري في الوقت الحاضر‪.‬‬
‫وسنرى فيما يأتي ماذا يمكن أن تصنعه اإلدارات الناجحة في تعاملها مع رأس مالها البشري‪.‬‬

‫أساليب إدارة الموارد البشرية المعاصرة واإلدارة الفاعلة لرأس المال البشري‬
‫قبل التحدث عن الخطوات التي تتطلبها اإلدارة الفاعلة للموارد البشرية‪ ،‬فال بد من طرح األسئلة‬
‫المفصلية اآلتية أمام قادة المؤسسات‪ ،‬واألكاديميين على حد سواء‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫هل تود القيادة تحقيق تفوق وميزة تنافس ية طويلة الم دى‪،‬أم أنها تريد أن تحقق نجاحا س ريعا‬
‫وربحا مؤكداً على المدى المنظور؟ وهل تريد القيادة أن تستثمر الوقت المحدود أمامها لتحقيق ما‬
‫يمكن تحقيقه قبل فوات األوان؟أم أنّ هاجس اإلدارة هو ضبط النفق ات ب أكبر س رعة وتحقيق‬
‫مكاسب مقنعة للمساهمين ولو على حساب العاملين؟‬
‫إذا كان الشق األول من التساؤل هو المطروح من قبل الق ادة ففي الممارس ات اإلدارية اآلتية‬
‫اإلجابة المناسبة لالستفادة منها من أجل توف ير من اخ مالئم للتمكين وخلق عمالة ق ادرة على‬
‫التغيير‪ ،‬وإن كان الشق الثاني من األسئلة فمن العسير توفير الحلول المناسبة لها في هذا المؤلف‪.‬‬
‫أهم هذه الممارسات التي تساهم في خلق مناخ مالئم للتمكين التي تؤكد عليها الكثير من األدبيات‬
‫علما بأن هذه الممارسات ال يمكن أن تؤخذ بش كل‬ ‫بما فيها كتابات "جيفري بففر" (‪،)Pfeffer‬‬
‫جزئي وإنما بشكل متكامل ومتوازن بعضها مع البعض‪ ،‬فهناك ت داخل بين ه ذه الممارس ات‬
‫وهناك نوع من التفاعل بينه ا‪ ،‬أي أن بعض ها يعتمد على البعض اآلخر‪ ،‬فال يمكن مثال تحقيق‬
‫التفوق بواسطة التدريب دون أن يكون هنالك أمان وظيفي وال يمكن تحقيق األمان الوظيفي دون‬
‫تدريب وكفاءة مناسبة‪.‬‬
‫أما هذه الممارسات فهي‪:159‬‬

‫‪- 193 -‬‬


‫‪-1‬األمان الوظيفي‬
‫تلجأ المؤسسات إلى عمليات تسريح الموظفين وذلك من أجل خفض نفقات العمل وزيادة األرباح‬
‫الناجمة عن ترك الموظفين وخاصة من خالل استبدالهم بموظفين مؤقتين آخ رين‪ ،‬أو من خالل‬
‫الميكنة (‪ ،)Automation‬أو من خالل التكنولوجيا‪ ،‬أو غيرها‪.‬‬
‫تعد شركة لنكلن للكهرباء(‪ )Lincoln Electric‬من الشركات المشهورة في األمن الوظيفي في‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وهي تعمل في أكثر من خمس عش رة دولة‪ ،‬وتصل مبيعاتها إلى ما‬
‫يقارب المليار دوالر‪ ،‬وقد استطاعت في تاريخها التفوق على أكبر المنافسين مثل جنرال إلكترك‬
‫(‪)General Electric‬المعروفة‪ .‬ومن سياساتها المتعلقة في األمن الوظيفي‪ ،‬أنه لم يحدث في‬
‫ا‪.‬‬ ‫تاريخها أن سرّحت أو طردت أيًَّا من موظفيها‪ ،‬حتى ولو لم يتوافر له عمل أو مهام للقيام به‬
‫ولكن هذه السياسة ال تحمي أولئك الذين يفشلون في تأدية مهامهم بالشكل المطلوب أو أص حاب‬
‫ومهاما للعاملين لديها مهما‬
‫ً‬ ‫األداء المتدني‪ ،‬وقد قطعت المؤسسة على نفسها عهدا بأن تخلق عمالً‬
‫كان الثمن‪ ،‬وأن ال تتركهم عرضة للتسريح؛ ألسباب تتعلق بنقص األعمال أو المهام‪.‬‬
‫وهذا ينسجم مع رؤية هذا الكتاب في أن عدم االطمئنان وعدم األمان الوظيفي يخلق خوفا وتوترا‬
‫يؤدي إلى تدهور الدافعية والحماس‪ ،‬وبالتالي يؤدي إلى القيام بالمهام بروح معنوية هابطة‪ ،‬ومن‬
‫غير تفكير خالق ومستقل في األعمال التي يقوم بها‪ .‬وه ذا أمر ط بيعي فكما ذُكر في مواضع‬
‫داع والتمكين‪ .‬فال يُنتظر من‬ ‫أخرى من الكتاب‪ ،‬فإن الخوف يؤدي إلى قتل روح المبادرة واإلب‬
‫إنسان يتوقع إحالته على التقاعد أو التسريح‪ ،‬أن يفكر بهدوء أو أن يخطط ويحمل رؤية للمستقبل‪،‬‬
‫وإنما يسيطر على تفكيره الخوف والترقب الذي يرتبط بقرار فصله من العمل‪ ،‬الذي صار س مة‬
‫في هذا الوقت في الكث ير من المؤسس ات‪ .‬واألم ان ال وظيفي في المؤسسة يعطي رس الة‬
‫للمرؤوسين مفادها‪ :‬اهتمام المؤسسة وانتمائها لموظفيها‪ ،‬وهذا يساهم في خلق انتماء متبادل بين‬
‫اإلدارة والموظفين‪.‬‬
‫أما اإلدارة التي ترى أن موظفيها يمكن االستغناء عنهم بسهولة‪ ،‬فهي بالمقابل غ ير مؤهلة لخلق‬
‫والء أو انتماء متبادل بين الطرفين‪ ،‬ولن تخلق لدى الم وظفين اإلحس اس بأه داف وغاي ات‬
‫المؤسسة للدفاع عنها‪ .‬واألمان الوظيفي كما يؤكد )‪ Pfeffer (1994‬يعزز انخراط الم وظفين‬
‫ومشاركتهم؛ ألنهم في هذه الحالة سيتوافر لديهم االستعدّاد للمساهمة في تقديم جهد إضافي‪.‬‬
‫كذلك فإن المؤسسة التي تتميز باألمان الوظيفي وتعلم مقدما أن الموظف س يكون مس تقرًا في‬
‫العمل لمدة طويلة من الزمن فإن ذلك يحتم عليها اختي ار األفضل واختي ار من ينس جم مع قيم‬

‫‪- 194 -‬‬


‫وثقافة المؤسسة وال تستطيع المؤسسة في هذا الحالة االستهانة في عملية االنتقاء؛ ألنه سينتج عن‬
‫سوء االنتقاء بقاء أفراد غير مالئمين لفترة طويلة بسبب التزام المنظمة بسياسة األمان الوظيفي‪،‬‬
‫األمر الذي سيكلف المنظمة تكاليف كبيرة بجود أفراد بأداء متدنٍ وإنتاجية سيئة‪.‬‬

‫نافذة واحد‪ :‬الموظف الذي يشعر باألمان يشعر بالتمكين ويشعر بأن هناك من‬
‫يحترمه ويقدره ويثق به‪.‬‬
‫‪D‬‬
‫‪-‬االنتقائية في التعيين‬ ‫‪2‬‬
‫األمن الوظيفي الذي تم الحديث عنه في البند السابق يترتب عليه أن تكون المنظمة حريصة غاية‬
‫الحرص في انتقاء الموظفين ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب‪ .‬وتعني االنتقائية في‬
‫خاصا في عمليات التوظيف والتشغيل واالنتقاء والتعيين‪ ،‬فمثال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جهدا‬ ‫التدريب أن تبذل المؤسسة‬
‫ذا‬ ‫شركة ساوث وست للطيران‪ ،‬التي تم االستشهاد بممارساتها الفاعلة في أكثر من موقع من ه‬
‫الكتاب‪ ،‬تقوم بعملية مضنية في االنتقاء بعيدا عن أي عالقات شخصية أو محاباة في التوظيف أو‬
‫دت‬ ‫وساطة أو عالقات خاصة‪ ،‬فقد استقبلت في إحدى السنوات ‪ 124،000‬طلب توظيف وعق‬
‫مقابالت مكثفة ل‪ 38،000‬من هذه الطلبات لكي يتم تعيين ‪ 5،473‬موظفًا‪ ،‬وهذه العملية تتم وفقا‬
‫لمعايير غاية في الدقة والعناية للحصول على م وظفين أكف اء‪ ،‬بما ينس جم مع ثقافة المنظمة‪،‬‬
‫وقيمها التي تعتمد على الموظف القادر على العمل باستقاللية ومشاركة وتمكين وروح الفري ق‪.‬‬
‫ومن ال تتوافر لديه هذه المواصفات فال يتم تعيينه مهما بلغ من الكفاءة الفنية أو الشهادة العلمية‪.‬‬
‫أما شركة ‪ IBM‬فتقوم بأمر قد يكون مستغربا في إجراءات التع يين التقليدية؛ فهي تس تبعد في‬
‫الكثير من الحاالت‪ ،‬الحاصل على تقدير ممتاز في الجامعة‪ ،‬من التوظيف‪ ،‬العتقادها بأنه لم يكن‬
‫لديه متسع من الوقت لعالقات اجتماعية في أثناء دراسته الجامعية‪ ،‬وتأخ ذه مؤشرًا على ع دم‬
‫استعدّاده على المشاركة والتعاون وروح الفريق والعالقات غير الرسمية التي تساهم في اإلبداع‬
‫الجماعي واالبتكار من خالل عمل الفريق‪.‬‬
‫والجدير بالذكر هنا أن ممارسات الكثير من المؤسس ات والمنظم ات في الع الم الع ربي في‬
‫التوظيف والتعيين تخضع لتأثيرات اجتماعية تؤدي إلى الجنوح بعيدا عن ممارسات المؤسس ات‬
‫الناجحة‪ .‬وتشتكي اإلدارة من أن موظفيها يفتقدون لروح المبادرة واالستقاللية واالنتم اء وحب‬
‫العمل والروح المعنوية فضال عن حب المشاركة والتمكين‪.‬‬
‫وهذا في واقع الحال قد يعود لممارسات المؤسسة في سوء االنتقاء والتعيين‪ .‬لذلك فإن أهم مدخل‬
‫رية هي‬ ‫من مداخل إدارة الموارد البشرية هو المدخل المتعلق في االنتقاء‪ .‬وإدارة الموارد البش‬
‫‪- 195 -‬‬
‫سلسلة من العمليات المصيرية التي تبدأ بأهم حلقة في هذه السلسة وهي االنتق اء ال تي قد تع دّ‬
‫الخطوة األساسية والقاعدة المفصلية لبقية أدوات وعناصر الموارد البشرية التي تتعلق‪ :‬بالتهيئة‬
‫والتدريب وتطوير األداء وفهم قيم المؤسسة والتناغم مع النسيج االجتماعي لبقية أفراد المؤسسة‪،‬‬
‫بحيث تقوم اإلدارة بانتقاء موظفين بمواصفات تلتقي مع رؤية القي ادة والقيم والثقافة الس ائدة‪.‬‬
‫ولنعطي مثاال على ذلك‪ ،‬فهنالك بعض الن اس ممن ال يمكن أن ي ؤدي أي عمل دون إش راف‬
‫وتوجيه واضح‪ ،‬ومنهم من ال يمكنه تأدية أي واجب يحتمل التفكير المستقل‪ ،‬فهو يريد األمور أن‬
‫تكون واضحة دون أي مجال للغموض‪ ،‬وكثير من الناس من يحب أن يطلب منه أداء مهام‪ ،‬وأن‬
‫يُمنَح مع هذه المهام مرشدًا بخطوات محددة يسترشد به لتأدية العمل من أوله إلى أخره‪.‬‬
‫ومنهم بالمقابل من يتمتع بق درات شخص ية وعلمية أو فنية ال يحتمل معها المراقبة المس تمرة‬
‫واإلشراف المباشر‪ .‬هؤالء يرغبون من مديريهم أن يخبروهم عما هو مطل وب أو عن المه ام‬
‫بشكل عام ومن ثم أن يُترك لهم المجال والحرية لتأدية عملهم بالطريقة التي تناس بهم‪ .‬فالن اس‬
‫أنواع‪ ،‬وتستطيع أن تقرر بصفتك مديرًا للموارد البشرية‪ ،‬إذا توافرت الظروف المناسبة الختيار‬
‫الصنف المناسب من األفراد دون عشوائية في االنتقاء والتع يين‪ ،‬وبع دها ته ون الخط وات‬
‫الالحقة‪ ،‬فتكمل البناء على هذه القاعدة األساسية من خالل التدريب وتط وير األداء وغيرها من‬
‫أدوات الموارد البشرية المختلفة‪ .‬فإذا حصلت على موظف بجودة عالية‪ ،‬فال بد أن تحصل على‬
‫أداء مشابه وإن حصلت على موظف بجودة متدنية فال بد أن تحصل على أداء مش ابه أيضا فمن‬
‫يزرع نوعية وجودة وكفاءة فال بد أن يحصد جودة ونوعية‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬
‫تي ينجم‬ ‫أن توافر موظفين متمكنين يعتمد إلى حد كبير على قرارات التعيين ال‬
‫وخالصة القول ّ‬
‫عنها دخول من تتوافر لديهم مواصفات مناسبة ومقدمات مشجعة للتمكين‪ .‬هذه المواص فات من‬
‫الممكن التعرف عليها بشكل مباشر من خالل المقابالت وبناء معايير خاصة لالنتقاء يتم اعتمادها‬
‫في تلك المقابالت‪.‬‬

‫نافذة ‪:2‬تمكي ن الموظفي ن يعتم د عل ى تعيي ن وانتقاء‬


‫الموظفين‪.‬‬

‫‪- 196 -‬‬


‫‪-3‬األجور العالية‪:‬‬
‫تنص قوانين سوق العمل على أن ما يتقاضاه الفرد هو مقابل محدد للجهد الذي يبذله‪ .‬فال يج وز‬
‫حسب أسس سوق العمل مثال أن يتقاضى العامل أكثر من الجهد الذي يقدمه لصاحب العمل‪ .‬هذا‬
‫صحيح حسب قوانين سوق العمل‪ ،‬ولكن إذا أرادت منظمة ما أن تنتقي أفرادًا بنوعيات متم يزة‪،‬‬
‫وتريد من هؤالء أن يس تمروا في العمل معها ليص بحوا رأس م ال حقيقي في المنظمة فعلى‬
‫المنظمة‪ ،‬أن ال تتقيد كثيرا بقوانين سوق العمل وأن تمنح موظفيها أجورا أعلى من المنافسين‪.‬‬
‫ن الرواتب العالية تجذب عددًا أكبر من المتق دمين للوظيفة كما ونوعا‪ ،‬وه ذا يس اعد إدارة‬
‫أل ّ‬
‫الموارد البشرية في المؤسسة بأن يكونوا أكثر انتقائية‪ .‬واالنتقائية مهمة ج دا في الوص ول إلى‬
‫العاملين المرشحين لتحمل مسؤولية أكبر وقدرة على العمل النوعي بكفاءة واقتدار وروح مبادرة‬
‫ور‪ .‬ودفع رواتب‬ ‫وتمكين‪ .‬وتتمكن من انتقاء من لديهم االستعدّاد األكبر للتدرّب والتعلم والتط‬
‫تغل‬ ‫أعلى يساهم في المحافظة على األفراد من ترك العمل والتسرب إلى المنافسين‪ .‬وربما تس‬
‫اإلدارة منح رواتب أعلى برسالة ضمنية مصاحبة ترتبط بقيمة الموظ ف‪ ،‬أي أن المؤسسة تثمن‬
‫عالياً أفرادها فتعطيهم رواتب أعلى من المنافسين‪.‬‬
‫الكثير من المؤسسات تدفع لموظفيها رواتب متدنية على فرضية مفادها‪ :‬أن تقليل األجور يؤدي‬
‫مباشرة إلى تقليل تكاليف العمل‪ ،‬علما بأن تكاليف العمل ليست محصلة لتكاليف األجور فحسب‪،‬‬
‫بل هي محصلة لمستوى إنتاجية العاملين أيضا‪ .‬فمثال شركة نيو يونايتد موتور(‪New United‬‬
‫‪ )Motor‬وهي عبارة عن التحالف بين كل من جنرال موت ورز وش ركة تويوتا في كاليفورنيا‬
‫تدفع هذه الشركة لموظفيها أجورًا أعلى من األجور التي يدفعها المنافسون في مختلف ش ركات‬
‫صناعة السيارات في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ومع ذلك فتكاليف العمل (‪ )Labor Costs‬في‬
‫ل‪.‬‬ ‫هذه الشركة أقل من المعدل العام في صناعة السيارات؛ بسبب ارتفاع مستوى إنتاجية العام‬
‫نتيجة لزيادة أجور العاملين‪:‬‬
‫ً‬ ‫وقد أكد )‪ Pfeffer (1994‬على الفوائد اآلتية‬
‫زيادة مستوى الرضا الوظيفي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫زيادة مستوى اإلنتاج‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫زيادة مستوى االنتماء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تقليل معدل دوران العمل ( ‪reduction in the labor turnover‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪.)levels‬‬
‫زيادة ربحية المؤسسة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪- 197 -‬‬


‫يذهب الكثير من المديرين عندما تشتد األمور بمؤسساتهم وتضيق أحوالها االقتصادية إلى أسهل‬
‫األمور من الناحية الظاهرية‪ ،‬وهو تخفيض رواتب العاملين بصورة مباشرة‪ ،‬أو غ ير مباش رة‬
‫عبة‪.‬‬ ‫متجاهلين وجود نواحي أخرى ربما تساعدهم بشكل أكبر على مواجهة تلك الظروف الص‬
‫ولكن هذه النواحي األخرى تتطلب من المديرين شيئا من التفاني واإلخالص والشجاعة وط رح‬
‫المصالح الذاتية جانبا مقابل المصلحة العامة واألهداف الطويلة الم دى للمؤسس ة‪ .‬وهي تتعلق‬
‫بتوسيع قاعدة المشاركة وتحمل المسؤولية على نطاق المؤسسة كلها‪ ،‬وكل مستوى حسب مستواه‬
‫املين‬ ‫ونطاق المشاركة الممكن المساهمة بها من قبل ذلك المستوى‪ .‬وبدال من خفض أجور الع‬
‫كما ونوعاً؛ ألن تخفيض‬
‫اج ً‬ ‫فال بد من التفكير اإلداري الخالق في كيفية تحسين مستويات اإلنت‬
‫تويات اإلنتاجية‬ ‫أجور العاملين كما أشرنا سابقا ال يعني تخفيض نفقات العمل ولكن تحسين مس‬
‫كما ونوعا لن يؤدي إال إلى زيادة األرباح وبالتالي خفض التكاليف‪.‬‬
‫االت إلى‬ ‫والخطورة التي تكمن في خفض األجور بقصد خفض النفقات تؤدي في كثير من الح‬
‫تكوين مشاعر سلبية لدى الموظفين‪ ،‬وحاالت من االستياء الجماعي الذي ي ؤدي إلى ن وع من‬
‫ديد‬ ‫اإلجماع غير المعلن على تقليل مستويات إنتاجيتهم‪ .‬وقد يعمد المديرون إلى المراقبة والتش‬
‫على كميات اإلنتاج ومستوياته‪ ،‬ولكن من غير الممكن ضبط نوعية األداء وخاصة في األعم ال‬
‫دمات‬ ‫داخليا لخلق نوعية أفضل‪ ،‬وهذا ينطبق بشكل خاص على قطاعات الخ‬
‫ً‬ ‫التي تتطلب ً‬
‫دافعا‬
‫التي تعتمد فيها نوعية الخدمة بشكل أساسي على مدى استعدّاد مقدم الخدمة (الموظف الذي يحتك‬
‫بشكل مباشر بالزبائن)‪ .‬فكثيرا ما يذهب المرء إلى مؤسسات خدمية مثل البن وك ويخ رج منها‬
‫ير‬ ‫وهو يشعر باإلحباط الذي قد يؤدي إلى البحث عن بنك بديل نتيجة لتعامل الموظف بشكل غ‬
‫الئق‪ ،‬يؤدي إلى تدني نوعية الخدمة في نظر الزبون‪.‬‬
‫قد يكون هذا حكمًا ظاهريًا ولكن قد تكمن في أعماق المشكلة أس باب تع ود إلى تعامل اإلدارة‬
‫السلبي مع العاملين الذي ينعكس على تعاملهم مع الزبائن‪ ،‬وقد يقوم مندوب المبيعات مثال بتقديم‬
‫الخدمات للزبائن بشكل سيء وبشكل يومي دون أن يكتشف الم دير ذلك‪ ،‬وح تى لو ك ان لديه‬
‫المعرفة فقد ال يتمكن من تغيير األمر‪ ،‬إال إذا تم تعدّيل وتغيير الكيفية التي تتعامل بها اإلدارة مع‬
‫الموظفين من نظم للحوافز والرواتب واألجور والمكافآت وغيرها‪.‬‬

‫نافذة ‪ : 3‬األجور العالية تساعد العاملين على التمكين ومقتضيات التمكين‪.‬‬

‫‪- 198 -‬‬


‫‪-4‬الحوافز‬
‫ال يمكن اعتبار الحوافز المادية هي كل شيء‪ ،‬فهنالك أيضا حوافز معنوية مثل المساواة والعدالة‬
‫والتقدير الشخصي‪ .‬هذه األمور قد يهتم بها الموظف وخاصة في ال دول العربية أك ثر منها في‬
‫الدول الغربية؛ ألن العربي عنده ثقافة وتربية ترتبط بالتقدير واالح ترام والمش اعر أك ثر من‬
‫الغربي الذي يهتم بشكل أكبر في األمور المادية‪ .160‬وعندما نتح دث عن العدالة والمس اواة في‬
‫العمل فإنه من العدالة أيضا أن الناس الذين يتحملون مسؤولية أكبر في تحقيق أداء أكبر وربحية‬
‫ذهب المكاسب الناجمة عن أداء‬ ‫أعلى أن يحصلوا على نصيب من المكاسب والمنافع‪ .‬فعندما ت‬
‫الموظفين وإنتاجيتهم ووالئهم وانتمائهم وجهدهم اإلضافي‪ ،‬للمس اهمين أو لإلدارة العليا‪ ،‬ف إن‬
‫العاملين سينظرون إلى هذه الممارسات بنظرة الريبة والشك ويعتقدون بأنها ممارس ات غ ير‬
‫عادلة مما يؤدي حتما إلى تقليل ذلك الجهد الذي يبذلونه‪.‬‬
‫ومن أفضل أنواع الحوافز تلك التي ق امت بتطبيقها ش ركة ‪ Lincoln Electric‬من خالل‬
‫ركة من أجل‬ ‫المكافآت (‪ )Bonuses‬المرتبطة باألداء والتي تمنح للموظفين حسب ربحية الش‬
‫روا‪ .‬وتعتمد‬ ‫تشجيع الموظفين على االنتماء للشركة كلَها‪ ،‬فإن ربحت ربحوا وإن خسرت خس‬
‫المكافآت أيضا على االستحقاق الذي يعتمد بدوره على أربعة أشياء‪:‬‬
‫استقاللية الموظف‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫جودة األداء‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫نتائج األداء‬ ‫‪‬‬

‫قدرة الموظف على المساهمة في تقديم األفكار والمقترحات‬ ‫‪‬‬


‫وقدرته على التعاون‪.‬‬
‫ومن أهم الحوافز التي يمكن أن تساهم في تعزيز أداء العاملون ما يعرف ببرامج المش اركة في‬
‫الربح ( ‪ )Profit sharing programs‬وبرامج المشاركة في المكاسب (‪Gain Sharing‬‬
‫افي بتخفيض‬ ‫‪ )plans‬والمشاركة في المكاسب تكون عندما يساهم العاملين من خالل جهد إض‬
‫النفقات أو زيادة األرباح عن الحد المتوقع‪ ،‬وقد بينت األدبيات ذات العالقة في الحوافز بأن هنالك‬
‫عالقة طردية بين اإلنتاجية وهذا النوع من الح وافز‪ .161‬ومعظم دراس ات الحالة بينت نت ائج‬
‫مشابهة من حيث العالقة اإليجابية بين تحسّن األداء بعد استخدام برامج الحفز بواسطة المشاركة‬
‫في الربح أو المشاركة في المكاسب‪ .‬وهذا له عالقة بتمكين الموظف ومنحه شعورا بأنه ش ريك‬
‫وليس مجرد مستخدم‪ ،‬وهذا الشعور يساهم في تعزيز تحمل المسؤولية لدى العاملين ويتولد لديهم‬

‫‪- 199 -‬‬


‫إحساس أن المؤسسة هي مؤسستهم وأنهم يمتلكون زمام المبادرة في كثير من الح االت عن دما‬
‫تتولد لديهم هذه المشاعر التي ستساهم حتما في زيادة إنتاجيتهم وتحسين أدائهم وخاصة من ناحية‬
‫الكيف وليس الكم(‪.)Daft, 1997‬‬

‫نافذة ‪ :4‬التمكين يعني بذل جهد إضافي في تحمل مزيد من المسؤولية وقبول‬
‫مبدأ المحاس بة‪ ،‬وم ن يبذل جهدًا إضافيًا‪ ،‬ويقب ل بالمس اءلة والمحاس بة وتحم ل‬
‫المس ؤولية ينبغ ي أ ن يشع ر بوجود مقاب ل‪ ،‬والمقاب ل ه و الحواف ز وخاص ة‬
‫المعنوية‪.‬‬

‫‪-5‬الموظف المالك (‪)Employee Ownership‬‬


‫ومالكا في الشركة التي يعمل بها‪ .‬ومن أهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مساهما‬ ‫هنالك فوائد وإيجابيات عندما يكون الموظف‬
‫روف‬ ‫هذه اإليجابيات سد الفجوة بين الموظفين من جهة‪ ،‬والمساهمين من جهة أخرى‪ .‬في الظ‬
‫التقليدية فإن إدارة الشركة عادة تستغل الموظفين لصالح المساهمين وتعظيم أسهمهم ومكاس بهم‬
‫تركة مع‬ ‫المالية‪ ،‬ولكن عندما يتحول الموظفون إلى مساهمين أيضا‪ ،‬فهنا تصبح مصالحهم مش‬
‫المساهمين وليست متناقضة معهم‪ ،‬مما يؤدي إلى وحدة في الرؤية والهدف‪ ،‬وضبط للصراعات‬
‫التي قد تنجم عن التناقض في المصالح‪.‬‬
‫من ناحية أخرى فإن تحويل الموظفين إلى مالكين بشكل أو بآخر‪ ،‬يشكل لديهم تحوال في التفكير‬
‫وفي السلوك وفي الممارسة‪ ،‬وتتحول بشكل خاص رؤيتهم للمؤسسة على أساس الرؤية الطويلة‬
‫المدى بتبني استراتيجيتها وأهدافها الحقيقية وسياساتها المالية ويتك ون ل ديهم مش اعر دفاعية‬
‫بدفاعهم عن مؤسستهم ورفع مستويات االنتماء إليها ضد أي عمليات هجومية من الخارج وضد‬
‫أي محاوالت لالستيالء أو السيطرة أو الشراء من قبل جهات خارجية‪.‬‬
‫ومن المزايا التي تتحقق على أرض الواقع في العديد من الشركات اليابانية التي تس تخدم ه ذا‬
‫األسلوب‪ ،‬تتمثل في تحسين العالقات بين الموظفين والمديرين‪ ،‬والش عور بمن اخ ُأس ري بين‬
‫العاملين والموظفين‪ ،‬وتحسين مستويات المشاركة والتمكين وتحمل المس ؤولية‪ ،‬ال تي تق ترن‬
‫بالتمكين والتفويض‪ ،‬حيث يشعر الجميع بأنهم في مركب واحد يس اهمون جميعا في المش اركة‬

‫‪- 200 -‬‬


‫الجماعية نحو أهداف مشتركة وغايات محددة‪ .‬وهذا يس اهم أيضا في المحافظة على األي دي‬
‫العاملة‪ ،‬للبقاء في العمل على المبدأ الياباني في العمل مدى الحياة (‪.)Lifetime Employment‬‬

‫نافذة ‪ :5‬ال يوج د م ن ه و أحرص عل ى العم ل م ن ص احب العم ل فكي ف إذا كان‬
‫الموظف صاحب العمل أو صاحب الفكرة أو على األقل‪ ،‬شريكًا‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫‪-6‬تدفق المعلومات‬
‫إن النقاط السابقة ال تكفي دون تدفق للمعلومات‪ ،‬وإن المشاركة في األسهم‪ ،‬وش عور الع املين‬
‫بالملكية في النقطة السابقة يع دّ أصال على أنه ح افز‪ ،‬ودافع ق وي للمش اركة في المعلومة‪،‬‬
‫والمعلومة كما ذكر في مواضع أخرى من الكتاب هي مصدر قوة لصاحبها‪ ،‬تمنحه نوعا من الثقة‬
‫والمعنوية العالية والقدرة على التحكم بمهام العمل بشكل أفضل والتمكن من المشاركة في اتخ اذ‬
‫القرار بشكل أكفأ‪ .‬فمن ال يمتلك المعلومات الكافية ال يمكنه اتخاذ القرار السليم‪.‬‬
‫فالمشاركة في المعلومات في شركة لنكولن الكترك (‪ )Lincoln Electric‬ميزة يحصل عليها‬
‫جميع الموظفين دون استثناء‪ ،‬والمعلومات التي يتشاركون بها معلومات مالية‪ ،‬ومعلومات تتعلق‬
‫بمركز الشركة في السوق باستخدام وسائط اتصال مكتوبة‪ ،‬وشفوية لنقل تلك المعلوم ات‪ .‬وفي‬
‫شركة ليفاي ستراس (‪ )Levi Strauss‬تم وضع نظام لتحسين النوعية مصاحبا لنظام المشاركة‬
‫في المكاسب (‪ )Gain Sharing‬وكانت النتائج ممتازة جدا‪ .‬وخالل س تة ش هور اس تطاع‬
‫الموظفون االستجابة بشكل إيجابي‪ ،‬أي أنهم فهموا واستوعبوا النظام بكل وضوح وشفافية‪ .‬وهذه‬
‫الشفافية والفهم كانا مهمين إلنجاح النظام الذي تم تطبيقه‪ .‬وقد كان السبب في فشل هذا النظام في‬
‫مواقع أخرى يتمثل في التردد في المشاركة في المعلومة وعدم تدفقها بشكل حر بين الموظفين‪.‬‬
‫تنافسي في زمن ال مفر فيه من المنافسة فإن عليهم‬
‫ّ‬ ‫فإن كان المديرون يريدون فعال تحقيق تفوق‬
‫ان األمر‬ ‫االعتراف بأن العنصر البشري في المؤسسة هو المصدر الرئيس‪ ،‬لهذا التفوق وإذا ك‬
‫كذلك فإن على المديرين أيضا أن يعترفوا بحق الموظفين بالمعلومة التي أصبحت ضرورة حتمية‬
‫في زمن المعلوماتية لتمكينهم من القيام بمهام وظائفهم التي تساهم في تحقيق ذلك التفوق التنافسي‬
‫وتلك الميزة التنافسية‪ .‬وقد يضع بعض الم ديرين أس بابا منطقية لحجب المعلوم ات خوفا من‬
‫تسربها للمنافسين‪ ،‬في الوقت الذي تثبت التجارب أن الكثير من المعلومات التي تعدّ سرية يعرفها‬

‫‪- 201 -‬‬


‫أمس الحاجة إليها من‬ ‫المنافسون وال تخفى في حقيقة األمر إال على موظفي الشركة الذين هم ب‬
‫أجل التصرف الصحيح والقيام بمهام عملهم بوضوح وتفهم‪.‬‬
‫أما عن العالقة بين التمكين وتدفق المعلومات فقد أكدنا في مواقع مختلفة من الكت اب على أهمية‬
‫المعلومات ونشرها وتوزيعها وتدريب المرؤوسين على فهمه ا‪ .‬وه ذا كله ينظر إليه على أنه‬
‫متطلب أساسي من متطلبات التمكين‪ .‬فح تى يك ون الموظف ممكنا فال بد من حص وله على‬
‫المعلومات التي تمكنه من المشاركة في تحمل مس ؤولياته على أكمل وجه‪ ،‬وفي المش اركة في‬
‫اتخاذ القرار بشكل سليم وفي تمكينه من خدمة الزبائن بشكل صحيح وفي تمكينه من القيام بعمله‬
‫بشكل واضح وسليم‪ ،‬في زمن أص بح عمل العامل يعتمد بالدرجة األساس ية على المعلومة في‬
‫زمن تعدّ فيه المعلومات سالحًا قويًا للتميز والتفوق والقرار السديد‪.‬‬

‫نافذة ‪ :6‬المعلوم ة تعدّ س الحًا هامًا م ن أس لحة التمكي ن‬


‫والتمكن‪.‬‬

‫‪-7‬المشاركة والتمكين‬
‫كما تم التأكيد في النقطة السابقة‪ ،‬فإن المعلومة مهمة جدا لعملية التمكين التي تعدّ الجوهر األساس‬
‫وظفين على تجزئة‬ ‫لهذا الكتاب‪ .‬فمثال في الشركات اليابانية مثل شركة "تويوتا" يتم تدريب الم‬
‫المهام أو الوظائف إلى أجزائها الصغيرة‪ ،‬ويتم تدريبهم حول كيفية فهم وتحليل ه ذه األج زاء‬
‫وتحفيزهم على التفكير‪ ،‬بأفكار إبداعية حول تحسين العمليات اإلنتاجية لألجزاء أو للمنتج بصفة‬
‫كلية‪ .‬وهذا درس هام من دروس المشاركة واإلبداع واالبتك ار‪ .‬وفي ش ركة نوردس تروم (‬
‫‪ )Nordstrom‬هنالك إدارة ديموقراطية تشجع المرؤوسين على تقديم اقتراحاتهم وأفكارهم‪ ،‬ولم‬
‫تضع هذه الشركة للموظفين من قوانين صارمة سوى ما يلي من القواعد‪:‬‬

‫وتحك‪$‬م رأي‪$‬ك ف‪$‬ي جمي‪$‬ع‬


‫"القاعدة األول‪$‬ى‪ :‬أيه‪$‬ا الموظ‪$‬ف نرج‪$‬و من‪$‬ك أ‪$‬ن تس‪$‬تخدم ص‪$‬الحياتك ّ‬
‫المواقف‪.‬‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬ال يوجد أي قواعد إضافية )‪". Pfeffer (1994‬‬

‫‪- 202 -‬‬


‫وفي لنكولن إلكتريك(‪ )Lincoln Electric‬فإن على كل موظف أن يكون مديرا وعلى كل‬
‫دير‬ ‫مدير أن يكون موظفا‪ .‬في هذه الشركة ُيمَنح أي موظف الحق في مساءلة أي موظف أو م‬
‫آخر على أسس من الموضوعية ومصلحة المؤسس ة‪ .‬للمؤسسة مجلس استش اري منتخب من‬
‫ذا المجلس يجتمع مع‬ ‫الموظفين المنتخبين من قبل أقرانهم وزمالئهم من الموظفين اآلخرين‪ .‬ه‬
‫اإلدارة العليا مرة في كل أسبوعين ولديهم الحق في مساءلة الشركة عن أي موض وع دون أدنى‬
‫تحفظ أو تردد ‪.‬ففي إحدى المرات تعرض المدير التنفيذي وهو أعلى سلطة إدارية في المؤسسة‬
‫الستجواب هذا المجلس حول ضرورة سفره بطائرة الكنكورد إلى أوروبا في مهمة ما‪ .‬وقد ق دم‬
‫المدير التنفيذي للمجلس تبريرا مقنعا‪ .‬ودون هذا التبرير كان من المستبعد أن يتمكن من الس فر‬
‫بطائرة الكنكورد‪ .‬هذا يدل على مستوى متقدم من المشاركة ال تي تفضي إلى الش عور بتحمل‬
‫المسؤولية عند الجميع‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى درجات عالية من الحرص على مصالح المؤسسة‬
‫صغيرة كانت أم كبيرة )‪.Pfeffer (1994‬‬
‫وعندما اتخذ مصنع ‪ Levi Strauss‬قرارا بشراء آليات فورك لفت (‪)Forklift Trucks‬‬
‫شارك السائقين بأنفسهم في تحديد المواصفات‪ ،‬وقاموا بالتفاوض مع الموردين وق اموا أيضا في‬
‫اتخاذ قرار الشراء النهائي‪ .‬خالل هذه العملية تمكن هؤالء الس ائقون من توف ير نفق ات على‬
‫الشركة وتأمين معدات مالئمة بشكل خاص للمشروع‪ .‬األمر الذي ما كان ليتحقق لو تمت عملية‬
‫الشراء بواسطة جهة أخرى في المنظمة‬
‫هذه األمثلة قد تتكرر في أي مؤسسة تتوافر فيها اإلدارة التي تعامل موظفيها على أساس من الثقة‬
‫التي تعتمد على التمكين والحوافز والمعلومات والمعرفة والخبرة وغيرها‪.‬‬

