You are on page 1of 52

‫‪1‬‬

‫قانون العقوبات ‪ -‬القسم العام‬


‫النظرية العامة للجريمة ‪ -‬الجزء األول والثانى‬
‫الفرقة الثانية ‪ -‬ليسانس عربى‬
‫المحاضرة الخامسة‬
‫الفصل الثانى‬
‫الدفاع الشرعى‬
‫تعريف‪ :‬الدفاع الشرعى هو استعمال القوة الالزمة لصد خطر حال غير‬
‫مشروع يهدد باإليذاء حقًا يحميه القانون‪ .‬ويتضح بذلك أن الشارع اليلزم من‬
‫يتهدده الخطر بأن يتحمله ثم يبلغ السلطات العامة للتولى توقيع العقاب على‬
‫المعتدى‪ ،‬ولكنه يبيح له أن يتولى بنفسه دفع الخطر عن طريق كل فعل يكون‬
‫ضروريًا ومالئمًا لذلك؛ ودفع الخطر يكون بالحيلولة بين المعتدى والبدء فى‬
‫عدوان أو االستمرار فيه أن بدأه فعالً‪.‬‬
‫والدفاع الشرعى سبب إباحة‪ ،‬وليس هدفه االجتماعى تخويل المعتدى‬
‫عليه سلطة توقيع العقاب على المعتدى أو االنتقام منه (‪ ،)1‬وإنما هدفه مجرد‬
‫وقاية الحق الخطر الذى يتعرض له‪ ،‬أى منع ارتكاب الجرائم أو منع التمادى‬
‫فيها‪.‬‬
‫والدفاع الشرعى حق‪ ،‬وهو ليس حقًا ماليًا شخصيًا‪ ،‬إذ ال يفترض وجود‬
‫مدين يقتضى منه صاحب الحق حقه (‪ ،)2‬وإنما هو حق عام يقرره الشارع فى‬
‫مواجهة الكفالة‪ ،‬ويقابله التزام الناس باحترامه وعدم وضع العوائق فى طريق‬
‫استعماله‪ .‬ولذلك يعد غير مشروع كل فعل يعوق ذلك االستعمال‪ ،‬بل أن‬
‫المعتدى لو قاوم أفعال الدفاع ‪ -‬طالما كانت فى حدود الحق ‪ -‬فمقاومته غير‬

‫‪)1( Garraud, II, n. 437. p. 9 et n. 440, p. 13.‬‬


‫أنظر نقض ‪ 22‬ابريل سنة ‪ 1691‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 12‬رقم‬
‫‪ 92‬ص‪055‬؛ ‪ 10‬ديسمبر ‪ 1691‬س‪ 22‬رقم ‪ 162‬ص ‪.1592‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬رقم ‪ 122‬ص‪.212‬‬
‫‪2‬‬

‫مشروعة‪ ،‬ألنها اعتداء على الحق الذى يقرره القانون‪ .‬ومن الفقهاء من يرون أن‬
‫الدفاع الشرعى واجب(‪ ،)1‬وهم ال يعنون بذلك أنه واجب قانونى‪ ،‬إذ ال يترتب‬
‫على عدم الوفاء به جزاء‪ ،‬وإنما يعنون بذلك أنه واجب اجتماعى يفرضه‬
‫الحرص على صيانة الحقوق ذات األهمية االجتماعية‪.‬‬
‫وإذا كان الدفاع الشرعى يبيح أفعال الدفاع‪ ،‬فهو ال يمس الصفة غير‬
‫المشروعة ألفعال االعتداء‪ ،‬فيظل المعتدى ‪ -‬على الرغم مما ناله من إيذاء‬
‫ال عن جريمته‪.‬‬
‫أثناء استعمال حق الدفاع ‪ -‬مسئو ً‬
‫العالقة بين الدفاع الشرعى وحالة الضرورة‪ :‬يفترض الدفاع الشرعى‬
‫التهديد بخطر ثم دفعه عن طريق فعل يمس حق الغير‪ ،‬وتفترض حالة الضرورة‬
‫الوضع نفسه‪ ،‬ولذلك يقول كثير من الفقهاء أن الدفاع الشرعى نوع من الضرورة‬
‫(‪ .)2‬ولكن الدفاع الشرعى يتميز عن حالة الضرورة بتكييفه القانونى‪ ،‬ويختلف‬
‫عنها فى بعض شروطه (‪:)2‬‬
‫فالدفاع الشرعى سبب إباحة؛ أما حالة الضرورة فهى ‪ -‬فى القانون‬
‫المصرى ‪ -‬مجرد مانع من المسئولية‪ .‬ويعنى ذلك أن فعل المدافع مشروع‪،‬‬
‫ولكن فعل من يوجد فى حالة ضرورة غير مشروع وإن امتنعت مسئولية مرتكبه؛‬
‫وعلى هذا النحو كان الدفاع الشرعى صورة ممتازة من صور الضرورة‪ .‬ويرجع‬
‫هذا الفارق إلى كون الخطر فى الدفاع الشرعى صاد اًر عن فعل غير مشروع فى‬
‫حين ال يصدر عن مثل هذا الفعل فى حالة الضرورة‪ ،‬فقد يكون ناشئًا عن قوى‬
‫الطبيعة أو عن فعل لم يحرمه القانون‪ ،‬ومن ثم كان المدافع صاحب حق فى أن‬
‫يدفع الجريمة التى تهدده‪ ،‬إذ المعتدى أولى بأن ترتد إليه اآلثار الضارة لفعله‪.‬‬

‫‪)1( Vidal et Magnol, n. 199, p. 357: Donnedieu de Vabres.‬‬


‫‪n. 394, p. 229: Pierre Bouzat et Jean Pinatel, Traité de droit‬‬
‫‪pénale et Bouloc, n. 338, p. 313.‬‬
‫‪)2( Donnedieu de Vabres, n. 390, p. 227.‬‬
‫‪)3( Garraud, II, n. 440, p. 14.‬‬
‫‪2‬‬

‫أما من يوجد فى حالة ضرورة‪ ،‬فليس له حق فى أن يتخلص من الخطر عن‬


‫طريق وضع شخص برئ فيه‪ ،‬فإن فعل فمسلكه غير مشروع‪ ،‬ولكن يلتمس له‬
‫العذر فتمتنع مسئوليته عنه؛ فحق المعتدى عليه يفوق ‪ -‬من حيث القيمة‬
‫االجتماعية ‪ -‬حق المعتدى‪ ،‬ولكن الحقين يتساويان فى حالة الضرورة‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فثمة فروق أخرى بين الوضعين‪ :‬فالدفاع الشرعى يباح‬
‫دفاعًا عن النفس والمال فى حين ال محل لحالة الضرورة إال إذا هدد الخطر‬
‫النفس‪ .‬ويستوى فى الدفاع الشرعى الخطر الجسيم والخطر غير الجسيم فى‬
‫حين يشترط فى حالة الضرورة أن يكون الخطر جسيمًا‪ .‬وال يلتزم المدافع‬
‫بالهرب‪ ،‬فى حين يتعين عليه ذلك أن كان الوسيلة للتخلص من الخطر الذى‬
‫نشأت به حالة الضرورة (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬علة اإلباحة‪ :‬ذهب رأى فى تعليل اإلباحة إلى االستعانة بفكرة اإلكراه‪ :‬فالمدافع يصدر‬
‫عنه فعله تحت تأثير اإلكراه الناشئ عن االعتداء‪ .‬وعيب هذا الرأى أن اإلكراه ال يقوم‬
‫به سبب لإلباحة وإنما مجرد مانع من المسئولية‪ ،‬ثم أن فكرة اإلكراه غير واضحة حينما‬
‫يكون الخطر يسي ًار أو يهدد الغير‪ .‬وذهب رأى فى القول بأن أساس اإلباحة هو مقابلة‬
‫الشر بالشر‪ ،‬فثمة مقاصة بين أذى االعتداء وأذى الدفاع تجعل تدخل القانون بالعقاب‬
‫غير ذى محل‪ .‬وعيب هذا الرأى أنه يجعل الدفاع نوعاً من العقاب يوقعه المدافع على‬
‫المعتدى فى حين أنه اليستهدف عقاباً ولكن مجرد وقاية الحق خط اًر يهدده‪ ،‬ثم أن فكرة‬
‫ال بين االعتداء والدفاع‪ ،‬وهو ما يندر أن يتحققز وذهب‬ ‫مقابلة الشر بالشر تتطلب تعاد ً‬
‫رأى إلى القول بأن الدفاع هو إقرار لحكم القانون‪ ،‬ذلك أن االعتداء نفى لحكم القانون‪،‬‬
‫والدفاع نفى لهذا النفى‪ ،‬فهو حكم القانون بعينه‪ .‬وعيب هذا الرأى أنه إذا كان الدفاع‬
‫إق ار اًر لحكم القانون فال يكون محل لتوقيع العقاب على المعتدى‪ ،‬إذ يكون الدفاع جزاء‬
‫قانونيًا كافيًا لفعله‪ ،‬وليس ذلك صوابًا‪ ،‬ألن الدفاع ال يجرد االعتداء من صفته غير‬
‫المشروعة‪ .‬ويكتفى بعض الفقهاء فى تعليل اإلباحة بالقول بأنه ال مصلحة للمجتمع فى‬
‫عقاب المدافع‪ ،‬إذ يساهم بفعله فى تأكيد الحقوق وصيانتها‪ ،‬خاصة وأن خشية‬
‫المجرمين التعرض ألفعال الدفاع هى من بين العوامل التى تثنيهم عن الجريمة‪ ،‬ثم أن‬
‫المجتمع ال يستطيع حظر الدفاع‪ ،‬ألنه ليس فى وسعه أن يقدم للمعتدى عليه الحماية‬
‫الفعالة فى الوقت المالئم‪ .‬وهذا الرأى يحلل االعتبارات الداعية إلى اإلباحة دون أن‬
‫يؤصلها فى فكرة محددة متكاملة‪ .‬والرأى عندنا أن علة اإلباحة هى أن فعل الدفاع ‪-‬‬
‫وإن أهدر حق المعتدى ‪ -‬فقد صان حق المعتدى عليه‪ ،‬وهذا األخير هو األرجح أهمية‬
‫فى نظر المجتمع‪ ،‬إذ أن التجاء المعتدى إلى العدوان قد هبط بالقيمة االجتماعية لحقه‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫تقسيم الدراسة‪ :‬تتضمن دراسة الدفاع الشرعى بيان شروطه‪ ،‬وتحديد‬


‫القيود التى يحصر الشارع فيها نطاقه‪ ،‬وبيان أثره إذا توافرت شروطه وانحصر‬
‫فى نطاقه‪ ،‬وفى النهاية تتناول الدراسة البحث فى حكم تجاوز حدود الدفاع‬
‫الشرعى‪.‬‬
‫المبحث الأول‬
‫شروط الدفاع الشرعى‬
‫تقسيم‪ :‬يفترض الدفاع الشرعى فعالً يهدد بخطر وفعالً يواجه هذا الخطر‬
‫ليصده‪ .‬ويتطلب القانون شروطًا فى كل منهما‪.‬‬
‫§ ‪ -1‬الشروط المتطلبة فى الخطر‬
‫تمهيد‪ :‬نعتقد أن الشروط التى يتطلبها القانون إنما يتطلبها فى الخطر‬
‫الذى يهدد المعتدى عليه‪ ،‬ال فى الفعل الذى يصدر عنه هذا الخطر‪ ،‬ذلك أن‬
‫فعل الدفاع يتجه إلى الخطر ليصده‪ ،‬والهدف االجتماعى للدفاع هو منع هذا‬
‫الخطر من أن يتحول إلى اعتداء فعلى‪ .‬أما فعل االعتداء‪ ،‬فالفرض فيه أنه‬
‫ارتكب فليس فى الوسع إزالته‪ ،‬وليس من حق المضرور منه أن ينتقم من‬
‫مرتكبه‪ ،‬إنما كل ما له أن يتقى خطره‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فالشروط التى‬
‫يتطلبها القانون تنصرف إلى الخطر وتصدق عليه أكثر مما تنصرف إلى الفعل‬
‫الذى نشأ عنه الخطر (‪.)1‬‬
‫تعريف الخطر‪ :‬الخطر اعتداء محتمل‪ ،‬أى أنه اعتداء لم يتحقق‪ ،‬ولكن‬
‫تحققه منتظر وفق السير العادى لألمور‪ ،‬ويستهدف الدفاع التعديل من هذا‬
‫السير حتى ال يتحول الخطر إلى اعتداء‪ .‬ويستوى أال يتحقق االعتداء على‬

‫فالعلة هى ترجيح حق على حق‪ ،‬مما يقتضى إباحة الفعل الذى يصون أهمها‪ ،‬وإن‬
‫أهدر أقلها أهمية؛ أنظر الدكتور‪/‬محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص‪ 192‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )1‬نقض ‪ 19‬مارس سنة ‪ 1692‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 10‬رقم ‪ 26‬ص‪196‬؛‬
‫‪ 21‬مارس سنة ‪ 1696‬س‪ 25‬رقم ‪ 96‬ص ‪.225‬‬
‫‪0‬‬

‫اإلطالق أو أن يتحقق فى جزء منه‪ ،‬فالخطر قائم فى الحالتين والدفاع متصور‪.‬‬


‫أما إذا تحقق االعتداء كله فال محل للدفاع‪.‬‬
‫فإذا لم يكن ثمة خطر على اإلطالق‪ ،‬ألنه لم يرتكب فعل أو ارتكب فعل‬
‫ال يهدد بخطر‪ ،‬فال محل للدفاع (‪.)1‬‬
‫ويتوسع القانون فى تحديد الخطر الذى يقوم به الدفاع الشرعى‪ ،‬فيستوى‬
‫خطر يهدد المدافع نفسه وخطر يهدد غيره‪ .‬ويعنى ذلك أن الشارع يبيح لكل‬
‫شخص أن يدافع عن حقوقه‪ ،‬كما يبيح له أن يدافع عن حقوق غيره(‪ .)2‬وال‬
‫يتطلب القانون صلة تربط بين من يصدر عنه فعل الدفاع وصاحب الحق‬
‫المعتدى عليه‪ .‬والدفاع جائز عن النفس وعن المال‪ .‬والدفاع جائز سواء أكان‬
‫الخطر جسيمًا أم كان غير جسيم (‪ .)2‬وقد صرح القانون بذلك‪ ،‬فقررت المادة‬
‫‪ 220‬من قانون العقوبات أنه «ال عقوبة مطلقاً على من قتل غيره أو أصابه‬
‫بجراح أو ضربه أثناء استعمال حق الدفاع الشرعى عن نفسه أو ماله أو نفس‬
‫غيره أو ماله»‪.‬‬
‫واألصل أن ينشأ الخطر عن فعل إيجابى‪ ،‬وبعض الحاالت ال يتصور‬
‫الخطر فيها ما لم يرتكب هذا الفعل (‪ ،)2‬ولكن يتصور فى بعض الحاالت نشوء‬
‫الخطر عن امتناع (‪ ،)0‬كاألم تمتنع عن إرضاع طفلها ليهلك‪ ،‬فيكون من‬

‫نقض ‪ 19‬اكتوبر سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 9‬رقم ‪ 222‬ص‪.212‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نقض ‪ 15‬يونية سنة ‪ 1629‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 195‬ص‪.122‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نقض ‪ 2‬إبريل سنة ‪ 1626‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 909‬ص‪921‬؛‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ 11‬يناير ‪ 1600‬مجموعة أحكام النقض س‪ 9‬رقم ‪ 122‬ص‪.221‬‬
‫ويتطلب بعض الفقهاء فى الحظر أن يكون إيجابيًا‪Frank § 53. S. 153 :‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ Garraud, II, n. 445. p.19‬وقد صرحت محكمة النقض بذلك فى‬
‫بعض أحكامها‪ .‬على سبيل المثال‪ :‬نقض ‪ 0‬يناير سنة ‪ 1695‬مجموعة أحكام‬
‫محكمة النقض س‪ 11‬رقم ‪ 2‬ص‪12‬؛ ولكن يبدو لنا أن المحكمة قد قررت ذلك‬
‫ال لخطر ينشأ عن طريق االمتناع‪ ،‬أى لم‬‫ألن ظروفها الواقعة لم تكن تدع مجا ً‬
‫يكن الخطر فى هذه الظروف متصو اًر بغير فعل إيجابى‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪) ( Mezger, Lehrbuch, § 31, S. 233.‬‬
‫‪9‬‬

‫الجائز ارغامها على اإلرضاع‪ ،‬أو على األقل االلتجاء إلى الوسيلة المالئمة‬
‫النقاذ الطفل من الهالك (‪ .)1‬وغنى عن البيان أنه ال يعتد بالخطر الناشئ عن‬
‫االمتناع إال إذا توافرت فيه الشروط التى يتطلبها القانون‪.‬‬
‫استخالص شروط الخطر‪ :‬يتطلب القانون فى الخطر توافر الشروط‬
‫التالية‪ :‬كونه غير مشروع‪ ،‬وتهديده بجريمة ضد النفس أو ضد المال مما يحدده‬
‫ال‪.‬‬
‫الشارع على سبيل الحصر‪ ،‬وكونه خط ًار حا ً‬
‫‪ -1‬كون الخطر غير مشروع‬
‫الضابط فى اعتبار الخطر غير مشروع‪ :‬يعد الخطر غير مشروع إذا‬
‫كان يهدد باعتداء على حق يحميه الشارع الجنائى‪ ،‬أى كان يهدد بتحقق نتيجة‬
‫إجرامية معينة‪ :‬فمن يعمل السالح فى جسم غريمة ينشئ بفعله خط ًار يهدد حق‬
‫المجنى عليه فى الحياة‪ ،‬وهو حق يحميه الشارع الجنائى‪ ،‬ويهدد بتحقق الوفاة‪،‬‬
‫وه ى نتيجة إجرامية تقوم بها جريمة القتل‪ ،‬ولذلك يعد الخطر الذى ينشئه هذا‬
‫الفعل خط اًر غير مشروع‪ .‬ولكن ليس بشرط لكى يكون الخطر غير مشروع أن‬
‫يبلغ الفعل المنشئ له حد إعمال السالح فى جسم المجنى عليه‪ ،‬فمجرد توجيه‬
‫السالح إلى جسمه أو التهديد به‪ ،‬بل أن مجرد حمله فى ظروف تجعل استعماله‬
‫ال‪ ،‬كل هذه أفعال تنشئ خط ًار غير مشروع على‬
‫فى االعتداء على الحياة محتم ً‬
‫الحق فى الحياة‪ .‬وتطبيقاً للضابط نفسه‪ ،‬فإن توجيه الجانى قبضة يده إلى وجه‬
‫المجنى عليه وإن لم يصبه فعل ينشئ خط ًار مهددًا للحق فى سالمة الجسم‪،‬‬
‫وهو لذلك خطر غير مشروع‪.‬‬
‫ومن ذلك يتضح أن الصفة غير المشروعة ال تسبغ على الفعل فى ذاته‪،‬‬
‫فقد يكون مجرد عمل تحضيرى ال عقاب عليه فى ذاته‪ ،‬أو مجرد شروع فى‬

‫(‪ )1‬الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬ص‪ 222‬هامش رقم (‪)2‬؛ الدكتور رمسيس‬
‫بهنام‪ ،‬ص‪292‬؛ الدكتور أحمد فتحى سرور‪ ،‬رقم ‪ 122‬ص‪209‬؛ الدكتورة فوزية‬
‫عبد الستار‪ ،‬خطر االعتداء فى الدفاع الشرعى‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد‪ ،‬ص‪22‬‬
‫سنة ‪ ،1622‬ص‪ ، 121‬والقسم العام‪ ،‬رقم ‪ 162‬ص‪.212‬‬
‫‪2‬‬

