Professional Documents
Culture Documents
في المطب الذي وقع به الكل 2
في المطب الذي وقع به الكل 2
سابع من رابع
2023
كمن يمسك بإزميل أي إزميل ومهما كان قاسي السبيكة ،ويتقصد جبالَ من
صوان ليف ّتته!
ألسطر ما يدور بدماغي على مدار الدقيقة ّ كذا هو حالي وأنا أجتهد
والساعة من أفكار تتقصى حجم ونوع البئر الذي رمانا به أسالفنا ورمينا
أنفسنا بغيا َبته ،ومن ثم الحلول التي يمكن ان تكون متاحة ألجيالنا المقبلة
كي يتداركوا أمورهم ويغادروا هذا المطب المؤبد بحال شئنا أن نعينهم
واختاروا هم أنفسهم أن يتسلقوا للسطح وللهواء النقي وأللوان هللا هناك
خارج البئر .وأنا قلت "أجيالنا" ال " نحن" فنحن هالكون بالوصف
المجازي والحرفي ،لم نفلح كمجموع بأن نؤسس لمسيرة تصحيحية عبر
كل تلك القرون ،غلبتنا شقوتنا وتل ّبستنا عيوبنا Oالكامنة ففاتت علينا
ً
وتجربة ما أنا بصدد قوله؟ الفرصة ،فهل سيعي الصغار سنا ً
إعلم ،يا هداك هللا وهداني ،أ ّنك تعيش بعالم غالبية ما يشكله هو عبارة
عن تركيبة من األكاذيب واألوهام تلبست عقلك ويقينك Oفيما أنت تقود
حياتك كعراقي-عربي-مسلم .هذه الثيمات الثالث تكاد تجتمع في غالبية
العراقيين الذين يقال فيهم اليوم أ ّنهم " س ّنه" و" شيعه" وهم من أخاطب.
غالب ما تحفظه من معلومات دينية (فقهية) هو مما لم يقله هللا وال قاله
رسوله حتى ،وما منسوب ألبي حنيفه أو لجعفر الصادق أو لفالن من
دونوه الفقهاء ليس هناك من طريقة منطقية وعلمية للتثبت أنهم قالوه أو ّ
إذ ال تتوفر أية نسخ أصلية من كتب الفقه والتاريخ تلك ،ولم يكن هناك
من توقيع أو ختم أو مهر يميز األصل من المنسوخ من المقلد من
المحرف ..إن إستحضرت بخيالك طريقة تأليف تلك الكتب آنذاك (بغياب ّ
نساخين مأجورين باألجرة ،وتجليدها المطابع) ومن ثم نسخها من قبل ّ
جرته أعمال المغول ببغداد وسائر مدن وبيعها ،وإن إستحضرت ببالك ما ّ
غر غرير ال المنطقة فستعرف ما أقصد هنا ..غالب ما لقنوك إياه (وأنت ّ
يعينك سنك على التمييز وال يسمح لك باإلستفسار واإلعتراض على ما هو
غير مقبول وال معقول حتى) هو غير صحيح البتة ،لكنهم حشوا به متون
كتب التاريخ عن تلك الفتن الكبرى التي شطرت المسلمين ودينهم معهم
إلى شطرين غير قابلين لإللتئام ،فكله إنما تم نقله إليك مقلوبا ً ولمرتين:
مر ًة من قبل المنتصر الذي يقولون فيه أ ّنه هو من يكتب التاريخ ،ومر ًة
من قبل المهزوم الذي لم ينتبه Oالعراقيون والعرب عموما ً إلى أ ّنه هو اآلخر
صاغ نسخته الشخصية عن تلك األحداث ولقنها ألحفاده البعيدين عبر
طقوس ظالمية متشنجة يختزلها عنوان( المتاجرة بالمظلومية) ،مفتراة
كانت أم حقيقية ،فوضع هذا الخاسر فيها ما وضع بقصد تحقير المنتصر
ورفع رمزه المهزوم لمصاف القديسين ومن ثم األنبياء ومن بعدها لمقام
