Professional Documents
Culture Documents
نقد الترجمات عند أنطوان برمان
نقد الترجمات عند أنطوان برمان
111
ملخص:
أنطوان برمان من أمه املنظرين اذلين تطرقوا لنقد الرتجامت .وهذا املقال س يحاول فهم املسار التحلييل اذلي انهتجه برمان
يف هذا النوع من النقد .وحنن هبذا نريد أن نسلط الضوء عىل ما يسميه املسار التحلييل املؤسس لهذا اجملال اجلديد يف
عمل الرتمجة.
اللكامت املفتاحية:
الرتمجة الدبية ،نقد الرتجامت ،برمان ،التلقي ،شعرية الرتمجة ،مدرسة تل أبيب ،ايوس.
Résumé : Antoine Berman est l’un des plus célèbres théoriciens qui ont traité de
la critique des traductions. Cet article s’attache à essayer de comprendre son
trajet analytique. Notre but final étant de saisir l’ampleur de son influence sur la
critique des traductions.
يُعدّ أنطوان برمان 1واحدا من أ ّمه املرتمجني واملنظرين يف عرصان احلارض ،وذكل راجع اىل ترجامته العديدة عن
1أنطوان برمان ( )1441/1491منظر و مترجم وناقد فرنسي متخصص في الترجمة من األلمانية واإلسبانية .يعد من مدرسة شاليرماخر في
نقد الرتمجات عند أنطوان برمان العدد :19فيفري 7102 مجلة اآلداب واللغات
119
الترجمة وشكلت كتاباته تحوالً في الترجمة وأسسا ً لنقد الترجمات .من مؤلفاته:
1- L'épreuve de l'étranger: Culture et traduction dans l’Allemagne romantique: Herder, Goethe, Schlegel,
Novalis, Humboldt, Schleiermacher, Hölderlin. Paris: Gallimard, 1984. Lettres à Fouad El-Etr sur le romantisme
allemand. Paris: PUF, 1991. 2- Pour une critique des traductions: John Donne. Paris: Gallimard, 1995. 3- La
traduction et la lettre, ou L’auberge du lointain. Paris: Seuil, 1999.
1
- Jean-René Ladmiral, Traduire : théorèmes pour la traduction, 1994. p XIV.
2
- Sherry Simon, Antoine Berman ou l’absolu critique, TTR v14 n°02.2001. www.erudit.org
-3م ن ،بدون صفحة.
-4الدميرال :م س ،ص.19
5
- Antoine Berman, La traduction et la lettre ou l’auberge du lointain. P25.
نقد الرتمجات عند أنطوان برمان العدد :19فيفري 7102 مجلة اآلداب واللغات
111
وجزية ذات طابع علمي 1».ويشري اىل هذا التناقض يف موضع أرخر فيقول « :ان املرتمجني عادة ل حي ّبون الالكم عن
النظرية ،فهم يرون أنفسهم صنّاعا يعملون ابحلدس ،وعىل الرمغ من هذا مفنذ بداية الرتاث الغريب فان العملية الرتمجية
2
صاحهبا رخطاب حول الرتمجة».
وهذا الطرح س يفيدان جدًّا لفهم طريقة برمان يف نقد الرتجامت ،فال بد لّك مهنج ّ
نقدي من أسس يرتكز علهيا،
النقدي هام :التأويلية احلديثة،
ّ ويس تقي مهنا ّ
توهجاته وطرق نظره اىل امليدان اذلي يدرسه .وهو يتّخذ أساسني ملهنجه
املمتثةل يف التأويلية الفلسفية عند بول ريكور ،Paul Ricœurوالتأويلية الدبية عند هانس روبرت ايوس Hans
تشالكن أوىل الراكئز يف بناء العمل النقدي وتنظميه ،ومن مث نقد فالرت بنيامني اذلي يشّك
.Robert Jaussواللتان ّ
الركزية الثانية .هااتن الركزياتن تساعدان برمان عىل رشح وتنظمي جتربته يف حتليل الرتجامت.