‫جريمة ال يعاقب القانون على الشروع فيها‪ ،‬ولكنه مع ذلك ينشئ خط اًر يهدد حقاً‬
‫يحميه القانون‪ ،‬فيعد الخطر غير مشروع وإن كان الفعل فى ذاته مشروعًا‪.‬‬
‫فالضابط فى اعتبار الخطر غير مشروع يقتضى التساؤل عن النتيجة‬
‫التى يحتمل أن يحققها‪ ،‬والتأكد من أنه يتمثل فيها االعتداء على حق يحميه‬
‫القانون‪ ،‬ويعنى ذلك أن هذا الضابط يقوم على عناصر موضوعية خالصة‪ ،‬إذ‬
‫ال يقتضى غير دخول االعتداء المحتمل فى نطاق أحد نصوص التجريم‪ .‬وال‬
‫يعتمد هذا الضابط على عناصر شخصية‪ ،‬فليس بشرط أن يكون المعتدى أهالً‬
‫للمسئولية الجنائية أو مستحقًا للعقاب أو عالمًا بالصفة غير المشروعة للخطر‬
‫الذى ينشؤه فعله (‪.)1‬‬
‫وقد عبر القانون عن هذا الشرط بلفظ الجريمة (المادة ‪ 229‬من قانون‬
‫العقوبات)‪ ،‬ولكنه ال يعنى ب ذلك أن تقوم بفعل المعتدى جريمة مستجمعة كل‬
‫أركانها‪ ،‬بما فى ذلك ركنها المعنوى (‪)2‬؛ وإنما يعنى بالجريمة تكييفًا قانونيًا‬
‫منصباً على االعتداء المحتمل‪ ،‬واالعتداء المحتمل هو بعينه الخطر الحال‪.‬‬
‫أهمية هذا الضابط فى تحديد نطاق الدفاع الشرعى‪ :‬تترتب على اعتبار‬
‫الصفة غير المشروعة للخطر شرطًا للدفاع الشرعى نتيجتان‪ :‬األولى‪ ،‬أنه ال‬
‫محل للدفاع الشرعى إذا كان الخطر مشروعًا‪ ،‬والثانية‪ ،‬جواز االحتجاج بالدفاع‬
‫الشرعى ضد كل خطر غير مشروع(‪ .)2‬فالنتيجة األولى تعنى أنه ال محل‬
‫للدفاع الشرعى إذا كان الفعل المنشئ للخطر خاضعًا لسبب إباحة‪ ،‬فكان‬
‫الخطر تبعًا لذلك مشروعًا‪ .‬والنتيجة الثانية تعنى جواز االحتجاج بالدفاع‬
‫الشرعى ضد كل خطر غير مشروع‪ ،‬ولو كان من أنشأه يستفيد من سبب‬
‫المتناع المسئولية أو من سبب المتناع العقاب أو من عذر قانونى‪.‬‬

‫‪)1( Mezger, § 31, S. 234; Schِnke-Schrِder, § 53, S. 378.‬‬


‫(‪ )2‬الدكتور‪/‬محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪199‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪) ( Garraud, II, n. 447, p. 29.‬‬
‫‪9‬‬

‫إذا توافر سبب اإلباحة انتفى الدفاع الشرعى‪ :‬إذا كان فعل المعتدى‬
‫خاضعًا لسبب إباحة فكان الخطر الناشئ عنه مشروعًا‪ ،‬فال يجوز لمن يهدده‬
‫هذا الخطر أن يستعمل العنف لدرئه محتجاً بالدفاع الشرعى‪ ،‬ذلك أن كون‬
‫الخطر مشروعًا يعنى أن القانون يلزم من يتعرض له بأن يتحمله‪ ،‬فال يكون‬
‫محل ألن يسمح له بالتخلص منه‪ ،‬فإن صدر عنه عنف فى سبيل ذلك ففعله‬
‫غير مشروع (‪ .)1‬وتطبيقًا لذلك‪ ،‬فإن من يتعرض ألفعال ضرب يرتكبها أبوه فى‬
‫حدود حق التأديب ال يعتبر فى حالة دفاع شرعى إذا قاوم هذه األفعال؛ ومن‬
‫يتعرض لفعل صادر عن موظف عام فى حدود ما يقضى به القانون ال يعد‬
‫ال حق الدفاع الشرعى حين يقاومه‪ ،‬مثال ذلك من يتعرض لتنفيذ أمر‬ ‫مستعم ً‬
‫بالقبض أو التفتيش تتوافر فيه كل الشروط المتطلبة قانونًا‪ ،‬ومن يتعرض لتنفيذ‬
‫حكم باإلعدام واجب التنفيذ‪ .‬وتطبيقًا لذلك‪ ،‬فإن المتهم المتلبس بالجريمة ال يعد‬
‫فى حالة دفاع شرعى إذا أطلق النار على من يتعقبه للقبض عليه (‪)2‬؛‬
‫والمحبوس طبقًا للقانون ليس له أن يحتج بالدفاع الشرعى إذا اعتدى على من‬
‫يقوم بتنفيذ القانون ليتخلص من الحبس (‪ .)2‬وتطبيقًا للقاعدة نفسها‪ ،‬فإن من‬
‫يصدر عنه اعتداء يصير به المعتدى عليه فى حالة دفاع شرعى ال يجوز له‬

‫§ ‪)1( Garçon, art. 328, n. 71: Garraud, II, n. p.29; Roux, I,‬‬
‫‪56, p.191; Vidal et Magnol, I, n. 204; Donnedieu de‬‬
‫‪Vabres, n. 398, p. 231; Bouzat et Pinatel, I, n. 287, p.‬‬
‫‪271; Stefani Levasseur et Bouloc n. 343, p. 316, Merle et‬‬
‫‪Vitu, I n. 387, p. 437, Decocq, p. 319.‬‬
‫الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪212‬؛ الدكتور محمد مصطفى القللى‪،‬‬
‫ص‪222‬؛ الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬رقم ‪ 105‬ص‪220‬؛ الدكتور على‬
‫راشد‪ ،‬ص‪022‬؛ األستاذ محمود ابراهيم اسماعيل‪ ،‬رقم ‪ 229‬ص‪.292‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 21‬يناير سنة ‪ 1621‬المجموعة الرسمية ص‪ 22‬رقم ‪ 115‬ص‪122‬؛ ‪22‬‬
‫ابريل سنة ‪ 1691‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 12‬رقم ‪ 62‬ص‪.055‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 19‬ابريل سنة ‪ 1621‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 229‬ص‪.299‬‬
‫‪6‬‬

‫أن يحتج بدوره بالدفاع الشرعى إذا قاوم األفعال الصادرة من المعتدى عليه فى‬
‫حدود حقه(‪ ،)1‬فال دفاع ضد الدفاع‪.‬‬
‫ولكن الصفة غير المشروعة ال تعد منتفية إال إذا التزم مرتكب الفعل‬
‫شروط اإلباحة وقيودها‪ ،‬فإن تخلف شرط أو جاوزت اإلباحة حدودها‪ ،‬فالفعل‬
‫غير مشروع والدفاع الشرعى جائز ضده فى القدر الذى يتصف فيه خطر الفعل‬
‫بأنه غير مشروع‪ .‬فإذا ارتكب «أ» أفعال اعتداء ضد «ب»‪ ،‬فقاومها متجاو ًاز‬
‫حدود حقه فى الدفاع الشرعى‪ ،‬فإن «أ» يعد فى حالة دفاع شرعى حينما يقاوم‬
‫«ب» فى الحدود التى تجاوزت فيها أفعاله نطاق حقه فى الدفاع فصارت بذلك‬
‫غير مشروعة (‪.)2‬‬
‫ويذهب رأى فى القول بأن المعتدى ال يتصور اعتباره فى حالة دفاع‬
‫شرعى ولو جاوز المعتدى عليه حدود حقه‪ ،‬ذلك أنه قد وضع نفسه بخطئه فى‬
‫الظروف التى يتعرض فيها للخطر؛ وباإلضافة إلى ذلك فإن دفاعه غير الزم‬
‫لدرء الخطر‪ ،‬إذ كان فى وسعه أن يتفاداه ابتداء بأال يعتدى على غيره (‪ .)2‬وهذا‬
‫الرأى غير صحيح‪ :‬فهو يضيف إلى شروط الدفاع الشرعى شرطًا لم يتطلبه‬
‫القانون‪ ،‬إذ ليس من هذه الشروط أال تكون للمدافع يد فى حلول الخطر به‪،‬‬
‫ولذلك كان لمن استفز غيره أن يحتج بالدفاع الشرعى إذا ترتب على استف اززه أن‬
‫ال تهدده بالخطر؛ ثم أن المنطق ال يقبل أن من هدد غيره‬‫ارتكب خصمه أفعا ً‬
‫بضرب بسيط أو بسرقة أشياء تافهة القيمة يفقد حقه فى الدفاع الشرعى إذا‬
‫صدرت عن المجنى عليه أفعال تهدد بالموت‪ .‬وفى النهاية‪ ،‬نالحظ أنه ليس‬
‫بصحيح القول بأن فعل الدفاع غير الزم لدرء االعتداء‪ ،‬ألنه كان فى وسع‬

‫‪)1( Garraud, II, n. 447, p. 30; Vidal et Magnol, I, n. 204.‬‬
‫‪p.364.‬‬
‫نقض ‪ 22‬نوفمبر سنة ‪ 1625‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 112‬ص‪.122‬‬
‫‪)2( Garraud, II, n. 447, p. 30.‬‬
‫‪)3( Garcon, art. 328, n. 89.‬‬
‫‪15‬‬

‫المدافع أال يعتدى على غيره‪ ،‬ذلك أن شرط اللزوم ينظر إليه بعد نشوء الخطر‪،‬‬
‫ويفترض التساؤل عما إذا كانت لدى المدافع وسيلة أخرى لدرئه؛ أما قبل نشوء‬
‫الخطر فال محل للبحث فى هذا الشرط‪.‬‬
‫يتوافر الدفاع الشرعى ولو كان المعتدى غير مسئول جنائي ًا‪ :‬قدمنا أن‬
‫الضابط فى وصف الخطر بأنه غير مشروع هو ضابط موضوعى بحت‪ ،‬إذ ال‬
‫يقتضى غير التحقيق من أن االعتداء المحتمل هو نتيجة إجرامية يتمثل فيها‬
‫االعتداء على حق يحميه القانون‪ .‬ويعنى ذلك أنه إذا اعتبر الخطر غير مشروع‬
‫وفقًا لهذا الضابط‪ ،‬فال عبرة بكون من ارتكب الفعل المنشئ له قد توافر لديه‬
‫مانع من المسئولية الجنائية (‪ .)1‬وتطبيقاً لذلك‪ ،‬فمن يتعرض العتداء صادر‬
‫من مجنون أو صغير لم يبلغ السابعة أو من مكره يستطيع أن يحتج بالدفاع‬
‫الشرعى حينما يقاوم بالعنف الخطر الذى يتهدده‪ .‬والحجة التى يعتمد عليها هذا‬
‫الرأى أن انعدام المشروعية فكرة موضوعية ال تعتمد ‪ -‬فى األصل ‪ -‬على‬
‫عناصر شخصية‪ ،‬وهى متميزة عن األهلية للمسئولية الجنائية‪.‬‬
‫ويذهب رأى إلى القول بأن من يتعرض العتداء شخص غير مسئول‬
‫جنائيًا ال يكون له أن يحتج بالدفاع الشرعى‪ ،‬وإنما يسعه أن يحتج بحالة‬
‫الضرورة‪ .‬وحجة هذا الرأى أن فعل غير المسئول ال يوصف بأنه غير مشروع‬
‫‪)2( injusc‬؛ وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن القانون يصف االعتداء بأنه «جريمة»‪،‬‬
‫وال محل لهذا الوصف اذا انتفى ركنها المعنوى ألن من ارتكب الفعل غير‬

‫‪)1( Frank, § 53, S. 155; Mezger, § 31, S. 234; Schِnke-Schrِder,‬‬


‫‪§ 53, S. 378. Garraud, II, n. 447, p. 30; Vidal et Magnol, I,‬‬
‫‪n. 204. p.364. Merle et Vitu, I n. 388, p. 438.‬‬
‫الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪212‬؛ الدكتور محمد مصطفى القللى‪،‬‬
‫ص‪229‬؛ الدكتور رمسيس بهنام‪ ،‬ص‪295‬؛ الدكتور أحمد فتحى سرور‪ ،‬رقم‬
‫‪ 121‬ص‪225‬؛ الدكتورة فوزية عبد الستار‪ ،‬خطر االعتداء فى الدفاع الشرعى‬
‫ص‪ ،192‬والقسم العام ‪ ،‬رقم ‪ 195‬ص‪.162‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) ( Donnedieu de Vabres, n. 401, p. 231; Bouzat et Pinatel, I,‬‬
‫‪n. 287, p. 272.‬‬
‫‪11‬‬

‫مسئول (‪ .)1‬وهذا الرأى محل للنقد‪ :‬فليس صحيحًا القول بأن فعل غير المسئول‬
‫ال يوصف بأنه غير مشروع‪ ،‬ذلك أن عدم المشروعية فكرة موضوعية ضابطها‬
‫الخضوع لنص تجريم وعدم الخضوع لسبب إباحة‪ ،‬ومن ثم لم تكن متوقفة على‬
‫أهلية الجانى للمسئولية‪ .‬وإذا كان القانون يصف االعتداء بأنه جريمة‪ ،‬فإن كل‬
‫ما يعنيه هو اكتسابه وصفاً إجرامياً‪ ،‬أى وصفًا غير مشروع‪ ،‬وهو ما يتصور‬
‫توافره بالنسبة لفعل غير المسئول‪ .‬وهذا الرأى يمكن قبوله لو كان الدفاع‬
‫الشرعى نوعًا من العقاب ينزله المدافع بالمعتدى‪ ،‬إذ يكون من المنطق اشتراط‬
‫أهليته كى يكون جدي ًار بالعقاب؛ ولكن الدفاع ليس عقابًا‪ ،‬ومن ثم ال يكون محل‬
‫الشتراط هذه األهلية (‪ .)2‬وإذا كان الدفاع مجرد وقاية لحق يحميه القانون‪،‬‬
‫فيكفى أن يكون صاحب الحق غير ملزم طبقًا للقانون بتحميل االعتداء‪ ،‬ويتحقق‬
‫ذلك بغير شك حينما يكون مصدر الخطر شخصاً غير مسئول‪ .‬وفى النهاية‪،‬‬
‫نالحظ أن حالة الضرورة ال تجدى المعتدى عليه حينما يكون الخطر المهدد‬
‫للنفس غير جسيم أو حينما يهدد الخطر المال‪ ،‬فى حين أن الدفاع الشرعى‬
‫يجديه فى هاتين الحالتين‪.‬‬
‫يتوافر الدفاع الشرعى ولو كان المعتدى يستفيد من عذر قانونى‪ :‬إذا‬
‫كان المعتدى يستفيد من عذر قانونى‪ ،‬فمعنى ذلك أن فعله غير مشروع وأن‬
‫القانون يعاقبه‪ ،‬وإن كان يلتمس له سببًا للتخفيف‪ :‬فالزوج إذا فاجأ زوجته‬
‫متلبسة بالزنا فحاول قتلها فى الحال هى ومن يزنى بها‪ ،‬كان فعله غير مشروع‬
‫وكان معاقبًا من أجله (المادة ‪ 222‬من قانون العقوبات)؛ ونتيجة لذلك كان‬
‫للزوجة وشريكها االحتجاج بالدفاع الشرعى إذا قاوما الزوج (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬رقم ‪ 129‬ص‪.222‬‬


‫‪)2( Garraud, II, n. 447, p. 33.‬‬
‫‪)3( Garçon, art. 328, n. 87; Donnedieu de Vabres, n. 400, p.232.‬‬
‫الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪212‬؛ الدكتور محمد مصطفى القللى‪ ،‬ص‪229‬؛‬
‫الدكتور مأمون محمد سالمة‪ ،‬ص‪229‬؛ الدكتورة فوزية عبد الستار‪ ،‬رقم ‪192‬‬
‫ص‪.166‬‬
‫‪12‬‬

‫دفع خطر الحيوان‪ :‬إذا استخدم الحيوان كأداة لالعتداء‪ ،‬كما لو أطلق‬
‫شخص على عدوه كلبًا‪ ،‬فال محل للتردد فى االعتراف لمن يهدده هذا الخطر‬
‫بأنه فى حا لة دفاع شرعى‪ ،‬ذلك أن فعل االعتداء ال ينسب إلى الحيوان‪ ،‬وإنما‬
‫ينسب إلى محرضه‪ ،‬وشأن الحيوان شأن أية أداة تستعمل فى االعتداء‪ ،‬ويعنى‬
‫ذلك أن الفعل غير مشروع والخطر الناشئ عنه غير مشروع كذلك‪ ،‬ومن ثم‬
‫كان الدفاع الشرعى ضده جائ ًاز (‪.)1‬‬
‫ولكن تدق المشكلة حينما يتعرض شخص لخطر حيوان دون أن يكون‬
‫ذلك نتيجة تحريض أحد‪ :‬هل يجوز للمهدد بالخطر أن يحتج بالدفاع الشرعى‬
‫إذا قتل الحيوان أو أضر به (المواد ‪ 202 - 200‬من قانون العقوبات)؟ يحول‬
‫دون القول بذلك أن هجوم الحيوان والخطر الناجم عنه ال يوصفان بعدم‬
‫المشروعية‪ ،‬ألن هذا الوصف إنما يكون نتيجة لتطبيق قواعد القانون‪ ،‬وهذه‬
‫القواعد ال تطبق على غير أفعال اإلنسان‪ ،‬ومن ثم استحال أن يوصف ذلك‬
‫الخطر بأنه غير مشروع‪ ،‬فال يكون محل للدفاع الشرعى فى مواجهته‪ .‬وغنى‬
‫عن البيان أنه يجوز للمهدد بالخطر أن يحتج بحالة الضرورة إذا توافرت‬
‫شروطها‪ ،‬وهى ال تتطلب كون الخطر غير مشروع‪ ،‬ولكنها تتطلب كونه جسيماً‬
‫مهددًا للنفس دون المال(‪ .)2‬يغلب أال يكون المهدد بالخطر فى حاجة إلى‬
‫االحتجاج بحالة الضرورة‪ ،‬إذ ال تتوافر أركان جريمة قتل الحيوانات أو األضرار‬
‫بها إال إذا كان ذلك بغير مقتض‪ ،‬وغنى عن البيان أنه إذا كان القتل أو‬
‫األضرار لتفادى خطر‪ ،‬فقد توافر المقتضى وانتفى أحد أركان (‪« ،)2‬ويشترط فى‬
‫الضرورة الملجئة للقتل أن يكون الحيوان المقتول قد كان خط اًر على نفس إنسان‬
‫أو ماله وأن تكون قيمة ذلك الحيوان ليست شيئًا مذكو ًار بجانب الضرر الذى‬

‫(‪ )1‬الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪.210‬‬


‫‪)2( Garçon, art. 328, n. 112.‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪210‬؛ الدكتور أحمد فتحى سرور‪ ،‬رقم‬
‫‪ 122‬ص‪222‬؛ الدكتور مأمون محمد سالمة‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫‪12‬‬