الخالق كما نشهد اليوم ومن ألسنة معممي الشيعة على قنوات يوتيوب
وبكل إنكشافية .أما المنتصر ،فقد صاغ أحداث التاريخ بقليل إكتراث
للمنطقية وللدقة ( يبدو أنه لم ير نفسه محتاجا ً للتبرير فالمنتصر غالبا ً ما
يطمئن إلستقرار األحوال لصالحه طيلة ما تبقى من عمره) ولم يبذل جهداً
وس َم
لكشف معدن خصومه وتبيان مثالبهم فهناك نوع من (التهاون) َ
موروث هذا المنتصر،أمويا ً كان أم عباسياً ،ليس فيما يخص التاريخ بل
بالفقه المذهبي الذي يدين به ،فهو فقه إمالئي Oيعتمد
الجبرية( الدكتاتورية) وال يوفر إال إجابات سطحية وتفسيرات حرفية لكل
نص مبهم أو موضوع مثير للجدل .هذا ما إنتهينا إليه اليوم ،والغد يحمل
بين طياته غيوبا ً أشد مرارة كما أعتقد.
أنا إرتأيت أن أطرح الموضوع Oبشكل عناوين محددة هي أشبه بقمة الجبل
الجليدي الذي إعتاد الناس مشاهدته هو فقط ال ذلك الجزء الهائل الرابض
تحت سطح الماء ،ومن هنا سأبدأ:
ما المشكلة أصالً؟
كما رأيتها دوماً ،مشكلة عراقنا وشعبه هي أنّ عقيدته محتكرة من قبل
فريقين متناقضين Oبكل شيء تقريبا ً رغم أن كالً منهما ينافق نفسه وينافق
الطرف المقابل فيردد بكل ببغائية Oأنه" ال فرق بيننا فنحن مسلمون لنا رب
واحد وكتاب واحد ونبي واحد وقبلة واحدة"! من يقول هذه العبارة بصدق
هو في أحسن األحوال ساذج لم يقرأ أي كتاب مما قرأنا وال تسلل لتالفيف
أدمغة الفريقين وهي تحمل التكفير للطرف المقابل طالما هو كائن على
الجهة المقابلة عبر نهر الفصل المذهبي .تكاد ال تكون هناك آية قرآنية
واحدة يتفق على تفسيرها هذا الفريق مع ذاك ،وهذا ما إنتبه إليه الباحث
المستشرق اليهودي (إ َكناس َكولدتزيهر) بكتابه الموسوم ( مذاهب
التفسير اإلسالمي) والذي فرز طريقة تفسير القرآن الكريم عند األشاعرة
وعند الشيعة وعند المعتزلة وأبرز كيف أنّ التفسير الجعفري الشيعي
يحيل كل مثلبة ليجعلها تتقصد عمراً وأبا بكر فيما تخصص كل آية إمتداح
وتكريم لعلي تحديداً وبشكل غير عقالني أثار حفيظة الباحث كونه تجاوز
كل الحدود الممكن تصورها( ..التين والزيتون) هما عند السنة شيء
وعند الشيعة هما شيء آخر مختلف تماما ً فهو مزدوج يرمز إلى الحسن
والحسين ( بينما هناك رأي لعلماء هنود مسلمين يرى أنّ التين والزيتون
وطور سينين وهذا البلد األمين هي إشارات ألديان سماوية وهكذا
بالتسلسل :البوذية ،المسيحية ،اليهودية واإلسالم) ،فمن األقرب للعقل؟
و(الكوثر) هو حوض أخروي ينتظر البشر يوم القيامة لكنه (فاطمه وما
ستنجبه من أبناء وأحفاد هم أئمة عند الشيعة) عند الشيعة ،لكن أنا من
الناس ال أرى صحة رأي للفريقين فالكوثر ممكن أن يكون كناية عن
الوفرة (الكثرة) مقابل حرمان النبي من خلفة الذكور :أنّ المسلمين
