You are on page 1of 13

‫كتابات أبو الحق‬

‫سابع من رابع‬
‫‪2023‬‬

‫في المطب الذي وقع به الكل – ج‪1‬‬


‫( من ال يملك الرغبة بمراجعة نفسه لن يجد في هذا العمل إال إستفزازاً لعقيدته)‬

‫كمن يمسك بإزميل أي إزميل ومهما كان قاسي السبيكة‪ ،‬ويتقصد جبالَ من‬
‫صوان ليف ّتته!‬
‫ألسطر ما يدور بدماغي على مدار الدقيقة‬ ‫ّ‬ ‫كذا هو حالي وأنا أجتهد‬
‫والساعة من أفكار تتقصى حجم ونوع البئر الذي رمانا به أسالفنا ورمينا‬
‫أنفسنا بغيا َبته‪ ،‬ومن ثم الحلول التي يمكن ان تكون متاحة ألجيالنا المقبلة‬
‫كي يتداركوا أمورهم ويغادروا هذا المطب المؤبد بحال شئنا أن نعينهم‬
‫واختاروا هم أنفسهم أن يتسلقوا للسطح وللهواء النقي وأللوان هللا هناك‬
‫خارج البئر‪ .‬وأنا قلت "أجيالنا" ال " نحن" فنحن هالكون بالوصف‬
‫المجازي والحرفي‪ ،‬لم نفلح كمجموع بأن نؤسس لمسيرة تصحيحية عبر‬
‫كل تلك القرون‪ ،‬غلبتنا شقوتنا وتل ّبستنا عيوبنا‪ O‬الكامنة ففاتت علينا‬
‫ً‬
‫وتجربة ما أنا بصدد قوله؟‬ ‫الفرصة‪ ،‬فهل سيعي الصغار سنا ً‬
‫إعلم‪ ،‬يا هداك هللا وهداني‪ ،‬أ ّنك تعيش بعالم غالبية ما يشكله هو عبارة‬
‫عن تركيبة من األكاذيب واألوهام تلبست عقلك ويقينك‪ O‬فيما أنت تقود‬
‫حياتك كعراقي‪-‬عربي‪-‬مسلم‪ .‬هذه الثيمات الثالث تكاد تجتمع في غالبية‬
‫العراقيين الذين يقال فيهم اليوم أ ّنهم " س ّنه" و" شيعه" وهم من أخاطب‪.‬‬
‫غالب ما تحفظه من معلومات دينية (فقهية) هو مما لم يقله هللا وال قاله‬
‫رسوله حتى‪ ،‬وما منسوب ألبي حنيفه أو لجعفر الصادق أو لفالن من‬
‫دونوه‬ ‫الفقهاء ليس هناك من طريقة منطقية وعلمية للتثبت أنهم قالوه أو ّ‬
‫إذ ال تتوفر أية نسخ أصلية من كتب الفقه والتاريخ تلك‪ ،‬ولم يكن هناك‬
‫من توقيع أو ختم أو مهر يميز األصل من المنسوخ من المقلد من‬
‫المحرف‪ ..‬إن إستحضرت بخيالك طريقة تأليف تلك الكتب آنذاك (بغياب‬ ‫ّ‬
‫نساخين مأجورين باألجرة‪ ،‬وتجليدها‬ ‫المطابع) ومن ثم نسخها من قبل ّ‬
‫جرته أعمال المغول ببغداد وسائر مدن‬ ‫وبيعها‪ ،‬وإن إستحضرت ببالك ما ّ‬
‫غر غرير ال‬ ‫المنطقة فستعرف ما أقصد هنا‪ ..‬غالب ما لقنوك إياه (وأنت ّ‬
‫يعينك سنك على التمييز وال يسمح لك باإلستفسار واإلعتراض على ما هو‬
‫غير مقبول وال معقول حتى) هو غير صحيح البتة‪ ،‬لكنهم حشوا به متون‬
‫كتب التاريخ عن تلك الفتن الكبرى التي شطرت المسلمين ودينهم معهم‬
‫إلى شطرين غير قابلين لإللتئام‪ ،‬فكله إنما تم نقله إليك مقلوبا ً ولمرتين‪:‬‬
‫مر ًة من قبل المنتصر الذي يقولون فيه أ ّنه هو من يكتب التاريخ‪ ،‬ومر ًة‬
‫من قبل المهزوم الذي لم ينتبه‪ O‬العراقيون والعرب عموما ً إلى أ ّنه هو اآلخر‬
‫صاغ نسخته الشخصية عن تلك األحداث ولقنها ألحفاده البعيدين عبر‬
‫طقوس ظالمية متشنجة يختزلها عنوان( المتاجرة بالمظلومية)‪ ،‬مفتراة‬