أ -مفهوم نقد الرتجامت عند برمان:
قد تؤدّي عبارة "نقد الرتجامت" ) (critique des traductionsاىل الالتباس ،وابلتايل اىل الوقوع يف
السليب للرتجامت ،أي تسقّط أرخطاء وهفوات املرتمج .وهذا
معًن يطغى دامئا عىل قارئه ،ان ّه التحليل ّ
اخلطأ ،اذ حتمل ا
اجلنوح اىل "السلبية" حقيقة ًثبتة يف العمل النقدي ،لن ّه عىل ادلوام حيمتل الوهجني ّ
السليب والجيايب ،ول ميكن ل ّي
3
السلبية املفروضة عىل هذا املفهوم».
انقد الهروب من النوع ال ّول ،واذلي يس ّميه بنيامني« :اللحظة ّ
بدءا من عصور التنوير ،فيؤكّد عىل أنه اكن يف الساس معال سلبيا
ويس تعرض برمان اترخي مصطلح النقد ا
(يبحث عن الرخطاء فقط) .وهو يعارض ذكل املفهوم فيقول« :ان النقد يف جوهره اجيايب ....بل ليس النقد اجيابيا
حفسب ،ولكن هذه الجيابية يه حقيقته 4».لهذا اكن أوغست فيلهمل فون شليجل August Wilhelm Von
Schlegelيطلق امس "نقد" ( )critiqueعىل حتليل النصوص ذات القمية ،ولكمة "نعت" ) )caractéristiqueعىل
دراسات وتقيمي العامل الضعيفة والسيّئة.
ا ّن نقد الرتجامت عند برمان نو ٌع جديد من نقد العامل الدبية ،ويقول يف ذكل« :من بني النواع اخملتلفة لنقد
العامل الدبية ،هناك نقد العامل اليت تنتج عن التحويل ،عن نقل معل ما من لغة اىل أرخرى ،واليت نسمهيا منذ
1
- A.Berman, L’Epreuve de l’étranger, p11.
2
- A.Berman, La traduction et ses discours, http://id.erudit.org/iderudit/002062ar consulté le 31 mars 2010.
-3والتر بنيامين ً
نقال عن برمان La critique des traductions.ص.11
-4م س ،ص .13
نقد الرتمجات عند أنطوان برمان العدد :19فيفري 7102 مجلة اآلداب واللغات
111
1
ليوانردو بروين ،الرتجامت».
فالعامل الدبية من هجهتا حتتا اىل النقد ل ي يوصلها اىل القراء ،ول ي يظهرها ّ
ولخّها يف الوجود الديب
والنساين ،فالنقد الديب يشّك اس مترارية يف حياة العمل الديب ،فهو اذلي يرثيه ويربز منه أش ياء مل يكن يراها حىت
الاكتب نفسه .مفن يقرأ الرتاث النقدي الضخم ملا كتبه شكس بري ،يشعر بأن أعامهل ما تزال ّ
تتوّه وبأهنّ ا خادلة .وما املتنيب
لول النقاد ،فشعره عىل الرمغ من جودته مل يكن ليبقى عىل ّمر العصور ،لول خضامة النقد اذلي تناوهل ،واليت وضعته يف
الصيت نفسه لنه مل يهت ّيأ هل نقاد. ّ
مصاف الشعراء اخلادلين .أما ترى شاعرا جميدا ا مثل (املنتجب العاين ) مل يلق ّ
وهناك نوع من النقد قد لخنق العمل الديب ويقتهل ولكنه "رش ل بد منه" ،كام يقال ،ل ّن« :النقد مرتبط ارتباطا
أنطولوجيًّا ابلعمل 2».مفه ّمة انقد العامل الدبية صعبة ،لنه حياول دامئا أن ل يسجن نقده يف أقفاص نظرية دوغامئية ،متلهيا
عليه مناّه حمدّدة .ومبا أن العامل الدبية اليت يه (الصل) حتتا اىل نقد ،فقد احتاجت -بطبيعة احلال -العامل
الناجتة عن انتقال هذه العامل من لغة اىل أرخرى اىل نقد كذكل .فالرتمجة يف حدّ ذاهتا وثيقة التعلّق ابلنقد ،مبا أن املرتمج
-سواء اعمتد عىل كتب نقدية أم ل -يعمل كناقد يف لك املس توايت (القراءة -الفهم -الكتابة).
