You are on page 1of 73

‫األول‬

‫ّ‬ ‫الفصل‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة‬
‫المحددات القانونية–‬
‫ّ‬ ‫‪-‬بحث في‬

‫الجزائرية للعدالة‬
‫ّ‬ ‫نزوالً عند مقتضيات بحثنا الذي يتناول مسألة المقاربة‬
‫أن هذه األخيرة تنطلق من فرضية مفادها ضرورة معالجة أثار‬
‫االنتقالية‪ ،‬من حيث ّ‬
‫‪1‬‬
‫أي محاولة‬
‫ّ‬ ‫بأن‬
‫ّ‬ ‫تسليمنا‬ ‫من‬ ‫وانطالقا‬ ‫‪،‬‬ ‫الماضي لبناء المستقبل في كنف المصالحة الوطنية‬
‫طالع بمعالجة دقيقة‬
‫لمقاربة قضية أثار الماضي ال يمكن لها أن تتأتّي بمنأى عن االض ّ‬
‫بأنه من‬
‫للمحددات التي يحكمها سياق كل تجربة بخصوصياتها‪ ،‬ارتأينا ّ‬
‫ّ‬ ‫وقراءة موضوعية‬
‫الجزائية‪ ،‬والتي يمكن أن‬
‫ّ‬ ‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫محددات مسار المأساة‬
‫األهمية بما كان الوقوف علي ّ‬
‫ّ‬
‫مما أفرز حالة من‬
‫الديمقراطي‪ 9‬التعددي (مبحث ّأول)‪ّ ،‬‬
‫نختزلها في إخفاق‪ 9‬عملية البناء ّ‬
‫العنف المسلّح التي طرحت‪ 9‬كإطار‪ 9‬للمأساة الوطنية(مبحث ٍ‬
‫ثان)‪.‬‬

‫األول‬
‫المبحث ّ‬
‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫الديمقراطي التّعددي كخلفية للمأساة‬
‫إخفاق مشروع البناء ّ‬

‫‪-‬قراءة في العوامل –‬

‫الديمقراطي‪ 9‬على ّأنه‪ ":‬عملية مستمرة تمر بثالث مراحل‬


‫يعرف مفهوم التّحول ّ‬
‫تجسيد نظام ديمقراطي‪ 9‬يستجيب لتّطلعات"ال ّشعوب"‪،29‬‬
‫أساسية‪ ،‬من شأن اجتيازها كفالة‪ّ 9‬‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪)- YOUSSEF Nada, la transition démocratique et la garantie des droits fondamentaux, U.P.E, Paris,‬‬
‫‪2010, p.63.‬‬
‫السياسي الجزائري (‬
‫النظام ّ‬
‫السياسية العربية‪ ،‬دراسة حالة ّ‬
‫النظم ّ‬
‫الديمقراطي في ّ‬
‫)‪ -‬بلعور مصطفي‪ ،‬التحول ّ‬
‫‪2‬‬

‫السياسي واإلداري‪ ،‬قسم‬


‫السياسية‪ ،‬فرع التّنظيم ّ‬
‫‪ ،)2008-1988‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم ّ‬
‫السياسية واإلعالم‪ ،‬جامعة بن يوسف بن خدة‪ ،‬الجزائر‪،2010 ،‬‬
‫الدولية‪ ،‬كلية العلوم ّ‬
‫السياسية والعالقات ّ‬
‫=العلوم ّ‬
‫ص‪.27.‬‬
‫‪12‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الجزائرية يمكن تقسيمها‬


‫ّ‬ ‫الدولة‬
‫الديمقراطي‪ 9‬التي مرت بها ّ‬
‫وبتقّصي مراحل تجربة التّحول ّ‬
‫إلى سياقين؛‬

‫الديمقراطي‪ ،‬وقد نجحت‬


‫األولي في اتجاه عملية التّحول ّ‬
‫أما اّألول فيعكس المسار ّ‬
‫فيه التّجربة الجزائرية في اجتياز كل من مرحلة األزمة التي عكستها انتفاضة أكتوبر‬
‫المتردية‪ ،‬وما واكبها من تّحوالت‬
‫ّ‬ ‫‪ 1988‬على خلفية األوضاع االقتصادية واالجتماعية‬
‫‪1‬‬
‫السياسي والذي اكتسى في التّجربة‬
‫الساحة الدولية ‪ ،‬وكذا مرحلة القرار ّ‬
‫على مستوى ّ‬
‫الرأسي‪.2‬‬
‫الجزائرية نمط القرار ّ‬
‫الجزائرية‪ ،‬عند حدود مرحلة‬
‫ّ‬ ‫الديمقراطي‬
‫أسس لفشل تجربة التّحول ّ‬
‫وأما الثّاني فقد ّ‬
‫ّ‬
‫الديمقراطي‪ ،‬أين تكثر‬
‫الديمقراطي‪ 9‬باعتبارها المنعرج األخطر في مسار التّحول ّ‬
‫االنتقال ّ‬
‫الرابعة‬
‫السابقة‪ ،‬مما حال دون المرور إلى المرحلة ّ‬
‫الرجوع إلى الممارسات ّ‬
‫احتماالت ّ‬
‫الديمقراطي‪.39‬‬
‫وهي مرحلة ترسيخ الخيار ّ‬

‫الديمقراطي‬
‫)‪ -‬لمزيد من التّفاصيل حول خلفيات انتفاضة اكتوبر‪ 1988‬راجع‪ :‬طعيبة احمد‪ ،‬أزمة التّحول ّ‬
‫‪1‬‬

‫الدولية‪ ،‬فرع‬
‫السياسية والعالقات ّ‬
‫في الجزائر ‪ ،1994-1988‬رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم ّ‬
‫السياسية واإلدارية‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1998‬ص‪.78-62 .‬‬
‫السياسي واإلداري‪ ،‬معهد العلوم ّ‬
‫التّنظيم ّ‬
‫الرأسي على ّأنه قيام قادة الحكم مهما كانت طبيعتهم مدنية أو سياسية بمبادرة تغير‬
‫)‪ -‬يعرف نمط التّحول ّ‬
‫‪2‬‬

‫الضعف‪ ،‬أنظر في ذلك‪ :‬بلعور مصطفي‪،‬‬


‫النظام من األعلى‪ ،‬على خلفية بروز نوع من االنشقاقات ومظاهر ّ‬
‫ّ‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.39.‬‬

‫السلطة الرئاسية كامتداد‪ 9‬لسلسلة اإلصالحات "المحتشمة"‬ ‫* لقد انبعث مشروع التّحول ّ‬
‫الديمقراطي من وحي ّ‬
‫والمناسباتية المنتهجة منذ ‪ ،1981‬والتي أعلنت فشلها على وقع الحراك ال ّشعبي الذي اعتبر تجسيما لألزمة‬
‫الدستورية السابقة في‬
‫الخانقة التي عايشتها الجزائر في تلك الحقبة‪ ،‬أنظر في ذلك‪ :‬سكيل رقية‪" ،‬التّعديالت‪ّ 9‬‬
‫الدول العربية على ضوء‬
‫الدستورية في ّ‬
‫الدولي حول التّعديالت ّ‬
‫الجزائر"‪ ،‬مداخلة ملقاة في إطار فعليات الملتقى ّ‬
‫الدولية الراهنة –حالة الجزائر‪ ،-‬جامعة حسيبة بن بوعلي‪ ،‬ال ّشلف‪ ،‬يومي ‪ 06-05‬ديسمبر‪،2012‬‬
‫المتغيرات ّ‬
‫ّ‬
‫ص‪.9-8 .‬‬
‫‪ -)3‬بلعور مصطفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.27.‬‬
‫‪13‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الديمقراطي‬
‫نعوز هذا اإلخفاق‪ 9‬بدرجة أولى إلى كل من؛ واجهية مشروع البناء ّ‬
‫للدولة التي فشلت‬
‫المؤسساتية ّ‬
‫ّ‬ ‫السياق الجزائري (مطـلب ّأول)‪ ،‬ثم هشاشة البنية‬
‫في ّ‬
‫الدولة (مطلب ٍ‬
‫ثان)‪.‬‬ ‫في ضمان استمرارية ّ‬

‫المطلب اّألول‬
‫الديمقراطي الّتعددي‬
‫واجهية مشروع البناء ّ‬
‫شر–‬
‫‪-‬قصور اإلطار القانوني كمؤ ّ‬

‫الديمقراطي التّعددي في إطار التّجربة‬


‫يمكن تقصي معالم واجهية مشروع البناء ّ‬
‫ظام‬
‫الدالة على إحداث القطيعة مع أبجديات الن ّ‬
‫جدية المؤ ّشرات ّ‬
‫الجزائرية من خالل‪ ،‬عدم ّ‬
‫ّ‬
‫الديمقراطية التّعددية‪،‬‬
‫السابق‪ ،‬وهو ما يعكسه بأمانة قصور اإلطار القانوني لالنتقال نحو ّ‬
‫ّ‬
‫الجزائرية‬
‫ّ‬ ‫والمشرع الجزائريين في تكييف المنظومة القانونية‬
‫ّ‬ ‫المؤسس‬
‫ّ‬ ‫أين أخفق كل من‬
‫مع التّوجه الجديد‪ ،‬وهو ما يمكن أن نلمس معالمه من خالل عدم اكتمال بناء الخيارات‬
‫أسهم في دخول هذا األخير غمار أزمة دستورية‬
‫الدستورية في إطار دستور‪ 1989 ،‬مما ّ‬
‫ّ‬
‫(فرع ّأول)‪ ،‬ناهيك عن تعبئة المنظومة التّشريعية في مواجهة التّكريس التّعددي (فرع‬
‫ٍ‬
‫ثان)‪.‬‬

‫األول‬
‫الفرع ّ‬
‫دستور‪1989‬‬
‫الدستور‪-‬‬
‫–دستور أزمة أم أزمة ّ‬

‫الدستورية التي عرفتها‬


‫تتبع العرف الذي د ّل عليه تواتر التّعديالت ّ‬
‫من خالل ّ‬
‫بأن دستور‪1989‬لم يعدو أن يكون سوى‬
‫الديمقراطية ال ّشعبية‪ ،‬نلحظ ّ‬
‫الجمهورية الجزائرية ّ‬

‫‪14‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫السياسي الجزائري‪ ،1‬باعتباره اإلطار التّأسيسي‬


‫النظام ّ‬
‫مجرد محاولة لدرئ معالم (إفالس) ّ‬
‫الجزائرية‪ ،2‬في طليعتها الخيار‬
‫ّ‬ ‫السلطة‬
‫المجسد لشعارات اإلصالح المرفوعة من قبل ّ‬
‫ّ‬
‫التّعددي‪.‬‬
‫المتصدر لتراتبية الهرم‬
‫ّ‬ ‫النص‬
‫السياسية التي أقرت بموجب ّ‬
‫هذه اإلصالحات ّ‬
‫شادلي بن‬
‫الجمهورية "ال ّ‬
‫ّ‬ ‫السيد رئيس‬
‫الدولة على مرحلتين‪ ،‬عمد في كليهما ّ‬
‫القانوني في ّ‬
‫جديد" ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬إلى إشراط اإلرادة ال ّشعبية‪ ،‬من خالل إخضاع كل من مشروع‬
‫الدولة عن الحزب) بموجب المادة‬
‫الدستوري ل‪3‬نوفمبر‪( 1988‬مشروع فصل ّ‬
‫التّعديل ّ‬
‫الدستوري لـ‪ 23‬فيفري ‪ 1989‬بموجب‬
‫‪111‬من دستور‪ ،1979‬وكذا مشروع التّعديل ّ‬
‫الدستوري لـ‪3‬نوفمبر‪ 1988‬إلى االستفتاء ال ّشعبي‪ ،3‬تعتبر إصالحات‬
‫المادة ‪ 5‬من التّعديل ّ‬
‫شاملة خاصة ّأنها لم تتورع أن طالت حتّى النصوص والمبادئ غير القابلة للتّعديل وفقا‬
‫إلغاء ضمنياً لدستور‬
‫ً‬ ‫يرسم دستور ‪1989‬على ّأنه دستور جديد يشكل‬
‫لدستور‪ ،1979‬مما ّ‬
‫‪.41989‬‬

‫‪ -)1‬لقد عرفت الجزائر المستقلة على مدار أزيد من‪ 50‬سنة ثمانية دساتير يمكن تقسيمها من حيث جهات‬
‫وظروف وضعها إلى أربعة دساتير شكلية "كبيرة"‪ ،‬هذه األخيرة بدورها يمكننا تقسيمها من حيث التّوجه‬
‫إلى دساتير برنامج ودساتير قانون‪ ،‬وأربعة دساتير مادية صغيرة‪ ،‬وهو ما يعكس ديناميكية‬ ‫األيديولوجي لها‬
‫النظام الجزائري‪ ،‬كترجمة القتران جل‬
‫الدستورية الجزائرية التي تعد من مؤشرات عدم استقرار ّ‬
‫الحركة ّ‬
‫التّعديالت‪ 9‬التي عرفتها الدساتير الجزائرية بمفهوم األزمة ‪.‬‬
‫صدوق عمر" في تفسيره لمفهوم اإلصالح بأنه‪" :‬يعني الحكم المطلق على الوضع السابق‬
‫)‪ -‬يذهب األستاذ" ّ‬
‫‪2‬‬

‫والحالي بأنه فاسد والبد من إصالحه‪ ،‬وكذلك الحكم على اإلجراءات الجديدة بأنها إيجابية وصالحة" وبالتالي هو‬
‫اعتراف بفشل التّوجه السابق من جهة‪ ،‬وفرض قسري للتّوجه الجديد من جهة أخرى‪ ،‬أنظر في ذلك‪ :‬صدوق‬
‫عمر ‪ ،‬أراء سياسية وقانونية في بعض قضايا األزمة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،1995 ،‬ص‪.90.‬‬
‫‪ -)3‬يعتبر تمرير مشروع تع‪99‬ديل دس‪99‬تور ‪ 1976‬عن طري‪99‬ق االس‪99‬تفتاء دون الم‪99‬رور على المجلس الش‪99‬عبي الوط‪99‬ني‬
‫الدس ‪99‬تور أنظ ‪99‬ر في ذل ‪99‬ك‪ :‬دس تور ‪1976‬الص ‪99‬ادر بم ‪99‬وجب المرس ‪99‬وم‬
‫مخ ‪99‬الف لألحك ‪99‬ام الدس ‪99‬تورية المتعلق ‪99‬ة بتع ‪99‬ديل‪ّ 9‬‬
‫الرئاسي رقم ‪ ،97-76‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد ‪ ،94‬الصادرة في ‪ 24‬نوفمبر‪ ،1976‬المواد من ‪ 191‬إلى ‪.193‬‬
‫السياسي الجزائري‪ ،‬دار الهدي‪ ،‬الجزائر‪ ،1993 ،‬ص‪.192.‬‬
‫)‪ -‬بو الشعير سعيد‪ ،‬النظام ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪15‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الدساتير التي يصطلح‬


‫أن دستور‪ 1989‬يدخل في مصاف جملة ّ‬
‫الرغم من ّ‬
‫وعلى ّ‬
‫أن هذا الحضر‬
‫برنامجية‪ ،‬إالّ ّ‬
‫ّ‬ ‫على تسميتها بدساتير قوانين‪ ،‬كونه ال ينطوي على أحكام‬
‫األسس التي تقوم عليها‬
‫ّ‬ ‫األيديولوجي لدستور‪ ،1989‬لم يحل دون اعتناقه لطائفة من‬
‫الديمقراطية الليبرالية‪ ،1‬والتي تدور حسب رأي األستاذ "سعيد بو الشعير" ضمن فلك‬
‫ّ‬
‫والسلطة –‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫الحرية ّ‬
‫ّ‬ ‫الدستوري‪ -‬القائم على فكرة المزاوجة بين‬
‫المذهب ّ‬
‫وأسس دولة القانون باعتبارها من المقومات األساسية‬
‫ّ‬ ‫والحريات األساسية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إقرار الحقوق‪9‬‬
‫السيادة ال ّشعبية التي يمارسها في إطار نظام حكم‬
‫للجم إطالق ّسلطة الحاكم‪ ،‬وتكريس مبدأ ّ‬
‫الديمقراطية بمفهومها الليبرالي‪.2‬‬
‫تعددي‪ ،‬وبالتّالي تكريس ّ‬
‫ديمقراطي ّ‬
‫جسدها دستور‪ 1988‬في تعاطيه مع هذه‬
‫أن جدلية اإلقرار والتّكريس التي ّ‬
‫إالّ ّ‬
‫المقومات‪ ،‬والتي تحقق بعضها بعضا بحكم االعتماد المتبادل القائم بينها‪ ،‬حال دون‬
‫التّجسيد الفعلي لها على أرض الواقع‪ ،‬وهذا ما يتجلى من خالل ما يلي‪:‬‬

‫ّأوالً‬
‫بال ّنسبة لتنظيم الحقوق والحريات‬
‫‪-‬إقرار دون تكريس‪-‬‬

‫الرابع من دستور‪ 1989‬المخصص للحقوق والحريات ّأنه‬


‫يتجلى من خالل الفصل ّ‬
‫للدولة‪ ،‬وطائفة مهمة من حقوق‬
‫ط طويلةً في وقف القطيعة بين النص التّأسيسي ّ‬
‫قطع أشوا ً‬
‫الجيل اّألول‪ ،3‬وهو ما يعتبره األستاذ "براهيمي" نتيجة منطقية للتّغير الذي طرأ على‬
‫الدولة المتدخلة (دولة الرفاه) في االضطّالع باألدوار‬
‫الدولة كامتداد لواقع فشل ّ‬
‫وظائف ّ‬
‫بأنه "إذا كانت سعادة المواطن تبقى دائما محل‬
‫المناطة بها‪ ،‬ويذهب في ذلك إلى القول ّ‬

‫‪ -)1‬سكيل رقية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.7.‬‬


‫السياسي الجزائري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.194.‬‬
‫النظام ّ‬
‫)‪ -‬بو الشعير سعيد‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫الدستوري الموافق عليه‬


‫)‪ -‬مرسوم رئاسي رقم ‪ ،18-89‬مؤرخ في ‪ 28‬فيفري ‪ ،1989‬يتعلق بنشر التّعديل‪ّ 9‬‬
‫‪3‬‬

‫بموجب استفتاء ‪ 23‬فيفري‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ ،09‬صادرة في‪ 1‬مارس‪ ،1989‬المواد من ‪ 28‬إلى‪.48‬‬
‫‪16‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الحرية أضحت هي الوسيلة‬


‫السعادة وإ ّنما ّ‬
‫أن الدولة لم تعد الوسيلة لتحقيق هذه ّ‬
‫تأكد‪ ،‬إالّ ّ‬
‫السعادة المنشودة"‪.1‬‬
‫الجديدة لتحقيق ّ‬
‫السند القانوني لذلك‪ ،‬إالّ‬
‫الحرية متى توافر ّ‬
‫يبقى ّأنه‪ ،‬إذا كان من المتاح ممارسة ّ‬
‫السند القانوني محل قصور في‬
‫أن هذا التّمكين قد يصل إلى درجة االنعدام متى كان هذا ّ‬
‫ّ‬
‫تنظيم حدود هذا التّمكين‪ ،‬وهو ما ُيؤخذ على دستور‪1989‬الذي كاد ينعدم فيه التّأسيس‬
‫مما رتّب نتائج‬
‫الحريات‪ ،‬اللّهم ما تعلق بما ورد في إطار أحكام المادة ‪ 54‬منه ‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫لتقييد ّ‬
‫عكسية‪ ،‬ذلك أن انعدام تحديد الحقوق القابلة للتّقييد على سبيل الحصر وإ حاطة هذا التّقييد‬
‫بشروط صارمة‪ ،‬فضال عن التّأكيد على ضرورة مشروعية الهدف من التّقييد‪ ،‬من شأنه‬
‫فتح المجال أمام الم ّشرع وهو بصدد تنظيم هذه الحقوق االنحراف في تقييده لبعض‬
‫الحقوق‪ ،3‬وهو ما نلمسه في العديد من النصوص التّشريعية التي أعقبت صدور دستور‪19‬‬
‫‪ ،489‬ولعل القصور األكثر خطورة الذي يعتري تنظيم دستور‪ 1989‬للحقوق‪ 9‬والحريات‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪)- BRAHIMI Mohamed, Le pouvoir en Algérie et ses formes d’expression institutionnelle, O.P.U ,‬‬
‫‪Alger, 1995, p.51.‬‬
‫‪ -)2‬تنص المادة ‪ 54‬من دستور‪1989‬على ما يلي‪" :‬الحق في اإلضراب معترف به ويمارس في إطار القانون‪،‬‬
‫الدفاع الوطني واألمن أو في جميع‬
‫يمكن أن يمنع القانون ممارس هذا الحق أو يجعل حدودا لممارسته في ميادين ّ‬
‫الخدمات أو األعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫النص‬
‫والحريات‪ ،‬وغلبا ما يحيل ّ‬
‫ّ‬ ‫والحريات من بين أهم ضمانات تكريس هذه الحقوق‬
‫ّ‬ ‫‪ -)3‬يعتبر تنظيم الحقوق‬
‫والحريات إلى التّشريع‪ ،‬ولما كان من البديهي أن يصاحب هذا‬
‫ّ‬ ‫الدولة مسألة تنظيم هذه الحقوق‬
‫التّأسيسي في ّ‬
‫التنظيم بعض القيود على بعض الممارسات‪ ،‬وجب ضبط ذلك في حدود معينة وبشروط صارمة من خالل‬
‫حصر الحاالت التي يجوز فيها الّتقييد‪ 9،‬والّتأكيد على ضرورية مشروعية الهدف من التّقييد‪ ،‬وهو ما ال نلمسه‬
‫الدولية‬
‫المشرع الجزائري‪ ،‬أنظر في ذلك‪ :‬قادري نسيمة‪ ،‬الممارسة التّشريعية في مجال اآلليات التّشريعية ّ‬
‫ّ‬ ‫لدى‬
‫الدولة‪،‬‬
‫الخاصة بحقوق اإلنسان‪ ،‬مذكرة لنيل درجة الماجستير في القانون‪ ،‬فرع القانون العام‪ ،‬تخصص تحوالت ّ‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو‪ ،2009 ،‬ص‪.90.‬‬
‫ّ‬
‫النقابي‪،‬‬
‫)‪-‬نذكر منها‪ :‬قانون رقم ‪ 14-90‬المؤرخ في ‪02‬جوان ‪ ،1990‬المتعلق بكيفية ممارسة الحق ّ‬
‫‪4‬‬

‫الصادرة بتاريخ ‪06‬جوان ‪1990‬؛ قانون رقم‪ ،07-90‬المؤرخ في ‪3‬أبريل ‪،1990‬‬


‫ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ّ ،23‬‬
‫المعدل والمتمم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الصادرة بتاريخ ‪ 04‬أفريل ‪،1990‬‬
‫يتعلق باإلعالم‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ّ ،14‬‬
‫‪17‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫هو ذلك الذي يتعلق بمرونة إجراءات وشروط إعالن الحالة‪ 9‬االستثنائية‪ ،‬ومطاطية بعض‬
‫المصطلحات وكذا غموض و‪/‬أو إبهام البعض اآلخر منها‪.1‬‬

‫ثانياً‬
‫عدم اكتمال أسس بناء دولة القانون‬

‫الدستوري الجزائري ‪ -‬بخطوات حثيثة في مسار إرساء مقومات‬


‫المؤسس ّ‬
‫ّ‬ ‫عمد‬
‫الدستورية محل ال ّشرعية الثّورية‪ ،‬من خالل التّأسيس‬
‫دولة القانون‪ -‬إلى إحالل ال ّشرعية ّ‬
‫الدستورية‪ ،‬فضال عن تبني النهج الديمقراطي‪9‬‬
‫لمبدأي الفصل بين السلطات وسمو القاعدة ّ‬
‫التّعددي‪.‬‬
‫إالّ أنه‪ ،‬عند الوقوف على مسألة مدى فاعلية األطر اإلجرائية والموضوعية‬
‫في التّجسيد الفعلي لهذه المقومات‪ ،‬نجد دالالت قاطعة على عدم تجاوز هذه األخيرة حدود‬
‫التّنصيص‪.‬‬
‫السلطات نجد بأن دستور‪ -1989‬وعلى إقرارنا‬
‫ففيما يتعلق بمبدأ الفصل بين ّ‬
‫السلطة التّشريعية‪ -‬إالّ ّأنه قد‬
‫السلطة التّنفيذية وتدعيمه لمركز ّ‬
‫بنجاحه‪ 9‬في تقليص دور ّ‬
‫بالسلطات الثالثة‪،‬‬
‫اصطلح على تسميتهم ّ‬
‫على انعدام معادلة الموازنة بين ما ّ‬ ‫أبقى‬

‫الناحية ال ّشكلية في توقفها بالنسبة إلعالن حالة‬


‫)‪ -‬تتجلي مظاهر مرونة إجراءات إعالن التّدابير االستثنائية من ّ‬
‫‪1‬‬

‫الدستوري واالستماع إلى المجلس األعلى لألمن ومجلس‬


‫طوارئ وحالة الحصار على مجرد استشارة المجلس ّ‬
‫ال ّ‬
‫الوزراء‪ ،‬وهو إجراء يطغى عليه الطّابع اإلستئناسي‪ ،‬وعلى االجتماع الوجوبي للمجلس ال ّشعبي الوطني بالنسبة‬
‫إلعالن الحالة االستثنائية؛ أما بالنسبة للشروط ال ّشكلية لإلعالن هذه الحاالت‪ ،‬فأهم ما يستوقفنا بشأنها هو إبهام‬
‫المؤسس بين‬
‫ّ‬ ‫الملحة‪ ،‬خطر داهم‪ ،‬فضال عن عدم تمييز‬
‫ّ‬ ‫الضرورة‬
‫وغموض المصطلحات المعتمدة‪ 9،‬من قبيل ّ‬
‫حالة الطوارئ وحالة الحصار؛ ومن بين أهم المآخذ التي يمكن أن نسجلها بشأن تنظيم دستور ‪ 1989‬للظّروف‬
‫المؤسس الفرنسي‬
‫ّ‬ ‫محددة على سبيل التّدقيق كما هو شأن‬
‫االستثنائية هو عدم إقران حالة الطوارئ بمدة زمنية ّ‬
‫السياسي الجزائري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫النظام ّ‬
‫حددها بـ‪ 12‬يوما‪ ،‬لمزيد من التّفاصيل راجع‪ :‬بو الشعير سعيد‪ّ ،‬‬
‫الذي ّ‬
‫ص‪.285-264.‬‬
‫‪18‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫مجسدةً في قطبها الوحيد*‪ -،1‬الممثّل في‬


‫ّ‬ ‫السلطة التّنفيذية‪،‬‬
‫وذلك من خالل ّدسترة هيمنة ّ‬
‫الدستورية‪ ،‬كنتيجة منطقية لفكرة التّجسيد التي‬
‫المؤسسات ّ‬
‫ّ‬ ‫الجمهورية‪ -‬على باقي‬
‫ّ‬ ‫رئيس‬
‫حجيتها من ال ّشرعية ال ّشعبية المعترف بها‬
‫المؤسس الجزائري‪ ،‬والتي تستقي ّ‬
‫ّ‬ ‫اعتنقها‬
‫الجمهورية‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫لرئيس‬
‫السيطرة‬
‫هذا‪ ،‬ويمكن استقراء مظاهر هذه الهيمنة من الجانب العضوي في‪ّ ،‬‬
‫المؤسسة التّشريعية (البرلمان) من خالل تخويل هذه األخيرة صالحية الحل‬
‫ّ‬ ‫الرئاسية على‬
‫السياسية في مواجهتها‪ ،3‬ومن الناحية الوظيفية‬
‫الرئاسي في مقابل عدم ترتيب المسؤولية ّ‬
‫للسلطة التّنفيذية‪ ،‬من حيث إطالق مجال التّنظيم في مقابل‬
‫من خالل التفوق التّشريعي ّ‬

‫‪-)11‬‬
‫أن هامشية دور رئيس الحكومة الذي‬
‫الرغم من تبني دستور ‪ 1989‬مبدأ ثنائية الجهاز التّنفيذي إالّ ّ‬
‫*على ّ‬
‫السهر على تنفيذ القوانين والتّنظيمات‪،‬التعين في بعض‬
‫مجرد؛ تنسيق وتنفيذ برنامج حكومته‪ّ ،‬‬
‫يتلخص في ّ‬
‫السلطات الواسعة‬
‫الجمهورية‪ ،‬هذا في مقابل ّ‬
‫ّ‬ ‫الوظائف الحكومية التي ال تنزوي ضمن المجال المحفوظ لرئيس‬
‫السلطة‬
‫المؤسس الجزائرية لثنائية ّ‬
‫ّ‬ ‫الجمهورية‪ ،‬يدفعنا للقول بصورية اعتناق‬
‫ّ‬ ‫وال ّشبه مطلقة التي يتمتع‪ 9‬بها رئيس‬
‫التنفيذية‪ ،‬لمزيد من التّفاصيل حول اختصاصات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بموجب دستور‬
‫‪ ،1989‬راجع‪:‬‬
‫‪-BRAHIMI Mohamed, Op.cit, pp.72-80.‬‬

‫السياسي الجزائري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222-221.‬‬


‫)‪ -‬بوالشعير سعيد ‪،‬النظام ّ‬
‫‪2‬‬

‫الجمهورية حق حل المجلس ال ّشعبي الوطني أو إجراء انتخابات‬


‫ّ‬ ‫الدستور لرئيس‬
‫خولت المادة ‪ 120‬من ّ‬ ‫)‪ -‬لقد ّ‬
‫‪3‬‬

‫الصالحية‪ ،‬تقصر هذه‬‫تشريعية مسبقة‪ ،‬إالّ ّأنها في المقابل فرضت عليه جملة من القيود في سبيل ممارسة هذه ّ‬
‫األمة‪ ،‬كما جعلت المادة ‪83‬‬
‫األخيرة على مجرد استشارة كل من رئيس المجلس ال ّشعبي الوطني ورئيس مجلس ّ‬
‫ألية جهة كانت‪،‬‬
‫من هذا الحق حقًا شخصياً لرئيس الجمهورية‪ ،‬وهو ما يمكن استقراءه من خالل حظر تفويضه ّ‬
‫الدور التحكيمي الذي يتمتّع‪ 9‬به هذا‬
‫الجمهورية هذا الحق إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫ويرد األستاذ "براهيمي"السبب في تخويل رئيس‬
‫ّ‬
‫المؤسس الجزائري لم يشر صراحة‬
‫ّ‬ ‫النموذج الفرنسي للجمهورية الخامسة‪ ،‬ولئن كان‬
‫األخير‪ ،‬والمستوحى من ّ‬
‫المؤسس الفرنسي إالّ ّأنها تجد أساسها في فكرة التّجسيد التي اعتنقها‬
‫ّ‬ ‫إلى هذه الوظيفة على عكس لما ذهب إليه‬
‫الدستور‪ ،‬لمزيد من التّفاصيل راجع‪ :‬محمد براهيمي‪" ،‬حق الحل في‬
‫المؤسس الجزائري في إطار المادة ‪ 67‬من ّ‬
‫ّ‬
‫دستور ‪ ، "1989‬م‪.‬ج‪.‬ع‪.‬ق‪.‬إ‪.‬س‪ ،‬عدد‪ ،1993 ،1‬ص‪.80-74.‬‬
‫‪19‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫للمؤسسة التّشريعية (البرلمان)‪ ،1‬ناهيك عن سمو التّشريع الرئاسي‬


‫ّ‬ ‫حصر مجال التّشريع‬
‫‪2‬‬
‫استئثار رئيس‬
‫الدولية)على التّشريع البرلماني ‪،‬عطفا على ّ‬
‫(القوانين اإلستفتائية والمعاهدات ّ‬
‫‪3‬‬
‫السلطات من‬
‫الجمهورية بحق المبادرة بتعديل الدستور ‪ ،‬مما أفرغ مبدأ الفصل بين ّ‬
‫ّ‬
‫محتواه‪.‬‬
‫الدستور‪ ،‬والذي تّم إقراره بموجب الفقرة‪ 10 9‬من ديباجة‬
‫أما فيما يتعلق بمبدأ سمو ّ‬
‫ّ‬
‫المؤسس الجزائري في سبيل تجسيده إلى إعادة بعث مبدأ الرقابة‬
‫ّ‬ ‫دستور‪ ،41989‬فقد عمد‬
‫وتحرى‬
‫ّ‬ ‫على دستورية القوانين‪ ،‬من حيث ّأنها الضمانة األساسية لتكريس هذا السمو‪،5‬‬

‫يشرع فيها المجلس ال ّشعبي الوطني بـ‪12‬‬


‫الدستور المجاالت التي ّ‬
‫حددت فيه المادة ‪ 115‬من ّ‬
‫)‪ -‬في الوقت الذي ّ‬
‫‪1‬‬

