You are on page 1of 37

‫مجمة جامعة الممؾ عبدالعزيز‪ :‬االقتصاد اإلسبلمي‪ ،‬ـ‪ 52‬عٕ‪ ،‬ص ص‪ٕٕٓٔ( ٔٔ٘-ٜٚ :‬ـ‪ٖٖٔٗ/‬ىػ)‬

‫‪DOI: 10.4197 / Islec. 25-2.3‬‬

‫المفيوـ التسويقي الحديث‬


‫وجية نظر إسبلمية‬

‫طارق بمحاج‬
‫أستاذ مساعد‬
‫معيد العموـ التجارية والتسيير‬
‫المركز الجامعي – ميمة ‪ -‬الجزائر‬
‫‪t.belhadj@centre-univ-mila.dz‬‬

‫المستخمص‪ .‬لقد استعرضنا في ىذه الورقة أىـ المراحؿ التي مر بيا‬


‫الفكر التسويقي الوضعي حتى وصؿ إلى مفيومو الحديث‪ ،‬حيث‬
‫استوقفنا النظر والتحميؿ لتمؾ المراحؿ عند بعض المبلحظات النقدية‪،‬‬
‫حاولنا مف خبلليا إبراز سمة ىامة في النظاـ التسويقي الوضعي وىي‬
‫تغير المفاىيـ والمبادئ التي يقوـ عمييا تبعا لمتحوالت االقتصادية‬
‫واالجتماعية التي شيدتيا المجتمعات الغربية واألزمات التي مر بيا‬
‫النظاـ الرأسمالي‪ ،‬وىو ما يفقده ‪ -‬مف وجية نظرنا‪ -‬صفة الثبات‬
‫واالستقرار‪ ،‬وانطبلقا مف ذلؾ حاولنا تقديـ إطار لممارسة التسويؽ وفؽ‬
‫منيج اإلسبلـ القائـ عمى مبادئ ثابتة مف العدالة واإلنصاؼ‪ ،‬وعمى‬
‫أصوؿ عامة تجد جذورىا الراسخة في القيـ العقدية‪ ،‬واألخبلقية‬
‫والتشريعية التي ينضح بيا ديننا الحنيؼ‪ ،‬حيث اقترحنا تعريفا لمفيوـ‬
‫التسويؽ اإلسبلمي‪.‬‬

‫‪ٜٚ‬‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫ٓ‪ٛ‬‬

‫مقدمة‬
‫إف ظيور إطار لمفكر التسويقي كاف في بداية القرف العشريف مف األدبيات التي‬
‫أسسيا االقتصاد الكبلسيكي والتي وجدت الدعـ في الرأسمالية الصناعية القائمة‬
‫عمى السوؽ الحرة آلدـ سميث ومبدأ "دعو يعمؿ دعو يمر" و"اليد الخفية" كآلية‬
‫لمتحكـ والرقابة‪ ،‬إضافة إلى النظرة المادية التاريخية التي طبعت الفكر الماركسي‪،‬‬
‫وكذلؾ مفيوـ ماكس ويبر عف الرجؿ االقتصادي العقبلني‪ ،‬ومبدأ دارويف في البقاء‬
‫لؤلصمح‪ ،‬كؿ ىذه المعاني خمقت العممانية‪ ،‬والقيـ المحايدة‪ ،‬التي أدت إلى إنتاج‬
‫مجتمع مغرؽ في المادية‪ ،‬يسعى لخدمة المصالح الذاتية بتعظيـ الثروات واشباع‬
‫الرغبات )‪ ،(Mahboub and Shariful, 2011, 71-72‬غير أف ىذا الفكر التسويقي‬
‫شيد تغي ار وتطو ار بشكؿ مستمر وفؽ مراحؿ متعددة‪ ،‬حيث اختمفت الفمسفات‬
‫والمفاىيـ الموجية لو في كؿ مرحمة نتيجة التغير في البيئة الداخمية والخارجية‬
‫لمنظمات األعماؿ لتصؿ إلى المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وخبلؿ األزمة المالية‬
‫العالمية األخيرة واجو التسويؽ انتقادات أخبلقية واجتماعية حادة‪ ،‬حيث عجز‬
‫المفيوـ التسويقي الحديث بامتداداتو المجتمعية عف التعامؿ بإيجابية مع ىذه‬
‫األزمة التي أفرزىا النظاـ الرأسمالي‪ ،‬نظاـ اقتصاد السوؽ‪ ،‬وانطبلقا مف تمؾ‬
‫االنتقادات فقد نادى كثير مف الكتّاب بضرورة إعادة النظر في اتجاىات‬
‫وممارسات التسويؽ واعطاءىا أبعادا أخبلقية وقيمية أكثر مف البعد المجتمعي‬
‫والبيئي‪ ،‬غير أف أىـ ما يواجو ىؤالء ىو انعداـ المرجع الراسخ واألصؿ الثابت‬
‫الذي يبنوف عميو تمؾ األبعاد‪ ،‬إف ىذا البحث يحاوؿ إلقاء الضوء عمى واحدة مف‬
‫صناع القرار في المؤسسات االقتصادية‪ ،‬وىي مشكمة‬ ‫أىـ المشكبلت التي تواجو ّ‬
‫أخمقة التسويؽ وحسف استغبلؿ تقنياتو المتعددة في تحقيؽ الصالح العاـ‪ ،‬وفي ظؿ‬
‫تخبط النموذج الغربي بحثا عف الحموؿ الوضعية يبرز دور اإلسبلـ بضوابطو‬
‫وأخبلقياتو في بعث نظاـ تسويقي متكامؿ يحقؽ رشادة القرار التسويقي ويضمف‬
‫ٔ‪ٛ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫عدالة العبلقة بيف المنتج والمستيمؾ في ظؿ احتراـ مصالح المجتمع‪ ،‬مف ىنا تأتي‬
‫أىمية دراسة المنظور اإلسبلمي لمتسويؽ‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تطور الفمسفة والمفاهيم التسويقية‬


‫سنعرض في ىذا المبحث إلى أىـ المراحؿ التي تطور خبلليا الفكر التسويقي‬
‫حتى وصؿ إلى المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وسيستوقفنا النظر والتحميؿ ليذا التطور‬
‫عند بعض المبلحظات النقدية‪ ،‬حيث سنسعى إلى إبراز سمة ىامة في النظاـ‬
‫التسويقي الوضعي وىي تغير الفمسفة والمفاىيـ التي يستند إلييا تبعا لمتحوالت‬
‫االقتصادية واالجتماعية التي شيدتيا المجتمعات الغربية وىو ما يفقده ‪ -‬مف وجية‬
‫نظرنا ‪ -‬صفة الثبات واالستقرار‪.‬‬

‫المطمب األول‪ :‬المفهوم التسويقي الحديث‬


‫ال بد أوال أف نفرؽ بيف التسويؽ كمفيوـ وفمسفة والتسويؽ كممارسة ونشاط*‪،‬‬
‫ذلؾ أف التسويؽ قبؿ أف يكوف مجموعة عمميات ووظائؼ ىو في حقيقتو فمسفة‬
‫أعماؿ )‪ (business philosophy‬تحكـ وتوجو صناعة القرار بالمؤسسة االقتصادية‪" ،‬‬
‫ففمسفة المشروع ىي المبدأ األعمى الذي يرشد كؿ أعمالو‪ ..‬ويعطي متخذي الق اررات‬
‫إحساسا بالغرض مف المشروع ويمدىـ بالمبادئ العامة التي توجو كؿ جيود التنظيـ"‬
‫(مرداوي‪ٕٓٓٛ ،‬ـ‪ ،)ٙٚ ،‬واذا كاف التسويؽ كنشاط يعرؼ بأنو‪" :‬عممية تخطيط‪،‬‬
‫وتصميـ وتسعير وترويج وتوزيع األفكار والسمع والخدمات بيدؼ التبادؿ الذي يشبع‬
‫أىداؼ األفراد والمنظمات" )‪ ،(Wilkie and Moore, 2007, p.269‬فيو مف جانبو‬
‫الفمسفي طريقة تفكير ومف الطبيعي أف طريقة التفكير تحكـ وتحدد ماىية األنشطة‬

‫* الباحث يشكر المحكـ الكريـ الذي نبيو إلى ضرورة التفريؽ بيف التسويؽ كمفيوـ والتسويؽ‬
‫كممارسة‪ ،‬كما يشكر لو مبلحظاتو التي أفاد منيا‪ ،‬ويبقى ما في البحث مف قصور مردودا‬
‫عمى صاحب البحث‪.‬‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫ٕ‪ٛ‬‬

‫(الشنواني‪ٕٓٓٓ ،‬ـ‪ ،)ٕٚ ،‬والجدير بالذكر أف ىذه الفمسفة أو طريقة التفكير لـ‬
‫تكف واحدة عمى مر الزمف‪ ،‬وانما كاف ىناؾ انتقاؿ مف فمسفة ألخرى كنتيجة‬
‫لمتغيرات التي عرفتيا منظمات األعماؿ في المجتمعات المتقدمة‪.‬‬

‫لقد قدـ )‪ (Keith, 1960‬أوؿ دراسة تحميمية لتطور التسويؽ كفمسفة أعماؿ مف‬
‫خبلؿ مؤسستو التي كاف يشتغؿ بيا حيث ميز بيف أربع مراحؿ‪ ،‬في حيف يرى‬
‫بعضيـ )‪ (Pride and Ferrell, 2000‬أف ىذه المراحؿ تتحدد في ثبلث كما يمي‪:‬‬
‫مرحمة التوجو اإلنتاجي‪ ،‬التوجو البيعي‪ ،‬ثـ مرحمة التوجو التسويقي‪.‬‬

‫غير أف الذي استقرت عميو أدبيات التسويؽ ىو التقسيـ الذي قدمو )‪(Kotler‬‬
‫خبلؿ فترة السبعينات حيث أضاؼ مرحمتيف لصيقتيف بكؿ مف المرحمة األولى‬
‫والثالثة ىما‪ :‬مرحمة التوجو بالمنتوج وىي امتداد لمرحمة التوجو اإلنتاجي‪ ،‬ومرحمة‬
‫التوجو المجتمعي وىي امتداد لمرحمة التوجو التسويقي )‪.(Kotler, 2002‬‬

‫أوال‪ :‬المفهوم اإلنتاجي‪ :‬لقد ساد ىذا المفيوـ منذ منتصؼ القرف التاسع عشر‬
‫حتى الربع األوؿ مف القرف العشريف‪ ،‬حيث كانت المنظمات التي مرت بمرحمة الثورة‬
‫الصناعية تعمؿ في ظؿ منافسة محدودة وسوؽ تييمف عميو قوة المنتجيف‪ ،‬أيف‬
‫تطغى مشكمة اإلنتاج عمى تفكير القائميف بالنشاط في تمؾ المنظمات‪ ،‬لقد كانت‬
‫إمكانات اإلنتاج قاصرة عف إشباع حاجات السوؽ‪ ،‬وفي ظؿ االعتقاد السائد بصحة‬
‫الفرض االقتصادي المعروؼ آنذاؾ بقانوف ساي لممنافذ الذي ينص عمى أف العرض‬
‫يخمؽ الطمب الخاص بو‪ ،‬كاف ىدؼ المؤسسات ىو تحسيف كفاءة اإلنتاج (مف أجؿ‬
‫خفض التكمفة) والتوزيع (إلتاحة السمع في األسواؽ)‪ ،‬وكاف ذلؾ يتـ في غالب‬
‫األحياف عف طريؽ اإلنتاج الكبير )‪ (mass production‬وتوحيد مواصفات المنتوج‬
‫)‪ (standard items‬مع إىماؿ مطمؽ لخيارات المستيمكيف في ىذا المجاؿ‬
‫)‪ ،(Lancaster and Massingham, 2011, p.04‬حيث يفترض المفيوـ اإلنتاجي أف‬
‫ٖ‪ٛ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫المستيمؾ ليس لو بد مف شراء منتجات المؤسسة وليذا لـ يكف مستغربا أال يبذؿ‬
‫يسير ال يعدو تدريب رجاؿ البيع لتصريؼ منتجاتيـ‪.‬‬
‫جيدا ًا‬
‫المنتجوف إال ً‬
‫ونتيجة لذلؾ فقد كانت إدارة اإلنتاج ىي مركز نشاط األعماؿ بالمنظمات‪ ،‬أما‬
‫الوظائؼ األخرى فيي أقؿ أىمية كإدارة الموظفيف‪ ،‬والمالية‪ ،‬والبيع‪ .‬ىذه األخيرة‬
‫كاف ينظر إلييا بوصفيا "نشاطا ثانويا يسمح بتدفؽ السمع نحو المستيمكيف"‬
‫)‪.(Demeure, 2008, p.03‬‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم المنتوج‪ :‬عرفت ىذه المرحمة ظيور المنافسة بيف المنتجيف إذ لـ‬
‫تعد األسعار المغرية المتأتية مف تخفيض تكاليؼ اإلنتاج قادرة لوحدىا عمى جذب‬
‫المستيمؾ‪ ،‬مما دفع المنتجيف إلى البحث عف وسائؿ أخرى لجذبو مثؿ تطوير‬
‫مواصفات السمع‪ ،‬وعمى ىذا األساس قاـ المفيوـ المتعمؽ بالمنتوج‪ ،‬والذي يفترض أف‬
‫المستيمكيف يختاروف المنتجات والخدمات ذات الجودة العالية واألداء الجيد‪ ،‬ما يعني‬
‫أف المؤسسة عمييا في ضوء ذلؾ أف تتبنى استراتيجية لتطوير منتجات ذات جودة‬
‫متميزة‪ ،‬و تحسينيا مف حيف آلخر )‪ ،(Vandarcammen, 2002, p.26‬وبعبارة أخرى‬
‫فإف تفكير اإلدارة في المنظمات التي تتبنى ىذا المفيوـ يتمثؿ في أنو إذا قاـ الفنيوف‬
‫ٍ‬
‫مرض ّفنيا فإف ميمة رجاؿ البيع تكوف سيمة‬ ‫والميندسوف بتصميـ المنتوج عمى نحو‬
‫أو باألحرى ثانوية عمى اعتبار أف "المنتوج الجيد يبيع نفسو" )‪.(Payne, 1988, p.03‬‬

‫ومع تركيزىا عمى الجودة أصبحت اليندسة ىي النشاط المييمف في‬


‫المنظمات (أمريكا وأوروبا) حيث أف الموقؼ السائد آنذاؾ في أوساط العديد مف‬
‫الشركات ىو تصميـ وىندسة أفضؿ المنتجات‪ ،‬ذلؾ أف االعتقاد بعقبلنية المستيمؾ‬
‫تفترض أنو سيشتري المنتجات ذات الجودة األعمى‪ ،‬غير "أف التركيز عمى جودة‬
‫المنتوج قد يقود إلى اليوس التكنولوجي حيث يعتقد المدراء أف التفوؽ التقني ىو‬
‫مفتاح النجاح في نشاط األعماؿ"‪(Kotler et al., 1999, p.18) .‬‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫ٗ‪ٛ‬‬