‫كانت أم حقيقية‪ ،‬فوضع هذا الخاسر فيها ما وضع بقصد تحقير المنتصر‬
‫ورفع رمزه المهزوم لمصاف القديسين ومن ثم األنبياء ومن بعدها لمقام‬
‫الخالق كما نشهد اليوم ومن ألسنة معممي الشيعة على قنوات يوتيوب‬
‫وبكل إنكشافية‪ .‬أما المنتصر‪ ،‬فقد صاغ أحداث التاريخ بقليل إكتراث‬
‫للمنطقية وللدقة ( يبدو أنه لم ير نفسه محتاجا ً للتبرير فالمنتصر غالبا ً ما‬
‫يطمئن إلستقرار األحوال لصالحه طيلة ما تبقى من عمره) ولم يبذل جهداً‬
‫وس َم‬
‫لكشف معدن خصومه وتبيان مثالبهم فهناك نوع من (التهاون) َ‬
‫موروث هذا المنتصر‪،‬أمويا ً كان أم عباسياً‪ ،‬ليس فيما يخص التاريخ بل‬
‫بالفقه المذهبي الذي يدين به‪ ،‬فهو فقه إمالئي‪ O‬يعتمد‬
‫الجبرية( الدكتاتورية) وال يوفر إال إجابات سطحية وتفسيرات حرفية لكل‬
‫نص مبهم أو موضوع مثير للجدل‪ .‬هذا ما إنتهينا إليه اليوم‪ ،‬والغد يحمل‬
‫بين طياته غيوبا ً أشد مرارة كما أعتقد‪.‬‬
‫أنا إرتأيت أن أطرح الموضوع‪ O‬بشكل عناوين محددة هي أشبه بقمة الجبل‬
‫الجليدي الذي إعتاد الناس مشاهدته هو فقط ال ذلك الجزء الهائل الرابض‬
‫تحت سطح الماء‪ ،‬ومن هنا سأبدأ‪:‬‬
‫ما المشكلة أصالً؟‬
‫كما رأيتها دوماً‪ ،‬مشكلة عراقنا وشعبه هي أنّ عقيدته محتكرة من قبل‬
‫فريقين متناقضين‪ O‬بكل شيء تقريبا ً رغم أن كالً منهما ينافق نفسه وينافق‬
‫الطرف المقابل فيردد بكل ببغائية‪ O‬أنه" ال فرق بيننا فنحن مسلمون لنا رب‬
‫واحد وكتاب واحد ونبي واحد وقبلة واحدة"! من يقول هذه العبارة بصدق‬
‫هو في أحسن األحوال ساذج لم يقرأ أي كتاب مما قرأنا وال تسلل لتالفيف‬
‫أدمغة الفريقين وهي تحمل التكفير للطرف المقابل طالما هو كائن على‬
‫الجهة المقابلة عبر نهر الفصل المذهبي‪ .‬تكاد ال تكون هناك آية قرآنية‬
‫واحدة يتفق على تفسيرها هذا الفريق مع ذاك‪ ،‬وهذا ما إنتبه إليه الباحث‬
‫المستشرق اليهودي (إ َكناس َكولدتزيهر) بكتابه الموسوم ( مذاهب‬
‫التفسير اإلسالمي) والذي فرز طريقة تفسير القرآن الكريم عند األشاعرة‬
‫وعند الشيعة وعند المعتزلة وأبرز كيف أنّ التفسير الجعفري الشيعي‬
‫يحيل كل مثلبة ليجعلها تتقصد عمراً وأبا بكر فيما تخصص كل آية إمتداح‬
‫وتكريم لعلي تحديداً وبشكل غير عقالني أثار حفيظة الباحث كونه تجاوز‬
‫كل الحدود الممكن تصورها‪( ..‬التين والزيتون) هما عند السنة شيء‬
‫وعند الشيعة هما شيء آخر مختلف تماما ً فهو مزدوج يرمز إلى الحسن‬
‫والحسين ( بينما هناك رأي لعلماء هنود مسلمين يرى أنّ التين والزيتون‬
‫وطور سينين وهذا البلد األمين هي إشارات ألديان سماوية وهكذا‬
‫بالتسلسل‪ :‬البوذية ‪،‬المسيحية‪ ،‬اليهودية واإلسالم)‪ ،‬فمن األقرب للعقل؟‬
‫و(الكوثر) هو حوض أخروي ينتظر البشر يوم القيامة لكنه (فاطمه وما‬
‫ستنجبه من أبناء وأحفاد هم أئمة عند الشيعة) عند الشيعة‪ ،‬لكن أنا من‬
