Professional Documents
Culture Documents
تفعيل الرقابة الدستورية في الجزائر في ظل التعديل الدستوري 2020
تفعيل الرقابة الدستورية في الجزائر في ظل التعديل الدستوري 2020
ملخص:
يعد التعديل الدستوري لسنة 2020حتمية فرضتها الظروف الحرجة التي تعيشها
الدولة الجزائرية سياسيا ،أو ما تعلق منها بالتأثيرات الخارجية أو الداخلية وتداعياتها على
مختلف األصعدة واملستويات ،ولعلى أهم ما مسه التعديل الدستوري األخير هو الفصل
الخاص املتعلق بآلية الرقابة الدستورية ،بإحداث املحكمة الدستورية كهيئة تسهر على سمو
الدستور واحترامه باعتبارها عنوانا للمصداقية والشرعية في شقه الوطني والدولي ،لكن تفعيل
دورها لن يتأتى إال بتكريس ضمانات استقالليتها.
الكلمات االفتتاحية:
تفعيل الدور الرقابي ،املحكمة الدستورية ،دستور ،2020الجزائر
Summary:
The constitutional amendment of the year 2020 is considered a fatality
imposed by the critical political conditions in which the Algerian state lives, or
what is related to it on external or internal influences and their repercussions at
different levels. The constitution and its respect, because it is the title of
credibility and legitimacy at the national and international level, but the
Keywords :
Implementation, Constitutional control, Constitutional Court, Constitution of
2020, Algeria.
Mots clés:
La mise en œuvre, Contrôle constitutionnel, Cour constitutionnelle,
Constitution de 2020, Algérie.
210
ISSN :2602-7380
جملة الدراسات حول فعلية القاعدة القانونية
املجلد ،04العدد 2020-02
عراش نورالدين ،تفعيل الرقابة الدستورية في الجزائر في ظل التعديل الدستوري ،2020ص ص .222-209
مقدمة
يحتل موضوع الرقابة الدستورية الصدارة الهامة في ظل اإلصالحات التي جاء بها
التعديل الدستوري لسنة ،2020وهو من األمور التي ما فتئت كل الفعاليات الحقوقية
والسياسية تنادي به ،باعتبارها الضمانة الفعلية والحقيقية لتدعيم أسس دولة القانون1.
حيث تضمن التعديل الدستوري إحداث املحكمة الدستورية وذلك إلدراك املؤسس
الدستوري حقيقة دورها في ضمان الرقابة على دستورية ،واستقرار املؤسسات الدستورية،
وتقويم حدود العالقة بينها سيما بين نشاط الحكومة والبرملان .إن القراءة األولية لنصوص
التعديل الدستوري املتعلقة بهذه املؤسسة الدستورية تكشف أخيرا عن استجابة سياسية
للمطالبات امللحة واملتكررة من قبل الفاعلين القانونيين والسياسيين بضرورة االعتماد على
املحكمة الدستورية باعتبارها صرحا لتجسيد دولة القانون ،وكفالة الديمقراطية.
1سعيد بوالشعير ،املجلس الدستوري الجزائري ،دار املطبوعات الجامعية-الجزائر ،2012 ،ص .22
2املادة 185من التعديل الدستوري لسنة 2020.
211
ISSN :2602-7380
جملة الدراسات حول فعلية القاعدة القانونية
املجلد ،04العدد 2020-02
عراش نورالدين ،تفعيل الرقابة الدستورية في الجزائر في ظل التعديل الدستوري ،2020ص ص .222-209
وعلى هذا األساس يمكن للمحكمة الدستورية في الجزائرأن تؤدي دورا مهما ومؤثرا في
املنظومة القانونية الوطنية ،فهي التي تسهر على ضمان احترام أحكام الدستور وضمان
تطبيقه ،كما أنها الجهة الذي يفترض أن يلجأ إليها كل من مست حقوقه الدستورية وعجزت
وسائل التقاض ي العادية عن إنصافه.
