Professional Documents
Culture Documents
اقتصاد السوق والسياسات الاجتماعية
اقتصاد السوق والسياسات الاجتماعية
-يحاول البعض أن يتنصل من هذا الموضوع ،كي يبقى الطابع االجتماعي القتصاد السوق
معوماً؟ والمقصود باالجتماعي هو :مصالح أية فئة اجتماعية يجب أن يخدم في ظل وجود
مصالح متناقضة في المجتمع مستحيلة التوافق فيما بينها؟ أي بكالم آخر كيف يجري توزيع
الدخل الوطني في المجتمع؟ وفي نهاية المطاف ما هي العالقة بين األجور واألسعار؟
لذلك يبقى الكالم عن اقتصاد السوق االجتماعي بال معنى ،إذا لم يالمس أشكال الملكية التي تؤثر
على طريقة توزيع الدخل ،من هنا يصبح واضحا ً أن أي تراجع لدور الدولة وأشكال ملكيتها هو
خطوة إلى الوراء موضوعيا ً فيما يخص العدالة االجتماعية ،حتى لو كان هذا الدور من خالل ما
ينتجه من قيمة مضافة يجري حتى اآلن ليس لصالح الجماهير الشعبية ،فهذا الدور هو شرط
ضروري للعدالة االجتماعية ولكنه غير كاف إذا لم يرافقه ضرب لمواقع الفساد يسمح
بإعادة توزيع عادلة ،وغني عن البيان أن التراجع عن هذا الشرط الضروري< يطيل المسافة نحو
العدالة االجتماعية.
وهذه القضية ال يمكن أن تخرج خارج إطار الصراع االجتماعي بين األجور واألرباح ،إذن فتناسب القوى
االجتماعية والبرامج الملموسة التي تعبر عنها هي التي ستحدد مآل هذه العملية في نتائجها.
وفي حال تم تحقيق الجانب االجتماعي وتلبية حاجاته ،فستنفتح اآلفاق للعملية االقتصادية نفسها كي ترتقي إلى
مستوى أعلى نوعيا ً مما كانت عليه .وفي حال لم يتحقق ذلك ،ستدور العملية االقتصادية في حلقة مفرغة
باتجاه التباطؤ< التدريجي وانخفاض نسب النمو وتحولها إلى نسب سلبية مع ازدياد< تدهور كل المؤشرات التي
لها عالقة بالوضع المعاشي واالجتماعي<.
لذلك البد من دراسة بعض جوانب هذه العملية واحتماالتها المختلفة في ظل الخيارات واآلراء .سنتناول في
البحث المواضيع التالية:
-1مشكلة مستوى المعيشة وطرق حلها :حسب دراسة مسح دخل ونفقات األسرة 2004هناك 3.5مليون
شخص أو %30 من السكان تحت خط الفقر ،وكشفت عالقة الفقر بروابط< التعليم والنوع< الجتماعي و التوزع
الجغرافي ولكنها< لم تستطع أن تكتشف الرابط المركزي للفقر.
إن الشعبوية بعينها هي التي تطلق شعارات براقة بحجة محاربة الفقر وغيره ولكن تخفي في طياتها حين
البحث والتمحيص ديماغوجية اقتصادية تستخدم لغة شعبوية للتطمين.
إن قضية مستوى< المعيشة حين المعالجة يجب أن تأخذ بعين االعتبار النقاط التالية:
-خط الفقر المقترح دوليا ً شيء ،والحد األدنى لمستوى< المعيشة الضروري الذي يضمن الحد األدنى للكرامة
اإلنسانية شيء آخر.
ً ً
-إن قضية انخفاض مستوى المعيشة تخلق توترا اجتماعيا غير مسموح باستمراره في جو المخاطر اإلقليمية
والتي يفرضها تغير الوضع الدولي في العقد األخير ،إذا كنا نريد الحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى إرادة
المواجهة.
-المشكلة األساسية تكمن في استحالة حل قضية مستوى< المعيشة ضمن آجال منطقية تفرضها حساسية الوضع
السياسي الحالي ،دون إعادة النظر في العالقة جذرياً< بين األجور< واألرباح ،وهي قضية خرجت بالتالي من
دائرة مفهوم العدالة االجتماعية البحتة إلى دائرة األمن الوطني.
-من كثرة استخدام< مصطلح الحد األدنى لمستوى المعيشة ،تراءى للبعض أن الوصول< إليه هو هدف بحد
ذاته ،بينما المقصود أن يتحول هذا الحد األدنى إلى مقياس لدراسة مستويات المعيشة األخرى وخاصة الحد
المتوسط للمعيشة الذي يجب أن تذهب الجهود باتجاه .