‫الناس ال أرى صحة رأي للفريقين فالكوثر ممكن أن يكون كناية عن‬
‫الوفرة (الكثرة) مقابل حرمان النبي من خلفة الذكور‪ :‬أنّ المسلمين‬
‫سيتفوقون عدديا ً بنهاية المطاف! كيف لم ينتبهوا‪ O‬لذلك وهم يفسرون‬
‫القرآن بواسطة اللغة والبالغة؟‪ O‬وهذا غيض من فيض فحسب فهناك اآلية‬
‫( المائدة‪ )67 :‬التي تقول للنبي أن يب ّلغ ما أنزل إليه وال يخاف أحداً ألنه‬
‫تعالى عاصمه من الناس‪ ،‬هذه بالذات إعتبرها الشيعة تشير لضرورة أن‬
‫يب ّلغ النبي صحابته بأحقية علي بالخالفة رغم أ ّنها تتوسط جملة آيات‬
‫تحكي عن عالقة المشركين بالكتابيين‪ O،‬ونفس اإلشكالية المنطقية نصادفها‬
‫مع اآلية( األحزاب‪ )33:‬التي تحكي عن " تطهير أهل البيت من الرجس"‬
‫جلي جداً ألي ذي عقل أنها تحكي عن زوجات النبي‪ O‬ال عن علي‬ ‫فهو ّ‬
‫وزوجته فالعبارة هي جزء من آية تخاطب زوجات النبي وهي األخرى‬
‫كسابقتها تلك أعاله‪ :‬آية محاطة بآيات تحكي عن نساء النبي ونساء‬
‫المؤمنين‪ ،‬ال ذكر فيها لفاطمة أو أم كلثوم أو زينب! ومن ثم تأتي فكرة‬
‫العصمة التي منحت خاصية( تكميم أفواه كل المعترضين والمستفهمين)‬
‫بدعوى أنّ هؤالء األئمة ال يمكن أن يز ّلوا بأي حال من األحوال‪ ،‬والقرآن‬
‫فيه عدة آيات تخاطب النبي نفسه بأنه له ذنوب وتطالبه باإلستغفار‪ ،‬أكثر‬
‫كعلي أو حسين أو‬ ‫ّ‬ ‫من ثالث آيات فأي عصمة يمكن أن يحتكم عليها مسلم‬
‫جعفر أو موسى ما لم يكن القصد من إبتكارها هو رفع هؤالء فوق مقام‬
‫النبي نفسه؟ إذن‪ ،‬أي توافق وتشابه هو ذاك الذي يحكون عنه بينما‬
‫يحسب كل فريق أ ّنه هو المحق األوحد وال أحد آخر خارج المظلة التي‬
‫يحملها هو نفسه يمكن له أن يكون على حق هو اآلخر‪ ،‬مطلقاً؟ أصبح‬
‫المذهب هو الديانة والدين لكل األطراف‪ ،‬والمعادلة هذه مختلة فالس ّنة ال‬
‫يعرفون عن فقه المذهب المنفرد الذي يحملونه إال الواحد بالمائة ربما‬
‫بينما الشيعة مدرك صغيرهم وكبيرهم ألهم مرتكزات المذهب وأهدافه‬
‫الرئيسية وطقوسه وأدعيته فتلقينها ُيشرع بها منذ مرحلة الرضاعة‪،‬‬
‫جوزان اإلنتقال‪ O‬من مذهب آلخر وال أن‬‫بدون مبالغة‪ .‬وكال الطرفين ال ُي ّ‬
‫يستعير المتمذهب حكما ً فقهيا ً من المذهب المقابل على إعتبار أنه أشد‬
‫ً‬
‫عقالنية مما لديه‪ ،‬فالسني مثالً قد يرى آلية عقد النكاح لدى الجعفرية هي‬
‫األتم واألصح لكنهم ال يرتضون له هكذا إنتقال‪ ،‬وكأنما مذهبه هو ديانة‬
‫سماوية ال تتحمل التبعيض واإلنتقال الجزئي هذا! هذا غير مقبول لديهم‬
‫كلهم فهي( خذها كلها او إتركها ‪ ) Take It or Leave It‬على الرغم من‬
‫كونها مذاهب وضعية س ّنها بشر خطاؤون محدودو الخيال والمعلومية‬
‫واإلقتدار اإلستنباطي‪ .‬هكذا إنتقال أو أخذ بالبعض هو كفر صريح بنظرهم‪،‬‬
‫بينما حقيقة األمر هي أنّ اإلنتقال من ديانة لديانة هي ما يعتبر أمراً خطيراً‬