سنتطرق من خالل هذا البحث إلى خمس نقاط أساسية ،هي :عدد قضاة املحكمة،
آلية اختيار القضاة ،شروط العضوية في املحكمة ،مدة العضوية وإمكانية التجديد ،عزل
القضاة .وهي التي ستظهر مدى مصداقية هذه املحكمة واستقالليتها وحيادها هذا ما دفع بنا
للبحث حول حقيقة تفعيل األداء الرقابي للمحكمة الدستورية في الجزائر؟
3
Thomas Weigend, la nation du tribunal impartial et indépendant fédérale d’Allemagne,
revue de science criminelle, 1990, p 742.
4حامد كامل عبيد ،استقالل القضاء ،دراسة مقارنة ،منشورات نادي القضاة ،ط ، 1القاﻫرة ، 1991،ص .24
5نور شحاتة ،استقالل القضاء ،دار النهضة العربية ،1987 ،ص .18
212
ISSN :2602-7380
جملة الدراسات حول فعلية القاعدة القانونية
املجلد ،04العدد 2020-02
عراش نورالدين ،تفعيل الرقابة الدستورية في الجزائر في ظل التعديل الدستوري ،2020ص ص .222-209
ستكون دراستنا لهذا البحث وفقا لخطة مكونة من مبحثين وخاتمة ،حيث تضمن
املبحث األول تشكيل املحكمة الدستورية ودورها في فعالية املحكمة الدستورية ،حيث قمت
بتوزيع مضمون هذا املبحث على مطلبين ،تناولت في األول تحديد عدد قضاة املحكمة
الدستورية ،وفي املطلب الثاني آلية اختيار قضاة املحكمة الدستورية .
بينما املبحث الثاني وتبعا ملا اقتضاه عنوانها ،استوجب األمر أن يشمل ضمانات
استقاللية املحكمة الدستورية وحياد أعضائها ودورها في فعالية املحكمة الدستورية .وحفاظا
على توازن البحث منهجيا ،قسمت هذا املبحث إلى مطلبين .درست من خالل املطلب األول
شروط العضوية في املحكمة الدستورية ،بينما املطلب الثاني خصصته تحديد مدة العضوية
والتجديد النصفي.
6أوكيل محمد أمين ،استقاللية املجلس الدستوري كضمانة لفعالية الرقابة الدستورية مداخلة برسم فعالية امللتقى
الوطني حول تعديل الدستور وأثره على قوانين الجمهورية املنعقد بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة اإلخوة منتوري
يومي 24و 25افريل .2016
213
ISSN :2602-7380
جملة الدراسات حول فعلية القاعدة القانونية
املجلد ،04العدد 2020-02
عراش نورالدين ،تفعيل الرقابة الدستورية في الجزائر في ظل التعديل الدستوري ،2020ص ص .222-209
للعضوية في املؤسسة الدستورية املكلفة بالرقابة على دستورية القوانين ،إلى حد إقراره الرقابة
عن طريق محكمة دستورية.
علما أن هذه املسألة كانت قد حظيت بنقاشات حادة أثناء اجتماعات اللجنة
التأسيسية لصياغة مشروع دستور ،2020وهو الدستور الجزائري الذي استخدم ألول مرة
مصطلح املحكمة الدستورية بدال من املجلس الدستوري.
تستدعي أهمية وصعوبة املهام الرقابية املسندة للمحكمة الدستورية إحاطة هذا
األخيرة بضمانات فعالة جديرة بضمان استقالليتها وحياد أعضاءها في أداء تلك الصالحيات
املنوطة لها دستوريا .وبالتالي جعلها أداة فعالة في هيكلة النظام القانوني واملؤسساتي في الدولة.
