Professional Documents
Culture Documents
SSRN Id3067887
SSRN Id3067887
طارق بلحاج
أستاذ مساعد
معهد العلوم التجارية والتسيير
المركز الجامعي – ميلة -الجزائر
t.belhadj@centre-univ-mila.dz
79
مقدمة
إن ظهور إطار للفكر التسويقي كان في بداية القرن العشرين من األدبيات التي
أسسها االقتصاد الكالسيكي والتي وجدت الدعم في الرأسمالية الصناعية القائمة
على السوق الحرة آلدم سميث ومبدأ "دعه يعمل دعه يمر" و"اليد الخفية" كآلية
للتحكم والرقابة ،إضافة إلى النظرة المادية التاريخية التي طبعت الفكر الماركسي،
وكذلك مفهوم ماكس ويبر عن الرجل االقتصادي العقالني ،ومبدأ داروين في البقاء
لألصلح ،كل هذه المعاني خلقت العلمانية ،والقيم المحايدة ،التي أدت إلى إنتاج
مجتمع مغرق في المادية ،يسعى لخدمة المصالح الذاتية بتعظيم الثروات واشباع
الرغبات ) ،(Mahboub and Shariful, 2011, 71-72غير أن هذا الفكر التسويقي
شهد تغي ار وتطو ار بشكل مستمر وفق مراحل متعددة ،حيث اختلفت الفلسفات
والمفاهيم الموجهة له في كل مرحلة نتيجة التغير في البيئة الداخلية والخارجية
لمنظمات األعمال لتصل إلى المفهوم التسويقي الحديث ،وخالل األزمة المالية
العالمية األخيرة واجه التسويق انتقادات أخالقية واجتماعية حادة ،حيث عجز
المفهوم التسويقي الحديث بامتداداته المجتمعية عن التعامل بإيجابية مع هذه
األزمة التي أفرزها النظام الرأسمالي ،نظام اقتصاد السوق ،وانطالقا من تلك
االنتقادات فقد نادى كثير من الكتّاب بضرورة إعادة النظر في اتجاهات وممارسات
التسويق واعطاءها أبعادا أخالقية وقيمية أكثر من البعد المجتمعي والبيئي ،غير
أن أهم ما يواجه هؤالء هو انعدام المرجع الراسخ واألصل الثابت الذي يبنون عليه
تلك األبعاد ،إن هذا البحث يحاول إلقاء الضوء على واحدة من أهم المشكالت
صناع القرار في المؤسسات االقتصادية ،وهي مشكلة أخلقة التسويق التي تواجه ّ
وحسن استغالل تقنياته المتعددة في تحقيق الصالح العام ،وفي ظل تخبط النموذج
الغربي بحثا عن الحلول الوضعية يبرز دور اإلسالم بضوابطه وأخالقياته في بعث
نظام تسويقي متكامل يحقق رشادة القرار التسويقي ويضمن عدالة العالقة بين
المنتج والمستهلك في ظل احترام مصالح المجتمع ،من هنا تأتي أهمية دراسة
المنظور اإلسالمي للتسويق.
* الباحث يشكر المحكم الكريم الذي نبهه إلى ضرورة التفريق بين التسويق كمفهوم والتسويق
كممارسة ،كما يشكر له مالحظاته التي أفاد منها ،ويبقى ما في البحث من قصور مردودا
على صاحب البحث.
(الشنواني2000 ،م ،)27 ،والجدير بالذكر أن هذه الفلسفة أو طريقة التفكير لم
تكن واحدة على مر الزمن ،وانما كان هناك انتقال من فلسفة ألخرى كنتيجة
للتغيرات التي عرفتها منظمات األعمال في المجتمعات المتقدمة.
لقد قدم ) (Keith, 1960أول دراسة تحليلية لتطور التسويق كفلسفة أعمال من
خالل مؤسسته التي كان يشتغل بها حيث ميز بين أربع مراحل ،في حين يرى
بعضهم ) (Pride and Ferrell, 2000أن هذه المراحل تتحدد في ثالث كما يلي:
مرحلة التوجه اإلنتاجي ،التوجه البيعي ،ثم مرحلة التوجه التسويقي.
غير أن الذي استقرت عليه أدبيات التسويق هو التقسيم الذي قدمه )(Kotler
خالل فترة السبعينات حيث أضاف مرحلتين لصيقتين بكل من المرحلة األولى
والثالثة هما :مرح لة التوجه بالمنتوج وهي امتداد لمرحلة التوجه اإلنتاجي ،ومرحلة
التوجه المجتمعي وهي امتداد لمرحلة التوجه التسويقي ).(Kotler, 2002
أوال :المفهوم اإلنتاجي :لقد ساد هذا المفهوم منذ منتصف القرن التاسع عشر
حتى الربع األول من القرن العشرين ،حيث كانت المنظمات التي مرت بمرحلة الثورة
الصناعية تعمل في ظل منافسة محدودة وسوق تهيمن عليه قوة المنتجين ،أين
تطغى مشكلة اإلنتاج على تفكير القائمين بالنشاط في تلك المنظمات ،لقد كانت
إمكانات اإلنتاج قاصرة عن إشباع حاجات السوق ،وفي ظل االعتقاد السائد بصحة
الفرض االقتصادي المعروف آنذاك بقانون ساي للمنافذ الذي ينص على أن العرض
يخلق الطلب الخاص به ،كان هدف المؤسسات هو تحسين كفاءة اإلنتاج (من أجل
خفض التكلفة) والتوزيع (إلتاحة السلع في األسواق) ،وكان ذلك يتم في غالب
األحيان عن طريق اإلنتاج الكبير ) (mass productionوتوحيد مواصفات المنتوج
) (standard itemsمع إهمال مطلق لخيارات المستهلكين في هذا المجال
) ،(Lancaster and Massingham, 2011, p.04حيث يفترض المفهوم اإلنتاجي أن
المستهلك ليس له بد من شراء منتجات المؤسسة ولهذا لم يكن مستغربا أال يبذل
يسير ال يعدو تدريب رجال البيع لتصريف منتجاتهم. المنتجون إال ً
جهدا ًا
ونتيجة لذلك فقد كانت إدارة اإلنتاج هي مركز نشاط األعمال بالمنظمات ،أما
الوظائف األخرى فهي أقل أهمية كإدارة الموظفين ،والمالية ،والبيع .هذه األخيرة
كان ينظر إليها بوصفها "نشاطا ثانويا يسمح بتدفق السلع نحو المستهلكين"
).(Demeure, 2008, p.03
ثانيا :مفهوم المنتوج :عرفت هذه المرحلة ظهور المنافسة بين المنتجين إذ لم
تعد األسعار المغرية المتأتية من تخفيض تكاليف اإلنتاج قادرة لوحدها على جذب
المستهلك ،مما دفع المنتجين إلى البحث عن وسائل أخرى لجذبه مثل تطوير
مواصفات السلع ،وعلى هذا األساس قام المفهوم المتعلق بالمنتوج ،والذي يفترض أن
المستهلكين يختارون المنتجات والخدمات ذات الجودة العالية واألداء الجيد ،ما يعني
أن المؤسسة عليها في ضوء ذلك أن تتبنى استراتيجية لتطوير منتجات ذات جودة
متميزة ،و تحسينها من حين آلخر ) ،(Vandarcammen, 2002, p.26وبعبارة أخرى
فإن تفكير اإلدارة في المنظمات التي تتبنى هذا المفهوم يتمثل في أنه إذا قام الفنيون
ٍ
مرض فنّيا فإن مهمة رجال البيع تكون سهلة والمهندسون بتصميم المنتوج على نحو
أو باألحرى ثانوية على اعتبار أن "المنتوج الجيد يبيع نفسه" ).(Payne, 1988, p.03
فالتوجه بهذا المفهوم قد يقود إلى بعض النجاح ولكنه في نهاية األمر سيؤدي