-يجب أن تبحث جديا ً قضية اآلجال الضرورية لحل مشكلة مستوى< المعيشة ليس من زاوية الممكن ضمن
اإلحداثيات االقتصادية االجتماعية المشوهة الحالية وإنما انطالقا ً من الضرورات السياسية االجتماعية التي
تفرضها حدة المعركة التي تدور حول البالد وفيها ،وأعتقد أن حل هذه المواضيع يجب أن يتم حتى ضمن
آجال متوسطة فقط ال غير من 5إلى 10سنوات كحد أقصى ،فالشعوب تستحق أن تتمتع بثروات وخيرات
بلدانها وأن ال تؤجل القضية إلى األحفاد دون ضمانات حقيقية.
-إن انخفاض مستوى المعيشة يخلق سلسلة من المشاكل المشتقة منه وأولها الفساد واالنحرافات< االجتماعية
واستنزاف< قوى العمل و انخفاض اإلنتاجية وابتعاد< الرساميل عن االستثمار< الحقيقي المنتج نتيجة انخفاض
القوة الشرائية في المجتمع.
والسؤال هل لدينا حلول أخرى حقيقية وقابلة للتطبيق؟
نعم لدينا:
-ال يوجد هناك حل إال حل قضية الحد األدنى لألجور< و رفعهما< يتماشى واقتصاد السوق.
-2البطالة:
يجب تحديد مشروع< لتخفيض معدل البطالة إلى أقصى حد ممكن لتخفيض حدة التوتر< االجتماعي الذي تسببه
ظاهرة خطيرة كالبطالة.
ً
نعتقد أن هذا الموضوع< يندرج أيضا ضمن مفهوم األمن االجتماعي الذي يتطلب حله االلتزام بآجال متوسطة
المدى .فالبطالة إلى جانب كونها قوى< وثروة مهدورة فهي تخلق بؤر< توتر اجتماعي يسبب توسع دائرة
المهمشين.
فهل هناك حلول عملية واقعية للموضوع< في الظرف< الحالي؟ .إن البحث العلمي الجاد يؤكد أنه يمكن إيجاد
حلول
إن حل مشكلة البطالة يتطلب التوسع في االستثمار< وتوسيع< القاعدة االقتصادية.
-3الدعم الحكومي:
ليس هنالك دولة في العالم ال تقدم الدعم لجهات اعتبارية أو فردية ،ويخدم الدعم في النهاية أهداف سياسية
اقتصادية واجتماعية.
فالبقرة في أوروبا< تحظى بدعم يومي قدره 2.5دوالر< أما في اليابان فوضعها أحسن إذ تحظى بـ 7.5دوالر
يومياً( ،المفارقة مع حد الفقر األدنى).
أما الواليات المتحدة ذات االقتصاد الحر فتدعم مزارعيها ،وأوروبا يشكل مجموع الدعم الزراعي %30من
قيمة اإلنتاج النهائي.
إن معزوفة أن يذهب الدعم إلى مستحقيه وإلعادة النظر تحمل في طياتها خطر أن يتبخر< الدعم عن مستحقيه
وغير مستحقيه.
إن سياسة الدعم يجب أن تعتمد على فكرة أن الدولة ال يجب أن تقوم بدور الجابي والتاجر بقدر ما تقوم بدور
الضامن لألمن االجتماعي ولالستقرار السياسي<.
إن السياسة االجتماعية الصحيحة هي التي توجه السياسات االقتصادية ضمن منظور< أولويات وأهداف محددة
على
أساس آجال زمنية مدروسة تفرضها ضرورات الواقع اإلقليمي والمحلي
-
السياسات االجتماعية واقتصاد السوق االجتماعي .
