You are on page 1of 11

‫سلسلة أوراق العمل‬

‫بشأن البحث واالستشراف في مجال التعليم‬

‫المسألة ليست مسألة وظائف (فحسب)‪:‬‬ ‫نيسان‪ /‬أبريل ‪2021‬‬

‫التعليم من أجل تحقيق الرفاه االقتصادي‬


‫‪29‬‬
‫‪1‬‬
‫كريي فيرس‪ ،‬جامعة بريستول‬

‫ّ‬
‫ملخص‬
‫ما هو الرفاه االقتصادي وما هو الدور الذي يمكن أن يؤديه التعليم يف تحقيق ذلك؟ تعتمد هذه الورقة عىل‬ ‫مقدمة‬
‫ما ذهبت إليه الخبرية االقتصادية‪ ،‬كيت راوورث‪ ،‬من أن االقتصادات النابضة بالحياة ال تنشأ من الوظائف‬
‫يعتمد الرفاه االقتصادي عىل أربعة‬
‫والسوق وحدها‪ ،‬بل من أعمال الرعاية التي تقوم بها األرس املعيشية‪ ،‬ومن البنية التحتية واستثمارات‬
‫أشكال من أشكال اإلمداد‬
‫الدولة‪ ،‬ومن املوارد الجماعية للمشاعات‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن االهتمام بأداء االقتصادات وأداء األفراد واملجتمعات‬
‫داخلها عىل األجل الطويل يتطلب التحوُّل عن الرتكيز الضيّق عىل «الوظائف» واالتجاه نحو االهتمام بمفهوم‬ ‫ُّ‬
‫تغي ممارسات اإلمداد‬
‫أوسع للرفاه االقتصادي‪ .‬ويف حني ال يمكن اختزال التعليم يف دور يقترص عىل مجرد خدمة االقتصاد‪ ،‬فإن‬ ‫التعليم من أجل تحقيق الرفاه االقتصادي‬
‫هذا التحوُّل ينطوي عىل آثار هامة بالنسبة للمعلمني ونظم التعليم‪ .‬فهو يشري إىل أن التعليم ال يلزم أن‬
‫يهتم فقط بقدرات الطالب التي تؤهلهم للمشاركة يف العمل املجدي يف إطار االقتصاد النظامي‪ ،‬بل أيضا ً‬ ‫الخاتمة‬
‫بالقدرات التي تؤهلهم لتكوين أرس معيشية تحرص عىل البيئة ولديها القدرة عىل الصمود من الوجهة‬
‫اإليكولوجية‪ .‬وهو يشري كذلك إىل رضورة إيالء االهتمام ليس للوظائف وحدها‪ ،‬وإنما للقدرات التي تمكن‬
‫الطالب من الحفاظ عىل سالمة الدول والدفاع عنها واملساهمة يف الحفاظ عىل السلع العامة‪ .‬وحتى يف مجال‬
‫َّ‬
‫واملؤقت الذي يتسم به ذلك العمل إىل األهمية الحاسمة التي‬ ‫العمل املدفوع األجر‪ ،‬يشري تزايد الطابع الهش‬

‫يمكن االتصال بالكاتبة عىل العنوان التايل‪Keri.Facer@bristol.ac.uk :‬‬ ‫ ‪1‬‬ ‫‪ED-2021/WP-29/1‬‬


‫سلسلة أوراق العمل بشأن البحث واالستشراف في مجال التعليم‬ ‫‪2‬‬

‫تكتسيها بالنسبة للرفاه االقتصادي للطالب قدرتهم عىل التنظيم الجماعي من أجل تهيئة الظروف التي يمكنهم فيها العمل وتوفري‬
‫الرعاية بصورة كريمة‪ .‬وهذه القدرة عىل التنظيم تقتيض بالرضورة القدرة عىل التفكري يف املسائل االقتصادية األوسع نطاقاً؛ التي ليس‬
‫أقلها ما إذا كانت الرتتيبات االقتصادية الحالية موجهة نحو تحقيق الهدفني املتمثلني يف حفظ الكرامة اإلنسانية وإمكانية البقاء عىل‬
‫كوكب األرض‪ ،‬وهما أمران يعتمد عليهما الرفاه االقتصادي بشكل أسايس‪.‬‬