ولكن ملاذا اس تعمل برمان الرتجامت ( )Les traductionsابمجلع بدل من الرتمجة ()La traduction
ابلفراد؟
ويف تعليهل جند أن لكمة الرتمجة قد تعين اجلانب النظري (التنظريي) أو اجلانب العميل (التطبيقي) ،و ّ
لكن لكمة
تطور هذا النوع من النقد
الرتمجي.وقد ّ
ّ الرتجامت ل تعين ابلتأكيد ال اجلانب الثاين أي العميل ،واذلي يقوم عليه النقد
كثريا ،ولكن يف الطريق السليب ،حيث أصبح نوعاا من «التتبّع ،واذلي غالبا ما يش به الهوس ،لرخطاء الرتجامت حىت
الناحجة مهنا 3».أما النقد مبعناه الجيايب فمل يتقدّم كثريا ،بل اكن اندر الوجود.
نقد الرتجامت انبع من أن هذه الخرية حتمل أرخطاء جتعلها قابةل للتقيمي ،وهو ما أسامه برمان ( La
النص ،)défectivitéويقصد هبا ّ
لك الرخطاء والعيوب والنقائص اليت ميكن أن حتتوهيا الرتمجة ،من حيث أهنا ليست ّ
الصل .ولكن برمان يرى أهنا وان مل تكن الصل فهيي ليست خارجة عنه بل يه عبارة عن حتولته ( sa
.)métamorphose
ب -أنواع التحليالت الرتمج ّية عنده:
هناك أنواع كثرية من التحليالت الرتمجية ،واليت اما اعمتدت عىل املقارنة بني الرتجامت والصل ،أو بني
الرتجامت فامي بيهنا .وحفواها ما أسامه برمان ( )Un constat de différencesأي الوقوف عىل الارختالفات بني
الصل والهدف .فال يه حبثت عن سبب هذه الارختالفات ،ول يه حاولت معرفة النسق اذلي تنتظم فيه وعليه
الارختالفات.
هناك من هجة أرخرى ادلراسات املع ّمقة ،واليت تعًن ابلنظمة التحويلية اليت تس بق الرتجامت .حيث تنظر اىل
الرتمجة وتضعها يف س ياقها التارلخي ،ومن مثّت تقارهنا مع ترجامت أرخرى .ويه دراسات لها من ادلقّة والرتكزي ما جيعلها
تس هتدف مجهورا خاصا من املتلقّني .ويصفها برمان بقوهل« :ان المر يتعلق بتحليالت ّ
متخصصة جدا ،دلرجة أهنا موهجة
1
لعدد قليل من الناس».
وهذا ما يطرح اشاكلية وجوب وضوح الكتابة النقدية ،كوهنا تو ّجه اىل مجهور عريض ،يشرتك فيه املرتمج
ّ
ومنظر الرتمجة ،والناقد الديب واللساين ،واملهمت ابلرتمجة من ابب الثقافة العامة وحىت القارئ البس يط اذلي ل يعرف
بّك أبعاده .ذلكل لكّه عىل الناقد أن جيعل رخطابه أكرث سهوةل وقابلي اة للفهم.
امليدان ّ
فاملالحظ أ ّن التحليالت الرتمج ّية يف طروحات برمان ّمتزيها ابلتش ّعب والتعقيد ،اذ لمتكل شالك ول مهنجا
خاصا ،فنجدها تفتقر اىل تركيبة أو نظام متاكمل ينطلق من الرتمجة ويعود الهيا ،ويتلكّم عهنا ويس تخر أساليهبا ويريس
قواعدها.