‫فالمذهب‪،‬أي مذهب‪ ،‬إنما هو " الذهاب برأيٍ ما بعيداً عن‬
‫ّ‬ ‫ال يجوز البتة‪،‬‬
‫النص القرآني أو النبوي"‪ -‬هو مجرد " رؤية" أدلى بها من كان يبدو‬
‫متمكنا ً من اللغة والفقه أكثر من غيره( في تلك الفترة الزمنية وضمن‬
‫البقع الجغرافية التي نشط بها) فإتبعه من إتبعه حتى إنتهى األمر بكل هذه‬
‫المذاهب لتبدو كبديل عن القرآن وعن مجمل الديانة وكمنفذ أوحد تمر منه‬
‫رؤى النبي وتفسيرات إمتلكها لتصل للعالم عبره(المذهب هذا)! كيف صير‬
‫لتسييد المذهب على الدين بهذا الشكل؟‬
‫وليس هذا فقط‪ ،‬فالجنة بنظر الكل محسومة كمآل ومآب لكل فرد من كل‬
‫ملة‪ ،‬له ولملته فقط‪ ،‬ال شيء يمنعه من دخول الجنة سوى إنقطاع أيامه‬
‫بهذه الحياة‪ ،‬فالسني يتكل على إقراره بعبارة( ال إله إال هللا) وعلى شفاعة‬
‫النبي ( المرتجاة) له طالما هو " يص ّلي ويس ّلم" على النبي بكل وقت‬
‫وحين‪ ،‬فيما الشيعي متكل على " مواالته لعلي وحبه لفاطمة وعشقه‬
‫للحسين وتأليهه للمهدي‪.. ،‬إلخ"‪ ،‬ما أبسطها من شروط( للطرفين) وما‬
‫أيسر الطريق لجنة ال يمكن وصف مغانمها وليس هناك بضاعة أو سلعة‬
‫هي أغلى منها كما بحديث مشهور أفترض صحته! ترتبت هذه القناعة‬
‫بنمطين‪ :‬نمط عمومي ونمط مخصوص‪ .‬أما العمومي فهو يشمل الملتين‬
‫ويرجع لحديث أراه مختلقاً‪ ،‬حديث الفرقة الناجية وتلك السبعينات من‬
‫اإلنشطارات التي تفرق عليها أتباع الديانتين‪ O‬السابقتين‪ .‬وعجيب كيف أنّ‬
‫متناقلي هذا الحديث لم ينتبهوا‪ O‬لفقرة تقارب األعداد وكأنما هي مصادفة!‬
‫مصادفة ال تتحقق إال بعالم الخيال‪ :‬سبعين فرقة‪ ،‬إحدى وسبعين‪ ،‬إثنين‬
‫وسبعين وثالثة وسبعين! صيغ نص الحديث من سلسلة أرقام تبتديء‬
‫أصالً باإلثنين‪ O‬وال تنتهي‪ ،‬وصوالً للما النهاية‪ ،‬لكنها هنا تسلسلت بطريقة‬
‫فجة لتنحصر بمحض ( ‪ 72 ،71‬و ‪ ،)73‬ولم يتول فقيه أو عالم أو باحث‬
‫مسلم التحقق من عدد فرق المسيحية وعدد فرق اليهودية للتحقق من‬
‫نص الحديث‪ ،‬هل يمت بصلة لهذه السبعينات؟ كيف صدف أنّ المسيحيين‬
‫واليهود والمسلمين تعاقبت إنقساماتهم على ثالثة أعداد متتالية ضمن‬
‫عائلة السبعينيات؟! وعندما تقرأ بالقرآن أنه تعالى يعد بالخير يوم‬
‫الحساب كل ّ َمن عمل صالحا ً من المسيحيين واليهود والصابئة‪ O‬فكيف تعقل‬
‫أن تتبع "حديثاً" يضع الحدود الفاصلة ويحدد فئة دون بقية الفئات لتكون‬
‫هي المرضية بينما الباقي سيكونون‪ O‬حطب جهنم؟ المخرج الوحيد هنا‬
‫للخروج من هذه اإلشكالية هي أن تكون الفرقة الناجية" تلك هي فرقة ال‬
‫تتعلق بتسمية دنيوية مما يتداوله المسلمون( سني من هذه المدرسة او‬
‫تلك‪ -‬شيعي من هذا الفرع أو ذاك‪ -‬وهابي‪ -‬صوفي‪ -‬غير منتمي) بل هي‬
‫فرقة "إفتراضية" تضم كل من أحسن السلوك بالدنيا وعبد هللا وحده ال‬
‫يشرك به أي إمام او شيخ أو رمز‪ ،‬كما هي مقولة المفكر األمريكي‬