‫السلطة التّنظيمية‬
‫الدستور على سبيل الحصر‪ ،‬أطلقت المادة ‪ّ 116‬‬
‫مجاالً‪ ،‬فضالً عن مجاالت أخرى يحددها ّ‬
‫يشرع فيها المجلس ال ّشعبي الوطني‪ ،‬دستور‪ ،1989‬مرجع سابق‪.‬‬
‫لرئيس الجمهورية خارج المجاالت التي ّ‬
‫‪ -)2‬يتمتع رئيس الجمهورية بحق أصيل شخصي ومطلق في اللّجوء إلى االستفتاء‪ ،‬ولما كانت القوانين‬
‫السيادة األصلي‪ ،‬فهي تتبوأ مرتبة أعلى من تلك التي تتبوؤها‬
‫اإلستفتائية عبارة عن تعبير عن إرادة صاحب ّ‬
‫بالنسبة للمعاهدات‬
‫فعالة لتجاوز البرلمان‪ ،‬أما ّ‬
‫للدولة‪ ،‬مما يعتبر أداة ّ‬
‫القوانين العادية في تراتبية الهرم القانوني ّ‬
‫الدستور التي تقضي صراحة بسمو المعاهدات التي‬
‫الدولية فهي تجد أساس سموها في مضمون المادة ‪ 123‬من ّ‬
‫ّ‬
‫يصادق عليها رئيس الجمهورية على القانون‪ ،‬أنظر في ذلك المواد‪ ،169-123-83-74/9-7-6 :‬دستور‬
‫‪ ،1989‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬المادة ‪ ،163‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫الدستور فوق الجميع‪ ،‬وهو القانون األساسي‬
‫"إن ّ‬
‫)‪ -‬تنص الفقرة ‪ 10‬من ديباجة دستور ‪ 1989‬على ما يلي‪ّ :‬‬
‫‪4‬‬

‫الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية‪ ،‬ويحمي مبدأ حرية اختيار ال ّشعب‪ ،‬ويضفي ال ّشرعية على‬
‫السلطات العمومية في مجتمع تسوده الشرعية‪ ،‬ويتحقق‬
‫ممارسات السلطة‪ ،‬ويكفل الحماية القانونية‪ ،‬ورقابة عمل ّ‬
‫فيه تفتح اإلنسان بكل أبعاده"‪ ،‬دستور‪ ،1989‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)5‬تبنى المؤسس الجزائري مبدأ الرقابة على دستورية القوانين بموجب أول دستور للبالد إالّ ّأنه لم يبصر‬
‫طريقه إلى التأسيس بحكم تجميد العمل بهذا األخير بعد ‪ 23‬يوم من إصداره من خالل تفعيل السيد الرئيس‬
‫الرقابة على‬
‫األسبق "بن بلة" – رحمه اهلل‪ -‬للمادة ‪ 59‬من هذا األخير وقد تراجع دستور ‪ 1976‬عن األخذ بمبدأ‪ّ 9‬‬
‫بالسهر على‬
‫دستورية القوانين وبقي الحال على ذلك إلى غاية صدور دستور ‪ 1989‬الذي أرسى ّأول هيئة مكلّفة ّ‬
‫النظام‬
‫الديمقراطية ال ّشعبية‪ ،‬أنظر في ذلك‪ :‬بو الشعير سعيد‪ّ ،‬‬
‫الدستور في تاريخ الجمهورية الجزائرية ّ‬
‫احترام ّ‬
‫السياسي الجزائري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.407.‬‬
‫ّ‬
‫‪20‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الدستور إلى هيئة تعوزه‬


‫السهر على احترام ّ‬
‫الضمانة أن عهد بمهمة ّ‬
‫في تجسيده لهذه ّ‬
‫تعيين‬
‫الجمهورية في ّ‬
‫ّ‬ ‫والنوعي لرئيس‬
‫مقومات االستقاللية‪ ،‬في مواجهة االمتياز ال ّكمي ّ‬
‫‪1‬‬
‫الضابطة لعملها لمظاهر الفاعلية بفعل‬
‫أعضائها من جهة ‪ ،‬وافتقار‪ 9‬المنظومة اإلجرائية ّ‬
‫محدودية الجهات المخول لها سلطة إخطار هذا األخير من جهة أخرى‪ ،2‬مما يدفعنا‬
‫الضمانة‪.‬‬
‫إلى القول بصورية هذه ّ‬
‫الديمقراطي على ّأنه نتاج لنضال ال ّشعب الجزائري‪،‬‬
‫هذا‪ ،‬وفي حين طرح الخيار ّ‬
‫للسيادة الوطنية التي هي ملك لل ّشعب يمارسها ال ّشعب الجزائري وفقا ألحكام‬
‫و امتداد ّ‬
‫الديمقراطية التّمثيلية كأصل عام عن طريق االقّتراع العام المباشر‬
‫الدستور ‪ ،‬في صورة ّ‬
‫‪3‬‬
‫ّ‬
‫والسري‪.4‬‬
‫ّ‬
‫الديمقراطية التّعددية‪ ،‬بما فتحته من أفاق نحو إرساء مجتمع مدني قوي‪ ،‬قد‬
‫فإن ّ‬
‫ّ‬
‫مجسدا في التّعددية‬
‫ّ‬ ‫طُّرحت على ّأنها أهم مكسب من مكاسب االنفتاح ّ‬
‫الديمقراطي‪،‬‬

‫الدستوري بمعدل ثالث أعضاء من‬


‫)‪ -‬يتمتع رئيس الجمهورية بامتياز تعيين أكبر عدد من أعضاء المجلس ّ‬
‫‪1‬‬

‫والسلطة التشريعية ‪-‬ك ّل على حدى‪ -‬لعضوين‬


‫السلطة القضائية ّ‬
‫أصل سبعة أعضاء‪ ،‬في مقابل انتخاب كل من ّ‬
‫من أعضاء المجلس الدستوري‪ ،‬كما يعكس تخويل رئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس المجلس الدستوري ذي‬
‫الصوت المرجح وصالحية تعيين‪ 9‬العضو المقرر في المجلس الدستوري االمتياز النوعي لهذا األخير في تعيين‬
‫أعضاء المجلس الدستوري‪ ،‬أنظر في ذلك كل من‪ :‬المادة‪154 :‬من الدستور ‪ 1989‬مرجع سابق؛ المواد‪:‬‬
‫الدستوري لسنة ‪ ،1989‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ ،329‬صادرة‬
‫‪ ،6-5-4-9/1‬النظام المحدد لقواعد عمل المجلس ّ‬
‫في ‪ 7‬غشت ‪ ،1989‬الملغى بموجب النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري لسنة ‪،2000‬‬
‫ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ ،48‬الصادرة في ‪ 6‬أوت ‪ ،2000‬المعدل بموجب النظام المحدد لقواعد عمل المجلس‬
‫الدستوري لسنة ‪ ،2012‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ ،26‬الصادرة بتاريخ ‪ 06‬أوت ‪.2000‬‬
‫الجمهورية ورئيس المجلس‬
‫ّ‬ ‫الدستوري‪ ،‬على ك ّل من رئيس‬
‫)‪ -‬لقد حصر دستور ‪ 1989‬سلطة إخطار المجلس ّ‬
‫‪2‬‬

‫الرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬أنظر في‬


‫ال ّشعبي الوطني‪ ،‬و هو ما من شأنه أن يقلّل من حظوظ تفعيل عملية ّ‬
‫ذلك‪ :‬المادة ‪156‬من دستور ‪ ،1989‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬أنظر في ذلك‪ :‬الفقرة الثّامنة من ديباجة‪ ،‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫الديمقراطية التّمثيلية كأصل عام مع تبني أسلوب االستفتاء ال ّشعبي كتعبير‬
‫)‪ -‬أخذ الم ّشرع الجزائري بصورة ّ‬
‫‪4‬‬

‫الديمقراطية غير المباشرة ‪،‬أنظر في ذلك‪ :‬المادة ‪ 07‬من المرجع نفسه‪.‬‬


‫عن صورة ّ‬
‫‪21‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫المكرسة بموجب المادة ‪ 40‬من دستور ‪ ،1989‬لكن وفقا لنموذج خاص وهو‬
‫ّ‬ ‫الحزبية‬
‫المؤسس الجزائري لمعترك‬
‫ّ‬ ‫مما يوحي (باحتّشام) دخول‬
‫السياسي ‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫الجمعيات ذات الطابع ّ‬
‫التّعددية الحزبية‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد ذهب األستاذ "عمر صدوق" في معرض تفسيره لدالالت اعتماد‬
‫السياسي دون مصطلح األحزاب‬
‫طابع ّ‬
‫المؤسس الجزائري لمصطلح الجمعيات ذات ال ّ‬
‫ّ‬
‫السياسي‪ ،‬إلى اقتراح ثالث احتماالت ممثّلة في‪:‬‬
‫السياسية من الجانب ّ‬
‫ّ‬
‫الرغب ‪99 9‬ة في تض ‪99 9‬ييق مج ‪99 9‬ال نف ‪99 9‬وذ التّعددي ‪99 9‬ة لينحص ‪99 9‬ر دوره ‪99 9‬ا في المعارض ‪99 9‬ة دون‬ ‫‪‬‬
‫الفعلية المؤثرة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المشاركة‬
‫استبعاد انتعاش أو قيام أحزاب معينة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫افتراض عدم وجود أو قيام أحزاب مؤهلة أو قادرة على خوض المعركة‬ ‫‪‬‬
‫االنتخابية‪.2‬‬
‫يكرسها‬
‫أقر التّعددية الحزبية لكنه لم ّ‬
‫المؤسس الجزائري قد ّ‬
‫ّ‬ ‫بأن‬
‫مما يدفعنا إلى القول ّ‬
‫في واقع األمر‪.‬‬
‫الدستورية الجديدة غير المكتّملة البناء‪ ،‬فتح دستور‪1989‬‬
‫في إطار هذه الخيارات ّ‬
‫جسده عدم اكتّمال النص المنظّم إلجراءات اإلنابة‬
‫منفذا قانونيا (لالنقالب على نفسه)‪ّ ،‬‬
‫الجمهورية باالستقالة ورئيس المجلس ال ّشعبي‬
‫ّ‬ ‫في حالة الشغور المزدوج لمنصبي رئيس‬
‫الناحية القانونية‪ .3‬ليدخل‬
‫الوطني بالحل‪ ،‬وهو ما سارع في تجميد العمل بهذا األخير من ّ‬
‫دستورية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األزمة في ّأزمة‬
‫بذلك دستور ّ‬
‫‪ -)1‬تنص المادة ‪ 40‬من دستور ‪ 1989‬على ما يلي‪" :‬حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف به"‪،‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -)2‬صدوق عمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.51.‬‬
‫أي حكم بشأن مساهمة‬
‫الناحية القانونية في عدم إيراد دستور‪ّ 1989‬‬
‫األول تبريره من ّ‬
‫‪-‬في رأينا يجد االحتمال ّ‬
‫األغلبية الحزبية في تشكيل الحكومة‪.‬‬
‫‪ -)3‬بلودنين أحمد‪ ،‬األزمة السياسية في الجزائر وتضخم اللّجان الوطنية لإلصالح‪ ،‬رسالة من أجل الحصول‬
‫على شهادة الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة بن يوسف بن خدة‪ ،‬الجزائر‪ ،2007،‬ص‪.16.‬‬
‫‪22‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الفرع الثّاني‬
‫التعددي‬
‫تعبئة المنظومة التّشريعية في مواجهة التّكريس ّ‬

‫التعددي‪ ،‬عمد المشرع‬


‫في إطار عملية استكمال األطر التّشريعية لعملية البناء ّ‬
‫الجزائري إلى تعبئة المنظومة التّشريعية في مواجهة تكريس هذا األخير وهو ما يمكن أن‬
‫نلمس معالمه من خالل كل من التّوجه نحو اإلقرار التعددي المفتوح في إطار قانون‬
‫السياسي‪ ،‬ناهيك عن توظيف المنظومة االنتخابية في نفس التوجه‪:‬‬
‫الجمعيات ذات الطابع ّ‬

‫ّأوالً‬
‫السياسي‬
‫قانون الجمعيات ذات الطّابع ّ‬
‫‪-‬التّوجه نحو اإلقرار التّعددي المفتوح ‪-‬‬

‫المشرع‪ ،‬استكماال لعملية هيكلة اإلطار القانوني لتّعددية الحزبية إلى إصدار‬
‫ّ‬ ‫عمد‬
‫السبيل‬
‫السياسي‪ ،‬مفسحا بذلك ّ‬
‫القانون رقم ‪ 11-89‬المتعلق بإنشاء الجمعيات ذات الطابع ّ‬
‫إلى الممارسة التّعددية في حدود جملة من األطر القانونية التي يطغى عليها عامل‬
‫المرونة‪ ،‬حيث أوقف القانون رقم ‪ 11-89‬حق إنشاء حزب سياسي على مجرد استيفاء‬
‫العامة التي يمكن تلخيصها في عدم مناقضة طبيعة الجمعية ذات الطّابع‬
‫جملة من ال ّشروط ّ‬
‫السياسي‪ ،‬وعدم الخروج‪ 9‬عن أهدافها‪ ،1‬فضال عن استنفاذ مجموعة أخرى من اإلجراءات‬
‫ّ‬
‫البسيطة‪.2‬‬

‫‪ -)1‬أنظر في ذلك‪ :‬المواد من ‪ 3‬إلى ‪ ،10‬من قانون رقم ‪ ،11-98‬المؤرخ في ‪ 05‬جويلية ‪ ،1989‬يتعلق‬
‫بالجمعيات ذات الطّابع السياسي ‪،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ ،27‬الصادرة بتاريخ ‪ 5‬جويلية ‪ ،1989‬معدل ومتمم‪.‬‬
‫‪ -)2‬أنظر في ذلك‪ :‬المواد من ‪11‬إلى ‪ ،20‬من المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫‪1‬‬
‫بأن االعتراف‬
‫الفتية ‪ ،‬إذا ما سلّمنا ّ‬
‫هذا‪،‬ما أفرز تضخما بالغا في عدد األحزاب ّ‬
‫أن يكون إالّ مجرد اعتراف‬
‫بالنسبة لمجموعة من األحزاب ّ‬
‫ّ‬ ‫التحزب لم يعدو‬
‫ّ‬ ‫القانوني بحق‬
‫المؤسس‬
‫ّ‬ ‫بأن اعتماد‬
‫كاشف‪ ،‬وهو ما يذهب األستاذ "عمر صدوق" بصدده إلى القول‪ّ ،‬‬
‫الدستور لم يسقط بصفة‬
‫الجزائري مصطلح معترف به في معرض المادة ‪ 40‬من ّ‬
‫السياسي‬
‫أن التّعدد الحزبي كان قائما في الواقع ّ‬
‫اعتباطية‪ ،‬وإ ّنما بقصد الداللة على ّ‬
‫وأن دور هذا األخير قد اقّتصر على تقنين واقع‬
‫الجزائري من قبل إصدار دستور‪ّ ،1989‬‬
‫وطبعه بطابع المشروعية‪.2‬‬
‫واالستمرارية عن‬
‫ّ‬ ‫الديمومة‬
‫ساهم هذا اإلقرار التّعددي المفتوح في إسقاط طبيعة ّ‬
‫مؤسسة قائمة على تنفيذ مشروع سياسي‪.‬‬
‫السياسية‪ ،‬من حيث ّأنها مشروع ّ‬
‫األحزاب ّ‬

‫ثالثاً‬
‫توظيف المنظومة االنتخابية‬

‫بعد النتائج غير المتوقعة التي أفرزتها التّجربة التعددية الرائدة في الجزائر‪ ،‬والتي‬
‫‪3‬‬
‫بد من إعادة هيكلة‬
‫أسفرت عن فوز الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) ‪ ،‬لم يكن هنالك ّ‬

‫‪ -)1‬بلغ عدد األحزاب المعتمدة في نهاية سنة‪51،1991‬حزبا راجع في ذلك‪ :‬طعيبة أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.136‬‬
‫‪ -)2‬ي‪99‬ذهب األس‪99‬تاذ "عم ر ص دوق" إلى الق‪99‬ول ب‪99‬أن اعتم‪99‬اد المؤ ّس ‪9‬س مص‪99‬طلح مع‪99‬ترف ب‪99‬ه في مع‪99‬رض الم‪99‬ادة ‪40‬‬
‫السياس‪99‬ي‬
‫من الدس‪99‬تور لم تكن بص‪99‬فة اعتباطي‪99‬ة‪ ،‬وإ نم‪99‬ا بقص‪99‬د الدالل‪99‬ة على أن التّع‪99‬دد‪ 9‬الح‪99‬زبي ك‪99‬ان قائم‪99‬ا في الواق‪99‬ع ّ‬
‫الجزائ‪99‬ري من قب‪99‬ل ص‪99‬دور دس‪99‬تور ‪ 1989‬ال‪99‬ذي اقتص‪99‬ر دوره على تق‪99‬نين واقع‪99‬ا وطبع‪99‬ه بط‪99‬ابع المش‪99‬روعية‪ ،‬أنظ‪99‬ر‬
‫في ذلك صدوق عمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.74.‬‬
‫‪ -)3‬أسفرت نتائج االنتخابات المحلية التي أجريت بتاريخ ‪12‬جوان ‪1990‬عن الفوز (الساحق) للجبهة اإلسالمية‬

‫لإلنقاذ (المحلّة) بحيث حصدت لوحدها ‪ 854‬مجلسا بلدياً من مجموع ‪ 1541‬مجلسا بلدياً‪ ،‬و‪ 32‬مجلسا والئياً‬
‫من مجموع ‪ 48‬مجلسا والئياً‪ ،‬أي بمعدل ‪ %45.66‬من المجالس البلدية و‪%55.04‬من المجالس الوالئية‪ ،‬تليها‬
‫مباشرةً جبهة التحرير الوطني التي حصدت ‪ 488‬مجلسا بلديا و‪ 14‬مجلسا والئيا‪ ،‬أي بمعدل ‪ %36.60‬من‬
‫=المجالس البلدية و‪ %36.61‬من المجالس الوالئية‪ ،‬لمزيد من التفاصيل حول نتائج االنتخابات راجع‪ :‬طعيبة‬
‫‪24‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫المنظومة االنتخابية وذلك عن طريق تعديل كل من قانون االنتخابات وقانون تقسيم الدوائر‬
‫االنتخابية التي طالت طائفة مهمة من األحكام لع ّل أهمها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -)1‬أهم التّعديالت التي طالت قانون االنتخابات‪:‬‬
‫تتجلي أهم التّعديالت التي طالت قانون االنتخابات في‪:‬‬
‫المشرع الجزائري عن ما كان معموال به في ظل‬
‫ّ‬ ‫تعديل نمط االقتراع أين تراجع‬ ‫‪‬‬
‫النس‪99 9‬بي على القائم‪99 9‬ة الواح‪99 9‬دة م‪99 9‬ع‬
‫الق‪99 9‬انون رقم ‪ ،13-89‬من تب‪99 9‬ني نم‪99 9‬ط االق‪99 9‬تراع ّ‬
‫أفض‪99‬لية األغلبي‪99‬ة في دور واحد‪ ،1‬إلى تب‪99‬ني نظ‪99‬ام االق‪99‬تراع الف‪99‬ردي في دورين‪ ،‬م‪99‬ع‬
‫ش‪99‬رط تحص‪99‬ل أح‪99‬د المترش‪99‬حين المتنافس‪99‬ين لكي يف‪99‬وز بالمقع‪99‬د في ال‪99‬دور األول على‬
‫تم إج ‪99‬راء دور ث ‪ٍ 9‬‬
‫‪9‬ان بين المتنافس ‪99‬ين‬ ‫طلَقَ ‪9ْ 9‬ة لألص ‪99‬وات المع ‪99‬بر عنه ‪99‬ا‪ ،‬وإ الّ ّ‬
‫الم ْ‬
‫األغلبي ‪99‬ة ُ‬
‫اللّ ‪99 9‬ذين احتال المرتب ‪99 9‬ة اّألولى والثّاني ‪99 9‬ة‪ ،‬وه ‪99 9‬و م ‪99 9‬ا يس ‪99 9‬مح ألح ‪99 9‬دهما بالحص ‪99 9‬ول على‬
‫طلَقَة‪.29‬‬
‫الم ْ‬
‫األغلبية ُ‬
‫إعادة تحديد مسألة الوكالة وتنظيمها بمعدل توكيل واحد فقط لكل ولي‪.3‬‬ ‫‪‬‬
‫لطة‪:‬‬ ‫الس‬
‫زب ّ‬ ‫دم ح‬ ‫ا يخ‬ ‫ة بم‬ ‫دوائر االنتخابي‬ ‫يم ال‬ ‫ادة تقس‬ ‫‪ -‬إع‬
‫الدوائر االنتخابية‪ ،‬مع األخذ بمعيار المساحة الجغرافية‪ 9‬بدالً‬
‫تم إعادة تقسيم ّ‬
‫ّ‬
‫السكانية العالية‬
‫السكانية‪ ،‬وعليه لم تحصل المناطق ذات الكثافة ّ‬
‫من األخذ بمعيار الكثافة ّ‬
‫مما‬
‫السكانية ذات الكثافة البسيطة‪ّ ،‬‬
‫على تمثيل كبير إالّ بفارق ضئيل بالمقارنة مع المناطق ّ‬
‫سمح بتمثيل أكبر للمناطق الريفية والمدن الجنوبية التي ٌعرفت بوالئها لجبهة التحرير‬

‫أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.157.‬‬


‫السياسي الجزائري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.322.‬‬
‫النظام ّ‬
‫)‪ -‬بوالشعير سعيد‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -)2‬الم ‪99 9‬واد ‪ 84‬مك ‪99 9‬رر‪ ،3-2-1‬من ق ‪99 9‬انون رقم ‪ 06-91‬الم ‪99 9‬ؤرخ في ‪ 02‬أفري ‪99 9‬ل ‪ ،1991‬متعل ‪99 9‬ق باالنتخاب ‪99 9‬ات‪،‬‬
‫ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ ،14‬الصادرة بتاريخ ‪ ،1991‬معدل ومتمم‪.‬‬
‫‪ -)3‬المادة ‪ ،54‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الوطني‪ ،‬على حساب المناطق ذات التّجمعات السكانية المرتفعة‪ ،‬التي فازت الجبهة‬
‫اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) بأغلب أصوات سكانها‪.1‬‬
‫السياسية‪ ،2‬في طليعتها الجبهة‬
‫قوبلت هذه التّعديالت برفض أغلب التّشكيالت ّ‬
‫اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة)‪ ،‬وقد أدى تعاقب األحداث إلى إعالن هذه األخيرة للعصيان‬
‫‪3‬‬
‫السيد‬
‫حدة االضطرابات أقدم ّ‬
‫المدني مما أفرز ما سمي بأزمة صيف ‪ ، 1991‬ومع تصعيد ّ‬
‫الرئيس "شادلي بن جديد"‪-‬رحمه اهلل‪ -‬إلى إعالن حالة الحصار لمدة ‪ 4‬أشهر بهدف‬
‫ضمان استتباب األوضاع‪ ،4‬وإ لغاء المرسوم الرئاسي رقم ‪ 84-91‬المتضمن استدعاء‬
‫هيئة الناخبين إلجراء انتخابات تشريعية مسبقة‪.5‬‬
‫بدأت األوضاع في أخذ منحاها الطّبيعي نسبيا بعد إعالن قيادة الجبهة اإلسالمية‬
‫لإلنقاذ (المحلّة) عن توقيف اإلضراب‪ ،‬في أعقاب سلسلة من المفاوضات جمعت بين‬
‫والسيد رئيس الحكومة"سيد أحمد غزالي"‪ ،6‬الذي‬
‫قيادات الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) ّ‬

‫‪ -)1‬بلعور مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.243 .‬‬


‫السياس‪9‬ية وتقس‪9‬يم ال ّ‪9‬دوائر االنتخابي‪9‬ة‬
‫السياس‪9‬ية من ق‪9‬انون األح‪9‬زاب ّ‬
‫)‪ -‬لمزيد من التّفاصيل حول موقف الّتش‪9‬كيالت ّ‬
‫‪2‬‬

‫راجع‪ :‬طعيبة احمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.107.‬‬


‫‪ -)3‬ح‪99‬ول خلفي‪99‬ات ونت‪99‬ائج أزم‪99‬ة ص‪99‬يف ‪ 1991‬راج‪99‬ع‪ :‬ت املت محمد‪ ،‬الجزائ‪99‬ر من ف‪99‬وق البرك‪99‬ان‪ ،‬د‪.‬د‪.‬ن‪ ،‬الطبع‪99‬ة‬
‫الثانية ‪ ،‬الجزائر‪ ،1999 ،‬ص‪.69-65.‬‬
‫‪ -)4‬مرسوم رئاسي رقم ‪ ،196-91‬المؤرخ في ‪ 4‬يونيو ‪ ،1991‬يتضمن تقرير حالة الحصار‪،‬‬
‫ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ ،29‬بتاريخ ‪ 12‬يونيو‪1992‬؛ تم إلغائه بموجب مرسوم رئاسي رقم ‪ ،336-91‬المؤرخ‬
‫في سبتمبر‪ ،1991‬يتضمن رفع حالة الحصار‪ ،‬ج ‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ ،44‬الصادرة بتاريخ ‪ 12‬يونيو ‪.1991‬‬
‫‪ -)5‬مرسوم رئاسي رقم ‪ ،197-91‬المؤرخ في ‪ 05‬جوان ‪ ،1991‬يلغي مرسوم رئاسي رقم ‪،94-91‬‬
‫المؤرخ في ‪ 03‬أبريل ‪ ، 1991‬المتضمن استدعاء هيئة الناخبين إلجراء انتخابات تشريعية مسبقة‪،‬‬
‫ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪..‬د‪.‬ش عدد‪ ،29‬الصادرة بتاريخ ‪ 12‬يونيو‪.1991‬‬
‫‪ -)6‬لمزيد من التّفاصيل حول مالبسات المشاورات التي قامت بين قيادات الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) و‬
‫السيد "سيد أحمد غزالي"‪ ،‬راجع‪ :‬تاملت محمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.69-68 .‬‬
‫حكومة ّ‬
‫‪26‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫السيد"مولود حمروش"على خلفية األزمة‪ ،1‬نتج عنها عكوف‬


‫استخلفت حكومته حكومة ّ‬
‫على تعديل قانوني االنتخابات وتقسيم الدوائر االنتخابية‪.2‬‬ ‫الحكومة‬
‫الرهان الديمقراطي‬
‫أن ّ‬‫السياسي‪ ،‬إالّ ّ‬
‫ورغم األجواء المشحونة التي ميزت المناخ ّ‬
‫شادلي بن جديد"‬
‫الجمهورية "ال ّ‬
‫ّ‬ ‫السيد رئيس‬
‫قد عرف طريقه إلى التّجسيد على إثر إصدار ّ‬
‫‪-‬رحمه اهلل‪ -‬مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة للمشاركة في االنتخابات الت ّشريعية ل‪26‬‬
‫ديسمبر ‪ ،31991‬والتي أسفرت هي األخرى عن فوز الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) ‪.4‬‬

‫المطلب الثّاني‬
‫للدولة‬
‫المؤسساتية ّ‬
‫ّ‬ ‫هشاشة البنية‬

‫العملية التي بواسطتها تٌحقق‪9‬‬


‫ّ‬ ‫المؤسساتية من حيث ّأنه تعبير عن‬
‫ّ‬ ‫إن مصطلح‬
‫ّ‬
‫الضرورية لبناء‬
‫اآلليات مشروعيتها وضمان استقرارها بنجاح‪ ،‬تعد من أهم ال ّشروط ّ‬
‫‪5‬‬
‫المؤسسات الدستورية في‬
‫ّ‬ ‫السياق الجزائري فقد أفصح إخفاق‬
‫أما في ّ‬
‫مؤسسات قوية ّ‬
‫‪،‬‬ ‫ّ‬

‫‪ -)1‬تم ذلك في ‪ 5‬جوان ‪.1991‬‬


‫السيد "سيد أحمد غزالي" مع مختلف تشكيالت المجتمع‬
‫)‪ -‬في أعقاب سلسلة من المشاورات التي خاضها ّ‬
‫‪2‬‬

‫المدني‪ ،‬والتى تغيبت عنها مجموعة مهمة من األحزاب في طليعتها الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) بفعل‬
‫السيد "سيد أحمد غزالي" إلى تعديل كل من قانون االنتخابات وقانون تقسيم‬
‫اعتقال رؤسائها‪ ،‬انتهى من خاللهما ّ‬
‫الدوائر االنتخابية‪ ،‬لمزيد من التفاصيل راجع‪ :‬طعيمة أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.180-173.‬‬
‫ّ‬
‫الناخبين إلجراء‬
‫)‪ -‬مرسوم رئاسي رقم ‪ ،386-91‬مؤرخ في ‪ 16‬أكتوبر ‪ ،1991‬يتضمن استدعاء هيئة ّ‬
‫‪3‬‬

‫الصادرة بتاريخ ‪16‬أكتوبر‪.1991‬‬


‫انتخابات تشريعية مسبقة‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ّ ،489‬‬
‫الدور األول‪ ،‬أي بنسبة ‪%70‬من المقاعد‬
‫)‪ -‬حصلت الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) على ‪ 188‬مقعدا في ّ‬
‫‪4‬‬

‫والمقدرة ب‪ 232‬مقعدا‪ ،‬وهذا ما يمثّل كتلة انتخابية قدرها ‪ 3.260.22‬صوت‪،‬‬


‫ّ‬ ‫التي فصل فيها خالل هذا الدور‬
‫المعبر عنها‪ ،‬مع مرور ‪ 28‬مرشح للدور الثاني وبالتالي بقي يفصلها عن‬
‫ّ‬ ‫أي ‪ %24.59‬من األصوات‬
‫األغلبية ‪ 27‬مقعدا فقط‪ ،‬أنظر في ذلك‪ :‬اإلعالن المؤرخ في ‪ 30‬ديسمبر ‪ ،1991‬يتضمن النتائج الرسمية‬
‫األول)‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ ،1‬الصادرة بتاريخ‬
‫لالنتخابات التشريعية بتاريخ ‪ ( 26/12/1991‬الدور ّ‬
‫‪.04/01/1992‬‬
‫‪ -)5‬بلعور مصطفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.148.‬‬
‫‪27‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫للدولة‪ ،‬وهو ما دفع‬


‫المؤسساتية ّ‬
‫ّ‬ ‫الدولة (فرع ّأول)‪ ،‬عن هشاشة البنية‬
‫ضمان استمرارية ّ‬
‫المجلس األعلى لألمن الذي ال يعدو أن يكون هيئة استشارية (فرع ٍ‬
‫ثان) إلى تخويل نفسه‬
‫الدولة‪.‬‬
‫ِّسة بغرض ضمان استمرارية ّ‬
‫سلطات ُمَؤ س َ‬

‫الفرع اّألول‬
‫الدولة في ضوء البدائل‬
‫الدستورية في ضمان استمرارية ّ‬
‫المؤسسات ّ‬
‫ّ‬ ‫إخفاق‬
‫المتاحة‬
‫الدستورية دورا محوريا‬
‫المؤسسات ّ‬
‫ّ‬ ‫في ضوء جملة من البدائل المطروحة لعبت‬
‫في تحديد مآالت األزمة‪ ،‬منها ما هو إيجابي ويتعلق بدور رئيس الجمهورية في افتعال‬
‫الفراغ المؤسساتي‪ ،‬ومنها ما هو سلبي والذي يتعلق بإحجام رئيسي كل من المجلس‬
‫الشعبي الوطني والمجلس الدستوري عن اتخاذ الخطوات القانونية الالّزمة لدرئ األزمة‪.‬‬

‫ّأوالً‬
‫المؤسساتية‬
‫ّ‬ ‫شغور ودوره في افتعال األزمة‬
‫اقتران ال ّ‬

‫الدور اّألول من االنتخابات التّشريعية والتي‬


‫بعد ّأيام من اإلعالن عن نتائج ّ‬
‫أسفرت عن فوز الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة)‪ ،1‬أخذت األوضاع في الجزائر منعرجا‪9‬‬
‫السيد رئيس الجمهورية "الشادلي بن جديد" ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬عن‬
‫حاسما‪ ،‬على خلفية إعالن ّ‬

‫‪ -)1‬لقد كان فوز الجبهة اإلسالمي لإلنقاذ (المحلّة) بأغلبية المقاعد في الدور األول من االنتخابات التشريعية‬

‫ِإي َذاناً بتشكل أغلبية ذات شرعية حقيقية في األفق‪ ،‬وهو ما اعتبار بالنسبة لبعض التّشكيالت ّ‬
‫السياسية على رأسها‬
‫الديمقراطي في الجزائر‪ ،‬لمزيد من التفاصيل حول‬
‫النخبة الحاكمة بأنه بداية العد العكسي للتأريخ لنهاية الحلم ّ‬
‫ردود األفعال عن فوز الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) راجع‪ :‬طعيبة أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.190-185 .‬‬
‫‪28‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫قرار التخلي عن مهامه في رئاسة الجمهورية‪ ،1‬وهو القرار الذي أقرنه بحل المجلس‬
‫الشعبي الوطني‪.2‬‬
‫ة‪:‬‬ ‫تقالة رئيس الجمهوري‬ ‫تورية الس‬ ‫ة الدس‬ ‫كالية المطابق‬ ‫إش‬
‫السياسية‪،3‬‬
‫واالستقالة التي تنازعتها مختلف التّشكيالت ّ‬
‫ّ‬ ‫بين فرضيتي اإلقالة‬
‫وانطالقا من التّسليم جدال بالفرضية الثّانية‪ ،‬نزوال عند تصريح رئيس الجمهورية في‬
‫معرض ّأول لقاء صحفي‪ 9‬له بعد األزمة التي ألمت بالجزائر‪ ،‬أين أكد بأنه استقال بمحض‬
‫إرادته ودون أي ضغط‪ ،‬نتساءل عن مدى دستورية هذه االستقالة؟‪.49‬‬
‫لقد حاول األستاذ "سعيد بو الشعير" اإلجابة عن هذه اإلشكالية‪ ،‬وقد انتهى في هذا‬
‫أن عدم إيراد‬
‫الصدد إلى التّأكيد على عدم دستورية استقالة رئيس الجمهورية‪ ،‬انطالقا من ّ‬
‫الجمهورية بشغور‬
‫ّ‬ ‫نص المادة ‪ 84‬في معرضها أي حكم بشأن اقتران استقالة رئيس‬
‫الدستوري لفكرة‬
‫المؤسس ّ‬
‫ّ‬ ‫المجلس ال ّشعبي الوطني يتجلي منه بمفهوم المخالفة‪ 9‬رفض‬
‫بأن االستقالة في تلك الظروف غير العادية تتنافي مع‬
‫االستقالة في ظل هذه الحالة‪ ،‬مؤ ّكدا ّ‬
‫روح الدستور ألسباب عديدة منها ‪:‬‬
‫بالدستور بصفة‬
‫أن االستقالة جاءت في وقت يصعب فيه ضمان استمرارية العمل ّ‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫كلّية إالّ إذا كان الرئيس مصرا على إحداث أزمة دستورية‪.‬‬
‫الدستورية الملقاة‪ 9‬على‬
‫أن االستقالة في تلك الظروف تتنافى مع أبسط الواجبات ّ‬ ‫‪‬‬
‫عاتق الرئيس‪.‬‬