سيتفوقون عدديا ً بنهاية المطاف! كيف لم ينتبهوا Oلذلك وهم يفسرون
القرآن بواسطة اللغة والبالغة؟ Oوهذا غيض من فيض فحسب فهناك اآلية
( المائدة )67 :التي تقول للنبي أن يب ّلغ ما أنزل إليه وال يخاف أحداً ألنه
تعالى عاصمه من الناس ،هذه بالذات إعتبرها الشيعة تشير لضرورة أن
يب ّلغ النبي صحابته بأحقية علي بالخالفة رغم أ ّنها تتوسط جملة آيات
تحكي عن عالقة المشركين بالكتابيين O،ونفس اإلشكالية المنطقية نصادفها
مع اآلية( األحزاب )33:التي تحكي عن " تطهير أهل البيت من الرجس"
جلي جداً ألي ذي عقل أنها تحكي عن زوجات النبي Oال عن علي فهو ّ
وزوجته فالعبارة هي جزء من آية تخاطب زوجات النبي وهي األخرى
كسابقتها تلك أعاله :آية محاطة بآيات تحكي عن نساء النبي ونساء
المؤمنين ،ال ذكر فيها لفاطمة أو أم كلثوم أو زينب! ومن ثم تأتي فكرة
العصمة التي منحت خاصية( تكميم أفواه كل المعترضين والمستفهمين)
بدعوى أنّ هؤالء األئمة ال يمكن أن يز ّلوا بأي حال من األحوال ،والقرآن
فيه عدة آيات تخاطب النبي نفسه بأنه له ذنوب وتطالبه باإلستغفار ،أكثر
كعلي أو حسين أو ّ من ثالث آيات فأي عصمة يمكن أن يحتكم عليها مسلم
جعفر أو موسى ما لم يكن القصد من إبتكارها هو رفع هؤالء فوق مقام
النبي نفسه؟ إذن ،أي توافق وتشابه هو ذاك الذي يحكون عنه بينما
يحسب كل فريق أ ّنه هو المحق األوحد وال أحد آخر خارج المظلة التي
يحملها هو نفسه يمكن له أن يكون على حق هو اآلخر ،مطلقاً؟ أصبح
المذهب هو الديانة والدين لكل األطراف ،والمعادلة هذه مختلة فالس ّنة ال
يعرفون عن فقه المذهب المنفرد الذي يحملونه إال الواحد بالمائة ربما
بينما الشيعة مدرك صغيرهم وكبيرهم ألهم مرتكزات المذهب وأهدافه
الرئيسية وطقوسه وأدعيته فتلقينها ُيشرع بها منذ مرحلة الرضاعة،
جوزان اإلنتقال Oمن مذهب آلخر وال أنبدون مبالغة .وكال الطرفين ال ُي ّ
يستعير المتمذهب حكما ً فقهيا ً من المذهب المقابل على إعتبار أنه أشد
ً
عقالنية مما لديه ،فالسني مثالً قد يرى آلية عقد النكاح لدى الجعفرية هي
األتم واألصح لكنهم ال يرتضون له هكذا إنتقال ،وكأنما مذهبه هو ديانة
سماوية ال تتحمل التبعيض واإلنتقال الجزئي هذا! هذا غير مقبول لديهم
كلهم فهي( خذها كلها او إتركها ) Take It or Leave Itعلى الرغم من
كونها مذاهب وضعية س ّنها بشر خطاؤون محدودو الخيال والمعلومية
واإلقتدار اإلستنباطي .هكذا إنتقال أو أخذ بالبعض هو كفر صريح بنظرهم،
بينما حقيقة األمر هي أنّ اإلنتقال من ديانة لديانة هي ما يعتبر أمراً خطيراً
فالمذهب،أي مذهب ،إنما هو " الذهاب برأيٍ ما بعيداً عن
ّ ال يجوز البتة،
النص القرآني أو النبوي" -هو مجرد " رؤية" أدلى بها من كان يبدو