‫( إيميرسن) القائلة " الرجال ذوي اإلحساس والضمير الحي في مختلف‬
‫أرجاء العالم هم من دين واحد ‪ -‬دين العمل الطيب والشجاعة"‪ ،‬أو مقولة‬
‫(توماس باين) بأن وطنه هو العالم ودينه هو ان يفعل ما هو خير"‪.‬‬
‫لكن مع هذا فإن جزئية تتابع األرقام السبعينية تبقى نقطة ضعف ال يتقبلها‬
‫العقل الحر‪ .‬لقد كانت نقطة الضعف في هذا "الحديث" مكشوفة دوما ً لكن‬
‫العيون( األذهان ال العيون‪ O‬فحسب) كانت مغمضة‪ ،‬والسبب يرجع إلهمال‬
‫وإستقالل العلم والرياضيات والمنطق‪ ،‬كان الخلل يرجع لتعميم وصف العلم‬
‫الالهوتي على كل كلمة (علم) وردت بالقرآن هي ومشتقاتها‪ ،‬ال أنه العلم‬
‫الدنيوي الطبيعي الذي سيقود إلختراعات وإبتكارات وإكتشافات تصل‬
‫بالبشرية للفضاء الخارجي وتعالج األمراض بعد أن تتقن إكتشافها وتحدد‬
‫مواضعها‪ ،‬ألسلحة لها أن تكبح جماح الطامعين( ومن المنطقي هنا اإلقرار‬
‫بأنها البد أال تكون بمعزل عن الوقوع بيد الطامع الجشع البربري نفسه‪-‬‬
‫هذه ثنائية‪ O‬ال مفر منها كما هو العالج الطبي الذي يمكن أن يكون سما ً‬
‫قتاالً أيضا ً) ولجملة إختراعات تدعم الحياة على هذا الكوكب الذي إستخلفنا‬
‫هللا عليه‪ ،‬ال يمكن تصور العلم هذا على انه علم الهوتي( لد ّني) يجهد‬
‫نفسه بطريقة المسح على القدمين أو غسل الجنابة أو قسمة المواريث‬
‫التي ال يحدها قانون وال تحتويها حتى سورة النساء كلها‪ ،‬فكل تفاصيل‬
‫التوريث لم تتطرق لما يكون عليه نصيب الزوجات األخريات بحالة تعدد‬
‫النساء ! ولهذا تفوقت علينا أمم الغرب والشرق وتركتنا نلهث وراءها‪،‬‬
‫نعيش على مخترعاتهم ونعجز عن اإلستمرار بالعيش من دونها‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فأنت ترى أنّ ذلك الحديث المشكوك بصحته هو كالم‬
‫مو ّل د للتفرقة وللمناكفة‪ ،‬يقود كل فصيل أو مذهب إسالمي للنكوص للخلف‬
‫من حيث ما سيتطلبه من اإلستئثار بهوية‪ O‬الفرقة الناجية كطبيعة بشرية ال‬
‫مفر منها‪ ،‬ويقود لتكفير الباقين كتحصيل حاصل‪ .‬وكما هو متداول بالغرب‬
‫في كاريكاتيرات نعرفها فالعبارة الحاكمة هنا هي( كم أنا محظوظ! لقد‬
‫ولدت ضمن عائلة تحتضن المذهب الوحيد الذي يخص الفرقة الناجية)!‬
‫" الفرقة الناجية" (إن كان ثمة مصطلح كهذا) ال ينبغي‪ O‬لها أن تكون‬
‫ضمن ( ليبل أو هوية مسماة) بل هي تسمية مجازية تجمع تحت مظلتها‬
‫كل إنسان يفعل الخير لغيره‪ ،‬مهما كانت ديانته‪ ،‬كذا أفهم هللا وكذا أفهم‬
‫دينه وحزبه الذي أسماه ( حزب هللا)‪.‬‬
‫وليس هذا فحسب‪ ،‬فهناك مقولة غربية ترى أنّ أي نزاع طويل األمد ال‬
‫يتم حسمه مبكراً إنما يعني أنّ طرفي النزاع على خطأ‪ .‬ليس أنّ نزاع‬
‫الملتين عندنا لم يتم حسمه منذ نشأ في خالفة علي بن أبي طالب فحسب‬
‫بل أنّ أي متمعن بواقع الحال وما آلت إليه مبالغات وإبتداعات القوم عقب‬