‫شادلي بن جديد"‪-‬رحمه اهلل‪ -‬ليوم ‪ ،11/10/1992‬طعيبة‬


‫‪ -)1‬أنظر نص استقالة السيد رئيس الجمهورية"ال ّ‬
‫أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ملحق رقم ‪.10‬‬
‫‪ -)2‬مرسوم رئاسي رقم ‪ ،01-92‬مؤرخ في‪ 04‬جانفي ‪ ،1992‬يتضمن حل المجلس ال ّشعبي الوطني‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬‬
‫ج‪ .‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد ‪ ،2‬الصادرة بتاريخ ‪ 8‬يناير ‪.1992‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-(Voir :BOUSSOUMAH Mohamed , La parenthèse des pouvoirs publics constitutionnels de1992 a‬‬
‫‪1998; O. P.U , 2005, Alger, pp.41-61.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-( BENCHICOU Mohamed, Chadli « mes vérités » , Le Matin, N° 2702, du 13/01/2001.‬‬
‫‪29‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫اعتبار االستقالة في تلك الظروف تهرباً من المسؤولية‪ ،‬يستوجب في األنظمة‬ ‫‪‬‬


‫الديمقراطية تكييفه على أنه خيانة لألمانة حتى ال نقول خيانة عظمى‪.1‬‬
‫ّ‬
‫وكامتداد لهذا الطرح ذهب األستاذ "بوسوماح" إلى محاولة للقيام بمقاربة بين‬
‫مفهوم الخيانة العظمى وما أقدم عليه رئيس الجمهورية من تقديم استقالته في ظل الظّروف‬
‫السيد رئيس الجمهورية‬
‫أن ّ‬‫التي كانت تعيشها البالد في تلك المرحلة‪ 9،‬وقد خلص إلى ّ‬
‫"الشادلي بن جديد" ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬قد أخ ّل بواجباته الدستورية على األقل من ‪ 3‬نواحي‪:‬‬
‫إخالله بواجبه في حماية الدستور وفقا للمادة ‪ 67‬من الدستور‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫إخالله بواجبه في ضمان التّوجه الديمقراطي الذي تبناه دستور ‪ 1989‬من خالل‬ ‫‪‬‬
‫نص المادة ‪.14‬‬
‫بالدفاع عن الدستور‪ ،‬احترام حرية اختيار‬
‫الدستوري ما تعلق منه ّ‬
‫إخالله بالقسم ّ‬ ‫‪‬‬
‫الشعب ومؤسسات الجمهورية وقوانينها‪.‬‬
‫الدستورية‬
‫النظم ّ‬
‫يكيف في إطار ّ‬
‫وهو ما من شأنه حسب رأي هذا األخير أن ّ‬
‫الديمقراطية وفي إطار دولة القانون على ّأنه خيانة عظمى‪ ،‬تستوجب عرض رئيس‬
‫ّ‬
‫المؤسس لم ينص بأي شكل من األشكال على‬
‫ّ‬ ‫الجمهورية على محكمة عليا‪ ،‬حتى وإ ن كان‬
‫الجمهورية‪ ،‬إالّ ّانه يمكن في سبيل ذلك االعتماد على ما ورد في‬
‫ّ‬ ‫تقرير مسؤولية رئيس‬
‫السلطة‪.2‬‬
‫قانون العقوبات من تجريم إساءة استعمال ّ‬
‫بقراءة متالزمة لهذه النتائج وفحوى نص استقالة رئيس الجمهورية التي طرحها‪9‬‬
‫على ّأنها تضحية في سبيل تحقيق المصلحة العليا لألمة‪ ،‬نتوقف عند إمكانية توافر حلول‬

‫‪ -)1‬بوالشعير سعيد‪" ،‬وجهة نظر قانونية حول استقالة رئيس الجمهورية في ‪ 11‬جانفي ‪ 1992‬وحل المجلس‬
‫ال ّشعبي الوطني"‪ ،‬إدارة‪ ،‬مجلة سداسية تصدر عن مركز التّوثيق والبحوث اإلدارية‪ ،1993 ،‬ص‪.11-10.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-( BOUSSOUMAH Mohamed ,Op.cit,p.47.‬‬
‫بأن االقتراح الذي أورده األستاذ "بوسوماح" لم يكن بأي شكل من األشكال قابال للتّجسيد في ظل غياب‬
‫‪ -‬نجد ّ‬
‫دستوري لجهة االتّهام‪ ،‬اإلجراءات المتّبعة لتقرير هذه المسؤولية‪ ،‬الجهة التي تتولى النظر في مدى توافر‬
‫السيد رئيس الجمهورية‬
‫اءلَ ْة ّ‬
‫عناصرها وإ صدار الحكم بشأنها‪ ،‬مما يرهن أي احتمال كان واردا بشأن ُم َس َ‬
‫"الشادلي بن جديد"‪-‬رحمه اهلل‪.-‬‬
‫‪30‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫األمة‪ ،1‬وفي هذا الصدد يمكن لنا‬


‫مؤسساتي لتحقيق مصلحة ّ‬
‫أخرى غير افتعال فراغ ّ‬
‫اإلشارة إلى مخرجين تم اقتراحهما في هذا المجال‪:‬‬
‫أن رئيس الجمهورية يملك‬
‫األول بما طرحه األستاذ "سعيد بو الشعير" من ّ‬
‫يتعلق ّ‬
‫السلطات المخولة له دستوريا حق حل المجلس الشعبي الوطني بعد فشل التعايش‬
‫بموجب ّ‬
‫للسلطة بوجود أغلبية معارضة له‪ ،‬فيطلب من الشعب بعد حل‬
‫أوعند اقتران وصوله ّ‬
‫البرلمان تزكيته والوقوف إلى جانبه لتنفيذ مشروعه السياسي‪.2‬‬

‫السيد رئيس الجمهورية‬


‫السيد "علي هارون" بأن قرار استقالة ّ‬
‫صرح وزير حقوق اإلنسان األسبق ّ‬
‫)‪ -‬لقد ّ‬
‫‪1‬‬

‫الدور الثاني لالنتخابات التّشريعية‪ ،‬باعتباره‬


‫شادلي بن جديد"‪-‬رحمه اهلل‪ -‬لم يكن إال مطية لما أسماه بتأخير ّ‬
‫"ال ّ‬
‫المبرر سياسيا والمقبول قانونيا الذي الح في األفق بعد نهاية عهدة المجلس ال ّشعبي الوطني‪ ،‬مما‬
‫الحل الوحيد ّ‬
‫المؤسساتي في تلك الحقبة كان مفتعال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بأن الفراغ‬
‫يؤكد ّ‬
‫‪-Voir : ALI Haroun, L’éclaircie promotion des droits de l’homme et inquiétudes (1991-1992), Casbah,‬‬
‫‪Alger, 2011, pp.192-215.‬‬
‫‪ -)2‬بو الشعير سعيد‪" ،‬وجهة نظر قانونية حول استقالة رئيس الجمهورية بتاريخ ‪ 11‬جانفي ‪ 1992‬وحل‬
‫المجلس ال ّشعبي الوطني"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.12 .‬‬
‫أن دستور ‪ 1989‬قد‬
‫الناحية القانونية‪ 9،‬من حيث ّ‬
‫فإن هذا الرأي وإ ن كان يجد ما يبرره من ّ‬
‫من وجهة نظرنا‪ّ ،‬‬
‫السلطة التّنفيذية ما من شأنه أن يكفل التّعايش بين‬
‫وفّر من أدوات التّوازن بين السلطتين بل والمرجحة لصالح ّ‬
‫الجمهورية في استعمال حق الحل‬
‫ّ‬ ‫الّسلطتين التّنفيذية‪ 9‬والتّشريعية‪ ،‬خاصةً ما تعلق منها بإطالق حق رئيس‬
‫الرئاسي‪ ،‬ناهيك عن إمكانية االنحالل التّلقائي للمجلس ال ّشعبي الوطني في حالة عدم الموافقة على برنامج‬
‫تم التّصويت عليه‬
‫الثّانية‪ ،‬فضال عن تخويله سلطة طلب إجراء مداولة ثانية على قانون ّ‬ ‫الحكومة للمرة‬
‫الحساسة وكذا حق المبادرة بتعديل الّدستور في يد‬
‫ّ‬ ‫وحصر صالحية التّعيين في الوظائف المدنية والعسكرية‬
‫أن خيار السماح‬
‫السيد رئيس الجمهورية في فقرته ‪ّ 5‬‬
‫رئيس الجمهورية‪ ،‬إاّل ّأنه يتجلى من خالل نص خطاب ّ‬
‫بوصول الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) لقبة البرلمان بصفته الحزب الحاصل على األغلبية لم يكن مطروحا‬
‫السيد‬
‫السيد "خالد نزار"‪ ،‬فضال عن ّ‬
‫البتة‪ ،‬وهو ما أ ّكده كل من األستاذ "علي هارون" و وزير الدفاع األسبق ّ‬
‫"رضا مالك" من خالل تصريحاتهم المتعاقبة‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫أن رئيس‬
‫أما الثّاني‪ ،‬فيتعلق بالخيار الذي طرحه‪ 9‬األستاذ "فوزي أوصديق"من ّ‬
‫ّ‬
‫الجمهورية كان بمقدوره اللّجوء إلى إعالن حالة الطوارئ استنادا إلى أحكام المادة‪87‬‬
‫ّ‬
‫من الدستور‪.3‬‬
‫ني‪:‬‬ ‫عبي الوط‬ ‫الش‬
‫ل المجلس ّ‬ ‫تورية ح‬ ‫دم دس‬ ‫بهة ع‬
‫األول‬
‫تنازع فكرة مدى دستورية حل المجلس ال ّشعبي الوطني من عدمه اتجاهان؛ ّ‬
‫أن دستورية الحل من عدمه ال يجب أن‬
‫السيد "علي هارون" والذي يذهب إلى ّ‬
‫بقيادة ّ‬
‫فإن الحل‬
‫تطرح البتّة ذلك أن هذا األخير قد أنهى عهدته بتاريخ ‪ 04/01/1992‬وبالتالي ّ‬
‫‪2‬‬
‫يفنده األستاذ بوسوماح والذي أ ّكد‬
‫ال يعدو أن يكون إالّ إجراء شكلي ‪ ،‬وهو الرأي الذي ّ‬
‫بأن نهاية عهدة المجلس الشعبي الوطني تتزامن و تاريخ ‪ 06‬مارس ‪.31992‬‬
‫ّ‬

‫الدستوري الجزائري ووسائل التّعبير المؤسساتي‪ ،‬الطّبعة الثانية‪ ،‬ديوان المطبوعات‬


‫النظام ّ‬
‫)‪ -‬أوصديق فوزي‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،2008 ،‬ص‪.30.‬‬


‫‪ -‬نواف‪99 9‬ق األس‪99 9‬تاذ "أوص ديق ف وزي" فيم‪99 9‬ا ذهب إلي‪99 9‬ه من التّس‪99 9‬اؤل ح‪99 9‬ول الس‪99 9‬بب وراء ع‪99 9‬دم لج‪99 9‬وء ال ّس ‪9 9‬يد رئيس‬
‫إلى استعمال حقه في تقري‪9‬ر الت‪9‬دابير االس‪9‬تثنائية‪ ،‬خاص‪9‬ة وأن المؤ ّس‪9‬س ق‪9‬د أطل‪9‬ق ال ّس‪9‬لطة التقديري‪9‬ة‬ ‫الجمهورية‬
‫في تقرير م‪9‬دى ت‪9‬وافر ش‪9‬روط إعالن ح‪9‬التي الط‪9‬وارئ والحص‪9‬ار‪ ،‬وك‪9‬ذا الحال‪99‬ة االس‪9‬تثنائية‪ 9،‬وال‪99‬تي‬ ‫لهذا األخير‬
‫ق‪99‬د ت‪99‬وافرت جمي‪99‬ع المؤش‪99‬رات الدال‪99‬ة على وجوده‪99‬ا في نص اس‪99‬تقالة ال ّس‪9‬يد ال‪99‬رئيس "شادلي بن جديد" ‪-‬رحم‪99‬ه اهلل‪-‬‬
‫من خالل اس‪99 9‬تعماله للعب‪99 9‬ارات التالي‪99 9‬ة ‪ ... ":‬بلغت الي‪99 9‬وم ح‪99 9‬دا ال يمكن تج‪99 9‬اوزه دون المس‪99 9‬اس الخط‪99 9‬ير والوش‪99 9‬يك‬
‫باالنس ‪99‬جام الوط ‪99‬ني والحف ‪99‬اظ على النظ ‪99‬ام الع ‪99‬ام والوح ‪99‬دة الوطني ‪99‬ة ‪.....‬أم ‪99‬ام حجم ه ‪99‬ذا الخط ‪99‬ر ال ‪9ّ 9‬داهم‪...‬أم ‪99‬ام ه ‪99‬ذه‬
‫‪9‬أزم ‪ "...‬فق‪99‬د ك‪99‬ان من ش‪99‬أن تب‪99‬ني ال ّس‪9‬يد رئيس الجمهوري‪99‬ة له‪99‬ذا الخي‪99‬ار‪ ،‬بم‪99‬ا‬
‫‪9‬تجدات الخط‪99‬يرة ‪ ...‬الوض‪99‬ع المت‪ّ 9‬‬
‫المس‪ّ 9‬‬
‫من شأنه أن يخول ل‪9‬ه من س‪9‬لطات واس‪9‬عة إلع‪9‬ادة األوض‪9‬اع إلى مس‪9‬ارها الطّ‪9‬بيعي على ال‪9‬رغم من نتائج‪9‬ه الخط‪9‬يرة‬
‫والدس ‪99‬تورية ب ‪99‬ل وربم ‪99‬ا ح ‪99‬تى األمني ‪99‬ة ال ‪99‬تي عايش ‪99‬تها‬
‫المؤسس ‪99‬اتية ّ‬
‫ّ‬ ‫على الحق ‪99‬وق والحري ‪99‬ات‪ ،‬أن يح ‪99‬ول دون األزم ‪99‬ة‬
‫الجزائر‪ ،‬وما يزي‪99‬د من اس‪99‬تغرابنا ه‪99‬و لج‪99‬وء من قب‪99‬ل المجلس األعلى للدول‪99‬ة له‪99‬ذا الخي‪99‬ار بموجب المرسوم رئاسي‬
‫رقم‪، 44-92‬م‪99 9‬ؤرخ في‪ 9‬ف‪99 9‬براير‪ ،1992‬يتض‪99 9‬من إعالن حال‪99 9‬ة الط‪99 9‬وارئ‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪،‬ع‪99 9‬دد‪ ،10‬الص‪99 9‬ادرة‬
‫بتاريخ ‪.1992‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-( ALI Haroun, L’éclaircie promotion des droits de l’homme et inquiétudes (1991-1992), Op.cit,‬‬
‫‪p.206.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-( BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, p.51.‬‬
‫‪32‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫أماّ االتّجاه الثّاني فهو يثير شبهة عدم دستورية الحل وقد أوردوا في ذلك عدة حجج‬
‫نجملها فيما يلي‪:‬‬
‫أي من آليه الحل الرئاسي أو‬
‫أن اعتماد ّ‬
‫لما كان بمفهوم المادة ‪120‬من الدستور ّ‬ ‫‪‬‬
‫فإن لجوء السيد رئيس‬
‫إجراء انتخابات تشريعية مسبقة يقصي أحدهما اآلخر‪ّ ،‬‬
‫الجمهورية إلى إعمال سلطته في الحل رغم أنه سبق و أن أعلن عن إجراء‬
‫انتخابات تشريعية مسبقة يثير شبهة عدم دستورية هذا اإلجراء‪.1‬‬
‫السيد "عبد العزيز بلخادم"‬
‫وقوفا عند تصريح رئيس المجلس الشعبي الوطني ّ‬ ‫‪‬‬
‫القاضي بعدم استشارة السيد رئيس الجمهورية له قبل اإلعالن عن إجراء الحل‪،2‬‬
‫السيد رئيس‬
‫خالفا ألحكام المادة ‪ 120/2‬من الدستور‪ ،‬يظهر جليا عدم استنفاذ ّ‬
‫المؤسس كشرط لصحة إجراء الحل‪.3‬‬
‫ّ‬ ‫الجمهورية لإلجراءات الشكلية التي وضعها‬
‫وهو ما يجعلنا نذهب إلى تحميل رئيس المجلس الشعبي الوطني مسؤولية عدم‬
‫الدستوري للنظر في مدى دستورية إجراء الحل من عدمه‪ ،‬الذي كان‬
‫إخطار المجلس ّ‬
‫المؤسساتي الذي تخبطت فيه الدولة في تلك الحقبة‪.4‬‬
‫ّ‬ ‫من شأنه أن يحول دون افتعال الفراغ‬

‫‪ -)1‬بوالشعير سعيد‪" ،‬وجهة نظر قانونية حول استقالة رئيس الجمهورية بتاريخ ‪ 11‬جانفي ‪ 1992‬وحل المجلس‬
‫ال ّشعبي الوطني"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.16-15.‬‬
‫السيد رئيس المجلس ال ّشعبي الوطني قائال‪" :‬لألمانة فأنا لم أستشر" نقال عن‪ :‬طعيبة أحمد‪،‬‬
‫صرح ّ‬
‫)‪ -‬حيث ّ‬
‫‪2‬‬

‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.203.‬‬


‫‪ -)3‬تنص المادة‪ 120‬من دستور ‪ 1989‬في فقرتها األولى على ما يلي "يمكن لرئيس الجمهورية أن يقرر حل‬
‫المجلس ال ّشعبي الوطني أو إجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها‪ ،‬بعد استشارة رئيس المجلس ال ّشعبي الوطني‬
‫ورئيس الحكومة"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)4‬لقد خولت المادة ‪ 156‬من دستور ‪ ،1989‬لرئس المجلس ال ّشعبي الوطني سلطة إخطار المجلس‬
‫أن رئيس المجلس ال ّشعبي الوطني أحجم عن‬
‫السلطة إالّ ّ‬
‫أن الوضع كان يستوجب تفعيل هذه ّ‬
‫الدستوري‪ ،‬ورغم ّ‬
‫ّ‬
‫استعمال هذا الحق‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫ثانياً‬
‫الدستوري‬
‫إشكالية تحفظ المجلس ّ‬

‫المحدد‬
‫ّ‬ ‫الدستور‪ ،‬والمادة ‪ 16‬من النظام‬
‫نزوالً عند مقتضيات المادة ‪ 84‬من ّ‬
‫الدستوري بقوة القانون إلثبات الشغور النهائي لمنصب رئاسة‬
‫لقواعد عمله اجتمع المجلس ّ‬
‫الجمهورية باالستقالة‪ ،1‬وقد انتهى إلى إصدار بيان يمكن تقسيمه إلى ثالث محاور؛ أما‬
‫األول فيتعلق بإثبات الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية باالستقالة‪ ،‬في حين يذهب المحور‬
‫أي حكم‬
‫أن المادة ‪ 84‬ال تورد في فحواها ّ‬
‫الدستوري من حيث ّ‬
‫الثاني إلى تقرير الفراغ ّ‬
‫بشأن اقتران استقالة رئيس الجمهورية بحل المجلس ال ّشعبي الوطني‪ ،‬أماّ بالنسبة للمحور‬
‫الدستوري بااللتزام بالسهر على ضمان استمرارية الدولة على‬
‫الثالث ُفيلقي فيه المجلس ّ‬
‫للمؤسسات والنظام‬
‫ّ‬ ‫للسير العادي‬
‫الضرورية ّ‬
‫الدستورية وتوفير الشروط ّ‬
‫المؤسسات ّ‬
‫ّ‬ ‫عاتق‬
‫الدستوري وهو ما من شأنه أن يرتّب جملة من المالحظات نجملها فيما يلي‪:‬‬
‫مبرر لتَقٌَّيد‬
‫المالحظة األولى التي نوردها في هذا الصدد تتمثل في عدم وجود ّ‬
‫المجلس الدستوري في تفسيره لفحوى المادة ‪ 84‬من الدستور بحرفية النص‪ ،‬وهو ما‬
‫يعتبره األستاذ "بوسوماح" قراءة سياسية أكثر منها قانونية لنص المادة‪ ،‬من حيث أن هذا‬
‫األخير رفض قراءة كل من الفقرتين ‪ 9‬و‪ 10‬من المادة ‪ 84‬قراءة متالزمة‪ ،‬على الرغم‬
‫المشرعين الدستوريين في القانون المقارن قد دأبوا على االستناد إلي روح النص‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫من ّ‬
‫النص األساسي‬
‫أو الربط بالحاالت المشابهة لسد الثّغرات‪ ،‬أو تفسير الغموض الذي يعتري ّ‬
‫في الدولة‪.2‬‬
‫بأنه من غير المنطقي اكتفاء المجلس‬
‫أما المالحظة الثّانية فتتمثّل في ّأننا نجد ّ‬
‫ّ‬
‫السائدة في البالد‪ ،‬في الوقت‬
‫أن االستقالة‪ 9‬كانت مرتبطة باألوضاع ّ‬
‫الدستوري باإلشارة إلى ّ‬
‫ّ‬

‫المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري لسنة‬


‫ّ‬ ‫)‪ -‬راجع في ذلك كل من‪ :‬المادة ‪ 84‬من المرجع نفسه؛ والنظام‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1989‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-(BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, p.53.‬‬
‫‪34‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الذي كان من المفترض أن يبحث فيه مدى دستورية االستقالة‪ ،‬أفال يعتبر ذلك خروجا‬
‫الدستورية دون رقابة المالئمة‪.1‬‬
‫عن صالحياته وهو المناط برقابة ّ‬
‫الدستوري التحفظ حول (التّكليف العام)‬
‫كما نّؤ كد على عدم مقبولية إيثار المجلس ّ‬
‫المؤسس والمتمثل في السهر على احترام الدستور‪ ،2‬والذي يفرض عليه من‬
‫ّ‬ ‫الذي أناطه به‬
‫السيد رئيس الجمهورية‪ ،‬أو تقرير أهلية رئيسه في تولي مهام‬
‫إما رفض استقالة‪ّ 9‬‬
‫باب أولى ّ‬
‫الدولة إن لم يكن ذلك باعتماد قراءة واسعة لنص المادة ‪ 84‬من الّدستور‪ ،‬فمن‬
‫رئاسة ّ‬
‫الدستوري نفسه في فقرته األخيرة‪ ،3‬بدال من تخويل نفسه سلطة‬
‫خالل بيان المجلس ّ‬
‫الدولة"‪ ،4‬غير متفق حول مصداقية‬
‫في الكشف عن نظرية "استمرارية ّ‬ ‫قاعدية‬
‫اعتمادها في تلك الظّروف‪ ،5‬والتّنصل من التزاماته بإلقاء هذا االلتزام على جميع‬

‫‪ -)1‬أنظر في ذلك‪ :‬بو الشعير سعيد‪" ،‬وجهة نظر قانونية حول استقالة رئيس الجمهورية بتاريخ ‪ 11‬جانفي‬
‫‪ 1992‬وحل المجلس ال ّشعبي الوطني"‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.16.‬‬
‫‪ -)2‬أنظر في ذلك‪ :‬المادة ‪ 153‬من دستور‪ ،1989‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬بوالشعير سعيد‪" ،‬وجهة نظر قانونية حول استقالة رئيس الجمهورية بتاريخ ‪ 11‬جانفي ‪ 1992‬وحل المجلس‬
‫ال ّشعبي الوطني"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.16.‬‬
‫الدولة نحيل القارئ إلى‪ :‬بن مالك بشير‪ ،‬نظام االنتخابات‬
‫النظري لنظرية استمرارية ّ‬
‫)‪ -‬للتّفصيل في اإلطار ّ‬
‫‪4‬‬

‫الرئاسية في الجزائر‪ ،‬رسالة لنيل درجة الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة أبي‬
‫بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،2011،‬ص‪.200-195 .‬‬
‫‪ -)5‬في الوقت الذي ذهب فيه األستاذ "براهيمي" إلى أن الجزائر في أعقاب الشغور المزدوج لمنصبي رئاسة‬
‫الدولة‪ ،‬أوالً بفعل شغور منصب‬
‫الجمهورية و رئاسة المجلس ال ّشعبي الوطني كانت فعال إزاء معضلة استمرارية ّ‬
‫الدولة‪ ،‬وعلى‬
‫شخصية ّ‬
‫ّ‬ ‫األمة التي تقوم عليها مقومات‬
‫ثانيا بفعل خطر انفجار ّ‬
‫الدولة‪ ،‬و ً‬
‫مجسد ّ‬
‫ّ‬ ‫رئيس الجمهورية‬
‫أن‬
‫بالرغم من ّ‬
‫النقيض من ذلك ذهب األستاذ بوسوماح إلى أن استمرارية الدولة لم تكن البتّة محل تهديد‪ ،‬فعلي ّ‬
‫الدولة في ظل‬
‫يؤدي إلى اندثار ّ‬
‫أن غيابه ال ّ‬
‫الدستوري الجزائري‪ ،‬إالّ ّ‬
‫النظام ّ‬
‫رئيس الجمهورية ُيعتبر مفتاح قبة ّ‬
‫الدستورية‪ ،‬وبقاء اإلدارة تأتمر بأمر الحكومة‪،‬‬
‫بقاء الحكومة ورئيسها الذي أ ّكد بأنه سوف يمارس سلطاته ّ‬
‫الصدد ببعض‬
‫ودوران اآللة االقتصادية‪ ،‬ناهيك عن ممارسة القضاء لمهامه الدستورية‪ ،‬كما استشهد في هذا ّ‬
‫الدولة لم تكن‬
‫أن استمرارية ّ‬
‫مرت بحالة مماثلة للحالة الجزائرية في ‪ 11‬جانفي ‪ 1992‬إالّ ّ‬
‫التّجارب المقارنة أين ّ‬
‫محل تساؤل‪،‬‬
‫‪-Voir : BRAHIMI Mohamed, Op.cit,p.90 ; Voir aussi : BOUSSOUMAH Mohamed ,Op.cit ,pp.48-49.‬‬
‫‪35‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الدولة‪ ،‬وتوفير ال ّشروط‬


‫بالسلطة الدستورية لضمان استمرارية ّ‬
‫المؤسسات المكلّفة ّ‬
‫ّ‬
‫الدستوري‪ ،‬في حين أنه أولى بتحمل هذا‬
‫للمؤسسات والنظام ّ‬
‫ّ‬ ‫للسير العادي‬
‫الضرورية ّ‬
‫االلتزام من غيره‪.1‬‬
‫الدستوري بااللتزام‬
‫على ضوء هذه المالحظات نخلص إلى القول بإخالل المجلس ّ‬
‫الدستور‪ ،‬وهو ما يصعب تبريره من‬
‫الملقى على عاتقه والمتعلق بالسهر على احترام ّ‬
‫الناحية القانونية‪.2‬‬
‫ّ‬
‫الفرع الثّاني‬
‫المجلس األعلى لألمن هيئة استشارية بصالحيات سلطة؟!‪.‬‬

‫المؤسسة االستشارية بسلطات دستورية إالّ تكريسا لتصور‬


‫ّ‬ ‫لم تكن مفارقة‪9‬‬
‫الدولة‪ ،3‬جسده‬
‫للدولة كامتداد لنظرية استمرارية ّ‬
‫الدستوري ّ‬
‫مؤسساتي جديد خارج التّعبير ّ‬
‫ّ‬
‫الدستورية بفعل غياب الهيئة التي‬
‫الناحية ّ‬
‫المجلس األعلى لألمن في اجتماعه المعيب من ّ‬
‫الجمهورية‪ ،4‬من‬
‫ّ‬ ‫تستأثر بسلطتي دعوته لالنعقاد وإ عداد برنامج أعماله ممثلة في رئيس‬
‫ّ‬
‫مقررا لنفسه‬
‫خالل انحراف هذا األخير عن الصالحيات المنبثقة عن طبيعته القانونية ّ‬
‫المؤسسات المخولة‬
‫ّ‬ ‫بأنه يتعين على‬
‫الدستوري الذي يقضي ّ‬
‫)‪ -‬انطالقا من الفقرة األخيرة من بيان المجلس ّ‬
‫‪1‬‬

‫المؤسسات تلك التي تنص عليها المادة ‪153‬‬


‫ّ‬ ‫الدستورية‪ ،‬والتي ذكر من بينها في معرض تعداده لهذه‬
‫بالسلطة ّ‬
‫ّ‬
‫من الدستور‪ ،‬أي أن ّالمجلس الدستوري نفسه يدخل في مصاف هذه األخيرة‪ ،‬وبالتّالي كان حرياً به أن يستند إلى‬
‫الدولة"‪.‬‬
‫أهليته لضمان استمرارية ّ‬
‫في تقرير ّ‬ ‫هذه الفقرة‬
‫الدستوري إزاء األزمة ال يمكن وصفه إالّ على ّأنه تعبئة‬
‫أن موقف المجلس ّ‬
‫)‪ -‬لقد ذهب األستاذ "براهيمي" إلى ّ‬
‫‪2‬‬

‫للقانون في مواجهة الحزب الفائز في االنتخابات التّشريعية‪ ،‬أنظر في ذلك‪:‬‬


‫‪-BRAHIMI Mohamed, Op.cit,p.87.‬‬
‫‪ -)3‬في محاولة منه إلضفاء نوع من ال ّشرعية على أعماله‪ ،‬عمد المجلس األعلى لألمن من خالل الحيثية‬
‫األخيرة من اإلعالن الذي أصدره هذا األخير‪ ،‬إلى الربط بين الفقرة األخيرة من بيان المجلس الدستوري‪ ،‬التي‬
‫يدعو فيها هذا األخير الهيآت المخولة بالسلطة الدستورية إلى ضمان استمرارية الدولة‪ ،‬وبين انعقاده‪ ،‬وهو ربط‬
‫الدستوري لم يشر بأي شكل من األشكال إلى المجلس األعلى لألمن في‬
‫غير منطقي باعتبار أن بيان المجلس ّ‬
‫معرض بيانه‪ ،‬لمزيد من التفاصيل راجع في ذلك‪:‬‬
‫‪-BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, p.57.‬‬
‫‪36‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫ِّسة‪ ،1‬في حين أنه ال يعدو أن يكون سوى مجرد‬


‫سلطة ما فوق دستورية باتخاذ تدابير ُمَؤ س َ‬
‫هيئة استشارية بداللة المواد ‪ 162‬من الدستور والمادة ‪ 4‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪-89‬‬
‫‪ 196‬المتضمن تنظيم المجلس األعلى لألمن وعمله‪.2‬‬
‫وهو ما يفصح بصفة قاطعة الداللة عن عدم مشروعية التدابير التي اتخذها هذا‬
‫األخير‪ ،‬والتي أيكن تقسيمها من حيث األهمية إلى ما يلي‪:‬‬

‫ّأوالً‬
‫توقيف المسار االنتخابي‬
‫شعبية ‪-‬‬
‫‪ -‬بين إنقاذ الجمهورية ومصادرة اإلرادة ال ّ‬

‫طرت معالمها‪ 9‬لجنة األربعة منذ اليوم الثّالث من‬


‫بدأت سلسلة اإلجراءات التي س ّ‬
‫المؤسساتي‬
‫ّ‬ ‫اإلعالن عن نتائج الدور اّألول من االنتخابات التّشريعية‪ ،3‬في افتعال الفراغ‬
‫مرورا بتعبئة القانون‪ ،4‬وانتهى المجلس األعلى لألمن إلى تبرير وقف المسار االنتخابي‬

‫المتضمن تنظيم‬
‫ّ‬ ‫‪ -)4‬المادتين‪ 2 9‬و‪ ،3‬من مرسوم رئاسي رقم ‪ ،196-89‬المؤرخ في ‪ 24‬أكتوبر ‪،1989‬‬
‫‪،‬الصادرة بتاريخ‪ 27‬أكتوبر‪.1989‬‬
‫المجلّس األعلى لألمن وعمله‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ّ 45‬‬
‫‪1‬‬
‫‪)- Voir :BRAHIMI Mohamed, Op.cit, p.88.‬‬
‫‪ -)2‬المادة ‪ ،162‬من دستور‪ ،1989‬مرجع سابق؛ أنظر كذلك‪ :‬المادة ‪ 3‬من مرسوم رئاسي رقم ‪،196-89‬‬
‫مرجع سابق‪.‬‬
‫صرح األستاذ "علي هارون" بأن قرار توقيف المسار االنتخابي قد تم اتخاذه في مجلس الحكومة بعد‬
‫)‪ -‬لقد ّ‬
‫‪3‬‬

