Professional Documents
Culture Documents
Untitled
Untitled
مقدمة عامة
القانون والمجتمع
-01الحياةاإلجتماعية:
اإلنسان" كائن إجماعي بطبعه ال يمكنه العيش منعزال عن بقية أفراد الجماعة "،بحيث" تعتبر عقوبة العزل
من أقصى العقوبات التي تفرض على اإلنسان.
ويعبر علماء االجتماع عن هذه الظاهرة بأن اإلنسان" مدني بطبعه .
(. )1
واإلنسان" الذي عاش حياته منعزال عن الجماعة كما صوره الفيلسوف العربي ابن طفيل " كحي بن
يقظان" " أو " روبرت سانكروزو " كما تخيل الكاتب االنجليزي" دانيل ريفو ال وجود له في الواقع و الحقيقة .
-02القانون" ظاهرة اجتماعية":
منذ وجود الجماعة" كظاهرة اجتماعية وجب خضوعها لقواعد سلوك تقتضـي على المنازعات بين
األفراد ،ألن اإلنسان" كائن اجتماعي أناني بالطبع يحب االستئثار بكل شيء ،وجميع المنازعات على السلطة" أو
المال أو السيطرة ترجع أساسا" إلى أنانية اإلنسان.
ومتى كانت الجماعة" معرضة للنزاع( )2كان من المحتم خضوعها لقواعد السلوك التي تمنع قيام
المنازعات وتضع القواعد واإلجراءات لفضها وحلها وتوفر العيش في أمان واستقرار،وهذا هو أحد
المقاصد الرئيسية" من بعث الرسل منذ سيدنا آدم عليه السالم إلى خاتم األنبياء و المرسلين ،سيدنا محمد صلى
هللا عليه" وسلم .
-03ثالثا -القانون و الحق :
تستند الحقوق ،في وجودها ،إلى القانون" بمفهومه الواسع ( الشـرع،القانون الوضعي ) ،فهو الذي
يشنأها" أو يجعل لها قيمة عملية بحمايتها" بحيث ال يتصور الحق بدون القانون .
نظرية القانـون
تمهيد وتقسيم:
-04تقتض""ي دراس""ة النظري""ة العام""ة والق""انون دراس""ة الموض""وعات الرئيس""ية التالي""ة من خالل
المحاور الخمسة اآلتية:
* المحور األول :القانون وصلته بالقواعد االجتماعية.
* المحور الثاني :مصادر القانون. .
* المحور الثالث :تفسير القانون
* المحور الرابع :نطاق تطبيق القانون.
* المحور الخامس :إلغاء القانون.
المحور األول:
القانون وصلته بالقواعد االجتماعية
الفصل األول :مفهوم القانون"
الفصل الثاني :نطاق القانون وصلته بالقواعد االجتماعية.
الفصل الثالث ":أنواع القوا عد القانونية.
1
()-يقول ابن خلدون في المقدمة " أن االجتماع اإلنساني ض"روري ويع"بر الحكم"اء عن ه"ذا بق"ولهم اإلنس"ان م"دني ب"الطبع ،أي الب"د ل"ه من االجتم"اع ال"ذي ه"و
المدينة في اصطالحهم وهو معنى العمران ".
2
" من اآلية ، 251سورة البقرة
2
المحاضرةاألولى
مفهوم القانون
ما هو المقصود بالقانون "،وماهي الخصائص" التي تتميز بها القاعدة القانونية؟
........................
أوال -تعريف القانون
-06القانون"" )1(" law – le droitهو مجموعة القواعد التي تنظم عالقات أفراد الجمتعة البشـرية" بهدف إقامة
نظام اجتماعي معين ،على أن يكفل المجتمع احترامها بالقوة ،عند الضرورة.
و بهذا الصدد ،تنص المادة 74من قانون الدستور الجزائري:
" ال يعذر بجهل القانون.
يجب على كل شخص أن يحترم الدستور وقوانين الجمهورية".
-09-26 كما تنص المادة 5من القانون المد ني الجزائري" الصادر" بموجب األمر رقم 58-75المؤرخ في
1975المعدل والمتمم على مايلي :
" يخضع كل سكان القطر" الجزائري" لقوانين" الشرطة و األمن "
4
-ومخالفة" قواعد القانون" اإلداري تستوجب جزاء إداري يوقع على الموظفكاإلنذارو الخصم من المرتب أو
الفصل من الخدمة.
-ومخالفة" قاعد القانون المدني تستوجب جزاءا مدنيا كالبطالن و التعويض و التنفيذ الجبري في حالة
امتناع" المدين عن تسديد ثمن المبيع.
لقد نص القانون" المدني على:
-عقوبات مدنية كالبطالن في المادة 84التي تنص على مايلي:
" يجوز للمتعاقد الذي وقع على غلط جوهري وقت إبرام العقد أن يطلب" إبطاله".
-وعقوبة التعويض في المادة 130منه التي تنص على مايلي":
" من سبب ضررا للغير ليتفادى ضررا أكبر محدقا به أو بغيره ال يكون ملزما إال بالتعويض الذي يراه
القاضي" مناسبا".
ب -تنفيذ الجزاء بواسطة هيئات رسمية :أن تطبيق الجزاء يتم -في حالة النزاع -بواسطة محاكم الدولة
والسلطات" التنفيذية ،أي عن طريق الهيئات والمؤسسات" الشرعية" و الرسمية "،ومصدرها جميعا هو القانون.
المحاضرة الثانية
نطاق القانون وصلته بالقاعد االجتماعية
المبحث األول
نطاق القانون
-11القانون" هو مجموعة القواعد التي تنظم سلوك األفراد في المجتمع ،ويتمثل المجتمع في سلطة عليا"
تكفل احترام القانون.
ومشكلة التعارض بين الحريات" وتطبيق القانون" قد شغلت أذهان الفالسفة" و المفكرين" ووجدت فيها
مذاهب ونظريات يمكن ردها إلى مذهبين أساسيين":
-12أوال -المذهب الفردي:
يرى أصحاب" المذهب الفردي أن الفرد خلق حراً وأن القانون حارس لحريات وحقوق األفراد.
5
لذلك يجب عدم المساس للحرية الفردية إال في أضيق الحدود وبالقدير" الذي يتعارض مع عمل الفرد ألنه
جزء من الجماعة "،وبالتالي فإن تحقيق مصلحة الفرد هو تحقيق مصلحة الجماعة.
ووظيفة الدولة هي تأمين حرية األفراد لذلك سميت" بالدولة الحارسة" ،"Eta gendarmeحيث يقتصـر
دورها على األمن و القضاء والدفاع ويجب إفساح المجال لممارسة الفرد الحرية" االقتصادية في إطار حماية
الملكية الخاصة و المنافسة الحرة.
وفي مجال المعامالت لألفراد حرية إبرام العقود وهو ما يعرف " بمبدأ سلطان" اإلرادة" على أساس
الرضا و االختيار.
6
وإذا كانت األخالق تهدف إلى السمو باإلنسان" وترقي به إلى المثالية" فإن تحقيق ذلك يسهم في الرقي
بالمجتمع" وسعادة األفراد.
إن الكثير" من القاعد األخالقية ترقى إلى مرتبة القانون" كالوفاء بالعقود والوفاء بالديون وعدم الغش
والتدليس فالقانون في جزء كبير يعتمد على القواعد األخالقية ،وكلما ضاقت المسافات و األبعاد بين األخالق و
الدين ارتقى المجتمع نحو المثالية.
المحاضرة الثالثة
8
رفع الدعاوى المدنية،ويتضمن" بيان" التنظيم" القضائي الذي يحدد أنواع المحاكم "،وكيفية إصدار األحكام ،وطرق
الطعن فيها ،وإجراءات تنفيذها.
-2قانون اإلجراءات الجزائية ( :code de procedure pénale-األمر رقم 155-66المؤرخ في -06-08
1966المعدل و المتمم) :ويتضمن مجموعة القواعد المنظمة لجمع األدلة عند وقوع الجريمة ،وإجراءات التحقيق
باتخاذ اإلجراءات" السابقة.
-22ثانيا :القواعد الموضوعية:
ينقسم القانون األساسي إلى فسمين أساسيين هما ،القانون" العام ،والقانون الخاص كما سنرى ( الحقا،
فقرة 26وما بعدها).
-1القانون العام :Le droit public-هو مجموعة القاعد القانونية التي تنظم المصلحة" العامة "،فهو ينظم
مجموعة العالقات التي يكون أطرافها ألشخاص المعنوية العامة ( الدولة ،البلدية ،المؤسسات العامة ذات الطبع
اإلداري ،مثل :الجامعة ،المستشفى العام . . .إلخ).
-2القانون الخاص :Le droit privé"-هو مجموعة القاعد القانونية" التي تنظم المصلحة الخاصة "،فهو يحكم
عالقات األشخاص فيما بينهم ،فهو ينظم مجموعة العالقات التي يكزن أطرافها أشخاص خاصة ،ساء كانوا
طبيعيين(أفراد) أو معنويين( هيئات" خاصة "،جمعيات "،شركات خاصة).
-23معيار التمييز:
ماهو معيار التفرقة بين القانون" العام والقانون" الخاص؟
أ-المعيار الموضوعي :يفرق بينهما على أساس المصلحة":
-القانون العام يحمي المصلحة" العامة.
-أما القانون" الخاص فيحمي المصلحة" الخاصة.
وهذا المعيار" غير دقيق ،ألن كل القاعد القانونية ساء العامة أو الخاصة هدفها النهائي" هو تحقيق
المصلحة" العامة للمجتمع .
فالزواج وهو يخضع للقانون الخاص ( قانون األسرة) إنما يهدف إلى تحقيق مصلحة المجتمع ،أي
المصلحة" العامة من حيث الحفاظ على النسل وعلى كيان المجتمع وتماسكه وتعففه واستمراره.
يوجد رأي آخر يفرق بينهما على أساس الطبيعة المالية.
-القانون الخاص يحمي المصالح الخاصة.
-القانون العام يحقق مصالح اقتصادية أو اجتماعية عامة.
وهذا الرأي غير دقيق أيضا ،ففي القانون" الخاص" توجد مصالح اجتماعية كالزواج ،والقانون" العام به
مصالح مالية كالضرائب.
ب :المعير الشكلي ":قاعد القانون العام تتعلق بالنظام العام ،فهي آمره اليجوز االتفاق علي مخالفتها "،أما
قواعد القانون" الخاص" فهي مكملة يجوز االتفاق على عكسها.
وهو أيضا معيار غير دقيق ،فمن قاعد القانون الخاص ماهو آمر كقاعد الميراث "،ومن قواعد القانون
العام ماهو مكمل كحق التشريح.
جـ :المعيار" الشخصـي ":يفرق بين قواعد القانون" العام والخاص بالنظر إلى طبيعة األشخاص األطراف في
العالقة القانونية:
-إذا كان أحد أطراف العالقة القانونية" شخص من األشخاص المعنوية العامة ( دولة ،والية ،بلدية،
مؤسسة عمومية إدارية) ،طبقت قاعد القانون العام.
أما إذا كان طرفا العالقة القانونية من األشخاص" الخاصة" ( أفراد ،شركات تجارية) ،طبقت قاعد القانون
الخاص.