:مقدمة
عندما تطرح قضايا السياسات االجتماعية وعالقتها باالقتصاد ،وبسبب تاريخ هذه العالقة غير الموفق في أكثر
ٍ
مستعص في هذه الثنائية ،والواقع أن التناقض مصطنع ،سببه التطبيقات وجود تناقض
ُ األحيان ،يخطر للذهن
المشوهة إن كان في مجال االقتصاد أو في مجال السياسة االجتماعية التي كانت تعالج الموضوع المطروح ضمن
.خيارات أحادية ،مستندة فعالً إلى وجود تناقض بين االقتصادي واالجتماعي
واألكيد أن أي خيار اقتصادي أو اجتماعي له محتواه وطبيعته االجتماعية التي تعبر عن مصالح محددة في المجتمع
.المكون من شرائح وطبقات اجتماعية مختلفة ،ومتباينة المصالح
إن التجربة الماضية والواقع الملموس اليوم يتطلب إعادة البحث في عالقة االقتصادي باالجتماعي للوصول إلى
.العالقة الحقيقية بينهما ضمن تأثيرهما المتبادل
إن مهمة البحث الحالي إثبات افتراض :أن السياسة االجتماعية هي جزء مكون ضروري ألي سياسة اقتصادية،
.والتي أصبح بدونها اليمكن تحقيق أي نجاح اقتصادي إن كان في مؤشراته الكمية وباألحرى النوعية
من هذه الزاوية يرتدي أهمية بحث العالقة بين هذين الحدين في اإلطار الكلي والجزئي ،وفي عالقتهما في إطار
.الشكل والمضمون وفي تأثير بعضهما على بعض من زاوية العالقة بين العدالة االجتماعية والفعالية االقتصادية
:عالقة االقتصادي باالجتماعي-I
:أ) من حيث الشكل والمضمون
إن عالقة االقتصادي باالجتماعي ،هي عالقة شكل بمضمون ،فالشكل اليتغير إال بتغير المضمون ،كما أن تغير
الشكل يؤدي إلى تغييرات في المضمون .فالهدف ليس المؤشرات االقتصادية بحد ذاتها ،بل الوصول من خاللها
.إلى أحسن المؤشرات االجتماعية قدر اإلمكان
:وإ ذا بحثنا العالقة بينهما بشكل أكثر تفصيالً لتبين التالي
.شكل متخلف عن حاجات المضمون يؤدي إلى إعاقة التطور كله -
.عدم تلبية حاجات المضمون وتحقيقها يؤدي إلى عرقلة تقدم الشكل نفسه -
.إيجاد الشكل المناسب للمضمون يسمح بالتطور المتناغم والمنسجم لالثنين -
.تحديد حاجات المضمون الحقيقية ،يسمح بإعادة صياغة الشكل كي يتناسب معها -
وبالتالي ،نستنتج أن كل الكالم عن التناقض بين االقتصادي واالجتماعي هو كالم غير صحيح إذا لم ينظر له من
زاوية وحدة هذه الثنائية وتفاعلها المتبادل ،أي أن التناقض بينهما ليس مستعصياً يؤدي إلى نفي أحدهما لآلخر بل
على العكس ،هذا التناقض هو من التناقضات الضرورية للتقدم والتي يمكن وعيها والتحكم بها لمصلحة التطور
.نفسه
لقد سادت في العقود الماضية ،عقلية تقول إن توفير الشروط االقتصادية للتطور ستضيق هامش تحقيق مكاسب اجتماعية،
كما كان يجري تبرير الالفعالية االقتصادية بضرورات اجتماعية .والواقع أن هذا التناول أدى في نهاية المطاف إلى تراجع
االقتصادي واالجتماعي معاً ،مما يتطلب تدقيق الرؤية وتصحيحها.
وهذا ماسمح بحل ومعالجة جملة من القضايا االجتماعية في حينه من خالل الفوائض المتاحة والتي لم تكن مصادرها
داخلية.
ب) على المستوى الجزئي :كانت الفعالية االقتصادية متدنية ألسباب لها عالقة ببنية اإلنتاج وعدم انسيابية عملية اإلنتاج
والنهب الذي تعرضت له المؤسسات االقتصادية من خالل مدخالتها أو مخرجاتها .لذلك عندما كانت تحل بعض المهام
االجتماعية على المستوى الجزئي كانت تستخدم كحجة لتبرير تدني الفعالية االقتصادية وللتغطية على عملية النهب التي
كانت تجري على قدم وساق.
ونتيجة لكل ذلك جرى تحميل االجتماعي مسؤولية الالفعالية االقتصادية ،وكما يتبين فإن ذلك كان غير صحيح ومحاولة لتغطية
األسباب الحقيقية.
إن التجربة المتراكمة في هذا المجال تؤكد أن حل قضية عالقة االقتصادي واالجتماعي على المستوى الكلي والجزئي البد
من أن تأخذ بعين االعتبار التالي:
)1تحقيق أكبر فعالية ممكنة على المستوى الجزئي.
) 3إعادة توجيه جزء من هذه الفوائض لتحقيق سياسات اجتماعية قوية على المستوى الكلي.
) 4تحقيق وتنفيذ أية سياسات اجتماعية على المستوى الجزئي ،يجب أن يتم ضمن إطار السياسة الكلية وبتفويض من
الدولة ،مقونن وخاص وحسب كل حالة على حدة.
كانت العالقة بين العدالة االجتماعية والفعالية االقتصادية تاريخياً ،تحل على حساب أحد طرفي المعادلة ،فأي رفع لمستوى
العدالة االجتماعية كان يرافقه تصور أنه يؤدي إلى انخفاض الفعالية االقتصادية والعكس صحيح.