‫مرور ‪ 3‬أيام من تاريخ إعالن نتائج الدوراألول من االنتخابات التشريعية‪ 9،‬وقد عهد المجلس بمهمة إيجاد حل‬
‫مقبول قانونيا ومبرر سياسيا لمنع الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) من الوصول إلى البرلمان‪ -‬مهما كلف األمر‬
‫السيد "سيد‬
‫ذلك‪ -‬إلى لجنة مكونة من أربع شخصيات‪ ،‬شخصيتين مدنيتين تم انتدابهما من قبل رئيس الحكومة ّ‬
‫والسيد "أبوا بكر بلقايد"‪ ،‬وشخصيتين منتدبتين‪ 9‬من قبل‬
‫السيد "علي هارون" ّ‬
‫أحمد غزالي" ممثلتين في كل من ّ‬
‫السلطة العسكرية ممثلتين في الجنرالين "عبد المجيد" و "تواتي"‪ ،‬أنظرفي ذلك‪:‬‬
‫‪- ALI Haroun, L’éclaircie promotion des droits de l’homme et inquiétudes(1991-1992), pp.187-192.‬‬
‫‪ -)4‬أنظر في ذلك‪ :‬ص من ‪ 26-23‬من هذا البحث‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫للسير‬
‫الضرورية ّ‬
‫تحت عنوان استحالة مواصلة المسار االنتخابي حتى تتوافر ال ّشروط ّ‬
‫للمؤسسات‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫العادي‬
‫الديمقراطية‪ ،‬حماية الدولة من حرب‬
‫ولئن كانت ذرائع إنقاذ الجمهورية‪ّ ،‬‬
‫أهلية‪ ،2‬توظيفا للخطاب المعارض لهذه المقومات الذي تبنته الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ‬
‫‪3‬‬
‫السياسية للبعض‪ -‬مع‬
‫(المحلّة) ‪ ،‬مسوغا كافيا لتوقيف المسار االنتخابي من الناحية ّ‬
‫للدعائم األساسية لهذه المقومات‪،‬‬
‫إهدار ّ‬
‫ً‬ ‫التحفظ‪ ،4 -‬إالّ ّأنها من الناحية القانونية تعتبر‬
‫أن توقيف المسار االنتخابي من منطلق فرض الوصاية على ال ّشعب يعتبر مصادرة‬
‫بحيث ّ‬
‫لإلرادة ال ّشعبية ومنه تنكرا لمبدأ السيادة ال ّشعبية التي كرسها الدستور في مادته ‪ ،57‬كما‬

‫الصادر بتاريخ ‪ ،12/01/1992‬يتعلق بوقف المسار‬


‫)‪ -‬أنظر في ذلك كل من‪ :‬إعالن المجلس األعلى لألمن ّ‬
‫‪1‬‬

‫االنتخابي؛ طعيبة أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ملحق رقم ‪.12‬‬


‫بأن‪" :‬توقيف المسار االنتخابي كان ناتجا عن التخوف من السقوط‬
‫السيد "علي هارون" ّ‬
‫)‪ -‬في ذلك‪ ،‬صرح ّ‬
‫‪2‬‬

‫أن توقيف‬
‫السيد "رضا مالك" إلى ّ‬
‫في اختبار يمكن أن يقود إلى تكريس أحادية حزبية جديدة"؛ في حين ذهب ّ‬
‫المسار االنتخابي إنما هو إنقاذ للجمهورية من خطر االندثار غفل عنه البعض رغم تبني الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ‬
‫(المحلّة) لخطاب العنف والذي تجلى بعد أحداث صيف ‪ ،1991‬ظهرت معه دالالت قاطعة بتوجه هذا األخير‬
‫أن الجبهة‬
‫السيد "خالد نزار" فقد ذهب إلى ّ‬
‫الجمهورية؛ "أما وزير الدفاع األسبق ّ‬
‫ّ‬ ‫الدولة‬
‫نحو تفكيك مقومات ّ‬
‫حمل نفسه مهمة حماية‬
‫الدولة اإلسالمية بالسيف والبندقية وأن الجيش ّ‬
‫اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) قد رفعت شعار ّ‬
‫الدولة من حرب أهلية محقّقة بتوقيف المسار االنتخابي"‪ ،‬أنظر في ذلك‪:‬‬
‫‪-ALI Haroun et CHANGNOLLAUD Jean-paul, « Il fallait arrêter le processus électoral », In‬‬
‫‪Confluence Méditerranée, N°40, 2002, p.217 ;Voir aussi :ALI Haroun et autre, Algérie arrêt du processus‬‬
‫‪électoral enjeux et démocratie, publisud pour le monde hors Algérie, paris, 2002, p p.13-14.‬‬
‫‪ -)3‬لمزيد من التفاصيل حول التّوجه ال ّشمولي للجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة)‪ ،‬راجع كل من‪ :‬سيف الدين عبد‬
‫الديمقراطية رؤية من خالل الحدث الجزائري‪ ،‬سلسلة كتب المستقبل‬
‫الفتاح إسماعيل‪ ،‬التيارات اإلسالمية وقضية ّ‬
‫العربية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ 1999 ،‬ص‪109-93.‬؛‬
‫‪-ALI Haroun et autre, Op.cit, pp.32-50.‬‬
‫لع ّل أبرز هذه التّصريحات ما تعلق بتنصيب محاكم شعبية لمحاكمة المسؤولين‪.‬‬
‫‪ -)4‬لمزيد من التّفاصيل حول موقف التشكيالت السياسية من توقيف المسار االنتخابي راجع‪ ،‬طعيبة أحمد‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.207-204.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-( Voir : BRAHIMI Mohamed, Op.cit, p.88.‬‬
‫‪38‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫توجهاتها‪ ،‬وهو ما يعتبر‬


‫السياسية على اختالف ّ‬
‫يعبر عن رفض تقبل تداول البرامج ّ‬
‫ّ‬
‫والدولة‬
‫بدوره تنكرا لمبدأ التداول على السلطة وبالنتيجة إفراغا لمفهومي الديمقراطية ّ‬
‫الجمهورية من محتواهما‪.1‬‬
‫ّ‬
‫سجلت بشأنها عدد‬
‫الحجة‪ 9‬القائلة بعدم مصداقية نتائج االنتخابيات‪ ،‬التي ّ‬
‫وقد كانت ّ‬
‫طعون االنتخابية مرفقة بتصريحات تفيد بحدوث تجاوزات خطيرة من طرف‬
‫كبير من ال ّ‬
‫‪2‬‬
‫السلطة المنوط بها‬
‫الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة) ‪ ،‬ليعتد بها لو تم تأكيدها من طرف ّ‬
‫السهر على صحة العملية االنتخابية‪ ،‬والتي خول لها الدستور لوحدها سلطة إلغاء‬
‫مهمة ّ‬
‫‪3‬‬
‫الدستوري‪.‬‬
‫تبين لها ذلك ‪ ،‬ممثلةً في المجلس ّ‬
‫نتائج االنتخابات متى ّ‬
‫مكرس دستوريا‪ ،‬ليست ممارسة موقوفة على‬
‫الديمقراطية من حيث ّأنها مبدأ ّ‬
‫إن ّ‬‫ّ‬
‫شرط فاسخ‪ ،‬أو مرهونة بمدى التزام طرف ما بقواعدها‪ ،‬كما يحلو تصويرها للبعض‪،‬‬
‫يفسر‬
‫الديمقراطية تحت أي ذريعة ال يمكن أن ّ‬
‫فإن الخروج عن قواعد الممارسة ّ‬
‫وبالتالي ّ‬
‫الدستورية‪.4‬‬
‫إالّ على ّأنه إهدار للمبادئ ّ‬

‫وتضخم اللّجان الوطنية لإلصالح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.16.‬‬


‫ّ‬ ‫السياسية في الجزائر‬
‫)‪ -‬بلودنين أحمد‪ ،‬األزمة ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ -)2‬لقد عرفت االنتخابات التشريعية تقديم ‪ 314‬طعنا في نتائج ‪ 140‬مقعدا شملت ‪ 44‬والية‪ ،‬كما تّمت اإلشارة‬
‫من طرف الحكومة على لسان رئيسها بحدوث تجاوزات في عملية االقتراع السيما ما تعلق بشطب أسماء‬
‫أشخاص يحملون بطاقة انتخابية من لوائح البلديات التي تسيطر عليها الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة)‪ ،‬وعدم‬
‫توزيع ‪ 300‬بطاقة‪ ،‬راجع في ذلك‪ :‬طعيبة أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.175.‬‬
‫‪ -)3‬أنظ‪99 9‬ر في ذل‪99 9‬ك‪ :‬الم‪99 9‬ادة ‪ 153‬من دس‪99 9‬تور ‪1989‬؛ والم‪99 9‬واد من ‪ ،39-31‬من النظ‪99 9‬ام المح‪9ّ 9 9‬دد لقواع‪99 9‬د عم‪99 9‬ل‬
‫المجلس الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫السيد" سيد أحمد غزالي" ما يناقضه في قوله‪ :‬المسألة ليست معرفة إذا كنا في أو‬
‫)‪ -‬وهو ما نجد في موقف ّ‬
‫‪4‬‬

‫الديمقراطية‬
‫خارج التّأسيس ّإنما المسألة هي إعطاء نظرة على متطلبات الحياة ومستقبل البالد‪ ،‬إ ًذا ال نبحث عن ّ‬
‫الديمقراطية من أجل كشف حسابات وصيانة سلطة الفريق‪ ،‬نقال عن‪:‬‬
‫الديمقراطية و ّإنما نريد ّ‬
‫من أجل ّ‬
‫‪-GHOZALI Nasser –eddine, L’Algérie dans tous ses états. de la crise à la démocratie orpheline, In Ou‬‬
‫‪va l’Algérie,  karthala, 2001، p.41.‬‬
‫‪39‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫ثانياً‬
‫الدولة‬
‫للدولة كهيئة فعلية لضمان استمرارية ّ‬
‫تنصيب المجلس األعلى ّ‬

‫امتّدت السلطة التّأسيسية التي خولها المجلس األعلى لألمن لنفسه تحت غطاء‬
‫فعلية مقصيا بذلك الفقرة‪9‬‬
‫الدولة‪ ،‬إلى استحداث هيئة إنابة رئاسية ّ‬
‫نظرية استمرارية ّ‬
‫الدستوري ل ـ‪ 11‬جانفي‪ 1992 9‬من إمكانية التطبيق‪.1‬‬
‫األخيرة من بيان المجلس ّ‬
‫هذا‪ ،‬وقد عهد المجلس األعلى لألمن بموجب إعالن ‪ 14‬جانفي‪ ،21992 9‬لهيئة‬
‫رئاسية جماعية قائمة على مجموعة من ال ّشرعيات كبديل عن ال ّشرعية الدستورية*‪،‬‬
‫السلطات التي خولها الّدستور لرئيس الجمهورية‪ ،‬في محاولة‪ 9‬فاشلة على‬
‫بممارسة جميع ّ‬
‫الدستوري على عمل هذه‬
‫الناحية القانونية إلضفاء نوع من االمتداد ّ‬
‫من ّ‬ ‫األقل‬
‫‪3‬‬
‫الناحية الزمنية باستكمال‬
‫األخيرة ‪ ،‬كما ربط إعالن المجلس األعلى لألمن مهمته من ّ‬
‫في قراءة خاطئة لمفهوم االستقالة‪ 9‬التي يتولد عنها إلغاء جميع‬ ‫العهدة الرئاسية‬
‫صالحيات ومهام رئيس الجمهورية‪.4‬‬
‫الشراح أثر ال في األنظمة المقارنة وال في‬
‫هذه السابقة‪ ،‬التي لم يجد لها ّ‬
‫تم استبعاد النص التّأسيسي ولو في جزء منه عن طريق هيئة‬
‫الممارسة الجزائرية أين ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪(-Voir: BOUSSOUMAH Mohame, Op.cit, p.63.‬‬
‫المتضمن اإلعالن عن إقامة المجلس األعلى‬
‫ّ‬ ‫‪ -)2‬إعالن المجلس األعلى لألمن‪ ،‬مؤرخ في ‪ 14‬جانفي ‪،1992‬‬
‫للدولة‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد ‪ ،3‬الصادرة في ‪5‬جانفي ‪.1992‬‬
‫ّ‬
‫السيد "خالد نزار"‬
‫والسيد "علي كافي‪" ‬عضوا لبعديهما الثوري‪ّ ،‬‬
‫السيد "محمد بوضياف" (رحمه اهلل) رئيسا ّ‬
‫* ّ‬
‫والسيد "علي هارون" ممثال للبعد الديمقراطي‪.‬‬
‫السيد "تيجاني هدام" ممثال للبعد اإلسالمي ّ‬
‫ممثال للبعد‪ 9‬الوطني‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-( Voir: BRAHIMI Mohamed, Op.cit, p.91.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-( Voir: BOUSSOUMAH Mohamed, Op.cit, p.63.‬‬
‫‪40‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫ألي‬
‫فعلية تفتقر ّ‬
‫استشارية بموجب معايير قانونية غير مكافئة له‪ ،‬أسفرت عن نشوء هيئة ّ‬
‫شرعية أو مشروعية قانونية‪ ،1‬وفرضها كأمر واقع إلدارة المرحلة‪ 9‬االنتقالية‪.‬‬
‫لم يتوقف الخروج عن النص التّأسيسي عند هذا الحد‪ ،‬بل تعداه بأن عهد المجلس‬
‫للدولة لنفسه متصرفا كسلطة تأسيسية هو اآلخر بمهمة التشريع عن طريق‬
‫األعلى ّ‬
‫‪2‬‬
‫جلية الطبيعة الصورية للمجلس االستشاري الوطني ‪-‬‬
‫المراسيم التّشريعية ‪ ،‬كاشفا بصورة ّ‬
‫كمحاولة لمقاربة مبدأ الفصل بين السلطات ‪ -‬بحيث لم ينط هذا الجهاز الذي أنشئ بغرض‬
‫سد الفراغ المؤسساتي على مستوى الهيئة التشريعية بأي مهمة تشريعية كانت أم رقابية‪،‬‬
‫وهو ما يجعلنا نقول باعتماد المجلس األعلى للدولة في إدارة المرحلة االنتقالية على مبدأ‬
‫تركيز السلطة‪.3‬‬

‫المبحث الثّاني‬
‫العنف المسلح كإطار للمأساة الوطنية‬

‫الشراح في تأريخهم لحالة العنف المسلح الجزائرية إلى االنطالق‬


‫يذهب العديد من ّ‬
‫من تاريخ وقف المسار االنتخابي باعتباره الشرارة‪ 9‬التي أججت من نزعة العنف لدى‬

‫النظام القانوني الجزائري‪ ،‬رسالة لنيل درجة دكتوراه‬


‫)‪ -‬رابحي أحسن‪ ،‬مبدأ تدرج المعاير القانونية في ّ‬
‫‪1‬‬

‫في القانون‪ ،‬معهد الحقوق والعلوم اإلدارية‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،2006 ،‬ص‪.94-92.‬‬
‫للدولة رقم ‪ ،02-92‬مؤرخة في ‪ 14‬أفريل ‪ ،1992‬تتعلق بمراسيم ذات الطّابع‬
‫)‪ -‬مداولة المجلس األعلى ّ‬
‫‪2‬‬

‫الصادرة بتاريخ‪ 15‬أفريل ‪. 1992‬‬


‫التّشريعي‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ّ ،289‬‬
‫‪-)3‬تم استحداث المجلس االستشاري الوطني بموجب الفقرة ‪ 6‬من إعالن المجلس األعلى لألمن المؤرخ في ‪14‬‬
‫جانفي ‪ ،1992‬مرجع سابق؛ وتم ترسيمه بموجب‪ :‬مرسوم رئاسي رقم ‪ ،39-92‬المؤرخ في ‪ 4‬فبراير‬
‫‪ ،1992‬يتعلق بصالحيات المجلس االستشاري الوطني وطرق تنظيمه وعمله‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪،08‬‬
‫الصادرة بتاريخ‪ 9 :‬فبراير‪.1992‬‬
‫ّ‬
‫‪41‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫‪4‬‬
‫الدولة لخيار المواجهة‬
‫المتطرفة ‪ ،‬وما استتبعها من تبني ّ‬
‫ّ‬ ‫التنظيمات اإلسالمية الجزائرية‬
‫األمنية‪.‬‬
‫وقد أفرزت هذه األوضاع األمنية الخطيرة جملة من المقاربات القائلة بالطبيعة‬
‫القانونية لحالة‪ 9‬العنف المسلح الجزائرية (مطلب ّأول)‪ ،‬أخذت في مجملها‪ 9‬بالحصيلة‬
‫اإلنسانية المأساوية التي خلفتها هذه األوضاع‪ ،‬والتي نعزيها في حقيقة األمر للممارسة‬
‫المعكوسة للتطبيق المتكامل للقانون الدولي اإلنساني والقانون الدولي لحقوق اإلنسان في‬
‫إطار حالة‪ 9‬العنف المسلح الجزائرية(مطلب ٍ‬
‫ثان)‪.‬‬

‫األول‬
‫المطلب ّ‬
‫طبيعة القانونية لحالة العنف المسلّح الجزائرية‬
‫بحث ال ّ‬

‫يكتسي البحث في الطّبيعة القانونية لظاهرة العنف المسلّح التي عاشتها الجزائر‬
‫أهمية بالغة في تحديد المنظومة القانونية الواجبة اإلنفاذ الحتواء هذه الظاهرة‪ ،‬بما يحقق‬
‫أن هذه العملية على‬
‫الدولة وحماية مواطنيها‪ ،‬إالّ ّ‬
‫معادلة التوازن بين الحفاظ‪ 9‬على هيبة ّ‬
‫أهميتها تطرح صعوبات حقيقية لدرجة قد يتمخض معها عن التّباين في التكييف مغالطات‪9‬‬
‫قانونية‪.‬‬
‫وفي محاولة منا لتبيان الطبيعة القانونية لظاهرة العنف المسلّح التي عاشتها‬
‫الجزائر‪ ،‬سنعمد في البداية إلى استعراض المقاربة الرسمية لحالة العنف المسلّح الجزائرية‬
‫(فرع ّأول)‪ ،‬ثم ننتقل للبحث في مدى استيفاء حالة العنف المسلّح الجزائرية لعتبة‬
‫النزاعات المسلّحة ذات الطابع غير الدولي (فرع ٍ‬
‫ثان)‪.‬‬

‫الدموية التي عاشتها الجزائر عادة ما يبدأ من أعقاب توقيف المسار‬


‫أن التّأريخ للمرحلة ّ‬
‫الرغم من ّ‬
‫)‪ -‬على ّ‬
‫‪4‬‬

‫بأنها بدأت منذ سنوات ‪ ،1982‬راجع‬


‫االنتخابي‪ ،‬إالّ ّأنها في الحقيقة وليدة ممارسات سابقة‪ ،‬ال نبالغ إذا ما قلنا ّ‬
‫السياسي" ‪ ،‬مجلة المفكر‪،‬‬
‫=في ذلك‪ :‬برقوق محند‪" ،‬مكافحة اإلرهاب في الجزائر من المقاربة األمنية إلى الحل ّ‬
‫العدد‪ 9‬الثّاني‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،2007،‬ص‪.48-40.‬‬
‫‪42‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫األول‬
‫الفرع ّ‬
‫الرسمية لحالة العنف المسلّح الجزائرية‬
‫المقاربة ّ‬
‫‪-‬الدفع نحو تأصيل أطروحة الحرب على اإلرهاب‪-‬‬

‫الرسمية في تكييف حالة العنف المسلّح‬


‫السمة األساسية لمختلف المقاربات ّ‬
‫لعل ّ‬
‫الجزائري‪ ،‬التي تتكشف عنها التّدابير المعتمدة في تطويق هذه الحالة‪ ،‬هو التفافها‪ 9‬حول‬
‫مفاهيم قانونية تشترك في ّأنها أدنى من عتبة النزاع المسلّحة ذات الطابع غير الدولي‪،‬‬
‫وهو التّوجه الذي تعوزه الحجة‪ 9‬القانونية القاطعة بفعل نسبية معيار العتبة في شقه السلبي‬
‫كأساس للتّكييف‪.‬‬

‫ّأوالً‬
‫الرسمية لحالة العنف المسلّح الجزائرية‬
‫المرتكزات القانونية للمقاربة ّ‬
‫‪-‬الحرب على اإلرهاب‪-‬‬

‫إعتمد المشرع الجزائري مبدأ التدرج في مجابهته لظاهرة العنف المسلّح‬


‫الجزائرية بداية من تبني إجراء ظرفي ممثال في إعالن حالة الطوارئ‪ ،1‬مرورا بإقرار‬
‫الجريمة اإلرهابية والتّخريبية كتدبير قانوني دائم‪ ،2‬وقد عكست هذه السياسة التّشريعية‬
‫النظرة الرسمية لحالة العنف المسلّح التي عاشتها الجزائر‪ ،‬والتي ارتكزت في مراحلها‬

‫‪ -)1‬أنظر في ذلك‪ :‬مرسوم رئاسي ‪ ،44-92‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -)2‬مرسوم تشريعي رقم ‪ ،03-92‬المؤرخ في ‪ 30‬ديسمبر ‪ ،1992‬يتعلق بمكافحة التخريب‬
‫الصادرة بتاريخ ‪20‬يناير ‪1992‬؛ مرسوم تشريعي رقم ‪ ،05-93‬المؤرخ‬
‫واإلرهاب‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ّ ،70‬‬
‫في ‪ 19‬أبريل ‪ ،1993‬يعدل ويتمم مرسوم تشريعي رقم ‪ ،03-92‬المؤرخ في ‪30‬سبتمبر ‪ 1992‬والمتعلق‬
‫بمكافحة التّخريب واإلرهاب‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد ‪ ،25‬الصادرة بتاريخ ‪ 25‬أفريل ‪.1993‬‬
‫‪43‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫األولى على مفهوم االضطرابات والتّوترات الداخلية‪ ،‬لتستقر في نهاية المطاف على‬
‫مفهوم الجريمة اإلرهابية كأساس لتوصيف حالة العنف المسلّح الجزائرية‪.‬‬

‫‪-)1‬االضطّرابات والتّوترات الداخلية‪:‬‬


‫ذهب المشرع الجزائري كمرحلة أولى في سبيل تطويق حالة العنف المسلّح التي‬
‫عايشتها الجزائر في أعقاب توقيف المسار االنتخابي‪ ،‬إلى تبني تدبير أمني وقائي تجل‬
‫في إعالن حالة‪ 9‬الطوارئ‪.1‬‬
‫هذا اإلجراء الذي ربطه المشرع في حيثيته األولى بالمساس الخطير والمستمر‬
‫المسجل في العديد من نقاط التراب الوطني‪ ،‬وربطه في الحيثية الثانية‬
‫ّ‬ ‫بالنظام العام‬
‫والمتكرر بأمن المواطنين‬
‫ّ‬ ‫المؤسسات والمساس الخطير‬
‫ّ‬ ‫بالتّهديدات التي تستهدف استقرار‬
‫المشرع الجزائري نحو إسقاط مفهوم‬
‫ّ‬ ‫والسلم المدني‪ ،2‬يحيلنا إلى القول بنزوع‬
‫ّ‬
‫الدولة الجزائرية‪،3‬‬
‫االضطرابات والتّوترات الداخلية على حالة‪ 9‬العنف المسلّح التي عرفتها ّ‬
‫‪ -)1‬مرسوم رئاسي رقم‪ ،44-92‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)2‬أنظر في ذلك‪ :‬ديباجة المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،44-92‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫األولي لس‪99‬نة ‪ 1970‬بش‪99‬أن حال‪99‬ة االض‪99‬طرابات الداخلي‪99‬ة‬ ‫الدولي‪99‬ة للص‪99‬ليب األحم‪99‬ر في تقريره‪99‬ا ّ‬
‫)‪ -‬خلص‪99‬ت اللّجن‪99‬ة ّ‬
‫‪3‬‬

‫إلى أنه ‪99‬ا‪ » ‬تل ‪99‬ك الح ‪99‬االت ال ‪99‬تي دون أن تس ‪99‬مي نزاع ‪99‬ات مس ‪99‬لحة غ ‪99‬ير دولي ‪99‬ة ب ‪99‬أتّم مع ‪99‬نى الكلم ‪99‬ة‪ ،‬توج ‪99‬د فيه ‪99‬ا على‬
‫المستوى ال‪9‬داخلي مواجه‪99‬ات على درج‪9‬ة من الخط‪9‬ورة واالس‪99‬تمرار‪ ،‬وتنط‪9‬وي على أعم‪99‬ال عن‪99‬ف ق‪99‬د تكتس‪99‬ي أش‪9‬كاال‬
‫مختلفة‪ ،‬بدأ بانطالق أعمال ثورة تلقائيا‪ ،‬حتى الصراع بين مجموعات منظمة شيئا‪ ،‬والسلطات الحاكمة‪ ،‬وفي هذه‬
‫ض ‪9‬رورة لص ‪99‬راع مفت ‪99‬وح ت ‪99‬دعو ال ّس ‪9‬لطات الحاكم ‪99‬ة ق ‪99‬وات ش ‪99‬رطة كب ‪99‬يرة‪ ،‬وربم ‪99‬ا ق ‪99‬وات‬
‫الح ‪99‬االت ال ‪99‬تي ال ت ‪99‬ؤول بال ّ‬
‫مس‪99‬لحة‪ ،‬ح‪99‬تى تعي‪99‬د النظ‪99‬ام ال‪99‬داخلي إلى نص‪99‬ابه‪ ،‬وع‪99‬دد الض‪99‬حايا المرتف‪99‬ع يجع‪99‬ل من الض‪99‬رورة تط‪99‬بيق ح‪99‬د أدني من‬
‫أم‪99‬ا بش ‪99‬أن التّ ‪99‬وترات الداخلي ‪99‬ة فق ‪99‬د اكتفت ب ‪99‬إيراد بعض الخص ‪99‬ائص ال ‪99‬تي تص ‪99‬طبغ به ‪99‬ا ه ‪99‬ذه‬
‫القواع ‪99‬د اإلنس ‪99‬انية‪« ‬؛ ّ‬
‫السياس‪99 9 9‬يين أو بس‪99 9 9‬بب أرائهم‬
‫األخ‪99 9 9‬يرة وال‪99 9 9‬تي جملته‪99 9 9‬ا في‪ :‬انتش ‪99 9‬ار اإليقاف ‪99 9‬ات الجماعي‪99 9 9‬ة‪ ،‬ارتف ‪99 9‬اع ع‪99 9 9‬دد المعتقلين ّ‬
‫ض‪9‬مانات القض‪99‬ائية األساس‪99‬ية عن‪99‬د إعالن‬
‫ومعتق‪99‬داتهم‪ ،‬وظ‪99‬روف االعتق‪99‬ال الالإنس‪99‬انية‪ ،‬والمعامل‪99‬ة ال ّس‪9‬يئة‪ ،‬وتعطي‪99‬ل ال ّ‬
‫حال‪99‬ة الط‪99‬وارئ مثال‪ ،‬وظه‪99‬ور ح‪99‬االت االختف‪99‬اء‪ ،‬وق‪99‬د تك‪99‬ون ه‪99‬ذه الظّ‪99‬واهر مجتمع‪99‬ة أو منف‪99‬ردة‪ ،‬لكنه‪99‬ا تعكس رغب‪99‬ة‬
‫النظ ‪99 9‬ام الح‪99 9‬اكم في تطوي ‪99 9‬ق أث ‪99 9‬ار االض ‪99 9‬طرابات والت ‪99 9‬وترات من خالل اللج ‪99 9‬وء إلى وس‪99 9‬ائل وقائي‪99 9‬ة لل ّس‪9 9 9‬يطرة على‬
‫ّ‬
‫الزمالي عامر‪ ،‬م‪99‬دخل إلى الق‪99‬انون ال‪9ّ 9‬دولي اإلنس‪99‬اني‪ ،‬الطّبع‪99‬ة الثاني‪99‬ة‪ ،‬منش‪99‬ورات المعه‪99‬د‬
‫األوض‪99‬اع‪ ،‬أنظ‪99‬ر في ذل‪99‬ك‪ّ :‬‬
‫للصليب األحمر‪ ،‬تونس‪ ،1997 ،‬ص‪.40.‬‬
‫العربي لحقوق اإلنسان واللّجنة الدولية ّ‬
‫‪44‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫وجهه‬
‫وال ننطلق في تحليلنا هذا من العدم‪ ،‬وإ نما لنا أن نستند في ذلك إلى الخطاب الذي ّ‬
‫لألمة قبيل إعالن حالة‬
‫السيد "محمد بوضياف" ‪-‬رحمه اهلل‪ّ -‬‬
‫للدولة ّ‬
‫رئيس المجلس األعلى ّ‬
‫في تبريره ألسباب اتّخاذ هذا اإلجراء للقول‪:‬‬ ‫الطوارئ‪ ،‬حيث ذهب هذا األخير‬
‫»‪....‬هذا الحزب رفض اليد التي مددناها له وقد لجأ إلى العنف وخلق توترات و‬
‫اضطرابات مهددة ألمن األمة في محاولة لخلق حرب أهلية‪ ،‬ولهذه األسباب قررنا فرض‬
‫حالة الطوارئ‪« 1.....‬‬
‫في قراءة مقاربتية لتعريف االضطرابات والتوترات الداخلية ومجمل الوقائع التي‬
‫أفرزتها األوضاع الجزائرية في أعقاب توقيف المسار االنتخابي‪ ،‬أين عرفت المواجهات‬
‫بين الجيش الجزائري وبعض من أنصار الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ "المحلّة"‪ 9‬تصعيدا‬
‫ملحوظا‪ ،2‬وهو ما نتج عنه على خلفية إعالن حالة الطوارئ تخويل السلطة التنفيذية‬
‫ضخمت من فاتورة انتهاكات حقوق اإلنسان‪ ،‬على غرار إنشاء مراكز‬
‫صالحية واسعة ّ‬
‫لالعتقاالت الجماعية‪ ،‬تنصيب المحاكم االستثنائية‪ ،‬تمديد نطاق االختصاص الشخصي‬
‫للمحاكم العسكرية لتشمل غير العسكريين‪ ،3‬تسجيل حاالت اختفاء‪ ،‬تجاوزات وتعسفات‬
‫ملحوظة في تطبيق التّدابير األمنية وغيرها من الممارسات ومن المعامالت المسيئة‬
‫‪4‬‬
‫األولية‬
‫للكرامة اإلنسانية ‪ ،‬ننتهي إلى استجابة حالة العنف المسلّح الجزائري في مراحلها‪ّ 9‬‬
‫لعتبة االضطرابات والتّوترات الداخلية‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪)-Message a la nation du président du haut comite d’Etat, In El moujahid, du 11fevrier 1992.‬‬
‫‪22‬‬
‫الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ‬
‫الجيش وأنصار ّ‬
‫)‪ -‬لمزيد من التّفصيل حول خلفيات ومالبسات المواجهات بين ّ‬
‫(المحلّة) راجع‪ :‬تاملت محمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.128-115.‬‬
‫‪ -)33‬أنظر في ذلك‪ :‬مرسوم رئاسي‪ ،44-92‬مرجع سابق‪.‬‬
‫األول لسنة ‪ ،1992‬م‪.‬أ‪.‬ن‪.‬أ‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫السنوي ّ‬
‫)‪ -‬المرصد الوطني لحقوق اإلنسان (سابقا)‪ ،‬التّقرير ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ ،1993‬ص‪.51-21.‬‬
‫االضطرابات والتّوترات الداخلية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدولي المعني بمسألة‬
‫النظام القانوني ّ‬
‫الدولي لحقوق اإلنسان ّ‬
‫)‪ -‬يش ّكل القانون ّ‬
‫‪5‬‬

‫الدول التي تعاني من حالة اضطرابات‬


‫أن بند التّحلل من االلتزام الذي عادةً ما يتم تفعيله من طرف حكومات ّ‬
‫إاّل ّ‬
‫وتوترات داخلية غالبا ما يؤدي إلى تقويض هذه الحقوق اللهم ما تعلق ببعض الحقوق األساسية‪ ،‬تعددها هذه‬
‫‪45‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الجريمة اإلرهابية والتّخريبية‪:‬‬ ‫‪)2‬‬


‫يتّكشف نزوع الم ّشرع الجزائري نحو إسقاط مفهوم الجريمة اإلرهابية على‬
‫الدولة الجزائرية‪ ،‬من خالل ما طرحه‪ 9‬هذا األخير على‬
‫حالة العنف المسلّح التي عاشتها ّ‬
‫أنه استكمال لعملية الهيكلة التّشريعية الجنائية‪ ،‬بما يحقق استجابتها للواقع الجنائي الجديد‬
‫ممثال في إقرار الجريمة اإلرهابية كتدبير قانوني دائم‪ ،‬بموجب المرسوم التشريعي رقم‬
‫‪ ،03-92‬الذي تم استكمال معالمه بموجب المرسوم التشريعي رقم ‪.103-93‬‬
‫وقد أدرج هذا التصور التّشريعي في قانون العقوبات‪ ،‬من خالل كل من األمرين‬
‫رقم ‪11-95‬و‪ ،10-95‬كمرحلة‪ 9‬أخيرة من مراحل المواجهة الّتشريعية الردعية لما أسماه‬
‫بالجريمة اإلرهابية والتّخريبية‪.2‬‬
‫السياسة االحتوائية ‪-‬في ذات النسق‪ -‬التي رسم معالمها كل من قانون‬
‫طرحت ّ‬
‫الرحمة‪ ،‬ثم قانون الوئام المدني‪ ،‬بعدها الحقا قانون المصالحة الوطنية‪ ،‬على أنها جملة‬

