Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في مادة:
الضـبـــــط اإلداري
ألقيت على طلبة السنة الثالثة حقوق
تتطلب حياة الفرد في المجتمع تمتعه بمجموعة من الحقوق والحريات ،كما تتطلب دخوله
مع نظرائه في عالقات ومعامالت مختلفة ومتعددة وقيامه بنشاطات كثيرة ومتنوعة ،مما قد
يؤدي في الكثير من الحاالت إلى تعارض مصالح هؤالء ،ومن ثم تسود الفوضى وتشب
الصراعات .ولذلك يستوجب األمر وضع حدود لممارسة هذه الحقوق والحريات واألنشطة.
حيث أكدت المادة 4من حقوق اإلنسان والمواطن الفرنسي لسنة 9871على نسبية الحريات
بقولها " :إن حرية الفرد تلقى حدها الطبيعي عند ممارسة سائر أفراد الجماعة لحرياتهم
بالمثل" ،1والمقصود من ذلك أن حرية الفرد يجب أن تنتهي حين تبدأ حريات اآلخرين.
يتم وضع هذه الحدود أوال :بواسطة مجموعة من القواعد القانونية تصدر عن البرلمان
تتضمن ضبط تلك الحقوق والحريات وتنظيم تلك العالقات والمعامالت واألنشطة ،بما يؤدي
إلى إقامة التوازن واالستقرار بما يضمن النظام والصالح العام .وإذا كان من المفروض أن
تكون الحريات المكفولة بالدستور والمنظمة بالقوانين هي السد المنيع أو الحاجز الذي يجب أن
تقف عنده سلطات الضبط اإلداري ،فتمتنع عن كبت هذه األخيرة ،فإن ذلك في المقابل يهدف
إلى المحافظة على النظام العام في المجتم ع ،الذي أصبح ضرورة اجتماعية باعتباره يكفل
التمتع بالحريات من دون فوضى أو تعسف أو تعدي بإزالة التعارض بين ممارسة الحرية
وتنظيمها ،والبحث عن الضوابط التي يتعين االلتزام بها عند ممارسة وظيفة الضبط اإلداري في
إطار ضرورات المحافظة على النظام العام.2
1عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،نظرية الضبط اإلداري في النظم الوضعية المعاصرة والشريعة اإلسالمية ،دار الفكر الجامعي،
اإلسكندرية ،8007 ،ص.6
2المرجع نفسه ،ص ص.7-8 .
1
ويتم ثانيا :بواسطة تدخل السلطة اإلدارية بما تفرضه من قيود على هذه الحريات عن طريق ما
تتمتع به هيئات الضبط اإلداري من صالحيات ،وهو القسم الرئيسي من نشاط اإلدارة الذي
تهدف من خالله إلى المحافظة على النظام العام في الظروف العادية واالستثنائية.3
المستوى الثاني :إداري نطلق عليه مصطلح الضبط اإلداري وهو المقصود بالدراسة ،حيث تعد
هذه ال وظيفة من أهم الوظائف اإلدارية للدولة وأجهزتها التابعة لها وعلى رأسها السلطة
التنفيذية ،4مهما كانت درجة االنفتاح ودرجة االهتمام بالحريات العامة في الدولة ،فالهدف من
هذه الوظيفة هو تنظيم التمتع بهذه الحقوق والحريات التي كرستها مختلف القوانين في الدولة
وعلى رأسها الدستور ،على أساس من المساواة وحسن االستعمال ،وضمان المحافظة على
النظام العام في إطار الحدود المرسومة سواء في الظروف العادية حيث تمارس سلطات الضبط
اإلداري في أضيق الحدود أو االستثنائية ،حيث تستدعي صيانة الحقوق والمحافظة على النظام
العام توسيع سلطات الضبط اإلداري.
باإلضافة إلى القسم اآلخر من هذا النشاط وهو المرفق العمومي ،بعد توسع تدخالت الدولة الحديثة بإنشائها المشاريع 3
والمرافق العامة التي تقدم الخدمات والمنتجات لألفراد ،حيث أصبح نشاط الدولة يتفرع إلى فرعين رئيسيين :نشاط الضبط
اإلداري الذي يهدف للمحافظة على النظام العام ونشاط اإلدارة واإلشراف على المرافق العمومية من أجل إشباع الحاجات
العامة .أنظر :عبد الغني بسيوني عبد اهلل ،النظرية العامة في القانون اإلداري ،دراسة مقارنة ألسس ومبادئ القانون اإلداري
وتطبيقها في مصر ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،8002 ،ص.278 .
وقد زادت هذه األهمية في العصر الحديث نتيجة توسع تدخالت الدولة ،ومنه توسعت المجاالت التي تهدف فيها الدولة 4
3
الفصل األول :مفهوم الضبط اإلداري وأهدافه
يتطلب توضيح مفهوم الضبط اإلداري وأهدافه التطرق للعناصر التالية :مفهوم الضبط
اإلداري وما يتضمنه من تعريف لهذه الوظيفة وتحديد طبيعتها ،ثم التمييز بين هذه الوظيفة
وبعض الوظائف القريبة منها مثل الضبط التشريعي ،المرفق العام والضبط القضائي بالنظر
للتشابه الموجود بينها ،وأخيرا تحديد أنواع الضبط اإلداري ضضبط إداري عام وضبط إداري
ض مبحث أول) ،ونتطرق الحقا ألهداف وظيفة اإلداري التقليدية والحديثة ض مبحث خاص)
ثان) .
اختلف كل من الفقه والقضاء اإلداري في وضع تعريف دقيق للضبط اإلداري بالنظر
للمرونة التي تميز هذه الوظيفة .كما اختلفا في تحديد ووضع المعايير التي يتم على أساسها
التمييز بين هذه األخيرة وبعض الوظائف القريبة منها ،ولكنهما اجمعا على تقسيم الضبط
اإلداري إلى ضبط إداري عام وخاص .لذلك سنضمن هذا المبحث ثالثة مطالب تتمثل في
تعريف الضبط اإلداري وطبيعته ضالمطلب األول) ،التمييز بين وظيفة الضبط اإلداري وبعض
الوظائف القريبة منها الضبط التشريعي ،المرفق العمومي والضبط القضائي (المطلب الثاني)
وأنواع الضبط اإلداري :ضبط إداري عام وضبط إداري خاصض المطلب الثالث).
ولكن قبل التطرق لمفهوم الضبط اإلداري سيكون من المالئم التطرق لنبذة تاريخية حول
مصطلح ووظيفة الضبط اإلداري والتي يطلق عليها أيضا البوليس اإلداري.
نبذة تاريخية:
ترجع أصول كلمة بوليس إلى اإلغريق ،وكانت تعني المسئول على أمن المجتمع
المتمدين . 5أما في عهد الرومان ،فقد كانت وظيفة الضبط من مهام الحكام والتي اختلطت مع
اختلف األساتذة العرب في استعمال كلمتي ضبط وبوليس ،حيث فضلوا إحداهما على
األخرى ،فمنهم من فضل كلمة ضبط على أساس أنها كلمة عربية وأن بوليس ترجمة حرفية
للكلمة الفرنسية " ،"policeومنهم من فضل كلمة بوليس .7أما في القرن 98فقد استخدم
مصطلح policeفي فرنسا للداللة على مجموع القواعد واألوامر التي يقتضيها تحقيق أهداف
الجماعة السياسية ،أو بمعنى أخر هو مجموع األوامر الملكية والتنظيمات التي تهم كل نواحي
الحياة المجتمعية .أما بعد قيام الثورة الفرنسية وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات ،حيث تم
الفصل بين الضبط اإلداري والضبط القضائي ،فقد أصبح الضبط اإلداري في عالقة مع
الحريات الفردية التي تشكل مضمونه وحدوده .8وأصبح المعنى من الدولة البولسية ينصرف
إلى الدولة القانونية التي يحل فيها مبدأ سيادة القانون محل استبداد الحكام ،9وذلك بخضوع
الدولة لمبدأ المشروعية والمسؤولية في إطار عام يميزه االهتمام أكثر بالحريات وحمايتها.10
طبعت وظيفة الضبط اإلداري في البداية بالطابع المحلي من غير القومي ،وذلك ما أكده
العديد من الفقهاء الفرنسيين أمثال Pierre-Henri Teitgen :و Maurice Hauriou
و Barthelmyوغيرهم ،على اعتبار أن المسائل المتعلقة باألمن ،السكينة والصحة في المدن
تهم بشكل أكبر الهيئات المحلية ال الدولة .وقد تبنى مجلس الدولة هذا المفهوم للضبط كوظيفة
محلية في البداية ،عندما رفض اعتبار رئيس الجمهورية هيئة تتمتع بوظيفة الضبط اإلداري في
قضية Labonneالشهيرة حيث جاء فيها ..." :ومن حيث أنه إذا كانت القوانين خاصة تلك
الصادرة في 88ديسمبر 9871و 7جانفي 9816و 5أفريل 9774كلفت السلطات اإلقليمية
6
Ch.-E. Minet, droit de la police administrative, Vuibert public droit, Paris, 2007, pp. 8-9.
7عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص.99.
8 Ch.-E. Minet, Op.Cit. , pp. 10-13.
9نواف كنعان ،القانون اإلداري الكتاب األول ،ماهية القانون اإلداري ،التنظيم اإلداري ،النشاط اإلداري ،دار الثقافة للنشر
والتوزيع ،عمان ،8007 ،ص ص.866-865 .
10
Ch.-E. Minet, Op.Cit. , pp. 10-13.
5
والبلدية بالسهر والمحافظة على الطرق العامة وعلى أمن المرور ،فلرئيس الدولة دون أي
تفويض تشريعي وبمقتضى سلطاته الذاتية أن يحدد من بين تدابير الضبط تلك الواجب تطبيقها
في جميع األحوال ،على أن يكون مفهوما تماما أن السلطات المذكورة أعاله تحتفظ كل فيما
يخصها بكامل االختصاص التام لتضيف إلى الالئحة العامة الصادرة عن رئيس الجمهورية كل
11
. األحكام التكميلية التي قد يقتضيها الصالح العام في النطاق المحلي"
ولعل السبب في التركيز على البعد المحلي هو إغفال الجانب الموضوعي لوظيفة الضبط
اإلداري ،والنظر إليها من زاوية شكلية ،على اعتبار أن السلطات المحلية منحت صالحيات
ضبطية على أساس قدرتها على تقدير الحاجات المحلية أكثر من السلطات المركزية .لكن
المسألة ال تتعدى كونها مسألة توزيع اختصاصات بين السلطة المركزية والمحلية ،وأن هذه
األخيرة إذا أهملت أو تقاعست في أداء واجباتها تحل محلها السلطة المركزية من جهة ،وأن
السلطات المحلية وهي تقوم بهذه الصالحيات يجب أن تحترم اللوائح الصادرة عن السلطات
المركزية ،وذلك ما اتجه إليه العديد من الفقهاء أمثال ،Eismanحيث تم التأكيد على البعد
القومي لوظيفة الضبط اإلداري وفقا للمفهوم الحديث لها نتيجة شمول هذه األخيرة كافة
المجاالت واألنشطة واألمكنة.
اختلف كل من الفقه والقضاء والمشرع حول وضع تعريف دقيق للضبط اإلداري ،لكنهم
أجمعوا حول التركيز على الهدف منه وهو حماية وصيانة النظام العام بعناصره المتعددة .كما
اختلف الفقه حول طبيعته ،فمنهم من اعتبره وظيفة سياسية تخضع لطبيعة ونوع نظام الحكم
السائد في الدولة ومنهم من اعتبره وظيفة قانونية محايدة.
6
سنتطرق ضمن هذا المطلب لتعريف الضبط اإلداري ض الفرع األول) وطبيعة الضبط
اإلداري ض الفرع الثاني) .
سنعرض من خالل هذا الفرع لتعريف الضبط اإلداري لغة واصطالحا ثم من المنظور
التشريعي فالقضائي وأخيرا من الناحية الفقهية.
المعنى العضوي :يقصد به الهيئات واألجهزة اإلدارية التي تمارس هذه الوظيفة في إطار
السلطة التنفيذية ،أو مجموع الموظفين المكلفين بمهمة الضبط.13
معجم المعاني الجامع ،معجم عربي عربي ،متوفر على الموقع من االنترنت: 12
لم يتعرض المشرع سواء في فرنسا أو مصر أو الجزائر لتعريف الضبط اإلداري تعريفا
دقيقا ،14إنما تناوله من خالل أهدافه ،ومبرر ذلك أن الغرض األساسي العام والنهائي للضبط
هو المحافظة على النظام العام ،هذه الفكرة هي فكرة نسبية مرنة ومتطورة تختلف باختالف
الزمان والمكان.
وفي مواجهة هذا القصور تدخل القضاء والفقه إلعطاء تعريفات مختلفة للضبط اإلداري
باختالف الفقهاء ونظرتهم لهذه الوظيفة.
كان للقضاء الدور األكبر واألهم في ابتكار وصياغة أغلب إن لم نقل كل نظريات
القانون اإلداري ،ومن هذه المبادئ والنظريات نظرية الضبط اإلداري ،مبادئها ،أحكامها
وضوابطها ،لكنه بالرغم من ذلك كان أكثر تفصيال فيما يتعلق بأهدافها.
تعريف الضبط اإلداري في الفقه الفرنسي :عرفه الفقيه Maurice Hauriouبأنه ":كل ما
يستهدف به المحافظة على النظام العام في الدولة" ،وعرفه André Délaubadaireأنه" :
شكل من أشكال تدخل بعض الهيئات اإلدارية ،يتضمن فرض قيود على حريات األفراد بهدف
المحافظة على النظام العام" .15كما عرفه George Vedelبأنه" :مجموع أصناف النشاطات
14ناصر لباد ،الوجيز في القانون اإلداري ،دار المجدد للنشر والتوزيع ،سطيف ،8090 ،ص.954.
15 « La police administrative est une forme d’intervention qu’exercent certaines autorités
administrative et qui consiste a imposer, en vue d’assurer l’ordre public des limitations aux libertés
des individus » voir,
المرجع نفسه ،ص 954.عن،
8
التي يكون موضوعها إصدار قواعد عامة أو تدابير فردية إلقرار النظام العام" .عرفه
Charles Debaschبأنه" :نوع من أنواع التدخل في األنشطة الخاصة لوقاية النظام العام".
أما Jean Riveroفقد عرفه بأنه" :مجموعة من القيود المفروضة على النشاط الفردي بغرض
المحافظة على النظام في المجتمع" .أما Marcel Valineفهو في نظره "قيد تقتضيه المصلحة
العامة تفرضه السلطة العامة على نشاط المواطنين" ،أما Pascuفقد عرفه بأنه ":سلطة سياسية
لها حق الرقابة والدفاع عن كيان الدولة ويمتلك في سبيل تحقيق غايتها الحق في إجبار األفراد
على احترام نظام الدولة ولو بالقوة".16
يبدو أن القاسم المشترك بين كل هذه التعاريف ،هو اعتبار الضبط مجموع التدابير
واإلجراءات التي تستهدف وقاية وحماية النظام العام في المجتمع من كل ما يهدد استقراره،
والتي تتضمن فرض قيود على حريات األفراد.
سليمان محمد الطماوي عرفه بأنه ":حق اإلدارة في أن تفرض على األفراد قيودا تحد بها من
حرياتهم بقصد حماية النظام العام".
أما عبد الغني بسيوني فقد عرفه كما يلي " :تنظيم الدولة بطريقة وقائية لضمان سالمة وأمن
المجتمع ،فالضبط في معناه العام هو تنظيم وقائي وهو بهذا المعنى يختلف عن النظام القانوني،
الذي ال يتدخل إال لمحاسبة األفراد عما يقع منهم من جرائم أو مخالفات".17
A .Delaubadaire, manuel de droit administratif, 11eme, éd., L.G.D.J , Paris , 1978.
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص ص.89-80. 16
عبد الغني بسيوني عبد اهلل ،القانون اإلداري دراسة تطبيقية ألسس ومبادئ القانون اإلداري وتطبيقها في مصر التعريف 17
بالقانون اإلداري -المركزية اإلدارية -الالمركزية اإلدارية -التركيز وعدم التركيز اإلداري -أعمال السلطة اإلدارية -الضبط
اإلداري -المرافق العامة -القرارات اإلدارية -العقود اإلدارية -أموال السلطة اإلدارية -امتيازات السلطة اإلدارية ،منشأة
المعارف ،اإلسكندرية ،9110 ،ص.287.
9
عرفه أحمد كمال أبو المجد كالتالي " :سلطة البوليس هي الوسائل القانونية السليمة والمقصود
بها عادة مجموع السلطات الحكومية العامة التي تهدف إلى المحافظة على األمن والصحة
والسكينة وتحقيق الرفاهية التي تتيح للدولة في سبيل ذلك أن تقيد الحقوق والحريات الخاصة".18
عرفه طعيمة الجرف بأنه ":وظيفة من أه م وظائف اإلدارة تتمثل في المحافظة على النظام العام
بعناصره الثالث األمن العام ،الصحة العامة والسكينة العامة ،عن طريق إصدار القرارات
الالئحية والفردية واستخدام القوة المادية مع ما يتبع ذلك من فرض قيود على الحريات الفردية
تتطلبها الحياة االجتماعية".19
عرفه ماجد راغب الحلو بأنه " :مجموع ما تفرضه السلطة العامة من أوامر ونواه وتوجيهات
ملزمة لألفراد ،بغرض تنظيم حرياتهم العامة أو بمناسبة ممارستهم نشاط معين بقصد صيانة
النظام العام في المجتمع" .20
عرفه محمد عاطف البناء بأنه ":النشاط الذي تتواله الهيئات اإلدارية يتضمن تقييد النشاط
الخاص بهدف صيانة النظام العام ،وعكس ذلك يتميز الضبط اإلداري بما يترتب عليه من تقييد
للحريات الفردية بما يستهدفه من محافظة على النظام العام في المجتمع".21
أما محمود سعد الدين الشريف فقد عرفه بأنه " :وظيفة ضرورية محايدة من وظائف السلطة
العامة تهدف على وقاية النظام العام في المجتمع بوسائل القسر في ظل القانون".22
وعرفه عبد الرؤوف هاشم بسيوني بأنه " :مجموع التدابير واإلجراءات التي تتخذها اإلدارة
والتي تمثل قيدا على حريات األفراد بقصد تنظيم هذه الحريات والمحافظة على النظام العام
وحمايته".23
الوظيفة العامة -األموال العامة -القرار اإلداري -العقود اإلدارية ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ،8005 ،ص.
.967
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص .82. 20
10
أما في الفقه الجزائري ،فقد عرفه عمار عوابدي بأنه ":كل األعمال واإلجراءات والقواعد التي
تقوم بها السلطة اإلدارية المختصة على األفراد لتنظم بها نشاطهم وتحدد مجاالته ولتقيد
حرياتهم في حدود القانون بقصد حماية النظام العام ووقاية المجتمع ضد كل ما يهدده".24
يمكن أن نستخلص من خالل كل هذه التعاريف عناصر وظيفة الضبط اإلداري كالتالي:
-هي مجموعة من التدابير واإلجراءات في شكل وسائل تدخل مختلفة ومتنوعة ضقرارات
تنظيمية ،قرارات فردية ،أوامر ،قوة جبرية.)...
-تتضمن فرض قيود على الحقوق والحريات واألنشطة الفردية.
-تفرضها السلطات اإلدارية المختصة في الدولة ضمركزية ومحلية).
-الهدف منها وقاية النظام العام في المجتمع من وقوع االضطرابات.
-تتخذ هذه التدابير في حدود ما يسمح به القانون ومبدأ المشروعية .
-تتميز وظيفة الضبط اإلداري بالصفة االنفرادية والتقديرية .
اختلف الفقه حول طبيعة الضبط اإلداري فيما إذا كان ذو طبيعة قانونية ومحايدة ضأوال)
أم أنه ذو طبيعة سياسية ضثانيا).
يعتبر الضبط اإلداري وفقا لهذا االتجاه وظيفة قانونية ضرورية ومحايدة ،وهي من
وظائف السلطة العامة ،وذلك يتأتى من خضوعها في جميع إجراءاتها للتنظيم التشريعي ولسيادة
القانون.
عمار عوابدي ،القانون اإلداري ،الجزء الثاني ،النشاط اإلداري ،ط 4.د.م.ج ،الجزائر ،8008 ،ص ص.90-08. 24
11
-وظيفة الضبط هي ضرورة اجتماعية :حيث ال يمكن أن يوجد مجتمع من دون ضبط،
فتنظيم الحقوق و الحريات يحتاج إلى هذه الوظيفة حتى ال يساء استعمالها ،وفي الوقت نفسه ال
يمكن أن يوجد إجراء من إجراءات الضبط إال إذا كان ضروريا لتحقيق الحماية للنظام العام.
ويعود هذا االعتقاد لكل من الفقيه المصري سعد الدين الشريف والفقيه الفرنسي Ulmanالذي
اعتبر أن الضبط اإلداري وظيفة ضرورية للمجتمع ،فال يوجد مجتمع من دون ضبط ،وأنه على
سلطات الضبط اإلداري المكلفة بحماية النظام العام في الدولة أن تتخذ التدابير الالزمة
والضرورية بهدف وقاية النظام العام وإال انحرف الضبط عن وظيفته األساسية ،وعند ذلك
يتحول من وظيفة محايدة إلى وظيفة سياسية .ويترتب على ذلك نتيجتين هامتين تتمثالن فيما
يلي:
-9ضرورة تفسير امتيازات الضبط اإلداري المقررة تشريعيا تفسيرا ضيقا احتراما
للحرية.
-8عدم المساس بالحريات والحقوق إال بأقل التدابير شدة متى كان ذلك كافيا لتحقيق
الهدف وهو المحافظة على النظام العام ضعنصر المالئمة).25
-أنها وظيفة محايدة :بمعنى أنها ال تخضع للسياسة وال ترتبط بفلسفة سياسية معينة،
فالمفروض أن هيئات الضبط أثناء قيامها بوظيفة الضبط تضع في األساس مسألة كيفية
السماح لألفراد لممارسة الحريات دون اإلخالل بالنظام العام ،ومنه فهي تملك في مواجهتها
سلطة تنظيمية ال تحريمية ،وليس مسألة كيفية حفظ النظام العام .26لكن الواقع في الكثير من
الحاالت يثبت العكس أي أن تقييد الحريات يرتبط بنظام الحكم.
-2خضوع الضبط اإلداري لسيادة القانون " مبدأ المشروعية".
يجب أن تخضع كل تدابير وإجراءات الضبط للقانون وتكون مرتبطة بمبدأ المشروعية،
فتجد سندها وأساسها ومرجعها في الدستور أوال والتشريعات ثانيا.
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص ،87 .عصام علي الدبس ،القانون اإلداري ،الكتاب األول ،ماهية القانون 25
اإلداري ،التنظيم اإلداري ،النشاط اإلداري ،دار الثقافة للنشر والتوزيع،عمان ،8094 ،ص.455 .
المرجع نفسه ،ص.29. 26
12
اعتماد وظيفة الضبط على وسائل وامتيازات السلطة العامة :فكل اإلجراءات -4
والتدابير ومن ضمنها القرارات واللوائح التي تصدرها مختلف الهيئات اإلدارية على اختالف
درجاتها ،هي امتيازات ووسائل منحها إياها القانون من أجل المحافظة على النظام العام،
وبالخصوص تلك المتمثلة في استخدام القوة المادية ض التنفيذ الجبري إلكراه األفراد على
احترامها بغاية حماية النظام العام).
13
ثانيا :وظيفة الضبط اإلداري وظيفة سياسية
يعتبر هذا االتجاه أن الضبط اإلداري ذو طبيعة سياسية ،على اعتبار أنه مظهر من
مظاهر سيادة الدولة ،فهو يمثل الوسيلة التي تستعين بها الدولة للدفاع عن وجودها وفرض
إرادتها .27ويرجع الفضل للفقيه الفرنسي Pascuفي إبراز المظهر السياسي لوظيفة الضبط في
الدولة البولسية بتعريفها كالتالي " :هي سلطة سياسية لها حق الرقابة والدفاع عن كيان الدولة
تمتلك في سبيل ذلك الحق في إجبار األفراد على احترامهم نظام الدولة ولو بالقوة" .28بينما
توصل الدكتور محمد عصفور إلى أن النظام العام في جوهره فكرة سياسية ،فحتى ولو كان في
ظاهره يهدف إلى المحافظة على األمن في الشوارع ،لكنه في حقيقته يهدف إلى تحقيق األمن
الذي تشعر به سلطات الحكم .29وللتدليل على هذه الطبيعة السياسية يؤكد أن هناك قيما ومبادئ
تشترك فيها المجتمعات وتتعلق بالنظام العام ،حيث يهدف الضبط إلى الوقاية من اإلخالل
بالنظام العام بعناصره ،وهناك قيما ومبادئ تتفاوت وتختلف فيها المجتمعات وتتعلق بحماية
السلطة ،أ ي حماية نظام الحكم ،حيث تتذرع السلطة الحاكمة بالدستور والقانون ،والتي يضعونها
خدمة لمصالحهم وإ يديولوجياتهم للقيام بسلطة الضبط اإلداري .ويشير الدكتور محمد عصفور
أن استغالل الدولة لوظيفة الضبط أمر طبيعي ذلك أن مرد حماية النظام العام وأمنه العام ال
تكون لألفراد فقط بل النظام بشكل عام ،ألن مؤسساته وهيئاته تنمو واألمن الذي يتمتع به
األفراد هو ذاته الذي يتمتع النظام والكيان السياسي ليس بمعزل عن األفراد وهذا ما يعكسه
اآلمن في الشارع الذي هو مرآة األمن السياسي الذي يريده الحاكم .30فليس هناك ما يمنع من
28محمد محمد بدران ،مضمون فكرة النظام العام ودورها في مجال الضبط اإلداري ،دراسة مقارنة في القانونين المصري
والفرنسي ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،9118 ،ص ص.986-984.
المرجع نفسه ،ص ص .928-986 29
14
تسخير الضبط اإلداري لحماية السلطة ال سيما إذا كانت ضمن إطار حماية النظام العام ،ألن
الحقوق والحريات الفردية لم تأت من فراغ بل نصت عليها دساتير دول العالم.31
ويرجح أغلب الفقه االتجاه األول على اعتبار أنه يمثل الطبيعة الصحيحة والسليمة للضبط ،أما
االتجاه الثاني ،والذي يمثل الواقع أو التطبيق العملي لغالبية الدول ،فإنه يؤدي إلى التضييق على
الحريات وخنقها بذريعة المحافظة على النظام العام ،واعتماد هذا االتجاه يؤدي إلى اعتبار
وظيفة الضبط عمل من أعمال السيادة ومنه يقصى من الرقابة القضائية.32
المطلب الثاني :التمييز بين وظيفة الضبط اإلداري وبعض الوظائف الشبيهة بها (الضبط
التشريعي ،المرفق العمومي والضبط القضائي).
هناك بعض األنظمة تشبه إلى حد بعيد وظيفة الضبط اإلداري إلى حد الخلط بينها ،لذلك
سنقوم بالتمييز بين وظيفة الضبط اإلداري وهذه األنظمة المشابهة لها ،والتي تعد وظائف للدولة
وهي الضبط التشريعي ،المرفق العمومي والضبط القضائي.
وعلى العموم يضع أغلب الفقه معيارين أساسيين للتمييز بين هذه األنظمة األول إجرائي،
وهو يتضمن اإلجراءات والتدابير التي تستخدمها هذه الهيئات أثناء أداء الوظيفة .والثاني غائي
يرتكز على تحديد الهدف من اتخاذ تلك اإلجراءات والتدابير ،ويمكن إضافة معايير أخرى
كالمعيار العضوي والمتعلق بطبيعة الهيئة.
عدنان الزنكة ،سلطة الضبط اإلداري في المحافظة على جمال المدن وروائها ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت،8099 ، 31
ص.28.
عصام علي الدبس ،المرجع السابق ،ص.456 . 32
15
أن الحقوق والحريات بعد أن يكرسها الدستور يحيل هذا األخير للسلطة التشريعية حتى تنظمها
وتحدد نطاق ممارستها .33ومن األمثلة عن التشريعات الصادرة عن البرلمان في مجال الضبط:
ثم يأتي دور السلطة التنفيذية للتدخل في إطار تلك التشريعات البرلمانية لحماية النظام العام
بواسطة اللوائح التنظيمية والقرارات الفردية مركزية ومحلية ،حيث تعمل وتتدخل من أجل ذلك
تطبيقا للتشريعات البرلمانية .38لكن ذلك ال ينفي إمكانية تدخل سلطات الضبط اإلداري
باال ستقالل عن القوانين بواسطة لوائح الضبط المستقلة الصادرة عن رئيس الجمهورية في إطار
توزيع االختصاصات بين البرلمان والسلطة التشريعية ،39بمعنى أخر يمكن للسلطة التنفيذية
راجع نص المادة 988من دستور 9116التي حددت في فقراتها " يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له 33
الدستور ،وكذلك في المجاالت اآلتية -9 :حقوق األشخاص وواجباتهم األساسية ،السيما نظام الحريات العمومية وحماية
الحريات الفردية وواجبات المواطنين -5.القواعد العامة المتعلقة بوضعية األجانب -98 .القواعد العامة المتعلقة بالصحة
العمومية والسكان -91.القواعد العامة المتعلقة بالبيئة وإطار المعيشة والتهيئة العمرانية -80.القواعد العامة المتعلقة بحماية
الثروة الحيوانية والنباتية"....
ج .ر عدد 44بتاريخ .8007-07-02 34
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص ص.21-27 . 38
تكرست اللوائح المستقلة سواء في النظام الفرنسي بموجب المادة 28من الدستور أو الجزائري بموجب نص المادة 985 39
يجب أن نشير إلى أنه ال يقتصر الضبط التشريعي على تنظيم وضبط الحقوق والحريات بل
ي تعداها إلى تنظيم المرافق العمومية والمشاريع العامة ،وهو عندما ينظم نشاطا لألفراد فيخضعه
لقيود معينة ،فإنه ال يتقيد بأهداف النظام العام من سكينة وصحة وأمن ،وإنما يمكن أن تفرض
قيودا أخرى تحقق أهداف أخرى.41
أثير الجدل الفقهي في فرنسا حول العالقة بين الضبط اإلداري والمرفق العام ،وكانت
نتيجته اإلجماع على أن الوظيفتين تختلفان من حيث طبيعة النشاط خصوصا بعد سنة ،429150
حيث يقوم المرفق العام بتقديم خدمات وحاجيات ،ويقوم الضبط اإلداري بضبط النشاط الخاص
لألفراد وتنظيم الحقوق والحريات بهدف المحافظة على النظام العام.
لكن ظهر في الوقت الحالي اتجاه جديد يقضي بوجود نوع من التداخل أو التقارب بين
الوظيفتين ،وذلك باالنطالق من المعيار العضوي ،حيث يعتبر الضبط اإلداري مرفقا عاما على
اعتبار أنه مجموعة من الموظفين يضعون قواعد وقرارات وأعوان ينفذون ،ومن بينهم أعوان
الشرطة والدرك ،فهذا التنظيم يكون مرفقا عاما بالمعنى العضوي الذي تمارس بداخله السلطة
فقد حكم مجلس لدولة الفرنسي بأن اإلدارة ملزمة بالتدخل إذا توفرت دواعي الضبط اإلداري ،حتى ولو لم ينص القانون 40
على تصرف بذاته لمواجهة تلك الحالة .أنظر :هاني علي الطهراوي ،القانون اإلداري ،التنظيم اإلداري ،النشاط اإلداري ،دار
الثقافة ،عمان ،8006 ،ص.881 .
41عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص ص.40-21 .
قبل هذا التاريخ هيمنت مدرسة السلطة العامة و من بعدها مدرسة المرفق العام على اعتبار أن النشاط اإلداري في مجمله 42
يتمحور إما حول السلطة العامة أي مجموع امتيازات السلطة العامة أو المرافق العمومية.
17
التنظيمية من طرف رئيس المصلحة .ولكنه مرفقا عاما ذو طبيعة خاصة ترتبط بمجموعة من
االعتبارات من أهمها:43
بالنظر ألهمية التمييز بين الضبط اإلداري والضبط القضائي ،أولى الفقه والقضاء أهمية
بالغة للتمييز بينهما باالستناد إلى مجموعة من المعايير للتمييز ،وذلك بسبب التقارب الشديد
الموجود بينهما يصل إلى حد التداخل في الكثير من الحاالت ،وذلك ما صعب عملية التمييز
للعديد من االعتبارات من أهمها:
18
/9يتعلق االعتبار األول بالهدف من الوظيفتين ،إذ تتحدان أو تشتركان في هدف المحافظة على
النظام العام داخل الدولة ،مع اختالف األسلوب والوسائل ،لذلك يقال أن الهدف من الضبط
اإلداري وقائي بينما الهدف من الضبط القضائي قمعي وعالجي وردعي.
/8يتعلق االعتبار الثاني بالتكامل بين الوظيفتين ،إذ يتدخل أعوان الضبطية القضائية لتتبع
الجريمة بعد وقوعها ،للوصول إلى توقيع العقاب بعد عجز سلطات الضبط اإلداري عن توقيف
مسار الجريمة قبل وقوعها بواسطة مالحظة ومراقبة األفراد في إطار ممارستهم لحرياتهم
ونشاطاتهم الخاصة .ويبقى بالرغم من ذلك مجال تدخل الضبط اإلداري لمنع تفاقم االضطرابات
والفوضى.