متمكنا ً من اللغة والفقه أكثر من غيره( في تلك الفترة الزمنية وضمن
البقع الجغرافية التي نشط بها) فإتبعه من إتبعه حتى إنتهى األمر بكل هذه
المذاهب لتبدو كبديل عن القرآن وعن مجمل الديانة وكمنفذ أوحد تمر منه
رؤى النبي وتفسيرات إمتلكها لتصل للعالم عبره(المذهب هذا)! كيف صير
لتسييد المذهب على الدين بهذا الشكل؟
وليس هذا فقط ،فالجنة بنظر الكل محسومة كمآل ومآب لكل فرد من كل
ملة ،له ولملته فقط ،ال شيء يمنعه من دخول الجنة سوى إنقطاع أيامه
بهذه الحياة ،فالسني يتكل على إقراره بعبارة( ال إله إال هللا) وعلى شفاعة
النبي ( المرتجاة) له طالما هو " يص ّلي ويس ّلم" على النبي بكل وقت
وحين ،فيما الشيعي متكل على " مواالته لعلي وحبه لفاطمة وعشقه
للحسين وتأليهه للمهدي.. ،إلخ" ،ما أبسطها من شروط( للطرفين) وما
أيسر الطريق لجنة ال يمكن وصف مغانمها وليس هناك بضاعة أو سلعة
هي أغلى منها كما بحديث مشهور أفترض صحته! ترتبت هذه القناعة
بنمطين :نمط عمومي ونمط مخصوص .أما العمومي فهو يشمل الملتين
ويرجع لحديث أراه مختلقاً ،حديث الفرقة الناجية وتلك السبعينات من
اإلنشطارات التي تفرق عليها أتباع الديانتين Oالسابقتين .وعجيب كيف أنّ
متناقلي هذا الحديث لم ينتبهوا Oلفقرة تقارب األعداد وكأنما هي مصادفة!
مصادفة ال تتحقق إال بعالم الخيال :سبعين فرقة ،إحدى وسبعين ،إثنين
وسبعين وثالثة وسبعين! صيغ نص الحديث من سلسلة أرقام تبتديء
أصالً باإلثنين Oوال تنتهي ،وصوالً للما النهاية ،لكنها هنا تسلسلت بطريقة
فجة لتنحصر بمحض ( 72 ،71و ،)73ولم يتول فقيه أو عالم أو باحث
مسلم التحقق من عدد فرق المسيحية وعدد فرق اليهودية للتحقق من
نص الحديث ،هل يمت بصلة لهذه السبعينات؟ كيف صدف أنّ المسيحيين
واليهود والمسلمين تعاقبت إنقساماتهم على ثالثة أعداد متتالية ضمن
عائلة السبعينيات؟! وعندما تقرأ بالقرآن أنه تعالى يعد بالخير يوم
الحساب كل ّ َمن عمل صالحا ً من المسيحيين واليهود والصابئة Oفكيف تعقل
أن تتبع "حديثاً" يضع الحدود الفاصلة ويحدد فئة دون بقية الفئات لتكون
هي المرضية بينما الباقي سيكونون Oحطب جهنم؟ المخرج الوحيد هنا
للخروج من هذه اإلشكالية هي أن تكون الفرقة الناجية" تلك هي فرقة ال
تتعلق بتسمية دنيوية مما يتداوله المسلمون( سني من هذه المدرسة او
تلك -شيعي من هذا الفرع أو ذاك -وهابي -صوفي -غير منتمي) بل هي
فرقة "إفتراضية" تضم كل من أحسن السلوك بالدنيا وعبد هللا وحده ال
يشرك به أي إمام او شيخ أو رمز ،كما هي مقولة المفكر األمريكي
( إيميرسن) القائلة " الرجال ذوي اإلحساس والضمير الحي في مختلف
أرجاء العالم هم من دين واحد -دين العمل الطيب والشجاعة" ،أو مقولة
(توماس باين) بأن وطنه هو العالم ودينه هو ان يفعل ما هو خير".