‫فالتوجو بيذا المفيوـ قد يقود إلى بعض النجاح ولكنو في نياية األمر سيؤدي‬
‫بالمؤسسة إلى الوقوع فيما سماه )‪" (Levitt Theodore‬قصر النظر التسويقي" حيث‬
‫التركيز عمى خصائص المنتوج بدؿ احتياجات المستيمكيف‪ ،‬فقد ّبيف أف الشركات‬
‫التي تعرؼ مجاؿ نشاطيا تعريفًا ضيقا مف منظور منتجاتيا أو منظور التكنولوجيا‬
‫التي تنتج تمؾ المنتجات ستواجو خطر الزواؿ حتى ولو كانت حاجات المستيمؾ‬
‫التي تستيدفيا تتميز بنمو مطرد‪ ،‬وسيكوف ذلؾ النمو في صالح الشركات التي‬
‫تعرؼ نشاطيا وفؽ حاجات المستيمؾ‪ "،‬إف تمؾ المنظمات التي تتبنى ىذا المفيوـ‬
‫(المنتوج) إنما ترى نفسيا مف خبلؿ المرآة بدؿ أف تطؿ مف النافذة عمى الخارج أيف‬
‫يوجد المستيمكوف" )‪.(Levitt, 1975, p.14‬‬

‫ثالثا‪ :‬المفهوم البيعي‪ :‬لقد قادت تقنيات التصنيع المتقدمة وأساليب اإلدارة‬
‫العممية خبلؿ ىذه المرحمة إلى تحسيف القدرات اإلنتاجية لممنظمات التي كانت‬
‫تسعى إلى تحقيؽ وفرات الحجـ )‪ (Economies of scale‬عف طريؽ أنظمة اإلنتاج‬
‫الكبير‪ ،‬ىذا اإلنتاج الكبير الذي أدى إلى اختبلؿ التوازف بيف اإلنتاج ممثبل في‬
‫العرض وبيف االستيبلؾ ممثبل في الطمب‪ ،‬حيث عجزت أنظمة التوزيع عف التعامؿ‬
‫نذير ألزمة الكساد العالمي‬
‫مع فائض العرض وتصريفو في األسواؽ‪ ،‬وىو ما كاف ًا‬
‫عاـ ‪ٜٕٜٔ‬ـ‪ ،‬وحيث انيارت فرضية ساي (العرض يخمؽ الطمب عميو) "فقد بدأ‬
‫رجاؿ األعماؿ يحسوف بأنو وفي ظؿ بيئة تنافسية ال يكفي فقط أف تكوف منتجاتؾ‬
‫عالية الجودة واألداء ولكف أيضا يجب البحث في كيفية تصريفيا‪ ،‬لقد تـ االقتناع‬
‫بأف السمع ال تبيع نفسيا ميما كانت جودتيا عمى األقؿ دوف بعض الجيود البيعية‬
‫(الترويجية)" )‪.(Geoff and Paul, 2005, pp:10-11‬‬

‫تقصير‬
‫ًا‬ ‫وحسب )‪ (Thomas Powers‬فقد ساد االعتقاد في تمؾ الفترة بأف ىناؾ‬
‫مف طرؼ رجاؿ البيع في القياـ بما يمزـ مف أجؿ تحفيز الطمب عمى السمع‬
‫٘‪ٛ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫والخدمات‪ ،‬وتـ تعريؼ أزمة الكساد في المؤسسات عمى أنيا مشكمة "بيع" أو‬
‫"توزيع" في المقاـ األوؿ وعمى رجؿ البيع التغمب عمييا في إطار ما صار يعرؼ‬
‫"بالمنافسة الجديدة"‪ ،‬فمع ىذا المفيوـ كاف ىناؾ إيماف راسخ بأف تقنيات وأساليب‬
‫بيع مناسبة‪ ‬يمكنيا إعادة التوازف بيف العرض والطمب‪ ،‬ما يعني التغمب عمى‬
‫ظاىرة الكساد‪.(Powers, 1991, p.246) .‬‬

‫وحتى واف شيدت ىذه المرحمة نمو المنافسة بيف المنتجيف وتكثفيا حوؿ‬
‫قنوات التوزيع‪ ،‬البد أف نبلحظ أف ىذه المنافسة كانت تتـ انطبلقا مف منتجات‬
‫صنعت ابتداء ثـ يحاوؿ بيعيا ودفعيا إلى السوؽ االستيبلكي‪ ،‬فالمفيوـ البيعي‬
‫يمكف تعريفو بأنو توجو إداري يقوـ عمى أف المستيمؾ سيشتري المنتجات ذاتيا‬
‫وبكمية كافية طالما أف الشركة خصصت ما يكفي مف الجيود لحفز االىتماـ‬
‫والطمب لدى المستيمؾ‪ ،‬إ ًذا " فاليدؼ دائماً ىو بيع ما تـ صنعو بدال مف صناعة‬
‫ما يريده السوؽ" )‪.(Kotler and Armstrong, 2008, p.10‬‬

‫رابعا‪ :‬المفهوم التسويقي‪ :‬في مقالو الشيير "الثورة التسويقية" استشرؼ‬


‫)‪ (Robert Keith, 1960‬مستقبؿ الفكر التسويقي مف خبلؿ التطورات الحاصمة في‬

‫‪ ‬لقد استمر ىذا المفيوـ البيعي حتى ستينيات القرف العشريف‪ ،‬وحيث كاف ىناؾ القميؿ مف‬
‫تشريعات حماية المستيمؾ فقد سقط العديد مف المستيمكيف فريسة لتمؾ التقنيات دوف إنصاؼ‬
‫مف جانب القانوف‪ ،‬إف الكثير مف تمؾ الممارسات غير الشريفة التي شكمت ما اصطمح عميو‬
‫عمنا‪،‬‬
‫في أدبيات التسويؽ بأساليب البيع العنيؼ )‪ (Agressif selling‬والتي كانت تمارس ً‬
‫أصبحت اآلف مف الجرائـ التي تعاقب عمييا القوانيف الجنائية في مختمؼ الدوؿ‪ ،‬لقد تحركت‬
‫قدر أكبر مف التشريعات لحماية المستيمكيف‬
‫كثير مف الحكومات خبلؿ السبعينات وقدمت ًا‬
‫ولذلؾ فإنو كثي ار ما يقاؿ إف تمؾ الحقبة مف التوجو البيعي ىي ما أعطى صورة سيئة عف‬
‫التسويؽ في الذاكرة الجماعية لمجميور ال تزاؿ قائمة إلى اليوـ‪ ،‬فقد كاف ينظر إلى أنو مف‬
‫التجاوز وصؼ التوجو اإلنتاجي بأنو توجو غير أخبلقي‪ ،‬ذلؾ انو أعطى لممستيمؾ فرصة أف‬
‫يقوؿ "ال"‪ ،‬في حيف أف التوجو البيعي اعتمد عمى دفع المستيمكيف دفعا نحو شراء منتجات قد‬
‫ال يرغبوف فييا (‪.)Geoff & Paul, 2005, Jober and lancster, 2009‬‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫‪ٛٙ‬‬

‫مؤسسة )‪ (Pillsbury‬أيف كاف يشغؿ منصب نائب الرئيس فقاؿ‪" :‬إف المستيمؾ ىو‬
‫مركز االىتماـ وليس الشركة‪ ..‬فالشركات تدور حوؿ المستيمؾ وليس العكس‪ ..‬إف‬
‫اىتمامنا تحوؿ مف مشاكؿ اإلنتاج إلى مشاكؿ التسويؽ‪ ،‬مف المنتوج الذي يمكف أف‬
‫نصنعو إلى ذلؾ الذي يريد المستيمؾ أف نصنعو‪ ،‬مف الشركة إلى السوؽ‪ ..‬فالثورة‬
‫التسويقية بدأت لمتو‪ ..‬وسيصبح التسويؽ ىو القوة المحفزة لممؤسسة بأسرىا‪ ،‬قريبا‬
‫سيأتي اليوـ الذي يكوف فيو ىدؼ جميع نشاطات الشركة –التمويؿ‪ ،‬البيع‪،‬‬
‫اإلنتاج‪ -..‬ىو إشباع حاجات المستيمؾ ورغباتو‪ ،‬وحيف يأتي ذلؾ اليوـ تكوف‬
‫الثورة التسويقية قد اكتممت" )‪.(pp:35-39‬‬

‫وبالفعؿ أدت التغيرات االقتصادية واالجتماعية التي أعقبت نياية الحرب‬


‫العالمية الثانية إلى تحوؿ جذري في فمسفة إدارة أنشطة األعماؿ‪ ،‬فمع بداية‬
‫الخمسينات كانت الدوؿ الصناعية قد اجتازت مرحمة اقتصادات الحرب ومف ثـ‬
‫تبعا لمتطور الحاصؿ في‬
‫بدأت معدالت اإلنتاج تتزايد مع تعدد وتنوع في المنتجات ً‬
‫تقنيات وأساليب اإلنتاج‪ ،‬لقد استطاعت أوروبا بعد سنوات أف تقدـ إلى السوؽ‬
‫منتجات ‪ -‬عمى قمتيا ‪ -‬إال أنيا كانت في أعمى مستويات الجودة واألداء‪ ،‬في‬
‫حيف جعمت آسيا ‪ -‬ممثمة بالياباف – تمؾ المنتجات أقؿ تكمفة مف ذي قبؿ‪ ،‬أما‬
‫المؤسسات األمريكية فقد بقيت معتمدة بشكؿ أساسي عمى مزايا اإلنتاج الكبير‬
‫والت وزيع الشامؿ‪ ،‬ورغـ أف تمؾ المؤسسات كاف ليا مف الخبرة ما يفوؽ بكثير‬
‫مثيبلتيا األوروبية واليابانية التي كانت ال تزاؿ تفتقد إلى الكفاءة في اإلنتاج‪ ،‬إال أف‬
‫الواليات المتحدة واجيت منافسة قوية لممرة األولى منذ ىيمنتيا عمى نشاط األعماؿ‬
‫الدولي‪ ،‬وفي جيؿ مف المسيريف لـ يكف مستعدا لتمؾ المنافسة اتجيت الشركات‬
‫األمريكية بنياية الستينات إلى فقداف مزاياىا التنافسية أماـ تمؾ القوى الصاعدة في‬
‫أوروبا وآسيا‪ ،‬إف وضعية الوسط التي كانت عمييا لـ تعد ذات جدوى‪ ،‬فبل منتجاتيا‬
‫كانت ذات جودة أعمى وال ىي ذات أسعار أرخص بما يكفي إلقناع المستيمؾ‬
‫‪ٛٚ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫تماما‬
‫وتحقيؽ النجاح )‪ ،(Russell, 2010, p.21‬حيث وقعت الشركات األمريكية ً‬
‫فيما عناه )‪ (Levitt‬بقصر النظر التسويقي‪ ،‬فمع تركيزىا عمى تقنيات اإلنتاج‬
‫وىندسة المنتوج فشمت في مسايرة التطورات الحاصمة في رغبات وأذواؽ‬
‫المستيمكيف‪ ،‬وحيث تأكد لتمؾ الشركات أف اإلنتاج الجيد لمسمع والترويج ليا عف‬
‫طريؽ أساليب البيع المختمفة أصبحا غير كافييف لضماف النجاح في سوؽ تنافسي‪،‬‬
‫تغيير في فمسفة اإلدارة نحو تبني ما بات يعرؼ بالمفيوـ‬
‫ًا‬ ‫فقد استدعى األمر‬
‫التسويقي‪.‬‬

‫لقد صور )‪ (Wenderman‬ىذا التحوؿ فقاؿ‪ " :‬أثناء الثورة الصناعية كثي ار ما‬
‫كنا نسمع المنتج يردد‪ ،‬ىذا ما أنتجو‪ ،‬مف يريد شراءه ؟ ولكف وفي عصر‬
‫المعمومات فإف المستيمؾ ىو الذي يقوؿ بصوت أعمى‪ :‬ىذا ما أرغب فيو‪ ،‬ىؿ‬
‫يمكنؾ أف تصنعو لي؟ " )‪.(Kotler, 2003, p. XII‬‬

‫إف المفيوـ التسويقي ليس تعريفا آخر لمتسويؽ ولكنو أسموب تفكير أو فمسفة‬
‫إدارة‪ ،‬وعندما تعتنؽ المؤسسة ىذه الفمسفة فإنيا ال تؤثر عمى األنشطة التسويقية‬
‫فحسب ولكنيا تؤثر عمى جميع أنشطة المؤسسة‪ ،‬أيف تكوف كافة الق اررات اإلدارية‬
‫مرتبطة بمدى قدرتيا ونجاحيا في إشباع المستيمؾ وتحقيؽ رضاه‪ ،‬فالعممية‬
‫التجارية مف قوة بيع‪ ،‬و إشيار وترويج‪ ...‬ووظائؼ المؤسسة األخرى كاإلنتاج‪،‬‬
‫وادارة األفراد‪ ..‬كؿ تمؾ العمميات وىذه الوظائؼ يجب أف تنبثؽ عف استراتيجية‬
‫واحدة انطبلقًا مف رغبة المستيمؾ‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬المفهوم المجتمعي لمتسويق‪ :‬إف المفيوـ التسويقي ما لبث أف القى‬


‫اسعا عمى خمفية االنتقادات االجتماعية والبيئية التي وجيت إليو والتي تطرقت‬
‫جدالً و ً‬
‫لمواضيع مثؿ‪ :‬طغياف النزعة المادية عمى المؤسسات‪ ،‬االستيبلؾ غير المنضبط‬
‫لممنتجات الترفية والموغؿ في اإلسراؼ‪ ،‬مظاىر الخداع والتبلعب التسويقي‪ ،‬خمؽ‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫‪ٛٛ‬‬

‫رغبات ال معنى ليا‪ ،‬المساىمة في ازدياد اليوة بيف الفقير والغني‪ ،‬التموث والفساد‬
‫أسبابا كافية لتوقد النقاش حوؿ‬
‫ً‬ ‫البيئي‪ ،‬استنفاد الموارد الطبيعية ‪ ..‬كؿ ىذه كانت‬
‫"دور التسويؽ في المجتمع" )‪ ،(Lazer, 1969‬وقد أدى ذلؾ النقاش إلى بروز حركات‬
‫حماية المستيمكيف وجمعيات الدفاع عف البيئة والتي اعتبرىا الكثيروف مؤش ار عمى‬
‫فشؿ المفيوـ التسويقي ومف ىؤالء )‪ (Peter Drucker‬الذي ألقى بالبلئمة عمى‬
‫المسوقيف الذيف فشموا في تطبيؽ المفيوـ التسويقي لصالح المستيمؾ والمجتمع حيث‬
‫عاما عمى تبني‬
‫يقوؿ " إف ظيور حركات المستيمكيف بعد ما يقرب مف عشريف ً‬
‫خطاب المفيوـ التسويقي ىو دليؿ عمى فشؿ تطبيؽ ىذا المفيوـ‪ ،‬إف حركة‬
‫المستيمكيف وصمة عار عمى التسويؽ" )‪ ،(1986, p.49‬وكتب )‪ (Kotler, 2004‬مقاال‬
‫بعنواف "الصراع مع األخبلؽ" أشار فيو إلى أف المفيوـ التسويقي "اعط الزبوف ما‬
‫يريد" أثار قمؽ واىتماـ المفكريف والباحثيف إزاء الزبائف الذيف يطمبوف أشياء ليست في‬
‫صالحيـ (السجائر والمخدرات) وعف منتجات وخدمات تسيء إلى المجتمع والى‬
‫الطبيعة مثؿ (المدافع والسيارات التي تنبعث منيا مموثات البيئة‪ ،)..‬بينما‬
‫كافيا لوفاء‬
‫اعتبر )‪ (Gregory, 1990‬أف المفيوـ التسويقي ضروري ولكنو لـ يكف ً‬
‫المؤسسة بالتزاماتيا وخاصة في المجاؿ البيئي‪.‬‬