‫نافذة ‪ :7‬المشاركة الفاعلة هي مقوم مهم من مقومات التمكين في‬


‫المنظمات المعاصرة‪.‬‬

‫‪-8‬روح الفريق ‪ ،‬وهيكلة الوظيفة‬


‫تتمثل مزايا الهيكل التنظيمي التقليدي الهرمي في توفير الرقابة واإلشراف المباشر للتأكد من أن‬
‫الموظفين يقومون بما هو مطلوب منهم وإال فسوف يستغلون وظائفهم ويستغلون اإلدارة أيضا‬
‫‪163‬‬

‫إضافة إلى ذلك فإن الهيكل التنظيمي الهرمي يهدف إلى تحقيق مستويات عالية من التنسيق عبر‬
‫‪- 203 -‬‬
‫الوظائف المختلفة‪ .‬وحتى في المؤسسات التي تطبق ب رامج التمكين فإنها بحاجة إلى التنس يق‬
‫والض بط والرقابة؛ ألن المؤسس ات إنما هي أنظمة تق وم على مب دأ االعتمادية التبادلية(‬
‫ان أن يعمل‬ ‫تقاللية ال يعني‬ ‫ويض واالس‬ ‫‪ )Interdependency‬بين أنظمتها الفرعية والتف‬
‫الموظفون دون أي ضوابط وقيود‪.‬‬
‫هنالك بديال عن الهيكل التقليدي وهذا البديل يحقق التمكين للموظفين واالس تقاللية في أعم الهم‬
‫بيق‬ ‫على الرغم من أنه يحتفظ بمقتضيات الرقابة والتنسيق المطلوب‪ .‬ويتمثل هذا البديل في تط‬
‫عمل الفرق‪ ،‬فالناس اجتماعيون بطبيعتهم يستمدون سعادتهم من عالقاتهم االجتماعية والجماعة‬
‫عادة تشكل تأثيرا كبيرا على أفرادها‪ .‬فالفريق يك رس االنس جام من خالل قيم وتقاليد الجماعة‬
‫التي تنظم ما هو مطلوب من العمل واألداء كما ونوعا‪ .‬وهذا البديل هو ب ديل ط بيعي‪ ،‬وربما‬
‫يكون مقبوال أك ثر من الس يطرة الهرمية للنظم التقليدية‪ .164‬والفريق ال ذي تتم رعايته من قبل‬
‫تقاللية أو التمكين المناسب ألداء عمله‬ ‫اإلدارة ويتم تقديم الحوافز له هو الفريق الذي يُمنح االس‬
‫وعمل أعضائه بكل كفاءة‪ ،‬واقت دار‪ ،‬وهو الفريق ال ذي يحقق نت ائج تتج اوز ما تحققه النظم‬
‫التقليدية‪ .‬وتثبت الكثير من الدراسات أن النت ائج ال تي تتحقق من عمل الفريق الممكّن المتكامل‬
‫المتجانس هي نتائج تصفها الدراسات بأنها جي دة ج دا من ناحية الكمية والنوعية في اإلنت اج‬
‫والربحية‪.165‬‬
‫طلبت من م دير المص نع كمية من‬
‫في أحد مصانع النسيج في دولة من دول االتحاد األوروبي ُ‬
‫اإلنتاج تفوق الطاقة االستيعابية للمصنع‪ ،‬وكاد المدير يعت ذر عن الص فقة‪ ،‬ولكنه قبل أن يفعل‬
‫ظمين على شكل فرق من ‪ 20-5‬فطلبوا‬
‫جمع جميع الموظفين وعرض عليهم العرض وكانوا مَُن َ‬
‫منه مهلة لمدة أسبوع استطاعوا خاللها تقدير ما هو مطلوب من جهد إضافي وأجه زة وم واد‬
‫فعادوا بعد مدة أسبوع بتقديرات تشير إلى قدرتهم على إنجاز العمل وقالوا بصوت عال للم دير‪:‬‬
‫"نعم" نستطيع القيام بالمهمة"‪.‬‬
‫هذه المعنويات العالية لم تكن لتظهر لو كانوا فرادى أو لو ك ان التنظيم اله رمي التقلي دي هو‬
‫التنظيم المسيطر‪ .‬في هذا المثال لمصنع النسيج ع برة ودرس يمكن االس تدالل علية من عمل‬
‫الفريق وروح الفريق‪ ،‬وعندما نقول روح الفريق‪ ،‬يقصد ب ذلك تلك العالقة الخفية بين أعض اء‬
‫الفريق التي تعمل كالس حر على خلق دافعية ذاتية وروح معنوية عالية ورقابة ذاتية وإجم اع‬
‫تلقائي وعفوي‪ ،‬على ما هو مقبول وما هو غير مقبول فتصبح بمنزلة عقد معنوي تحكم تصرفات‬
‫أعضاء الفريق‪ ،‬دون الحاجة إلى قوانين مكتوبة‪ ،‬ورقابة الفريق هذه أفضل من رقابة المس ؤول‬
‫بسبب تلقائيتها وعفويتها وروح العمل الجماعي الذي هو أساسها‪.‬‬

‫‪- 204 -‬‬


‫نافذة ‪ :8‬روح الفري ق ه ي الروح الت ي تعزز روح التمكي ن ف ي المنظمات‬
‫المعاصرة‬

‫‪-9‬التدريب وتطوير المهارات‬


‫‪166‬‬
‫عطى للع املين‬
‫واألجور العالية التي يمكن أن ُت َ‬ ‫إن االستقاللية في العمل والتمكين الجماعي‪،‬‬
‫وبرامج التمكين تعتمد على مهارات العاملين وق دراتهم المعرفية‪ ،‬لكي ليتمكن وا من تحس ين‬
‫العمليات التحويلية واإلنتاجية في العمل‪ .‬إن أهم القضايا التي ينبغي أن يعتني بها الم ديرين هي‬
‫رى‪،‬‬ ‫محاولة التوافق بين التدريب ورفع مهارات الموظفين من جهة وهيكلة العمل من جهة أخ‬
‫بطرق تسمح للموظفين باستغالل ذلك التطور في مهاراتهم لصالح العمل وتحسين مس تواه‪ .‬ففي‬
‫كثير من الحاالت يحصل األفراد في المؤسسة على التدريب والمهارات التي ال تجد ما يناس بها‬
‫من وظيفة أو ممارسة داخل المؤسسة‪ ،‬فضال عن ع دم االس تفادة من المع ارف والخ برات‬
‫ؤتمرات أو‬ ‫اإلضافية التي يحصل عليها العاملون في المؤسسة والمديرين عقب الندوات أو الم‬
‫الورش التي يشاركون فيها‪.‬‬
‫ومن الطريف قوله في هذا السياق‪ :‬إنه حتى أساتذة الجامعات ال ذين كث يرا ما يش اركون في‬
‫مؤتمرات أو ندوات علمية في كثير من الجامع ات العربية‪ ،‬تج دهم يع ودون إلى جامع اتهم‬
‫وأقسامهم األكاديمية دون أن يسألهم أحد أو يفكر في كيفية تعميم المنفعة التي حص لوا عليها من‬
‫ذلك المؤتمر أو تلك الندوة‪ .‬ومن المجدي القيام في هذا الس ياق بن وع من االس تطالعات أو‬
‫الدراسات للوصول إلى أرقام دقيقة بهذا الخصوص‪.‬‬
‫ذكرنا على أية حال في مواضع مختلفة من الكتاب أهمية المعرفة وأهمية رأس الم ال البش ري‬
‫وموظف المعرفة وغيرها من مفاهيم ذات صلة‪ .‬وهنا عن دما نتح دث عن الت دريب فإنه لمن‬
‫المؤكد أن التدريب ورفع كفاءة أداء الم وظفين من أهم الس بل لكسب المعرفة وتحس ين أداء‬
‫العاملين وتنمية المواهب‪ ،‬ولكن التدريب يجب أن يكون من أجل رفع مستوى األداء كم ا ونوعا‬
‫ومن أجل كسب المعرفة‪.167‬‬
‫كما يجب أن يكون الهدف من التدريب منح الموظف مهارات متعدّدة وليست مهارة واحدة ح تى‬
‫يتمكن من العمل في مواقع مختلفة‪ ،‬وهذا يساهم بدوره أيضا في القضاء على الروتين في العمل‬
‫دد‬ ‫وما يصاحبه من ملل وسأم‪ .‬وفرصة بقاء الموظف في العمل وعدم االستغناء عنه ترتبط بع‬
‫الوظائف والمه ارات األفقية ال تي يتقنها داخل العمل‪ ،‬بحيث يمكن للموظف التن اوب((‪Job‬‬
‫‪- 205 -‬‬
‫ير الممكن‬ ‫‪ Rotation‬على مواقع مختلفة ومن موقع إلى آخر حسب الحاجة‪ ،‬علما بأنه من غ‬
‫‪ )Job‬إذا لم يكتسب الموظف على مه ارات مختلفة في‬ ‫حدوث مثل هذا التناوب (‪Rotation‬‬
‫العمل‪.168‬‬
‫ومن األمثلة على ذل ك‪ ،‬عن دما تتمكن اإلدارة من تحويل موظفيها من قسم اإلنت اج إلى قسم‬
‫المبيعات بعد أن يتم تدريبهم على مهارات البيع عندما تتناقص الحاجة إلى هؤالء الم وظفين في‬
‫قسم اإلنتاج‪ ،‬فيصبح لديهم المرونة في سد احتياج ات العمل في مواقع مختلفة اس تجابة لحجم‬
‫العمل وتذبذبه من موقع إلى آخر‪.‬‬
‫فمبدأ تدريب الموظفين على مهارات متباينة في سياق العمل الرئيس للعامل بما يسمى في اإلدارة‬
‫‪ )Job‬يساهم في استثمار األيدي العاملة في المؤسسة بكف اءة‬ ‫بتوسيع العمل (‪enlargement‬‬
‫املون في‬ ‫أكبر‪ ،‬والقدرة على التنقل في العمل من وظيفة إلى أخرى كلما اقتضت الحاجة‪ .‬فالع‬
‫ات‬ ‫قسم التصنيع في شركة مازدا اليابانية لديهم القدرة واالستعدّاد على العمل في وظيفة المبيع‬
‫بدال من تسريحهم من العمل وعادة في اليابان تتم عملية البيع من بيت إلى بيت‪ ،‬وفي نهاية العام‬
‫تمنح الشركة جوائز ألفضل البائعين‪ ،‬وقد تبين أن أفضل عشرة بائعين في إح دى الس نوات قد‬
‫كانوا من أولئك الذين كانوا يعملون بالمصنع سابقا‪ .‬والسبب في ذلك أنهم كانوا أقدر على ش رح‬
‫مواصفات المنتَج للزبائن بشكل أفضل من مندوبي المبيعات األصليين‪ ،‬وذلك من واقع خ برتهم‬
‫في عمليات اإلنتاج‪.‬‬
‫ن اإلدارة يجب عليها التغيير من المنهج التقلي دي في الت دريب إلى‬
‫ومحصلة ذلك وخالصته أ ّ‬
‫المنهج الحديث الذي يتسم بالمرونة من خالل تدريب الم وظفين على مه ارات متع دّدة بحيث‬
‫تعطي للموظف مرونة أكبر ومعرفة أوسع ومهارات متنوعة تمكنهم من التكيف بش كل أك بر‬
‫واالستجابة بمرونة أفضل مع متطلبات العمل المتغيرة والمتقلبة مع التغيرات والتقلب ات ال تي‬
‫تشهدها األسواق في الوقت الحاضر‪.‬‬

‫نافذة ‪ :9‬تدري ب الموظفي ن يعن ي زيادة معرفته م وزيادة معرفته م تعن ي زيادة‬
‫تمكينهم‪.‬‬

‫‪- 206 -‬‬


‫‪ .10‬المساواة االجتماعية ‪Social Equality‬‬
‫إن المساواة االجتماعية هي من أهم مقومات التمكين والمش اركة في عملية اتخ اذ الق رار في‬
‫المؤسسة‪ .‬فالرموز التي تصنع بها المؤسسات حواجز بين أفرادها ت ؤدي إلى ض عف انتم اء‬
‫الموظفين ألي برنامج من برامج التطوير أو التغيير التي ترغب اإلدارة بتنفيذه‪ .‬وإنه لمن غ ير‬
‫المستغرب أن تقوم بعض المؤسسات التي تتم يز عن غيرها بتحقيق م يزة تنافس ية من خالل‬
‫أفرادها بتطوير أشكال متعدّدة من الرموز والشعارات التي تعبر من خاللها عن مستوى المساواة‬
‫االجتماعية الذي تطبقه‪ .‬ففي شركة‪ United Motor Manufacturing‬تم إلغاء الكافتيريا‬
‫الخاصة بالمديرين التنفيذيين فالكل يأكل في نفس المك ان والكل يرت دي نفس ال زي وال يوجد‬
‫مواقف سيارات محجوزة لمصلحة كبار المدريرين في الشركة‪ .‬ويغلب االتصال غير الرس مي‬
‫بين المستويات اإلدارية لتحقيق التفاعل المنتظم والمتبادل دون الحواجز الرسمية التي قد تكرس‬
‫الفوارق الطبقية بين المستويات المختلفة‪.‬‬
‫هذا الواقع الذي يعزز المساواة ويعزز عدم الشعور بقيود الفوارق بين المستويات المختلفة يعطي‬
‫داللة مهمة ورسالة قوية تنم عن قوة العالقة والتناسق واالنسجام بين الجميع‪ ،‬وهذا بدورة يساهم‬
‫في التدفق الحر للمعلومات دون وجود أسرار ودون وجود أي مبرر لإلشاعة أو نشر معلوم ات‬
‫مغلوطة؛ ألن التواصل المستمر يقوض أي تواجد لإلشاعة أو المعلومات المضللة‪.‬‬
‫وهناك محاوالت لدى بعض المستويات لتعزيز المساواة االجتماعية على أعلى صورها‪ ،‬لدرجة‬
‫أن تصميم المكاتب وبناءها ينبغي أن يتم بصورة تعطي رسالة عن ع دم وج ود أي ن وع من‬
‫الفوارق االجتماعية بين الجميع وأن الجميع سواسية ويعملون نحو هدف واحد‪ .‬بذلك تكون جميع‬
‫المكاتب في طابق واحد وبشكل شفاف ومفتوح وال يقبع المدير العام في ب رج ع اجي في أعلى‬
‫طابق في المؤسسة وإنما كأي موظف آخر له مكتب إلى جانب بقية الموظفين‪.‬‬
‫قد تبدو هذه الصورة مثالية إلى درجة غير واقعية‪ ،‬ولكن إذا نظرنا بشكل تك املي إلى النم اذج‬
‫التي عرضناها في هذا الباب مجتمعة ومتداخلة ويعتمد بعضها على بعض‪ ،‬فإننا سندرك عن دها‬
‫ون وتويوتا‬ ‫سرّ ما تقوم به الشركات الغربية واليابانية مثل مايكروسوفت وجونسون آند جونس‬
‫وجنرال إلكترك و ‪ 3M‬و‪ South West Airlines‬والكثير من الشركات اإلسكندنافية‪ .‬وإذا ما‬
‫أمعنا النظر في هذه الش ركات وغيرها نجد أن تط بيق مش روع المس اواة االجتماعية واقعا‬
‫ونموذجا واقعيا وليس مثاليا إلى مستوى خيالي‪ .‬وهذا بدوره سيساهم بشكل كبير في توفير أسلحة‬
‫جبارة بيد المؤسسات نحو تحقيق الميزة التنافسية ال بواسطة أح دث وس ائل التكنولوجيا وإنما‬

‫‪- 207 -‬‬


‫بواسطة البشر‪ .‬عندها يتولد لدى هؤالء البشر دافعية نحو التمكين والمشاركة وتحمل مس ؤولية‬
‫المؤسسة جنبا إلى جنب مع اإلدارة‪.‬‬

‫نافذة ‪ :10‬المس اواة االجتماعي ة تس اهم ف ي تعزي ز مفهوم وممارس ة التمكي ن‬


‫لجميع العاملين دون أن يكون هنالك نفوذ وتمكين على أساس طبقي أو هرمي‬
‫وإنما على أساس الكفاءة وتميز األداء‪.‬‬

‫‪ .11‬تقليل الفرق في األجور (‪)Wage Compression‬‬


‫إن تقليل الفوارق الطبقية من أجل تحقيق المساواة االجتماعية يمكن تعزيزها من خالل خط وات‬
‫مقنعة للموظفين مثل فوارق األجور والرواتب بين المس تويات اإلدارية المختلف ة‪ .‬فمن غ ير‬
‫اواة االجتماعية في المؤسسة‪.‬‬ ‫الممكن إقناع المرؤوسين بّنية اإلدارة وتوجهها نحو تطبيق المس‬
‫والفوارق في األجور يكاد يكون في بعض األحيان خياليًا ينتج عنه تفاوت كبير جدا في مستويات‬
‫ذا‬ ‫المعيشة ألناس يعملون تحت سقف مؤسسة واحدة‪ .‬فتدل األرقام على معدالت مزعجة في ه‬
‫الخصوص‪ ،‬فمثال معدل الفرق في بعض المنظم ات‪ ،‬في ال رواتب بين أقل موظف‪ ،‬والم دير‬
‫التنفيذي يساوي دوالرًا واحدًا للموظف العادي إلى ‪ 419‬دوالر للمدير التنفيذي‪ ،‬أو المدير العام‪،‬‬
‫وهو أعلى منصب إداري‪ .‬هذا الفرق من غير المنطقي أن يصنع لدى الفرد الذي يتقاضى دوالرًا‬
‫واحدًا‪ ،‬ومديره يتقاضى مقابل ذلك الدوالر ‪ 419‬ضعفا‪ ،‬أي نوع من أنواع الش عور بالمس اواة‬
‫والعدالة‪.‬‬
‫وضغط تفاوت األجور (‪ )Wage Compression‬ال يعني تجاهل التفاوت في مستوى الكفاءة‬
‫اءة‬ ‫بين الموظفين فتقوم المؤسسات المعاصرة الناجحة بتحفيز الموظفين على رفع مستوى الكف‬
‫من خالل ربط الحوافز والمكافآت باألداء والتميز واإلبداع واالبتكار الذي حتما يتف اوت ل دى‬
‫البشر‪ .‬هذا وعندما تتداخل المهام‪ ،‬بمعنى أن يعتمد بعضها على بعض‪ ،‬فتزداد أهمية التعاون من‬
‫أجل تحقيق نتائج جيدة عندها فإن ضبط التفاوت في األجور سيساهم في زيادة التعاون والتنسيق‬
‫ويقلل حدة الصراع ويؤدي إلى رفع مستويات الكفاءة في العمل‪.‬‬
‫ونظرة سريعة إلى األرقام نجد في المعدل ما يتقاضاه أعلى مسؤول يزيد بنس بة ‪ %58‬عن أقل‬
‫موظف في الواليات المتحدة األمريكية و ‪ %31‬في ألمانيا ولكن في اليابان أقل بكثير فتصل إلى‬
‫‪- 208 -‬‬
‫‪ %13‬بين أعلى مسئول وأقل موظف‪ .‬وهذا يش جع الب احثين في ال دول العربية على محاولة‬
‫تحري إحصائيات مماثلة للتعرف على واقع الفروق ات وآثارها على أف راد المنظمة من ناحية‬
‫الكفاءة والفاعلية في األداء واإلنتاجية‪.‬‬
‫في اليابان مثال الوظيفة متعدّدة المهام في نفس المؤسسة وهذا يسهل حركة الموظفين من وظيفة‬
‫إلى أخرى دون أن تت أثر رواتبهم وأج ورهم لدرجة أن ه ذه الحركة بين الوظ ائف المختلفة‬
‫مرغوبة لدى الموظفين ويتنافسون للحصول عليها‪ ،‬ألنها تؤدي إلى تدفق حر للمعلومات وتن وع‬
‫في المعرفة والمهارة وتقليل في تفاوت األجور بين الوظ ائف أفقيا وعمودي ا‪ .‬ومن المؤكد أن‬
‫المؤسسة ذات الثقافة القوية والتي تطمح بانتماء ووالء الكل لرؤية المؤسسة ورسالتها ستعمد إلى‬
‫تقليل فوارق األجور من أجل إيجاد مشاعر العمل الجماعي أو الشعور بأن المؤسسة بمنزلة أسرة‬
‫متعاونة بهدف واحد ومصير مشترك وثقافة قوية وقيم مشتركة‪.169‬‬

‫نافذة ‪ :11‬تقلي ل فروقات األجور تعزز الميزة التنافس ية م ن خالل موظفي ن‬


‫يتمتعون بروح تعاوني ة عالي ة ودافعي ة واضح ة‪ ،‬م ن خالل الشعور بملكي ة‬
‫الوظيفة‪ ،‬وحرية التصرف والمشاركة الفاعلة‪ ،‬وحب العمل‪ ،‬والشعور بالتمكن‬
‫الداخلي‪ ،‬بدال من الرقابة الخارجية‪.‬‬

‫‪ .12‬الترقية من الداخل (‪)Promotion From Within‬‬


‫اغرة من خالل‬ ‫الترقية من داخل المؤسسة هي عملية اعتماد المؤسسة على شغل الوظائف الش‬
‫ترقية الموظفين وإحاللهم بهذه الوظائف الشاغرة من الداخل بدال من استقطاب أفراد من خ ارج‬
‫المؤسسة‪ .‬وهذا يشجع الموظفين على اإلقبال على ب رامج الت دريب والتط وير أمال بالترقية‬
‫المرتقبة‪ .‬وتساعد عملية الترقية من الداخل على المشاركة والتمكين ألنها تعزز ميزان الثقة بين‬
‫أفراد المؤسسة واإلدارة‪ ،‬وتعزز أيضا مستويات التعاون والتنسيق بين الجميع‪ .‬كما تساهم عملية‬
‫الترقية من الداخل بدال من اإلحالل الخارجي على زيادة انتماء الموظفين لتوجه ات وب رامج‬
‫التغيير لدى اإلدارة بسبب شعور الموظفين بأنهم لهم قيمتهم وأهميتهم وأن اإلدارة تنظر لهم على‬
‫أنهم من أهم عناصر العملية اإلنتاجية‪.‬‬
‫ما يعزز الترقية الداخلية وجود الكف اءة والمعرفة والمه ارة المتنوعة والمتج ددة‪ .‬ففي بعض‬
‫المؤسسات ال يوجد برامج لدى اإلدارة لتدريب الموظفين بشكل مس تمر أو تنمية ق دراتهم على‬

‫‪- 209 -‬‬


‫مواقع متعدّدة من العمل فيبقى العامل أو الموظف طيلة فترة حياته المهنية يعمل في نط اق عمل‬
‫محدود جدا بدافع أهمية التخصص في العمل التي يفهمها البعض بشكل مغل وط‪ .‬فهي ال تفي ده‬
‫عندما ال تنطوي على إضافة أي معارف أو مهارات إضافية من ق ريب أو بعيد فتص بح عملية‬
‫إعادة انتشار هؤالء في غاية الصعوبة‪ ،‬مما يصبح عبئا على المؤسسة فتفكر اإلدارة في تس ريح‬
‫روتين‬ ‫هؤالء أو إحالتهم على التقاعد المبكر‪ ،‬أو على األقل بقائهم في أماكنهم عرضة للملل وال‬
‫وعدم التجديد وكسب معارف ومهارات جديدة‪.‬‬
‫دة ومتنوعة في زمن المنظمة‬ ‫لذلك فإن الموظف الذي تساعده اإلدارة على كسب مهارات جدي‬
‫المتعلمة فإن هذا الكسب المع رفي يس اعد المؤسسة على تجديد دمائها وطاقاتها داخليا من قبل‬
‫أفراد يمتلكون مقوم ات المعرفة واالنتم اء والتكيف مع الثقافة الس ائدة والتكيف االجتم اعي‬
‫درجات الجامعية‬ ‫والوظيفي‪ .‬ففي شركة ‪ Nordstrom‬مثال يبدأ العاملون حتى من أصحاب ال‬
‫العالية حياتهم في المؤسسة بالعمل في أقسام المبيعات‪ ،‬ومن هذه األقسام ينطلق الموظفون ح تى‬
‫ائف‬ ‫يصلوا إلى أعلى المراكز في الشركة‪ ،‬وعندما تفتتح الشركة متجرا جديدا فإنها تعبئ الوظ‬
‫الشاغرة له من المتاجر األخرى‪ .‬وهذا يمكّنهم من خالل خبراتهم السابقة من التسريع في إنجاح‬
‫المتجر الجديد وإكسابه نفس الثقافة والتميز المكتسب في الفروع األخرى‪.‬‬
‫ومن الجدير ذكره هنا بأن عملية الترقية من الداخل ينبغي أن تُعزز بدماء جدي دة من خ ارج‬
‫المنظمة بين الحين واآلخ ر‪ ،‬ألن االعتم اد على الترقية من ال داخل قد ال يكفي لسد حاج ات‬
‫ارب‬ ‫المنظمة على المدى الطويل فضال عن حاجة المنظمة لخبرات وطاقات بشرية تتمتع بتج‬
‫متطورة ربما ال تتوافر عليها المنظمة في الداخل‪ .‬ويتطلب هذا حسن االختيار الذي تم اإلش ارة‬
‫له في البند الثاني أعاله وأن تتجنب المنظمة الممارسات السلبية في التعامل مع مواردها البشرية‪.‬‬

‫نافذة ‪ :12‬الترقي ة م ن الداخ ل تعزز الثق ة بم ن ه م ف ي الداخ ل وتس اهم ف ي‬


‫تشكيل مقومات تمكينهم بأنفسهم‪.‬‬

‫الممارسات السلبية في إدارة الموارد البشرية‬


‫هنا نذكر عدد من الممارسات السلبية التي قد تساهم في تخلف المنظمات عن المس توى ال ذي‬
‫وصلت له المنظمات الناجحة التي حققت الميزة التنافسية من خالل الطاقات البشرية الفاعلة‪:‬‬
‫‪ .1‬األنظمة األبوية والفوارق السلطوية‪ :‬هذه سمة العديد من المؤسس ات البيروقراطية‬
‫حيث سياسة "أنا أعلم وأنت ال تعلم" أو سياسة "األب‪ -‬الطفل (‪Parent-Child‬‬
‫‪- 210 -‬‬
‫‪ .)policy‬ينجم عن مثل هذه األنظمة تربية مرؤوسين يشعرون بالعجز ويستسلمون‬
‫وف من الخطأ والتجربة‪،‬‬ ‫لإلحباط والخوف من المسؤول والخوف من التعلم والخ‬
‫ويشعرون بالفجوة الكبيرة بينهم وبين القيادة‪ ،‬فتتقوض الثقة وتغلق منافذ المعلومات‬
‫بين الطرفين وتسود حالة ال تربص والح ذر من كال الط رفين وينع دم األم ان‬
‫واالطمئنان (‪.)Argyris, 1998‬‬
‫‪ .2‬العجز المعرفي‪ :‬المعرفة والمهارة تأتي من مصادر مختلفة وأهم ه ذه المص ادر‬
‫التدريب‪ .‬فالمشكلة التي تؤدي إلى العجز في ميزان المعرفة غياب عملية التدريب‪.‬‬
‫ولكننا نجد في عالمنا العربي توجهًا متزايدًا نحو التدريب‪ ،‬وهذا ش يء طيب ج دا‪،‬‬
‫ولكن البعض ما زال يعاني من عجز في المعرفة على الرغم من الزي ادة الملموسة‬
‫في موازنات التدريب‪ ،‬وقد يعود السبب إلى الترك يز على الت دريب من حيث الكم‬
‫وليس الكيف‪ .‬وبعض الدورات التدريبية وخاصة في القطاع الحكومي يتم التنس يب‬
‫لها دون تخطيط ودون تحديد رغبات واحتياجات المرؤوسين وقد يك ون الت دريب‬
‫بالنسبة للمتدرب " شرًا ال بد منه" كما أشار الكثير من المتدربين الذين أش رف على‬
‫تدريبهم الكاتب‪ ،‬ومنهم من يشكو من التك رار في نفس المعلوم ات التدريبية دون‬
‫جدوى‪ ،‬ومنهم من يقول " بدال من أن تك ون ال دورة التدريبية مكاف أة فهي عقوبة‬
‫وخاصة عندما ننتظم بها بعد الدوام في المؤسسة"‪ .‬وقد يشمل العجز أيضا‪ ،‬العناصر‬
‫اآلتية‬
‫‪ .3‬العجز في ميزان الثقة‬
‫‪ .4‬العجز في ميزان المكافآت والحوافر‬
‫‪ .5‬العجز في ميزان المعلومات واالتصال‬
‫‪ .6‬تكريس العالقات الجهوية والشخصية على حساب المصلحة العامة‪.‬‬
‫‪ .7‬غياب المأسسة وتغلل الفؤية‪.‬‬
‫تويات اإلدارية وتقليص‬ ‫‪ .8‬الترهل اإلداري وعجز اإلدارة الوسطى وزيادة عدد المس‬
‫نطاق اإلشراف‪.‬‬

‫‪- 211 -‬‬


‫الخالصة‪:‬‬
‫مما سبق يتبين أهمية العنصر البشري والطاقات البشرية الكامنة في ص نع التم يز والتف وق‬
‫لمنظمات األعمال في زمن لم تعدّ فيه المزايا المادية بمختلف أش كالها مص ادرا هامة للم يزة‬
‫التنافسية‪ .‬وإذا أردنا أن نتعامل مع العنصر البشري على أنه رأس مال بشري فال بد من إحداث‬
‫تحوالت جوهرية في إدارة العنصر البشري كما حدث ذلك فعالً في واقع المنظمات الناجحة‪.‬‬
‫ياته‬ ‫وال بد من تغيير النظرة للعنصر البشري بما يتناسب مع القرن الحادي والعشرون ومقتض‬
‫المعاصرة من أجل تحقيق الميزة التنافسية بواسطة الطاقات البش رية الكامنة في زمن الث ورة‬
‫المعرفية والمعلوماتية‪ .‬فيتبين مما سبق بأن العنصر البش ري هو من أهم العناصر ال تي تحقق‬
‫ميزة تنافسية مستديمة‪ ،‬فالميزة التنافس ية ال تي تتحقق من خالل العناصر المادية والتكنولوجية‬
‫األخرى قد ال تؤدي إلى ميزة تنافسية دائمة كما هو الحال من خالل العنصر البش ري الفاع ل‪،‬‬
‫مان مجموعة‬ ‫وخاصة عندما يتوافر له الظروف واإلدارة المناسبة التي تعمل على تحقيق وض‬
‫متكاملة مترابطة من العناصر الهامة في إدارة الموارد البشرية‪ .‬ومن أهم ه ذه العناصر ال تي‬
‫وردت في هذا الفصل‪:‬‬
‫األمان الوظيفي وحسن انتقاء العاملين ووضع األجور المناسبة والكافية والحوافز ال تي تبعث‬
‫الحماس في نفوسهم وتدفق المعلومات ورفع فاعلية عملية االتصال وتب ادل المعلوم ات وروح‬
‫الفريق والتدريب وتطوير المهارات من أجل تمكين العاملين وتشجيعهم على تحمل مس ؤولياتهم‬
‫بكل كفاءة واقتدار وانتماء‪.‬‬
‫وال بد أيضا من العمل على تحقيق المساواة االجتماعية وتقليل الفوارق الطبقية وإح داث الترقية‬
‫وم بها‬ ‫من داخل المنظمة حتى يتحقق االنتماء ويشعر الموظف بأنه مالك لعمله وللمهام التي يق‬
‫وشريك في المنظمة وليس مجرد مستخدم يسهل االستغناء عنه في أي وقت من األوقات‪.‬‬

‫‪- 212 -‬‬


- 213 -
- 214 -
‫الفصل الثامن‬

‫رأس المال البشري‬


‫(التمكين وعامل المعرفة)‬

‫‪- 215 -‬‬


- 216 -
‫المقدمة‬
‫المعرفة والمهارة من أهم مقومات التمكين وقد تم شرحها في الفصل الرابع من هذا الكتاب ضمن‬
‫المقومات األساسية للتمكين بصفتها من مفاهيم اإلدارة المعاصرة‪ .‬وألهمية الموضوع يتم إف راد‬
‫هذا الفصل للحديث حول موض وع المعرفة من ج وانب مختلفة‪ ،‬وخاصة هنا بما يتعلق بعامل‬
‫المعرفة‪ ،‬ورأس المال البشري‪ ،‬والمنظمة المتعلمة‪ ،‬واإلبداع والتمكين‪ ،‬بسبب الترابط الوثيق بين‬
‫هذه المحاور بعضها ببعض‬
‫فالمنظمات المعاصرة التي تؤمن بالتجديد والتطوير المستمر واإلبداع ال دائم‪ ،‬تعلم علما أكي دا‬
‫بجدوى وأهمية المعرفة والمهارة وإدارة المعرفة بشكل يخدم ذلك التطوير واإلبداع‪ .‬وتعلم ه ذه‬
‫المنظمات بأن المنظمة تتعلم من تعلم كل فرد فيها‪ ،‬وتنهض وتتقدم من خالل نهوض وتق دم من‬
‫فيها‪ ،‬من خالل سبل العلم والمعرفة والمهارة المتجددة‪.‬‬
‫درك تماما ما لديه من‬ ‫وعامل المعرفة يعرف جيدا ما لديه من طاقات كامنة‪ ،‬ويعرف أيضا وي‬
‫أوجه قصور‪ ،‬ولكنه يعمل لتفعيل نقاط القوة واستخدامها لمواجهة نقاط الض عف ال تي لدي ه‪.‬‬
‫وتتعاظم معرفته من خالل اآلخرين‪ ،‬فال يكتفي بمعرفة نفسه‪ ،‬فيحاول معرفة قدرات اآلخ رين‪،‬‬
‫ألنه يتعامل ويتعاون معهم‪ ،‬فال بد من معرفة ما ل ديهم وما يمكنهم تقديمه كمس اهمة في العمل‬
‫الجماعي المتكامل‪.‬‬
‫وعامل المعرفة والمنظمة المتعلمة تعلم تماما أن اإلبداع واالبتكار ال يتحقق ان فقط من تفك ير‬
‫تسلسال منطقياً وواقعياً‪ ،‬وإنما من خالل الحدس والتفكير المتعدد‬
‫ً‬ ‫رتيب محدد على قواعد متسلسلة‬
‫ال التفكير األحادي ذي النتائج المحددة سلفا‪.‬‬