هذا عن اجلانب النظري ،أما يف اجلانب التطبيقي فقد اكن اعامتده عىل أعامل هرني ميشونيك ( Henri
)Meschonnicويه حتليالت معيقة ،هتدف اىل كشف رخفااي العمل املرتمج ،ولترتك اجملال للتالعب أو احلرية
املفرطة للنقود اليت ميارسها املرتمج ،حبمك أنه ليس عبدا ا للنص الصل .هذا ابلضافة اىل اعامتده أيض اا عىل التيار الوظائفي
-يصطلح على هذه العمليات كلمة "تحليل" عوض "نقد" ،ألنّها لم ترق بعد إلى ذلك المستوى من العمق واالستنتاج ،واالت ّكاء على آليات واضحة
مجرد مالحظات ليس ّإال.
ّ المعالم في الدراسة ،فهي على العموم
-1م س ،ص .91
نقد الرتمجات عند أنطوان برمان العدد :19فيفري 7102 مجلة اآلداب واللغات
113
النصية ،يدرس الظروف الاجامتعية والتارلخية والثقافية والفكرية اليت جعلت من الرتمجة مايه عليه .وتثري هذه املدرسة
يف حتليالهتا للرتجامت الشاكليات القدمية للرتمجة ،ولكن يف قالب جديد فهاهو جدعون توري Gideon Toury
يتحدث عن املعيار ( )normeوالقمية املبدئية ( ،)norme initialeوما هذا الطرح ال اعادة ملا قاهل الكثريون .أما
1
اجلديد فرناه فامي اقرتحه امتار ابن زهر عن مفهوم النسق املتعدد poly systèmeيف الدب وط ّبقه عىل الرتمجة.
ويذكر برمان هومبولت ( )Humboldtاذلي يقولّ « :
لك مرتمج ل بدّ هل أن يواجه أحد عائقني ،اما أن يتحىل
النص الصل 2».أ ّما هذه
ابدلقّة :حيال النص الصل عىل حساب ذوق ولغة شعبه ،أو حيال ّتفرد شعبه عىل حساب ّ
املدرسة فتدّعي كوهنا ( )Target-orientedأي اهنا تقف يف صف النص الهدف وثقافته.
لكن عيهبا أهنا حتاول جعل رخطاهبا علميا أكرث من الالزم ،بدعوى احلياد واملوضوعية .ويه هبذا تقتل لك
ّ
رخصوصية وانسانية للمرتمج ،فاملوضوعية واحلياد مفهومان غريبان عن الرتمجة .يقول برمان « :يف جمال الرتمجة ل نس تطيع
3
ول جيب أن نكون حياديّني ،فاحلياد ليس التصحيح لّوغامئية».
-املسار التحلييل:
المنوذ اذلي يقدمه برمان يعد مسار اا حتليليا ( )trajet analytiqueفهو ل يقدم منوذجا ،فالمنوذ يط ّبق عىل
أنواع الرتجامت ،ولكنه مسار خشيص يف حتليلها« :لقد جتىل يل هذا النوع من التحليالت شيئا فشيئا يف تطبيقايت يف
4
دراسات الرتجامت ،عندما كنت أحاول أن أ ّبني اجراءاهتا».
وهو بني التحليل السليب (ميوشنيك) والتحليل الجيايب (مدرسة تل أبيب) وهذا املسار ينقسم اىل ّ
ست
مراحل:
تقبايل) متخوف ومتسقّط كنظرة ميشونيك ،ولهو حيادي وموضوعي كنظرة مدرسة تل أبيب .ولكنه نظر ّ ٍّ
متلق (اس ّ ل ّ
مع أنه ليثق كثريا يف النص املرتمج ،أساسه استبعاد الحاكم الرسيعة ،واجراء معل طويل من القراءة واعادة القراءة
للرتمجة أو الرتجامت (ان وجدت) مع جتاهل النص الصل متاما.