بالمؤسسة إلى الوقوع فيما سماه )" (Levitt Theodoreقصر النظر التسويقي" حيث
بين أن الشركات التركيز على خصائص المنتوج بدل احتياجات المستهلكين ،فقد ّ
التي تعرف مجال نشاطها تعر ًيفا ضيقا من منظور منتجاتها أو منظور التكنولوجيا
التي تنتج تلك المنتجات ستواجه خطر الزوال حتى ولو كانت حاجات المستهلك
التي تستهدفها تتميز بنمو مطرد ،وسيكون ذلك النمو في صالح الشركات التي
تعرف نشاطها وفق حاجات المستهلك "،إن تلك المنظمات التي تتبنى هذا المفهوم
(المنتوج) إنما ترى نفسها من خالل المرآة بدل أن تطل من النافذة على الخارج أين
يوجد المستهلكون" ).(Levitt, 1975, p.14
ثالثا :المفهوم البيعي :لقد قادت تقنيات التصنيع المتقدمة وأساليب اإلدارة
العلمية خالل هذه المرحلة إلى تحسين القدرات اإلنتاجية للمنظمات التي كانت
تسعى إلى تحقيق وفرات الحجم ) (Economies of scaleعن طريق أنظمة اإلنتاج
الكبير ،هذا اإلنتاج الكبير الذي أدى إلى اختالل التوازن بين اإلنتاج ممثال في
العرض وبين االستهالك ممثال في الطلب ،حيث عجزت أنظمة التوزيع عن التعامل
نذير ألزمة الكساد العالمي
مع فائض العرض وتصريفه في األسواق ،وهو ما كان ًا
عام 1929م ،وحيث انهارت فرضية ساي (العرض يخلق الطلب عليه) "فقد بدأ
رجال األعمال يحسون بأنه وفي ظل بيئة تنافسية ال يكفي فقط أن تكون منتجاتك
عالية الجودة واألداء ولكن أيضا يجب البحث في كيفية تصريفها ،لقد تم االقتناع
بأن السلع ال تبيع نفسها مهما كانت جودتها على األقل دون بعض الجهود البيعية
(الترويجية)" ).(Geoff and Paul, 2005, pp:10-11
تقصير
ًا وحسب ) (Thomas Powersفقد ساد االعتقاد في تلك الفترة بأن هناك
من طرف رجال البيع في القيام بما يلزم من أجل تحفيز الطلب على السلع
والخدمات ،وتم تعريف أزمة الكساد في المؤسسات على أنها مشكلة "بيع" أو
"توزيع" في المقام األول وعلى رجل البيع التغلب عليها في إطار ما صار يعرف
"بالمنافسة الجديدة" ،فمع هذا المفهوم كان هناك إيمان راسخ بأن تقنيات وأساليب
بيع مناسبة يمكنها إعادة التوازن بين العرض والطلب ،ما يعني التغلب على ظاهرة
الكساد.(Powers, 1991, p.246) .
وحتى وان شهدت هذه المرحلة نمو المنافسة بين المنتجين وتكثفها حول
قنوات التوزيع ،البد أن نالحظ أن هذه المنافسة كانت تتم انطالقا من منتجات
صنعت ابتداء ثم يحاول بيعها ودفعها إلى السوق االستهالكي ،فالمفهوم البيعي
يمكن تعريفه بأنه توجه إداري يقوم على أن المستهلك سيشتري المنتجات ذاتها
وبكمية كافية طالما أن الشركة خصصت ما يكفي من الجهود لحفز االهتمام
والطلب لدى المستهلك ،إ ًذا " فالهدف دائماً هو بيع ما تم صنعه بدال من صناعة
ما يريده السوق" ).(Kotler and Armstrong, 2008, p.10
لقد استمر هذا المفهوم البيعي حتى ستينيات القرن العشرين ،وحيث كان هناك القليل من
تشريعات حماية المستهلك فقد سقط العديد من المستهلكين فريسة لتلك التقنيات دون إنصاف
من جانب القانون ،إن الكثير من تلك الممارسات غير الشريفة التي شكلت ما اصطلح عليه
علنا،
في أدبيات التسويق بأساليب البيع العنيف ) (Agressif sellingوالتي كانت تمارس ً
أصبحت اآلن من الجرائم التي تعاقب عليها القوانين الجنائية في مختلف الدول ،لقد تحركت
قدر أكبر من التشريعات لحماية المستهلكينكثير من الحكومات خالل السبعينات وقدمت ًا
ولذلك فإنه كثي ار ما يقال إن تلك الحقبة من التوجه البي عي هي ما أعطى صورة سيئة عن
التسويق في الذاكرة الجماعية للجمهور ال تزال قائمة إلى اليوم ،ف قد كان ينظر إلى أنه من
التجاوز وصف التوجه اإلنتاجي بأنه توجه غير أخالقي ،ذلك انه أعطى للمستهلك فرصة أن
يقول "ال" ،في حين أن التوجه البيعي اعتمد على دفع المستهلكين دفعا نحو شراء منتجات قد
ال يرغبون فيها (.)Geoff & Paul, 2005, Jober and lancster, 2009
مؤسسة ) (Pillsburyأين كان يشغل منصب نائب الرئيس فقال" :إن المستهلك هو
مركز االهتمام وليس الشركة ..فالشركات تدور حول المستهلك وليس العكس ..إن
اهتمامنا تحول من مشاكل اإلنتاج إلى مشاكل التسويق ،من المنتوج الذي يمكن أن
نصنعه إلى ذلك الذي يريد المستهلك أن نصنعه ،من الشركة إلى السوق ..فالثورة
التسويقية بدأت للتو ..وسيصبح التسويق هو القوة المحفزة للمؤسسة بأسرها ،قريبا
سيأتي اليوم الذي يكون فيه هدف جميع نشاطات الشركة –التمويل ،البيع،
اإلنتاج -..هو إشباع حاجات المستهلك ورغباته ،وحين يأتي ذلك اليوم تكون
الثورة التسويقية قد اكتملت" ).(pp:35-39
تماما
وتحقيق النجاح ) ،(Russell, 2010, p.21حيث وقعت الشركات األمريكية ً
فيما عناه ) (Levittبقصر النظر التسويقي ،فمع تركيزها على تقنيات اإلنتاج
وهندسة المنتوج فشلت في مسايرة التطورات الحاصلة في رغبات وأذواق
المستهلكين ،وحيث تأكد لتلك الشركات أن اإلنتاج الجيد للسلع والترويج لها عن
طريق أساليب البيع المختلفة أصبحا غير كافيين لضمان النجاح في سوق تنافسي،
تغيير في فلسفة اإلدارة نحو تبني ما بات يعرف بالمفهوم
ًا فقد استدعى األمر
التسويقي.
لقد صور ) (Wendermanهذا التحول فقال " :أثناء الثورة الصناعية كثي ار ما
كنا نسمع المنتج يردد ،هذا ما أنتجه ،من يريد شراءه ؟ ولكن وفي عصر
المعلومات فإن المستهلك هو الذي يقول بصوت أعلى :هذا ما أرغب فيه ،هل
يمكنك أن تصنعه لي؟ " ).(Kotler, 2003, p. XII
إن المفهوم التسويقي ليس تعريفا آخر للتسويق ولكنه أسلوب تفكير أو فلسفة
إدارة ،وعندما تعتنق المؤسسة هذه الفلسفة فإنها ال تؤثر على األنشطة التسويقية
فحسب ولكنها تؤثر على جميع أنشطة المؤسسة ،أين تكون كافة الق اررات اإلدارية
مرتبطة بمدى قدرتها ونجاحها في إشباع المستهلك وتحقيق رضاه ،فالعملية
التجارية من قوة بيع ،و إشهار وترويج ...ووظائف المؤسسة األخرى كاإلنتاج،
وادارة األفراد ..كل تلك العمليات وهذه الوظائف يجب أن تنبثق عن استراتيجية
واحدة انطالًقا من رغبة المستهلك.