فقد تم تحديد عدد قضاة املحكمة الدستورية في الجزائر باثني عشر( )12عضوا ،7تبين
الدراسة عند املقارنة مع دساتير بعض الدول التي تبنت الرقابة القضائية أن عدد قضاة
املحاكم الدستورية يختلف من دولة إلى أخرى ،و ذلك باختالف عدد سكانها ،و دور املحكمة
وطبيعة املهام امللقاة على عاتقها ،ففي اسبانيا على سبيل املثال "،تتألف املحكمة الدستورية
من أثنى عشر ( )12عضوا" ،و في البرتغال تتكون املحكمة الدستورية من ثالثة عشر ()13
قاضيا" ،و في تركيا " تتكون املحكمة الدستورية من خمسة عشر ( )15عضوا" ،وعلى الصعيد
العربي نجد أن املحكمة الدستورية في املغرب "تتألف من اثني عشر ( )12عضوا" ،و في تونس "
من اثني عشر ( )12عضوا" ،و في الكويت " تؤلف املحكمة الدستورية من خمسة مستشارين".8
إن أغلبية دساتير دول العالم ،فيما يخص عدد قضاة املحكمة الدستورية تنص على
عدد محدد و دقيق غير قابل للزيادة أو النقصان بموجب نصوص دستورية واضحة ،ألن غياب
النصوص الواضحة و املعايير الصارمة التي تحدد بدقة عدد قضاة املحكمة الدستورية هو أمر
سيفتح املجال أمام إمكانية قيام السلطة التنفيذية ،أو الجهة التي تتولى عملية التعيين،
بالتحكم بعدد قضاة املحكمة وزيادته أو إنقاصه لضمان أغلبية معينة ،أو لضم عناصر جديدة
منحازة مسبقا ،أو بهدف التخلص من بعض الشخصيات "غير املرغوب ببقائها" في املحكمة.
وهو ما يؤدي بمجمله إلى املساس باستقاللية املحكمة وحيادها ،ويفقدها الثقة كما يجهض
الغرض من إنشائها .9وعليه فان تحديد عدد قضاة املحكمة الدستورية في الجزائر بنص
دستوري يمكن أن يفعل املهام املنوطة باملحكمة الدستورية.
هناك طرق مختلفة لجأت إليها العديد من دول العالم فيما يخص اختيار قضاة
املحكمة الدستورية ،ففي بعض البلدان كبلجيكا وسويسرا وأملانيا ،ينتخب البرملان القضاة،
دون سواهم .وفي ايطاليا ،من بين خمسة عشر ( )15عضوا في املحكمة الدستورية ،ينتخب
8إبراهيم دراجي ،املحكمة الدستورية السورية اشكالياتها وكيف يمكن أن تكون ضامنة ملبادئ الشرعية واملواطنة،2020،
ص ،7انظر املوقع االلكتروني https://raseef22.net/article/1079270 :تم االطالع عليه يوم الثالثاء 11أغسطس
.49 :09 ،2020
9سوجيتشودري ،كاترين غلين بايس ،املحاكم الدستورية بعد الربيع العربي :آليات التعيين و االستقالل القضائي النسبي،
مركز العمليات االنتقالية الدستورية في كلية الحقوق -جامعة نيويورك ،املؤسسة الدولية للديمقراطية واالنتخابات-
2014ص.31
215
ISSN :2602-7380
جملة الدراسات حول فعلية القاعدة القانونية
املجلد ،04العدد 2020-02
عراش نورالدين ،تفعيل الرقابة الدستورية في الجزائر في ظل التعديل الدستوري ،2020ص ص .222-209
البرملان خمسة منهم ،وخمسة تختارهم السلطة القضائية من بين قضاة الجهات القضائية
العليا ،وخمسة يعينهم رئيس جمهورية.10
ففي بعض البلدان العربية يتم اختيار ثمانية( )8نواب لعضوية هذه املحكمة على أن
ينتخبهم مجلس النواب في بداية كل سنة ،و سبعة( )7قضاة يشغلون أعلى مناصب القضاة
بحسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار التقدم عند تساوي الدرجات ،و تعيينهم محكمة
التمييز بهيئتها العامة كل سنة.
نالحظ أن املؤسس الدستوري الجزائري جعل تعيين األعضاء االثنى عشر( )12بموجب
املادة 186من التعديل الدستوري لسنة 2020بطريقتين:
التعيين املباشر من طرف رئيس الجمهورية الذي يعين أربعة أعضاء ( )4من بينهم
رئيس املحكمة.
االنتخاب من طرف السلطة القضائية حيث عضو واحد ( )1تنتخبه املحكمة العليا
من بين أعضائها ،وعضو واحد ( )1ينتخبه مجلس الدولة من بين أعضائه.
