You are on page 1of 3

‫التاريخ في الرواية المغربية‬

‫شهدت الرواية المغربية طفرة في عالقته ا بالت اريخ في العق ود األخ يرة‪ ،‬وه ذا ال يع ني أنه ا لم تكن له ا‬
‫عالقة بحقل التاريخ من قبل‪ ،‬بل على العكس من ذلك فق د ك انت العالق ة بين الرواي ة المغربي ة والت اريخ‬
‫عالقة وطيدة منذ بداية ظهور المحاوالت األولى في الرواية المغربية‪ ،‬ثم عادت لتتوط د من جدي د‪ ،‬ولكن‬
‫بتصور جديد ورؤية مختلفة‪ ،‬مؤكدة تلك العالقات المتشابكة والمركبة بين الرواية المغربية والتاريخ‪ ،‬فق د‬
‫قامت الرواية المغربية التاريخية بقراءة التراث السردي التاريخي برؤي ة فني ة ووعي جم الي‪ ،‬ومح اورة‬
‫مجموعة من النصوص والوقائع والشخصيات التاريخية‪ ،‬وذلك بتوظيف آلي ات النق د والتخيي ل والتأوي ل‪،‬‬
‫من أجل إنتاج نصوص جديدة تحمل دالالت جديدة تهتم بالحاضر بكل همومه ومشاكله‪ ،‬وتسهم في تجديد‬
‫الكتابة الروائية‪ ،‬فلم تكن تستهدف العودة إلى التاريخ استنساخه بشكل فج‪ ،‬وإنما من أجل إعادة إنتاج ه في‬
‫سياق مختلف ورؤية جديدة وصياغة مبتكرة خدمة للحاضر قضاياه الراهنة وأسئلته المستعجلة‪.‬‬
‫تعرف الساحة الروائي ة المغربي ة تراكم ا ملحوظ ا في م ا يتعل ق بالرواي ة التاريخي ة‪ ،‬ذل ك أن العدي د من‬
‫الروايات قد ارتبطت بالتاريخ بطريقة كلية أو جزئية‪ ،‬مما يعكس اهتماما خاصا بالتاريخ‪ ،‬واستيعابا كبيرا‬
‫للمعرفة التاريخية‪ ،‬خصوصا وأن الروائيين الذين اضطلعوا بإغناء تجربة الرواي ة التاريخي ة في الس احة‬
‫الروائية المغربية هم في أصلهم مفكرون أو مؤرخ ون‪ ،‬مم ا أدي إلى تفاع ل الموهب ة اإلبداعي ة والكتاب ة‬
‫الس ردية م ع المعرف ة التاريخي ة العميق ة‪ ،‬فنتج عن ه ذا التفاع ل مجموع ة من النص وص الروائي ة ذات‬
‫الصبغة التاريخية والقيمة الفني ة والجمالي ة المهم ة‪ ،‬وذل ك ض من اس تراتيجية إبداعي ة واعي ة ت رمي إلى‬
‫تجاوز النماذج الروائية المبتذلة والمضامين المستهلكة‪.‬‬
‫وهذا يعني أن األعمال الروائية يمكن أن تستند في بنائها إلى المكونات التاريخية والتراثية برؤي ة جمالي ة‬
‫ووعي فني خالق ومنتج‪" ،‬ومثل هذا العم ل ال يمكن أن يعت بر مج رد تقلي د محض‪ ،‬وإنم ا ه و من تقالي د‬
‫وخصوص يات الفن ال روائي بص فة عام ة‪ .‬فلم يكن من الممكن أن تظه ر – من دون تقلي د للنص وص‬
‫القديمة – روايات مثل "دون كيشوط" أو "البحث عن الزمن الضائع"‪ ،‬وفي مجال الرواية العربية لم يكن‬
‫من الممكن أن تصل رواية مثل "الزيني بركات" إلى ما وصلت إليه لوال تقليدها لألساليب القديم ة‪ ،‬حيث‬
‫تقبلها النقاد بكثير من االهتمام والحفاوة‪ ،‬فكانت بذلك عالم ة جدي دة في الرواي ة"‪ ،1‬فاالس تناد إلى الت اريخ‬
‫والتراث قد كان سببا من أسباب تجديد الرواية المغربية وتطعيما بتقنيات ومضامين جديدة‪.‬‬