رغبات ال معنى لها ،المساهمة في ازدياد الهوة بين الفقير والغني ،التلوث والفساد
البيئي ،استنفاد الموارد الطبيعية ..كل هذه كانت أسبابًا كافية لتوقد النقاش حول
"دور التسويق في المجتمع" ) ،(Lazer, 1969وقد أدى ذلك النقاش إلى بروز حركات
حماية المستهلكين وجمعيات الدفاع عن البيئة والتي اعتبرها الكثيرون مؤش ار على
فشل المفهوم التسويقي ومن هؤالء ) (Peter Druckerالذي ألقى بالالئمة على
المسوقين الذين فشلوا في تطبيق المفهوم التسويقي لصالح المستهلك والمجتمع حيث
عاما على تبني
يقول " إن ظهور حركات المستهلكين بعد ما يقرب من عشرين ً
خطاب المفهوم التسويقي هو دليل على فشل تطبيق هذا المفهوم ،إن حركة
المستهلكين وصمة عار على التسويق" ) ،(1986, p.49وكتب ) (Kotler, 2004مقاال
بعنوان "الصراع مع األخالق" أشار فيه إلى أن المفهوم التسويقي "اعط الزبون ما
يريد" أثار قلق واهتمام المفكرين والباحثين إزاء الزبائن الذين يطلبون أشياء ليست في
صالحهم (السجائر والمخدرات) وعن منتجات وخدمات تسيء إلى المجتمع والى
الطبيعة مثل (المدافع والسيارات التي تنبعث منها ملوثات البيئة ،)..بينما
من أجل ذلك فقد ارتفعت األصوات وظهرت الكتابات التي نادى أصحابها
بمطالب اجتماعية جديدة على النظام التسويقي ،وفي مقدمتهم ) (Kotlerالذي قدم
فلسفة التسويق المجتمعي التي عرفها في كتابات الحقة بأنها " التوجه اإلداري
الذي يعتبر المهمة األساسية للمؤسسة هي تحديد احتياجات ورغبات األسواق
المستهدفة والعمل على تحقيق إشباعها بكفاءة وفعالية تفوق المنافسين ،ولكن
بطريقة تحافظ وتدعم التكامل بين حا جات المستهلك والمجتمع لتحقيق حياة أفضل
للجميع" ).(Kotler 2002, p.14
ولذلك سنناقش منتقدين هذا التغير المستمر في فلسفة التسويق ،وسنبين أن
طا
دائما مرتب ً
ذلك التغير هو سمة من سمات الفكر التسويقي الوضعي ،وأنه كان ً
بأزمات اقتصادية عميقة شهدها النظام الرأسمالي وال يـزال.
واذا كان التسويق نشاطا اقتصاديا واداريا فإننا نحتاج أيضا أن ننظر إليه
" كجزء ال يتج أز من السياق االجتماعي والتاريخي الذي نشأ وتطور فيه"
) ،(Venkatesh and Peñaloza, 2006, p.137وفرضيتنا في هذا اإلطار أن تطور
التسويق كفلسفة أعمال كان مرتبطا بإعادة إنتاج الرأسمالية وتجديدها ،إن
) (Brei and Böhmيدعمان ما نذهب إليه حيث يقوالن" :إن وظيفة التسويق في
ظل نظام رأسمالي هي ضمان استم اررية ايديولوجيا اقتصاد السوق ،وتوافقها مع
النسق االجتماعي والثقافي السائد ،فإن طرأت أي تحوالت على ذلك النسق -
وخاصة إن كانت تلك التحوالت تهدد أسس الرأسمالية -فإن مهمة التسويق تبقى
هي إيجاد طرق جديدة لبيع المنتجات والخدمات بما يضمن استمرار التراكم
الرأسمالي ،وفي الوقت ذاته إيجاد طرق جديدة إلضفاء الشرعية على ذلك النظام"
(.)2008, p. 12
تلك الفترة وبشكل واسع استخدام تقنيات توسيع األسواق أي "التسويق")p.18 ( ..
(وهو ما يتوافق مع حالة المفهوم البيعي).
إذن فقد كانت أزمة عام 1929م هي الباعث على التحول نحو الفلسفة
البيعية ،ومنذ ذلك الوقت وحتى نهاية الخمسينات فإن الفكر التسويقي بقي مرتبطا
بالمفهوم اإلنتاجي والبيعي ،رغم أن الكثير من الكتابات قبل ذلك بكثير ،ومنذ بداية
القرن العشرين ركزت على أهمية المستهلك وعلى ضرورة االعتراف بأن أنشطة
المؤسسة يجب أن تهدف إلى إشباع حاجاته ورغباته ،فعلى سبيل المثال (Shaw,
) 1915كتب يقول "إن مهمة رجل األعمال هي البحث عما يرغب فيه الناس
وتوفير وسائل إشباع ذلك" ) " .. (p.44إن األساس الحقيقي للتبادل هو مدى قدرة
السلعة على تلبية رغبة المشتري ،فإذا كان المشترون يحصلون على مزيد من
المتعة في مواصفات خاصة لمنتجات معينة ،فهي التي يجب أن ينتجها المصنع
بدل مواصفات يكون المشترون أقل رغبة فيها ،إنه بذلك يقدم خدمة اجتماعية
حقيقية في تزويدهم بما يرغبون فيه" )" .. (p.48إن الغرض من إنتاج السلع هو
أيضا على أن فعالية أنشطة اإلشباع وليس البيع" ) ،(p.82إن ) (Shawيؤكد ً
التسويق مرتبطة بمدى التوافق مع حاجات المستهلك " فإذا كانت السلعة المعلن
عنها ليست مهيأة لتلبية حاجة ظاهرة أو خفية لدى المستهلكين ،فإن اإلعالن عنها
لن يكون ذا فعالية تذكر ،إن محاولة بيع شيء ال أحد يحتاجه هي في حقيقة
األمر جهد ضائع" ).(p.109
وعن أهمية دراسة سلوك المستهلك كتب )" :(Copeland, 1923أولى الخطوات
التي ينبغي للشركة اتخاذها ،هي القيام بدراسة أولية لعادات المستهلكين في شراء
منتجات من قبيل ما تنتجه الشركة" (نقال عن ،)Svensson, 2005, p.08 :كذلك فإن
) (Ford and Growther, 1923يطرحان األسئلة التالية" :هل الشركة موجودة من أجل
المستهلك أم العكس؟ إذا قرر المستهلك عدم الشراء ،هل هو خطؤه أم خطأ الشركة؟
أم أنه ال أحد على خطأ ..في كل األحوال النتيجة هي إفالس الشركة ،إن نجاح هذه
األخيرة موقوف فقط على قدرتها في خدمة المستهلك فيما يرغب فيه" ) ،(p.288وفي
مقال حول كفاءة التسويق يؤكد ) (Philips, 1941أن التسويق يجب أن يهدف إلى
إشباع الرغبات اإلنسانية وأن أي دراسة حول كفاءة التسويق يجب أن تنطلق من
تلك الرغبات "إن نظامنا التسويقي سيكون ذا كفاءة فقط حينما يقدم أعلى إشباع
للمستهلك" ).(p. 360
هذه بعض األمثلة عن الكثير من الكتابات التي كانت تؤكد على الدور
المحوري الذي يجب أن يحظى به المستهلك في العملية التسويقية ،ومع ذلك فإن
طا على
الظروف التاريخية (الواقعية) لم تكن خالل تلك الفترة تشكل ضغ ً
المؤسسات لكي تسمح لحاجات المستهلك بلعب ذلك الدور في الواقع العملي ،هذه
الوضعية تغيرت فقط مع بداية الستينيات حينما واجهت الرأسمالية (خاصة في
الواليات المتحدة) أزمتها الثانية بعد أزمة الكساد الكبير ،والتي نتجت عنها انتقادات
حادة للممارسات التسويقية بلغت حد الطعن في شرعية النظام الرأسمالي برمته،
فكما قرر ) (Boltanski and Shiapello, 2005أن الرأسمالية واجهت خالل
الستينات والسبعينات أزمات مست شرعيتها ،وكان من نتائجها التشكيك في النظام
األخالقي للمجتمع الرأسمالي ،ليس فقط من طرف المتخرجين والعاملين المؤهلين
الذين وجدوا أنفسهم عاطلين على أرصفة شوارع باريس ولندن ونيويورك .ولكن
أيضا من قبل جيل جديد م ن المسيرين ،ونتيجة لتلك األزمات فإن الروح الرأسمالية
المطبوعة بقيم العمل التقليدية :اإلنتاج الكبير ،البيروقراطية اإلدارية ،التخطيط
طويل المدى ..قد تم تجديدها واستبدالها بروح أخرى متشبعة بقيم ذلك الجيل
الجديد :الحريات ،الرغبات الفردية ،المساواة.