‫مواصفات عامل المعرفة المم ّكن عند "بيتر دركر"‬


‫‪170‬‬
‫‪ ‬عامل المعرفة يعرف قدر نفسه‬
‫يعرف عامل المعرفة نفسه ويعلم نقاط الضعف ونقاط القوة التي يتمتع بها بشكل جيد ويعرف قدر‬
‫نفسه ويقف عندها‪ .‬ومن سماته الثقة بنقاط قوته واإلدراك الجيد لنقاط الضعف واالعتراف به ا‪،‬‬
‫ربما من أجل معالجتها ومحاولة تقليل مخاطرها‪.‬‬
‫ويبرز اإلنسان المرشح للتمكين حتى في أثناء عملية االنتقاء‪ ،‬فهم عادة يعرفون نق اط الض عف‬
‫لديهم ونقاط القوة ويعلمون جيدا ما يريدون‪ .‬فيمكنهم أن يرفضوا عرضا للعمل إذا لم يتوافق مع‬
‫‪- 217 -‬‬
‫قدراتهم أو ميولهم أو استعدادهم‪ .‬ويقولون‪ :‬نعم عندما يحدث العكس‪ .‬وفي مس تويات راقية من‬
‫التمكين التي يمكن مالحظتها عند هؤالء أنهم يح ددون طريقة العمل وطريقة إنج از المه ام‬
‫المناطة بهم وشكل العالقات‪ ،‬والنتائج التي يمكنهم الوصول إليها‪ ،‬والوقت الذي يمكنهم من خالله‬
‫تقديم تلك النتائج؛ وسبب ذلك أنهم يعرفون أنفسهم جيدا‪ .‬وهذا ال يحدث إال في ح االت قليلة مع‬
‫أناس يمتلكون أنفسهم فال يريدون أحدا أن يمتلكهم‪.‬‬
‫ولكن غالبية الناس يُحَدّد لهم جميع التفاصيل وكيفية أداء العمل وكل شيء سواء أك ان مناس با‬
‫لقدراتهم أم لم يتوافق مع ميولهم‪ ،‬فهم يقبل ون بكل ش يء‪ .‬ولكن عامل المعرفة (‪Knowledge‬‬
‫‪ )Worker‬دائما يسأل‪ :‬ماذا لدي من مساهمة يمكنني تق ديمها؟ وما األش ياء ال تي يمكن ني‬
‫المساهمة بها؟ وعلى ذلك فعامل المعرفة يتساءل‪:‬‬
‫" بناء على مصادر القوة التي أتمتع بها فما هي متطلبات الظرف أو الموقف‪،‬‬
‫وما هي طريقة األداء بالنسبة لي؟ وما هي قيمي؟ وكيف يمكن ني أن أق دم‬
‫أفضل ما لدي من مساهمة لما ينبغي القيام به؟ وما هي يا ترى النتائج ال تي‬
‫يمكن أن تصنع فروقات حقيقية؟"‪.‬‬
‫يصف بيتر دركر القصة اآلتية التي حدثت مع موظف تنطبق عليه المواصفات السابقة‬
‫وقد حصل على وظيفة في أحد المستشفيات‪:‬‬
‫حالة ‪7‬موظف المستشفى‬

‫" كان المس‪$$‬تشفى ف‪$$‬ي تدهور مس‪$$‬تمر فقرر هذا الموظ‪$$‬ف الجدي‪$$‬د أ‪$$‬ن يص‪$$‬نع فروقات‬
‫جوهري‪$$$‬ة خالل مدة عامي‪$$$‬ن فق‪$$$‬ط ف‪$$$‬ي غرف‪$$$‬ة الطوارئ الت‪$$$‬ي كان‪$$$‬ت تح‪$$$‬ت إشراف‪$$$‬ه‬
‫ومس‪$$‬ؤوليته‪ ،‬فق‪$$‬د كان‪$$‬ت هام‪$$‬ة وك‪$$‬بيرة ومتدهورة بنف‪$$‬س األهمي‪$$‬ة والحجم‪ .‬فقرر هذا‬
‫اإلداري م‪$‬ا يأت‪$‬ي‪ :‬يج‪$‬ب عل‪$‬ى أ‪$‬ي مري‪$‬ض يدخ‪$‬ل إل‪$‬ى غرف‪$‬ة الطوارئ أ‪$‬ن يُعرض عل‪$‬ى‬
‫ممرض‪$$‬ة كفؤ‪$$‬ه خالل ‪ 60‬ثاني‪$$‬ة م‪$$‬ن دخوله‪ .‬فخالل ‪ 12‬شهرا م‪$$‬ن هذا التغيي‪$$‬ر كان هذا‬
‫الجهاز أنموذج‪$‬ا لك‪$‬ل مس‪$‬تشفيات الواليات المتحدة األمريكي‪$‬ة‪ ،‬وخالل س‪$‬نتين انتق‪$‬ل هذا‬
‫النموذج إلى جميع أقسام المستشفى فكانت عملية تحويلية رائعة"‪.‬‬

‫هذه حالة ربما تتكرر فقط مع أولئك الذين يثقون بقدراتهم على التغيير‪ .‬فهذا الموظف منذ البداية‬
‫يثق بنفسه ويعلم أن بمقدوره إحداث أثر في العمل‪ ،‬وع دم قب ول الوضع ال راهن بمش اكله‬
‫‪- 218 -‬‬
‫وتداعياته‪ .‬هذا التفكير ال ينطبق أيضا إال على أولئك ال ذين يتمتع ون بمقوم ات التمكين من‬
‫استقاللية وحب المبادرة واالنتماء للعمل وللمهنة التي يمارس ونها‪ .‬وه ؤالء ال يتوقف ون عند‬
‫إدراكهم لذواتهم ومكنوناتها‪ ،‬وإنما ينطلقون للتعاون مع اآلخرين وي دركون أن من مقوم ات‬
‫التعاون مع اآلخرين معرفة مكنوناتهم وقدراتهم ونقاط قوتهم وضعفهم‪.‬‬

‫معرفة عامل المعرفة لآلخرين‬ ‫‪‬‬

‫رن الواحد‬ ‫دراتها وإمكانياتها ال يكفي في بيئة العمل في الق‬ ‫معرفة عامل المعرفة لنفسه وق‬
‫اون‬ ‫والعشرين‪ ،‬فال بد من معرفة اآلخرين لكي يتمكن أو تتمكن من إدارة عملية التعامل والتع‬
‫عفه وقيمه أو معرفة‬ ‫معهم‪ .‬فال بد من معرفة المسؤول مثال‪ ،‬من حيث قدراته ونقاط قوته وض‬
‫أعضاء الفريق ونقاط قوتهم وأوجه قصورهم‪ .‬وأول وأهم سر من أسرار الفاعلية الشخصية أن‬
‫تفهم أآلخرين وتجعلهم يفهمونك‪ 171‬وذلك لكي تتمكن من اس تثمار نق اط ق وتهم وتمكينهم من‬
‫توظيف مصادر قوتهم والتغلب على قصورهم من أجل التعاون معهم لتحقيق القيمة المض افة‬
‫في العمل‪ .‬والقيمة المض افة‪ ،‬تتحقق في هذا السياق من خالل ذلك التفاعل التب ادلي أو ما‬
‫يسمى باالعتمادية المتبادلة (‪ )Interdependency‬بين أعض اء الفريق مما ينجم عنه نت ائج‬
‫وم‬ ‫تُضاعف قيمة النتائج التي تنجم عن اإلنجاز الفردي المستقل‪ .‬وواقع الحال‪ ،‬أن العاملين الي‬
‫يؤدون وظائف متباينة‪ ،‬فهم ال يعرفون ما يتجاوز حدود وظائفهم وجهلهم هذا يتطلب معرفة‪ :‬ما‬
‫يعمله اآلخرون‪ ،‬وكيف يعملون‪ ،‬ولماذا يعملون‪ ،‬كما يعملون وما هي النتائج التي يرغب ون من‬
‫أجل تحقيق التكامل في العمل والقيمة المضافة‪.172‬‬
‫وواقع الحال أيضا أنه نادرا ما تجد الفرد في المنظمة يس أل زميله في العمل عما يعمله‪ .‬ولكن‬
‫عامل المعرفة يسأل كل من حوله سواء أكانوا أقل منه أو أعلى أو من هم في مستواه الوظيفي‪،‬‬
‫ير فنية‪ ،‬وذلك من أجل التعلم‬ ‫حول أسرار العمل وتحدياته وآخر تطوراته من نواحي فنية وغ‬
‫والتكامل (‪ )Synergy‬والتعاضد والتنمية‪ .‬وهذا ال يحتاج إلى ثقة بين األف راد فحس ب‪ ،‬وإنما‬
‫يستلزم ويستدعي ثقافة التدخل الموضوعي‪ ،‬بدال من التدخل الشخصي‪ ،‬وبدال من عدم التدخل‪.‬‬
‫فال يستوجب أن يكون الدافع هي العالقة الشخصية أو من أجل المحبة والمودة (علما بأن المودة‬
‫ذلك‬ ‫والمحبة إن تحققت فهذا أمر جيد) وإنما الهدف الموضوعي هو الفهم والتعلم والتطوير‪ .‬ل‬
‫في هذا السياق يؤكد بيتر دركر أن وظيفة صنع العالق ات الموض وعية أمر في غاية األهمية‬
‫وليس ترفا مهنيا أو رغبة شخصية‪.)Drucker, 1999(173‬‬

‫‪- 219 -‬‬


‫رأس المال البشري (‪ )Human Capital‬وعامل المعرفة (‬
‫‪)Knowledge Worker‬‬
‫إن من أهم التطورات التي حدثت في العقدين األخيرين‪ ،‬التطورات التكنولوجية‪ ،‬وعلى رأسها‬
‫اإلنترنت‪ ،‬الذي ساهم مساهمة مدهشة في خلق أنشطة تجارية واس عة‪ ،‬وفتح أس واق جدي دة‪،‬‬
‫ومتعددة‪ ،‬وأدى إلى وجود مؤسسات تعمل دون االعتماد على رأس المال التقليدي بل باالعتم اد‬
‫على الموهبة‪ ،‬والقدرة الذهنية والمعرفية‪ ،‬وأدى إلى خلق مؤسسات مختلفة في أدائها وفي هيكلها‬
‫التنظيمي وفي طريقة عملها ومنها المؤسسات االفتراضية‪.)Virtual organization( 174‬‬
‫لقد أضحت األعمال في الدول المتقدمة تقوم على المعرفة حيث الفرد أصبح يش ار إليه بموظف‬
‫أو عامل المعرفة ‪ Knowledge worker‬ألنه يعتمد على المعلومات وإدارتها و قيمة العاملين‬
‫التي يستمدونها من مواهبهم وقدراتهم في التفكير والتحليل و حل المشاكل‪ .‬وب دأت األعم ال‬
‫الروتينية الرتيبة بالتقلص والتناقص وأصبحت ُتنجز بواسطة االآلت أو أجه زة الروب وت أو‬
‫الحاسبات اآللية‪.‬‬
‫ويرى لولر (‪ Lawler (2000‬أن رأس المال البشري من أبقى وأدوم المصادر التي تحقق الميزة‬
‫التنافسية للمؤسسات الناجحة إضافة إلى محورين آخرين هما‪:‬‬
‫‪ .1‬إمكانيات المؤسسة ‪Organizational Capabilities‬‬

‫‪ .2‬والكفاءات المحورية للمؤسسة ‪. Core Competencies‬‬


‫هذه المحاور الثالثة تتالءم وتنسجم بعضها مع بعض من حيث إن الكفاءات المحورية وإمكانيات‬
‫المؤسسة تتطلب المحور الثالث‪ ،‬والمهم وهو رأس المال الفك ري والبش ري المناس ب‪ .‬ولكي‬
‫ات فهي تعتمد على‬ ‫تتمكن هذه المؤسسات من خلق وإيجاد وتوفير هذه المقدرات وهذه اإلمكاني‬
‫موهبة أفراد المؤسسة والطاق ات الكامنة ل ديهم‪ .‬ولكن المه ارة والطاقة الكامنة ال تكفي إذا لم‬
‫تتوافر النظم المناسبة واألنماط اإلدارية المالئمة‪ .‬فقد يكون ل دينا األف راد ال ذين تت وافر لهم‬
‫القدرات الفردية العالية ولكن إذا لم تس تطع اإلدارة توجيه ه ذه الق درات فإنها لن تتمكن من‬
‫االستفادة منها بالشكل المناسب‪ .‬وه ذا يتطلب إع ادة النظر في الهياكل التنظيمية الهرمية وفي‬
‫النماذج البيروقراطية (كما تم اإلشارة إلى التنظيم والهياكل التنظيمية في الفصل الس ابع) ال تي‬
‫سيطرت على الفكر اإلداري لفترة طويلة من الزمن‪.‬فالديموقراطية أصبحت نهجا مطلوبا ح تى‬
‫في مؤسسات األعمال‪ ،‬بحيث أصبح واقعا تحاول المؤسسات استيعابه وتطبيق ه‪ .‬فالمؤسس ات‬
‫الهرمية بطيئة الحركة وغير قادرة نتيجة لجمودها وعدم مرونتها على مواجهة المنافسة العالمية‬

‫‪- 220 -‬‬


‫في الوقت الحاضر والمستقبل القادم‪ .‬وتفشل هذه الهياكل في استقطاب المح اور الثالث ة‪-1 :‬‬
‫رأس المال البشري و‪-2‬إنتاج الكفاءات المحورية و‪-3‬إمكانيات المؤسسة‪.‬‬
‫تبدال هياكل أفقية تعتمد على عمل الفريق‬ ‫ابع‪ ،‬فمن المهم اس‬ ‫فكما تم التأكيد في الفصل الس‬
‫والقي ادة الجماعية والمش اركة‬ ‫‪175‬‬
‫وتكنولوجيا المعلومات وشبكات العالق ات(‪)Network‬‬
‫والتمكين بالهياكل التنظيمية التقليدية‪ .‬فالتحول المطلوب هو نحو أشكال تنظيمية منبسطة (‪)Flat‬‬
‫بمرونة وسرعة وقدرة على تداول المعلومات والمشاركة الفاعلة في نقلها واالستفادة منها‪ ،‬ونظم‬
‫تعمل على خلق المعرفة وبناء أفراد المعرفة في المؤسسة‪ .‬هذه الخصائص تتطلب رأس الم ال‬
‫البشري الذي ينبغي أن تتم معاملته بشكل يختلف عنه في المؤسس ات التقليدية؛ من أجل ج ذب‬
‫الكفاءات والمواهب المناسبة‪ ،‬ومن خالل معاملة هذه المواهب بطريقة غير تقليدية وخلق مساواة‬
‫اجتماعية وحوافز مناسبة‪.‬‬
‫‪ )Job-Based‬إلى‬ ‫إذن ال بد من التحول من الترك يز المطلق على الوظيفة (‪Approaches‬‬
‫الترك يز على الموظف بما يحمل من معرفة فيص بح الترك يز على المعرفة (‪Knowledge-‬‬
‫‪ ، )Based Approaches‬وعلى المهارة (‪ .)Skill-Based Approaches‬تجدر اإلشارة هنا‬
‫إلى أن هذا األسلوب لن يكون مناسبًا في المنظمات التقليدية والبيروقراطية حيث ينبغي أن تشكل‬
‫الوظيفية والوصف الوظيفي النواة والمرشد الرئيس ألداء العاملين‪ ،‬وال مانع بعدها من إبداعات‬
‫ير التقليدية وخاصة في‬ ‫األفراد ومحاوالتهم من أجل التجديد واالبتكار‪ .‬ولكن في المنظمات غ‬
‫بب حاجة تلك‬ ‫المنظمات التكنولوجية فإن الموظف ينبغي أن يكون هو األساس قبل الوظيفة بس‬
‫المنظمات للتطوير المستمر وبسبب تجدد طرق وأساليب العمل بش كل مس تمر قد ال يكفي معه‬
‫الوصف الوظيفي لكي يكون األس اس ألداء الع املين وخاصة في زمن أض حى فيه التغي ير‬
‫والتجديد سمة مالزمة للمنظمات المتعلمة‪ ،‬وأصبحت التكنولوجيا واستخداماتها متج ددة بش كل‬
‫مدهش وأصبحت دورة حياة المنتجات أقصر من أي وقت مض ى‪ .‬كل ه ذا يتطلب أن تك ون‬
‫المعرفة وصاحبها هما النواة األساسية التي يقوم عليها بناء المؤسسة‪ ،‬األمر ال ذي يس اهم في‬
‫تمكين العاملين من تط وير الوظيفة وإتاحة الفرصة من أجل خلق إض افات نوعية للوظيفة من‬
‫خالل إبداع الموظف وقدراته الخالقة‪.‬‬
‫وبناء على ذلك ينبغي أن يتم التحول من التركيز على الوظيفة إلى التركيز على مواصفات الفرد‬
‫أو الشخص بما يحمل من معرفة ومهارة ومواصفات الفرد يجب أن تصبح األس اس ال ذي يتم‬
‫بموجبه انتقاء الموظفين وتدريبهم وتطويرهم ومكافأتهم وحوافزهم‪ .‬هذا التحول من التركيز على‬
‫الوظيفة إلى التركيز على الموظف ومواصفاته يؤكد أهمية ودور رأس المال البشري في فاعلية‬

‫‪- 221 -‬‬


‫المؤسسة وينبغي أن يكون هو المحور األساسي لترك يز واهتم ام أنظمة المؤسسة اإلداري ة‪.‬‬
‫والتركيز على الموظف ال يعني هنا التركيز على ش‪DD‬خص الموظف بل على ما يحمل من طاقة‬
‫كامنة وقدرات قابلة للتعلم واكتساب المعرفة‪ .‬وبسبب التركيز على رأس الم ال البش ري ف إن‬
‫طبيعة العالقات بين الموظفين والعمالء والمدراء أيضا تخضع إلى تغيير‪ .‬في هذا ال ترتيب من‬
‫العالقات بين األط راف الثالثة ك ان الموظف في آخر الس لم من ناحية األهمية بعد الزب ائن‬
‫والمديرين ب درجات كب يرة‪ .‬ويخضع الموظف ون دائما‪ ،‬وخاصة في المس تويات ال دنيا من‬
‫ديرون‬ ‫المؤسسة‪ ،‬للتقويم حول إنتاجيتهم ومستوى إرضاء زبائنهم‪ ،‬ولكن بالمقابل ال يخضع الم‬
‫ألي تقويم حول مستوى تعاملهم مع الموظفين‪ ،‬فهذا األمر ن ادرا ما يخضع للمساءلة‪ .‬من ناحية‬
‫أخرى يتم أحيانا قياس مستويات رضا الزبائن من الخدمات التي يقدمها الموظفون‪ ،‬ولكن ن ادرا‬
‫ما يتم تحري رضا الموظفين بشكل عام فضال عن رضاهم في تعاملهم مع أي من الزبائن الذين‬
‫يتعاملون معهم‪.‬‬
‫هذه المعادلة غير متوازنة وفيها حلقة مفقودة بالنسبة للموظف‪ ،‬وفي زمن رأس المال البش ري‪،‬‬
‫فإنه يجب أن يعاد النظر في طريقة تقويم الموظفين ويجب إع ادة النظر في كيفية النظر لهم من‬
‫ون‬ ‫حيث المبدأ فتنادي الكثير من الدراسات إلى اعتبارهم بنفس مستوى المديرين بما أنهم يقوم‬
‫بواجبات ومهام ال تسير المؤسسة وال تستمر أو تستوي أمورها دون القيام بها‪ .‬إذن هم ش ركاء‬
‫مع المديرين في القيمة واألهمية ومن هنا ينبغي أن يسمح لهم بتقويم مديريهم ويذهب ‪Edward‬‬
‫‪ Lawler‬أبعد من ذلك فيقول‪ :‬إن على المؤسسة أن تطرد المديرين الذين يفشلون في استقطاب‬
‫أو المحافظة على أفضل الموظفين‪.‬‬

‫التأثير على األفراد‬


‫أصبح الموظف اآلن يمتلك بشكل أك بر من أي وقت مضى طريقة اإلنت اج ال تي تعتمد عليها‬
‫المؤسسة في ما تنتجه من منتجات أو في ما تقدمه من خدمات للمستهلكين‪ .‬ونتيجة لملكية هؤالء‬
‫الموظفين لطرق اإلنتاج؛ فإن أهميتهم وقيمتهم لم تعد بنفس المستوى التقليدي للموظف الذي كان‬
‫يعتمد على عضالته في العمل أو على قدراته الجسدية أو الصناعية‪ .‬ومن هنا فإن طريقة التعامل‬
‫إدارة‬ ‫ال بد أن تختلف من ناحية التدريب والتطوير والمكافآت وغيرها من المواضيع المتعلقة ب‬
‫الموارد البشرية‪ .‬فهؤالء الموظفون بحكم معرفتهم وملكيتهم لطرائق العمل‪ ،‬ف إن ق درتهم على‬
‫الحركة أكبر‪ ،‬وسهولة نقل أسرار العمل إلى مؤسسات منافسة أمر في غاية السهولة بالنسبة لهم‪،‬‬
‫وقوة تفاوضهم عالية أيضا‪ .‬وهذا األمر أصبح أمرا واقعا لدى المؤسسات التي تعمل على الشبكة‬

‫‪- 222 -‬‬


‫اإللكترونية (‪ .)The Web‬فاألفراد الذين يعملون في مثل ه ذه المؤسس ات يحص لون على‬
‫مردودات مالية عالية مقابل ما يقدمون من معرفة ومهارة في أعم الهم ألنهم كف اءات ن ادرة‬
‫ويمكنهم المساهمة الفاعلة في تحسين الوضع االقتصادي للمشروع الذي يعملون في ه‪ .‬ه ؤالء‬
‫الموظفون الذين يمتلكون نص يبا في الش ركة ال تي يعمل ون فيها من خالل األس هم ‪Stock‬‬
‫‪ ، Options‬وهذا بطبيعة الحال يساهم في تحسين األوضاع المادية للعاملين من جهة‪ ،‬ويؤدي‬
‫إلى الحفاظ عليهم من جهة أخرى‪ ،‬فالكفاءة النادرة من الصعب الحفاظ عليها في الوقت الحاضر‬
‫ولكن عندما يشكل أصحاب الكفاءات النادرة رأس مال بشري للمنظمة التي يعمل ون فيها‪ ،‬ف إن‬
‫كونهم شركاء في المؤسسة سيكون مصدرًا هامًا من مص ادر الحف اظ عليهم وع دم تس ربهم‬
‫للمنافسة‪.‬‬
‫وتأخذ هذه الشراكة شكلين أساسيين‪:‬‬
‫المشاركة في رأس مال الش ركة من خالل المس اهمة‪ .‬ويحق لمن يص نف‬ ‫‪.1‬‬
‫ضمن قائمة "رأس المال البشري" للشركة أن يشارك برأس مالها‪.‬‬
‫المشاركة من خالل ملكية العامل لطريقة العمل أو طريقة اإلنت اج ‪Method‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪of Production‬‬

‫من هنا يتضح بشكل جلي دور وأهمية رأس المال البشري‪ ،‬ولكن ليس للجميع وكما يقول العالمة‬
‫بيتر دركر في كتابه الشهير‪ ،‬الحقائق الجديدة‪ . ”The New Realities“ ،‬هنالك جموع غفيرة‬
‫من األقل حظًا في المجتمع ممن سيكون نصيبهم ومساهمتهم في تش كيل رأس الم ال البش ري‬
‫متدنية‪ ،‬وسيبقى هؤالء لألعمال الدونية الروتينية ال تي ال تتطلب تلك الق درات المعرفية ال تي‬
‫تتطلبها منظمات المعرفة ورأس المال البشري والمنظمات المتعلمة‪ .‬نعم أصبحنا نرى حتى في‬
‫بعض الدول النامية ومنها دول في العالم العربي‪ ،‬مؤسسات متطورة وشركات تكنولوجية تضغط‬
‫بشكل مباشر وغير مباشر على خريجي الجامعات من أجل تجاوز متطلب ات الش هادة الجامعية‬
‫بامتالك مهارات ومعارف أخرى إضافة إلى تلك التي توجد في الخطة الجامعية للطالب‪.‬‬
‫فقد أص بح األمر واقعا على األرض أن تطلب الش ركات والمؤسس ات الخاصة والعامة من‬
‫المتقدمين للوظيفة وثائق أخرى غير الش هادة الجامعية األساس ية‪ ،‬مثل م ؤهالت في البرمجة‬
‫وإتقان الحاسوب والمعرفة باالنترنت ومتطلبات أخرى مثل‪ :‬رخصة الحاسوب الدولية (‪)ICDL‬‬
‫وإتقان اللغة اإلنجليزية كتابة ومحادثة ومعرفة وربما لغات أخرى وتقنيات مختلفة‪ .‬لذلك يُنصح‬
‫الطالب على مقاعد الدراسة الجامعية أن يخطط من أجل اكتساب معارف ومهارات إضافية لكي‬
‫يتمكن من المنافسة في سوق العمل الذي ص ار انتقائيا إلى حد كب ير‪ ،‬نتيجة لتوافر الكف اءات‬
‫‪- 223 -‬‬
‫رض من ناحية‪ ،‬ونتيجة لحاجة ه ذه الش ركات لموظف المعرفة‬ ‫انب الع‬ ‫المختلفة في ج‬
‫‪ Knowledge worker‬في جانب الطلب من ناحية أخرى‪.‬‬
‫فبعض طالبي الوظيفة األذكياء من الجامعيين من يح اولون دائما اكتس اب مه ارات جدي دة‬
‫ويستثمرون في معرفة علوم وتقنيات جديدة من أجل رفع قيمتهم إلى أعلى مس توى في س وق‬
‫العمل‪ ،‬وهذا ينطبق بشكل كبير على المهن ذات العالقة بالحاسب اآللي والبرمجيات وتكنولوجيا‬
‫المعلومات وعالم اإلنترنت واالستشارات والبحوث وغيرها ولكن بمستويات مختلفة‪.‬‬
‫في ظل مؤسسات تتعامل مع م وظفين ينطبق عليهم ما تم ذك ره من مواص فات مثل موظف‬
‫المعرفة ورأس المال البشري وغيرها من مواصفات تدل على قدرات ومواهب قابلة لالس تثمار‬
‫لتنمية المنظمة وتقدمها ووصولها إلى الم يزة التنافس ية المطلوبة‪ .‬ويبقى هنا دور اإلدارة في‬
‫توجيه واستثمار هذه القدرات من أجل إح داث التنمية المس تديمة‪ .‬ومن أهم الوس ائل اإلدارية‬
‫المناسبة لمثل هذه المواصفات طرح منهج وش عار التمكين وتطبيقه في المؤسسة‪ ،‬وخاصة ألننا‬
‫هنا نتعامل مع إنسان لديه المعرفة والقدرة الكافية على القي ام بالعمل بحرية واس تقاللية ودون‬
‫تدخل مستمر من اإلدارة‪ .‬فال بد من تغيير في األساليب اإلدارية والتنظيمية من أجل تكوين مناخ‬
‫إداري وتنظيمي يالئم ما تم سرده من مواصفات‪ ،‬لكي يكون ذلك المناخ حاضنة لتمكين الموظف‬
‫ومنحه ما يستحق من ثقة وتمكّن وتعّلم ذاتي من أجل تمهيد الس بيل لتك وين منظمة متعلمة فيها‬
‫الجميع يتعلم‪.‬‬
‫كما أشرنا في مواقع أخرى من الكت اب‪ ،‬ف إن التعلم والتعليم والمعرفة مف اهيم ومص طلحات‬
‫مترابطة ومتكاملة‪ ،‬فاكتساب المعرفة يتم من خالل وسيلة التعلم التي تس اهم في تك وين عامل‬
‫المعرفة الذي يتمتع بالمهارة والمعرفة والقدرة على النهوض بالمنظمة التي يعمل به ا‪ .‬والتعليم‬
‫في حقيقته نشاط هام وأساسي ألي مؤسسة ترغب في التطوير المستمر والتجديد الدائم‪ ،‬والتعليم‬
‫اإلداري والمنظمة المتعلمة من المواضيع التي تأخذ ح يزا هاما من دراس ات اإلدارة والتنظيم‬
‫فالتعلم بحسب علماء النفس هو " تعديل مستمر للسلوك من خالل الخبرة" ‪ :‬كما يعتمد التعلم على‬
‫تراكم الخبرات وتبادل المهارات‪ .‬ويتفق العلم اء على أن التعلم عملية فطرية في البشر وبه ذا‬
‫يمكننا اعتبار الجهل مخالفا للفطرة وإذا سحبنا ذلك على المؤسسات نستطيع أن نس تدل على أن‬
‫التعلم هو من طبيعة الموظفين‪ .‬فإذا ك انت مؤسسة ما ال تتعلم فهي تب ني ح اجزا يعيق عملية‬
‫تي تفكر‬ ‫التعلم‪ ،‬وقد يتمثل هذا الحاجز بالخوف من المخاطرة‪ ،‬وهذا ما يحدث مع المؤسسات ال‬
‫بالربح والخسارة فقط وخاصة الربح العاجل والقريب‪ ،‬عندها تقل فرص المخاطرة والمحاول ة‪.‬‬
‫ألن المحاوالت الفاشلة تؤدي إلى الخسارة‪ .‬ف المخرج الوحيد هو إزالة كل ما يقف أم ام التعلم‬

‫‪- 224 -‬‬


‫بتبديد الخوف من المخاطرة‪ ،‬علمًا بأن أكثر المديرين ق درة على التعلم هو الم دير أو الموظف‬
‫الذي يواجه تجارب فاشلة في مؤسسته ولكنه يستخدم هذه التجارب كوسيلة من أجل التعلم‪.176‬‬
‫ومن أهم القضايا في المنظمة المتعلمة مسألة االنتقاء والتعيين‪ ،‬فيجب انتقاء وتع يين الع املين‬
‫الذين يمتلكون القابلية والرغبة في التعلم‪ ،‬فال يكفي تعيين العاملين الم دربين فقط أو من ل ديهم‬
‫درة‬ ‫التخصصات الجامعية الجيدة والشهادات العالية‪ .‬ولكن ال بد من تعيين من تتوافر لديهم الق‬
‫واإلرادة على أن يتعلموا ويعلموا وتك ون عملية التعلم ل ديهم عملية مس تمرة من خالل الخطأ‬
‫والتجربة ومن خالل المخاطرة والتج ريب ومن خالل الت دريب والتعلم ومن خالل الممارسة‬
‫والمحاولة المستمرة‪ .‬وال بد من عالقة بين التعلم واإلبداع‪ .‬فالموظف المبدع والمبتكر يحتاج إلى‬
‫وسيلة للوصول إلى ذلك اإلبداع وذلك االبتكار‪ .‬ومن البديهي القول أن فاقد الش يء ال يعطي ه‪،‬‬
‫واإلبداع ال يأتي من فراغ وإنما يتحقق من خالل المعرفة والتعلم واإلطالع على تجارب مختلفة‬
‫لمساعدة العقل على التفكير الخالق والتجديد ومن ثم اإلبداع‪.177‬‬
‫اإلبداع والتمكين‪:‬‬
‫المؤسسات الناجحة التي تشجع روح اإلبداع من خالل التمكين تعتقد بأن ذلك ال يتم أب دًا إال من‬
‫خالل دفع مقومات االستقاللية والريادية إلى أسفل الهرم التنظيمي وتوفير هذه المقوم ات ل دى‬
‫الموظف المباشر الذي يعمل على خطوط العمل األمامية أو يواجهه الزبائن وجهًا لوجه ويحاول‬
‫حل مشاكلهم‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن كل ابتكار أو اكتشاف يظهر في العالم الع ربي برمته يقابله ‪16000‬‬
‫في كوريا الشمالية ويقابله تقريبًا ‪ 44.000‬في الواليات المتحدة األمريكية(*)‪ .‬وهذا يستدعي من‬
‫الدول العربية إعادة التفكير بمشاريع التنمية والتطوير واإلب داع؛ بجعل ه ذه األم ور من أهم‬
‫أولوياتها‪.‬‬
‫وسر اإلبداع يكمن في تفجير طاقات البشر كما يقول ت وم بي ترز و وترم ان في "البحث عن‬
‫التميز"‪ .‬ويؤكد توم بيترز ووترمان في كتابيهما‪ ،‬على أن مبدأ العقالنية المعروف غ ير ص الح‬
‫لالستخدام في هذا السياق‪ ،‬وال بد من أن تت وافر للمب دع نوعًا من الالعقالنية في التفك ير ألن‬
‫العقالنية تقود إلى حلول كمية مبنية على أسس علمية محددة ومؤكدة النتائج ال يوجد فيها استثمار‬
‫للخيال والحدس البشري بشكل متحرر من القيود واألطر والقوانين المحددة‪.178‬‬
‫وال أدل على ذلك من االبتكارات واالكتشافات العلمية التي جاءت من الخيال العلمي الالعقالني‬
‫ومن خالل أفالم هوليود التي كان ينظر إليها على أنها خيال ال ينتمي ألي واقع أو تفكير منطقي‬
‫أو عقالني‪ ،‬فتمخض عنها تجارب علمية أنتجت سلعًا ومنتجات يستخدمها اإلنس ان‪ .‬وقد ك ان‬

‫‪- 225 -‬‬


‫اإلنسان اآللي يومًا من األيام من نسيج الخيال وأصبح واقعًا وقس على ذلك الخلوي واإلن ترنت‬
‫وغيرها الكثير من التقنيات التي لم تنتج وتخرج إلى النور إال من خالل التفك ير غ ير المنتظم‪،‬‬
‫غير العقالني وربما ينظر إليه بالمتهور أحيانًا من قبل أص حاب المنطق أو الت ابعين لمدرسة‬
‫اإلدارة العلمية التي نادى بها فردريك تايلور في بدايات القرن الماضي‪.179‬‬

‫الخالصة‪:‬‬
‫راد المنظمة وعالقة المعرفة والمنظمة‪،‬‬ ‫يتبين مما سبق أهمية المعرفة المتجددة لكل فرد من أف‬
‫المتعلمة واإلبداع والتجديد والتفكير الالعقالني مع الموضوع الرئيس في ه ذا الكت اب أال وهو‬
‫موضوع التمكين‪ .‬فحقيقة التمكين وحرية التصرف والتفكير الخالق المبدع يحتاج إلى موظف أو‬
‫موظفة لديها أو لديه نوع من المعرفة والمهارة المتج ددة من خالل التعلم المس تمر لرفد عملية‬
‫اإلبداع واإلنجاز النوعي المتميز‪ .‬إن الحديث حول هذه المواضع ربما يتطلب فصولًا عدة‪ ،‬ال بل‬
‫ربما تحتاج إلى مجلدات‪ ،‬حيث إن هنالك اآلن منهجا جدي دا في إدارة المعرفة وهنالك علم اء‬
‫ودراسات في المعرفة وإدارة المعرفة ونقل المعرفة والمشاركة في المعرفة ‪.180‬‬
‫والمعرفة تساعد بطبيعة الحال العاملين في تحسين قدراتهم على التفكير الخالق والمبدع‪ ،‬وتعزز‬
‫الثقة بالنفس وتضفي نوعا من الرضا الداخلي الذي ال يتحقق من األعمال التي يخضع فيها الفرد‬
‫لمراقبة صارمة من قبل المدير ولتوجيه مستمر وقوانين ال تسمح للعقل أن يفكر ويعمل بطريقته‬
‫الخاصة‪.181‬‬

‫‪- 226 -‬‬


- 227 -
‫الفصل التاسع‬
‫قيادة التغيير والتمكين‬

‫‪- 228 -‬‬


- 229 -
‫مقدمة‬
‫للقيادة دور أساسي في تنمية المؤسسات وتطويرها وتحقيق ميزة تنافسية له ا‪ .‬وللقي ادة دور ه ام‬
‫في إقرار وتشكيل وتنفيذ اإلس تراتيجيات وال برامج المناس بة لتنمي ة المنظم ات وتحقي ق أه دافها‬
‫المختلف ة‪ .‬من هن ا ف إن للقي ادة دوراً أساس يا ً في رعاي ة وتفعي ل ب رامج المش اركة والتمكين في‬
‫المنظمة‪ .‬ف الكثير من الدراس ات ذات العالق ة في موض وع القي ادة تش ير إلى أن س ر نج اح أي‬
‫مشروع يعود لدور القيادة والتزامها وحماسها في إنجاح ذلك المشروع‪.‬‬
‫ودور القي ادة في نج اح ب رامج المش اركة والتمكين يك اد يك ون في غاي ة األهمي ة؛ ألن التمكين‬
‫يتطلب من القيادة واإلدارات العليا التنازل عن شيء من النفوذ الذي تتمتع به واالس تعداد الق وي‬
‫لذلك التنازل‪ .‬وإعادة توزيع ذلك النفوذ على العاملين في مختلف مستويات المنظمة‪.‬‬

‫ماهية القيادة‬
‫هنالك تعريفات متعددة للقيادة والقائد‪ ،‬ومن أهم وأحدث التعريف ات للقي ادة أنها‪" :‬عملية إله ام‬
‫اآلخرين لبذل قصارى جهدهم من أجل إنجاز مهام ذات أهمية للعمل‪ 182‬وهناك مفاهيم تقليدية في‬
‫أدبيات اإلدارة تشير إلى أن القيادة هي عملية تأثير وممارسة س لطة وق وة تجعل المرؤوس ين‬
‫ادر‬ ‫ينفذون إرادة وتوجيهات القائد بالطريقة التي يريدها‪ .183‬وتتحدث أدبيات اإلدارة عن مص‬
‫متعددة يستمد منها القادة سلطتهم وقوتهم في جعل اآلخرين ينفذون ما يريدون‪.‬‬