والحقيقة أن التجربة التاريخية كانت تحتوي المثالين :مثال التفاعل الصحيح بين طرفي المعادلة ومثال االختالل بينهما على
حساب أو لحساب أحدهما.
ولكن كل ذلك كان يجري في ظروف لم تكن قد تحولت فيه قوة العمل البشرية إلى عامل حاسم في تطور القوى المنتجة كما
الحال عليه اليوم ،وذلك بسبب ازدياد كميات العمل الذهنية في كميات العمل المنتجة مجدداً ،مما ينعكس بتطور وتعقد
التكنولوجيا المستخدمة على أدنى مستويات العملية اإلنتاجية األمر الذي يستدعي أكثر فأكثر االلتفات إلى حاجات قوى
العمل البشرية وتلبيتها إلى أعلى درجة ممكنة.
والحقيقة أنه إذا كان في السابق ،وبسبب مستوى تطور القوى المنتجة ،يمكن الفصل بين ضرورتي العدالة االجتماعية
والفعالية االقتصادية سبباً ،إال أنه اليوم ،يتضح مع الوقت أن هذين العاملين يندمجان في بعضهما البعض ،وأصبح أحدهما
يتطلب اآلخر ،وانخفاض وضعف أحدهما يؤدي تلقائياً إلى ضعف وتراجع العامل اآلخر.
لذلك تصبح العدالة االجتماعية بمفهومها الضيق (األجور وعالقتها باألرباح) ومفهومها الواسع (مستوى المعيشة ونوعيتها)
جزءاً مكوناً وفاعال ً في عملية الفعالية االقتصادية ،كما أن الفعالية االقتصادية بتطورها تؤمن أرضية تأمين حاجات العدالة
االجتماعية.
وتبقى المشكلة القائمة التي تتطلب الحل عبر النقاش الالحق :ماهي المؤشرات التي يجب اعتمادها لقياس مستوى
الفعالية االقتصادية على المستوى الكلي والجزئي ،وهي إذا كانت أكثر وضوحاً على المستوى الكلي نسبياً ،إال أنها على
المستوى الجزئي تتطلب التدقيق والتمحيص ،واألكيد أن الربح وحده ليس مقياساً صالحاً لقياس الفعالية على المستوى
الجزئي فهو مؤشر كمي وتضليلي أحياناً.
إن حل هذا اإلشكال علمياً ،سيسمح بإيجاد وحدات قياس فعالية الوحدة اإلنتاجية على المستوى الجزئي ،بشكل تندمج فيه
مع جميع مكونات االقتصاد الوطني.
والخالصة أن الفعالية االقتصادية والعدالة االجتماعية في حال تم الوصول إلى العالقة المثلى بينهما ستسمحان بـ:
-تحويل تمركز الثروة من نقمة إلى نعمة عبر جعل هذا التمركز بيد المجتمع.
-تأمين وتائر نمو عالية تنعكس إيجابياً على مستوى ونوعية المعيشة.
إن السياسات االجتماعية بمجموعها عند تطبيقها ،إما أن تؤدي إلى تحقيق األمن االجتماعي أو ال .وهنا مقياس فعاليتها.
فاألمن االجتماعي هو جزء مكون من األمن الوطني الذي يختلف مفهومه الحقيقي عن المفهوم المتداول والذي يقصد به أمن
الدولة ،فاألخير مفهوم ضيق وهو يمكن أن يكون أحد مكونات األمن الوطني في أحسن األحوال.
فاألمن الوطني هو منظومة أمن شاملة ومتكاملة وتشمل إلى جانب االجتماعي ،األمن بمعناه االقتصادي والثقافي
والسكاني والمائي والطاقي والغذائي والسياسي والعسكري . . . .إلخ .ويبقى أساس األمن الوطني أكبر من الجانب
االقتصادي واالجتماعي.
وقد ازدادت مؤخراً أهمية األمن االجتماعي بما اليقاس بالمقارنة مع العقود السابقة ،بعد اختالل ميزان القوى الدولي
ومحاولة الواليات المتحدة األمريكية الهيمنة الوحيدة القطب على العالم معتمدة على آليات التفتيت داخلياً في كل منطقة
وبلد ،ومشروع الشرق األوسط الكبير ـ نموذج واضح على ذلك.
لذلك تبقى منظومة األمن االجتماعي ـ جهاز الدفاع األساسي عن السيادة والكيان الوطني.