ومن وجهة نظرنا فإن التسويق لعب دو ار حاسما في تلك العملية التجديدية أو
على األقل كان له إسهام بارز في ذلك من خالل إضفائه مز ًيدا من الشرعية
األخالقية على مؤسسات األعمال ،وباختصار فإن تحليلنا ألدبيات التسويق يظهر
أن إرضاء رغبات وحاجات المستهلك أصبح جزًءا مهما من المناقشات األكاديمية
والتطبيقات العملية فقط مع نهاية الستينات ،هذا التحول يمكن أن نفهمه كرد فعل
مباشر على االنتقادات القوية الموجهة للتسويق وللرأسمالية بصفة عامة ،حيث
دور
مست شرعيتها بعمق ،ما نود قوله أنه وخالل أزمة الستينيات لعب التسويق ًا
حاس ًما في إع ادة إنتاج النظام الرأسمالي بشرعية جديدة وبخطاب جديد يتعلق
"بإشباع حاجات ورغبات المستهلك".
ففي بحث فلسفي تاريخي توصل ) (Brei and Böhm, 2008إلى أن "هناك
افتقا ار في قلب الرأسمالية ،افتقا ار إلى المعنويات ) (Moralوالى نظام أخالقي
ومعياري من شأنه أن يضفي الشرعية على التراكم الرأسمالي ً
بعيدا عن الشكليات
التقنية للطلب والعرض وتوليد األرباح ،ولذلك فالرأسمالية بحاجة كأي نظام اجتماعي
واقتصادي إلى هذه الشرعية من أجل إعادة تجديد ذاتها في مواجهة حدود الزمان
والمكان" ) ،(p.10وفي رأيهما فإن فترة الستينات قد شهدت تحوالً حاسما في الطريقة
التي تضفي بها الرأسمالية الشرعية األخالقية على نفسها ،حيث كتبا "إن التغيير في
الخطاب التسويقي ما بين 1960و1970م يظهر طريقة تكيف الرأسمالية مع
الظروف المتغيرة ،حيث كانت مهمة التسويق هي إيجاد طرق جديدة من أجل بيع
المنتجات والخدمات واألهم من ذلك إيجاد أساس جديد لشرعية النظام االقتصادي
القائم ..لقد قام التسويق خالل أزمة الستينيات بهذه المهمة من خالل التأكيد على
تلبية احتياجات األفراد ورغباتهم ،لقد استطاع الفكر التسويقي إدماج القيم االجتماعية
للحركات المناهضة والمنتقدة عن طريق إعادة تشكيل وتعريف المنتجات والخدمات
تعبير عن الرغبات الفردية ..لقد بدأ عصر سيادة الفرد ورغباته ،إنها روح
ًا بوصفها
جديدة ،لقد تم التغلب على تلك األزمة بروح جديدة من الرأسمالية من شأنها أن
تجعل الناس يذهبون إلى المحالت التجارية مرة أخرى" ).(pp:10-12
غير أن تلك الروح الجديدة ما لبثت أن واجهت أولى العقبات مباشرة في
منتصف السبعينات حيث دخل النظام الرأسمالي في أزمة دورية أخرى فريدة من
نوعها مزجت بين خصائص الكساد والتضخم حتى عرفت باسم أزمة التضخم
الركودي ،وقد أدى اتساع نطاق األزمة وشدتها إلى انخفاض معدالت النمو
االقتصادي في البلدان الرأسمالية والى مزيد من انهيار القدرة الشرائية للمستهلكين
وانتشار البطالة ،لقد كانت أصابع االتهام موجهة إلى المؤسسات الرأسمالية الكبرى
وممارساتها التسويقية غير األخالقية كانغماسها بعمليات المضاربة في البورصات
العالمية ،وعمليات غسيل األموال ،والتجارة المحرمة ،والتنصل من المسؤولية
االجتماعية ..وبالتزامن مع ذلك نمت جمعيات الدفاع عن حقوق المستهلكين
ومنظمات حماية البيئة والتي رأت "أ ن موارد المجتمع يتم استنزافها ،وأن البيئة التي
يحيا فيها اإلنسان يجري العبث بتوازنها ،وحتى السلوك االستهالكي أصبح أكثر
إغراقا في المادية والفردية ،دون اهتمام بعواقب ذلك على المجتمع" )Saji and
.(Mukundadas, 2007, p.507
كل ذلك كان له آثار واسعة في مجال التسويق حيث قاد إلى مناقشات حادة
بين الممارسين والمنظرين حول كيفية الرد على تلك االتهامات ،وحسب )Arnould
(and Fisher, 1996فقد أسفرت هذه المناقشات عن مجموعات واسعة من الردود
(Lazer), كان أبرزهم أصحاب النزعة االجتماعية أمثال )(Levy), (Kotler
(Zaltman),الذين ركزوا على تآكل قيمة التسويق في المجتمع مما يلزم توسيع
ردا على حركة االنتقادات نطاقه واالعتراف ببعده االجتماعي ،وقد كان ذلك " ً
االجتماعية التي نزعت الشرعية عن النظام الرأسمالي في تلك الفترة".
لقد جاءت هذه التغيرات نحو أهمية المجتمع ورعاية مصالحه (المفهوم
جنبا إلى جنب مع إعادة تحديد نطاق التسويق وتوسيع حدوده
المجتمعي للتسويق) ً
ليشمل المنظمات غير الساعية للربح (التسويق االجتماعي) ،وعلى الرغم من أن
بعضهم عارض هذا التوسيع إال أنه أضحى جزًءا من أدبيات التسويق المتفق عليها
مع نهاية السبعينيات ،إن ) (Lazerيدافع عن هذا التوسيع من خالل التأكيد على أن
نقد التسويق كان بسبب افتقاره إلى المساهمة في حل المشاكل االجتماعية ووفقا له
فإن التغيرات في نطاقه البد منها لتبرير دور التسويق في استم اررية النمو
االقتصادي ،وقبل ذلك ،في إضفاء الشرعية عليه في هذا المجال كوظيفة من شأنها
أيضا أن تنظر في "أهداف المجتمع" ).(Lazer 1969, pp:3-9
ً
دائما في تغير مستمر وأن
وخالصة األمر أن الفلسفة التسويقية كانت ً
األزمات االقتصادية التي مر بها النظام الرأسمالي كانت سببا مباش اًر في ذلك
ئيسيا في ضمان استم اررية شرعية الرأسمالية،
دور ر ً
التغير ،ذلك أن التسويق لعب ًا
تحديدا
ً دائما وال زالت تحت تهديد مستمر،
والشيء الثابت أن هاته الشرعية كانت ً
ألن مفهوم التسويق كنظام اقتصادي واجتماعي سليل للرأسمالية ،يعاني من
االفتقار ) (Lackingفي األسس التي يقوم عليها ،لقد ثبت في واقع الحال أن تبني
التسويق الحديث فلسفة وأداء وان لعب دور مسكن لأللم إال أنه لم يوقف تكرر
األزمات االقتصادية ومعاودتها بشكل دوري ،فها هي األزمة األخيرة –أزمة الرهن
العقاري -تضرب االقتصادات الرأسمالية لتذكرنا مرة أخرى بافتقار ذلك النظام
بمختلف أدواته -ومنها التسويق -للثبات واالستقرار ،حيث أدت تلك األزمة كما
قرر )" (Martine et Loubat, 2010إلى موجات جديدة من المتطلبات األخالقية،
فضحاياها هم من الفئات التي تضررت حديثا من التجاوزات األخالقية للشركات
والمؤسسات ..،إننا نعتقد أن الخروج من األزمة يجب أن يحمل أبعادا أخالقية
جديدة" ) ،(p.04وكذلك كتب ) (Varey, 2011بعد األزمة مقاال أنحى فيه بالالئمة
على النظام الغربي الذي يقوم حسب رأيه على سيادة المنفعة الفردية ودافع الربح
المادي الخالص ،حيث ركز في تحليله على نقطتين :أن النظام الحالي يسعى
أكثر م ن أي وقت مضى إلى توسيع النزعة االستهالكية واإلنتاجية غير المستدامة
وسوف ينهار في نهاية المطاف ،وأن هناك حاجة ضرورية إلى نظام جديد يقوم
على أساس واحد وهو مفهوم "تسويق الرفاه االجتماعي" ،حيث يكون دور التسويق
هو تعزيز االستدامة وليس زيادة النمو ،وتوفير الحاجات وليس مجرد البيع،
وبالنهاية فإنه يدعو إلى إعادة صياغة دور التسويق في المجتمع .