‫حصل اتقاؤه بقتله وأن يكون الخطر الذى استوجب القتل قد كان خط اًر حائقاً‬
‫وقت القتل وما كان يمكن اتقاؤه بوسيلة أخرى» (‪ .)1‬واالحتجاج بتوافر المقتضى‬
‫يجعل المتهم فى وضع أفضل مما لو احتج بحالة الضرورة‪ ،‬إذ يتوافر المقتضى‬
‫ولو هدد خطر الحيوان المال فى حين ال تتوافر بذلك حالة الضرورة (‪.)2‬‬
‫الخطر الوهمى‪ :‬قد يعتقد شخص أنه مهدد بخطر‪ ،‬فيأتى أفعال دفاع ثم‬
‫يتبين أن هذا الخطر لم يكن له وجود وأن اعتقاده كان وهما‪ ،‬فهل يجوز‬
‫االحتجاج بالدفاع الشرعى إلباحة أفعاله؟ مثال ذلك أن يبصر المتهم شخصاً‬
‫ال نحوه فى الظالم وبيده شئ يخاله سالحًا موجهًا إليه فيعالجه بإطالق‬
‫مقب ً‬
‫الرصاص عليه فيجرحه أو يقتله ثم يتبين بعد ذلك أن هذا الشخص صديق‬
‫للمتهم‪ ،‬وأن ما يحمله لم يكن سالحًا وإنما أداة ال ضرر منها‪ .‬بيد أن القانون‬
‫يعتد بالخطر الوهمى‪ ،‬والدليل على ذلك قوله ‪ -‬فى تحديد األفعال التى تبيح‬
‫القتل العمد دفاعًا عن النفس أو المال ‪« -‬فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو‬
‫جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة» (المادتان ‪ 205 ،226‬من‬
‫قانون العقوبات)‪ .‬ويعنى ذلك أنه ال يشترط كون الفعل من شأنه إحداث الموت‬
‫أو الجراح البالغة‪ ،‬وإنما يكفى مجرد التخوف من أن يكون له هذا الشأن‪ .‬وقد‬
‫سلم القضاء بذلك‪ ،‬فقرر فى أحكام عديدة‪ ،‬أنه يصح القول بقيام حالة الدفاع‬
‫الشرعى ولو كان االعتداء وهمياً‪ ،‬متى كانت الظروف والمالبسات تلقى فى روع‬
‫المدافع أن هناك اعتداء جديًا وحقيقيًا موجهًا إليه‪ ،‬وكل ما يشترط لالعتداد‬
‫بالخطر الوهمى أن يكون االعتقاد بقيامه مستندًا إلى أسباب معقولة(‪.)2‬‬
‫وهذا الرأى م حل للنقد‪ :‬ذلك أن أسباب اإلباحة ذات طبيعة موضوعية‪،‬‬
‫ويقتضى ذلك أن تتوافر حقيقة حتى تنتج أثرها‪ ،‬وال يغنى عن توافرها مجرد توهم‬

‫(‪ )1‬نقض ‪ 21‬أكتوبر سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 222‬ص‪.959‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪199‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 2‬أكتوبر سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 296‬ص‪.296‬‬
‫‪12‬‬

‫ذلك‪ ،‬وإذا قلنا أن أسباب اإلباحة يتعين أن تتوافر حقيقة‪ ،‬فإن ذلك يعنى أن كل‬
‫شروطها ينبغى أن تكون مجتمعة‪ .‬وإذا كان القانون يستلزم الخطر كشرط لقيام‬
‫الدفاع الشرعى‪ ،‬فمقتضى ذلك أن الخطر ينبغى أن يوجد فعالً‪ ،‬فإن كان وهمياً‬
‫فمعنى ذلك أنه ال وجود له إال فى مخيلة المدافع؛ فإن ثبت على هذا النحو‬
‫انتفاؤه‪ ،‬فال محل للقول بقيام الدفاع الشرعى‪ .‬ولكن هذا االعتقاد يعنى وجود‬
‫غلط منصب على الوقائع التى يقوم الدفاع الشرعى عليها‪ ،‬وهذا الغلط ينفى‬
‫القصد الجنائى‪ ،‬وإذا بنى االعتقاد على أسباب معقولة فهو ينفى الخطأ غير‬
‫العمدى كذلك‪ ،‬فال يكون محل للمسئولية الجنائية‪ ،‬وإن كان الفعل فى ذاته غير‬
‫مشروع‪ .‬والخطر الوهمى صورة «للغلط فى اإلباحة»(‪ ،)1‬وقد سبق بيان حكمها‬
‫(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬الجرائم التى يعد خطر تحقيقها مبرراً لقيام‬
‫الدفاع الشرعى‬
‫تمهيددد‪ :‬حــدد الشــارع الج ـرائم التــى يعــد خطــر تحققهــا مبــر اًر لقيــام الــدفاع‬
‫الشرعى‪ ،‬فأباح الدفاع ضد كل فعل يعتبر جريمة على الـنفس (الفقـرة األولـى مـن‬
‫المادة ‪ 229‬من قانون العقوبات)‪ .‬وحدد على سبيل الحصـل جـرائم األمـوال التـى‬
‫تبيح الدفاع (الفقرة الثانية مـن المـادة ‪ 229‬مـن قـانون العقوبـات)‪ .‬وبـذلك تكتسـب‬
‫التفرقــة بــين ج ـرائم الــنفس وج ـرائم المــال أهميــة واضــحة‪ ،‬باعتبــار أن ج ـرائم النــوع‬
‫األول جميع ـًا تبــيح الــدفاع الشــرعى فــى حــين ال يبيحــه غيــر بعــض ج ـرائم النــوع‬
‫الثانى‪ .‬وجرائم النفس هى جرائم األشـخاص ‪،Délits contre les personnes‬‬
‫ويراد بها الجرائم التى تنال باالعتداء حقاً مرتبطاً بشخص المجنى عليـه‪ ،‬وخارجـاً‬

‫‪)1( Garraud, II, n. 446, p. 28; Merle et Vitu, I, n. 385, p. 435.‬‬
‫الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬رقم ‪ 192‬ص‪222‬؛ الدكتور أحمد فتحى‬
‫سرور‪ ،‬رقم ‪ 120‬ص‪226‬؛ الدكتور مأمون سالمة‪ .‬ص ‪229‬؛ الدكتورة فوزية‬
‫عبد الستار رقم ‪ 166‬ص ‪.216‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪162‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫تبعـًا لـذلك عـن دائـرة التعامـل؛ أمـا جـرائم األمـوال ‪،Délits contre les biens‬‬
‫فتقال باالعتداء حقوقًا ذات قيمة اقتصادية‪ ،‬وداخلة لذلك فى دائرة التعامل‪.‬‬
‫جرائم النفس‪ :‬هذه الجرائم متنوعة‪ :‬فقد تنال باالعتداء الحق فى الحياة‬
‫ال؛ وقد تمس الحق فى سالمة الجسم فتعد الجريمة جرحًا أو‬
‫فتعد الجريمة قت ً‬
‫ضرباً أو إعطاء مواد ضارة؛ وقد تمس الحق فى الحرية‪ ،‬ومثال ذلك جرائم‬
‫الخطف وحبس األشخاص دون حق؛ وقد تمس الحق فى صيانة العرض‬
‫فتشمل جرائم االغتصاب وهتك العرض والفعل الفاضح‪ ،‬وقد تنال من الشرف‬
‫واالعتبار كالقذف والسب وافشاء األسرار‪.‬‬
‫وخطة الشارع واضحة بالنسبة إلى هذه الجرائم‪ ،‬فهى جميعًا تبيح الدفاع‬
‫الشرعى (‪ ،) 1‬فال محل للتفرقة بينها حسب نوعها أو جسامتها‪ :‬فالضرب‬
‫البسيط‪ ،‬بل التعدى واإليذاء الخفيف‪ ،‬والفعل الفاضح فى أبسط صوره‪ ،‬كل ذلك‬
‫يبيح الدفاع الشرعى‪ .‬ولكن تجب التفرقة بين وجود حق الدفاع فى ذاته ومدى‬
‫اتساع نطاقه‪ :‬فإذا أقر الشارع لمن يهدده الضرب البسيط أو التعدى أو اإليذاء‬
‫الخفيف حق الدفاع الشرعى‪ ،‬فليس معنى ذلك أنه يسمح له بقتل المعتدى أو‬
‫إيذائه فى بدنه إيذاء جسيماً‪ ،‬بل يقيده بوجوب تناسب دفاعه مع جسامة الخطر‬
‫الذى يهدده‪ ،‬ولذلك كان متصو ًار االعتراف للمدافع بحق الدفاع الشرعى‪ ،‬وسؤاله‬
‫مع ذلك عن تجاوز حدوده‪.‬‬
‫وإذا كان الشارع يقر مساواة بين جرائم النفس على تنوعها‪ ،‬فال محل‬
‫للشك فيما إذا كانت جرائم االعتداء على الشرف واالعتبار تبيح الدفاع الشرعى‪.‬‬
‫والحقيقة أنه إذا كان لهذا الشك ما يبرره فى الفقه الفرنسى(‪ ،)2‬فليس له فى الفقه‬
‫المصرى محل‪ .‬فالقانون الفرنسى اليتضمن نصًا يحدد الجرائم التى تبيح الدفاع‬

‫(‪ )1‬نقض ‪ 0‬ديسمبر سنة ‪ 1699‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 12‬رقم ‪ 221‬ص‬
‫‪.1212‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) ( Garçon, art. 328, n. 62; Garraud, II, n. 445, p. 21; Vidal‬‬
‫‪et Magnol, I, n. 201, p. 360.‬‬
‫‪19‬‬

‫الشرعى تاركًا ذلك للفقه والقضاء‪ ،‬مما أدى إلى اختالف اآلراء فى شأن حكم‬
‫عدد كبير من الجرائم‪ ،‬منها ‪ -‬باإلضافة إلى جرائم االعتبار ‪ -‬جرائم األموال‬
‫وجرائم اإليذاء البدنى اليسير وبعض جرائم العرض‪ .‬ولكن الشارع المصرى حسم‬
‫كل خالف بإق ارره المساواة بين جميع جرائم النفس‪ ،‬فال يكون محل للتردد فى‬
‫القول بأن جرائم االعتداء على الشرف واالعتبار تبيح الدفاع الشرعى إذا توافرت‬
‫شروطه والتزمت حدوده (‪.)1‬‬
‫ويقتضى اشتراط حلول الخطر فى تطبيقه على هذه الجرائم ‪ -‬وهى جرائم‬
‫ال تفترض عنفًا ماديًا يقع على المجنى عليه‪ ،‬وإنما تقوم بقول أو كتابة أو إيماء‬
‫‪ -‬أن نقرر أنه ال محل للدفاع إال إذا كان ضرورياً لمنع الجانى من البدء فى‬
‫أقواله أو كتابته أو إيمائه أو لمنعه من االسترسال فيها؛ أما إذا انتهى من‬
‫ال فإن ما يصدر بعد ذلك من عنف ال‬
‫نشاطه اإلجرامى فنطق بكل عباراته مث ً‬
‫يعد دفاعًا‪ ،‬وإنما يكون انتقامًا غير مباح‪.‬‬
‫جرائم األموال‪ :‬حدد الشارع جرائم االعتداء على األموال التى تبيح الدفاع‬
‫الشرعى‪ ،‬فحصرها فى الجرائم المنصوص عليها فى األبواب الثانى والثامن‬
‫والثالث عشر والرابع عشر من الكتاب الثالث من قانون العقوبات‪ ،‬والجرائم‬
‫المنصوص عليها فى المادة ‪ 292‬فقرة أولى‪ ،‬والمادة ‪ 296‬فقرة أولى وثالثة من‬
‫قانون العقوبات (‪ .)2‬ونبين فيما يلى ما تجرمه هذه النصوص‪:‬‬
‫‪ -1‬جرائم الحريق العمد (المواد ‪ 206 ،202 ،202‬من قانون‬
‫العقوبات)‪ ،‬وهذه الجرائم جنايات فيما عدا الجريمة التى تنص عليها المادة ‪206‬‬

‫(‪ )1‬الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪256‬؛ الدكتور محمود محمود مصطفى‪،‬‬
‫رقم ‪ 100‬ص ‪222‬؛ الدكتور على راشد‪ ،‬ص‪022‬؛ الدكتور رمسيس بهنام‪،‬‬
‫ص‪296‬؛ الدكتور أحمد فتحى سرور‪ ،‬رقم ‪ 126‬ص‪200‬؛ الدكتورة فوزية عبد‬
‫الستار‪ ،‬ص ‪212‬؛ وعكس ذلك الدكتور محمد مصطفى القللى‪ ،‬ص‪.212‬‬
‫(‪ )2‬تغير موضع الحكم الذى تقرره المادة ‪( 292‬فقرة أولى) فصار المادة ‪( 222‬الفقرة‬
‫الرابعة)‪ ،‬وتغير موضع الحكم الذى تقرره المادة ‪ 296‬فقرة أولى‪ ،‬فصار المادة ‪226‬‬
‫(الفقرة الرابعة)‪ ،‬وذلك بالقانون رقم ‪ 199‬لسنة ‪.1691‬‬
‫‪12‬‬

‫فهى جنحة‪ .‬ونضيف إلى هذه الجرائم الجريمة التى تنص عليها المادة ‪/152‬د‬
‫من قانون العقوبات التى تجرم استعمال المفرقعات استعماالً من شأنه تعريض‬
‫أموال الغير للخطر (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬جرائم السرقة واالغتصاب (المواد ‪ 211‬من قانون العقوبات‬
‫ومابعدها)‪ ،‬وبعض هذه الجرائم جنايات وبعضها جنح‪.‬‬
‫‪ -2‬جرائم التخريب والتعييب واإلتالف (المواد ‪ 202‬من قانون العقوبات‬
‫وما بعدها) (‪ ،)2‬وهذه الجرائم جنح عدا ما تنص عليه المواد ‪،299 ،206‬‬
‫‪ 299‬من قانون العقوبات فهى جنايات‪.‬‬
‫‪ -2‬جرائم انتهاك حرمة ملك الغير (المواد ‪ 296‬من قانون العقوبات‬
‫ومابعدها)‪ ،‬وهذه الجرائم جنح (‪.)2‬‬
‫‪ -0‬جريمة دخول أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها زرع أو محصول أو‬
‫مرور المتهم فيها بنفسه بمفرده أو ببهائمه أو دوابه المعدة للجر أو الحمل أو‬

‫(‪ )1‬الجريمة التى تعاقب عليها هذه المادة كان منصوصًا عليها فى المادة ‪ 209‬من قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬وكانت تشملها إشارة الفقرة الثانية من المادة ‪ 229‬باعتبار أن موضعها هو‬
‫الباب الثانى من الكتاب الثالث‪ ،‬ولكن المادة ‪ 209‬قد ألغيت بالقانون رقم ‪ 05‬لسنة‬
‫‪ 1626‬ونقلت األحكام التى كانت تنص عليها إلى المادتين ‪/152‬جـ‪/152 ،‬د‪ ،‬وتعنينا‬
‫األخيرة باعتبارها المتعلقة بجرائم األموال‪ .‬وقد قررت محكمة النقض فى شأن تطبيق‬
‫المرسوم بقانون رقم ‪ 221‬لسنة ‪ 1602‬الخاص بالعفو عن بعض الجرائم أن الشارع لم‬
‫يبلغ األحكام التى تتضمنها المادة ‪ ،209‬ولكن نقلها إلى موضع آخر (نقض ‪ 2‬يوليو‬
‫سنة ‪ 1602‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 2‬رقم ‪ 226‬ص‪ .)1122‬وأخذًا بهذا‬
‫الرأى نستطيع القول بأن الجريمة التى كانت تنص عليها المادة ‪ 209‬لم تلغ ولم تتغير‬
‫األحكام التى تخضه لها‪ ،‬ومن بين هذه األحكام اعتبارها مبررة للدفاع الشرعى‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر تطبيقاً لذلك‪ :‬نقض ‪ 12‬مايو سنة ‪ 1690‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪19‬‬
‫رقم ‪ 62‬ص‪.292‬‬
‫(‪ )2‬ويالحظ أن العبرة فى جرائم انتهاك حرمة ملك الغير هى بالحيازة الفعلية‪ ،‬ويعنى ذلك‬
‫أن للحائز الفعلى الدفاع الشرعى قبل من يعتدى على حيازته‪ :‬نقض ‪ 22‬يناير سنة‬
‫‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 9‬رقم ‪ 261‬ص ‪ .299‬أنظر كذلك نقض ‪ 6‬أبريل‬
‫سنة ‪ 1692‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 12‬رقم ‪ 90‬ص‪.222‬‬
‫‪19‬‬

‫الركوب أو ترك هذه البهائم أو الدواب تمر منها وكان ذلك بغير حق (المادة‬
‫‪ ،226‬من قانون العقوبات‪ ،‬الفقرة الرابعة)‪ ،‬وهذه الجريمة مخالفة (‪.)1‬‬
‫‪ -9‬جريمة التسبب عمدًا فى إتالف شئ من منقوالت الغير (المادة ‪296‬‬
‫من قانون العقوبات‪ ،‬الفقرة األولى)‪ ،‬وهذه الجريمة مخالفة (‪.)2‬‬
‫‪ -2‬جريمة رعى مواشى أو تركها ترعى بغير حق فى أرض بها محصول‬
‫أو فى بستان (المادة ‪ 226‬من قانون العقوبات‪ ،‬الفقرة الرابعة) وهذه الجريمة‬
‫مخالفة (‪.)2‬‬
‫وقد حدد الشارع هذه الجرائم على سبيل الحصر‪ ،‬ويترتب على ذلك انكار‬
‫الدفاع الشرعى حيث يكون الخطر الذى يهدد المال ناشئاً عن جريمة سواها‬
‫(‪.)2‬‬

‫كان موضع هذا النص هو المادة ‪( 292‬الفقرة األولى) من قانون العقوبات‪ ،‬وقد تغير‬ ‫(‪)1‬‬
‫موضعه بالقانون رقم ‪ 196‬لسنة ‪ ،1691‬فصار الفقرة (‪ )2‬من المادة ‪ 226‬من قانون‬
‫العقوبات‪.‬‬
‫ألغى هذا النص بالقانون رقم ‪ 196‬لسنة ‪.1691‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نقض ‪ 22‬ديسمبر سنة ‪ 1629‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 1‬رقم ‪ 29‬ص ‪62‬؛ ‪2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫فبراير سنة ‪ 1621‬جـ‪ 0‬رقم ‪ 252‬ص‪.262‬‬
‫فإذا حاول شخص حل بقرة المتهم من الساقية ليتمكن من إدارتها لرى أطيانه فاعتدى‬ ‫(‪)2‬‬
‫المتهم عليه لرده عن ذلك فإن ه ال يعد فى حالة دفاع شرعى عن حقه فى إدارة الساقية‬
‫لرى أرضه (نقض ‪ 22‬نوفمبر سنة ‪ 1626‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 0‬رقم ‪12‬‬
‫ص‪ .)19‬وإذا قام المجنى عليهما سداً لمنع الغرق عن أرضهما فأراد المتهم أن يهدمه‬
‫كى يتفادى هو اآلخر غرق أرضه فحاول المجنى عليهما منعه فأطلق عليهما النار فهو‬
‫ليس فى حالة دفاع شرعى (نقض ‪ 29‬أبريل سنة ‪ 1621‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪0‬‬
‫رقم ‪ 222‬ص‪ .)226‬وإذا حاول المجنى عليه تغيير مجرى مياه لمنع المتهم من رى‬
‫أرضه فإن هذا األخير ال يعد فى حالة دفاع شرعى إذا ما اعتدى على المجنى عليه‬
‫لمنعه من ذلك‪ ،‬إذ ليس النزاع على الرى مما تصح المدافعة عنه قانوناً باستعمال القوة‬
‫(نقض ‪ 12‬مايو سنة ‪ 1609‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 2‬رقم ‪ 255‬ص‬
‫‪212‬؛ ‪ 22‬يناير سنة ‪ 1699‬س‪ 19‬رقم ‪ 10‬ص‪ .)99‬أنظر كذلك نقض ‪ 19‬يونية‬
‫سنة ‪ 1696‬س‪ 25‬رقم ‪ 126‬ص‪960‬؛ ‪ 19‬ابريل سنة ‪ 1622‬س‪ 20‬رقم ‪90‬‬
‫ص‪260‬؛ ‪ 22‬ديسمبر سنة ‪ 1629‬س‪ 22‬رقم ‪ 222‬ص‪ .660‬وإذا حاول المجنى‬
‫عليه منع المتهم من تجريف أرض متنازع عليها بينهما‪ ،‬فإن ما يصدر عن المتهم‬
‫‪16‬‬