/2يتعلق االعتبار الثالث بجمع بعض أعوان الضبط بين الوظيفتين :والمثال البارز هنا يتعلق
أوال برجال الشرطة والدرك في إطار تنظيم المرور أو تطبيق قرارات وأوامر سلطات الضبط
اإلداري ،وذلك يندرج ضمن وظيفة الضبط اإلداري .بينما يقومون بمراقبة أماكن معينة أو
أشخاص معينين لالشتباه بهم أو مالحقة مجرمين ،وذلك يندرج في إطار الضبط القضائي.
ويتعلق ثانيا برئيس البلدية الذي تمنحه نصوص قانون البلدية صفتين للتدخل :صفته كسلطة
ضبط إداري بموجب المواد 14-71-77من قانون البلدية رقم 90-99المؤرخ في -88
،448099-06وصفة ضابط الشرطة القضائية بناء على نص المادة 95من قانون اإلجراءات
الجزائية والمادة 18من قانون البلدية .والوالي الذي يتمتع بوظيفة الضبط اإلداري بناء على
45
نص المادتين 998و 994من قانون الوالية رقم 08 -98المؤرخ في 8098-08-89
وسلطة تعقب المجرمين وإصدار األوامر بالقبض عليهم بناء على نص المادتين 996و997
من قانون الوالية المذكور أعاله ،وكذلك المادة 87من قانون اإلجراءات الجزائية التي منحته
صالحيات في مجال الضبطية القضائية.
19
بالرغم من هذا التداخل بين الضبط اإلداري والضبط القضائي ،فقد اجتهد كل من الفقه
والقضاء اإلداري إليجاد معايير للتمييز تتمثل فيما يلي:
المعيار العضوي:
يمكن التمييز على أساس هذا المعيار بين الوظيفتين من حيث كون السلطة التنفيذية هي
التي تتولى وظيفة الضبط اإلداري ،ومنه فإن العمل الصادر عنها يعد عمال إداريا .أما وظيفة
الضبط القضائي فتقوم بها السلطة القضائية ممثلة في القضاة وأعضاء النيابة العامة ومأموري
الضبط القضائي ويكون العمل الصادر عنها عمال قضائيا.46
بالرغم من بساطة وسهولة هذا المعيار ،إال أنه ال يستطيع احتواء حالة االزدواج
الوظيفي التي يتميز بها بعض الموظفين العموميين كرئيس البلدية ،الوالي وأعوان الشرطة
القضائية حيث يمارس هؤالء بعض مهام الشرطة القضائية بالنسبة لرئيس البلدية والوالي
وبعض مهام الضبط اإلداري بالنسبة ألعوان الشرطة القضائية والدرك .باإلضافة إلى ارتكاز
هذا المعيار على ظاهر األمور دون مضمونها وجوهرها.
يقوم هذا المعيار على الغاية من العمل ،فالغاية من الضبط اإلداري هي وقاية النظام
العام من حدوث الجرائم والمخالفات بمنعها من الحدوث ،ومنه حدوث الفوضى واالضطراب
الذي يؤدي إلى اإلخالل بالنظام العام .أما الضبط القضائي فغايته قمع الجرائم بالكشف عنها
والتحقيق فيها وجمع األدلة وتمكين العدالة الجنائية من المجرم لتحاكمه.47
محمد عبيد الحسناوي القحطاني ،الضبط االداري في دولة االمارات العربية المتحدة ،التزام الحدود وحيادية التنفيذ ،دار 46
الكتب المصرية ،القاهرة ،8005 ،ص ص68-64.؛ عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص.42.
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص،44. 47
20
يرتكز معيار الغاية على الهدف من اإلجراء من دون االهتمام بالهيئة التي اتخذته ،فتكون
وظيفة الضبط من طبيعة قضائية إذا كان الهدف منها العقاب على جرم محدد ،وعلى العكس من
ذلك تكون من طبيعة إدارية إذا كان الهدف منه الوقاية من االضطرابات التي تهدد النظام
العام.48
-حتى ولو كانت الجريمة غير موجودة ،فاإلجراء المتخذ هو إجراء ضبط قضائي.
-حتى ولو كانت الجريمة مفترضة ،أو اعتقد بأن الفرد المالحق قد ارتكب جريمة يبقى
اإلجراء للضبط قضائي.49
-قد ينتج عن تطبيق المعيار الغائي التحول في طبيعة اإلجراء من ضبط إداري إلى ضبط
قضائي.
-يسمح تطبيق هذا المعيار للقاضي إعادة تكييف اإلجراء ،إذا اكتشف أن تكييف اإلجراء
األول خاطئ.
50
: ومع ذلك توجد بعض االستثناءات على تطبيق المعيار الغائي تتمثل فيما يلي
-الخاصية الوقائية جزئيا لبعض تدابير الضبط القضائي ،مثل إجراء الحبس االحتياطي.
-الخاصية العقابية لبعض تدابير الضبط اإلداري ،مثل العقوبات اإلدارية كسحب الرخص
وغلق المحل ،طرد أجنبي...
-إمكانية حدوث الخلط بين التدبيرين أو اإلجراءين في حالة المراقبة والتفتيش.
المعيار الموضوعي:
يرتكز هذا المعيار على موضوع اإلجراء ،فإذا كان يدخل في نطاق المراقبة واإلشراف
من أجل المحافظة على النظام العام فهو إجراء ضبط إداري ،أما إذا كان مضمونه االستدالل
48
Ibid., pp. 74-78.
49محمد عبيد الحسناوي القحطاني ،المرجع السابق ،ص ص.80-61.
50
La police administrative, cours de droit net, www.cours-de-droit.net/cours-d-droit-
administratif/la-police-administrative, a3410980.htlm ( 30/09/2015).
21
والبحث عن الجرائم ومعاقبة مرتكبيها فهو إجراء ضبط قضائي بغض النظر عن الهيئة التي
صدر منها .والمثال على ذلك عون الشرطة مثال عندما يتدخل في إطار وظيفة الضبط اإلداري
لتنظيم المرور ،ثم تحدث مخالفة اجتياز حاجز المراقبة ،فيتدخل بصفته ضابط شرطة قضائية
لكون اإلجراء تم بعد وقوع الفعل بهدف العقاب عليه.51
المعايير القضائية :اتبع القضاء اإلداري الفرنسي العديد من المعايير من بينها المعيار
الغائي في العديد من القرارات التي أصدرها ،من أهمها :القرار الصادر عن محكمة التنازع
الفرنسية الصادر بتاريخ 9192-98-92في قضية Dame Diormetوقرارات صادرة عن
مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 9148-08-99وبتاريخ ،9159-05-99ولكنه قبل ذلك كان
مترددا بين المعيار العضوي والغائي.53
أما مجلس الدولة المصري فقد تبنى المعيار الموضوعي في قرار له بتاريخ 9152-06-9
لمحكمة القضاء اإلداري ،كما أخذت هذه المحكمة في أحكام أخرى سابقة بالمعيار العضوي في
حكم لها بتاريخ ، 9141-02-81ثم تبنت الحقا المعيار الغائي والمعيار المختلط في حكم لها
بتاريخ .549154-98-92
إذن من الواضح أن كال من القضاء الفرنسي والمصري لم يتبن معيارا واحدا من دون
المعايير األخرى بل كان مترددا بين هذا وذاك ،ولعل السبب في ذلك يرجع إلى تشعب وتركيب
مجاالت تدخل هيئات الضبط اإلداري واختالف الحاالت التي يتم االعتماد فيها على أكثر من
معيار ،أو في كل مرة على معيار من المعايير السابقة ،وأن كل معيار من المعايير السابقة قابلة
للتطبيق في كل مرة.
هاني علي الطهراوي ،المرجع السابق ،ص825 .؛ محمد عبيد الحسناوي القحطاني ،المرجع السابق ،ص ص.67-68. 51
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص ص.46-45 . 52
53
Ch.-E. Minet, Op.Cit., pp. 71-74.
/ 9أعمال الضبط اإلداري تخضع إلشراف ورقابة السلطة التنفيذية ،أما أعمال الضبط القضائي
فتخضع إلشراف السلطة القضائية ضمن نيابة عامة وقضاة).
/ 8اختالف الهيئتين القائمتين على الوظيفتين ينتج عنه اختالف الجهة المختصة بالمنازعات ،إذ
يختص القضاء اإلداري بمنازعات الضبط اإلداري ،بينما تختص المحاكم العادية بمنازعات
الضبط القضائي.
/2نشاط الضبط اإلداري يقبل الطعن باإللغاء ويخضع إلجراءات وقف التنفيذ ،وعلى العكس
من ذلك ال يقبل نشاط الضبط القضائي الطعن باإللغاء وإنما لطعون أخرى كالمعارضة،
االستئناف والنقض ،كما ال يخضع إلجراءات وقف التنفيذ.
/4اختالف قواعد المسؤولية التي يخضع لها كال من النشاطين ،فالقاعدة المقررة أن أعمال
الضبط اإلداري يمكن أن يثير مسؤولية اإلدارة إذا ما توفرت أركان المسؤولية من خطأ وضرر
وعالقة سببية .56أما بالنسبة ألعمال الضبط القضائي ،فإثارة مسؤولية الدولة عن األخطاء
55
Ch.-E. Minet, Op.Cit., pp. 84-86.
ويمكن أن تثار مسؤولية هيئات الضبط اإلداري على أساس المخاطر ،في حالة عدم ثبوت وقوع خطأ من اإلدارة. 56
23
الواقعة من سلطة الضبط القضائي تحكمها قاعدة انتفاء المسئولية إال إذا قرر المشرع عكس ذلك
صراحة.57
إذا كان المقصود بالضبط اإلداري مجموع التدابير واإلجراءات التي تتخذها السلطات
اإلدارية المختصة من أجل المحافظة على النظام العام بصفة وقائية ،فيترتب عليها فرض قيود
على الحقوق والحريات ،فإن هذه القيود يختلف مجال تطبيقها ،فمنها ما يطبق بشكل عام ومنها
ما يطبق بشكل خاص .لذلك قسم الفقه الضبط اإلداري إلى نوعين :ضبط إداري عام وضبط
إداري خاص.
لذلك سنتطرق في هذا المطلب لتعريف كل نوع من الضبط اإلداري ض العام والخاص) ض الفرع
األول) و التمييز بين هذين النوعين من الضبط االداري ضالفرع الثاني).
كما سبق تعريفه من قبل ،الضبط اإلداري هو مجموع القرارات والتدابير واإلجراءات
المتخذة من طرف اإلدارة في جميع المجاالت وأوجه النشاط الفردي بهدف المحافظة على
النظام العام ووقايته بعناصره التقليدية والحديثة بصفة وقائية لمنع حدوث االضطرابات
والفوضى.
كرس المؤسس الدستوري هذا المبدأ ضمن المادة 41من الدستور بنصها األتي" يترتب على الخطأ القضائي تعويض من 57
الدولة ويحدد القانون شروط التعويض وكيفياته" والتي تقابلها ضمن التعديل الدستوري لسنة 8096الصادر بالقانون رقم -96
09المؤرخ في 8096-02-06يتضمن التعديل الدستوري ،ج.ر عدد 94بتاريخ ،8096-02-08المادة 69بالمضمون
نفسه.
24
يصنف هذا النوع من الضبط اإلداري حسب مجال تطبيقه أو إعماله إلى ضبط إداري
عام وطني يشمل مجاله جميع اإلقليم بغض النظر عن التخصص وضبط إداري عام محلي
يشمل تطبيقه في جزء معين من اإلقليم كالوالية والبلدية.
المقصود بالضبط اإلداري الخاص صيانة النظام العام في إطار ضيق ،بتقييد نشاطات
األفراد وحرياتهم في مجال وقطاع أو نشاط محدد .فنكون في مواجهة ضبط إداري خاص من
حيث:
-الهيئة التي تمارس وظيفة الضبط اإلداري :حيث يكون ضبطا إداريا خاصا إذا مورس
من طرف هيئة مختلفة مبدئيا عن الهيئة المختصة بالمحافظة على النظام العام ض هيئة ضبط
إداري عام) ،كأن ت تحول سلطة الضبط اإلداري من رئيس البلدية إلى الوالي .مثال :تعود سلطة
ضبط الصيد للوالي بدال من رئيس البلدية بموجب نص القانون رقم 08-04المؤرخ في -94
8004-07المتعلق بالصيد .58أو من الوزير األول إلى الوزير المكلف بالقطاع .مثال :ضبط
السينما يعود لوزير الثقافة في مجال منح التأشيرات والرخص الستيراد وإنتاج وعرض األفالم
وليس للوزير األول .59لكن المبدأ العام أن سلطات الضبط اإلداري العام هي نفسها التي يمنحها
المشرع سلطات الضبط اإلداري الخاص.60
-التدابير المتخذة :قد يكون ضبطا إداريا خاصا عندما يمارس بتدابير وإجراءات مختلفة
عن تلك التي يمارس بموجبها الضبط اإلداري العام .مثال في مجال ضبط السينما ال يمكن
لوزير الثقافة أخذ قرار منح الرخصة إال بعد استشارة لجنة تصنيف األعمال السينماتوغرافية .
كما ال يمكن منح التراخيص في مجال إنشاء المؤسسات المصنفة من طرف الوزير أو الوالي
59بموجب القانون رقم 02-99المؤرخ في 8099-08-98يتعلق بالسينما ،ج.ر عدد 92بتاريخ .8099-08-87
60
Ch.-E. Minet, Op.Cit., pp. 107-108.
25
حسب الحالة ،إال بعد القيام بدراسة أو موجز التأثير على البيئة ودراسة خطر وتحقيق
عمومي.61
-الهدف المحدد :يكون الهدف من الضبط اإلداري الخاص مختلفا كليا أو جزئيا عن هدف
الضبط اإلداري العام وهو المحافظة على النظام العام .مثال :هدف وظيفة الضبط اإلداري في
مجال الصيد هو حماية بعض أصناف الحيوانات في طريقها لالنقراض .يهدف الضبط اإلداري
في مجال اآلثار إلى حماية التراث األثري من االعتداء عليه .تهدف شرطة اإلشهار باللوحات
االشهارية أو اإلعالنية إلى المحافظة على البيئة .تهدف شرطة السينما إلى حماية الطفولة
والشباب واحترام شرف اإلنسان.62
-الموضوع :يكون ضبطا إداريا خاصا إذا تعلق بتنظيم نشاط معين بتشريعات خاصة
بالنظر لخطورة وأهمية النشاط ،حيث تمنح سلطة الضبط اإلداري الخاص سلطة أكبر من سلطة
الضبط اإلداري العام ،وهي تتعلق مثال بالنشاطات الخطيرة الضارة بالصحة ،المقلقة للراحة،
قوانين تنظيم المرور ،إقامة المباني.63
-األشخاص :يكون ضبطا إداريا خاصا إذا كان يخص طائفة معينة كاألطباء ،الصيادلة،
األجانب ،64البدو والرحل.
بموجب نص المادة 5ممن المرسوم التنفيذي رقم 917-06المؤرخ في 8006-05-29يضبط التنظيم المطبق على 61
المؤسسات المصنفة ،ج.ر عدد 28بتاريخ ،8006-06-04الذي ألغى المرسوم التنفيذي رقم 221-17المؤرخ في -02
9117-99المتضمن التنظيم الذي يطبق على المنشات المصنفة ويحدد قائمتها ،ج.ر عدد .78
62
P. Tibune, droit administratif francais-cinquieme pertie, www. Revuegeneraledu
droit.eu/blog/2013/08/11droit-administratif-francais-cinquiemme-partie-chapitre-1, ( 28-09-2015).
63القانون رقم 95-07المؤرخ في 8007-08-80المحدد لقواعد مطابقة البنايات واتمام انجازها ،ج.ر عدد 44بتاريخ
.8007-07-02
المرسوم الرئاسي رقم 859-02المؤرخ في 8002-08-91المتضمن تطبيق األمر رقم 899-66المؤرخ في -89 64
9166-08المتعلق بوضعية األجانب في الجزائر ،ج.ر عدد 42بتاريخ .8002-08-80القانون رقم 99-07المؤرخ في
8007-06-85المتعلق بشروط دخول األجانب للجزائر وإقامتهم بها وتنقلهم فيها.
26
تبنى الفقه عدة معايير للتمييز بين الضبط اإلداري العام والخاص من أهمها المعيار اإلقليمي
أو المكاني ،ولكنه غير كاف للتمييز ،إلى جانب المعيار العضوي الذي يعد قاصرا ألن الهيئة
نفسها قد تتمتع بصالحيات ضبط إداري عام وخاص مثلما تم ذكره أعاله .ومنه تم االستناد
على معيار الهدف أو الغاية .فيكون الهدف من الضبط اإلداري العام دائما المحافظة على النظام
العام ،بينما يكون الهدف من الضبط اإلداري الخاص ذا مضمون أكثر تحديدا وخصوصية،65
لكن بالرغم من ذلك ترد استثناءات على هذا المعيار تتعلق بعناصر التداخل بين النوعين من
الضبط:
-فالضبط اإلداري العام يهدف دائما وكليا لحماية النظام العام بعناصره التقليدية أو الحديثة،
أما الضبط اإلداري الخاص فال يهدف لحماية النظام العام فقط ،وإنما قد تكون هناك أهدافا
أخرى.
-قد يكون الهدف من الضبط اإلداري الخاص حماية النظام العام في قسم منه مثل الضبط
المتعلق بالمسافرين ،األجانب .كما قد تكون له أهداف أخرى غير النظام العام مثل الضبط
المتعلق باألمالك العمومية :حيث يتمثل الهدف الخاص في المحافظة على هذه األمالك
وحمايتها ،أما الهدف العام فيتمثل في حماية أمن المواطنين بتنظيم المرور فيها .66يتمثل
الهدف الخاص في مجال الصيد البحري أو البري في حماية الثروة الحيوانية التي هي في
طريقا االنقراض بينما يتمثل الهدف العام في حماية الصيادين والسياح المتجولين..
-مبدئيا يجب أن تحترم السلطات اإلدارية المحلية السلطات العليا في قراراتها الضبطية ،لكن
استثناءا يمكن تخصيص اإلجراءات المتخذة من طرف السلطات المحلية بشرط أن تكون
أكثر شدة ومتناسبة مع الخصوصيات والظروف المحلية.
فقد توسعت مجاالت الضبط اإلداري الخاص بتوسع وتشعب تدخالت الدولة،حيث ظهرت مجاالت ضبط الهجرة ،الثقافة، 65
المؤسسات الخطيرة ،الصيد،النقل ،سباق الخيول ،الطيور ،المسافرين ،اآلثار ،الهجرة ،السينما ،البدو والرحل.....
أنظر المادة 51من القانون رقم 94-07المؤرخ في 8007-08-80المتضمن تنظيم األمالك العمومية ،ج.ر عدد 44 66
بتاريخ .8007-07-02
27
-يمكن أن تحل السلطات العليا محل السلطات الدنيا في ممارسة الضبط اإلداري ،مثال حلول
الوالي محل رئيس البلدية.
-ممارسة سلطة الضبط اإلداري الخاص ال تقصي ممارسة سلطة الضبط اإلداري العام ،فنجد
مثال في مجال الضبط اإلداري الخاص في مجال السينما :يملك وزير الثقافة سلطة منح
التأشيرات أو الرخص لعرض األفالم ،ولكن يمكن لرئيس البلدية إصدار قرار بمنع عرض
فيلم حصل على رخصة العرض من الوزير تحت مبرر خصوصيات محلية تهدد النظام العام
في البلدية ،كما حصل في قضية لوتيسيا.67
-عندما تملك الهيئة السلطتين معا للضبط اإلداري العام والخاص ،فال يجب أن تنحرف
إلى استعمال إجراءات ضبطية في غير محلها ،حيث تستعمل مثال سلطات الضبط اإلداري العام
ألنها أبسط من حيث اإلجراءات من سلطات الضبط اإلداري الخاص ،في مجال سلطة ضبط
إداري خاص ،مثال :يملك رئيس البلدية سلطة ضبط إداري عام بموجب نصوص البلدية في
مجال التعمير ويملك سلطة الضبط اإلداري الخاص بموجب القانون رقم 04-99المؤرخ في
68
أو بموجب القانون 8099-08-98المحدد للقواعد المنظمة للترقية العقارية المعدل والمتمم
رقم 80-09المؤرخ في 8009-98-98المتعلق بتهيئة اإلقليم وتنميته المستدامة.69
أجمع الفقه والقضاء اإلداريين على أن هدف وظيفة الضبط اإلداري يتمحور حول النظام
العام ،هذا األخير هو فكرة مرنة متطورة بتطور الزمان والمكان ،باإلضافة إلى أنها فكرة
67وتتلخص وقائع القضية في أن عمدة بلدية نيس منع عرض بعض األفالم في إقليم البلدية بدعوى أنها تتجافى واللياقة واآلداب
العامة ،على الرغم من أن هذه األفالم قد حصلت على رخصة من الجهات الوزارية المختصة بالرقابة على األفالم .طعنت الشركة
المنتجة لبعض هذه األفالم في قرار العمدة أمام محكمة نيس اإلدارية ،ثم استأنفت الحكم أمام مجلس الدولة ،مثيرة مشكلة سلطات
العمدة المحلية في مواجهة سلطة الموافقة الوزارية .ولقد أثيرت مسألتين قانونيتين األولى ،هل تؤدي سلطة رقابة ممنوحة لهيئة
وزارية إلى استبعاد ممارسة هيئة محلية لسلطتها الضبطية .فإذا كانت اإلجابة بالنفي ،فما هي األسس التي يتأسس عليها حظر
العمدة لعرض الفيلم .وأجاب مجلس الدولة بأن استعمال سلطة عليا لصالحياتها الضبطية ال يقف عقبة أمام استعمال السلطة المحلية
سلطتها عندما تبرر الظروف المحلية إصدار إجراء أكثر شدة .أنظر محمد محمد بدران ،المرجع السابق ،ص،301-301.
)E. Guerrin, les autorités de police administrative, www.wikiterrilorial.cufpt.fr, (20-10-2015
68مرجع سابق.
ج.ر عدد 88بتاريخ .8009-98-95 69
28
واسعة وشاملة لكل فروع النظام القانوني في الدولة ،ولكنها مختلفة من فرع على أخر من حيث
مضمونها ،إطارها ،أسبابها وإجراءاتها .وهناك أيضا إجماع فقهي وقضائي حول عناصر ثالثة
لهذه الفكرة توصف بالثالثية التقليدية هي األمن العام ،الصحة العامة والسكينة العامة.70
وهناك اتجاهات حديثة في الفقه والقضاء والتشريع توسع من أبعاد الضبط اإلداري وأهدافه
لتشمل النظام العام الخلقي ضاآلداب العامة) ،النظام العام المتعلق بجمال المدن ورونقها ،النظام
العام االقتصادي والنظام العام البيئي.
سنقسم هذا المبحث لمطلبين اثنين ،نتناول في مطلب أول األهداف التقليدية للضبط اإلداري وفي
مطلب ثان نتناول األهداف الحديثة للضبط اإلداري.
تدور األهداف التقليدية حول فكرة النظام العام ،لذلك سنقسم هذا المطلب إلى فرعين
اثنين يتضمن األول مفهوم النظام العام أما الثاني فيتضمن عناصر النظام العام.
كغيرها من األفكار تعرضت فكرة النظام العام لالهتمامات الفقهية والقضائية بشأن
تعريفها وتحديد خصائصها.
عرفه جانب من الفقه بأنه مجموع الشروط الالزمة الستتباب األمن واآلداب العامة ،التي
ال غنى عنها لقيام عالقات سلمية بين المواطنين بما يتناسب و عالقاتهم االقتصادية.
29
المالحظ على هذا التعريف أنه واسع جدا يرتكز على تحديد المتطلبات التي تعد أساسية لحماية
الحياة في المجتمع .وقد اختلف الفقه في تعريف النظام العام من زاويتين ،من زاوية أولى،
هناك من عرفه تعريفا سلبيا ،حيث عرفه الفقيه الفرنسي M.Hauriouبأنه "حالة واقعية
تعارض حالة واقعية أخرى هي الفوضى" وذلك معناه أن الهدف من الضبط سلبي ال يسمح
بوقوع اضطرابات ،وال يتدخل إال إذا حدث التهديد بالنظام العام .71ولكن تطور هذا التعريف
بعد ذلك إلى البعد اإليجابي بارتكازه على تحديد واجبات الدولة لتحقيق االستقرار نتيجة توسع
وتشعب تدخالت هذه األخيرة ،وتطور االجتهاد القضائي وما تبعه من اتساع لفكرة النظام
العام .72وقد أكد الدكتور محمد عصفور على أنه ال يمكن أن يعرف النظام العام التقليدي
تعريفا سلبيا وهو اختفاء اإلخالل ،وإنما يجب أن ينطوي على معنى استثنائي يتجاوز النتيجة
المباشرة ،ولذلك لم يعد الهدوء العام مثال يعني اختفاء الضجة واالضطرابات الخارجية وإنما
يعني راحة السكان ،بمعنى اختفاء الجانب السلبي لتحل محله سياسة عامة لتنظيم وتحقيق
االنسجام في المجتمع.
أما من زاوية ثانية ،فقد ذهب العديد من الفقهاء إلى تحديد مضمون فكرة النظام العام ،ولكنهم
اختلفوا في شموله للجانب المادي فقط أم المعنوي أيضا .فمن الفقهاء الذين اكتفوا في تعريفهم
لفكرة النظام العام بالجانب المادي على غرار الفقيه الفرنسي ،M.Hauriouالذي اعتبر أن
مفهوم النظام العام يشمل العناصر التقليدية الثالث .أما في المقابل فمن الفقهاء من ذهب في
تعريفه للنظام العام على اعتبار شموله الجانب المادي واألدبي معا ،ومنهم الفقيه الفرنسي
M.Valineالذي اعتبر أن النظام العام فكرة غامضة وواسعة ال تقتصر على النظام العام
المادي فحسب بل يشمل أيضا النظام األدبي ،وكذلك الفقيه الفرنسي ،G.Burdeauحيث شملت
فكرة النظام العام عنده الجانب المادي واألدبي واالقتصادي وتمتد لتغطي كافة صور النشاط
ص.29.
30
االجتماعي .وقد أيد هذا االتجاه الدكتور محمد عصفور .73وكان هذا االتجاه الثاني محل إجماع
الحق من الفقهاء.
تميز موقف القضاء اإلداري الفرنسي من تعريف النظام العام باالختالف بين مرحلتين:
-مرحلة ما قبل سنة :9151حيث كان يخرج المسائل المتعلقة باآلداب العامة واألخالق
من نطاق النظام العام ،ومن أهداف الضبط اإلداري ،ومنه كانت إجراءات وتدابير الضبط
اإلداري المتعلقة بهذا الجانب والتي تمس حقوق وحريات األفراد تتعرض لإللغاء.
-مرحلة ما بعد سنة :9151بداية من حكم 7ديسمبر 9151في قضية ،Luthesia
أصبح مجلس الدولة الفرنسي يعتبر اآلداب واألخالق العامة كهدف من أهداف النظام العام
والضبط اإلداري .وتتلخص وقائع القضية في أن رئيس بلدية Niceأصدر قرارا ضبطيا
يقضي بمنع عرض ثالثة أفالم حصلت على ترخيص قانوني من طرف الوزير المختص بعد
موافقة لجنة المراقبة على األفالم السينمائية المنظم بموجب قانون .9145وقد صدر قرار
رئيس البلدية تحت تأثير قوى ضغط مجتمعية وبالخصوص جمعية أولياء التالميذ ،الذين هددوا
بالقيام بمظاهرات في المدينة لمنع عرض هذه األفالم التي تهدد تربية وأخالق أوالدهم ،حينئذ
رفعت شركة األفالم دعوى أمام مجلس الدولة مطالبة بإلغاء قرار رئيس البلدية والتعويض عن
األضرار والخسائر .أصدر هذا األخير قرارا برفض إلغاء قرار رئيس البلدية ألنه من صميم
سلطاته الضبطية أن يقوم بالمحافظة على اآلداب العامة واألخالق ،إذا كانت تهدد النظام العام
وتعرضه للخطر ،وذلك من خالل قيامه بحضر عرض أفالم سينمائية سبق إجازتها من هيئة
الرقابة على األفالم ،إذا كان ذلك من شأنه المساس بالنظام العام بسبب طابعها األخالقي.
31
وصدرت بعد هذا القرار العديد من القرارات في السياق نفسه ،وأصبح بذلك مجلس الدولة
يأخذ بالبعد األخالقي في بناء فكرة النظام العام وكهدف مشروع للضبط اإلداري.74
وقد تبنى القضاء اإلداري المصري االتجاه نفسه في القضية رقم 902لجلسة 08فيفري
9187المتعلقة بقرار وزير الثقافة المتضمن حذف بعض مشاهد فيلم العش الهادئ ،حيث قضى
مجلس الدولة بحق هذا الوزير ،باعتباره الرئيس اإلداري األعلى للرقابة على المصنفات الفنية،
بحذف بعض مشاهد هذا الفيلم لما يمثله من معارضة لقيم ومبادئ المجتمع .وقضى أيضا أنه
يعد مساسا بالنظام العام تأليف الكتب أو إلقاء المحاضرات التي تحث على اإللحاد واإلباحية في
المجتمع الذي يتمسك باألديان السماوية.75
كما اعتبر مجلس الدولة الفرنسي أن تدخل اإلدارة لحماية المظهر والرواء في حكم بتاريخ
9126-90-82في قضية االتحاد الباريسي لنقابات المطابع ،مشروع في إطار الضبط
اإلداري ،وتتلخص وقائع القضية في أن اإلدارة أصدرت الئحة تمنع توزيع اإلعالنات على
المارة في الطرقات خوفا من إلقائها في الطرقات العامة عقب قراءتها ،مما يؤدي إلى تشويه
جمال الشوارع ،ولما طعن اتحاد النقابات طالبا إلغاء الالئحة ،رفض مجلس الدولة طلبه وحكم
بشرعية هذه األخيرة.76
-يكون النظام العام عاما :بمعنى يشمل ويطبق على جميع المواطنين في الدولة في أمنهم
وصحتهم وسكينتهم ،فعلى اعتبار أن تدابير الضبط اإلداري تتضمن تقييد الحقوق والحريات ،
فإنها لن تكون مبررة ومشروعة إال إذا كان النظام العام المهدد عاما يهدد أمن الجماعة ،صحتها
فيصل نسيغة ورياض دنش ،النظام العام ،مجلة المنتدى القانوني ،قسم الكفاءة الوطنية للمحاماة ،جامعة محمد خيضر 74
32
وسكينتها .والمقصود بالعمومية هنا أن اإلخالل يجب أن يمس المجموعة ككل ،ولذلك فاألفعال
التي تتعلق بالملكية الخاصة تخرج عن مجال الضبط اإلداري ما لم يكن لها مظهرا خارجيا
يهدد النظام العام ،كاألصوات المنبعثة من مذياع أو مكبرات صوت ،بمعنى أخر ليس لسلطات
الضبط عالقة باألفعال الداخلية ما لم يكن لها مظاهر خارجية مؤذية مثال :تستطيع سلطات
الضبط اإلداري أن تأمر بهدم منزل حفاظا على صحة المارة ،وليس لها أن تأمر بهدم جدار
داخل منزل .ولو أن مجلس الدولة الفرنسي في قرار له بتاريخ 9155-08-97كان قد أقر
لسلطة الضبط اإلداري التدخل لمواجهة تهديد داخلي متى كان يهدد السالمة الداخلية للمبنى.78
-يكون النظام العام ماديا أو معنويا :المقصود بالنظام العام المادي هو المظهر الخارجي
الملموس أو المجسد ،أي كل األسباب المادية التي تمس الصحة العامة أو السكينة العامة أو
األمن العام .أما الجانب األخالقي فالمقصود به كل ما يتعلق بالنظام الخلقي واآلداب العامة،
والذي يؤدي إلى تهدم الحياء الخلقي ،والذي قد يؤدي إلى اضطراب النظام العام المادي.
-النظام العام هو مجموعة من القواعد اآلمرة :ال يجوز لألفراد مخالفتها من خالل تصرفاتهم
واتفاقاتهم ،على اعتبار أن مهمة الضبط اإلداري تتأسس على التوفيق بين الحقوق والحريات
والمصلحة العامة ،ومنه لحسم المنازعة بين الكفتين يجب إيجاد نظام ذو أولوية يطبقه القاضي
على حساب الحقوق والحريات ،والذي يبقى له الدور االجتهادي في تكوين فكرة النظام العام
من خالل التفسير ،باإلضافة إلى الدور الكبير للتقاليد واألعراف التي قد تؤثر بشكل أكبر ولو
باعتبارها مصدرا ماديا للقانون.79
هناك من انتقد الرأي الذي يجعل النظام العام مصدره المشرع وحده لكونه يمثل قيدا على الحقوق والحريات لكن الدكتور 79
عبد الرؤوف هاشم بسيوني رفض هذه الفكرة ويحتفظ للمشرع بالسلطة الحصرية في وضع قواعد النظام العام ألنها تتضمن
قيودا .../... ../..على الحريات .ولنا المثال في ذلك القرار الذي أصدره الوزير السابق للتجارة عمارة بن يونس المتعلق
بالتصريح بتحرير استيراد الكحول والذي القى معارضة من الشعب فتم التراجع عنه ،ألنه يخالف تقاليد وعادات وأخالق
المجتمع.
33
-يتسم النظام العام بالمرونة والتطور والنسبية :حيث يختلف مفهومه وإطاره باختالف
الزمان والمكان ،يختلف داخل الدولة الواحدة وبين الدول ض سواء كانت ليبرالية أو اشتراكية) ،و
يتطور بتطور فلسفة النظام االجتماعي السائد ويرتبط بالمذهب السائد ،لذلك ال يمكن للمشرع أن
يضع له تعريفا محددا وثابتا.