لكن مع هذا فإن جزئية تتابع األرقام السبعينية تبقى نقطة ضعف ال يتقبلها
العقل الحر .لقد كانت نقطة الضعف في هذا "الحديث" مكشوفة دوما ً لكن
العيون( األذهان ال العيون Oفحسب) كانت مغمضة ،والسبب يرجع إلهمال
وإستقالل العلم والرياضيات والمنطق ،كان الخلل يرجع لتعميم وصف العلم
الالهوتي على كل كلمة (علم) وردت بالقرآن هي ومشتقاتها ،ال أنه العلم
الدنيوي الطبيعي الذي سيقود إلختراعات وإبتكارات وإكتشافات تصل
بالبشرية للفضاء الخارجي وتعالج األمراض بعد أن تتقن إكتشافها وتحدد
مواضعها ،ألسلحة لها أن تكبح جماح الطامعين( ومن المنطقي هنا اإلقرار
بأنها البد أال تكون بمعزل عن الوقوع بيد الطامع الجشع البربري نفسه-
هذه ثنائية Oال مفر منها كما هو العالج الطبي الذي يمكن أن يكون سما ً
قتاالً أيضا ً) ولجملة إختراعات تدعم الحياة على هذا الكوكب الذي إستخلفنا
هللا عليه ،ال يمكن تصور العلم هذا على انه علم الهوتي( لد ّني) يجهد
نفسه بطريقة المسح على القدمين أو غسل الجنابة أو قسمة المواريث
التي ال يحدها قانون وال تحتويها حتى سورة النساء كلها ،فكل تفاصيل
التوريث لم تتطرق لما يكون عليه نصيب الزوجات األخريات بحالة تعدد
النساء ! ولهذا تفوقت علينا أمم الغرب والشرق وتركتنا نلهث وراءها،
نعيش على مخترعاتهم ونعجز عن اإلستمرار بالعيش من دونها.
ومن جهة أخرى ،فأنت ترى أنّ ذلك الحديث المشكوك بصحته هو كالم
مو ّل د للتفرقة وللمناكفة ،يقود كل فصيل أو مذهب إسالمي للنكوص للخلف
من حيث ما سيتطلبه من اإلستئثار بهوية Oالفرقة الناجية كطبيعة بشرية ال
مفر منها ،ويقود لتكفير الباقين كتحصيل حاصل .وكما هو متداول بالغرب
في كاريكاتيرات نعرفها فالعبارة الحاكمة هنا هي( كم أنا محظوظ! لقد
ولدت ضمن عائلة تحتضن المذهب الوحيد الذي يخص الفرقة الناجية)!
" الفرقة الناجية" (إن كان ثمة مصطلح كهذا) ال ينبغي Oلها أن تكون
ضمن ( ليبل أو هوية مسماة) بل هي تسمية مجازية تجمع تحت مظلتها
كل إنسان يفعل الخير لغيره ،مهما كانت ديانته ،كذا أفهم هللا وكذا أفهم
دينه وحزبه الذي أسماه ( حزب هللا).