والحل فيما يخص عملية تعيين األعضاء الذي تختص السلطة التنفيذية فيجب تقيد
هذه الهيئة في عملية اختيارها ،كأن يفرض املؤسس الدستوري أن تختار هؤالء األعضاء من بين
الشخصيات التي يشهد لها بدرجة علمية عالية كأساتذة التعليم العالي والدكاترة في القانون،
10حسن مصطفى البحري-القضاء الدستوري -دراسة مقارنة -املجلد رقم ،2ط ،2دمشق ، 2019 ،ص .129
216
ISSN :2602-7380
جملة الدراسات حول فعلية القاعدة القانونية
املجلد ،04العدد 2020-02
عراش نورالدين ،تفعيل الرقابة الدستورية في الجزائر في ظل التعديل الدستوري ،2020ص ص .222-209
وعلى املحكمة العليا ومجلس الدولة أن تختاران األعضاء ذوي الكفاءة العالية ،ذوي الخبرة
الطويلة في املجال القانوني ،هذا ما يمكن كل األعضاء في املحكمة الدستورية من تأدية مهام
العضوية بكل نزاهة وحياد وكفاءة.
على هذا األساس ،وبالنظر إلى األهمية املرموقة التي تتضمنها مهمة الرقابة على
دستورية القوانين ،يستدعي األمر إسنادها إلى مؤسسات وهيئات دستورية تتوفر على شروط
وعوامل تضمن استقالليتها وحيادها ،وبالتالي جعلها أداة فعالة في هيكلة النظام القانوني
واملؤسساتي في الدولة حيث نتطرق في املطلب األول إلى الشروط العضوية في املحكمة الدستورية
وكمطلب ثاني نتناول مدة العضوية وعزل القضاة.
11علي الباز ،الرقابة على دستورية القوانين في مصر واألنظمة العربية واألجنبية ،دراسة مقارنة ،مطبعة الشعاع الفنية
مصر ،ط ،2001ص .99
12انظر كل من :فوزي أوصديق ،الوافي في شرح القانون الدستوري :النظرية العامة للدساتير ،ج ،2ط ،1د م ج الجزائر،
،1994ص 193إلى .199
- L. Favoreu, le conseil constitutionnel régulateur de l’activité normative des
pouvoirs public, R .D . P. N° 1, janvier, Février 1967, p 73.
217
ISSN :2602-7380
جملة الدراسات حول فعلية القاعدة القانونية
املجلد ،04العدد 2020-02
عراش نورالدين ،تفعيل الرقابة الدستورية في الجزائر في ظل التعديل الدستوري ،2020ص ص .222-209
وعلى هذا األساس عمل املؤسس الدستوري الجزائري استدراك الخلل الذي كان قائما
في طريقة تكوين املجلس الدستوري وشروط العضوية فيه ،وذلك بإحداث إصالحات جديدة
تمثلت في تضمين التعديل الدستوري لسنة 2020شروطا جديدة للعضوية في املحكمة
الدستورية حددتها املادة 187من التعديل الدستوري والتي تعكس رغبة املؤسس الدستوري في
اعتماد معايير الكفاءة والتخصص والخبرة.