لم يتطرق المشرع عموما في أغلب التشريعات المقارنة لتعريف الضبط اإلداري ،ولكنه
تطرق له من خالل عناصر النظام العام .نذكر على سبيل المثال قانون الجماعات اإلقليمية
الفرنسي الذي عرف الضبط اإلداري بنص المادة 8-898من القسم التشريعي له من خالل
هدفه المتمثل في ضمان النظام الجيد ،األمن ،السكينة والصحة العمومية.80
وقد وصف الفقيه الفرنسي موريس هوريو هذه العناصر بالثالثية التقليدية وتتمثل في عنصر
األمن العام ،الصحة العامة والسكينة العامة.
يقصد بالمحافظة على األمن العام توفير األمان والحماية ألرواح األفراد وأموالهم
وأعراضهم من أي اعتداء مهما كان مصدره سواء كان إنسان ،حيوان أو الطبيعة أو شيء
سواء في الحاالت العادية أو االستثنائية ،81ومنه فضمان األمن العام يؤدي إلى اطمئنان اإلنسان
على نفسه وحياته وماله من وقوع الحوادث أو احتمال وقوعها أومن خطر االعتداء عليها ،أيا
كان مصدر االعتداء بفعل اإلنسان نفسه مثل السرقة ،حوادث السيارات ،المظاهرات...أو بفعل
الحيوانات الخطيرة أو بفعل الطبيعة كالزالزل والحرائق والفيضانات وغيرها.
رقم 948-16المؤرخ في 9116-08-89المتضمن القانون العام للجماعات اإلقليمية ،ج.ر بتاريخ .9116-08-84 80
-تنظيم المرور وذلك بفرض سرعة معينة للسير في مختلف األماكن والطرقات ،وتنظيم وقت
للسير بالنسبة لبعض أصناف السيارات وتنظيم أماكن الركون ،إزالة مختلف العوائق في
وتنظيم كيفيات المراقبة التقنية للسيارات.83 82
الشوارع والطرق العامة
-اتخاذ التدابير الالزمة لمنع المظاهرات واالجتماعات إذا كانت تهدف لإلخالل باألمن العام،
بمنع منح الرخص أو فضها بالقوة المادية إذا كانت قد بدأت.
-اتخاذ التدابير األمنية الالزمة لمنع وقوع الجرائم بمختلف أنواعها ،سواء كانت سرقة أو قتل
84
او الجرائم الماسة باألخالق واآلداب. أو حوادث الطرقات
-اتخاذ التدابير الالزمة لمنع الحوادث الناتجة عن الطبيعة ،85أو األشياء بهدم المنازل اآليلة
للسقوط مثال.86
-القضاء على الحيوانات المسعورة والمفترسة.
وقد منح قانون البلدية لرئيس البلدية طبقا لنصوص المواد 14-10-71المهام السابقة في
مجال المحافظة على األمن .كما يستطيع الوالي مثال اتخاذ التدابير األمنية بناء على التقارير
التي توجه له دوريا من طرف مصالح األمن بموجب قانون الوالية.
طبقا لنص المادة 14في فقرتها السادسة من قانون البلدية رقم . 90-99 82
بموجب المرسوم التنفيذي رقم 882-02المؤرخ في 8002-06-90المتضمن تنظيم المراقبة التقنية للسيارات وكيفيات 83
المرسوم الرئاسي رقم 887-95المؤرخ في 8095-07-88المحدد للقواعد العامة المتعلقة بتنظيم النظام الوطني للمراقبة
بواسطة الفيديو وسيره ،ج.ر عدد 45بتاريخ .8095-07-82ونصت المادة 2منه على ما يلي" يوجب النظام الوطني
للمراقبة بواسطة الفيديو إلى تحسين تدابير الحفاظ على النظام واآلمن العام".
بأقصى قدر ممكن بالتوقع ومراقبة كيفيات البناء .... 85
أنظر القانون رقم 95-07المؤرخ في 8007-08-80المحدد لقواعد مطابقة البنايات وإتمام إنجازها ،المرجع السابق. 86
35
المقصود بحماية الصحة العامة حماية المواطنين من األخطار التي تهدد صحتهم من جميع
أنواع األمراض واألوبئة وكل مصادر العدوى والتلوث ،باتخاذ اإلجراءات والتدابير الوقائية
والعالجية والتي يتمثل بعضها في األتي:
-وضع الشروط الصحية الالزمة لحياة األفراد وذلك باالهتمام بنظافة الشوارع ،األماكن
87
والمنشآت الصناعية والطرقات والمؤسسات العمومية وخصوصا االستشفائية منها
والتجارية.88
-وضع التدابير الالزمة لضمان نظافة مياه الشرب من الجراثيم والشوائب وسالمة ونظافة
المواد الغذائية االستهالكية المعروضة ،للبيع وضمان الظروف الصحية لها في المحالت
التجارية .89و أيضا في المطاعم والمقاهي ومحالت المأكوالت وخلو العاملين فيها من
األمراض ويشمل ذلك المقاصب ومسالخ الحيوانات ضبواسطة القيام دوريا بالكشف البيطري)
ومراقبة األغذية المستهلكة.
-اتخاذ التدابير الالزمة للتطعيم اإلجباري للصغار والكبار ضد جميع األمراض.
-مكافحة األمراض المعدية والمتنقلة والوقاية منها.90
-حماية البيئة من التلوث بجميع أنواعه وفي جميع األماكن .وقد ارتقت قيمة حماية البيئة ليتم
التأكيد عليها كحق في االتفاقيات الدولية المختلفة والتشريعات الوطنية.
-تنظيم الصرف الصحي للمياه الناتجة عن االستعمال المنزلي وكذلك المياه الناتجة عن
المصانع والمشاريع الصناعية.91
منحت المادة 14في فقرتها السادسة من قانون البلدية لرئيس البلدية هذه المهمة " السهر على نظافة العمارات وضمان 87
سهولة السير في الشوارع والساحات والطرق العمومية" أما الفقرة 8فمنحته سلطة " اتخاذ االحتياطات والتدابير الضرورية
لمكافحة األمراض المتنقلة أو المعدية" باإلضافة إلى الفقرة 99التي نصت على " السهر على احترام تعليمات نظافة المحيط
وحماية البيئة" الفقرة " 8اتخاذ االحتياطات والتدابير الضرورية لمكافحة األمراض المتنقلة أو المعدية"
حمدي قبيالت ،القانون اإلداري ،ماهية القانون اإلداري ،التنظيم اإلداري ،النشاط اإلداري الجزء األول ،دار وائل للنشر 88
36
ثالثا :المحافظة على السكينة العامة
المقصود بالسكينة العامة أن يعيش أفراد الدولة في هدوء وراحة ،ومن أجل ضمان ذلك
تتولى سلطات الضبط اإلداري واجب القضاء على جميع مصادر اإلزعاج والضوضاء التي
تتجاوز المضايقات العادية لحياة الجماعة ،92وضمان المحافظة على الهدوء داخل المناطق
السكنية وفي الطرقات العامة ليال ونهارا بواسطة:
-منع استعمال مكبرات الصوت ،وتنظيم استخدامها بترخيص أو إذن خاص وفي أوقات
محددة.
-القضاء على االضطرابات والمشاجرات في الطرق واألماكن العمومية.
-القضاء على جميع مصادر األصوات المزعجة والمقلقة للراحة المنبعثة سواء من المذياع أو
المشاريع الصناعية أو البناء ،ولذلك يجب نقلها خارج المناطق اآلهلة بالسكان .وأكد مجلس
الدولة الفرنسي على حق هيئات الضبط في تنظيم استخدام األجراس في الكنائس ،كما أقر
حق رئيس البلدية في التدخل لمنع إقالق راحة السكان في العديد من القرارات.93
-يدخل في إطار ضمان السكينة العامة المحافظة على اآلداب العامة في المالهي مثال ،ألنها
تؤدي إلى المساس بالسكينة العامة.94
لم تبق أهداف وظيفة الضبط اإلداري محصورة في الثالثية التقليدية ،بل تجاوزتها
بتطور وتوسع وتشعب تدخالت الدولة وتطور التشريع واالجتهاد القضائي ،إلى أهداف حديثة
تتعلق بالنظام العام الخلقي واآلداب العامة وجمال المدن ورونقها ،النظام العام االقتصادي
محمد رفعت عبد الوهاب ،مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،8002 ،ص.826. 91
السابق ،ص.70.
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص.70. 94
37
والنظام العام البيئي .95حيث لم تعد الدولة مجرد متدخل في عملية التنظيم ،بل أصبحت فاعال
من الفواعل في الحياة االجتماعية واالقتصادية والثقافية ،ومن ثم توسعت وظيفتها الضبطية
لتشمل المحافظة على استقرار الحياة في المجتمع وتوازنها ،لذلك لم تعد هذه الوظيفة تتميز
بطابع االستثناء المقيد للحرية بل الضابط األصيل لها.96
أصبح النظام العام في بعده الجديد يتضمن حماية األخالق واآلداب العامة ،بعدما كان
مقتصرا على المظاهر المادية المحسوسة التي تهدده ،وال يعتد بالجوانب األدبية أو األخالقية إال
إذا كان من شأنها تهديد النظام المادي .تدخل القضاء اإلداري الفرنسي ليوسع من سلطات
الضبط اإلداري المشروعة لحماية النظام الخلقي في قضية Luthesiaبتاريخ -98-97
9151المذكورة سابقا ،حيث أجاز لرئيس البلدية حظر عرض أفالم سينمائية إذا كان من شأن
97
.واتبع نهجه القضاء هذا العرض اإلضرار بالنظام العام بسبب الصفة غير األخالقية للفيلم
اإلداري المصري في ذلك.98
ويشمل البعد الخلقي واآلداب العامة مجاالت السينما ،المسرح والمطبوعات وغيرها ،لما
يمكن أن تمثله من خطورة على القيم والمبادئ التي يحترمها ويقدسها المجتمع ،ومن األحكام
التي أجاز فيها مجلس الدولة الفرنسي إجراءات الضبط اإلداري المتعلقة ب:
95
Ch-Edouard Minet, Op., Cit., p.37.
محمد فؤاد عبد الباسط ،القانون اإلداري ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ،ضد.س.ط) ،ص.888 . 96
اإلداري ،ماهية القانون اإلداري -التنظيم اإلداري -النشاط اإلداري ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،8094 ،ص.466 .
99حيث اعتبر مجلس الدولة الفرنسي في قرار له بتاريخ 9128-09-81أن منع بعض المطبوعات بقرار من رئيس البلدية
هو مشروع ألنه تتضمن عبارات ومواقف ضارة بأخالق الشباب .وقضى بتاريخ 9149-07-06بصحة قرار منع حفالت
38
-منع حفالت الرقص في المقاهي ومنع الشباب أقل من 97سنة دخول الحانات.
-منع عرض األفالم الخليعة .وتتم وظيفة الضبط اإلداري بواسطة مراقبة صاالت السينما
واللهو واألماكن العمومية.100
وتتعرض هذه المبادئ والقيم للتطور والتغير بتغير المجتمع والزمن ،فمنع مصارعة المالكمة
في السابق مع بداية القرن العشرين ،أو منع المتواجدين على الشواطئ للسياحة من التجول
بلباس السباحة ال يمكن أن يحدث اليوم في دول الغرب .أما في الدول العربية واإلسالمية فيمكن
أن يدخل في مجال األخالق واآلداب العامة ما يتعلق ب:
أكد بدوره مجلس الدولة الجزائري في أحد قراراته ،على مشروعية قرار الوالي بغلق محل
عبارة عن مخمرة لمدة 6أشهر بغرض المحافظة على النظام العام وصحة السكان وحفاظا على
اآلداب العامة.101
الرقص في بعض المقاهي ومنع الشباب دون سن 97من دخول الحانات .أنظر :محمد رفعت عبد الوهاب ،المرجع السابق،
ص.898 .
حمدي قبيالت ،المرجع السابق ،ص.825. 100
قرار مجلس الدولة ،الغرفة األولى ،ملف رقم 006915جلسة ،8008/01/82والي والية الجزائر ضد ب ف م ،مجلة 101
اختلف الباحثون في تحديد معايير الجمال ونماذجه الختالف الزاوية التي انطلق منها كل
واحد منهم في ذلك ،وعدم اتفاق نظرة اإلنسان حول هذه المعايير ،لكن هناك من حدد ستة
معايير للجمال هي :الترتيب ،اإليقاع ،التماثل ،التناسب ،الديكور والتوزيع.102
وقد تم حصر عنصر جمال الرونق والرواء في المدن ،التي هي تجمع حضري لعدد كبير من
السكان على أرض كبيرة ،في أقدم مدينة وهي روما التي تعود نشأتها إلى فترات قبل الميالد،
لكن بالرغم من ذلك فهي تعطي مثاال في الجمال والروعة ،ألنها تتضمن المقومات الحديثة
للرواء والجمال وروعة التنظيم والعناية الفائقة بتأسيس الطرق المعبدة والمباني الشاهقة
والسكنية المتناسقة والتشجير والزرع في الميادين العامة ونظافة البيئة والمباني وترابط شبكات
المياه والصرف الصحي.103
أما حاليا فقد تم حصر العناصر التي تدخل في جمال المدينة وروائها كالتالي:
أوال :ترميم المباني القديمة وتشييد العمارات ونظافة البيئة وتنظيم لوحات الدعاية واإلعالن
في المدينة
سنت العديد من الدول تشريعات ألزمت المؤسسات وكذلك األفراد للتوجه نحو القيام بهذه
المهام المتعلقة بترميم المباني القديمة ،وااللتزام بمواصفات معينة في البناء سواء كانت عمارات
أو بنايات خاصة ،واحترام الجانب الجمالي باالهتمام بالحدائق والمساحات الخضراء والتشجير
وغيرها.
تلتزم أجهزة وسلطات الدولة التنفيذية وبالخصوص الوزراء ورؤساء البلديات والوالة
والدوائر األثرية المختلفة بحماية المباني األثرية والتراثية وصيانتها وترميمها دوريا وفق الحالة
40
التي وجدت عليها دون تغيير .وتدخل هذه الحماية في إطار تدعيم القيمة الجمالية للمدن وتقدير
أهمية الموقع األثري وطابعه المعماري القديم ،لما له من أثر تاريخي في تكوين التراث
التاريخي والحضاري للدولة والمدن مثل المساجد ،القالع ،األسواق ،الحمامات ،القصور القديمة
والساحات العمومية.104
وأكدت م ختلف التشريعات في دول العالم على أهمية ترميم المباني التراثية واألثرية
وضرورة صيانتها بل جعلتها هدف للضبط اإلداري ،ومن بين هذه التشريعات في الجزائر
القانون رقم 04-17المؤرخ في 9117-06-95الذي يتعلق بحماية التراث الثقافي ،105حيث
نصت المادة األولى منه على ما يلي " :يهدف هذا القانون إلى التعريف بالتراث الثقافي لألمة
وسن القواعد العامة لحمايته والمحافظة عليه وتنميته ويضبط شروط تطبيق ذلك" .106وقد منح
القانون وزير الثقافة سلطة رفض منح الترخيص بإنجاز مشروع في المناطق األثرية أو
المحمية ،وذلك من أجل تنسيق وتنظيم المدن والمحافظة على مظهرها .كما نصت المادة 1من
107
القانون رقم 80-09المؤرخ في 8009-98-98المتعلق بتهيئة اإلقليم وتنميته المستدامة
على أن " :المخطط الوطني لتهيئة اإلقليم يهدف إلى حماية التراث التاريخي وترميمه وتنميته".
أصبح بناء المدن اليوم يتميز بطابع خاص يضفي عليها جماال متناسقا ،حيث تتميز
العمارات فيها واألسواق والمرافق والطرق بأشكال متناسقة من حيث األلوان ،الطالء والتصميم
المعماري المتميز ،بناء على خلفيات ثقافية وتاريخية كما تشمل المحالت التجارية والترفيهية
والخدماتية.108
كما نصت المادة 20منه " يتم إعداد مخطط حماية واستصالح المواقع األثرية والمنطقة المحمية التابعة لها ...يبين 106
اإلجراء الخاص بإعداد مخطط الحماية واالستصالح ودراسته والموافقة عليه ومحتواه عن طريق التنظيم"
المرجع السابق. 107
41
وقد نصت المادة 8من القانون رقم 95-07الذي يحدد قواعد مطابقة البنايات وإتمام إنجازها
على أنه ":يقصد في مفهوم هذا القانون المظهر الجمالي ،انسجام األشكال ونوعية واجهات
البناية بما فيها تلك المتعلقة بالساحات الخارجية" ،كما نصت المادة 98منه على أنه ":يعتبر
المظهر الجمالي لإلطار المبني من الصالح العام ولهذا الغرض يستلزم المحافظة عليه وترقيته".
كما نصت المادة 4من القانون رقم 80-09المؤرخ في 8009-98-98المتعلق بتهيئة اإلقليم
وتنميته المستدامة على أنه" تهدف السياسة الوطنية لتهيئة اإلقليم وتنميته المستدامة إلى تنمية
مجموع اإلقليم الوطني تنمية منسجمة على أساس خصائص ومؤهالت كل فضاء جهوي.
تلتزم البلدية بناء باتخاذ اإلجراءات والتدابير الالزمة لرفع المخلفات والقمامة الناتجة عن
المنازل والمحال التجارية وكل أماكن العمل والنشاطات التجارية ...باإلضافة إلى جميع أنواع
النفايات .110وهناك نصوص خاصة تضبط كيفية التخلص من هذه األخيرة ،من أهمها القانون
رقم 91-09المؤرخ في 8009-98-98المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها.111
المقصود بها كافة أنواع اللوحات العادية واإلرشادية أو أعمدة اإلنارة التي توضع على
األرصفة وعلى المحالت التجارية وأسطح العمارات.112
42
وتعكس هذه ا للوحات الوجه الجمالي والحضاري للمدينة .ويشترط فيها أال تتعارض مع
األعراف والتقاليد واألخالق والعادات وأن تراعي مقتضيات األمن والسالمة وعدم تشويه
المناظر الطبيعية أو اآلثار.مثال يجب إلصاق اإلعالنات االنتخابية في أماكن محددة.113
ال يكف االهتمام بترميم المباني وتشييد العمارات والمحافظة على نظافة البيئة وتنظيم
لوحات الدعاية واإلعالن حتى نضفي على المدينة رونقا وجماال ،وإنما يجب االهتمام بالجانب
الثاني المتعلق بنقل الطبيعة إلى المدن بواسطة التشجير ،توسيع المساحات الخضراء ،االهتمام
بإنشاء الحدائق وتزيين تقاطعات الطرق.
/0تشجير المدينة
ال تلتزم الدولة بعملية التشجير في المناطق الصحراوية والغابات والسهوب فقط ،إنما
تهتم بها أيضا في المدن خصوصا على حواف الطرقات وفي الحدائق العامة .إن هذه العملية
ليس لها فائدة جمالية فحسب وإنما لها فائدة صحية أيضا ،لما لألشجار من فوائد تتعلق بتنقية
الجو من التلوث وتوفير األكسجين.114
أثبتت العديد من الدراسات في العراق أن المدارس التي يهتم فيها بزرع المساحات
الخضراء ارتفعت فيها نسب النجاح في االمتحانات .وهناك العديد من الحدائق في العديد من
مدن العالم المشهورة.116
ومن بين أشهر النوافير نافورة تريفي في إيطاليا وديانا في غرب مدينة لندن .أنظر :المرجع نفسه ،ص ص.902-908 . 115
43
مدى اعتماد القضاء اإلداري لعنصر الجمال كهدف للضبط اإلداري
مرحلة أولى لم يكن يعتمد فيها هذا العنصر كهدف مشروع لتدخل سلطة الضبط اإلداري ،حيث
قضى في قراره بتاريخ 9187-05-04في قضية Leroyأن السلطة القائمة على وظيفة
الضبط ال يحق لها استهداف المظهر الجمالي إال بناء على نصوص خاصة .أما في مرحلة ثانية
فقد تراجع عن اجتهاده في قضية اتحاد نقابات المطابع الباريسية ،حيث اعتبر قرار حضر
توزيع المنشورات على المارة خشية إلقائها في الشارع بعد قراءتها تشويها لرونق المدينة
وجمال روائها ،وقد استقر اجتهاده على ذلك .117وقد اتبع القضاء اإلداري المصري نهجه في
ذلك.118
انعكس تطور وظيفة الدولة الحديثة واتساع تدخالتها خصوصا في المجال االقتصادي
على توسع نطاق وظيفة الضبط اإلداري ،ومنه ظهور نظام عام جديد متخصص يتمثل في
النظام العام االقتصادي .يقول الفقيه الفرنسي J.Burdeauأن النظام العام يتجاوز نطاق الهدوء
واألمن للسكان ،وأنه يتأثر بالعالقات االقتصادي .119حيث أصبح من أهداف النظام العام اليوم
117
Ch-Edouard Minet, Op., Cit., pp.50-51.
ففي قضية بتاريخ 9164-05-86قضت محكمة القضاء اإلداري أن " اإلدارة بما لها من وظيفة البوليس اإلداري مكلفة 118
بمراعاة هدوء األحياء السكنية وصيانتها من حيث األمن والصحة والمظهر واآلداب العامة" أنظر :عبد الرؤوف هاشم بسيوني،
المرجع السابق ،ص ص ،15-14.عصام علي الدبس ،المرجع السابق ،ص ص .461-467 .وحتى ولو لم نجد قرارات
قضائية بعينها تخص الجانب الجمالي ،لكن قرارات سلطات الضبط المتعلقة بهدم األبنية المتداعية أو المتعلقة بنزع الملكية
للمنفعة العامة من أجل إقامة منتزهات وحدائق يعتبرها القضاء اإلداري ضمنيا تتعلق بهذا الهدف .أنظر :عصام علي الدبس،
المرجع السابق ،ص.461.
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص 16. 119
44
حماية االقتصاد فيما يتعلق باألجور ،األسعار ،التموين بالمواد والمنتجات ،تنظيم عمليات
التصدير واالستيراد والتعامل بأوراق النقد والبورصة ومكافحة التضخم النقدي.
وبالرغم من ذلك فقد تصطدم هذه القرارات بالنصوص المتعلقة بالنظام العام ومبدأ حرية
التجارة والصناعة ،لذلك البد من التوفيق بين الكفتين ،ومنه فال يجوز لسلطات الضبط اإلداري
التدخل إال في حالة وجود تهديد بالنظام العام في إطار هذه المسائل بموجب نصوص تشريعية
خاصة تضر باالستقرار االقتصادي ،فقد قضى مجلس الدولة الفرنسي أنه يمكن للسلطة اإلدارية
وضع حدود لحرية التجارة والصناعة ألسباب تهدد النظام العام لكن بإجراءات وتدابير
ضرورية ومتناسبة ،ف إذا كانت هذه التدابير يمكن أن تمس نشاطات اإلنتاج ،التوزيع والخدمات،
فهي تحمي النظام العام ،فمن سلطة القاضي تقدير شرعية هذه التدابير فيما إذا كانت صادرة
وفقا ألهدافها .120ومنه يمكن لسلطات الضبط اإلداري أن تتخذ التدابير لمنع نقص المواد
التموينية ومنع المضاربة ورفع األسعار بشكل وهمي نتيجة التخزين.
سنتناول ضمن هذا الفرع المفهوم القانوني للبيئة أوال ثم أهداف ،هيئات ووسائل الضبط
اإلداري البيئي.
120
CE. 15-05-2009 , www.lexinter.net/jf/outre-public.html, ( 18-11-2015).
ج.ر عدد 70بتاريخ .8008-98-86 121
45
أوال :المفهوم القانوني للبيئة
البيئة اصطالحا هي المحيط الذي يعيش فيه اإلنسان بما يشمله من ماء وهواء وتربة
وكائنات حية ومنشآت أقامها اإلنسان إلشباع حاجاته.123
أما البيئة كعلم فيعنى بدراسة عالقة اإلنسان والكائنات الحية األخرى مع بعضها البعض
والتفاعالت المؤثرة بينها .124أما النظام البيئي فيقصد به التفاعالت الكلية بين العناصر الطبيعية
واالصطناعية وتأثيراتها على الكائنات الحية بما فيها اإلنسان.125
ظهر االهتمام القانوني بالبيئة على المستوى الدولي والوطني باعتبارها قيمة اجتماعية
جديدة تستحق الحفاظ عليها وحمايتها .وقد زاد االهتمام بالبيئة بعد االنتشار الواسع للتلوث،
حيث لجأت الدول ومختلف الفاعلين لعقد االتفاقيات وسن القوانين واألنظمة للمحافظة على
البيئة.126
سنتناول في هذا العنصر التعريف القانوني للبيئة على ضوء االتفاقيات الدولية ثم نتطرق
لهذا التعريف على ضوء بعض التشريعات الوطنية.
من بين االتفاقيات التي عرفت البيئة نذكر على سبيل المثال:
عبد الغني حسونة ،الحماية القانونية للبيئة في إطار التنمية المستدامة ،أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراه علوم في 123
الحقوق تخصص قانون أعمال ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،8092-8098 ،ص.92 .
بن أحمد عبد المنعم ،الوسائل القانونية اإلدارية لحماية البيئة ،رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ،كلية الحقوق 124
46
-اتفاقية استوكهلم لسنة 9188التي عرفت البيئة في المادة الثانية بأنها " :ضرورة حفظ
الموارد الطبيعية للكرة األرضية ،بما في ذلك الماء والهواء واألرض والنبات والحيوان
والمنتجات الممثلة للنظام البيئي لمصلحة األجيال الحاضرة والمستقبلية ،وذلك عن طريق
تخطيط وإدارة واعية وفق ما يقتضيه الحال".
-عرفها مؤتمر بلغراد لسنة 9185كالتالي " :العالقة القائمة في العالم الطبيعي والبيوفيزيائي
بينه وبين العالم االجتماعي السياسي الذي هو من صنع اإلنسان.
-عرفها مؤتمر تبليسي لسنة 9188كالتالي" :مجموعة النظم الطبيعية واالجتماعية التي يعيش
فيها اإلنسان والكائنات الحية األخرى ،والتي يستمدون منها زادهم ويؤدون فيها نشاطهم.
فقد عرف التشريع المصري رقم 9114-4المتعلق بالبيئة هذه األخيرة على أنها " :المحيط
الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية وما تحتويه من موارد وما يحيط به من هواء وماء وتربة
وماء وما يقيمه اإلنسان من منشآت".127
أما المشرع السوري في المرسوم التشريعي رقم 9114-96المتعلق بالبيئة في المادة األولى
فقد عرفها بأنها ":الوسط الذي يعيش فيه اإلنسان واألحياء األخرى ويستمدون منه إيرادهم
المادي وغير المادي ويؤدون فيه نشاطهم".128
وعرفها المشرع السعودي ضمن المادة األولى من النظام العام للبيئة الصادر بالمرسوم الملكي
رقم 24بتاريخ 9488-08-87بأنها " :كل ما يحيط باإلنسان من ماء وهواء ويابسة وفضاء
47
خارجي ،وكل ما تحتويه هذه األوساط من جماد ونبات وحيوان وأشكال مختلفة من طاقة ونظم
وعمليات طبيعية وأنشطة بشرية.129
عرفها المشرع التونسي في القانون رقم 19لسنة 9172أنها" :العالم المادي بما فيه األرض
والهواء والبحر والمياه الجوفية والسطحية واألودية والبحيرات والسبخات وما يشابه ذلك،
والمساحات الطبيعية والمناظر والمواقع المتميزة ومختلف أصناف الحيوانات ،وبصفة عامة كل
ما يشمل التراث الوطني"
عرفها المشرع اللبناني بأنها" :المحيط الفيزيائي والكيميائي والبيولوجي واالجتماعي الذي تعيش
فيه الكائنات الحية كافة ونظم التفاعل داخل المحيط وداخل الكائنات وبين المحيط والكائنات".130
أما المشرع الفرنسي فقد عرفها في المادة األولى من قانون البيئة رقم 8000-194المؤرخ في
8000-01-97بأنها " :الفضاء والمصادر الطبيعية والمواقع السياسية ونوعية الهواء والمحيط
الحيواني والنباتي والتنوع البيولوجي "
أما المشرع الجزائري وبداية من المؤسس الدستوري ،فقد اعتبر ،بموجب دستور ،9116
القواعد العامة المتعلقة بالبيئة والتهيئة العمرانية والقواعد المتعلقة بالثروة الحيوانية والتراث
الثقافي والتاريخي والنظام العام للغابات والمناجم والمحروقات كمجاالت محجوزة للتشريع،
ولكنه لم يضمن صراحة البيئة ضمن الحقوق الدستورية إال بعد صدور التعديل الدستوري
131
ضمن مادته 67بنصها األتي" :للمواطن الحق في بيئة سليمة .تعمل الجديد لسنة 8096
الدولة على الحفاظ على البيئة .يحدد القانون واجبات األشخاص الطبيعيين والمعنويين لحماية
البيئة".
رائف محمد لبيب ،الحماية اإلجرائية للبيئة من المراقبة إلى المحاكمة ،دراسة مقارنة ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية، 129
48
أما على مستوى التشريع فقد تم سن القانون رقم 02-72المؤرخ في 9172-08-05المتعلق
بحماية البيئة ،132وكان أول نص يخص المجال البيئي من منظور شامل ،إلى جانبه صدرت
تباعا نصوصا متفرقة مثل قانون الصحة رقم 05-75المؤرخ في 9175-08-98المعدل
133
في الشق المتعلق بحماية إطار معيشة السكان ،وقانون التهيئة العمرانية بالمرسوم والمتمم
رقم 02-78الملغى بالقانون رقم 80-09المؤرخ في 8009-98-98المتعلق بتهيئة اإلقليم
134
في الشق المتعلق بالبعد العمراني. وتنميته المستدامة
احتوى القانون رقم 90-02على 994نص قانوني ،حددت المادة 8منه أهداف القانون
المتمثلة أهمها فيما يلي:
ج.ر عدد 7بتاريخ . 9175-08-98المعدل والمتمم بالقانون رقم 92-07المؤرخ في ،8007-08-80ج.ر عدد 44 133
بتاريخ .8007-07-02
مرجع سابق. 134
49
كما حددت المادة 2من القانون المبادئ التي يقوم عليها هذا القانون وهي:
وقد عرفت المادة 4البيئة كالتالي" تتكون البيئة من الموارد الطبيعية الالحيوية والحيوية كالهواء
والجو والماء واألرض وباطن األرض والنبات والحيوان ،بما في ذلك التراث الوراثي وأشكال
التفاعل بين هذه الموارد وكذا األماكن والمناظر والمعالم الطبيعية.
المالحظ على هذه التعريفات أن بعضها وسع من مفهوم البيئة ليشمل العناصر الطبيعية
واالصطناعية ،والبعض األخر ضيق من هذا المفهوم ليشمل العناصر الطبيعية فقط من دون
االصطناعية التي هي من صنع اإلنسان.
50
ويرى الكثير أنه سيكون من األفضل األخذ بالمفهوم الواسع لعدة اعتبارات :األول أن هناك فرق
بين مفهوم البيئة ومفهوم الطبيعة ،لكون البيئة تضيف مظاهر جديدة وعناصر أخرى للطبيعة
التي لم تكن من مكوناتها ،وهي من صنع اإلنسان مثل المنشآت الحفرية .أما الثاني فألن
العناصر الصناعية والتي هي من صنع اإلنسان تعد السبب الرئيسي في اإلضرار بالعناصر
الطبيعية ،مما يستلزم ضرورة فرض الرقابة على العناصر الصناعية وأدائها في مفهوم البيئة
للحد من مخاطرها .138والمالحظ أن المشرع الجزائري أخذ بالمفهوم الواسع للبيئة.139
وتتشكل البيئة من عناصر طبيعية متجددة وأخرى غير متجددة كالمعادن ومصادر الطاقة
التقليدية ،باإلضافة إلى عناصر اجتماعية وحضارية تسمى البيئة المشيدة ،وهو ما تم تبنيه في
المؤتمر األممي لتنمية الموارد البشرية حول البيئة اإلنسانية المنعقد باستكهولم بتاريخ جوان
،9188ومنه تكون عناصر البيئة محل الحماية كالتالي:
الهواء :يتضمن الغالف الجوي المحيط باألرض ،يتكون من غازات أساسية لحياة الكائنات
الحية ،وكل مساس أو تغيير في مكوناته أو طبيعته يؤدي إلى نتائج سلبية تؤثر سلبا على حياة
الكائنات الحية.
الماء :هو مركب كيميائي ينتج من تفاعل غاز األكسجين مع غاز الهيدروجين ،يتميز بخواص
كيميائية وفيزيائية وحيوية تجعله من مقومات الحياة على األرض.
التربة :هي الطبقة التي تغطي صخور القشرة األرضية ،سمكها يتراوح بين بضع سنتيمترات
وعدة أمتار ،تتكون من مزيج من المواد المعدنية ،العضوية ،الماء والهواء.
التنوع الحيوي :المقصود به أنواع الكائنات الحية الموجودة في النظام االيكلوجي ،كل نوع يقوم
بوظيفة محددة في هذا النظام ،فإذا اختفى يؤدي إلى اختالل التوازن في هذا النظام وحدوث
وقد أضاف المشرع في القانون رقم 90-02مفهوم التنمية المستدامة في نص المادة 4منه. 139
51
العديد من األضرار البيئية ،ومن بين العوامل التي تؤدي إلى نقص التنوع الحيوي ،الصيد
التعسفي و استخدام المبيدات.
العناصر االصطناعية :هي التي أقامها اإلنسان من نظم ووسائل وأدوات لالستفادة من العناصر
الطبيعية للبيئة ،ومنها استعماالت األراضي الزراعية ،إنشاء المناطق السكنية والتنقيب عن
الثروات الطبيعية وإنشاء المناطق الصناعية والتجارية والخدماتية.140
يمثل التلوث أكثر الصور شيوعا للمساس بالبيئة باإلضافة إلى استنزاف الموارد الطبيعية.