وتبعا لذلك فقد برزت إلى السطح مفاهيم جديدة لتقوم بذات الدور الذي قامت
به المفاهيم السابقة ،ومنها :التسويق اإلنساني ،التسويق األخالقي ،التسويق
بالقيم ،..والتي لن نكون مغالين إذا تنبأنا بفشلها ،ذلك "أن الخاصية النفعية
والمصلحية التي تقوم عليها عملية المبادلة* والتي يتميز بها المفهوم التسويقي في
شكله التقليدي والحديث والمطور قد جعلت التسويق يخفق بل يعجل في حصول
مثل هذه األزمات ..،لقد عجز المفهوم التسويقي الحديث والمطور عن التعامل
بإيجابية مع األزمات الدورية التي يفرزها النظام الحر ،نظام اقتصاد السوق ،في
كل مرحلة من مراحل تطوره ،بل لقد كان لهذا المفهوم دور المغذي لألزمة المالية
* هذه الخاصية ليست محض فرية ولكنها واضحة في كتابات الكثير من الباحثين حيث يفترض
الفكر التسويقي الوضعي أن السعي وراء المصلحة الذاتية هو الدافع األساسي للتبادل والتعامل
بين المنظمات وجمهورها ،فهذا ) (Bagozziيقرر بوضوح دافع المصلحة الذاتية في سياق
موضحا طبيعة العالقة بين األطراف المتبادلة " ..إن األفراد والجماعات
ً التسويق ،عندم ا كتب
والشركات يسعون لتحقيق المصلحة الذاتية وهذا هو ما يعنيه آدم سميث حين أشار لليد
الخفية ..إن التبادل والسعي وراء المصالح الشخصية هو األساس في العالقات داخل األسرة
وبين المؤسسات االقتصادية واالجتماعية" ) ،(1975A, p.34وفي مقاله "التبادل االجتماعي في
التسويق" كتب أيضا " :إن نموذج التبادل االقتصادي مبني على مبدأ النفعية الذي يعني أن
األفراد يسترشدون في سلوكي اتهم بالمصلحة الذاتية وفقط بالمصلحة الذاتية ،فالمعايير والقوانين
والقواعد االجتماعية هي أشياء مصطنعة ..هذه المقاربة تفترض أن الجهات المتبادلة تسعى
لتحقيق أكبر إشباع من خالل المبادلة ،المؤسسة تراه أقصى ربح ممكن ،في حين أن الفرد
يسعى ألكبر منفعة ممكنة" ) ، (1975B, p.316هذا التسليم يدافع عنه أحد أقطاب الفكر
التسويقي ) (Shapiro, 1973الذي يؤمن هو اآلخر بالدور المركزي لمفهوم المصلحة الذاتية في
التسويق فيقول "لن أكلف نفسي عناء مناقشة هذا المفهوم ،حيث يمكن أخذه كأمر مسّلم به"
) ،(p.124وكذلك )" (Doyle, 2010إن البائع والمشتري بطبعهما = = مدفوعان نحو مصالحهما
الذاتية ..فسلوك الجهات الفاعلة بالمشاركة أو عدم المشاركة في عملية التبادل يمليه النظر
إلى مصالحهم الخاصة قبل مصالح اآلخرين ،هذا إذا كانوا يأخذون أصال مصالح اآلخرين
بعين االعتبار" ).(p. 264
الراهنة ،كما كان لمفهوم التسويق التقليدي دور الموقد لألزمات االقتصادية السابقة،
لما يقوم عليه هذا التسويق في -شكله التقليدي والحديث والمطور -من مرتكزات
نفعية ومصلحية ،وان بدت في مفهومه الفلسفي الحديث معاني الترويج لتبادل
المنافع والحرص على تحقيق مصلحة أطراف المبادلة ،البائع من جهة ،والمشتري
من جهة ثانية ،والمجتمع من جهة ثالثة" (مرداوي 2009م.)14- 12 ،
ومن خال ل التحليل السابق يمكن أن نخلص إلى أن جميع المفاهيم التسويقية
الوضعية لم تقم على عقيدة أو مذهب فكري أو مبدأ أخالقي في األساس ،وانما
كانت نتاجا للواقع التاريخي الذي أشرنا إليه واستجابة لتقلبات الظروف واألحوال،
وأن تطور الفلسفة التسويقية كما قدمناه يشير إلى افتقار النظام التسويقي الوضعي
إلى خاصية هامة وهي الثبات واالستمرار ،حيث أن مفهوم التسويق بكافة مراحله
قد نشأ في ظروف وبيئات معينة وليس وفق أسس ثابتة ،فهو إذن ال يصلح -
حسب رأينا -للتطبيق إال في تلك الظروف والبيئات ،أضف إلى ذلك أننا نلمح في
ثنايا تلك الفلسفة تخبطا في تحديد محور النشاط التسويقي ،من خالل تعدد
األطراف ذات الصلة بالعملية التسويقية من منتج ومستهلك ومجتمع واختالف
أهداف كل طرف ،حيث أدى هذا التعدد وذلك االختالف إلى تعارض مصالح تلك
األطراف ومحاولة كل منها تغليب مصلحته مع كل مفهوم من مفاهيم التسويق بدءا
بالمفهوم اإلنتاجي ومرو ار بالمفهوم التسويقي وانتهاء بالمفهوم المجتمعي.
تلك كانت بعض األسباب التي حدت بالكثير من علماء التسويق الوضعي –
كما رأينا -إلى التأكيد على أن هناك حاجة إليجاد نموذج جديد ،وان لم يتم التعبير
بصورة كاملة عن الصيغة التي قد يأخذها ذلك النموذج ،وهذا ما يوصلنا إلى اقتراح
ومناقشة نموذج التسويق اإلسالمي من أجل استحداث مفهوم جديد يمكن أن يشكل
أساسا لممارسات تسويقية مستندة إلى قيم وأخالقيات اإلسالم الراسخة والى قواعد
فلسفته المعنوية الثابتة.
العميقة في العدالة االجتماعية واالقتصادية والبيئية ...إنهم يتطلعون إلى الوفاء ليس
فقط بحاجاتهم المادية والعاطفية ولكن أيضا بحاجاتهم الروحية من خالل المنتجات
والخدمات التي يختارونها" ).(Kotler et al., 2010, p. 04
وفي الواقع فإنه ال يوجد معتقد ديني منفصل تماما عن واقع األنشطة اليومية
للبشر ،السياسية منها واالجتماعية واالقتصادية " ،فالعالقة بين الروحانية والحياة
االقتصادية ال يمكن تجاوزها ..إن الروحانية والدين جزء ال يتج أز من األنشطة
ورد هذا الكالم في محاضرة ألقاها فيليب كوتلر بالمملكة العربية السعودية وهو يقدم معالم
نظريته الجديدة في التسويق ،انظر صحيفة االقتصادية ،العدد 6209يوم االثنين 03ذو
القعدة 1431هـ الموافق 11أكتوبر 2010م.
االقتصادية" ) ،(Kale 2004, p.97وكذلك فإن أثر التدين على السلوكيات التسويقية
هو أثر واقعي ،ذلك أن العديد من الناس يستمدون األحكام الصادرة عن صواب أو
خطأ أعمالهم من مصادر دينية ويبنون فلسفتهم األخالقية الشخصية عليها
) ،(Anusorn, et al., 2000وبالمثل فإن التعاليم اإلسالمية تشمل جميع العمليات
االقتصادية ،هذه التعاليم تنبع من مصدرين هما :القرآ ن الكريم والسنة القولية
والفعلية الموثقة عن الرسول صلى هللا عليه وسلم ،إن وجهة النظر اإلسالمية في
هذا الصدد ،تجد جذورها الراسخة في مبادئ العدالة واإلنصاف ،حيث توفر السبل
والوسائل الكفيلة بخلق القيمة ورفع المستوى المعيشي لألفراد من خالل النشاط
التجاري الملت زم بتلك المبادئ ،والجدير بالذكر أن معالجة اإلسالم لهذه القضايا
تماما ،وخاصة في هذا الجانب من النشاط البشري وذلك بما يلي
متميزة عن غيرها ً
):(Saeed et al., 2001, p.128
أوالً :أن اإلسالم ال يعترف بأي انفصال بين األبعاد الدنيوية والروحية ،ذلك
أن الفرد في هذا اإلطار يسعى إلرضاء ربه من خالل اتباع أوامره واجتناب نواهيه
التي تتخلل جميع جوانب األنشطة الحياتية (الدنيوية) لهذا الفرد.