ويرد على هذا الرأي أنه إذا كان صحيحا من الناحية النظرية،إال أنه في بعض األحيان" تظهر الدولة
( األشخاص المعنوية العامة) باعتبارها" فردا أو شخصا خاصا عندما تشغل و تستمر أموالها ،متخلية عن
امتيازات السلطة العامة ،Les prérogativesla puissance publiqueوبالتالي تخضع لقاعد القانون الخاص ،شأنها
شأن األفراد.
9
-24الرأي الراجح :معيار التمييز" بين قاعد القانون" العام والخاص" هو الصفة التي تتدخل بها الدولة
واألشخاص المعنوية العامة األخرى:
-فإذا ظهرت بوصفها صاحبة السلطة" العامة تخضع لقاعد القانون" العام "،مثل قرار نزع الملكية الخاصة"
من أجل المنفعة العامة.
-أما لو ظهرت الدولة كطرف عاد شأنه شأن األفراد تخضع لقاعد القانون" الخاص "،مثل تصرف اإلدارة
بالتنازل عن أمالكها الخاصة.
-25نتائج التقسيم":
الدولة بوصفها صاحبة السلطة" العامة ،يخول لها القانون العام مجموعة من االمتيازات والسلطات"
تميزها" عن األفراد ،بما يترتب عنه النتائج اآلتية:
-يرخص القانون العام للدولة سلطات" استثنائية لتحقيق المصلحة" العامة مثال :التنفيذ المباشر دون إذن
القضاء ،أو نزع الملكية الخاصة" للمنفعة العامة.
-تخضع أموال وأمالك الدولة المخصصة للنفع العام لنظام خاص ومتميز :فالمال العام -على عكس
الملكية الخاصة "-ال يجوز التصـرف فليه أو الحجز عليه أو تملكه بالتقادم بمضي المدة ،كما ورد بالمادة 689من
القانون" المدني.
-تخضع مرافق الدولة وهيئاتها لقاعد معينة في القانون" اإلداري تعتمد على مبدأ سير المرفق العام
بانتظام واضطراد ( مبدأ االستمرارية) ،ومبدأ التكيف مع المستجدات "،أما قاعد القانون" الخاص" فيحكمها مبدأ
المساواة وقاعدة " العقد شريعةالمتعاقدين ، " Le contrat fait la loi des paries-كما هو وارد بالمادة 106من
القانون" المدني.
-تخضع منازعات" الدولة كصاحبة سلطة إلى القضاء" اإلداري ( المحاكم اإلدارية ،مجلس الدولة ) ،أما
منازعات" األفراد فيختص بالفصل فيها القضاء" العادي.
المحاضرة الرابعة
11
ب-عقد العمل البحري كعقد الربان" والمالحين" والعاملين" بالسفن
جـ -العقود المتعلقة" بالمالحة" البحرية" كعقد إيجار" السفينة.
-34رابعا :القانون" الجويDroit aérien-هو مجموعة القاعد المنظمة للعالقاتالناشئة عن المالحة الجوية
وهو قانون حديث نسبيا حيث ارتبط باختراع" الطائرات" واستعمالها" في النقل العام.
ونظراً ألن النقل الجوي يرتبط" بدون أخرى فإن معظم قواعد القانون" الجوي مصدرها المعاهدات
واالتفاقات" الدولية.
-35خامسا :قانون العمل :Droit de travaille-هومجموعة القواعد التي تنظم العالقات التي تنشأ بين رب
العمل ( المستخدم ) Employeur-و العامل (المستخدم)Employeur-
وينظم هذا القانون" عالقات" العمل الفردية والجماعية من حيث الحقوق و الواجبات ":الراتب "،العطل،
التأديب "،التكوين المهني ،اإلضراب ،االتفاقات" الجماعية . . .إلخ.
ويرى البعض أن قانون العمل من فروع القانون" العام ،نظراً لتدخل الدولة
في اإلشراف على عالقات العمل ( مفتشية العمل ) ،وتوقيع جزاءات جنائية" على مخالفة قواعده.
-36سادسا :قانون التأمين" االجتماعي ":هو مجموعة القواعد التي تنظم مواجهة
األخطار" التي يتعرض لها الفرد مهددة ومضـرة بصحتهم أو حياتهم ،فتكفل لهم معاشاأو تعويضا في حال
تحقق خطر.
-37سابعا القانون" الدولي الخاص :Droit internationale privé -تنصب قواعد القانون" الدولي الخاص"
على تنظيم العالقات بين األشخاص" الخاصة" ذات العنصر األجنبي.
ولهذا ،فهو يتصل بالموضوعات األساسية التالية":
-تنازع القوانين ":تحديد القانون الواجب التطبيق على نزاع فيه عنصـر أجنبي.
-تنازع االختصاص" القضائي الدولي :بيان قاعد االختصاص القضائي" في حالة التنازع بين الجهات
القضائية.
-الجنسية :وهي الرابطة السياسية" والقانونية" بين الفرد والدولة.
-مركز األجانب ":تحديد النظام القانوني الذي يخضع له األجانب" الموجودون بالدولة.
المطلب الثالث
الفروع األخرى
-38مع من تفرزه مقتضيات" الحية البشـرية ،وما تعرفه الحضارة اإلنسانية" من مستجدات ،ظهرت فروع
جديدة من القوانين "،مثل :قانون حماية البيئة" أو المستهلك"،
ومنع االحتكار "،والجرائم اإلعالمية ( اإلنترنات .)Internet-
وحيث تم المزج والجمع بين فروع القانون العام والخاص في بعض الموضوعات ،مثل :القانون
االقتصادي ،أو القانون" الجنائي الدولي ،فإن التقسيمات السابقة للقانون" أصبحت" تقليدية وال تمثل حقيقة الواقع.
12
......
المحورالثاني:
مصادر القانون"
Les sources de droit
مقدمة:
-39القانون" مجموعة قواعد سلوك تستمد قوتها الملزمة" من مصادر مختلفة ،وهي:
أ -المصدر المادي للقانون :يقصد به مجموعة الوقائع المادية التي تستمد من الواقع االقتصادي أو
السياسي" أو االجتماعي.
القاعدة التي تحدد عدد ساعات العمل ( المدة القانونية للعمل ) تجد مصدرها المادي في جهد اإلنسان
وإرهاقه بعد عدد معين من الساعات.
ب -المصدر التاريخي :القانون هو تطور تاريخي مستمر بين الماضي" وتطويره في شكل قانون جديد،
وبدون التطور التاريخي ال ينشأ" القانون.
القواعد األساسية" للقانون اإلداري-مثال -يعود مصدرها الرئيسـي إلى تاريخ القانون" اإلداري بفرنسا.
واألصل في القانون" حرية استخالص األحكام من أي مصدر :فقد تراعي القواعد األخالقية االقتصادية ،أو
االعتبارات الدينية على القواعد االقتصادية كما لوحرم المشرع بين الخمور وهنا تعد الشـريعة اإلسالمية
المصدر الرئيسـي للقانون "،كل ذلك في إطار قاعد النظام" العام واآلداب العامة.
جـ المصدر الرسمي للقانون ":يقصد بالمصدر الرسمي ( المصدر الشكلي ) السبب المنشئ للقاعدة
القانونية الذي يضفي عليها وصف اإللزام.
وتختلف مصادر القانون" في كل دولة ومجتمع بحسب تدرج القواعد القانونية.
وقد حدد المشـرع الجزائري المصادر الرسمية للقانون في المادة األولى من القانون المدني الجزائري
التي تنص على مايلي:
" يسر القانون" على جميع التي تتناولها" نصوصه في لفظها أو في فحواها.
وإذ ال يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة اإلسالمية ،فإذا لم يوجد فبمقتدى
العرف.
13
فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقاعد العدالة".
ويستخلص من هذا النص أن المصادر الرسمية أو الشكلية" للقانون الجزائري هي:
-1المصدر الرسمي األصلي":
* التشريع.
* المصادر الرسمية االحتياطية:
* مبادئ الشريعة اإلسالمية.
* العرف.
* مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
وغني عن البيان "،أن هذا الترتيب" الوارد بالمادة األولى ملزم ،على الرغم من ضرورة إعادة النظر" فيه،
وذلك إلعادة االعتبار للشـريعة اإلسالمية وجعلها مهيمنة على التشريع كله ،وبمختلف مراتبه ،تطبيقا للمادة
الثانية" من الدستور التي تنص على أن " دين الدولة اإلسالم ".
د -الصدر التفسيري" للقانون:
يقصد به الجهة المنوط بها تفسير القانون عند غموض القاعدة القانونية.
ويعتبر الفقه وأحكام القضاء من المصادر" التفسيرية للقانون" الجزائري.
وفي ضوء المصادر" نقسم موضوع دراستنا" في هذا الباب إلى عدة فصول على النحو اآلتي:
الفصل الرابع:القانونالطبيعي" وقواعد العدالة. الفصل األول :التشـريع
الفصل الخامس :القضاء.
الفصل السادس :الفقه. الفصل الثاني ":مبادئ الشريعة اإلسالمية.
الفصل الثالث :العرف.
المحاضرة السادسة
التشريــــــــــع
La législation
خصائص التشريع
-41يتميز التشريع بمجموعة من الخصائص "،تتمثل-أساسا "-في مايلي":
14
-1المقصود بالتشريع" وضع قواعد قانونية عامة ومجردة ،أما إذا أصدر رئيس المجلس الشعبي الوطني أو
رئيس مجلس األمة قراراً بتعيين" أو ترقية موظف بالمجلس ،فإن ذلك اليعد تشـريعا ً بالرغم من صدوره عن أحد
مجلـسي البرلمان(السلطة التشريعية ).
-2يجب أن يصدر التشريع في شكل وثيقة مكتوبة وهو يتميز بذلك عن العرف غير المكتوب.
-3يجب أن يصدر التشريع عن السلطة المختصة" في الدولة " البرلمان مثال " وبذلك يختلف عن العرف
الذي ينشأ قواعده تلقائيا" بسبب إتباع الناس لسلوك معين مدة طويلة من الزمن بحيث" يستقر في وجدانهم
الشعور باإللزام "،كما سيتضح ( الحقا ،فقرة 58وما بعدها ).
أ-التشريع األساسي
العادية(.)2
1
()-يقتضـي النظام اإلسالمي أن تكون جميع أنولع التشـريع ،وعلى رأسها الدستور ،غير مخالفة للقرآن والسنة ،حيث يستمد التشريع شرعيته
منهما ،وهو ما يتوافق-ظاهريا "-مع نص المادة 2من الدستور الجزائري التي تنص على أن " اإلسالم دين الدولة ".
2
( -)1تنص المادة 174من الدستور على مايلي:
" لرئيس الجمهورية حتى المبادرة بالتعديل" الدستوري ،بعد أن يصوت عليه المجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة بنفس الصيغة حسب
الشروط نفسها التي تطبق على نص تشـريعي ،يعرض التعديل على استفتاء الشعب خالل الخمسين ( )50يوما الموالية إلقراره.
يصدر رئيس الجمهورية التعديل الدستوري الذي صادق عليه الشعب".
15
-2الدستور الجامـد :يشـترط الدستـور الجامـد إجـراءات خاصــة معقــدة لتعديله( ،)1ماعدا األحكام
والمواد الجامدة جمودا مطلقا "،التي ال تقبل أي تعديل(.)2
-وبفضل الفقه أن تكون الدساتير" جامدة ألنها تمثل النظام" األعلى في الدولة فال يجوز إلغاؤها أو تعديلها
إال بشـروط معينة حتى يستقراألمن" واألمور السياسية في الدولة.