-تلويث البيئة :المقصود به إحداث التغيير أو الخلل في الحركة التوافقية التي تتم بين
مجموعة العناصر المكونة للنظام األيكلوجي ،بما يفقده القدرة على إعالة الحياة من دون
مشاكل .141كما يمكن أن يكون المقصود منه التغير الذي يحدث في المميزات الطبيعية للعناصر
المكونة للبيئة أين يعيش الكائن البشري من ماء ،تربة وهواء .أو هو التغيير الكمي والكيفي في
مكونات البيئة الحية وغير الحية الذي ال تقدر األنظمة البيئية على استيعابه دون أن يختل
توازنها.142
وتختلف درجات التلوث ومدى خطورته حسب كمية ونوعية الملوثات التي تدخل على األوساط
البيئية ،لذلك تم تقسيم درجات التلوث حسب أثاره على النظام البيئي إلى ثالث مستويات هي
التلوث اآلمن ،التلوث الخطير والتلوث القاتل والتلوث قد يصيب الهواء ،الماء أو التربة.143
أحمد سال م ،الحماية اإلدارية للبيئة في التشريع الجزائري ،مذكرة مكملة من مقتضيات نيل شهادة الماستر في الحقوق، 140
تخصص قانون إداري ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،8094-8092 ،ص ص.90-1 .
رائف محمد لبيب ،الحماية ،المرجع السابق ،ص.87 . 141
المرجع نفسه .وقد عرفته المادة 4من القانون رقم 90-02كالتالي" كل تغيير مباشر أو غير مباشر للبيئة يتسبب فيه كل 142
فعل يحدث أو قد يحدث وضعية مضرة بالصحة وسالمة اإلنسان والنبات والحيوان والهواء والجو والماء واألرض والممتلكات
الجماعية والفردية" وعرف القانون تلويث التربة والماء والهواء كل على حدا.
فتلوث الهواء يعني إدخال اإلنسان بشكل مباشر أو غير مباشر لمواد أو لطاقة في الجو أو الهواء يكون له مفعول ضار 143
يعرض صحة اإلنسان للخطر .تلوث البحر يعني إدخال اإلنسان في البيئة البحرية بما في ذلك مصاب األنهار بصورة مباشرة
أو غير مباشرة مواد أو طاقة تنجم عنها أو يحتمل أن ينجم عنها أثار مؤذية .تلوث التربة معناه الفساد الذي يصيب األراضي
52
-استنزاف الموارد الطبيعية :المقصود به التقليل من قيمة الموارد واختفاءها عن أداء
دورها العادي في شبكة الحياة والغذاء ،وتكمن خطورة هذا االستنزاف على مستويين ،األول
اختفاء المورد أو التقليل من قيمته وتأثير االستنزاف يكون على توازن النظام البيئي ،أما الثاني
فيتمثل في تأثيره على بقية الموارد األخرى .وقد صنفت الموارد المعرضة لالستنزاف إلى
موارد دائمة ،144متجددة وغير متجددة.
تقوم سلطات الضبط اإلداري في مجال حماية البيئة من األضرار واالعتداء عليها أو
على أحد مكوناتها بدور أساسي ،من خالل أجهزتها اإلدارية التي تتولى اتخاذ التدابير
واإلجراءات وإصدار القرارات الالئحية والفردية ،وفرض القيود على حقوق وحريات األفراد
باالستناد إلى القوانين في المجال .وقد نصت المادة 90من القانون رقم 90-02على ما يلي:
"تضمن الدولة حراسة مختلف مكونات البيئة ،يجب على الدولة أن تضبط القيم القصوى
ومستوى اإلنذار وأهدافه النوعية ،السيما فيما يتعلق بالهواء والماء واألرض وباطن األرض
وكذا إجراءات حراسة هذه األوساط المستقبلة والتدابير التي يجب اتخاذها في حالة وضعية
خاصة".
فيغير من صفاتها وخواصها الطبيعية أو الكيميائية أو الحيوية أو يغير من تركيبتها بشكل يؤثر عليها سلبا .أنظر رائف محمد
لبيب ،الحماية ،المرجع السابق ،ص ص.28-87 .
مثل الهواء ،التربة والماء ويتم االستنزاف في الهواء مثال في المبالغة في استخدام الوسائل التي يستنفذ بها األكسجين أو 144
استبداله بمواد ضارة أو استئصال مصادر انبعاثه من الغابات واألحراش .أما استنزاف التربة فيتم من خالل زراعة نوع من
المحاصيل الزراعية باستمرار ولمواسم متتالية أو عدم إتباع دورات زراعية أو عدم تنظيم المخصبات ومياه الري ،حيث يؤدي
إلى انهاك التربة وجدبها .أما استنزاف الموارد المتجددة وهي الموارد التي ال تفنى رصيدها بمجرد االستخدام ،بل إن هذا
الرصيد قابل لالنتفاع به مرات ومرات ولعصور زمنية إذا أحسن استغالله ،ولم يتعرض لإلفراط في االستخدام .أما الموارد
غير المتجددة فهي ذات مخزون محدود تتعرض للنفاذ ألن معدل استهالكها أكبر من معدل نفاذها وعملية تعويضها بطيئة
كالنفط والغاز والفحم والمعادن .أنظر :أحمد سالم ،المرجع السابق ،ص.92.
53
هو مجموع التدابير الوقائية التي تصدرها السلطات اإلدارية المختصة لمنع وقوع جرائم
المساس بالبيئة من خالل اإلجراءات االحترازية والوسائل الضرورية التي تؤدي إلى منع وقوع
تلك الجرائم ،وبما يكفل حماية البيئة وصون مواردها ومكافحة أسباب اإلضرار بها.145
كما يعرف على أنه وسيلة من وسائل ممارسة اإلدارة لوظائفها ،لتكفل بموجبه حماية النظام
بعن اصره المعروفة من أمن عام ،سكينة عامة وصحة عامة ،أما في المجال البيئي فيمكن
اعتباره وسيلة من الوسائل اإلدارية التي تهدف إلى حماية البيئة من جميع الحاالت التي تؤدي
إلى تدهورها ،146حيث يؤدي اإلضرار بالبيئة إلى المساس بعناصر النظام العام.147
أو هو مجموع السلطات والصالحيات التي تمنح للموظفين العاملين في الجهات اإلدارية المعنية
بحماية البيئة ،يتم بموجبها تخويلهم الحق في دخول المنشآت وتفقد األماكن المختلفة للقيام
بأعمال المراقبة والتفتيش ،وأخذ العينات وإجراء القياسات والتحاليل الالزمة إلثبات جرائم
المساس بالبيئة وتح رير المحاضر وإحالتها للجهات المختصة حسب التشريعات البيئية
والقرارات اللوائح المنفذة لها.
بالنظر للطبيعة الفنية للمسائل المتعلقة بالبيئة والمخاطر التي تهددها من جهة ثانية ،فإن
جميع الدول تقريبا ،بغض النظر عن طبيعة األنظمة التي تتبعها ،تمنح هذه األخيرة حماية
خاصة بواسطة نصوص خاصة ،والسبب في ذلك يرجع لآلثار العامة والشاملة التي تهدد البيئة،
حيث تتسرب أثار التلوث في دولة ما لتشمل الدول المجاورة أو المناطق القريبة منها .كما أن
تلوث الهواء في منطقة ما يؤثر على طبقة األوزون والذي تتضرر منه جميع شعوب األرض.
ماجدة بوخالفة ،الحماية اإلدارية للبيئة في التشريع الجزائري ،مذكرة مكملة من متطلبات نيل شهادة الماستر ،تخصص 146
قانون إداري ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،8092-8098 ،ص.9.
رائف محمد لبيب ،الحماية ،المرجع السابق ،ص ص.17-18 . 147
54
إن أغراض الضبط اإلداري البيئي ال تخرج عن أغراض الضبط اإلداري العام ،غير أنها تتميز
عنها سواء من حيث تحقيق األمن البيئي أو الصحة البيئية أو السكينة البيئية من خالل البعد
البيئي واألسباب التي تهدد هذه العناصر وتهدد البيئة .
األمن البيئي العام :المقصود باألمن البيئي العام ضرورة توفير الدولة لألفراد الطمأنينة
على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم من خطر أي اعتداء ،فهو ضرورة توفر من خاللها الدولة
لألفراد الحماية والطمأنينة على بيئتهم سواء بفعل اإلنسان بسبب نشاطه الصناعي ،التجاري
والزراعي وكل ما يمكن أن يترتب على ممارسة هذا النشاط من مخلفات صلبة أو سائلة أو
غازية على تلوث البيئة والتأثير على مكوناتها من ماء وهواء وتربة أو الطبيعة .148فقد يترتب
الخوف ض عكس األمن) عن عجز مكونات البيئة عن توفير الغذاء ،ومنه تنتج مشكلة األمن
الغذائي ،أو قلة المياه العذبة الصالحة للشرب مما ينتج عنه مشكلة األمن المائي .إن اإلضرار
بالبيئة يؤدي إلى نشوب الفوضى والقلق واالضطرابات ومنه التأثير على األمن العام.149
الصحة البيئية العامة :المقصود بها حماية األفراد ووقايتهم من خطر انتشار األمراض
واألوبئة ،وي توسع مفهوم حماية الصحة العامة إلى حماية صحة الحيوان والنبات ،باإلضافة إلى
بعض األنظمة الخاصة لحماية المياه العذبة ،البحر ،األرض ،الصحراء والغابات...
أما في مجال الصحة البيئية ،والتي تأخذ حيزا مهما في مجال الضبط اإلداري على اعتبار أن
المجال الصحي يهدد المجال األمني ،فتلوث الهواء بالمواد المشعة قد تعرض صحة اإلنسان
للخطر .إن انتشار األمراض يضر بالصحة العامة ويؤثر على األمن العام ،ألن األمر يبعث
على القلق والرعب والخوف بين الناس.
ال تكون حماية الصحة العامة بإنشاء المرافق الصحية فقط ،إنما تكون بحماية عناصر البيئة من
هواء وماء وتربة ،باعتبارها المحيط الذي يعيش فيه اإلنسان ،ومنه توفير األمن له.
عارف صالح مخلف ،اإلدارة البيئية ،الحماية اإلدارية للبيئة ،دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع ،عمان ،8008 ،ص 149
ص.828-829 .
55
السكينة البيئية العامة :هي ضمان الهدوء وعدم إزعاج األفراد بواسطة الصخب
والضوضاء والضجيج.
150
حماية السكينة وقد أقر قانون البيئة ضمن المواد من 88إلى 85من القانون رقم 90-02
البيئية العامة ضمن مقتضيات الحماية من األضرار السمعية للحد والوقاية من انبعاث وانتشار
األصوات أو الذبذبات التي قد تشكل أخطارا تضر بصحة األشخاص وتسبب لهم اضطرابا
مفرطا.
ال يكف وضع النصوص القانونية لحماية البيئة ،وإنما يتطلب األمر إشراف وتكليف
أجهزة مختلفة لتطبيق تلك النصوص ،وهي في مجال الضبط اإلداري تكون على مستوى
مركزي وعلى مستوى محلي.
-وزارة الموارد المائية والبيئة :قبل سنة 8009لم يكن هناك وزارة تختص بشؤون
البيئة ،بل كانت هناك فقط لجان وكتابات دولة ،وبعد صدور المرسوم التنفيذي رقم 07-09
المؤرخ في 8009-09-08تم إنشاء ألول مرة وزارة خاصة مكلفة بالبيئة تحت اسم وزارة
تهيئة اإلقليم والبيئة .151وإلى غاية سنة 8098تم تغيير اسمها عدة مرات ،فمرة تحت اسم
وزارة التهيئة العمرانية والبيئة ثم وزارة تهيئة اإلقليم والبيئة والسياحة ثم وزارة التهيئة
العمرانية والبيئة ،ثم إلى وزارة التهيئة العمرانية والبيئة والمدينة ،وانتقلت أخيرا إلى وزارة
الموارد المائية والبيئة في ماي 8095بموجب المرسوم الرئاسي رقم 985-95المؤرخ في
8095-05-94المتضمن تعيين أعضاء الحكومة .152وإلى جانب الوزارة األساسية في حماية
حيث نصت المادة 88من القانون على ما يلي " :يهدف مقتضيات الحماية من األضرار السمعية إلى الوقاية أو القضاء أو 150
الحد من انبعاث وانتشار األصوات أو الذبذبات التي قد تؤثر أخطارا تضر بصحة األشخاص وتسبب لهم اضطرابا مفرطا أو
من شأنها أن تمس بالبيئة".
المتعلق بتحديد صالحيات وزير تهيئة اإلقليم والبيئة ،ج.ر عدد 4بتاريخ .8009-09-94 151
56
البيئة ،والتي تشمل مجموعة من المديريات من بينها مديرية التطهير وحماية البيئة ،تهتم
مجموعة أخرى من الوزارات بحماية البيئة الرتباط ذلك بمهامها األساسية وهي :وزارة الصحة
والسكان ،وزارة الثقافة ،وزارة السكن والعمران والمدينة ،وزارة الداخلية.
إلى جانب السلطات المركزية تتطلب حماية النظام البيئي وتنفيذه وجود أجهزة تنفيذية
متخصصة تسهر على التطبيق تتمثل في الوكالة الوطنية للنفايات ،153الوكالة الوطنية للتغيرات
المناخية ،154الوكالة الوطنية لحفظ الطبيعة .155ومجموعة من المراكز هي :المركز الوطني
لتكنولوجيات إنتاج أكثر نقاء ،156مركز تنمية الموارد البيولوجية .157ومجموعة من المراصد
هي المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة ،158المرصد الوطني لترقية الطاقات المتجددة،
المرصد الوطني للمدينة .159وهناك مجموعة من الحظائر الوطنية.
البلدية :منح القانون رقم 90-99لهيئات تسيير البلدية رئيس البلدية والمجلس الشعبي البلدي،
بمساعدة أقسام ومكاتب داخل البلدية.
تتمثل مهام رئيس البلدية في ظل القانون رقم 90-99في مجال حماية البيئة طبقا لنص المادة
14من القانون في:
بموجب المرسوم التنفيذي رقم 985-08المؤرخ في 8008-05-80يتضمن إنشاء الوكالة الوطنية للنفايات وتنظيمها، 153
57
-المحافظة على النظام العام وسالمة األشخاص واألمالك.
-المحافظة على نظافة العمارات وسهولة السير في الشوارع والساحات والطرق العمومية.
-السهر على نظافة الموارد االستهالكية المعروضة للبيع.
-السهر على احترام المقاييس والتعليمات في مجال التعمير.
تتمثل مهام المجلس الشعبي البلدي طبقا لنص المادة 982من قانون البلدية في مجال حماية
160
فيما يلي: البيئة ومواد أخرى
-في ميدان النظافة العمومية :مكافحة األمراض الوبائية والمعدية ،القيام بعمليات التطهير
وجمع القمامة بصفة منتظمة ،صرف المياه المستعملة ومعالجتها ،جمع النفايات الصلبة
ونقلها ومعالجتها ،مكافحة نواقل األمراض المتنقلة ،الحفاظ على صحة األغذية واألماكن
والمؤسسات المستقبلة للجمهور ،صيانة طرقات البلديات.
-في ميدان التهيئة والتعمير :منح رخص البناء في إطار مخططات التوجيه للتهيئة والتعمير
ومخططات شغل األراضي.
-في مجال حماية الطبيعة :انجاز وتطوير المساحات الخضراء داخل المراكز الحضرية،
العمل على تهيئة الغابات قصد تحسين البيئة ،انجاز برامج منع االنجراف والتصحر ،انجاز
إي عمل يرمي إلى حماية الغابات وتطوير الثروة الغابية والمجموعات النباتية الطبيعية
وحماية األراضي ومكافحة الحرائق.
-هناك أقسام مكلفة بحماية البيئة مثل القسم التقني البلدي المكلف بالحفاظ على التجهيزات
العامة وتنظيم نقل النفايات وتخليص المدينة منها واإلشراف على صيانة ومراقبة الصرف
الصحي ،وقسم حفظ الصحة المكلف بمراقبة مدى توفر شروط الصحة في البنايات السكنية
والصناعية والمهنية ،قسم التعمير والبناء واإلشراف على تنظيم المجال العمراني للمدينة،
ومواد أخرى في مجال التهيئة والتنمية من المادة 908إلى 990ومن 992إلى 989في مجال التعمير والهياكل القاعدية 160
تتمتع البلدية في إطار حماية البيئة بمجموعة أخرى من الصالحيات بموجب القانون رقم -02
90المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة وقانون تسيير ومراقبة وإزالة النفايات رقم
91-09المذكور أعاله وقانون حماية الصحة العمومية وترقيتها رقم 05-75المعدل والمتمم
المذكور سابقا.
الوالية :تساهم الوالية مع الدولة في إدارة وتهيئة اإلقليم وحماية البيئة ،وقد تتكامل أو تتقاطع
هذه المهام مع مهام البلديات.
-انجاز أشغال التهيئة والتطهير وتنقية مجاري المياه وأخذ التدابير الالزمة لحماية الموارد
المائية وخصوصا الموجهة لالستهالك البشري.
-أخذ كافة اإلجراءات الالزمة للوقاية من الكوارث الطبيعية ،بضبط مخطط تنظيم تدخل
اإلسعافات.
-اتخاذ التدابير الضرورية لتحسين وتدعيم قدرات تدخل األجهزة المكلفة بممارسة التلوث.
-حراسة ومراقبة والوقاية والكشف عن كل أعمال التلوث البحري.
59
-في مجال التهيئة والتعمير ،منح رخص البناء الخاصة بالمنشآت المنجزة لحساب الدولة
والوالية والهياكل العمومية التابعة لها.
-المحافظة على النظام العام.
وهناك أجهزة إدارية محلية أخرى تساهم في حماية البيئة مثل ،المديريات واللجان مثل مديرية
البيئة ومفتشية البيئة.
تندرج هذه الوسائل في إطار الوسائل العامة التي منحها القانون لألجهزة اإلدارية
المختلفة في مجال الضبط اإلداري البيئي ،161وهي اللوائح أو القرارات التنظيمية ،القرارات
الفردية واستخدام القوة الجبرية.
اإلجراءات الوقائية تتمثل في أنظمة مختلفة ،وهي بمثابة ضمانات تهدف إلى الوقاية من وقوع
الضرر البيئي وجانب ردعي يشمل الجزاءات ،وهي بمثابة ضمانات عالجية تهدف إلى ردع
وإصالح الضرر البيئي ،الفرق بينها وبين اإلجراءات الوقائية أنها تأتي بعد وقوع الفعل الذي
يتسبب في االعتداء على البيئة.
التدابير العالجية أو الردعية هي الجزاءات اإلدارية المختلفة مثل الجزاءات المالية كالغرامة،
غير المالية مثل اإلنذار أو التنبيه ،أو الغلق المؤقت ،إلغاء التراخيص اإلدارية.
والتي سنتطرق لها فيما بعد في عنصر هيئات الضبط اإلداري بالتفصيل. 161
60
الفصل الثاني :هيئات الضبط اإلداري ،وسائله وحدوده.
لما كانت وظيفة الضبط اإلداري وظيفة حيوية خطيرة بالنظر للنتائج التي يمكن أن
تنعكس على حريات األفراد ،فإن المشرع سواء المؤسس الدستوري أو البرلمان ،لم يترك هذه
الوظيفة حرة على إطالقها ،إنما قيدها سواء من حيث الهيئات الموكلة لها ،أو من حيث الوسائل
التي تملكها ألداء هذه الوظيفة أو الحدود التي تمارسها في إطارها.
ومنه سنتناول ضمن هذا الفصل في مبحث أول هيئات الضبط اإلداري ووسائله ،وفي مبحث
ثان حدود وظيفة الضبط اإلداري.
سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين :مطلب أول يتناول هيئات الضبط اإلداري ومطلب ثاني يتضمن
وسائل الضبط اإلداري.
يقصد بهيئات الضبط اإلداري ،الهيئات التي تملك قانونا حق استخدام وسائل وأساليب
الضبط اإلداري ،وهي السلطات التي أنيطت بها ممارسة وظيفة الضبط اإلداري بهدف
المحافظة على النظام العام بعناصره.
ينعكس التصنيف الذي أوردناه سابقا للضبط اإلداري إلى ضبط إداري عام وضبط
إداري خاص ،162وضبط إداري وطني وأخر محلي على تصنيف سلطات الضبط اإلداري إلى
تختص هذه السلطات بالتدخل في إطار الضبط اإلداري الخاص بموجب نصوص خاصة تؤسس لهذه الوظيفة ،يمكن أن 162
تكون هي نفسها سلطات الضبط اإلداري العام مثل الوزير األول الذي يملك إصدار مرسوم تنفيذي رقم 882-02المؤرخ في
8002-06-90يتعلق بتنظيم المراقبة التقنية للسيارات وكيفيات ممارستها ،ج.ر عدد 28بتاريخ ،8002-06-95و قد تؤول
سلطة تنظيم نشاط الصيد للوالي بدل رئيس البلدية بموجب نص القانون رقم 08-04السابق الذكر .وقد يتم منح سلطات
61
سلطات الضبط اإلداري العام على المستوى المركزي ضمطلب أول) وسلطات الضبط اإلداري
العام على المستوى المحلي ضمطلب ثاني).
.../... .../...الضبط اإلداري الخاص لسلطات أخرى ال تتمتع بسلطة ضبط إداري عام مثل وزير الثقافة بالنسبة لضبط
السينما بموجب القانون رقم 02-99المؤرخ في 8099-08-98يتعلق بالسينما ،ج.ر عدد 92بتاريخ ،8099-08-87
ووزير الداخلية في مجال ضبط األجانب بموجب القانون رقم 99-07المؤرخ في 8007-06-85المتعلق بشروط دخول
األجانب للجزائر ،إقامتهم وتنقلهم فيها ،ج.ر عدد 26بتاريخ ..8007-08-08
التي تقابلها المادة 86من التعديل الدستوري لسنة .9116 163
62
-الوظيفة التنظيمية العامة التي يمكن اعتبارها أساسا لمنح رئيس الجمهورية وظيفة
164
التي تنص على ما الضبط اإلداري ،طبقا لنص المادة 942من الدستور في فقرتها األولى
يلي " :يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون " ،ومنه
فالسلطة التنظيمية تتضمن صالحية الضبط اإلداري ،ذلك في الحالة العادية ،ومن األمثلة على
بعض المراسيم الرئاسية :المرسوم الرئاسي رقم 887-95المؤرخ في 8095-07-88يحدد
القواعد العامة المتعلقة بتنظيم النظام الوطني للمراقبة بواسطة الفيديو وسيره.165
أما في الظروف االستثنائية ،فإن وظيفة الضبط اإلداري مخولة صراحة لرئيس الجمهورية
بموجب نصوص المواد من 905إلى 990من التعديل الدستوري لسنة ،8096والتي عوضت
المواد من 19إلى 15من دستور ،9116التخاذ بعض اإلجراءات والتدابير لمواجهة هذه
الحاالت ،وهي تتمثل في اإلعالن عنها وهي حالتي الطوارئ والحصار والحالة االستثنائية
وحالة التعبئة العامة وحالة الحرب ،حيث يترتب على إعالن هذه الحاالت بموجب مرسوم
166
نتائج وأثار هامة من أبرزها وأهمها :زيادة سلطات رئيس الجمهورية بشكل كبير رئاسي
وتوسيع صالحيات سلطات الضبط اإلداري األخرى في مواجهة الحقوق والحريات.
/2الوزير األول
لم تمنح المواد الدستورية صراحة الوزير األول سلطات في مجال الضبط اإلداري ،لكن
يمكن إقرارها على أساس الوظيفة التنظيمية التي يمارسها هذا األخير بموجب المادة 985في
فقرتها الثانية ،وباعتباره المسئول عن تنفيذ القوانين ،فهو المختص بإصدار تنظيمات الضبط
المطبقة في كامل التراب الوطني.167
بإعالن الحالة االستثنائية مع مراعاة مجموعة من الشروط واإلجراءات الشكلية والموضوعية .وسنتطرق لهذه المسائل في
حدود سلطات الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية.
167
R.Zouaimia, M.-Ch. Rouault, Op.Cit., p. 203.
63
ومن بين المراسيم التنفيذية في مجال الضبط اإلداري المرسوم التنفيذي رقم 52-19المؤرخ
في 9119-08-82يتعلق بالشروط الصحية المطلوبة عند عملية عرض األغذية
لالستهالك.168
ال يملك الوزير سلطة إصدار قرارات تنظيمية ،ألنها من اختصاص رئيس الجمهورية
والوزير األول بنصوص الدستور ،ومنه ال يمكن للوزير أن يصدر قرارات تنظيمية في مجال
الضبط اإلداري إال إذا سمح له القانون بذلك ،وهو يندرج في إطار التأهيل التشريعي ،ومنه
ضبط إداري خاص مثل ضبط السينما ،ضبط الصيد، يمكن للوزير أن يتمتع بسلطة
الصحة ،...ويتم ذلك بتضمين القانون إحالة مباشرة للوزير التخاذ قرارات تنظيمية تطبيقية
لذلك القانون .170ويمكن أن يكون له هذا االختصاص بإحالة من مرسوم تنفيذي ،حيث يحيل
الوزير األول مسألة التفصيل في كيفيات تطبيق المرسوم التنفيذي لقرارات وزارية أو قرارات
وزارية مشتركة ،كما يمكن أن ينقل له االختصاص بتفويض من الوزير األول في مجال
اختصاصه مثال في مجال حركة المرور وطبقا للمرسوم التنفيذ رقم 279-04المعدل والمتمم
المذكور أعاله ،كان قد صدر قرار وزاري مشترك مؤرخ في 8008-06-90يحدد طرق
وضع الممهالت.171
أما وزير الداخلية فال يملك سلطة ضبط إداري عام بشكل مباشر ،لكنه يملكها بطريق غير
مباشر ،على اعتبار أنه المسئول األعلى لجهاز الشرطة الذي يمارس وظائفه تحت سلطته عن
64
طريق المديرية العامة لألمن الوطني ،172كما يستطيع اتخاذ قرارات ضبطية باعتباره الرئيس
السلمي للوالة من خالل التعليمات واألوامر التي يوجهها لهؤالء في جميع المجاالت ومنها
مجال المحافظة على النظام العام والضبط اإلداري بصفة عامة.
بموجب المادة 9من المرسوم التنفيذي رقم 847-14المؤرخ في 9114-7-90يتضمن تنظيم اإلدارة المركزية في 172
وزارة الداخلية والجماعات المحلية والبيئة واإلصالح اإلداري ،ج.ر عدد 52لسنة .9114
بموجب المادتين 900و 909من قانون البلدية رقم .90-99 173
65
يمارس سلطة الضبط اإلداري بموجب قوانين البلدية المتعاقبة وأخرها القانون رقم -99
90بموجب نصوص المواد من 77على 18منه ،كما يملك تسخير قوات الشرطة والدرك
الوطني المختصة إقليميا.
66
المطلب الثاني :وسائل الضبط اإلداري
تتمتع سلطات الضبط اإلداري بمجموعة من الوسائل والصالحيات الضرورية لضمان حماية
النظام العام وتحقيق األهداف التي وضعها المشرع ،تتميز هذه الوسائل بميزتين أساسيتين:
تتنوع الوسائل القانونية إلى نوعين هما القرارات التنظيمية العامة وتسمى لوائح الضبط اإلداري
والقرارات الفردية المتضمنة أوامر ونواهي وعقوبات ...أما الوسائل المادية فتتمثل في التنفيذ
الجبري إلجراءات الضبط اإلداري.175
تتمثل في القرارات اإلدارية الضبطية وهي نوعين القرارات التنظيمية والقرارات الفردية.
تصدر اللوائح عن السلطة التنفيذية بهدف المحافظة على النظام العام بعناصره التقليدية
والحديثة .وهي تتضمن مجموعة من القواعد العامة والمجردة تحدد مسبقا الحدود أو القيود التي
تمارس في إطارها الحقوق والحريات والنشاطات الخاصة ،التي تفرضها ضرورة المحافظة
على النظام العام ،حيث تملك السلطة التنفيذية سلطة فرض أنظمة عامة في الحاالت التي يعجز
فيها القانون على أن يضبط الحريات والنشاطات ضبطا مفصال.176
الوسائل التي تملكها سلطات الضبط اإلداري الخاص تحددها النصوص الخاصة ،فال يمكن لسلطة الضبط اإلداري الخاص 175
إال أن التشريع الالئحي هو أكثر إحساسا بحدود الحريات ،ومدى القيود التي يلزم أن ترد عليها وأوضاعها تحقيقا ألهداف
الضبط اإلداري ،وكذلك مهما بلغت القواني ن الضبطية من الدقة والتفصيل ،فإنها ال تلغي الحاجة إلى التنظيمات الضبطية ،ألن
هذه األخيرة أقدر على صناعة ما يالءم مقتضيات النظام العمومي من قواعد ،حيث يهتدي في تحديدها بما يحيط بها من واقع
وتدفع بموجبها ما يهدده من مسائل ،مع تقييد تلك التنظيمات بعدم مخالفة ما تمليه القواعد التي رسمتها القوانين الضبطية.
67
وضع القضاء والفقه اإلداريين شروطا أساسية في هذه اللوائح التي تكون مستقلة عن القانون
تتمثل في:
-عدم مخالفة هذه اللوائح شكال وموضوعا للقواعد القانونية ،ألنها أدنى مرتبة منها وأنها
شرعت إلكمال النقص التشريعي.
-صدورها في شكل قواعد عامة ومجردة فال تسن لحالة فردية بذاتها.
-تحقق مبدأ المساواة بين األفراد عند تطبيق الالئحة.
تختلف لوائح الضبط حسب القيود التي تفرضها على النشاط الفردي والحريات ،فهناك
لوائح تفرض حظرا أو منعا للقيام بنشاط معين ،177وهناك التي تفرض التزاما معينا للقيام
بإجراء معين أثناء ممارسة النشاط ،وهناك التي تفرض الحصول على إذن أو ترخيص للقيام
بالنشاط ،وهناك التي تتطلب مجرد إخطار سلطة الضبط.
المقصود به أن تتضمن الالئحة منع األفراد من اتخاذ إجراء معين أو ممارسة حرية أو
نشاط معين ،ويشترط في المنع أن يكون جزئيا وليس كليا أو مطلقا ،ألن ذلك يعتبر مصادرة
للحق أو الحرية وال يكون ذلك مشروعا إال في الظروف االستثنائية .178مثال :قرار تنظيمي
صادر عن رئيس البلدية يمنع دخول الشاحنات التي تحمل وزنا معينا إلى شوارع البلدية من
أقر الفقه منع الحظر المطلق على اعتبار أن األصل في الحرية أنها مشروعة وأن لوائح الضبط تتضمن قيودا فحسب، 177
وأن الحظر المطلق يؤدي إلى مصادرة الحرية ،ومنه فهو غير مشروع ،ولن يكون مشروعا إال في الظروف االستثنائية .أنظر:
أنور رسالن ،القانون اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،9112 ،ص987 .؛ عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق،
ص.946.
أنظر أيضا :عدنان عمرو ،مبادئ القانون اإلداري ،نشاط اإلدارة ووسائلها ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،8004 ،ص. 178
.84
68
الساعة السابعة مساء إ لى الخامسة صباحا ،منع التدخين في المؤسسات العمومية ،منع تجاوز
سرعة معينة في الطرقات المختلفة.
أقر مجلس الدولة الفرنسي في قرار له بتاريخ 2جوان 9114إمكانية شمول الحظر
الستثناءات ولكن من دون تمييز ،ولكن ال يمكن أن تسمح التنظيمات لألفراد بطلب هذه
االستثناءات.179
-القانون رقم 90-02المتعلق بحماية البيئة والتنمية المستدامة ضمن نصوص المواد ،40
59 ،48منه.
-القانون رقم 08-04المؤرخ في 8004-07-94المتضمن قانون الصيد بموجب المواد
85و 86منه.
-قانون المياه رقم 98-05المؤرخ في 8005-07-04ضمن نص المادة 46منه.
-القرار الوزاري الصادر عن وزارة النقل ،بتاريخ 8095-98-87يحدد الكيفيات الخاصة
لتطبيق منع تعاطي التدخين على متن وسائل النقل والمنشآت القاعدية الخاصة باستقبال
ومعاملة المسافرين واإلدارة والمؤسسات والهيئات التابعة لقطاع النقل ،بناء على المرسوم
التنفيذي رقم 875-09بتاريخ 8009-01-84يحدد األماكن التي يمنع فيها تعاطي التبغ
وكيفيات تطبيق المنع.180
اإللزام عكس الحظر ،وهو إجراء قانوني يتم بواسطته ضرورة القيام بتصرف معين،
فهو إجراء ايجابي .181حيث تلجأ سلطات الضبط اإلداري إلى هذا األسلوب إللزام األفراد على
القيام ببعض التصرفات بهدف معين مثل:
179
Ch-Edouard Minet, Op., Cit., pp.161-162.
ج.ر عدد 55بتاريخ .8009-01-86 180
69
-المرسوم التنفيذي رقم 221-17المؤرخ في 9117-99-02المتضمن ضبط التنظيم
الذي يطبق على المنشآت المصنفة ويحدد قائمتها ،182بموجب المادة 1منه التي تفرض على
الوالي ورئيس البلدية قبل إصدار قرار بمنح الرخصة ،إصدار قرار للشروع في تحقيق علني
بمجرد تسلم الملف يبين موضوع التحقيق ،تاريخه والمندوب المحقق .كما أن المادة 98منه
تلزم هذه الهيئات قبل منح الرخصة طلب رأي المصالح المحلية المكلفة بالبيئة مثل مديرية
الري ،الفالحة ،ال عمل ،التعمير والصناعة والتجارة والسياحة ،والتي يجب عليها إصدار الرأي
خالل 60يوما.