ثانيا :أن كل سعي إنساني بما في ذلك النشاط االقتصادي يشكل جزًءا من
عقيدته الدينية انطالقا من علة وجوده كمخلوق في هذه األرض ،وبعبارة أخرى فإن
كل شيء يقوم به اإلنسان يجب أن ينبثق عن إيمانه بوظيفته كعبد لخالق واحد.
ثالثا :في اإلسالم ،يعتبر كل نشاط تجاري (بما في ذلك التسويق) على قدم
المساواة مع أي شكل آخر من أشكال العبادة.
ويترتب على ذلك أن كل فرد في حي اته كلها يعتبر مسؤوال عن جميع أنشطته
في الحياة أمام هللا تبارك وتعالى ،وبالنظر إلى أن المعامالت التجارية هي جزء ال
يتج أز من حياة الناس اليومية فإن اإلسالم ينظر إليها على أنها أعمال يجب أن
تؤدى وفًقا للقوانين والتعاليم التي جاء بها.
الثابت :هو ماله خاصية الثبات ،وهي تلك القواعد االقتصادية المستنبطة من
الكتاب الكريم والسنة النبوية ،وهذا ما يطلق عليه " المذهب االقتصادي "أي األصول
َّللاُ
َح َّل َّ
والثوابت التي ال تقبل التغيير وال التبديل ،مثل تحريم الربا في قوله تعالى ﴿ َوأ َ
الرَبا﴾ (البقرة ،)275:فهي صالحة لكل زمان ومكان ،وال تختلف من بيئة الب ْي َع َو َح َّرَم ّ
َ
إلى أخرى وهذا الثبات ال يعني أن هذه األصول العامة للفقه االقتصادي جامدة ال
تسع ما يستجد من األمور ولكن هذا فقه ثابت في أحكامه لما هو معروف فقط من
المعامالت ،أما ما يستجد أو يتطور فستكون له أحكامه التي ستدخل ً
أيضا في هذا
الجزء الثابت.
المتغير :هو ماله خاصية التطور ،وهو البناء الذي يقوم على أساس األصول
الثابتة ،أي تلك الممارسات العملية والحلول االقتصادية التي توصل إليها المجتهدون
تطبيقا للمبادئ السابقة ،وهي ما يطلق عليها "النظام االقتصادي" وهي من المتغي ارت
التي تتبدل باختالف الزمان والمكان ،وبتغير البيئات والظروف التي تط أر من آن إلى
آخر ويدخل تحت هذا ما يتعلق باألدوات التي يمكن أن يعمل بها اقتصاد "يسير
وفق النهج اإلسالمي ،هذه األدوات تخضع للتقدم المعرفي لإلنسان كما تخضع
لطبيعة االقتصاد وتطوره ،فالدين اإلسالمي إذن لم يترك أم ار من أمور الدنيا
واآلخرة إال وجعل له المبادئ العامة التي تحكمه ،هذه األخيرة ال تتضمن أحكاما
تفصيلية وانما ترك هللا للناس تحديدها رحمة بهم ،حتى تتفق وظروفهم* ،ولتظل تلك
المبادئ صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان ..فاألعمال الجزئية كأنشطة التسويق
المسوق جعل لها أحكاما عامة تضبطها في مختلف مراحلها" (إبراهيم،
ّ ومهام
2005م.)24 ،
إذن وانطالقا من القواعد الثابتة والحلول المتغيرة التي تحكم النشاط التسويقي
وفق التصور اإلسالمي ،يمكن أن نقرر أن الفلسفة التي يقوم على أساسها التسويق
اإلسالمي تستند إلى طبيعة هذا الدين كنظام كامل للحياة يحدد لإلنسان أهدافه
* قد يعترض بعضهم بأن هذا التغير هو ما انتقدناه عند الحديث عن النظام التسويقي الوضعي،
والجواب أن البون واسع بين هذا وذاك ،فالتغير والتبدل الذي اعتبرناه سمة للفلسفة التسويقية
الوضعية إنما كان يمس جوهر النظام باألساس ناهيك عن أن الدافع نحو التغير لم يكن حفظ
مصا لح المجتمع (أفرادا وجماعات) بقدر ما كان الدافع هو تعزيز الهدف النهائي لذلك النظام
وهو تعظيم األرباح ،فحفظ مصالح المستهلك والمجتمع في الظاهر ما هو إال وسيلة نحو
تحقيق ذلك الهدف ،يقول أحدهم " إن هدف التوجه بالمستهلك (المفهوم التسويقي) هو زيادة
كفاءة المبيعات ،ف إشباع المستهلك هو وسيلة فقط لبلوغ هدف الشركة في الربح ،وذلك ال
يتطلب بالضرورة حماية لرفاه المستهلك" ( ،)Bell & Emory 1991, p.39أما التغير في ظل
النظام اإلسالمي فإنه ال يمس القواعد والمرتكزات (الثوابت) بل يمس الوسائل واألدوات التي
تقود إلى تحقيق غايات ال نظام الثابتة ومنها حفظ مصلحة الفرد والمجتمع معا ،إن هذه
المصلحة هي هدف ثابت وليس وسيلة تتبدل وتتغير.
األساسية ووظيفته في هذا الكون ،وكما ذكر محمد بهجت (1994م) فإن أهداف
النشاط االقتصادي تتمثل في اآلتي:
( )1ابتغاء الدار اآلخرة :وذلك ال يتحقق إال برضا هللا عز وجل والذي ينتج
بدوره عن االلتزام بأوامره واجتناب نواهيه ،وهو ما جاءت الشريعة اإلسالمية لتوضيحه.
( )2تحقيق عائد للفرد من خالل استثماره ألمواله ،وتملكه لعناصر اإلنتاج،
بما يضمن له ولمن يعول حياة إنسانية كريمة.
( )3اإلحسان من خالل المال الذي أعطاه هللا إياه باإلنفاق منه على اآلخرين
وعلى المحتاجين ونشر دعوة هللا في األرض ،واإلحسان كلمة جامعة لكل معاني الخير.