هذا يدخل في إطار تعزيز رقابة فعالة لدستورية القوانين والتي تؤدي إلى جدارة املحكمة
في القيام بمهام الرقابة الدستورية ،بحيث يسهم عامل الكفاءة والخبرة القانونية املحددة في
الدستور الحالي ،في تكريس تخصص املحكمة الدستورية سيما في مجال الفكر القانوني وكل ما
يتصل بمقتضيات تفسير الدستور باعتبارها املهمة التقنية ألعضاء املحكمة الدستورية ،وهو
ما يعزز من دور األعضاء في حماية الدستور و يمنحهم استقاللية في مجال عملهم الرقابي ضد
أشكال التأثير بحكم تخصصهم الوظيفي ،وينطبق ذلك أيضا على عامل السن القانونية
املحددة بخمسين ( )50سنة فما فوق ،وهو ما يعكس جوانب النضج والتأهيل والخبرة للعضوية
في املحكمة الدستورية ألهمية املسؤولية املنوطة بأعضائها املتمثلة في حماية الدستور.13
فتنظيم شروط التعيين أو االنتخاب لعضوية املحكمة الدستورية بهذه الدقة في
الدستور كفيل باإلفصاح عن املكانة املميزة التي تحض ى بها عملية تكوين مؤسسة املحكمة
الدستورية ،مقارنة بشروط تكوين املؤسسات األخرى التي يتولى القانون عادة تنظيم مسائلها
التفصيلية وشروط االنتساب لها .14نجد الدستور التونس ي فقد أشترط في األعضاء أن يكونوا
من ذوي الكفاءة على أن يكون ثالث أرباع منهم من املختصين في القانون ،والذين ال تقل خبرتهم
عن عشرين سنة ،15في حين يختار أعضاء املحكمة الدستورية املغربية ،من بين الشخصيات
املتوفرة على تكوين عالي في مجال القانون ،وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية ،والذين
مارسوا مهنتهم ملدة تفوق خمسة عشر سنة ،واملشهود لهم بالتجرد والنزاهة.16
يعد تحديد مدة العضوية في املحكمة الدستورية ضمانا مهما في استقاللية العضو
وحياده بحكم عدم قابليته للعزل من قبل السلطة التي عينته أو انتخبته طيلة املدة املحددة
دستوريا ،وهذا ما يجعله يعمل بنزاهة غير متأثر بأي ضغط أو خوف من العزل ،17وعدم إمكانية
تجديد العضوية يجعله أكثر استقاللية في اتخاذ القرار ويحرره من مسألة إرضاء السلطة من
أجل التجديد له .18ما يساهم في ضمان االستقرار في تأدية املهام من جهة وعدم الخضوع لتأثير
السلطات األخرى بحكم تحديد مدة العضوية بنص الدستور وانتفاء أي سبيل للتصرف فيها،
أما تقنية التجديد النصفي فإنها تضمن عدم جمود االجتهاد الدستوري وضمان االستمرارية في
العمل الرقابي ونقل التجربة بين األعضاء عقب كل عملية تجديد ،19بحيث يضمن تحديد
العضوية عدم تبعية األعضاء للسلطات القائمة بالتعيين أو االنتخاب ،كما تجنب تقنية
التجديد الدوري التواطؤ أو الضغوطات ،20وهذا ما يضمن بالنتيجة استقاللية هيئة املحكمة
الدستورية ويسهم في فعالية الرقابة الدستورية.
يضطلع أعضاء املحكمة الدستورية في الجزائر بمهامهم لفترة واحدة مدتها ست ()6
سنوات غير قابلة للتجديد و هو ما يعادل املدة املتوسطة املعمول بها في محاكم دستورية أخرى.
فست( )6سنوات تمثل فترة زمنية طويلة بما فيه الكفاية حتى تتمكن املحكمة الدستورية من
القيام بعمل طويل املدى يبرز بوضوح االتجاهات الكبرى لفقه قضائها .أما مبدأ عدم التجديد
فهو يهدف إلى تعزيز استقاللية القضاة تجاه الجهات التي قامت باختيارهم لتفادي أية محاولة
أعزاء أو ضغط في عالقة بالتمديد .ويتم تجديد ثلث أعضاء املحكمة الدستورية كل ثالث ويحدد
النظام الداخلي للمحكمة الدستورية شروط وكيفيات التجديد الجزئي.21
على صعيد املمارسات الدولية فإننا نجد أن أغلبية الدساتير و قوانين املحاكم
الدستورية تنص على منح القاض ي في املحكمة الدستورية مدة والية واحدة طويلة ،و لكن غير
قابلة للتجديد ،و هذا ما هو مطبق في أملانيا على سبيل املثال حيث مدة والية القاض ي في املحكمة
الدستورية الفيدرالية هي اثنا عشر ( )12عاما غير قابلة للتجديد ،و في ايطاليا هي تسعة ()9
أعوام غير قابلة للتجديد ،و في تركيا اثنا عشر ( )12عاما غير قابلة للتجديد ،وفي املغرب وتونس
وفرنسا و البرتغال و بولندا تكون مدة العضوية تسع ( )9سنوات غير قابلة للتجديد .و هو ما
يمكن تفسيره بأن هذه السنوات تمثل فترة زمنية طويلة بما فيه الكفاية حتى تتمكن املحكمة
من القيام بعمل طويل املدى يبرز بوضوح االتجاهات الكبرى لفقه قضائها ،أما مبدأ عدم
20أحمد كريوعات ،حماية املجلس الدستوري للحقوق والحريات األساسية ،مذكرة مقدمة للحصول على شهادة املاجستير
في القانون العام ،تخصص " حقوق االنسان والحريات العامة" ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،قسم الحقوق ،جامعة
قاصدي مرباح ورقلة ،2016 ،ص .103
21
Bertrand MATHIEU et Michel VERPEAUX, contentieux constitutionnel des droits
Fondamentaux, L G D J, Paris, 2002, P 86.