‫مف أجؿ ذلؾ فقد ارتفعت األصوات وظيرت الكتابات التي نادى أصحابيا‬
‫بمطالب اجتماعية جديدة عمى النظاـ التسويقي‪ ،‬وفي مقدمتيـ )‪ (Kotler‬الذي قدـ‬
‫فمسفة التسويؽ المجتمعي التي عرفيا في كتابات الحقة بأنيا " التوجو اإلداري‬
‫الذي يعتبر الميمة األساسية لممؤسسة ىي تحديد احتياجات ورغبات األسواؽ‬
‫المستيدفة والعمؿ عمى تحقيؽ إشباعيا بكفاءة وفعالية تفوؽ المنافسيف‪ ،‬ولكف‬
‫بطريقة تحافظ وتدعـ التكامؿ بيف حاجات المستيمؾ والمجتمع لتحقيؽ حياة أفضؿ‬
‫لمجميع" )‪.(Kotler 2002, p.14‬‬
‫‪ٜٛ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫المطمب الثاني‪ :‬األزمات االقتصادية وتطور الفمسفة التسويقية‬


‫لقد ادعى )‪ (Shankar‬أف الفمسفة الحديثة لمتوجو بالمستيمؾ (المفيوـ‬
‫التسويقي) ىي نتاج لمخرجات اقتصاد السوؽ حيث تجد شرعيتيا في نظرية‬
‫تماما مع ىذه الدعوى‬
‫االقتصاد النيوكبلسيكي )‪ ،(2006, p. 487‬واذا كنا لف نختمؼ ً‬
‫فإننا نود أف نشير إلى أف ادعاء الشرعية مف خبلؿ االقتصاد النيوكبلسيكي تنقصو‬
‫الدقة‪ ،‬فواضح مف تحميمنا السابؽ أف المستيمؾ لـ يكف دائما في طميعة اىتمامات‬
‫النظاـ الرأسمالي‪ ،‬لقد كاف ىناؾ تحوؿ مف فمسفة اإلنتاج إلى المبيعات ثـ إلى‬
‫الفمسفة التسويقية‪ ..‬وىكذا‪ ،‬وكما ذكر مرداوي (‪ٕٓٓٛ‬ـ) فإف توجو مؤسسات‬
‫عفويا أو تمقائيا وانما كاف وليد‬
‫ً‬ ‫األعماؿ نحو تبني الفمسفة التسويقية لـ يكف‬
‫مرور بمرحمة ما‬
‫بدءا بأزمة الكساد العالمي‪ً ،‬ا‬
‫تطورات عديدة شيدتيا البيئة الخارجية ً‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ووصوال إلى إف ارزات فترة السبعينات والثمانينات مف‬
‫القرف الماضي وما ترتب عنيا مف تحوالت في بيئة األعماؿ (صٗ‪.)ٚ‬‬

‫ولذلؾ سنناقش منتقديف ىذا التغير المستمر في فمسفة التسويؽ‪ ،‬وسنبيف أف‬
‫طا‬
‫دائما مرتب ً‬
‫ذلؾ التغير ىو سمة مف سمات الفكر التسويقي الوضعي‪ ،‬وأنو كاف ً‬
‫بأزمات اقتصادية عميقة شيدىا النظاـ الرأسمالي وال يػزاؿ‪.‬‬

‫واذا كاف التسويؽ نشاطا اقتصاديا واداريا فإننا نحتاج أيضا أف ننظر إليو‬
‫"كجزء ال يتج أز مف السياؽ االجتماعي والتاريخي الذي نشأ وتطور فيو"‬
‫)‪ ،(Venkatesh and Peñaloza, 2006, p.137‬وفرضيتنا في ىذا اإلطار أف تطور‬
‫التسويؽ كفمسفة أعماؿ كاف مرتبطا بإعادة إنتاج الرأسمالية وتجديدىا‪ ،‬إف‬
‫)‪ (Brei and Böhm‬يدعماف ما نذىب إليو حيث يقوالف‪" :‬إف وظيفة التسويؽ في‬
‫ظؿ نظاـ رأسمالي ىي ضماف استم اررية ايديولوجيا اقتصاد السوؽ‪ ،‬وتوافقيا مع‬
‫النسؽ االجتماعي والثقافي السائد‪ ،‬فإف طرأت أي تحوالت عمى ذلؾ النسؽ ‪-‬‬
‫وخاصة إف كانت تمؾ التحوالت تيدد أسس الرأسمالية‪ -‬فإف ميمة التسويؽ تبقى‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫ٓ‪ٜ‬‬

‫ىي إيجاد طرؽ جديدة لبيع المنتجات والخدمات بما يضمف استمرار التراكـ‬
‫الرأسمالي‪ ،‬وفي الوقت ذاتو إيجاد طرؽ جديدة إلضفاء الشرعية عمى ذلؾ النظاـ"‬
‫(‪.)2008, p. 12‬‬

‫حدا فاصبل في التوجو مف المفيوـ اإلنتاجي‬


‫لقد كانت أزمة الكساد العالمي ً‬
‫إلى المفيوـ البيعي مف أجؿ حؿ إشكاالت توزيع وتصريؼ المنتجات والتي‬
‫واجيتيا مؤسسات األعماؿ آنذاؾ‪ ،‬ىذه األخيرة التي طالما آمنت بفرضيات‬
‫النموذج الكبلسيكي لبلقتصاد الرأسمالي ومنيا أف العرض يخمؽ الطمب الخاص بو‬
‫وأف النقود ال تكتسب إال لغرض إنفاقيا‪ ،‬وىي الفرضيات التي تياوت أماـ حقائؽ‬
‫األزمة االقتصادية عاـ ‪ٜٕٜٔ‬ـ‪ ،‬إف التوجو نحو المفيوـ البيعي في تمؾ الفترة لـ‬
‫يكف أكثر مف "رد فعؿ عمى تناقص المبيعات ومف أجؿ حؿ ظرفي لمشكبلت البيع‬
‫التي أصبحت المؤسسات تواجييا في فترة الكساد" (مرداوي ‪ٕٓٓٛ‬ـ‪،)ٜ٘ ،‬‬
‫وواضح مف خبلؿ كتابات الكثير مف االقتصادييف أف استخداـ أساليب البيع‬
‫وتقنياتو المختمفة كاف سمة بارزة في االقتصاد الرأسمالي خبلؿ السنوات التي تمت‬
‫أزمة الكساد‪ ،‬فمثبل )‪ (Boltanski and Shiapello, 2005‬في كتابيما "الروح الجديدة‬
‫لمرأسمالية" يقرراف أف الروح األولى لمرأسمالية والتي برزت مع نياية القرف التاسع‬
‫عشر ركزت عمى أىمية الفرد المنظـ‪ ،‬كما شيدت تطمعات نحو مزيد مف رفاه‬
‫اعتمادا عمى الميبرالية االقتصادية حيث آمنت بالتطور‬‫ً‬ ‫مشترؾ يكوف أقؿ‬
‫االقتصادي مف خبلؿ العموـ واستخداـ التكنولوجيا وفوائد الصناعة‪( )p.17(..‬وىو‬
‫ما يتوافؽ حسب رأينا مع المفيوـ اإلنتاجي)‪ ،‬أما الروح الثانية فكانت بيف عامي‬
‫ٖٓ‪ ٜٔ‬وٓ‪ٜٔٙ‬ـ حيث ركزت عمى المنظمة بدؿ المنظـ‪ ،‬وخبلؿ تمؾ السنوات‬
‫لوحظت بعض الخصائص المشتركة في البمداف الرأسمالية المتقدمة مثؿ‪ :‬زيادة‬
‫حجـ الشركات‪ ،‬ىيمنة نظاـ اإلنتاج الكبير اليادؼ إلى تحقيؽ وفرات الحجـ حيث‬
‫كاف تنميط (توحيد) المنتوج ىو النموذج المييمف عمى طريقة العمؿ‪ ،‬كما شيدت‬
‫ٔ‪ٜ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫تمؾ الفترة وبشكؿ واسع استخداـ تقنيات توسيع األسواؽ أي "التسويؽ"‪)p.18( ..‬‬
‫(وىو ما يتوافؽ مع حالة المفيوـ البيعي)‪.‬‬

‫إذف فقد كانت أزمة عاـ ‪ٜٕٜٔ‬ـ ىي الباعث عمى التحوؿ نحو الفمسفة‬
‫البيعية‪ ،‬ومنذ ذلؾ الوقت وحتى نياية الخمسينات فإف الفكر التسويقي بقي مرتبطا‬
‫بالمفيوـ اإلنتاجي والبيعي‪ ،‬رغـ أف الكثير مف الكتابات قبؿ ذلؾ بكثير‪ ،‬ومنذ بداية‬
‫القرف العشريف ركزت عمى أىمية المستيمؾ وعمى ضرورة االعتراؼ بأف أنشطة‬
‫المؤسسة يجب أف تيدؼ إلى إشباع حاجاتو ورغباتو‪ ،‬فعمى سبيؿ المثاؿ ‪(Shaw,‬‬
‫)‪ 1915‬كتب يقوؿ "إف ميمة رجؿ األعماؿ ىي البحث عما يرغب فيو الناس‬
‫وتوفير وسائؿ إشباع ذلؾ" )‪ " .. (p.44‬إف األساس الحقيقي لمتبادؿ ىو مدى قدرة‬
‫السمعة عمى تمبية رغبة المشتري‪ ،‬فإذا كاف المشتروف يحصموف عمى مزيد مف‬
‫المتعة في مواصفات خاصة لمنتجات معينة‪ ،‬فيي التي يجب أف ينتجيا المصنع‬
‫بدؿ مواصفات يكوف المشتروف أقؿ رغبة فييا‪ ،‬إنو بذلؾ يقدـ خدمة اجتماعية‬
‫حقيقية في تزويدىـ بما يرغبوف فيو" )‪" .. (p.48‬إف الغرض مف إنتاج السمع ىو‬
‫أيضا عمى أف فعالية أنشطة‬‫اإلشباع وليس البيع" )‪ ،(p.82‬إف )‪ (Shaw‬يؤكد ً‬
‫التسويؽ مرتبطة بمدى التوافؽ مع حاجات المستيمؾ " فإذا كانت السمعة المعمف‬
‫عنيا ليست مييأة لتمبية حاجة ظاىرة أو خفية لدى المستيمكيف‪ ،‬فإف اإلعبلف عنيا‬
‫لف يكوف ذا فعالية تذكر‪ ،‬إف محاولة بيع شيء ال أحد يحتاجو ىي في حقيقة‬
‫األمر جيد ضائع" )‪.(p.109‬‬

‫وعف أىمية دراسة سموؾ المستيمؾ كتب )‪" :(Copeland, 1923‬أولى الخطوات‬
‫التي ينبغي لمشركة اتخاذىا‪ ،‬ىي القياـ بدراسة أولية لعادات المستيمكيف في شراء‬
‫منتجات مف قبيؿ ما تنتجو الشركة" (نقبل عف‪ ،)Svensson, 2005, p.08 :‬كذلؾ فإف‬
‫)‪ (Ford and Growther, 1923‬يطرحاف األسئمة التالية‪" :‬ىؿ الشركة موجودة مف أجؿ‬
‫المستيمؾ أـ العكس؟ إذا قرر المستيمؾ عدـ الشراء‪ ،‬ىؿ ىو خطؤه أـ خطأ الشركة؟‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫ٕ‪ٜ‬‬

‫أـ أنو ال أحد عمى خطأ‪ ..‬في كؿ األحواؿ النتيجة ىي إفبلس الشركة‪ ،‬إف نجاح ىذه‬
‫األخيرة موقوؼ فقط عمى قدرتيا في خدمة المستيمؾ فيما يرغب فيو" )‪ ،(p.288‬وفي‬
‫مقاؿ حوؿ كفاءة التسويؽ يؤكد )‪ (Philips, 1941‬أف التسويؽ يجب أف ييدؼ إلى‬
‫إشباع الرغبات اإلنسانية وأف أي دراسة حوؿ كفاءة التسويؽ يجب أف تنطمؽ مف‬
‫تمؾ الرغبات "إف نظامنا التسويقي سيكوف ذا كفاءة فقط حينما يقدـ أعمى إشباع‬
‫لممستيمؾ" )‪.(p. 360‬‬

‫ىذه بعض األمثمة عف الكثير مف الكتابات التي كانت تؤكد عمى الدور‬
‫المحوري الذي يجب أف يحظى بو المستيمؾ في العممية التسويقية‪ ،‬ومع ذلؾ فإف‬
‫الظروؼ التاريخية (الواقعية) لـ تكف خبلؿ تمؾ الفترة تشكؿ ضغطًا عمى‬
‫المؤسسات لكي تسمح لحاجات المستيمؾ بمعب ذلؾ الدور في الواقع العممي‪ ،‬ىذه‬
‫الوضعية تغيرت فقط مع بداية الستينيات حينما واجيت الرأسمالية (خاصة في‬
‫الواليات المتحدة) أزمتيا الثانية بعد أزمة الكساد الكبير‪ ،‬والتي نتجت عنيا انتقادات‬
‫حادة لمممارسات التسويقية بمغت حد الطعف في شرعية النظاـ الرأسمالي برمتو‪،‬‬
‫فكما قرر )‪ (Boltanski and Shiapello, 2005‬أف الرأسمالية واجيت خبلؿ‬
‫الستينات والسبعينات أزمات مست شرعيتيا‪ ،‬وكاف مف نتائجيا التشكيؾ في النظاـ‬
‫األخبلقي لممجتمع الرأسمالي‪ ،‬ليس فقط مف طرؼ المتخرجيف والعامميف المؤىميف‬
‫الذيف وجدوا أنفسيـ عاطميف عمى أرصفة شوارع باريس ولندف ونيويورؾ‪ .‬ولكف‬
‫أيضا مف قبؿ جيؿ جديد مف المسيريف‪ ،‬ونتيجة لتمؾ األزمات فإف الروح الرأسمالية‬
‫المطبوعة بقيـ العمؿ التقميدية‪ :‬اإلنتاج الكبير‪ ،‬البيروقراطية اإلدارية‪ ،‬التخطيط‬
‫طويؿ المدى‪ ..‬قد تـ تجديدىا واستبداليا بروح أخرى متشبعة بقيـ ذلؾ الجيؿ‬
‫الجديد‪ :‬الحريات‪ ،‬الرغبات الفردية‪ ،‬المساواة‪.‬‬