يما
هذه األهداف بجالء تام ،قال تعالىَ ﴿ :و ْابتَغ ف َ والقرآن الكريم يشير إلى
َّللاُ إلَ ْي َك َوال تَْبغ
َح َس َن َّ
َحس ْن َك َما أ ْ يب َك م َن ُّ
الد ْن َيا َوأ ْ َنص َ نس َّللاُ َّ
الد َار اآلخ َرَة َوال تَ َ اك َّ
آتَ َ
ين ﴾ (القصص ،)77:فأهداف النشاط يُح ُّب اْل ُمْفسد َ اْلَف َس َاد في األ َْرض إ َّن َّ
َّللاَ ال
التسويقي في اإلسالم ال تنحصر على تعظيم األرباح للمنتج وال على إشباع رغبات
المستهلك أو مراعاة مصلحة المجتمع بشكل يوحي بتضارب للمصالح ،ولكن
التسويق اإلسالمي يؤكد على تعظيم القيمة من خالل توليفة متوازنة بين األبعاد
المادية والروحية للحياة ،فإشباع الرغبات اإلنسانية يخضع للتوجيهات والتشريعات
اإلسالمية التي تقود إلى تعظيم رفاه البشرية في الدنيا وفي اآلخرة ،وتؤسس ألخوة
حقيقية بين جميع أصحاب المصلحة فضال عن بسط العدالة االجتماعية
واالقتصادية في كل شعب الحياة اإلنسانية (.)Mahboub and Shariful, 2011
العمليات االقتصادية بما في ذلك التسويق سواء على المستوى المحلي أو العالمي"
) ،(Saeed et al., 2001, p.138إن الشهادة وهي الركن األول من اإلسالم تشكل
مفتاح مفهوم التوحيد ،والشهادة هي االعتراف واإليمان المطلق من اإلنسان بخالقه
والخضوع إلرادته ،وبالنسبة للتسويق فإن الخضوع هلل عز وجل يعني أن جميع
أنشطة التسويق يجب أن تتوافق مع تعاليم اإلسالم ،بالطبع فإن التطبيقات التي
تتوافق مع ذلك يمكن أن تختلف وتتعدد ،ولذلك فإن المسوق المسلم عليه أن يكون
مستعدا وقاد ار على إدراج روح اإلسالم في جميع جوانب العمل التسويقي من
التخطيط إلى خدمات ما بعد البيع ).(Md Arham, 2010, p.152
ثانيا :األساس األخالقي :إذا كان بعض مفكري التسويق الوضعي يعترفون
بأن " النموذج المهيمن في التسويق والذي يقوم على مفهوم سيادة المستهلك
يفترض أن دور العملية التسويقية في طبيعته تقني وليس أخالقيا ،حيث أن الهدف
منه هو تحويل الطلب إلى إنتاج وليس الحكم على ما هو الطلب أو اإلنتاج
األفضل (أخالقيا واجتماعيا) ) ،(Crane & Desmond, 2002, p.548فإن المنظور
اإلسالمي ال يعترف بأي انفصال بين النشاط االقتصادي بصفة عامة وبين
الجانب األخالقي سواء من حيث الوسائل أو من حيث المقاصد والغايات ،فأخلقه
التسويق مفهوم مستمد من االقتصاد السياسي اإلسالمي حيث أن مفهوم األخالق
يتعين "إجراؤه على جوانب االستهالك ،اإلنتاج ،والتوزيع" (Choudhury, 2000,
) ،p.26فاإلسالم يؤمن بالميل الطبيعي لإلنسان نحو المثل العليا ومع هذا السياق
فإن نشوء نظام أخالقي تسويقي ،يمثل األبعاد الروحية الثابتة لوجود اإلنسان والتي
ال يمكن تجاهلها تماما ..وغياب تلك األبعاد يعكس انحرافات وتشوهات في طبيعة
اإلنسان وهي نتيجة للتفاعل داخل بيئة خارجية غير أخالقية تطمس مع مرور
الزمن كل تفكير عقالني وتسهل الميل نحو الممارسات الالأخالقية في التسويق
).(Saeed et al., 2001, p.130
-أنها ليست نسبية بل هي مطلقة في أحكامها ألنها تستند إلى القرآن الكريم
وتعاليمه التي ال تترك مجاال لتفسير مشتبه أو غامض من قبل الممارسين ،أين يغدو
كل واحد له قيمه وأخالقـه التي يفسرها حسب رغبته وهواه.
-أن العامل الغيبي (اآلخرة) هو حقيقة مطلقة غير قابلة للتبديل ،والتسليم
بها له أثره على مستوى الممارسة فمثال :إن جودة عملية اإلنتاج هي شيء بالغ
األهمية في أخالقيات التسويق اإلسالمي ،فالقرآن يقرر أن سالمة المنتجات
والخدمات سواء في الدرجة مع العمل الصالح ،يقول تعالى ﴿ ُكلُوا من َّ
الط ّي َبات َ
صال ًحا﴾ (المؤمنون ،)51:إن هذه اآلية تهدف إلى التأكيد على مبدأ أن اع َمُلوا َ
َو ْ
العمل الصالح ال معنى له من دون نقاء وصالح في المسائل المتعلقة باإلنتاج
واالستهالك والتسويق للمنتجات والخدمات الطيبة المشروعة ،فعمليتا اإلنتاج
واالستهالك لهما تصور مختلف تماما بالمقارنة مع الفكر الوضعي ،إن المنظور
اإلسالمي يدمج العوامل الغيبية والمعنوية في عملية اتخاذ القرار التسويقي،
"فالعمل الصالح في ميدان التسويق يعني إيجاد المنتجات وتحسين مختلف الطرق
التي تؤدي إلى انتقالها من المنتج أو البائع إلى الزبون أو المشتري النهائي أو
الصناعي ،بما يسمح له من الحصول على ما يريد وبالتالي يقوم بتلبية حاجاته من
هذه السلع والخدمات ،وفي هذا يتنافس المسوقون في السوق في إطار من األخالق
والسلوك القويم ،فاإلسالم رغب في المنافسة و دعا إلى مباشرتها برفق مع إحاطتها
بسياج من األخالق التي تمنع المسوق المسلم المنافس من الكيد للمنافسين اآلخرين،
وتعمد إيذائهم بمحاولة إخراجهم من السوق بشتى الطرق ليستأثر وحده بمغانمها"
(إبراهيم 2005م.)28 :
-إن المقاربة اإلسالمية تؤكد على تعظيم القيمة في ضوء المصلحة العليا
للمجتمع بدال من السعي األناني وراء تعظيم األرباح ،إن مبدأ تعظيم القيمة يرتكز
على مفهوم العدالة ،هذا المفهوم الذي قام العديد من الباحثين في المجال بتحليل
تطبيقاته عن طريق تصنيفها في "العمل النزيه" و"التعامل المنصف" ،فالعمل النزيه
هو األخذ والعطاء في مجال األعمال التجارية وفقا لمصلحة جميع األطراف
المعنية ،في حين أن التعامل المنصف هو الفضيلة التي تؤدي بالفرد إلى أن يكون
عادال مع نفسه ومع غيره ،وذلك باالمتناع عن إعطاء نفسه نفعا أكثر مما تستحق،
أو إعطاء غيره أقل مما يستحقون ،وكذلك باالمتناع عن تفضيل نفسه بأقل أذى
في حين يصاب اآلخرون باألذى األكبر ،هذه هي قاعدة " ال ضرر وال ضرار"،
فإذا أصبحت العدالة جزءا ال يتج أز من تفاعالت التسويق فإن جوا من الوئام
والتعاون واالعتماد المتبادل سوف ينشأ ،دون أن يكون لذلك أثر سلبي على الميزة
التنافسية للمؤسسة ) ،(Saeed et al. 2001, p.130حيث أن المنتج المسلم يسعى
لتحقيق الربح في الحدود التي وضعتها الروح اإلسالمية ،هذه الحدود تدمج المثل
العليا لإلسالم أين يصبح المنتج مدفوعا بامتثال تام لفكرة العدالة والرغبة في خدمة
المجتمع وفي هذه الحالة فإن المؤسسة تسعى لتحقيق أرباح مرضية بدل تحقيق
أقصى األرباح بالمعنى التقني ،تلك األرباح المرضية تمنح صاحب المشروع
اإلحساس بالرفاه المادي وتجعله في وضع يؤهله ألن يحافظ وأن يواصل عملية
اإلنتاج بما يبقيه في أفضل صورة تجاه المستهلكين والدولة والجمهور العام
).(Salamah and Ruzita, 2007, p.07
ثالثا :األساس التشريعي" :حرصا على أن يكون األداء التسويقي سليما يحّقق
توجهه" (مروادي
مصلحة الفرد والمجتمع ،جعل اإلسالم له ضوابط تحكمه و ّ
2009م ،)16 ،وجعل كل طرف في العملية التسويقية يخضع لها بل ومسؤوال عن
صيانتها واالمتثال لها ،ففي إطار الشريعة اإلسالمية يمكن أن نصنف مسؤوليات
رجل التسويق إلى أربع فئات ):(Saeed et al., 2001, p.135
( )1المسؤولية أمام هللا تبارك وتعالى الذي خلق البشر ووفر لهم االستفادة
من موارد الكون وذللها لهم لكسب رزقهم )2( ،مسؤولية المسوق تجاه نفسه من
خالل تحقيق الرفاه والرزق الحالل له ولمن يعيله )3( ،المسؤولية تجاه المجتمع
والتي تعني الحفاظ على حقوق المستهلكين من خالل سالمة المنتجات وطهارتها
وصيانة كل ما يتعلق بدين المستهلك أو عقله أو عرضه أو دمه و ماله)4( ،
المسؤولية تجاه الكون والبيئة التي هي المحضن المؤقت الذي منحه هللا للبشر من
أجل تسهيل وجودهم على هذه األرض.