‫‪ -3‬كون الخطر حاال‬


‫تمهيد‪ :‬ال محل للدفاع إال إذا كان الخطر حاالً‪ ،‬ذلك أن الدفاع يستهدف‬
‫وقاية حق يحميه القانون من خطر ال يسع السلطات العامة أن تدرأه عنه‪،‬‬
‫والوقاية تفترض أن الخطر لم يتحول بعد إلى اعتداء كامل‪ ،‬ألنه إذا تحقق‬
‫االعتداء فليس للوقاية محل‪ .‬وكون السلطات العامة ال تستطيع درء الخطر‬
‫يفترض أن االعتداء وشيك‪ ،‬إذ فى هذا الفرض وحده ال يكون الوقت متسعًا‬
‫للتدخل على نحو فعال‪.‬‬
‫متى يكون الخطر حا ًال؟ يكون الخطر حا ً‬
‫ال فى إحدى صورتين‪ :‬األولى‪،‬‬
‫حيث يكون االعتداء لم يبدأ بعد‪ ،‬ولكنه على وشك أن يبدأ‪ .‬والثانية‪ ،‬حيث‬
‫يكون االعتداء قد بدأ فع ً‬
‫ال‪ ،‬ولكنه لم ينته بعد‪ .‬فى الصورة األولى يتجه الدفاع‬
‫إلى منع المعتدى من البدء فى عدوانه؛ وفى الصورة الثانية يتجه إلى منع‬
‫المعتدى من االستمرار فى عدوانه‪.‬‬
‫وحصر حلول الخطر فى الحالتين السابقتين يعنى استبعاده فى الحالتين‬
‫ال؛ وحيث يكون االعتداء قد تحقق فع ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫اآلتيتن‪ :‬حيث يكون الخطر مستقب ً‬
‫الخطر الوشيك‪ :‬يفترض الخطر الوشيك أن االعتداء لم يبدأ بعد‪ ،‬ولكن‬
‫صدرت عن المعتدى أفعال تجعل من المنتظر ‪ -‬وفق السير العادى لألمور ‪-‬‬
‫أن يبتدئ االعتداء على الفور‪ .‬ويتضح بذلك أن الشارع ال يلزم المهدد بالخطر‬
‫أن ينتظر ابتداء االعتداء عليه حتى يباح له الدفاع‪ ،‬بل يجيز له الدفاع بمجرد‬
‫أن يتهدده الخطر الوشيك(‪)1‬؛ ويعنى ذلك أن الحلول صفة فى الخطر ال فى‬
‫االعتداء‪ .‬وتطبيقًا لذلك‪ ،‬فإنه إذا هدد شخص آخر بالقتل ثم أخرج مسدسه غير‬

‫اعتداء على المجنى عليه ال يقوم به الدفاع الشرعى‪ :‬نقض ‪ 15‬ديسمبر سنة ‪1691‬‬
‫س‪ 22‬رقم ‪ 162‬ص‪1592‬؛ أنظر فى ذلك الدكتور‪/‬محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 160‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪) ( Garçon, art. 328, n. 96; Garraud II, n. 446, p. 25.‬‬
‫نقض ‪ 11‬مارس سنة ‪ 1625‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 0‬رقم ‪ 22‬ص‪.129‬‬
‫‪25‬‬

‫المعبأ وأخذ يعبئه بالطلقات‪ ،‬فالمهدد بهذا الخطر يجوز له الدفاع‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن االعتداء لم يبدأ بعد‪ ،‬إذ أن الخطر الذى يهدده حال (‪.)1‬‬
‫وإذا لم يكن الخطر وشيكًا فهو مستقبل‪ ،‬وال ينشأ به الحق فى الدفاع‬
‫الشرعى (‪ ،)2‬مثال ذلك أن يهدد شخص آخر بأنه سيقتله بعد أسبوع؛ ذلك أن‬
‫الخطر المستقبل غير محقق‪ ،‬فقد ال يتحقق على اإلطالق‪ ،‬ثم أن فى الوسع‬
‫االلتجاء إلى حماية السلطات العامة‪.‬‬
‫ولتحديد ما إذا كان الخطر وشيكًا أو مستقبالً يتعين افتراض شخص‬
‫معتاد أحاطت به ظروف المهدد بالخطر والتساؤل عن كيفية تقديره له‪ :‬هل يراه‬
‫وشيكًا أم مستقبالً؟ فالمعيار موضوعى فى أصله‪ ،‬إذ قوامه الشخص المعتاد‪،‬‬
‫ولكنه يطبق بالنظر إلى ظروف واقعية معينة‪ :‬فهو موضوعى حتى تتجنب‬
‫التقدير المنحرف للمهدد بالخطر‪ ،‬وهو واقعى ألنه ال يجوز إغفال الظروف التى‬
‫أثرت على تفكير المهدد بالخطر(‪.)2( ،)2‬‬
‫االعتداء الذى لم ينته بعد‪ :‬تفترض هذه الصورة للخطر الحال أن‬
‫ال ولكنه لم ينته بعد‪ ،‬فما زال بعض الخطر ‪ -‬خطر القدر‬‫االعتداء قد بدأ فع ً‬
‫من االعتداء الذى لم ينزل بعد بالحق ‪ -‬قائمًا‪ ،‬وهو خطر حال‪ :‬فالمعتدى قد‬
‫ضرب المجنى عليه مرة وتأهب ليوجه إليه ضربات تالية‪ ،‬أو استولى على‬

‫(‪ )1‬أنظر تطبيقًا لذلك‪ :‬نقض ‪ 26‬ديسمبر سنة ‪ 1692‬مجموعة أحكام محكمة‬
‫النقض س‪ 22‬رقم ‪ 222‬ص ‪.1562‬‬
‫‪2‬‬
‫;‪) ( Garçon, art. 328, n. 70; Donnedieu de Vabres, n. p.231‬‬
‫‪Roux, I, § 56, p. 191; Bouzat et Pinatel, I, n. 286, p. 271.‬‬
‫(‪ )2‬وتصرح محكمة النقض بأن العبرة بتقدير المدافع فى الظروف التى كان فيها‪،‬‬
‫بشرط أن يكون تقديره مبنيًا على أسباب معقولة من شأنها أن تبرره‪ :‬نقض ‪9‬‬
‫مارس سنة ‪ 1605‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 1‬رقم ‪ 22‬ص‪.129‬‬
‫(‪ )2‬وتطبيقاً لهذا الشرط‪ ،‬فإنه إذا ثبت لدى المتهم بالجريمة سبق اإلصرار على‬
‫إيقاعها‪ ،‬فإن ذلك «مما ال ينتفى معه حتماً موجب الدفاع الشرعى الذى يفترض‬
‫ال لعدوان حال دون اإل خالل له وإعمال الخطة فى انفاذه وألن الدفاع‬
‫ردًا حا ً‬
‫الشرعى لم يشرع لالنتفاع من الغرماء بل لكف االعتداء» نقض ‪ 19‬نوفمبر سنة‬
‫‪ 1622‬س‪ 22‬رقم ‪ 211‬ص‪1512‬؛ ‪ 29‬ديسمبر سنة ‪ 1622‬س‪ 29‬رقم ‪216‬‬
‫ص‪.1529‬‬
‫‪21‬‬

‫بعض ما يملكه واستعد لالستيالء على أشياء اخرى(‪)1‬؛ فالدفاع بغير شك جائز‬
‫لتفادى الخطر الذى يوشك أن يتحقق‪.‬‬
‫فإذا انتهى االعتداء وتحقق كل الخطر الذى يدد الحق انتفت عنه صفة‬
‫الحلول فال يكون للدفاع الشرعى محل‪ ،‬إذ لن يد أر خط ًار‪ ،‬وكل عنف يصدر عن‬
‫المجنى عليه أو غيره لن يكون غير انتقام محظور على األفراد( )‪ .‬وتطبيقاً‬
‫‪2‬‬

‫لذلك‪ ،‬فإن اعتدى شخص على آخر بالضرب ثم فر‪ ،‬فتبعه المجنى عليه حتى‬
‫لحق به وضربه‪ ،‬فال يسعه االحتجاج بالدفاع الشرعى(‪ .)2‬وال محل كذلك للدفاع‬
‫الشرعى إذا استطاع المعتدى عليه انتزاع سالح المعتدى فصار أعزل ال يصدر‬
‫عنه خطر(‪ .)2‬وال محل له كذلك إذا فر الجانى متخليًا عن المسروقات (‪)0‬؛ أو‬
‫هرب بعد أن وضع النار فى المكان الذى يريد إحراقه(‪.)9‬‬
‫والضابط فى انتهاء االعتداء هو إتمام الجانى األفعال التى يريد ارتكابها‬
‫وتحقق النتيجة اإلجرامية بحيث ال يكون فى وسع المعتدى عليه أن يحول دون‬
‫تحققها أو ازدياد جسامتها‪ .‬والتحقق من انتهاء االعتداء يقتضى الرجوع إلى‬
‫األحكام الخاصة بالجريمة لتحديد نتيجتها والتأكد من اتخاذها صورة نهائية‬
‫مستقرة‪ :‬فإذا كانت الجريمة قتالً فاالعتداء يعد منتهيًا بوفاة المجنى عليه؛ وإذا‬
‫كانت حريقًا فاالعتداء ينتهى بمجرد وضع النار فى األماكن المراد إحراقها؛ وإذا‬

‫الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪212‬؛ الدكتور على راشد‪ ،‬ص‪.021‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نقض ‪ 29‬ديسمبر سنة ‪ 1629‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 225‬ص‪212‬؛ ‪10‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫يناير سنة ‪ 1622‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 20‬رقم ‪ 9‬ص‪.29‬‬
‫أنظر فى حظر الدفاع بعد انقطاع االعتداء‪ :‬نقض ‪ 10‬مايو سنة ‪ 1622‬مجموعة‬ ‫(‪)2‬‬
‫القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 125‬ص‪.126‬‬
‫نقض ‪ 19‬يونية سنة ‪ 1620‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 9‬رقم ‪ 952‬ص ‪ .229‬ولكن‬ ‫(‪)2‬‬
‫إذا كان تجريد المعتدى من آلة العدوان ليس من شأنه ‪ -‬بمجرده ‪ -‬أن يحول دون‬
‫مواصلة العدوان‪ ،‬فإنه يحق للمعتدى عليه أن يستعمل القوة الالزمة لدرئه‪ :‬نقض ‪6‬‬
‫ديسمبر سنة ‪ 1692‬س‪ 22‬رقم ‪ 222‬ص‪.1562‬‬
‫نقض ‪ 2‬ديسمبر سنة ‪ 1625‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 119‬ص‪.120‬‬ ‫(‪)0‬‬
‫نقض ‪ 2‬مارس ‪ 1621‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 0‬رقم ‪ 221‬ص‪.211‬‬ ‫(‪)9‬‬
‫‪22‬‬

‫كانت سرقة فاالعتداء ال ينتهى إال إذا أخرج الجانى الشئ من حيازة المجنى‬
‫عليه ثم أدخله فى حيازته بحيث يصبح المجنى عليه عاج ًاز عن مباشرة سلطات‬
‫الحيازة وتغدو هذه السلطات للجانى وحده‪ .‬وتطبيقاً لذلك‪ ،‬فإنه إذا وضع السارق‬
‫يده على الشئ ثم حاول الخروج به من منزل المجنى عليه أو تعرض لمقاومته‬
‫فحاول التخلص منها‪ ،‬فإن االعتداء يعد غير منته حتى يستطيع الجانى مغادرة‬
‫منزل المجنى عليه أو يتسطيع التغلب على المقاومة التى يتعرض لها(‪،)1‬‬
‫ويعنى ذلك أن للمجنى عليه االحتجاج بالدفاع الشرعى إذا ارتكب أفعال العنف‬
‫ضد السارق قبل أن ينتهى االعتداء على النحو السابق(‪.)2‬‬
‫والنتهاء االعتداء صورة ثانية‪ ،‬حيث يقف نشاط الجانى سواء بإرادته أو‬
‫جب ًار عنه‪ ،‬فال يكون انتهاء االعتداء رهنًا بتحقق الركن المادى للجريمة كام ً‬
‫ال‪،‬‬
‫كما لو أطلق المعتدى عيا ًار ناريًا لم يصب المجنى عليه ثم كف عن االستمرار‬
‫فى نشاطه فلم يطلق عيا ًار ثانيًا‪ ،‬سواء أكان ذلك اختيا ًار أم حال بينه وبين ذلك‬
‫سبب خارج عن إرادته‪ .‬وغنى عن البيان أنه يتعين االعتداد بتفكير المعتدى‬
‫عليه وتصوره‪ ،‬فإذا وقف النشاط اإلجرامى ولكن المعتدى عليه اعتقد بناء على‬
‫أسباب معقولة أنه لم يقف‪ ،‬فأتى أفعال العنف لدرء الخطر الذى توقعه فال‬
‫مسئولية عليه‪ .‬وإذا كانت الجريمة مستمرة كحبس شخص دون حق؛ أو كانت‬
‫متتابعة كتوجيه ضربات متعاقبة إلى شخص‪ ،‬فإن االعتداء ال ينتهى إال إذا‬
‫انقضت حالة االستمرار أو ارتكب الجانى آخر األفعال المتتابعة (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬انظر فى تحديد الضابط فى تمام الركن المادى للسرقة‪ :‬الدكتور محمود نجيب حسنى‪،‬‬
‫قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬رقم ‪ 1199‬ص‪.906‬‬
‫(‪ )2‬وفى ذلك تقول تعليقات الحقانية على المادة ‪ 220‬من قانون العقوبات‪« :‬لو سرق سارق‬
‫مثالً ثم عمد إلى الفرار بعد استيالئه على األشياء المسروقة‪ .‬فمقبول أن تدخل‬
‫االحتياطيات التى تتخذ لمنعه من الفرار بما سرق فى عداد األفعال المقصودة من عبارة‬
‫«دفع سرقة»‪ ،‬أما إذا هرب السارق فع ً‬
‫ال فال يكون هناك حق مطلقًا فى استعمال القوة‬
‫السترجاع األشياء المسروقة التى توجد تحت يده‪ ،‬بل يجب أن يقبض عليه ويحاكم»‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪166‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫§ ‪ -2‬الشروط المتطلبة فى فعل الدفاع‬


‫ال يد أر به عن‬ ‫تمهيد‪ :‬يفترض الدفاع الشرعى اتيان المعتدى عليه فع ً‬
‫الحق الخطر الذى يهدده؛ ويتوسع القانون فى تحديد أفعال الدفاع‪ ،‬ولكنه‬
‫اليطلق هذا التوسع‪ ،‬بل يضع له الحدود التى تتمثل فى صورة شروط يتطلبها‬
‫فيه‪ .‬ونبين أوالً مظاهر التوسع ثم نستخلص الشروط المتطلبة‪.‬‬
‫نوع أفعال الدفاع‪ :‬افترض الشارع أن الدفاع يكون عن طريق أفعال القتل‬
‫أو الضرب أو الجرح‪ ،‬فالمادة ‪ 220‬من قانون العقوبات تقرر أنه «ال عقوبة‬
‫مطلقًا على من قتل غيره أو أصابه بجراح أو ضربه أثناء استعماله حق الدفاع‬
‫الشرعى ‪ .»..‬ولكن الشارع ال يعنى بذلك أن الدفاع محظور عن طريق أفعال‬
‫أخرى‪ :‬ذلك أنه قد أشار إلى الوضع الغالب‪ ،‬إذ أن القتل أو الجرح أو الضرب‬
‫هو الصورة المعتادة للدفاع‪ ،‬ومن ثم ال يكون الشارع بالنص السابق مستبعدًا‬
‫ماعدا هذه األفعال‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإنه إذا كان الشارع يسمح بهذه‬
‫األفعال الخطيرة‪ ،‬فإنه من باب أولى يسمح باألفعال األقل خط ًار‪ .‬وعلى هذا‬
‫النحو‪ ،‬فكل فعل يصلح لدرء الخطر يعد فعل دفاع‪ ،‬ويباح ان توافرت له‬
‫الشروط المتطلبة فى القانون‪ :‬فيجوز الدفاع عن طريق قتل الدابة التى يعتليها‬
‫المعتدى (‪ ،)1‬أو تحطيم السالح الذى يستعمله‪ ،‬أو تمزيق مالبسه‪ ،‬أو حبسه‬
‫الوقت الالزم لالستعانة برجال السلطات العامة (‪.)2‬‬
‫الدفاع عن طريق االمتناع‪ :‬األصل فى الدفاع أن يكون فع ً‬
‫ال إيجابيًا‪،‬‬
‫ولكن قد يكون دفاعاً سلبيًا بحتاً‪ ،‬كان يتلقى المعتدى عليه الضربات على درع‬
‫يحتمى به‪ ،‬فيؤدى ذلك إلى تحظيم األداة المستعملة فى الضرب‪ .‬وقد يكون‬
‫هجومًا مضاداً‪ ،‬كأن يضرب المدافع المعتدى حتى يصرفه عن االستمرار فى‬
‫عدوانه‪ .‬واإلباحة فى الحالتين ال تثير شكًا(‪ .)2‬وقد يكون الدفاع عن طريق‬

‫(‪ )1‬نقض أول فبراير سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية حـ‪ 2‬رقم‪ 25‬ص‪.29‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) ( Garçon, art 328 n. 109; Roux, I § 56,. p.194; Merle et‬‬
‫‪Vitu, I, n. 389, p. 439; Decocq, p. 218.‬‬
‫‪)3( Frank, § 53, S. 156; Schِnke-Schrِder, § 53, S. 379.‬‬
‫‪22‬‬

‫االمتناع إذا تعين وسيلة لدرء الخطر‪ ،‬كما إذا اعتدى شخص على آخر فهاجمه‬
‫كلب المعتدى عليه‪ ،‬فتركه هذا األخير حتى أصاب المعتدى بجروح(‪.)1‬‬
‫الدفاع عن طريق الوسائل اآللية‪ :‬قد يلجأ صاحب الحق إلى وسائل‬
‫تعمل تلقائيًا فتصيب باألذى من يحاول االعتداء على حقه‪ ،‬مثال ذلك أن يضع‬
‫فخاً فى حديقته يطبق على من يدخل فيها أو آلة فى خزانته تطلق منها النار‬
‫ال) مدرب على مهاجمة‬
‫على من يفتحها‪ ،‬ويلحق بذلك استعانته بحيوان (كلب مث ً‬
‫من يقتحمون مسكنه‪ ،‬فهل يجوز له االحتجاج بالدفاع الشرعى إذا ما قتل من‬
‫حاول االعتداء على حقه أو أصيب بجراح؟‪.‬‬
‫ال شك فى إباحة الدفاع عن طريق الوسائل اآللية إذا توافرت جميع‬
‫شروط الدفاع الشرعى‪ ،‬ومن أهمها أال تعمل هذه الوسائل إال إذا حل الخطر‬
‫بالحق‪ ،‬وأن يكون األذى الذى تحدثه داخالً فى حدود الدفاع‪ ،‬أى متناسبًا مع‬
‫الخطر(‪ .)2‬فإذا انتفت هذه الشروط‪ ،‬قامت المسئولية الجنائية طبقًا للقواعد‬
‫العامة‪ ،‬كما لو عملت اآللة دون أن يهدد الحق خطر‪ ،‬أو أحدثت أذى ال‬
‫يتناسب مع الخطر‪.‬‬
‫هل يتطلب القانون نية الدفاع؟ هل يشترط إلباحة فعل الدفاع أن يكون‬
‫المدافع مستهدفًا مجرد وقاية حقه الخطر الذى يتهدده؟ أو تطلبنا نية الدفاع‬
‫الستتبع ذلك القول بأنه إذا لم يعلم المدافع بأ‪ ،‬ثمة خط اًر يتهدده فكان مبتغياً‬
‫بفعله االعتداء على حق غيره ثم ثبت أن هذا الفعل قد د أر عنه خط ار فال يكون‬
‫محل لالحتجاج بالدفاع الشرعى‪ ،‬مثال ذلك أن يطلق شخص النار على عدوه‬

‫(‪ )1‬الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬رقم ‪ 191‬ص‪225‬؛ الدكتور أحمد فتحى‬
‫سرور رقم ‪ 122‬ص ‪.209‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) ( Garraud, II, n. 446, 25; Frank, § 53, S. 158.‬‬
‫الدكتور محمود مصطفى القللى‪ ،‬ص ‪229‬؛ الدكتور محمود محمود مصطفى‪،‬‬
‫رقم ‪ 102‬ص‪220‬؛ الدكتورة فوزية عبد الستار‪ ،‬ص‪.252‬‬
‫‪20‬‬