‫مقدمة‬
‫إن دور التعليم فيما يتعلق باالقتصاد هو أمر محل خالف‪ .‬فالبعض يرى أن التعليم ينبغي أن يهيئ الشباب للتنافس عىل الوظائف‬
‫يف السوق التجارية‪ .‬وهناك رأي مخالف يذهب إىل أن التعليم ينفصل تحديدا ً عن السوق حتى يتمكن الشباب من تنمية العالقات‬
‫والقدرات التي تسمح لهم باالزدهار يف املجتمع عىل نطاق أوسع‪ .‬وتذهب هذه الورقة إىل إنه بدال ً من الخوض يف هذا النقاش القديم‪ ،‬قد‬
‫نجد أرضية مشرتكة إذا طرحنا سؤاال ً مختلفاً‪ ،‬وهو‪ :‬ما هو نوع التعليم الذي سيمكن الشباب من تحقيق الرفاه االقتصادي عىل األجل‬
‫الطويل ألنفسهم وألرسهم ومجتمعاتهم املحلية؟‬

‫ويشري الرفاه االقتصادي إىل القدرة الشخصية والجماعية عىل حشد املوارد االقتصادية واالجتماعية واملادية لتحقيق الرفاه الشخيص‬
‫والجماعي‪ .‬ويمكن فهم هذه القدرة عىل أنها تعتمد عىل ما تسميه الخبرية االقتصادية‪ ،‬كيت راوورث‪« ،‬ممارسات اإلمداد» التي توفر‬
‫السلع والخدمات والرعاية واملواد وأساسيات املعيشة (‪ .)Raworth, 2017, p.67‬وتشمل ممارسات اإلمداد هذه العمل املدفوع األجر‬
‫الذي يُضطلع به يف السوق مقابل املال‪ ،‬وكذلك سبل الحصول عىل السلع والخدمات التي تتيحها األرس املعيشية‪ ،‬واملشاعات‪ ،‬والدولة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فإنه ال يمكن‪ ،‬من هذا املنظور‪ ،‬فهم مسألة التعليم من أجل تحقيق الرفاه االقتصادي عىل أنها مجرد مسألة إعداد للعمل‬
‫فحسب‪.‬‬

‫ويبحث الجزء األول من هذه الورقة ممارسات اإلمداد الرئيسية األربع التي وضعتها راوورث ‪ -‬أي العمل املدفوع األجر‪ ،‬واألرسة‬
‫املعيشية‪ ،‬واملشاعات‪ ،‬والدولة ‪ -‬باعتبارها وسيلة لصقل مفهوم الرفاه االقتصادي بطرق تفيد يف إثراء النقاش املتعلق بالتعليم‪ .‬وينظر‬
‫القسم الثاني يف الرؤى الحالية املتعلقة بكيفية تطور ممارسات اإلمداد هذه خالل السنوات القادمة‪ .‬أما القسم األخري فيناقش اآلثار‬
‫املرتتبة عىل ممارسات اإلمداد املتغرية هذه بالنسبة ألغراض التعليم من أجل تحقيق الرفاه االقتصادي‪.‬‬

‫وال يهدف االستعراض النظري الذي تستند إليه هذه الورقة للشمول‪ .‬وإنما كان الهدف منه تحديد النظريات واملمارسات التي يشتمل‬
‫عليها الفكر االقتصادي الجديد‪ ،‬والدراسات املتعلقة باسترشاف صور العمل يف املستقبل التي تعنى بصفة خاصة بهدف تحقيق‬
‫الكرامة اإلنسانية ورفاه الكوكب‪ ،‬والتي تتناول رصاحة قضايا التغري التكنولوجي والتدهور البيئي‪ .‬وتتطرق الورقة لرؤى بلدان‬
‫الجنوب بدرجة أقل مما كان ينبغي‪ ،‬وهو الحال كذلك بالنسبة للكتابات االقتصادية التقليدية السائدة‪ .‬ويأتي غياب الرؤى يف الحالة‬
‫األوىل نتيجة للحواجز اللغوية (من جانبي) والتفاوتات يف أنماط التمويل والنرش األكاديمي‪ .‬أما غيابها يف الحالة الثانية فهو أمر‬
‫مقصود بالنظر إىل فشل نظريات االقتصاد السائدة يف تحقيق الكرامة اإلنسانية ورفاه الكوكب‪ .‬وال يقصد بهذه الورقة أن تكون الكلمة‬
‫األخرية بشأن هذه القضايا‪ ،‬بل أن تحفز عىل تحليل االفرتاضات االقتصادية التي تقوم عليها األهداف التعليمية األساسية وتدبُّرها‬
‫بشكل نقدي‪.‬‬