‫الدولي‬
‫الشراح انطالقا من قصور أحكام القانون ّ‬
‫االتفاقيات على أنها غير قابلة للتّقييد‪ ،‬هذا ما دفع بالعديد‪ 9‬من ّ‬
‫الداخلية التي تكون على درجة‬
‫لحقوق اإلنسان في حماية المدنيين في بعض حاالت االضطرابات والتوترات ّ‬
‫الدولي اإلنساني على هذه‬
‫معتبرة من الخطورة ‪،‬إلى القول بضرورة تطبيق حد أدنى من قواعد القانون ّ‬
‫األول‬
‫الضمانات المقررة بموجب المادة ‪75‬من البرتوكول اإلضافي ّ‬
‫الدول على احترام ّ‬
‫الحاالت‪ ،‬من خالل =حث ّ‬
‫الملحق باتفاقيات جنيف واإللتزام بأحكام إعالن طوركوا فلّناد المتعلق بالحد األدنى من القواعد اإلنسانية المطبقة‬
‫في حالة االضطرابات والتوترات الداخلية‪ ،‬لمزيد من التفاصيل راجع‪:‬‬
‫‪-MOMTAZ (D), «  Les règles humanitaires minimales applicables en période de troubles et tentions‬‬
‫‪internes », In R.I.C.R, N°831, 1998 ,pp.487-495.‬‬
‫‪1‬‬

‫)‪ -‬أنظر في ذلك‪ :‬المرسوم التشريعي رقم ‪ ،03-92‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -)22‬أنظر في ذلك كل من‪ :‬أمر رقم ‪ ،10-95‬مؤرخ في ‪ 25‬فبراير‪ ،1995‬يعدل و يتمم األمر رقم ‪-66‬‬
‫‪ ،155‬المؤرخ في ‪ 8‬يونيو ‪ ،1966‬والمتضمن قانون اإلجراءات الجزائية‪،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد ‪ ،11‬الصادرة‬
‫بتاريخ ‪ 1‬مارس ‪1995‬؛ واألمر رقم ‪ ،11-95‬مؤرخ في ‪ 25‬فبراير‪ ،1995‬يعدل و يتمم أمر رقم ‪،155-66‬‬
‫المؤرخ في ‪ 8‬يونيو ‪ ،1966‬والمتضمن قانون العقوبات‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد ‪ ،11‬الصادرة بتاريخ ‪ 1‬مارس‬
‫‪.1995‬‬
‫‪46‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫من الجزاءات التّحفيزية الهادفة إلى التّشجيع على العدول عن الجرائم اإلرهابية‪ ،1‬مما‬
‫المشرع الجزائري حول مفهوم واحد لتكييف حالة العنف المسلّح الجزائري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يثبت التفاف‪9‬‬
‫ـأصال في أدبيات الخطاب‬
‫أن المفهوم الذي كان مت ّ‬
‫أال وهو الجريمة اإلرهابية‪ ،‬يبقي ّ‬
‫شاملة على اإلرهاب على النحو الذي طرحته المجموعة‬
‫السياسي هو مفهوم الحرب ال ّ‬
‫الدولية في أعقاب أحداث ‪.11/09/2001‬‬

‫ثانياً‬
‫نسبية معيار العتبة كأساس للتّكيف‬

‫يطرح معيار العتبة كمؤشر لتحديد نقاط التقاطع بين ما هو نزاع مسلح وما هو‬
‫ظاهرة‬
‫دون ذلك من أعمال عنف‪ ،‬بما فيها االضطرابات والتّوترات الداخلية وكذا ال ّ‬
‫اإلرهابية‪.2‬‬
‫الداللة‬
‫أن هاتين الحالتين األخيرتين وعلى الرغم من التّوجه إلى القول بانعدام ّ‬
‫إالّ ّ‬
‫القانونية بشأنهما في إطار القانون الدولي اإلنساني‪ ،3‬تبقيان مرشحتين الستفاء عتبة‬
‫النزاع المسلّح متى انطوت إحداهما على عنصر أطراف النزاع‪ ،‬وهو ما يدفعنا إلى القول‬
‫بنسبية معيار العتبة في شقه السلبي كأساس للتّكيف القانوني لظاهرة العنف الجزائرية‪،‬‬
‫أن االعتماد على معيار العتبة بهذا المدلول ال يقصي فرضية استغراق حالة العنف‬
‫بحيث ّ‬
‫الجزائرية لعتبة النزاع المسلّح ذات الطابع غير الدولي‪ ،‬وإ نما يبقيها منفتحةً على فرضية‬

‫‪ -)1‬برقوق محند‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة ‪ ،2007 ،‬ص‪.45.‬‬
‫‪ -)2‬كاتلين الفاند‪" ،‬مقابلة بعنوان النزاعات المسلحة أو حاالت العنف األخرى‪ -‬ما الفرق بالنسبة للضحايا‪-‬؟"‪،‬‬
‫للصليب األحمر‪ ،‬مركز المعلومات‪ ،‬قاعدة البيانات‪ ،‬مقابلة‪ ،‬متوفر على الموقع اإللكتروني‪:‬‬
‫اللّجنة الدولية ّ‬
‫‪htt://www.icrc.org. consulté le :17/05/2015 à 01 :15‬‬
‫الداخلية أوحالة‬
‫أي من االضطّرابات والتّوترات ّ‬
‫الدولي اإلنساني في نطاقه المادي ليشمل ّ‬
‫)‪ -‬ال ينسحب القانون ّ‬
‫‪3‬‬

‫الدولي‬
‫اإلرهاب‪ ،‬وعليه فإن معالجة هذه الحاالت يقتضي إنفاذ ُنظُ ْم قانونية وطنية أو دولية خارج قواعد القانون ّ‬
‫اإلنساني‪ ،‬أنظر في ذلك كل من‪ :‬كتلين الفند‪ ،‬مرجع سابق؛‬
‫‪-SYLVEN Vit , « Typologie des conflits armés en droit international humanitaire : concepts juridiques et‬‬
‫‪réalités » , In R.I.C.R, N° 873 , mars, 2009, p.09.‬‬
‫‪47‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫إثبات العكس‪ ،1‬مما يدفعنا للقول بعدم قطعية التكيف الرسمي لحالة العنف المسلّح‬
‫الجزائرية‪.‬‬

‫الفرع الثّاني‬
‫بحث مدى استجابة حالة العنف المسلّح الجزائرية لعتبة النزاعات المسلّحة ذات‬
‫الطابع غير الدولي‬

‫المسلح الجزائرية لعتبة النزاعات‬


‫يقتضي البحث في مدى استجابة حالة العنف ّ‬
‫الدولي‪ ،‬تقصي إمكانية استيفائها للمعايير التي تطرحها أحكام‬
‫المسلّحة ذات الطّابع غير ّ‬
‫للنطاق المادي لما اصطلح عليه تسميته بالنزاعات‬
‫الضابطة ّ‬
‫الدولي اإلنساني ّ‬
‫القانون ّ‬
‫الدولي‪ ،‬والتي أضحى من المقبول بشأنها على نطاق واسع لدى‬
‫طابع غير ّ‬
‫المسلحة ذات ال ّ‬
‫الدولي التّوجه نحو القول بوجود نظامين قانونيين متوازيين يعنيان بأنسنتها‪ ،2‬ممثلتين‬
‫الفقه ّ‬
‫في كل من؛ المادة الثّالثة المشتركة مشكلة بذاتها اتفاقية مصغرة في إطار اتفاقيات جنيف‬
‫األربعة‪ ،3‬وكذا البرتوكول اإلضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف األربعة‪ ،4‬وعليه‬

‫‪ -)1‬لمزيد من التفاصيل حول مدلول معيار العتبة راجع‪ :‬الفاند كاتلين‪ ،‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫الدولي اإلنساني‪ :‬دليل التّطبيق على‬
‫الدولية‪ ،‬القانون ّ‬
‫النزاعات المسلحة غير ّ‬
‫محمد‪ ،‬قانون ّ‬
‫)‪ -‬عتلم حازم ّ‬
‫‪2‬‬

‫الدولي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2002 ،‬ص‪.221.‬‬


‫الصعيد ّ‬
‫مصغرة من حيث ّأنها المادة الوحيدة التي‬
‫ّ‬ ‫‪ -)3‬تعتبر المادة الثّالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف األربعة اتفاقية‬
‫تعني بالنزاعات المسلّحة ذات الطابع غير الدولي‪ ،‬أنظر في ذالك ‪ :‬اتفاقية جنيف‪ ،‬المؤرخة في‬
‫‪ ،12/08/1949‬دخلت حيز التنفيذ في ‪ ،21/06/1950‬انضمت إليها الجزائر أثناء الثورة التحريرية من طرف‬
‫الحكومة المؤقتة‪.‬‬
‫يطور‬
‫)‪ -‬تقضي المادة األولى من البرتوكول اإلضافي الثاّني بما يلي‪" :‬يسري هذا الملحق البرتوكول الذي ّ‬
‫‪4‬‬

‫يعدل من‬
‫ويكمل المادة الثّالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف األربعة المبرمة في ‪ 30‬أغسطس ‪ 1949‬دون أن ّ‬
‫ّ‬
‫األولي من البرتوكول اإلضافي الثّاني الملحق باتفاقيات‬
‫الراهنة لتطبيقها‪ ،" ...‬أنظر في ذلك‪ :‬المادة ّ‬
‫ال ّشروط ّ‬
‫الدولية المسلحة‪ ،‬المؤرخ في ‪ ،10/06/1977‬دخل‬ ‫جنيف األربعة‪ ،‬المتعلق بحماية ضحايا المنازعات غير ّ‬
‫حيز التنفيذ بتاريخ ‪ ،07/12/1978‬انضمت إليه الجزائر بموجب مرسوم تنفيذي رقم ‪،68-89‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‬
‫‪48‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫سنحاول تبيين مدى استيفاء حالة العنف المسلح الجزائرية لعتبة النزاعات ذات الطابع غير‬
‫الدولي باالستناد على كل من هاتيتن االتفاقيتين على حدى‪.‬‬

‫ّأوالً‬
‫مدى استيفاء حالة العنف المسلّح الجزائرية لمعايير ال ّنزاعات المسلّحة ألغراض‬
‫تطبيق المادة الثالثة المشتركة‬

‫ترسي المادة الثّالثة المشتركة المعايير اإلنسانية الدنيا المطبقة في حالة النزاعات‬
‫المسلّحة غير الدولية‪ ،‬لكن دون بيان المقصود بالنزاعات المسلّحة غير الدولية ألغراض‬
‫أن أحكامها‪ 9‬تنصرف لتشمل‬
‫انطباق أحكامها‪ ،‬مكتفية في ذلك بإيراد حكم عام مفاده ّ‬
‫السامية‬
‫النزاعات المسلّحة التي ليس لها طابع دولي‪ ،‬والواقعة في أراضي أحد األطراف ّ‬
‫المتعاقدة‪.1‬‬
‫إن عدم إيراد المادة الثّالثة المشتركة لتعريف ملزم قانونا‪ ،‬يفرض علينا لضرورة‬
‫ّ‬
‫تبين مدى استجابة حالة العنف المسلّح الجزائري للنطاق المادي للمادة الثالثة المشتركة‪،‬‬
‫استناد إلى المعايير التي بلورها الفقه‪ 9‬والقضاء الدوليين بغرض‬
‫ً‬ ‫تحليل وقائع هذه الحالة‪9‬‬
‫تفسير مفهوم النزاعات المسلّحة ذات الطابع غير الدولي بمفهوم المادة الثالثة المشتركة في‬
‫هذا الصدد‪ ،2‬وإ ن لم تنجح هي األخرى في إماطة جميع جوانب الغموض وااللتباس حول‬

‫الصادرة بتاريخ ‪.20/06/1960‬‬


‫عدد‪ّ 20‬‬
‫‪ -)1‬تنص المادة الثّالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف األربعة على ما يلي‪" :‬في حالة قيام نزاع مسلّح ليس له‬
‫النزاع أن يطبق كحد أدنى األحكام‬
‫السامية المتعاقدة يلتزم كل طرف في ّ‬
‫طابع دولي في إقليم أحد األطراف ّ‬
‫‪ ،" ..‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫التّالية‪.‬‬
‫للصليب‬
‫الدولية ّ‬
‫)‪-‬بيجيتش يلينا‪" ،‬نطاق الحماية الذي توفره المادة الثّالثة المشتركة‪ :‬واضح للعيان"‪ ،‬المجلّة ّ‬
‫‪2‬‬

‫األحمر‪ ( ،‬اللجنة الدولية للصليب األحمر )‪ ،‬المجلد ‪ ،93‬مختارات من العدد‪ ،881‬مارس‪ ،2011‬ص‪.03.‬‬
‫‪49‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الدولي بمفهوم المادة الثالثة‬


‫ما يدخل في مصاف النزاعات المسلحة ذات الطّابع غير ّ‬
‫المشتركة‪.1‬‬
‫أن اكتفاء المادة الثالثة‬
‫الدولي على ّ‬
‫فإذا كان االتفاق قد انعقد على مستوى الفقه ّ‬
‫المشتركة بإعطاء مفهوم عام للنزاع المسلح غير الدولي دون إيراد أي تعريف مقيد بشأنه‪،‬‬
‫النزاعات المسلحة غير الدولية‪ ،‬بما يكفل‬
‫كان الهدف منه إضفاء مرونة أكثر على مفهوم ّ‬
‫‪2‬‬
‫أن اإلشكال قد احتدم حول تبيان حدود هذا‬
‫النطاق المادي لهذه األخيرة ‪ ،‬إالّ ّ‬
‫توسيع ّ‬
‫االتّساع‪.3‬‬
‫النزاعات المسلّحة غير ذات الطابع‬
‫وهو ما حدى بالفقه ألغرض توضيح مفهوم ّ‬
‫الدولي‪ ،‬إلى بلورة جملة من المعايير اإلرشادية‪ ،4‬والتي سنكتفي بشأنها على كثرتها وعدم‬
‫االلتفاف حول معيار موحد بشأنها‪ ،‬إلى اإلشارة لتلك المعايير التي اعتمدها األستاذ "سي‬
‫صالح نور الدين" في معرض بحثه تحت عنوان‪» ‬قابلية تطبيق قواعد القانون الدولي‬
‫على األوضاع الجزائرية منذ ‪ ، « 1992‬أين خلص إلى القول باستيفاء حالة العنف‬
‫المسلح الجزائري لعتبة النزاعات المسلحة ذات الطابع غير الدولية بالمفهوم الذي تطرحه‪9‬‬
‫المادة الثالثة المشتركة مستندا في ذلك إلى مؤشرين؛ يتعلق األول بلجوء الحكومة إلى‬
‫استدعاء الجيش المنظم‪ ،‬أما الثاني فيتمثل في اعتراف الحكومة بصفة المقاتل للجماعات‬

‫الدولية‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير‪،‬‬


‫النزاعات المسلّحة غير ّ‬
‫)‪ -‬بركاني خديجة‪ ،‬حماية المدنيين‪ 9‬في ّ‬
‫‪1‬‬

‫الدوليين الجنائيين‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪،‬‬


‫فرع القانون العام‪ ،‬تخصص القانون والقضاء ّ‬
‫‪ ،2008‬ص‪.38.‬‬
‫‪ -)2‬بركاني خديجة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.36.‬‬
‫االضطرابات‬
‫ّ‬ ‫الشراح إلى القول بشمول المادة الثّالثة المشتركة لحالة‬
‫)‪ -‬في الوقت الذي يذهب فيه بعض ّ‬
‫‪3‬‬

‫الد اخلية‪ ،‬يتجه فريق آخر للقول بأن لجوء المؤتمرين في جنيف إلى اصطالح النزاعات المسلحة غير‬
‫والتّوترات ّ‬
‫الدقيق‪ّ ،‬أنظر في‬
‫الد ولية لم يكن مؤداه أن انصرفت أذهانهم إلى شيء آخر غير الحروب األهلية بمعناها الفني ّ‬
‫ّ‬
‫ذلك‪ :‬عتلم محمد حازم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.218 .‬‬
‫الزم الي ع امر‪،‬‬
‫‪ -)4‬لمزي ‪99‬د من التّفاص ‪99‬يل ح ‪99‬ول اآلراء الفقهي ‪99‬ة القائل ‪99‬ة بتفس ‪99‬ير مفه ‪99‬وم الم ‪99‬ادة ‪ 3‬المش ‪99‬تركة راج ‪99‬ع‪ّ :‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40-38.‬‬
‫‪50‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫اإلسالمية المسلحة وهو المؤشر الذي تبين معالمه من خالل ما أشيع من وجود اتفاق بين‬
‫كل من الجيش الجزائري و فصيل من فصائل الجماعات المسلّحة اإلسالمية المتطرفة‬
‫‪1‬‬
‫السلطة‬
‫الجزائرية (اإلرهابية) الجيش اإلسالمي لإلنقاذ ( المنحل) *‪ ،‬فضال عن تبني ّ‬
‫الجزائرية لمجموعة من التّدابير االستثنائية في مواجهة هذه األخيرة من قبيلها‪ ،‬إنشاء‬
‫الدفاع الذاتي‪.2‬‬
‫جهاز‪ 9‬ال ّشرطة البلدية والسماح بتكوين جماعات‪ّ 9‬‬
‫الدولية ليوغوسالفيا‬
‫الدولي فقد طرحت المحكمة الجنائية ّ‬
‫أما على مستوى القضاء ّ‬
‫ّ‬
‫الدولي بالتعريف‪ ،‬كل‬
‫سابقا من خالل تناولها لمفهوم النزاعات المسلّحة غير ذات الطّابع ّ‬
‫من؛ استطالة أمد النزاع و استيفاء الجماعات‪ 9‬المسلّحة غير النظامية لحد أدنى من شروط‬

‫‪ *)41‬لقد تداولت الصحف الوطنية واألجنبية خبر وجود مفاوضات دائرة بين الجناح المسلّح للجيش اإلسالمي‬
‫لإلنقاذ (المنحل) والمخابرات الجزائرية وهو ما أ ّكدته تصريحات الحقة من قبل المدعو "مدني مزراق" أمير‬
‫أن هذه األخبار‪ ‬ظلّت محل تفنيد من قبل المخابرات الجزائرية مصرحين بأن‬
‫الجيش اإلسالمي لإلنقاذ سابقا‪ ،‬إالّ ّ‬
‫ما كان دائرا بينها لم يعدو أن يكون سوى مجرد دعوات لالستسالم ‪ ،‬لمزيد من التّفاصيل راجع‪:‬‬
‫;‪-ISSAMI Mohamed, Le FIS et le terrorisme au cœur de l’enfer ,le MATIN , Algérie,2001, p.317 ‬‬
‫‪MARTINEZ Luis, « Algérie les enjeux des négociation entre l’AIS et l’Armée  », politique étrangère ,N°‬‬
‫‪4 , 1997,62em année ,pp.499-512.‬‬
‫‪ -)2‬أنظر في ذلك‪ :‬سي صالح نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84-79 .‬‬
‫يبقي أننا ننزع للقول بنسبية هذه العناصر وعدم إمكانية توصيفها على ّأنها عناصر فاصلة في التمييز بين حالة‬
‫الداخلية‪ ،‬فبالنسبة‬
‫النزاع المسلّح بمفهوم المادة ‪ 3‬المشتركة بين اتفاقيات جنيف األربعة ومفهوم االضطرابات ّ‬
‫للصليب األحمر بشأن مفهوم‬
‫الدولية ّ‬
‫لعنصر استدعاء الجيش المنظم يشير التّعريف الذي انتهت إليه اللّجنة ّ‬
‫أن القول‬
‫الدولة إلى استدعاء قواتها المسلحة الحتواء هذه الحالة‪ ،‬كما ّ‬
‫الضطرابات الداخلية إلى احتمال لجوء ّ‬
‫بحدوث مفاوضات بين المخابرات الجزائرية وقيادات الجيش اإلسالمي لإلنقاذ (المنحل) بما يحيل إليه من وجود‬
‫اعتراف ضمني من قبل الطرف الحكومي بصفة المقاتل لهؤالء يبقي محل شك أمام تفنيد الخطاب الرسمي‬
‫الدفاع ال ّذاتي خاصةً وأنه لم يرد‬
‫الجزائري لذلك‪ ،‬كما يستوقفنا العنصر األخير للبحث في الطّبيعة القانونية ألفراد ّ‬
‫في إطار البرتوكول اإلضافي الثَاني حكم مماثل لذلك الذي تقضي به المادة ‪4/1‬و‪ 2‬من اتفاقية جنيف الثالثة‬
‫المتعلقة بحماية أسرى الحرب؛ أنظر في ذلك كل من‪ :‬المادة ‪4/1‬و‪ 2‬من اتفاقية جنيف الثّالثة المتعلقة بحماية‬
‫أسرى الحرب‪ ،‬المؤرخة في ‪ ،12/08/1949‬دخلت حيز التنفيذ في ‪ ،21/06/1950‬انضمت إليها الجزائر أثناء‬
‫الثّورة التّحريرية من طرف الحكومة المؤقتة؛ مرسوم تنفيذي رقم ‪ ،04-97‬المؤرخ في ‪،1997/ 01/ 04‬‬
‫يحدد شروط ممارسة عمل الدفاع المشروع في إطار منظم‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،1‬الصادرة بتاريخ ‪.1997‬‬
‫‪51‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫التنظيم‪ ،‬كمعيارين يتم االعتماد عليهما في تكييف وجود نزاع مسلّح غير دولي من‬
‫الدولية الدائمة‪.2‬‬ ‫‪1‬‬
‫عدمه ‪ ،‬وهو التّوجه الذي تبناه النظام األساسي للمحكمة الجنائية ّ‬
‫لقد أفضى بنا البحث في واقع النزاع المسلّح الجزائري ِلتِْبَيان مدى توافر‬
‫العناصر التي أوردها االجتهاد القضائي إلى النتائج التالية‪:‬‬
‫النزاع‪ ،‬وهو المعيار الذي أشارت األحكام القضائية‬
‫فيما يتعلق بأمد استطالة ّ‬
‫بشدة الّنزاع أكثر‬
‫الالّحقة للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسالفيا سابقا إلى ّانه يعتّد بشأنه ّ‬
‫‪3‬‬
‫الزمن الذي عاشته الجزائر تحت طائلة العنف‬
‫النزاع ‪ ،‬فلع ّل العقد من ّ‬
‫مما يعتّد بأمد ّ‬
‫ّ‬
‫المسلّح مخلّفة‪ 9‬كارثة إنسانية بأتّم معنى الكلمة‪ ،‬بلغت حصيلتها حسب المعطيات الرسمية‬
‫مهجر‬
‫مئة وخمسون ألف قتيل‪ ،‬أكثر من مليون متضرر‪ ،‬أكثر من مليون ومائتي ألف ّ‬
‫عن الخسائر المادية التي بلغت عشرون مليار دوالر أمريكي‪ ،‬كفيل‬ ‫داخلي‪ ،‬فضال‬
‫النزاع في الحالة الجزائرية‪.4‬‬
‫بالقول بتحقق عنصر استطالة أمد ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪-(TPIY, Arrêt relatif a l’appel de la défense concernant l’exception préjudicielle d’incompétence, le‬‬
‫‪procureur C. Dusko Tadic, affaire n°IT-94-1-A, 2 Octobre 1995,Par 70.‬‬
‫الدولية على ما يلي‪ " :‬تطبق الفقرة ‪(2‬ه) على‬
‫)‪ -‬تنص المادة ‪( 8/2‬و) من النظام األساسي للمحكمة الجنائية ّ‬
‫‪2‬‬

‫الدولي‪ ،‬وبالتّالي فهي ال تطبق على حاالت االضطرابات والتّوترات‬


‫طابع ّ‬
‫المنازعات المسلحة غير ذات ال ّ‬
‫الداخلية مثل أعمال ال ّشغب وأعمال العنف المنفردة أو غيرها من األعمال ذات الطّبيعة المماثلة‪ ،‬وتطبق على‬
‫ّ‬
‫المنازعات التي تقع في إقليم دولة عندما يوجد صراع مسلح متطاول األجل بين السلطات الحكومية وجماعات‬
‫أن اعتماد المادة الثامنة لمصطلح‬
‫مسلّحة منظّمة أو فيما بين هذه الجماعات "‪ ،‬تجدر اإلشارة في هذا الصدد إلى ّ‬
‫النظام األساسي‬
‫الدولي‪ ،‬قد أثار العديد من التّساؤالت حول ما إذا اتجه ّ‬
‫طابع ّ‬
‫المنازعات =المسلّحة غير ذات ال ّ‬
‫النزاعات المسلحة‪ ،‬راجع في ذلك كل من المادة ‪8/2‬‬
‫الدولية إلى تأسيس نوع ثالث من أنواع ّ‬
‫لمحكمة الجنائية ّ‬
‫الدولية المعتمد بروما بتاريخ ‪ 17/07/1998‬دخل حيز‬
‫(و) من نظام روما األساسي المتعلق بالمحكمة الجنائية ّ‬
‫التّنفيذ بتاريخ ‪ ،1/07/2002‬وقّعت عليه الجزائر في ‪28/12/2000‬؛ بيجيتش يلينا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.4.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪( -TPIY, jugement, Procureur C. HARADINAJ, affaire n°IT-04-84,3avril 208.Par48.‬‬
‫الدموية التي عاشتها الجزائر عادةً ما يبدأ من أعقاب توقيف المسار‬
‫أن التّأريخ للمرحلة ّ‬
‫الرغم من ّ‬
‫)‪ -‬على ّ‬
‫‪4‬‬

‫االنتخابي إالّ ّأنها في الحقيقة وليدة ممارسات سابقة‪ ،‬ال نبالغ إذا ما قلنا بأنها بدأت منذ سنوات ‪ ،1982‬راجع‬
‫في ذلك‪ :‬برقوق محند‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.48-40.‬‬
‫‪52‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫أما عن مدى استيفاء الجماعات‪ 9‬اإلسالمية المتطرفة المسلّحة الجزائرية(اإلرهابية)‬


‫ّ‬
‫لمقتضيات التّنظيم‪ ،‬ال ّشرط الذي ربطته األحكام القضائية الالّحقة‪ 9‬بقدرة الجماعة على‬
‫التسلّح وقدرتها على تجنيد عناصر في إطار الجماعة‪ ،‬وإ عدادهم إعدادا عسكريا‪ ،‬وكذا‬
‫على القيام بعمليات عدائية بموجب إستراتيجيات محكمة فضال عن وحدة الكلمة‬ ‫القدرة‬
‫بين أعضاء التّنظيم‪.1‬‬
‫بأن هذه المعايير غير متوافقة مع اتّساع اإلطار المادي للمادة‬
‫ففي رأينا نجد ّ‬
‫الثالثة المشتركة‪ ،‬على النحو الذي تفصح عنه مالبسات األعمال التّحضيرية التفاقيات‬
‫جنيف األربعة‪ ،2‬ولهذا سنرجئ البحث في مدى استيفاء الجماعات المسلّحة اإلسالمية‬
‫المتطرفة الجزائرية( الجماعات‪ 9‬اإلرهابية)‪ ،‬لهذه المعايير إلى الجزئية التي نبحث فيها‬
‫مدى استجابة حالة‪ 9‬العنف المسلّح الجزائرية لمعايير البرتوكول اإلضافي الثّاني‪.‬‬
‫يبقى أننا ننزع إلى القول بأن اتساع اإلطار المادي للمادة الثالثة المشتركة والتي‬
‫الدولية كفيل باستيعاب‬
‫ال توفّر إالّ الحد األدنى من معايير أنسنة النزاعات المسلحة غير ّ‬
‫حالة العنف المسلّح الجزائرية‪.‬‬

‫ثانياً‬
‫مدى استيفاء حالة العنف المسلّح الجزائرية لمعايير البرتوكول اإلضافي الثّاني‬

‫يحدد البرتوكول اإلضافي الثّاني نطاقه المادي‬


‫على خالف المادة الثّالثة المشتركة‪ّ ،‬‬
‫بأن أحكامه ال تسري إالّ على تلك النزاعات التي تدور‬
‫الدقة‪ ،‬حيث يقضي ّ‬
‫بشيء من ّ‬
‫في إقليم أحد األطراف الّسامية المتعاقدة بين قواته المسلّحة وقوات مسلّحة منشقة‬
‫أو جماعات‪ 9‬نظامية مسلّحة‪ ،‬مع اشتراط جملة من العناصر الواقعية الواجبة التّوافر في‬

‫‪1‬‬
‫‪( - TPIY, jugement, Procureur C. HARADINAJ, Op.cti, Pra 64.‬‬
‫الدولية‬
‫)‪ -‬للتفصيل في األعمال التّحضيرية التفاقيات جنيف األربعة راجع‪ :‬جبابلة عمار‪ ،‬مجال تطبيق الحماية ّ‬
‫‪2‬‬

‫الد ولية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية‪ ،‬تخصص قانون دولي إنساني‪،‬‬
‫لضحايا النزاعات غير ّ‬
‫كلّية الحقوق‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪ ،2009 ،‬ص‪.46-43.‬‬
‫‪53‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫السيطرة‬
‫تلك الجماعات‪ 9،‬ممثلة في ممارسة تحت قيادة مسؤولة على جزء من اإلقليم من ّ‬
‫ومنسقة‪ ،‬ومن االضطالع بتنفيذ‬
‫ّ‬ ‫ما يم ّكنها من القيام بعمليات عسكرية(عدائية) متواصلة‬
‫هذا البرتوكول‪.1‬‬
‫سنحاول فيما يلي في سبيل تبيان مدى استغراق البرتوكول اإلضافي الثّاني لحالة‬
‫العنف المسلّح الجزائرية‪ ،‬البحث في مدى استيفاء الجماعات‪ 9‬المسلّحة اإلسالمية المتطرفة‬
‫الجزائرية ( الجماعات اإلرهابية ) لهذه المعايير‪.‬‬
‫وهو األمر الذي يصعب تحقيقه بفعل كثرة تفرع هذه الجماعات التي لم تنجح رغم‬
‫ترتص تحت لواء واحد‪ ،2‬مما يجعلنا نقتصر في محاولتنا‬
‫ّ‬ ‫المحاوالت العديدة للتّوحيد أن‬
‫إلسقاط المعايير التي يطرحها البرتوكول اإلضافي الثّاني على تنظيمين من هذه التّنظيمات‬
‫ممثلة في كل من الجماعة اإلسالمية المسلحة (سابقا)‪ ،‬والجيش اإلسالمي لإلنقاذ (المنحل)‬
‫عدتا من أكثر الّتنظيمات اإلسالمية المتطرفة المسلّحة‬
‫األول ألنهما ّ‬
‫السبب ّ‬ ‫وذلك لسببين؛ ّ‬
‫في الجزائر (اإلرهابية) المر ّشحة إلى القول باستيفائها ألحكام البرتوكول اإلضافي الثّاني‪،‬‬
‫ظت) بعد االنشقاقات‬
‫أن أغلب التّنظيمات األخرى مافتئت أن (تش ّ‬
‫والسبب الثاني يكمن في ّ‬
‫ّ‬
‫التي عرفتها لتنتهي إلى االنزواء تحت مظلة أحد هاذين التّنظيمين‪.3‬‬
‫المتطرفة الجزائرية ( الجماعات اإلرهابية)‬
‫ّ‬ ‫مدى استيفاء الجماعات المسلّحة اإلسالمية‬ ‫‪)1‬‬
‫لمقتضيات التّنظيم ‪:‬‬
‫للصليب األحمر في معرض تعليقها على أحكام المادة‬
‫الدولية ّ‬
‫أشارت اللّجنة ّ‬
‫أن شرط استيفاء الجماعات المسلّحة لمقتضيات‬
‫األولى من البرتوكول اإلضافي الثاني إلى ّ‬

‫‪ -)1‬راجع في ذلك‪ :‬المادة ‪ 1/1‬من البرتوكول اإلضافي الثّاني الملحق باتفاقيات جنيف األربعة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)2‬لمزيد من التّفاصيل حول مختلف الجماعات المسلّحة التي ظهرت في الجزائر منذ سنوات ‪ 1991‬راجع كل‬
‫من‪ :‬بوكراع إلياس ‪ ،‬الجزائر الرعب المقدس‪ ،‬الطبعة األولي‪ ،‬دار الفرابي للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،2003،‬‬
‫ص‪286-273.‬؛‬
‫‪-MAIZA (A), « L’engagement de l’Armée populaire contre le terrorisme », In acte de colloque‬‬
‫‪international sur le terrorisme : le précédent Algérien, M.D.N ,Alger, de 26 au 28 octobre 2002, p 248.‬‬
‫‪ -)3‬بشأن انقسام الجماعات المسلحة الجزائرية راجع‪ :‬بو كراع إلياس‪ ،‬الملحق رقم ‪ 16‬ص‪.220.‬‬
‫‪54‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫بالضرورة إنشاء نظام عسكري بتنظيم هرمي موازي لنظام القوات‬