‫مصادر نفوذ وسلطة القيادة‪:‬‬


‫قوة المكافأة‪ :‬فيستمد القائد هنا س لطته على المرؤوس ين من خالل ما‬ ‫‪-‬‬
‫يقدمه لهم من مكافآت‪ ،‬مثل الرواتب واألجور والترقيات والحوافز المختلفة‪.‬‬
‫القوة الشرعية‪ :‬فيستمد القائد هنا سلطته على المرؤوسين من خالل قوة‬ ‫‪-‬‬
‫المركز التي تمنح القائد قوة شرعية مستمدة من قوانين المنظمة‪.‬‬
‫قوة اإلكراه‪ :‬فيستمد القائد هنا سلطته على المرؤوس ين من خالل ق وة‬ ‫‪-‬‬
‫العقاب المستمدة من سلطة المركز‪ ،‬فبمقدور القائد حرم ان الموظف من الترقية‬
‫أو فرض عقوبة بنص القانون مثل نقل الموظف إلى مكان غ ير مرغ وب فيه‬
‫بالنسبة له‪ ،‬أو حتى قد يلوّح القائد بطرد العامل من عمله‪.‬‬
‫‪- 230 -‬‬
‫وة من‬ ‫فيتمكن القائد بواسطة هذه المصادر من فرض إرادته وتحديد السلوكيات المرج‬
‫المرؤوسين بالطريقة التي يراها القائد مناسبة لتأدية مهام العمل‪.‬‬
‫قوة الخبرة‪ :‬فيستمد هنا القائد قوته في التأثير على المرؤوسين من خالل‬ ‫‪-‬‬
‫ما يتمتع به من معرفة‪ .‬فمعرفة القائد أو خبرته في العمل قد ت ؤثر في س لوك‬
‫المرؤوسين لتأدية المهام من خالل تلك المعرفة أو الخبرة‪.‬‬
‫قوة الكاريزما‪ :‬فيستمد القائد تأثيره هنا من خالل قدرته على التأثير في‬ ‫‪-‬‬
‫اآلخرين بسبب رغبتهم في االنتماء له وبسبب اإلعجاب بشخصه وهذه ناتجة عن‬
‫الجاذبية الشخصية للقائد‪.‬‬
‫القيادة التي تعتمد بشكل أكبر على مصادر الق وة الثالث األولى تحقق التزام ًا مؤقت ًا من قبل‬
‫المرؤوسين‪ ،‬وهذا االلتزام المؤقت يتك ون بدافعية خارجية وهي المكاف أة أو العقوبة أو ق وة‬
‫المركز‪ .‬واالعتماد الكامل على هذه المصادر في التأثير على المرؤوس ين ي ؤدي إلى حالة من‬
‫االنصياع(‪ )Compliance‬غير األصيل من قبل المرؤوسين بدافع خارجي وم ؤقت‪ ،‬وال دافع‬
‫الخارجي هو المكافأة أو العقاب أو القوة الشرعية‪ .‬وبزوال هذه المصادر تنتهي القوة الدافعة نحو‬
‫العمل وبذل الجهد من قبل العاملين‪ ،‬وهذا أمر ط بيعي‪ .‬ال يمكننا أن نتوقع إنس انًا يعمل مجانا‬
‫ودون أجر‪ ،‬فاألجر في العمل هو دافع لكل من يعمل‪ .‬ولكن يجب االنتباه إلى أن وجود األجر أو‬
‫العقاب أو قوة المركز بصفتها مصادر وحيدة دون قوة خبرة أو قوة كاريزما أو قوة داخلية (حب‬
‫العمل نفسه) ال يغير من حقيقة أن هذه المصادر خارجية ويجب ع دم االعتم اد عليها بش كل‬
‫مطلق‪ .‬الن توقف هذه المصادر يعني توقف الدافعية‪ ،‬فتوقف المدير عن مراقبة العامل قد تؤدي‬
‫إلى توقف العامل عن العمل المطلوب بزوال عنصر المراقبة‪ .‬أما المص ادر الذاتية مثل ق وة‬
‫الخبرة وق وة اإلعج اب فهي ال ت ؤدي إلى االنص ياع فحسب‪ ،‬بل تتج اوزه إلى االنتم اء(‬
‫عر‬ ‫‪ .)Commitment‬وفي االنتماء قد يعمل العامل أكثر مما يطلب منه القائد كما ونوعا ويش‬
‫بأن عليه واجب نحو العمل‪ ،‬فقد يدفعه االنتماء إلى روح المبادرة وتق ديم أفضل ما لدي ه‪ .‬وهنا‬
‫تتحقق مستويات من األداء المتميز كما ونوعا؛ ألن الدافع نحو العمل داخلي وال دافع ال داخلي‬
‫متجدد ومتأصل داخل اإلنسان وأما الدافع الخارجي فهو خارج اإلنسان ووجوده مرهون بوجود‬
‫المصدر الخارجي مثل‪ :‬الرقابة الخارجية والمكافأة التي تأتي من الخارج وغيرها‪.‬‬

‫‪- 231 -‬‬

‫قوة المكافأة ‪ +‬قوة العقوبة ‪ +‬قوة المركز=‬

‫التزام موقوت‪.‬‬

‫قوة الخبرة ‪ +‬قوة اإلعجاب = انتماء‬

‫داخلي متجدد ودائم‪.‬‬


‫القيادة بالتمكين‬
‫القيادة بالتمكين هو أسلوب قيادي ينسجم مع قوة الخبرة وقوة المعرفة وقوة اإلعجاب بشخص‬
‫القائد (الكاريزما)‪ .‬فالقادة الفعالون هم الذين يقودون بتمكين مرؤوس يهم وبتوف ير المعلوم ات‬
‫والمسؤولية والصالحية للمرؤوسين والثقة بهم في اتخاذ القرار والتصرف باستقاللية في مجاالت‬
‫العمل التي يعملون بها‪.‬‬
‫هؤالء القادة يعلمون أنهم عندما يمنح ون مرؤوس يهم مزي دا من التمكين وحرية التص رف‬
‫بمسؤولية واقتدار‪ ،‬ألنّ نتيجة ذلك أداء متميز وجودة عالية وانتماء في العمل‪ .‬وي رى في ه ذا‬
‫اإلطار )‪ Schemerhorn (2002‬أن تنازل القائد عن شيء من قوته لصالح المرؤوسين ال يعني‬
‫فقدانه لتلك القوة‪ ،‬ألن القادة الناجحين هم الذين تزداد قوتهم عندما يش اركهم اآلخ رون بها من‬
‫خالل تبنيهم وانتمائهم لرؤية القائد والدفاع عنها بشكل ذاتي‪ .184‬فمثال ماكس دب ري في ش ركة‬
‫هيرمان ميلر يمتدح القادة الذين يركزون في عملهم على األمور الهامة والمصيرية في المؤسسة‬
‫ويتركون لآلخرين حق التصرف في أعماهم واتخاذ القرارات الخاصة بدائرة مسؤولياتهم‪. 185‬‬
‫فيمكن التأكيد هنا على أن منح المرؤوسين مزيدا من التمكين بمعنى التمكين المتفق عليه في هذا‬
‫الكتاب يعدّ أسلوبًا قياديًا ناجحًا ويمكن أن يعدّ التمكين مصدرا من مصادر قوة القيادة المعاص رة‬
‫التي ترتفع بالكفاءة القيادية إلى أعلى مستوياتها‪ ،‬فما هي يا ترى الكفاءة القيادية؟‬

‫الكفاءة القيادية‬
‫تتحقق الكفاءة للقيادة عندما يحقق القائد أعلى مستوى من التأثير بالمرؤوسين بأقل جهود ممكنة‪.‬‬
‫فهنالك قادة يبذلون جهودا كبيرة بسبب عدم الثقة بمرؤوسيهم‪ ،‬فيراقبونهم بشكل كبير ويستخدمون‬
‫أنظمة بيروقراطية متشددة إلحكام الرقابة والتأكد من سير العمل بصورة دائمة‪ .‬هؤالء الق ادة ال‬
‫يتركون في حياتهم الوظيفية وقتا كافيا لألمور االستراتيجية المص يرية في حي اة المنظمة‪ ،‬وال‬
‫يعملون على خلق رؤية ونقلها ونشرها بين المرؤوسين‪ ،‬وال يمكنهم إعمال الشفافية في المنظمة‪.‬‬
‫وتسود حالة من الشك وعدم الثقة بين المستويات المختلفة‪ .‬أما القي ادة من خالل التمكين فتعطي‬
‫للقائد كفاءة قيادية وفاعلية قيادية كبيرة‪ ،‬فهو ال يشغل نفسه كث يرا في التأكد والرقابة والتف تيش‬
‫والسيطرة وهي كلها وس ائل خارجية بالنس بة للعامل وس بب ذلك هو الثق ة‪ .‬فالثقة وق درة‬

‫‪- 232 -‬‬


‫المرؤوسين على القيام بالعمل دون رقابة‪ ،‬وتوافر المعلومات التي يحت اجون إليها واالتص ال‬
‫المستمر والشفافية العالية تحتم على القائد التفرغ للمصالح العليا والترفع عن رقابة كل ص غيرة‬
‫وكبيرة في المنظمة‪ .‬وهذا يحقق مستويات عالية من الكف اءة القيادية بتحقيق نت ائج أداء عالية‬
‫ومتفوقة من خالل مرؤوسين ممك نين‪ ،‬إنت اجيتهم عالية كما ونوعا‪ ،‬والرقابة وتكاليفها أقل ما‬
‫يمكن‪ ،‬وبالمقابل فوقت القائد وجهده مخصصان ألهم األمور التي تتطلبها المنظمة‪.‬‬
‫هذا النوع من القيادة يتماشى مع نوع هام من أنواع القيادة المعاصرة ويلتقي معها في أبعاد معينة‬
‫وهي القي ادة التحويلية‪ .‬وفي القيادة التحويلية عناصر هامة تلتقي هذه العناصر مع نمط القيادة‬
‫بالتمكين وهذه العناصر هي‪: 186‬‬
‫خلق الرؤية‪ :‬فالقائد الن اجح هو ال ذي يخلق رؤية ويص نع للمنظمة‬ ‫‪-‬‬
‫إحساسًا باالتجاه ووحدة اتج اه بتوص يل رؤيته وأهدافه االس تراتيجية للع املين‬
‫فيشعرون بانتمائهم لها‪.‬‬
‫الكاريزما‪ :‬خلق الحماس في نفوس المرؤوس ين واأليم ان بأه داف‬ ‫‪-‬‬
‫المنظمة والوالء والفخر بها وخلق الثقة بالمرؤوسين‪.‬‬
‫كل منتظم من أجل‬ ‫الرمزية‪ :‬خلق الرموز والشعارات والمناسبات بش‬ ‫‪-‬‬
‫االحتفال بالتميز واإلنجاز ومكافأة المتميزين‪.‬‬
‫التمكين‪ :‬مساعدة اآلخرين واألخذ بأيديهم نحو التنمية والتم يز وإزالة‬ ‫‪-‬‬
‫الحواجز التي قد تعيق األداء المتميز والمشاركة في تحمل المس ؤولية وتف ويض‬
‫العمل المتسم بالتحدي والتفوق‪.‬‬
‫اس تثارة ال ذكاء عند اآلخ رين‪ :‬استثارة قدرات العاملين الخالقة‬ ‫‪-‬‬
‫وقدراتهم الذهنية العالية في حل مشاكل العمل أو في التفك ير الخالق بخلق أفك ار‬
‫خالقة‪.‬‬
‫األمانة واالستقامة‪ :‬القيادة هي القدوة للعاملين في األمانة واإلخالص‬ ‫‪-‬‬
‫والتفاني والصدق‪ ،‬وهذه الخصائص متأصلة وليست آنية‪.‬‬

‫سياسة أنا أربح وأنت تربح‬


‫وتتزايد الثقة بين المدير والمرؤوسين عندما يتعاملون بمبدأ "أنت تربح وأنا أربح" وهذه المعادلة‬
‫تتحقق عندما يتعامل المدير مع المرؤوس على أنه شريك‪ ،‬والشريك هو ال ذي يتّمم ويكمّل عمل‬

‫‪- 233 -‬‬


‫شريكه‪ .‬وال تنجز المهام دون مس اهمته‪ ،‬فال يمكن مثال تس يير أم ور البنك أو المدرسة دون‬
‫الموظف‪ ،‬فالمدير وحده‪ ،‬ال يمكنه القيام بعمليات البيع والشراء والص يانة دون "الش ريك" أي‬
‫‪187‬‬
‫‪.‬‬ ‫الموظف‬
‫فأي سياسة عدا سياسة الربح المتبادل "أنا أربح وأنت تربح" يعني وجود طرف خاسر وعندها ال‬
‫تتحقق العدالة والنزاهة واإلنصاف‪.‬‬
‫وهذا يستدعي منا التعرف على ثالثة سياسات أخ رى إض افة للسياسة المثالية "أنا أربح وأنت‬
‫تربح"‪.‬‬
‫فهناك سياسة" أنا أربح وأنت تخسر"‪ ،‬وهذه السياسة السائدة في كثير من المؤسسات عندما تحاول‬
‫وال‪ .‬وهنالك‬ ‫اإلدارة استغالل الموظفين من أجل تعظيم مكاسب اإلدارة وأصحاب رؤوس األم‬
‫سياسة " أنا أخسر وأنت تربح" وهو ذلك الذي يعمل على إسعاد اآلخرين على حساب مص لحته‬
‫حيحة؛‪ ،‬ألن‬ ‫الخاصة‪ ،‬وهذه السياسة تواجه وجهات نظر مختلفة‪ ،‬فمن الناس من يعدّها غير ص‬
‫فيها ظلمًا لطرف على حساب اآلخر‪ ،‬ولكن هذا االعتبار ال يمكننا تعميمه عندما تكون الخس ارة‬
‫للصالح العام‪ ،‬ومن أجل تغيير في سلوك اآلخرين نحو األفضل أو في سبيل تغي ير اجتم اعي‬
‫كبير‪ ،‬أو لحل مشاكل اجتماعية وإنسانية مستعص ية‪ ،‬وه ذه ح ال األنبي اء والرسل وح تى‬
‫المصلحون االجتماعيون في مختلف األوقات‪ ،‬فنرى بأنهم يغلّبون المصالح العامة على مصالحهم‬
‫الشخصية اآلنية‪ ،‬فهذا غاندي يضحي ويخسر الكثير في س بيل مجتمعه ومن أجل حل مش كلة‬
‫إنسانية كادت تسبب كارثة في زمن غان دي بين المس لمين والهن دوس‪ ،‬فلم يلجأ إلى الح وار‬
‫فحسب‪ ،‬بل لجأ إلى اإلضراب عن الطعام حتى الموت فك ان ذلك س ببا في ه زة قوية في ذلك‬
‫المجتمع جعلته يفكر ويتمعن ويغَير إلى االتجاه الذي أراده صاحب المبدأ‪.‬‬
‫ادئ‬ ‫هذا النوع من التغيير على مستوى المبادئ وعلى المستويات السامية‪ ،‬التي تسمو فيها المب‬
‫فوق التضحيات‪ ،‬وفي هذا النوع يتحقق الربح للطرفين‪ ،‬فربح الط رف الخاسر من وجهة النظر‬
‫الواقعية ال يتحقق له من خالل خسارته اآلنية اللحظية‪ ،‬وإنما من خالل رضا صاحب التض حية‬
‫في البناء المتحقق عن التغيير نحو األفضل‪.‬‬
‫إن سهر األم أو األب ليالي وأيام من أجل أبنائهم وبذل جهد كبير في ذلك إلى مستوى التضحية ال‬
‫يعد في كثير من الحاالت خسارة‪.‬‬
‫ولكنّ الوالدين قد يضحيان في بعض األوقات ويخسران في سبيل أبنائهم بطريقة خاطئة قد تؤدي‬
‫بنهاية المطاف إلى خسارة للطرفين‪ ،‬في الوقت ال ذي يظنّ فيه األم أو األب أنهما يض حيان في‬
‫سبيل أبنائهم‪.‬‬
‫‪- 234 -‬‬
‫وخاصة عندما ينجم عن ذلك زرع سمة االعتمادية واإلتكالية ل دى األبن اء‪ ،‬وه ذا هو عكس‬
‫االستقاللية وروح المبادرة؛ ألنّ التضحية لم تعط األبناء درسا في االستقاللية‪ ،‬فاألم التي تحاول‬
‫مثال قضاء الساعات الطويلة في تعليم أبنائها ومساعدتهم في حل جميع مسائل وواجبات المدرسة‬
‫ظنًا منها بأنها تعلمهم‪ ،‬فهي في واقع األمر ال تعلمهم على التفكير المس تقل‪ ،‬ومواجهة تح ديات‬
‫المسألة وآالمها وآالم التفكير في حلها وعناء التفكير في حل الواجبات‪ .‬فه ذه سياسة " أنا أخسر‬
‫وأنت تربح" في ظاهرها‪ ،‬و في حقيقتها ما هي إال سياسة‪ " :‬أنا أخسر وأنت تخسر"‬
‫أما السياسة الرابعة وهي "أنا أخسر وأنت تخسر" فهي أسوأ أنواع العالقات‪ ،‬وذلك عندما يحاول‬
‫الفرد تدمير اآلخرين معه واإلساءة لنفسه ولغيره‪ .‬ونعرض اآلن إلى حالة من ح االت ال ربح‬
‫والخسارة في العالقة بين األم وأوالدها‪.‬‬

‫‪- 235 -‬‬


‫حالة ‪ 8‬قصة في التمكين‬

‫قصة في التمكين‬
‫يروي ستيفن كوف ي قصة حقيقية حدثت ألح د أص دقائه الذي شكت له زوجت ه ذات يوم م ن‬

‫شدة اإلرهاق والمعاناة مع األوالد؛ ألنهم ال ينجزون أي عمل دون أن تشرف عليهم بنفسها‬

‫فهم يحتاجون لمساعدتها في كل صغيرة وكبيرة‪.‬‬

‫فيج ب عليه ا إيقاظه م ف ي ك ل ص باح للذهاب إل ى المدرس ة إو عداد اإلفطار واإلشراف عل ى‬

‫تناوله م ل ه‪ ،‬واإلشراف عل ى تعليمه م وواجباته م المدرس ية بع د عودته م م ن المدرس ة‪ .‬وق د‬

‫سبب هذا لها متاعب صحية وتعباً شديداً‪.‬‬

‫فجمع األب جميع أبنائه وسألهم ذات يوم‪" :‬من منكم يستطيع أن يصحوا في الصباح بنفسه‬

‫أو بواسطة استخدام المنبه فليرفع يده؟" فرفعوا أيديهم جميعا‪ .‬ثم سألهم‪" :‬من منكم يستطيع‬

‫أن يرتدي مالبسه بنفسه؟" فرفعوا أيديهم ثانية‪ .‬ثم سألهم‪" :‬من منكم يستطيع القيام بواجباته‬

‫المدرسية بنفسه إال إذا استعصت عليه مسألة فيمكنه طلب المساعدة مني أو من والدته؟"‬

‫فأجاب الجمي ع بنعم‪".‬فنظ ر األ ب إل ى األ م وقال‪" :‬أرأي ت؟! كله م يمكنه م القيام بهذه المهام‬

‫دون أ ن ترهق ي نفس ك‪ .‬ولك ن مكنيه م للقيام بذل ك بأنفس هم‪ .‬المشكل ة أن ك ال تثقي ن به م‬

‫وتخافين عليهم أكثر من الالزم"‬

‫عر األوالد‬ ‫ربما كان هنالك بعض الصعوبات في التطبيق ولكن بعدها ارتاحت األم وش‬
‫بحالوة التعاون وطعمه واالعتماد على ألذات ومعنى المشاركة في تحمل المسؤولية ‪.‬‬
‫‪188‬‬

‫أسلوب القيادة والتمكين‬


‫قد تمر القيادة بالخطوات اآلتية للوصول إلى مستوى القيادة بالتمكين‪:‬‬

‫‪- 236 -‬‬


‫استخدام أسلوب العصا والجزرة‪ :‬هذا األس لوب يتناسب مع الحاج ات األساس ية‬ ‫‪‬‬
‫والدنيا في سلم أبراهام ماسلو للحاجات (‪ )Maslow 1970‬و هي ال تي تتض من‬
‫الحاجات المادية البحتة كالمأكل والمشرب وغيرها من الحاج ات األساس ية ال تي‬
‫تصلح كحاجات للبقاء‪ .189‬وقد يصلح هذا األسلوب في عصر الصناعة أو في عصر‬
‫الزراعة وفي عصرنا الحاضر في االعمال الروتينية التي أصبحت تتقلص وتتالشى‬
‫أمام الثورة المعلوماتية والثورة المعرفية والرقمية‪.‬‬
‫قيادة عدم التدخل‪ :‬وهو أسلوب ضعيف في القيادة واإلدارة حيث ي ترك الع املون‬ ‫‪‬‬
‫يعملون دون رقيب أو حسيب‪ ،‬فتختفي المحاسبة والمساءلة والمس ؤولية ويختفي مع‬
‫هذا كله اإلنجاز‪ ،‬وال يصلح هذا األسلوب لعصر المعلوماتية الذي نشهد‪.‬‬
‫التمكين‪ :‬هو األس لوب األفضل ال ذي يتماشى مع عهد العلم والمعرفة والث ورة‬ ‫‪‬‬
‫المعلوماتية فهو يعتمد على الرقابة الذاتية بالتعاون مع القيادة على أنه موجه ومساعد‬
‫ومدرّب على غرار الدور القيادي الذي يقوم به مدربو الف رق الرياض ية‪ .‬وسياسة‬
‫الربح المتبادل هي السياسة المسيطرة على هذا األسلوب‪ ،‬وه ذه السياسة تركز على‬
‫تحقيق أهداف مشتركة للجميع دون أن تحقق جهة على حساب جهة أخرى‪.‬‬

‫القيادة والتمكين ونظرية التغيير المتقدمة‬


‫تنسجم نظرية التغيير المتقدمة مع مفهوم التمكين وتنطلق نظرية التغيير المتقدمة من أن التغي ير‬
‫يبدأ من ألداخل‪.190‬‬
‫يزعم أصحاب هذه النظرية بأن التغيير الصحيح يتطلب تضحية غير عادية من قبل دعاة التغيير‬
‫أنفسهم‪ ،‬بأنفسهم وفي مواقفهم وفي حياتهم‪ .‬وهذا يتطلب من قادة التغيير تضحية بالوقت والنفوذ‪،‬‬
‫وتحمال لحالة عدم التأكد وتقديم ثقافة مختلفة على المستوى الفردي والمستوى الجماعي‪ .‬فتغيير‬
‫دما‬ ‫اآلخرين يتطلب تغيير الذات‪ .‬ويكون الفرد أكثر قدرة على إقناع اآلخرين لقبول التغيير عن‬
‫يبدأ التغيير من الذات‪ ،‬ومن ثم يطلب من اآلخرين أن يغيروا أنفسهم على نفس الخط الذي بدأ به‬
‫فالتغيير يبدأ من الداخل إلى الخارج‪.‬‬
‫إن الكثير من برامج التغيير تعاني من الفشل الذريع بعد إنفاق المبالغ الضخمة على هذه البرامج‪،‬‬
‫مثل برامج التمكين والجودة الشاملة ودوائر الجودة وإعادة الهندسة أو (الهندرة) وغيرها‪ .‬ويبدأ‬

‫‪- 237 -‬‬


‫القادة حسب نظريات التغيير التقليدية يلقون اللوم عند أي فشل على اإلدارات التنفيذية‪ ،‬ونادرا ما‬
‫يبحث قادة التغيير في ذواتهم عن أسباب الفشل‪.‬‬
‫نظرية التغيير المتقدمة)‪ Advanced Change Theroy (ACT‬التي قدمها في عام ‪2000‬‬
‫تحوال من النظ رة التقليدية إلى نظ رة تبحث في‬
‫ً‬ ‫العالم المشهور روبرت كوين وزمالؤه‪ 191‬تعد‬
‫األعماق‪.‬‬
‫يطمح قادة التغيير دائما نحو تغيير مرؤوسيهم‪ ،‬وبعد الفشل وع دم إح داث التغي ير المنش ود‬
‫ون في‬ ‫والمخطط له يبدأ هؤالء في التفتيش عن المشكلة واألسباب في الخارج‪ ،‬ونادرا ما يبحث‬
‫ذواتهم وأنفسهم‪ .‬وكما يؤكد أيضا )‪ Argyris (1998‬أن الكثير من برامج التمكين تفشل بسبب‬
‫عدم قدرة قادة هذه البرامج على تغيير أنفسهم من الداخل‪.‬‬
‫ويصف )‪ Chris Argyris (1998‬الموضوع وصفا دقيقا ومهمًاً في مقالتين من أهم ما كتب في‬
‫مواضيع االتصال والتمكين‪ ،‬حيث يؤكد بأن هنالك على الدوام فجوة منتظمة بين أقوالنا من جهة‬
‫ينجم عن ذلك عملي ات‬ ‫‪192‬‬
‫وتصرفاتنا من جهة ثانية من غير وعي منا وإدراك به ذه الفج وة‪.‬‬
‫تشويش متعمده لعملية االتصال وتبادل المعلومات يتم فيها تشويه للحقائق‪ .‬ويعزو ‪Argyris193‬‬
‫)‪ (1991‬ذلك إلى أن هنالك قاعدة عامة وعالمية لتنظيم حياتنا وتقوم على أربعة عوامل أساسية‬
‫وهي‪:‬‬
‫محاولة البقاء في دائرة السيطرة والتحكم‪ ،‬فنحاول دائما المحافظة على هذه ال دائرة‬ ‫‪‬‬
‫ألنفسنا‪.‬‬
‫نحاول دائما الكسب وتجنب الخسارة وعدم القبول بالخسارة بأي شكل من األشكال‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫نحاول دائما كبت المشاعر السلبية‪ .‬ونقوم بهذا بشكل تلقائي من خالل الالوعي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫نعمل دائما على التبرير العقالني لألهداف التي نضعها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫فهذه العوامل األربعة أو أي منها يبرز بشكل طبيعي عندما نواجه أي فشل أو قصور ما‪ ،‬فنصبح‬
‫دفاعيين لدرجة تمنعنا من التفكير والتمعن في الفشل وأسبابه‪ ،‬وهذا الدفاع عن الذات وقصورها‬
‫يحدث في أدعى لحظة من لحظات الحاجة للتعلم؛ أي عندما يكون اإلنسان أحوج ما يكون للتعلم‬
‫ومعرفة أسباب القصور والفشل‪ .‬ومن هنا فإن الممارسين لنظرية التغيير المتقدمة هم أقدر على‬
‫إدراك هذه الحالة‪ .‬فكيف يكون ذلك؟‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬يطلب هؤالء القادة من الموظفين تط بيق ب رامج التمكين مثال‪ ،‬فيس تجيب ه ؤالء‬
‫الموظفون من الداخل ولكن المديرين غالبا ما تكون استجابتهم خارجية وش كلية‪ ،‬فيق دمون تلك‬

‫‪- 238 -‬‬


‫رنانة وش عارات قوية‪ ،‬ولكن من دون االس تعداد منهم للتخلي عن نف وذهم‬
‫البرامج بخطابات ّ‬
‫اتهم فال‬ ‫ومكتسباتهم‪ .‬فمن أجل التنفيذ الحقيقي لهذه البرامج يستلزم منهم التخلي عن بيروقراطي‬
‫يتخلون‪ ،‬ويستلزم منهم منح المرؤوسين دعما وحرية تصرفًا وصالحيات أك بر فال يمنح ون‪،‬‬
‫ويتطلب منهم مزيدا من االنفتاحية والشفافية فال يعطون‪ ،‬وعندما يتح دثون تج دهم من أفضل‬
‫الخطباء والمتحدثين عن هذه البرامج وأهميتها ودورها في نج اح المؤسس ات‪ ،‬فهم في حقيقة‬
‫أنفسهم يرغبون بالتغيير‪ ،‬ولكنه يصعب عليهم تغيير أنفسهم ومكتسباتهم ونف وذهم وس لطاتهم‪.‬‬
‫فالتخلي عن هذه المكتسبات يتطلب من قادة التغيير البدء بأصعب وأعقد خط وة من خط وات‬
‫وذ‪.‬‬ ‫التغيير وهي في تغيير أنفسهم وتغيير مواقفهم واالستعداد األكبر للتضحية والتخلي عن النف‬
‫وهذا يتطلب محاربة النفس وإقناعها بقدرات اآلخرين ومواهبهم وإمكاني اتهم ال تي ال تقل عن‬
‫إمكانيات قادتهم إذا أُتيح لهم توظيفها واالستفادة منها‪.‬‬
‫فنظرية التغيير المتقدمة تعد متقدمة فعال ألنها معقدة نوعا ما وغ ير تقليدية في المفه وم ال ذي‬
‫تنطلق منه‪ .‬فالنظريات التقليدية مختلفة في المفهوم والتفكير‪ .‬فما هي النظري ات التقليدية؟ يمكن‬
‫أت نجملها على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬العقالنية اإلقناعية‬
‫‪ .2‬التغيير بواسطة اإلكراه‬
‫‪ .3‬التغيير عن طريق المشاركة‬
‫أما النظرية المتقدمة فهي أقل وض وحا من النظري ات التقليدية وأك ثر تعقي دا وأقل ممارسة‬
‫وتطبيقا‪ ،‬ولكنها تسمو فوق المصالح الذاتية واالنا العاجلة وتنطلق من ال ذات وتتطلب تغ يرات‬
‫ذهنية وسلوكية داخلية في التكوين البشري‪ .‬فاألنانية البشرية والمص لحية الذاتية ع ادة ُت دعم‬
‫عزز من خالل الخداع الذاتي والنفاق الداخلي‪ ،‬ومحاربة هذه األم راض النفس ية يتطلب من‬
‫وت َّ‬
‫ُ‬
‫النفس البشرية تضحية وعملية تحويلية‪ .‬وه ذا يتطلب نض اال وكفاحا داخل النفس للتخلص من‬
‫أمراضها المتعلقة بحب الذات وحب السيطرة والسلطة والنفوذ والمكاسب المادية المختلفة‪ ،‬وهذا‬
‫بر‬ ‫ال يعني خسارة للمكاسب بقدر ما يعني مشاركة بها‪ ،‬وهذا سيعطي صاحبها رضًا معنويا أك‬
‫عند التركيز على العطاء وانعكاساته اإليجابية على اآلخرين‪.‬‬
‫وهذه الرحلة نحو الداخل (الذات) تتمثل ص عوبتها في االع تراف لل ذات ولآلخ رين وللنفس‬
‫بقصورها وطمعها وجشعها وتمسكها بالمكاسب أو اإلمراض النفسية التي تم التنويه عنها سابقا‪.‬‬
‫واالعتراف بالتضليل والخداع هو الخطوة الحاسمة في التغيير الداخلي‪ .‬وتكمن ص عوبة ه ذه‬
‫الخطوة من حيث خوف المرء من االع تراف بالفشل والقص ور‪ ،‬بس بب الكبري اء من ناحية‬
‫‪- 239 -‬‬
‫والخوف من فقدان ماء الوجه أمام اآلخرين من ناحية أخرى‪ ،‬وهذه قمة التض حية واأللم ال ذي‬
‫يحتاج لشجاعة أكبر من الشجاعة المطلوبة في أعتى الحروب‪.‬‬
‫الح الذاتية‪،‬‬ ‫وال بد هنا أيضًا من تبني رؤية للمصلحة العامة وتغليب مصلحة الفريق على المص‬
‫وهذه هي الرؤية المتعلقة بالمصلحة العامة التي تتطلب إنك ار ال ذات‪ ،‬وهي ال تي تعد من أهم‬
‫مقومات نظرية التغيير المتقدمة‪ ،‬فالناس أكثر ميال للعمل والتضحية في سبيل ه دف ما عن دما‬
‫يتصرف القائد القدوة بأسلوب فيه نوع من اإليثار والتسامح‪ ،‬فص فات القائد الكريمة هي ال تي‬
‫تجبر اآلخرين على الدفاع عن التغيير‪ ،‬وخاصة عندما يتولد لديهم الوعي بأنهم يتصرفون دفاعا‬
‫عن ما يؤمنون به حقا‪ .‬وأصحاب نظرية التغيير المتقدمة يكنون احتراما لآلخرين وال يلزمونهم‬
‫بالتغيير‪ ،‬ولكن لديهم األيمان العميق بأن التغيير سوف يشملهم ويندفعون إليه برغبة وقوة توازي‬
‫قوة المبادئ والرؤية التي يتضمنها التغيير نفسه‪ .‬وهذا يتطلب تغي يرًا في ذهنية ق ادة التغي ير‬
‫ون هي الحكم‬ ‫وتغيير الطريقة التي يتعاملون بها مع المرؤوسين أو التابعين‪ .‬فالثقة يجب أن تك‬
‫لهذه العالقة وليس االتهام أو ما يسمى بنظرية )‪ X (MacGregor, 1960‬والسيطرة والرغبة‬
‫في التحكم‪.194‬‬
‫وهنا قد يقول قائل أن هذا األسلوب قد يكون مناسبا للمص لحين االجتم اعين في تع املهم مع‬
‫الشعوب وليس في إدارة مؤسسات األعمال الربحية‪ .‬إن هذا المنهج يتعامل مع جميع المؤسسات‬
‫والمنظمات االجتماعية سواء أكانت عامة أم خاصة‪ ،‬ربحية أو غ ير ربحية أو إنس انية‪ ،‬ولكن‬
‫الشرط في توظيف مثل هذه األفك ار اإلنس انية هو أن ينظر للجميع من وجهة نظر المص لحة‬
‫العامة والمصلحة المشتركة‪ ،‬وأن الجميع شركاء وليسو بخصوم‪ ،‬وسنقدم في هذا الكتاب لنماذج‬
‫من مؤسسات ربحية طبقت هذا المنهج وكانت من أنجح الشركات لفترة زمنية طويلة‪ .‬وهذا ينتج‬
‫ويحصل عندما يمنح الفرد في المؤسسة االحترام والتق دير والحرية في االختي ار والحرية في‬
‫أسلوب المشاركة الذي يرغبون في ممارسته(‪.195)Senge, 1990‬‬

‫الذكاء الوجداني ونظرية التغيير المتقدمة‬


‫القادة العظام هم الذين يلمسون ويملكون قلوب تابعيهم ومرؤوسيهم فيفهمون حاجاتهم ويتلمسون‬
‫مشاعرهم‪ ،‬وهذا هو الذي يمكُنهم من بناء عالقات وثيقة وعميقة تسمو على المصالح الشخص ية‬
‫والمصلحة االقتصادية المتبادلة التي روج لها علماء االقتصاد‪ .‬وهذه العالق ات أص بحت تأخذ‬
‫مجاال واسعا في أدبيات اإلدارة بما يعرف بمفهوم الذكاء الوج داني أو الع اطفي(‪Emotional‬‬
‫‪ ،)Cooper, 1997; Goleman, 1995(196 )Intelligence‬من خالل هذا الذكاء الوجداني‬
‫‪- 240 -‬‬
‫يتمكن القائد من رؤية الطاقات الكامنة لدى مرؤوسيه تلك الطاقات المتناغمة والمؤي دة للتغي ير‬
‫ومن أهم خص ائص ال ذكاء‬ ‫المنشود على أسس ديموقراطية وتمكينية (‪)Reason, 1998‬‬
‫الوجداني ما يأتي‪:197‬‬
‫التعامل االيج ابي مع الم وظفين والعمالء واإلنص ات لهم وفهم احتياج اتهم‬ ‫‪‬‬
‫ومشاعرهم‬
‫تشجيع الموظفين على توليد أفكار جديدة من خالل العصف الذهني‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫خلق دافعية حقيقية وخلق مهارات القي ادة والتف اوض واإلقن اع والت أثير في‬ ‫‪‬‬
‫اآلخرين وحفزهم‪.‬‬
‫خلق رؤية وبصيرة وقدرة على استلهام سيناريوهات مختلفة للمستقبل‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫إدارة أالزمات والكوارث حال وقوعها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫والذكاء الوجداني هو من أهم مقومات نظرية التغيير المتقدمة‪ ،‬والقادة من أصحاب نظرية التغيير‬
‫المتقدمة يبعثون اإللهام باآلخرين من أجل إبراز أفضل ما لديهم وبذل قصارى جهودهم من أجل‬
‫الوصول إلى مستويات عالية من المعنوية والرفعة والفضيلة‪ .‬وق ادة النظرية المتقدمة للتغي ير‬
‫يشجعون على اإلبداع والتفكير الخالق‪ ،‬متجاوزين الروتين والظروف الصعبة والقي ود الواقعية‬
‫والقوانين والتعليمات البيروقراطية‪ .‬فأتباع هذه النظرية يعتقدون أن تغيير العالم الخارجي يجب‬
‫ؤثر‬ ‫أن يبدأ بتغيير النفس‪ .‬وهذه النظرية تنطلق من منطلق هام جدًا وهو منطلق المبادئ التي ت‬
‫في السلوك‪ ،‬ذك السلوك الذي يخلق ويشكل المبادئ‪.‬‬
‫عب أن‬ ‫فال يوجد أقوى من السلوك والتصرفات التي تحكمها القيم والمبادئ‪ ،‬فصاحبها من الص‬
‫ينهار ويستسلم بينما اآلخرون سرعان ما يستسلمون في أول لحظة اختبار صعبة‪ ،‬فال توجد لديهم‬
‫قوة المبدأ التي تخلق قوة دفع ذاتية في اإلنسان الذي يستعد أن يم وت في س بيل ذلك المب دأ‪.‬‬
‫والتغيير االجتماعي هو من أصعب أنواع التغيير؛ ألنه يحتاج إلى تغي ير مص احب في الثقافة‬
‫والقيم والعادات والتقاليد وال يوجد أصعب من التغيير في األعراف والتقاليد ونظم الحي اة‪ ،‬فمثال‬
‫دول‬ ‫الوساطة والمحسوبية التي تنخر كالسوس في بعض المجتمعات في الدول النامية‪ ،‬مثل ال‬
‫العربية‪ ،‬تحتاج إلى مثل هذا النوع من التغيير الذي ينبغي أن يبدأ من خالل قادة نظرية التغي ير‬
‫المتقدمة‪.‬‬