‫ومف وجية نظرنا فإف التسويؽ لعب دو ار حاسما في تمؾ العممية التجديدية أو‬
‫يدا مف الشرعية‬
‫عمى األقؿ كاف لو إسياـ بارز في ذلؾ مف خبلؿ إضفائو مز ً‬
‫ٖ‪ٜ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫األخبلقية عمى مؤسسات األعماؿ‪ ،‬وباختصار فإف تحميمنا ألدبيات التسويؽ يظير‬
‫أف إرضاء رغبات وحاجات المستيمؾ أصبح جزًءا ميما مف المناقشات األكاديمية‬
‫والتطبيقات العممية فقط مع نياية الستينات‪ ،‬ىذا التحوؿ يمكف أف نفيمو كرد فعؿ‬
‫مباشر عمى االنتقادات القوية الموجية لمتسويؽ ولمرأسمالية بصفة عامة‪ ،‬حيث‬
‫دور‬
‫مست شرعيتيا بعمؽ‪ ،‬ما نود قولو أنو وخبلؿ أزمة الستينيات لعب التسويؽ ًا‬
‫حاس ًما في إعادة إنتاج النظاـ الرأسمالي بشرعية جديدة وبخطاب جديد يتعمؽ‬
‫"بإشباع حاجات ورغبات المستيمؾ"‪.‬‬

‫ففي بحث فمسفي تاريخي توصؿ )‪ (Brei and Böhm, 2008‬إلى أف "ىناؾ‬
‫افتقا ار في قمب الرأسمالية‪ ،‬افتقا ار إلى المعنويات )‪ (Moral‬والى نظاـ أخبلقي‬
‫بعيدا عف الشكميات‬
‫ومعياري مف شأنو أف يضفي الشرعية عمى التراكـ الرأسمالي ً‬
‫التقنية لمطمب والعرض وتوليد األرباح‪ ،‬ولذلؾ فالرأسمالية بحاجة كأي نظاـ اجتماعي‬
‫واقتصادي إلى ىذه الشرعية مف أجؿ إعادة تجديد ذاتيا في مواجية حدود الزماف‬
‫والمكاف" )‪ ،(p.10‬وفي رأييما فإف فترة الستينات قد شيدت تحوالً حاسما في الطريقة‬
‫التي تضفي بيا الرأسمالية الشرعية األخبلقية عمى نفسيا‪ ،‬حيث كتبا "إف التغيير في‬
‫الخطاب التسويقي ما بيف ٓ‪ ٜٔٙ‬وٓ‪ٜٔٚ‬ـ يظير طريقة تكيؼ الرأسمالية مع‬
‫الظروؼ المتغيرة‪ ،‬حيث كانت ميمة التسويؽ ىي إيجاد طرؽ جديدة مف أجؿ بيع‬
‫المنتجات والخدمات واألىـ مف ذلؾ إيجاد أساس جديد لشرعية النظاـ االقتصادي‬
‫القائـ ‪ ..‬لقد قاـ التسويؽ خبلؿ أزمة الستينيات بيذه الميمة مف خبلؿ التأكيد عمى‬
‫تمبية احتياجات األفراد ورغباتيـ‪ ،‬لقد استطاع الفكر التسويقي إدماج القيـ االجتماعية‬
‫لمحركات المناىضة والمنتقدة عف طريؽ إعادة تشكيؿ وتعريؼ المنتجات والخدمات‬
‫تعبير عف الرغبات الفردية‪ ..‬لقد بدأ عصر سيادة الفرد ورغباتو‪ ،‬إنيا روح‬
‫ًا‬ ‫بوصفيا‬
‫جديدة‪ ،‬لقد تـ التغمب عمى تمؾ األزمة بروح جديدة مف الرأسمالية مف شأنيا أف‬
‫تجعؿ الناس يذىبوف إلى المحبلت التجارية مرة أخرى" )‪.(pp:10-12‬‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫ٗ‪ٜ‬‬

‫غير أف تمؾ الروح الجديدة ما لبثت أف واجيت أولى العقبات مباشرة في‬
‫منتصؼ السبعينات حيث دخؿ النظاـ الرأسمالي في أزمة دورية أخرى فريدة مف‬
‫نوعيا مزجت بيف خصائص الكساد والتضخـ حتى عرفت باسـ أزمة التضخـ‬
‫الركودي‪ ،‬وقد أدى اتساع نطاؽ األزمة وشدتيا إلى انخفاض معدالت النمو‬
‫االقتصادي في البمداف الرأسمالية والى مزيد مف انييار القدرة الشرائية لممستيمكيف‬
‫وانتشار البطالة‪ ،‬لقد كانت أصابع االتياـ موجية إلى المؤسسات الرأسمالية الكبرى‬
‫وممارساتيا التسويقية غير األخبلقية كانغماسيا بعمميات المضاربة في البورصات‬
‫العالمية‪ ،‬وعمميات غسيؿ األمواؿ‪ ،‬والتجارة المحرمة‪ ،‬والتنصؿ مف المسؤولية‬
‫االجتماعية ‪ ..‬وبالتزامف مع ذلؾ نمت جمعيات الدفاع عف حقوؽ المستيمكيف‬
‫ومنظمات حماية البيئة والتي رأت "أف موارد المجتمع يتـ استنزافيا‪ ،‬وأف البيئة التي‬
‫يحيا فييا اإلنساف يجري العبث بتوازنيا‪ ،‬وحتى السموؾ االستيبلكي أصبح أكثر‬
‫إغراقا في المادية والفردية‪ ،‬دوف اىتماـ بعواقب ذلؾ عمى المجتمع" )‪Saji and‬‬
‫‪.(Mukundadas, 2007, p.507‬‬

‫كؿ ذلؾ كاف لو آثار واسعة في مجاؿ التسويؽ حيث قاد إلى مناقشات حادة‬
‫بيف الممارسيف والمنظريف حوؿ كيفية الرد عمى تمؾ االتيامات‪ ،‬وحسب )‪Arnould‬‬
‫‪ (and Fisher, 1996‬فقد أسفرت ىذه المناقشات عف مجموعات واسعة مف الردود‬
‫‪(Lazer),‬‬ ‫كاف أبرزىـ أصحاب النزعة االجتماعية أمثاؿ )‪(Levy), (Kotler‬‬
‫‪ (Zaltman),‬الذيف ركزوا عمى تآكؿ قيمة التسويؽ في المجتمع مما يمزـ توسيع‬
‫ردا عمى حركة االنتقادات‬
‫نطاقو واالعتراؼ ببعده االجتماعي‪ ،‬وقد كاف ذلؾ " ً‬
‫االجتماعية التي نزعت الشرعية عف النظاـ الرأسمالي في تمؾ الفترة"‪.‬‬

‫لقد جاءت ىذه التغيرات نحو أىمية المجتمع ورعاية مصالحو (المفيوـ‬
‫جنبا إلى جنب مع إعادة تحديد نطاؽ التسويؽ وتوسيع حدوده‬
‫المجتمعي لمتسويؽ) ً‬
‫ليشمؿ المنظمات غير الساعية لمربح (التسويؽ االجتماعي)‪ ،‬وعمى الرغـ مف أف‬
‫٘‪ٜ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫بعضيـ عارض ىذا التوسيع إال أنو أضحى جزًءا مف أدبيات التسويؽ المتفؽ عمييا‬
‫مع نياية السبعينيات‪ ،‬إف )‪ (Lazer‬يدافع عف ىذا التوسيع مف خبلؿ التأكيد عمى أف‬
‫نقد التسويؽ كاف بسبب افتقاره إلى المساىمة في حؿ المشاكؿ االجتماعية ووفقا لو‬
‫فإف التغيرات في نطاقو البد منيا لتبرير دور التسويؽ في استم اررية النمو‬
‫االقتصادي‪ ،‬وقبؿ ذلؾ‪ ،‬في إضفاء الشرعية عميو في ىذا المجاؿ كوظيفة مف شأنيا‬
‫أيضا أف تنظر في "أىداؼ المجتمع" )‪.(Lazer 1969, pp:3-9‬‬
‫ً‬
‫دائما في تغير مستمر وأف‬
‫وخبلصة األمر أف الفمسفة التسويقية كانت ً‬
‫األزمات االقتصادية التي مر بيا النظاـ الرأسمالي كانت سببا مباش اًر في ذلؾ‬
‫ئيسيا في ضماف استم اررية شرعية الرأسمالية‪،‬‬
‫دور ر ً‬
‫التغير‪ ،‬ذلؾ أف التسويؽ لعب ًا‬
‫تحديدا‬
‫ً‬ ‫دائما وال زالت تحت تيديد مستمر‪،‬‬
‫والشيء الثابت أف ىاتو الشرعية كانت ً‬
‫ألف مفيوـ التسويؽ كنظاـ اقتصادي واجتماعي سميؿ لمرأسمالية‪ ،‬يعاني مف‬
‫االفتقار )‪ (Lacking‬في األسس التي يقوـ عمييا‪ ،‬لقد ثبت في واقع الحاؿ أف تبني‬
‫التسويؽ الحديث فمسفة وأداء واف لعب دور مسكف لؤللـ إال أنو لـ يوقؼ تكرر‬
‫األزمات االقتصادية ومعاودتيا بشكؿ دوري‪ ،‬فيا ىي األزمة األخيرة –أزمة الرىف‬
‫العقاري‪ -‬تضرب االقتصادات الرأسمالية لتذكرنا مرة أخرى بافتقار ذلؾ النظاـ‬
‫بمختمؼ أدواتو ‪ -‬ومنيا التسويؽ‪ -‬لمثبات واالستقرار‪ ،‬حيث أدت تمؾ األزمة كما‬
‫قرر )‪" (Martine et Loubat, 2010‬إلى موجات جديدة مف المتطمبات األخبلقية‪،‬‬
‫فضحاياىا ىـ مف الفئات التي تضررت حديثا مف التجاوزات األخبلقية لمشركات‬
‫والمؤسسات‪ ..،‬إننا نعتقد أف الخروج مف األزمة يجب أف يحمؿ أبعادا أخبلقية‬
‫جديدة" )‪ ،(p.04‬وكذلؾ كتب )‪ (Varey, 2011‬بعد األزمة مقاال أنحى فيو بالبلئمة‬
‫عمى النظاـ الغربي الذي يقوـ حسب رأيو عمى سيادة المنفعة الفردية ودافع الربح‬
‫المادي الخالص‪ ،‬حيث ركز في تحميمو عمى نقطتيف‪ :‬أف النظاـ الحالي يسعى‬
‫أكثر مف أي وقت مضى إلى توسيع النزعة االستيبلكية واإلنتاجية غير المستدامة‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫‪ٜٙ‬‬

‫وسوؼ ينيار في نياية المطاؼ‪ ،‬وأف ىناؾ حاجة ضرورية إلى نظاـ جديد يقوـ‬
‫عمى أساس واحد وىو مفيوـ "تسويؽ الرفاه االجتماعي"‪ ،‬حيث يكوف دور التسويؽ‬
‫ىو تعزيز االستدامة وليس زيادة النمو‪ ،‬وتوفير الحاجات وليس مجرد البيع‪،‬‬
‫وبالنياية فإنو يدعو إلى إعادة صياغة دور التسويؽ في المجتمع ‪.‬‬

‫وتبعا لذلؾ فقد برزت إلى السطح مفاىيـ جديدة لتقوـ بذات الدور الذي قامت‬
‫بو المفاىيـ السابقة‪ ،‬ومنيا‪ :‬التسويؽ اإلنساني‪ ،‬التسويؽ األخبلقي‪ ،‬التسويؽ‬
‫بالقيـ‪ ،..‬والتي لف نكوف مغاليف إذا تنبأنا بفشميا‪ ،‬ذلؾ "أف الخاصية النفعية‬
‫والمصمحية التي تقوـ عمييا عممية المبادلة* والتي يتميز بيا المفيوـ التسويقي في‬
‫شكمو التقميدي والحديث والمطور قد جعمت التسويؽ يخفؽ بؿ يعجؿ في حصوؿ‬
‫مثؿ ىذه األزمات‪ ..،‬لقد عجز المفيوـ التسويقي الحديث والمطور عف التعامؿ‬

‫* ىذه الخاصية ليست محض فرية ولكنيا واضحة في كتابات الكثير مف الباحثيف حيث يفترض‬
‫الفكر التسويقي الوضعي أف السعي وراء المصمحة الذاتية ىو الدافع األساسي لمتبادؿ والتعامؿ‬
‫بيف المنظمات وجميورىا‪ ،‬فيذا )‪ (Bagozzi‬يقرر بوضوح دافع المصمحة الذاتية في سياؽ‬
‫موضحا طبيعة العبلقة بيف األطراؼ المتبادلة "‪ ..‬إف األفراد والجماعات‬
‫ً‬ ‫التسويؽ‪ ،‬عندما كتب‬
‫والشركات يسعوف لتحقيؽ المصمحة الذاتية وىذا ىو ما يعنيو آدـ سميث حيف أشار لميد‬
‫الخفية‪ ..‬إف التبادؿ والسعي وراء المصالح الشخصية ىو األساس في العبلقات داخؿ األسرة‬
‫وبيف المؤسسات االقتصادية واالجتماعية" )‪ ،(1975A, p.34‬وفي مقالو "التبادؿ االجتماعي في‬
‫التسويؽ" كتب أيضا‪" :‬إف نموذج التبادؿ االقتصادي مبني عمى مبدأ النفعية الذي يعني أف‬
‫األفراد يسترشدوف في سموكياتيـ بالمصمحة الذاتية وفقط بالمصمحة الذاتية‪ ،‬فالمعايير والقوانيف‬
‫والقواعد االجتماعية ىي أشياء مصطنعة‪ ..‬ىذه المقاربة تفترض أف الجيات المتبادلة تسعى‬
‫لتحقيؽ أكبر إشباع مف خبلؿ المبادلة‪ ،‬المؤسسة تراه أقصى ربح ممكف‪ ،‬في حيف أف الفرد‬
‫يسعى ألكبر منفعة ممكنة" )‪ ،(1975B, p.316‬ىذا التسميـ يدافع عنو أحد أقطاب الفكر‬
‫التسويقي )‪ (Shapiro, 1973‬الذي يؤمف ىو اآلخر بالدور المركزي لمفيوـ المصمحة الذاتية في‬
‫التسويؽ فيقوؿ "لف أكمؼ نفسي عناء مناقشة ىذا المفيوـ‪ ،‬حيث يمكف أخذه كأمر مسمّـ بو"‬
‫)‪ ،(p.124‬وكذلؾ )‪" (Doyle, 2010‬إف البائع والمشتري بطبعيما = = مدفوعاف نحو مصالحيما‬
‫الذاتية‪ ..‬فسموؾ الجيات الفاعمة بالمشاركة أو عدـ المشاركة في عممية التبادؿ يمميو النظر‬
‫إلى مصالحيـ الخاصة قبؿ مصالح اآلخريف‪ ،‬ىذا إذا كانوا يأخذوف أصبل مصالح اآلخريف‬
‫بعيف االعتبار" )‪.(p. 264‬‬
‫‪ٜٚ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫بإيجابية مع األزمات الدورية التي يفرزىا النظاـ الحر‪ ،‬نظاـ اقتصاد السوؽ‪ ،‬في‬
‫كؿ مرحمة مف مراحؿ تطوره‪ ،‬بؿ لقد كاف ليذا المفيوـ دور المغذي لؤلزمة المالية‬
‫الراىنة‪ ،‬كما كاف لمفيوـ التسويؽ التقميدي دور الموقد لؤلزمات االقتصادية‬
‫السابقة‪ ،‬لما يقوـ عميو ىذا التسويؽ في ‪ -‬شكمو التقميدي والحديث والمطور‪ -‬مف‬
‫مرتكزات نفعية ومصمحية‪ ،‬واف بدت في مفيومو الفمسفي الحديث معاني الترويج‬
‫لتبادؿ المنافع والحرص عمى تحقيؽ مصمحة أطراؼ المبادلة‪ ،‬البائع مف جية‪،‬‬
‫والمشتري مف جية ثانية‪ ،‬والمجتمع مف جية ثالثة" (مرداوي ‪ٕٜٓٓ‬ـ‪.)ٔٗ-ٕٔ ،‬‬