ب-التشريع العادي
"القانونLa loi"-
-46أوال :تعريف :يقصد بالتشريع" العادي مجموعة القاعد القانونية" العامة والمجردة التي تسنها السلطة
التشريعية ( البرلمان" ) في الدولة في حدود اختصاصها المبين في الدستور ( نخاصة المجاالت الواردة بالمادة:
122و 123منه ) ويطلق عليها" اسم "القانون"") ،La loiتمييزاً" له عن غيره بالتشريعات.
وينص الدستور الجزائري في المادة 112منه على أن:
" يمارس السلطة التشـريعية برلمان يتكون من غرفتين ،هما المجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة ".
وله السيادة في إعادة القانون و التصويت عليه ".
-47ثانيا ":مراحل التشـريع :يمر وضع القانون وسنه بالمراحل األساسية التالية :المبادرة بالقانون"،
مصادقة البرلمان "،وعدم اعتراض رئيس الجمهورية.
-48أ -المبادرة بالقانون :ينص الدستور على حق الحكومة ،وكذا أعضاء المجلس الوطني ،بالمبادرة
والقوانين ،بشروط معينة.
حيث تنص المادة 136منه على مايلي:
" لكل من الوزير األول والنواب" و أعضاء مجلس األمة حق المبادرة بالقوانين":
تكون اقتراحات" القوانين قابلة للمناقشة "،إذا قدمها عشرون( )20نائبا.
تعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء ،بعد أخذ رأي مجلس الدولة ،ثم يودعها الوزير" األول
حسب الحالة مكتب المجلس الوطني ،أو مجلس األمة".
وعليه ،فإن المبادرة بالتشريع تتم بطريقتين":
:1 -49مبادرة الحكومة :مشروع القانون :Projet de loi"-يقدم مشروع القانون من رئيس الحكومة إلى
المجلس الشعبـي الوطني ويحــال للجنـة التشـريعيـة(" البرلمانية" ) التي تختص بموضوع القانون المقترح "،فإذا
كان خاصاً" بالتعليم" -مثال -يحاب للجنة التعليم التي تفحص القانون" وتعد تقريراً" عنه ،يناقش بالمجلس" الشعبي
الوطني ويصادق عليه "،طبقا لقانونه الداخلي ،قبل أن يحال مشـروع القانون" المصادق عليه إلى مجلس األمة
.
ليناقشه" و يصادقعليه بدوره ،طبقا لقانونه الداخلي أيضا
وقبل عرضه على المجلس الشعبي الوطني ،ووفقا للفقرة األخيرة من المادة 119من الدستور ،فإنه
.
يجب استشارة مجلس الدولة في كل مشـروع قانون طبقا إلجراءات" وكيفات معينة
-ومع ذلكن فإن الرأي الذي يبديه مجلس الدولة حول مشـروع أي قانون يبقى غير ملزم للحكومة ،إذ
.
يمكن لها أن تتقيد به كليا" أو جزئيا" أو تطرحه تماما وال تأخذ بـه
1
( -)2تنص المادة 177منه على مايلي:
" يمكن ثالثة أرباع (¾) أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا ،أن يبادروا باقتراح تعديل الدستور على رئيس الجمهورية الذي يمكنه
عرضه على االستفتاء الشعبي .ويصدره في حالة الموافقة عليه ".
2
( -)3تنص المادة 178من الدستور على مايلي:
" ال يمكن ألي تعديل دستوري أن يمس:
الطابع الجمهوري للدولة.
النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية.
اإلسالم باعتباره دين الدولة.
العربية باعتبارها اللغة الوطنية الرسمية.
الحريات األساسية وحقوق اإلنسان المواطن.سالمة التراب الوطني ووحدته ".
16
القانونProposition de loi": -50-2مبادرة النواب :اقتراح
-يمكن لعشرين" نائبا ( )20من أعضاء المجلس الشعبي الوطني ن يبادروا باقتراح قانون ،ليتم عرضه
ومناقشته والمصادقة عليه من طرف المجلس" الشعبي الوطني "،وفقا لنظامه الدتخلي "،كما هو الحال بالنسبة"
لمشروع القانون.
-51ب :مصادقة البرلمان :يجب أن يحصل مشروع القانون أو اقتراح القانون" على مصادقة البرلمان":
-1في مرحلة أولى :الحصول على األغلبية" المطلقة ،أي )1+ %50 ( :من عدد أضاء المجلس الشعبي الوطني
( الغرفة األولى ) ،وإال اعتبر المشروع مرفوضا.
-2في مرحلة ثانية :الحصول على أغلبية" ثالثة أرباع ( ¾ )عدد أعضاء" مجالـس األمـة ( الغرفة الثانية ).
وطبقا للمادة 120من الدستور ،فإن مجلس األمة ال يناقش إال النص" الذي صوت عليه المجلس الشعبي
الوطني.
رئيس الحكومة ،لجنة -3وفي مرحلة ثالثة :في حالة حدوث خالف بين الغرفتين ،تجتمع ،بطلب من
متساوية األعضاءCommission paritaireتتكون من أعضاء كلتي الغرفتين" من أجل اقتراح نص يتعلق باألحكام
محل الخالف تعرض الحكومة هذا النص" على الغرفتين" للمصادقة عليه ،وال يمكن إدخال أي تعديل عليه إال
بموافقة الحكومة.
وفي حالة استمرار الخالف يسحب النص.
-52جـ -عدم اعتراض رئيس الجمهورية ( اإلصدار ):
بعد موافقة البرلمان على مشروع القانون ،يرسل إلى رئيس الجمهورية حيث يقوم ،وفقا للماد 126من
الدستور ،بإصداره خالل ثالثين يوماً ،ويصبح-بعدها -قانونا ً ينشر في الجريدة الرسمية.
ومع ذلك ،يمكن رئيس الجمهورية أن ال يقوم بعملية اإلصدار وإنما يلجأ" إلى طلب قراءة ثانية من
البرلمان ،أو إخطار المجلس الدستوري:
-1القراءة الثانية" :La deuxième lecture-يمكن رئيس الجمهورية أن يطلب من البرلمان" إجراء مداولة
ثانية" حول مشروع القانون" خالل ثالثين يوما من تاريخ إقرار القانون" والمصادقة عليه.
ويلزم في هذه الحلة إلقرار القانون" موافقة ثلثي أعضاء المجلس الشعبي الوطني ( المادة 127من
.
الدستور )
-2إخطار المجلس الدستوري :La saisine du conseilconstitutionnel-يمكن رئيس الجمهورية ( إلى جانب
كل من رئيس مجلس األمة ،ورئيس المجلس" الشعبي الوطني ) أن يخطر المجلس الدستوري ويحركه لمراقبة
مدى دستور القانـــون ،وفقا للمادة 165من الدستور.
وهكذا إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا" غير دستوري ،يفقد هذا النص أثره ،ابتداء من يوم
قرار المجلس "،كما ولرد بالمادة 169من الدستور.
ثالثا "-التشريع" باألوامرLes ordonnances :
التشريع" مخول أصال للبرلمان يمارسه طبقا ألحكام الدستور والقانون "،ولكن توجد عدة حاالت" تسمح
لرئيس" الجمهورية أن يشرع فيها بموجب
إصدار أوامر ،حيث تنص المادة 124من الدستور على أنه:
"لرئيس" الجمهورية أن يشـرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان.
ويعرض رئيس الجمهورية النصوص" التي اتخذها على كل غرفة من البرلمان" في أول دورة له لتوافق
عليها.
تعد الغيه األوامر التي يوافق عليها البرلمان.
يمكن رئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في الحالة" االستثنائية" المذكورة في المادة 93من الدستور.
تتخذ األوامر في مجلس الوزراء".
-وعليه ،فإن هذه األوامر إنما تتعلق بمجال القانون "،حيث تنصب على المجاالت" المخصصة" أصال للسلطة
التشريعية ( المادة 122.123من الدستور ) ،إال أن الدستور خول لرئيس الجمهورية أن يشرع -عوضا عنها –
في حاالت" معينة هي:
17
-1حالة شغور المجلس الشعبي الوطني "،نتيجة حله -مثال -من طرف رئيس الجمهورية بموجب المادة
129من الدستور.
-2أو أثناء" المدة التي تفصل بين دوري البرلمان ،حيث يعد البرلمان" دورتين في السنة "،مدة الواحدة
أربعة أش هر على األقل ،كما تشير الفقرة األولى من المادة 118من الدستور.
-3أو الحالة االستثنائية : Etat d’exceptionإذا ماتزايد" الخطر على أمن الدولة و أصبح النظام العام
مهددا ،يلجأ" رئيس الجمهورية إلى إعالن الحالة االستثنائية ،طبقا للقواعد و الشـروط الواردة بالمادة 93من
الدستور ،ويمكنه ،حينئذ التشريع باألوامر.
أما حالة الحصار Etat de siègeوحالة الطوارئEtat d’urgenceفهي -في حد ذاتها-ال تخول لرئيس
الجمهورية التشريع" باألوامر.
-4أو في حالة عدم مصادقة البرلمان" علة قانون المالية بعد مرور 75يوما من إيداعه لديه ،وفقا للمادة
120من الدستور.
ج -التشريع الفرعي
" التنظيم "La règlementation -
-53أوال -تعريف التشـريع الفرعي ":هو هو تشـريع ثانوي تصدره السلطة التنفيذية" بمقتضى ما يمنحه لها
الدستور من سلطة االختصاص بإصداره.
وتسمى التشـريعات الصادرة عن السلطة التنفيذية" باللوائح أو التنظيمات .régalements
ولما كانت الالئحة مكملة وشارحة إلجراءات" تنفيذ القانون ،فإن األمر يقتضي عدم مخالفتها" للقانون.
-54ثانيا -أنواع اللوائح :تأخذ الالئحة في الواقع األنواع األساسية" التالية ":الالئحة" التنظيمية ،الالئحة
التنفيذية ،والئحة الضبط اإلداري.
أ -اللوائح التنظيمية ":وهي ما تسنه السلطة" التنفيذية من تشريعات" لتنظيم" المصالح والمرافق العامة.
وهذا الحق منح لرئيس" الجمهورية بمقتضـى الدستور الذي ينص في مادته (125فقرة أولى ) على أن:
" يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية" في المسائل" غير المتخصصة للقانون" ".
-ومن ثم ،فإن السلطة التنظيمية لرئيس الجمهورية تبقى مستقلة عن السلطة التشريعية "،كما أنها واسعة،
إذ ال تحدها سوى المجاالت المخصصة للقانون والمسندة للبرلمان" خاصة بموجب المادة 122و 123من الدستور.
ومثال ذلك أن يصدر رئيس الجمهورية المراسيم الرئاسي"ةDécretsprésidentielsإلنشاء وتنظيم المرافق
والمصالح العامة ،أو إعالن حالة الطوارئ.
ب-اللوائح التنفيذية ":وهي التشريعات" التي تضعها السلطـــة التنفيذيـــة ( الحكومة ) بغرض تنفيذ
القوانين" الصادرة من السلطة التشريعية.