‫فيقتله‪ ،‬ثم يثبت أن هذا العدو كان متربصا للقاتل متأهباً الطالق النار عليه‪،‬‬
‫وأنه إذا لم يقتله لتعرض للقتل (‪.)1‬‬
‫نعتقد أن القانون ال يتطلب نية الدفاع‪ :‬ذلك أن أسباب اإلباحة ذات‬
‫طبيعة موضوعية‪ ،‬فإن توافرت لها شروطها‪ ،‬أنتجت أثرها‪ ،‬دون االعتداء‬
‫بالحالة النفسية لمن يستفيد منها (‪ .)2‬ونرى من باب أولى‪ ،‬أنه ال يحول دون‬
‫االحتجاج بالدفاع الشرعى أن تتوافر لدى المدافع ‪ -‬إلى جانب نية الدفاع ‪ -‬نية‬
‫أخرى‪ ،‬كما لو ابتغى وقاية حقه‪ ،‬وابتغى فى الوقت ذاته التخلص من عدوه‪.‬‬
‫استخالص الشروط المتطلبة فى فعل الدفاع‪ :‬يتطلب القانون توافر‬
‫شرطين فى فعل الدفاع‪ :‬األول‪ ،‬أن يكون الزماً‪ .‬والثانى‪ ،‬أن يكون متناسباً مع‬
‫جسامة الخطر‪.‬‬
‫‪ -1‬لزوم الدفاع‬
‫تمهيد‪ :‬من الواضح أنه إذا كان المدافع يستطيع التخلص من الخطر‬
‫الذى يهدد حقه عن طريق فعل ال يعد جريمة‪ ،‬فإنه ال يباح له اإلقدام على‬
‫الفعل الذى تقوم به الجريمة؛ ذلك أن اتيان هذا الفعل ليس الزمًا لدرء الخطر‪،‬‬
‫إذ كان ممكناً حماية الحق دون مساس بحق سواه (‪ .)2‬واشتراط لزوم الدفاع‬
‫ينطوى فى الواقع على شرطين‪ :‬األول‪ ،‬ثبوت أن المدافع لم يكن يستطيع‬

‫‪)1( Frank, § 53, S. 156.‬‬


‫(‪ )2‬الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬رقم ‪ 192‬ص‪225‬؛ الدكتورة فوزية عبد‬
‫الستار‪ ،‬رقم ‪ 152‬ص‪ .222‬وإذا كانت محكمة النقض قد قررت أن نية االعتداء‬
‫واالنتقام تنفى الدفاع الشرعى (نقض ‪ 12‬مارس سنة ‪ 1602‬مجموعة أحكام‬
‫محكمة النقض س‪ 9‬رقم ‪ 22‬ص‪202‬؛ ‪ 12‬أكتوبر سنة ‪ 1609‬س‪ 6‬رقم ‪162‬‬
‫ص‪262‬؛ أول ديسمبر سنة ‪ 1609‬س‪ 6‬رقم ‪ 222‬ص ‪ ،)1551‬فإن ذلك ال‬
‫يعنى أنها تتطلب نية الدفاع‪ ،‬وتستخلص من توافر نية االعتداء انتفاء نية الدفاع‪،‬‬
‫وإنما كان ما تقرره أن الدفاع الشرعى ال محل له إذا لم يكن ثمة اعتداء هدد‬
‫المتهم فحاول رده‪ ،‬ولكنه بدأ االعتداء‪ ،‬مريدًا االنتقام واإليذاء‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪) ( Garçon, art 328 n. 25; Roux, I § 56,. p.192; Vidal et‬‬
‫‪Magnol, I, n. 203, p. 362.‬‬
‫‪29‬‬

‫التخلص من الخطر بغير الفعل الذى ارتكبه؛ والثانى‪ ،‬ثبوت اتجاه فعل الدفاع‬
‫إلى مصدر الخطر‪.‬‬
‫كون المدافع ال يستطيع التخلص من الخطر بغير الفعل الذى ارتكبه‪:‬‬
‫بديهى أن يكون من شروط الدفاع الشرعى كون الفعل الذى ارتكبه المدافع هو‬
‫الوسيلة المتعينة لدرء الخطر‪ .‬ويثير البحث فى هذا الشرط مشكلتين‪ :‬األولى‪،‬‬
‫هل استطاعة الركون إلى االحتماء بالسلطات العامة تحول دون االحتجاج‬
‫بالدفاع الشرعى؟ والثانية‪ ،‬هل استطاعة الهرب من المعتدى تحول دون إباحة‬
‫فعل الدفاع؟‬
‫كون المدافع ال يستطيع التخلص من الخطر بغير الفعل الذى ارتكبه‪:‬‬
‫تنص المادة ‪ 222‬من قانون العقوبات على أنه «ليس لهذا الحق وجود متى‬
‫كان من الممكن الركون فى الوقت المناسب إلى االحتماء برجال السلطة‬
‫العمومية»‪ .‬ويعنى ذلك ان استطاعة االستعانة بالسلطات العامة لوقاية الحق‬
‫المهدد تحول دون إباحة فعل الدفاع‪ .‬ويتضح بذلك أن للدفاع الشرعى صفة‬
‫احتياطية‪ ،‬باعتباره ال محل له إال عند عجز السلطات العامة عن حماية‬
‫الحق(‪.)1‬‬
‫ال دون‬
‫ولكن استطاعة الركون إلى االحتماء بالسلطات العامة ليست حائ ً‬
‫االحتجاج بالدفاع الشرعى إال إذا كان ذلك الركون ممكناً فى الوقت المناسب‪،‬‬
‫أى كان «هناك من ظروف الزمن وغيره ما يسمح بالرجوع إلى هذه السلطات‬
‫قبل وقوع االعتداء بالفعل»‪ ،‬أى قبل بدء االعتداء‪ .‬أما إذا كان الركون إلى هذه‬
‫السلطات غير متاح قبل وقوع االعتداء‪ ،‬فإن الحق فى الدفاع الشرعى يظل‬
‫قائمًا فى كل نطاقه (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬الدكتور محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪252‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 2‬فبراير سنة ‪ 1621‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 0‬رقم ‪ 252‬ص‪.262‬‬
‫‪22‬‬

‫استطاعة الهرب‪ :‬إذا كان فى وسع المهدد بالخطر أن ينجو بحقه عن‬
‫طريق الهرب‪ ،‬ولكنه فضل الصمود ومواجهة الخطر بأفعال الدفاع المالئمة‪،‬‬
‫فهل يكون له االحتجاج بالدفاع الشرعى؟ القاعدة أن له ذلك‪ :‬فالدفاع حق‪،‬‬
‫والهرب مشين ألنه يدل على الجبن‪ ،‬وال يجبر صاحب حق على النزول عنه‬
‫واالتجاء إلى مسلك يشينه‪.‬‬
‫ولكن الهرب قد يكون فى بعض الظروف غير مشين‪ ،‬ومحل ذلك أن‬
‫تبرره اعتبارات تنفى عنه داللته على الجبن‪ .‬وفى هذه الحالة يتعين على المهدد‬
‫بالخطر أن يلجأ إليه ويحظر عليه استعمال العنف ضد المعتدى وايذاؤه فى‬
‫حقوقه‪ ،‬إذ لم يعد الدفاع الزماً ولم تعد الوسيلة التى تصون الحق بد ً‬
‫ال عنه‬
‫مشينة؛ مثال ذلك أن يتعرض شخص العتداء صادر عن مجنون أو من طفل‬
‫أو صادر عن أب أو أم‪ ،‬إذ ال يكون فى الهرب ما يصم بالجبن (‪.)1‬‬
‫اتجاه فعل الدفاع إلى مصدر الخطر‪ :‬ال محل إلباحة فعل الدفاع إال إذا‬
‫وجه إلى مصدر الخطر كى يكفل التخلص منه؛ أما إذا ترك المعتدى عليه‬
‫مصدر الخطر يهدده ووجه فعله إلى شخص أو شئ ال يصدر الخطر عنه‪ ،‬فال‬
‫محل الحتجاجه بالدفاع الشرعى‪ ،‬ألن الفعل غير ذى جدوى فى التخلص من‬
‫الخطر‪ ،‬فهو غير الزم لذلك‪ :‬فمن يهاجمه شخص ال يجوز له أن يوجه فعل‬
‫دفاعه إلى غيره(‪)2‬؛ ومن يهاجمه كلب ال يجوز أن يترك الكلب ويطلق النار‬

‫;‪)1( Garçon, art 328 n. 26; Garraud, II, n. 446, p. 28‬‬
‫‪Decocq, p. 320; contra Roux, I § 56,. p.192; note 23.‬‬
‫الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪252‬؛ الدكتور محمد مصطفى القللى‪،‬‬
‫ص‪222‬؛ الدكتور أحد فتحى سرور‪ ،‬رقم ‪ 212‬ص‪292‬؛ الدكتور مأمون محمد‬
‫سالمة‪ ،‬ص‪169‬؛ نقض ‪ 9‬أكتوبر ‪ 1602‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪2‬‬
‫رقم ‪ 1‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 19‬مايو سنة ‪ 1629‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 256‬ص ‪096‬؛‬
‫‪ 19‬ديسمبر سنة ‪ 1609‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 6‬رقم ‪290‬‬
‫ص‪.1560‬‬
‫‪29‬‬

‫على مالكه‪ ،‬ومن تدخل فى أرضه مواشى الغير ودوابه ال يجوز له أن يتركها‬
‫ويوجه فعله إلى حائزها (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬تناسب الدفاع مع جسامة الخطر‬
‫تمهيد‪ :‬إذا أباح القانون فعل الدفاع فهو يبيحه فى القدر الضرورى لدرء‬
‫الخطر‪ ،‬وما زاد على ذلك فال ضرورة له وال مبرر إلباحته‪ .‬ويعنى ذلك أنه إذا‬
‫كان فى وسع المعتدى عليه أن يد أر الخطر بفعل معين‪ ،‬فال يباح له أن يدرأه‬
‫بفعل أشد جسامة (‪ .)2‬والصعوبة التى تثيرها دراسة تناسب الدفاع مع جسامة‬
‫الخطر تتعلق بتحديد معيار التناسب‪ ،‬إذ أن تحديده ال يخلو من الدقة بالنظر‬
‫إلى تنوع االعتبارات التى تتعين مراعاتها للقول بالتناسب أو عدمه‪ .‬وعلى سبيل‬
‫المثال نشير إلى أن المعتدى عليه قد ال تكون تحت تصرفه أداة تماثل ما‬
‫يستعمله المعتدى‪ ،‬كما أنهما قد يتفاوتان فى القوة البدنية تفاوتًا كبي اًر‪ ،‬ثم أن‬
‫المعتدى عليه قد يفزعه االعتداء فال يحسن التصرف وال يصيب فى تقديره‬
‫جسامة الخطر أو جسامة الفعل الذى يدفعه به‪ .‬وقبل أن نضع معيا اًر نشير إلى‬
‫االعتبارات التى تعين على تحديده‪.‬‬
‫االعتبارات التى تعين على تحديد معيار التناسب‪ :‬ال يشترط أن يستعمل‬
‫المعتدى عليه أداة مماثلة لما يستعمله المعتدى‪ ،‬فقد ال تكون مثل هذه األداة فى‬
‫متناول يده؛ ثم أن التفاوت بينهما فى القوة البدنية قد يجعل المعتدى عليه فى‬
‫حاجة إلى أداة أكثر خطورة إن كان أضعف منه بدنًا‪ ،‬وقد يجعل الكفاية فى أداة‬
‫أقل خطورة إن كان أقوى منه بدنًا‪ « :‬فللمدافع أن يدافع عن نفسه بالوسيلة التى‬
‫يراها الزمة لرد االعتداء والتى تختلف تبعاً الختالف الظروف» (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬نقض ‪ 22‬ديسمبر سنة ‪ 1629‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 1‬رقم ‪ ،29‬ص‪.62‬‬
‫‪)2( Garçon, art 328 n. 17; Garraud, II, n. 446, 27; Vidal et‬‬
‫‪Magnol, I, n. 203, p. 362; Donnedieu de Vabres, n. 403.‬‬
‫‪p.233; Bouzat et Pinatel, I, n. 290, p. 273.‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 9‬مارس سنة ‪ 1609‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 2‬رقم ‪222‬‬
‫ص‪.222‬‬
‫‪26‬‬

‫وال يجوز أن يحدد معيار مجرد للتناسب‪ ،‬بل من المتعين مراعاة الظروف‬
‫التى أحاطت بالمدافع وقت تعرضه للخطر وسيطرت على تفكيره ووجهت‬
‫تصرفه‪ ،‬ومن ثم لم يكن سائغًا محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المطمئن‬
‫الذى ال يقوى عليه والخطر يهدده ويجعل تفكيره وتصرفه مضطرين(‪.)1‬‬
‫ويكتفى بعض الفقهاء بالقول بأنه يشترط أال يكون بين االعتداء والدفاع‬
‫«عدم تناسب ظاهر»‪ .‬وهذا القول صحيح دون شك‪ ،‬إذ ال يمكن أن تتطلب‬
‫المساواة الكاملة بين الفعلين‪ ،‬فثمة إختالف يتسامح فيه‪ ،‬إذ تفرضه الظروف‪ ،‬وال‬
‫يقوى شخص معتاد على تجنبه (‪.)2‬‬
‫معيار التناسب‪ :‬يعد فعل الدفاع متناسبًا مع جسامة الخطر إذا انطوى‬
‫عل ى استخدام قدر من العنف ال يجاوز القدر الذى كان يستخدمه شخص معتاد‬
‫أحاطت به ذات الظروف التى أحاطت بالمدافع‪ .‬فالمعيار فى أصله موضوعى‬
‫قوامه الشخص المعتاد‪ ،‬أى الشخص الذى يقدر األمور ويتصرف فى مواجهتها‬
‫على النحو المألوف المتفق مع الخبرة اإلنسانية العامة‪ ،‬وللقاضى أن يعتبر نفسه‬
‫هذا الشخص‪ ،‬فيضع نفسه موضع المدافع ويتساءل عما إذا كان يرد الخطر‬
‫بالفعل الذى التجأ إليه‪ ،‬أم أنه كان يلجأ إلى أفعال أقل جسامة‪ .‬ولكن هذا‬
‫المعيار ليس موضوعيًا خالصًا‪ ،‬إذ ال يجوز إغفال الظروف التى أحاطت‬
‫بالمدافع وجعلته يتصرف على النحو الذى تصرف به‪ ،‬بل يتعين افتراض‬
‫الشخص المعتاد محاطًا بذات الظروف التى أحاطت بالمدافع؛ وهذه الظروف ال‬
‫تقبل الحصر‪ :‬فتتعلق على سبيل المثال بقوة المدافع البدنية ودرجة هدوء‬

‫(‪ )1‬نقض ‪ 9‬يناير سنة ‪ 1621‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 0‬رقم ‪ 191‬ص ‪.222‬‬
‫‪)2( Garçon, art. 328 n. 18.‬‬
‫الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪225‬؛ الدكتور محمد مصطفى القللى‪،‬‬
‫ص‪229‬؛ الدكتور على راشد‪ ،‬ص‪ .025‬وترى محكمة النقض أن معيار التناسب‬
‫يقوم على الموازنة بين االعتداء الواقع على المدافع والذى خول له حق الدفاع‬
‫وبين ما أتاه فى سبيل هذا الدفاع‪ :‬نقض ‪ 22‬ديسمبر سنة ‪ 1691‬مجموعة‬
‫أحكام محكمة النقض س‪ 12‬رقم ‪ 256‬ص‪.669‬‬
‫‪25‬‬

‫أعصابه وسنه وجنسه والمكان والزمان اللذين تعرض فيهما لالعتداء(‪.) 1‬‬
‫وتصف محكمة النقض معيار التناسب بناء على ذلك بأنه معيار اعتبارى (‪.)2‬‬
‫وتطبيقاً لذلك‪ ،‬فإنه كان المعتدى عليه أضعف من المعتدى بدنًا فله أن يستعمل‬
‫قد ًار من العنف يزيد عما يباح له لو كان يعادله قوة أو يفوقه؛ وإذا كان االعتداء‬
‫قد ارتكب فى مكان مقفر أو فى الليل فإنه للمعتدى عليه قدر من العنف يزيد‬
‫عما لو ارتكب فى مكان مأهول أو فى النهار؛ وإذا كان االعتداء قد أفقد‬
‫المعتدى عليه اتزانه أبيح له قدر من العنف يزيد عما لو ظل محتفظاً بهدوئه‬
‫(‪.)2‬‬
‫ويخلص من ذلك أنه إذا كان المدافع يقدر حقيقة جسامة الخطر وكانت‬
‫الوسيلة المالئمة لدرئه تحت تصرفه‪ ،‬ولكنه التجأ إلى فعل أشد خط ًار فإن‬
‫التناسب يعد منتفياً‪ .‬مثال ذلك أن يتعرض شخص العتداء بالضرب‪ ،‬ويكون فى‬
‫استطاعته ضرب المعتدى أو تحطيم األداة التى يستعملها ويثبت أنه كان من‬
‫شأن أحد هذين الفعلين درء الخطر‪ ،‬ولكنه يقتله(‪.)2‬‬

‫الدكتور محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪252‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬
‫وقد قالت محكمة النقض فى ذلك «يكفى فى الدفاع الشرعى أن يكون تقدير المتهم‬ ‫(‪)2‬‬
‫لفعل االعتداء الذى استوجب عنده الدفاع مبنياً على أسباب جائزة ومقبولة من شأنها أن‬
‫تبرر ما وقع منه من األفعال التى رأى هو ‪ -‬وقت العدوان الذى قدره ‪ -‬بإنها هى‬
‫الالزمة لرده‪ .‬فإذا جاء تقدير المحكمة مخالفًا لتقديره هو فإن ذلك ال يسوغ العقاب‪ .‬إذ‬
‫التقدير هنا ال يتصور أبدًا إال أن يكون اعتباريًا بالنسبة للشخص الذى فوجئ بفعل‬
‫االعتداء فى ظروفه الحرجة ومالبساته الدقيقة التى كان هو وحده دون غيره المحوط‬
‫بها والمطلوب منه تقديرها والتفكير على الفور فى كيفية الخروج من مأزقها‪ ،‬مما ال‬
‫يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المطمئن الذى كان يستحيل عليه‬
‫وقتئذ وهو فى حالته التى كان فيها» نقض ‪ 9‬يناير سنة ‪ 1621‬مجموعة أحكام محكمة‬
‫النقض جـ‪ 0‬رقم ‪ 191‬ص‪.222‬‬
‫الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬رقم ‪ 190‬س‪220‬؛ الدكتور أحمد فتحى سرور‪ ،‬رقم‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ 129‬ص‪.292‬‬
‫نقض ‪ 25‬ديسمبر سنة ‪ 1629‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 1‬رقم ‪ 25‬ص‪ ،96‬وقد‬ ‫(‪)2‬‬
‫قررت المحكمة أنه «ال يمكن اعتبار شخص يحمل بندقية معدة إلطالق النار أنه فى‬
‫‪21‬‬

‫المبحث الثانى‬
‫قيود الدفاع الشرعى‬
‫تقسيم‪ :‬األصل أنه إذا توافرت شروط الدفاع الشرعى ترتب عليه حكمه‪،‬‬
‫وهو إباحة فعل الدفاع‪ .‬ولكن الشارع قد عطل هذا الحكم فى حالتين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫حظر مقاومة مأمورى الضبط؛ وحظر االلتجاء إلى القتل العمد فى غير حاالت‬
‫محددة على سبيل الحصر‪ .‬ومؤدى هذا التعطيل اعتبار فعل الدفاع غير مشروع‬
‫على الرغم من توافر كل شروط الدفاع الشرعى‪.‬‬
‫§ ‪ -1‬حظر مقاومة مأمورى الضبط‬
‫تقسيم‪ :‬تنص المادة ‪ 229‬من قانون العقوبات على أنه «ال يبيح حق‬
‫الدفاع الشرعى مقاومة أحد مأمورى الضبط أثناء قيامه بأمر بناء على واجبات‬
‫وظيفته مع حسن النية ولو تخطى المأمور حدود وظيفته إال إذا خيف أن ينشأ‬
‫عن أفعاله موت أو جروح بالغة وكان لهذا الخوف سبب معقول»‪ .‬يفترض هذا‬
‫النص صدور االعتداء عن أحد مأمورى الضبط‪ ،‬ويقرر أنه إذا توافرت شروط‬
‫معينة فال يجوز الدفاع ضد هذا االعتداء‪ .‬وتوضيح الحكم الذى يقرره هذا‬
‫النص يقتضى تحديد المراد بمأمورى الضبط‪ ،‬وبيان شروط حظر الدفاع مقاومة‬
‫لالعتداء الصادر عن أحدهم‪.‬‬
‫المراد بمأمورى الضبط‪ :‬يراد بمأمورى الضبط رجال الضبطية اإلدارية‬
‫والقضائية‪ ،‬وهم فريق من الموظفين العامين يدخل فى اختصاصهم اتخاذ‬
‫إجراءات القهر واإلجبار تنفيذًا لحكم القانون أو أوامر الرؤساء‪ ،‬فيدخل فى‬