‫يعتمد الرفاه االقتصادي على أربعة أشكال من أشكال اإلمداد‬


‫كثريا ً ما ترتكز املناقشات املتعلقة بالتعليم واالقتصاد عىل العمل والعمالة‪ .‬ولكن بالنسبة للكثريين يف جميع أنحاء العالم‪ ،‬لطاملا كان‬
‫الحصول عىل وظيفة يف إطار االقتصاد النظامي يعترب رضبا ً من األحالم؛ ويأتي الدخل املايل لهؤالء األشخاص يف املقام األول من العمل‬
‫غري النظامي‪ ،‬واالقتصاد املوازي والعمالة غري املستقرة‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬من املحتمل أن يوجد بالفعل أكثر من ‪ 50‬يف املائة من حجم‬
‫العمالة يف أفريقيا جنوب الصحراء الكربى‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬يف ميدان االقتصاد غري النظامي (‪ .)Sidorkin, 2017‬وبالنسبة لكثري‬
‫من اآلخرين كشفت بشكل صارخ جائحة كوفيد‪ ،-19‬جنبا ً إىل جنب مع األزمة املالية لعام ‪ ،2008‬عن أن الوظائف يف حد ذاتها ليست‬
‫كافية لتوفري األمن االقتصادي‪ .‬فالوظائف يمكن أن تختفي‪ ،‬بل هي تختفي بالفعل‪ ،‬بني عشية وضحاها‪ ،‬لترتك العاملني وقد تقطعت‬
‫بهم السبل ‪ -‬سواء كانوا من املهنيني العاملني يف القطاع املرصيف يف الواليات املتحدة‪ ،‬أو من العاملني يف رشكات الطريان يف أوروبا أو‬
‫سلسلة أوراق العمل بشأن البحث واالستشراف في مجال التعليم‬ ‫‪3‬‬

‫يوجد بها‬
‫العمال املهاجرين يف الهند‪ .2‬ويف ظل هذه الظروف تصبح الطرق األخرى التي ِ‬
‫الناس األمن ألنفسهم ‪ -‬أنشطة الرعاية واملوارد املادية الخاصة باألرسة املعيشية واملوارد‬ ‫كشفت بشكل صارخ جائحة‬
‫الخاصة باملشاعات والبنية التحتية األساسية للدولة ‪ -‬واضحة بشكل جيل‪ ،‬كما تتضح‬ ‫كوفيد‪ ،19-‬جنباً إىل جنب مع‬
‫ظرين االقتصاديني‬ ‫أيضا ً هشاشتها‪ .‬والواقع أن هذا هو ما يذهب إليه جيل جديد من املن ّ‬ ‫األزمة املالية لعام ‪ ،2008‬عن أن‬
‫(مثل ‪Hickel 2020‬؛ و‪Waddock, 2020‬؛ و‪Raworth, 2017‬؛ و‪Chang, 2010‬؛ و‬ ‫الوظائف يف حد ذاهتا ليست كافية‬
‫‪ .)Boyle and Simms, 2009‬فهم يرون أن الرفاه واألمن االقتصاديني ال يأتيان من‬ ‫لتوفري األمن االقتصادي‪.‬‬
‫مجرد االهتمام باالقتصاد النظامي‪ ،‬بل يشمالن‪ ،‬يف رأي رايوورث‪ ،‬أربعة أشكال مختلفة‬
‫عىل األقل من إمداد األرسة املعيشية بأسباب الحياة‪:‬‬