ويختص رئيس الحكومة بإصدار هذه اللوائح بموجب ما يوقعه يمن مراسيم تنفيذية ، Décretsexécutifs
تطبيقا من الفقرة الثانية" من المادة 125من الدستور التي تنص على مايلي":
"يندرج تطبيق القانون في المجال التنظيمي" الذي يعود لرئيس الحكومة".
فالقوانين" تضع الواعد العامة تاركة لالئحة التفصيالت وبيان كيفيات تطبيق وتحديد المسائل العامة
الواردة في القانون.
وبهذا الصدد ،فغن السلطة التنفيذية تكون أقد من السلطة التشـريعية ألنها تتصل بالجمهور وبالتالي"
تعرف حاجته ولهذا من األفضل ،يترك" للسلطة" التنفيذية وضعالقواعد التفصيلية لتطبيق القانون ،فضال عن عدم
شغل السلطة" التشـريعية" بالفروع" حتى تتفرغ" لوضع القواعد الكلية" و الرئيسية للتشـريع وهي وظيفتها
األساسية.
جـ -لوائح الضبط اإلداري :وهي القواعد التي تضعها السلطة" التنفيذية" للحفاظ على النظام العام بعناصره
الثالثة :األمن العام -الصحة العامة -السكنية العامة ،ويطاق عليها" أيضا" لوائح البوليس اإلداري ،ومثال ذلك:
لوائح المرور ،وللوائح المعلقة بالمحال" المقلقة للراحة أو الضارة" بالصحة" العامة ،ولوائح تنظيم
المظاهرات . . .إخ.
18
وحق إصدار هذه اللوائح ممنوح لإلدارة المركزية على المستوى الوطني ،كما تتمتع به سلطات" وهيئات"
.
اإلدارة الالمركزية ( القرارات" التنظيمية ) ،بموجب قوانيناإلدارة المحليــة ( البلدية والوالية )
4المطلب الثاني
االستثناء من عدم االعتذار بجهل القانون
-56ال يوجد نص يقرر أي استثناء من مبدأ عدم جواز االعتذار بجهل القانون إال ،الرأي المستقر" في
الفقه والقضاء عدم تطبيق هذا المبدأ في الحاالت التي يثبت" فيها
استحالة وصول الجريدة الرسمية إلى منطقة معينة بسبب" قوة قاهرة كحرب أو فيضان أو زلزال تعذر
فيها وصول الجريدة الرسمية المنشور فيها القانون حتى يستطيع سكان المنطقة االعتذار بجهل القانون.
19
المحاضرة السابعة
العرف
La coutume
-58أوال :التعريف ":العرف هو اعتياد الناس على إتباع" قاعدة معينة من قواعد السلوك مع اعتقادهم
بإلزاميتها ،بوجوب الخضوع لها.
فالعرف هو اتخاذ مسلك معين في مسألة معينة ثم يتكرر هذا السلوك حتى يعتقد الناس" بوجوب هذا
المسلك" وبذلك يتحول إلى قاعدة عامة تنظم عالقات" الناس كلما تحققت الظروف التي نشأت هذه القاعدة
بمناسبتها.
ً
والعرف تاريخيا أسبق في الظهور كمصدر للقانون" من سائر المصادر" الرسمية األخرى ألن وجوده ال
يتطلب" سلطة معينة وغنما ينشأ تلقائيا داخل الجماعة لشعورها بضرورة وجود قواعد تنظم عالقات الناس في
المجتمع.
وإذن ،فإنه يمكن القول على أن العرف هو الصورة األولى للقانون في المجتمعات" األولى وهي صورة
ناشئة عن العادات والتقاليد" في المجتمع ،بغض النظر عن منبتها ومرجعها القائم التي فطر هللا الناس عليها.
-59ثانيا :أركان العرف :للعرف ركنان" أساسين ،هما:
أ -الركن المادي :Element materiel :ويتمثل في االعتياد على تكرار سلوك معين فترة طويلة من الزمن.
لكي يوجد عرف يجب أن يكون الناس" قد اعتادوا إتباع" قاعدة معينة زمنية ويشترط في التكرار":
-1أن يكون عاما ":أي مألوفا بين عدد كبير من األفراد ،بحيث ال ينشأ العرف من إتباع" فرد أو بعض
األفراد لسلوك معين ،وإنما يجب أن تكون غالبية" أفرادا لمجتمع يتبعون هذا المسلك.
والعمومية ال تعني الشمول فالعرف المهني ينشأ من اعتياد طائفة معينة لمسك معين ،هم أفراد المهنة
( خبازون "،أطباء "،فالحون ).
-2أن يكون قديما :ويقصد بالقدم إتباع" األفراد للعرف فترة زمنية كافية للقول بنشوء القاعدة العرفية
وهي فترة نسبية تختلف بحسب األعراف ،فالعرف التجاري" أسرع من العرف الناشئ" في بيئة مدنية.
20
-3أن يكون ثابتا :يقصد ثبات العرف إلزام الناس" للعرف بصورة منتظمة ومستمرة ودائمة ،وبدون
انقطاع.
ب -الركن المعنوي :Element moral:ويتمثل في الشعور واالعتقاد بإلزام القاعدة العرفية وهي نتيجة
مترتبة على الركن األول.
فهو شعور تدريجي يبدأ مع إتباع" تكرار سلوك معين وينتهي بالشعور بإلزام القاعدة العرفية وأن
المخالفة تستوجب الجزاء والعقاب.
إذا توفر الركنان" السابقان وجدت القاعدة العرفية وتصبح قاعدة قانونية عامة واجبة اإلتباع.
-60ثالثا ":العرف التشـريع ":التشـريع" هو المصدر الرسمي األصلي للقانون" أما الشـريعة اإلسالمية فهي
المصدر الثاني وإن كانت مصدراً رسميا ً إال أنها مصدر احتياطي" تأتي بعد التشـريع أما العرف فهو الم صدر
الثالث" الرسمي واالحتياطي بحيث ال يجوز اإللجاء إليه إال عند عدم وجود نص تشريعي أو مبادئ الشريعة
اإلسالمية "،ويترتب" على ذالك عدة نتائج:
-1النص التشـريعي ال يلغى إال بنص تشـريعي ،إذا لم يتبع الناس" النص ال يعني ذلك سقوطه أما العرف
إذا ترك يلغى بعدم االستعمال.
-2ال يجوز للقاعدة العرفية مخالفة نص تشـريعي :إذا وجد عرف يقضـي بعدم مطالبة النساء بحقوقهم
في اإلرث بطل مخالفته قاعد الشريعة اإلسالمية ألنها قاعد قانونية متعلقة بالنظام العام وال يجوز مخالفتها" في
جميع الحاالت.
-3يجوز للقاعدة العرفية أن تخالف قاعدة تشـريعية مكملة :ألن تطبيق القاعدة المكملة يرتبط بعدم وجود
عرف مخالف ومثال ذلك أن القانون المدني في المادة 387يقرر أن يدفع ثمن البيع" من مكان تسليم المبيع" مالم
يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك.
وال يعني ذلك أن العرف يلغي القاعدة القانونية" وإنما يستبعدها فقط دون أن يلغيها.
-61رابعا :أهمية العرف :للعرف دور هام سواء في نطاق القانون" العام أو الخاص.
أ -القانون" العام :لعل أهم دور له هو في مجال إلنشاء القواعد القانونية في نطاق القانون الدولي العام
الذي يوصف بأنه قانون عرفي ألن غالبية قواعده استندت إلى العرف ،ونفس األمر في القانون الدستوري
وخاصة الدول التي لم تصدر دساتير" مكتوبة كبريطانيا فمعظم قواعدها الدستورية عرفية.
ب -القانون الخاص :لقد تضاءل دور القواعد العرفية ،ومعظمها ينتمي للقانون" التجاري أو البحري.
ومن قواعد القانون التجاري العرفية مبدأ التضامن بين الشـركاء المدنيين فهذه القاعدة تجيز للدائن
مطالبة" أي مدين بكل الدين وليس حصة منه ،وهي قاعدة عرفية لم ينص عليها المشرع وإنما نشأت من تكرار
اتباعها بين التجار.
وهذه القاعدة التجارية ال توجد في مجال المعامالت" المدنية وإنما بناء على اتفاق بنص القانون" كما جاء
في نص المادة 217من القانون المدني الجزائري " :التضامن" بين الدائنين أو المدنيين" ال يفترض وإنما يكون
بناء على اتفاق أو نص في القانون" ".
وفي نطاق القانون المد ني حدد المشـرع الضار غير المألوفة في العرف كما جاء في نص المادة 191من
القانون" المدني ،إذ:
" يجب على المالك أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضـر بملك" الجار" وليس للجار" أن يرجع إلى
جاره في مضار الجوار المألوفة ،غير أنه ال يجوز له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف
وعلى القاضي أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات" وموقع كل منها بالنسبة إلى اآلخرين والغرض الذي
خصصت له " ،كما سنرى الحقا في موضوع التعسف في استعمـال الحق ( الحقا ،فقرة 220وما بعها ).
أما في نطاق قانون العقوبات فدور العرف ضئيل حيث أن قواعد قانون العقوبات هي التي تحدد األفعال
التي تعتبر جرائم وتبين عقوباتها "،إذ أنه " :ال جريمة وال عقوبــة إال بالنص" " ،كما تفيد المادة األولى منه.
-62خامسا :العرف والعادة :للعرف ،كما رأينا "،ركنان ":مادي يتمثل في التكرار ومعنوي أي شعور نفسي
باإللزام.
21
فإذا تخلف الركن المعنوي ال نكون في مواجهة عرف وإنما عادة غير ملزمة للناس ألنها تندرج ضمن
قواعد األخالق والمجامالت" كالمواساة والتهاني وغيرها من العادات االجتماعية ،وعلى هذا األساس ،فإن
مايميز" العرف عن العادة هو اإللزام في العرف ،أما العادة فال تكون ملزمة إال إذا تم االتفاق عليها "،ومع ذلك
تضل غير ملزمة ولذلك سميت بالعادة االتفاقية.
ويترتب على التفرقة بين العرف والعادة عدة نتائج أهمها:
-1القاعدة العرفية قاعدة قانونية يلتزم القاضي بتطبيقها أما العادة ال تطبق إال بطلب من الخصوم.
-2ال يجوز االعتذار بجهل القاعدة العرفية فهي في حكم القاعدة القانونية "،أما العادة فجهل أحد أطراف
المعاملة" يمنع تطبيقها.
-3القاعدة العرفية ليست" في حاجة إلى إثباتها "،أما العادة فيجب إثبات" التعامل بها حتى تطبق.
-4القاعدة العرفية كالقاعدة القانونية" تخضع لرقابة أحكام القضاء" أما العادة فتتعلق بقواعد التفسير من
حيث إثبات وجودها ،األمر الذي يخرجها من رقابة المحكمة العليا.
-63سادسا :إثبات" العرف :العرف اعتياد الناس على إتباع" مسلك معين وهو أمر يجوز إثباته" بجميع
طرق اإلثبات" العادية.
وإذا كان العرف مهنيا" يجوز إثباته عن طريق النظم الخاصة" بهذه المهن كنقابة المحامين والغرف
التجارية ونقابات" العمال . . .إلخ.
ولما كان من الواجب إلمام القضاة بالقانون" وجب عليهم -أيضا -أن يكونوا على علم بالقواعد العرفية.