‫ومف خبلؿ التحميؿ السابؽ يمكف أف نخمص إلى أف جميع المفاىيـ التسويقية‬
‫الوضعية لـ تقـ عمى عقيدة أو مذىب فكري أو مبدأ أخبلقي في األساس‪ ،‬وانما‬
‫كانت نتاجا لمواقع التاريخي الذي أشرنا إليو واستجابة لتقمبات الظروؼ واألحواؿ‪،‬‬
‫وأف تطور الفمسفة التسويقية كما قدمناه يشير إلى افتقار النظاـ التسويقي الوضعي‬
‫إلى خاصية ىامة وىي الثبات واالستمرار‪ ،‬حيث أف مفيوـ التسويؽ بكافة مراحمو‬
‫قد نشأ في ظروؼ وبيئات معينة وليس وفؽ أسس ثابتة‪ ،‬فيو إذف ال يصمح ‪-‬‬
‫حسب رأينا‪ -‬لمتطبيؽ إال في تمؾ الظروؼ والبيئات‪ ،‬أضؼ إلى ذلؾ أننا نممح في‬
‫ثنايا تمؾ الفمسفة تخبطا في تحديد محور النشاط التسويقي‪ ،‬مف خبلؿ تعدد‬
‫األطراؼ ذات الصمة بالعممية التسويقية مف منتج ومستيمؾ ومجتمع واختبلؼ‬
‫أىداؼ كؿ طرؼ‪ ،‬حيث أدى ىذا التعدد وذلؾ االختبلؼ إلى تعارض مصالح تمؾ‬
‫األطراؼ ومحاولة كؿ منيا تغميب مصمحتو مع كؿ مفيوـ مف مفاىيـ التسويؽ بدءا‬
‫بالمفيوـ اإلنتاجي ومرو ار بالمفيوـ التسويقي وانتياء بالمفيوـ المجتمعي‪.‬‬

‫تمؾ كانت بعض األسباب التي حدت بالكثير مف عمماء التسويؽ الوضعي –‬
‫كما رأينا‪ -‬إلى التأكيد عمى أف ىناؾ حاجة إليجاد نموذج جديد‪ ،‬واف لـ يتـ التعبير‬
‫بصورة كاممة عف الصيغة التي قد يأخذىا ذلؾ النموذج‪ ،‬وىذا ما يوصمنا إلى اقتراح‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫‪ٜٛ‬‬

‫ومناقشة نموذج التسويؽ اإلسبلمي مف أجؿ استحداث مفيوـ جديد يمكف أف يشكؿ‬
‫أساسا لممارسات تسويقية مستندة إلى قيـ وأخبلقيات اإلسبلـ الراسخة والى قواعد‬
‫فمسفتو المعنوية الثابتة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم التسويق في الرؤية اإلسالمية‬


‫يتطمع كؿ نظاـ اقتصادي واجتماعي إلى تحقيؽ أىداؼ معينة ( مادية كانت‬
‫أو معنوية)‪ ،‬تمؾ األىداؼ إنما يستميميا ذلؾ النظاـ مف القيـ الفمسفية واألخبلقية‬
‫والدينية والقانونية التي يديف بيا المجتمع‪ ،‬ذلؾ أف النظاـ الذي يرتضيو المجتمع‬
‫لنفسو ينمو عضويا مف معتقد اإلنساف عف الكوف والحياة ووظيفة اإلنساف فييما‪،‬‬
‫وال يمكف دراسة أي نظاـ اجتماعي أو اقتصادي بمعزؿ عف جذوره العقدية‬
‫والفمسفية‪ ،‬إذ ىو جزء ال ينفصـ مف النظرة الكمية لؤلشياء والتي استقرت في وجداف‬
‫المجتمع‪ ،‬مف أجؿ ذلؾ فاف فيما جيدا لمفيوـ التسويؽ في اإلسبلـ ال يتأتى إال‬
‫عف طريؽ دراسة منطمقاتو الفكرية الفمسفية وأصولو المبدئية‪.‬‬

‫المطمب األول‪ :‬الفمسفة التسويقية في اإلسالم‬


‫الشؾ في أف خمو التسويؽ فمسفة ونشاطا مف القيـ الثابتة والمبادئ األخبلقية‬
‫قاد إلى مشاكؿ معقدة ومستعصية‪ ،‬ولذلؾ فقد أصبح ىناؾ اعتراؼ واضح وصريح‬
‫مف رواد الفكر التسويقي الغربي وفبلسفتو بضرورة أخذ األخبلؽ ومراعاة القيـ‬
‫كمدخؿ أساسي في مفيوـ التسويؽ (نظرية وتطبيقًا)‪ ،‬لقد أطمؽ )‪ (Kotler‬وبالتعاوف‬
‫مع الباحث التسويقي المسمـ )‪ (Kartajaya‬نظريتو الجديدة في التسويؽ والتي سماىا‬
‫"النظرية الثالثة لمتسويؽ" حاوؿ مف خبلليا القوؿ أف األزمة العالمية التي شيدناىا‬
‫خبلؿ عامي ‪ ٕٓٓٛ‬و‪ٕٜٓٓ‬ـ خمقت حالة مف عدـ االستقرار ومف الشؾ في‬
‫األسس التي يقوـ عمييا االقتصاد الغربي‪ ،‬وأف ما حدث كاف بسبب انتفاء التعامبلت‬
‫اإلنسانية في سوؽ الماؿ‪ ،‬حيث تركت دوف قيـ ومبادئ أخبلقية تحكـ التعامؿ "‪..‬‬
‫‪ٜٜ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫عصر تحركو القيـ‪ ،‬فبدالً مف معاممة الناس كما‬


‫ًا‬ ‫إننا نشيد في نظرية التسويؽ الثالثة‬
‫لو كانوا ىكذا ببساطة مجرد مستيمكيف يجب أف ننظر إلييـ كبشر ليـ عقوؿ وقموب‬
‫وأرواح‪.. ،‬إف البشر في ىذا العصر يبحثوف عمى نحو متزايد عما يمبي رغباتيـ‬
‫العميقة في العدالة االجتماعية واالقتصادية والبيئية‪ ...‬إنيـ يتطمعوف إلى الوفاء ليس‬
‫فقط بحاجاتيـ المادية والعاطفية ولكف أيضا بحاجاتيـ الروحية مف خبلؿ المنتجات‬
‫والخدمات التي يختارونيا" )‪.(Kotler et al., 2010, p. 04‬‬

‫واذا جاز لػ )‪ (Kotler, 2010‬أف يقوؿ متحدثا عف نظريتو "حيف وضعت‬


‫نظريتي الجديدة "التسويؽ الثالث" مف خبلؿ القيـ والمبادئ لـ أكف اعرؼ كثي ار عف‬
‫اإلسبلـ ولكني اكتشفت أف النظرية التي وضعتيا كانت مبنية عمى أسس الشريعة‬
‫اإلسبلمية والتعامبلت في الديف اإلسبلمي‪ ..‬وىو ما يعكس تكامبل بيف نظريتي‬
‫الجديدة وما جاء بو الديف اإلسبلمي في التعامبلت بيف الناس"(‪ ،)‬وبغض النظر‬
‫عف أي تعميؽ حوؿ ىذا الكبلـ فالحقيقة التي ربما يدركيا )‪ (Kotler‬أف المشكمة‬
‫ليست في "التسويؽ" وحده ولكنيا في مرتكزات النظاـ الرأسمالي نفسو‪ ،‬ولذلؾ فإننا‬
‫نعتقد أف " التسويؽ الذي يح ّؿ األزمة وال يقود إلييا ىو التسويؽ الذي تحكمو‬
‫وتوجيو قيـ‪ ،‬وال يوجد مثؿ ىذا التسويؽ القيمي إالّ في نظاـ اقتصادي يقوـ‬
‫ضوابط ّ‬
‫بحؽ ودوف خداع وال مجاممة‪ ،‬مصمحة‬ ‫ّ‬ ‫بدوره عمى قيـ وتحكمو ضوابط تراعي‬
‫جميع األطراؼ‪ ،‬وال وجود لمثؿ ىذا النظاـ إالّ في اإلسبلـ‪ ،‬كما ّأنو ال وجود أيضا‬
‫لمثؿ ىذا التسويؽ القيمي الذي يحقّؽ بدوره‪ ،‬دوف تضميؿ أو خداع أو تغرير أو‬
‫النظاـ‬
‫غش أو مضاربة‪ ،‬مصمحة جميع األطراؼ‪ ،‬إالّ في ىذا ّ‬
‫تدليس أو تزوير أو ّ‬
‫االقتصادي الذي يقوـ عمى مبادئ اإلسبلـ" (مروادي ‪ٕٜٓٓ‬ـ‪.)ٔ٘ ،‬‬

‫‪ ‬ورد ىذا الكبلـ في محاضرة ألقاىا فيميب كوتمر بالمممكة العربية السعودية وىو يقدـ معالـ‬
‫نظريتو الجديدة في التسويؽ‪ ،‬انظر صحيفة االقتصادية‪ ،‬العدد ‪ ٕٜٙٓ‬يوـ االثنيف ٖٓ ذو‬
‫القعدة ٖٔٗٔ ىػ الموافؽ ٔٔ أكتوبر ٕٓٔٓـ‪.‬‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫ٓٓٔ‬

‫وفي الواقع فإنو ال يوجد معتقد ديني منفصؿ تماما عف واقع األنشطة اليومية‬
‫لمبشر‪ ،‬السياسية منيا واالجتماعية واالقتصادية‪ " ،‬فالعبلقة بيف الروحانية والحياة‬
‫االقتصادية ال يمكف تجاوزىا‪ ..‬إف الروحانية والديف جزء ال يتج أز مف األنشطة‬
‫االقتصادية" )‪ ،(Kale 2004, p.97‬وكذلؾ فإف أثر التديف عمى السموكيات التسويقية‬
‫ىو أثر واقعي‪ ،‬ذلؾ أف العديد مف الناس يستمدوف األحكاـ الصادرة عف صواب أو‬
‫خطأ أعماليـ مف مصادر دينية ويبنوف فمسفتيـ األخبلقية الشخصية عمييا‬
‫)‪ ،(Anusorn, et al., 2000‬وبالمثؿ فإف التعاليـ اإلسبلمية تشمؿ جميع العمميات‬
‫االقتصادية‪ ،‬ىذه التعاليـ تنبع مف مصدريف ىما‪ :‬القرآف الكريـ والسنة القولية‬
‫والفعمية الموثقة عف الرسوؿ صمى ا﵀ عميو وسمـ‪ ،‬إف وجية النظر اإلسبلمية في‬
‫ىذا الصدد‪ ،‬تجد جذورىا الراسخة في مبادئ العدالة واإلنصاؼ‪ ،‬حيث توفر السبؿ‬
‫والوسائؿ الكفيمة بخمؽ القيمة ورفع المستوى المعيشي لؤلفراد مف خبلؿ النشاط‬
‫التجاري الممتزـ بتمؾ المبادئ‪ ،‬والجدير بالذكر أف معالجة اإلسبلـ ليذه القضايا‬
‫تماما‪ ،‬وخاصة في ىذا الجانب مف النشاط البشري وذلؾ بما يمي‬
‫متميزة عف غيرىا ً‬
‫)‪:(Saeed et al., 2001, p.128‬‬

‫أوالً‪ :‬أف اإلسبلـ ال يعترؼ بأي انفصاؿ بيف األبعاد الدنيوية والروحية‪ ،‬ذلؾ‬
‫أف الفرد في ىذا اإلطار يسعى إلرضاء ربو مف خبلؿ اتباع أوامره واجتناب نواىيو‬
‫التي تتخمؿ جميع جوانب األنشطة الحياتية (الدنيوية) ليذا الفرد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أف كؿ سعي إنساني بما في ذلؾ النشاط االقتصادي يشكؿ جزًءا مف‬
‫عقيدتو الدينية انطبلقا مف عمة وجوده كمخموؽ في ىذه األرض‪ ،‬وبعبارة أخرى فإف‬
‫كؿ شيء يقوـ بو اإلنساف يجب أف ينبثؽ عف إيمانو بوظيفتو كعبد لخالؽ واحد‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬في اإلسبلـ‪ ،‬يعتبر كؿ نشاط تجاري (بما في ذلؾ التسويؽ) عمى قدـ‬
‫المساواة مع أي شكؿ آخر مف أشكاؿ العبادة‪.‬‬
‫ٔٓٔ‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫ويترتب عمى ذلؾ أف كؿ فرد في حياتو كميا يعتبر مسؤوال عف جميع أنشطتو‬
‫في الحياة أماـ ا﵀ تبارؾ وتعالى‪ ،‬وبالنظر إلى أف المعامبلت التجارية ىي جزء ال‬
‫يتج أز مف حياة الناس اليومية فإف اإلسبلـ ينظر إلييا عمى أنيا أعماؿ يجب أف‬
‫تؤدى وفقًا لمقوانيف والتعاليـ التي جاء بيا‪.‬‬