‫ّ‬ ‫التّنظيم ال يعني‬
‫النظامية ‪.1‬‬
‫المسلّحة ّ‬
‫في حين ذهبت األستاذة "آن ماري الروز" إلى القول بضرورة القراءة المتالزمة‬
‫لكل من معيار توافر قيادة مسؤولة‪ ،‬ومعياري القدرة على القيام بعمليات عسكرية‬
‫متواصلة وتطبيق أحكام البرتوكول اإلضافي الثاني‪ ،‬وتطرح هذه األخيرة المؤ ّشرات التي‬
‫حددتها في أن‬
‫يمكن االستناد عليها للقول بتوافر شرط القيادة المسؤولة من عدمها‪ ،‬والتي ّ‬
‫تكون هذه الجماعات تابعة لقيادة وفقا لتسلسل هرمي‪ ،‬فضال عن وجود نظام تأديبي‬
‫تخضع له هذه الجماعات في حالة خرقها ألحكام القانون الدولي‪ ،2‬أما عن المحكمة‬
‫الدولية ليوغوسالفيا سابقا فقد طرحت كل من قدرة الجماعات‪ 9‬المسلّحة المنظّمة‬
‫الجنائية ّ‬
‫والتّجنيد‪ ،‬وقدرة هذه الجماعات‪ 9‬على توحيد كلمتها‪ ،‬كمؤشرات على‬ ‫على التسلّح‬
‫استيفاءها لل ّشرط الذي يقتضي تمتعها بحد أدنى من التنظيم‪.3‬‬
‫بالرجوع إلى الهيكل التّنظيمي لكل من الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ (المحلّة)‪ ،‬وكذا‬
‫الجماعة اإلسالمية المسلّحة (سابقا) نخلص إلى القول باستيفائها لمقتضيات التنظيم وهو ما‬
‫يجد تأكيده فيما يلي‪:‬‬
‫بالنسبة للجيش اإلسالمي لإلنقاذ( المنحل)‪:‬‬
‫يمكن أن نلمس دالالت استيفاء الجيش اإلسالمي لإلنقاذ (المنحل) لشرط القيادة‬
‫المسؤولة من خالل ما خلص إليه هذا األخير من توحيد قيادتيه الشرقية والغربية بعد‬
‫تصاعد وتيرة القطيعة بين هذه الجماعة والجماعة اإلسالمية المسلحة (سابقا)‪ ،‬من خالل‬
‫‪4‬‬
‫مبايعة المدعو"مدني مزراق" أميرا وطنيا على مستوى الجيش اإلسالمي لإلنقاذ (المنحل)‪.‬‬

‫‪ -)1‬سي صالح نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.85.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪-( LA ROSA (A-M) et WUERZNER(C), « Groupes armés sanction et mise en œuvre du droit‬‬
‫‪international humanitaire », In R.I.C.R ,N° 870 ,2008,p.3.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪( - TPIY , jugement , Procureur C. HARADINAJ , Op.cit ,Par64.‬‬
‫‪ -)4‬لمزيد من التفاصيل حول خلفيات إنشاء الجيش اإلسالمي لإلنقاذ راجع‪ :‬كميل الطويل‪ ،‬الحركة اإلسالمية‬
‫المسلّحة في الجزائر‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت ‪ ،1998‬ص‪.112-109.‬‬
‫‪55‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫أما عن التّنظيم الهيكلي لهذه األخيرة‪ ،‬فوفقا لتصريحات من يطلق عليه وصف‬
‫ّ‬
‫فإن دعائمه قد أرسيت على مستوى‬
‫(أمير اللّجنة العسكرية للشرق) المدعو"بن عائشة"‪ّ ،‬‬
‫الناحية العسكرية ال ّشرقية‪ ،‬من خالل إنشاء مجلس شوري جهوي وتنصيب أمير جهوي‬
‫ّ‬
‫قائما عليها‪ ،‬فضال عن تعيين أمراء والئيين على مستوى كل من والية عين الدفلة‪،‬‬
‫غيليزان‪ ،‬مستغانم‪ ،‬الشلف‪ ،‬وهران‪ ،‬معسكر‪ ،‬تلمسان والبيض وتيارت وبشار‪.1‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد عمد الملقّب بأمير الجيش اإلسالمي لإلنقاذ المدعو"مداني مزراق"‬
‫للسلوك تحدد المبادئ والخطوط ونظام‬
‫إلى تزويد الجيش اإلسالمي لإلنقاذ(المنحل) بمدونة ّ‬
‫تأديبي يخول له عزل بعض عناصر االضطرابات‪.2‬‬
‫قدرت بعض الكتابات‬
‫وفيما يتعلق بقدرات هذه األخيرة على التّجنيد والتّسلح‪ ،‬فقد ّ‬
‫بأن تعداد المنتسبين للجيش اإلسالمي لإلنقاذ (المنحل) قد بلغ حوالي سبعة أالف عنصرا‬
‫ّ‬
‫(إرهابيا) أغلبهم من الشباب الملتحقين طوعا بالجبال‪ ،‬فضال عن الكميات الهائلة من‬
‫للهدنة‬
‫تم تسليمها للجيش الجزائري من قبل هذه الجماعة في أعقاب إعالنها ّ‬
‫األسلحة التي ّ‬
‫األحادية الجانب‪.3‬‬
‫كما نستدل بالبيان الذي أصدره المدعو "العيادة" والملقب بأمير الجماعة اإلسالمية‬
‫المسلّحة في ‪ ،1993-1-12‬للتأكيد على قدرات الجيش اإلسالمي لإلنقاذ ( المنحل)‬
‫إن هؤالء الذين يرسلون ممولين‬
‫في الحصول على تمويل بما يكفل له التسلّح‪ ،‬ورد فيه‪ّ " :‬‬
‫سياسيين إلى أوروبا ويجمعون األموال ويتكلمون باسم المجاهدين نقول لهم منذ اآلن لن‬
‫يكون لكم تصريحات وإ ّدعاء تمثيل المجاهدين"‪.4‬‬

‫‪ -)1‬نقالً عن سي صالح نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.88.‬‬


‫الصحافة الوطنية‪ ،‬في الفترة مابين ‪،2000 -1992‬‬
‫)‪ -‬خيلية ؤريدة‪ ،‬الوضعية األمنية في الجزائر من خالل ّ‬
‫‪2‬‬

‫أطروحة لنيل شهادة دكتوراه في علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬قسم العلوم اإلعالم واالتّصال‪ ،‬كلية العلوم السياسية‬
‫وعلوم اإلعالم واالتّصال‪ ،‬جامعة الجزائر‪ 3‬دالي براهيم‪ ،‬الجزائر‪ ،2011،‬ص‪.283.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-(Algéria Watch, Dissolution de l’Armée islamique du salut, disponible en linge sur :‬‬
‫‪http://www.algeria-watche.org , consulté le: 20/05/2015 à 02 :38.‬‬
‫‪-)44‬نقال عن بوكراع إلياس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.288.‬‬
‫‪56‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫أما عن وحدة الكلمة بين أعضاء الجيش اإلسالمي لإلنقاذ سابقا‪ ،‬فيمكن تقصي‬
‫ّ‬
‫دالالتها من خالل تعيين قيادة وطنية موحدة‪ ،‬وهو األمر الذي يذهب بشأنه الصحفي‪9‬‬
‫"محمد إيسمي" إلى القول بأن الباعث وراءه سياسي أكثر منه عسكري وهو تعزيز موقع‬
‫الجيش اإلسالمي لإلنقاذ(المنحل)‪ ،1‬وفي ذات السياق يذهب األستاذ "سي صالح نور الدين"‬
‫إلى القول بأن التزام جميع أعضاء الجيش اإلسالمي لإلنقاذ (المنحل) بالهدنة األحادية‬
‫الجانب المعلنة من قبل قادتها في ‪ 21‬سبتمبر ‪ 1997‬إلى غاية اإلعالن نفس القيادة عن‬
‫حل الجيش اإلسالمي لإلنقاذ سنة ‪ ،2000‬يعتبر دليال على إحكام قيادة هذا األخير سلطتها‬
‫على العناصر المنضوية تحت قيادتها‪.2‬‬
‫وبشأن الجماعة اإلسالمية المسلّحة(سابقا) والتي تم اإلعالن عن تأسيسها في‬
‫أعقاب فشل جميع محاوالت التّوحيد بين مختلف التّنظيمات المسلّحة سنة ‪ 1992‬والتي‬
‫صنفت على ّأنها من أكثر التّنظيمات دمويةً في الجزائر‪.3‬‬
‫فلقد أنيطت هذه األخيرة بنظام داخلي منذ بداية تأسيسها‪ ،‬ويمكن لنا أن نستشف‬
‫مدى التزام عناصر هذه الجماعة بأحكام هذا النظام من خالل حرص الجماعة‪ 9‬اإلسالمية‬
‫المسلحة (سابقا) الدائم على االلتزام بتعيين أمير للجماعة في مدة ال تتجاوز‪ 3‬أيام من‬
‫تاريخ موت األمير السابق رغم أن الظروف لم تكن سانحة في الكثير من الحاالت‪ ،4‬كما‬
‫من خالل ال ّشهادات التي ساق لنا األستاذ "إلياس بوكراع" بعضا منها أن‬ ‫يظهر‬

‫‪1‬‬
‫;‪)-ISSAMI Mohamad, Le FIS et le terrorisme au cœur de l’enfer, le MATIN, Algérie, 2001, p.317 ‬‬
‫‪GHEZALI Abdelkarim, Le discours de zeroual confirme les incertitudes actuelles sur un accord‬‬
‫‪=politique, In La Tribune, du 6/07/1995; MARTINEZ Luis,« Algérie les enjeux des négociation entre‬‬
‫‪l’AIS et l’Armée », politique étrangère, N° 4, 1997, 62em année, pp.499-512.‬‬
‫‪ -)2‬سي صالح نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.88.‬‬
‫‪ -)3‬لمزيد من التّفاصيل حول فشل محاوالت توحيد التّنظيمات اإلسالمية المسلّحة المتطرفة(اإلرهابية) وأثر ذلك‬
‫على نشأة الجماعة اإلسالمية المسلّحة راجع ‪ :‬خيلية ؤريدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222-216.‬‬
‫الداخلي للجماعة اإلسالمية المسلّحة راجع‪ :‬بو كراع إلياس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ملحق رقم ‪ 11‬ص‪.‬‬
‫)‪ -‬حول النظّام ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪.414‬‬
‫‪57‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫التنظيم كان يطبق نظاما تأديبيا صارما أين كانت العقوبات( إرهابية ودموية) تتراوح بين‬
‫القتل ذبحا‪ ،‬البقر‪ ،‬بتر وجذع بعض األعضاء أو حرقها‪.‬‬
‫شنها المدعو "زيتوني" والملقب باألمير السابق‬
‫كما تظهر حملة التّصفيات التي ّ‬
‫تربعه على رأس هذه األخيرة‪ ،-‬والتي طالت‬
‫للجماعة اإلسالمية المسلّحة(سابقا) ‪-‬بعد ّ‬
‫مجموعة من قيادات التّشكيالت المنضوية تحت لواء الجماعة اإلسالمية المسلّحة (سابقا)‪،‬‬
‫طاعة على جميع عناصره‪ ،‬أين تعتبر‬
‫جدية هذا التّنظيم في فرض االلتزام بالوالء وال ّ‬
‫مدى ّ‬
‫أي عصيان ألوامر األمير‬
‫أي معارضة لمنهج األمير خروجا عن الجماعة‪ ،‬في حين يعتبر ّ‬
‫ّ‬
‫خروجا عن البيعة مما ينجر عنه إهدار دم العناصر المارقة‪.1‬‬
‫هذا ويتيح لنا الهيكل التّنظيمي للجماعة اإلسالمية المسلّحة (سابقا) القول بوجود‬
‫ْأسسَّة على مستوى‬
‫الم َ‬
‫تسلسل هرمي على مستوى القيادة فضال عن وجود نوع من َ‬
‫الهياكل‪ ،2‬إالّ ّأننا ال يمكن أن نجزم بمدى صالبة هذا التّنظيم بما يخوله تنفيذ أحكام‬
‫البروتكول اإلضافي الثّاني‪ ،‬وفي هذا الصدد يمكننا أن نشير إلى تصريح رئيس الحكومة‬
‫بأن‪ ":‬الجماعة اإلسالمية المسلحة هي‬
‫السيد "رضا مالك" الذي ذهب إلى القول ّ‬
‫األسبق ّ‬
‫مكون من جماعات جهوية متمتعة باستقالليتها على مستوى الجبهات‬
‫عبارة عن تنظيم ّ‬
‫التي ينشطون بها‪ ،‬إال أنهم خاضعون لتوجيهات القيادة المركزية التي تضع لهم الخطوط‬
‫العريضة بشأن النشاط المسلح‪."3‬‬
‫على صعيد أخر‪ ،‬لم تكن مسألة التسلح أو التجنيد من المسائل التي تثير إشكاال‬
‫بالنسبة لهذه األخيرة‪ ،‬فمن حيث عمليات التجنيد فقد أسهم فشل مؤتمر التوحيد واعتقال‬
‫مجموعة من قيادات الجماعات‪ 9‬المسلحة اإلسالمية المتطرفة(اإلرهابية) المتفرقة‪ ،‬إلى‬

‫‪ -)1‬بو كراع إلياس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.395-389 .‬‬


‫‪-)22‬المرجع نفسه‪ ،‬الملحق رقم ‪ ،12‬ص‪.415.‬‬
‫‪ -)3‬نقال عن سي صالح نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.89 .‬‬
‫‪58‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫انشقاق هذه الجماعات وانخراط مجموعة كبيرة من مجنديها تحت لواء الجماعة اإلسالمية‬
‫المسلحة‪.1‬‬
‫الدعاية الخارجية‪ 9‬دورا محوريا في تأسيس‬
‫بالنسبة لعمليات التسلّح فقد لعبت ّ‬
‫أما ّ‬‫ّ‬
‫شبكات على مستوى أغلب األقطار األوروبية لدعم عمل الجماعة‪ 9‬اإلسالمية المسلحة‬
‫المتطرفة في أغلب بقاع‬
‫ّ‬ ‫(اإلرهابية) في الجزائر‪ ،‬هذا ولم تتوان التّنظيمات اإلسالمية‬
‫المتطرف في الجزائر ممثّال في الجماعة‪9‬‬
‫ّ‬ ‫اإلسالمي‬
‫الدعم لظهيرها ّ‬
‫العالم من تقديم ّ‬
‫اإلسالمية المسلحة (سابقا)‪.2‬‬
‫جليا على ضوء ما سلف بيانه استيفاء الجماعتين المسلحتين(اإلرهابيتين)‬
‫يظهر ّ‬
‫البارزتين على مستوى التّنظيمات اإلسالمية المتطرفة الجزائرية(التّنظيمات اإلرهابية)‬
‫لمعيار التّنظيم بمفهوم البرتوكول اإلضافي الثاني‪.‬‬
‫‪ -)2‬مدي استيفاء الجماعات المسلّحة اإلسالمية المتطرفة الجزائرية (اإلرهابية)‬
‫لمقتضيات الرقابة اإلقليمية الهادئة والمنتظمة‪:‬‬
‫الرقابة اإلقليمية‬
‫وفيما يتعلق بالبحث عن مدى استيفاء هذه الجماعات‪ 9‬لشرط ّ‬
‫بأنه لم يكن أكثر وضوحا‬
‫المنتظمة‪ ،‬فإنه وبالعودة إلى البحث عن مدلول هذا ال ّشرط نجد ّ‬
‫أي من االقتراحات‪ 9‬القائلة‬
‫الدبلوماسي لعام ‪ًّ 1977‬‬
‫المؤتمر ّ‬
‫من شرط التّنظيم‪ ،‬أمام رفض ّ‬
‫السيطرة على جزء من اإلقليم يكون غير‬
‫السيطرة على اإلقليم بأن تكون ّ‬
‫بتحديد فكرة ّ‬
‫الرقابة‬
‫السيطرة على جزء مهم من اإلقليم‪ ،‬ومهما كان من أمر حدود ّشرط ّ‬
‫مهم‪ ،‬أو ّ‬
‫اإلقليمية‪ ،‬يبقى أنه كما هوالحال بالنسبة لشرط استيفاء الجماعات‪ 9‬المسلّحة اإلسالمية‬
‫المتطرفة (الجماعات‪ 9‬اإلرهابية) لمقتضيات التّنظيم‪ ،‬يتطلب البحث في مدلول هذا األخير‬
‫ّ‬

‫‪ -)1‬لمزيد من التفاصيل حول الجماعات التي التحق مجندوها بالجماعة اإلسالمية المسلّحة راجع‪ ،‬خيلية ؤريدة‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.239-229.‬‬
‫‪ -)2‬راجع في ذلك‪ :‬خيلية ؤريدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.226-221.‬‬
‫‪59‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫قراءة هذا الشرط قراءة متالزمة و كل من شرطي القدرة على القيام بعمليات عدائية‬
‫ومنسقة‪ ،‬والمقدرة على تنفيذ أحكام البرتوكول اإلضافي الثّاني‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫متواصلة‬
‫يذهب األستاذ "سي صالح نور الدين" فيما يتعلق باستيفاء الجيش اإلسالمي لإلنقاذ‬
‫(المحل) لمتطلبات الرقابة اإلقليمية إلى االستشهاد بالشريط الوثائقي للصحافي‪ 9‬البريطاني "‬
‫في‬ ‫‪ " PHILRESSE‬الذي استطاع تصوير معاقل الجيش اإلسالمي لإلنقاذ (المنحل)‬
‫منطقة الشلف‪ ،‬أين وقف في مركز قيادة المنطقة على العديد من المنشآت مثل مراكز‬
‫االستشفاء مصنع لصناعة القنابل ومركز لالتّصاالت‪ ،‬كما يوضح ال ّشريط إحكام الجيش‬
‫اإلسالمي لإلنقاذ (المنحل)سيطرته على تلك المناطق بحيث أنه على مسار‪ 200‬كلم قطعه‬
‫المصورون بالسيارة لم يصادف وأن قابلوا أي عنصر من عناصر األمن‪ ،‬مع اإلشارة إلى‬
‫أن هذا المعقل ال يعدو أن يكون إاّل واحدا من معاقل الجيش اإلسالمي لإلنقاذ (المنحل)‪.2‬‬
‫ّ‬
‫أما فيما يتعلق بالجماعة اإلسالمية المسلّحة (سابقا) فيقدم الملحق رقم‪ 19‬من كتاب‬
‫ّ‬
‫"الجزائر الرعب المقدس" تصورا عن التوزيع الجغرافي‪ 9‬لهذه األخيرة ‪ ،3‬كما تشير بعض‬
‫ال ّشهادات التي ساقها الصحفي "لياس بوكراع" إلى وجود بعض المناطق التي أحكمت‬
‫السيطرة عليها من‬
‫عدت من المناطق التي يصعب ّ‬
‫عليها هذه الجماعات‪ 9‬سيطرتها بحيث ّ‬
‫قبل عناصر األمن من قبيلها ‪:‬مفتاح‪ ،‬الكاليتوس‪ ،‬خميس الخشنة‪ ،‬قصر بوخاري‪ ،‬بوغار‪،‬‬
‫ومناطق أخرى عديدة‪.4‬‬
‫وهذا‪ ،‬ما يجعلنا نقول باستيفاء على األقل كل من الجماعة اإلسالمية‬
‫المسلّحة(سابقا) والجيش اإلسالمي لإلنقاذ (المنحل)‪ ،‬لشرط الرقابية اإلقليمية بما يكفل لها‬
‫ومنسقة وتنفيذ أحكام البرتوكول اإلضافي الثّاني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القيام بعمليات متواصلة‬

‫‪ -)1‬جبابلة عمار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.70.‬‬


‫‪ -)2‬سي صالح نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.93.‬‬
‫‪ -)3‬أنظر‪ :‬إلياس بوكراع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ملحق رقم‪ ،19‬ص‪.425.‬‬
‫‪ -)4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.391-387.‬‬
‫‪60‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫ليبقى في رأينا أن حالة العنف المسلح الجزائرية قد استوفت عناصر النزاع‬


‫المسلح غير الدولي بمفهوم كل من البرتوكول اإلضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف‬
‫األربعة والمادة الثّالثة المشتركة بين اتّفاقيات جنيف األربعة‪.1‬‬
‫المطلب الثّاني‬
‫الدولي‬
‫الدولي اإلنساني والقانون ّ‬
‫الممارسة المعكوسة للتّطبيق المتكامل القانون ّ‬
‫لحقوق اإلنسان في إطار حالة العنف المسلّح الجزائري‬

‫تناضل االعتبارات اإلنسانية بقوة من أجل تعزيز التّطبيق المتكامل ألحكام‬


‫الدولي لحقوق اإلنسان في إطار حالة العنف المسلّح‬
‫الدولي اإلنساني والقانون ّ‬
‫القانون ّ‬
‫مرهون على‬
‫ً‬ ‫الجزائرية‪ ،2‬إالّ ّأنه لما كان تحقيق معادلة التّفاعل بين هاتين المنظومتين‬
‫النزاع‪ ،‬كانت الممارسة المعكوسة للتّطبيق المتكامل لها هي‬
‫نطاق واسع بفعل أطراف ّ‬
‫ألي من هاتين المنظومتين‪.3‬‬
‫النتيجة الحتمية لعدم االمتثال ٍّ‬

‫‪ -)1‬يتّجه األستاذ "جبابلة عمار" إلى القول بعدم استيفاء الجماعات اإلسالمية المتّطرفة المسلّحة(الجماعات‬
‫اإلرهابية) لعنصر أطرف النزاع‪ ،‬وذلك في ظل غياب منظمة مسلّحة ذات بعد وطني وقادرة علي توجيه‬
‫المجموعات األخرى وربطها مركزيا‪ ،‬أنظر في ذلك‪ :‬جبابلة عمار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 69.‬؛ وهو نفس الطرح‬
‫الذي يتبناه األستاذ "بويحيى جمال" ‪ ،‬أين يتجه إلي التأكيد على الموقف الرسمي الذي يدفع بتأصيل أطروحة‬
‫الحرب على اإلرهاب بالمفهوم الذي كرسته المجموعة الدولية في أعقاب أحداث ‪/11‬سبتمبر‪ 2001/‬من‬
‫منطلق أن اإلرهاب ليس مرتبط ال بعرق وال بدين محدد بل أنه عابر للقارات‪ ،‬مع تحفظه على التكييف‬
‫القانوني لتوقيف المسار =االنتخابي‪ ،‬كما يتجه إلى تفنيد أي توجه قائل باستيفاء ( الحرب على اإلرهاب )‬
‫لعتبة النزاعات المسلحة غير =الدولية من منطلق أن الجيش الجزائري قد تمكن من احتواء هذه الظاهرة قبل‬
‫أن تبلغ عتبة النزاعات المسلحة غير الدولية‪.‬‬
‫الدولي لحقوق اإلنسان‬
‫الدولي اإلنساني والقانون ّ‬
‫)‪ -‬لمزيد من التّفاصيل حول تطبيق مبدأ التّكامل بين القانون ّ‬
‫‪2‬‬

‫الدولية لحقوق‬
‫في إطار النزاعات المسلّحة راجع‪ :‬مفوضية األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬الحماية القانونية ّ‬
‫النزاعات المسلّحة‪ ،‬وثائق األمم المتّحدة‪ ،‬رمز الوثيقة‪.HR/PUB/11/1،2011 ،‬‬
‫اإلنسان في ّ‬
‫‪3‬‬
‫‪-( JONATHNE Somer, « La justice de la jungle :juger de l’égalité des belligérants dans un conflit‬‬
‫‪armé non international », In R.I.C.R ,N° 867 , 2007, p.19.‬‬
‫‪61‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫يجد هذا التوصيف في حالة‪ 9‬العنف المسلّح الجزائري (الحرب على اإلرهاب)‬
‫الدولي اإلنساني من نطاق التطبيق على حالة‬
‫انعكاسا واقعيا له‪ ،‬أين تفاعل إقصاء القانون ّ‬
‫العنف المسلح الجزائرية(الحرب‪ 9‬على اإلرهاب ) (فرع ّأول)‪ ،‬مع تهمش أحكام القانون‬
‫الدولي لحقوق اإلنسان(فرع ٍ‬
‫ثان)‪.‬‬ ‫ّ‬

‫األول‬
‫الفرع ّ‬
‫حدود تطبيق القانون الّدولي اإلنساني في إطار حالة العنف المسلّح الجزائري‬

‫النزاعات المسلّحة‬
‫الدولي اإلنساني على حالة‪ّ 9‬‬
‫يواجه تطبيق قواعد القانون ّ‬
‫غير الدولية مأزقا‪ 9‬حقيقيا أمام عدم واقعية أحكامه‪ ،‬التي عادةً ما ال تفلح في إقناع أطراف‬
‫النزاع بااللتزام بتطبيقها‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة ألطراف حالة‪ 9‬العنف المسلّح الجزائري‬
‫وهو ما أسفر عن مأساة إنسانية حقيقية‪.‬‬

‫ّأوالً‬
‫اني‬ ‫ّدولي اإلنس‬ ‫انون ال‬ ‫ام الق‬ ‫ة أحك‬ ‫دم واقعي‬ ‫ع‬
‫ال‪-‬‬ ‫دم االمتث‬ ‫ة لع‬ ‫اس أم ذريع‬ ‫‪ -‬أس‬

‫لم تكن مسألة احترام قواعد القانون الّدولي اإلنساني بالنسبة ألطراف حالة‬
‫توحد في مفارقة‪ 9‬عجيبة موقف كل‬
‫العنف المسلّح الجزائري باألهمية التي تبدو عليها‪ ،‬أين ّ‬

‫‪62‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫من الطرف الحكومي الجزائري والجماعات المسلّحة اإلسالمية المتطرفة (اإلرهابية) من‬
‫انطباق هذه األخيرة في مواجهتها‪.1‬‬
‫يستوقفنا في هذا الصدد الموقف الضعيف للبرتوكول اإلضافي الثّاني من إلزام‬
‫أطراف النزاع باحترام وفرض احترام أحكامه‪ ،‬أين صمت هذا األخير صمتا مطبقا عن‬
‫مسألتي اإلنفاذ والتّنفيذ اللهم ما تعلق بما أوردته المادة التاسعة عشر القائلة بنشر‬
‫على أوسع نطاق‪ ،‬فضال عن عدم إشارة هذا األخير بأي شكل من‬ ‫البرتوكول‬
‫النزاع‪.2‬‬
‫األشكال إلى وصف أطراف ّ‬

‫الشراح إلى التساؤل عما إذا كان هذا البرتوكول ملزما‬


‫هذا الصمت‪ ،‬قد دفع بعض ّ‬
‫الدول خاصةً أنه ال يحوي أي حكم مماثل لذلك الذي تنص عليه‬
‫ألطراف النزاع من غير ّ‬
‫بالرجوع إلى األعمال التّحضيرية‬
‫األول‪ ،‬إال أنه ّ‬
‫المادة ‪ 96/3‬من البرتوكول اإلضافي ّ‬
‫الدول المؤتمرة قد‬
‫للبرتوكول اإلضافي الثّاني ننتهي بما ال يدع مجاال للّشك بأن إرادة ّ‬
‫انصرفت إلى إلزام كال طرفي النزاع بأحكام البرتوكول اإلضافي الثّاني‪.3‬‬
‫بشدة لتفعيل أحكام القانون‬
‫غير ّأنه‪ ،‬حتى وإ ذا كانت االعتبارات اإلنسانية تناضل ّ‬
‫أن خلو أحكام هذا‬
‫الدولي اإلنساني بصدد النزاعات المسلّحة ذات الطابع غير الدولي‪ ،‬إالّ ّ‬
‫ّ‬
‫الرقابة اإللزامية‪ ،‬فضال عن توقف التنفيذ الفعلي لهذه‬
‫أي وجه من أوجه ّ‬
‫القانون من ّ‬
‫الدولة لتدابير إنفاذها‪ ،‬يؤ ّكد حقيقة مرهونية تطبيق هذه القواعد على‬
‫األحكام على اتّخاذ ّ‬
‫اعتراف الطّرف الحكومي بوجود نزاع مسلّح غير دولي‪.4‬‬

‫‪ -)1‬سي صالح نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8.‬‬


‫الزمالي عامر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.38.‬‬
‫‪ّ -)2‬‬
‫‪ -)3‬عتلم حازم محمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.227.‬‬
‫الدولية للصليب األحمر‪ ،‬جنيف‪،‬‬
‫)‪ -‬فريتس كالسهوفن وتسغفلد ليزابيث‪ ،‬ضوابط تحكم خوض الحرب‪ ،‬اللّجنة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ ،2004‬ص‪.42.‬‬
‫‪63‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫وهو األمر الذي لم يكن من المجدي المراهنة عليه بصدد حالة العنف المسلّح‬
‫ألي تصريح قائل بوجوب‬
‫الرفض القاطع للطّرف الحكومي الجزائري ّْ‬
‫الجزائري‪ ،‬أمام ّ‬
‫الدولي اإلنساني على حالة النزاع المسلّح الجزائرية‪ ،‬لما قد يحيل إليه‬
‫تطبيق أحكام القانون ّ‬
‫من إسقاط وصف طرف النزاع على من تصطلح هذه األخيرة على تسميتهم بالجماعات‪9‬‬
‫اإلرهابية والتّخريبية‪ ،1‬تأسيسا على أن القول بتمتع (الجماعات اإلرهابية) بوصف طرف‬
‫النزاع من شأنه إسباغ نوع من ال ّشرعية على نشاطات هذه األخيرة‪.2‬‬
‫ّ‬
‫إن هذا التّوجه وإ ن كان يجد ما يبرره نسبيا في إطار القواعد القانونية التي تحكم‬
‫ّ‬
‫فإنه على العكس من ذلك يجد في قصور ال ّشخصية القانونية‬
‫النزاعات المسلّحة الدولية‪ّ ،‬‬
‫للنزاعات المسلّحة ذات الطابع غير‬
‫الضابطة ّ‬
‫الدولي اإلنساني ّ‬
‫التي تسبغها أحكام القانون ّ‬
‫الدولي على الجماعات‪ 9‬المسلّحة‪ ،3‬فضال عن عدم إسقاط التّجريم على األعمال التي تأتيها‬
‫هذه األخيرة في سياق النزاعات المسلّحة‪ ،‬ما يدحضه‪.4‬‬
‫الدولي اإلنساني التي تنصرف‬
‫الرغم من اعتراف أحكام القانون ّ‬
‫ذلك ّأنه على ّ‬
‫الدولي بالشخصية القانونية للجماعات‪9‬‬
‫لتنظيم مجال للنزاعات المسلحة ذات الطابع غير ّ‬
‫أن هذا االعتراف بقي مستقال عن نظام االعتراف بالمقاتلين ومقتضياته‪،5‬‬
‫المسلّحة‪ ،‬إالّ ّ‬
‫الدولي اإلنساني فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة ذات الطّابع‬
‫أن أحكام القانون ّ‬
‫ومؤدى ذلك ّ‬
‫ال تنصرف لكفالة صفة أسير الحرب لهذه الجماعات مما يجعل من‬ ‫الدولي‬
‫غير ّ‬

‫الدولي اإلنساني في حاالت اإلرهاب‪ ،‬اللّجنة الدولية للصليب األحمر‪ ،‬مركز المعلومات‪،‬‬
‫)‪ -‬مالئمة القانون ّ‬
‫‪1‬‬

‫التالي‪:‬‬ ‫متوافر على الموقع اإللكتروني‬


‫‪http://www.icrc.org،. consulté le : 27/05/2015 à 02 :48.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪)- ICRC, International humanitarian law and other legal regimes: interplay in situation of violence,‬‬
‫‪XXVII the round table on current problems of international humanitarian law, the international‬‬
‫‪institution of humanitarian law in cooperation with he International Committee of the Red Cross, Suisse,‬‬
‫‪November 2003.p.7.‬‬

‫‪ -)3‬عتلم حازم محمد‪ ،‬مرجع سابق‪.221.‬‬


‫‪ -)4‬سي صالح نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.76 .‬‬
‫‪ -)5‬عتلم حازم محمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.220.‬‬
‫‪64‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫في العمليات العدائية أساسا كفيال لمقاضاتهم أمام المحاكم‬ ‫مجرد مشاركتهم‬
‫الوطنية‪.1‬‬
‫هذا ويعزز عنصر التفاعل بين النظام القانوني الداخلي والنظام القانون الدولي‬
‫اإلنساني في حالة‪ 9‬النزاعات المسلحة ذات الطابع غير الدولي‪ ،‬من أساس تجريم األعمال‬
‫السلم متى ارتكبت في سياق نزاع مسلح ذو طابع غير دولي‪.‬‬
‫التي تعتبر إرهابية في وقت ّ‬
‫بحيث يكفل هذا التّفاعل فضال عن تجريم هذه األعمال التي توصف على أنها‬
‫‪2‬‬
‫الدولي الجنائي‬
‫إرهابية وتخريبية تأسيسا على المنظومة الجنائية الوطنية ؛ تفعيل القانون ّ‬
‫الدولي الجنائي‪،3‬‬
‫في مواجهتها متى استوفت مقّتضيات هذا التّجريم وفقا ألحكام القانون ّ‬
‫الدولي اإلنساني على التدابير‬
‫وفي هذا الصدد يعتبر الحظر الوارد بموجب أحكام القانون ّ‬
‫ضد المدنيين بموجب كل من المادة ‪ 33‬من اتفاقية جنيف‬
‫واألعمال اإلرهابية الموجهة ّ‬
‫الرابعة والمادة ‪( 4/2‬د) من البرتوكول اإلضافي الثّاني الملحق باتفاقيات جنيف‪ ،‬والذي‬
‫تقرها كل من‬
‫السكان المدنيين والتي ّ‬
‫يجد في قاعدة حظر أعمال العنف التي تستهدف ّ‬
‫األول والمادة ‪ 13/2‬من البرتوكول اإلضافي الثّاني‬
‫المادة ‪ 51/2‬من البرتوكول اإلضافي ّ‬
‫تعزيزا له‪ ،4‬أساسا كفيال بإسقاط مدلول جرائم الحرب على هذه األفعال وفقا لما يقتضيه‬