وليس هذا فحسب ،فهناك مقولة غربية ترى أنّ أي نزاع طويل األمد ال
يتم حسمه مبكراً إنما يعني أنّ طرفي النزاع على خطأ .ليس أنّ نزاع
الملتين عندنا لم يتم حسمه منذ نشأ في خالفة علي بن أبي طالب فحسب
بل أنّ أي متمعن بواقع الحال وما آلت إليه مبالغات وإبتداعات القوم عقب
حرب إحتالل العراق في 2003لن يرى بارقة أمل بإصالح الحال لقرون
مقبلة .لذا أسأل نفسي هنا ما سيسألني إياه البعض " :لماذا إذن تفكر
كوة نور أجتهد لتخليقها بالموضوع وتناقشه؟" ،وأنا أفعل ذلك ألجل ّ
وأتمنى أن تقود لفتح بصائر بضعة أنفار بالقليل ،اآلن أو مستقبالً – ال
يهم ،أفعل ذلك ألنني Oأؤمن أنّ رمي حصاة على القاتل قبل لفظ األنفاس
األخيرة عليه وهو المعتدي الصائل إنما تمثل جهاداً ونوعا ً من اإليجابية
بالقياس للتسليم باألمر الواقع الذي يبدو ال مهرب منه للتالي ومن ثم
الموت بكل إستسالم.
عالم ُخلِقنا أصالً؟
أنت ال تستطيع أن تحسن تنفيذ دورك بالحياة ما لم تعرف قبل ذلك :ما هو
دورك فيها أصالً؟
كمسلمين ،من كل المذاهب ،تعودنا أن نحيل إجابة السؤال الفلسفي أعاله
على آية محددة بالقرآن الكريم هي " وما خلقت الجنّ واإلنس إال
ليعبدون" فهي آية تحوي سؤاالً وإجابته ببنية عبارة مفردة ،لكن هذا هو
ح لكيفية تحقق تلك مجرد تصريح منه تعالى بسبب خلقه آلدم ،ال شر ٌ
الخالفة ،هناك غاية وهناك وسيلة(كيفية) هنا .الكيفية تلك أراها مبينة
بآيات أخرى ،باقة منها متفرقة هنا وهناك بين دفتي الكتاب تحكي مشاهداً
عن خطاب الخالق لمالئكته كيف أنه " خالق بشرأ من طين" سيكون له
خالفة هللا على األرض .وأنا وعلى مدار أربعين عاما ً من التبحر بكتاب هللا
تفصل بهذه اآلية :كيف يكون اإلنسان خليفة ّ لم أجد فقيها ً أو خطيب جمعة
هللا على األرض؟ أنا أرى هذه العبارة تعني أ ّنه تعالى كان يب ّلغ مالئكته بأنّ
الخلق البشري الجديد سيكون متمتعاً( ومبتليا ً بنفس الوقت ربما) بمبدأ
(اإلرادة الحرة ) Free Willال كما كانت حياة آدم وزوجه بالجنة قبيل
المعصية تلك ،ال شيء متاح لهما ليقررا عليه ..كالفرق بين من ينعم
بطعام فاخر يقدمه الطاهي له و َمن يجهد نفسه ليزرع ويحصد ويطبخ
ويتناول الطعام ..ذاك األول Oمس ّير واآلخر هو مخ ّير .اإلنسان الذي حكى
الخالق عنه لم يكن آدم فحسب ،هو مجمل الجنس البشري الذي تناسل آدم
ليكونه .على األرض التي سيصار إلنزال الزوجين إليها لن يسود مبدأ ّ
( قدرية )Fatalismبل خيارات متاحة للبشرية تتخير منها وفق الترجيح
العقالني ومن ثم تتحمل مسؤولية إختيارها .يسمي الغربيون ( وهم سبقوا
العرب المسلمين بكل هذا ،سبقا ً عظيماً) ب(السببية والتأثير & Cause
،) Effectترمي إطالقة؟ ستتسبب بجرح أحدهم او قتله ،تقتل إنساناً؟
ستتحمل المسؤولية عن ذلك بالكامل ،ترمي بنفسك من علٍّ؟ ستتحطم