-64سابعا :تقدير العرف :للعرف مزايا ومحاسن كما له عيوب ومساوئ:
أ -مزايا العرف:
-1يراعي العرف العادات" والتقاليد االجتماعية ولهذا يكون أقرب لحاجات المجتمع.
-2القواعد العرفية مرنة تتطور بحسب تطور المجتمع فالناس يشعرون بإلزامية" القاعدة العرفية ألنها
تلبي حاجاتهم ،فإذا شعروا بقصورها تحولوا عنها واتبعوا قاعدة عرفية أخرى.
ب-عيوب العرف:
-1العرف أداة بطيئة إلنشاء القاعدة القانونية "،فهو ال يالئم سرعة تطور المجتمعات الحديثة لحاجته إلى
التكرار" خالل فترة زمنية طويلة.
-2القاعدة العرفية تصبح متخلفة إذا حدث تطور في المجتمع.
-3معرفة الحكم العرفي اليتم بسهولة حيث يختلف بحسب الزمان والمكان أو التخصص فهناك قواعد
عرفية في القانون" التجاري تختلف عن القانون" الدولي.
المحاضرة الثامنة
-65أوال :المفهوم :في حالة عدم وجود النص ( التشـريع" ) أو مبادئ الشريعة اإلسالمية أو العرف ،بماذا
وكيف يحكم القاضي؟"
22
ال يتطيع القاضي" رفض الدعوى واالمتناع" عن الفصل في النزاع" بحجة غياب" النص وأال ارتكب جريمة
إنكار العدالة ،Déni de justiceوهو ما عبرت عنه المادة 215من قانون اإلجراءات المدنية ،حينما نصت على
مايلي":
" يعد امتناعا" عن الحكم رفض القضاة الفصل في العرائض المقدمة إليهم أو إهمالهم الفصل في قضايا"
صالحة" للحكم فيها ".
كما جرم قانون العقوبات" هذا الفعل بموجب المادة 136التي تنص على مايلي:
" يجوز محاكمة كل قاض أو موظف إداري يمتنع بأي حجة كانت عن الفصل فيها يجب عليه أن يقضـي
فيه بين األطراف بعد أن يكون قد طلب إليه ذلك ويصر على امتناعه بعد التنبه" عليه أو أمره بذلك من رؤسائه،
ويعاقب بغرامة من 750إلى 3.000دينار وبالحرمان" من ممارسة الوظائف العمومية من خمس سنوات إلى
عشرين" سنة ".
ومن ثم ،فإنه يجب على القاضي" -بصورة عامة -أن يحكم قي النزاع المعروض وفقا لقواعد العدالة
والقانون" الطبيعي في حالة عدم وجود المصادر الرسمية األخرى المنصوص عليها" بالمادة األولى من القانون
المدني.
وعلى القاضي" أن يحكم ضميره ووجدانه وفكر الجماعة" التي ينتمي إليها "،ويتعين عليه طرح أفكاره
ومشاعره الخاصة" إذا تعارضت مع مشاكل الجماعة ألنه يسعى بحكمه تحقيق العدالة والمساواة.
-والحقيقة أن نص المادة األولى من القانون" المدني على القانون الطبيعي وقواعد العدالة إنما يفسح
المجال أمام القاضي لالجتهاد( ،)1بما يحمله مسؤولية كبرى في إقامة مجتمع العدل ودولة الحق والقانون.
وإذا كان العدل مسألة نسبية فمن الصعب وضع ضوابط محددة له ،فإنه توجد تطبيقات" عملية للعدل أو
القانون" الطبيعي ،مثل:
-مبدأ جواز توقيع عقوبتين" على نفس الشخص وعن ذات الفعل،
-وحق الدفاع عن النفس،
-وحق اإلطالع" على الملف لما هو منسوب للموظف لدى تأديبه.
وفكرة القانون" الطبيعي" أو العدل ليست فكرة مثالية" بل عملية تتحدد على أساس من الواقع وما يجب أن
تكون عليه عالقات الناس.
-66التطور :فكرة القانون" الطبيعي وقواعد العدالة متصلة بالتاريخ ":فقد عرفت عند اليونان" وهي ترجع
للشعراء" حيث تحدثوا عن المدينة الفاضلة" التي يحكمها قانون واحدة صالح للتطبيق في كل العصور ،وعرفت
أيضا" عند الرومان باعتباره قانون يحكم جميع الشعوب وبذلك عرف كقانون ال مجرد فلسفة تطورت الفكرة
لتأخذ صيغة دينية وباعتباره قانونا ً أهليا أبديا ال يتغير بتغير الزمان" أو المكان.
ومع ظهور الدولة الحديثة وسيادة التشريـع هو حمت الفكــرة من الفقهـاء وأشهرهـم " ميكافيلي ".
ثم ما لبثت" الفكرة ،تحررت" من الشكل الديني ( الالهوتي ) في القرن" 17على يد فقيه هولندي هو
جروسيوس Grosiusالذي أبرز أن القانون" الطبيعي" يتكون من قواعد عقلية تستمد من حقائق األشياء.
وانتصـرت فكرة القانون" الطبيعي" على يد الثورة الفرنسية" وخاصة في إعالن" حقوق اإلنسان" والمواطن
الصادر" عام 1789م حيث قرر تمتع اإلنسان بحقوق خالدة ومقدسة أهمها الحق في الحرية والمساواة ،وفي
القرن" التاسع" عشـر هاجم أصحاب المدرسة التاريخية فكرة القانون الطبيعي باعتبار مرآب المجتمع ويجب أن
يتطور من زمن إلى زمن ومن مكان إلى مكان مما يتعارض" مع قانون ثابت ،وهذه النظرية" غير صحيحة ألن
فكرة القانون" الطبيعي فكرة خالدة.
القضـــــــــــــــــــــــــــاء
La jurisprudence
1
( -)1أنظر ،د .عمار بوضياف ،المدخل للعلوم القانونية ( النظرية العامة للقانون ) ،دار الريحانة ،الجزائر ،1999،ص 153 :وما بعدها.
23
-67أوال :التعريف :القضاء هو الهيئات" والجهات القائمة في إطار السلطة القضائية ( المحاكم "،المجالس"
القضائية "،المحكمة العليا "،مجلس الدولة ) المختصة بالفصل في المنازعات بموجب ما يصدر عنها من قرارات
وأحكام.
-68ثانيا :األنظمة :تختلف النظم القانونية" في اعتبار القضاء ( قرارات وأحكام المحاكم ) مصدراً رسميا
للقانون.
ً
أ -تعتبر النظم األنجلوسكسونية القضاء مصدرا رسميا للقانون" بحيث" يكون الحكم القضائي" بمثابة قاعدة
قانونية واجبة اإلتباع في جميع مراحل الدعوى القضائية" باعتباره قانونا ً واجب اإلتباع فهو يلزم جميع المحاكم
من في درجتها أو أدنى منها بحيث إذا عرضت دعوى سبق الحكم فيها تكون ملزمة بتطبيق نفس الحكم الصادر
في موضوع مماثل دون طلب من الخصوم باعتباره تشـريع وهو ما يعرف بـ " :نظام السوابق القضائية ".
ب-أما النظم القانونية" األخرى المأخوذة من الشريعة اإلسالمية أو من القانون الروماني أو ما يعرف
بالنظام الالتيني" فال تعتبر القضاء مصدراً رسميا ً وإنما مصدراً تفسيريا.
وهكذا ،فإن الحكم الصادر" عن المحاكم فغير ملزم وإن كانت أحكام المحاكم العليا والتي تضع مبادئ
قانونية لها قوة احترام غالبا ما تعتبر سابقة قانونية تطبق على األحكام المماثلة ولكن دون إلزام للمحاكم
األخرى.
جـ -وفي النظام" الجزائري "،فإن أحكام القضاء" فليست ملزمة ولذلك ال يعتبر القضاء" مصدراً رسميا
للقانون للقانون" الجزائري ،وال يعني ذلك القول عدم قيمة الحكم حيث أن أحكام وقرارات الهيئات القضائية العليا
( المحكمة العلي ،مجلس الدولة ) لها قيمة أدبية ،ليستهدى بها القاضي في ألحكامه خاصة في الدعاوي
المماثلة.
كما أن لألحكام دور تفسيري للقانون" وإزالة الغموض عن كثير من القواعد القانونية "،ولذلك نجد معظم
المحاكم تتبع ما تقرره المحاكم العليا بناءاً على إلزام أدبي يرتكز على وقار القضاء" وخبرته في تطبيق القانون
وخاصة للمحاكم الدنيا التي تفتقد للخبرة.
ومن ناحية أخرى لهذه المحاكم العليا" سلطة نقض األحكام التي ال تطبق القانون بشكل علمي وصحيح.
وبهذا الصدد جاءت المادة 152من الدستور لتنص على مايلي":
" تمثل المحكمة العليا" الهيئة المقومة ألعمال المجالس القضائية والمحاكم.
يؤسس مجلس دولة كهيئة مقومة ألعمال الجهات القضائية" اإلدارية.
تضمن المحكمة العليا" ومجلس الدولة توحيد االجتهاد القضائي في جميع أنحاء البالد ويسهران على
احترام القانون.
تؤسس محكمة تنازع تتولى الفصل في حاالت تنازع االختصاص بين المحكمة العلي و مجلس الدولة ".
والتزام المحاكم الدنيا بأحكام" المحاكم العليا يعمل على توفير االستقرار" في العمل القضائي.
وفي غالب األحيان تقوم الدول بنشـر موسوعات قضائية تضم أحكام المحاكم العلي وتستخرج المبادئ
التي تضمنتها تلك األحكام حتى يشغل على المشتغلين بالقانون الرجوع إليها لتطبيقها" في الوقائع المماثلة.
وخالصة القول أن أحكام القضاء" تعد في الجزائر مصدراً تفسيرياً" للقانون وليس مصدراً رسميا ً وال يجوز
للمحاكم وضع أحكام تتصف بالشمول في المنازعات التي صدرت فيها.
الفقـــــــــــــــــه
La doctrine
-69أوال :التعريف :يقصد بالفقه مجموع كتابات" رجال الفكر القانوني في شرح وتفسير القواعد القانونية
واستنباط" المبادئ القانونية من مصادرها المختلفة" التي تستعين بها المحاكم وتستهدي بما تضمنه من تفسير
القانون ،بل ،المشرع" كثيراً ما يأخذ بآراء الفقهاء" في تعديل التشريع أو عند إصدار تشريع جديد.
24
-70ثانيا :دو ره :كان للفقه" دور كبير في ابتداع القواعد القانونية" حيث كان له دور ملزم في األحكام
القضائية" في عصر الدولة الرومانية "،أما في العصـر الحديث فقد تضائل دور الفقه نظراً لالستقرار" في األوضاع"
القانونية في كثير من النظم القانونية في العالم ،وال يعني ذلك انتفاء" قيمة ودور الفقه.
وتختلف قيمة الفقيه" األدبية بحسب منزلته وقوته العلمية "،ومهما كانت مكانة الفقيه مرموقة تظل آراؤه
غير ملزمة وهي مصدر تفسيري للقانون.
وترد آراء الفقهاء" في الكتب القانونية" العامة وفي األبحاث والدراسات" العلمية" الواردة في المجاالت
والدوريات المتخصصة.
..........
المحاضرة الثاسعة
المحور الثالث
تفسير القانون
-تتجلى أهمية تفسير القانون من حيث أن عملية تطبيقه تتطلب" تحديد معناه ومدلوله ،خاصة في حاالت
الغموض.