‫من أهم األعمال الروائية المغربية ال تي تن درج ض من الرواي ة التاريخي ة أو رواي ات التخيي ل أو التخي ل‬
‫التاريخي أعم ال أحم د التوفي ق (ج ارات أبي موس ى – ش جيرة حن اء وقم ر ‪ ،)...‬أعم ال بنس الم حميش‬
‫(العالم ة – ه ذا األندلس ي – مجن ون الحكم)‪ ،‬ورواي ة ش عيب حليفي "زمن الش اوية"‪ ،‬ورواي ة محم د‬
‫عزالدين التازي "أنا المنسي"‪ ،‬وروايات حس ن أوري د (الموريس كي – ربي ع قرطب ة – رب اط المتن بي –‬
‫سيرة حمار)‪ ،‬ورواية س عيد بنس عيد العل وي "ث ورة المري دين"‪ ،‬ورواي ة "سرقس طة" للميل ودي ش غموم‪،‬‬
‫وغيرها من األعمال الروائية المغربية التي يضيق المجال عن ذكرها‪.‬‬
‫من أهم العناصر التي ركزت عليها الروايات التاريخية المغربية أو روايات التخييل أو التخي ل الت اريخي‬
‫األعالم واألماكن والك وارث اإلنس انية والمآس ي الجماعي ة‪ ،‬فعلى مس توى األعالم نج د أن الروائ يين ق د‬
‫اشتغلوا على مجموعة من الشخصيات التاريخية من قبيل المعز لدين هللا الف اطمي وأخت ه س ت المل ك في‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمان بوعلي‪ ،‬الرواية العربية الجديدة‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬وجدة‪ ،‬المغرب‪ ،‬رقم ‪ ،37‬سلسلة بح وث‬
‫ودراسات‪ ،‬رقم ‪ ،11‬ط‪ ،1‬ص‪.173 :‬‬
‫رواية "مجنون الحكم"‪ ،‬وابن خلدون والظاهر برقوق في رواي ة "العالم ة" لبنس الم حميش‪ ،‬والمتن بي في‬
‫رواية "رباط المتنبي" لحسن أوريد‪ ،‬وابن تومرت في رواية "ثورة المريدين" لسعيد بن سعيد العلوي‪.‬‬
‫أم ا بخص وص عنص ر المك ان فق د اهتم الروائي ون بمجموع ة من األم اكن التاريخي ة كم ا ه و الح ال‬
‫بخصوص األندلس ومدينة قرطبة في رواية "ربيع قرطبة" لحسن أوريد‪ ،‬ومدينة سرقسطة كما في رواية‬
‫"سرقس طة" للميل ودي ش غموم‪ ،‬والش اوية كم ا في رواي ة زمن الش اوية" لش عيب حليفي‪ ،‬كم ا اش تغل‬
‫الروائيون على مجموعة من الكوارث اإلنسانية والمآسي الجماعية ال تي تعرض ت له ا جماع ات بأكمله ا‬
‫كما هو الحال بالنسبة إلى مأساة الموريسكيين ومحنتهم مع محاكم التفتيش اإلس بانية بع د س قوط األن دلس‬
‫كما نجد في رواية "الموريسكي" لحسن أوريد‪.‬‬
‫تعيد الرواية التاريخية أو رواي ة التخيي ل أو التخي ل الت اريخي النظ ر في الواقع ة التاريخي ة وفي طريق ة‬
‫التفاعل معه ا‪ ،‬وذل ك من خالل ع دم النظ ر إليه ا في ح د ذاته ا‪ ،‬ألنه ا ليس ت ج وهرا‪ ،‬وال تأخ ذ داللته ا‬
‫وقيمتها إال من خالل النظر في السياق الذي كان وراء وقوعها‪ ،‬باإلضافة إلى السياق الذي أط ر الم ؤرخ‬
‫أثناء الكتابة التاريخية لهذه الواقعة‪ .‬وكل هذا يدفعنا إلى ضرورة إع ادة النظ ر في الت اريخ الح رفي ال ذي‬
‫يطمئن إلى إمكانية نقل الماضي كما هو من خالل نقل أحداثه كما وقعت‪ ،‬وذل ك من خالل توس يع ه امش‬
‫الشك‪ ،‬وتضييق‬