‫فميس مف المستغرب إذا أف نعمـ أف مبادئ التسويؽ األخبلقية والقيمية تمقى‬


‫اىتماما خاصا في اإلسبلـ‪ ،‬حيث تشكؿ أدبيات نظرية مستقمة تدعميا الممارسات‬
‫الموثقة عف النبي صمى ا﵀ عميو وسمـ نفسو‪ ،‬فيناؾ عدد ال حصر لو مف‬
‫أساسا بالمعامبلت التجارية التي‬
‫ً‬ ‫النصوص التي توثؽ تمؾ الممارسات فيما يتعمؽ‬
‫عمميا لسبلمة اتخاذ الق اررات التجارية‪ ،‬األمر الذي يسيؿ وضع‬
‫ً‬ ‫قيميا‬
‫نظاما ً‬
‫ً‬ ‫توفر‬
‫إطار صارـ ومتكامؿ لتصنيؼ وتقييـ السموؾ التسويقي كجزء مف السموؾ‬
‫قديما وال يزاؿ بالقضايا المتعمقة بعممية الشراء‬
‫االقتصادي العاـ‪ " ،‬فقد اىتـ اإلسبلـ ً‬
‫والبيع وعبلقات التبادؿ‪ ،‬وحرص عمى تنظيميا بما وضعو مف مبادئ وأسس تحافظ‬
‫عمى سبلمة ىذه العمميات دوف جور طرؼ عمى آخر‪ ،‬وبما ينعكس أثره عمى رفاىية‬
‫وتحسيف معيشة أفراد المجتمع المسمـ" (راغب ٕٔٓٓـ‪ ،)ٖٜٓ ،‬و ىذا يقودنا إلى‬
‫الحديث عف مفيوـ االقتصاد اإلسبلمي وتعريفو بشكؿ يفصح عف مكوناتو األساسية‬
‫تصور عاما عف النظاـ الكمي الذي يشكؿ التسويؽ جزًءا منو‪ ،‬لقد عرؼ‬
‫ًا‬ ‫ويعطينا‬
‫بعضيـ االقتصاد اإلسبلمي بأنو "مجموعة األصوؿ االقتصادية العامة التي تستخرج‬
‫مف القرآف والسنة‪ ،‬والبناء االقتصادي الذي نقيمو عمى أساس تمؾ األصوؿ بحسب‬
‫كؿ بيئة وكؿ عصر" (العربي‪ ،‬صٕٔ)‪ ،‬حيث يمكف أف نقرر مف خبلؿ ىذا‬
‫التعريؼ أف مكونات المنظور اإلسبلمي قسماف‪ :‬أحدىما ثابت واآلخر متغير‪.‬‬

‫الثابت‪ :‬ىو مالو خاصية الثبات‪ ،‬وىي تمؾ القواعد االقتصادية المستنبطة مف‬
‫الكتاب الكريـ والسنة النبوية‪ ،‬وىذا ما يطمؽ عميو " المذىب االقتصادي "أي األصوؿ‬
‫َّ‬
‫َح َّؿ الموُ‬
‫والثوابت التي ال تقبؿ التغيير وال التبديؿ‪ ،‬مثؿ تحريـ الربا في قولو تعالى ﴿ َوأ َ‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫ٕٓٔ‬

‫الرَبا﴾ (البقرة‪ ،)ٕٚ٘:‬فيي صالحة لكؿ زماف ومكاف‪ ،‬وال تختمؼ مف بيئة‬
‫الب ْي َع َو َح َّرَـ ِّ‬
‫َ‬
‫إلى أخرى وىذا الثبات ال يعني أف ىذه األصوؿ العامة لمفقو االقتصادي جامدة ال‬
‫تسع ما يستجد مف األمور ولكف ىذا فقو ثابت في أحكامو لما ىو معروؼ فقط مف‬
‫أيضا في ىذا‬
‫المعامبلت‪ ،‬أما ما يستجد أو يتطور فستكوف لو أحكامو التي ستدخؿ ً‬
‫الجزء الثابت‪.‬‬

‫المتغير‪ :‬ىو مالو خاصية التطور‪ ،‬وىو البناء الذي يقوـ عمى أساس األصوؿ‬
‫الثابتة‪ ،‬أي تمؾ الممارسات العممية والحموؿ االقتصادية التي توصؿ إلييا المجتيدوف‬
‫تطبيقا لممبادئ السابقة‪ ،‬وىي ما يطمؽ عمييا "النظاـ االقتصادي" وىي مف المتغي ارت‬
‫التي تتبدؿ باختبلؼ الزماف والمكاف‪ ،‬وبتغير البيئات والظروؼ التي تط أر مف آف إلى‬
‫آخر ويدخؿ تحت ىذا ما يتعمؽ باألدوات التي يمكف أف يعمؿ بيا اقتصاد "يسير‬
‫وفؽ النيج اإلسبلمي‪ ،‬ىذه األدوات تخضع لمتقدـ المعرفي لئلنساف كما تخضع‬
‫لطبيعة االقتصاد وتطوره‪ ،‬فالديف اإلسبلمي إذف لـ يترؾ أم ار مف أمور الدنيا‬
‫واآلخرة إال وجعؿ لو المبادئ العامة التي تحكمو‪ ،‬ىذه األخيرة ال تتضمف أحكاما‬
‫تفصيمية وانما ترؾ ا﵀ لمناس تحديدىا رحمة بيـ‪ ،‬حتى تتفؽ وظروفيـ*‪ ،‬ولتظؿ تمؾ‬

‫* قد يعترض بعضيـ بأف ىذا التغير ىو ما انتقدناه عند الحديث عف النظاـ التسويقي الوضعي‪،‬‬
‫والجواب أف البوف واسع بيف ىذا وذاؾ‪ ،‬فالتغير والتبدؿ الذي اعتبرناه سمة لمفمسفة التسويقية‬
‫الوضعية إنما كاف يمس جوىر النظاـ باألساس ناىيؾ عف أف الدافع نحو التغير لـ يكف حفظ‬
‫مصا لح المجتمع (أفرادا وجماعات) بقدر ما كاف الدافع ىو تعزيز اليدؼ النيائي لذلؾ النظاـ‬
‫وىو تعظيـ األرباح‪ ،‬فحفظ مصالح المستيمؾ والمجتمع في الظاىر ما ىو إال وسيمة نحو‬
‫تحقيؽ ذلؾ اليدؼ‪ ،‬يقوؿ أحدىـ " إف ىدؼ التوجو بالمستيمؾ (المفيوـ التسويقي) ىو زيادة‬
‫كفاءة المبيعات‪ ،‬فإشباع المستيمؾ ىو وسيمة فقط لبموغ ىدؼ الشركة في الربح‪ ،‬وذلؾ ال‬
‫يتطمب بالضرورة حماية لرفاه المستيمؾ" (‪ ،)Bell & Emory 1991, p.39‬أما التغير في ظؿ‬
‫النظاـ اإلسبلمي فإنو ال يمس القواعد والمرتكزات (الثوابت) بؿ يمس الوسائؿ واألدوات التي‬
‫تقود إلى تحقيؽ غايات النظاـ الثابتة ومنيا حفظ مصمحة الفرد والمجتمع معا‪ ،‬إف ىذه‬
‫المصمحة ىي ىدؼ ثابت وليس وسيمة تتبدؿ وتتغير‪.‬‬
‫ٖٓٔ‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫المبادئ صالحة لمتطبيؽ في كؿ زماف ومكاف‪ ..‬فاألعماؿ الجزئية كأنشطة التسويؽ‬


‫المسوؽ جعؿ ليا أحكاما عامة تضبطيا في مختمؼ مراحميا" (إبراىيـ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ومياـ‬
‫ٕ٘ٓٓـ‪.)ٕٗ ،‬‬

‫إذف وانطبلقا مف القواعد الثابتة والحموؿ المتغيرة التي تحكـ النشاط التسويقي‬
‫وفؽ التصور اإلسبلمي‪ ،‬يمكف أف نقرر أف الفمسفة التي يقوـ عمى أساسيا التسويؽ‬
‫اإلسبلمي تستند إلى طبيعة ىذا الديف كنظاـ كامؿ لمحياة يحدد لئلنساف أىدافو‬
‫األساسية ووظيفتو في ىذا الكوف‪ ،‬وكما ذكر محمد بيجت (ٗ‪ٜٜٔ‬ـ) فإف أىداؼ‬
‫النشاط االقتصادي تتمثؿ في اآلتي‪:‬‬

‫(ٔ) ابتغاء الدار اآلخرة‪ :‬وذلؾ ال يتحقؽ إال برضا ا﵀ عز وجؿ والذي ينتج‬
‫بدوره عف االلتزاـ بأوامره واجتناب نواىيو‪ ،‬وىو ما جاءت الشريعة اإلسبلمية‬
‫لتوضيحو‪.‬‬
‫(ٕ) تحقيؽ عائد لمفرد مف خبلؿ استثماره ألموالو‪ ،‬وتممكو لعناصر اإلنتاج‪،‬‬
‫بما يضمف لو ولمف يعوؿ حياة إنسانية كريمة‪.‬‬

‫(ٖ) اإلحساف مف خبلؿ الماؿ الذي أعطاه ا﵀ إياه باإلنفاؽ منو عمى اآلخريف‬
‫وعمى المحتاجيف ونشر دعوة ا﵀ في األرض‪ ،‬واإلحساف كممة جامعة لكؿ معاني‬
‫الخير‪.‬‬

‫(ٗ) عدـ الفساد في األرض مف خبلؿ الرشوة وتمويث البيئة الطبيعة‬


‫واألخبلقية لممجتمع مف أجؿ تحقيؽ الربح وىي السمبيات التي نتجت عف النظاـ‬
‫الرأسمالي بسبب تبريره ليذا السعي نحو تعظيـ األرباح‪.‬‬

‫يما‬ ‫ِ‬
‫والقرآف الكريـ يشير إلى ىذه األىداؼ بجبلء تاـ‪ ،‬قاؿ تعالى‪َ ﴿ :‬و ْابتَ ِغ ف َ‬
‫َح ِس ْف َك َما أ ْ‬
‫َح َس َف المَّوُ إِلَْي َؾ َوال تَْب ِغ‬ ‫ص َيب َؾ ِم َف ُّ‬
‫الد ْنَيا َوأ ْ‬ ‫اآلخرةَ وال تَنس َن ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫الدار ِ‬ ‫آتَ َ َّ‬
‫اؾ الموُ َّ َ‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫ٗٓٔ‬

‫يف ﴾ (القصص‪ ،)ٚٚ:‬فأىداؼ النشاط‬ ‫ِِ‬ ‫ض إِ َّف المَّوَ ال ُي ِح ُّ‬


‫اد ِفي األ َْر ِ‬
‫ب اْل ُم ْفسد َ‬ ‫اْلفَ َس َ‬
‫التسويقي في اإلسبلـ ال تنحصر عمى تعظيـ األرباح لممنتج وال عمى إشباع رغبات‬
‫المستيمؾ أو مراعاة مصمحة المجتمع بشكؿ يوحي بتضارب لممصالح‪ ،‬ولكف‬
‫التسويؽ اإلسبلمي يؤكد عمى تعظيـ القيمة مف خبلؿ توليفة متوازنة بيف األبعاد‬
‫المادية والروحية لمحياة‪ ،‬فإشباع الرغبات اإلنسانية يخضع لمتوجييات والتشريعات‬
‫اإلسبلمية التي تقود إلى تعظيـ رفاه البشرية في الدنيا وفي اآلخرة‪ ،‬وتؤسس ألخوة‬
‫حقيقية بيف جميع أصحاب المصمحة فضبل عف بسط العدالة االجتماعية‬
‫واالقتصادية في كؿ شعب الحياة اإلنسانية (‪.)Mahboub and Shariful, 2011‬‬

‫المطمب الثاني‪ :‬األصول العامة لمفهوم التسويق في اإلسالم‬


‫إف أصوؿ وأسس النظرية التسويقية اإلسبلمية يمكف تمخيصيا في ثبلثة أسس‬
‫تحكـ الفرد والمجتمع‪ ،‬وىي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬األساس العقائدي‪ :‬إذا انطمقنا مف فيمنا لمتقاليد التوحيدية األخرى‬


‫كالمسيحية مثبل وقبوليا بمبدأ المصمحة الذاتية ومفيوـ سيادة السوؽ‪ ،‬والتي نالت‬
‫مشروعيتيا مف خبلؿ كتابات آدـ سميث في ثروة األمـ‪ ،‬حيث تـ اعتبار تطبيؽ‬
‫القواعد الروحية والنصوص الدينية عمى المعامبلت االقتصادية في المجتمعات‬
‫المسيحية العممانية عامبل يضع التنمية االقتصادية تحت الرقابة غير المشروعة لمثالية‬
‫األدياف‪ ،‬فإف ىذا الفصؿ ىو ما ال نجده في التصور اإلسبلمي الذي يستند إلى أف‬
‫الخمؽ كمو مف ا﵀ وحده‪ ،‬فا﵀ لـ يخمؽ ىذا الكوف كعالـ طبيعي لمجرد اإليجاد‬
‫فحسب‪ ،‬ولكف ضمف إطار ميمة وغرض محدديف‪ ،‬إف وحي ا﵀ (قوانينو وتوجيياتو)‬
‫يجب أف يحكـ نظاـ الخمؽ كمو‪ ،‬واألنشطة البشرية ميما كانت يجب أف تتسؽ مع ىذا‬
‫النظاـ ففي صميـ الرؤية اإلسبلمية المتميزة نجد مفيوـ "التوحيد" وىو الحقيقة اإلليية‬
‫التي يكشؼ عنيا القرآف الكريـ )‪.(Gibbs & ilkan 2008, p.165‬‬
‫٘ٓٔ‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫فالتوحيد ىو حجر األساس في الديف اإلسبلمي وعميو تقوـ النظرة العامة‬


‫وكؿ شيء آخر ينبثؽ منو بصورة منطقية )‪ ،(Rice 1999, p.347‬كما قاؿ‬ ‫لمحياة‬
‫ِ‬ ‫اي َو َم َماتِي ِلمّ ِو َر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يف‪ ،‬الَ َش ِر َ‬
‫يؾ لَوُ‬ ‫ب اْل َعالَم َ‬ ‫صبلَتي َوُن ُسكي َو َم ْح َي َ‬
‫تعالى‬ ‫﴿ ُق ْؿ إِ َّف َ‬
‫يف﴾ (األنعاـ‪ ،)ٕٔٙ:‬فالعبادة ال تعني فقط أركاف‬ ‫ِِ‬
‫َوبِ َذلِ َؾ‬ ‫أِ‬
‫ت َوأ ََنا أ ََّو ُؿ اْل ُم ْسمم َ‬
‫ُم ْر ُ‬
‫اإلسبلـ الخمسة ولكنيا تشمؿ أيضا مف بيف جوانب أخرى لمحياة‪ :‬األكؿ والنوـ‪،‬‬
‫ودراسة الكوف وكذلؾ ممارسة األعماؿ التجارية ‪ ..‬كما تتضمف السعي لكسب‬
‫الماؿ الذي يعيؿ األسرة‪ ..‬إف جميع المساعي واألنشطة البشرية ما داـ القصد منيا‬
‫ىو تحقيؽ مرضاة ا﵀ ىي جزء مف العبادة‪ ،‬فالتعاليـ اإلسبلمية تشمؿ جميع‬
‫العمميات االقتصادية بما في ذلؾ التسويؽ سواء عمى المستوى المحمي أو العالمي"‬
‫)‪ ،(Saeed et al., 2001, p.138‬إف الشيادة وىي الركف األوؿ مف اإلسبلـ تشكؿ‬
‫مفتاح مفيوـ التوحيد‪ ،‬والشيادة ىي االعتراؼ واإليماف المطمؽ مف اإلنساف بخالقو‬
‫والخضوع إلرادتو‪ ،‬وبالنسبة لمتسويؽ فإف الخضوع ﵀ عز وجؿ يعني أف جميع‬
‫أنشطة التسويؽ يجب أف تتوافؽ مع تعاليـ اإلسبلـ‪ ،‬بالطبع فإف التطبيقات التي‬
‫تتوافؽ مع ذلؾ يمكف أف تختمؼ وتتعدد‪ ،‬ولذلؾ فإف المسوؽ المسمـ عميو أف يكوف‬
‫مستعدا وقاد ار عمى إدراج روح اإلسبلـ في جميع جوانب العمؿ التسويقي مف‬
‫التخطيط إلى خدمات ما بعد البيع )‪.(Md Arham, 2010, p.152‬‬