‫خطر داهم إذا ما أبدى آخر يحمل عصا الرغبة فى تعقبه‪ .‬كما ال يمكن اعتبار أن هذا‬
‫الخطر ليس فى االستطاعة أن يدفع بشئ سوى القتل بالنار السيما إذا كان حامل‬
‫البندقية بين قومه وذويه»‪ .‬وإذا نفى الحكم التناسب واعتبر المتهم متجاو ًاز حدود حقه‬
‫فى الدفاع الشرعى‪ ،‬فإن عليه أن يسبب ذلك وإال كان قاصر التسبيب‪ :‬نقض ‪12‬‬
‫ديسمبر سنة ‪ 1626‬مجموعة أحكام النقض س‪ 25‬رقم ‪ 166‬ص‪626‬؛‬
‫الدكتور‪/‬محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.215‬‬
‫‪22‬‬

‫عدادهم أعضاء النيابة العامة ورجال الشرطة والقوات المسلحة (‪ .)1‬فليس كل‬
‫موظف عام من مأمورى الضبط‪ .‬وتحديد ما إذا كان الموظف من مأمورى‬
‫الضبط يقتضى البحث فى االختصاص المخول له‪ ،‬والتحقق مما إذا كان‬
‫يتضمن االستعانة بالقوة الجبرية أم ال يتضمن ذلك‪.‬‬
‫علة القيد‪ :‬قدر الشارع أن اختصاص مأمورى الضبط يفرض عليهم أو‬
‫يخول لهم القيام بأعمال تتسم بالسرعة والحزم‪ ،‬وهى فى الغالب ال تحقق‬
‫المرض المقصود منها إال إذا نفذت فى وقت معين أو على نحو معين‪ ،‬ومن ثم‬
‫تكون مقاومة األفراد لها حائلة بينها وبين أن تصيب غرضها الذى يحدده‬
‫القانون‪ ،‬وفى ذلك اضرار بالمصلحة العامة ومساس بهيبة الدولة‪ .‬وقد حظر‬
‫الشارع الدفاع ولو كان العمل غير مشروع تحقيقًا لالعتبارات السابقة‪ ،‬ولكنه‬
‫وضع للحظر شروطاً مبتغياً بها أن يكون فى نطاق معقول‪ ،‬كى ال يكون من‬
‫شأنه اإلهدار الكامل لحقوق األفراد‪.‬‬
‫نطاق القيد‪ :‬غنى عن البيان أنه إذا كان عمل مأمور الضبط فى حدود‬
‫القانون فإن ما يأتيه يكون مشروعًا‪ ،‬وعندئذ ال يكون محل للدفاع الشرعى تطبيقًا‬
‫للقاعدة العامة التى تتطلب كون الخطر الذى يهدد المدافع خط اًر غير مشروع‪:‬‬
‫فإذا قبض مأمور الضبط على المتهم أو فتش مسكنه تطبيقًا للقانون فليس‬
‫للدفاع الشرعى محل‪ ،‬وكل عنف يستهدفه مقاومة عمل المأمور هو عنف غير‬
‫مشروع‪ .‬ويعنى ذلك أن نطاق القيد منحصر فى حاالت ما إذا كان المأمور قد‬
‫جاوز حدود القانون فصار عمله غير مشروع‪ ،‬إذ كانت القواعد العامة تقتضى‬
‫إباحة الدفاع الشرعى ضده‪ ،‬ولكن الشارع ‪ -‬أخذ باالعتبارات التى سبقت االشارة‬
‫إليها ‪ -‬يحظره استثناء؛ مثال ذلك أن يقبض مأمور الضبط القضائى على متهم‬
‫بمقتضى أمر بالقبض باطل من حيث الشكل‪ ،‬أو أن يقبض على شخص غير‬

‫(‪ )1‬الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪222‬؛ الدكتور محمود محمود مصطفى‪ .‬رقم‬
‫‪ ،102‬ص ‪ ،229‬وانظر فى الموضوع تفصيالً‪ :‬مؤلفنا فى شرح قانون اإلجراءات‬
‫الجنائية (‪ )1699‬رقم ‪ 020‬ص‪.052‬‬
‫‪22‬‬

‫الذى عين فى أمر القبض‪ ،‬أو أن يشاهد وقوع فعل يظنه جريمة تبيح القبض‬
‫فيقبض على مرتكبه‪.‬‬
‫شروط القيد‪ :‬إذا ثبت أن مرتكب الفعل مأمور ضبط وأنه قد جاوز به‬
‫حدود القانون‪ ،‬فإن الشارع يتطلب توافر شروط ثالثة لحظر الدفاع فى مواجهته‪:‬‬
‫حسن نيته؛ ودخول العمل فى اختصاصه؛ وأال يكون ثمة خوف من أن ينشأ‬
‫عن الفعل موت أو جراح بالغة إذا كان لهذا الخوف سبب معقول (‪.)1‬‬
‫حسن النية‪ :‬يراد بحسن النية اعتقاد مأمور الضبط أن عمله فى حدود‬
‫القانون‪ ،‬أى جهله السبب الذى يعيب عمله ويخلع عنه الصفة المشروعة‪ .‬فإذا‬
‫قبض على متهم بمقتضى أمر بالقبض باطل من حيث الشكل‪ ،‬فالفرض أنه‬
‫يجهل العيب الشكلى ويعتقد أن األمر صحيح؛ وإذا قبض على شخص غير‬
‫الذى عين فى أمر القبض‪ ،‬فحسن نيته يعنى اعتقاده أن من يقبض عليه هو‬
‫الشخص المعين فى أمر القبض(‪.)2‬‬
‫ولحسن النية فى هذا الموضع ذات مدلوله فى المادة ‪ 92‬من قانون‬
‫العقوبات التى تنص على اإلباحة المستندة إلى استعمال السلطة‪ .‬ومن أمثلة‬
‫الحاالت التى تسوء فيها نية المأمور أنه يحاول تنفيذ أمر القبض ضد شخص‬
‫ال ظاهر‬ ‫غير المعين فى أمر القبض ألنه يحمل عداء له‪ ،‬أو أن يرتكب فع ً‬
‫المخالفة للقانون بحيث ال يتصور أن تكون نيته حسنة‪ ،‬كما لو عذب متهماً أو‬
‫هتك عرضًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدكتور‪/‬محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪211‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدكتورة فوزية عبد الستار‪ ،‬ص‪.162‬‬
‫وحسن النية من المسائل التى لمحكمة الموضوع حق الفصل فيها بدون رقابة عليها‬
‫ص‪.269‬‬
‫من محكمة النقض (نقض ‪ 16‬ابريل سنة ‪ 1621‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم‬
‫‪.220‬‬
‫‪22‬‬

‫دخول العمل فى اختصاص مأمور الضبط‪ :‬هذا الشرط لم يصرح به‬


‫الشارع‪ ،‬ولكنه متسفاد من علة القيد‪ ،‬إذ أن الشارع يريد مباشرة مأمور الضبط‬
‫اختصاصه على النحو الذى يحدده القانون دون أن تعوقه عن ذلك مقاومة‬
‫ال فى اختصاص مأمور الضبط‪ ،‬فال‬
‫األفراد‪ .‬أما إذا كان العمل ال يدخل أص ً‬
‫تقوم الحاجة إلى حظر الدفاع الشرعى فى مواجهته‪ ،‬إذ ال تقضتى مصلحة‬
‫المجتمع تنفيذ هذا العمل (‪ .)1‬وهذا الشرط يستخلص كذلك من المادة ‪ 66‬من‬
‫قانون العقوبات الهندى التى استمد النص المصرى منها‪ ،‬إذ تتطلب أن يباشر‬
‫المأمور عمله «تحت لواء وظيفته (‪Under the colour or his office )2‬‬
‫»‪ .‬وقد سلم القضاء بوجوب توافر هذا الشرط؛ فإذا قبض مأمور الضبط‬
‫القضائى على شاهد الرغامه على الحضور لإلدالء بمعلوماته أمامه فالدفاع‬
‫ال فى اختصاصه أصالً‪ .‬وإذا حاول‬ ‫جائز‪ ،‬ألن القبض على الشاهد ليس داخ ً‬
‫رجال الشرطة هدم جدار أقامه شخص فى أرض متنازع عليها بينه وبين و ازرة‬
‫األوقاف فالدفاع جائز‪ ،‬ألن الهدم ال يدخل فى اختصاص رجال الشرطة‪ ،‬وال‬
‫يغير من الوضع صدور أمر من النيابة العامة بالهدم‪ ،‬إذ ال تملك وفقًا‬
‫الختصاصها إصدار هذا األمر ألن الهدم ال يكون إال بحكم قضائى (‪.)2‬‬
‫والتحقق من توافر هذا الشرط يقتضى البحث فى اختصاص المأمور والتأكد من‬
‫دخول العمل فيه‪.‬‬
‫أال يكون ثمة خوف من أن يترتب على الفعل موت أو جراح بالغة‪ :‬لم‬
‫يذهب الشارع إلى حد حظر الدفاع الشرعى ضد مأمور الضبط إذا كان الخطر‬
‫الناشئ عن فعله خط اًر جسيماً يهدد النفس‪ ،‬فاألذى الذى يهدد به هذا الخطر‬

‫‪)1( R. Ranchhoddas and D. K. Thakore: The Indian Penal.‬‬


‫(‪ )2‬الدكتورة فوزية عبد الستار ‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫‪Code (1954), Sec. 99, p. 69.‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 22‬أكتوبر سنة ‪ 1620‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 9‬رقم ‪ 116‬ص‪.299‬‬
‫‪20‬‬

‫غير قابل لإلصالح‪ ،‬وليس من المصلحة إهدار أهم حقوق األفراد لمجرد ضمان‬
‫مباشرة مأمور الضبط اختصاصه‪.‬‬
‫وقد حدد الشارع الخطر الجسيم ضد النفس بأنه ما هدد بالموت أو‬
‫بالجراح البالغة‪ ،‬واشترط أن يكون لخوف المهدد بهذا الخطر سبب معقول‪.‬‬
‫وتقدير جسامة الجراح متروك للسلطة التقديرية للقاضى‪ .‬والتحقق من قيام‬
‫الخوف لدى المهدد بالخطر يقتضى البحث فى حالته النفسية لتقدير ما دار فى‬
‫ذهنه عن الخطر الذى هدده‪ .‬واشتراط وجود سبب معقول لهذا الخوف يعنى‬
‫تخويل القاضى سلطة رقابة تقدير المدافع وتفكيره‪ ،‬ولكن تتعين مراعاة الظروف‬
‫التى أحاطت بالمدافع وقت تعرضه للخطر‪ :‬فإذا بالغ فى خوفه فقدر الخطر‬
‫بأكثر من حقيقته‪ ،‬ولكن كان فى ظروفه ما يبرر ذلك‪ ،‬فإن الخوف يعد قائمًا‬
‫على سبب معقول‪ .‬ومثال الحاالت التى يجوز فيها الدفاع النتفاء هذا الشرط‪،‬‬
‫أن ينفذ مأمور الضبط أم ًار بالقبض ضد شخص أجريت له عملية جراحية منذ‬
‫قليل بحيث يرجح أن يترتب على نقله إلى محل الشرطة وفاته أو إصابته بضرر‬
‫صحى جسيم‪.‬‬
‫الحاالت التى يجوز فيها الدفاع الشرعى ضد مأمورى الضبط‪ :‬إذا انتفى‬
‫شرط من الشروط السابقة فالدفاع جائز ضد مأمور الضبط‪ ،‬ولكن يشترط لذلك‬
‫توافر كل شروط الدفاع الشرعى‪ ،‬ومن أهمها حلول الخطر ولزوم فعل الدفاع‬
‫وتناسبه مع جسامة الخطر‪ .‬فالدفاع جائز ضد مأمور الضبط إذا ساءت‬
‫ال فى اختصاصه‪ ،‬أو كان يخشى أن يترتب‬
‫نيته(‪ ،)1‬أو لم يكن الفعل داخالً أص ً‬
‫عليه موت أو جراح بالغة وكان لهذا الخوف سبب معقول‪.‬‬
‫ويحمل المدافع عبء إثبات انتفاء الشروط التى يعلق عليها القانون حظر‬
‫الدفاع‪ :‬فاألصل فى المأمور أنه حسن النية‪ ،‬وأنه يلزم حدود اختصاصه‪ ،‬وأنه‬
‫يتفادى إحداث أذى جسيم يهدد النفس‪.‬‬

‫(‪ )1‬نقض ‪ 22‬أكتوبر سنة ‪ 1620‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 9‬رقم‪ 029‬ص‪.211‬‬
‫‪29‬‬

‫الدفاع الشرعى ضد الموظفين العامين‪ :‬القيد الذى تنص عليه المادة‬


‫‪ 229‬من قانون العقوبات مقتصر على مأمور الضبط‪ ،‬وهم كما قدمنا فريق من‬
‫الموظفين العامين؛ أما من عداهم فال قيد يرد على حق األفراد فى مقاومة ما‬
‫يصدر عنهم من أخطار غير مشروعة طالما توافرت شروط الدفاع الشرعى‪.‬‬
‫ويعنى ذلك أن كون الموظف حسن النية يباشر عمالً مختصًا به وال يخشى أن‬
‫يترتب عليه موت أو جراح بالغة ال يحول دون الدفاع الشرعى فى مواجهته‪،‬‬
‫طالما قد توافرت شروطه ( )‪ :‬فطبيب المستشفى الذى يعتقد أن ماال معيناً‬
‫‪1‬‬

‫مملوك للمستشفى فيحاول االستيالء عليه‪ ،‬تجوز دون شك مقاومته (‪.)2‬‬


‫§ ‪ -2‬حظر القتل العمد فى حاالت محدود‬
‫على سبيل الحصر‬
‫تمهيد‪ :‬يتعلق هذا القيد بالتناسب بين فعل الدفاع وجسامة الخطر‪،‬‬
‫فالشارع يحدد على سبيل الحصر حاالت معينة يجيز فيها الدفاع عن طريق‬
‫القتل العمد‪ ،‬وفيما عدا هذه الحاالت يحظره القانون‪ ،‬ولو كان الزمًا لرد الخطر‬
‫ومتناسبًا معه وفقًا للضابط الذى حددناه‪ .‬ويعنى ذلك أن الشارع ال يسمح بالقتل‬
‫العمد لمجرد أنه متناسب مع جسامة الخطر‪ ،‬وهو ال يسمح به كذلك إال إذا‬
‫توافرت كل شروط الدفاع الشرعى‪ ،‬ومن بينها تناسب الفعل مع جسامة الخطر‪.‬‬
‫وتوضيح ذلك أن إباحة القتل العمد منوطة بتوافر إحدى الحاالت التى ينص‬
‫عليها القانون؛ ومنوطة كذلك بكون القتل متناسبًا مع جسامة الخطر‪ ،‬فالمعيار‬
‫العام للتناسب ال يطبق إلباحة القتل فى غير هذه الحاالت‪ ،‬ولكنه يطبق‬
‫الستبعاد اإلباحة على الرغم من توافر إحدى هذه الحاالت إذا كان درء الخطر‬
‫ممكنًا عن طريق فعل أقل من القتل جسامة‪ :‬فمن يهدد بسرقة تعد من الجنايات‬

‫(‪ )1‬الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪222‬؛ الدكتور محمد مصطفى القللى‪ ،‬ص‪،225‬‬
‫الدكتورة فوزية عبد الستار‪ ،‬القسم العام‪ ،‬رقم ‪ 190‬ص‪.252‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور‪/‬محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪212‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫‪ -‬وهى حالة ينص عليها القانون ‪ -‬ال يباح له القتل إذا كان فى وسعه درء‬
‫خطرها عن طريق الضرب أو الجرح (‪.)1‬‬
‫وعلة هذا القيد هى خطورة القتل العمد‪ ،‬ورغبة الشارع فى الحد من‬
‫الحاالت التى يجوز فيها االلتجاء إليه دفاعًا عن النفس أو المال‪.‬‬
‫والحاالت التى ينص عليها القانون نوعان‪ :‬حاالت يهدد فيها الخطر‬
‫النفس وحاالت يهدد فيها المال‪.‬‬
‫القتل العمد دفاع ًا عن النفس‪ :‬نصت على هذه الحاالت المادة ‪ 226‬من‬
‫قانون العقوبات وردتها إلى ثالث‪:‬‬
‫أوالً‪ « :‬فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا‬
‫التخوف أسباب معقولة»‪ .‬يفترض الشارع فى هذا النص أن الفعل يهدد بأحد‬
‫خطرين‪ :‬الموت أو الجراح البالغة‪ ،‬ويشترط أن يكون لالعتقاد بقيام هذا الخطر‬
‫سبب معقول‪ .‬ويراد بالجراح البالغة ما يكون من شأنه إحداث عاهة أو مرض أو‬
‫عجز خطيرين‪ .‬وللقاضى أن يراقب تقدير المعتدى عليه ليتحقق من قيامه على‬
‫أسباب معقولة‪ .‬ولكن عليه أن يراعى الظروف التى أحاطت به فجعلته يبالغ فى‬
‫الخوف‪ ،‬فيقدر الخطر بأكثر من حقيقته‪.‬‬
‫ثاني ًا‪« :‬إتيان امرأة كرهًا أو هتك عرض إنسان بالقوة»‪ .‬ويعنى الشارع‬
‫بذلك تهديد الخطر بارتكاب المعتدى جريمة وقاع أنثى بغير رضاها (المادة‬
‫‪ 292‬من قانون العقوبات) أو جريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد (المادة‬
‫‪ 299‬من قانون العقوبات)‪.‬‬
‫ثالث ًا‪« :‬اختطاف إنسان»‪ .‬ويعنى الشارع بذلك الجرائم التى تنص عليها‬
‫المواد ‪ 296 ،299 ،292‬من قانون العقوبات‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدكتور محمد نعيم فرحات‪ ،‬النظرية العامة لعذر تجاوز حدود حق الدفاع الشرعى‬
‫(‪ )1691‬رقم ‪ 221‬ص‪ 025‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫القتل العمد دفاع ًا عن المال‪ :‬نصت على هذه الحاالت المادة ‪ 205‬من‬
‫قانون العقوبات وردتها إلى أربع ‪:‬‬
‫أو ًال ‪ :‬فعل من األفعال المبينة فى الباب الثانى من الكتاب الثالث من‬
‫قانون العقوبات؛ ويعنى الشارع بذلك جرائم الحريق العمد التى تنص عليها المواد‬
‫‪ 206 ،202-202‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫ثانياً‪« :‬سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات»‪ ،‬ويعنى الشارع بذلك‬
‫الجرائم المنصوص عليها فى المواد ‪ 219-212‬مكر ًار ثانية من قانون‬
‫العقوبات (‪.)1‬‬
‫ال فى منزل مسكون أو فى أحد ملحقاته»‪ .‬وهذه الحالة‬ ‫ثالثاً‪« :‬الدخول لي ً‬
‫تتطلب بعض التفصيل (‪ ،)2‬فمن المتعين أن تحدد علة إباحة القتل العمد فيها‪،‬‬
‫وأن تبين شروطها‪:‬‬
‫فمن يدخل مسكن الغير ليالً دون رضائه‪ ،‬ودون أن يكون فى وسع حائز‬
‫المسكن العلم بغرضه‪ ،‬يريد ش اًر غير معروف مداه‪ ،‬فقد يكون بالغاً أقصى‬
‫الخطورة‪ ،‬إذ من المتصور أن يكون غرضه القتل أو السرقة أو اعتصاب امرأة‬
‫أو هتك عرض بالقوة‪ ،‬ولذلك اعتبر الشارع حائز المسكن على حق حينما‬
‫يفترض أن من يدخل مسكنه فى هذه الظروف يهدده بخطر جسيم ال يصلح‬
‫لدرئه غير القتل العمد‪.‬‬
‫وشروط إباحة القتل العمد فى هذه الحالة هى‪ :‬أن يثبت دخول منزل‬
‫مسكون أو أحد ملحقاته؛ وأن يكون ذلك أثناء الليل؛ وأن يثبت جهل الحائز‬
‫الغرض من الدخول‪.‬‬
‫والمنزل المسكون هو المكان الذى يقيم فيه شخص أو أكثر بالفعل‪،‬‬
‫ومظهر اإلقامة فيه هو تخصيصه للنوم ومظاهر الحياة التى جرى عرف الناس‬