‫مساحة اليقين واالطمئنان‪ ،‬وذلك إعماال لمبدأ نسبية المعرفة التاريخية بسبب عالقتها الضرورية واألكي دة‬
‫بحاضر المؤرخ وطبيعة السياق السياسي واالجتماعي والثقافي الذي يؤطر عملية الس رد الت اريخي‪ ،‬على‬
‫عكس العالقة‪.‬‬
‫ثم إن االنطالق من أفكار من قبيل اعتبار التاريخ واقعة سردية أوال وأخيرا‪ ،‬وأن المعرف ة التاريخي ة هي‬
‫معرفة نسبية وليست معرفية يقينية‪ ،‬يجعل الروائي المغربي في حل من مجموعة من القيود التي يفرضها‬
‫التاريخ المحض‪ ،‬فيكون في أريحية أثناء كتابة سردية جديدة ترتاد آفاقا جديدة لم تكن متاحة أمام الم ؤرخ‬
‫التقليدي الذي تحاصره الموضوعية والحقيقة والوثائقية والتسجيلية والمرجعية‪.‬‬
‫‪  ‬أسهم التخييل أو التخيل التاريخي في توف ير أس باب التفاع ل بين الماض ي والحاض ر في الرواي ة‪ ،‬وفي‬
‫مساعدة الروائي على التمترس وراء الواقعة التاريخية من أجل تقديم مجموعة من األسئلة واألجوبة ال تي‬
‫تهم الحاضر‪ ،‬وتتطلع إلى المستقبل‪ ،‬وذلك من خالل ع رض حال ة الحاض ر‪ ،‬وبث الرس ائل إلى الجه ات‬
‫المعنية بص ورة غ ير مباش رة‪ ،‬وذل ك في إط ار تخ ييلي يس تند إلى التأوي ل من أج ل التعب ير عن الرؤي ة‬
‫الخاصة‪ ،‬وبذلك يكون التخييل التاريخي في الرواية المغربية قد أدى إلى االنفت اح على الت اريخ من جدي د‬
‫كرؤية سردية متأثرة بالحاضر وأسئلته‪ ،‬انطالقا من الوعي بالتأثير العميق للتاريخ على الحاض ر‪ ،‬فيغ دو‬
‫الهدف هو معالجة الحاضر من خالل استحضار الماضي‪.‬‬
‫فالكتابة الروائية التاريخية أو ال تي تتخ ذ من الت اريخ منهال تس تمد من ه معطياته ا تس عى في الحقيق ة إلى‬
‫إثب ات ال ذات المغربي ة والعربي ة ال تي تع اني ال تردي والتش رذم من خالل الع ودة إلى الت اريخ وال تراث‬
‫واستنطاقه بحثا عن األجوبة الحارقة ال تي تقض مض جع المثق ف المغ ربي والع ربي‪ ،‬وذل ك انطالق ا من‬
‫اعتبار أساسي مفاده أن واقعنا اليومي يتميز بارتباطه الوثيق بالموروث الثقافي والحضاري الق ديم‪ ،‬وه و‬
‫ما ألهم األجناس األدبية عموما والرواي ة خصوص ا إلى اس تثمار مجموع ة من الفن ون األخ رى من أج ل‬
‫إعادة االعتبار للتاريخ والتراث العربي المغربي‪ ،‬وهو ما انعكس بصورة واضحة على الرواية المغربي ة‬
‫التي توغلت في التفاعل والحوار مع التاريخ وال تراث الس ردي الع ربي باعتبارهم ا م رجعين ومس تندين‬
‫يمكن االستفادة منهما على مستوى المادة الحكائية‪ ،‬كما يمكن االستفادة منهما على مستوى طرائق الس رد‬
‫تقنياته‪.‬‬

You might also like