‫ثانيا‪ :‬األساس األخالقي‪ :‬إذا كاف بعض مفكري التسويؽ الوضعي يعترفوف‬
‫بأف " النموذج المييمف في التسويؽ والذي يقوـ عمى مفيوـ سيادة المستيمؾ‬
‫يفترض أف دور العممية التسويقية في طبيعتو تقني وليس أخبلقيا‪ ،‬حيث أف اليدؼ‬
‫منو ىو تحويؿ الطمب إلى إنتاج وليس الحكـ عمى ما ىو الطمب أو اإلنتاج‬
‫األفضؿ (أخبلقيا واجتماعيا) )‪ ،(Crane & Desmond, 2002, p.548‬فإف المنظور‬
‫اإلسبلمي ال يعترؼ بأي انفصاؿ بيف النشاط االقتصادي بصفة عامة وبيف‬
‫الجانب األخبلقي سواء مف حيث الوسائؿ أو مف حيث المقاصد والغايات‪ ،‬فأخمقو‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫‪ٔٓٙ‬‬

‫التسويؽ مفيوـ مستمد مف االقتصاد السياسي اإلسبلمي حيث أف مفيوـ األخبلؽ‬


‫يتعيف "إجراؤه عمى جوانب االستيبلؾ‪ ،‬اإلنتاج‪ ،‬والتوزيع" ‪(Choudhury, 2000,‬‬
‫)‪ ،p.26‬فاإلسبلـ يؤمف بالميؿ الطبيعي لئلنساف نحو المثؿ العميا ومع ىذا السياؽ‬
‫فإف نشوء نظاـ أخبلقي تسويقي‪ ،‬يمثؿ األبعاد الروحية الثابتة لوجود اإلنساف والتي‬
‫ال يمكف تجاىميا تماما‪ ..‬وغياب تمؾ األبعاد يعكس انحرافات وتشوىات في طبيعة‬
‫اإلنساف وىي نتيجة لمتفاعؿ داخؿ بيئة خارجية غير أخبلقية تطمس مع مرور‬
‫الزمف كؿ تفكير عقبلني وتسيؿ الميؿ نحو الممارسات البلأخبلقية في التسويؽ‬
‫)‪.(Saeed et al., 2001, p.130‬‬

‫كما أف مقاربة أخبلقيات التسويؽ في اإلسبلـ تختمؼ عف المقاربة الوضعية‬


‫في عدة نواح منيا‪:‬‬

‫‪ -‬أنيا ليست نسبية بؿ ىي مطمقة في أحكاميا ألنيا تستند إلى القرآف الكريـ‬
‫وتعاليمو التي ال تترؾ مجاال لتفسير مشتبو أو غامض مف قبؿ الممارسيف‪ ،‬أيف يغدو‬
‫كؿ واحد لو قيمو وأخبلقػو التي يفسرىا حسب رغبتو وىواه‪.‬‬

‫‪ -‬أف العامؿ الغيبي (اآلخرة) ىو حقيقة مطمقة غير قابمة لمتبديؿ‪ ،‬والتسميـ‬
‫بيا لو أثره عمى مستوى الممارسة فمثبل‪ :‬إف جودة عممية اإلنتاج ىي شيء بالغ‬
‫األىمية في أخبلقيات التسويؽ اإلسبلمي‪ ،‬فالقرآف يقرر أف سبلمة المنتجات‬
‫والخدمات سواء في الدرجة مع العمؿ الصالح‪ ،‬يقوؿ تعالى ﴿ ُكمُوا ِمف الطَّيِّب ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صالِ ًحا﴾ (المؤمنوف‪ ،)٘ٔ:‬إف ىذه اآلية تيدؼ إلى التأكيد عمى مبدأ أف‬ ‫اع َممُوا َ‬
‫َو ْ‬
‫العمؿ الصالح ال معنى لو مف دوف نقاء وصبلح في المسائؿ المتعمقة باإلنتاج‬
‫واالستيبلؾ والتسويؽ لممنتجات والخدمات الطيبة المشروعة‪ ،‬فعمميتا اإلنتاج‬
‫واالستيبلؾ ليما تصور مختمؼ تماما بالمقارنة مع الفكر الوضعي‪ ،‬إف المنظور‬
‫اإلسبلمي يدمج العوامؿ الغيبية والمعنوية في عممية اتخاذ القرار التسويقي‪،‬‬
‫‪ٔٓٚ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫"فالعمؿ الصالح في ميداف التسويؽ يعني إيجاد المنتجات وتحسيف مختمؼ الطرؽ‬
‫التي تؤدي إلى انتقاليا مف المنتج أو البائع إلى الزبوف أو المشتري النيائي أو‬
‫الصناعي‪ ،‬بما يسمح لو مف الحصوؿ عمى ما يريد وبالتالي يقوـ بتمبية حاجاتو مف‬
‫ىذه السمع والخدمات‪ ،‬وفي ىذا يتنافس المسوقوف في السوؽ في إطار مف األخبلؽ‬
‫والسموؾ القويـ‪ ،‬فاإلسبلـ رغب في المنافسة و دعا إلى مباشرتيا برفؽ مع إحاطتيا‬
‫بسياج مف األخبلؽ التي تمنع المسوؽ المسمـ المنافس مف الكيد لممنافسيف اآلخريف‪،‬‬
‫وتعمد إيذائيـ بمحاولة إخراجيـ مف السوؽ بشتى الطرؽ ليستأثر وحده بمغانميا"‬
‫(إبراىيـ ٕ٘ٓٓـ‪.)ٕٛ :‬‬

‫‪ -‬إف المقاربة اإلسبلمية تؤكد عمى تعظيـ القيمة في ضوء المصمحة العميا‬
‫لممجتمع بدال مف السعي األناني وراء تعظيـ األرباح‪ ،‬إف مبدأ تعظيـ القيمة يرتكز‬
‫عمى مفيوـ العدالة‪ ،‬ىذا المفيوـ الذي قاـ العديد مف الباحثيف في المجاؿ بتحميؿ‬
‫تطبيقاتو عف طريؽ تصنيفيا في "العمؿ النزيو" و"التعامؿ المنصؼ"‪ ،‬فالعمؿ النزيو‬
‫ىو األخذ والعطاء في مجاؿ األعماؿ التجارية وفقا لمصمحة جميع األطراؼ‬
‫المعنية‪ ،‬في حيف أف التعامؿ المنصؼ ىو الفضيمة التي تؤدي بالفرد إلى أف يكوف‬
‫عادال مع نفسو ومع غيره‪ ،‬وذلؾ باالمتناع عف إعطاء نفسو نفعا أكثر مما‬
‫تستحؽ‪ ،‬أو إعطاء غيره أقؿ مما يستحقوف‪ ،‬وكذلؾ باالمتناع عف تفضيؿ نفسو‬
‫بأقؿ أذى في حيف يصاب اآلخروف باألذى األكبر‪ ،‬ىذه ىي قاعدة " ال ضرر وال‬
‫ضرار"‪ ،‬فإذا أصبحت العدالة جزءا ال يتج أز مف تفاعبلت التسويؽ فإف جوا مف‬
‫الوئاـ والتعاوف واالعتماد المتبادؿ سوؼ ينشأ‪ ،‬دوف أف يكوف لذلؾ أثر سمبي عمى‬
‫الميزة التنافسية لممؤسسة )‪ ،(Saeed et al. 2001, p.130‬حيث أف المنتج المسمـ‬
‫يسعى لتحقيؽ الربح في الحدود التي وضعتيا الروح اإلسبلمية ‪ ،‬ىذه الحدود تدمج‬
‫المثؿ العميا لئلسبلـ أيف يصبح المنتج مدفوعا بامتثاؿ تاـ لفكرة العدالة والرغبة في‬
‫خدمة المجتمع وفي ىذه الحالة فإف المؤسسة تسعى لتحقيؽ أرباح مرضية بدؿ‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫‪ٔٓٛ‬‬

‫تحقيؽ أقصى األرباح بالمعنى التقني‪ ،‬تمؾ األرباح المرضية تمنح صاحب‬
‫المشروع اإلحساس بالرفاه المادي وتجعمو في وضع يؤىمو ألف يحافظ وأف يواصؿ‬
‫عممية اإلنتاج بما يبقيو في أفضؿ صورة تجاه المستيمكيف والدولة والجميور العاـ‬
‫)‪.(Salamah and Ruzita, 2007, p.07‬‬

‫ثالثا‪ :‬األساس التشريعي‪" :‬حرصا عمى أف يكوف األداء التسويقي سميما‬


‫توجيو" (مروادي‬
‫يحقّؽ مصمحة الفرد والمجتمع‪ ،‬جعؿ اإلسبلـ لو ضوابط تحكمو و ّ‬
‫‪ٕٜٓٓ‬ـ‪ ،)ٔٙ ،‬وجعؿ كؿ طرؼ في العممية التسويقية يخضع ليا بؿ ومسؤوال عف‬
‫صيانتيا واالمتثاؿ ليا‪ ،‬ففي إطار الشريعة اإلسبلمية يمكف أف نصنؼ مسؤوليات‬
‫رجؿ التسويؽ إلى أربع فئات )‪:(Saeed et al., 2001, p.135‬‬

‫(ٔ) المسؤولية أماـ ا﵀ تبارؾ وتعالى الذي خمؽ البشر ووفر ليـ االستفادة‬
‫مف موارد الكوف وذلميا ليـ لكسب رزقيـ‪ )ٕ( ،‬مسؤولية المسوؽ تجاه نفسو مف‬
‫خبلؿ تحقيؽ الرفاه والرزؽ الحبلؿ لو ولمف يعيمو‪ )ٖ( ،‬المسؤولية تجاه المجتمع‬
‫والتي تعني الحفاظ عمى حقوؽ المستيمكيف مف خبلؿ سبلمة المنتجات وطيارتيا‬
‫وصيانة كؿ ما يتعمؽ بديف المستيمؾ أو عقمو أو عرضو أو دمو و مالو‪)ٗ( ،‬‬
‫المسؤولية تجاه الكوف والبيئة التي ىي المحضف المؤقت الذي منحو ا﵀ لمبشر مف‬
‫أجؿ تسييؿ وجودىـ عمى ىذه األرض‪.‬‬

‫غير أف التصور اإلسبلمي ال يمقي بالمسؤولية عمى المسوؽ فقط‪ ،‬فيو ال يمقييا‬
‫عمى طرؼ دوف اآلخر بؿ يجعميا شركة بيف جميع األطراؼ الفاعمة في النظاـ‬
‫التسويقي (السمطة المنظمة لمسوؽ‪ ،‬المؤسسة‪ ،‬والمستيمؾ والمجتمع بصفة عامة) والتي‬
‫تخضع لنظاـ أخبلقي وتشريعي واحد يحدد لتمؾ األطراؼ جميعيا الصواب مف الخطأ‬
‫في مجاؿ المعاممة االقتصادية‪ ،‬حيث يقوـ المنيج اإلسبلمي عمى تقويـ السموؾ‬
‫البشري وتيذيبو وتوجييو بما يحقؽ المصمحة الفردية والجماعية‪.‬‬
‫‪ٜٔٓ‬‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫لقد عنيت الشريعة اإلسبلمية بالعبلقة بيف البائع والمشتري (المنتج والمستيمؾ)‬
‫وبالمعامبلت االقتصادية بشكؿ عاـ‪ ،‬فأوضحت دائرة الحبلؿ وقاعدة الحراـ التي يقوـ‬
‫عمييا النشاط االقتصادي لئلنساف‪ ،‬منتجاً ومستيمكاً و…الخ‪ " ،‬فالشريعة اإلسبلمية‬
‫المستمدة مف القرآف والسنة تغطي العبلقات االقتصادية بيف البائعيف والمشتريف‪ ،‬بيف‬
‫العامميف وأرباب العمؿ‪ ،‬بيف المقرضيف والمقترضيف‪ ..‬عمما أنو ال فرؽ في التعامؿ‬
‫مع مسمـ أو غير مسمـ في عيف الشريعة اإلسبلمية‪ ..‬يجب أف يعامؿ كبلىما بعدؿ‬
‫ونزاىة وانصاؼ" )‪.(Rice, 1999, p.349‬‬

‫والمتتبع لآليات القرآنية واألحاديث النبوية وآثار السمؼ يدرؾ مدى تمؾ العناية‬
‫البارزة‪ ،‬التي ربطت السموؾ التجاري لممسمـ بشريعتو الربانية‪ ،‬في حيف انسمخت‬
‫المفاىيـ الوضعية عف الجوانب الروحية واألخبلقية‪ ،‬وركزت عمى الجوانب المادية‬
‫في النشاطات االقتصادية‪ ،‬حتى أصبح كثير منيـ يرى مثبل أف عبارة "أخبلقيات‬
‫التسويؽ" تضـ لفظتيف متناقضتيف )‪ (oxymoron‬ال يمكف الجمع بينيما‪ ،‬وأف‬
‫التوجو األخبلقي ال يعني أكثر مف العمؿ لممصمحة الذاتية واالمتثاؿ لمقانوف‬
‫الوضعي )‪ ،(Gaski, 1999‬ولعؿ ىذا يبرز مدى ما يممكو المجتمع المسمـ مف‬
‫تعاليـ اقتصادية إسبلمية‪ ،‬متمي اًز عف غيره مف المجتمعات التي عرفت مذاىب‬
‫وضعية‪ ،‬ىذا التميز ىو الذي جعؿ )‪ (Bagozzi‬الذي تحدث عف مركزية المصمحة‬
‫الذاتية في مفيوـ التبادؿ التسويقي‪ ،‬يستدرؾ عمى تمؾ المركزية ويستثني قائبل‪ ":‬إف‬
‫االعتماد الحصري عمى أف اإلنساف مخموؽ يسعى إلى تحصيؿ المذة وتجنب األلـ‬
‫قد يجعؿ نظرتنا لطبيعية اإلنساف قاصرة‪ ،‬نعـ‪ ،‬ففي بعض المجتمعات تغمب ‪ -‬إف‬
‫لـ نقؿ تييمف‪ -‬قيـ المجموعة واألسرة عمى القيـ االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬بؿ أكثر‬
‫مف ذلؾ‪ ،‬فإف العديد مف المجتمعات غير الغربية لدييا تركيز أقؿ عمى المنفعة‬
‫المادية‪ ،‬حيث أنيـ يركزوف ويؤكدوف عمى الكيانات والقيـ غير المادية مثؿ‪ :‬احتراـ‬
‫الطبيعة‪ ،‬البساطة‪ ،‬تحقيؽ الذات‪ ،‬التواصؿ‪ ،‬األخوة‪ ،‬السبلـ‪ ،‬والحب لئلنسانية‪،‬‬
‫طارؽ بمحاج‬ ‫ٓٔٔ‬