‫حرب إحتالل العراق في ‪ 2003‬لن يرى بارقة أمل بإصالح الحال لقرون‬
‫مقبلة‪ .‬لذا أسأل نفسي هنا ما سيسألني إياه البعض‪ " :‬لماذا إذن تفكر‬
‫كوة نور أجتهد لتخليقها‬ ‫بالموضوع وتناقشه؟"‪ ،‬وأنا أفعل ذلك ألجل ّ‬
‫وأتمنى أن تقود لفتح بصائر بضعة أنفار بالقليل‪ ،‬اآلن أو مستقبالً – ال‬
‫يهم‪ ،‬أفعل ذلك ألنني‪ O‬أؤمن أنّ رمي حصاة على القاتل قبل لفظ األنفاس‬
‫األخيرة عليه وهو المعتدي الصائل إنما تمثل جهاداً ونوعا ً من اإليجابية‬
‫بالقياس للتسليم باألمر الواقع الذي يبدو ال مهرب منه للتالي ومن ثم‬
‫الموت بكل إستسالم‪.‬‬
‫عالم ُخلِقنا أصالً؟‬
‫أنت ال تستطيع أن تحسن تنفيذ دورك بالحياة ما لم تعرف قبل ذلك‪ :‬ما هو‬
‫دورك فيها أصالً؟‬
‫كمسلمين‪ ،‬من كل المذاهب‪ ،‬تعودنا أن نحيل إجابة السؤال الفلسفي أعاله‬
‫على آية محددة بالقرآن الكريم هي " وما خلقت الجنّ واإلنس إال‬
‫ليعبدون" فهي آية تحوي سؤاالً وإجابته ببنية عبارة مفردة‪ ،‬لكن هذا هو‬
‫ح لكيفية تحقق تلك‬ ‫مجرد تصريح منه تعالى بسبب خلقه آلدم‪ ،‬ال شر ٌ‬
‫الخالفة‪ ،‬هناك غاية وهناك وسيلة(كيفية) هنا‪ .‬الكيفية تلك أراها مبينة‬
‫بآيات أخرى‪ ،‬باقة منها متفرقة هنا وهناك بين دفتي الكتاب تحكي مشاهداً‬
‫عن خطاب الخالق لمالئكته كيف أنه " خالق بشرأ من طين" سيكون له‬
‫خالفة هللا على األرض‪ .‬وأنا وعلى مدار أربعين عاما ً من التبحر بكتاب هللا‬
‫تفصل بهذه اآلية‪ :‬كيف يكون اإلنسان خليفة‬ ‫ّ‬ ‫لم أجد فقيها ً أو خطيب جمعة‬
‫هللا على األرض؟ أنا أرى هذه العبارة تعني أ ّنه تعالى كان يب ّلغ مالئكته بأنّ‬
‫الخلق البشري الجديد سيكون متمتعاً( ومبتليا ً بنفس الوقت ربما) بمبدأ‬
‫(اإلرادة الحرة ‪) Free Will‬ال كما كانت حياة آدم وزوجه بالجنة قبيل‬
‫المعصية تلك‪ ،‬ال شيء متاح لهما ليقررا عليه‪ ..‬كالفرق بين من ينعم‬
‫بطعام فاخر يقدمه الطاهي له و َمن يجهد نفسه ليزرع ويحصد ويطبخ‬
‫ويتناول الطعام‪ ..‬ذاك األول‪ O‬مس ّير واآلخر هو مخ ّير‪ .‬اإلنسان الذي حكى‬
‫الخالق عنه لم يكن آدم فحسب‪ ،‬هو مجمل الجنس البشري الذي تناسل آدم‬
‫ليكونه‪ .‬على األرض التي سيصار إلنزال الزوجين إليها لن يسود مبدأ‬ ‫ّ‬
‫( قدرية ‪ )Fatalism‬بل خيارات متاحة للبشرية تتخير منها وفق الترجيح‬
‫العقالني ومن ثم تتحمل مسؤولية إختيارها‪ .‬يسمي الغربيون ( وهم سبقوا‬
‫العرب المسلمين بكل هذا‪ ،‬سبقا ً عظيماً) ب(السببية والتأثير & ‪Cause‬‬
‫‪ ،) Effect‬ترمي إطالقة؟ ستتسبب بجرح أحدهم او قتله‪ ،‬تقتل إنساناً؟‬
‫ستتحمل المسؤولية عن ذلك بالكامل‪ ،‬ترمي بنفسك من علٍّ؟ ستتحطم‬
‫عظامك وقد تموت‪ ..‬ال تراهن على إنقاذ هللا ومالئكته‪ O‬لك‪ ،‬وال تختبره بأن‬
‫الهوة‪ ،‬وال تلم إبليس‬
‫تدعوه أن ينجيك وقت أنت ترمي بنفسك من تلك ّ‬
‫على ذلك‪ ،‬فإبليس الذي وسوس للزوجين وغرر بهما ليعصيا أمر هللا لم‬