‫(‪ )1‬انظر تطبيقًا لهذه الحالة‪ :‬نقض ‪ 25‬مارس سنة ‪ 1629‬مجموعة أحكام محكمة النقض‬
‫س‪ 26‬رقم ‪ 02‬ص‪.250‬‬
‫(‪ )2‬أنظر تطبيقاً لهذه الحالة‪ :‬نقض ‪ 29‬أكتوبر سنة ‪ 1699‬مجموعة أحكام محكمة النقض‬
‫س‪ 16‬رقم ‪ 122‬ص ‪.920‬‬
‫‪26‬‬

‫على حجبها عن اطالع الغير عليها‪ .‬ويشترط أن يكون المنزل مسكونًا بالفعل‪،‬‬
‫فال يكفى كونه معدًا للسكنى ولكن لم يسكنه أحد بعد‪ ،‬إذ اليكون محل لالعتقاد‬
‫بأن الداخل يريد ش اًر خطي اًر‪ .‬ولكن القانون اليتطلب وجود سكانه فيه وقت دخول‬
‫المعتدى‪ ،‬فقد يقع االعتداء حين يغادره السكان مؤقتًا (‪ ،)1‬وحينئذ يصدر فعل‬
‫الدفاع عن غيرهم كأحد الجيران‪ ،‬فيكون هذا الفعل مباحاً ألن الدفاع عن الغير‬
‫مشروع‪ .‬ويراد بملحقات المنزل أماكن ليست مسكونة أو مخصصة للسكنى‪،‬‬
‫ويراد بملحقات المنزل أماكن ليست مسكونة أو مخصصة للسكنى‪ ،‬ولكنها‬
‫متصلة بالمنزل المسكون‪ ،‬ولذلك تكتسب حرمته‪ ،‬ويكون الدخول فيها ممهدًا‬
‫للدخول فى المكان المسكون ذاته‪ ،‬ومثالها كهف المنزل وحديقته والمكان‬
‫المخصص إليواء السيارة والغرف المقامة فى السطح والمخصصة لخزن المؤن‬
‫أو غسيل المالبس‪.‬‬
‫ويراد بالليل ‪ -‬وفقًا لما استقر عليه قضاء محكمة النقض ‪ -‬الفترة‬
‫المحصورة بين غروب الشمس وشروقها‪ ،‬إذ أن هذا المعنى هو ما تواضع الناس‬
‫عليه (‪.)2‬‬
‫ويتطلب القانون حسن نية الحائز بجهله غرض المعتدى من الدخول(‪،)2‬‬
‫ما لم يكن الغرض الذى علم به يهدد بجريمة تبيح القتل العمد طبقًا للقانون‪.‬‬
‫وهذا الشرط لم ينص القانون عليه‪ ،‬ولكنه مرتبط بالعلة التى تقوم عليها إباحة‬
‫القتل فى هذه الحالة‪ ،‬إذ هى ‪ -‬كما قدمنا ‪ -‬أن الخطر غير محدود فى مداه‪،‬‬
‫مما يجعل طبيعيًا اعتقاد الحائز أنه بالغ أقصى الجسامة‪ .‬أما إذا علم بمقدار‬
‫الخطر الذى يهدده‪ ،‬فعليه أن يجعل دفاعه متناسباً معه‪ ،‬أى أن القتل ال يباح له‬
‫إال إذا كان الخطر جسيمًا بحيث يعتبره القانون مبيحًا للقتل‪ .‬وكل مصادر العلم‬

‫(‪ )1‬الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪225‬؛ الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬رقم‬
‫‪ 199‬ص‪205‬؛ وعكس ذلك الدكتور محمد مصطفى القللى‪ ،‬ص‪.221‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 9‬يناير سنة ‪ 1629‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 292‬ص‪.229‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 20‬ديسمبر سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية حـ‪ 9‬رقم ‪ 222‬ص‪.022‬‬
‫‪25‬‬

‫سواء‪ ،‬فقد يبلغه شخص أو يعلم عن طريق الشائعات أن من يدخل منزله يريد‬
‫لقاء فتاة أو إتالف منقول‪ ،‬وحينئذ يكون القتل غير مباح(‪ .)1‬وقد تكون الظروف‬
‫مصدر علمه‪ ،‬مثال ذلك أن يرى شخصًا يحاول االستيالء على بعض فواكه‬
‫حديقته‪ ،‬ويتحقق لديه أن كل غرضه هو ذلك االستيالء‪ ،‬فيكون القتل غير مباح‬
‫كذلك‪ .‬ولكن إذا علم أن من يدخل المنزل يريد اغتصاب امرأة أو اختطاف‬
‫إنسان أو ارتكاب جناية سرقة‪ ،‬فالقتل مباح إن توافرت شروط الدفاع الشرعى‪.‬‬
‫ولحائز المنزل حق الدفاع عن طريق القتل العمد ولو ثبت أن الداخل لم‬
‫يكن يريد ش ًار قط‪ ،‬طالما أن الحائز كان يجهل غرضه فافترض أنه يريد ش ًار‬
‫خطي اًر؛ مثال ذلك أن يشاهد شخصاً يتسلق سور منزله فيقتله‪ ،‬ثم يتبين أنه‬
‫صديق أو ذو قرابة لجأ إلى التسور لما أعياه الدخول عن طريق الباب‪ .‬وسواء‬
‫أن يتسلل المعتدى إلى المسكن‪ ،‬أو أن يقتحمه‪ .‬وسواء أن يرتكب فعل الدفاع‬
‫ال‪.‬‬
‫أثناء محاولة المعتدى الدخول فى المسكن‪ ،‬أو بعد دخوله فيه فع ً‬
‫رابعاً‪« :‬فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا‬
‫التخوف أسباب معقولة»‪ .‬يعنى الشارع بهذه الحالة ارتكاب المعتدى فعل اعتداء‬
‫على المال يهدد بالخطر الحياة أو يهدد على نحو خطير سالمة الجسم‪ .‬مثال‬
‫ذلك أن يحاول شخص إتالف آلة‪ ،‬فيهدد ذلك بانفجارها بحيث تقضى على حياة‬
‫العاملين عليها أو تصيبهم بجراح بالغة‪ .‬وعلى هذا النحو‪ ،‬فثمة فرق بين ما‬
‫يعنيه الشارع بهذه الحالة وما يعنيه بالحالة األولى التى ذكرتها المادة ‪ 226‬من‬
‫قانون العقوبات وأفرغتها فى ذات األلفاظ‪ .‬فالخطر فى احداهما يهدد النفس‬
‫مباشرة‪ ،‬ولكنه فى ثانيتهما يهدد المال ثم يمتد تهديده إلى النفس‪ .‬ومع ذلك فقد‬
‫كان النص على حالة تهديد الخطر النفس مباشرة كافيًا باعتبارها تتسع للحالة‬

‫(‪ )1‬الدكتور على راشد‪ ،‬ص‪022‬؛ الدكتور مأمون محمد سالمة‪ ،‬ص‪.259‬‬
‫‪21‬‬

‫األخرى كذلك‪ ،‬إذ األهمية لكون الخطر قد هدد النفس‪ ،‬وليست األهمية لكون‬
‫هذا التهديد مباش ًار أو غير مباشـر(‪.)1‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫اثر الدفاع الشرعى‬
‫تقسيم‪ :‬تتضمن دراسة أثر الدفاع الشرعى تحديد حكمه فى الفعل وبيان‬
‫سلطة القضاء فى بحثه والتحقق من توافره‪.‬‬
‫إباحة فعل الدفاع‪ :‬األثر الذى يترتب على توافر شروط الدفاع الشرعى‬
‫والتزام قيوده هو إباحة فعل الدفاع‪ .‬وبهذه اإلباحة يصير الفعل مشروعًا‪ ،‬فال‬
‫تقوم من أجله مسئولية وال يوقع على مرتكبه عقاب‪ .‬ويستفيد من اإلباحة كل من‬
‫يساهم فى فعل الدفاع‪ ،‬سواء أكانت مساهمته أصلية أم كانت تبعية‪ .‬وباإلضافة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬فاستنادًا إلى إباحة القانون الدفاع عن الغير‪ ،‬فإن فى وسع المدافع‬
‫عن غيره أن يحتج بسبب إباحة خاص به منصب على فعله مباشرة‪ .‬وتطبيقًا‬
‫لذلك‪ ،‬فمن يد أر عن الغير الخطر‪ ،‬ومن يشل حركة المعتدى فيمكن المعتدى‬
‫عليه من إصابته والتخلص من خطره‪ ،‬ومن يعطى المعتدى عليه سالحًا أو‬
‫تعليمات يستعين بها على درء الخطر‪ ،‬كل أولئك يستفيدون من اإلباحة‪.‬‬
‫وإذا كان إباحة فعل الدفاع ال يثير صعوبة‪ ،‬فإنها قد تكون مح ً‬
‫ال للشك‬
‫إذا أصاب الفعل حق غير المعتدى‪ .‬ولذلك صورتان‪ :‬صورة ال يتعمد فيها‬
‫المعتدى عليه ذلك؛ وصورة يتعمده فيها‪.‬‬
‫إصابة حق الغير دون عمد‪ :‬نعنى بذلك حالتى الغلط فى موضوع الفعل‬
‫والخطأ فى توجيهه‪ .‬ويفترض الغلط فى موضوع الفعل إصابة المعتدى عليه‬
‫شخصًا غير المعتدى وهو يعتقد أنه المعتدى‪ ،‬مثال ذلك أن يتعرض شخص‬
‫لهجوم فى الظالم فيطلق النار على من يسير خلفه طناً منه أنه من اعتدى‬

‫(‪ )1‬الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪221‬؛ الدكتور‪/‬محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 210‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫عليه فى حين أن المعتدى قد فر (‪ .)1‬أما الخطأ فى توجيه الفعل فيفترض‬


‫محاولة المعتدى عليه إصابة المعتدى نفسه‪ ،‬ولكنه لعدم دقته فى إصابة هدفه‬
‫يصيب شخصًا تصادف مروره فى محل االعتداء (‪.)2‬‬
‫وحكم القانون فى الحالتين واحد‪ ،‬هو إباحة الفعل طالما لم يصدر عن‬
‫المعتدى عليه خطأ‪ ،‬فإذا ثبت أنه قد بذل كل العناية واالحتياط المفروضين‬
‫عليه إلصابة المعتدى وحده‪ ،‬ولكن حدثت إصابة الغير ألسباب ال سيطرة‬
‫إلرادته عليها بالفعل مباح‪ ،‬إذ قد توافرت كل شروط الدفاع الشرعى والتزمت‬
‫قيوده‪ .‬أما إذا ثبت صدور خطأ عنه‪ ،‬فالمعتدى عليه مسئول عن جريمة غير‬
‫عمدية (‪.)2‬‬
‫إصابة حق الغير عن عمد‪ :‬قد يجد المدافع نفسه مضط ًار إلى المساس‬
‫بحق الغير كى يستطيع إتيان فعل الدفاع‪ ،‬مثال ذلك أن يستولى على طلقات‬
‫نارية مملوكة للغير كى يعبئ بها سالحه‪ ،‬أو أن يتلف شجرة الغير كى يحصل‬
‫على عصا يستعملها فى الدفاع‪ .‬وحكم القانون فى هذه األفعال أن الدفاع‬
‫الشرعى ال يبيحها‪ ،‬إذ لم توجه إلى مصدر الخطر‪ ،‬أى لم توجه إلى المعتدى‪،‬‬
‫وإنما وجهت إلى شخص ال شأن له بالخطر‪ .‬ولكن يستطيع المدافع أن يحتج‬
‫بحالة الضرورة (‪ ،)2‬إذ قد التجأ تحت ضغطها إلى اتيان هذا الفعل‪ ،‬ولذلك كان‬
‫متعيناً أن تتوافر شروطها‪ ،‬ومن أهمها كون الخطر مهددًا للنفس وجسيماً‪.‬‬
‫سلطة القضاء فى التحقق من توافر الدفاع الشرعى‪ :‬يثير البحث فى‬
‫سلطة القضاء فى التحقق من توافر الدفاع الشرعى مسائل متعددة أهمها‪ :‬سلطة‬

‫‪)1( Garçon, art. 328 n. 66.‬‬


‫‪)2( Garçon, art. 328 n. 65.‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪222‬؛ الدكتورة فوزية عبد الستار‪ ،‬رقم ‪212‬‬
‫ص ‪.222‬‬
‫‪4‬‬
‫‪) ( Frank, § 53, S. 156. Schrِder, § 53, S. 381.‬‬
‫‪22‬‬

‫محكمة الموضوع فى القول بتوافره‪ ،‬ومدى ما لمحكمة النقض من رقابة عليها‪،‬‬


‫وكيفية تمسك المتهم بأنه كان فى حالة دفاع شرعى‪.‬‬
‫سلطة محكمة الموضوع فى القول بتوافر الدفاع الشرعى‪ :‬التحقق من‬
‫توافر شروط الدفاع الشرعى والتزام قيوده واستخالص نتيجة ذلك بالقول بتوافره‬
‫أو انتفائه‪ ،‬كل ذلك بحث فى موضوع الدعوى يعتمد على تحليل وقائعها ودراسة‬
‫ظروفها‪ ،‬ولذلك كان لمحكمة الموضوع سلطة البت فيه (‪.)1‬‬
‫وليست محكمة الموضوع ملزمة بالبحث فى حالة الدفاع الشرعى والقول‬
‫فى حكمها بما إذا كانت متوافرة أم غير متوافرة‪ ،‬طالما لم يتمسك المتهم بهذه‬
‫الحالة‪ ،‬ولم تكن وقائع الدعوى كما أثبتاها المحكمة ناطقة بتوافرها مرشحة‬
‫لقيامها‪ .‬ويعنى ذلك أنه ال يقبل من المتهم النعى على الحكم بأنه لم يتحدث‬
‫عن حالة الدفاع الشرعى ولم يفصل فى قيامها أو انتفائها إذا كان لم يتمسك‬
‫بها(‪ ،)2‬وكانت وقائع الدعوى غير ناطقة بتوافرها(‪.)2‬‬
‫رقابة محكمة النقض‪ :‬سلطة محكمة الموضوع فى القول بتوافر الدفاع‬
‫الشرعى أو انتفائه ليست مطلقة‪ ،‬بل تخضع لرقابة محكمة النقض من نواح‬
‫متعددة‪ :‬فلمحكمة النقض أن تراقب استنتاج محكمة الموضوع‪ ،‬أى استخالصها‬
‫توافر الدفاع أو انتفاءه من وقائع الدعوى‪ ،‬فإذا كانت الوقائع التى أثبتتها محكمة‬
‫الموضوع ال توصل إلى النتيجة التى انتهت إليها‪ ،‬كما لو كانت الوقائع ناطقة‬
‫بتوافر الدفاع الشرعى ولكن المحكمة قالت بانتفائه‪ ،‬فإن لمحكمة النقض الغاء‬

‫(‪ )1‬نقض ‪ 12‬نوفمبر سنة ‪ 1625‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 69‬ص‪90‬؛ ‪ 2‬يناير‬
‫سنة ‪ 1622‬جـ‪ 2‬رقم ‪ 126‬ص ‪.222‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 12‬ديسمبر سنة ‪ 1629‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 15‬رقم ‪ 02‬ص‪25‬؛ أول‬
‫فبراير سنة ‪ 1622‬جـ‪ 9‬رقم ‪ 99‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 6‬مايو سنة ‪ 1626‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 1‬رقم ‪ 202‬ص‪.255‬‬
‫‪22‬‬

‫هذا الحكم‪ ،‬ألن االستنتاج الخاطئ يعنى الخطأ فى فهم تعريف الدفاع الشرعى‬
‫وتحديد أركانه‪ ،‬وهو خطأ فى تطبيق القانون (‪.)1‬‬
‫ولمحكمة النقض أن تراقب حكم محكمة الموضوع من حيث تسبيبه‪:‬‬
‫فمحكمة الموضوع ملزمة بأن تبحث فى الدفاع الشرعى وتقرر توافره أو انتفاءه‬
‫ال لحق الدفاع‬
‫فى حالتين‪ :‬األولى‪ ،‬حيث يتمسك المتهم بأنه ارتكب فعله استعما ً‬
‫الشرعى‪ ،‬إذ يكون ذلك دفعًا جوهريًا‪ ،‬فيتعين البحث فيه بعناية وتفصيل ورفضه‬
‫أو قبوله على أساس من األدلة الصحيحة‪ ،‬فإذا أغفلت محكمة الموضوع الرد‬
‫عليه فحكمها قاصر التسبيب(‪ .)2‬والثانية‪ ،‬حيث تكون وقائع الدعوى كما أثبتها‬
‫الحكم مرشحه لقيام حالة الدفاع الشرعى‪ ،‬أى مؤدية إلى القول بتوافر شروطها‪،‬‬
‫فيكون متعينًا على محكمة الموضوع أن تعترف بها‪ ،‬ولو لم يتمسك المتهم‬
‫بذلك‪ ،‬بل ولو أنكر أنه ارتكب الجريمة فلم يكن لذلك محل للدفع بها‪ ،‬إذ مهما‬
‫يكن دفاع المتهم فهو ال يغير شيئًا من التكييف القانونى لما صدر عنه من‬
‫وقائع (‪.)2‬‬
‫كيفية تمسك المتهم بأنه كان فى حالة دفاع شرعى‪ :‬لتمسك المتهم‬
‫بحال ة الدفاع الشرعى أهميته باعتباره ينشئ التزام محكمة الموضوع بالبحث فيها‬
‫والرد على الدفع بها‪ .‬والتساؤل عن كيفية التمسك بالدفاع الشرعى تثير البحث‬
‫فى األمور التالية‪ :‬صورة هذا التمسك‪ ،‬ووقته‪ ،‬والعالقة بينه وبين االعتراف‬
‫بالجريمة (‪.)2‬‬

‫نقض ‪ 9‬مايو سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية حـ‪ 2‬رقم ‪ 110‬ص‪129‬؛ وثمة‬ ‫(‪)1‬‬
‫تناقض بين توافر سبق اإلصرار لدى المتهم واعتباره فى حالة دفاع شرعى‪ :‬نقض ‪19‬‬
‫نوفمبر سنة ‪ 1622‬س‪ 22‬رقم ‪ 211‬ص‪.1512‬‬
‫الدكتور محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪216‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬
‫نقض ‪ 12‬يناير سنة ‪ 1626‬مجموعة القواعد القانونية حـ‪ 1‬رقم ‪ 112‬ص‪.121‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الهامش السابق؛ وانظر كذلك نقض ‪ 15‬يونية سنة ‪ 1692‬مجموعة أحكام محكمة‬ ‫(‪)2‬‬
‫النقض س‪ 12‬رقم ‪ 62‬ص‪.269‬‬
‫الدكتور محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.222‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪20‬‬