فاألهداف البعيدة المدى للمخطط األمريكي ـ الصهيوني تستهدف التصدعات االجتماعية لتوسيعها وتحويلها إلى شروخ تؤدي
إلى انهيارات كاملة ،أي أنها تعتمد في تنفيذ مخططها على الثغرات الداخلية وعوامل الضعف في البنية ،بينما كان يتم
االعتماد في العقود السابقة وبسبب توازن ميزان القوى الدولي على العامل الخارجي بالدرجة األولى ،لقد أصبح العامل
الخارجي في مخططات اليوم عامال ً مساعداً على إحداث تغيير عميق في البنى الداخلية أي بنية الدولة أو المجتمع أو ثقافته.
لذلك فإن السياسات االجتماعية في هذه المرحلة لها الدور الحاسم ،فهي إما أن تؤدي إلى استقرار وتصليب بنية المجتمع
والدولة ،وإما أن تؤدي إلى توتر يفضي إلى المساعدة موضوعياً على تنفيذ المخططات الخارجية البعيدة المدى.
لذلك إذا كنا في الماضي القريب والبعيد ،نتعامل مع السياسات االجتماعية من منطلق أيديولوجي له عالقة بالدرجة األولى
بفهم موضوع العدالة االجتماعية والموقف منها ،فإن الموضوع اليوم ،تجاوز ذلك بكثير وأصبح له عالقة مباشرة باألمن الوطني
بالمعنى المباشر.
وحين نؤكد على ذلك ،النقصد القول إن األمر بشكله الجديد وتطبيقاته هو بحكم الغيب أو موضوعة على بساط التطبيق على
المستوى البعيد ،فإذا علمنا أن عام 2010هو عام حاسم بالنسبة لإلدارة األمريكية إلحداث انعطاف نهائي في منطقتنا يغير
بنيتها ،لفهمنا أن الخطر جدي وأن المطلوب إيجاد حلول سريعة ومعالجات إسعافية لتحويل نقاط ضعفنا إلى نقاط قوة قادرة
على إحباط كل مايمس األمن االجتماعي كأحد المكونات األساسية لألمن الوطني.
سنتناول أهم أهداف منظومة السياسات االجتماعية التي لها دور بحركة الفئات االجتماعية ومناخها وعالقاتها ببعضها البعض.
تحتل قضية مستوى المعيشة موقع الصدارة في منظومة السياسات االجتماعية لما لها من تأثير مباشر على المجتمع
ومزاجه ومواقفه ،والغريب أن قضية مستوى المعيشة تختصر مؤخراً بقضية الفقر فقط ،حتى أن قضية الحد األدنى لمستوى
المعيشة الذي يقاس عادة على سلة االستهالك المبنية على مستوى األسعار الملموس ،أهملت لصالح مؤشرات مجردة
عالمية غير مالمسة حدة الفقر ،مع المالحظة أن مستوى المعيشة يقاس ليس فقط كماً من حيث الدخل المجرد ،وإنما أيضاً
من حيث الخدمات المتوفرة وسعرها ونوعيتها بالمقاييس العالمية.
إلى جانب ذلك يجب أن اليهمل أن الحد األدنى لمستوى المعيشة هو مجرد مؤشر ،كي تبنى على أساسه مؤشرات أخرى
ليست أقل أهمية ،وهي مثال ً الحد المتوسط لمستوى المعيشة .فالهدف الحقيقي اليمكن أن يكون فقط الوصول إلى معادلة
الحد األدنى لألجور بالحد األدنى لمستوى المعيشة ،فهذا المؤشر مع ضرورته ،اليكفي لتغيير مستوى المعيشة ،بل يجب
االنطالق منه للوصول إلى الحد المتوسط لمستوى المعيشة الذي بتوفره كوحدة قياس يسمح بمعرفة درجة تأمينه في
المجتمع مع اآلثار المختلفة اإليجابية أو السلبية المنبثقة عنها.
ب .البطالة:
مع تزايد معدالت البطالة وصعوبة إيجاد حلول لها تتغير معها اآلثار السلبية المعروفة تاريخياً والمرافقة لها ،فمن ظاهرة غير
دورية ومتقطعة وغير منتظمة الظهور عند شرائح بعينها ،تحولت البطالة إلى ظاهرة ثابتة ومستمرة ومنتظمة الظهور وخاصة
في القطاعات التي تدخل سوق العمل مجدداً ،والتي تبقى مرشحة له لسنوات طويلة ،مما يخلق فعلياً شرائح اجتماعية
جديدة تتميز بزيادة تهميشها عن الشأن االجتماعي والوطني ،األمر الذي يخلق قنبلة اجتماعية عالية الخطورة في حال
انفجرت في ظرف مالئم ما.