ماهية التفسير
التعريف
-71التفسير" هو بيان" الحكم القانوني األمثل الذي يستدل عليه من النص لتطبيقه على الفرد لتحديد الحكم
أمام القاضي" أو الفقيه.
ولتفسير" القواعد القانونية يوجد اتجاهان" في الفقه:
األول :اتجاه موسع :يقصد من التفسير" معرفة المعنى الذي تتضمنه القاعدة القانونية ،وبالتالي يطبق هذا
المعنى على جميع القواعد القانونية" أيا كان مصدرها(تشريع ،عرف.)...
الثاني ":اتجاه مضيق :يقتصـر" التفسير" على القواعد القانونية" التشـريعية ،ألن التشريع يرد في مواد
مختصرة مما يؤدي إلى صعوبة معرفة حكم النص ولهذا يقتصـر التفسير على التشريع" فقط.
أنواع التفسير
25
ينقسم التفسير" إلى ثالثة أنواع :تشريعي وقضائي وفقهي.
-72أوال -التفسير التشـريعي :هو التفسير" الذي يضعه المشـرع ليبين" حقيقة ما يبينه" من النص إذا ظهر
له أن الحاكم لن تهتدي إلى حقيقة النص.
والتفسير التشريعي له صورتان:
-1الصورة األولى :وتتمثل في حالة صدور القاعدة المفسـرة مع نفس النــص األصلي "،وفي نفس الوقت.
-2الصورة الثانية :في حالة ما إذا وقع خالف ،في التطبيق ،بين الفقه و القضاء لمعرفة قصد المشرع"،
يتدخل هذا األخير بنفسه-في وقت الحق -ويضع نصا ً تفسيرياً.
واألصل أن يصدر التشريع التفسيري من نفس السلطة التي أصدرت التشريع":
كأن يقوم البرلمان" نفسه بتفسير" القوانين الصادرة عنه.
ويرى الفقه في التفسير" التشـريعي أنه ملزم للقاضي" ألن المشـرع يفصح بالتفسير عن قصده بوضوح
وبالتالي" يعتبر عمال تشـريعيا يلتزم به األفراد وتطبقه المحاكم.
-73ثانيا "-التفسير القضائي ":وهو الذي يقوم به القضاة أثناء نظر الدعاوي المطروحة عليهم لمعرة حكم
القانون.
ً
والقضاء" يعتبر مصدرا تفسيريا للقانون ،ويتميز بعدة خصائص":
-1التفسير" القضائي يكون بمناسبة نزاع" مطروح أمام المحاكم "،بمعنى أن األفراد ال يستطيعون اللجوء
للقاضي لتفسير النصوص دون نزاع.
-2المحكمة ملزمة بالتفسير من تلقاء نفسها دون أن يطلبه الخصوم.
-3تفسير القاضي يتأثر" بظروف الدعوى فيأتي مالئما ً لها من أجل تحقيق العدالة.
-4التفسير" القضائي غير ملزم للمحاكم األخرى ،فالقاضي" ال يلتزم بالتفسير الذي أصدره فيجوز له أن
يخالف التفسير" السابق له في دعوى مماثلة.
ورغم أن التفسير غير ملزم ،إال أن المحكمة العليا ( محكمة النقض ) تختص بتفسير القانون ويكون
قرارها بالتفسير" ملزما" للمحاكم األخرى.
كما أن مجلس الدولة مخول ،بموجب نص المادة 9من القانون" العضوي رقم 01-98المتعلق بمجلس
الدولة ،بتفسير التشريع الفرعي خاصة ،أي :التنظيم" (المراسيم" الرئاسية والتنفيذية والقرارات التنظيمية" ).
وهو ما تخوله-أيضا "-المادة 7من قانون اإلجراءات المدنية للغرف اإلدارية ( الحاكم اإلدارية) ،وذلك
بالنسبة لقرارات" اإلدارة المحلية.
-&74ثالثا :التفسير" الفقهي :يقوم به فقهاء القانون" في مؤلفاتهم أو أبحاثهم ،وهو تفسير نظري ال
يرتبط" بنزاع" أو حالة معينة بل يهدف إللى إيجاد حلول مجدية لكم القانون.
يوجد تعاون وثيق بين الفقه والقضاء" في تفسير القوانين" واستخالص األحكام والمبادئ المالئمة ،خاصة
من خالل التعبيق على األحكام.
وخالصة القول أن التفسير غايته تحديد مضمون ،معنى القاعدة القانونية سواء من حيث :الفرض الذي
تواجهه ومعرفة شروط تطبيق القاعدة القانونية أو من حيث تحديد معنى الحكم.
مذاهب التفسير
-75إذا كان المقصود من التفسير هو توضيح المعنى "،أي قصد المشـرع عند إصدار القاعدة القانونية،
فإنه على القاضي أو الفقيه البحث عن نية وإرادة المشـرع عند تفسير معين فهذه اإلرادة هي التي تحدد معنى
التشريع.
وقد تعددت االتجاهات والمدارس في تفسير القانون ،حيث يمكن أن نجملها في ثالثة مذاهب رئيسية":
-مذهب الشرح على المتون ( التزام" النص )
-المذهب التاريخي.
-المذهب العلمي.
26
مذهب الشرح على المتون
-76يرجع هذا المذهب إلى فرنسا حيث نشأ مع وضع تقنيات نابليون ،حيث نظر رجال القانون" إلى هذا
التقنيات نظرة إجالل واحترام ورأوا أنها تضمنت كل الحلول التشريعية في كافة المسائل و الحياة القانونية"،
بحيث أن شرح القانون وتفسيرهال يتم إال من خالل هذه النصوص" وأن يكون بنفس الترتيب" الذي ورد فيها ،أي
ضرورة االلتزام بالنص" ولذا سميت مدرسة الشـرح على المتون أي النصوص.
وترى هذه المدرسة أن القوة الملزمة للقانون" ماهي إال إرادة السلطة العليا" الملزمة في الدولة ولذلك ال
تعترف بغير التشريع" كمصدر للقواعد القانونية.
وترى مدرسة الشـرح على المتون أن المقصود من إرادة المشـرع هو " اإلرادة الحقيقة " وقت وضع
التشريع" ال تطبيقه حتى إدا تغيرت الظروف.
فإذا توصلنا إلرادة المشرع الحقيقة نكون حددنا المعنى المقصود من التشـريع ويجب عندئذ األخذ بهذا
المعنى وال يجوز تغييره.
وإذا تعذر الوصول إلى الحكم عن طريق معرفة إرادة المشـرع الحقيقة" يمكـن األخـذ " بإرادة المشرع
المفترضة" "ويكون ذلك أيضا بالنظر" إلى وقت وضع التشـريع حيث يفترض عدة فروض ويبني عليها" الحكم
وقت وضع التشـريع فالعبرة هنا بوقت التشريع كما هو الشأن في اإلرادة الحقيقة.
وخالصة القول أن العبرة في اإلرادة سواء كانت حقيقة أو مفترضة هي بوقت وضع التشريع.
وتنتقد هذه المدرسة بأنها تجمد النصوص وال تخرج عن معناها ولو تغيرت الظروف نظرا لتقديسها
للنصوص" واالعتقاد بكاملها.
المبحث الثاني
المذهب التاريخي
-77يقول فكر المذهب التاريخي (الذي ينسب" للفقيه" األلماني" " سافيني " Savignyعلى أن القانون وليد
المجتمع.
ويرى هذا المذهب أن النصوص" القانونية تنفصل عن إرادة المشـرع بعد وضعها ويكون لها كيان مستقل
وذاتي ،ولذلك يجب تفسيرها" بحسب ظروف الزمان" والمكان وحاجات" المجتمع وقت تفسير النصوص.
وهذا الفكر مرن يجعل من القانون" نوع من التطور ومسايرة الظروف االجتماعية.
وتنتقد هذه المدرسة التاريخية" أنها تهمل إرادة المشـروع كلية بعد وضع التشـريع وجعل دوره مادي،
وتوسع من صالحيات المفسـرين مما قد يؤثر على التشريع وفقا ألهوائهم الشخصية مما يحولهم إلى مشرعين
للقانون.
المذهب العلمي
-78ينسب فكر هذا المذهب للفقيه الفرنسـي " جيني ،" Genyويهتم بالمصدر المادي للقانون "،إذ أن
التشريع" ال يمثل المصدر الوحيد للقواعد القانونية.
يتفق هذا المذهب مع المذهب التاريخي بأنه يجب لتفسير النص البحث وراء قصد المشرع الحقيقي وقت
وضع التشـريع فإذا عرف هذا القصد وجب تطبيقه مهما كانت درجة فالءمته مع الظروف االجتماعية.
فإذا لم نتوصل إلى القصد الحقيقي" للمشـرع" و جب البحث" عن حكم القانون في المصادر األخرى وأهمها
العرف ،فغدا لم يوجد يبحث في المصادر المادية أي الظروف والمالبسات التي أوجدت النص ،والمتمثلة" في
مختلف العوامل :السياسية" واالقتصادية واالجتماعية" والثقافية...إلخ.
وللمفسـر حرية استعمال البحث" العلمي دون النظر لإلرادة المفترضة التي تبحث عنها المدرسة
التاريخية.
طرق التفسير
27
-79يقصد بطرق التفسير" الكيفيات والمناهج التي يستعملها" القضاة والفقهاء للوصول إلى تحديد معنى
القاعدة القانونية "،وهي:
-طرق داخليـة :تعتمد على النصوص" التشريعية" المراد تفسيرها.
-طرق خارجية ":تعتمد على غير النصوص في تفسيرها.
28
48 -اقتراح أو مشروع القانون ،الذي يقترحه مجموعة من النواب أو تضعه الحكومــة ( سابقا "،فقرة
وما بعدها ).
-ومناقشات وتدخالت النواب" في الجلسات" العامة ( التي عادة ما تنشـر في الجريدة الرسمية" لمداوالت
المجلس الشعبي الوطني ).
-85ثالثا" -المصادر التاريخية :عند إصدار القوانين الجديدة يستهدي المشرع بالقوانين القديمة ،ألن
التشـريع" الحديث ماهو إال تطوير للتشـريع السابق ،حيث يعدل من أحكامه سواء بالزيادة أو الحذف.
وبناء على ذلك يمكن تفسير التشريعات" الجزائرية الوضعية المستمدة من القوانين الفرنسية بالرجوع" إلى
نصوص القانون" الفرنسـي" باعتباره مصدراً تاريخياً" لتلك التشريعات ( القانون" االستعماري" ) ،كذلك يتعين
الرجوع ألحكام الشـريعة اإلسالمية والفقه اإلسالمي لتفسير" النصوص المستمدة من هذه األحكام ،كما هو الحال
بالنسبة لقانون األسرة رقم .11-84
-86رابعا -النص األجنبي للتشـريع :لكل دولة لغتها الرسمية ،وقد نص الدستور الجزائــري ( المادة3
منه) على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية في البالد.
ونظرا العتبارات معينة ،فقد تحرر التشـريعات"-بداءة -باللغة" الفرنسية ثم تترجم إلى اللغة العربية ( وهو
وضع غير طبيعي يجب العدول عنه ) ،فإذا كان النص الرسمي غامضاً" وهو النص العربي ،جاز للمفسـر أن
يرجع إلى النص الفرنسـي" (كنص أولي وأصلي ) لمعرفة قصد المشرع" ومعنى النص" ولكن دون إلزام.