‫أما عن صورته‪ ،‬فال يشترط أن يكون بلفظ معين‪ ،‬أى ال يشترط أن‬
‫ال اسمه القانونى‪ ،‬بل تكفى أية عبارة يفهم‬‫يتمسك المتهم بالدفاع الشرعى مستعم ً‬
‫منها أن المتهم كان فى هذه الحالة‪ ،‬مثال ذلك قوله أنه «لم يكن معتدياً وأنه إنما‬
‫كان يرد اعتداء وقع عليه من المجنى عليه وفريقه»(‪ .)1‬ولكن يشترط أن يتمسك‬
‫الم تهم به على نحو جدى وبصورة أصلية؛ أما إشارته إليه على سبيل االحتياط‬
‫أو مجرد االفتراض‪ ،‬فال يعد تمسكًا به فى المعنى القانونى (‪.)2‬‬
‫أما عن وقت التمسك به‪ ،‬فال يشترط أن يكون أثناء التحقيق االبتدائى‪:‬‬
‫فمن أغفل ذلك عند التحقيق كان له التمسك به أمام القضاء(‪ .)2‬ولكن يشترط‬
‫التمسك بالدفاع الشرعى أمام محكمة الموضوع‪ ،‬فال يقبل ذلك أمام محكمة‬
‫النقض ألول مرة‪ ،‬إال إذا كانت وقائع الدعوى كما أثبتتها محكمة الموضوع‬
‫ترشح لقيام الدفاع الشرعى (‪.)2‬‬
‫والعالقة بين االعتراف بالجريمة والتمسك بالدفاع الشرعى وثيقة‪ :‬ذلك أن‬
‫كون المتهم فى حالة دفاع شرعى يعنى أنه ارتكب الفعل المسند إليه‪ ،‬ولكن‬
‫ظروف ارتكابه له جعلته مباحًا استنادًا إلى الدفاع الشرعى‪ .‬ومن ثم كان‬
‫المنطق مقتضياً االرتباط بين االعتراف بالجريمة والتمسك بالدفاع الشرعى‪،‬‬
‫وكان إنكار الجريمة والتمسك بالدفاع الشرعى تناقضًا فى موقف المتهم‪ .‬وهذا‬
‫التناقض يجعل التمسك بالدفاع الشرعى غير جدى‪ ،‬ويبيح لمحكمة الموضوع أن‬
‫تغفله فى حكمها دون أن يكون معيبًا(‪ .)0‬ولكن يالحظ أن القانون لم يجعل‬
‫االعتراف بالجريمة شرطا لقيام حالة الدفاع الشرعى فى ذاتها‪ ،‬ومن ثم فإن أنكر‬
‫المتهم الجريمة‪ ،‬ولكن وقائع الدعوى كانت ناطقة بارتكابه الفعل وتوافر شروط‬

‫نقض ‪ 25‬أكتوبر سنة ‪ 1609‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 2‬رقم ‪259‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ص‪.1156‬‬
‫نقض ‪ 9‬مارس سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية حـ‪ 2‬رقم ‪ 66‬ص‪.126‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نقض ‪ 2‬ابريل سنة ‪ 1602‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 9‬رقم ‪ 60‬ص‪.209‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نقض ‪ 12‬ديسمبر سنة ‪ 1629‬مجموعة القواعد القانونية حـ‪ 1‬رقم ‪ 02‬ص‪.25‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫نقض ‪ 9‬مارس سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية حـ‪ 2‬رقم ‪ 66‬ص‪.126‬‬ ‫(‪)0‬‬
‫‪29‬‬

‫الدفاع الشرعى‪ ،‬فعلى المحكمة أن تعتبره فى حالة دفاع الشرعى‪ ،‬فإن لم تفعل‬
‫فحكمها معيب(‪ ،)1‬ذلك أن االنكار ال يغير من الوقائع شيئًا‪ ،‬وال يمس التكييف‬
‫القانونى لما صدر عن المتهم من وقائع‪ .‬وعلى هذا النحو‪ ،‬فأهمية االعتراف‬
‫مقتصرة على إسباغ طابع جدى على التمسك بالدفاع الشرعى(‪.)2‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫تجاوز حدود الدفاع الشرعى‬
‫ماهمية التجاوز‪ :‬تجاوز حدود الدفاع الشرعى هو انتفاء التناسب بين‬
‫جسامة فعل الدفاع والخطر الذى هدد المعتدى عليه‪ ،‬وذلك على الرغم من‬
‫توافر سائر شروط الدفاع الشرعى؛ وفى تعبير آخر يعنى التجاوز استعمال قدر‬
‫من القوة يزيد على ما كان كافيًا لدرء الخطر‪ .‬وعلى ذلك فليس المقصود انتفاء‬
‫أى شرط من شروط الدفاع الشرعى‪ ،‬وإنما المقصود انتفاء شرط معين منها هو‬
‫التناسب(‪ .)2‬أما إذا انتفى شرط سواه فليس للدفاع الشرعى وجود‪ ،‬ولذلك ال‬
‫يكون محل للبحث فى تجاوز حدوده‪ ،‬ألن هذا البحث محله أن يثبت أو ً‬
‫ال قيام‬
‫الحق(‪ .)2‬وعلى هذا النحو‪ ،‬فإن شروط الدفاع الشرعى نوعان‪ :‬نوع الزم لقيام‬
‫الحق‪ ،‬ونوع الزم للبقاء فى حدوده‪.‬‬
‫حكم القواعد العامة فى التجاوز‪ :‬إذا انتفى التناسب فقد انتفى شرط‬
‫للدفاع الشرعى‪ ،‬فال يكون لإلباحة ‪ -‬طبقًا للقواعد العامة ‪ -‬محل‪ ،‬وبذلك يعد‬
‫فعل الدفاع غير مشروع‪ .‬ولتحديد مسئولية المتجاوز يتعين التمييز بين حاالت‬
‫ثالث‪ :‬إذا كان الخروج على حدود الدفاع الشرعى عمديًا‪ ،‬أى كان المدافع‬

‫نقض ‪ 6‬نوفمبر سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية حـ‪ 9‬رقم ‪ 12‬ص‪.19‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الدكتور محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 220‬وما‬ ‫(‪)2‬‬
‫بعدها‪.‬‬
‫الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪220‬؛ الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬رقم‪122‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ص‪202‬؛ نقض ‪ 29‬فبراير سنة ‪ 1600‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 9‬رقم ‪199‬‬
‫ص‪026‬؛ أول أكتوبر سنة ‪ 1609‬س‪ 2‬رقم ‪ 291‬ص‪.609‬‬
‫نقض ‪ 0‬يناير سنة ‪ 1695‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 11‬رقم ‪ 2‬ص‪.12‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪22‬‬

‫مدركًا جسامة الخطر وفى وسعه رده بفعل متناسب معه ولكن فضل اللجوء إلى‬
‫قوة تزيد على ذلك‪ ،‬فهو مسئول مسئولية عمدية كاملة‪ .‬أما إذا كان خروجه على‬
‫هذه الحدود ثمرة الخطأ غير العمدى‪ ،‬كأن حدد جسامة الخطر أو جسامة فعل‬
‫الدفاع على نحو غير صحيح فى حين كان فى وسعه التحديد الصحيح‪ ،‬فهو‬
‫مسئول مسئولية غير عمدية‪ .‬وفى النهاية ال يكون محل لمسئولية المدفاع إذا‬
‫ثبت تجرد فعله من العمد والخطأ معًا‪ ،‬كما لو كان التجاوز وليد االضطراب‬
‫ودقة الموقف اللذين بلغا حد أزال كل سيطرة إلرادته على فعله‪ ،‬وتعليل انتفاء‬
‫المسئولية هو انتفاء الركن المعنوى للجريمة (‪.)1‬‬
‫حكم القانون فى التجاوز‪ :‬نصت المادة ‪ 201‬من قانون العقوبات على‬
‫أنه «ال يعفى م ن العقاب بالكلية من تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعى‬
‫أثناء استعماله إياه دون أن يكون قاصدًا إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا‬
‫الدفاع‪ .‬ومع ذلك يجوز للقاضى إذا كان الفعل جناية أن يعده معذو ًار إذا رأى‬
‫ال من العقوبة المقررة فى القانون»‪ .‬ولدراسة‬
‫محالً وأن يحكم عليه بالحبس بد ً‬
‫هذا الحكم يتعين بيان أنواع التجاوز‪ ،‬وحكم كل نوع‪ ،‬وتحديد سلطة القاضى وفقًا‬
‫لهذا النص‪ ،‬ومدى ما لمحكمة النقض من رقابة عليه‪ ،‬وفى النهاية يتعين‬
‫الفصل فيما إذا كان هذا النص يقرر عذ ًار قانونيًا أو ظرفًا مخففًا(‪.)2‬‬
‫أنواع التجاوز‪ :‬يفرق القانون بين نوعين من التجاوز‪ :‬التجاوز بنية سليمة‬
‫والتجاوز دون هذه النية‪ .‬وضابط التفرقة هو النية‪ .‬وقد عرف القانون المدافع ذا‬
‫النية السليمة بأنه « من ال يقصد إحداث ضرر أشد مما يستلزمه الدفاع»؛ وفى‬
‫تعبير آخر يعنى حسن النية اعتقاد المدافع أن القانون يخوله ارتكاب ما ارتكبه‪،‬‬

‫‪)1( Frank, § 53, S. 157. Schِnke- Schrِder, § 53, S. 384.‬‬


‫الدكتورة فوزية عبد الستار‪ ،‬رقم ‪ 219‬ص‪229‬؛ الدكتور محمد نعيم فرحات‪ ،‬رقم‬
‫‪ 219‬ص‪.026‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪222‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫وأن ما ارتكبه هو السبيل الوحيد والمالئم لدرء الخطر(‪ .)1‬ونرى أن ضابط‬


‫التفرقة بين نوعى التجاوز هو توافر الخطأ غير العمدى أو توافر العمد‪ .‬فإن لم‬
‫يتوافر غير الخطأ فالتجاوز بينة سليمة؛ أما إذا تعمد المدافع تخطى حدود‬
‫الدفاع فالتجاوز غير مقترن بنية سليمة‪ .‬وإلى جانب هذين النوعين‪ ،‬يوجد النوع‬
‫الثالث حيث ال يقترن التجاوز بعمد أو خطأ‪ ،‬ولم ينص القانون على هذا النوع‪،‬‬
‫ولكن ال شك فى وجوده وحكمه‪ ،‬إذ ال يتصور أن تقوم المسئولية دون ركن‬
‫معنوى‪.‬‬
‫حكم كل نوع من أنواع التجاوز‪ :‬إذا كان التجاوز بغير نية سليمة‪ ،‬أى‬
‫كان مقترنًا بالعمد فالقانون يترك حكمه للقواعد العامة‪ .‬وهذه تقرر أن يسأل‬
‫المدافع عن جريمته عمدًا ويوقع عليه العقاب المقرر لها‪ ،‬وللقاضى أن يخفف‬
‫عنه العقاب إذا التمس له ظرفًا مخففاً‪.‬‬
‫وإذا كان التجاوز بنية سليمة‪ ،‬فالقانون يقرر تخفيف عقاب المدافع‪:‬‬
‫ال من العقوبة المقررة فى القانون‪.‬‬
‫فيجوز للقاضى أن يحكم عليه بالحبس بد ً‬
‫والتخفيف الذى يقرره القانون جوازى‪ :‬فإذا قدر القاضى أن المتهم غير جدير‬
‫به‪ ،‬فله أن يحكم بالعقوبة العادية المقررة للجريمة‪ .‬وإذا رأى جدراته بالتخفيف‪،‬‬
‫فله أن يطبق المادة ‪ 12‬من قانون العقوبات الخاصة بالظروف المخففة ويهبط‬
‫بالعقوبة فى الحدود التى تقررها‪ .‬وإذا تبين للقاضى أن المتهم جدير بقدر من‬
‫التخفيف يجاوز ما تسمح به المادة ‪ 12‬من قانون العقوبات‪ ،‬فله أن يطبق‬
‫المادة ‪ 201‬منه الخاصة بالتجاوز المقترن بنية سليمة‪ .‬وهذه تسمح له أن يحكم‬
‫بالحبس الذى يجوز أن يهبط إلى حده األدنى‪ ،‬وهو أربع وعشرون ساعة (‪.)2‬‬
‫والحكم الذى يقرره القانون لهذا النوع من التجاوز يتضمن خروجًا على القواعد‬
‫العامة‪ ،‬إذ كانت تقضى بأن يسأل المدافع عن تجاوزه مسئولية غير عمدية‪ ،‬وأن‬

‫(‪ )1‬نقض أول يونيه سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 0‬رقم ‪ 210‬ص‪.925‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 0‬فبراير سنة ‪ 1620‬مجموعة القواعد القانونية س‪ 9‬رقم ‪ 261‬س‪15 ،920‬‬
‫مارس سنة ‪ 1609‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 6‬رقم ‪ 22‬ص‪.292‬‬
‫‪26‬‬

‫توقع عليه العقوبة المقررة لجريمته بوصفها غير عمدية إذا كان القانون يعاقب‬
‫عليها بهذا الوصف؛ ولكن القانون يخفف العقاب دون تقيد بهذه القواعد‪ ،‬بل‬
‫ويجيز أن توقع عليه العقوبة المقررة لجريمته بوصفها عمدية (‪.)1‬‬
‫وإذا كان التجاوز غير مقترن بعمد أو خطأ‪ ،‬فلم ينص القانون عليه تاركًا‬
‫حكمه للقواعد العامة‪ .‬وهذه القواعد تقرر عدم توقيع العقاب على المدافع‪ ،‬إذ لم‬
‫يتوافر لجريمته ركن معنوى‪ .‬وال يسوغ القول بأن هذا النوع يعد من قبيل‬
‫«التجاوز بنية سليمة» ‪ ،‬وأن العقاب المخفف يوقع من أجله‪ ،‬إذ ال دليل على أن‬
‫الشارع قد أراد بالمادة ‪ 201‬من قانون العقوبات أن يخالف إحدى القواعد‬
‫األساسية فى القانون‪ ،‬ولذلك نرى أن هذه القاعدة تقيد مطلق النص‪.‬‬
‫سلطة قاضى الموضوع فى القول بالتجاوز ورقابة محكمة النقض‬
‫عليه‪ :‬القول بتجاوز المدافع حدود الدفاع الشرعى من اختصاص قاضى‬
‫الموضوع‪ ،‬إذ يتطلب بحثًا فى وقائع الدعوى ومقارنة بين جسامة الخطر‬
‫وجسامة فعل الدفاع(‪ .)2( ،)2‬والقول بتوافر النية السليمة أو انتفائها هو كذلك‬
‫من شأن قاضى الموضوع (‪ .)2‬وتحديد ما إذا كان المتجاوز ذو النية السليمة‬
‫جدي اًر بالتخفيف الذى تقرره المادة ‪ 201‬من قانون العقوبات أم يكفى فى شأنه‬
‫التخفيف الذى تقرره المادة ‪ 12‬أم أنه جدير بالعقوبة العادية لجريمته يختص به‬
‫قاضى الموضوع‪ ،‬وفقاً لما يستخلصه من وقائع الدعوى وخاصة ما تعلق بمقدار‬

‫الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬رقم ‪ 122‬ص‪.295‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫نقض ‪ 19‬ديسمبر سنة ‪ 1622‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 29‬رقم ‪210‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ص‪.1592‬‬
‫فإذا أغفل حكم اإلدانة إجراء هذه المقارنة‪ ،‬وقال مع ذلك بتجاوز المتهم حدود الدفاع‬ ‫(‪)2‬‬
‫الشرعى كان حكماً قاص اًر‪ :‬نقض ‪ 20‬ديسمبر سنة ‪ 1691‬مجموعة أحكام محكمة‬
‫النقض س‪ 12‬رقم ‪ 256‬ص‪.669‬‬
‫نقض ‪ 0‬أبريل سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 99‬ص‪92‬؛ ‪ 19‬مايو‬ ‫(‪)2‬‬
‫سنة ‪ 1602‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 2‬رقم ‪ 269‬ص‪.925‬‬
‫‪05‬‬

‫التجاوز (‪ .)1‬وال يقبل الجدال أمام محكمة النقض فيما يدخل على النحو السابق‬
‫فى سلطة قاضى الموضوع‪.‬‬
‫ولكن لمحكمة النقض أن تراقب استنتاج قاضى الموضوع‪ ،‬فإذا كان ما‬
‫ال وما أثبته من وقائع‪ ،‬فلمحكمة النقض أن تصحح‬‫استخلصه ال يتفق عق ً‬
‫حك مه‪ ،‬كما لو أثبت انتفاء شرط من شروط الدفاع الشرعى غير التناسب وقال‬
‫باعتبار المتهم متجاو ًاز حدود حقه‪ ،‬إذ الفرض أن الحق لم ينشأ على اإلطالق؛‬
‫أو أثبت توافر شروط الدفاع الشرعى فيما عدا التناسب ثم أنكر على المتهم‬
‫الحق فى الدفاع الشرعى (‪)2‬؛ فالقاضى فى هذه الحاالت قد أخطأ فى فهم‬
‫القانون وتطبيقه‪ .‬ويعد قاضى الموضوع مخطئًا كذلك إن أثبت تجاوز حدود‬
‫الدفاع الشرعى بنية سليمة وقضى على المتهم بالحد األقصى لعقوبة جريمته‪،‬‬
‫فعلى الرغم من أن التخفيف جوازى‪ ،‬فثمة تناقض بين اعتبار المتهم متجاو اًز‬
‫حدود حقه بحسن نية والحكم عليه بأشد عقاب يقرره القانون؛ ولكن إذا حكم‬
‫القاضى بعقوبة دون الحد األقصى‪ ،‬فهو فى حدود سلطته التقديرية‪ ،‬وال تثريب‬
‫عليه‪.‬‬
‫تكييدددف سدددبب التخفيدددف الدددذى تدددنص عليددده المدددادة ‪ 251‬مدددن قدددانون‬
‫العقوبددات‪ :‬أســباب التخفيــف نوعــان‪ :‬أعــذار قانونيــة وظــروف قضــائية‪ ،‬فــاألولى‬
‫يميزه ــا أن التخفيـــف عنـــد توافره ـ ـا وجـ ــوبى‪ ،‬ف ــى حـ ــين أنـ ــه فـ ــى الثانيـ ــة ج ـ ـوازى‪.‬‬
‫وباإلضــافة إلــى ذلــك‪ ،‬فالقــانون يــنص علــى العــذر القــانونى ويحــدد الوقــائع التــى‬
‫يقوم عليها‪ ،‬فى حين يترك تحديد الظروف القضائية لفطنة القاضى‪.‬‬
‫ويجمع سبب التخفيف الذى تنص عليه المادة ‪ 201‬من قانون العقوبات‬
‫بين خصائص النوعين‪ .‬فالتخفيف وفقًا له جوازى‪ ،‬ولكن الشارع قد حرص على‬

‫(‪ )1‬نقض ‪ 0‬فبراير سنة ‪ 1620‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 9‬رقم ‪ 261‬س‪920‬؛ ‪15‬‬
‫مارس سنة ‪ 1609‬مجموعة أحكام محكمة النقض س‪ 6‬رقم ‪ 22‬س‪.292‬‬
‫(‪ )2‬نقض ‪ 0‬ديسمبر سنة ‪ 1622‬مجموعة القواعد القانونية جـ‪ 2‬رقم ‪ 02‬ص‪.09‬‬
‫‪01‬‬

‫النص عليه وتحديد سببه (‪ .)1‬ونحن نرى ترجيح اعتباره ظرفاً قضائيًا مستندين‬
‫إلى تمتع القاضى فى شأنه بسلطة تقديرية تخول له تخفيف العقاب أو عدم‬
‫تخفيفه (‪ .) 2‬أما النص عليه فى القانون‪ ،‬فعلته تقدير الشارع أن السلطة‬
‫التقديرية التى تخولها للقاضى المادة ‪ 12‬من قانون العقوبات غير كافية فأراد‬
‫التوسع فيها‪ ،‬وكون القاضى ال يزال يحتفظ بهذه السلطة هو الضابط فى اعتبار‬
‫هذا السبب للتخفيف ظرفًا قضائيًا ينص القانون عليه لعلة خاصة (‪.)2‬‬

‫أسئلة المحاضرة الخامسة ‪:‬‬


‫س‪ :1‬تكلم في شروط الدفاع الشرعى‪.‬‬
‫س‪ :2‬تكلم في قيود الدفاع الشرعى‪.‬‬
‫س‪ :3‬تكلم عن أثر الدفاع الشرعى‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدكتور السعيد مصطفى السعيد‪ ،‬ص‪.222‬‬


‫(‪ )2‬الدكتور محمد مصطفى القللى‪ ،‬ص‪ ،209‬الدكتور محمود محمود مصطفى‪ ،‬رقم ‪122‬‬
‫ص‪.295‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور محمود نجيب حسنى‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪226‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬
02

You might also like