‫يرد ذكره باآلية التي تحكي عن أول جريمة حدثت على األرض فهي‬
‫فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين"‪ ..‬ال أثر‬ ‫تقول" ّ‬
‫لتدخل إبليس هنا كما هو واضح‪ ،‬ليس كما باآليات التي تصف كيف أغوى‬
‫إبليس الزوجين‪ ،‬وكمثال‪ " :‬فدالهما بغرور وقال لهما‪ ،"..‬إذ ربما إنصهر‬
‫إبليس بالهبوط ذاك وتداخل ببنية آدم وحواء وأصبح مجرد إرادة الشر‬
‫الرضع‪ ،‬أعرف أطفاالً دون‬
‫ّ‬ ‫المعتادة عند البشر وحتى عند صغارهم‬
‫السنتين من العمر خنقوا أخواتهم الرضيعات‪ ،‬أعرف أطفاالً ال تتصور‬
‫لشر ما تورطوا بفقء عيون طيور زينة‬ ‫مطلقا ً أنّ عقلهم يمكنه التخطيط ٍ‬
‫وخنقوها‪ ،‬ال بل وفقء عيون إخوتهم األصغر منهم‪ .‬اإلنسان المستقبلي‬
‫الذي إستشرف الخالق به مالئكته ( وال أحسبه سيتخلق لعشرات القرون‬
‫المقبلة‪ ،‬المشوار الفاصل بيننا و تلك المثابة طويل جداً فالبشرية الزالت‬
‫بطور البهيمية) سيكون عليه أن يرحم ويلطف بالمستحقين كما هو هللا‬
‫رحمن رحيم لطيف‪ ،‬أن يعفو عن المسيئين( بشروط العفو طبعاً) كما هللا‬
‫هو غافر الذنب وقابل التوب الغفور الكريم‪ ،‬أن يرزق من ال رزق لديهم‬
‫طالما هو محتكم على الخيرات وعمالً باآلية التي تقول " وارزقوهم ‪"..‬‬
‫وكما أنّ الخالق هو رزاق كريم‪ ،‬أن ُيحق الحق ويبطل الباطل بقوة‬
‫عضالته وبتخطيط دماغه وما سيصنعه من أدوات وأسلحة وكما هو‬
‫الخالق القوي المتعال ذو الطول‪ ،‬أن يصبر على األذى الذي ال يملك إبطاله‬
‫كما هو الخالق الذي صبر على معصية إبليس له ويصبر عن تجديف‬
‫البشر بحقه ويتحمل ذلك‪ ،‬أن يكرم اآلخرين كما هو الخالق الذي " بل يداه‬
‫مبسوطتان‪ "..‬وهكذا‪ .‬كلها أفعال مشتقة من (األسماء الحسنى) التي هي‬
‫دون المائة بكثير‪ ،‬ال تسعا ً وتسعين كما أشاعوا‪ ،‬ولم يذكرها هللا بكتابه‬
‫وبوفرة ملحوظة‪ ،‬ليس لكي نحفظها أو نطلقها كعناوين للجوامع‬
‫ولألسواق وعلى المواليد الجدد بعد إضافة (عبد) قبلها بل لنتدبر معانيها‬
‫ونعمل وفقها فهي عبارة عن ( سيرة ذاتية) لما ال يمكن وصفه‪.‬‬
‫وهذا يعيدنا لفقرة تضادّ الملتين مع بعضهما‪ ،‬فكالً منهما يؤمن بحكم‬
‫منقوالت ال قرآنية أنّ إبليس موجود كمخلوق ذو كيان منفصل ولذلك‬
‫رأيناهم يبتدعون أحاديثا ً ومرويات وتفاسير قرآنية ركيكة ليوفروا أجوبة‬
‫على أسئلة صعبت عليهم كما يبدو‪ ..‬تأمل معي ببعضها‪:‬‬
‫كيف يتكاثر إبليس بحيث يستطيع أن يغوي كل البشر وبنفس الوقت؟‬
‫همممم‪ ،‬بسيطة جداً‪ ،‬إنه "ينكح" نفسه فيبيض!‬
‫ماذا يأكل كي يستمر بالحياة؟ قسب تمر وزبيب وشعير وحنطة مما إعتاد‬
‫المسلمون التصدق به وتزكيته‪ ،‬هذا ما كان يسرقه إبليس من بيت‬
‫الصدقات بغفلة من أبي هريرة وفق ذلك الحديث المأساوي!‬
‫الحظ إلى أين أخذهم الفكر المغلوط لجملة إعتبارات فأخذوا يتخبطون‬