-ألزمت المادة 90من المرسوم التنفيذي رقم 960-12المؤرخ في 9112-08-90المنظم
للنفايات الصناعية السائلة ،183مالك األجهزة أن يتخذ في اآلجال المحددة كل التدابير
واألعمال التي تجعل التصريف مطابقا لمضمون الرخصة.
-ألزم القانون رقم 90-02الوحدات الصناعية اتخاذ كل التدابير الالزمة للتقليص أو الكف
من استعمال المواد المتسببة في إفقار طبقة األوزون.
-ألزم القانون رقم 91-09المتعلق بتسيير النفايات كل منتج أو حائز للنفايات أن يتخذ كل
اإلجراءات الضرورية لتفادي إنتاج النفايات بأقصى قدر ممكن باعتماد واستعمال تقنيات
أكثر نظافة وأقل إنتاجا للنفايات ،كما ألزمه بالتصريح لدى الوزير المكلف بالبيئة
بالمعلومات المتعلقة بطبيعة وكمية وخصائص هذه النفايات المعالجة .أما النفايات المنزلية،
فقد أصبح لزاما على كل حائز لها استعمال نظام الفرز والجمع والنقل الموضوع تحت
تصرفه من طرف البلدية.
/2نظام التراخيص
قد تشترط الالئحة قبل ممارسة نشاط معين ضرورة الحصول على ترخيص مسبق من
سلطات الضبط اإلداري المختصة ،ويتم اللجوء لهذا األسلوب عندما يحتمل أن ينجم عن النشاط
ج.ر عدد 78لسنة ،9117والذي ألغي بموجب المرسوم التنفيذي رقم 917-06المؤرخ في 8006-05-69يضبط 182
70
قدرا من الضرر ،فتمكن اإلدارة من فرض ما تراه مناسبا من االحتياطات لتوقي ذلك
الضرر.184
ال يجوز لالئحة أن تشترط ضرورة الحصول على إذن سابق فيما يخص الحريات العامة التي
يكفلها الدستور والقانون مثل ممارسة العبادات ،من دون أن يخضع هذه الحرية أو النشاط
المتعلق بها لنظام الترا خيص ،كما ال يمكن أن تخضع اإلدارة نشاط معين لنظام التراخيص
وضعه المشرع تحت نظام عقابي.185
تعد وسيلة التراخيص وسيلة هامة لمنع وقوع االعتداء ،خصوصا عندما يرتبط األمر بالمشاريع
ذات الخطورة على البيئة مثل المشاريع الصناعية الكبرى وأشغال النشاط العمراني ،التي تؤدي
غالبا إلى استنزاف الموارد الطبيعية والمساس بالتنوع البيولوجي واألراضي الزراعية.186
يعرف الترخيص ب أنه إذن مسبق من اإلدارة المختصة برقابة ممارسة نشاط معين ،حيث تقوم
هذه األخيرة بمنحه إذا توفرت الشروط الالزمة التي يحددها القانون والالئحة .أمثلة:
-التراخيص المتعلقة بالنشاط الصناعي التي تتنوع إلى التراخيص المتعلقة باستغالل المنشآت
المصنفة بموجب نصي المادتين 97و 91من القانون رقم 90-02والتراخيص المتعلقة
بإدارة وتسيير النفايات الناتجة عن استغالل المنشآت المصنفة.187
-التراخيص المتعلقة بالنشاط العمراني والتي تتنوع إلى تراخيص البناء ،رخص التجزئة
ورخص الهدم.
سامي جمال الدين ،أصول القانون اإلداري ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،8004 ،ص.505. 184
حيث نص المرسوم التنفيذي رقم 917-06المؤرخ في ،8006-05-29بموجب المادة 80منه على أنه تسلم رخصة 187
االستغالل حسب الحالة بموجب قرار وزاري مشترك بين الوزير المكلف بالبيئة والوزير المعني بالنسبة للمؤسسات المصنفة
من الفئة األولى وبموجب قرار من الوالي ...أو من رئيس البلدية."...
71
في بعض مجاالت الضبط اإلداري العام والخاص :يفرض المشرع رخص إقامة التجمعات أو
المظاهرات أو رخص الصيد ،188حمل السالح الناري ورخص السياقة...189
بموجب المادة 8من المرسوم الرئاسي رقم 887-95المؤرخ في 8095-07-88المحدد للقواعد العامة المتعلقة بتنظيم 188
السابق.
72
/3نظام اإلخطار
المقصود به إخبار السلطة المختصة بمزاولة نشاط معين .ويختلف اإلخطار عن
الترخيص في أن النشاط هنا ال يعد ممنوعا ال يمكن القيام به إال بعد الحصول على ترخيص،
بل المطلوب هنا إخطار سلطة الضبط لتقوم بإجراءاتها للمحافظة على النظام العام ،حيث تتأكد
هذه األخيرة من استيفاء شروط مزاولة النشاط ،وبمجرد مضي المدة المحددة قانونا يعتبر
تصريحا ضمنيا بالموافقة على مزاولة النشاط ،أما إذا لم يستوف النشاط الشروط المطلوبة
فيمكن لسلطة الضبط اإلداري المختصة أن تعترض.ولنا أن نضرب المثال على اإلشعار
باإلضراب قبل مدة من القيام به.190
كما يمكن أن يقترب من نظام األخطار نظام التصريح اإلداري في مجال الضبط اإلداري
البيئي ،حيث يسمح القانون لألفراد القيام بأعمال أو نشاطات معينة ،من دون اشتراط الحصول
على الرخصة المسبقة ،بالرغم من احتمال إحداثها ألضرار معينة ،بشرط إبالغ السلطات
المختصة قبل الشروع فيها ،وهو ما يسمى بالتصريح السابق ،فتتمكن السلطات الضبطية من
مراقبة هذا النشاط ومنعه في حالة إضراره بالبيئة .وتتمكن سلطة الضبط باإلضافة إلى ذلك في
إطار هذا التصريح السابق من دراسة ظروف النشاط وأثاره ،فإذا كانت الدراسة إيجابية سكتت
وكان سكوتها بمثابة تصريح ضمني ،وإن كانت سلبية اتخذت موقفا إيجابيا بالرد برفضها القيام
بالنشاط رفضا صريحا يعادل رفض منح الترخيص.
مثال:
بموجب المادة 84من المرسوم التنفيذي رقم 917-06المؤرخ في 8006-05-29يضبط التنظيم المطبق على 191
المؤسسات المصنفة.
73
المتعلقة بطبيعة وكمية وخصائص النفايات ،وتقديم المعلومات الخاصة بمعالجة هذه النفايات
وتقديم اإلجراءات المتخذة لتفادي إنتاج نفايات بأكبر قدر ممكن.
أما التصريح الالحق فقد يشترط القانون تقديم تصريح خالل مدة معينة من ممارسة أو حدوث
النشاط دون إذن سابق ،وبذلك يتمكن سلطة الضبط مراقبة أثار النشاط على البيئة ومنع التلوث
أو التخفيف منه.
يقصد بها القرارات التي تصدر عن سلطات الضبط اإلداري ،والتي تخص فردا بعينه أو
بذاته أو مجموعة من األفراد بذواتهم ،أو التي تطبق على حالة محددة أو واقعة بعينها تهدف
للمحافظة على النظام العام .قد تتضمن هذه القرارات:
-توجيه أمر للقيام بعمل معين أو نهي عن اإلتيان بعمل ما ،كاألمر بهدم منزل آيل للسقوط أو
منع حدوث تجمع أو مظاهرة أو إيقاف عرض فيلم أو منع عرضه.
-منح رخصة بمزاولة نشاط معين بتوفر الشروط التي وضعتها اإلدارة لتحقيق أغراض
الضبط اإلداري ،مثل الترخيص بحمل سالح ناري ،بفتح مصنع ،إقامة مشروع ،الترخيص
باإلقامة ألجنبي.
-توقيع عقوبة أو توجيه إنذار.
-9تطبيقا لقاعدة تنظيمية أو نص تشريعي ،واألساس في ذلك احترام مبدأ التدرج ،فإذا
خالفت القرارات الفردية القواعد التنظيمية كانت غير مشروعة .لكن هناك حاالت استثنائية
تجيز فيها القواعد التنظيمية ذاتها خروج هذه القرارات عن القواعد التنظيمية ،بمعنى القواعد
التنظيمية تجيز بعض االستثناءات للخروج عنها بقصد تحقيق غرض المحافظة على النظام
العام ،بشرط تطبيقه على قدم المساواة بين األفراد ومن دون تمييز ،وهناك حاالت حدد فيها
74
القضاء اإلداري الفرنسي الشروط التي يتم على أساسها منح سلطة الضبط اإلداري سلطة
إصدار قرارات فردية من دون االستناد لقرارات تنظيمية أو نصوص قانونية تتمثل فيما يلي:
-9أن يدخل الق رار الضبطي الفردي في مجال الضبط اإلداري العام بتطبيق فكرة النظام
العام ،التي تلعب دور "قاعدة تأهيل" تسمح لسلطات الضبط اإلداري باتخاذ جميع التدابير
الضرورية للمحافظة عليه ،دون التأسيس على نص قانوني غير اختصاصهم للضبط
اإلداري ،192ففي حكم لوتيسيا لم يكن يوجد أساس قانوني خاص يمنع نشر عمل
سينماتوغرافي ،وبالرغم من ذلك قام رئيس البلدية بمنع عرض الفيلم ألسباب تتعلق
بالنظام العام.193
-8أن ال يكون المشرع قد اشترط صدور الئحة قبل اتخاذ القرار الفردي.
-2حدوث ظرف استثنائي يتطلب إصدار مثل هذا القرار ،وأن يكون هذا القرار هو
الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذا الظرف .ففي الغالب تكون الظروف االستثنائية هي المبرر
الذي يسمح لإلدارة الخروج عن قواعد المشروعية ،حيث تصدر اإلدارة قرارات ال
تستند إلى قواعد عامة.
-4أن تصدر هذه القرارات عن الهيئات المختصة بذلك في الدولة بموجب القوانين
والتنظيمات ،ألسباب موجودة فعال ومشروعة ومحققة ،وعموما أن تتوفر فيها أركان
القرار اإلداري.194
الجزاءات اإلدارية هي التي تتخذها سلطات الضبط اإلداري في إطار التدابير الوقائية،
التي تهدف إلى منع اإلخالل بالنظام العام واألهداف الخاصة التي أقرها المشرع في
192
Ch-Edouard Minet, Op., Cit., p. 164.
مثلما ذكرنا القضية أعاله. 193
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص ص.945-927 . 194
75
نصوص قانونية تشريعية أو تنظيمية ،تمس حريات األفراد وحقوقهم ومصالحهم المادية،
الهدف منها توقيف مصدر التهديد عن إحداث الخلل.195
فعندما توقع اإلدارة الجزاء اإلداري ،فهي توقعه بوصفها سلطة عامة قائمة على مهمة
الضبط اإلداري وليس بوصفها بديال عن القضاء في توقيع الجزاء.196
وتندرج هذه الجزاءات اإلدارية ضمن التدابير الوقائية والمؤقتة التي تتخذها سلطات الضبط
اإلداري ،على أساس نصوص تشريعية أو الئحية تخضع لرقابة القضاء إلغاءا وتعويضا في
حالة مخالفة مبدأ المشروعية .وتتميز الجزاءات اإلدارية عن العقابية في أنها تدابير وقائية
وليست عقابية ،ال تطبق بشأنها الضمانات اإلجرائية كالدفاع والوجاهية ضتبادل الوثائق،
االطالع عليها ،مدة للرد ،)...باإلضافة إلى أنها تدابير وقائية مؤقتة وليست نهائية كالجزاء
العقابي ،الهدف منها إرغام األفراد على الخضوع لحكم القواعد القانونية للمحافظة على
النظام العام ،لذلك يشترط فيها مادامت تؤدي إلى المساس بالمصالح والحقوق أن تكون
متناسبة مع قدر التهديد .كما يمكن للهيئات اإلدارية أن تتراجع عنها إذا ما زالت أسباب
اإلخالل.
تصنف الجزاءات اإلدارية في مجال الضبط اإلداري إلى جزاءات مالية وجزاءات غير مالية
وجزاءات مقيدة للحرية:
الجزاءات االمالية:
هي التي تتضمن مصادرة مبلغ مالي ،قد تقع على أشياء مثل المواد المخدرة أو منتوجات
غير مفوترة.
بشر صالح العاوور،سلطات الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية في التشريع الفلسطيني ،رسالة مقدمة استكماال 195
للحصول على درجة الماجستير في القانون العام ،كلية الحقوق ،جامعة األزهر ،8092 ،ص.64 .
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص.954 . 196
76
الجزاءات غير المالية :وهي ال سالبة أو المضيقة للحقوق ،فأما السالبة للحقوق مثل ،سحب
الرخصة ، 197مصادرة صحيفة أو جريدة...وأما المضيقة للحقوق مثل ،غلق المحل ،توقيف
النشاط ،المنع المؤقت لتوزيع جريدة...
في الغالب ال يتم توقيع هذه الجزاءات إال بعد إعذار المعني بها ليتراجع عن تصرفاته أو يتوقف
عنها ومنحه مهلة للتنفيذ من دون انصياعه طواعية لإلعذار فتطبق عليه العقوبة.198
الجزاءات المقيدة للحرية مثل االعتقال اإلداري والذي ال يتم إال في الظروف االستثنائية ،حيث
تنظم حاالته ومدته بقوانين الظروف استثنائية.
ال تكتف سلطات الضبط اإلداري باتخاذ األعمال القانونية المتمثلة في إصدار قرارات
تنظيمية أو فردية فحسب ،بل تتطلب وظيفة الضبط اإلداري القيام بمجموعة أخرى من األعمال
المادية المتنوعة للمحافظة على النظام العام وتجسيد أهداف وظيفة الضبط اإلداري الخاص.199
من أهم االمتيازات التي منحها المشرع لسلطات الضبط اإلداري الستكمال وظيفتها
الضبطية ،في حالة تعنت األفراد عن تنفيذ قراراتها امتياز التنفيذ الجبري ،وهو امتياز يسمح لها
نصت المادة 99من المرسوم التنفيذي رقم 960-12على إمكانية سحب الوزير المكلف بالبيئة للرخصة المتعلقة 197
الغابات ،شرطة البلدية ،الشرطة والدرك وغيرهم كل هؤالء أعوان مكلفون بتنفيذ قرارات الضبط اإلداري وقبل ذلك بمهام
الرقابة والتفتيش والتحقق من وجود المخالفات ،وكل فئة من هؤالء األعوان يحكمها نص خاص .وتقوم بأعمال مادية روتينية
مثال :أعمال التنظيف ،اإلنارة ،نزع الجليد ،إزاحة شجرة واقعة على الطريق ،توقيف شخص في حالة سكر ،ترميم بناء
اثري...
77
بتنفيذ أوامرها بالقوة الجبرية من دون الحاجة إلى إذن أو ترخيص من القضاء بسبب عدم
انصياع األفراد لهذه القرارات.200
وبالنظر للخطورة التي تميز هذا األسلوب من التدخل لمساسه بحقوق وحريات األفراد
وخروجه عن القاعدة العامة ،أقر أغلب الفقه والقضاء اإلداريين الفرنسيين مشروعية اللجوء
للتنفيذ الجبري في حالتين هما:201
-الحالة األولى تتعلق بوجود نص قانوني يجيز استخدام التنفيذ الجبري لقرارات الضبط.
-الحالة الثانية تتعلق بحالة الضرورة ،ويقصد بها قيام حالة استثنائية أو خطر جسيم يهدد
النظام العام ،ويتعذر دفعه بالطرق القانونية العادية ،لذلك تلجأ اإلدارة على وجه السرعة
للتدخل عن طريق التنفيذ الجبري ،بالرغم من عدم وجود نص قانوني .وبالرغم من ذلك فقد
اشترط القضاء اإلداري الفرنسي وتبعه في ذ لك الفقه عدة شروط واجبة التوفر في إجراء
التدخل الجبري في هذه الحالة تتمثل في:
-9وجود خطر جسيم يهدد النظام العام بعناصره المعروفة يقتضي التدخل السريع من
اإلدارة لمنع هذا التهديد ودفع الخطر.
-8أن يتعذر دفع هذا الخطر بالطرق القانونية العادية ،بحيث يكون هو الوسيلة القانونية
الوحيدة لدفعه.
-2أن يكون هدف السلطة اإلدارية من هذا اإلجراء تحقيق الصالح العام من خالل
المحافظة على النظام العام.
-4أن يكون هذا اإلجراء بالقدر الضروري لدفع الخطر وال يزيد عن ذلك شيئا ،على
أساس قاعدة أن الضرورة تقدر بقدرها ،بمعنى ال يجب أن نضحي بمصلحة األفراد
في سبيل الصالح العام إال بمقدار ما تقتضيه الضرورة.
األصل أن اإلدارة ال يمكنها إعمال التنفيذ الجبري إال بعد الحصول على إذن من القضاء ،أما االستثناء فيتضمن منحها 200
سلطة استخدام القوة الجبرية للمحافظة على النظام العام ووقف اإلخالل .أنظر :هاني علي الطهراوي ،المرجع السابق،
ص.864.
عدنان عمرو ،المرجع السابق ،ص ص.29-87. 201
78
-5أن يقوم باإلجراء الموظف المختص بأعمال وظيفته.
يجب أن نشير إلى أن اإلدارة عندما تلجأ لهذا األسلوب فهي تتحمل مسؤوليتها عن ذلك ،لذلك
يتعين عليها أن تتحرى الدقة في اتخاذ مثل هذه اإلجراءات خصوصا من حيث توافر الشروط
الالزمة ،فإذا أخطأت نتج عن ذلك إثارة مسؤوليتها بالتعويض عن األضرار التي لحقت
المعنيين ووقف اإلجراء ض طلب استعجالي) إذا كان إتمامه يؤدي إلى نتائج ال يمكن تداركها.
وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي هذا المبدأ ضتطبيق التنفيذ الجبري دون االستناد إلى نص) في
العديد من القرارات من بينها قراره المؤرخ في 9184-09-97وبتاريخ 9121-08-98
واتبع نهجه القضاء اإلداري المصري.202
إذا كانت اإلدارة في إطار سلطة الضبط اإلداري تملك السلطة التقديرية في ممارسة
اإلجراءات الضبطية ،فإن هذه األخيرة يجب أن تكون في إطار هدف المحافظة على النظام
العام .وإذا كانت وظيفة الضبط اإلداري وظيفة ضرورية من وظائف اإلدارة ،فإن تدخل هذه
األخيرة كثيرا ما يمس بالحقوق والحريات والنشاطات الخاصة لألفراد.
وبالنظر لآلثار الهامة التي تترتب على ممارسة سلطات الضبط اإلداري لهذه الوظيفة
على هذه الحقوق والحريات ،فإن المشرع وضع حدودا لممارسة هذه الهيئات الختصاصاتها
الضبطية ،من خالل وضع الضوابط التي يجب على هذه األخيرة االلتزام بها أثناء ممارستها
لهذه الوظيفة.
بمعنى أخر إن منح اإلدارة سلطة فرض القيود على حقوق وحريات األفراد ونشاطاتهم
الخاصة ال يعني وضع هذه األخيرة تحت رحمة هذه اإلدارة ،تقيدها وتحدها من دون حدود وال
79
ضوابط ،ألن األصل هو صيانة الحقوق والحريات وعدم المساس بها ،203واالستثناء هو فرض
القيود على هذه الحريات بموجب إجراءات الضبط اإلداري فتصبح ممارسة الحريات العامة هي
التي تقيد صالحيات الضبط اإلداري.204
من ذلك كله فإن المشرع وضع حدودا لممارسة سلطات الضبط اإلداري الختصاصاتها من
خالل وضع الضوابط التي يجب على هذه األخيرة االلتزام بها أثناء ممارستها لوظيفة الضبط،
وتكون هذه األخيرة أكثر صرامة في الظروف العادية عنها في الظروف غير العادية أو
االستثنائية ،حيث يستدعي الظرف توسيع سلطات الضبط اإلداري ومنحها صالحيات استثنائية
مؤقتة تستطيع بفضلها مواجهة هذه الظروف ،على أن تنتهي بانتهائها.
وتتمثل على مستوى ثان في خضوع إجراءات الضبط اإلداري للرقابة القضائية من طرف
القاضي اإلداري.
-9أن يتم فرض الظرف االستثنائي بصورة مشروعة من طرف السلطة المختصة دستوريا
بذلك في الدولة.
-8فرض الرقابة القضائية على إجراءات الضبط اإلداري.
إن القاعدة العامة أن األفراد يتمتعون بالحريات التي كفلها لهم الدستور ،غير أنه في حاالت معينة ترد على هذه الحريات 203
قيود ،ولما كان األصل هو التمتع بالحرية واالستثناء هو القيد ،فإنه يجب أن تخضع هذه القيود لضوابط تمنع أو تحد من
التعسف في ممارستها .أنظر:
عمار بوضياف ،الوجيز في القانون اإلداري ،جسور للنشر والتوزيع ،ط ،8.الجزائر ،8008 ،ص .ص.275.
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص ،986.نواف كنعان ،القانون اإلداري ،الكتاب األول ،دار الثقافة 204
تفرض على سلطات الضبط اإلداري في الظروف العادية مجموعة من القيود والضوابط
القانونية تتمثل على مستوى أول ض فرع أول) في التالي:
تتمثل على مستوى ثان في :خضوع إجراءات الضبط اإلداري للرقابة القضائية من طرف
القاضي اإلداري ض فرع ثان).
الفرع األول :تقيد سلطات الضبط اإلداري بمبدأ المشروعية واستهداف المحافظة على النظام
العام والمالئمة.
يعد مبدأ المشروعية من المبادئ القانونية العامة واجبة التطبيق في جميع الدول بغض
النظر عن االتجاهات السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي تتبناها .فالسمة البارزة للدولة
الحديثة اليوم هي أنها دولة قانون تسعى لفرض حكم القانون على جميع األفراد في سلوكهم
ونشاطهم ،كما تفرض على كل هيئات ومؤسسات وأجهزة الدولة المركزية منها والمحلية.205
عمار بوضياف ،دعوى اإللغاء ،ط ،9.جسور للنشر والتوزيع ،الجزائر ،8001 ،ص.7. 205
81
فإذا كان على اإلدارة عموما أن تلتزم بمبدأ المشروعية في جميع تصرفاتها ،فإنه عليها
بصفة خاصة أن تلتزم به عند ممارستها سلطة الضبط اإلداري ،وذلك لتأثير هذه الوظيفة على
حقوق وحريات األفراد .206فما هو المقصود بمبدأ المشروعية؟ ما هي مصادره؟
المقصود بمبدأ المشروعية بوجه عام سيادة حكم القانون على إرادة الحاكم والمحكوم.207
وهو يعني خضوع السلطة اإلدارية للقانون في كل ما يصدر عنها من تصرفات ،وما تتخذه من
أعمال وقرارات وفي جميع مظاهر النشاط الذي تقوم به .208أو بمعنى أخر عندما تتصرف
اإلدارة الضبطية ،فإنها تكون ملزمة باحترام مبدأ المشروعية ،ويجب عليها في كل مرة تصدر
فيه قرارا ضبطيا أن تتقيد بالقواعد الموجودة والقانون الواجب االحترام أساسا ،وهو التشريع
باعتباره التعبير عن اإلرادة العامة ،لنجد قبله مختلف االلتزامات الدولية المضمنة في االتفاقيات
الدولية ثم القانون األساسي في الدولة وهو الدستور ،ثم تأتي مختلف التنظيمات بعد التشريع،
وهي التي تشكل مصادر مبدأ المشروعية.
خضوع الدولة للقانون له معنيين بالنظر لتعدد وتفرع معاني كلمة قانون:
معنى ضيق :يشمل القواعد المكتوبة فقط وهي االتفاقيات الدولية ،الدستور ،التشريع بأنواعه
وأخيرا التنظيم ،وهي التي تشكل السلم أو التدرج القانوني في شكل هرم تكون القاعدة األعلى
سعيد السيد علي ،أسس وقواعد القانون اإلداري ،دار الكتاب الحديث ،القاهرة ،8001 ،ص.201. 206
محمد رفعت عبد الوهاب ،القضاء اإلداري ،الكتاب األول ،مبدأ المشروعية وتنظيم القضاء اإلداري ،ط ،9.منشورات 207
والمقصود بالكتابة هنا الكتابة الرسمية أي التدوين وليس مجرد التجميع. 209
82
فيه ملزمة للقاعدة األدنى .210ولكننا هنا سنتطرق للمعنى الواسع بحكم أن اإلدارة ملزمة عندما
تستعمل سلطاتها الضبطية باحترام كل مصادر القانون سواء كانت مكتوبة أم غير مكتوبة.
أ /المصادر المكتوبة :نقصد بها القواعد القانونية المدونة في وثيقة رسمية تصدر عن السلطة
المختصة بذلك في الدولة ،حيث تتدرج هذه القواعد في الجزائر فتأتي المعاهدات الدولية ثم
القواعد الدستورية في قمة النظام القانوني في الدولة ،ثم تأتي التشريعات العضوية ثم العادية ثم
يأتي التنظيم ضالتشريع الفرعي).
الدستور :هو الوثيقة األساسية الرسمية الصادرة في الدولة عن السلطة المختصة بذلك
وهي السلطة التأسيسية ،تتضمن مجموعة من القواعد تحكم العالقة بين الحاكم والمحكوم ،تحدد
طبيعة نظام الحكم وتكرس الحقوق والحريات التي يتمتع بها المواطن وضماناتها.211
مصدر موضوعي :ويتعلق بمضمون الدستور الذي يضع الفكرة القانونية في الدولة ،التي تحكم
جميع النشاطات والنصوص فيها.
مصدر شكلي :ويتعلق باإلجراءات الخاصة والمتميزة التي يوضع ويعدل وفقا لها الدستور،
والتي ينتج عنها سمو القوانين الدستورية على القوانين العادية ،والتي ال تلغيها أو تعدلها إال
قوانين دستورية مثلها .
لذلك فإن مخالفة تدابير الضبط اإلداري لنصوص الدستور تعد مخالفة مباشرة للقواعد القانونية
تجردها من كل قيمة قانونية ،ومنه يحكم القاضي بعدم مشروعيتها ومن ثم إلغائها .212ونقصد
.87-97
وهناك بجانب المخالفة المباشرة ،المخالفة غير المباشرة إن صح القول ،وهي الحالة التي يوجد فيها بين تدبير الضبط 212
والدستور حاجز تشريعي أو قانون حاجز la loi-écran ou écran legislatifومعناها أن القرار الضبطي اتخذ بناء على
قانون غير دستوري ،فإذا ما دفع أمام القاضي اإلداري أو العادي بعدم دستورية القرار الضبطي وثبت أن الدفع يقوم على
أساس عدم دستورية القانون الذي اتخذ إعماال له ،تعين على القاضي أن يرفض الدفع وإال كان متعديا على اختصاص المجلس
الدستوري ض وذلك ما قرره مجلس الدولة الفرنسي في قرار له بتاريخ 05جانفي .)8005وقد استقر القضاء في فرنسا منذ
83
بالدستور هنا الديباجة وكل نصوصه ومواده ،بالرغم من وجود ذلك النقاش الفقهي الدائر حول
الطبيعة القانونية للديباجة ،فيما إذا كانت ملزمة أم ال؟ ولكن الراجح في الفقه والقضاء
الدستوري واإلداري الفرنسيين أن الديباجة تتمتع بنفس الطبيعة القانونية الملزمة لنصوص
الدستور.213
المعاهدات الدولية :كرس دستور 9116بموجب نص المادة 928منه ومن بعده المادة
950من التعديل الدستوري لسنة ،8096مبدأ سمو المعاهدات التي يصدق عليها رئيس
.../...قرار Arrighiبتاريخ 06نوفمبر 9126على أنه ال يمكن للقاضي العادي وال اإلداري البحث في صدور.../...
دستورية القانون الحاجز ،ومنه ال يمكن مجازاة اإلدارة عن انتهاكها للدستور ،ولو بإحالة القانون الحاجز لرقابة الدستورية ألن
هذا االختصاص موكول لهيئات أخرى غير القضاة سواء في فرنسا بموجب المادة 69من دستور 9157المعدل ض والتي
منحت حق إخطار المجلس الدستوري لرئيس الجمهورية ،رئيسي غرفتي البرلمان والوزير األول و 60نائبا و 60شيخا ،أو في
الجزائر بموجب المادة 965من دستور 9116المعدل ض والتي منحت حق اإلخطار لرئيس الجمهورية ورئيسي غرفتي
البرلمان) .أما إذا كان القانون الحاجز هو الئحة مستقلة فيصبح من حق القاضي إلغاء الالئحة لعدم دستوريتها وبالتبعية إلغاء
التدبير الض بطي .أنظر :وردة خالف ،الرقابة القضائية على المشروعية الداخلية لقرارات الضبط اإلداري ،أطروحة مقدمة لنيل
.../...الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة محمد لمين دباغين سطيف ،8 شهادة دكتوراه في العلوم في القانون العام ،كلية
،8094-8092ص ص .959-941هذا الحل كان مقبوال سواء في فرنسا أو الجزائر قبل صدور التعديل الدستوري الفرنسي
لسنة 8007والتعديل الدستوري الجزائري لسنة ،8096لكن بعد صدور هذين التعديلين تم تكريس ما يسمى بمسألة األولوية،
حيث يمكن لكل من مجلس الدولة أو المحكمة العليا في حالة إثارة دفع بعدم دستورية قانون هو أساس لتدبير ضبطي ،أصبح
بإمكان الجهتين القضائيتين إحالة مسألة الدستورية » « question préalable de constitutionnalitéللمجلس الدستوري
للفصل في مدى دستورية القانون.
اختلف الفقه حول قيمة المقدمة ،حيث ذهب اتجاه إلى تجريد المقدمة من كل قيمة قانونية ملزمة ،حيث اعتبرها مجرد 213
مبادئ فلسفية وسياسية ،على أساس أنه لو أرادت السلطة التأسيسية اعتبارها من القواعد القانونية الملزمة ألدرجتها ضمن مواد
الدستور نفسه .بينما اعتبر اتجاه ثان أن المقدمة تتمتع بالقيمة القانونية ،ولكن اختلف رواده في تحديد هذه القوة ،فمنهم من
منحها قيمة أدنى من الدستور ،بينما منحها آخرون قيمة أعلى من الدستور .أما القضاء اإلداري فقد اعتبر دائما المقدمة ذات
قيمة قانونية مساوية لقيمة الدستور ،حيث صدر قرارين لمجلس الدولة نص صراحة على مقدمة دستور 9146الصادر بتاريخ
9156-08-99والصادر بتاريخ .9158-6-8ومنذ دخول دستور 9157حيز النفاذ فقد دعم القيمة القانونية للمقدمة ،وجاء
هذا التأكيد بموجب قرارين صادرين عن المجلس الدستوري بعدم دستورية مشروعين :األول حول حرية االجتماع الصادر في
9189-08-96والثاني حول اإلجراءات الوقائية للحريات الفردية الصادر في .9182-99-87وهو الرأي الراجح في فقه
القانون الدستوري .أنظر :فوزي أوصديق ،الوافي في شرح القانون الدستوري ،النظرية العامة للدساتير ،الجزء الثاني ،ط،9.
ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،9114 ،ص ص.61-67
84
الجمهورية طبقا لإلجراءات المنصوص عليها في الدستور ،على الدستور .214لكن الدستور لم
يوضح متى يلزم القاضي الجزائري بالمعاهدة؟ هل بمجرد التصديق عليها بصورة نظامية؟ أم
يجب انتظار النشر في الجريدة الرسمية ،والذي يتم بواسطة مرسوم رئاسي؟
إذا كان مجلس الدولة الفرنسي قد كرس أن النشر النظامي لالتفاقية هو الذي يتم في الجريدة
الرسمية ،215ومنه يكون القاضي ملزما بالمعاهدة المنشورة بصفة نظامية من دون سواها .وفي
غياب اجتهاد قضائي ونص دستوري واضح وصريح في الجزائر حول هذه المسألة ،يمكن
افتراض أحد االحتمالين :األول مفاده أن إجراء النشر هو إجراء روتني الزم لدخول أي نص
قانوني سواء معاهدة أو غيرها حيز النفاذ ،ومنه فعدم النص عليه ال ينفي إلزاميته ،ومنه يكون
القاضي ملزما بنصوص المعاهدة بعد نشرها في الجريدة الرسمية .أما االحتمال الثاني فمفاده
أن مجرد المصادقة على االتفاقية كاف إلنتاج هذه األخيرة ألثارها من دون انتظار إجراء
النشر ،ومنه يكون القاضي ملزما بها ،ولكنه يصبح في نظر البعض ملزما قبل ذلك بالتحقق من
الوجود المادي ومن إتمام النشر وقانونيته .216وقد أكد المجلس الدستوري الجزائري في قراره
المتعلق برقابة قانون االنتخابات لسنة 9171والذي جاء فيه " بعد المصادقة عليها ومنذ
نشرها ،تدمج االتفاقية في القانون الوطني ،وتطبيقا لنص المادة 982من دستور ،9171فإنها
تحوز حجية أسمى من حجية القوانين ،وبإمكان كل مواطن جزائري االستناد إليها أمام
المحاكم.217
للتفصيل أكثر حول مسألة إدماج االتفاقيات الدولية في القانون الوطني أنظر :الخير قشي"،تطبيق القانون الدولي أالتفاقي 214
في الجزائر" ،مجلة العلوم االجتماعية واإلنسانية ،كلية الحقوق ،جامعة باتنة ،عدد ،9115 ،4ص ص.84-92 .