‫‪- 241 -‬‬


‫نماذج عملية من نظرية التغيير المتقدمة‬
‫مرة أخرى قد يقول قائل بأن هذا الكالم قد يصلح التحدث به مع قادة أح زاب وق ادة سياس يين‬
‫ومصلحين اجتماعيين وال يصلح مع قادة هم مديرون في مؤسسات ربحية أو مؤسسات عامة أو‬
‫حتى مؤسسات اجتماعية فقد بينت دراسة كوين ورفاقه لعام ‪ 2000‬وجود نماذج قامت بتط بيق‬
‫األفكار التي تكلمنا عنها في هذا الفصل بما يعرف بنظرية التغيير المتقدمة‪ ،‬وهذه النماذج تشمل‬
‫جهات مختلفة مثل األس رة‪ ،‬في العالقة بين األم وابنتها‪ ،‬وفي الجامعة في العالقة بين األس تاذ‬
‫الجامعي وطالبه‪ ،‬وفي مؤسسة ذات مستويات إدارية متعددة‪.‬‬
‫ص‪.‬‬ ‫وسنعرض هنا لمثال واقعي من شركة صناعية كبيرة نقال عن ك وين ورفاقه (‪،2004‬‬
‫‪.)158‬‬
‫" في إحدى الش ركات الكب يرة ال تي تنتمي لفورشن ‪ 500‬في الوالي ات المتح دة‬
‫ركة‬ ‫األمريكية‪ ،‬قام المدير التنفيذي للشركة بإحداث تغييرات جذرية عندما مرت الش‬
‫بتوسع لتصبح شركه عالمية لها فروع في دول مختلفة من العالم‪ .‬بعدها بدأت الشركة‬
‫تواجه مشكالت كبيرة وبدأت مبيعاتها تتناقص وحصتها السوقية تت دهور‪ .‬ه ذا وقد‬
‫ود‬ ‫كانت الشركة تعاني من ترهل في هيكلها التنظيمي مع هيكل تنظيمي هرمي وجم‬
‫واضح في العالقات الشخصية‪ ،‬وكانت أيضا عمليات االتص ال تتم باتج اه واحد من‬
‫أعلى إلى أسفل‪ .‬فواجه المدير التنفيذي هذه المشكالت وجها لوجه واع ترف بعج زه‬
‫أمام هذه المشكالت"‪.‬‬
‫يقول‪" :‬لقد أصبحت قوة القيادة عاجزة أمام هذه المشكالت وخاصة عن دما أص بح حجم‬
‫المؤسسة يكبر ويتعَقد‪ .‬فقبل ذلك كان بالنسبة لي كل شيء في غاية الوضوح والمنطق‪ ،‬وقد‬
‫كنت أعتقد بأن األمور تسير بالشكل الصحيح‪ ،‬فكان لدي الرؤية الواضحة لألمور وقد كنت‬
‫أعتقد أن بإمكاني أن أجعل اآلخرين‪ ،‬بالسيطرة والق وة‪ ،‬يص نعون ما أطلبه منهم‪ ،‬ولكن‬
‫يكف ما كان لدي من إنتماء له ذه الش ركة ولم يكف‬
‫بدأت األمور تتجه بشكل عكسي‪ .‬لم ِ‬
‫يكف وضوح االتجاه لدي‪ .‬فكان الدرس الذي أدركته قبل ف وات‬
‫وجود خطط واضحة ولم ِ‬
‫رين‬ ‫األوان وهو أن علي واجبًا بأن أجعل اآلخرين ينخرطون في العملية وأن أجعل اآلخ‬
‫يتمتعون بنفس االنتماء الذي أتمتع به أنا"‪.‬‬

‫‪- 242 -‬‬


‫هذا الوعي والبحث عن المشكلة في ال داخل أدى لح دوث تغي يرات هامة وجوهرية في ثقافة‬
‫المؤسسة‪ .‬فما قام به المدير التنفيذي لهذه الش ركة هو البحث والتح ري في داخله عن عوامل‬
‫ومشاكل وأخطاء ساهمت في تراجع المؤسسة‪ ،‬فأدرك أن التغيير يبدأ من داخله مباش رة‪ ،‬فب دأ‬
‫يمارس مواجهة من ن وع آخر وهي مواجهة مع ال ذات ولكن بأمانة وص دق مع ال ذات ومع‬
‫ان من خالل األمانة‬ ‫اآلخرين‪ .‬وبدأ هذا المدير التنفيذي يرى بأم عينية القوة التي يمتلكها اإلنس‬
‫والصدق في الحوار مع اآلخرين‪ .‬وأخيرا ب دأ بإح داث تغي يرات جوهرية‪ ،‬لدرجة أن بعض‬
‫المديرين قد بدأوا يتشجعون ويطرحون التساؤالت والش كوك أحيانا ح ول مب ادرات الم دير‬
‫التنفيذي‪ ،‬ولكنه بدال من أن يفعل ما كان يفعله سابقا في التعامل معهم عن طريق القمع أو تجاهل‬
‫تساؤالتهم‪ ،‬فقد أصبح يصغي لكل صغيرة وكب يرة ودعا ذات ي وم ثالثة محللين م اليين ألحد‬
‫االجتماعات السنوية بحضور ‪ 120‬مديرا من مديري الشركة‪ ،‬وطلب منهم تقديم نقد موضوعي‬
‫لواقع الشركة‪ .‬وكانت النتائج مذهلة ومن النوع الكارثي‪ .‬فقد ظهرت ش دة الخالف والص راع‬
‫الموجود في الشركة بشكل واضح‪ .‬وبدال من أن يرد بشكل مباشر ويدعي حل وال س حرية لما‬
‫تواجهه الشركة من مصاعب‪ ،‬فقد أعطاهم فرصة لمدة يومين لمناقشة الخالف ومعرفة أس بابه‪.‬‬
‫وكانت النتيجة ظهور نظام جديد بذهنية مختلفة وانتماء للمؤسسة بشكل أكبر‪ .‬واس تمر الم دير‬
‫التنفيذي في مشروعه اإلصالحي‪ ،‬لدرجة أنه أمرهم بأن يسائلوه ح ول ممارس اته وس لوكياته‬
‫اإلدارية وغير اإلدارية الخاصة بقرارات الشركة‪ .‬ومع االنتقال من مرحلة إلى أخرى أصبحت‬
‫تتجذر بشكل كبير‪.‬‬
‫الثقة ّ‬
‫فالناس الذين يعملون في إطار النماذج التقليدية يظن ون ب أن التغي ير يب دأ دائما من القمة إلى‬
‫القاعدة‪ .‬يأمر المدير‪ ،‬فيطاع ويرى التغيير فيجب أن يراه اآلخ رون بنفس الطريق ة‪ .‬الم دير‬
‫التنفيذي في هذه الحالة التي تم عرضها هنا كان قويا وصاحب حجة وقدرة على إقناع اآلخرين‪،‬‬
‫ولكنه اكتشف بنفسه أن هذه الخصائص لم تكن كافية بمفردها‪ ،‬واكتشف بأن التغيير في الظروف‬
‫الصعبة وفي حاالت عدم التأكد التي تواجهها الكثير من المؤسسات ال يكفيه االنتماء الذي يحمله‬
‫هو‪ ،‬وال تكفي القناعات التي يؤمن بها بعيدا عن انتماء وانخراط اآلخ رين في رؤيت ه‪ .‬فك ان‬
‫األسلوب المتبع لدى هذا المدير هو في استخدام نظرية غير تقليدية في التغيير‪ ،‬يب دأ من خاللها‬
‫بتغيير نفسه من أجل تغيير اآلخرين وذلك من خالل النظرية المتقدمة في التغيير‪.‬‬
‫يتوافر لقادة التغيير الحقيقيين التمكين الحقيقي عندما يبدأون من أنفسهم وعندما يغامرون بتب ني‬
‫أنماط سلوكية جديدة على أسس ومبادئ متينة وراسخة‪ ،‬فعندها فقط يتمكن ون من التم رد على‬

‫‪- 243 -‬‬


‫المعيقات القائمة في المؤسسة‪ .‬ودون ذلك سيبقى المدير رهن النظ ام الق ائم والمقيد ب العوائق‬
‫التقليدية المختلفة اجتماعية وسياسية ونظمية‪.‬‬
‫إذن ال بد من التخلص من القيود وإحداث التغيير المنش ود بن اء على مب ادئ قوية وانخ راط‬
‫اآلخرين‪ .‬بعدها يمكن أن يتوفر للقادة قوة تأثير غ ير تقليدية في اس تنهاض همم المرؤوس ين‬
‫وطاقاتهم الكامنة‪.‬‬
‫وهذه النظرية تلتقي مع مفهوم التمكين بصفته مفهومًا إداري ًا غ ير تقلي دي يق وم على تخلي‬
‫المديرين عن نسبة من النفوذ الذي يتمتعون به من أجل مش اركة أفضل وأوسع في النه وض‬
‫بالمنظمة وأفرادها إلى مستويات متقدمة من النمو والتقدم واالزدهار‪ .‬فالتمكين في حقيقته منهج‬
‫يهدد الذهنية اإلدارية التقليدية السلطوية التي ترى التمكين كأسلوب فني أو كموضة إدارية عابرة‬
‫أو كمصطلح إداري جذاب‪ .‬بهذا التفكير فإن التمكين لن يغير في المؤسسة شيئا‪ ،‬وس يكون عبئا‬
‫بدال من أن يكون عونا لها‪ .‬وكما تقول )‪ Spreitzer (1996‬أن المؤسسات ال تمنح موظفيها‬
‫التمكين وإنما هم الذين يمنحونه ألنفسهم ويكتسبونه اكتسابا فقط من خالل مناخ تنظيمي مش جع‬
‫يستنهض الطاقات الكامنة لدى الموظفين ويساعدهم على إبراز ما هو كامن ل ديهم من ق درات‬
‫بها من ثقافة و قيم في المؤسسة‬ ‫وخبرات تنسجم مع ما لديهم من القيم والثقافة التي تجد ما يناس‬
‫التي ينتمون إليها‪.198‬‬

‫قيادة التغيير والتمكين‬


‫إن التغيير وتطوير المنظمة وتنميتها أصبحت مسألة مصيرية بالنسبة لمنظمات األعمال‪ .‬فال بد‬
‫من التغيير والتطوير المستمر لمواجهة التغيير في البيئة الداخلية والخارجية على حد س واء‪ .‬إن‬
‫مؤسسات األعم ال أص بحت تواجه تح ديات ومفاج آت غ ير متوقعة في البيئة التنافس ية‬
‫والتكنولوجية والسوقية واالقتصادية واالجتماعية والزبائن وغيره ا‪ .‬والتح دي ال ذي تواجهه‬
‫دا‬ ‫منظمات األعمال هذه األيام يكمن في صعوبة التنبؤ بهذه المتغيرات؛ األمر الذي يتطلب جه‬
‫أكبر في عملية رصد هذه التغيرات والتكيف السريع معها‪.199‬‬
‫تبين الدراسات وممارسات منظمات األعم ال أن النظم التقليدية لم تعد ص الحة لمواجهة ه ذه‬
‫التغيرات‪ .‬أي أن اإلدارة البيروقراطية أو المركزية لم تعد قادرة على مواجهة ه ذه التغ يرات‬
‫السريعة‪ .‬إذ ال بد من مش اركة جميع وح دات ومجموع ات العمل في مس اعدة المنظمة في‬
‫مواجهتها للمتغيرات المحيطة بها‪ .‬ولتمكين الجميع من مواجهة التغ يرات المحيطة ال بد من أن‬

‫‪- 244 -‬‬


‫يكون هنالك تنمية شاملة داخل المنظمة ترتبط بتطوير أداء العاملين وتنمية قدراتهم‪ ،‬حتى يتمكنوا‬
‫كل‬ ‫من تطوير المنظمة في األبعاد األخرى التنظيمية والهيكلية والتكنولوجية وأداء المنظمة بش‬
‫عام‪.‬‬
‫إن تطوير التكنولوجيا وتط وير كف اءة المنظمة وتنميتها وتوس عها وتحقيق أرباحها وحصص‬
‫مناسبة للمساهمين ال يأتي إال من خالل االستثمار في شيء واحد وهو اإلنسان‪ .‬والتطوير وتنمية‬
‫ع‪ .‬وال يغيب‬ ‫المنظمة بناء على ما سبق تحتاج إلى جهود متكاملة ومتعاونة ومتناسقة من الجمي‬
‫عن البال أن التغيير قد يواجه مقاومة من قبل المرؤوسين إذا لم تعمل اإلدارة على إدارة التغي ير‬
‫بشكل صحيح‪ .‬وإدارة التغيير تقتضي التنبؤ بوجود مقاومة للتغي ير ال بد من إدارة تلك المقاومة‬
‫بشكل فاعل وصحيح‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫إعادة اختراع القيادة والتمكين‬
‫حتى يتسنى لبرامج التدريب أن تنجح وتسير في االتجاه الص حيح‪ ،‬فال بد من قي ادة تعمل على‬
‫إنجاح هذه البرامج وتمكنها من تطوير المنظمة والنهوض بها لمستويات أفضل‪ .‬وإن فشل الكثير‬
‫من برامج التمكين يعود لعدم قناعة القيادة وع دم تمثلها لما تن ادي به‪ ،‬أي ع دم وج ود النية‬
‫المتأصلة في القيادة للتغيير فيقال بأنه عندما تنوي القيادة التغي ير ف إن التغي ير حتما سيحصل‬
‫وعندما تفتقد النية فإن التغيير سيراوح مكانه‪.‬‬
‫ومع اتجاه اإلدارة الحديثة كما يؤكد )‪ Bennis and Townsend (1995‬إلى تصغير المؤسسات‬
‫والحد من المستويات اإلدارية‪ ،‬أصبح لزاما إعادة صياغة القي ادة اإلدارية لكي تتالءم مع الواقع‬
‫الجديد‪ .‬لم تعد القيادة المسيطرة والبيروقراطية صالحة في الوقت الحاضر‪ .‬فنعيش اليوم في عالم‬
‫تُّغير فيه التكنولوجيا أساليب التفكير‪ ،‬وتتداخل فيه المصالح والمتناقضات لتنقل اإلنسان إلى عالم‬
‫مختلف عن الماضي‪.‬‬
‫فمن يريد أن يتميز في عالم اليوم يجب أن يمارس قيادة من نوع آخر‪ ،‬قيادة شغلها الشاغل هو في‬
‫ار‬ ‫بناء مؤسسة برأس مال فكري بدال من رأس المال المادي فحسب‪ .‬قيادة تقود عمليات االبتك‬
‫وتخلق المناخ المناسب لالبتكار والتميز في األداء‪ .‬فقد وقفت كل األس اليب القهرية والقس رية‬
‫عاجزة عن دفع العاملين في المؤسسات إلى االبتكار‪ .‬ولن يحدث االبتكار واإلبداع إال من خالل‬
‫التمكين وحرية التصرف وحرية التفكير واإلبداع‪ .‬وكلما تض اعف رأس الم ال الفك ري في‬
‫المنظمة أصبحت بحاجة أكبر إلى قادة بأنماط قيادية جديدة تدفع إلى نسيج المنظمة بحرية أك بر‬

‫‪- 245 -‬‬


‫وتركز بشكل أكبر على المصلحة العامة‪ .‬هذا وقد أثبتت آليات السوق والمتغ يرات السياس ية‬
‫‪Bennis‬‬ ‫العالمية األخ يرة ب أن حرية العمل وحرية اإلدارة هي الطريق الوحيد للنمو (‪and‬‬
‫)‪. Townsend (1995‬‬
‫والتوجه نحو الزبائن (‪ )Customer Orientation‬وتقديم خدمات متميزة لهم وتحقيق الميزة‬
‫التنافسية ال يتحقق إال من خالل سوق داخلية حرة ( ‪ )Free Internal Market‬وذلك عندما‬
‫يقوم القائد بدوره الفاعل بتحفيز المرؤوسين وإلهامهم نحو تق ديم أفضل ما ل ديهم برضا داخلي‬
‫وانتماء ذاتي‪ ،‬لتحقيق مصالح المؤسسة والزبائن والمساهمين والشركاء جميعهم‪.‬‬
‫إن ثقة المرؤوسين ببرامج التمكين التي تدّعيها القيادة‪ ،‬تتوقف على مدى صدق القادة (‪Argyris,‬‬
‫في تطبيق هذه البرامج بشكل جوهري وصدق القادة يعتمد بالدرجة األولى على مدى‬ ‫‪201‬‬
‫‪)1998‬‬
‫انخراطهم في الخطوط األمامية واحتكاكهم المستمر مع العاملين على خطوط اإلنتاج أو العمليات‬
‫أو خطوط المواجهة مع الزبائن‪ .‬ويتسبب القادة في فشل منظماتهم؛ ألنهم يتكلم ون أك ثر مما‬
‫يفعلون‪ ،‬ويحكمون السيطرة على الموظفين ويمنعونهم من المخاطرة‪ .‬وقد كان المدير التنفي ذي‬
‫لشركة ‪ IBM‬األسبق ‪ Tomas Watson‬قائدا ناجحا بسبب مواجهته للمخاطرة وعدم تجنبها‪.‬‬
‫كاف من العاملين ال ذين‬
‫فقد صرح ذات يوم قائال " مشكلتنا الحقيقية تكمن في أنه ليس بيننا عدد ٍ‬
‫يجرؤون على مواجهة وارتكاب األخطاء‪.‬‬
‫أن "مدرس التاريخ ال ذي درسه في‬
‫عالم اإلدارة المعروف ّ‬ ‫ويذكر ‪Peter F. Drucker‬‬
‫المدرسة طلب من جميع الطالب قراءة بعض ما كان يكتب حول الحرب العالمية األولى‪ .‬وكان‬
‫ذلك المدرس قد شهد الحرب وجرح فيها‪ .‬وقد أشار بعض الطالب بعد ق راءاتهم عن الح رب‬
‫رخ‬ ‫العالمية األولى بعدم كفاءة القيادات التي خاضت تلك الحرب‪ .‬فما كان من المعلم إال أن ص‬
‫بصوت عال‪ :‬أتدرون ما هو السبب؟ ألنه لم يقتل عدد كاف من الجنراالت في تلك الح رب‪ .‬فقد‬
‫أكتفوا في البقاء في الصفوف الخلفية‪ ،‬وتركونا نموت"‪.202‬‬
‫فالقادة الحقيقيون هم الذين يفعلون أكثر مما يتكلمون‪ ،‬ألن صوت األفع ال أق وى من ص وت‬
‫الكلمات‪ ،‬ولكن بنفس الوقت هم الذين يفوضون ويمكنون مرؤوسيهم ويثقون بهم‪.‬‬

‫الخالصة‬
‫ال‬ ‫إن للقيادة دورًا هامًا في مواجهة التحديات وفي إحداث التنمية المستديمة في منظمات األعم‬
‫وغيرها من المنظمات‪ .‬إن لدى القيادة القرار وإمكانية تقديم الدعم والتحفيز والتشجيع‪ ،‬من أجل‬

‫‪- 246 -‬‬


‫التغيير والتطوير وتنبني برامج إدارية حديثة ومعاصرة مثل التمكين في اإلدارة المعاصرة‪ .‬وال‬
‫بد أن يتوافر للقيادة الرؤية الحقيقية‪ ،‬التي تلتقي مع المف اهيم اإلدارية المعاص رة ال تي تتبناها‬
‫المنظمات الناجحة لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين‪.‬‬
‫والرؤية تعني رؤية القائد للنتائج وعدم غياب النتائج عن تفكيره وت دبيره‪ ،‬وال بد هنا من ترجمة‬
‫الرؤية إلى واقع ألن هذه الترجمة تولد الثقة بين القائد ومرؤوسيه والثقة بدورها تنشئ قوة وطاقة‬
‫وإيمانًا بإمكانية القيام بنتائج مبه رة‪ .‬إال أن ترجمة الرؤية تحت اج من القائد ص برا وجه دا‬
‫اءات‬ ‫متواصلين في نقل وتوصيل رؤيته للمرؤوسين من خالل الحوار المتبادل ومن خالل اللق‬
‫الهادئة والنشرات الدورية واستثمار مختلف المناسبات لغ رس تلك الرؤية في عق ول وقل وب‬
‫المرؤوسين‪.‬‬

‫‪- 247 -‬‬


- 248 -
‫الفصل العاشر‬
‫واقع التمكين في البيئة العربية‬
‫والثقافة اإلسالمية‬

‫‪- 249 -‬‬


‫مقدمة‬
‫يشهد العالم تحوالت وتغيرات متعددة‪ ،‬كما تش هد ال دول العربية أيضا تح والت وتغ يرات‬
‫ومنعطفات سياسية وثقافية واجتماعية عبر قرن من الزمان‪ ،‬وقد زادت وتيرة ه ذه التغ يرات‬
‫كرية وثقافية‪،‬‬ ‫بشكل ملحوظ‪ ،‬على جسر األلفية الثالثة‪ ،‬وما واكبها من صراعات سياسية وعس‬
‫تعصف في المنطقة العربية بشكل واضح وخطير‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وينطوي عن الطبيعة البشرية بشكل عام تعقيدات كبيرة‪ ،‬وتن وع في التج ارب‪ ،‬واختالف‬
‫وديناميكية واضحة في بيئة المؤسسات‪ ،‬والدول‪ ،‬مما يصعب معه وضع افتراضات محددة لسبر‬
‫أغوار تلك الطبيعة البشرية (‪ .)Ali 1989‬وتزداد القدرة على التنبؤ ووضوح الرؤية صعوبة في‬
‫العالم العربي‪ ،‬كما يؤكد بروفيسور عباس علي في كتاباته التحليلية الهامة في هذا اإلطار‪ ،‬حيث‬
‫يؤكد عبر أكثر من عقدين في كتاباته‪ ،‬بأن الثابت الوحيد في منطقتنا هو التغير‪ .‬فمنطقتنا العربية‬
‫غنية بالموارد كما أنها منطقة جذب للصراع الع المي أك ثر من أي دولة أو منطقة أخ رى في‬
‫العالم‪.203‬‬
‫اح‬ ‫تشهد المنطقة العربية في الوقت الراهن تحوالت اقتصادية واجتماعية وسياسية‪ ،‬إضافة لري‬
‫العولمة‪ ،‬التي تهب على المنطقة‪ ،‬بخيرها وشرها‪ .‬إن له ذه التح والت ت أثيرا واض حا على‬
‫الممارسات اإلدارية في واقع المؤسسات االقتصادية في العالم العربي واإلسالمي‪ .‬فمن أهم هذه‬
‫التأثيرات والتغيرات تلك التحوالت المتسارعة نحو العولمة والخصخصة واإلقبال على البرامج‬
‫الدولية المتعلقة بتحرير التجارة‪ ،‬وفتح األسواق‪ ،‬ورفع القيود المحلية‪ ،‬وتق ريب المس افات من‬
‫بكة‬ ‫خالل التكنولوجيا‪ ،‬والثورة المعلوماتية والرقمية‪ ،‬وثورة االتصال‪ ،‬ومن خالل ما توافره ش‬
‫المعلومات العالمية‪ ،‬والفضائيات من تحويل الع الم إلى قرية عالمية ص غيرة‪ ،‬ال بل إلى شاشة‬
‫حاسب أو تلفاز من خالل مشاهدة ما يجري واإلطالع على ما يح دث واالتص ال ب اآلخرين‬
‫بسرعة هائلة وربما بتكلفة قليلة‪.204‬‬

‫هذه الصراعات والتحوالت والتغيرات بال شك تؤثر وستؤثر مع مرور الزمن على عنصر هام‬
‫وحيوي في المجتمع العربي واإلسالمي‪ ،‬وهذا العنصر هو الثقافة العربية واإلسالمية‪.‬‬

‫‪- 250 -‬‬


‫التمكين في التاريخ اإلسالمي‬
‫لم يرد مصطلح التمكين في الثقافة العربية اإلسالمية سوى من مصدر واحد‪ ،‬وهو القرآن الكريم‪،‬‬
‫بات‪ ،‬وخاصة في‬ ‫فقد ذكرت كلمة التمكين في القرآن الكريم في أكثر من موقع‪ ،‬وفي عدة مناس‬
‫سورة الحج حيث يقول تعالى‪ :‬الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي األَرْضِ أَقَامُوا الصَّالةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَ رُوا‬
‫بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ األُمُورِ‪[ ‬اآلية‪ ]41:‬وفي سورة يوسف عليه السالم حيث‬
‫حيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَال‬
‫يقول تعالى‪ :‬وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا َ‬
‫خيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ‪[ ‬اآلية‪]57 :‬‬
‫نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ‪[‬اآلية‪ ]56 :‬وَألَجْرُ اآلخِرَةِ َ‬
‫طرح مفهوم التمكين هنا في القرآن قد يختلف‪ ،‬من حيث طبيعة التمكين‪ ،‬فهنا نرى ب أن التمكين‬
‫ْ‬
‫رباني‪ ،‬أي أن اهلل سبحانه وتعالى يمنح التمكين ألنبيائه وللصالحين من عباده‪ ،‬من خالل تمسكهم‬
‫دعوة‪،‬‬ ‫بالدعوة وتبليغ رسالته للناس فيمنحهم تمكينًا من عنده س بحانه وتع الى حماية لتلك ال‬
‫ذا‬ ‫ومساندة لتلك الرسالة‪ ،‬وتكريمًا لرسله وأنبياءه‪ .‬ولكن االستشهاد بهذا المصطلح في سياق ه‬
‫الكتاب‪ ،‬هو من حيث الجوانب التي تتشابه فيها المع اني مع اختالف وجه الش به بين تمكين اهلل‬
‫الم‬ ‫سبحانه وتعالى لرسله‪ ،‬وتمكين اإلنسان لآلخر في حياة البشر‪ .‬ففي سورة يوسف عليه الس‬
‫يبين لنا القران الك ريم أهمية التمكين ومقوماته (راجع مقوم ات التمكين كما وردت في الفصل‬
‫باب العلم والمعرفة‪ ،‬وموهبته في‬ ‫الثاني) التي تتمثل هنا بثقة الملك وامتالك سيدنا يوسف ألس‬
‫تفسير األحالم‪ ،‬ومن خالل المعلومات وتدفقها بين الملك وسيدنا يوسف عليه الس الم بواس طة‬
‫بعض الناس الذين أبلغوا الملك عن قدرة سيدنا يوسف عليه السالم على تفسير األحالم‪ ،‬وأخ يرًا‬
‫الجوائز العظيمة التي ُمنحت لسيدنا يوسف في الدنيا واآلخرة‪ ،‬والتي س اهمت أيضًا في رفعته‪،‬‬
‫وتمكينه‪ ،‬ومكانته العظيمة في الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫ومما يثير الدهشة انقطاع الكتابة حول هذا الموض وع ح تى عص رنا الح ديث وخاصة بعد‬
‫الثمانينات من القرن العشرين‪ ،‬ومما يثير الدهشة أك ثر من ذلك هو وج ود ه ذه الدراس ات‬
‫والكتابات ح ول التمكين في البيئة الغربية وخلو بيئتنا العربية واإلس المية من الكتابة في ه ذا‬
‫الموضوع ذي الجذور القرآنية منذ أكثر من (‪ )1400‬عام خلت‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫التمكين في العالم العربي‬
‫يؤكد القريوتي على تزايد االهتمام في الدول النامية بتحسين كفاية اإلدارة لتحقيق أهداف تنموية‬
‫طموحة‪ ،‬ومن هنا يحاول المعنيون بمواضيع التنمية اإلدارية‪ ،‬التعرف إلى مختلف العوامل التي‬
‫ملت ‪332‬‬ ‫من شأنها أن تساهم ببلوغ هذا الهدف‪ .‬كما يؤكد القريوتي من خالل دراسته التي ش‬

‫‪- 251 -‬‬


‫مديرا من مؤسسات مختلفة على عدم قدرة كث ير من المنظم ات على اختالف مس مياتها على‬
‫وم‬ ‫الوصول بالعاملين إلى تطبيق مفهوم التمكين‪ .‬ومن أهم األسباب التي تعيق تطبيق هذا المفه‬
‫حسب هذه الدراسات هو في أساليب اإلشراف واإلدارة التقليدية البيروقراطية‪ ،‬ومحاولة تط بيق‬
‫التعليمات والقوانين بشكل حرفي دون التفكير في منح الثقة للمرؤوس ين فكث يرا ما تس مع من‬
‫المديرين قولهم‪ ":‬أنا أعلم بأن هذا األمر أو الرأي هو الصحيح ولكن ال يمكنني مخالفة التعليمات‪،‬‬
‫أو التعليمات تنص على كذا وكذا‪ ،‬وهذا مخالف للتعليمات‪ ،‬على الرغم من أنه صحيح‪ .‬وبما أنه‬
‫مخالف للتعليمات‪ ،‬فالتعليمات هي األصح"‪ .‬هذه اللغة في اإلدارة العربية شائعة‪ ،‬وتتردد في كل‬
‫وقت وهي اللغة الشائعة والمسيطرة في كثير من المنظمات سواء أكان ذلك في القطاع الع ام أم‬
‫في منظمات األعمال (القريوتي‪.)2004 ،‬‬
‫ففي منظمات الدول الغربية‪ ،‬نجد أن االهتمام منذ زمن بعيد قد بدأ يظهر في منح الع املين نوعا‬
‫من التمكن‪ ،‬والتمكين من خالل برامج مختلفة‪ ،‬مثل برامج المش اركة‪ ،‬وتق ديم االقتراح ات‪،‬‬
‫واإلدارة باألهداف ( ‪ ، )Management by Objectives‬ودوائر الجودة (‪)Quality Circles‬‬
‫‪ ،‬وتدرج األمر حتى وصل إلى موضوع التمكين إلى ما هو عليه‪ ،‬كما تم اإلشارة إليه في فصول‬
‫أخرى من هذا الكتاب‪.‬‬
‫طرح هذا الموضوع‪ ،‬أي موضوع التمكين‪ ،‬قد يساهم في تكريس أهمية التمكين والقيام بدراسات‬
‫ممتدة ومتصلة لمعرفة أبعاده المختلفة‪ ،‬مما قد يساهم في تحسين مستويات األداء‪ ،‬األمر الذي قد‬
‫يساهم في تفجير الطاقات اإلبداعية الكامنة لدى العاملين في مختلف مستويات المنظمة‪.‬‬
‫وقد توصلت الدراسة التي ق ام بها القري وتي إلى وج ود اتج اه س لبي في عالقة الرؤس اء‬
‫بالمرؤوسين‪ ،‬ويدلل على ذلك عدم وجود معززات من قبل الم ديرين لتمكين الع املين‪ .‬وبينت‬
‫تويات‬ ‫الدراسة أيضا أهمية التعليم في التمكين‪ ،‬أي أن األفراد األكثر تعليما يهمهم التمكين بمس‬
‫أكثر ألنهم يشعرون بأهمية أكبر لألدوار التي يقومون بها من األفراد غ ير المتعلمين‪ .‬ويوصي‬
‫الباحث‪ ،‬القريوتي‪ ،‬في دراسته بزيادة االهتمام بتوفير الظروف المناسبة للتمكين‪ ،‬من خالل إيالء‬
‫هذا الموضوع األهمية الالزمة‪ ،‬من خالل برامج التطوير اإلداري‪ ،‬وتنمية المنظمات في القطاع‬
‫العام وفي القطاع الخاص‪.‬‬
‫كما أكدت دراسة القريوتي أهمية اعتماد المؤهالت العلمية المناسبة بص فتها متطلب ات ينبغي‬
‫توافرها فيمن يتم تعيينهم في وظائف إدارية‪ ،‬وتأهيل المديرين والموظفين الحاليين‪ ،‬وذلك للعالقة‬
‫الواضحة بين العوامل المعززة للشعور ب التمكن ومس توى التأهيل العلمي‪ ،‬إض افة إلى تأكيد‬

‫‪- 252 -‬‬


‫الباحث على أهمية إجراء دراسات تتناول بش كل واضح العالقة بين إنتاجية الموظف‪ ،‬والتمكين‬
‫أو دراسة العالقة بين التمكين‪ ،‬واإلبداع‪.‬‬
‫إن نقص الوعي في موضوع التمكين في البالد العربية قد يعود ألسباب مختلفة‪ ،‬منها‪ :‬عدم جدية‬
‫األنظمة السائدة في تطبيق مفهوم التمكين على المس توى الع ام لألنظمة العربية‪ ،‬فالعالقة بين‬
‫الشعوب والحكومات تقوم على الشك وع دم الثقة ب دال من الحكم الرش يد أو الحكمانية الحقة‬
‫(الكايد‪ .)2003 ،‬ال يستطيع المواطن العربي أن يقر ويقتنع بأن الدولة العربية هي دولة الق انون‬
‫رص‬ ‫وتوفر الف‬
‫التي يتساوى أمامه مواطنوها‪ ،‬أو أنها الدولة التي تسودها المساواة االجتماعية ّ‬
‫المتساوية لجميع مواطنيها وتوسع خياراتهم وتفتح آفاقهم وتمنحهم فرص للتنمية والتطوير‪.‬‬
‫فالتمكين في الدول المتقدمة ربما هو نهج بدأت مقدماته وبوادره في العالقة بين الدول وشعوبها‪،‬‬
‫ات‬ ‫فلم يكن مستهجنا أن ينعكس ذلك على المؤسسات المدنية والعامة والخاصة وجميع المؤسس‬
‫االجتماعية في أش كال من التمكين وحرية االختي ار‪ .‬أما في دولنا العربية فنجد ع دم ثقة في‬
‫مبادرات التمكين حتى لو وجدت‪ ،‬بسبب عدم وجود مقدمات حقيقية وبوادر سابقة لالستناد عليها‪.‬‬
‫فالدولة الديمقراطية في بالدنا أصبحت حتمية وملحة أكثر من أي وقت س بق نتيجة للتح والت‬
‫اركة‬ ‫العالمية والتغيرات المختلفة التي تتطلب من حكوماتنا ممارسة الشفافية والمحاسبة والمش‬
‫والثقة في الشعوب‪ ،‬من أجل أن تنطلق عمليات التنمية والتط وير وتنطلق مؤسس ات المجتمع‬
‫المدني‪ ،‬والمنظمات الخاصة والعامة في االستفادة من تجارب الحكوم ات ومحاولة محاكاتها في‬
‫تفعيل دور المشاركة وحرية ال رأي والتفك ير وتق ديم رؤى إبداعية خالقة في طريق التنمية‬
‫والتقدم‪.‬‬
‫ثانية على ضعف مستوى المشاركة السياسية الش عبية في ال وطن‬ ‫‪206‬‬
‫كما يؤكد الكايد (‪)2003‬‬
‫العربي‪ ،‬مع تفاوت في حجم المشاركة السياسية من دولة عربية إلى دولة أخرى‪ ،‬فبينما تج رى‬
‫انتخابات للمجالس التشريعية‪ ،‬أو البرلمانية في بعض الدول‪ ،‬ال توجد أي مشاركة ديمقراطية في‬
‫دول أخرى‪ ،‬فيما تمارس دول عربية درجة أكبر من الحرية في التعبير ووجود تعددية سياسية‪.‬‬
‫وب‬ ‫وعلى الرغم من توافر هذه الحرية‪ ،‬إال أنها أقل منها في دول أمريكا الالتينية‪ ،‬وشرق وجن‬
‫شرق أسيا وكث ير من دول جن وب ص حراء أفريقيا حيث يتقلص دور األنظمة المركزية فيها‬
‫لحساب المستويات المحلية (الكايد‪.)217 ،‬‬
‫وكثيرا ما تلجأ بعض الدول العربية إلى فرض حالة الطوارئ ال تي تحد من ممارسة الم واطن‬
‫لحقوقه السياسية‪ ،‬األمر الذي يجعل المواطنون ال يثقون في مبادرات الدول التي تن ادي بالحرية‬
‫المدنية والمشاركة السياسية‪.207‬‬
‫‪- 253 -‬‬
‫كما يعاني المواطن في بعض الدول العربية من تحديات أساسية وظروف حياتية ومعيشية قاسية‬
‫بسبب الفقر والبطالة التي تتراوح بين ‪ %25-15‬من حجم القوى العاملة وهذه المشاكل بطبيعة‬
‫الحال لها أثار كبيرة على ق درة الم واطن الع ربي على المش اركة في التنمية االقتص ادية‬
‫واالجتماعية فضالً عن المشاركة في الحياة السياسية والعملية الديموقراطية‪.208‬‬
‫هذه الحالة العامة على مستوى ممارسات الدول والحكوم ات وض عف الثقة بين الحكوم ات‬
‫والشعوب وبالعكس‪ ،‬تساهم في خلق ثقافة اليأس واإلحباط التي قد تنتقل عدواها إلى كافة األنظمة‬
‫على مبدأ نظرية النظم التي تنظر إلى العالقة بين النظام الفرعي والنظام الكلي حيث إن النظ ام‬
‫الفرعي (مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة مثال) جزء ال يتجزأ من النظام الكلي (الدولة في‬
‫سياساتها وممارساتها وقوانينها)‪ .‬فالدول الديموقراطية قد تنتج مؤسس ات ديموقراطية وال دول‬
‫البيروقراطية أو الديكتاتورية قد تنتج مؤسسات بيروقراطية أو ديكتاتورية‪.‬‬