-87خامسا -تقريب النصوص :إذا كان النص" غامضا ،وهو ضمن مجموعة من النصوص ،يجوز للمفسر"
أن يقرب النصوص الستجالء معنى التشـريع عن طريق المقارنة للنصوص بعضها بالبعض" اآلخر ،ألن تجميعها
قد يؤدي إلى تحديد اإلرادة الحقيقية" للمشرع.
* أمثلة:
-قد يَحتاج تفسير" القانون" البلدي الرجوع إلى قانون الوالية أو القانون" الدستوري.
-وقد يُحتاج" لتفسير" قانون األسرة الرجوع إلى القانون المدني.
29
المحاضرة العاشرة
31
-1ال يتصور أن يصدر القانون إال لعالج حاالت مستقبلية أو من تاريخ صدوره ألن مبدأ العلم بالقانون يبدأ
من تاريخ نشـره ،والقول بغير ذلك يعني تطبيق قانون لم يكن بوسع األفراد العلم به.
-2اعتبارات العدالة تقضـي بوجوب العمل بالقانون" من تاريخ إصداره ونشره ألن الفعل قد يكون مباحا في
القانون" القديم ويجرم بالقانون" الجديد ،نظرا لالحتياجات" التي يقتضيها تطور المجتمع وتغيره.
-3يحقق هذا المبدأ االستقرار" في العامالت ألنه يمكن المتعاملين" على أساس قانون معين هو المطبق وقت
المعاملة" وفقا للقانون الساري حتى ال تتأثر حقوقهم أو واجباتهم بصدور قوانين جديدة تؤثر على التزاماتهم.
ثانيا -االستثناء
رجعيـــة القوانـــين
-المبدأ العام هو عدم رجعية القوانين" وهذا المبدأ يلتزم" به القاضي" دون المشرع حيث يستطيع هذا
األخير النص على رجعية القانون" وامتداد أثره للماضي "،فالمشرع" قد ينص صراحة على هذا المبدأ وال يجوز
ضمنا رد القوانين" للماضي "،حيث يجب أن يشير النص صراحة على الرجعية في ضوء اعتبارات معينة تتعلق
بالمصلحة والعدالة.
كما نجد استثناءات في قانون العقوبات في تطبيق القوانين" األصلح للمتهم كما إذا كان القانون" القديم
يضع عقوبة الحبس (Emprisonnementمن شهرين إلى 5سنوات وفقا للمادة 5من قانون العقوبات) الرتكاب
جرائم ،وفي القانون الجديد يقرر لها عقوبة السجن ( Réclusionمن إلى 5سنوات إلى 20سنة ) فاألصلح للمتهم
هو القانون الذي ينص على عقوبة الحبس.
والعلة في ذلك أن تطبيق القانون" األصلح بأثر رجعي ال يضر المجتمع.
ويفرق المشرع" بين حالتين":
-1إذا كانت القوانين" تخفف العقوبة مع إبقاء" الفعل الذي ارتكبه المتهم جريمة معاقبا عليها في هذه
القوانين ،يطبق القانون الجديد بأثر رجعي بشـرط أن تكون قبل النطق بالحكم.
فإذا كان القانون يعاقب على الفعل بخمس سنوات ثم جاء القانون" الجديد يخف المدة إلى ثالثة سنوات في
هذه الحالة" يستفيد المتهم من التخفيف بشـرط ،يكون قبل صدور الحكم النهائي.
-2إذا كان القانون" الجديد يبيح الفعل المعاقب عليه في ظل قانون قديم :ينطبق القانون الجديد بأثر" رجعي
ولو بعد الحكم النهائي ألن القاعدة أنه ال جريمة وال عقوبة إال بنص القانون.
تحديد المقصود بعدم رجعية القانون:
توجد نظريات ومذاهب عديدة تحدد المقصود من رجعية القانون وأهمها النظرية" التقليدية و النظرية
الحديثة.
المطلب األول
النظرية التقليدية
-96أوال :األساس ":مضمون هذه النظرية" مدى تطبيق القانون" الجديد على واقعة معينة أو مركز قانوني
معين دون تطب يقه بأثر رجعي ( مبدأ عدم رجعية القانون ).
وفي هذه الحالة نبحث عن تطبيق القانون سوف يمس حق مكتسب Droit acquisفي القانون" القديم؟
وفي هذه الحالة ال يجوز تطبيقه" ألن تطبيقه يعني رجعية القانون وذلك يخالف مبدأ عدم رجعية القانون.
أما إذا لم يمس القانون" الجديد بحق مكتسب وفقا للقانون القديم ال يعتبر ذلك مخالفاً" لمبدأ عدم الرجعية.
إذن النظرية التقليدية تفرق بين الحق المكتسب وبين مجرد االحتمال باالعتداء على حق مكتسب وهو ما
يسمى بمجرد األمل.
وبالرغم من بساطة إال أنها أثارت" خالفا في الفقه حول مضمون الحق المكتسب "،ومجرد األمل:
-1الحق المكتسب :عرف البعض الحق المكتسب تعريفا ضيقا" بأنه " الحق الذي دخل ذمة صاحبه نهائيا"
بحيث ال يجوز نزعه دون رضائه ".
32
ومنهم من توسع في التعريف فيعتبر " الحق قد اكتسب متى قام سبب االكتساب ولو لم يدخل الحق ذمة
صاحبه بعد ".
مثال :وفقا للتعريف الضيق يكتسب الشخص الحق في الملكية" بعد تسجيلها" وشهرها رسميا ،أمل في
التعريف الموسع يكتسب الحق بمجرد الشـراء ألنه سبب الملكية.
-2أما مجرد األمل فإنه ترقب اكتساب" حق في المستقبل" كاإلرث "،الوصية "،فال تثبت الحقوق إال بموت
المورث.
-97ثانيا ":استثناءات" من مبدأ عدم الرجعية:
تحيز النظرية" التقليدية تطبيق القانون" بأثر رجعي ولو مس بحقوق مكتسبة في عدة حاالت استثنائية"
وهي:
-1حالة النص الصـريح :يطبق القانون الجديد بأثر رجعي إذا تضمن القانون" نصا صريحا يجيز تطبيق
القانون" بأثر" رجعي.
-2القوانين" المتعلقة" بالنظام والقوانين" العامة ":ترى النظرية التقليدية" أن احترام الحقوق المكتسبة ال
يوقف تطبيق القانون" على الماضي متى كانت المصلحة العامة تقتضي ذلك.
ولما كان الغرض في القوانين المتعلقة بالنظام" العام واآلداب العامة تحقيق المصالح العامة ،فإنها تطبق
بأثر" رجعي ولو كان ذلك يشكل مساسا بحقوق مكتسبة.
ومثال ذلك القوانين" التي تحرم المخدرات :فإذا صدر قانون جديد يدخل مادة جديدة ضمن المواد المخدرة
وكانت مباحة في القانون" القديم يسـرى القانون بأثر رجعي ،حيث ال يجوز تملك هذه المواد واالحتفاظ" بها ،بل
يجب تسليمها للسلطات العامة.
-3حالة التشـريع التفسيري ":إذا صدر قانون جديد لتفسير" قانون سابق (سابقا فقرة ،)72فإنه يسرى
اعتبارا من تاريخ نفاذ القانون" السياسي.
وفي جميع الحاالت" ال يمتد أثر القانون" الجديد على اكتساب" الحقوق التي حسم النزاع بشأنها سواء بحكم
القضاء" أو بإنهاء المنازعة بالصلح.
-98ثالثا :تقدير النظرية" التقليدية:
نجحت النظرية خالل القرن" التاسع" عشـر والقت رواجا كبيرا بين رجال الفقه والقضاء الفرنسيين "،حيث
كان معيار الرجعية يتحدد على أساس المساس أو عدم المساس بالحقوق المكتسبة.
أما الفقه الحديث فينتقد النظرية" من عدة جوانب:
-1مصطلح الحقوق المكتسبة يواجهه معنى عكسيا "،هو :الحقوق الغير المكتسبة ،وهذا غير صحيح في
اكتساب" الحق يعني وجوده.
-2لم يتفق على تحديد معنى المكتسب وأن كان االتفاق على وجوب احترام المشرع للحق المكتسب"،
ولكن ماهو هذا الحق؟
-3اختالف المعايير التي تميز بين الحق المكتسب وبمجرد األمل ترتب عليه اختالف النتائج.
-4تحديد معنى الرجعية غير دقيق في النظرية" التقليدية فهي تعتبر" من قبيل الرجعية القانون الجديد الذي
يرفع سن الرشد وفي الواقع ال توجد رجعية حيث يعد البالغ لسن الرشد في القانون القديم قاصراً في ظل القانون
الجديد.
المطلب الثاني
النظرية الحديثة
-99يتحدد نطاق تطبيق القانون من حيث الزمن بمايلي:
أ -شق سلبي ":وهو أن القانون ليس له أثر رجعي ،فهو ال يسـرى على ما تم بالماضي قبل تاريخ العمل
به.
ب -شق إيجابي :وهو أن القانون سيرى مباشرة على كل ما يحدث من تاريخ البدء في العمل بالقانون.
ونتكلم فيما يلي على الشقين":
-100أوال :انعدام األثر الرجعي للقانون :لتحديد معنى انعدام األثر الرجعي للقانون" توجد عدة صور
مختلفة:
33
-1القانون" الجديد ينظم تكوين المركز القانوني :إذا كان القانون الجديد ينظم المركز القانوني" فإنه ال
يسرى على المراكز القانونية التي صدرت قبل العمل بالقانون الجديد أي في ظل قانون قديم.
فإذا كان القانون" القديم يجيز للزوج تطليق زوجته بإرادته المنفردة دون حاجة إلى اللجوء إلى المحكمة
ثم صدر قانون جديد يحضر الطالق باإلرادة المنفردة فال ينطبق القانون" على الطالق الذي وقع قبل العمل
بالقانون" الجديد ،وهو ما ذهبت إليه الفقرة الثانية" من المادة 42من القانون" المدني حينما نصت على مايلي:
" ويسـرى على انحالل الزواج واالنفصال" الجسماني" القانون" الوطني الذي ينتمي إليه الزوج وقت رفع
الدعوى ".
-2القانون الجديد ينظم آثار المركز القانوني :إذا كان القانون الجديد ينظم اآلثار المترتبة على مركز
قانوني معين فال يسرى على اآلثار التي ترتبت بالفعل في ظل القانون السابق.
ومثال ذلك إذا كان القانونالسابق يقرر انتقال الملكية دون شرط التسجيل" وصدر القانون الجديد الذي
يشترط تسجيل العقود النتقال" الملكية فإنه ال ينطبق على العقود التي أبرمت قبل العمل به(.)1
جـ -القانون" الجديد ينظم انقضاء المركز القانوني :المراكز القانونية التي انقضت" في ظل قانون سابق ال
يسرى عليها" القانون" الجديد فإذا كان القانون يقرر سقوط الحق في إقامة الدعوى إذا لم يقم الدائن بإنذار المدين
خالل مدة شهر وانقضـىالشهر" دون اإلنذار يسقط الحق في إقامة الدعوى ثم صدر قانون جديد يطيل مدة اإلنذار
إلى شهرين فإنه ال ينطبق على الحقوق التي سقطت بفوات مدة اإلنذار.