إن البطالة التعني فقط هدر قوة عمل وإخراجها خارج دائرة الفعل ،بل إن البطالة المستمرة هي عامل سلبي في التكوين
والمزاج االجتماعي بما تخلقه من حالة الانتماء وإحباط ،تتجلى في نفسية المهمشين الذين يتحولون إلى قوة متمردة ،سهلة
التحريك ضد كل شيء.
والمشكلة األكبر هي إعادة تأهيل العاطلين عن العمل من الشباب ،إن استمرار البطالة لسنوات طويلة واستقرارها خلق
أخطاراً غير معروفة سابقاً ،األمر الذي يتطلب معالجتها حفاظاً على االستقرار واألمن االجتماعي.
إن جذر البطالة وهجرة العقول واحد ،وهو عدم قدرة سوق العمل على استيعاب اإلمكانيات المتوفرة والثانية هي هجرة
الكفاءات العالية التأهيل.
إن هجرة العقول بغض النظر عن الخسائر االقتصادية الكبيرة التي تسببها على مستوى التبادل الالمتكافئ مع الدول
المتقدمة ،تخلق خلخلة اجتماعية وتحمل أضراراً تؤثر على منحى التطور العام في البالد وسرعته وحجمه .إن الدراسات
األخيرة تبين أن هجرة العقول تسبب خسائر كبرى لالقتصاد الوطني ويكمن جذرها في نهاية المطاف في مستوى األجور
المتوسطة أو المتدنية بالمقارنة مع أمثالها في الدول األخرى ،من هنا تأتي األهمية اإلضافية لحساب وضبط الحد المتوسط
لمستوى المعيشة الذي أتينا على ذكره أعاله.
إن مستوى التعليم والصحة في عالم اليوم يجب أن يعالج ليس من زاوية كونهما خدمتين تقدمان للمجتمع ،وإنما من زاوية
ضرورتهما القصوى لعملية إعادة اإلنتاج االجتماعية الموسعة ،فحجم ومستوى التعليم والصحة يحددان إلى حد كبير مستوى
النمو الالحق.
إن الميزة النسبية المؤقتة لسورية اليوم ،أنها باستطاعتها أن تجني نتائج ثمار التعليم المجاني في كل المراحل التي تمت
في العقود السابقة ،وهذه الميزة إذا استخدمت بشكل جيد ستسمح باالستخدام األمثل لإلمكانيات التي يجب أن توظف في
اقتصاد المعرفة ،ويجب أن يؤخذ بعين االعتبار أن هذه الميزة آيلة إلى التراجع مع توسع التعليم الخاص في كل المراحل،
والمشكلة أن التوظيفات في هذا المجال التظهر فوائدها إال بعد جيل أو جيلين من االستثمار المستمر في هذه القطاعات.
وصحيح أن حجم االستثمارات في هذه المجاالت التي يجب أن تنعكس على تحسن المؤشرات النوعية وعدم االكتفاء
بالمؤشرات الرقمية الكمية مثل حصة الفرد من الخدمات وتطويرها.
ه .السكن:
إن مشكلة السكن ليس لها عالقة بالمساحات وبدل السكن عن طريق الشراء واإليجار وعالقته بمستوى المعيشة ،بقدر مالها
عالقة بقضيتين:
) 1توسع مناطق المخالفات نتيجة تعقد الوضع السكني مع التوتر االجتماعي الكامن فيها ،فمناطق السكن العشوائي حول
المدن الكبرى هي أحزمة توتر بسبب التهميش الذي تخلقه عطفاً على ظروف السكن والخدمات المتوفرة.
) 2توسع الهوة في السكن بسبب ارتفاع أسعار األراضي والبناء بين المناطق الغنية والفقيرة ،له آثار معنوية ونفسية بعيدة
المدى اجتماعياً.
إذا جمعنا كل هذه الملفات من مستوى معيشة إلى بطالة وهجرة عقول وصوال ً إلى الصحة والتعليم والسكن ،لتوضح حجم
المشكلة ليس بالمعنى االقتصادي فقط وإنما بالمعنى االجتماعي أيضاً ،فهذه الملفات إلى جانب بعضها البعض تخلق وضعاً
مركباً نوعياً جديداً يتميز باآلتي:
-زيادة إلى الحد األقصى في درجة التوتر االجتماعي ،وهي قابلة لالنفجار مع التأخر في الحل.
-زيادة درجة اإلرهاق والتعب في المجتمع الذي يتحول إلى الالمباالة أمام حجم المشكلة المتمثلة أمامه ،ويعيق بالتالي
ويصعب أية إمكانية للحلول الالحقة التي تتطلب بحد ذاتها مشاركة مجتمعية واسعة.
-إن هذه المشاكل باستمرارها تخلق حالة كبح في الوعي االجتماعي تجعله المبالياً وحيادياً أمام المخاطر الخارجية في
الظروف الحالية المعقدة.