‫التنمية البشرية في العالم العربي‬


‫تشير تقارير التنمية البشري التي تصدر عن األمم المتحدة بضعف األداء االقتص ادي لعم وم‬
‫أقطار الوطن العربي وقد انعكس هذا األداء على الجوانب االقتصادية األخرى المرتبطة بالتنمية‬
‫البشرية مثل معدل النمو السنوي الذي ال يتناسب مع الزيادة السكانية‪ ،‬مما أدي إلى تراجع حصة‬
‫الدْين‬
‫الفرد من الناتج المحلي اإلجمالي‪ .‬يضاف إلى ذلك التراجع في معدل االس تثمار وزي ادة ّ‬
‫الخارجي بمعدل أعلى من معدل نمو الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم‬
‫وزيادة في حجم البطالة الفعلي‪ .‬لقد بلغ الناتج المحلي اإلجم الي لكل البل دان العربية في ع ام‬
‫‪ 1999‬ما مقداره ‪ 531‬بليون دوالر أمريكي أي أقل من دخل دولة أوروبية واحدة مثل أسبانيا‬
‫والبالغ ناتجها المحلي اإلجمالي ‪ 595‬بليون دوالر أمريكي‪.‬‬
‫والعالم العربي يعاني في مجمله من ضعف إنتاجية رأس المال المادي المص حوب بمع دل نمو‬
‫منخفض نسبيا‪ ،‬كما يشكل انخفاض إنتاجية الفرد في العالم العربي تحديا خطيرا للمنطق ة‪.‬ويمثل‬
‫ال‪ ،‬فقد‬ ‫مقياسا أكثر تعبيراً من مقياس اإلنتاجية نفسه‪،‬على سبيل المث‬
‫ً‬ ‫تغير اإلنتاجية عبر الزمن‬
‫كان نصيب الفرد من الناتج الق ومي اإلجم الي في مصر ع ام ‪ 1962‬نحو ‪ 2500‬دوالر أي‬
‫خمسة أضعاف مثيله في كوريا الجنوبية الذي بلغ نحو ‪ 480‬دوالرًا في العام نفسه‪ .‬وبعد أربعة‬
‫الي في كوريا الجنوبية ‪8910‬‬ ‫عقود انقلب الحال ليصبح نصيب الفرد من الناتج القومي اإلجم‬
‫دوالرات وفي مصر ‪ 1490‬دوالرًا في عام ‪.2092000‬‬
‫وهناك ثالثة تحديات أساسية تواجه الدول العربية وهي‪:‬‬
‫‪- 254 -‬‬
‫نقص الحرية‬
‫دلت عدد من المؤشرات التي تقيس مظاهر متنوعة للعملية السياسية والحريات المدنية والحقوق‬
‫السياسية واستقالل اإلعالم على أن الناس في المنطقة العربية‪ ،‬كانوا األقل استمتاعا بالحرية على‬
‫الم على‬ ‫الصعيد العالمي في تسعينيات األلفية األخيرة‪ ،‬وفي المرتبة األخيرة‪ ،‬لجميع مناطق الع‬
‫أساس حرية التمثيل والمساءلة‪.‬‬
‫وما زالت المشاركة السياسية في المنطقة العربية دون المستوى المتحقق في جميع مناطق العالم‪،‬‬
‫على الرغم من اإلنجازات المتحققة في بعض البلدان العربية‪ ،‬في ربع القرن األخير‪ ،‬أما مقياس‬
‫التمتع بالحرية فيتحدد بتوافر خمس “حريات وسائلية” هي‪ :‬الحري ات السياس ية‪ ،‬التس هيالت‬
‫االقتصادية‪ ،‬الفرص االجتماعية‪ ،‬ضمانات الشفافية‪ ،‬األمن الاجتماعي ( توف ير ش بكات األمن‬
‫االجتماعي المناسبة للمجموعات الضعيفة في المجتمع)‪.210‬‬

‫مشكلة تمكين المر أه‬


‫أكد تقرير التنميةالبشرية لعام ‪ 2000‬الصادر عن برنامج األمم المتحدة اإلنمائي بأن النساء‬
‫يشغلن ما نسبته ‪ %3،5‬من جميع المقاعد البرلمانية في البلدان العربية مقابل ‪ %4،2‬في شرق‬
‫آسيا (دون الصين) و ‪ %8،4‬في أفريقيا و ‪ %12،7‬في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي و‬
‫‪ %12،9‬في بلدان أمريكا الالتينية ومنطقة الكاريبي و ‪ %21،2‬في الصين وشرق آسيا وهذا‬
‫يبين بشكل ال يحتمل الشك تدنيًا واضحًا في مشاركة المرأة العربية في المساهمة في التنمية‬
‫السياسية واالجتماعية‪ ،‬على الرغم من أنها تشكل نصف المجتمع‪ ،‬وال تتنافى مشاركتها مع قيم‬
‫ومبادئ المجتمع‪ ،‬فقد كانت السيدة عائشة زوجة النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬من أكبر المشاركات‬
‫رضي اهلل عنها في رواية الحديث ونقله للمسلمين‪ ،‬عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬وهنالك‬
‫مشاركات لنساء عربيات ومسلمات عبر التاريخ اإلسالمي (ال يتسع المجال للحديث عنها)‬
‫شاركن في التنمية المجتمعية والسياسية واالقتصادية‪.211‬‬
‫وقد أكد القريوتي في بحثه الميداني أهمية مشاركة المرأة وتوفير فرص أكبر لمشاركتها في‬
‫الوظائف القيادية‪ ،‬حيث إنه لم يجد عالقة بين الجنس وبين التمكين‪ ،‬أي ال يوجد ما يعيق مشاركة‬
‫المرأة واختالف قدراتها في المشاركة والتمكين عن الرجل‪ .‬ويؤكد انه ليس هناك أساس علمي‬
‫أو أخالقي الستمرار تحجيم المرأة ومنعها من تقلد مناصب قيادية أو إدارية أو على األقل‬
‫حرمانها من المشاركة في حرية التصرف والمشاركة في الرأي واتخاذ القرار‪.‬‬

‫‪- 255 -‬‬


‫وفي عدد من البلدان العربية تعاني النساء أيضًا من ع دم المس اواة في حق وقهن الوطنية وفي‬
‫الحقوق القانونية‪ .‬وفي بعض البلدان العربية ال تي يوجد فيها مج الس وطنية منتخبة ما زالت‬
‫المرأة ُتحرم من الحق في الترشيح واالنتخاب‪ .‬وما زالت واحدة من كل ام رأتين عربي تين ال‬
‫تعرف القراءة أو الكتابة‪ ،‬فيعاني المجتمع بأكمله من تجميد نصف طاقاته المنتجة‪.‬‬

‫نقص المعرفـة‬
‫التحدي الثالث‪ ،‬بعد تحديات نقص الحرية‪ ،‬والتحديات التي تواجه المرأة‪ ،‬ت أتي مش كلة نقص‬
‫المعرفة ضمن تلك التحديات الخطيرة في وجه التنمية البشرية وتحرير اإلنسان العربي من القيود‬
‫والحدود‪ .‬تحدٍ خطير آخر تواجه ه البالد العربية‪ ،‬وهي فج وة المعرفة ال تي تس تلزم وضع‬
‫استراتيجيات سليمة لتحقيق التكامل بين استيعاب المعرفة واكتسابها ونشرها‪ .‬كما يل زم إيج اد‬
‫صالت واضحة تربط المبدعين والباحثين ومحللي السياسات مع المنتجين أو صانعي القرارات‬
‫الي أعلى مما‬ ‫وعلى الرغم من أن العالم العربي ينفق على التعليم نسبة من الناتج المحلي اإلجم‬
‫بين ع امي‬ ‫تنفقه أي منطقة أخرى في العالم النامي‪ ،‬وارتفاع األنفاق على التعليم بنسبة ‪%50‬‬
‫‪ 1980‬ـ ‪ ،1995‬ظلت هناك أمور يتعين االهتمام بها‪ .‬فمن أهم القض ايا في التعليم‪ ،‬النوعية‬
‫والكيفية‪ ،‬التي تتطلب من أصحاب القرار في العالم العربي وضعها ض من أهم األولي ات ذات‬
‫العالقة في البرامج التنموية‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى دراسة شملت ‪ 132‬بل دا خلصت إلى إن رأس‬
‫المال البشري واالجتماعي يساهم بما ال يقل عن ‪ %64‬من أداء النمو‪ ،‬أما رأس المال المادي ـ‬
‫آالت ومبان وبنى أساسية ـ فنسبته ‪ ،%16‬في حين يساهم رأس المال الطبيعي بالنسبة المتبقية‬
‫أي في حدود ‪20% 212‬‬

‫البحث والتطوير في أرقام‬


‫لقد اتسعت الفجوة بين البلدان العربية والع الم المتق دم‪ ،‬وازدادت هج رة العق ول العربية إلى‬
‫الخارج‪ ،‬مما يتطلب ضرورة االهتمام بالعقول العربية المه اجرة والنظر في أس باب وجودها‬
‫ونجاحها بالخارج‪ ،‬وتوفير اإلمكانيات الالزمة الستقطاب هذه العقول حتى تتمكن الدول العربية‬
‫من اللحاق بركب التقدم والتنمية والرفاه‪ ،‬لشعوبها‪.‬‬
‫أما في مجال اإلنفاق على البحث العلمي‪ ،‬فما تزال نسبة اإلنف اق تش كل مؤش رًا جليًا على أن‬
‫البحث العلمي ال يشكل األولوية التي يشكلها البحث العلمي في الدول المتقدمة والدول الصناعية‪،‬‬
‫من االهتمام والرعاية‪.‬‬
‫‪- 256 -‬‬
‫فمثال‪ ،‬تنفق دولة اإلم ارات على البحث العلمي‪ %0،6 :‬والك ويت‪ %0.2 :‬واألردن‪%0.3 :‬‬
‫وتونس‪ %0.3 :‬وسورية‪ %0.2 :‬ومصر‪ %0.2 :‬وإذا نظرنا إلى بعض ال دول المتقدمة نجد‬
‫فارقًا واضحا عن الدول العربية في مجال اإلنفاق على البحث العلمي‬
‫يشير إلى أن الدول المتطورة تنفق ‪ %4.2‬من ناتجها‬ ‫‪213‬‬
‫فتقرير التنمية البشرية لعام ‪2003‬‬
‫القومي اإلجمالي على البحث العلمي‪ ،‬وتنفق دولة إسرائيل ‪ %3.0‬من ناتجها القومي اإلجم الي‬
‫على البحث العلمي‪ .‬ولكن بالمقابل تنفق الدول العربية ‪ %0.2‬من الناتج القومي اإلجم الي على‬
‫البحوث العلمية‪ .‬كما تبين الدراسات أنّ مساهمة العالم العربي في المعرفة أقل بنسبة ‪ %40‬مما‬
‫تساهم به دولة إسرائيل في إنتاج المعرفة والمشاركة بها‪.214‬‬
‫وتنفق الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي‪ ،‬فقط ما قيمته ‪ %0.15‬من الناتج المحلي فيما‬
‫يصل المعدل العالمي إلى ‪ .%1.4‬وتذكر تقارير التنمية البشرية أن المسلمين يشكلون ‪ %20‬من‬
‫سكان العالم ‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فنسبة العلماء من المسلمين ال تتجاوز ‪.%1‬‬
‫ومن المؤسف حقًا عدم وصول أي جامعة من جامعات الدول العربية ضمن تصنيف جامعة‬
‫‪" Tong‬ألعلى ‪ 500‬جامعة في العالم" فيما أوصلت إسرائيل ‪ 7‬من جامعاتها أو معاهدها ضمن‬
‫ذلك التصنيف ولم تقم بهذا التصنيف دولة متحيزة فقد قامت به جامعة تونق في شانجهاي في‬
‫‪215‬‬
‫الصين‬
‫إن حوالي واحد من كل أربعة أفراد بالغين في العالم العربي ال يمكنهم القراءة والكتابة‪ ،‬والمرأه‬
‫هي من أكبر المتضررين في هذا الموضوع‪ ،‬حيث أنّ ‪ %50‬من النساء في العالم العربي‪ ،‬هنّ‬
‫أُميات‪ .‬وخالل القرن العشرون أقل من ‪ 10،000‬كتاب تمت ترجمتها إلى العربية‪ .‬وأقل من‬
‫‪ %6‬من العرب يستخدمون اإلنترنت وأقل من ‪ %1.2‬لديهم قدرة على استخدام الكمبيوتر‪ .‬أما‬
‫هجرة العقول فهي األسوأ‪ ،‬حيث أنّ حوالي ‪ %25‬من الخريجين الجدد في الهندسة والعلوم‬
‫والطب يهاجرون بالدهم العربية في كل عام‪ .‬ويستطرد تقرير التنمية لعام ‪ 2003‬مبينًا‪ :‬يحتاج‬
‫المواطن العربي بالمعدل إلى ‪ 140‬عامًا لكي يتمكن من مضاعفة دخله أو دخلها‪ ،‬وهذا الرقم قد‬
‫يصل في دول أخرى إلى أقل من ‪ 10‬أعوام لفعل الشيء ذاته‪ .‬وواحد بين ‪ 5‬من العرب يعيشون‬
‫على أقل من دوالرين في اليوم‬
‫واليوم‪ ،‬أوروبا تمتلك ‪ 10‬أضعاف رقم الكتب لكل نسمة مقارنة مع الشرق األوسط‪ ،‬وعدد الكتب‬
‫التي ترجمت إلى العربية خالل ألف عام مضت تساوي تقريبا عدد الكتب التي ترجمت إلى اللغة‬
‫األسبانية في عام واحد‪.‬‬

‫‪- 257 -‬‬


‫المسؤولية في تردي مستويات التنمية البشرية في العالم العربي‬
‫إن استراتيجية البحث العلمي في العالم العربي غير واضحة أو مح ددة‪ ،‬فليس ص حيحًا تحميل‬
‫الجامعات وبعض المراكز البحثية مسؤولية إخفاق البحث العلمي وضآلة النت اج العلمي بش كل‬
‫عام‪ ،‬فاإلبداع العلمي هو حصيلة النش اط المؤسسي في بيئة علمية ص حيحة‪ ،‬وه ذه البيئة ال‬
‫تنحصر في الجامعة أو مراكز البحث فحسب‪ ،‬بل تشمل النظام الثقافي والمع رفي االجتم اعي‬
‫ود‬ ‫بشكل عام‪ .‬ومعوقات التنمية في المجتمع العربي عديدة ‪ ،‬ومن أهم هذه المعوقات‪ :‬عدم وج‬
‫استراتيجية تنمية بشرية متكاملة‪ .‬ومحور التنمية يجب أال يعني فقط النمو في مع دالت الن اتج‬
‫المحلي اإلجمالي أو التوازن الكافي في ميزان المدفوعات فحس ب‪ ،‬ولكن يجب أن يع ني أيضًا‬
‫القضاء على الفقر والبؤس وامتهان الكرامة المقترن ب ذلك‪ ،‬وينبغي أن تت اح للجميع ف رص‬
‫العمالة‪ ،‬وان يكون للجميع نصيب في عائدات الرخاء االقتصادي‪ .‬والعقب ات الرئيس ية للتنمية‬
‫البشرية‪ ،‬تتمثل في الفساد اإلداري وضيق اله امش ال ديموقراطي فباإلض افة إلى التك اليف‬
‫والخسائر المادية الكبيرة الناجمة عن الفساد وتعطيل فرص التنمية االقتصادية‪ ،‬فإن الفس اد يقتل‬
‫روح المبادرة والتنافس العلمي الشريف ويحبط رغبة اإلف راد في ال ترقي وفي تحص يل العلم‬
‫والمعرفة‪ ،‬وهو في الوقت نفسه يشوه قيم الثقافة الوطنية المجتمعية‪ ،‬ويولد بالتالي أفرادًا ضعفاء‪،‬‬
‫ال منتمين‪ ،‬وغير قادرين على النهوض بأعباء المشروع التنموي والثقافي‪ ،‬وهم غير قادرين في‬
‫نفس الوقت على مواجهة التحدي الذي تفرضه العولمة الجارية وتحديات بناء القدرات الذاتية‪.216‬‬
‫يزي لتقرير التنمية‬ ‫ال شيء يعبر عن هذا المفهوم أكثر من الجملة التي وردت في النص اإلنكل‬
‫البشرية واصفًا العالم العربي بأن‪" :‬غن اه يف وق مس توى تط وره" ) (‪Richer than it is‬‬
‫‪ ،Developed‬خالفا للحال في التطور والتنمية في كل أنحاء العالم‪ .‬لكن عن أي غنى نتحدث؟‬
‫الناتج المحلي اإلجمالي للدول العربية مجتمعة عام ‪ 1999‬بما فيها بلدان النفط كان‪ 531‬مليار‬
‫دوالرًا أميريكيًا‪ ،‬أقل من ‪ 595‬مليارا دوالر إلسبانيا‪ ،‬؟!‬

‫الثقافة العربية ومفهوم التمكين‬


‫يصف الرشيد‪ )2004( 217‬الثقافة على أنها نظ ام له دالالته وانعكاس اته على س لوك أف راد‬
‫المجتمع‪ ،‬والثقافة تعد مرجعية في تفسير السلوك وينظر على أنها أسلوب حي اة ومنهج للتفك ير‬
‫وهي برمجة ذهنية ألفراد المجتمع أو المنظمات ومميزة لهم عن غيرهم من المجتمعات األخرى‪.‬‬
‫وهناك الثقافة األساسية (‪ )Core Culture‬والثقافة الثانوية‪ .‬وهذا غير واضح عند الكثير ومن‬
‫المهم الفصل بين النوعين وعدم الخلط بين الثقافة األساسية والثقافة الثانوية‪.218‬‬

‫‪- 258 -‬‬


‫‪ .1‬الثقافة األساسية‪ :‬هي المبادئ العامة والقيم واألخالق الراس خة‬
‫التي ال تتغير مع ال زمن مثل ثقافة المجتمع ال تي قد تنبثق من‬
‫الدين والقيم والعادات والتقاليد‪.‬‬
‫‪ .2‬الثقافة الثانوية‪ :‬هي التي قد تتغير وال مانع من تغييرها ما دام‬
‫تغييرها يخدم الثقافة األساسية‬
‫وال يمكننا الفصل بين الثقافة واإلدارة في منظم ات األعم ال‪ ،‬كما ترتبط الثقافة بالدراس ات‬
‫دولة ص ناعية تكنولوجية منافسة للغ رب تمتلك ثقافة‬
‫اإلدارية والتنظيمية‪ .‬وقد ظهرت اليابان ً‬
‫تنظيمية داعمة ومالئم ة‪ .‬فالثقافة وع اء للقيم والع ادات والتقاليد واألع راف ثبت من خالل‬
‫الدراسات بأن لها تأثير على الممارسات اإلدارية في المؤسسات والمنظمات المختلفة‪.‬‬
‫ويؤكد الكثير من المثقفين كما يشير الرشيد (‪ )2003‬في العالم العربي واإلس المي من أمث ال‬
‫محمد اقبال ومحمد اركون وهشام شرابي‪ ،‬على جمود الثقافة الفكرية العربية وضرورة تحديثها‪.‬‬
‫لكن هذه الدراسات غالت نوعا ما في تفسير أسباب وعوامل ذلك الجمود‪ ،‬فأرجعت أس بابه جلها‬
‫إلى توقف االجتهاد واعتماد مرجعيات فقهية متقادمة وع دم واقعية الفكر اإلس المي المعاصر‬
‫وأسطورية التفكير العربي المعاصر وضعف واقعيته وشكلية القيم الدينية المعاصرة وض عفها‪.‬‬
‫كما أبرزت هذه الدراسات أسبابا عامة متعددة وكثيرة منها أس باب تتعلق في الجم ود في الفكر‬
‫الديني‪ ،‬ومنها أس باب ثقافية ال ترتبط في الفكر ال ديني بش كل مباشر‪ .‬وما يؤخذ على ه ذه‬
‫الدراسات من ناحية‪ ،‬إقحام مزيج كبير من هذه االعتب ارات الثقافية وتق ديمها على أنها هي من‬
‫أسباب تخلف الفكر اإلداري العربي المعاصر‪ ،‬ومن ناحية أخرى وهامه عدم قدرة هذه الدراسات‬
‫على إبراز عالقة طرديه وواقعية بطريقة علمية رصينة بين ه ذه االعتب ارات الثقافية وخاصة‬
‫الدينية منها والعقائدية والفشل في اإلدارة العربية المعاصرة‪.219‬‬
‫ويمكننا تقسيم عوامل الفشل التي تم ذكرها من خالل هؤالء المفك رين إلى قس مين‪ ،‬قسم يتعلق‬
‫بالعوامل العقائدية الدينية واآلخر يرتبط بعوامل لها صلة بالتقاليد وليس بالعقائد‪.‬‬
‫‪ .1‬العوامل العقائدية‪ :‬توقف االجتهاد وعدم واقعية الفكر اإلداري المعاصر بعدم استنباطه‬
‫ألدوات جديدة مواكبة للتطورات اإلدارية المعاصرة وش كلية القيم الدينية المعاص رة‬
‫وضعف جوهريتها‬
‫وتعزيز الجبرية بخالف اإلرادة الحرة‪.‬‬

‫‪- 259 -‬‬


‫أن المنطلقات واالعتبارات التي ق امت عليها الممارسة اإلدارية‬
‫وتزعم الطروحات التي قُدمت ّ‬
‫التراثية الدينية تمثل حقبة زمنية ذات مرجعي ات فكرية ومعرفية تجاوزها التط ور وتراكماته‬
‫وهذه المنطلقات من وجهة نظر الرشيد (‪ :)2003‬المرجعية الدينية األحادية للممارسة اإلدارية‬
‫التراثية المتمثلة بالمصلحة الشرعية وفق تفسير فقهي محدد‪ .‬ومبدأ المطلق وعدم ج واز فصل‬
‫الدين عن الدولة بأي صورة من الصور واعتماد المنهج اإليماني اليقيني غير الخاضع للتجربة‬
‫واإلثبات العلمي الذي يحتمل الصواب والخطأ‪ .‬وبينت الدراسات ذات العالقة بهذا المحور تأييدًا‬
‫للتجربة اليابانية والغربية في التجديد الديني بما يوافق التطورات العلمية واإلدارية والتكنولوجية‬
‫مع األخذ بالمبادئ النسبية والدارونية التي تتنافى مع المبادئ الدينية في العقيدة اإلس المية‪ .‬فقد‬
‫اقف‬ ‫أكد الرشيد قائال " قاد الفكر النسبي والفكر التطوري اليابانيين إلى مزيد من االنفتاح والتث‬
‫مع الغرب وتبنى اليابانيون مبدأ التنافس والبقاء لألكثر قدرة ومنعة من المجتمعات على أس اس‬
‫فكري أصولي‪."220‬‬
‫ات اإلدارية العربية‬ ‫فال تبين لنا هذه الطروحات بشكل واضح وجلي عالقتها بتدهور الممارس‬
‫وضعفها‪ .‬وإذا كان اليابانيون والغربي ون قد اس تفادوا من الفكر النس بي وال دارويني نتيجة‬
‫لمواجهة عقائدهم التي كان يعتريها الزيف والخرافات الدينية واألوه ام‪ ،‬ف إنّ الفكر ال ديني‬
‫اإلسالمي العقدي الممتد من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬يشجع اإلنسان على التفك ير‬
‫والتمعن واإلبداع والبحث والقراءة والتخطيط والتدبر واالقتصاد والتشاور واالح ترام وتوزيع‬
‫النفوذ والمال والمساواة االجتماعية والشفافية وإعطاء العامل حقوقه‪ ،‬والتكاتف والتكافل‪ ،‬واألخذ‬
‫باألسباب‪ ،‬وإعطاء المرؤوس تمكينًا وحرية في العمل‪ ،‬وغيرها من األم ور ال تي تتوافق مع‬
‫أحدث ما توصل إليه علم اإلدارة في الغرب‪ ،‬وفي اليابان‪ ،‬من نظريات إدارية حديثة‪ ،‬مثل إدارة‬
‫لم " إنّ اهلل‬ ‫الجودة الشاملة التي تلتقي مع تعليمات اإلسالم في قول الرسول صلى اهلل عليه وس‬
‫يحب إذا عمل أحدكم عمالً أن يتقنه"‪ .‬وما حدث هو تعطيل لمثل هذه المبادئ وعدم استثمار لها‬
‫وعدم تطويرها واالستفادة منها في التغيرات الفكرية اإلدارية المعاصرة‪.‬‬
‫فمثال ذُكر مفهوم التمكين قبل أربعة عشر قرنا في القران الك ريم ولم تح اول اإلدارة العربية‬
‫ذا إن دل على‬ ‫واإلسالمية المعاصرة االستفادة من هذا المفهوم في إدارة مواردها البشرية‪ ،‬فه‬
‫شيء‪ ،‬فإنما يدل على قصور في االستفادة من موروثات التراث وضعف قدرتنا على تطويع هذه‬
‫الموروثات في ثقافتنا المعاصرة‪ .‬وهذا إن دل على شيء فإنما يدل أيضًا على ضعف االستفادة‬
‫من المخزون المعرفي المتوافر في التراث اإلسالمي‪ ،‬وليس بسبب جمود هذا التراث أو مفاهيمه‬
‫الزاخرة‪.‬‬

‫‪- 260 -‬‬


‫‪ .2‬العوامل غير العقائدية (العادات والتقاليد)‪.‬‬
‫من العوامل األخرى التي تم سردها كأسباب لفشل اإلدارة العربية المعاصرة وتخّلفها عما حققته‬
‫اإلدارة الغربية (الرشيد‪ )2003 ،‬ما يأتي‪:‬‬
‫أبوية البناء االجتماعي الذي يكرس‪ :‬اإلعتمادية والتبعية وعدم المساواة والمحسوبية والمحاب اة‬
‫وضعف المؤسسية وغياب الديموقراطية والحكم المركزي وغي اب المؤسسة والترك يز على‬
‫الماضي وضعف استشراف المستقبل وغي اب التخطيط وال تراث العش ائري ووج ود النظم‬
‫السياسية السلطوية والمحسوبية وضعف المش اركة وغي اب إدارة ال وقت بفاعلية وض عف‬
‫االحتراف والوالء الشخصي وضعف سياسات إدارة الموارد البش رية وض عف ترابط التنظيم‬
‫وضعف فرص الترقي الوظيفي وغي اب الش فافية والمساءلة واالبتك ار والري ادة والمنافسة‬
‫وتشجيع البحث العلمي‪.221‬‬
‫وإذا أمعنا النظر في هذين العاملين وجدنا أن العامل الثاني قد يكون من العوامل المسببة الرئيسة‬
‫للواقع اإلداري المعاصر للدول العربية‪ ،‬ونالحظ أيضا ب أن العامل الث اني ونتائجه محص لة‬
‫طبيعية للعامل األول‪ .‬أي أن وجود العوامل العقائدية لم يكن سببا في ال تردي اإلداري ال ذي‬
‫تعاني منه األمة العربية واإلسالمية في الوقت الحاضر‪ ،‬وإنما قد يعود السبب إلى غياب العامل‬
‫دي ال‬ ‫األول المرتبط بالعقائد‪ ،‬وسوء تطبيق النصوص الدينية‪ .‬إن اعتماد المنهج الديني العقائ‬
‫وال عن حالة البيروقراطية‬
‫ؤ ً‬ ‫يمكن أن يكون له عالقة بسوء اإلدارة‪ ،‬وال يفترض أن يكون مس‬
‫وال عن الكثير من الممارسات الس لبية في‬
‫التي تعاني منها مؤسسات البالد العربية‪ ،‬وليس مسؤ ً‬
‫اب‬ ‫اإلدارة‪ ،‬مثل الواسطة والمحاباة‪ ،‬والعالقات الشخصية‪ ،‬والمصالح الفردية‪ ،‬والفئوية‪ ،‬وغي‬
‫الرؤية االستراتيجية‪ ،‬وسوء التخطيط‪ ،‬وضعف روح المبادرة‪ ،‬وتجنب المخ اطرة والري ادة‪،‬‬
‫وغياب المؤسسة والمأسسة‪.‬‬
‫وفي موضوع التمكين يشجع اإلس الم المس لم على حرية التص رف واالس تقاللية في العمل‬
‫والمشاركة في الرأي‪ ،‬وهناك الكثير من الممارسات لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم التي تحث‬
‫المسلم على منح الحرية لآلخرين‪ ،‬ومن أشهر ما ورد عنه صلى اهلل علية وس لم‪ ،‬عن دما عمل‬
‫يوما في أمرٍ فعله أنس‪ ،‬لم فعله‪ ،‬ولم يس أله‬
‫لديه أنس بن مالك لمدة عشرة أعوام يخدمه فلم يقل ً‬
‫عن أمر لم يفعله‪ ،‬وهذا درس في التمكين وحرية التصرف‪ ،‬واالستقاللية‪ ،‬والتعلم الذاتي‪ ،‬والتعلم‬
‫من الخطأ والمحاولة‪ ،‬وال يعني ذلك بأن هذا الصحابي كان ال يخطئ ولكن كان ذلك درسًا مهما‬
‫في التربية وإدارة الموارد البشرية‪.‬‬

‫‪- 261 -‬‬


‫فإعطاء اإلنسان حرية في التصرف‪ ،‬وتقليل عملية المراقبة والتوجيه المستمر‪ ،‬يعطي اإلنس ان‬
‫ثقة في النفس‪ ،‬واعتمادا أكبر على عملية المراقبة الذاتية‪ ،‬والتعلم الذاتي‪ ،‬وبذلك يحقق اإلنس ان‬
‫معنى أكبر للوظيفة والمهام التي يقوم بها‬

‫آثار القيم االجتماعية والثقافية في الوطن العربي‬


‫آنفا‪ ،‬فلها ت أثيرات هامة على ثقاف ات الش عوب‬
‫أما من حيث التحوالت العالمية التي تم ذكرها ً‬
‫فإن للثقافة أثرًا هامًا على الممارسات اإلدارية لتلك ال دول‪ .‬فتؤكد بعض الدراس ات (‬
‫والدول ّ‬
‫‪ )Atiyyah, 1993‬أن مستقبل التنمية اإلدارية في الدول العربية يعتمد إلى حد كبير على التنمية‬
‫البشرية والتنمية في الجوانب السياسية واالقتصادية و الثقافية‪-‬االجتماعية واألنظمة الس ائدة في‬
‫المؤسسات العربية‪.222‬‬
‫قد يكون التكوين االجتماعي والثقافي في الوطن العربي من حيث النظم األبوية ونظ ام األس رة‬
‫الممت دة والعش يرة والقبيلة (الرش يد‪ )2001،2002 ،‬والمعرفة الشخص ية واالنتم اءات‬
‫األيديولوجية‪ ،‬لها تأثير على الفرد العربي داخل المؤسسات وخارجها‪ ،‬مما يساهم في التأثير على‬
‫رف"‬ ‫الممارسات اإلدارية والتنظيمية داخل المؤسسات العامة والخاصة؛ فمثال سياسة " من تع‬
‫لها دور هام في التوظيف وفي الترقية وفي الكثير من المزايا والفرص الوظيفية وغير الوظيفية‪،‬‬
‫راد المؤسسة وخاصة فيما‬ ‫مما يقوض معايير الكفاءة واالقتدار إضافة إلى تقويض الثقة بين أف‬
‫بين المدير والمرؤوس والعمالء‪ .‬وقد تكون الواسطة والمحسوبية والعالقات الشخصية والقرابة‬
‫في العالم العربي‪ ،‬من القضايا التي تعود إلى أسباب ثقافية متجذرة في المجتمع‪ ،‬بحيث يص عب‬
‫مواجهتها ومعالجتها؛ نتيجة لتغلغلها واعتماد المواطن العربي عليها‪ .‬واالعتماد على هذه القيم قد‬
‫يختلف من دولة عربية إلى دولة عربية أخرى‪ ،‬إال أن بعض الناس في بعض ال دول العربية قد‬
‫وصل إلى مستويات من التعليم والثقافة ومستويات عالية‪ ،‬وهم في نفس الوقت يّكرس ون ه ذه‬
‫الممارسات ويتعاملون بها وكأنها عرف مقبول‪.223‬‬
‫مواطنة صالحة كما أنها قد ال تؤدي إلى خلق من اخ‬
‫َ‬ ‫ومن غير المعقول أن تخلق هذه الممارسات‬
‫من الثقة واالنتماء واإلخالص في العمل والتفاني والوالء والتعاون واح ترام اآلخر واح ترام‬
‫الزبائن وتلبية رغباتهم‪ .‬بل إن هذه الممارسات قد تساهم في تكريس حالة نفعية تفضي إلى فئات‬
‫مستفيدة وفئات ناقمة محبطة‪ ،‬مما يؤدي إلى التأثير س لبا على مؤش رات التنمية االقتص ادية‬
‫واإلدارية والبشرية المرغوبة‪ .‬واآلثار الناجمة عن هذه الثقافة تكاد تك ون م دمرة للكث ير من‬