-101ثانيا "-األثر المباشر" أو الفوري للقانون ":تنص المادة الثانية من القانون المدني:
" ال يسرى القانون إال على ما يقع في المستقبل وال يكون له أثر رجعي.
وبمقتضى هذا النص ينطبق القانون" على كل ما يقع بعد نفاذه ،طبقا لنص المادة الرابعة منه التي تنص
على أن " :تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في
الجريدة الرسمية "،وتكون نافذة المفعول بالجزائر" العاصمة بعد مضـي يوم كامل من تاريخ نشـرها وفي النواحي
األخرى في نطاق كل دائرة بعد مضي يوم كامـل من تاريــخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد
على ذلك تاريخ ختم الدائرة الموضوع على الجريدة ".
أ-حاالته :نفصل فيما يلي هذا المبدأ على الحاالت التالية:
-1انطباق القانون" الجديد على تكوين المراكز القانونية" الجديدة :أي مركز قانون يتم تكوينه بعد صدور
القانون" الجديد ينطبق عليه هذا القانون.
وإذا كان تكوين المركز القانوني" يستغرق زمنا بحيث ينشأ في القانون" القديم ويتم عند العمل بالقانون"
الجديد في هذه الحالة ينطبق القانون" الجديد.
مثال :إذا صدر قانون جديد ينظم شروط استحقاق العامل لمكافئة الخدمة ينطبق على كل عالقات العمل
الناشئة وفقا للقانون القديم والمستمر ال وقت العمل بالقانون" الجديد.
-2انطباق القانون" على اآلثار المستقبلة" للمراكز" القانونية السابقة:
يكون المركز القانوني وآثاره المترتبة عليه في ظل قانون جديد خاضعة له.
ولكن يثار" األشكال إذا كان تطوين المركز في ظل قانون قديم بينما" آثاره نشأت" بعد صدور قانون جديد.
ومثال ذلك :إدا صدر قانون جديد ينظم التأمين ضد إصابات العمل ينطبق على اإلصابات" التي حدثت قبل
العمل به متى كانت" آثارها" لم تحدث وتظهر إال في ظل القانون الجديد .
-3انطباق القانون" الجديد على انقضاء" المراكز القانونية:
إذا انقضـى مركز قانوني في ظل سابق على القانون الجديد يطبق القانون" األخير النقضاء المركز
بالقانون" القديم ولو تكون خالله المركز القانوني.
1
( -)1قررت المحكمة العليا في القضية رقم 44507بتاريخ:1987-02-23 ":
" بأنه ال يسرى القانون" إال على ما يقع في المستقبل وال يكون له أثر رجعي ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقاً" للقانون".
-ولما كان من الثابت في قضية الحال أن الدعوى رفعت قبل صدور قانون األسرة فإن قضاة الموضوع الذين قضوا برفع النفقة اعتماداً على المادة
79من قانون األسرة طبقوا قانونا ً غير موجود وقت الواقعة.
-ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه ".
34
مثال :إذا كان القانون" اشترط إلنقضاء الدين قبول المدين لإلبراء" الصادر عن الدائن "،وصدر قانون جديد
يكتفي بإرادة الدائن وحده.
ب-االستثناء من قاعدة األثر المباشر :كما سبق وأن رأينا أن األثر المباشر" للقانون يمتد إلى المستقبل
ويوجد على هذا االستثناء" على هذه القاعدة في حالة اآلثار" الخاصة" بالمراكز" القانونية القدية.
ومضمون هذا االستثناء أن اآلثار المستقبلة" للعقود المستمرة والتي أبرمت قبل العمل بالقانون" الجديد
يسـرى عليها القانون القديم ويطلق على هذا االستثناء " األثر المستمر للقانون القديم " إذ بمقتضاه يستمر
القانون" القديم في حكم اآلثار المترتبة" على مراكز قانونيةتكونت وفقا للقانون" القديم.
وتبرير ذلك االستثناء هو مبدأ " العقد شريعة المتعاقدين " واحترام إرادةالمتعاقدين حتى ال يؤدي ذلك
إلى اإلخالل بالتوازن" العقدي بالنسبة" ألطرافه وطالما لن يترتب" عليه إهدار الحقوق الغير وال يخالف النظام" العام
أو اآلداب العامة.
وقد نص القانون" المدني في المادة 106على " العقد شريعة المتعاقدين "،فال يجوز نقضه وال تعديله إال
باتفاق الطرفين أو لألسباب التي يقررها" القانون ".
وقد استقرت" قرارات المحكمة العليا على تأكيد ذلك في قراراتها بان" العقد شريعة المتعاقدين فال يجوز
نقضه وال تعديله إال باتفاق الطرفين أو لألسباب التي يقررها القانون ،والقضاء" بغير ذلك يعد خرقا ً للقانون"
وتجاوز للسلطة"(.)1
المحور الخامس
إلغاء القانون
-102يقصد بإلغاء القانون عدم العمل بالقاعدة القانونية سواء بتغييرها أو إلغائها نهائيا.
القانون ليس مؤبدا فله بداية ونهاية "،حيث له نطاق زمني :يبدأ من تاريخ نفاذه والعمل به وينتهي
باإللغاء أي رفع وإزالة قوته الملزمة" وإنهاء العمل به وعدم ترتيب" آثاره.
ويقتصـر إلغاء القانون على آثاره المستقبلية" ( األثر الفوري ) فال يرجع للماضي ( عدم الرجعية ).
سلطة اإللغاء
-103القاعدة أن السلطة التي تكلك إلغاء القاعدة القانونية هي التي تملك إنشاءها" أو سلطة أعلى منها،
ألن من يملك األكثر يملك األقل.
وقد نصت المادة الثانية" ( فقرة أولى ) من القانون" المدني الجزائري على أنه:
" ال يجوز إلغاء القانون" إال بقانون" ال حق ينصر صراحة على هذا اإللغاء "
ومعنى ذلك:
1
(-)1القضية رقم 29500في.1983-02-07 :
-القضية رقم 49174في1987-06-17 :
-القضية رقم 182863في1998 -12-08 :
35
أ-النص الدستوري ال يلغى إال بنص الدستور.
ب-القانون ال يلغى إال بقانون آخر أو بالدستور.
جـ-الالئحة ( مرسوم رئاسي ) ال تلغى إال بنص الئحة أو قانون.
وعليه ،يمكن للدستور أن يلغي القانون" أو الالئحة" ألنه القانون" األعلى" واألسمى ولكن ال يجوز لالئحة" أو
القانون" إلغاء نص دستوري ،ألن التشـريعات" ليست" من نوع واحد وإنما هي متدرجة بحسب قوتها ،كما رأينا
( سابقا ،فقرة 42وما بعدها ).
أنواع اإللغـــــــــاءـ
يأخذ إلغاء التشريع" عدة صور:
-من حيث أثره ،يقسم اإللغاء إلى :إلغاء كلي وإلغاء جزئي.
-ومن حيث الطريقة" التي يتم بها ،يقسم إلى :إلغاء صريح وإلغاء ضمني.
أوال
اإللغاء الكلي واإللغاء الجزئي
-104يكون اإللغاء كليا أو جزئيا":
-أوال :اإللغاء" الكلي :إذا ألغي القانون" الجديد القانون" القديم كلية بحيث" تزول جميع آثاره نهائيا ً من تاريخ
العمل بالقانون الجديد.
ً
-ثانيا ":ويكون اإللغاء جزئيا" إذا تم تعديل بعض نصوص وأحكام ومواد القانون فقط دون أن يمتد اإللغاء
إلى كل وجميع النصوص والمواد.
أوال-
اإللغاء الصريحـ واإللغاء الضمني
-105أوال :اإللغاء" الصـريح :ويكون بصدور تشـريع جديد ينص صراحة على إلغاء التشريع السابق،
ويأخذ صورتين:
* الصورة األولى :اإللغاء الصـريح يكون بصدور تشريع جديد ينص صراحة على مايلي:
-إلغاء التشريع" القديم أو عبارة ( يستبدل ).
-أو إلغاء ما يخالفه" من أحكام.
* الصورة الثانية ":أن يتضمن التشريع القائم بندا ينص على مايلي:
-العمل بالقانون مدة مؤقتة ( 03سنوات مثال ) ،حيث يعتبر القانون" ملغى بعد مرور ثالث سنوات.
-العمل بالقانون لحين تحقيق أمر معين فإذا تحقق ألغي القانون.
مثال :فرض األحكام العسكرية حتى زوال حالة الحرب.
-106ثاني""ا :اإللغ""اء الض""مني ":ال ينص المش""رع على إلغ""اء التشـريع الس""ابق ص""راحة ومباش""رة وإنم""ا
يستخلص" ذلك من ظروف الحال ،وهو ما يتجلى" في صورتين":
-تعارض قاعدة قانونية جديدة مع قاعدة قديمة.
-تنظيم التشريع" الجديد لموضوع سبق تنظيمه في تشريع قديم.
وهو ما أشار إليه القانون المدني الجزائري في الفقرة الثانية من المادة الثانية حينما نصت على أن:
" اإللغاء قد يكون ضمينا إذا تضمن القانون الجديد نصا" يتعارض" مع نص القانون القديم أو نظم من جديد
موضوعا ًسبق أن قرر قواعد ذلك القانون" القديم".
-107الصورة األولى :التعارض" بين قاعدة قانونية جديدة وقاعدة قديمة:
عندما تتعارض قاعدتان معا تطبق القاعدة الجديدة التي تتعارض" مع القاعدة القديمة.
والتعارض نوعان:
36
* النوع األول :التعارض" الكلي :إذا كان التعارض كليا ً بين قاعدتين قانونيتين ال تثور صعوبة ،حيث
تطبق القاعدة القانونية الجديدة.
مثال :القانون القديم يبيح عمال ما ،والقانون" الجديد يحرمه.
وبالتالي" فإن كل ارتكاب" لذلك العمل يصبح جريمة.
* النوع الثاني ":التعارض الجزئي :إذا كان التعارض بين قاعدة عامة واألخرى خاصة في هذه الحالة"
نواجه فرضين:
-الفرض األول :إذا كانت القاعدة القانونية القديمة عامة والقاعدة القانونية" الجديدة جزئية في هذه
الحالة يجب العمل بالقاعدة القديمة ويلغى الجزء القديم المتعارض" مع القاعدة الجديدة.
-الفرض الثاني :إذا كانت القاعدة القانونية القديمة خاصة والقاعدة القانونية الجديدة عامة في هذه
الحالة ال تلغى القاعدة القديمة إال بقاعدة قانونية خاصة ألن الحكم الخاص" ال يلغى ضمنياً" إال بحكم خاص مثله،
إذ القاعدة أن " الخاص" يقيد العام "
مثال :لو صدر قانون يقضـي بنقل الملكية بعد تسجيلها" لدى الموثق وشهرها ثم صدر قانون آخر يتضمن
حكما ً عاما ً بمقتضاه انتقال الملكية بأي تصـرف ناقل للملكية" يبقي دائما قانون التسجيل" والشهر قائما كحكم
خاص.
-108الصورة الثانية ":إذا نظم القانون الجديد موضوعا ً سبق أن قرر قواعده القانون" القديم ،فإن هذا
األخير يعتبر ملغى ضمنيا.
37