في قراره بتاريخ 9165-06-97بخصوص االتفاقية بي فرنسا وسويسرا المتعلقة بالصيد في المياه الحدودية غير واجبة 215
التطبيق ألنها لم تكن موضوع نشر نظامي ،أنظر :مسعود شيهوب "،دولة القانون ودولة المشروعية" ،حوليات ،مجلة تصدر
عن مخبر الدراسات والبحوث حول المغرب العربي والبحر األبيض المتوسط ،جامعة منتوري قسنطينة ،العدد الرابع،8009 ،
ص.41.
216
R.Zouaimia, M.- C..Rouault, Op.Cit., p.29.
المجلس الدستوري ،قرار رقم 09مؤرخ في 80أوت 9171يتعلق بقانون االنتخابات ،ج.ر عدد 26لسنة .9171 217
85
باإلضافة إلجراء النشر يطبق إجراء المعاملة بالمثل في النظام الفرنسي ،حيث ينتظر القاضي
في هذه الحالة توضيح من وزير الخارجية حول موقف الدولة األخرى من مدى تطبيق الحكومة
لتلك المعاهدة.218
وقد تطور موقف القاضي من تكريس مبدأ سمو المعاهدة على الدستو ،خصوصا في حالة
تعارض أحكام معاهدة مع نصوص قانون ما ،حيث يكون من الواجب على اإلدارة في مثل هذه
الحاالت أن ترجح االتفاقية على القانون عند اتخاذها للتدبير الضبطي .ال يثور مبدئيا اإلشكال
في حالة كون المعاهدة الحقة على القانون ،حيث نطبق قاعدة الالحق يلغي السابق .ولكن قد
يثور اإلشكال في الحالة العكسية أو في حالة كون القانون أوسع من االتفاقية ،فيفسر القاضي
القانون كاحتياط لتطبيق المعاهدة ،بمعنى يطبق القانون على الوضعيات الغير مشمولة
بالمعاهدة .219في هاتين الحالتين يجب أن تتطابق التدابير الضبطية مع القواعد المدرجة في
االتفاقية.220
قد يحدث أن يكون القانون الحق على المعاهدة ،فهل يرجح القاضي المعاهدة أم القانون؟
في هذه الحالة ثبت ترجيح القاضي اإلداري الفرنسي للقانون ،221على أساس أن استبعاد هذا
األخير يؤدي إلى تقدير دستورية القاعدة التشريعية وهو عمل ممنوع عليه .ومن جهته اعتبر
المجلس الدستوري الفرنسي أنه ال يحق للقاضي مراقبة مدى احترام القوانين التي أحيلت أمامه
للمعاهدات الدولية .222أما محكمة النقض الفرنسية ،فقد قررت أنه يعود لها الفصل في حالة
التنازع بين التشريع والمعاهدة ،بمعنى تغليب المعاهدة على القانون سواء كان سابقا أو
219
R.Zouaimia, M.- C..Rouault, Op.Cit., p. 94.
220وردة خالف ،المرجع السابق ،ص.958 .
مسعود شيهوب ،المرجع السابق ،ص.50. 221
222
R.Zouaimia, M.- C..Rouault, Op.Cit., p. 51.
86
الحقا .223وحتى القضاء اإلداري غير من اتجاهه لصالح االعتراف بسمو المعاهدات على
القانون الداخلي ذلك أن:
-رفض اإلقرار بسمو المعاهدة على القانون يخالف المادة 55من الدستور الفرنسي التي تمنح
للمعاهدات قيمة أسمى متى تم إدماجها في القانون الداخلي.
-الحجة المتعلقة بأن فحص مدى تطابق القانون مع المعاهدة يؤدي إلى تقدير دستوريتها حجة
مرفوضة.
ومنه نخلص إلى أن اإلجراءات والتدابير الضبطية يجب أن تراعي مضمون االتفاقيات الدولية
وال يجب أن تخالف أحكامها .225ومن أهمها االتفاقيات المتعلقة بحق اللجوء ،بحقوق اإلنسان،
باتفاق ،Schengenبحماية البيئة ،التي تم إدماجها في القانون الداخلي.
التشريعات الصادرة عن البرلمان :وهي مجموعة القواعد العامة والمجردة الصادرة عن
السلطة التشريعية بموجب االختصاص الممنوح لها بالدستور .والتشريع نوعين:
التشريع العضوي :ويصدر بإحالة صريحة من الدستور ض المادة 949من التعديل -
الدستوري لسنة )8096ومواد أخرى .وهو تشريع يصدر وفق إجراءات متميزة عن
اإلجراءات التي يصدر وفقا لها التشريع العادي ،226ألنه ينظم مواضيع خاصة أكثر أهمية
االتفاقيات التي تسمو عل القانون الداخلي في الجزائر هي فقط تلك التي تخضع لشرط التصديق بموجب نص المادة 928 225
من الدستور ،أما في فرنسا طبقا لنص المادة 55من الدستور فهي المصادق عليها أو المعتمدة بطريقة قانونية أي االتفاقيات
البسيطة.
تتمثل هذه اإلجراءات في ن سبة المصادقة على القانون العضوي التي تختلف عنها في القانون العادي أمام المجلس الشعبي 226
الوطني ،باإلضافة لوجوب إحالته لرقابة الدستورية قبل إصداره على خالف التشريع العادي الذي يخضع لرقابة اختيارية.
87
تتعلق في عمومها بتنظيم السلطة .وقد اعتبر المجلس الدستوري في رأيه الصادر بتاريخ 92
ماي 8000بأن التوزيع الدستوري لالختصاصات بين مجال القانون العضوي والعادي ينتج
عن مبدأ تدرج القواعد في النظام القانوني الداخلي ،حيث يحتل القانون العضوي مرتبة وسطى
بين الدستور والقانون العادي.
ولو أن هذا التمييز بين النوعين من التشريع ليس له سوى أثر دستوري ،أما على المستوى
اإلداري فكالهما ملزم لإلدارة .227ولكن إذا تعارض قانون عضوي مع العادي ،ولو أن ذلك
قليل الحدوث على اعتبار اختالف مجاالت التنظيم ،تكون األولوية للقانون العضوي.
-التشريع العادي :ويختص فيه البرلمان بمجال تنظيم الحقوق والحريات بموجب نص المادة
940من الدستور التي تعطي للبرلمان التشريع في 81مجاال من بينها وأهمها المجال
المذكور أعاله . 228وبالرغم من أن مجال الحقوق والحريات يعد اختصاصا أصيال للبرلمان،
إال أن التشريع الالئحي أو الفرعي يجد مكانا له في هذا المجال.
التنظيم :وهو يتضمن القرارات التنظيمية الصادرة عن السلطة التنفيذية طبقا للدستور،
بقصد المحافظة على النظام العام بعناصره المتعددة .ويعد هذا الفرع من القانون من أبرز وأهم
مظاهر السلطة العامة ،إذ تتضمن قواعد عامة ومجردة تقيد بها أوجه النشاط الفردي في سبيل
صيانة النظام العام وهي بذلك تمس حقوق وحريات األفراد ،تحدث أثارا قانونية أو تعدل أو
تلغي بها مراكز قانونية .تتنوع إلى مراسيم رئاسية ،مراسيم تنفيذية ،قرارات وزارية ،قرارات
الوالة وقرارات رؤساء البلديات وقرارات مدراء المؤسسات العمومية.
وأخيرا طبيعة المجاالت التي يختص البرلمان بالتدخل فيها بموجب قانون عضوي وهي مواضيع هامة تتعلق بتنظيم السلطة
وتوصف في عمومها بأنها قوانين مكملة للدستور.
مسعود شيهوب ،المرجع السابق ،ص.58 . 227
يمكن أن نظيف األوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية في حاالت الضرورة أي بين الدورتين أو في حالة شغور المجلس 228
الشعبي الوطني ،والتي تمت المصادقة عليها من طرف البرلمان في أول دورة مقبلة طبقا لنص المادة 948من الدستور.
باإلضافة إلى المراسيم التشريعية التي صدرت خالل المرحلة االنتقالية بموجب مداولة المجلس األعلى للدولة بتاريخ -08-08
9118تحت رقم ،78-18والتي تم بموجبها تخويل رئيس هذه الهيئة سلطة التشريع بمراسيم تشريعية بعد استشارة المجلس
االستشاري الوطني .أنظر :المرجع نفسه ،ص.59.
88
وتخضع هذه القرارات لمبدأ التدرج بناء على عدة معايير:
-المعيار العضوي :ينبني تدرج القرارات التنظيمية على مكانة مصدرها في هرم السلطة
اإلدارية .وفقا لهذا المعيار ال يمكن أن تخرج قرارات الضبط اإلداري السفلى على قرارات
الضبط اإلداري العليا . 229غير أن السلطات المحلية يمكن أن تتخذ قرارات تنظيمية مخالفة
لتلك الصادرة عن السلطات المركزية ،على أن يتوفر شرطين أساسيين:
-9أن تتطلب الظروف المحلية ذلك.
-8أن يكون التنظ يم المحلي أكثر صرامة ،لذلك قبل مجلس الدولة الفرنسي قرار رئيس
البلدية بمنع عرض فيلم حائز على رخصة العرض الوزارية ،ذلك أن الظروف المحلية
تبرر هذا المنع وذلك في قضية luthesiaبتاريخ .2309151 - 98-97
-المعيار الشكلي :يعتمد على الشكليات واإلجراءات التي اتبعت في إصدار هذه القرارات.
وقد استقر القضاء اإلداري في فرنسا على اعتبار المراسيم الصادرة بناء على رأي مجلس
الدولة أكثر قوة من المراسيم العادية التي تصدر دون إجراءات مسبقة.231
-المعيار الموضوعي :يستخدم لتصنيف القرارات التي تصدر من ذات السلطة اإلدارية من
ناحية موضوعها .فهو يميز هنا بين القرارات التنظيمية والفردية ويؤكد على سمو األولى
لقد صدر قرار عن المجلس األعلى بخصوص قضية ضش.ع) ضد والية سطيف ووزير الداخلية ،حيث يستغل األول منذ 229
9170مصنعا صغيرا وبتاريخ 9174-90-84قامت شرطة البلدية بغلق المحل تنفيذا للمذكرة الصادرة عن الوالي بسبب
دواعي األمن والنظافة والصحة العمومية ،وقد أثار الطاعن وجها جديدا مأخوذا من انعدام االعذار المسبق طبقا للمادة 25من
المرسوم المؤرخ في 9186-08-80المتعلق بالمؤسسات الخطيرة أو غير الصحية .حيث أن الشرطة المحلية قامت بغلق
المحل من دون توجيه إعذار مسبق تنفيذا لمذكرة الوالي ،وبالتالي فإن هذا األخير تجاوز سلطاته تجاوزا واضحا لخرقه
مقتضيات المرسوم ،وأنه يتعين إبطال القرار الضمني المتضمن رفض الطعن اإلداري المسبق المرفوع إلى وزير الداخلية.
المجلس األعلى ،الغرفة اإلدارية ،قرار رقم ،46882مؤرخ في ،9176-08-98المجلة القضائية ،9110العدد الرابع،
ص .968.أنظر :وردة خالف ،المرجع السابق ،ص.985.
توجد حاالت أخرى كرسها مجلس الدولة الفرنسي تتمثل في تدخل سلطة ضبط إداري عام في مجال الضبط البيئي لحماية 230
البيئة بشرط ضرورة وجود خطر وشيك بقراره الصادر بتاريخ 9176-09-95في قضية société pec. Engeneering
،مبدأ أخر كرسه مجلس الدولة مكن سلطة الضبط اإلداري العام التدخل في مجال الضبط اإلداري الخاص في حالة عدم تدخلها
عندما يتطلب االستعجال ذلك .أنظر:
Ch-Edouard Minet, Op., Cit., pp. 124-125.
قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في .9108-06-08أنظر :وردة خالف ،المرجع السابق ،ص.985. 231
89
على الثانية ،ومنه فالقرار الفردي ال يجب أن يخالف القرار التنظيمي الضبطي أيا كانت
مكانة السلطة التي أصدرته .كما ال يجوز لسلطة ضبط إداري عليا أن تخرق بقرار فردي
قرارا ضبطي تنظيمي صادر عن سلطة ضبط إداري دنيا ،كما ال يجوز لسلطة ضبط إداري
سفلى بقرار ضبطي إداري فردي أن تخرج عن قرار ضبط إداري تنظيمي صادر عن
سلطة عليا ،كما ال يجوز لهذه األخيرة أن تخرج بقرار فردي عن قرار تنظيمي أصدرته
هي بنفسها.232
هي مبادئ غير مشرعة يستنبطها القضاء من المقومات األساسية للمجتمع وقواعد النظام
القانوني في الدولة ويقررها في أحكامه باعتبارها قواعد قانونية ملزمة ،233وعلى هذا األساس
تعتبر هذه المبادئ من عناصر المشروعية تلتزم بها السلطات العمومية .وهي مستوحاة من
روح التشريع بواسطة القضاء ،تمثل تعبيرا قانونيا للمفاهيم الفلسفية واألخالقية ،االجتماعية
واالقتصادية وتشكل قواعد قانونية غير مكتوبة.234
عرفها األستاذ محيو كما يلي " :يطلق تعبير المبادئ العامة للقانون على عدد من المبادئ التي ال
يحتويها متن النصوص القانونية ،وإنما تذكر في مقدمة هذه األخيرة .ويعترف االجتهاد بأنه
على اإلدارة واجب احترامها . 235فالقاضي ال يخلق هذه المبادئ وإنما يستنبطها ويكتشفها في
مناخ قانوني معين ناتج عن التقاليد والوظيفة السياسية ،االجتماعية والمؤسساتية.
235أحمد محيو ،محاضرات في المؤسسات اإلدارية ،ترجمة محمد عرب صاصيال ،ط ،4.د.م.ج ،الجزائر ،8006 ،ص.46.
90
إن هذه المبادئ تشكل فئة مستقلة من القواعد القانونية بسبب طبيعتها ،حجيتها وثباتها ،لها أهمية
كبيرة في مجال الضبط اإلداري .ويلجأ إليها القضاء أحيانا ليقرر عدم مشروعية ما يصدر من
قرارات ضبطية .يعود الفضل في نشأة المبادئ العامة للقانون لمجلس الدولة الفرنسي الذي كان
له الدور الكبير في تقريرها في أحكامه منذ بداياتها وإن كان لم يعلن صراحة عن قوتها
اإللزامية باعتبارها مصدرا للقانون .وقد استعمل المصطلح ألول مرة في قراره المؤرخ في
" 9146-90-86ينتج عن المبادئ العامة للقانون التي تطبق حتى في غياب النص بأنه ال
يمكن قانونيا النطق بأي إجراء قبل تمكين المعني باألمر من الدفاع عن نفسه.236
يمكن تصنيف المبادئ العامة للقانون بناء على المعيار الغائي إلى مبادئ عامة تتعلق
بالحقوق والحريات الفردية ومبادئ عامة متعلقة بالمساواة.
-ما يتعلق بالحقوق والحريات الفردية مثل حرية التنقل ،حرمة المسكن ،سرية الحياة الخاصة،
الحق في الملكية والحريات العامة المنظمة مثل حرية االجتماع العمومي ،حق تكوين الجمعيات،
حرية العقيدة وإقامة الشعائر ،حرية الرأي.
-ما يتعلق بمبدأ حرية التجارة والصناعة :حيث يمكن فرض قيود عليها فيما يصدر من
237
قوانين أو قرارات ضبطية بشرط أن يكون السبب يتعلق بالمحافظة على النظام العام
ب /المبادئ العامة المتعلقة بالمساواة :وتشمل مبدأ المساواة أمام القوانين والتنظيمات ومبدأ
المساواة في استخدام األمالك العمومية.
/2القضاء:
91
يعتبر القضاء من أهم مصادر المشروعية في القانون اإلداري بصفة خاصة ،نظرا
لدور القاضي اإلداري في تفسير النصوص الغامضة والتوفيق بين النصوص المتعارضة
واستنباط القاعدة التي تتالءم مع طبيعة المنازعة اإلدارية واجتهاده عموما في إيجاد حل لهذه
المنازعات.
ال يجوز لس لطة الضبط اإلداري مخالفة قرار قضائي يتمتع بقوة الشيء المقضي فيه،
بمعنى ال يكون قابال ألي طريق من طرق الطعن العادية بسبب استنفاذ كل الطعون أو فوات
مواعيدها.
يمكن هنا أن نخلط بين قوة الشيء المقضي فيه وحجية الشيء المقضي فيه التي تعني الحكم
الذي يشكل عائقا أمام رفع دعوى أخرى تتناول ما تم الفصل فيه ،ومنه فمصطلح الحجية يخص
القرارات الصادرة عن القضاء اإلداري .بينما قوة الشيء المقضي فيه تخص القرارات الصادرة
عن القضاء المدني والجنائي.238
ومنه يشكل انتهاك اإلدارة لألحكام الصادرة عن المحاكم انتهاكا لمبدأ المشروعية ،ليست
األحكام فقط بل المصادر المكتوبة والمصادر غير المكتوبة.
ثانيا :استهداف سلطات الضبط اإلداري المحافظة على النظام العام وقاعدة تخصيص األهداف.
إن الهدف من تدخل سلطات الضبط اإلداري هو المحافظة على النظام العام كما تم
التطرق إ ليه فيما سبق في المحور األول ،حيث ال تستطيع هذه الهيئات التدخل لتحقيق غرض
أخر غير غرض المحافظة على النظام العام وإن تعلق بالمصلحة العامة ،ألن الهدف من
92
إجراءات الضبط اإلداري محدد وليس لإلدارة أن تخرج عنه .وفي المقابل ال يمكن لإلدارة أن
تخرج عن الهدف الخاص المحدد بالنصوص الخاصة ،حتى ولو كانت تستهدف تحقيق المصلحة
العامة تطبيقا لقاعدة تخصيص األهداف.239
أن يكون إجراء الضبط اإلداري الزما وضروريا بمعنى أن تكون غايته تفادي خطر
حقيقي يهدد النظام العام ،كما يجب أن يكون قائما على أسباب جدية وصحيحة ،وأخيرا يجب أن
يكون منتجا وفعاال لتوقي الخطر.
أن يكون اإلجراء متالئما ومتناسبا مع جسامة الخطر الذي يهدد النظام العام ال أكثر وال أقل،
أي يجب على اإلدارة التي تملك السلطة التقديرية للمحافظة على النظام العام بإصدارها مختلف
اإلجراءات والتدابير أن تقدر ما يتناسب مع الخطر ،وذلك يخلق التوازن بين حماية الحقوق
وحريات األفراد وحماية النظام العام من جهة أخرى .حيث أن الحرية هي األصل وأن
إجراءات الضبط اإلداري المقيدة لها تشكل االستثناء ،ولذلك يتدخل القضاء عند الحاجة لتقدير
هذا التناسب والتالؤم.
وعلى ذلك ال يجوز لهيئات الضبط اإلداري أن تلجأ إلى وسائل صارمة لمواجهة ظروف غير
خطيرة ،فقد ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرار رئيس البلدية القاضي بتحديد مدة دق األجراس
في الكنائس بثالثة دقائق وأال تتجاوز خمس دقائق .240ومنه فإن القاضي ال يكتف بالبحث في
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص ص.906-17 . 239
حيث جاء في حيثيات الحكم في قضية " Abbé Constantin et autreوإن كان قرار العمدة له سبب وهو اإلزعاج 240
الذي يسببه دق األجراس وقتا متواصال ولمدة طويلة ،كما أن القرار يحقق غايته المشروعة وهي توفير السكينة العامة ،إال أن
93
مدى مشروعية القرار الضبطي فحسب ،إنما فيما إذا كان متالئما مع الظروف والوقائع التي
دفعت التخاذه .وقد سار القضاء اإلداري المصري على النهج نفسه في أحاكمه المتعاقبة.241
وقد استنتج بعض الفقهاء الفرنسيين أن القاضي الفرنسي في رقابته لسلطات الضبط اإلداري
أصبح قاضي مالئمة باإلضافة إلى كونه قاضي مشروعية ،وذلك استثناء عن القاعدة العامة
التي تقضي بأن يترك لإلدارة حرية تقدير مالئمة تصرفاتها في حدود المصلحة العامة ،لكن
الدكتور سليمان الطماوي ا عتبر أن القاضي اإلداري هو قاضي مشروعية وأن تقدير المالئمة
هي عنصر من عناصر المشروعية ،ذلك أنه من الواجب أن ال تقيد الحرية إال بالقدر
الضروري ،لذلك تختلف حدود سلطات الضبط اإلداري باختالف الزمان والمكان وقيمة الحق
والحرية التي إذا ما كفلها الدستور فإن ذلك سيقيد سلطات الضبط اإلداري كثيرا .242ولذلك
حاول القضاء الموازنة بين االثنين بوضع الشروط التي يجب أن تتوفر في التدبير الضبطي
حتى يكون مشروعا وهي:
المصلحة التي يحققها القرار ال تتناسب مع األضرار والمضايقات التي تنتج عنه للمواطنين المؤمنين ،وعلى هذا األساس يكون
القرار الصادر عن العمدة مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة و وغير مشروع" .أنظر ،المرجع نفسه ،ص.975.
المرجع نفسه. 241
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص ص.919-977 . 242
بمعنى يكفي التوجيه إلى أن ما يهدد النظام العام وليس فرض وسيلة معينة مثال فرض استخدام جهاز معين على ممالك 243
مبنى ،حيث تترك الحرية لألفراد الختيار الوسيلة لتجنب اإلخالل بالنظام العام ،مع وجود بعض االستثناءات مثال :عندما يكون
من الواجب اتخاذ تدابير موحدة ،عند الخوف من وقوع اضطراب خطير أو خطر محدق ،حالة االستعجال ،عندما ال يوجد إال
وسيلة واحدة فعالة ،وجود نص يفرض استخدام وسيلة بعينها التقاء الخطر.
عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص ص.809-977 . 244
94
الفرع الثاني :رقابة القاضي اإلداري على تدابير الضبط اإلداري في الحالة العادية.
الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري هي الرقابة التي يمارسها القضاء اإلداري
على القرارات اإلدارية التي تحدث أثرا قانونيا باإلنشاء أو التعديل أو اإللغاء في المراكز
القانونية ،الصادرة عن سلطات الضبط اإلداري والمتمثلة في رئيس الجمهورية ،الوزير األول،
وز ير الداخلية ،الوالي ،رئيس البلدية ،مدير مؤسسة عمومية مثل رئيس الجامعة ،مدير
مستشفى ...وسلطات الضبط اإلداري الخاص.
وتنصب الرقابة على مدى مشروعية هذه القرارات الخارجية والداخلية ،فإذا ثبت للقاضي أن
اإلدارة الضبطية تجاوزت القانون كان له إلغاء قرارها والتعويض للمتضرر إذا طلب ذلك.
وتشكل هذه الرقابة الضمانة األساسية الحترام مبدأ المشروعية وسيادة القانون لتوافر الضمانات
المتعلقة باالستقاللية والحياد والكفاءة لدى القاضي .245فقد عهد دستور 9116المعدل للسلطة
القضائية بمهمة حماية الحقوق والحريات كما اعترف للقضاء اإلداري بالنظر في قرارات
السلطات اإلدارية.
ويمارس القاضي رقابته سواء من حيث تقيد اإلدارة باألسباب التي أدت إلى التدخل أو األهداف
التي سعت لتحقيقها ،وقبل ذلك أن يصدر القرار من سلطة الضبط اإلداري المختصة ووفقا
لإلجراءات واألشكال المطلوبة وأن يكون محلها مشروعا.
اإلجراء الثاني :دفاعي ويتمثل في إجراء الدفع بعدم مشروعية القرار الضبطي ،حيث يتم الدفع
بعدم مشروعية اإلجراء عندما يتم التمسك به ضده ،فهو ال يشكل موضوع الدعوى ،إنما وسيلة
95
دفاع فيها ،بشرط أن يكون للدفع صلة مباشرة بالدعوى األصلية .ويتم هذا الدفع في دعوى
جنائية أو مدنية أو إدارية ،أو أن يتم الدفع بعدم مشروعية قرار نهائي فات ميعاد الطعن فيه.246
وسيتم التطرق في هذه المحاضرات لرقابة اإللغاء وتبيان أوجه اإللغاء سواء تعلقت بأوجه
اإللغاء الخارجية المتمثلة في وجود عيب في االختصاص أو الشكل واإلجراءات ،وأوجه إلغاء
القرار الداخلية والمنصبة على عيب السبب والمحل والغاية.
تتعلق أوجه المشروعية الخارجية بوجهين هما الوجه المتعلق باالختصاص والوجه
المتعلق بالشكل واإلجراءات.
يتعلق هذا الركن في القرارات اإلدارية بصدور القرار اإلداري ممن يملك االختصاص
بإصداره من الناحية الزمانية والمكانية ،الموضوعية والشخصية طبقا للنصوص القانونية
والتنظيمية .فال يجوز لهيئات الضبط اإلداري العام التعدي على اختصاص هيئات الضبط
اإلداري الخاص ،حيث تصاب بذلك القرارات اإلدارية بعيب عدم االختصاص ألنها صدرت
ممن ال يملك القدرة القانونية على إصداره .ويراقب القاضي مدى احترام هيئات الضبط
اإلداري لقواعد االختصاص من حيث الزمان ،فال يجوز تطبيق مبدأ رجعية القرارات ،كما ال
يجوز إصدار قرارات ضبطية خارج المجال اإلقليمي الذي تمارس فيه نشاطها ،وإال اعتبرت
غير شرعية من حيث المكان .وللقاضي أن يتصدى لهذا العيب من تلقاء نفسه ألنه من النظام
العام.
سليمان بارش ،شرح قا نون اإلجراءات المدنية الجزائري ،الخصومة القضائية أمام المحكمة ،الجزء األول ،دار الهدى، 246
الشائع في مجال الضبط اإلداري ،أن المشرع يخص قرارات الضبط اإلداري الخاص
بإجراءات وشكليات متميزة ،مثل استشارة هيئات معينة قبل اتخاذ القرار.248
يكون القرار الضبطي مشوبا بعيب من عيوب المشروعية الداخلية بسبب عدم مشروعية
محتواه ،فنكون بصدد عيب المحل أو عيب مخالفة القانون أو بسبب عدم مشروعية أسبابه،
فنكون بصدد عيب السبب ،أو بسبب عدم مشروعية أهدافه لنكون أمام عيب االنحراف في
استعمال السلطة.
يقصد بالمحل مضمون القرار اإلداري الضبطي ،أي األثر الذي يحدثه في المراكز
القانونية ،والذي يجب أن يكون غير مخالف للقانون في معناه الواسع .ومنه فعيب المحل يقصد
به مخالفة القانون ويعبر عنه بالمخالفة المباشرة للقانون ،249وهنا يتخذ تدخل اإلدارة شكال
إيجابيا .كما يمكن أن يتخذ تدخل اإلدارة الضبطية شكال سلبيا وذلك عندما يستدعي األمر
تدخلها ،ولكن اإلدارة تمتنع عن ذلك ،ففي مجال شرطة الصيد مثال تكون اإلدارة ملزمة بمنح
الرخصة في حالة توفر جميع الشروط المطلوبة قانونا.
لم يميز المشرع الجزائري بين اإلجراءات والشكليات الجوهرية وغير الجوهرية ،وإنما يعتبر كل الشكليات واإلجراءات 247
لحسين بن الشيخ آث ملويا ،دروس في المنازعات اإلدارية ،وسائل لمشروعية ،ط ،9.دار هومة،8006 ،ص.898. 249
97
وهناك حالة أخرى لمخالفة القانون مخالفة غير مباشرة ،وهي الناتجة عن التفسير
الخاطئ للقانون ،ولذلك صرح مجلس الدولة الفرنسي بأن رفض الترخيص باستغالل لعبة
القمار غير مشروع ،على اعتبار أن الرفض مؤسس على نص قانوني يمنع ممارسة لعبة الكرة
األرضية واأللعاب المماثلة ،في حين أن لعبة الكرة األرضية ولعبة القمار غير متماثلتين.250
والمقصود من عملية الرقابة التي يقوم بها القاضي عندما يتحقق من مشروعية محل القرار
الضبطي ،أنه يتحقق من مدى مطابقة مضمون القرار مع القواعد التي تعلوه في سلم التدرج
القانوني مثلما تم توضيحه في عناصر مبدأ المشروعية ،التي ال تتضمن التشريع بالمعنى
الضيق فقط إنما بالمعنى الواسع.251
يعرف السبب بأنه مجموعة العناصر الواقعية أوالقانونية ،التي تدفع اإلدارة للتصرف
واتخاذ القرار اإلداري .وهو يلعب دورا هاما في الرقابة القضائية إذ يعتبر الدافع التخاذ القرار.
ويقصد بعيب السبب انعدام الوقائع المادية أو القانونية أو وقوع خطأ في تكييفها وتقديرها عند
صدور القرار من طرف سلطة الضبط اإلداري ،ومنه يجب على هذه األخيرة أن تستند في
إصدارها للقرار إلى سبب قانوني أو واقعي يبرر إصدارها .فيراقب القاضي الوجود المادي أو
القانوني للوقائع والتكييف القانوني لها ،كما يراقب مدى تالؤمها مع القرار خصوصا في مجال
الضبط اإلداري.
إذا كانت رقابة القضاء اإلداري للسبب في أعمال اإلدارة يقف عند الوجود المادي
والقانوني والتكييف ،فإنها في مجال الضبط اإلداري تذهب إلى رقابة مالئمة تدبير الضبط
ومدى تناسبه مع أهمية وخطورة السبب .252فرقابة الوجود المادي للوقائع تعتبر أول درجات
جمال قروف ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،مذكرة تخرج مقدمة لنيل شهادة الماجستير ،كلية الحقوق، 252
وعندما يراقب القاضي عنصر السبب ،فهو يراقب مدى قيام الوقائع من الناحية المادية ويقدر
قيمتها القانونية.
في مجال الضبط اإلداري قد ال تكون الوقائع التي يحتج بها كأساس إلصدار القرار قد حدثت
بالفعل ق بل صدوره على غرار أسباب القرار اإلداري بوجه عام ،حيث يجب تحقق الوقائع في
الواقع قبل صدوره ،كما يمكن أن تكون سلطات الضبط اإلداري قد توقعت حدوثها مستقبال
بشكل جدي وأصدرت قرارها على أساس االحتياط من وقوعها ،وبذلك يصح القول أن الوقائع
في مجال قرارات الضبط اإلداري قد ال تسبق القرار تاريخيا ،لكن يتعين أن تسبقه قانونيا.
فسلطة الضبط اإلداري يجب أن تضع في اعتبارها وتقدر احتمال جدي بوقوع اضطراب
وشيك الوقوع في المستقبل ،ومنه فلن يستطيع القاضي في مثل هذه الحاالت أن يراقب تحقق أو
عدم تحقق االحتمال ألن السبب هنا هو مجرد الخوف .ففي قضية بتاريخ 9116-98-89قرر
مجلس الدولة الفرنسي إبطال القرار اإلداري الناتج عن غياب ذكر الوالي سبب اتخاذه لقرار
توقيف الجمعية المسماة منتجي الحليب ،بعد الرأي بعدم الموافقة الذي أبدته مصالح األمن
بالتنسيق مع مصالح الوالية ،والمبني على أن سلوك بعض أعضاء الجمعية مخل بالنظام
العمومي واآلداب العامة و أن بعضهم كانوا مسبوقين قضائيا ،وكأن المجلس تأكد من وجود
الواقعة المادية ولم يبق إال ذكرها في حيثيات قرار الوالي لكي يكون قراره مشروعا .لكن
الهيئة القضائية العليا قد أخلطت هنا بين السبب والتسبيب الذي يعني قيام اإلدارة بذكر األسباب.
فاألصل والقاعدة المستقر عليها في القانون والقضاء اإلداريين أن اإلدارة ليست ملزمة بتسبيب
قراراتها باعتبارها شكلية إال إذا استوجب المشرع ذلك صراحة ،ومنه ال يمكن اعتبار القرار
99
الخالي من ذكر األسباب قرارا غير مشروع ،كما ال يمكن إسناد عدم المشروعية على ركن
السبب ضغياب) ،ألن التسبيب ليس عنصرا من عناصر السبب.254
وفي قضية قررت المحكمة اإلدارية بسطيف بتاريخ 97مارس 8092إلغاء القرار الصادر
عن رئيس بلدية سطيف القاضي بهدم بناية المدعي اآليلة للسقوط ،والتي تشكل خطرا على
المواطنين ،وبعد معاينة البناية من طرف الخبير المعين في القضية ،ثبت أن البناية صالحة
لالستعمال وال تشكل أي خطر ،ولذلك صدر قرار المحكمة بإلغاء القرار الضبطي بحكم أنه
مبني على معطيات غير صحيحة وواقعية.255
كما يراقب الق اضي التكييف القانوني للوقائع ،بحيث يتحقق مما إذا كانت تبرر القرار المتنازع
فيه ،فهو يقوم بعملية إعادة التكييف ،حيث يبحث فيما إذا كانت الوقائع التي استندت إليها اإلدارة
من شأنها أن تبرر قانونا القرار المتخذ ،فيتحقق مثال في حالة اقتضاء طبيعة األشياء بالضرورة
اجتماع بعض الشروط الواقعية حتى يكون القرار المتخذ مشروعا ،ومما إذا كانت هذه الشروط
قد تحققت فعال ومما إذا كانت هذه الوقائع تبرر فعال اتخاذ القرار.256
ومنه يتعلق األمر هنا بالمرور بالقاعدة القانونية من التجريد إلى الملموس ،وبالمرور باألسباب
الواقعية من الملموس إلى التجريد ،فتقوم بتجسيد األسباب القانونية وتجريد األسباب الواقعية.