وإذا أضفنا إلى ذلك الضخ الذي يقوم به اإلعالم العالمي عبر الفضائيات المختلفة ،لتحسسنا حجم الخطر الذي يتوجب التحرك
السريع إليجاد حلول للمشاكل المعلقة وتنفيذها.
أحسن المصطلحات والشعارات التعني شيئاً ،إذا لم تؤكد الممارسة مصداقيتها .فاالقتصاد السوري كان يوصّف خالل عقود،
في النصوص القانونية وفي الوثائق الرسمية على أنه اشتراكي ،بينما كان في واقع الحال رأسمالياً مشوهاً ومتخلفاً ،إذن
فقوة النص أو المفهوم تأتي من الواقع وليس العكس.
واليوم في إطار الصراع الجاري مع قوى السوق الكبرى التي تريد سوق فوضى تسميها «بالحرة» ،يأتي مفهوم اقتصاد
السوق االجتماعي ليفتح إمكانية ،مجرد إمكانية ،للقوى المناهضة ألخطار السوق الحرة ،كي تمنع حدوث كارثة إذا أحسنت
تنظيم قواها وعبأت قوى المجتمع معرفياً وسياسياً في االتجاه الصحيح.
وبعبارة أدق ،إن مصطلح اقتصاد السوق االجتماعي ،ليس تعويذة قادرة بلمسة ساحر على إيقاف قوى السوق الكبرى
المنفلتة والمتوحشة والمرتبطة بقوى السوق العالمية ،فالشكل النهائي والملموس له ستحدده على األرض محصلة صراع
القوى االجتماعية المختلفة ،والذي يجري في بيئة إقليمية وعالمية غير مالئمة مؤقتاً للقوى النظيفة في جهاز الدولة
والمجتمع.
لذلك فإن وضوح صياغة المفاهيم ،وإيجاد أشكالها التطبيقية على األرض سيرتدي أهمية كبيرة بالنسبة لمآل الصراع الجاري
في البالد حول آفاق التطور الالحق.
.1ماهي عالقة اقتصاد السوق ،حتى لو كان اجتماعياً ،بأشكال الملكية المختلفة (خاص ،دولة ،عام ،إلخ)؟
يحاول البعض أن يتنصل من هذا الموضوع ،كي يبقى الطابع االجتماعي القتصاد السوق معوماً؟ والمقصود باالجتماعي هو:
مصالح أية فئة اجتماعية يجب أن يخدم في ظل وجود مصالح متناقضة في المجتمع مستحيلة التوافق فيما بينها؟ أي بكالم
آخر كيف يجري توزيع الدخل الوطني في المجتمع؟ وفي نهاية المطاف ماهي العالقة بين األجور واألسعار؟
لذلك يبقى الكالم عن اقتصاد السوق االجتماعي بال معنى ،إذا لم يالمس أشكال الملكية التي تؤثر على طريقة توزيع الدخل،
من هنا يصبح واضحاً أن أي تراجع لدور الدولة وأشكال ملكيتها هو خطوة إلى الوراء موضوعياً فيما يخص العدالة االجتماعية،
حتى لو كان هذا الدور من خالل ما ينتجه من قيمة مضافة يجري حتى اآلن ليس لصالح الجماهير الشعبية ،فهذا الدور هو
شرط ضروري للعدالة االجتماعية ولكنه غير كاف إذا لم يرافقه ضرب لمواقع الفساد يسمح بإعادة توزيع عادلة ،وغني عن
البيان أن التراجع عن هذا الشرط الضروري يطيل المسافة نحو العدالة االجتماعية.
من المعروف أن االقتصاد السوري اآلن هو في أحسن األحوال اقتصاد سوق مشوه ،وهذا يعني أن درجة التحكم فيه
منخفضة بغض النظر عن اإلعالنات المختلفة حول دور الدولة المركزي سابقاً ،وهذا يعني أن درجة عفوية فعل قوانين السوق
عالية ،والسير إلى األمام يتطلب تخفيف التشوه وصوال ً إلى إزالته ال زيادته ،مما يتطلب زيادة درجة التحكم الواعي الذي
يتطلب دوراً جديداً للدولة ،كما يتطلب تخفيض مساحة عفوية فعل قوانين السوق التي تنعش وتقوي قوى السوق الكبرى،
وهذا إن حصل سينعكس إيجابياً على وتائر النمو التي تتطلب موارد يجب توجيهها نحوه بشكل واع ،كما يتطلب تغيير معادلة
األجور واألرباح بشكل واع وعقالني نحو تحقيق العدالة االجتماعية مع كل ما يتطلبه ذلك من تحكم باألسعار والضرائب
واالستثمار وإزالة الفساد.