جنيب يف اللغة الهدف ،ويف القراءة الثانية يتلقّاه ا
معتربا ا ّايه النص عىل أنه معل أ ّ
يف القراءة الوىل يرى الناقد ّ
ترمج اة .لهذا جيب أن تتغري النظرة اىل ّ
النص ،وعندها تفيض هذه القراءة ابلناقد اىل أن يكتشف "مناطق نص ّية"
اشاكل ّية ،واليت تتجمع فهيا النقائصية ) ،)La défectivitéويه املقاطع اليت تبدو فهيا الرتمجة ركيكة .كام تسمح تكل
املكررة ابلوقوف عىل مناطق نصية جيّدة ( )Miraculeuseتبلغ الكتابة فهيا درجة الرباعة ،ويه كتابة ترمجية ل
القراءة ّ
متت بصةل للّغة الصل وجديد ٌة عن اللغة الهدف.
ّ
الرتمجي اس تقبالي اة ،هتدف اىل اس تقطاب الانطباعات اليت يثريها النص
ّ اذن ،تعترب القراءات اليت جيرهيا الناقد
املرتمج فيه وعلهيا س يقوم النقد.
-2املرحةل الثانية :قراءات النص الصل.
النص الصل مع بقاء الانطباعات اليت خلّفها النص
الرتمجي عىل ّ
ّ يف هذه املرحةل تُنىس الرتجامت ،ويركّز الناقد
املرتمج ،ومهنا يصبح ما يقوم به أكرث من قراءات ،حيث تغدو مشاهب اة للتحليل ّ
النيص ،عندما يع َمد اىل اس تخرا
خاصة ،واليت ّ
تشّك نظاما دلليا حمددا .وهذا الاس تخرا ل يكون اكمال رخصائص الصل من تراكيب وأساليب ولغة ّ
بل تكفي ع ّينات عنه من هنا وهناك.
الرتمجي يسري مقتف ايا رخطوات املرتمج ،ويعيد ابلتايل العمل الاس تقرايئ «اذلي أجراه املرتمج أو
ّ هكذا نرى الناقد
1
حراي به أن يفعهل قبل وخالل الرتمجة».
اكن ًّ
ذكل أ ّن املرتمج اذلي ل يقرأ مرتمجٌ ضعيف وانقص ،اذ جيب عليه الاطالع عىل الفضاء الديب للنص الصل،
فيعرف َمن هو الاكتب ،وماذا اكن يكتب ،واىل أ ّي تيار أديب ينمتي ،ووضع لك تكل املعلومات يف اطاره التارلخي .يقول
2
برمان« :ان ّنا نرتمج بواسطة الكتب».
هذه القراءات أو الاطالعات اليت يقوم هبا املرتمج ،يسمهيا برمان "توثيق العمل الرتمجي Etayage de l'acte
1نفسه ص .11
2نفسه ،ص .13
نقد الرتمجات عند أنطوان برمان العدد :19فيفري 7102 مجلة اآلداب واللغات
111
.traductifوهو ما ل يتناقض البتّة مع كون الرتمجة معل ّية حدس ّية ،أش به ابحلرفة اليت تتدخل فهيا الرباعة واذلوق،
حسب ما يتبناه برمان نفسه ،حيث «ل يوجد "هناك حتليل نيص" ّ
معني ،ول حىت من قبل مرتمج قادر عىل ذكل،
ترمجي ،اليشء اذلي نظنّه سذاجة أحياان ،أو ظننّاه منذ س نوات مع فيين وداربيين
من شأنه أن يشّك قاعدة معل ّ
1
عندما اعتقدان بأن الرتمجة نوع من السلوبية املقارنة».