220
ISSN :2602-7380
جملة الدراسات حول فعلية القاعدة القانونية
املجلد ،04العدد 2020-02
عراش نورالدين ،تفعيل الرقابة الدستورية في الجزائر في ظل التعديل الدستوري ،2020ص ص .222-209
التجديد فهو يهدف إلى تعزيز استقاللية القضاة تجاه الجهات التي قامت باختيارهم لتفادي أية
محاولة إغراء أو ضغط.22
خاتمة:
نظرا لألهمية التي يكتسيها موضوع الرقابة على دستورية القوانين ،باعتبارها كآلية
مبدئية وجوهرية في تجسيد نظام ديمقراطي وتأسيس األطر القانونية ،يقتض ي األمر إسنادها
إلى هيئة دستورية تتوفر فعال على مقومات استقالليتها وحيادها وبالتالي جعلها أداة فعالة في
هيكلة النظام القانوني واملؤسساتي في الدولة ،فاملحكمة الدستورية بذلك تكتس ي أهمية بالغة،
حيث خول له الدستور صراحة مراقبة جميع القوانين ،وهذا لتفادي وجود أي تناقض فيما
بينها وبين الدستور ،كما خول لها في نفس الوقت مهام الحفاظ الحقوق والحريات األساسية،
حيث جاء التعديل الدستوري لسنة 2020حامال معه بوادر التجديد من خالل اإلصالحات
العميقة والضرورية ملوضوع الرقابة الدستورية ،إلعطاء نفس جديد وقوي لتفعيل الدور
الرقابي للمؤسسة الدستورية املكلفة بمهمة الرقابة الدستورية .لقد جاء هذا التعديل في وقت
حساس جدا تعالت فيه األصوات تطالب بضرورة إحداث إصالحات جوهرية في النظام
السياس ي ومؤسسات الدولة وغيرها من املسائل ذات الصلة باملصلحة العامة ،ومن بين املسائل
التي أضحت باهتمام املؤسس الدستوري الجزائري في هذا التعديل محاولة رد االعتبار ملوضوع
الرقابة الدستورية من خالل تكريس جملة من الضمانات القانونية بهدف تعزيز استقاللية
املحكمة الدستورية ومن ثمة تمكينها من أداء الدور املنوط بهاعلى أحسن وجه وبالفعالية
الالزمة.
ومما ال ريب فيه أن إسناد مهمة التحقق من مدى مطابقة القوانين املختلفة ألحكام
الدستور إلى القضاء يحقق مزايا عديدة لم تتوافر من قبل في حالة اضطالع هيئة سياسية بهذه
املهمة ،إذ تتوافر عادة في رجال القضاء ضمانات الحيدة واملوضوعية ،واالستقالل في مباشرة
وظيفتهم من ناحية ،كما أن من ناحية أخرى مؤهلين بحكم تكوينهم القانوني لالضطالع بمهمة
فحص القوانين للتعرف على مدى موافقتها ألحكام الدستور ،وفضال عن ذلك كله ،فان
اإلجراءات التي تتبع أمام القضاء تنطوي على كثير من الضمانات التي تكفل العدالة ( مثل
العالنية وحرية الدفاع ومناقشة الشهود والخصوم وضرورة تسبيب األحكام القضائية) ،وتبعث
الثقة واالطمئنان ألحكامه مما يكفل بالتالي لرقابة الدستورية موضوعيتها وسالمتها.
اقتراحات:
222