‫الدولي اإلنساني في حاالت اإلرهاب‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫)‪ -‬مالئمة القانون ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪)-I.C.R.C, International humanitarian law and other legal regimes: interplay in situation of violence,‬‬
‫‪Op.cti,p.7.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪)- Voir : SIMON Therrien-Denis, L’autre terrorisme la criminalisation de la violation de l’interdiction‬‬
‫‪de terrorisme prévue en droit international humanitaire et les éléments constitutifs de crime, mémoire‬‬
‫‪=présenté pour l’obtention du grade de maitre en droit, faculté de droit, université de Laval, Québec,‬‬
‫‪2011,pp.72-80.‬‬
‫‪ -)4‬راجع في ذلك كل من‪ :‬المادة ‪ 33‬من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية األشخاص المدنيين في وقت‬
‫األول الملحق باتفاقيات جنيف األربعة والمتعلق‬
‫الحرب‪ ،‬مرجع سابق؛ المادة ‪ 15/2‬من البرتوكول اإلضافي ّ‬
‫بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة المؤرخ في ‪ ،06/1977/ 10‬دخل حيز النفاذ‬
‫في ‪ ،07/12/1978‬انضمت إليه الجزائر بموجب مرسوم رئاسي ‪ 68-89‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،20‬الصادرة‬
‫بتاريخ ‪17/05/1998‬؛ والمواد ‪ 4/2‬و‪ 13/2‬من البرتوكول اإلضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف األربعة‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية من منطلق أنها تعتبر خرقا ألحد المبادئ العرفية‬
‫الدولي اإلنساني ممثال في مبدأ التّميز‪.1‬‬
‫القاعدية في القانون ّ‬
‫وهو ما من شأنه‪ ،‬توسيع حدود الوالية القضائية على هذه األفعال إعماال لمبدأ‬
‫التّكاملية‪ ،‬ومبدأ االختصاص الجنائي العالمي في مواجهة مرتكبيها سواء بسواء بالنسبة‬
‫للجماعات المسلحة النظامية أم المتمردين‪.2‬‬
‫إن الموقف المناوئ الذي اتّخذته الحكومة الجزائرية في مواجهة أي توجه قائل‬
‫ّ‬
‫باستجابة حاالت العنف(الظاهرة اإلرهابية) لعتبة النزاع المسلح‪ ،‬يجد تبريره على صعيد‬
‫كمطية للتّدخل اإلنساني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫آخر في تّوجس هذه األخيرة من اتخاذ حالة‪ 9‬النزاع المسلح‬
‫‪3‬‬
‫الناحية‬
‫الناحية العملية ‪ ،‬إال ّأنه من ّ‬
‫هذا الموقف وإ ن كان يجد ما يبرره من ّ‬
‫الدول برفض االعتراف بوجود حالة‪9‬‬
‫تشبث ّ‬
‫القانونية يفتح المجال للتّساؤل حول جدوى ّ‬
‫الدولي عن نظام االعتراف‬
‫نزاع مسلّح على إقليمها في الوقت الذي عدل فيه القانون ّ‬
‫النزاعات المسلحة‪.4‬‬
‫بالمحاربين كأساس لتكيف ّ‬
‫ومن جهة أخرى نجد في الحظر العام الوارد بموجب المادة ‪ 3/2‬من البرتوكول‬
‫اإلضافي الثّاني الملحق باتّفاقيات جنيف األربعة ألي تدخل أجنبي في النزاعات المسلحة‬

‫‪1‬‬
‫‪)- Voir : SIMONT Therrien- denis ,Op.cit, pp.32-36.‬‬
‫‪ -)2‬راجع في ذلك‪ ،‬هانز بيتر جاسر‪" ،‬األعمال اإلرهابية‪" ،‬واإلرهاب "والقانون الدولي اإلنساني"‪ ،‬المجلّة‬
‫للصليب األحمر‪( ،‬لجنة الصليب األحمر)‪ ،‬مختارات من األعداد ‪ ،2002‬ص‪.131.‬‬
‫الدولية ّ‬
‫‪ -)3‬وهو الموقف الذي اتّخذته الجزائر على لسان رئيسها السيد "عبد العزيز بوتفليقة" أمام الجمعية العامة لألمم‬
‫السيد "كوفي عنان" على إثر طلب هذا‬
‫المتّحدة في ‪،20/9/1999‬عندما رد على األمين العام لألمم المتّحدة ّ‬
‫األخير من الحكومة الجزائرية قبول التدخل اإلنساني الدولي للعمل على الحد من أثار النزاع الداخلي المسلح‬
‫الجزائري‪ ،‬و جاء رفض الرئيس الجزائري للتعامل الدولي مع األزمة على أساس أن المعايير اإلنسانية ال يتم‬
‫اتخاذها إالّ في مواجهة الدول الصغيرة‪ ،‬نقال عن‪ :‬مسعد عبد الرحمان زيدان‪ ،‬تدخل األمم المتحدة في النزاعات‬
‫الدولي‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪ ،2008 ،‬ص‪.24.‬‬
‫المسلحة غير ذات الطّابع ّ‬
‫‪ -)4‬عتلم حازم محمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬ص‪.216.‬‬
‫‪66‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الدولي اإلنساني‬
‫التشبث بنفاذ أحكام القانون ّ‬
‫ّ‬ ‫الدولي‪ ،‬باعثا على‬
‫ذات الطّابع غير ّ‬
‫في مواجهتها وليس العكس‪.1‬‬
‫إذا كان مؤدى المادة ‪ 3/2‬من البرتوكول اإلضافي الثّاني ّأنه ليس في هذا‬
‫حجة‪ ،‬في‬
‫يرخص التّدخل المباشر أو غير المباشر وفق أي ستار أو ّ‬
‫البرتوكول ما يبيح أو ّ‬
‫السامي‬
‫طرف ّ‬
‫طابع غير الدولي التي تنشب على إقليم ال ّ‬
‫النزاعات المسلحة ذات ال ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫أن أعمال التّدخل التي يتّخذها مجلس األمن ال‬
‫فإننا نذهب إلى التّأكيد على ّ‬
‫المتعاقد ‪ّ ،‬‬
‫تتوقف بأي شكل من األشكال على الوصف القانوني الذي تّتخذه حاالت العنف وإ نما‬
‫الدوليين‪.3‬‬
‫السلم واألمن َّ‬
‫انطالقا من اختصاصه األصيل في حفظ‪ّ 9‬‬
‫الدول بوجود حالة نزاع داخلي‪ ،‬نردها إلى‬
‫تطرح فرضية ثانية لرفض اعتراف ّ‬
‫الدولي‬
‫رغبة هذه األخيرة في التّنصل من االلتزامات التي تّفرضها أحكام القانون ّ‬
‫الناحية‬
‫النزاع‪ ،‬إالّ ّأنه من ّ‬
‫النظرية تلزم كال طرفي ّ‬
‫الناحية ّ‬
‫اإلنساني‪ ،‬والتي إن كانت من ّ‬
‫الدولي‬
‫وأن أحكام القانون ّ‬
‫طرف الحكومي أكثر المعنيين بها‪ ،‬خاصةً ّ‬
‫الواقعية يبدو ال ّ‬
‫السلبية بالمثل‪.4‬‬
‫اإلنساني غير خاضعة لمبدأ المعاملة ّ‬
‫‪ -)1‬راجع في ذلك المادة ‪ 3/2‬من البرتوكول اإلضافي الثاني‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)2‬عتلم حازم محمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.228.‬‬
‫‪ -)3‬لقد منح ميثاق األمم المتّحدة بموجب المادة ‪ 38‬منه سلطات واسعة لمجلس األمن في تقدير ما يعتبر تهديدا‪9‬‬
‫الدوليين بمفهوم المادة ‪ 4/2‬من ميثاق األمم المتّحدة سواء تعلق ذلك بحالة نزاعات‬
‫بالسلم واألمن ّ‬
‫للسلم أو إخالال ّ‬
‫ّ‬
‫السلطات الواسعة لمجلس األمن‬
‫الدولية على ّ‬
‫=مسلحة دولية أو ذات طابع غير دولي‪ ،‬كما قد أكدت محكمة العدل ّ‬
‫ّ‬
‫الشراح أن كل من المادتين ‪ 55‬و‪ 56‬من‬
‫الضمنية‪ 9،‬هذا ويعتبر بعض َّ‬
‫من خالل إقرارها لنظرية االختصاصات ّ‬
‫ميثاق األمم المتّحدة تعتبران أساسا قانونيا خصبا للتّدخل اإلنساني سواء تعلق األمر بنزاع مسلح دولي أو غير‬
‫أن مجلس األمن قد اعتمد‪ 9‬مبدأ مسؤولية الحماية كأساس قانوني جديد للتّدخل في‬
‫دولي‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫الدوليين‪ ،‬راجع في ذلك‪" :‬تابتي المية" و "بوشباح وسيلة"‪ ،‬إشكالية‬
‫بالسلم و األمن ّ‬
‫حاالت التّهديد أو اإلخالل ّ‬
‫الدولية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماستر في الحقوق‪ ،‬شعبة القانون‬
‫النزاعات المسلّحة غير ّ‬
‫تدخل مجلس األمن في ّ‬
‫السياسية‪ ،‬جامعة عبد الرحمان‬
‫الدولي اإلنساني وحقوق اإلنسان‪ ،‬كلّية الحقوق والعلوم ّ‬
‫العام‪ ،‬تخصص القانون ّ‬
‫ميرة‪ ،‬بجاية‪ ،2013 ،‬ص‪.35-23.‬‬
‫‪ -)4‬هانز بيتر جاسر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.132.‬‬
‫‪67‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫لتضحي بذلك القواعد القليلة القائلة بالتزام األطّراف الحكومية إزاء الجماعات‬
‫تشددا من تلك التي تفرضها أحكام‬
‫المتمردة بضمان جملة من الحقوق والتي تبدوا أكثر ّ‬
‫ّ‬
‫القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪-‬متى تم تفعيل بند التّحلل من االلتزام‪ ،-‬تشكل هاجسا لدى‬
‫السيطرة على األوضاع‬
‫الطّرف الحكومي باعتبارها من معوقات االضطالع بمهمة ّ‬
‫الداخلية‪.1‬‬
‫الدولي للجماعات‪9‬‬
‫على صعيد آخر‪ ،‬عادة ما يعزز عدم تخويل أحكام القانون ّ‬
‫المسلّحة أهلية متساوية لممارسة الحقوق‪ 9‬الناجمة عن االلتزامات والمحظورات المنصوص‬
‫‪2‬‬
‫استعداد هذه األخيرة على غرار الجماعات‬
‫الدولي اإلنساني ‪ ،‬من عدم ّ‬
‫عليها في القانون ّ‬
‫المسلّحة اإلسالمية المتطرفة ( الجماعات اإلرهابية) في الجزائر لالمتثال ألحكام هذا‬
‫األخير‪.‬‬
‫الشراح إلى القول بعدم واقعية مبدأ المساواة‬
‫الصدد‪ ،‬يذهب العديد من ّ‬
‫وفي هذا ّ‬
‫منطقية‬
‫ّ‬ ‫الدولية‪ ،‬وبالمقابل عدم‬
‫بين األطراف المتحاربة‪ 9‬في إطار النزاعات المسلّحة غير ّ‬
‫تقر ولو ضمنيا بعدم التّكافؤ بين‬
‫الدولي اإلنساني‪ ،‬التي ّ‬
‫المساواة في االلتزام بأحكام القانون ّ‬
‫طرفي االلتزام‪ ،3‬وهو الرأي الذي يدعمه غياب أساس مبرر من الناحية القانونية إللزام‬
‫الدولي اإلنساني‪.4‬‬
‫الجماعات المسلحة باالمتثال ألحكام القانون ّ‬

‫‪ -)1‬راجع في ذلك كل من‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪134.‬؛‬


‫‪- COHEN Samy, «Pourquoi les démocraties en guerre contre le terrorisme violent-elles les droits de‬‬
‫‪l'homme ? », In critique internationale, N° 41, 2008, p. 9-20.‬‬
‫الدول والجماعات المسلّحة متساوية بموجب‬
‫)‪-‬ساسولي ماركوا وويوفال شاني‪" ،‬هل يجب أن تكون التزامات ّ‬
‫‪2‬‬

‫للصليب األحمر)‪ ،‬المجلد‬


‫الدولي ّ‬
‫للصليب األحمر‪ ( ،‬المركز ّ‬
‫الدولية ّ‬
‫الدولي اإلنساني في الواقع "‪ ،‬المجلة ّ‬
‫القانون ّ‬
‫‪ ،93‬العدد‪.2011 ،882‬ص‪.3.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪)- JONATHNE Somer ,Op.cit, p.28.‬‬
‫الدولي اإلنساني‬
‫)‪ -‬طرحت العديد‪ 9‬من النظّريات القائلة بأساس التزام الجماعات المسلّحة باحترام قواعد القانون ّ‬
‫‪4‬‬

‫منها‪ :‬نظرية االختصاص التّشريعي‪ ،‬القوة الملزمة من خالل الفرد‪ ،‬نظرية المهام الحكومية الفعلية‪ ،‬نظرية‬
‫الرضي كأساس وحيد لاللتزام‪ ،‬راجع في ذلك ‪ :‬جان كيه كليفنر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدولي اإلنساني العرفي‪،‬‬
‫إلزامية القانون ّ‬
‫للصليب األحمر‪( ،‬اللّجنة‬
‫الدولية ّ‬
‫النظامية المسلّحة"‪ ،‬المجلة ّ‬
‫الدولي اإلنساني على الجماعات ّ‬
‫"انطباق القانون ّ‬
‫‪68‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫ينصرف هذا التوجه إلى حد بعيد ليشمل الجماعات المسلحة اإلسالمية المتطرفة‬
‫(الجماعات اإلرهابية) في الجزائر‪ ،‬مع اختالف بسيط في الطّرح أين أعربت هذه األخيرة‬
‫بالدم‬
‫ألية قواعد وضعية‪ ،‬تحت شعار إقامة "الدولة اإلسالمية ّ‬
‫عن ّنيتها في عدم االمتثال ّ‬
‫والبندقية"‪ ،‬متّخذةً من مجموعة من الفتاوى التّكفيرية الشاذة‪ ،1‬سبيال إلهدار القواعد‬
‫بدائية‬
‫المتضمنة في أحكام ال ّشريعة اإلسالمية الغراء والتي تسقط عند كمالها ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلنسانية‬
‫الدولي اإلنساني الوضعي‪.2‬‬
‫قواعد القانون ّ‬
‫أي بصيص أمل‬
‫وهو ما أسفر‪ ،‬في الوقت الذي لم يترك فيه الموقف الحكومي ّ‬
‫الدولي اإلنساني‪ ،‬عن مأساة‬
‫للتّعويل عليه في حمل هذه األخيرة على تنفيذ أحكام القانون ّ‬
‫إنسانية حقيقية‪.3‬‬

‫ثانياً‬
‫الدولية على حاالت االنتهاكات‬
‫البحث في مدى إمكانية إطالق وصف الجريمة ّ‬
‫الجسيمة للقانون الّدولي اإلنساني في إطار ال ّنزاع المسلّح الجزائري‬

‫للصليب األحمر)‪ ،‬المجلد ‪ ،93‬العدد‪ ،2011 ،8829‬ص‪.14-1.‬‬


‫الدولية ّ‬
‫‪ -)1‬بوكراع إلياس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.380-379.‬‬
‫‪ -)2‬لمزيد من التّفاصيل حول القواعد اإلنسانية التي تقرها الشريعة اإلسالمية راجع‪ :‬عبد الغني عبد الحميد‬
‫الدولية‬
‫الدولي اإلنساني والشريعة اإلسالمية‪ ،‬اللّجنة ّ‬
‫النزاعات المسلحة في القانون ّ‬
‫محمود‪ ،‬حماية ضحايا ّ‬
‫للصليب األحمر‪ ،‬مصر‪.2002 ،‬‬
‫ّ‬
‫أن تعمل وفقا‬
‫تحث الفقرة الثّانية من المادة الثّالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف األربعة أطراف النزاع ّ‬
‫)‪ُ -‬‬
‫‪3‬‬

‫الدولي اإلنساني وال يخفى ما من شأن هذا النوع من االتفاقيات‬


‫التفاقية خاصة على احترام جميع أحكام القانون ّ‬
‫من تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع مما قد يسمح بالتطبيق الفعلي ألحكام القانون الدولي اإلنساني من‬
‫قبل كال طرفي النزاع‪ ،‬أما في الحالة الجزائرية ورغم عدم فتح بعض الجماعات المسلحة أي منفذ للحوار وأي‬
‫نية لالمتثال لقواعد القانون الدولي اإلنساني إال أن هناك منها من أبدى نيته في االلتزام بهذه القواعد مثل الجيش‬
‫اإلسالمي لإلنقاذ الذي دأب على تفنيد نسب أي عملية عدائية تمس المدنيين‪ 9‬إلى تنظيمه‪ ،‬راجع في ذلك كل من‪:‬‬
‫بوكراع إلياس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪383-378.‬؛‬
‫‪-BANJERTER Olivier, « Les raison pour les groupes armée de choisir de respecter le droit international‬‬
‫‪humanitaire ou pas », In R.I.C.R, N°882, 2011, p.64.‬‬
‫‪69‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الدولي اإلنساني‬
‫لقد دفعتنا المأساة اإلنسانية التي خلّفتها االنتهاكات الجسيمة للقانون ّ‬
‫في إطار حالة‪ 9‬العنف المسلّح الجزائري(الحرب‪ 9‬على اإلرهاب) للبحث في اإلطار‬
‫الموضوعي لهذه االنتهاكات والتي يمكن أن نجملها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -)1‬الجماعات اإلرهابية و جريمة اإلبادة الجماعية‬


‫‪ -‬البحث في مدى توافر العنصر المعنوي ‪-‬‬
‫العزل‪ ،1‬والتي يذهب كل‬
‫المدنين ّ‬
‫ّ‬ ‫تشهد المجازر‪ 9‬الجماعية المرتكبة في حق‬
‫من األستاذ "علي يحي عبد ال ّنور" واألستاذ "لويس مارتنيز" إلى توصيفها على ّأنها‬
‫السكان المدنين في إطار هجوم واسع النطاق‬
‫عمليات قتل جماعي لجزء من مجموعة من ّ‬
‫للركن المادي لجريمة اإلبادة الجماعية‪.3‬‬ ‫‪2‬‬
‫ومنهجي ‪ ،‬على استيفائها ّ‬
‫الرغبة في اإلهالك القائمة على باعث‬
‫البت في مدى توافر عنصر ّ‬
‫ليبقى ّ‬
‫عنصري‪ ،4‬محل ّشك أمام تباين المعطيات التي يمكن االستناد عليها في ذلك بين تلك التّي‬

‫الدولي‬
‫تعد انتهاكا جسيمة لقواعد القانون ّ‬
‫النوع من الممارسات التي ّ‬
‫)‪ -‬لقد شهدت الجزائر منذ بداية ‪ 1995‬هذا ّ‬
‫‪1‬‬

‫اإلنساني لكنها اتخذت وتيرة أكثر تصعيدا‪ ،‬و شغلت حيزا إعالميا أكثر توسعا منذ سنة ‪ ،1997‬أنظر‬
‫في ذلك‪ :‬بوكراع إلياس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.356 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪)-Voir : Algeria Watch, Entretien avec Me Ali Yahia Abdenour, propos recueillis par( K) Rachid, le‬‬
‫‪jeune indépendant, 22et 23septembre1998, disponible (en ligne)sur www.algeria-watch.org, consulté le :‬‬
‫‪20/05/2015 à 03 :18 ; Voir aussi : MARTINEZ Luise ,« Algérie: les massacres des civils dans la‬‬
‫‪guerre », In R.I.P.C , Vol 8, N°1,2001, p.47.‬‬
‫الركن المادي في حالة جريمة اإلبادة الجماعية مستوفى عند القيام بعمليات قتل جماعي لجزء من‬
‫)‪ -‬يعتبر ّ‬
‫‪3‬‬

‫النطاق أو منهجي على هؤالء‪ ،‬أنظر‪ ،‬تمرخان بكة سوسن‪،‬‬


‫السكان المدنيين في إطار هجوم واسع ّ‬
‫مجموعة من ّ‬
‫الدولية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫النظام األساسي للمحكمة الجنائية ّ‬
‫الجرائم ضد اإلنسانية في ضوء ّ‬
‫‪ ،2006‬ص‪.323.‬‬
‫‪ -)4‬يتمثل العنصر المعنوي لجريمة اإلبادة الجماعية في توجه القصد الجنائي إلى اإلهالك الكلي أو الجزئي‬
‫لجماعة قومية‪ ،‬إثنية‪ ،‬عرقية‪ ،‬أو دينية‪ ،‬أنظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.326.‬‬
‫‪70‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫بأنها عملية تّطهيرية‬


‫انتقامية وتلك القائلة ّ‬
‫ّ‬ ‫تصنف المجازر‪ 9‬الجماعية على ّأنها عمليات‬
‫أسهمت مجموعة من الفتاوى التّكفيرية الشاّذة على تغذيتها‪.1‬‬
‫عقائدية ّ‬
‫ّ‬ ‫على خلفية‬ ‫قائمة‬
‫تجدر اإلشارة إلى ّأنه تم إيفاد لجنة من طرف األمم المتّحدة للبحث في االتّهام‬
‫الجماعية التي لحقت بالمدنين هي نتيجة‬
‫ّ‬ ‫بأن المجازر‪9‬‬
‫للسلطة الجزائرية القائل ّ‬
‫الموجه ّ‬
‫ّ‬
‫السلطة في الجزائر خصوصا في ظل‬
‫الدولة‪ ،‬وقد انتهت إلى نفي التّهمة عن ّ‬
‫إرهاب ّ‬
‫األطروحة‪ 9‬التي كانت قائمة آنذاك "من يقتّل من"‪.2‬‬
‫انية‪:‬‬ ‫ّد اإلنس‬ ‫رائم ض‬ ‫ة والج‬ ‫ات اإلرهابي‬
‫لق‪99 9‬د م‪99 9‬ورس في إط‪99 9‬ار حال‪99 9‬ة العن‪99 9‬ف المس ‪9 9‬لّح الجزائري‪99 9‬ة مجموع‪99 9‬ة من الج‪99 9‬رائم ال‪99 9‬تي يمكن‬
‫ضد اإلنسانية علي النحو المبين فيما يلي‪:‬‬
‫وصفها بالجرائم ّ‬
‫جريمة الّتعذيب‪:‬‬ ‫أ)‬
‫توجه العديد من تقارير المنظّمات الحقوقية وكذا البالغات المقدمة أمام الهيآت‬
‫ّ‬
‫السلطة األمنية في الجزائر باقتراف عمليات تّعذيب في حق‬
‫الدولية‪ ،‬أصابع االتّهام إلى ّ‬
‫ّ‬
‫اآلالف من الجزائريين بصفة منتظمة وممنهجة ‪.3‬‬
‫وقد قوبلت هذه االتّهامات التي من شأن ثبوتها إسقاط صفة الجريمة ضد اإلنسانية‬
‫‪4‬‬
‫بأن عمليات‬
‫الدولة الجزائرية التي أكدت ّ‬
‫على ممارسات الجهات األمنية ‪ ،‬بالنفي من قبل ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪) –Voir: MARTINEZ Luise, « Algérie :les massacres des civils dans la guerre », Op.cti ,pp.47,48.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) –Voir: NATION Unies, Algérie, Rapport du groupe de personnalités éminentes, juillet out 1998,‬‬
‫‪département de l’information , nation unies, septembre, 1998.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪) –Voir :SIDHOUM Salah-eddine, « La torture, antichambre de la mort », In confluence méditerranée ,‬‬
‫‪N°51 ,2004,pp.23-38 ; Voire aussi: Alegria –Watch, Entretien avec Me ali yahia abdenour , Op.cti.‬‬
‫ممن ورد‬
‫الدولية ما يلي "ظّل التعذيب متفشيا على نطاق واسع‪ ،‬وكان كثير ّ‬
‫‪-‬كما ورد في تقرير لمنظمة العفو ّ‬
‫أن لهم صالت بجماعات مسلّحة ‪........‬وخالل فترات االحتجاز‬
‫تعرضوا للتّعذيب قد اعتقلوا لالشتباه في ّ‬
‫ّأنهم ّ‬
‫والسلطات القضائية على نفي علمها بالمحتجزين‪ ،‬ولم تقر باحتجازهم إالّ عند تقديمهم‬
‫السري دأبت الحكومة ّ‬
‫الدولية‪ ،‬تقرير العام ‪ ،2003‬رمز الوثيقة‪، POL10/003/2003،‬‬
‫للمحاكمات أو اإلفراج عنهم؛ منظمة العفو ّ‬
‫الصفحة الخاصة بالجزائر‪ ،‬ص‪.118-117 .‬‬
‫الدولي‪99‬ة "‬
‫ّ‬ ‫تعرف جريمة التعذيب بمفهوم الفقرة ‪(2‬ه) من المادة السابعة من النظام األساسي للمحكم‪99‬ة الجنائي‪99‬ة‬
‫)‪ّ -‬‬
‫‪4‬‬

‫تعم‪9‬د‪ 9‬إلح‪99‬اق ألم ش‪99‬ديد أو معان‪99‬اة ش‪99‬ديدة‪ ،‬س‪99‬واء ب‪99‬دنيا أم عقلي‪99‬ا‪ ،‬بش‪99‬خص موج‪99‬ود تحت إش‪99‬راف المتّهم أو س‪99‬يطرته "‪،‬‬
‫‪71‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫التّعذيب التي وقعت أثناء المأساة الوطنية لم تعدو أن تكون إالّ تجاوزات فردية‪ ،1‬يمكن أن‬
‫تحصل في أية دولة تواجه الوضع نفسه‪.‬‬
‫ري‪:‬‬ ‫اء القس‬ ‫االت اإلخف‬ ‫كالية ح‬ ‫اب وإ ش‬ ‫رب على اإلره‬
‫بملف المفقودين من أكثر الملفّات ال ّشائكة التي أفرزتّها األزمة‬
‫ّ‬ ‫يعتبر ما يسمى‬
‫القسري‪ ،3‬والتي‬ ‫‪2‬‬
‫األمنية الجزائرية ‪ ،‬وذلك لما لها من ارتباط وثيق بمفهوم جريمة االختفاء ّ‬
‫األولى فتتعلق بما تذهب إليه المنظّمات الحقوقية في‬
‫نسجل بصددها أطروحتين؛ أما ّ‬ ‫ّ‬
‫وجهتا‬
‫الدولية" و"منظّمة هيومن رايت واتش" اللتان ّ‬ ‫طليعتها كل من "منظّمة العفو ّ‬
‫السلطة الجزائرية‪.4‬‬
‫إلى ّ‬ ‫اتّهاماتها‪9‬‬
‫الرسمي‪ ،‬هذا األخير الذي ّفند هذا التّوجه‬
‫أما الثانية‪ ،‬فهي تّلك المتعلقة بالموقف ّ‬
‫ّ‬
‫الدولية غير‬
‫ظمات ّ‬
‫السياق العام الذي تشتغل فيه المن ّ‬
‫والذي يندرج ‪-‬حسبه – ضمن ّ‬
‫السياسية الغامضة‪ ،‬وبالتّالي فهي تفتقد للمصداقية في مثل هذه‬
‫الحكومية ذات التّوجهات ّ‬

‫نظام روما األساسي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫‪)-Voir :NATION Unies, Comité des droit de l’homme, Deuxième rapport périodique que le‬‬
‫‪gouvernement algérien devait présenter en 1995 au CDH, CCPR/C/101/Add/1 ;Voir aussi: ALI Haroun‬‬
‫‪et autre, Op.cit,pp.71-106.‬‬
‫‪ -)2‬سي صالح نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.60.‬‬
‫‪ -)3‬تعرف جريمة االختفاء القسرى على أنها " إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل‬
‫دولة أو منظمة سياسية‪ ،‬أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه‪ ،‬ثم رفضها اإلقرار بحرمان هؤالء‬
‫األشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية‬
‫القانون لفترة زمنية طويلة‪ ،‬الفقرة ‪(2‬ط) من المادة‪ 7‬من نظام روما األساسي المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)4‬أنظر في ذلك كل من‪ :‬منظمة العفو الدولية‪ ،‬إرث اإلفالت من العقاب تهديد لمستقبل الجزائر‪ ،‬األمانة‬
‫الدولية‪ ،‬لندن‪ ، MDE/2009/001/28 ،2009 ،‬ص‪34-27.‬؛‬
‫الدولية لمنظمة العفو ّ‬
‫‪-HUMEN RIGHT WHATCH, Disparussions forcées en Algérie, Rapport, février 2003, disponible en‬‬
‫‪ligne sur :http://www.hrw.org,reports/2003/algeria.0203/. consulté le: 20/05/2015 à 02 :58.‬‬
‫‪72‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الحاالت على اعتبار أنها كانت دوما غافلة عما يجري في الجزائر"‪ 9‬االعتراف بالحرب‬
‫على اإلرهاب وما صاحبه من أطروحة من يقتل من"‪.1‬‬
‫ج)‪ -‬الجماع ات اإلرهابي ة وجريم ة اإلغتص اب واإلس تعباد الجنس ي‪:‬‬
‫لقد لعب الجندر الجنسي‪ ،2‬دورا محوريا في تعزيز معاناة النساء الجزائريات‬
‫النزاع المسلح الجزائري‪ ،‬أين تعرضت حوالي عشرة أالف امرأة جزائرية–‬
‫خالل مرحلة ّ‬
‫‪3‬‬
‫اإلسالمية المتّطرفة المسلّحة (اإلرهابية)‬
‫على األقل‪ ، -‬بعد خطفها من قبل الجماعات ّ‬
‫القسري في حالة‬
‫لالستعباد الجنسي (اإلغتصاب ثم الذبح‪ ،‬اإلغتصاب الجماعي‪ ،‬اإلجهاض ّ‬
‫ّ‬
‫ثبوت الحمل‪.4)...‬‬
‫ضد المرأة في تقريرها لسنة‬
‫هذا‪ ،‬وقد ذهبت المقررة‪ 9‬الخاصة المعنية بالعنف ّ‬
‫‪ 2008‬إلى تكييف جرائم العنف الجنسي المرتكبة في إطار حالة العنف المسلّح الجزائرية‬
‫ضد اإلنسانية‪.5‬‬
‫على أنها جرائم ّ‬
‫الدفع بجرائم الحرب ‪:‬‬
‫‪ -)3‬في إمكانية ّ‬
‫لقد شملت العمليات العدائية(اإلرهابية) الممارسة من قبل الجماعات‪ 9‬اإلرهابية‬
‫ضد المدنيين بصفتهم هذه كأهداف مباشرة سواء عن طريق‪ ،‬االغتياالت‬
‫في الجزائر ّ‬

‫السوداء‪ ،‬يومية الشروق‪ ،‬ليوم‬


‫)‪ -‬فاروق قسنطيني‪ ،‬الجزائر تؤكد الشفافية حيال المفقودين خالل العشرية ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪12‬أفريل ‪.2012‬‬
‫ظمة الصحة العالمي‪9‬ة بين مص‪9‬طلحي الجنس و الجن‪9‬در( الن‪9‬وع االجتم‪9‬اعي) وع‪9‬رفت مص‪9‬طلح الجن‪9‬در‬
‫‪ -)2‬فرقت من ّ‬
‫الرج ‪99‬ل والم ‪99‬رأة كص ‪99‬فات مركب ‪99‬ة‬
‫على أن ‪99‬ه‪" :‬المص ‪99‬طلح ال ‪99‬ذي يفي ‪99‬د اس ‪99‬تعماله في وص ‪99‬ف الخص ‪99‬ائص ال ‪99‬تي يحمله ‪99‬ا ّ‬
‫اجتماعي‪99‬ا ال عالق‪99‬ة له‪99‬ا باالختالف‪99‬ات العض‪99‬وية " كم‪99‬ا تقض‪99‬ي الم‪99‬ادة ‪ 7/3‬من نظ‪9‬ام روم‪9‬ا األساس‪99‬ي بم‪99‬ايلي‪ ":‬لغ‪99‬رض‬
‫أن تعبير " نوع الجنس " يشير إلى الجنسين ‪ ,‬الذكر واألنثى‪ ,‬في إطار المجتم‪99‬ع‪,‬‬ ‫النظام األساسي‪ ,‬من المفهوم ّ‬ ‫هذا ّ‬
‫األساس‪99‬ي‪،‬‬
‫وال يش‪99‬ير تعب‪99‬ير " ن‪99‬وع الجنس " إلى أي مع‪99‬ني آخ‪99‬ر يخ‪99‬الف ذل‪99‬ك"‪ ،‬راج‪99‬ع الم‪99‬ادة ‪ 7/3‬من نظ‪99‬ام روم‪99‬ا ّ‬
‫مرجع سابق‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫)‪ -‬مصفي بسطامي ‪،‬منح ألكثر من ‪ 10000‬مغتصبة‪ ،‬النهار الجديد‪ 9،‬ليوم ‪.12/1/2014‬‬
‫‪ -)4‬بوكراع إلياس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.386-384.‬‬
‫‪-)5‬نقال عن سي صالح نورالدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.65.‬‬
‫‪73‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫المزيفة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الفردية أو المجازر الجماعية‪ ،‬التّفجيرات في األماكن العمومية‪ ،‬الحواجز‪9‬‬
‫االختّطافات‪ ،19‬وهو ما يجعلنا نقول باستيفاء هذه الممارسات لمدلول جرائم الحرب‪ ،2‬متى‬
‫تم تكييف حالة‪ 9‬العنف المسلّح الجزائري على أنها نزاع مسلّح ذو طابع غير دولي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫الدولي لحقوق اإلنسان في إطار (الحرب على اإلرهاب)‬
‫تهميش أحكام القانون ّ‬
‫في الجزائر‬