عظامك وقد تموت ..ال تراهن على إنقاذ هللا ومالئكته Oلك ،وال تختبره بأن
الهوة ،وال تلم إبليس
تدعوه أن ينجيك وقت أنت ترمي بنفسك من تلك ّ
على ذلك ،فإبليس الذي وسوس للزوجين وغرر بهما ليعصيا أمر هللا لم
يرد ذكره باآلية التي تحكي عن أول جريمة حدثت على األرض فهي
فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين" ..ال أثر تقول" ّ
لتدخل إبليس هنا كما هو واضح ،ليس كما باآليات التي تصف كيف أغوى
إبليس الزوجين ،وكمثال " :فدالهما بغرور وقال لهما ،"..إذ ربما إنصهر
إبليس بالهبوط ذاك وتداخل ببنية آدم وحواء وأصبح مجرد إرادة الشر
الرضع ،أعرف أطفاالً دون
ّ المعتادة عند البشر وحتى عند صغارهم
السنتين من العمر خنقوا أخواتهم الرضيعات ،أعرف أطفاالً ال تتصور
لشر ما تورطوا بفقء عيون طيور زينة مطلقا ً أنّ عقلهم يمكنه التخطيط ٍ
وخنقوها ،ال بل وفقء عيون إخوتهم األصغر منهم .اإلنسان المستقبلي
الذي إستشرف الخالق به مالئكته ( وال أحسبه سيتخلق لعشرات القرون
المقبلة ،المشوار الفاصل بيننا و تلك المثابة طويل جداً فالبشرية الزالت
بطور البهيمية) سيكون عليه أن يرحم ويلطف بالمستحقين كما هو هللا
رحمن رحيم لطيف ،أن يعفو عن المسيئين( بشروط العفو طبعاً) كما هللا
هو غافر الذنب وقابل التوب الغفور الكريم ،أن يرزق من ال رزق لديهم
طالما هو محتكم على الخيرات وعمالً باآلية التي تقول " وارزقوهم "..
وكما أنّ الخالق هو رزاق كريم ،أن ُيحق الحق ويبطل الباطل بقوة
عضالته وبتخطيط دماغه وما سيصنعه من أدوات وأسلحة وكما هو
الخالق القوي المتعال ذو الطول ،أن يصبر على األذى الذي ال يملك إبطاله
كما هو الخالق الذي صبر على معصية إبليس له ويصبر عن تجديف
البشر بحقه ويتحمل ذلك ،أن يكرم اآلخرين كما هو الخالق الذي " بل يداه
مبسوطتان "..وهكذا .كلها أفعال مشتقة من (األسماء الحسنى) التي هي
دون المائة بكثير ،ال تسعا ً وتسعين كما أشاعوا ،ولم يذكرها هللا بكتابه
وبوفرة ملحوظة ،ليس لكي نحفظها أو نطلقها كعناوين للجوامع
ولألسواق وعلى المواليد الجدد بعد إضافة (عبد) قبلها بل لنتدبر معانيها
ونعمل وفقها فهي عبارة عن ( سيرة ذاتية) لما ال يمكن وصفه.
وهذا يعيدنا لفقرة تضادّ الملتين مع بعضهما ،فكالً منهما يؤمن بحكم
منقوالت ال قرآنية أنّ إبليس موجود كمخلوق ذو كيان منفصل ولذلك
رأيناهم يبتدعون أحاديثا ً ومرويات وتفاسير قرآنية ركيكة ليوفروا أجوبة
على أسئلة صعبت عليهم كما يبدو ..تأمل معي ببعضها:
كيف يتكاثر إبليس بحيث يستطيع أن يغوي كل البشر وبنفس الوقت؟
همممم ،بسيطة جداً ،إنه "ينكح" نفسه فيبيض!
ماذا يأكل كي يستمر بالحياة؟ قسب تمر وزبيب وشعير وحنطة مما إعتاد
المسلمون التصدق به وتزكيته ،هذا ما كان يسرقه إبليس من بيت
الصدقات بغفلة من أبي هريرة وفق ذلك الحديث المأساوي!