‫‪z‬العمل املدفوع األجر ‪ -‬وهو ما نميل إىل التفكري فيه عىل أنه «االقتصاد»‪ ،‬أو «السوق»‪ ،‬أي أشكال العمالة والتبادل التي‬ ‫ ‬
‫يتم من خاللها تزويد األرس املعيشية باألموال و‪/‬أو السلع ذات القيمة التبادلية‪ .‬وقد يكون هذا العمل عمالً نظامياً‪،‬‬
‫يُعرتف به من خالل الرضائب ومن جانب الدولة ‪ -‬أو عمالً غري نظامي‪ ،‬يوفر إمكانية الحصول عىل املال و‪/‬أو السلع يف‬
‫إطار االقتصاد املوازي‪.‬‬

‫‪z‬اإلمداد عن طريق األرس املعيشية ‪ -‬وهو العمل الذي يمد الشخص بالرعاية داخل األرس املعيشية‪ :‬العمل املتمثل يف‬ ‫ ‬
‫رعاية األطفال وكبار السن؛ أو إنتاج وإعداد الطعام؛ أو جمع املياه‪ ،‬بالنسبة لكثري من النساء واألطفال يف مناطق اإلجهاد‬
‫اإليكولوجي؛ أو إقامة مأوى آمن للعيش داخله‪ .‬وهذا العمل ال غنى عنه لتمكني الشخص بدنيا ً من القيام بعمل مدفوع‬
‫األجر‪.‬‬

‫‪z‬اإلمداد عن طريق املشاعات ‪ -‬وهذا يشري إىل املوارد التي تحتفظ بها املجتمعات املحلية والعاملية يف صورة مشرتكة‪.‬‬ ‫ ‬
‫ويشمل ذلك مثالً‪ ،‬سبل الحصول عىل الهواء النقي‪ ،‬واملياه‪ ،‬ومصادر املعلومات الجديرة بالثقة‪ ،‬واألرايض املشاع الخاصة‬
‫بإنتاج األغذية‪ ،‬والنظام اإليكولوجي القابل لالستمرار الذي يدعم اإلنتاج الزراعي‪ .‬وهذه املوارد تهيئ الظروف لجميع‬
‫أشكال اإلمداد األخرى‪ ،‬ولذلك فإن الحفاظ عليها أمر بالغ األهمية من الوجهة االقتصادية‪.‬‬

‫‪z‬اإلمداد عن طريق الدولة ‪ -‬وهذا يشري إىل موارد البنية التحتية مثل نظم النقل والطرق‪ ،‬أو الرعاية االجتماعية والرعاية‬ ‫ ‬
‫الصحية‪ ،‬أو أنشطة البحث والتطوير الطويلة األجل‪ ،‬أو الحقوق والحريات القانونية‪ ،‬التي توجد ظروفا ً مستقرة تهيئ‬
‫املجال أمام األشكال الثالثة األخرى من اإلمداد للعمل بفعالية (‪.)Raworth, 2017‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن الرفاه االقتصادي ليس شيئا ً يمكن تحقيقه ‪ -‬سواء بالنسبة لألفراد أو للدول ‪ -‬من خالل التفكري يف الوظائف‬
‫وحدها‪ .‬فالواقع أن مجال العمل النظامي و»السوق»‪ ،‬حسبما يذهب إليه علماء االقتصاد‪ ،‬مثل كيت راوورث وماريا مازوكاتو‪ ،‬متجذر‬
‫يف أنشطة اإلمداد الخاصة بهذه املجاالت الثالثة األخرى‪ ،‬وهي‪ :‬األرسة املعيشية‪ ،‬واملشاعات‪ ،‬والدولة‪ .‬وتُظهر هذه التحليالت االقتصادية‬
‫األهمية الحاسمة للتفكري بصورة كلية يف الرفاه االقتصادي‪.‬‬