فبواسطة رقابة التكييف القانوني يضمن القاضي وجود تطابق حقيقي بين الشروط المحددة
بواسطة القاعدة القانونية واألسباب التي تشكل أساسا التخاذها.
وقد ذهب مجلس الدولة الفرنسي في إطار رقابة عيب السبب بعد أن رفض رقابته العادية على
الوجود الحقيقي للوقائع وصحة تكييفها القانوني إلى رقابة قصوى تتضمن البحث في تقدير
اإلدارة ألهمية وخطورة تلك الوقائع ومدى التناسب بينها وبين اإلجراء المتخذ على أساسها،
وهو ما يسمى برقابة التناسب أو المالئمة ،وذلك بتقدير أهمية وتناسب الوقائع التي تدعيها
عبد الكريم بودريوة ،القضاء اإلداري في الجزائر الواقع واآلفاق ،مجلة مجلس الدولة ،العدد ،8005 ،6ص ،1.وردة 254
100
اإلدارة مع التدابير الضبطية المتخذة ،حيث تشكل تدابير الضبط اإلداري وحماية الحريات
العمومية المجال المفضل لتطبيق مبدأ التناسب ،ومعنى ذلك معرفة فيما إذا كانت الوقائع تشكل
إخالال بالنظام العمومي متناسبة مع تدابير الضبط المتخذة ،لذلك يعتبرها البعض أو يصفها
بالرقابة القصوى التي ال يمارسها القاضي بالنسبة لكل القرارات الضبطية ،بل فقط تلك التي
تشكل اعتداء على النشاط الفردي األكثر أهمية ضمن منظور دستوري أو تشريعي) ،وهي تتمثل
في الحريات العمومية أو األساسية ،لذلك تبدو الرقابة القصوى ضرورية لحماية هذه الحريات
والنظام العام أيضا تتطلب رقابة معمقة لألسباب المبررة للقرار .أرسى مجلس الدولة الفرنسي
المبادئ األساسية لهذه الرقابة القصوى تتمثل في:
وبذلك تشكل الضرورة والتناسب شرطي مشروعية التدبير الضبطي ،والذين بفضلهما تقيد
سلطة الضبط اإلداري التقديرية .وقد ثار نقاش فقهي بين مؤيد لرقابة المالئمة ورافض لها،
فالرأي المعترف للقاضي برقابة المالئمة يعتبر أن بحث القاضي عن التدابير اإلدارية
الضرورية والمتناسبة مع األسباب الواقعية يعد فحصا لمالئمة التدخل اإلداري ،وأنه ال يوجد
تعارض بين ما تجريه اإلدارة وهي بصدد ممارسة سلطتها التقديرية من مالئمة في مجال
الضبط اإلداري وبين أن تخضع هذه المالئمة للرقابة القضائية ،فقاضي اإللغاء لم يعد فقط كما
في السابق قاضي مشروعية وإنما قاضي مالئمة .وقد حثت جرأته في مجال الضبط اإلداري
على االعتراف له برقابة المالئمة وأنه عندما يفحص الوجود والتكييف القانوني لألسباب فحصا
بسيطا ،فإنه يقتصر على ممارسة رقابة المشروعية ،وعندما يسعى إلى تقدير قيمتها حيث ينزلق
إلى رقابة المالئمة ،فيتحول إلى رئيس إداري ،وهكذا ففي مجال شرطة السينما يتطلب األمر
من القاضي فحصا ذاتيا لما إذا كانت الظروف المحلية تتطلب منع عرض الفيلم ،كما أن النظام
101
العام الجمالي يقتضي تقديرا ذاتيا لالعتراف بمشروعية قرار رفض منح رخصة البناء ألنها
تهدد جمال المناظر البيئية .258أما الرأي الثاني فقد أنكر على القاضي اإلداري رقابة المالئمة،
على اعتبار أن رقابة القاضي لألسباب ليست رقابة مالئمة وإنما هي رقابة مشروعية ،ألن
األسباب في مثل هذه الحاالت ليست عناصر للمالئمة وإنما عناصر للمشروعية ،فقد يجعل
القانون أحيانا من المالئمة شرطا للمشروعية.259
يجب أن تصدر القرارات الضبطية من أجل تحقيق الهدف المسطر لها ،وهو المحافظة
على النظام العام .أما إذا كنا في إطار الضبط اإلداري الخاص فيجب على اإلدارة أن تستهدف
بالقرار الذي تصدره في المجال الهدف المسطر في النص القانوني الخاص .فإذا مارست هيئات
الضبط اإلداري سلطاتها لتحقيق أهداف أخرى غير المحافظة على النظام العام ،فيكون القرار
معيبا بعيب الغاية أو الهدف أو االنحراف بالسلطة ،أو عيب إساءة استعمال السلطة أو التعسف
في استعمال السلطة أو مخالفة روح النص .260ويعتقد الكثير أن االنحراف بالسلطة هو
المصطلح األقرب ،ألن التسميات األخرى تبقى قاصرة على الحاالت التي تستهدف فيها السلطة
اإلدارية غرضا بجانب الصالح العام ،لكنه يخالف قاعدة تخصيص األهداف.261
ولذلك :فاستهداف صالح خاص أو شخصي يقابل االنحراف بالسلطة ،كما أن استهداف صالح
عام مع الخروج عن أهداف الضبط اإلداري الخاص يساوي االنحراف بالسلطة أيضا .ومنه
يتعرض القرار الضبطي لإللغاء من طرف القضاء اإلداري في حالتين هما:
-9استهداف سلطة الضبط اإلداري مصلحة أو غرض غير المصلحة العامة :عرفته
المحكمة التونسية بالعيب الذي يصيب المقرر اإلداري والمتمثل في مبادرة السلطة
سليمان محمد الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،دراسة مقارنة ،ط ،9.دار الفكر العربي ،القاهرة،9119 ، 260
ص.258 .
المرجع نفسه. 261
102
اإلدارية ،قصد استعمال السلطات الراجعة لها قانونا في سبيل خدمة هدف غريب عن
الهدف الذي من أجله منحت لها تلك السلطة .ويتضمن:
استهداف غرض أجنبي عن المصلحة العامة ،إما لتحقيق مصلحة خاصة أو تحقيق
غرض ديني أو سياسي.
استهداف غرض عام غير المصلحة التي يجب على اإلدارة الضبطية تحقيقها سواء في
إطار قاعدة تخصيص األهداف أو تحقيق مصلحة مالية.
-8االنحراف باإلجراء :ويتمثل في استعمال اإلدارة لبلوغ نتيجة معينة إجراء غير
المنصوص عليه في تلك الحالة ،فهو صيغة خاصة لالنحراف بالسلطة .حيث يفترض أن
سلطة الضبط اإلداري تجمع بين االختصاصين الضبط اإلداري العام والخاص بإجراءين
مختلفين ،فيستعمل اإلجراء األخف واألبسط الستهداف نتيجة تتعلق بغاية االختصاص
األخير.
فمفهوم االنحراف باإلجراء يستند إلى فكرة غياب الخيار بين إجراءين من طرف متخذ القرار،
فيظهر الطابع العمدي لتغيير اإلجراء بنية تطبيق إجراء سريع عوض اإلجراء المعقد الذي يهدد
تأخير أو منع اتخاذ القرار.262
103
واتخاذ ما تراه مناسبا من اإلجراءات التي تكفل حماية استقاللها وسالمة ترابها وأمن مواطنيها
وسير مؤسساتها .263لكن هذه اإلجراءات تبقى خاضعة للرقابة القضائية لما لها من أثر على
الحريات الفردية والعامة .وعليه سيكون من المالئم أن نعرف هذه الحاالت االستثنائية بالتعرض
للشروط الشكلية والموضوعية لتقريرها حتى يكون تقريرها مشروعاضالفرع األول) ،ثم ألثر
تقرير هذه الحاالت على الحقوق والحريات خصوصا حالتي الطوارئ والحصار اللتين تم
تقريرهما في الجزائرضالفرع الثاني) ثم نعرض للرقابة القضائية على أعمال سلطات الضبط
اإلداري أثناء هذه الظروف ضالفرع الثالث).
لزرق حبشي ،أثر سلطة التشريع على الحريات العامة وضماناتها ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون 263
العام ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة أبو بكر بلقايد ،تلمسان ،8092-8092 ،ص.988 .
104
الفرع األول :تعريف الحاالت االستثنائية وشروط تقريرها تعريف الحاالت االستثنائية
أوال :تعريف الحاالت االستثنائية
عرف الفقيه J.Riveroالظروف االستثنائية بأنها" :األوضاع الفعلية التي تؤدي إلى
نتيجتين اثنتين تتمثالن في وقف العمل بالقواعد العادية اتجاه اإلدارة وذلك لتطبيق اتجاه هذه
القواعد مشروعية خاصة ،حيث يقوم القاضي بتحديد مقتضيات هذه المشروعية الخاصة".264
عرفتها سعاد الشرقاوي من خالل تعداد الشروط التي ينبغي توافرها حتى يمكن أن يقال أننا
أمام ظرف استثنائي وهي:
-يجب أن يكون هناك وضع غير عادي.
-يجب أن يترتب على هذا الوضع غير العادي أن يستحيل على اإلدارة مواجهته بإتباع قواعد
المشروعية الموضوعية للظروف العادية.
-يجب أن تنحصر الضرورة وتقدر بقدرها ،فال تمارس اإلدارة السلطات االستثنائية إال بالقدر
وفي الحدود التي تتطلبها المصلحة العامة.
-يشترط انتهاء الحالة االستثنائية بمجرد زوال الظروف االستثنائية ،ويقتصر استخدام
السلطات اإلضافية خالل الفترة الزمنية التي ظلت الظروف قائمة خاللها.265
وتعد الظروف االستثنائية من ابتكار مجلس الدولة الفرنسي وتبعه في ذلك مجلس الدولة
المصري ،266حيث اعتبر أن بعض القرارات اإلدارية غير المشروعة في ظل الظروف العادية
تعتبر مشروعة في ظل الظروف غير العادية أو االستثنائية ،وذلك إذا ما ثبت أنها ضرورية
لحماية النظام العام أو الدفاع عن األمن الوطني .فالظروف االستثنائية يترتب عليها أن تتحلل
اإلدارة بصفة مؤقتة من قيود المشروعية العادية لكي تتمتع بسلطات أوسع مما ورد في
التشريعات العادية ،ويقوم نظام استثنائي توقف أو تقيد في ظله الحقوق والحريات الفردية
المرجع نفسه ،ص، 42 .عن سعاد الشرقاوي ،المنازعات اإلدارية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،9116ص ص. 265
.981-987
عبد الغني بسيوني عبداهلل ،المرجع السابق ،ص ص.816-814 . 266
105
والجماعية والضمانات الدستورية المقررة لها .267كما اشترط لقيام الحالة االستثنائية لتكون
مبررا لتقييد الحقوق والحريات ثالثة شروط أساسية هي:268
-أن تجد اإلدارة نفسها أمام حالة غير مألوفة يصعب معها استخدام القوانين العادية لمواجهة
هذه الحالة.
-أن يترتب على هذه الحالة تعريض األمن والنظام العام للخطر.
-تناسب اإلجراءات المتخذة من اإلدارة مع الظرف االستثنائي تحقيقا للصالح العام.
وقد جرى العمل على أنه عندما يتوقع المشرع ظرفا استثنائيا معينا أو جملة من الظروف
االستثنائية ،فإنه يبادر إلى وضع النصوص القانونية المالئمة لمواجهتها والتي تعد بمثابة حلول
تشريعية لها .269غير أن الحلول التشريعية للظروف االستثنائية ليست متماثلة في جميع الدول،
فكل دولة تختار الحلول التي ترى أنها أكثر مالئمة لمواجهة هذه الظروف.270
وقد تعددت الظروف الموجبة لتقرير الحاالت االستثنائية إلى حالة الطوارئ ،حالة الحصار
والحالة االستثنائية وحالة الحرب ،وعليه سنتطرق لتعريف كل حالة من هذه الحاالت ثم نتطرق
عدنان عمرو ،المرجع السابق ،ص ،28 .عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،المرجع السابق ،ص .896. 267
أحمد سالمة بدر ،االختصاص التشريعي لرئيس الدولة في النظام البرلماني دراسة مقارنة مصر فرنسا إنجلترا ،دار 268
ويمكن أن نميز بين اتجاهين اثنين :االتجاه االنجلوسكسوني الذي ال ينظم سلفا حالة الطوارئ بقانون ،ولكنه يجيز كلما 270
دعت الظروف للسلطة التنفيذية أن تلجأ إلى البرلمان لتستصدر منه قانون الظروف ،ويتكفل هذا القانون بأن يحدد حالة
الطوارئ والمناطق التي يسري عليها مفعولها كما يبين حدود اختصاصات السلطة التنفيذية بمناسبتها ،ويطلق على هذا األسلوب
أسلوب التفويض التشريعي ،هذا األسلوب يقف عائقا أمام السلطة التنفيذية إذا ما أرادت التذرع بظروف غير جدية لفرض
أحكام الطوارئ ويحقق في ذات الوقت حماية قوية للحقوق والحريات الفردية ،لكنه قد يؤخر السلطة التنفيذية عن السرعة في
مواجهة هذه الظروف .أما االتجاه الثاني فهو االتجاه الالتيني الذي يقضي بوجود قانون سابق ينظم حالة الطوارئ قبل وقوع
الظرف االستثنائي يسمى قانون الطوارئ ،ثم يرخص الدستور للسلطة التنفيذية متى قامت حالة الطوارئ في العمل بمقتضى
أحكام هذا القانون .وبذلك يتيح هذا األسلوب للسلطة التنفيذية مواجهة الظرف االستثنائي وقت حدوثه .أنظر :المرجع نفسه ،ص
ص.882-897 .
106
لإلجراءات والشروط الشكلية والموضوعية المطلوبة لتقرير مثل هذه الحاالت حتى تكون
مشروعة ،ثم نتطرق ألثار تقرير هذه الحاالت على تقييد الحقوق والحريات الفردية والجماعية.
/0حالة الطوارئ
اختلف الفقه في تعريف حالة الطوارئ ،فقد عرفها الفقه االنجلوسكسوني بأنها الحالة التي
يمكن من خاللها تجاوز المبادئ الدستورية االعتيادية لمواجهة الظروف االستثنائية ،أو أنها
الظروف الطارئة التي تحدث داخل أو خارج البالد فتؤثر على نظام الدولة وال تستطيع
الصالحيات الممنوحة لسلطات الضبط اإلداري بموجب التشريعات السارية من مواجهة هذه
الظروف ،بل تتمكن وفي إطار قانون الطوارئ أن تتخذ تدابير استثنائية تأخذ قوة التشريع بعد
عرضها على البرلمان والتصديق عليها ،وذلك في سبيل مواجهة هذه الظروف.271
أما الفقه األمريكي فترتبط حالة الطوارئ عنده بحدوث ظروف استثنائية ال يمكن توقع شدتها
وفترة استمرارها ويكون من شأنها أن تهدد الحياة العامة خارج الحدود المتوقعة .أو هي نظام
اتخذ لمواجهة ظروف غير م ستقرة وغير متكررة ال يمكن مواجهتها بالسلطات التي تمنحها
التشريعات العادية.272
أما في الفقه الفرنسي فعرفها M.Hauriouبأنها ":نظام قانوني معد سلفا لتأمين نظام البالد
يرتكز على تقوية صالحيات السلطة التنفيذية عن طريق نقل السلطة المدنية إلى يد السلطة
العسكرية".273
كما عرفها G.Burdeauبأنها ":ظروف أو أحداث غير متوقع حدوثها ومحددة في قانون
األحكام العرفية أو قانون حالة االستدعاء ضالضرورة) ،يؤدي حدوثها إلى عجز السلطات
الممنوحة للهيئة القائمة على الضبط اإلداري بموجب التشريعات السارية عن مواجهة تلك
جلول مولودي ،حماية الحقوق والحريات أثناء حالة الطوارئ في النظام الدستوري الجزائري ،مذكرة لنيل شهادة 271
107
الظروف أو األحداث الشا ذة ،لذلك يمنح القانون تلك السلطات تدابير استثنائية لمواجهة هذه
الظروف وتخضع في ذلك لرقابة القضاء" .كما عرفها A.DeLaubadaireبأنها ":نظام
استثنائي تبرره فكرة الخطر الوطني".274
أما في الجزائر فقد عرفها فؤاد الشريف بأنها ":نظام استثنائي تفرضه السلطات العليا في الدولة
أثناء حدوث خطر داخلي أو وشيك الحدوث يهدد المؤسسات الدستورية في البلد أو أمن وسالمة
المواطنين وإقليمهم الوطني ويهدف إلى استتباب النظام العام والسكينة العامة وحماية أفضل
ألمن األشخاص والممتلكات وتأمين السير الحسن للمصالح العمومية".275
/2حالة الحصار
هي إجراء من إجراءات األمن العام تعطل بمقتضاها القوانين ويحل محلها النظام
العسكري .276وعرفها مسعود شيهوب بأنها ":حالة تسمح لرئيس الجمهورية باتخاذ كافة
اإلجراءات بهدف الحفاظ على استقرار مؤسسات الدولة واستعادة النظام والسير العادي للمرافق
العمومية".277
ففي حالة الحصار تستطيع الدولة مواجهة أشد الظروف قساوة تمر بها قبل اللجوء إلى حالة
الحرب ،والتي ال تستطيع فيها السلطات المدنية من مباشرة مهامها ومواجهة هذه الظروف،
وبذلك تحل السلطة العسكرية محل السلطة المدنية ،كما يحل القضاء العسكري محل المدني.278
من خالل التعاريف السابقة للحالتين ،يظهر أن هناك شبه كبير بينهما ،خاصة فيما يتعلق بتوسع
السلطات المكلفة باستتباب األمن ،وما لذلك من أثر على تقييد الحقوق والحريات العامة
فؤاد الشريف ،حالة الطوارئ وأثرها على الحقوق والحريات العامة للمواطنين ،مجلة العلوم اإلنسانية ،جامعة محمد 275
مسعود شيهوب ،الحماية القضائية للحريات األساسية في الظروف االستثنائية ،المجلة الجزائرية للعلوم القانونية 277
/3الحالة االستثنائية
عرفت في فرنسا على أنها نظام دستوري استثنائي قائم على فكرة الخطر الوشيك المهدد
لكيان الدولة وسالمة ترابها ،تخول للسلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية اتخاذ كل
التدابير االستثنائية المنصوص عليها في القانون بهدف حماية أراضي الدولة وبحارها وأجواءها
كليا أو جزئيا ضد األخطار الناجمة عن عدوان مسلح داخلي أو خارجي ،مع إمكانية نقل
صالحيات السلطات المدنية إلى السلطات العسكرية.279
وتعتبر الحالة االستثنائية أكثر تعقيدا من حالتي الطوارئ والحصار ،تستدعي وجود ظروف
أخطر من التي تستدعي فرض حالتي الطوارئ والحصار ،يرتبط فرضها بخطر وشيك الوقوع
يهدد أركان الدولة ومؤسسات البالد أو استقاللها أو سالمة ترابها ،وإذا كان فرضها من
الخطورة بمكان بالنظر لما يترتب علها من أثار على السير العادي للمؤسسات والحقوق
والحريات العامة لألفراد ،فإن األمر يتطلب فرض شروط وآليات خاصة بالنظر لجسامة الخطر
الذي يهدد المؤسسات الدستورية واستقالل األمة وسالمة ترابها.280
يقصد ب حالة التعبئة العامة جعل المرافق العمومية والخاصة والمجهود الحربي من عتاد
وأموال وأفراد تحت طلب الحكومة ،وبالتالي تأميم ومصادرة العديد من العقارات واألموال
والمنقوالت للمشاركة في الحرب .وهي حالة تتوسط الحالة االستثنائية وحالة الحرب.281
مبروك غضبان ،نجاح غربي ،قراءة تحليلية للنصوص القانونية المنظمة لحالتي الطوارئ والحصار ومدى تأثريهما 279
على الحقوق والحريات في الجزائر ،مجلة المفكر ،كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة محمد خيضر بسكرة ،العدد العاشر،
ص.91.
لزرق حبشي ،المرجع السابق ،ص.928. 280
مبروك غضبان ،نجاح غربي ،المرجع السابق ،ص ص.89-80 . 281
109
أما حالة الحرب فهي التي يعلن عنها في حالة وقوع عدوان فعلي أو وشيك الوقوع حسب
الترتيبات الواردة في ميثاق األمم المتحدة.282
ثانيا :الشروط الشكلية والموضوعية لتقرير الحاالت االستثنائية وفق تطبيقاتها في الجزائر
في الغالب ومن خالل استقراء العديد من التشريعات المقارنة ،يقوم المؤسس الدستوري
بتنظيم هذه الحاالت بواسطة نصوص تحدد شروط فرضها ،مع اإلحالة لقوانين للتفصيل فيها
وتحديد مدى سلطات الضبط اإلداري في مجال تقييد الحقوق والحريات.
وقد حدد المؤسس الدستوري الجزائري مجموعة من الشروط الشكلية والموضوعية لتقرير هذه
الحاالت مع منح رئيس الجمهورية السلطة التقديرية لتقريرها.
/0الشروط الشكلية
بالنسبة لحالتي الطوارئ والحصار :نصت المادة 905من التعديل الدستوري لسنة
8096على الحالتين كالتالي ":يقرر رئيس الجمهورية إذا دعت الضرورة الملحة ،حالة
الطوارئ أو الحصار ،لمدة معينة بعد اجتماع المجلس األعلى لألمن واستشارة رئيس المجلس
الشعبي الوطني ورئيس مجلس األمة والوزير األول ورئيس المجلس الدستوري ويتخذ كل
التدابير الالزمة الستتباب الوضع .وال يمكن تمديد حالة الطوارئ والحصار إال بعد موافقة
البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا"
كما نصت المادة 906على ما يلي ":يحدد تنظيم حالة الطوارئ أو الحصار بموجب قانون
عضوي".
لقد اشترط المؤسس الدستوري إلعالن حالتي الطوارئ والحصار الشروط الشكلية التالية:
110
-استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس األمة كممثلين للسلطة التشريعية
وباعتبار أرائهما لها أبعاد سياسية ،باإلضافة إلى الحفاظ على مكانة وسمعة البرلمان.283
-استشارة الوزير األول باعتباره المنفذ إلرادة رئيس الجمهورية والمسئول عن تنفيذ القوانين
والتنظيمات ،و إلحاطته بالوضعية االقتصادية واالجتماعية للدولة.284
-استشارة رئيس المجلس الدستوري باعتباره الهيئة المكلفة برقابة دستورية القوانين.
أما عن مدى إلزامية هذه اآلراء فإنها تبقى مبدئيا غير ملزمة لرئيس الجمهورية ،حيث تكون
االستشارة ملزمة لكن الرأي غير ملزم .لكن ال نتصور اجتماع أغلبية هذه اآلراء على رأي
ويخالفه رئيس الجمهورية؟ والمالحظ أن المؤسس الدستوري الجزائري قد جمع بين الحالتين
فيما يتعلق بالشروط الشكلية وكذلك الموضوعية كما سنرى الحقا.
بالنسبة للحالة االستثنائية :نصت المادة 908من التعديل الدستوري على ما يلي ":يقرر
رئيس الجمهورية الحالة االستثنائية إذا كانت البالد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب
مؤسساتها الدستورية أو استقاللها أو سالمة ترابها .وال يتخذ مثل هذا اإلجراء إال بعد استشارة
رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس األمة والمجلس الدستوري واالستماع للمجلس
األعلى لألمن ومجلس الوزراء .تخول الحالة االستثنائية لرئيس الجمهورية أن يتخذ اإلجراءات
االستثنائية التي تستوجبها المحافظة على استقالل األمة والمؤسسات الدستورية في الجمهورية.
ويجتمع البرلمان وجوبا .تنتهي الحالة االستثنائية حسب األشكال واإلجراءات السالفة الذكر التي
أوجبت إعالنها"
اشترط المؤسس الدستوري مجموعة من الشروط الشكلية لتقرير الحالة االستثنائية وهي:
111
-استشارة المجلس الدستوري باعتباره الهيئة المكلفة بالسهر على احترام الدستور ،وهنا
االستشارة ال تخص الرئيس فحسب بل المجلس ككل ،وذلك بسبب أهمية القرار الذي يمكن
أن يتخذ ونتائجه المهمة على الحقوق والحريات.
-االستماع للمجلس األعلى لألمن ،وذلك ألن رأيه يساهم في توضيح الحالة الواقعية بناء على
المعطيات والظروف من الناحية األمنية لتمكين رئيس الجمهورية من اتخاذ القرار
المناسب.285
-االستماع إلى مجلس الوزراء وذلك لتوجيه وتسديد قرار رئيس الجمهورية.
إن هذه االستشارات تعد تدعيما وحماية لموقف الرئيس أمام المؤسسات األخرى والشعب.
بالنسبة لحالتي التعبئة العامة والحرب :نصت المادة 907من التعديل الدستوري على
ما يلي" يقرر رئيس الجمهورية التعبئة العامة في مجلس الوزراء بعد االستماع إلى المجلس
األعلى لألمن واستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس األمة .أما المادة 901
فقد نصت على ما يلي " إذا وقع عدوان فعلي على البالد أو يوشك أن يقع حسبما نصت عليه
الترتي بات المالئمة لميثاق األمم المتحدة يعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد اجتماع مجلس
الوزراء واالستماع إلى المجلس األعلى لألمن واستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس
مجلس االمة .ويجتمع البرلمان وجوبا .ويوجه خطابا لألمة".
112
-االستماع إلى المجلس األعلى لألمن.
-استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس األمة.
-اجتماع البرلمان وجوبا.
-استشارة رئيس المجلس الدستوري.
-توجيه خطابا لألمة ،مع ترك تقدير وقت توجيه لرئيس الجمهورية ،الذي يمكن أن يختار
قبل أو أثناء أو بعد اإلعالن عن اإلجراءات االستثنائية ،حيث يبرر رئيس الجمهورية من
خالل هذا الخطاب اتخاذه للتدابير االستثنائية بهدف المحافظة على أمن وسالمة الدولة.
ويتمثل الهدف من اإلعالم تحسيس األفراد بخطورة الوضع وضرورة احترامهم للتدابير
واإلجراءات المتخذة حتى ولو كانت فيها مساسا بحقوقهم وحرياتهم.286
/2الشروط الموضوعية
بالنسبة لحالتي الطوارئ والحصار :جمع المؤسس الدستوري بين حالتي الضرورة
والحصار فيما يتعلق بالشروط الموضوعية والتي تتمثل في الضرورة الملحة والمدة:
-الضرورة الملحة ،حيث يكون هنا رئيس الجمهورية ملزما بتشخيص الوضع تشخيصا جيدا.
المادة 51من دستور ،9162المواد من 982-991من دستور ،9186المواد من 71-76من دستور 9171والمواد 287
113
-تحديد المدة :لم يحدد المؤسس الدستوري المدة التي يجوز تقرير حالتي الطوارئ والحصار،
بل ترك األمر سلطة تقديرية لرئيس الجمهورية.
وقد تم تحديد مدة حالة الحصار التي كانت قد أعلنت في الجزائر بأربعة أشهر وفقا لنص المادة
األولى من المرسوم الرئاسي رقم 916-19المؤرخ في 04جوان 9119المتضمن تقرير
حالة الحصار ،289والتي تم رفعها بموجب المرسوم الرئاسي رقم 226-19المؤرخ في -88
.2909119-01أما حالة الطوارئ التي أعلنت بعد نهاية حالة الحصار بموجب المرسوم
الرئاسي رقم 44-18المؤرخ في 9118-08-01المتضمن إعالن حالة الطوارئ لمدة 98
شهرا ،291فقد تم رفعها باألمر رقم 09-99المؤرخ في .2928099-08-82
ج.ر عدد 81بتاريخ 98جوان ،9119ثم صدرت المراسيم التنفيذية رقم 804-19 ،802-19 ، 808-19المؤرخ 289
في ،9119-06-04ج.ر عدد 92بتاريخ 89جوان 9119التي جاءت لضبط وتحديد كيفية تطبيق المواد 07-08-04من
المرسوم الرئاسي رقم.916-19
ج.ر عدد 44بتاريخ .9119-01-85 290
ج.ر عدد 90بتاريخ ،9118-08-01والتي تم تمديدها بالمرسوم التشريعي رقم 08-12المؤرخ في 9112-08-06 291
المتضمن تمديد حالة الطوارئ ،ج.ر عدد 7بتاريخ 9112-08-08إلى أجل غير محدد.
ج.ر عدد 98بتاريخ .8099-08-82 292
114
أما عن المدة التي تسري خاللها حالة التعبئة ،فلم ينص عليها المؤسس الدستوري الجزائري
تاركا المسألة سلطة تقديرية لرئيس الجمهورية ،أما المنطق فيقضي أنها تنتهي بانتهاء الحرب.
أما بالنسبة لحالة الحرب ،فتعلن بوقوع عدوان فعلي على البالد أو وشيك الوقوع حسب
الترتيبات المنصوص عليها في ميثاق األمم المتحدة.
وتختلف حالة الحرب عن الحالة االستثنائية عن حالتي الحصار والطوارئ من خالل ما يلي:
الفرع الثاني :أثر تقرير هذه الحاالت االستثنائية على الحقوق والحريات.
لقد مرت الجزائر بظروف استثنائية مع بداية سنوات التسعينيات ،حيث قرر رئيس
الجمهورية الشادلي بن جديد قبل استقالته إعالن حالة الحصار بموجب المرسوم الرئاسي رقم
961-19المذكور أعاله ،وبعد رفعها تم تقرير حالة الطوارئ بموجب المرسوم الرئاسي رقم
44-18المذكور أعاله .وقد تم بموجب هذين المرسومين تقييد بعض الحريات الفردية
والجماعية كالتالي:
115
/0أثر حالة الحصار على الحريات الفردية:
يمكن حصر أهم اإلجراءات التي تم بواسطتها تقييد الحقوق والحريات الفردية كالتالي:
294
سلطات الضبط اإلداري من مكنت المادة 4من المرسوم الرئاسي رقم 961-19 -
االعتقال اإلداري ألي شخص من دون حكم قضائي .ويقصد به وضع الشخص في مركز األمن
لتبين أن نشاطه فيه مساس وخطر على النظام واألمن العموميين والسير العادي للمرافق العامة،
ويكون ذلك بناء على اقتراح مصالح الشرطة بموافقة لجنة رعاية النظام العام ،التي نشأت على
295
لتقديم النصائح واآلراء واتخاذ التدابير التي من شأنها استعادة النظام وسير مستوى كل والية
المرافق العمومية وأمن األشخاص والممتلكات .وفي ذلك مخالفة للمادة 44من دستور .9171
-سمحت المادة 4من المرسوم الرئاسي رقم 961-19لسلطات الضبط اإلداري المختصة
بإمكانية اتخاذ إجراءات الوضع تحت اإلقامة الجبرية ضد أي شخص يكون نشاطه فيه خطر
على النظام العام وعلى األمن العمومي والمرافق العمومية .296ويعد ذلك مخالفة لنص المادة
49من دستور .9171
-خولت المادة 8من المرسوم صالحية إجراء التفتيش ليال ونهارا في المحالت العمومية أو
الخاصة وكذا داخل المساكن .ويعد هذا اإلجراء مخالفا لنص المادة 27من دستور .9171
-خولت المادة 7في فقرتها الرابعة اتخاذ تدبير المنع من اإلقامة بالنسبة ألي شخص راشد
يتبين أن نشاطاته مضرة بالنظام العام والسير الحسن للمرافق العمومية.
-تم حضر التجول تطبيقا لبيان السلطة العسكرية الصادر في 9119-06-06من الساعة
العاشرة إلى الساعة الخامسة صباحا ،مع استثنائه بعض الفئات على سبيل الحصر وهم:
نصت المادة 4من المرسوم الرئاسي رقم 916-19على ما يلي" تمكن السلطات المخولة لصالحيات الشرطة ضمن 294
الحدود والشروط التي تحددها الحكومة ،أن تتخذ تدابير االعتقال اإلداري أو اإلخضاع لإلقامة الجبرية ضد كل شخص راشد
يتبين أن نشاطه خطير على النظام العام وعلى األمن العمومي والسير العادي للمرافق العمومية".
نصت المادة 05من المرسوم الرئاسي على ما يلي" تنشأ لجنة لرعاية النظام العام على مستوى كل والية ،وهذه اللجنة 295
ترأسها السلطة العسكرية المعينة قانونا وتتكون من الوالي ،محافظ الشرطة الوالئية ،قائد مجموعة الدرك الوطني ،رئيس القطاع
العسكري ،وإن اقتضى األمر شخصيتان معروفتان بتمسكهما بالمصلحة العامة"
حدد المرسوم التنفيذي 802-19السابق الذكر كيفيات تطبيق تدابير المنع من اإلقامة. 296
116
أعوان الحماية المدنية ،أعوان الصحافة الوطنية الحائزين على البطاقة المهنية وعمال
مؤسسة الكهرباء والغاز وعمال النظافة والمياه والصحة العمومية .ومعناه منع تواجد
297
األشخاص من غير المستثنين بنص المادة في الشوارع والساحات العمومية
-نصت المادة 99من المرسوم الرئاسي على أن يتم إخطار المحاكم العسكرية في حالة وقوع
جرائم ماسة باألمن مهما كانت صفة مرتكبيها ،حيث نصت المادة 5من المرسوم التنفيذي
رقم 804-19المؤرخ في 9119-08-85المحدد لشروط تطبيق المادة 08من المرسوم
الرئاسي رقم 961-19على أن " يقدم األشخاص الموقوفون في المادة 2أعاله إلى وكيل
الجمهورية العسكري المختص ."...وقد قيد المشرع السلطة العسكرية بضرورة استشارة
لجنة النظام العام.