‫استثنائية‪،‬‬
‫بالضرورة اتّخاذ إجراءات ّ‬
‫ّ‬ ‫االستثنائية تقتضي‬
‫بأن الظّروف ّ‬
‫إن التّسليم ّ‬
‫ّ‬
‫الدولة في اتّخاذ مثل هذه التّدابير‪ ،‬وهو‬
‫يستتبعه التّأكيد على ضرورة عدم إطالق سلطات ّ‬
‫االستثنائية‪ ،‬بحيث‬
‫الوصف الذي ينطبق كذلك على موضوع حقوق اإلنسان أثناء الحاالت ّ‬
‫بالضرورة تقيد هذه‬
‫ّ‬ ‫الدولة اتّخاذ تدابير تقّييدية لحقوق اإلنسان سيتّتبعه‬
‫أن تخويل سلطات ّ‬
‫ّ‬
‫األخيرة في إقرارها لهذه التدابير بجملة من القيود‪ ،‬منها ما تعلق باألطر القانونية ومنها ما‬
‫الدولة‬
‫تعلق بالجانب الممارساتي‪ ،‬وهو ما يبدو بأنه لم يكن محل امتثال من قبل ّ‬
‫الجزائرية‪.‬‬

‫السنوي حول حقوق اإلنسان في الجزائر ‪،1992‬‬


‫)‪ -‬راجع كل من‪ :‬المرصد الوطني لحقوق اإلنسان‪ ،‬التقرير ّ‬
‫‪1‬‬

‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪34-29.‬؛‬


‫‪-O.N.D.H, Rapport annuel de l’observatoire national des droits de l’homme 1994, Algérie, 1994, pp.25 -‬‬
‫‪57 ; O.N.D.H , Rapport annuel de l’observatoire national des droits de l’homme1995, Algérie, 1996,‬‬
‫‪pp.25-65; O.N.D.H , Rapport annuel de l’observatoire national des droits de l’homme1996, Algérie,‬‬
‫‪1997,pp.17-35. ;O.N.D.H, Rapport annuel de l’observatoire national des droits de l’homme 1998, Op.cti,‬‬
‫‪pp.19-45.‬‬
‫‪ -)2‬لقد ذهبت كل من المحكمة الدولية الجنائية ليوغوسالفيا سابقا‪ ،‬والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا‪ ،‬فضال‬
‫عن نظام روما األساسي‪ ،‬إلى تجريم األفعال التي تشكل انتهاكات جسيمة للقوانين وأعراف الحرب‪ ،‬والتي من‬
‫بين أهم مبادئها مبدأ التمييز‪ ،‬راجع في ذلك‪" ،‬براهيمي إسماعيل"‪ ،‬الحرب في النزاعات المسلحة غير الدولية‪،‬‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬جامعة‬
‫الدولية‪ّ ،‬‬
‫الدولي والعالقات ّ‬
‫مذكرة للحصول على شهادة الماجستير في الحقوق‪ ،‬فرع القانون ّ‬
‫الجزائر‪ ،2011 ،1‬ص‪.55-48.‬‬
‫‪74‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫ّأوالً‬
‫األساس القانوني النتهاكات حقوق اإلنسان‬
‫في إطار الحرب على اإلرهاب في الجزائر‬
‫‪-‬تقيد حقوق اإلنسان خارج مبدأ المشروعية–‬

‫أفضل ألمن األشخاص والممتلكات‬


‫النظام العام وضمان ّ‬
‫أمام ضرورة استتباب ّ‬
‫لمؤسسات الدولة‪ ،1‬لم يكن هنالك من بد من تفعيل قانون‬
‫ّ‬ ‫السير الحسن‬
‫فضال عن تأمين ّ‬
‫االستثنائية التي مرت بها الجزائر‪.2‬‬
‫الضرورة في مواجهة الحالة ّ‬
‫الرئاسي رقم ‪ ،44-92‬الذي تعدى‬
‫توطّدت معالم هذا اإلجراء بموجب المرسوم ّ‬
‫مجرد كونه تعبيرا عن األزمة األمنية التي عايشتها البالد‪ ،‬ليشكل فضال عن ذلك مرآة‬
‫النظام الجزائري‪ ،‬أين أضحى الحديث‬
‫تخبط فيها ّ‬
‫الدستورية التي ّ‬
‫عاكسة لألزمة ال ّشرعية ّ‬
‫عن مبدأ المشروعية بدون جدوى أمام انهيار مقومات دولة القانون‪ ،‬بفعل كل من تجميد‬
‫الرقابة على دستورية القوانين وظهور أزمة‬
‫السلطات‪ ،‬إسقاط مبدأ ّ‬
‫مبدأ الفصل بين ّ‬
‫الدستورية‪.3‬‬
‫المؤسسات ّ‬
‫ّ‬ ‫مؤسسات فعلية محل‬
‫المعايير القانونية‪ ،‬ناهيك عن إحالل ّ‬
‫بالمحصلة البحث عن مدى مشروعية هذا اإلجراء من عدمه بدون جدوى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أصبح‬
‫في ظل كل من غياب الهيئة المخولة دستورا على وجه التّخصيص بإعالن حالة‬
‫طوارئ‪ ،4‬فظال عن التّشكيلة المبتورة لهيئات االستشارة القانونية من حيث شغور‬
‫ال ّ‬
‫المؤسسة التشريعية‪ ،5‬ضف إلى ذلك االجتماع الناقص بل والمنعدم األثر للمجلس األعلى‬
‫ّ‬

‫‪ -)1‬المادة ‪ 2‬من مرسوم تشريعي رقم ‪، 44-92‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -)2‬برقوق محند‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41.‬‬
‫‪ -)3‬بولودنين أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78-74.‬‬
‫‪ -)4‬راجع في ذلك‪ :‬المادة ‪ ،83‬من دستور ‪ ،1989‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)5‬أنظر في ذلك كل من‪ :‬المادة ‪ 91‬من المرجع نفسه؛ ومرسوم رئاسي رقم ‪ ،01-92‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الجمهورية الذي‬
‫ّ‬ ‫لألمن‪ ،‬بفعل غياب كل من رئيس المجلس ال ّشعبي الوطني وغياب رئيس‬
‫يستأثر قانونا بسلطة استدعاء هذا األخير و وضع جدول أعماله‪.1‬‬
‫ّ‬
‫للدولة في سياق إعالنه لحالة الطّوارئ لكل‬
‫استيفاء المجلس األعلى ّ‬
‫ومهما كان من ّ‬
‫مدة حالة‪9‬‬
‫الدستوري‪ ،‬فضال عن تحديد ّ‬
‫من شرط استشارة رئيس الحكومة ورئيس المجلس ّ‬
‫الضرورة الملحة‪ ،‬وهو ال ّشرط الذي يخضع‬
‫الطوارئ ب ـ ‪ 12‬شهر دون إغفال توافر شرط ّ‬
‫الجمهورية‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫للسلطة التّقديرية الواسعة لرئيس‬
‫في تقرير وجوده من عدمه ّ‬
‫فإن‬
‫الدستور لم يعد يتّم إالّ في حدود ما يمكن أن يكون‪ّ ،‬‬
‫لما كان احترام ّ‬
‫إالّ ّأنه ّ‬
‫الضمانات الدستورية القائلة بحماية حقوق اإلنسان في ظل حالة الطّوارئ لم‬
‫التعويل على ّ‬
‫يعد يرجى منه نتيجة تذكر‪.‬‬
‫أسقط صفة‬
‫وهذا ما يجد تأكيده في المرسوم التّشريعي رقم ‪ – 02-93‬الذي ّ‬
‫التّأقيت عن حالة الطّوارئ‪ ،‬أين لم يتم الّتقيد بأدنى شروط الم ّشروعية في إعالن تمديد‬
‫طوارئ‪.3‬‬
‫حالة ال ّ‬
‫الدولية القائلة باحترام حقوق اإلنسان‬
‫الضمانات ّ‬
‫كامتداد لهذه الممارسة‪ ،‬لم تّكن ّ‬
‫االستثنائية هي األخرى محالً للتفعيل في إطار إعالن حالة الطوارئ في السياق‬
‫في الحالة ّ‬
‫تم اختزال القيود الواردة على بند التحلّل من االلتزام في حدود استيفاء‬
‫الجزائري‪ ،‬بحيث ّ‬
‫شرط اإلخطار‪ 9‬اإللزامي‪ ،‬أين كانت باقي القيود محالً لالنتهاك‪ ،‬لع ّل أخطرها على حقوق‬
‫اإلنسان تلك المتعلّقة بانتهاك مبدأ حظر تقييد بعض الحقوق‪.4‬‬

‫‪ -)1‬أنظر في ذلك ‪ :‬المواد ‪ ،4-3-2‬من مرسوم رئاسي ‪ ،196-89‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -)2‬أنظ‪99‬ر في ذل‪99‬ك ك‪99‬ل من‪ :‬الم‪99‬ادة ‪ 91‬من دستور ‪ ،1989‬مرج‪99‬ع س‪99‬ابق؛ مرسوم رئاسي رقم ‪ ،44-92‬مرج‪99‬ع‬
‫سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬مرسوم تشريعي رقم ‪ ،02-93‬المؤرخ في‪ 6‬جانفي‪ 1993‬يتعل‪99‬ق بتمدي‪99‬د حال‪99‬ة الط‪99‬وارئ‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش ع‪9‬دد‪9‬‬
‫‪ ،08‬الصادرة بتاريخ‪ 7 ،‬فبراير ‪.1993‬‬
‫‪ -)4‬سي صالح نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32.‬‬
‫‪76‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫كم ‪99‬ا ج ّس‪9 9‬د ق ‪99‬انون مكافح ‪99‬ة اإلره ‪99‬اب والتّخ ‪99‬ريب ‪-‬في نفس الس ‪99‬ياق‪ -‬أساس ‪99‬ا النتهاك ‪99‬ات‬
‫حق‪99‬وق اإلنس‪99‬ان في الجزائ‪99‬ر بم‪99‬ا كرس‪99‬ه من ت‪99‬دابير اس‪99‬تثنائية لمواجه‪99‬ة الظ‪99‬اهرة اإلرهابي‪99‬ة و‬
‫التّخريبية‪. 1‬‬

‫ثانياً‬
‫التّرجمة العملية النتهاك حقوق اإلنسان في إطار الحرب على اإلرهاب‬
‫الصدد بالتّطرق للمظاهر انتهاكات حقوق اإلنسان المنبثقة عن‬
‫سنكتفي في هذا ّ‬
‫الق ‪99‬انونين ال ّس‪9 9‬الفين ال ‪99‬ذكر‪ ،‬وال ‪99‬تي ت ّش‪9 9‬كل انتهاك ‪99‬ا لمب ‪99‬دأ حظ ‪99‬ر التحلّ ‪99‬ل من بعض االلتزام ‪99‬ات‬
‫الدولي ‪99‬ة في مج ‪99‬ال حق ‪99‬وق اإلنس ‪99‬ان في الح ‪99‬االت اال ّس‪9 9‬تثنائية‪ ،‬لم ‪99‬ا له ‪99‬ا من آث ‪99‬ار وخيم ‪99‬ة على‬
‫ّ‬
‫الكرامة اإلنسانية‪.2‬‬
‫‪ -)1‬الحق في محاكمة عادلة‪:‬‬
‫على الرغم من عدم ورود الحق في المحاكمة‪ 9‬العادلة في معرض المادة ‪4/2‬‬
‫‪3‬‬
‫أن المادة ‪ 5‬من نفس العهد التي‬
‫السياسية ‪ ،‬إالّ ّ‬
‫من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و ّ‬
‫الدولية‬
‫الداخلية والمعاهدات ّ‬
‫المقررة في القوانين ّ‬
‫الماسة بحقوق اإلنسان ّ‬
‫ّ‬ ‫تقر بحظّر التّدابير‬
‫ّ‬
‫األخرى من شّأنه أن يشكل أرضية خصبة للقول بحظر التحلّل من الحق في المحاكمة‬

‫الدستورية والواقع المفقود (‪ ،)2003-1989‬مذكرة‬


‫)‪ -‬شطّاب كمال ‪ ،‬حقوق اإلنسان في الجزائر بين الحقيقة ّ‬
‫‪1‬‬

‫السياسية‬
‫الدولية‪ ،‬فرع تنظيم سياسي وإ داري‪ ،‬كلية العلوم ّ‬
‫لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعالقات ّ‬
‫الدولية‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،2004 ،‬ص‪.146.‬‬
‫السياسية والعالقات ّ‬
‫واإلعالم‪ ،‬معهد العلوم ّ‬
‫والداخلية إلعمال سلطة الطوارئ كضمانة لحقوق اإلنسان‬
‫الدولية ّ‬
‫النصوص القانونية ّ‬
‫)‪ -‬جغلول زغدود ‪ ،‬تقييد ّ‬
‫‪2‬‬

‫الدولي حول حقوق اإلنسان في الجزائر‪ ،‬جامعة صديق‬


‫أثناء حالة الطّوارئ (بين النص والواقع )‪ ،‬أعمل الملتقى ّ‬
‫بن يحى‪ ،‬جيجل‪ ،‬يومي ‪ 12‬و ‪ 13‬ماي ‪ ،2014‬ص‪.1.‬‬
‫‪ -)3‬تنص المادة ‪ 4/2‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي‪" :‬ال يجيز هذا النص أي‬
‫الدولي الخاص بالحقوق المدنية‪9‬‬
‫مخالفة ألحكام المواد‪ ( -8-7-6 ،‬فقرتين ‪1‬و‪11 )2‬و‪15‬و‪16‬و‪ 18‬العهد ّ‬
‫والسياسية المعتمد والمعروض للتّوقيع والتّصديق واالنضمام بموجب قرار الجمعية العامة لألمم‬
‫ّ‬
‫المتّحدة‪2200 ،‬ألف (د‪ ،)21-‬المؤرخ في ‪ 10‬ديسمبر ‪ ،1948‬صادقت عليه الجزائر بموجب المرسوم رئاسي‬
‫الصادرة بتاريخ‪.1989-05-17 ،‬‬
‫رقم ‪ 67-89‬المؤرخ في في ‪ ،16/05/1989‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش عدد‪ّ 11‬‬
‫‪77‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫الدولي اإلنساني التّعاهدي والعرفي‪،1‬‬


‫العادلة‪ ،‬الذي يش ّكل قاعدة أساسية في كل من القانون ّ‬
‫توصلنا في ما سبق إلى القول بانسحابه على الحالة‪ 9‬الجزائرية استنادا لما انتهينا‬
‫ّ‬ ‫والذي قد‬
‫الدولي‪.‬‬
‫إليه من استيفائها لعتبة النزاعات المسلحة غير ذات الطابع ّ‬
‫تظهر مظاهر انتهاك الحق في المحاكمة العادلة في ظّل مرحلة النزاع المسلّح‬
‫الجزائري من خالل كل من ‪:‬‬
‫‪ -‬تمدي‪99‬د نط‪99‬اق االختص‪99‬اص ال ّشخص‪99‬ي للمح‪99‬اكم العس‪99‬كرية ليط‪99‬ال غ‪99‬ير العس‪99‬كريين‬
‫‪2‬‬
‫ض‪9 9‬مانات القض ‪99‬ائية خاص ‪99‬ة م ‪99‬ا تعل ‪99‬ق منه ‪99‬ا بغي ‪99‬اب‬
‫من الم ‪99‬دنين ‪ ،‬وم ‪99‬ا اس ‪99‬تتّبعه من إه ‪99‬دار ال ّ‬
‫ض‪9‬وابط المتعلق‪99‬ة ب‪99‬الحبس الم‪99‬ؤقّت من حيث مج‪99‬ال التّط‪99‬بيق وح‪99‬دود اإلج‪99‬راء‪ ،‬تقيي‪99‬د حق‪99‬وق‬
‫ال ّ‬
‫ال ‪9ّ 9‬دفاع باش ‪99‬تراط المهني ‪99‬ة في المحام ‪99‬اة وإ خض ‪99‬اع تع ‪99‬يين المح ‪99‬امي العتم ‪99‬اد رئيس المحكم ‪99‬ة‪،‬‬
‫اختالل مب‪99 9 9‬دأ الفص‪99 9 9‬ل بين الوظ‪99 9 9‬ائف القض‪99 9 9‬ائية فض‪99 9 9‬ال عن اس‪99 9 9‬تبعاد مب‪99 9 9‬دأ التّقاض‪99 9 9‬ي على‬
‫درجتين‪.3‬‬
‫ط‪99‬ابع اال ّس‪9‬تثنائي لق‪9‬انون‬
‫ص‪9‬ة كتك‪99‬ريس لل ّ‬
‫‪ -‬إحداث ما سمي بالمج‪99‬الس القض‪9‬ائية الخا ّ‬
‫طالع على المخالف‪99 9 9 9‬ات‬
‫مكافح ‪9 9 9 9‬ة‪ 9‬اإلره‪99 9 9 9‬اب والتّخ‪99 9 9 9‬ريب‪ ،‬أين تّمت إناطته‪99 9 9 9‬ا بمهم‪99 9 9 9‬ة االض ‪ّ 9 9 9 9‬‬
‫المنص‪99‬وص عليه‪99‬ا في الفص‪99‬ل األول المرس‪99‬وم التش‪99‬ريعي رقم ‪ ،403-92‬في اس‪99‬تقاللية تام‪99‬ة‬

‫‪ -)1‬بيجيتش يلينا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24 .‬‬


‫‪ -)2‬المادة ‪ 10‬من المرسوم الرئاسي رقم ‪ ،44-92‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪-)3‬بربارة عبد الرحمان‪ ،‬حدود الطّبيعة االستثنائية لقانون القضاء العسكري‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه في القانون‬
‫الجنائي‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،2006 ،‬ص‪.193-143.‬‬
‫‪ -)4‬أنظر في ذلك‪ :‬المادة ‪ 11‬من المرسوم التشريعي رقم ‪ ،03-92‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫‪1‬‬
‫ض‪9‬مانات المتعلق‪99‬ة بمحاكم‪9‬ة‪9‬‬
‫عن مب‪99‬دأ ع‪99‬دم رجعي‪99‬ة ق‪99‬انون العقوب‪99‬ات ‪ ،‬وتع‪99‬دي ص‪99‬ارخ على ال ّ‬
‫األحداث‪.2‬‬
‫االستقاللية سواء العضوية‪،‬أو‬
‫أي مظّهر من مظاهر ّ‬
‫مع تجريد هذه األخيرة من ّ‬
‫‪3‬‬
‫الرئاسية‬
‫ّ‬ ‫المراسيم‬ ‫نشر‬ ‫يحظر‬ ‫أين‬ ‫المحكمة‬ ‫تشكيلة‬ ‫عن‬ ‫فافية‬ ‫ش‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫فة‬ ‫ص‬
‫ّ‬ ‫وانتفاء‬ ‫‪،‬‬ ‫الوظيفية‬
‫وقرارات وزير العدل التي تتضمن تعيين قضاتها‪ ،‬بل ويحظر تحت طائلة العقوبة اإلعالن‬
‫السماح بالتعرف عليهم‪.4‬‬
‫أي معلومة من شّأنها ّ‬
‫عن هويتهم أو إفشاء ّ‬
‫السابقة عن مرحلة‪ 9‬المحاكمة‪ 9‬فيمكن اإلشارة إلى كل‬
‫الضمانات ّ‬
‫وفيما يتعلق بإهدار ّ‬
‫من تمديد مدة التّوقيف للنظر من ‪ 12‬إلى ‪ 48‬ساعة‪ ،5‬وهو ما لم يتّم احترامه في أغلب‬
‫األحيان‪ ،6‬إخضاع عملية توكيل المحامي‪ 9‬العتماد رئيس المجلس القضائي المعني‪ ،7‬فضال‬
‫الدفاع‪،8‬‬
‫الدفاع مما يعد انتقاصا من الحق في ّ‬
‫عن تقليص حرية المحامي‪ 9‬في ممارسة حق ّ‬
‫ضف إلي ذلك إهدار مبدأ التّقاضي على درجتين‪.9‬‬

‫‪-)1‬يستشف من المادة ‪ 40‬من المرسوم التشريعي ‪03 -92‬أنه يسري بأثر رجعي على األعمال اإلرهابية و‬
‫التخريبية التي وقعت قبل صدوره وهو ما يعتبر انتهاكا للحظر الوارد بموجب المادة ‪ 4‬من العهد الدولي الخاص‬
‫بالحقوق المدنية والسياسة ‪ ،‬أنظر كل من ‪ :‬المادة ‪ 40‬من مرسوم تشريعي رقم ‪ ،03-92‬مرجع نفسه؛ والمادة‬
‫‪ 4‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية‪ 9‬والسياسية‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)2‬تنص المادة‪ 38 ،‬من القانون رقم ‪ 03-92‬على مايلي ‪":‬يختص المجلس القضائي الخاص بمحاكمة القصر‪،‬‬
‫البالغين من العمر ‪ 16‬عشر سنة كاملة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)3‬أنظر في ذلك‪ ،‬بولدنين أحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.94.‬‬
‫‪ -)4‬المادة ‪ ،17‬من القانون رقم ‪ ،03-92‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)5‬المادة ‪ ،22‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -)6‬المرصد الوطني لحقوق اإلنسان‪ ،‬التقرير السنوي ‪ ،1993‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.48.‬‬
‫‪ -)7‬المادة ‪ 24‬من المرسوم التشريعي ‪ ،05-93‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -)8‬أنظر في ذلك ك‪99‬ل من‪ :‬الم‪99‬ادة ‪ 31‬المرج‪99‬ع نفس‪99‬ه؛ المرصد الوطني لحق‪99‬وق اإلنس‪99‬ان‪ ،‬تقري‪99‬ر أولي عن وض‪99‬عية‬
‫حقوق اإلنسان في الجزائر ‪ ،1993‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.46.‬‬
‫‪ -)9‬المادة ‪ ،35‬من المرسوم التشريعي رقم ‪ ،03-92‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫تم بالنظر إلى المحدودية الوظيفية وضعف نجاعة هذه المجالس‪ ،‬وكذا تأثيرها‬
‫لقد ّ‬
‫السلبي على صورة الجزائر في الخارج‪ ،‬إلغاء العمل بها بموجب األمر ‪ 02-95‬وإ حالة‪9‬‬
‫ّ‬
‫عملية المعالجة‪ 9‬القضائية لألعمال التّخريبية واإلرهاب إلى قانون العقوبات وقانون‬
‫اإلجراءات الجزائية وذلك أمام القضاء العادي‪.1‬‬

‫‪ -)2‬الوضع في مراكز األمن ‪:‬‬


‫الرئاسي رقم ‪ ،44-92‬تّم إنشاء العديد‬
‫استنادا إلى المادة الخامسة من المرسوم ّ‬
‫فوض سلطة‬
‫ّ‬ ‫المحلية‪ ،2‬الذي‬
‫ّ‬ ‫الداخلية والجماعات‪9‬‬
‫من مراكز األمن بموجب قرار من وزير ّ‬
‫اإلمضاء باسمه للوالة على مقررات الوضع في هذه األخيرة‪ ،3‬وهو ما يعتبر خرقا‪ 9‬لمبدأ‬
‫أن نشاط شخص راشد‬
‫مجرد االشتباه في ّ‬
‫أن ّ‬‫اإلحضار‪ 9‬أو المثول أمام القاضي بحيث ّ‬
‫السير الحسن للمصالح العمومية‪،‬‬
‫يشكل خطورة على النظام واألمن العموميين‪ ،‬أو على ّ‬

‫‪ -)1‬يتعلق األمر بكل من‪ :‬األمر رقم ‪10-95‬؛ واألمر‪ ،11-95‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪-)2‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪-‬قرار مؤرخ في ‪10‬فيفري ‪، 1992‬يتضمن إنشاء كل من مركز رقان (والية أدرار) بالناحية العسكرية الثالثة‪،‬‬
‫مركز أمن عين صالح (والية تامنغست) بالناحية العسكرية السادسة‪ ،‬مركز أمن في ورقلة والية (ورقلة)‬
‫بالناحية العسكرية الرابعة‪ ،‬ج‪.‬رج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،11‬الصادرة بتاريخ ‪11‬فبراير ‪.1992‬‬
‫‪ -‬قرار مؤرخ في ‪ 15‬فيفري‪ ،1992‬يتضمن إنشاء مركز أمن في الحمر (والية أدرار) الناحية العسكرية‬
‫الثالثة‪ ،‬ج‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪،‬عدد‪ ،14 9‬الصادرة بتاريخ ‪ 23‬فيفري ‪.1992‬‬
‫‪ -‬قرار مؤرخ في ‪ 19‬فيفري ‪ ،1992‬يتضمن إنشاء مركز أمن في المنيعة (والية غرداية) بالناحية العسكرية‬
‫الرابعة‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪ ،‬عدد‪ ،15‬الصادرة بتاريخ‪ 26 ،‬فيفري ‪.1992‬‬
‫‪ -)3‬قرار مؤرخ في ‪ 11‬فيفري ‪ ،1992‬يتضمن تفويض اإلمضاء إلى الوالة فيما يخص الوضع في مراكز‬
‫األمن‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ج‪.‬ج‪.‬د‪.‬ش‪،‬عدد‪ ،119‬الصادرة بتاريخ ‪11‬فبراير ‪.1992‬‬
‫‪80‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫يعد مسوغا كافيا للوضع في مراكز األمن دون الحاجة‪ 9‬إلى توجيه تهمة محددة أو محاكمة‪9‬‬
‫ّ‬
‫مسبقة‪.1‬‬
‫لقد أطلق على هذه المراكز المتمثّلة في مجموعة من المعتقالت في الصحراء‬
‫السلطة العسكرية‪ ،‬حيث تنعدم فيها أدنى شروط الحياة‪ ،‬بلغ عددها‬
‫موضوعة تحت وصاية ّ‬
‫‪ 11‬معتقال غير متّفق حول عدد المحتجزين بها لحد اآلن‪ ،‬اسم محتشدات الموت‪.2‬‬
‫الناشطة في مجال حقوق‬
‫ظمات ّ‬
‫كما شكلت هذه األخيرة هاجسا حقيقيا بالنسبة للمن ّ‬
‫‪3‬‬
‫بأن الوضع في مراكز األمن‬
‫الوطنية ‪ ،‬والتي كانت تدفع ّ‬
‫ّ‬ ‫الدولية منها أو‬
‫اإلنسان سواء ّ‬
‫الدولي لحقوق اإلنسان‪.4‬‬
‫يعتبر من قبيل االنتهاكات الخطيرة‪ 9‬للقانون ّ‬
‫والداخلية تم إغالق جميع هذه‬
‫الدولية ّ‬
‫للضغوطات ّ‬
‫تجدر اإلشارة إلى أنه نظرا ّ‬
‫المراكز في ديسمبر ‪.51995‬‬

‫‪ -)1‬الم‪99‬ادة ‪ 5‬من المرس وم الرئاس ي ‪ ،44-92‬مرج‪99‬ع س‪99‬ابق؛ لق‪99‬د أش‪99‬ار تق‪99‬ري المرص‪99‬د الوط‪99‬ني لحق‪99‬وق اإلنس‪99‬ان‬
‫إلى أن‪:‬لق‪99 9 9 9‬د بل‪99 9 9 9‬غ ع‪99 9 9 9‬دد األش‪99 9 9 9‬خاص ال‪99 9 9 9‬ذين ك‪99 9 9 9‬انوا مح‪99 9 9 9‬ل اس‪99 9 9 9‬تنطاق في نهاي‪99 9 9 9‬ة ش‪99 9 9 9‬هر أبري‪99 9 9 9‬ل ‪ 1992‬قراب‪99 9 9 9‬ة‬
‫‪1200‬ش‪99 9‬خص‪......،‬وغالب‪99 9‬ا م‪99 9‬ا خص ‪99‬ت أش‪99 9‬خاص ب‪99 9‬النظر إلى مظ‪99 9‬اهرهم الخارجي‪99 9‬ة وأعم‪99 9‬ارهم‪ ،‬وق‪99 9‬د خص ه‪99 9‬ذا‬
‫اإلج‪99‬راء بوج‪99‬ه خ‪99‬اص منتس‪99‬بي الجبه‪99‬ة اإلس‪99‬المية لإلنق‪99‬اذ (المحلّ‪99‬ة) والمتع‪99‬اطفين معه‪99‬ا‪ ،‬بم‪99‬ا فيهم العناص‪99‬ر ال‪99‬تي له‪99‬ا‬
‫مسؤولية تأطير الحزب‪ ،‬المرصد الوطني لحقوق اإلنسان‪ ،‬التّقرير السنوي لسنة ‪ ،1993‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25.‬‬
‫‪ -)2‬راجع كل من‪ :‬شطاب كمال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪145 .‬؛ ظروف االعتقال سيئة جدا‪ ،‬جريدة السالم‪10 ،‬‬
‫مارس ‪1992‬؛ بلخير في ندوة صحفية‪ 6786 :‬موقوف بالمراكز األمنية اإلفراج عن بعض الموقوفين قريبا‪،‬‬
‫جريدة المساء ‪ 15‬مارس ‪.1992‬‬
‫‪ -)3‬أنظر كل من‪ :‬سي صالح نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪34.‬؛ يحياوي جمال‪ ،‬األستاذ علي يحي عبد النور‪:‬‬
‫ال نتفاوض حول النعوش أو عند أبواب السجون نتفاوض حول طاولة مستديرة‪ ،‬جريدة النور‪ ،‬ل ـ ‪ 16‬مارس‬
‫‪.1992‬‬
‫الدولي من عمليات االعتقال راجع ‪:‬‬
‫)‪ -‬للتّفصيل في موقف القانون ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪-JELENA Pejic, « Principes en matière de procédure et mesures de protection pour l’internement/la‬‬


‫‪détention administrative dans le d’un conflit armé et d’autres situations de violence »,In R.I.C.R, volume‬‬
‫‪87, sélection française 2005,pp.331-350.2005olume 87 Sélection française 2005Volume 87 Sélection français‬‬
‫‪ -)5‬شطاب كمال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.145.‬‬
‫‪81‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫األول‬
‫خالصة الفصل ّ‬

‫الدستورية التي عايشتها‬


‫أن األزمة ّ‬
‫على ضوء ما سلف بيانه‪ ،‬نخلص إلي ّ‬
‫التعددي في السياق‬
‫ّ‬ ‫الديمقراطي‪9‬‬
‫الجزائر لم تكن إالّ نتيجة منطقية إلخفاق مشروع البناء ّ‬
‫المؤسساتية‬
‫ّ‬ ‫الديمقراطي‪ 9‬الجزائري‪ ،‬وهشاشة البنية‬
‫الجزائر‪ ،‬في ظل واجهية مشروع البناء ّ‬
‫للدولة‪ ،‬أين طرح توقيف المسار االنتخابي على ّأنه الحل الوحيد إلنقاذ الجمهورية في‬
‫ّ‬
‫ضوء جملة من البدائل القانونية المتاحة‪.‬‬
‫االنتخابي‪ ،‬تاريخا حاسما في حياة الجمهورية‬
‫هذا‪ ،‬ويعتبر تاريخ توقيف المسار ّ‬
‫يؤرخ لبداية األزمة األمنية الجزائرية‪ ،‬والتي‬
‫الديمقراطية الشعبية‪ ،‬من حيث أنه ّ‬
‫الجزائرية ّ‬
‫إن كان البحث في طبيعتها القانونية يكتسي أهمية بالغة في تحديد المنظومة القانونية‬
‫الدولة‬
‫الواجبة اإلنفاذ الحتواء هذه الظّاهرة بما يحقق معادلة التّوازن بين الحفاظ‪ 9‬على هيبة ّ‬
‫بالسهولة التي تبدوا عليها أمام تباين‬
‫أن هذه العملية لم تكن ّ‬
‫وحماية أمن مواطنيها‪ ،‬إال ّ‬
‫األطروحات‪ 9‬القائلة بهذا الصدد‪.‬‬
‫الدولي اإلنساني‬
‫امتدادا لذلك نتج عن الممارسة المعكوسة لتّطبيق المتكامل للقانون ّ‬
‫السياق الجزائري‪ ،‬مأساة وطنية حقيقية‪.‬‬
‫الدولي لحقوق اإلنسان في ّ‬
‫والقانون ّ‬

‫‪82‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معالجة آثار المأساة الوطنية كموجب للمصالحة الوطنية‬
‫‪-‬بحث في المحددات القانونية–‬

‫‪83‬‬

You might also like