م ل البعض انخفاض الفعالية االقتصادية لنشاط الدولة ألعبائها االجتماعية ،والواقع أن العبء االجتماعي هو دور
حتى اآلن يح ّ
وواجب للدولة ،المبرر لوجودها دونه في العالم المعاصر ،ولكن السؤال :كيف يجب ممارسة هذا الدور؟
إن رفع الفعالية االقتصادية على مستوى المنشأة عبر القضاء على النهب والفساد والهدر ،سيؤمن تلك الفوائض الضرورية
لممارسة الدولة لدروها االجتماعي في التعليم والصحة والثقافة ..إلخ ..التي هي مجاالت لالستثمار البعيد المدى وليست
استهالكاً التقوى الدولة عليه .وخالصة القول إن قوى السوق الكبرى تريد تخفيض دور الدولة االقتصادي ،وبالتالي
االجتماعي ،لتصبح ال دولة ،كي تبني دولتها الحامية النفالت قوى النهب والفساد ،ولكن هذه المرة بشكل مقونن ومشروع
حقوقياً.
.4و أخيراً :ما وضع قوة العمل في السوق االجتماعي؟
من المعروف أن مكونات السوق هي البضائع والرساميل وقوة العمل ،وأنصار السوق الحرة يريدون تحرير سوق البضائع
والرساميل ،وإبقاء سوق قوة العمل مقيدة ،بالمعنى االقتصادي :حيث تثبيت األجور ،وبالمعنى السياسي :حيث منع أية
مطالبة بالحقوق بأي شكل كان .إن اقتصاد السوق االجتماعي الذي يحرر البضائع والرساميل من كل قيد ويبقي قوة العمل
مقيدة هو اقتصاد سوق أكثر تشوهاً من الذي عرفناه ،وهو ينقلنا عملياً إلى دكتاتورية الرساميل ،لذلك يصبح تحرير قوة العمل
أجراً وحقوقاً هو الشرط الضروري القتصاد سوق اجتماعي متوازن.
إن درجة عمق الدور االجتماعي القتصاد السوق االجتماعي سيحدده عوامل موضوعية لها عالقة بدرجة استعداد المجتمع
من جهة للدفاع عن حقوقه ،ومن جهة أخرى قدرة جهاز الدولة على استيعاب ضرورات الجانب االجتماعي من
مرحلة اقتصاد السوق :عرفت العشرية األخيرة من القرن الماضي مرحلة خطيرة ،لم تعرف أبدا البالد إنزالقات كالتي عرفتها خالل هذه -
الحقبة ،فاألوضاع السياسية غير المستقرة أثرت بصورة سلبية على كل األوضاع االقتصادية واالجتماعية.
لــقد عاش االقتصاد الوطني خالل هذه المرحلة هزات عدة جاءت نتيجة تخريبـ العديد من ممتلكات الدولة كحرق المصانع،ـ هجرة
اإلطارات والكوادر من جهة ،وإفالس المؤسسات وغلقها،ـ وكذا تسريح عمالها من جهة أخرى ،التدهور في قيمة العملة ،ولكن رغم هذا
وذاك بقيت الدولة صامدة أمام هذا الوضع واستمر مسئولي القطاعات االقتصادية في إتباع أنظمة جديدة تخرج البالد من األزمة.
وفي سنة 1990م أصدرت الدولة قانون 90/10الخاص بالقرض والنقد وبموجبه أنشئ مجلس النقد والقروض والذي يعتبر مجلس إدارة
البنك ،فمن خالل هذا القانون (كان أول قانون صدر في تلك المرحلة) أدركت الدولة أن السير األفضل للتنمية والنهوض باقتصادها هو
االنتقال إلى تحرير االقتصاد الوطني بإتباع سياسة السوق الحرة ورفع يد الدولة عن العديد من األمور االقتصادية وإبراز نية توجهها السياسي
نحو ما يسمى بـ" :اقتصاد السوق"
-ماذا نعني باقتصاد السوق ؟ وما هي مبادئه ؟
-وماذا عن الدور الجديد للدولة في ظل هذا النظام ؟
إن مفهوم السوق يستند إلى مبدأ كمال السوق وهذا المبدأ مفاده سيادة الحالة الطبيعية للسوق ونعني بها المنافسة الكاملة ،وفيه يكون
تدخل الدولة ما هو إال دور منظم ومسير مع ضبط تحرك السوق عن طريق القوانين لتفادي وجود احتكارات وما يعرف اليوم بـ" :اقتصاد
السوق" ،ومفهومه يختلف من بلد آلخر.