‫ويكذبون على هللا وعلى رسوله وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً‪ .‬هنا‬
‫تحضرني عبارة قالها مهندس من أهالي القياره بحضوري‪ ،‬قال ( لقد‬
‫نكحنا الدين‪ ،‬ردّ الدين نكحنا)‪ ،‬وأنا إستخدمت مرادفا ً فصيحا ً ملطفا ً هنا‬
‫فالفعل الذي أورده كان عاميا ً منفلتاً! ما حصل هو هذا بالضبط‪ :‬بالغ‬
‫المسلمون (سنة أشاعرة) بمدح علي بن أبي طالب فنسبوا له إقتالع باب‬
‫حصن خيبر( وأ ّنى ليهود خيبر أن يكون باب حصنهم مقدوراً على قلعه‬
‫ورفعه؟ من يصدق هكذا خرافة؟) فتلقف مؤرخو وفقهاء الشيعة الكذبة‬
‫فضربوها بألف وخرجوا علينا بقصص تبديه كشمشون وجعلوا إبنه‬
‫الحسين يقتل مئات وآالف المغيرين عليه فالصورة الشمشونية عالقة‬
‫بأذهانهم‪ ،‬ال يمكنهم التمسك بالمظلومية كهوية له فحسب‪ ،‬بل يلزمهم‬
‫عكس صورة خارقة له حتى وهو يتوسل بجيش عمر إبن سعد بن‬
‫يرحله للثغور البعيدة يقاتل األعداء هناك‬
‫الوقاص لتركه لحاله أو أن ّ‬
‫و ُيقتل‪ .‬لكن هكذا بطل غشمشم ( علي بن أبي طالب) لم يوظف قوته‬
‫بالدفاع عن خليفته‪،‬عثمان وقت حاصره الخوارج بقيادة مالك األشتر‪،‬‬
‫لماذا؟!‬
‫وهناك (مهدي) إخترعه محدثون أشاعرة (غير شيعة) من خالل نبوءة‬
‫مفتراة على النبي‪( O‬الذي لم يكن مقدراً له أن يعرف الغيب بحكم اآلية تلك"‬
‫مسني السوء") ‪،‬أ ّنه‬‫قل لو كنت أعلم الغيب الستكثرت من الخير وما ّ‬
‫سيولد في آخر الزمان وسيحمل إسم النبي‪ O‬نفسه وهو من نسله‪ .‬تبدو‬
‫الفرية من قبيل نضوح‪ O‬العقائد المسيحية واليهودية إلى داخل الموروث‬
‫اإلسالمي ( مهدي مقابل مسيح مخ ّلص‪ ،‬إثنا عشر إماما ً مقابل إثني‪ O‬عشر‬
‫نقيبا ً من بني إسرائيل‪ ،‬شعائر جلد الذات اإلسبانية ( ‪) Passion Play‬‬
‫في ذكرى صلب المسيح المفتراة مقابل طقوس اللطم وجلد الذات في‬
‫عاشوراء)‪ ،‬فتلقف نظراؤهم الشيعة القصة وجعلوه صبيا ً ( إبن إمام من‬
‫أئمتهم لم يكن ذا خصوبة أصالً !) فر من مطاردة العباسيين له وطمر‬
‫نفسه بكهف ولمدة قرون! جعلت هذه الخرافة حملة شهادات عليا‬
‫ومهندسون يشار إليهم بالبنان يصدقون فلما ً فنطازيا ً لو ألفه وحكاه أهل‬
‫السنة عن عمر بن الخطاب مثالً ألشبعوهم سخرية ولدمغوهم بعبارة " يا‬
‫أمة ضحكت من جهلها األمم" ! لكنها التبعية العمياء‪ ،‬وهو تلبيس العمامة‬ ‫ً‬
‫واللحية وهالة الحوزة! إن ما يحصل أمامنا ومنذ قرون هو تفاعالت‬
‫متسلسلة تتولد عن حديث موضوع أو رواية مختلقة تمجد بعلي بن أبي‬
‫مغال جعل عليا ً هو هللا‬
‫ٍ‬ ‫لتقديس‬
‫ٍ‬ ‫طالب (بهذا المثال بالذات) ‪ ،‬فانتهى القوم‬
‫وفق تسجيالت موثقة لمعممين شيعة أصبحت اليوم تحكي لكل مشكك‬
‫حقيقة ما كنا نقوله عن الطبيعة الشرك ّية ال ُمهرطقة لكثير من مرو ّيات‬
‫المذهب الجعفري الملتحم بالتشيع علويا ً كان أم حسينيا ً أم صفويا ً حتى‪.‬‬
‫له تتمة‬

You might also like