لهذا فهو يرفض أن تتدخل امليادين الرخرى وأن ختضع الرتمجة لها ،اذ يعتقد أ ّن من الواجب « -بصفة عامة -
نظري يقرتح علهيا "ما جيب أن تفعهل" ،وهذا صاحل ابلنس بة
أن نطرح بشدة ....أ ّي تبعية لعملية الرتمجة ل ّي رخطاب ّ
2
للتحليل النيص ،للشعرية ،للسانيات وأيضا (ان مل نقل خاصة) لـ"علوم الرتمجة" اخملتلفة».
الرتمجي فهو يستسقي من امليادين الرخرى رخطابه النظري وحتليهل
ّ هذا ابلنس بة للمرتمج ،أما ابلنس بة للناقد
للرتجامت ،وحىت قراءاتُه ختتلف عن قراءات املرتمج ،ل ّن «قراءا ِته أ ُ
كرث مرجعية ،أكرث مهنجي اة من قراءات املرتمج،
3
ولكهنا اكلرخرى ل ختضع ل ّي نوع من أنواع التحليل».
ومن لك هذه القراءات (والقراءات املصاحبة) يبدأ معل الناقد ،فيأخذ ع ّينات ذات معًن ،تكون مفصل ّية يف
النص الصلُ .وختتار تكل الع ّينات بدقّة ،اذ علهيا ترتكز جديّة النقد ورصامته .أما اذا اكن النص الصيل قصريا (قصيدة
مثال) ،فيجب أخذه ا
اكمال.
رضوراي أن تكون الع ّينات النص ّية ظاهر اة يف السلوب ،بل يكفي اجراء معلية تأويلية لخذ املقاطع
ّ وليس
امله ّمة ،واليت تمتركز وحتتشد فهيا الفكرة الساس ية للنص ،وتشّك ذروة العمل الديب .وقد تكون يف قصيد ٍّة ما بيتاا أو
4
بيتني ،وقد تكون يف مجموعة قصصية «امجلةل الخرية لرخر القصة مثل "أهل دبلني" Dublinersجلميس جويس».
فالنص الصل ابعتباره معال أدب ّيا لخضع خليال وفكر الاكتب ،وفيه تكون الكتابة اما مقصودة ومدروسة
(رضورية) ،أو تكون خاضعة للخواطر العابرة والحاسيس اليت تأيت كيفام اتفق (اعتباطية) .وهذه اجلدلية بني ما هو
رضوري أيضا واعتباطي أيضا املوسوم
ّ رضوري وما هو اعتباطي مهمة ابلنس بة للمرتمج والناقد عىل حدّ السواء .كام هو
( )marquéوغري املوسوم ( ،2)non marquéلن هذه اللكامت املوسومة أي اليت حتمل معًن مع ّينا عند اكتب ما،
جيب أن ترتمج ابلطريقة نفسها ل ّن «اخللط بني املوسوم وغري املوسوم ينفي احلرية عند املرتمج ،ويقود اىل ترجامت حرفية
1
(خاصة تراكبية) شنيعة».
-3املرحةل الثالثة :البحث عن املرتمج.
هكذا عنون برمان املرحةل الثالثة من مساره التحلييل للرتجامت .وهو حبث ذو أمهية من حيث أنه يعيدان
حيّض للنقد احلقيقي .والسؤال
اىل أصول الرتمجة ويه املرتمج .ل ي حياول الناقد أن يفهم أكرث من النص املرت َجم ،و ابلتايل ّ
عن "من هو املرتمج؟" انشغال جدير ابلبحث ،لننا ازاء النص الصل (العمل الديب) نتساءل عن "من هو الاكتب؟"،
النصان ّية ،أن تقول العكس ،برتوجي أ ٍّ
فاكر حمايثة مثل "موت حىت وان حاولت النظرية البنيوية ،وغريها من النظرايت ّ
ا
متسائال عن مدى حصّهتا ،اذ يقول« :من جيرؤ عىل نفي صعوبة فهم مؤلفات املؤلّف" .وأنطوان برمان يناقش هذه القض ّية
2
هودلرلني وبلزاك و بروست وسولن ،اذا هجلنا ّ
لك يشء عن حياهتم؟ العامل مرتبطة حبياة الاكتب».