‫وهذا النوع من التفكري ليس مجرد تفكري نظري‪ .‬وإنما يجري بالفعل تطبيق هذه األفكار عمليا ً يف عدد من املدن واملناطق املختلفة‪.‬‬
‫فهناك مدن مثل بروكسل وساو باولو وبرشلونة‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬بصدد وضع‬
‫إن الرفاه االقتصادي ليس شيئاً ميكن‬ ‫اسرتاتيجيات لإلنعاش يف أعقاب جائحة كوفيد‪ -19‬استنادا ً إىل هذه التحليالت‪ .‬وقد‬
‫حتقيقه ‪ -‬سواء ابلنسبة لألفراد أو‬ ‫تم تأسيس منصة جديدة ومركز عمل لتسهيل تبادل الخربات فيما بني املدن‪ ،‬جنبا ً‬
‫للدول ‪ -‬من خالل التفكري يف الوظائف‬ ‫إىل جنب مع تكوين جماعة من مستخدمي االنرتنت معنية بالتعاون ضمت مشاركني‬
‫وحدها‪.‬‬ ‫من بلدان تمتد من كولومبيا إىل ماليزيا‪ . 3‬وتؤدي مدينة أمسرتدام دورا ً رائدا ً وتعكف‬
‫عىل إجراء تغيري حقيقي عىل أرض الواقع من خالل وضع ترشيعات وممارسات‬
‫جديدة‪ ،‬وتنفيذ كل ما يمكن تنفيذه بدءا ً من األخذ بنهوج جديدة للتسعري يف املتاجر‬
‫تعكس التكاليف ’الخارجية‘ للتأثري الواقع عىل البيئة والرفاه االجتماعي التي كانت فيما سبق خافية عن األعني‪ ،‬وحتى التحول نحو‬

‫لإلطالع عىل التغطية اإلعالمية لهذه األحداث انظر‪:‬‬ ‫‪ 2‬‬


‫;‪https://www.cnbc.com/201810/09//loyalty-doesnt-exist-anymore-what-former-lehman-brothers-employees-learned.html‬‬
‫; ‪https://www.flightglobal.com/strategy/how-many-jobs-have-europes-airlines-cut-in-2020141746/.article‬‬
‫‪https://www.bbc.com/news/world-asiaindia-52360757‬‬
‫يتيح الرابط التايل عرضا ً عاما ً ميرسا ً لكيفية تطبيق هذه السياسات عىل نطاق املدن؛ ولكن ال يوجد حتى اآلن أي نقاش بشأن تطبيقها يف السياقات التعليمية‬ ‫‪ 3‬‬
‫‪https://time.com/5930093/amsterdam-doughnut-economics/‬‬
‫سلسلة أوراق العمل بشأن البحث واالستشراف في مجال التعليم‬ ‫‪4‬‬

‫نماذج االقتصاد الدائري للبناء الجديد‪.4‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬إذا كان يهمنا‪ ،‬كمعلمني وأولياء أمور وصناع سياسات وباحثني‪ ،‬دور التعليم يف بناء الرفاه االقتصادي لألفراد واملجتمعات‪،‬‬
‫فعلينا أن نفهم أن هذا يتطلب تعزيز وتطوير جميع ممارسات اإلمداد األربع‪ ،‬وفهم أوجه ترابطها‪ ،‬وكذلك الكيفية التي يمكن أن تتطور‬
‫بها‪ ،‬وهو أمر حاسم األهمية‪ .‬ويعرض الجزء املتبقي من هذه املقالة مناقشة لهذه املمارسات‪ ،‬بما يف ذلك الرؤى الحالية املتعلقة بكيفية‬
‫تغري هذه املمارسات عىل مدى السنوات املقبلة‪ ،‬وآثارها عىل التعليم من أجل تحقيق الرفاه االقتصادي‪.‬‬

‫تغيُّر ممارسات اإلمداد‬


‫العمل المدفوع األجر والسوق‬
‫تميزت العقود األخرية بمجموعة من االتجاهات التي ما فتئت تغري طبيعة العمل‪ .‬ويشمل ذلك ما ييل‪:‬‬

‫ ‪Å‬إعادة هيكلة العمالة يف ضوء الزيادات يف مشاركة املرأة يف االقتصاد النظامي عىل الصعيد العاملي بسبب التكنولوجيات‬
‫الجديدة‬

‫ ‪Å‬الزيادات يف درجة االستقطاب االقتصادي بني رأس املال والعمالة املتسمني برسعة الحركة وارتفاع العوائد واألجور‪ ،‬من‬
‫ناحية‪ ،‬وفرص العمل املتزايدة املتاحة للعامة بأجور منخفضة‪ ،‬من ناحية أخرى‬