‫‪- 262 -‬‬


‫ذه الثقافة‬ ‫برامج التنمية والتطوير والفاعلية؛ لذلك ال بد من قوة مضادة بنفس الحجم لمواجهة ه‬
‫السلبية وخاصة من قبل الباحثين وأصحاب القرار‪ ،‬وواضعي السياسات‪ ،‬وعلى أعلى المستويات‬
‫في الدول العربية المختلفة‪.‬‬
‫ومن أهم المظاهر السلبية التي ينبغي مواجهتها بقوة مسألة التواكل والعجز وإلق اء الل وم على‬
‫اآلخرين والتحلل من المسئولية‪ .‬وهذه المسألة ترتبط بإساءة فهم التوكل في ال دين اإلس المي؛‬
‫فكثير من الناس من يفهم التوكل على أنه تواكل ويسيء فهم التع اليم الدينية ومس ائل القض اء‬
‫والقدر بشكل غير مقصود وأحيانا أخرى بشكل متعمد‪ ،‬من خالل التهرب من المسؤولية والتعذر‬
‫بالقضاء والقدر مما يساهم في تكريس واقع من العجز والقصور والرضا بالقليل‪.‬‬
‫فثقافة التواكل والتنصل من المسؤولية ثقافة تكاد تك ون أيضا متأص لة في الفكر الع ربي وفي‬
‫التربية العربية في كثير من الحاالت فعندما يخطئ الطفل يب دأ الوالدان بخلق األع ذار الوهمية‬
‫لتبرير ذلك الخطأ‪ ،‬علما بأن الطفل يدرك في داخله زيف هذا الت برير‪ .‬وهو يعلم أن الوال دين‬
‫يفعالن هذا وهما يدركان الصحيح من الخطأ‪ .‬بعدها يتعلم الطفل ويتعود ممارسة هذا التبرير في‬
‫مواقف مختلفة‪ ،‬ويمارس ه ذا بكف اءة عالية دون ت ردد‪ ،‬وينقل إدراكه لحقيقة األمر من العقل‬
‫الواعي إلى العقل الباطن‪ ،‬فال يعود إلى التفكير في شرعية هذه األم ور كما فعل وهو طفل؛ ألن‬
‫كفاءته أصبحت عالية في تبرير الفشل والقصور الذي يمر به‪.‬‬
‫ور‪،‬‬ ‫ثقافة تؤدي إلى ضعف األداء‪ ،‬وتراكم العيوب والفشل والقص‬
‫هذه الحالة مع الزمن تصبح ً‬
‫ومي‬ ‫وتنتقل العدوى إلى المدرسة والجامعة والعمل‪ ،‬وتضعف مستويات اإلنتاج الصناعي والق‬
‫والفكري والعلمي‪ ،‬وتضعف القدرة على المنافسة‪ ،‬وتقل القدرة على المشاركة بالحصة الس وقية‬
‫العالمية‪ ،‬ويتدهور ميزان المدفوعات‪ ،‬وتزداد المديونية وتصبح ال دول رهن سياس ات ال دول‬
‫الدائنة‪ .‬في هذا اإلطار نجد من يطرح وجهة نظر إيجابية حول أوضاع العالم الع ربي مح اوال‬
‫التركيز‬ ‫إضاءة شمعة في الظالم‪ ،‬بدال من اإلمعان في لعن الظالم‪ ،‬وينتقد جلد الذات‪ ،‬وينادي ب‬
‫دة في‬ ‫على المنجزات واإليجابيات في الثقافة العربية واإلسالمية‪ .‬إنها وجهة نظر قد تكون مفي‬
‫بعض األحيان ويشجع أصحاب هذا الرأي على النظر إلى النصف المليء من الك أس ب دال من‬
‫النصف الفارغ‪.‬‬

‫‪- 263 -‬‬


‫فكرة نصف الكأس الفارغ‬
‫من المناسب أحيانا أن ينظر المرء إلى اإليجابيات ونق اط الق وة من أجل تعزيزها‪ ،‬ومن يمتلك‬
‫تفوق ال يمكنه بحال من األحوال تجاهلها عندما تكون موجودة‪ .‬ويجب رعايتها‬
‫نقاط قوة ومزايا َ‬
‫وعدم فقدانها وعدم التنازل عنها‪ ،‬ومحاولة البن اء عليها‪ .‬ولكن ال بد بالمقابل من محاولة إدراك‬
‫السلبيات‪ ،‬ونقاط الضعف والتعود على االعتراف "بالنصف الفارغ من الكأس"‪.‬‬

‫من هنا فإنه من المفيد بشكل أكبر لألفراد والجماعات والمؤسسات أن تنظر إلى النصف الف ارغ‬
‫من الكأس وتدقيق النظر به أكثر بمرات من التغني ب المنجزات‪ ،‬كما ينبغي أن يك ون اله دف‬
‫موضوعيًا‪ ،‬وبناء وليس سلبيًا وهدامًا‪ ،‬وهذا يقتضي من الفرد أو المؤسسة الترك يز على تق ويم‬
‫ونقد الذات‪ ،‬بدال من إلقاء اللوم على اآلخرين‪ ،‬فدوام إلقاء اللوم على اآلخ رين‪ ،‬ونقد‪ ،‬وتق ويم‬
‫اآلخرين‪ ،‬بدال من تقويم الذات قد يؤدي إلى وضع الذات موضع الكمال‪ ،‬واالرتقاء ف وق النقص‬
‫والعيوب‪ ،‬أو على األقل تجاهل العيوب والقصور الذاتي‪ ،‬مما يوقع المرء فعال بالنقص والعيوب‪.‬‬
‫وه ذا يقودنا للح ديث عن مقتل في الثقافة العربية واإلس المية وهو متعلق بموض وع مركز‬
‫السيطرة أو مركز الضبط‪.‬‬

‫مركز السيطرة ‪) Locus of Control(224‬‬


‫يعد مركز السيطرة في أدبيات علم النفس وعلم السلوك خاصية من الخصائص الشخصية للفرد‪،‬‬
‫تتكون بفعل التربية والنشأة والتكوين الثق افي للمجتمع وعوامل وراثية وغ ير وراثية مختلفة‪،‬‬
‫ويعّرف على أنه‪ :‬مدى تبرير النتائج التي نحققها في حياتنا لقدراتنا أو لق درات خارجية وهنالك‬
‫ُ‬
‫نوعان متناقضان من مراكز السيطرة‪:‬‬
‫‪ .1‬مركز سيطرة داخلي يُرجع فيه الفرد تبرير النتائج لنفسه‪.‬‬
‫‪ .2‬مركز سيطرة خارجي يُرجع فيه الفرد تبرير النتائج للخارج‪.‬‬
‫في مركز السيطرة الداخلي لسان حال المرء يق ول‪" :‬أنا ق وي‪ ،‬إذن أنا أتحكم بمص يري‪ ،‬وما‬
‫يحصل لي من نتائج في حياتي"‪ ،‬وفي مركز السيطرة الخارجي لسان حال الم رء يق ول‪" :‬أنا‬
‫ضعيف ومصيري بيد الظروف التي هي حتما أقوى مني‪ ،‬فمن أنا حتى أق وى على الظ روف‬
‫الخارجية"‪.‬‬

‫‪- 264 -‬‬


‫وهذه الظاهرة هي في الغالب نتاج تربوي كما أشرنا سابقا‪ .‬فعندما يُس ئل الط الب في المدرسة‬
‫وحتى الجامعة مثالً عن أسباب التقصير فنادرا ما تجد الج واب ينم عن اعتراف ًا بتقص ير من‬
‫الطالب نفسه‪ ،‬وإذا كان هنالك ثمة نتائج جيدة وتحصيل جيد‪ ،‬فنادرا ما يعزى ألس باب خارجية‪،‬‬
‫وهذه الحالة تسمى بظاهرة التحيز للذات(‪ .)Self Serving bias‬ففي حالة الفشل بشكل خاص‬
‫فإنه يعود في معظم األحيان ألسباب خارجية‪ ،‬وخارجة عن سيطرة الفرد من وجهة نظره‪ .‬فيقول‬
‫الطالب الذي أخفق في االمتحان‪" :‬سبب ذلك اإلخفاق هو المدرس‪ ،‬أو األسئلة الصعبة‪ ،‬أو الوقت‬
‫لم يكن كافيا‪ ،‬أو المرض"‪ ،‬أو ما شابه ذلك من تبريرات‪ ،‬ال يعجز عن إيجاد واحد‪ ،‬أو أكثر منها‬
‫بال جهد وبال عناء‪ .‬هذا التبرير ينتقل مع الطالب إلى المدرسة أو الجامعة‪ ،‬وإلى مي دان العمل‪،‬‬
‫فيبرر سوء أدائه بتسلط مديره‪ ،‬أو بصعوبة وتعقيد العمل‪ ،‬وما شابه ذلك من تبريرات ج اهزة ال‬
‫تحتاج إلى تفكير طويل‪.‬‬
‫هذا السلوك موجود لدى غالبية الناس‪ ،‬ولكن وجوده في حدود كبيرة يدل على ضعف الفرد‪ ،‬وأن‬
‫الظروف الخارجية دوما تتحكم بمصائره‪ ،‬وبما أنها أقوى منه‪ ،‬إذن فهو يمثل الحلقة األض عف‪،‬‬
‫وهذا األمر يساهم في تكريس الشعور بالعجز واإلحباط‪ .‬وتك ريس ه ذا ي ؤدي إلى حالة من‬
‫اإلخفاق والتعود على اإلخفاق وسهولة تبرير اإلخفاق‪ .‬وهذا الحديث له عالقة بموضوع التمكين‬
‫بشكل مباشر ألن التمكين هو أيضا حالة ذهنية وسلوكية‪.‬‬

‫العالقة بين مركز السيطرة والتمكين‬


‫مما تقدم نستطيع أن نقدم فرضية مفادها أن أصحاب مركز السيطرة الداخلي يتمتعون بقدرة أكبر‬
‫على ممارسة التمكين من أصحاب السيطرة الخارجي‪ .‬فاإلنسان الذي يبرر كل ما يح دث له من‬
‫فشل واحباطات ومشاكل ألس باب خارجية يعفي نفسه من أي مس ؤولية‪ ،‬ومن المع روف في‬
‫أن تحمل المسؤولية في السراء والض راء من المب ادئ األساس ية للتمكين‪.225‬‬
‫أدبيات التمكين ّ‬
‫فاإلنسان الذي تنوي اإلدارة منحه حرية في التصرف وتمكينا في اتخاذ القرار ينبغي أن تثق به‪،‬‬
‫وتتركه لتأدية واجباته دون مراقبة وتدخل مستمر‪ ،‬وعلية أن يتحمل مسؤولياته بكفاءة واقت دار‪.‬‬
‫وسبب فشل مشاريع التمكين في أغلبها نتيجة لوجود أف راد ال يوجد ل ديهم الق درة على تحمل‬
‫المسؤولية‪ .‬فمنهم من يقول‪" :‬بأن التمكين مشروع عظيم لوال أن فيه مس ؤولية"‪ .‬والمس ؤولية‬
‫والتمكين مرتبطة بموضوع في غاية األهمية هنا وهو اإلب داع والتم يز واالبتك ار (لمزيد من‬
‫التفصيل حول هذه العالقات‪ ،‬انظر الفصل السادس) ومصدر هذه كلها العقل والق درات الذهنية‬

‫‪- 265 -‬‬


‫والمعرفية عند اإلنسان‪ .‬فمن يتمتع بالتمكين والمس ؤولية‪ ،‬ال بد أن يفكر ويس تخدم ما وهبه اهلل‬
‫سبحانه وتعالى من قدرات ذهنية وعقلية في الوص ول إلى المس تويات المطلوبة من اإلب داع‬
‫والتميز واالبتكار‪ ،‬وهذا بعكس الروتين وقبول األعمال الجاهزة والتعليمات المباشرة‪ .‬فمن الناس‬
‫من يرغب في األعمال الروتينية الرتيبة لتقليل المخاطرة الناجمة عن األعم ال غ ير الروتينية‬
‫التي تقتضي التفكير‪ ،‬واستخدام العقل‪ ،‬وابتداع حلول مختلفة لمشاكل مختلفة‪.‬‬

‫رؤية في التغيير الثقافي‬


‫نعيش اليوم في زمن مختلف وفي مؤسسة الق رن الواحد والعشرين ال تي تعتمد على الث ورة‬
‫افي يتناسب مع‬ ‫التكنولوجية والثورة المعلوماتية والثورة المعرفية‪ .‬من هنا‪ ،‬فال بد من تغيير ثق‬
‫مناهج التمكين بما تتضمنه من تحمل للمسؤولية والسيطرة الداخلية وروح المب ادرة واإلب داع‬
‫واالبتكار‪ .‬هذا التغيير الثقافي واالجتماعي نحو مفاهيم التمكين يحتاج لجهود أكاديمية في البحث‪،‬‬
‫ودراسة العالقات السابقة من ناحية‪ ،‬وبحاجة أيضا إلى دور أكبر للمؤسس ات العامة ووس ائل‬
‫اإلعالم ووزارات التربية ومختلف المؤسسات؛ لتظافر جهودها من أجل تربية الشباب على أسس‬
‫روح المبادرة واالستقاللية وتحمل المسؤولية وعدم إلقاء اللوم على اآلخرين عند الوقوع بالخطأ؛‬
‫فعندها يخطئ المرء مرتين‪ ،‬في األولى‪ ،‬وفي الثانية نتيجة لرفض االع تراف بالخطأ‪ ،‬والبحث‬
‫عن جهة خارجية لتحميلها مسؤولية ذلك الخطأ‪ ،‬فيحرم الم رء نفسه من نعمة التعلم والتط وير‬
‫وتصحيح األخطاء‪ .226‬إذن الحل يكمن في التغيير من الداخل إلى الخارج‪ ،‬وليس من الخارج إلى‬
‫الداخل‪ ،‬واهلل سبحانه وتعالى ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‪.‬‬

‫أسباب ظاهرة "مركز السيطرة الخارجي"‪.‬‬


‫اطن‪ ،‬يعلم يقينا‬ ‫عندما يخفق الطالب في االمتحان فهو في حقيقة نفسه‪ ،‬وعندما يخاطب عقله الب‬
‫بأن سبب إخفاقه في االمتحان يعود إلى إهماله‪ ،‬وقلة استعداده‪ ،‬وأن المعلم ال دخل له بذلك ‪،‬وإنما‬
‫تعود اإلنسان أن يخفي ضعفه بخلق شماعة وهمية يعلق عليها مشاكله‪ 227‬فهي عملية إيهام النفس‬
‫واآلخر بأن الذنب ليس ذنبه والخطأ ليس خطأه‪ .‬وتمتد هذه الحالة لتشمل ليس الفرد فحسب‪ ،‬فهي‬
‫داء ال عالج له إال بتغيير من‬
‫تنتقل من الفرد إلى الجماعة‪ ،‬وإلى المؤسسة وإلى المجتمع‪ ،‬فتصبح ً‬
‫الداخل كما يؤكد ذلك الكثير من علماء السلوك والسلوك التنظيمي من أمثال ‪ Spreitzer‬و‪St228‬‬
‫‪ ephen Covey‬ومن األمثلة التي يمكننا أن نسوقها فيما يتعلق بمركز السيطرة الخارجي‪،‬‬
‫‪- 266 -‬‬
‫الجماعي‪ ،‬ما يسمى بنظرية المؤامرة‪ ،‬التي تس يطر على الذهنية العربية في الس ياق الع المي‬
‫تعمار‪ ،‬أو‬ ‫السياسي؛ فيقال إن ما حدث لألمة العربية واإلسالمية في هذا الزمان هو بسبب االس‬
‫نتيجة لمؤامرة أمريكية أو صهيونية‪.‬‬
‫فعلى الرغم من أن ما حدث‪ ،‬ويحدث فعال قد يكون إلى حد ما‪ ،‬من تدبير ق وى خارجية؛ ف إن‬
‫السؤال المفصلي الذي يطرح نفسه هو‪ :‬ماذا فعلنا نحن بص فتنا أمة عربية وإس المية لمواجهة‬
‫المؤامرة الخارجية؟ فمن الطبيعي أن يحوك عدوك لك الدسائس ويدبر لكَ المؤامرات‪ ،‬فهذا أمر‬
‫دو قيما أخالقية في التعامل مع اآلخر‪ ،‬ولكن ما هو‬ ‫متوقع من عدو لك‪ ،‬وخاصة إذا فقد هذا الع‬
‫غير طبيعي وما هو مستهجن‪ ،‬أن تترك ع دوك يفعل بك ما يفعل‪ ،‬ثم ال تفعل ش يئا لمواجهة ما‬
‫يفعل‪ ،‬ومن ثم تقول دون أن تفعل بأن ما حدث لنا سببه الحقيقي هو م ؤامرات الع دو ومك ره‬
‫ودهاؤه‪....‬الخ‪.‬‬
‫في هذا السيناريو هنالك طرفان مهما كانت المقدمات والنتائج‪ .‬فهن اك ط رف فاعل وط رف‬
‫مفعول به عاجز مهمته وصف أفاعيل الفاعل بأنها بشعة وإجرامية‪ .‬بالمحصلة ف إن الق وي هو‬
‫الطرف الفاعل بصرف النظر عن بشاعة أفعاله كما وصفها المفعول به‪ ،‬والط رف الث اني هو‬
‫الطرف العاجز الذي لم يفعل ما يكفي لحماية نفسه من مؤامرات الفاعل أو العدو‪ .‬وانبرى يصنع‬
‫كم هائل من مبررات عجزه عليها‪ ،‬واخترع‬
‫شماعة جميلة كبيرة‪ ،‬وقابلة للتحمل ليتمكن من إلقاء ً‬
‫قنع فسماها شماعة المؤامرة‪.‬‬
‫اسم ّم ٍ‬
‫لهذه الشماعة ٍ‬
‫هذا ليس كتاب سياسة‪ ،‬وإنما الموضوع هنا له عالقة قوية‪ ،‬الن ذهنية نظرية المؤامرة ليست إال‬
‫وليدة شخصية اجتماعية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬اعتاد عليها الفرد‪ ،‬وقبلها المجتمع‪ ،‬فأصبحت سلوكا اجتماعيا‪،‬‬
‫له آثارًا مدمرة على مستوى الفرد‪ ،‬وعلى مستوى المجتمع‪ ،‬على حد سواء‪ .‬أما الحل فقد يك ون‬
‫في تحديد الهدف‪ ،‬وربط األهداف بمبادئ وقيم جوهرية‪.‬‬

‫نظرية تحديد الهدف ‪)Goal Setting Theory-Edwin Locke(229‬‬


‫رب من‬ ‫إن الحل دائما ينبثق من تشخيص المشكلة الحقيقية‪ ،‬والمشكلة الحقيقية ال تكمن في الته‬
‫المسؤولية‪ ،‬وإنما تكمن في غياب األهداف‪ ،‬والرؤية الصحيحة‪ ،‬ال تي قد تق ود الف رد لتحمل‬
‫مسؤولياته بكفاءة واقتدار‪.‬‬
‫وأص حاب نظرية ‪Goal‬‬ ‫‪230‬‬
‫و ‪Spreitzer‬‬ ‫يذهب بعض علماء السلوك من أمث ال ‪Covey‬‬
‫‪ Setting Theory‬إلى أن عدم وجود أهداف ذات معنى‪ ،‬وغياب الرؤية المس تقبلية‪ ،‬وع دم‬
‫اإلحساس باالتجاه نحو هدف معين‪ ،‬يجعل أي هدف رخيص أو غ ير رخيص مح ور اهتم ام‬

‫‪- 267 -‬‬


‫الفرد‪ ،‬أو قد ال يكون للفرد أي هدف في األصل‪ ،‬ومن ال يملك هدفا في حياته تصبح حياته عديمة‬
‫دما ذكرنا قبل‬ ‫الجدوى‪ ،‬وتتجاذبه األهواء في أي اتجاه‪ ،‬دون أن يمتلك حق تحديد االتجاه‪ .‬وعن‬
‫كلة‬ ‫قليل مبدأ مركز السيطرة وتحمل المسؤولية فهذا المبدأ ليس هو المشكلة بل هو عرض لمش‬
‫كلة؛ هو أنّ‬ ‫غياب الهدف‪ ،‬والدليل على أن غياب المسؤولية إنما هو عرض وليس بأساس المش‬
‫المسؤولية تكون عن شيء يكون اإلنسان مسؤول عنه‪ ،‬وهو الهدف‪ ،‬فإذا لم يكن لديه هدف‪ ،‬فعن‬
‫وال‪ .‬بالطبع لن تكون هناك‬
‫ماذا سيكون مسؤ ً‬
‫‪231‬‬
‫مسؤولية عن ال شيء إال مع أولئك الناس الذين ال مسؤولية عندهم‪ ،‬وحياتهم عديمة المعنى‪.‬‬
‫فالشعور بالمسؤولية محصلة لرؤية ذات عالقة بالهدف‪ ،‬والشعور بقيمة ذلك الهدف‪ ،‬والشعور‬
‫‪D‬اس‬
‫بأهمية إنجاز ذلك الهدف‪ .‬يقول ‪ Stephen Covey‬في كتابه‪" ،‬العادات السبع ألكثر الن‪D‬‬
‫فاعلية" ناصحا أي إنسان يبدأ بعمل ما أو واجب معين أو مش روع معين‪" :‬اب دأ والنهاية في‬
‫بالك" أي أن تكون نتيجة العمل ومحصلته النهائية في ذهن الفرد منذ البداية‪ ،‬وهذه هي الرؤية‬
‫الصحيحة التي تحفظ له وحدة االتجاه‪ ،‬التي تمكنه من الوصول إلى أهدافه‪ .‬ويقال بأن اإلنسان‬
‫الذي ال يدري إلى أي مكان يريد أن يذهب‪ ،‬فإن أي طريق أو درب قد يكون مناسبا له‪ ،‬فيذهب‬
‫في اتجاهات مختلفة‪ ،‬بسبب غياب الرؤية الحقيقية للمكان أو النهاية أو النتيجة أو الهدف الذي‬
‫يرغب في الوصول إليه‪.‬‬
‫دار ما تأخذ‬ ‫خالصة األمر أنه بمقدار وجود أهداف في حياة الفرد ذات قيمة وذات أهمية‪ ،‬وبمق‬
‫هذه األهداف عليه لبه وعقله‪ ،‬بمقدار ما تتزايد المسؤولية عنده عن تحقيق هذه األهداف‪ ،‬وبه ذا‬
‫المقدار ما يصبح هذا اإلنسان إنسانًا فاعالً ومبادرًا وق ادرًا على تحديد نتائجه والس يطرة على‬
‫مصيره‪.‬‬
‫وأهداف الفرد ال بد أن تنبثق من قيمه ومبادئه‪ .‬فالمبادئ هي المن ارات ال تي ترشد الق وارب‬
‫والسفن في البحار‪ .‬وهذه المنارات تب نى لتبقى راس خة ثابتة وتعتمد الس فن في دقة اتجاهاتها‬
‫بمقدار قربها أو بعدها أو انحرافها عن هذه المنارات‪ .‬والمبادئ كذلك تشكل الدليل والمعيار الذي‬
‫يرشد اإلنسان إلى أهدافه وهي معالم ثابتة تهديه إلى سواء السبيل‪.232‬‬

‫الخالصة‬
‫نرى من هذا الفصل أن مصطلح التمكين قد تم ذكره في القران الكريم في أكثر من مناس بة وقد‬
‫كان أولى بالمسلمين أن يستفيدوا من فكر الق ران الك ريم في التمكين فكريًا واجتماعيًا وعلميًا‬
‫ربي‪.‬‬ ‫وإداريًا‪ .‬ولكن شيئًا من هذا لم يحصل‪ ،‬وخاصة في المؤسسات والمنظمات في العالم الع‬

‫‪- 268 -‬‬


‫ولم يكن هنالك دراسات وأبحاث في التمكين‪ ،‬وحتى لو كان هنالك دراسات وأبحاث لها عالقة في‬
‫موضوع التمكين‪ ،‬فإن ذلك لم يكن لينعكس فعله على واقع المنظمات والمؤسس ات االقتص ادية‬
‫وذلك لالستفادة من النظرية في التطبيق‪ .‬ونتمنى أن نكون مب الغين في ما توص لنا ل ه‪ ،‬ولكن‬
‫دل‬ ‫تقارير التنمية البشرية المتاحة للجميع من خالل اإلنترنت مثالً تشهد على ذلك باألرقام‪ ،‬وت‬
‫على نقص في مستويات الحرية بشكل عام‪ ،‬وتدني في مستويات المعرفة والتعليم‪ ،‬وتدني واضح‬
‫في البحث العلمي‪ ،‬وتدني في االهتمام في البحث العلمي من قبل الدول والجامعات والمؤسس ات‬
‫رية‪ .‬فال بد من‬ ‫األكاديمية‪ ،‬وتدني أكبر في دور المرأة في المجتمع ومساهماتها في التنمية البش‬
‫تصدي مختلف الهيئات والمنظم ات المدنية والحكومية لحل المش كلة‪ ،‬وال بد من تح ول في‬
‫األساليب التربوية والتعليمية واإلعالمية والتثقيفية واالجتماعي ة؛ من أجل التغي ير تج اه روح‬
‫المبادرة واالستقاللية واإلبداع والسيطرة الداخلية‪ ،‬أو الرقابة الذاتية‪ ،‬والتحول من مركز الضبط‬
‫أو السيطرة الخارجي لدى األجيال المختلفة إلى واقع مركز الضبط أو الس يطرة ال داخلي‪ ،‬وأن‬
‫نربي األجيال على االعتم اد على ال ذات‪ ،‬والتخطي ط‪ ،‬وتحديد أه دافنا بحيث تنبثق من قيمنا‬
‫ومبادئنا وتراثنا‪ ،‬واهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‪ ،‬صدق هللا العظيم‪.‬‬
‫إن تحديد أي مشكله واإلحس اس الحقيقي بها يعد من أهم مراحل عملية حل تلك المش كلة‪ .‬إن‬
‫تقارير التنمية البشرية ومتابعة اإلنسان العربي لهذه التق ارير واعترافه بأرقامها يعد الخط وة‬
‫الصحيحة في االتجاه الصحيح نحو رفض الواقع السيئ وتبديله بواقع أفضل وغدٍ مش رق‪ ،‬على‬
‫الرغم من أن الحل لن يأتي بسرعة‪ ،‬ويحتاج إلى جهود جبارة‪ ،‬وصبر ومعاناة‪ ،‬فال بد من وضع‬
‫استراتيجية عامة للتنمية الشاملة التي تشارك في صياغتها واإلشراف على تنفي ذها مؤسس ات‬
‫وهيئات المجتمع المدني‪ ،‬وتأخذ االستراتيجية بالحسبان ما يأتي‪:‬‬
‫‪ ‬ترسيخ أسس تعددية اقتصادية وسياسية متكافئة وعادلة‪.‬‬
‫‪ ‬وضع استراتيجية للتشغيل والقضاء على البطالة والفقر‪ ،‬وتحديد جدول زمني لذلك‪.‬‬
‫‪ ‬وضع استراتيجية بناء مجتمع يح ترم التعليم من ناحية النوعي ة‪ ،‬ويح ترم البحث العلمي‬
‫واكتساب المعرفة‪.‬‬
‫وضع استراتيجية إلحياء الثقافة الوطنية‪ ،‬وثقافة حب األوطان‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪· ‬توسيع المشاركة وحرية الرأي والريادة ومبادئ اإلبداع والتجديد‪.‬‬

‫‪- 269 -‬‬


‫و أخيراً ال بد من توافر اإلرادة السياسية لالستثمار في القدرات البشرية واالستثمار في‬ ‫‪‬‬
‫اإلنسان واحترام عقله وقدراته ومحاولة بناء برامج ومشاريع تشجع الف رد الع ربي على‬
‫اإلبداع والتمكين والتفكير المستقل وروح الفريق‪.233‬‬

‫‪- 270 -‬‬


- 271 -
‫خاتمة الكتاب‬

‫يهدف هذا الكتاب إلى تقديم رؤية جديدة حول مفهوم التمكين بصفته مفهوما إداريا معاصرًا‪ .‬وهو‬
‫مفهوم متداخل ومترابط مع مفاهيم إدارية أخرى‪ ،‬وال يمكن اختزاله كمفهوم منعزل ومستقل عن‬
‫غيره من األبعاد والمفاهيم اإلدارية‪.‬‬
‫ويبين النموذج اآلتي عرضًا لفصول الكتاب يعرض الك اتب من خالله ملخصًا س ريعًا له ذه‬
‫الفصول توضح معالم هذا الجهد بأفكاره المتعددة وتداخالته المترابطة وأهدافه المرجوة‪.‬‬
‫فصول كتاب التمكين‪ :‬مفهوم إداري معاصر‬

‫‪- 272 -‬‬


‫الفصل الثالث‪ :‬آثار‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫وفوائد التمكين‬ ‫الخدمات والتمكين‬ ‫التمكين‪:‬‬
‫مفهوم إداري‬
‫معاصر‬

‫الفصل السابع‪ :‬رأس‬ ‫الفصل الثامن‪:‬‬ ‫الفصل‬ ‫الفصل‬


‫المال البشري‬ ‫التمكين وعامل‬ ‫التاسع‪:‬قيادة‬ ‫العاشر‪:‬‬
‫( العنصر البشري‬ ‫المعرفة‬ ‫التغيير‬ ‫التمكين في‬
‫واإلنتاجية)‬ ‫والتمكين‬ ‫البيئة العربية‬
‫واإلسالمية‬

‫الفصل الثاني‪ :‬ركائز‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬


‫التمكين ومقوماته‬ ‫التمكين والتنظيم‬
‫اإلداري‬

‫الفصل السادس‪:‬‬
‫تجارب وتطبيقات‬
‫‪- 273 -‬‬ ‫رائدة في التمكين‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ركائز‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬
‫التمكين ومقوماته‬ ‫التمكين والتنظيم‬
‫اإلداري‬

‫الفصل السادس‪:‬‬
‫تجارب وتطبيقات‬
‫رائدة في التمكين‬

‫ففي الفصل األول تم التقديم لمفهوم التمكين من أجل توضيح طبيعته ومعانيه وتعريفاته والجدليات‬
‫القائمة حول هذا الموضوع من قبل وجهات نظر مختلفة وتم ت دعيم ذلك بأدبي ات ونظري ات‬
‫مختلفة ومتباينة تدل على أهمية هذا الموضوع ومجال التقدم والتطور في ه‪ .‬وقد ع رض ه ذا‬
‫الفصل لمراحل تطور الفكر اإلداري وعالقته ب التمكين لي بين للق ارئ أهمية ه ذه المراحل‬
‫التطورية في الولوج إلى فكر التمكين بشكل طبيعي ال بشكل طارئ‪ .‬فهنالك الكثير من المف اهيم‬
‫الحديثة التي ظهرت بصفتها موضات سريعة طارئة تأتي وتذهب بسرعة ولكن ه ذا المفه وم‪،‬‬
‫التمكين‪ ،‬ولد من رحم التطورات الفكرية اإلدارية ونتيجة حتمية لها تدل على مس توى متق دم‪،‬‬

‫‪- 274 -‬‬


‫وراق من مستويات التعامل مع العنصر البشري في منظمات األعمال وغيرها من منظمات‪ .‬كما‬
‫عرض هذا الفصل لعدد من التطورات في المفهوم نفسه وشرح للقارئ أساليب التمكين المختلفة‬
‫والفرق الواضح بين تفويض الصالحيات والتمكين‪.‬‬
‫ارة‬ ‫وقد جاء الفصل الثاني ليبين للقارئ ركائز التمكين ومقوماته األساسية وهي المعرفة والمه‬
‫آت المادية‬ ‫والخبرة‪ ،‬والمعلومات واالتصال‪ ،‬والثقة بين القيادة والمرؤوسين‪ ،‬والحوافز والمكاف‬
‫والمعنوية‪ .‬وتكمن أهمية هذا الفصل من خالل توضيح الجدلية القائمة في المفه وم‪ ،‬وال تي تم‬
‫اإلشارة لها في الفصل األول‪ .‬هذا الفصل يوضح لنا بأن التمكين ال يمكن أن ينجح في أي منظمة‬
‫ادة مراعاتها‬ ‫بدون شروط وهذه الركائز والمقومات هي الشروط األساسية التي يجب على القي‬
‫قبل تطبيق برنامج التمكين في المنظمة‪.‬‬
‫أما الفصل الثالث فقد جاء محصلة منطقية وطبيعية للفصل الثاني حيث يوضح لنا نت ائج وفوائد‬
‫تطبيق برنامج التمكين‪ ،‬ويدل المدير والباحث على أهمية التمكين من خالل نتائجه البعيدة المدى‬
‫لكل أطراف المعادلة في أي مؤسسة أو منظمة‪ .‬فهنالك نتائج تع ود على المنظمة وعلى الف رد‬
‫وعلى الزبائن أو العمالء‪.‬‬
‫والفصل الرابع يحاول تقديم مالحظة هامة قد ال تبدو واضحة للكثير من متابعي مفهوم التمكين‪.‬‬
‫وهذه المالحظة هي أن فوائد التمكين ونتائجه التي تم ذكرها في الفصل الثالث قد ال تطال جميع‬
‫المنظمات بنفس المستوى‪ .‬ويدل الفصل الرابع على أهم القطاعات ال تي يمكنها االس تفادة من‬
‫نتائج التمكين وممارسته‪ ،‬وهو قطاع الخدمات بسبب طبيعة الخدمة‪ ،‬ومزاياها المختلفة‪ ،‬وهذا ال‬
‫يمنع من تطبيق التمكين في باقي القطاعات‪.‬‬
‫نعود في الفصل الخامس للحديث عن محور هام يلتقي مع ركائز ومقوم ات التمكين في الفصل‬
‫الثاني ولكنه يتحدث هنا عن الوعاء الذي يحوي داخله هذه المقوم ات‪ .‬فال بد من وج ود تنظيم‬
‫وهيكل تنظيمي يناسب تمكين العاملين‪ .‬وقد ظهرت هياكل تنظيمية ديموقراطية معاصرة تناسب‬
‫تطبيق مفهوم التمكين في الوقت الحاضر‪ ،‬رغم وج ود مؤسس ات كث يرة ذات هياكل تنظيمية‬
‫تقليدية‪ ،‬ال يمكن للتمكين أن ينجح‪ ،‬ويترعرع فيها‪.‬‬
‫دة في‬ ‫من هنا يأتي الفصل السادس لكي يساعد القارئ في رؤية واقعية‪ ،‬ال نظرية لتجارب رائ‬
‫منظمات مستديمة‪ ،‬وناجحة‪ ،‬تبلور فيها جليًا كل ما تم ذكره في فصول الكتاب حول التنظيم ات‬
‫المناسبة‪ ،‬والركائز األساس ية‪ :‬مثل الثقة والمش اركة في المعلومة والح وافز والعلم والمعرفة‬
‫‪- 275 -‬‬
‫وم تتكامل مع‬ ‫والتفوق‪ ،‬والنظرة المؤسسية البعيدة المدى‪ .‬وهذا يساعد على رؤية واقعية للمفه‬
‫النظرية‪.‬‬
‫أما الفصل السابع والثامن فقد تم فيهما إبراز محور أساسي وله عالقة بموضوع التمكين أال وهو‬
‫رأس المال البشري الذي فاقت أهميته رؤوس األموال المادية األخ رى‪ .‬وألهمية رأس الم ال‬
‫ات‬ ‫البشري تم إفراد الفصل السابع للحديث حول العنصر البشري وإنتاجيته من ناحية وممارس‬
‫الموارد البشرية المناسبة من ناحية أخرى‪ .‬وتم تخصيص الفصل الثامن للح ديث ح ول نفس‬
‫الموضوع ولكن من زاوية أخ رى‪ ،‬وهي زاوية المعرف ة‪ ،‬وموظف المعرف ة‪ ،‬وكل ما يرتبط‬
‫بالمعرفة من إبداع وتميز وتفوق وابتكار قد يمتلكه العنصر البشري في المنظمة المتعلمة في هذا‬
‫القرن‪.‬‬
‫أما الفصل التاسع فيشكل حلقة هامة في هذا الكتاب‪ .‬فدور القي ادة ال يمكن تجاهله في تط بيق‬
‫ونجاح أي برنامج من برامج التغيير والتطوير في أي منظمة‪ .‬فكان ال بد من الح ديث عن دور‬
‫قيادة التغيير في تمكين العاملين‪ ،‬وعدم احتكار النفوذ‪ ،‬والسلطة‪ ،‬والقرار‪ .‬وهذا الفصل يؤكد أنه‬
‫بدون حماس ونية القيادة نحو التغيير فإن شيئا من التمكين لن يحصل في أي منظمة‪.‬‬
‫وأخيرًا وحول واقع التمكين في البيئة العربية واإلسالمية جاء الفصل العاشر كي يك ون الفصل‬
‫األخير في هذا الكتاب من أجل عرض بعض مالمح الواقع العربي والثقافة العربية وعالقة ذلك‬
‫الواقع وتلك الثقافة بمفهوم التمكين‪ .‬وكان الهدف من هذا الفصل هو محاولة من الك اتب لبي ان‬
‫وشرح بعض القيود الثقافية واالجتماعية والتنظيمية التي تكبح جماحنا نحو التغي ير والتط وير‬
‫دعاة‬ ‫والتمكين‪ .‬فتحديد المشكلة واإلحساس بثقلها وخطورتها قد يكون مدعاة لرفض الواقع وم‬
‫للتغيير والبحث عن حلول‪.‬‬
‫وأخيرًا‪ ،‬أرجو من اهلل سبحانه وتعالى أن ينفع القارئ العربي من هذا الجهد المتواض ع‪ .‬وأرجو‬
‫من القراء الكرام أن ال يترددوا عن تقديم انتقاداتهم وآرائهم واقتراحاتهم ح ول ه ذا الكت اب‪،‬‬
‫فالكمال هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬واهلل ولي التوفيق‪.‬‬

‫‪- 276 -‬‬


‫مراجع وهوامش الفصل‬1

‫اإلفادة من هذا الجهد الذي تبلور من وحي أطروحة المؤلف لل{{دكتوراه ال{{تي ح{{ازت على ج{{ائزة أفض{{ل أطروح{{ة دكت{{وراه على‬
،2003 ‫مستوى العالم العربي في مجال العلوم اإلدارية للعام‬
,)2000( .‫ فاتن‬,‫ و أبو بكر‬.‫ المنظمة العربية للتنمية اإلدارية‬,‫ مدخل للتحسين والتطوير المستمر‬:‫ تمكين العاملين‬,)2003( .‫ عطية‬,‫فندي‬ 2

،‫ و القريوتي‬..‫ طبعة أولى‬,‫ ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع‬:‫ القاهرة‬,‫ ثورة األعمال القادمة للقرن الحادي والعشرين‬:‫نظم اإلدارة المفتوحة‬
‫ أبحاث‬،2004 ،‫ دراسة ميدانية‬:‫ آراء المديرين من مستوى اإلدارة الوسطى في األردن بشأن العوامل المعززة للشعور بالتمكن‬، ‫محمد‬
1636-1607 ‫ ص‬.‫اليرموك‬
3
Pfeffer، J (1994) Competitive Advantage through People، Harvard Business School Press:
Boston، Massachusetts.
4
Argyris, C. (1998), Empowerment: The Emperor’s new Clothes, Harvard Business Review (May-Jun) ,
98-105.
5
Ibid.
6
Bowen, D.E. and Lawler, E. (1995)، Empowering Service Employees, Sloan Management
Review، summer, 73-83, Bowen, D.E. and Lawler, E.E. (1992), the Empowerment of Service
Workers: What, Why, How, and When, Sloan Management Review, Spring, 31-40.
7
Conger, J.A. and Kanungo, R.B. (1988), The Empowerment Process: Integrating Theory and
Practice, Academy of Management Review, 13 (3), 471-482.
8
Zemeke, R. and Schaaf, D (1989), The Service Edge: 101 Companies That Profit from Customer Care (New
York: New American Library, pp. 65-66.
9
Carlzon, J. (1987), Moments of Truth, New York, Harper & publishers.
10
Berry, L.L. (1995), Relationship Marketing of Services Growing Interest: Emerging Perspectives,
Journal of the Academy of Marketing Science, 23 (4), 236-245.
11
Rafiq, M and Ahmed, P.K, (1998) A Customer-Oriented Framework For Empowering Service
Employees, The Journal Of Services Marketing, 12 (5), 379-396.
12
Randolph and Sashkin (2002), Can Organizational Empowerment? Work in Multinational Settings,
Academy of Management Executive, 16 (1), 102-115.