ولقد جرت العادة -حتت ما أصبح يش به القانون (ارخفاء املرتمج وراء الكتاب) -بأن يكون املرتمج غري ّ
مهم يف
فهم معهل الرتمجي .حىت أصبح ل أحد يأبه هل عند قراءة الرتمجة .ولكنه من غري املنطقي أن ل نتساءل عن املرتمج
ختصصاته وجمالت اهامتمه .عن كونه يرتمج من لغتني فقط أم أكرث ،واذا اكن يرتمج لاكتب واحد أم هو
ومؤهالته ،عن ّ
متعدّد املصادر ،وان اكن هو ذاته مبدعاا اىل جانب كونه مرتجام ،وغري ذكل من التساؤلت اليت تكشف أمامنا جوانب
من خشص ّية املرتمج وفكره ،وجتعلنا ابلتايل نفهم ونقدّر الارختيارات الرتمج ّية اليت قام هبا.
لكن الجاابت عن تكل التساؤلت ل تعدو كوهنا معلومات عا ّمة ،لهذا يرى برمان أ ّن من الواجب اذلهاب
ّ
بعيدا ا لرمس معامل صورة املرتمج ،قصد نقد معهل بشّك سلمي ،ول يكون ذكل ا ّل بتحديد النقاط التالية :موقفه من
الرتمجة ،مرشوعه وأفقه الرتمج ّيني.
الرتمجي العالقة بني املرتمج والرتمجة ،هذه
ّ أ -املوقف الرتمجي ( :)Position traductiveيعين برمان ابملوقف
العالقة اليت تصوغها فكرة املرتمج اخلاصة عن ماهية الرتمجة وكيفيهتا ،واليت جتعهل لختار (لن الرتمجة ارختيار) كيف يوفّق
بني نظرته للرتمجة ،وجتس يده لها يف الواقع ّ
العميل .ويه صعبة التحديد لنه «ليس من السهل الفصاح عن املوقف
1نفسه ص .11
2نفس المرجع ص .11
3نفسه ص .13
4نفسه ص .14
نقد الرتمجات عند أنطوان برمان العدد :19فيفري 7102 مجلة اآلداب واللغات
119
الرتمجي،
ّ هذه املرحةل الرابعة من مراحل التحليل ،اليت يتأ ّسس علهيا معل الناقد ،يه املرحةل احلقيقية يف النقد
املؤسسة عىل القاعدة النظرية ،وتش متل عىل النقاط التالية:
حبسب تو ّجه برمان ،وفهيا ت ّمت املواهجة ّ
-أشاكل التحليل :وختتلف ابرختالف أشاكل النصوص املرتمجة ،فال بدّ يف ادلراسة من الخذ بعني الاعتبار
1
تعلّق الرتمجة بـ«(قصيدة شعرية أو قصة ،)...أو ترمجة مجموعة (ديوان شعر ،)...أو انتا اكمل ملرتمج ما».
-املواهجة :وجتري عىل أربعة أصعدة:
• مواهجة العنارص واملقاطع املأرخوذة من الصل ،مع العنارص واملقاطع املرتمجة.
• مواهجة املناطق النصية الشاكلية والناحجة يف الرتمجة ،مع املناطق النصية املقابةل يف الصل ،ويه اليت يؤكد برمان
عىل أهنا ليست ابلّضورة الواحدة تلو الرخرى.
• وهناك مواهجة تأيت مع الوليني ،ويه مناظرة الرتمجة مع الرتجامت الرخرى.
الرتمجي ،واذلي ّيبني كيف جاءت ابلشّك يه عليه .هذا الكيف مرتبط
ّ • ويف الخري ،مواهجة الرتمجة مع املرشوع
بذاتية املرتمج وارختياراته الشخصية .وتبني هذه املواهجة أيضا ا النتاجئ اليت حققها املرشوع يف الواقع.