‫ليس فقط مف أجؿ تذليؿ صعوبات تسعير وتبادؿ المنتجات ولكف طريقة استيبلؾ‬
‫تمؾ المجتمعات تتحدى أيضا فرض تعظيـ الربح الذي يفترض في التبادؿ‪ ،‬إف‬
‫المسوقيف إذا يحتاجوف إلى نموذج يصور اإلنساف في جوىره وكيانو وليس فقط في‬
‫استيبلكو السمع والخدمات" )‪.(1975B, p.319‬‬

‫الخالصة‬
‫مف ىذه المناقشة نخمص إلى أف مبادئ التسويؽ في اإلسبلـ تجمع بيف‬
‫مفيوـ تعظيـ القيمة لممستيمؾ والمنتج وبيف تحقيؽ العدالة في توزيع الرفاىية عمى‬
‫المجتمع ككؿ وعمى األجياؿ البلحقة كذلؾ‪ ،‬إف تمؾ المبادئ تعنى بخمؽ الثروة‬
‫والقيمة‪ ،‬وبرفع مستوى معيشة األفراد واشباع حاجاتيـ عبر نشاط اقتصادي‬
‫منضبط بأخبلؽ اإلسبلـ وتوجيياتو التي تضمف في الوقت ذاتو حرية المستيمكيف‬
‫والمنتجيف وتزرع الثقة واالحتراـ فيما بينيـ‪ ،‬إف شريعة اإلسبلـ تنيى أصحاب‬
‫(الصناع والتجار‪ )..‬عف أي استغبلؿ لممستيمكيف وتحت أي ظرؼ‪ ،‬وفي‬
‫ّ‬ ‫األعماؿ‬
‫ضوء ىذه الضوابط األخبلقية والمسممات الشرعية‪ ،‬فإف كؿ نشاط تسويقي يستيدؼ‬
‫الخروج عمييا والتنكر ليا يكوف نشاطاً مردوداً يرفضو النظاـ اإلسبلمي في مجممو‪،‬‬
‫لب الرؤية اإلسبلمية في‬
‫إذ ىو يمس بمفيوـ المساواة واألخوة اإلنسانية التي تشكؿ ّ‬
‫ىذا الباب )‪ ،(Abul Hassan, et al., 2008‬كما أنو يمس العقيدة اإلسبلمية ويناؿ‬
‫مف حقيقة ارتباطيا بالشريعة وأحكاميا‪ ،‬وانطبلقا مف ىذه المعاني يمكننا أف نشكؿ‬
‫أدبيات مستقمة مف المعرفة تسمى "التسويؽ اإلسبلمي" كمنيج واطار لمنظر في‬
‫عمـ التسويؽ‪ ،‬حيث يمكف أف نقترح تعريفا لمتسويؽ اإلسبلمي كما يمي‪:‬‬

‫"ىو تمؾ الفمسفة أو المبادئ التي تحكـ األنشطة التجارية في المؤسسات‬


‫المختمفة‪ ،‬والتي تقوـ عمى أساس تحقيؽ مقاصد الشريعة اإلسبلمية مف خبلؿ‬
‫البحث في الحاجات اإلنسانية الحقيقية ثـ الوفاء بيا مع مراعاة مصمحة المستيمؾ‬
‫ٔٔٔ‬ ‫المفيوـ التسويقي الحديث‪ ،‬وجية نظر إسبلمية‬

‫الفرد ومصمحة المجتمع في المدى الحاضر والبعيد‪ ،‬كؿ ذلؾ مع السعي لتحقيؽ‬
‫األىداؼ التجارية لممؤسسات بالوسائؿ المباحة وبما يتوافؽ مع روح اإلسبلـ عقيدة‬
‫وأخبلقا وشريعة"‪.‬‬

‫وبالنياية‪ ،‬وعمى الرغـ مف أف ىذا البحث ىو جيد المقؿ‪ ،‬فقد حاولنا مف‬
‫خبللو تقديـ إطار لمفيوـ التسويؽ في اإلسبلـ‪ ،‬ىذا اإلطار ما زاؿ يحتاج إلى مزيد‬
‫مف النقاش واإلثراء بغية الخروج بنموذج متكامؿ لنظرية تسويؽ إسبلمي‪ .‬وا﵀‬
‫الموفؽ‪.‬‬

‫المراجع‬
‫أوالً‪ :‬بالمغة العربية‬
‫إبراهيم بمحيمر (ٕ٘ٓٓـ) المزيج التسويقي مف منظور التطبيقات التجارية اإلسبلمي‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه غير منشورة‪ ،‬جامعة الجزائر‪.‬‬
‫حسين موسى راغب (ٕٔٓٓـ) القيـ والمعتقدات اإلسبلمية ودورىا في ترشيد الق اررات التسويقية‪،‬‬
‫وقائع ندوة اإلدارة في اإلسبلـ‪ ،‬المعيد اإلسبلمي لمبحوث والتدريب‪ ،‬جدة‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫الشنواني صالح (ٕٓٓٓـ) اإلدارة التسويقية الحديثة‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬
‫محمد عبداهلل العربي (ٕٓٔٓـ) محاضرة عامة عف االقتصاد اإلسبلمي‪ ،‬األزىر الشريؼ‪ ،‬صٕٔ‪،‬‬
‫نقبل عف محمود الوادي وآخروف‪ ،‬االقتصاد اإلسبلمي‪ ،‬دار المسيرة لمنشر‪ ،‬االردف‪.‬‬
‫محمد عبدالمعطي بهجت (ٗٔٗٔىػ) أىداؼ المحاسبة في اقتصاد إسبلمي‪ ،‬مجمة جامعة الممؾ‬
‫عبدالعزيز‪ :‬االقتصاد االسبلمي‪ ،‬ـ‪ ،6‬ص ص‪ٜٜٔٗ ، ٖٓ-ٖ :‬ـ‪.‬‬
‫مرداوي كمال (‪ٕٓٓٛ‬ـ) محاضرات في التسويؽ‪ :‬مبادئ التسويؽ‪ ،‬مطبعة بغيجة‪ ،‬قسنطينة‪.‬‬
‫مرداوي كمال (‪ٕٜٓٓ‬ـ) األزمة المالية العالمية خمفياتيا التسويقية‪ ،‬تداعياتيا االقتصادية‪،‬‬
‫وحموليا اإلسبلمية‪ ،‬الممتقى الدولي األوؿ حوؿ‪ :‬أزمة النظاـ المالي والمصرفي الدولي‬
‫وبديؿ البنوؾ اإلسبلمية‪ ،‬جامعة اإلسبلمية األمير عبد القادر قسنطينة‪ ٓٚ-ٓٙ ،‬إبريؿ‪.‬‬
‫طارؽ بمحاج‬ ٕٔٔ

‫ بالمغة اإل نجميزية‬:‫ثانيا‬


ً
Abul Hassan, et al., (2008) Islamic Marketing Ethics and Its Impact on Customer
Satisfaction in the Islamic Banking Industry, Journal of King Abdulaziz
University: Islamic Economics, 21(1) : 27-46
Anusorn S., Janet M., Kumar R. and C.P. Rao (2000) Toward an Understanding of
Religiousness and Marketing Ethics: An Empirical Study, Journal of Business
Ethics, 27(4): 305-319
Arnould, M. and Fisher, J. (1996) Counterculture, Criticisms, and Crisis: Assessing
the Effect of the Sixties on Marketing Thought, Journal of Macromarketing,
16(1): 118-133.
Bagozzi Richard (1975A) Marketing as exchange, Journal of Marketing, 39 (October),
32-39.
Bagozzi Richard (1975B) Social Exchange in Marketing, Journal of the Academy of
Marketing Science, 3, Fall 1975, 314-327.
Bell Martin and Emory William (1971) The faltering marketing concept, Journal of
Marketing, 35, (October), : 37-42,
Boltanski, L. and Chiapello E., (2005) The New Spirit of Capitalism, London, Uk.
Brei and Böhm (2008) Lacking Capitalism: Desiring Marketing in Times of Capitalist
crisis, Working Paper No. WP 08/12, Essex Business School, : 1-16.
Choudhury, Masudul, Alam (2000) Regulation in the Islamic Political Economy:
Comparative Perspective, Journal of King Abdulaziz University: Islamic
Economics, 12, : 21-51,.
Crane and Desmond (2002) Societal Marketing and Morality, European journal of
marketing, 36(5/6): 548-569.
Demeure Claude (2008) Marketing, 6eme édition, Dunod, Paris.
Doyle Jim (2010) An Investigation of Pricing Data for Evidence of Institutional-Level
Relationship Marketing Behaviors, Journal of Relationship Marketing, Vol. 9,
Issue 4, : 264-278.
Drucker Peter (1986) Management-Tasks, Responsibilities, Practices, First Edition,
Truman Talley Books , Dutton.
Ford Henry and Grow her Samuel (1923) My Life and Work, Project Gutenberg
eBook., online 2005.
Gaski, J.F. (1999) “Does Marketing ethics really have anything to say? – A Critical
Inventory of the Literature”, Journal of Business Ethics, 18, : 315-334
Geoff and paul (2005) Management-of-Marketing, Elsevier Butterworth-Heinemann,
Oxford.
Gibbs Paul and Mustafa Ilkan (2008) The ethics of marketing in Muslim and
Christian communities, Cross Cultural Management, 15(2): 162-175.
Gregory Elliott (1990) The Marketing Concept – Necessary, but Sufficient An
Environmental View, European Journal of Marketing, 24(Iss 8): 23-30
Jobber David and Lancaster Geoff (2009) Selling And Sales Management, 8th edition,
Pearson Education, UK
Kale, S.H. “Spirituality, religion and globalization”, Journal of Macromarketing, 24(2):
92-107.
Keith Robert (1960) The Marketing Revolution, Journal of Marketing, pp: 35-39.
ٖٔٔ ‫ وجية نظر إسبلمية‬،‫المفيوـ التسويقي الحديث‬

Kotler (2003) Marketing insights from A to Z, John Wiley & Sons, Inc., Hoboken, New
Jersey.
Kotler and Armestrong (2008) Principles of Marketing, 12th Edition, Pearson
Education International, New Jersey.
Kotler et al., (1999) Principles of Marketing_2nd_europian_edition, Prentice Hall
Europe.
Kotler Philip (2002) Marketing Management Millenium Edition, Tenth Edition,
Pearson Custom Publishing, Boston.
Kotler Philip (2004) Wrestling with Ethics; Is marketing ethics an oxymoron?, Journal
of Marketing management, 13(6): 30-37
Kotler, Kartajaya and Setiawan (2010) Marketing 3: From Products to Customers to
the Human Spirit , Hoboken, New Jersey.
Lancaster and Massingham (2011) Essentials of Marketing Management, Routledge,
New York.
Lazer William (1969) Marketing's Changing Social Relationships, The Journal of
Marketing, 33(1), (Jan.): 3-9.
Mahabub Alom and Shariful Haque (2011) Marketing An Islamic Perspective,
World Journal of Social Sciences, 1(3), July 2011, : 71-81
Martine Bechtold et Jean-René Loubat (2010) L'éthique en temps de crise , Revue
Française du Marketing - Mars- N° 226 - 1/5.
Muhammad Arham (2010) Islamic perspectives on marketing, Journal of Islamic
Marketing, 1(2): 149-164
Payne Adrian (1988) Developing a Marketing-Oriented Organization, Business
Horizons, (May/June): 46-53.
Philips charls (1941) A Critical Analysis of Recent Literature Dealing with Marketing
Efficiency, The Journal of Marketing, 5(4), Apr, : 360-365.
Pride William M. and Ferrell O.C. (2000) Marketing, Concepts and Strategies,
Boston, Houghton Mifflin Company,
Rice, G. (1999) Islamic ethics and the implications for business, Journal of Business
Ethics, 18 : 345-58.
Russell Edward (2010) The Fundamentals of Marketing, AVA Publishing SA,
Lausanne.
Saeed, Md., Ahmed, Z.U. and Mukhtar (2001) International Marketing Ethics from an
Islamic Perspective: A Value-Maximization Approach, Journal of Business
Ethics, 32: 127–142
Saji and Mukundadas (2007) Corporate Societal Marketing and the Process of
Building Corporate Brand Equity: The Case of Malayala Manorama,
International Marketing Conference on Marketing & Society, 8-10 April, IIMK,
: 507-511.
Salamah and Ruzita (2007) A Survey on the Objective of the Firm and Models of
Producer Behavior in the Islamic Framework, Journal of King Abdulaziz
University: Islamic Economics, 20(2): 3-16.
Shankar Avi et al (2006) Heaven knows I’m miserable now, Marketing Theory, 6(4):
485-505 .
Shapiro Benson (1973) Marketing for Nonprofit Organization, Harvard Business
Review, (September-October): 123-132.
‫طارؽ بمحاج‬ ٔٔٗ
Shaw Arch (1915) Some Problems in Market Distribution, Harvard University Press.
Svensson Goran (2005) The spherical marketing concept, European Journal of
Marketing, 39(1/2): 5-15.
Theodore Levitt (1975) Marketing Myopia, Harvard Business Review.
Thomas powers (1991) Personal selling in the early twentieth century: From
America's. Darling to it’s scapegoat, Proceedings of the Fifth Conference on
Historical Research in Marketing and Marketing Thought, Kellogg Center of
Michigan State University.
Vandercammen Marc (2002) Marketing: l'essentiel pour comprendre, décider, agir,
De Boeck Supérieur, Bruxelles.
Varey Richard (2011) A Sustainable Society Logic for Marketing, Social Business,
1(1): pp: 69-83.
Venkatesh A. and Peñaloza L. (2006) From Marketing to the Market: A Call for
Paradigm Shift, in Does marketing need reform? : fresh perspectives on the
future, edited by Jagdish N. Sheth & Rajendra S. Sisodia, M.E. Sharpe, Inc, New
York
William L. Wilkie and Elizabeth S. Moore (2007) What Does the Definition of
Marketing Tell UsAbout Ourselves?, Journal of Public Policy & Marketing,
26(2) Fall 2007, : 269–276
ٔٔ٘ ‫ وجية نظر إسبلمية‬،‫المفيوـ التسويقي الحديث‬

The Modern Concept of Marketing,


An Islamic Perspective

Tarek Belhadj
Assistant Professor
Institute of Commercial Sciences and Management
University Centre Mila- Algeria

Abstract. In this article, we have discussed the main stages


undergone by the marketing thought until it arrived to its
modern concept. And by sitting those stages in consideration
and analysis, we provided some critical comments. We have
tried through which to highlight an important feature in the
modern marketing system, which is the change of concepts and
principles based on, depending on the economic and social
transformations witnessed by the Western societies and crises
experienced by the capitalist system. This what makes it - from
our point of view - lacks the consistency and stability. From
that, we have tried to provide an Islamic perspective on
marketing, based on the fixed principles of justice and equity,
and on general assets find its firm roots in the spiritual, ethical
and legislative values of our religion, where we have suggested
a definition of the concept of Islamic Marketing.

You might also like