13
Lashley, C. (1999), Employee Empowerment in Services: A framework for Analysis, Personnel review,
28 (3) 169-192.

14
Schneider, B. and Bowen, D. (1985), Employee and Customer Perception of Service in Banks:
Replication and Extension, Journal of Applied Psychology, 423.,Schneider, B. and Bowen, D. (1993), The
Service Organization: Human Resource Management is Crucial, Organizational Dynamics, 21 pp. 39-52.,
Schneider, B. and Bowen, D.E (1999), Understanding Customer Delight and Outrage. Sloan Management
Review 41 Fall (1999), pp. 35¯45.

15
Van Oudtshoorn, M. and Thomas, L. (1993), A Management Synopsis of Empowerment, Empowerment
in Organizations, 1, (1)., Spreitzer, G.M. (1995) Psychological Empowerment in The Workplace:
Dimensions, Measurement, and Validation, Academy of Management Journal, 38 (5), 1442-1465., Thomas,
K. W., and Velthouse, B.A. (1990), Cognitive Elements of Empowerment: An Interpretive Model of
Intrinsic Task Motivation, Academy of Management Review, 15 (4) 666-681., Conger, J.A. and Kanungo,
R.B. The Empowerment Process: Integrating Theory and Practice, Op cit.
16
‫للمزيد من التفاصيل حول مراحل تطور الفكر اإلداري يمكن الحصول عليها من أي كتاب من كتب مبادئ اإلدارة أو وظائف اإلدارة أو‬
.‫أسس اإلدارة‬
17
Daniel A. Wren (1993), The Evolution of Management Thought, 4th ed. New York: Wiley.
18
Taylor, Fredrick. (1911), The Principles of Scientific Management, New York: w. W. Norton.
1967. Harper & Brothers.
19
Henri Fayol(1949), General and industrial administration , London: Pitman, UK.
20
Follett, M (1949), Freedom and Coordination, London: Management Publications Trust.
21
Garwood, Judith (1984), A Review of Dynamic Administration: The Collected papers of Mary Parker
Follett, New Management , vol. 2, pp. 61-62.
22
Henderson, A. M and Parsons, T (1947). Max Weber : The Theory of Social Economic Organization,
New York: Free Press.
23
Schermerhorn, J (2002) Management, 7th ed. John Wiley & Sons, Inc.

24
Maslow, A. (1970), Motivation and Personality, 2nd edition, New York: Harper & Row.
25
Hackman, R., and Oldham, G. (1980), Work Redesign, Reading, MA: Addison-Wesley, p.90.
26
Macgregor, D. (1960), The Human Side of Enterprise, New York: McGraw-Hill.
27
Argyris, C. (1957), Personality and Organization, New York: Harbor and Row.
28
Bertalanffy, L (1972), The History and Status of General Systems Theory, Academy of Management
Journal, vol 15، pp. 407-26.
29
Schermerhorn, J (2002) Management, 7th ed. John Wiley & Sons, Inc
30
Crosby, P. (1995), Quality is Still Free: Making Quality Certain in Uncertain times, New York:
McGraw-Hill.
31
Ouchi, W(1981) Theory Z: How American Businesses Can Meet Japanese Challenge, Reading, MA:
Addison-Wesley.
32
Senge, P. (1990), The Fifth Discipline, New York: Harbor.
33
Kanter, R. M. (1989), When Giants Learn to Dance: Mastering the Challenge of Strategy, Management,
and Careers in the 1990s, New York, NY: Simon and Schuster., Thomas, K. W., and Velthouse, B.A.
(1990), Cognitive Elements of Empowerment: An Interpretive Model of Intrinsic Task Motivation,
Academy of Management Review, 15 (4) 666.
34
Conger and Kanungo (1988), Op cit.
35
Spreitzer, (1995), Op cit.
36
Thomas, K. W., and Velthouse, B.A. (1990), Cognitive Elements of Empowerment: An Interpretive
Model of Intrinsic Task Motivation, Academy of Management Review, 15 (4) 666-681.
37
Ibid.
38
Gist, M (1987), Self-Efficacy: Implications for Organizational Behavior and Human Resource Management,
Academy of Management Review, 12, 472-485.
39
Deci, E.L. Connell, J. P and Ryan, R. M (1989), Self Determination in a Work Organization, Journal of
Applied Psychology, 74, 580-590.
40
Ashforth, B. E. (1989), The Experience of Powerlessness in Organizations, Organizational Behavior
and Human Decision Processes, 207-242.
41
Neilsen, E. (1986), Empowerment Strategies: Balancing Authority and Responsibility, In Srivastra. S
(Ed.), Executive power, San Francisco: Jossey-Bass, 78-110., Burke, W. (1986), Leadership As Empowering
Others, In Srivastra, S (Ed.), Executive Power, San Francisco: Jossey-Bass, 51-77.
42
Bennis, W. (1999), The End of Leadership: Exemplary Leadership is Impossible without Full Inclusion,
Initiative, and Cooperation of Followers, Organizational Dynamics, Summer, 28 (1), 71-80, McClelland, D.
Achievement Motivation Can be Develop (1965), Harvard Business Review, 43(1): 6-24.
43
Malone, T. W (1997), Is Empowerment Just a Fad? Control, Decision-making, and IT, Sloan
Management Review, 38 (2), 23-35.
44
Spreitzer, G.M. (1996), Social Structural Characteristics of Psychological Empowerment, Academy of
Management Journal, 39 (2), 483-504.
45
Sims, H. P., Jr. (1986), Beyond Quality Circles: Self-Managing Teams, Personnel, 52 (1), 25-31.
46
Rothstein, L. R. Hackman, J. R. Pascual, E.G. Mary, V. (1995), The Empowerment Effort That Came
Undone, Harvard Business Review, 73 (1), 20-31.
47
Torrington, D., Hall, L and Taylor, S (2005), Human Resource Management, Sixth ed, Prentice Hall
48
Honold, L (1997), A Review of the Literature on Employee Empowerment, Empowerment in
Organizations, 5 (4), 202-212.
49
Deming, W.E (1982) Barriers Rob Workers of the Right to be Proud of their Work, Quality,
Productivity, and Competitive Position, MIT Centre for Advanced Engineering Studies, Cambridge, MA.
50
Garfield, C (1993), Employee Empowerment, Executive Excellence, 10 (3), 20-22.
51
Bowen, D.E. and Lawler, E. (1995), Op cit.
52
Covey, S.R (1992), The 7 Habits of Highly Effective People: Restoring the Character Ethic / Stephen R.
Covey. London: Simon & Schuster.
53
Eccles, T (1993), The Deceptive Allure of Empowerment, Long Range Planning, 26 (6), 13- 21.
54
Forrester, R. (2000), Empowerment: Rejuvenating a Potent Idea, Academy of Management
Executive, 14 (3), 67-80.
55
Pfeffer, J. and Veiga, J (1999), Putting People First for Organizational Success, The Academy of
Management Executive, 13 (2), 37-48.
.‫تفصيل أكثر حول مقومات التمكين في الفصل الثاني‬ 56

57
Randolph, W. A (2000), Re-thinking Empowerment: Why is it Hard to Achieve?, 29 (2), 94-108.
58
Eccles (1993) and Argyris (1998), Op. Cit.
59
Melhem, Yahya (2004), The Antecedents of Customer-Contact Employees' empowerment, Employee
Relations, vol. 26, No. 1, 72-93. Eylon, D. (1998), Understanding Empowerment and Resolving its
Paradox: Lessons from Mary Parker Follett, Journal of Management History, 4 (1), 16-28.

‫مراجع وهوامش الفصل‬60

Davenport, D. H. (2001) Knowledge Work and the Future of Management, Chapter in a Book, The Future of
Leadership, Jossy-Bass, CA. pp. 67- 77.
61
Drucker, P, (1989), New Realities: In Government and Politics/ In Economics and Business/ In Society
and World View, Harper Business, HarperCollins Publishers, New York.
62
Nonaka, I. and Takeuchi,H. (1995), The Knowledge Creating Company, Oxford: Oxford University Press.,
Cortada, J. (1998), Where Did Knowledge Workers Come From, in Cortada, J (ed), Rise of Knowledge Worker,
Portsmouth, N.H.: Butterworth-Heinemann.
63
Peters, T.J., and Waterman, R.H. (1982) In Search of Excellence, New York: Random House.

Lioyd, B and Case, J. (1998), Open Book Management: A New Approach to Leadership, Leadership and
64

Organization Development Journal, Volume 19 (7), pp. 392-396.


65
Schuster,J., Carpenter, J and Kane, P.(1996), The Power of Open Book Management: Releasing The
True potential of Peoples' Minds, Hearts and Hands, John Wiley & sons, Inc. NY. USA.
‫ علما بأن اإلدارة بالمكشوف ال يمكن تطبيقها في جميع المؤسسات والشركات‬66
67
Peters, T and Nancy Austin (1985), A Passion for Excellence: The Leadership Difference, New York:
Random House
68
Carnall, Colin (1999), Managing Change in Organizations , Third Edition, Prentice-Hall, Europe.
69
Hart, P. & Saunders, C. (1997), Power and trust: Critical factors in the adoption and use of electronic
data interchange, Organization Science, 8 (1), 23-42., Mayer, R. C., Davis, S. H., and Schoorman, F. D.
(1995), An Integrative Model Organizational Trust, Academy of Management Review, 20, 709-734.
70
Fukuyama, F.(1995), Trust: The Social Virtues and the Creation of Prosperity, London: Hamish Hamilton.
71
Bennis, W. and Townsend, R. (1995), Reinventing Leadership, William Morrow, New York, US.
72
Rothstein, L. R. Hackman, J. R. Pascual, E.G. Mary, V. (1995), The Empowerment Effort That Came
Undone, Harvard Business Review, 73 (1), 20-31.
73
Stewart, T.A., (2001) Trust Me On This: Organizational Support for Trust in a World Without
Hierarchies, Chapter in a Book, The Future of Leadership, Jossy-Bass, CA. pp. 67- 77.
74
Kanter, R.(2004), Confidence: How Winning Streak and Losing Streaks Begin and End, Crown
Business, pp. 402.
75
Ryan, K and Oestreich, D. (1991) Driving Fear Out of The Work Place, Jossey-Bass Publishers, USA.
76
Melhem, Yahya and Karasneh, Abed (2005), The intangible Dimensions of Service Quality- the
Neglected Domain, International Journal of Applied Marketing. volume 2 issue 1.
77
Sirota, D, Mischkind, L., and Meltzer, M (2005) The Enthusiastic Employee, Wharton School
Publishing/Pearson Education.
78
Sirota, Mischkind, and Meltzer (2005) Ibid.
79
Randolph, W. A (2000), Re-thinking Empowerment: Why is it Hard to Achieve?, 29 (2), 94-
108.
80
Collins, J and Porras, J.(1994), Built To Last: Successful Habits of Visionary Companies, USA.
81
Pfeffer, J (1994) Competitive Advantage through People, Op cit.
82
Argyris, C. (1998), Empowerment, Op cit.
83
Skinner, B.F (1948), Walden Two, New York: Macmillan ; Science and Human Behavior, New York:
Macmillan (1953)
84
Rafiq, M. and Ahmed, P.K. (2000), Advances in the Internal Marketing Concept: Definition, Synthesis
and Extension, 14(6), 449-462
85
Berry, L.L. (1984), The Employee as Customer, in Lovelock, C.H. Services Marketing: Text, Cases, and
Readings, Printice-Hall, Englewood Cliffs, NJ, 271-279.
86
Vary, R.J and Lweis, B.R(1999), A Broadened Conception of Internal Marketing, European Journal of
Marketing, 33 (9/10) 926-944
87
Sargeant, A and Asif, S (1998), The Strategic Application of Internal Marketing-An Investigation of UK
Banking, International Journal of Bank Marketing, 16 (2), 66-79., Frost, A. F and Kumar, M (2000)
Intservqual- an internal adaptation of the gap model in large service organization, Journal of services
marketing, 14 (5) 358-377.
88
Czaplewski, A. Ferguson, J. M. and Milliman, J. F (2001) Southwest Airlines: How Internal Marketing
Pilots Success, Marketing Management, 10 (3), 14-17.
‫مراجع وهوامش الفصل‬89
Melhem, Yahya (2004), The Antecedents of customer-contact employees, empowerment, Employee
Relations, Vol. 26 No. 1, 72-93.
90
Heskett, J.L. Sasser, Jr, W.E. and Schlesinger, L.A. (1997), The Service Profit Chain: How Leading
Companies Link Profit and Growth to Loyalty, Satisfaction and Value, Free Press, New York, NY.
91
Bowen, D.E. and Lawler, E.E. (1992), the Empowerment of Service Workers: What, Why, How, and
When, Sloan Management Review, Spring, 31-40.
92
Floher, Nielsen, J. (1995). Organizing for quality in Danish retail banking. In Workshop on Quality
Management in Services V (Proceedings Part II) (pp. 411–426). Tilburg: European Institute for
Advanced Studies in Management.
93
Nielsen, J. and Pedersen, C. (2003), The consequences and limits of empowerment in financial services,
Scandinavian Journal of Management, Volume 19 (1), pp.63-83.
94
Schneider, B. and Bowen, D. (1985), Employee and Customer Perception of Service in Banks: Replication
and Extension, Journal of Applied Psychology, 423.
Schneider, B. and Bowen, D. (1993), The Service Organization: Human Resource Management is Crucial,
Organizational Dynamics, 21 pp. 39-52.
95
Argyris, C. (1998), Empowerment: The Emperor’s new Clothes, Harvard Business Review (May-Jun),
98-105.
96
Maslow, A., (1970), Motivation and Personality, 2nd edition, New York: Harper & Row.
97
Kanter, R. M. (1989), The New Managerial Work, Harvard Business Review, 67 (6), 85-92.
98
Grönroos, C (1994), From Marketing Mix to Relationship Marketing: Towards a Paradigm Shift in Marketing,
Management Decision, 32 (2), 4-22., Grönroos, C (2000) Creating a Relationship Dialogue: Communication,
Interaction and Value, The Marketing Review, 1 (1), 5-14., Gummesson, E (1997), Relationship Marketing as a
Paradigm Shift: Some Conclusions for the 30R Approach, Management Decision, 35 (4), 267-272.
99
Schneider, B. and Bowen, D.E (1999), Understanding Customer Delight and Outrage. Sloan
Management Review 41 Fall (1999), pp. 35¯45.
100
Gummesson, E. (1995), Relationship Marketing, From 4P to 30 R, Liber-Hermods, Stockholm, Sweden.,
Gummesson, E (1987), The New Marketing- Developing Long-term Interactive Relationships, Long Range
Planning, 20, 10-20., Czepiel, (1990), Service Encounters and Service Relationships: Implications for
Research, Journal of Business Research, 20, 13-21.
101
Sheth, J.N. Parvatiyar, A. (1995), Relationship Marketing in Consumer Markets: Antecedents and
Consequences, Journal of the Academy of Marketing Science, 23 (4), 255-271.
102
Bateson, J.G (1985), Perceived Control and the Service encounter: In Czepiel, J.A., Solomon, M.R. and
Surprenant, C.F. (Eds), The Service Encounter: Managing Employee/Customer Interaction in Service
Businesses, Lexington Books, MA, pp.67-82.
103
Bitner, M.J, Booms, B. and Tetreault, M.S (1990), The Service Encounter: Diagnosing Favourable and
Unfavourable Incidents, Journal of Marketing, January, 71-84.
104
Hartline, M. D. Maxham III, J. G. and McKee, D. O (2000), Corridors of Influence in the Dissemination of
Customer-Oriented Strategy to Customer Contact Service Employees, Journal of Marketing, 64 (2), 35-50.,
Hartline, M.D. and Ferrel, O.C. (1996), The Management of Customer-Contact Employees: An Empirical
Investigation, Journal of Marketing, 60 (4), 52-70.
105
Schlesinger, L.A. and Zornitsky, J.(1991) Job Satisfaction, Service Capability, and customer Satisfaction: An
Examination of Linkages and Management Implementations, Human Resource Planning, 14 (2), 141-149.
106
Corsun, D. L. and Enz, C.A (1999), Predicting Psychological Empowerment Among Service Workers: The
Effect of Support-Based Relationship, Human Relations, 52 (2), 205- 224.
‫مراجع وهوامش الفصل‬107
Lovelock, C.H. (1983), Classifying Services to Gain Strategic Marketing Insights, Journal of Marketing, 47 (3)
9-20
108
Heskett, J.L. Sasser, Jr, W.E. and Schlesinger, L.A. (1997), The Service Profit Chain: How Leading
Companies Link Profit and Growth to Loyalty, Satisfaction and Value, Free Press, New York, NY.
109
Peters, Tom, (2004) Re-Imagine: Business Excellence in a Distributive Age. New York.
110
Zeithaml, V.A. Parasuraman, A. and Berry, L.L (1985), Problems and Strategies in Services marketing,
Journal of Marketing, Spring, 49 (2), 33-47., Parasuraman, A. Zeithaml, V.A. and Berry, L.L (1985), A
Conceptual Model of Service Quality and its Implications for Future Research, Journal of Marketing, 49,
Fall, 41-40., Shostack, G.L. (1982) How to Design a Service, European Journal of Marketing, 16 (1), 49-64.
111
Norman, R. (1984) Service Management, Wiley: New York.
112
Grönroos, C (1994), From Marketing Mix to Relationship Marketing: Towards a Paradigm Shift in
Marketing, Management Decision, 32 (2), 4-22.
113
Gilmore, A. and Carson, D. (1993), Enhancing Service Quality: The Case of Sealink Stena, Irish Marketing
Review, 6 (1), 64-73., Gilmore, A. and Moreland, L. (2000), Call Centres: How Can Service Quality Be
Managed?, Irish Marketing Review, 13 (1), 3-11.
114
Heskett, J.L. Jones, T.O. Loveman, G.W. Sasser, W.E. and Schlesinger, L.A. (1994), Putting the Service
Profit Chain to Work, Harvard Business Review, March-April, 164-174.
115
Levitt, T. (1972), Production Line Approach to Services, Harvard Business Review, September-October, 41-
52.
116
Levitt, T. (1976), Industrialization of service, Harvard Business Review, September-October, 63-74.
117
Lovelock, Classifying Services to Gain Strategic Marketing Insights, OP cit.
118
Bitner, M.J, Booms, B. and Tetreault, M.S (1990), The Service Encounter: Diagnosing Favorable and
Unfavourable Incidents, Journal of Marketing, January, 71-84.
119
Parasuraman, A. Zeithaml, V.A. and Berry, L.L (1985), A Conceptual Model of Service Quality and its
Implications for Future Research, Journal of Marketing, 49, Fall, 41-40.
120
Hartline, M.D. and Ferrel, O.C. (1996), The Management of Customer-Contact Employees: An Empirical
Investigation, Journal of Marketing, 60 (4), 52-70.
121
Melhem, Yahya , and Karasneh, A, (2005) Op cit.
122
Pfeffer, J (1994) Competitive Advantage through People, Harvard Business School Press: Boston,
Massachusetts.
123
Melhem, Yahya ( 2003), Ph.D thesis, Nottingham University, UK.
124
Rucci, A. Kirn, S. and Quinn, R., (1998) Profit Chain At Sears, Harvard Business Review, 76 (1), 83-
97.
‫مراجع الفصل وهوامش الفصل‬125

.‫ دبي‬،‫ دار القلم للنشر والتوزيع‬،‫ الطبعة الخامسة‬،‫) أصول اإلدارة‬1997 (‫ سمير‬،‫عسكر‬
126
Schermerhorn, J (2002) Management, Seventh Edition, John Wiley and sons, inc.

127
Harvey, D and Brown, D, (2001), An Experiential Approach to Organization Development,
Sixth edition, Prentice-Hall.
128
() Daft, R (1997), Management, Fifth edition, The Dryden Press, pp.556-557.
‫ عن‬1982 ‫توم بيترز من أكثر الناس تأثيرا كعالم في إدارة األعمال وخاصة في عقد الثمانينات من خالل كتابه الشهير الذي ألفه في عام‬ 129

‫أكثر الشركات األمريكية نجاحا وتفوقا وقد لخص في كتابه أهم الممارسات اإلدارية التي تمارسها هذه الشركات الناجحة مما مكنها من‬
.‫الوصول إلى النجاح والتفوق‬
130
Loren Gary (2004), The Rise of Hyperarchies, Harrods Management Update, March, Vol,59, No.03.
131

.10 ‫ ص‬،‫ شعاع‬،‫ الشركة العربية لإلعالم العلمي‬،‫ التفكير خارج الصندوق‬،)2004 ‫(يونيو‬.‫ المختار اإلداري‬132

133
Peters, Tom (1992), Liberation management, Alfred A.knoph, ed, N.Y
.‫الحلقة المعرفية تعني بناء شبكة عالقات غايتها بناء واكتساب المعرفة بشكل مستمر ومتجدد‬ 134

135
‫مراجع وهوامش الفصل‬
Argyris, C. (1998), Empowerment: The Emperor’s new Clothes, Harvard Business Review (May-Jun),
98-105.
136
Eccles, T (1993), The Deceptive Allure of Empowerment, Long Range Planning, 26 (6), 13- 21
137
Badaracco, Jr. Joseph (1991) The Knowledge Link: How Firms Compete Through Strategic Alliances,
Harvard Business School, U.S.A, 189 pages.
138
Collins, J and Porras, J.(1994), Built To Last: Successful Habits of Visionary Companies, USA.

139
Collins, J and Porras, Built To Last: Successful Habits of Visionary Companies, OP cit.
140
http://www.arabbank.com/user_shoman_found.asp
141
Collins, J and Porras, Built To Last: Successful Habits of Visionary Companies, OP cit.

‫مراجع وهوامش الفصل‬142

.‫ لدجلوس ماقريقر التي تم الحديث عنها في الفصل السابق‬X and Y ‫انظر نظرية‬
143
Lawler, E. E. III. (2001) The Era of Human Capital Has Finally Arrived In Bennis, W., Spreitzer, G. and
Cummings, T (2001), The Future of Leadership, 14 –25.
144
Lawler, E.E III (1992), The Ultimate Advantage: Creating the High-Involvement Organization, Jossey-
Bass, San Francisco, CA.
145
Pfeffer, J. and Veiga, J (1999), Putting People First for Organizational Success, The Academy of
Management Executive, 13 (2), 37-48.
146
Thomas J. Watson, Jr “IBM’s philosophy, A Business and its Beliefs, p. 13
147
Pfeffer, J (1994) Competitive Advantage through People, Harvard Business School Press: Boston,
Massachusetts.
148
Argyris, C. (1998), Empowerment: The Emperor’s new Clothes, Harvard Business Review (May-Jun),
98-105.
149
Bennis, Warren (2001) , The Future Has no Shelf Life, the Future of Leadership: Today's Top Leadership
Thinkers Speak to Tomorrow's Leaders, Chapter in A book, Jossey-Bass, San Francisco, pp. 3-13.
150
Edward E- Lawler III, The Era of Human Capital Has Finally Arrived, the Future of Leadership: Today's Top
Leadership Thinkers Speak to Tomorrow's Leaders, OP cit
.‫ عمان األردن‬,‫ دار وائل للنشر‬, ‫) اقتصاديات التعليم‬2001( .‫ عبداهلل‬,‫ الرشدان‬151
152
Psacharopoulos, G Rates of Return to Investment in Education Around the World, Computer Education
Review, No.1, London, 1972, pp.54-67.
153
Porter, M. (1985) Competitive Advantage, Creating and Sustaining Superior Performance New York, Free
Press.
154
Pfeffer, J (1994) Competitive Advantage through People, OP cit.
155
Porter, M. (1980), Competitive Strategy , New York: Free Press, pp.36-46.
156
Pfeffer, J. (1994), Competitive Advantage Through People, Op. Cit.
.27 ‫ ص‬,‫ مرجع سابق‬، ‫ اقتصاديات التعليم‬،‫ عبداهلل‬,‫ الرشدان‬157
Pfeffer, 1994, Op Cit
158

Pfeffer (1994) Ibid. ;Pfeffer, J. and Veiga, J (1999), Putting People First for Organizational Success, The
159

Academy of Management Executive, 13 (2), 37-48.


160
Ali, A. (1989), A Comparative Study of Managerial Beliefs about Work in the Arab States, Advances in
International Comparative management, 4, 95-112.
161
Daft, R (1997), Management, Op cit.
162
See J. Schuster and others (1996), Power of Open Book Management: Releasing the True Potential of
People's Minds, Hearts and Hands, John Wiley and Sons, Inc.
.‫ تفاصيل أكثر حول التنظيم في الفصل السابع‬163
164
Attran, M. and Nguyen, T.(2000), Creating the Right Structural Fit for Self-Directed Teams, Team
Performance Management, Vol 6, No. 1/2.
165
Bacon, N. and Blyton, P. (2003) The Impact of Teamwork on Skills: Employee Perceptions of Who Gains and
Who Loses, Human Resource Management Journal, Vol. 13, No. 2, pp. 13-29.
.‫ يستخدم مصطلح الفريق والجماعة ليدل على نفس المعنى‬166
167
Salaman, G. and Mabey, C. (1995), Strategic Human Resource Management, Oxford: Blackwell Business.
168
Koontz, H. and Odonnel, C. (1972), Principles of Management, New York, McGraw-Hill Co.
169
Pfeffer, J. (1994) Op. Cit.
‫مراجع وهوامش الفصل‬170
Drucker, P, (1999) Mgt Challenges for the 21st century, Harper Collins.
171
Covey, S (1992) The Seven Habits of Highly effective people, Restoring the Character Ethic , London:
Simon and Schuster.
172
Kay, J. (1995), Foundations Of Corporate Success, Oxford: Oxford University Press.
173
Drucker, Management challenges for the 21st century, Op cit.
174
Prahald, C. K. and Hamel, G. (1990), The Core Competence of The Corporation, Harvard Business Review,
68 (3),pp. 79-91
175
Barnatt, C. (1995), Cyber Business, New York: Wiley.
176
Senge, P (1990) The Fifth Discipline, London: Random House
177
Hurst, D. K. (1995) Crisis and Renewal, Cambridge, MA: Harvard Business School Press.
‫ أكد أيضًا على أن كل اكتشاف في‬.2004 ‫*) عن فاروق الباز مدير مؤسسة ناسا للفضاء السابق في مقابلة تلفزيونية مع محطة الجزيرة عام‬ (

.‫ في أمريكيا‬48000 ‫ في كوريا و‬16000 ‫مصر يقابله‬


178
Carnall,C. (1999), Managing Change In Organizations, Third Edition, London, Prentice-Hall Europe, pp.83-
93.
179
Taylor, F. (1911), The Principles of Scientific Management, New York: W. W Norton.
.‫ وآخرون‬Nonaka and Davenport ‫ من أمثال‬180
181
Nonak, I. and Takeuchi, H. (1995), The Knowledge Creating Com
‫مراجع وهوامش الفصل‬182
Schermerhorn, J (2002), Management, 7th ed. John Willey.
183
Kanter, R (1979) Power Failure in Management Circuits, Harvard Business Review, (July-August),
pp. 65-75.
184
Schermerhorn, Op cit.
185
DePree, Max (1989), An Old Pro's Wisdom: It Begins with Belief in people, New York Times,
September, 10, p. F2.
186
Kouzes, J., and Posner, B (1988), The Leadership Challenge , Success, April, p. 68
187
Harvey, D and Brown, D, (2001), An Experiential Approach to Organization Development, Sixth
edition, Prentice-Hall.
188
Covey R. Stephen, 8th Habit: from effectiveness to greatness, Free Press, November 2004.
189
Maslow, A. (1970), Motivation and Personality, 2nd ed. New York: Harper and Rpw.
190
Quinn, R., Spreitzer, G. and Brown, M (2000), Changing Others Through Changing Ourselves: the
Transformation of Human Systems, Journal of Management Inquiry, Vol.9 (2), 147-164.
191
Quinn, R., Spreitzer, G. and Brown, M, Changing Others through Changing Ourselves, (2000), Op
cit.
192
Argyris, C, Op cit.
193
Argyris, C. (1991, May-June). Teaching Smart People How to Learn. Harvard Business Review, pp.
99-109.
194
McGreoger, D. (1960), The Human Side of The Enterprise, New York: McGraw-Hill Co.
195
Senge, P (1990) The Fifth Discipline, London: Random House
196
Cooper, R. K. (1997). Executive IQ: Emotional Intelligence in Leadership and Organizations. New York:
Penguin Putnam., and Goldman D. (1995). Emotional Intelligence. New York: Bantam
197
Reason, P. (1998) Political, Epistemological, Ecological, and Spiritual Dimensions of Participation. Working
paper, University of Bath.
198
Spreitzer, G.M. (1996), Social Structural Characteristics of Psychological Empowerment, Academy of
Management Journal, 39 (2), 483-504.
199
Kouzes, J., and Posner, B (1988), The Leadership Challenge , Success, April, p. 68
200
Bennis, W. and Townsend, R. (1995) Reinventing Leadership, William Morrow, NY. USA.
201
Argyris, C, Op cit
202
Drucker, peter, (1999) Management Challenges for the 21st century, Harper Collins.

‫ مصادر وهوامش الفصل‬203


Ali, A. (1989), A Comparative Study of Managerial Beliefs about Work in the Arab States, Advances in
International Comparative management, 4, 95-112.
‫ جامعة‬،‫ المؤتمر العلمي األول لإلدارة العامة‬،‫ مدخل معاصر لتحديث وتطوير اإلدارة العامة في األردن‬:‫ الحكومة اإللكترونية‬.‫ محمد‬,‫الطعامنة‬ 204

،‫ الحكومة اإللكترونية وتطبيقاتها في الوطن العربي‬،‫ وطارق شريف‬.‫ محمد‬،‫ و الطعامنة‬.2004، ‫ نيسان‬22-20 ،‫ األردن‬،‫ الكرك‬،‫مؤتة‬
.150-149 ‫ ص ص‬،2004 ،‫ القاهرة‬،‫المنظمة العربية للتنمية اإلدارية‬
،2004 ،‫ دراسة ميدانية‬:‫ آراء المديرين من مستوى اإلدارة الوسطى في األردن بشأن العوامل المعززة للشعور بالتمكن‬، ‫ محمد‬،‫ القريوتي‬205
1636-1607 ‫ ص‬.‫أبحاث اليرموك‬
.‫ القاهرة‬،‫ المنظمة العربية للتنمية اإلدارية‬،‫ قضايا وتطبيقات‬: Governance ‫) الحكمانية‬2003( .‫ زهير‬،‫الكايد‬ 206

‫ الواليات المتحدة‬،‫ نيويورك‬،‫ المكتب اإلقليمي للدول العربية‬،2002 ‫ تقرير التنمية اإلنسانية العربية لعام‬،‫ برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‬207
.106-104 ‫ ص‬،2002 ‫ عام‬،‫األمريكية‬
UNDP, Human Development report 2000, Oxford University Press, N.Y., U.S.A.
208

209
{.‫ اإلنترنت‬،‫ وهي متاحة من خالل الشبكة العالمية‬،‫من تقارير األمم المتحدة للتنمية البشرية التي تقدم أرقاما ومعدالت سنوية للتنمية البشرية‬
‫ أكتوبر‬، 21 ،‫ أبو ظبي‬،‫ في محاضرة في المنتدى الثقافي‬،)2002( ‫ عالء‬، ‫ التميمي‬210
211
UNDP, Human Development report, Op cit.
.‫ مرجع سابق‬،)2002( ‫ عالء‬،‫ التميمي‬212
213
Arab Human Development Report (2003) issued by the United Nations Development Program
214
Arab Human Report, Op cit.
215
Reported by the institute of Higher Education, Shanghai Jiao Tong University in China.
216
.‫ مرجع سابق‬،)2002 (‫عن محاضرة للدكتور عالء محمود التميمي‬
،‫ دمشق‬،‫ تشرين أول‬،‫ وقائع المؤتمر العربي الرابع في اإلدارة‬،‫ الموائمة بين البرادايم والسياق‬:‫ اإلدارة والثقافة‬،)2003( ‫ عادل‬،‫الرشيد‬ 217

.‫منشورات المنظمة العربية للتنمية اإلدارية وهيئة تخطيط الدولة السورية‬


218
Harvey, D and Brown, D, (2001), An Experiential Approach to Organization Development, Sixth edition,
Prentice-Hall.
.‫) مرجع سابق‬2003( ‫ عادل‬،‫ الرشيد‬219
"‫ الرشيد في "اإلدارة والثقافة بين البرادايم والسياق‬220
.‫ مرجع سابق‬،‫ عادل‬،‫ الرشيد‬221
222
Atiyyah, H. S (1993), Management Development in Arab Countries, Journal of Management Development,
12 (1), 3-10.
223
Al-Raseed, A. (1994) Bank Managers in Jordan: A study of Motivation, Job Satisfaction and Comparative
Organizational Practices, Unpublished Thesis, Canterbury Business School, the university of Kent at
Canterbury.
224
Rotter, J. (1966), Generalized Expectancies for Internal Versus External Control of Reinforcement,
Psychological Monographs 80, no.906.
225
Spreitzer, G.M. Kizilos, M. and Nason, S. (1997), A Dimensional Analysis of Empowerment in Relation to
Performance, The Dynamics of Trust Within and between Organisations, Journal of Marketing Research, 23
(5), 314-328.
226
Argyris, C. (1998), Empowerment: The Emperor’s new Clothes, Harvard Business Review (May-Jun), 98-
105.
227
Argyris, (1994), Good Communication that Blocks Learning, Harvard Business Review,
228
Covey, S.R (1992), Op cit.
229
Locke, A. Edwin and Latham, G. (1984), Goal Setting: A motivational Technique that Works!, Englewood
Cliffs, NJ: Prentice-Hall
230
Covey, S (1989), Op .cit. and Spreitzer, G, Op cit.
231
Covey, S (1989), Ibid.
232
Covey, S (1989), Ibid.
233
.‫ مرجع سابق‬،)2002(‫عن محاضرة للدكتور عالء محمود التميمي‬

You might also like