-أسلوب عرض املواهجة :املواهجة يف الصل كتابة ،وكّك رخطاب موجه مجلهور جيب أن تكون تواصلية
( ،)communicableأي أن تكون قابةل للقراءة ( )lisibleسه اةل وواحضة .و لكن هناك عدة أرخطار هتدد هذا
الوضوح:
• اخلطر ال ّول ،أن تغلب عىل النقد املصطلحات التقنية اخلاصة مبجالت متعددة ،واليت ل يرشهحا الناقد
متخصصا يف النقد.
للقارئ .فهذا القارئ ليس ابلّضورة ّ
فرض ّية -وان اكنت غري • اخلطر الثاين ،هو تداخل اللغة الصل مع اللغة النقدية (الهدف) ،وهذا يضع
حصيحة دامئا -أن القارئ ل يس تطيع أن يقرأ النص الصل ،لنه ل يعرف اللغة اليت كتب هبا .فيجب عليه عندما يذكر
مناطق من النص الصل أن يتبعها برشوحات.
• اخلطر الثالث كثافة وثقل النقد اذلي يأيت من اخلطرين ال ّولني ،وهو ما قد يُدخل امللل اىل نفس القارئ،
وجيعهل هيرب من قراءة النقد .ذلا عىل لغة النقد أن تكون سهةل وممتعة.
• واخلطر الرابع (اذلي أورده برمان يف كتابه بدون رشح) ،هو املواهجة املقطعية بني الصل والهدف ،واليت
التساؤلت حفسب. ّتبني الرخطاء ولكن هتدف اىل معرفة السبب وليس طرح
املتنوعة ،أو للحدّ مهنا عىل الق ّل ،ثالثة حلول اجرائ ّية يه:
ويقرتح برمان للقضاء عىل هذه الرخطار ّ
-وضوح العرض ،أي اس تعامل أسلوب سهل بعيد عن احلشو والتعقيد.
-الارتدادية ( ،)réflexivitéأي أن يعود اخلطاب النقدي دامئا اىل نفسه ،ل ي ينري دربه مبالحظاته للرتجامت.
-الابتعادية ( ،)dégressivitéأي أن عليه بني الفينة والرخرى أن "يفتح قوسا" ،ويبتعد عن طريقه الصيل
جو نقده ،ويؤ ّمن هل الهتوية لبعاد امللل عن نفس القارئ. ليذهب وراء أمثةل معينة ،وهكذا فالناقد ّ
يلطف ّ
-املرحةل اخلامسة :تلقي الرتجامت.
لخص الرتجامت ،عكس اجملال الديب العام .ففيه يبحث الناقد عن كيفية تلقي الرتمجة
وهو صعب التحديد فامي ّ
من قبل القراء ،ومدى تأثريها فهيم ،والانطباعات اليت اكنت هلم عهنا .ومتث ّل الصحف واجملالت -غالبا -خري دليل عىل
اس تحسان أو اس هتجان الرتجامت من طرف امجلهور املتلقّي.
-املرحةل السادسة :النقد النتايج)critique productive( .
ويه أرخر مرحةل من مراحل التحليل ،وفهيا جيب ان يكون النقد فاحتا جملال اعادة الرتمجة ،اما لن الرتمجة
خاطئة أوانقصة ،واما لهنا أصبحت قدمية جتاوزها الزمن .و«هذا النقد النتايج يعرض ،أو حياول أن يصوغ السس
1
لعادة ترمجة العمل ،وابلتايل مشاريع جديدة للرتمجة».
1نفسه ص .41
المراجع:
5- Simon,Sherry, Antoine Berman ou l’absolu critique, TTR v14 n°02.2001. www.erudit.org
6- Iven-Zohar,Itamar, Polysystem studies , PoeticsToday, Vol11, N° 01 1990.