الحظ إلى أين أخذهم الفكر المغلوط لجملة إعتبارات فأخذوا يتخبطون
ويكذبون على هللا وعلى رسوله وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .هنا
تحضرني عبارة قالها مهندس من أهالي القياره بحضوري ،قال ( لقد
نكحنا الدين ،ردّ الدين نكحنا) ،وأنا إستخدمت مرادفا ً فصيحا ً ملطفا ً هنا
فالفعل الذي أورده كان عاميا ً منفلتاً! ما حصل هو هذا بالضبط :بالغ
المسلمون (سنة أشاعرة) بمدح علي بن أبي طالب فنسبوا له إقتالع باب
حصن خيبر( وأ ّنى ليهود خيبر أن يكون باب حصنهم مقدوراً على قلعه
ورفعه؟ من يصدق هكذا خرافة؟) فتلقف مؤرخو وفقهاء الشيعة الكذبة
فضربوها بألف وخرجوا علينا بقصص تبديه كشمشون وجعلوا إبنه
الحسين يقتل مئات وآالف المغيرين عليه فالصورة الشمشونية عالقة
بأذهانهم ،ال يمكنهم التمسك بالمظلومية كهوية له فحسب ،بل يلزمهم
عكس صورة خارقة له حتى وهو يتوسل بجيش عمر إبن سعد بن
يرحله للثغور البعيدة يقاتل األعداء هناك
الوقاص لتركه لحاله أو أن ّ
و ُيقتل .لكن هكذا بطل غشمشم ( علي بن أبي طالب) لم يوظف قوته
بالدفاع عن خليفته،عثمان وقت حاصره الخوارج بقيادة مالك األشتر،
لماذا؟!
وهناك (مهدي) إخترعه محدثون أشاعرة (غير شيعة) من خالل نبوءة
مفتراة على النبي( Oالذي لم يكن مقدراً له أن يعرف الغيب بحكم اآلية تلك"
مسني السوء") ،أ ّنهقل لو كنت أعلم الغيب الستكثرت من الخير وما ّ
سيولد في آخر الزمان وسيحمل إسم النبي Oنفسه وهو من نسله .تبدو
الفرية من قبيل نضوح Oالعقائد المسيحية واليهودية إلى داخل الموروث
اإلسالمي ( مهدي مقابل مسيح مخ ّلص ،إثنا عشر إماما ً مقابل إثني Oعشر
نقيبا ً من بني إسرائيل ،شعائر جلد الذات اإلسبانية ( ) Passion Play
في ذكرى صلب المسيح المفتراة مقابل طقوس اللطم وجلد الذات في
عاشوراء) ،فتلقف نظراؤهم الشيعة القصة وجعلوه صبيا ً ( إبن إمام من
أئمتهم لم يكن ذا خصوبة أصالً !) فر من مطاردة العباسيين له وطمر
نفسه بكهف ولمدة قرون! جعلت هذه الخرافة حملة شهادات عليا
ومهندسون يشار إليهم بالبنان يصدقون فلما ً فنطازيا ً لو ألفه وحكاه أهل
السنة عن عمر بن الخطاب مثالً ألشبعوهم سخرية ولدمغوهم بعبارة " يا
أمة ضحكت من جهلها األمم" ! لكنها التبعية العمياء ،وهو تلبيس العمامة ً
واللحية وهالة الحوزة! إن ما يحصل أمامنا ومنذ قرون هو تفاعالت
متسلسلة تتولد عن حديث موضوع أو رواية مختلقة تمجد بعلي بن أبي
مغال جعل عليا ً هو هللا
ٍ لتقديس
ٍ طالب (بهذا المثال بالذات) ،فانتهى القوم
وفق تسجيالت موثقة لمعممين شيعة أصبحت اليوم تحكي لكل مشكك
حقيقة ما كنا نقوله عن الطبيعة الشرك ّية ال ُمهرطقة لكثير من مرو ّيات
المذهب الجعفري الملتحم بالتشيع علويا ً كان أم حسينيا ً أم صفويا ً حتى.
له تتمة