غير أن التصور اإلسالمي ال يلقي بالمسؤولية على المسوق فقط ،فهو ال يلقيها
على طرف دون اآلخر بل يجعلها شركة بين جميع األطراف الفاعلة في النظام
التسويقي (السلطة المنظمة للسوق ،المؤسسة ،والمستهلك والمجتمع بصفة عامة) والتي
تخضع لنظام أخالقي وتشريعي واحد يحدد لتلك األطراف جميعها الصواب من الخطأ
في مجال المعاملة االقتصادية ،حيث يقوم المنهج اإلسالمي على تقويم السلوك
البشري وتهذيبه وتوجيهه بما يحقق المصلحة الفردية والجماعية.
لقد عنيت الشريعة اإلسالمية بالعالقة بين البائع والمشتري (المنتج والمستهلك)
وبالمعامالت االقتصادية بشكل عام ،فأوضحت دائرة الحالل وقاعدة الحرام التي يقوم
عليها النشاط االقتصادي لإلنسان ،منتجاً ومستهلكاً و…الخ " ،فالشريعة اإلسالمية
المستمدة من القرآن والسنة تغطي العالقات االقتصادية بين البائعين والمشترين ،بين
العاملين وأرباب العمل ،بين المقرضين والمقترضين ..علما أنه ال فرق في التعامل
مع مسلم أو غير مسلم في عين الشريعة اإلسالمية ..يجب أن يعامل كالهما بعدل
ونزاهة وانصاف" ).(Rice, 1999, p.349
والمتتبع لآليات القرآنية واألحاديث النبوية وآثار السلف يدرك مدى تلك العناية
البارزة ،التي ربطت السلوك التجاري للمسلم بشريعته الربانية ،في حين انسلخت
الخالصة
من هذه المناقشة نخل ص إلى أن مبادئ التسويق في اإلسالم تجمع بين
مفهوم تعظيم القيمة للمستهلك والمنتج وبين تحقيق العدالة في توزيع الرفاهية على
المجتمع ككل وعلى األجيال الالحقة كذلك ،إن تلك المبادئ تعنى بخلق الثروة
والقيمة ،وبرفع مستوى معيشة األفراد واشباع حاجاتهم عبر نشاط اقتصادي
منضبط بأخالق اإلسالم وتوجيهاته التي تضمن في الوقت ذاته حرية المستهلكين
والمنتجين وتزرع الثقة واالحترام فيما بينهم ،إن شريعة اإلسالم تنهى أصحاب
(الصناع والتجار )..عن أي استغالل للمستهلكين وتحت أي ظرف ،وفي
ّ األعمال
ضوء هذه الضوابط األخالقية والمسلمات الشرعية ،فإن كل نشاط تسويقي يستهدف
الخروج عليها والتنكر لها يكون نشاطاً مردوداً يرفضه النظام اإلسالمي في مجمله،
لب الرؤية اإلسالمية في
إذ هو يمس بمفهوم المساواة واألخوة اإلنسانية التي تشكل ّ
هذا الباب ) ،(Abul Hassan, et al., 2008كما أنه يمس العقيدة اإلسالمية وينال
من حقيقة ارتباطها بالشريعة وأحكامها ،وانطالقا من هذه المعاني يمكننا أن نشكل
أدبيات مستقلة من المعرفة تسمى "التسويق اإلسالمي" كمنهج واطار للنظر في
علم التسويق ،حيث يمكن أن نقترح تعريفا للتسويق اإلسالمي كما يلي:
وبالنهاية ،وعلى الرغم من أن هذا البحث هو جهد المقل ،فقد حاولنا من
خالله تقديم إطار لمفهوم التسويق في اإلسالم ،هذا اإلطار ما زال يحتاج إلى مزيد
من النقاش واإلثراء بغية الخروج بنموذج متكامل لنظرية تسويق إسالمي .وهللا
الموفق.
المراجع
أو ًال :باللغة العربية
بلحيمر ،إبراهيم (2005م) المزيج التسويقي من منظور التطبيقات التجارية اإلسالمي ،رسالة
دكتوراه غير منشورة ،جامعة الجزائر.
بهجت ،محمد عبدالمعطي (1414هـ1994/م ) أهداف المحاسبة في اقتصاد إسالمي ،مجلة
جامعة الملك عبدالعزيز :االقتصاد االسالمي ،م ،6ص ص. 30- 3 :
راغب ،حسين موسى ( 2001م) القيم والمعتقدات اإلسالمية ودورها في ترشيد الق اررات
التسويقية ،وقائع ندوة اإلدارة في اإلسالم ،المعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب ،جدة،
الطبعة الثانية.
الشنواني صالح (2000م) اإلدارة التسويقية الحديثة ،مؤسسة شباب الجامعة ،اإلسكندرية.
العربي ،محمد عبدهللا (2010م) محاضرة عامة عن االقتصاد اإلسالمي ،األزهر الشريف،
ص ،21نقال عن محمود الوادي وآخرون ،االقتصاد اإلسالمي ،دار المسيرة للنشر،
األردن .
مرداوي كمال (2008م) محاضرات في التسويق :مبادئ التسويق ،مطبعة بغيجة ،قسنطينة،
الجزائر.
مرداوي كمال (2009م) األزمة المالية العالمية خلفياتها التسويقية ،تداعياتها االقتصادية،
وحلولها اإلسالمية ،الملتقى الدولي األول حول :أزمة النظام المالي والمصرفي الدولي
وبديل البنوك اإلسالمية ،جامعة اإلسالمية األمير عبد القادر قسنطينة 7-6 ،إبريل.
Kotler (2003) Marketing insights from A to Z, John Wiley & Sons, Inc., Hoboken, New
Jersey.
Kotler and Armestrong (2008) Principles of Marketing, 12th Edition, Pearson
Education International, New Jersey.
Kotler et al., (1999) Principles of Marketing_2nd_europian_edition, Prentice Hall
Europe.
Kotler Philip (2002) Marketing Management Millenium Edition, Tenth Edition,
Pearson Custom Publishing, Boston.
Kotler Philip (2004) Wrestling with Ethics; Is marketing ethics an oxymoron?, Journal
of Marketing management, 13(6): 30-37
Kotler, Kartajaya and Setiawan (2010) Marketing 3: From Products to Customers to
the Human Spirit , Hoboken, New Jersey.
Lancaster and Massingham (2011) Essentials of Marketing Management, Routledge,
New York.
Lazer William (1969) Marketing's Changing Social Relationships, The Journal of
Marketing, 33(1), (Jan.): 3-9.
Mahabub Alom and Shariful Haque (2011) Marketing An Islamic Perspective,
World Journal of Social Sciences, 1(3), July 2011, : 71-81
Martine Bechtold et Jean-René Loubat (2010) L'éthique en temps de crise , Revue
Française du Marketing - Mars- N° 226 - 1/5.
Muhammad Arham (2010) Islamic perspectives on marketing, Journal of Islamic
Marketing, 1(2): 149-164
Payne Adrian (1988) Developing a Marketing-Oriented Organization, Business
Horizons, (May/June): 46-53.
Philips charls (1941) A Critical Analysis of Recent Literature Dealing with Marketing
Efficiency, The Journal of Marketing, 5(4), Apr, : 360-365.
Pride William M. and Ferrell O.C. (2000) Marketing, Concepts and Strategies,
Boston, Houghton Mifflin Company,
Rice, G. (1999) Islamic ethics and the implications for business, Journal of Business
Ethics, 18 : 345-58.
Russell Edward (2010) The Fundamentals of Marketing, AVA Publishing SA,
Lausanne.
Saeed, Md., Ahmed, Z.U. and Mukhtar (2001) International Marketing Ethics from an
Islamic Perspective: A Value-Maximization Approach, Journal of Business
Ethics, 32: 127–142
Saji and Mukundadas (2007) Corporate Societal Marketing and the Process of
Building Corporate Brand Equity: The Case of Malayala Manorama,
International Marketing Conference on Marketing & Society, 8-10 April, IIMK,
: 507-511.
Salamah and Ruzita (2007) A Survey on the Objective of the Firm and Models of
Producer Behavior in the Islamic Framework, Journal of King Abdulaziz
University: Islamic Economics, 20(2): 3-16.
Shankar Avi et al (2006) Heaven knows I’m miserable now, Marketing Theory, 6(4):
485-505 .
Shapiro Benson (1973) Marketing for Nonprofit Organization, Harvard Business
Review, (September-October): 123-132.
Tarek Belhadj
Assistant Professor
Institute of Commercial Sciences and Management
University Centre Mila- Algeria