-نصت المادة 8من المرسوم الرئاسي رقم 916-19على صالحية السلطة العسكرية في
منع إصدار المنشورات ومنع االجتماعات العمومية التي يمكن أن تثير الفوضى وتعرقل
األمن .وقد بين المرسوم التنفيذي رقم 804-19يحدد شروط تطبيق هذه المادة.
-نصت المادة 6من المرسوم التنفيذي رقم 804-19الذي يحدد شروط تطبيق المادة 8من
المرسوم الرئاسي رقم 961-19على ما يلي "يترتب على منع المنشورات حجز الوثائق
التي يسلط عليها هذا اإلجراء في أي ساعة وأي مكان من النهار أو الليل .كما تصادر
وتوضع تحت يد العدالة وسائل الطباعة واالستنساخ وأي وسيلة أخرى تحرض على
الفوضى .ومنه فهذه المادة تتعارض مع نص المادة 8-26من دستور .9171
-صدر بيان من السلطة العسكرية بتاريخ 9119-06-05تم فيه المنع المطلق للتجمعات
والتجمهر والمسيرات والمظاهرات في الطرق والساحات العمومية في كامل التراب
الوطني .وبدأ المنع من تاريخ .9119-06-06
117
ثانيا :أثر تقرير حالة الطوارئ على الحقوق والحريات:
حالة الطوارئ هي أخف من حالة الحصار ،ولكنها تشترك معها في الكثير من األحكام،
وقد أعلنت في الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 44-18المذكور أعاله بعد إنهاء حالة
الحصار ،ولكن تم إدراج المبررات نفسها التي أدرجت في تقرير حالة الحصار ،وهي مبررات
تتعلق بالنظام العام واستقرار المؤسسات ،ولكنها تختلف عن هذه األخيرة في بقاء السلطات
المدنية مختصة في تسيير حالة الطوارئ.298
وقد عرفت حالة الطوارئ أيضا مساسا بالحقوق والحريات الفردية والجماعية:
-نصت المادة 5من المرسوم على حق وزير الداخلية في قيامه باألمر بوضع أي شخص
راشد ،يتضح أن نشاطه فيه خطورة على النظام العام واألمن العموميين والسير الحسن
للمصالح العمومية في مراكز األمن التي تنشا بقرار من وزير الداخلية ،ويعد هذا اإلجراء
مخالفا ألحكام المادتين 49و 44من دستور .9171
-عرفت المادة 8من المرسوم التنفيذي رقم 44-18المؤرخ في ،2999118-08-80
الوضع في مركز األمن بأنه" تدبير إداري ذو طابع وقائي يتمثل في حرمان كل شخص
راشد يعرض سلوكه النظام واألمن العموميين للخطر ،وكذا حسن سير المصالح العمومية
من حرية في الذهاب واإلياب ،بوضعه في أحد المراكز المحدثة بقرار وزير الداخلية".
-حسب المادة 2من المرسوم نفسه ،فإن تدبير الوضع في مركز األمن ال يتخذ إال من قبل
وزير الداخلية أو السلطة التي يفوضها هذا األخير ،بناء على اقتراحات مصالح األمن ،وهذا
خالفا لما هو عليه األمر في حالة الحصار ،حيث تتولى مهمة إصدار أمر الوضع في مركز
األمن للمجالس الجهوية الثالث .كما أجازت المادة 4من المرسوم التنفيذي أن يكون تدبير
118
الوضع في مركز األمن محل طعن أمام والي الوالية مكان إقامة الشخص ويقدم هذا الطعن
على المجلس الجهوي للطعن بعد دراسته مرفقا بالمالحظات المفيدة.
-خولت المادة 6من المرسوم رقم 44-18لوزير الداخلية في كامل التراب الوطني والوالي
على امتداد تراب الوالية في إطار التوجيهات الحكومية ما يلي:
-9تحديد أو منع مرور األشخاص والسيارات في أماكن وأوقات معينة ،وهو إجراء مخالف
ألحكام المادة 49من دستور .9171
-8تنظيم نقل المواد الغذائية والسلع ذات الضرورة األولى وتوزيعها.
-2إنشاء مناطق اإلقامة المنظمة لغير المقيمين.
-4المنع من اإلقامة أو وضع تحت اإلقامة الجبرية كل شخص راشد يتضح أن نشاطه
مضر بالنظام العام وسير المصالح العمومية.
-5تسخير العمال للقيام بنشاطهم المهني المعتاد في حالة اإلضراب غير المرخص به أو
غير الشرعي ،ويشمل هذا التسخير المؤسسات العمومية أو الخاصة للحصول على تقديم
الخدمات ذات المنفعة العامة .إن هذا اإلجراء مخالفا لمحتوى نص المادة 58من دستور
.9171ويعاب على هذا التدبير الذي جاءت به المادة 6من المرسوم والمتمثل في األمر بصفة
استثنائية بالتفتيش نهارا وليال وفي أي وقت .فلم تقيد اإلجراء بوقت أو ضابط محدد وذلك ما
يتعارض مع نص المادة 27من دستور .9171
-أعطت المادة 2من المرسوم الحق للحكومة أن تتخذ كل اإلجراءات التنظيمية بهدف
استتباب الوضع وتحقيق الهدف من إعالن حالة الطوارئ.300
عدلت المادة بموجب المرسوم الرئاسي رقم 280-18المؤرخ في ،9118-07-99ج.ر عدد 69لسنة ،9118بإضافة 300
لوقف نشاط كل شركة أو جهاز أو مؤسسة أو هيئة أو غلقها مهما كانت طبيعتها فقرتين هما " يمكن اتخاذ تدابير
واختصاصاتها عندما تعرض هذه النشاطات النظام واألمن العموميين أو السير العادي للمؤسسات والمصالح العليا للبالد للخطر
ضف )9وتتخذ التدابير المذكورة أعاله عن طريق قرار وزاري لمدة ال تتجاوز 6أشهر ...وقد أدت هذه التدابير إلى إغالق
مطابع أو مساجد.
119
-مكنت المادة 8من المرسوم وزير الداخلية والوالي المختص إقليميا بناء على توجيهات
الحكومة ،سلطة إصدار قرار بالغلق المؤقت طيلة حالة الطوارئ ،القاعات الترفيهية ،أماكن
االجتماعات مهما كانت طبيعتها ،كما منعت المظاهرات التي تخل بالنظام العام وغلق
القاعات المملوكة للخواص.
-حسب المادة 5من المرسوم ،فاإلضراب من دون رخصة من السلطة التنفيذية غير شرعي،
لذلك فهو ممنوع على اعتبار الظروف التي تمر بها الدولة.
-المادة 7من المرسوم نصت على إمكانية تعليق أو حل المجالس المحلية المنتخبة
وتعويضعها بمندوبيات تنفيذية ،وهو ما حدث فعال خصوصا بعد إلغاء االنتخابات التشريعية
التي أجريت بتاريخ .9119-98—89
الفرع الثالث :الرقابة القضائية على أعمال سلطات الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية.
بالرغم من كون القضاء اإلداري قد أكد على مشروعية القرارات التي تصدرها سلطات
الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية ،والتي تعد غير مشروعة في الظروف العادية .لكن
استخدام هذه السلطات في الظروف االستثنائية وخروجه عن المشروعية العادية ال يعفيها من
رقابة القضاء عن طريق رقابة المشروعية باستثناء أعمال السيادة المحصنة ضد هذه الرقابة.
كما قد تلزم اإلدارة بالتعويض بسبب اإلجراءات االستثنائية ،ولو حكم القضاء بمشروعيتها على
أساس المخاطر وتحمل التبعة.301
كما أن الحلول التشريعية مهما بلغت الدقة واإلحاطة بكل الظروف االستثنائية ،فقد تطرأ
ظروفا جديدة لم تكن في الحسبان ولم يتم توقعها من طرف هذه النصوص ،لذلك يتدخل القضاء
لسد النقص ،302فتخول اإلدارة بالرغم من قصور النصوص سلطات واسعة تمكنها من مواجهة
نظرا لمرونة نظرية الظر وف االستثنائية والتي تكيف حالة بحالة وفقا لطبيعة هذه الظروف لم يقم مجلس الدولة الفرنسي 302
بوضع قواعد محددة في هذا المجال لكنه أكد على أنه إذا تحققت ظروف يعتبرها مجلس الدولة استثنائية ،فإن بعض .../...
120
ودفع األخطار حتى تنتهي األزمة ،ومنه سنتطرق لدور القضاء في توسيع سلطات هيئات
الضبط اإلداري ثم لمضمون الرقابة القضائية على سلطات الضبط اإلداري في الظروف
االستثنائية.
أوجد القضاء اإلداري حلوال خول بواسطتها هيئات الضبط اإلداري سلطات واسعة
لمواجهة كافة األخطار ،بواسطة التفسير الواسع للنصوص الدستورية والقانونية والترخيص لها
بمخالفة القوانين ومنحها اختصاصات جديدة.
-اكتشاف المعنى الحقيقي والصحيح للقاعدة القانونية بكافة وسائل التفسير والمناهج المعتمدة.
-تكملة النقص الذي يمكن أن يشوب النص القانوني.
-تكييف ومالئمة النصوص القانونية مع ظروف الحال.
فسر القضاء اإلداري في كل من فرنسا ومصر نصوص الدساتير والقوانين السارية أثناء
الظروف االستثنائية تفسيرا موسعا ولم يكتف بالتفسير الحرفي ،حيث ذهب المفوض الفرنسي
في قضية 9195-07-06 Delmotteإلى أن قانون األحكام العرفية هو قانون استثنائي
.../...القرارات غير المشروعة في الظروف العادية يعتبرها المجلس مشروعة ،ومنه يرفض إلغائها إذا كانت ضرورية
لتأمين النظام العام .أنظر :المرجع نفسه ،ص ص.866-865.
حياة غالي ،المرجع السابق ،ص.986 . 303
عمار عوابدي ،قضاء التفسير في القانون اإلداري ،دار هومة ،ط ،8.الجزائر ،9111 ،ص ص.897-894. 304
121
يختلف عن القوانين العادية ،ولذلك يجب تفسيره على النحو الذي تفسر به القوانين العادية،
ولكن يجب أن يفسر تفسيرا واسعا يتالءم مع ضرورات الظروف الشاذة في مواجهة طعن السيد
Delmotteباإللغاء أمام مجلس الدولة في قرار غلق الحانة من طرف الحاكم العسكري بسبب
المشاجرات التي وقعت بين مجموعة األفراد الذين تواجدوا هناك ،على أساس أن سلطة الحاكم
العسكري تتمثل في منع االجتماعات التي يري أنها تخل بالنظام العام ،والمقصود باالجتماع هو
الذي يقيمه مجموعة من األفراد بناء على دعوى لمناقشة أمر ما يخصهم ،أما تواجد مجموعة
من األفراد في الحانة فهو ليس اجتماعا" وسار على النهج نفسه في قضايا أخرى مثل القضية
بتاريخ 9157-08-08وأخرى بتاريخ .9166-04-88وكذلك القضاء المصري.305
استقر القضاء اإلداري الفرنسي على مباشرة سلطات الضبط اإلداري اختصاصات جديدة
للمحافظة على النظام العام ،بهدف سد الفراغ في النصوص القانونية لمواجهة الظروف
االستثنائية ،فيتدخل القضاء لتدعيم الحكومة بمنحها صالحيات جديدة لمواجهة الوضع الجديد.
من بين أحكام مجلس الدولة الفرنسي :حكمه بتاريخ 9101 -07-08في قضية Winkell
وحكمه في قضية le cocoبتاريخ ،9144-09-08حيث دفعت الحرب رئيس البلدية إلى
فرض ضرائب على الصفقات التجارية والصناعية لضمان تموين سكان البلدية بالمواد
الغذائية.306
ثانيا :مدى الرقابة القضائية على سلطات الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية
بالرغم من السلطات الواسعة التي تتمتع بها سلطات الضبط اإلداري والتي ال تجيزها
القوانين العادية ،إال أنها ال تخرج عن نطاق الرقابة القضائية على غرار باقي األعمال اإلدارية.
بمعنى أن الظرف االستثنائي ال يقصي خضوع هذه اإلجراءات والتدابير لرقابة القاضي،
122
باستثناء القرار المعلن عن الحالة االستثنائية الذي اعتبره القضاء اإلداري من أعمال السيادة
على اعتبار أنه من األعمال الحكومية التي تهدف بواسطتها السلطة التنفيذية للمحافظة على
سالمة كيان الدولة ،ولكن اإلجراءات والتدابير الصادرة بناء على هذا القرار ال تفلت من رقابة
القضاء ألنها تصدر بناء على الدستور وقرار إعالن الحالة االستثنائية.307
ولذلك يتوجب على سلطات الضبط اإلداري االلتزام بمجموعة من الضوابط أثناء إصدارها
لتدابير الضبط اإلداري حتى ال يلغيها القضاء تتمثل فيما يلي:
أن يكون اإلجراء الضبطي قد اتخذ خالل الظروف االستثنائية :وقد صدر قرار عن -9
مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ ،9146-04-02قضى بعدم مشروعية القرار الصادر عن عمدة
المدينة باالستيالء على شقة مملوكة ألحدى العائالت لصالح عائلة نازحة من المناطق التي
كانت مسرحا للحروب في فرنسا خالل الحرب العالمية الثانية ،على اعتبار أن الظروف التي
مرت بها اإلدارة آنذاك ال تبرر استيالءها على الشقة.308
-8ضرورة اإلجراء االستثنائي ولزومه :ال يجب على اإلدارة أن تتجاوز مقتضيات الظروف
التي تواجهها في تقييدها للحقوق والحريات ،تأسيسا على القاعدة التي تقول " الضرورة تقدر
بقدرها" .فالقاضي ال يراقب مدى مشروعية اإلجراء المتخذ فحسب ،وإنما مدى مالئمته
ألسباب التدخل ،كما رأينا فيما قبل تحت قاعدة " تناسب شدة اإلجراءات مع خطورة
الظرف االستثنائي"
-2مالئمة اإلجراء الضبطي للظروف االستثنائية :بمعنى يجب أن يكون اإلجراء الذي تتخذه
اإلدارة مالئما ومناسبا لمتطلبات هذه الظروف .وفي ذلك صدر قرار عن مجلس الدولة
الفرنسي بتاريخ 9168-02-08في قضية Rubin de servensإللغاء قرار رئيس
الجمهورية بتاريخ ،9169-05-02بإنشاء محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين بالتمرد الذي
قام به الجيش الفرنسي المرابط آنذاك في الجزائر بتاريخ ،9169-04-89ذلك أن "
123
الظروف التي تم إنشاء القضاء االستثنائي لمواجهتها لم تكن على درجة من الخطورة تبرر
االعتداء على المبادئ العامة للقانون ،وأن محاولة االنقالب قد تم قمعها.309
لكن ومع احترام اإلدارة الضبطية لهذه الشروط ،لكن تدخلها قد يلحق ضررا باألشخاص مما قد
يؤدي إلى إثارة مسؤوليتها في ذلك ،خاصة وأن الكثير من اإلجراءات التي تتدخل بموجبها
اإلدارة خالل تلك الظروف يعتبرها القضاء مشروعة ،وبالرغم من ذلك يحق للشخص طلب
التعويض ،فتطبق حينئذ قواعد المسؤولية اإلدارية على أساس الخطأ أو المخاطر.310
إلثارة مسؤولية اإلدارة على أساس الخطأ يجب توفر مجموعة من الشروط تتمثل فيما يلي:
-وجود الخطأ المرفقي وليس خطأ الموظف الذي تثار بشأنه المسئولية الشخصية ويمكن أن
تتخذ صوره إما عدم القيام بالعمل على أساس القواعد المعمول بها ،وهو ما يعبر عنه
باألداء السيئ للخدمة ،أو تباطؤ سلطات الضبط اإلداري عن اتخاذ اإلجراءات والتدابير
الضرورية لحماية النظام العام.
-يجب أن يلحق الشخص ضررا يشترط فيه أن يكون مباشرا ،بمعنى أن يرتبط بنشاط اإلدارة
ارتباطا مباشرا وأن يكون محققا حاال أو مستقبال ،وأن يصيب حقا مشروعا يحميه القانون.
-عالقة السببية ،حيث لقيام مسئولية سلطات الضبط اإلداري يجب أن تقوم رابطة السببية بين
خطأ اإلدارة والضرر الذي أصاب الشخص.
وتنتفي مسئولية اإلدارة في حالة وجود سبب أجنبي أو خطأ المضرور أو خطأ الغير بشكل
مطلق.311
أما إثارة مسئولية اإلدارة بعيدا عن وجود خطأ فتقوم على مبدأين متميزين هما المسئولية على
أساس المخاطر والمسئولية بسبب اإلخالل بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة.
عمار عوبدي ،نظرية المسؤولية اإلدارية ،د.م.ج ،الجزائر ،9114 ،ص ص 848-985 ، 984-990؛ حياة غالي، 310
124
-9تقوم المسئولية على أساس المخاطر بتوفر شرطين هما:
-أن تصيب األضرار فردا معينا أو مجموعة من األفراد المعينين من دون سائر المواطنين.
أن تكون األضرار على درجة من الجسامة تتجاوز فيها األضرار العادية التي يمكن أن -
تصيب األفراد في مثل هذه الظروف .بمعنى يجب أن تتوفر في الضرر صفتان أساسيتان هما
الخصوصية والجسامة غير العادية ،فال يمكن أن تثور المسئولية على أساس األضرار العادية
التي يتحملها اإلفراد في وقت األزمات .312هذا النوع من المسئولية يعفي المضرور من إثبات
الخطأ ،كما في حالة المسئولية على أساس الخطأ ،بل عليه فقط أن يظهر العالقة بين عمل
اإلدارة والضرر ،وعلى هذه األخيرة أن تثبت خطأ المضرور أو القوة القاهرة.
-عالقة السببية بين عمل اإلدارة أو تصرفها والضرر المحدث عالقة مباشرة.
-8على أساس اإلخالل بمبدأ المساواة أمام األعباء العامة ،وذلك في حالة اختالل التوازن
بين األفراد في تحمل األعباء العامة المترتبة على نشاط اإلدارة ،على اعتبار أن الحقوق
والحريات يحكمها مبدأ أساسي وهو المساواة،و في مقابل ذلك يطبق مبدأ المساواة أمام التكاليف
واألعباء العامة .ويشترط لقيام هذا النوع من المسؤولية أيضا أن يكون الضرر على درجة من
الجسامة والخصوصية مثلما ذكرنا أعاله .وأن تقوم عالقة السببية بين األعباء المفروضة من
طرف اإلدارة ،التي كان من المف روض أن يتحملها الجميع ،ولكن في هذه الحالة تحملها شخص
واحد .ومبادئ العدل واإلنصاف تقتضي أال يتحمل شخص واحد األعباء اإلضافية أكثر من
اآلخرين ،لذلك يتوجب التعويض له.313
خاتمة
تعد وظيفة الضبط اإلداري من أقدم وأهم الوظائف اإلدارية في الدولة وأكثرها خطورة
وحساسية ،ألنها تمس بالحقوق والحريات من جهة ،وتهدف للمحافظة على النظام العام بأبعاده
التقليدية والحديثة من جهة ثانية ،فمن الصعب إقامة التوازن بين المسألتين .وقد عمل المشرع
312لحسين بن شيخ آث ملويا ،دروس في المسؤولية اإلدارية ،المسؤولية من دون خطأ ،دار الخلدونية ،ط ،9.الجزائر،8008 ،
ص87 .؛ حياة غالي ،المرجع السابق ،ص.955.
مسعود شيهوب ،المسئولية عن اإلخالل بمبدأ المساواة وتطبيقاتها في القانون الجزائري ،د.م.ج ،الجزائر ،8000 ،ص.8. 313
125
في الدولة سواء كان المؤسس الدستوري أو التشريعي على تحديد الهيئات المكلفة بهذه الوظيفة
سواء كا نت هيئات مركزية أو محلية ،وتحديد الصالحيات التي توكل لها بنصوص خاصة
والحدود أو الضوابط التي تقف عندها ،وبالرغم من ذلك يبقى القاضي اإلداري الرقيب األول
واألخير عند تجاوز هذه الهيئات للحدود والضوابط المرسومة لها ألداء هذه الوظيفة.
قائمة المراجع
أوال :الكتب
/0الكتب العامة
126
-1هاني علي الطهراوي ،القانون اإلداري ،التنظيم اإلداري ،النشاط اإلداري ،دار
الثقافة ،عمان.8006 ،
لباد ناصر ،الوجيز في القانون اإلداري ،دار المجدد للنشر والتوزيع، -90
سطيف.8090 ،
محيو أحمد ،محاضرات في المؤسسات اإلدارية ،ترجمة محمد عرب -99
ضد.س.ط).
محمد رفعت عبد الوهاب ،مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،منشورات -92
نواف كنعان ،القانون اإلداري ،الكتاب األول ،دار الثقافة والتوزيع ،عمان، -96
.8006
عوابدي عمار ،نظرية المسؤولية اإلدارية ،د.م.ج ،الجزائر.9114 ، -98
عوابدي عمار ،قضاء التفسير في القانون اإلداري ،دار هومة ،ط،8. -97
الجزائر.9111 ،
127
عمار عوابدي ،القانون اإلداري ،الجزء الثاني ،النشاط االداري ،ط4. -91
اإلداري ،التنظيم اإلداري ،النشاط اإلداري ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان،
.8094
سامي جمال الدين ،أصول القانون اإلداري ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية، -84
.8004
سعيد السيد علي ،أسس وقواعد القانون اإلداري ،دار الكتاب الحديث، -85
القاهرة.8001 ،
قبيالت حمدي ،القانون اإلداري ،ماهية القانون اإلداري ،التنظيم اإلداري، -86
النشاط اإلداري الجزء األول ،دار وائل للنشر والتوزيع ،عمان.8007 ،
رسالن أنور ،القانون اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة.9112 ، -88
128
ثروت بدوي ،القانون الدستوري وتكور األنظمة الدستورية في مصر، -87
/2الكتب المتخصصة
-9الزنكة عدنان ،سلطة الضبط اإلداري في المحافظة على جمال المدن وروائها،
منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت.8099 ،
-8محمد محمد بدران ،مضمون فكرة النظام النظام العام ودورها في مجال الضبط
اإلداري ،دراسة مقارنة في القانونين المصري والفرنسي ،دار النهضة العربية،
القاهرة.9118 ،
-2محمد عبيد الحسناوي القحطاني ،الضبط اإلداري في دولة اإلمارات العربية
المتحدة ،التزام الحدود وحيادية التنفيذ ،دار الكتب المصرية ،القاهرة.8005 ،
-4عارف صالح مخلف ،اإلدارة البيئية ،الحماية اإلدارية للبيئة ،دار اليازوري
العلمية للنشر والتوزيع ،عمان.8008 ،
-5عبد الرؤوف هاشم بسيوني ،نظرية الضبط اإلداري في النظم الوضعية
المعاصرة والشريعة اإلسالمية ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية.8007 ،
-6رائف محمد لبيب ،الحماية اإلجرائية للبيئة من المراقبة إلى المحاكمة ،دراسة
مقارنة ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية ،القاهرة.8001 ،
129
-5أحمد سالم ،الحماية اإلدارية للبيئة في التشريع الجزائري ،مذكرة مكملة من مقتضيات
نيل شهادة الماستر في الحقوق ،تخصص قانون إداري ،كلية الحقوق والعلوم السياسية،
جامعة محمد خيضر بسكرة.8094-8092 ،
-2العاوور بش ر صالح ،سلطات الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية في التشريع
الفلسطيني ،رسالة مقدمة استكماال للحصول على درجة الماجستير في القانون العام ،كلية
الحقوق ،جامعة األزهر.8092 ،
-3بن أحمد عبد المنعم ،الوسائل القانونية اإلدارية لحماية البيئة ،رسالة لنيل شهادة
الدكتوراه في القانون العام ،كلية الحقوق بن عكنون ،جامعة بن يوسف بن خدة.8007 ،
-4بوخالفة ماجدة ،الحماية اإلدارية للبيئة في التشريع الجزائري ،مذكرة مكملة من
متطلبات نيل شهادة الماستر ،تخصص قانون إداري ،كلية الحقوق والعلوم السياسية،
جامعة محمد خيضر بسكرة.8092-8098 ،
-1لزرق حبشي ،أثر سلطة التشريع على الحريات العامة وضماناتها ،أطروحة مقدمة لنيل
شهادة الدكتوراه في القانون العام ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة أبو بكر بلقايد،
تلمسان.8092-8092 ،
-1مولودي جلول ،حماية الحقوق والحريات أثناء حالة الطوارئ في النظام الدستوري
الجزائري ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير ،كلية الحقوق ،جامعة محمد خيضر بسكرة،
.8001-8007
-7عزوز سكينة ،عملية الموازنة بين أعمال الضبط اإلداري والحريات العامة ،رسالة
ماجستير ،جامعة الجزائر.9110 ،
-8قروف جمال ،الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،مذكرة تخرج مقدمة لنيل
شهادة الماجستير ،كلية الحقوق ،جامعة باجي مختار ،عنابة ،جانفي .8006
130
-9خالف وردة ،الرقابة القضائية على المشروعية الداخلية لقرارات الضبط اإلداري،
أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم في القانون العام ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية ،جامعة محمد لمين دباغين سطيف .8094-8092 ،8
غالي حياة ،حدود سلطات الضبط اإلداري ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في -51
القانون العام المعمق ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة أبو بكر القايد ،تلمسان،
.8095-8094
-9الشريف فؤاد " ،حالة الطوارئ وأثرها على الحقوق والحريات العامة
للمواطنين" ،مجلة العلوم اإلنسانية ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،العدد الثاني.
-8بودريوة عبد الكريم " ،القضاء اإلداري في الجزائر الواقع واآلفاق" ،مجلة مجلس
الدولة ،العدد .8005 ،6
-2نسيغة فيصل ودنش رياض " ،النظام العام" ،مجلة المنتدى القانوني ،قسم الكفاءة
الوطنية للمحاماة ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،العدد الخامس.
-4قشي الخير "،تطبيق القانون الدولي أالتفاقي في الجزائر" ،مجلة العلوم
االجتماعية واإلنسانية ،كلية الحقوق ،جامعة باتنة ،عدد.4
-5شيهوب مسعود " ،الحماية القضائية للحريات األساسية في الظروف االستثنائية"،
المجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية ،العدد األول،
الجزائر.9117 ،
-6شيهوب مسعود "،دولة القانون ودولة المشروعية" ،حوليات ،مجلة تصدر عن
مخبر الدراسات والبحوث حول المغرب العربي والبحر األبيض المتوسط ،جامعة
منتوري قسنطينة ،العدد الرابع.8009 ،
131
-8غضبان مبروك ،نجاح غربي" ،قراءة تحليلية للنصوص القانونية المنظمة لحالتي
الطوارئ والحصار ومدى تأثريهما على الحقوق والحريات في الجزائر" ،مجلة
المفكر ،كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة محمد خيضر بسكرة ،العدد العاشر
التعديل الدستوري لسنة 9116الصادر بالمرسوم الرئاسي رقم 427-16مؤرخ في -9
،9116-98-08الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 86
بتاريخ ،9116-98-07المعدل بموجب التعديل الدستوري لسنة 8096الصادر بالقانون
رقم 09-96المؤرخ في 8096-02-06يتضمن التعديل الدستوري ،الجريدة الرسمية
للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 94بتاريخ .8096-02-08
-8قانون رقم 04-17مؤرخ في 9117-06-95يتعلق بحماية التراث الثقافي ،الجريدة
الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 44بتاريخ .9117-06-98
-2قانون رقم 91-09مؤرخ في 8009-98-98يتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها،
الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 88بتاريخ -98-95
.8009
-4قانون رقم 80-09مؤرخ في 8009 -98-98يتعلق بتهيئة اإلقليم وتنميته المستدامة،
الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 88بتاريخ -98-95
.8009
-5قانون رقم 07-08مؤرخ في 8008-05-07يتعلق بشروط إنشاء المدن الجديدة وتهيئتها
إلى التنظيم لتحديد مهام هيئة المدينة الجديدة وتنظيمها وكيفيات سيرها ،الجريدة الرسمية
للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 24بتاريخ .8008-05-94
قانون رقم 90-02مؤرخ في 8002-08-91يتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية -6
المستدامة ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 82بتاريخ -80
.8002-08
قانون رقم 08-04مؤرخ في 8004-07-94يتعلق بالصيد ،الجريدة الرسمية للجمهورية -8
132
قانون رقم 80-04مؤرخ في 8004-98-85يتعلق بالوقاية من األخطار الكبرى وتسيير -7
الحصار ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 81بتاريخ -98
.9119-06
مرسوم رئاسي رقم 226-19مؤرخ في ،9119-01-88يتضمن رفع حالة الحصار، -89
المطلوبة عند عملية عرض األغذية لالستهالك ،ج.ر عدد 1لسنة .9119
مرسوم تنفيذي رقم 960-12مؤرخ في 9112-08-90ينظم النفايات الصناعية -87
السائلة ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 46لسنة . 9112
134
-81مرسوم تنفيذي رقم 847-14مؤرخ في 9114-7-90يتضمن تنظيم اإلدارة المركزية
في وزارة الداخلية والجماعات المحلية والبيئة واإلصالح اإلداري ،الجريدة الرسمية
للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 52لسنة .9114
-20مرسوم تنفيذي رقم 07-09مؤرخ في 8009-09-08يحدد صالحيات وزير تهيئة
اإلقليم والبيئة ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 4بتاريخ
.8009-09-94
مرسوم تنفيذي رقم 875-09مؤرخ في 8009-01-84يحدد األماكن التي يمنع فيها -29
تعاطي التبغ وكيفيات تطبيق المنع ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية
الشعبية عدد 55بتاريخ .8009-01-86
-28مرسوم تنفيذي رقم 995-08مؤرخ في 8008-04-02يتضمن المرصد الوطني
للبيئة والتنمية المستدامة ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد
88بتاريخ.8008-04-02
-22مرسوم تنفيذي رقم 985-08مؤرخ في 8008-05-80يتضمن إنشاء الوكالة الوطنية
للنفايات وتنظيمها ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 28
بتاريخ .8008-05-86
-24مرسوم تنفيذي رقم 868-08مؤرخ في 8008-07-98يتضمن إنشاء المركز الوطني
لتكنولوجيات إنتاج أكثر نقاء ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
عدد 56بتاريخ .8008-07-97
-25مرسوم تنفيذي رقم 289-08مؤرخ في 8008-05-80يتضمن إنشاء مركز تنمية
الموارد البيولوجية وتنظيمه وسيره ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية
الشعبية عدد 84بتاريخ .8008-99-92
-31مرسوم تنفيذي رقم 882-02مؤرخ في 8002-06-90يتضمن تنظيم المراقبة التقنية
للسيارات وكيفيات ممارستها ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
عدد 28بتاريخ .8002-06-95
-28مرسوم تنفيذي رقم 285-05مؤرخ في 8005-01-86يتضمن إنشاء الوكالة الوطنية
للتغيرات المناخية ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 68
بتاريخ .8005-90-05
135
يضبط التنظيم المطبق على8006-05-29 مؤرخ في917-06 مرسوم تنفيذي رقم-27
28 الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد،المؤسسات المصنفة
.8006-06-04 بتاريخ
الجريدة، يحدد طرق وضع الممهالت8008-06-90 قرار وزاري مشترك مؤرخ في-21
.8007-04-08 بتاريخ97 الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد
المراجع من االنترنت:خامسا
1/ Ouvrages
A- Ouvrages généraux
1- Zouaimia Rachid, Rouault Marie Christine, droit administratif, les
sources et principes généraux- l’organisation administrative-
l’activité administrative- le contrôle de l’administration, BERTI
édition, Alger, 2009.
B-Ouvrages spécialisés
1- Minet Charles-Edouard, droit de la police administrative, Vuibert
public droit, Paris, 2007.
2/ Webographie
A/ Articles
1- La police administrative, cours de droit net, www.cours-de-
droit.net/cours-d-droit-administratif/la-police-administrative,
a3410980.htlm ( 30/09/2015).
136
2- Tifine Pierre, droit administratif français- cinquième partie, www.
Revuegeneraledu droit.eu/blog/2013/08/11droit-administratif-
francais-cinquiemme-partie-chapitre-1, ( 28-09-2015).
3- Guerrin Eric, les autorités de police administrative,
www.wikiterrilorial.cufpt.fr, (20-10-2015).
B/ Site internet
1- www.legifrance.gouv.fr
2- www.lexinter.net/jf/outre-public.html, ( 18-11-2015).
137
الفهرس
مقدمة10..............................................................................
المطلب الثاني :التمييز بين وظيفة الضبط اإلداري وبعض الوظائف القريبة منها04.......
138
الفرع الثاني :جمال ورونق المدن وروائها32..........................................
139
الفرع األول :تعريف الحاالت االستثنائية وشروط تقريرها تعريف الحاالت االستثنائية011.
الفرع الثاني :أثر تقرير هذه الحاالت االستثنائية على الحقوق والحريات001............
خاتمة021............................................................................
قائمة المراجع020....................................................................
الفهرس032..........................................................................
140