‫ ‪Å‬العوملة وتزايد تعقيد سالسل التوريد‬

‫ ‪Å‬النمو يف االقتصادات غري النظامية ونقص العمالة والعمالة غري املستقرة‬

‫وحسب ما يقوله بيوكانان وزمالؤه‪ ،‬من املمكن أن تكون الجائحة الحالية بمثابة منعطف يماثل منعطف أزمة النفط يف السبعينيات‬
‫ويؤدي إىل تكثيف هذه التغيريات ويتسبب يف تحول مرحيل كبري باتجاه التعايف من الركود دون خفض معدالت البطالة (‪Buchanan,‬‬
‫‪ .)2020‬غري أن التطورات التكنولوجية وظاهرة تغري املناخ كانت‪ ،‬حتى بدون هذه الجائحة‪ ،‬تنبئ باضطرابات كبرية يف العمالة‬
‫النظامية وغري النظامية (‪ ،)Woodcock and Graham, 2019‬كما أن التفاوتات يف الثروة قد أخذت تزداد عمقا ً بشكل منهجي منذ‬
‫الثمانينيات (‪Sayer, 2015‬؛ و‪.)Brown et al., 2012‬‬

‫وعليه‪ ،‬فهناك عند تصور املستقبل املحتمل للعمل املدفوع األجر ثالثة تطورات وتحديات رئيسية تستحق اهتماما ً خاصاً‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫أوالً‪ ،‬يشري فشل جهود اإلنعاش يف تحقيق عودة الوظائف‪ ،‬إىل جانب التجارب التي يجريها حاليا ً عدد من البلدان فيما يتعلق‬
‫بالدخل األسايس العام‪ ،‬إىل احتمال أن تزداد يف شمال الكرة األرضية أنماط العمالة التي تظهر بالفعل يف بلدان الجنوب‪ .‬ويعني هذا‬
‫إعادة التوجه نحو العمالة املؤقتة والطوعية وغري املستقرة (‪ )Sidorkin, 2017‬التي يؤدي يف إطارها العمل غري النظامي (وكذلك‬
‫العمل االختياري والطوعي يف البلدان الغنية) دورا ً أكثر أهمية يف دخول األرس املعيشية‪ .‬والواقع أن التفاعل بني انعدام االستقرار‬
‫والتكنولوجيات الرقمية يدفع نحو ظهور اقتصاد الوظائف املؤقتة والتعاقدية الذي «يوجد أسواق عمل جديدة ويحدث تحوال ً يف‬
‫(بعض) األسواق القديمة» ويتيح «إمكانية استغالل وتنفري العمال بطرق جديدة ومبتكرة» (‪.)Graham and Shaw, 2017, p.6‬‬

‫ثانياً‪ ،‬إن الحاجة امللحة لالبتعاد عن الصناعات القائمة عىل الكربون لتحقيق االمتثال ألهداف اتفاق باريس للمناخ ستجلب تحديات‬
‫كبرية يف مجال العمالة يف املناطق التي تعتمد عىل هذه الصناعات بمستويات عالية‪ ،‬إىل جانب زيادات يف فرص العمل املتاحة يف املناطق‬
‫القادرة عىل استغالل إمكانات الطاقة الخرضاء والنمو األخرض (‪ .)Bezdek, 2014‬ومن املرجح أن تزداد املطالب التي تنادي باالنتقال‬
‫العادل وتزداد العوامل التي تدفع إىل ذلك‪ ،‬أي االستثمار الضخم يف عمليات االنتقال املتعلقة بالعمالة بما يم ّكن املترضرين من االنتقال‬
‫إىل العمل املستدام‪.‬‬

‫يتيح الرابط التايل عرضا ً عاما ً ميرسا ً لكيفية تطبيق هذه السياسات عىل نطاق املدن؛ ولكن ال يوجد حتى اآلن أي نقاش بشأن تطبيقها يف السياقات التعليمية‬ ‫‪ 4‬‬
‫‪https://time.com/5930093/amsterdam-doughnut-economics/‬‬
‫سلسلة أوراق العمل بشأن البحث واالستشراف في مجال التعليم‬ ‫‪5‬‬

‫ثالثاً‪ ،‬رغم أنه من غري املرجح أن يفيض اعتماد الذكاء االصطناعي إىل تحول عاملي كما يشري مؤيدوه‪ ،‬فإنه يمكن أن يؤدي إىل إعادة‬
‫هيكلة كبرية ورسيعة للعمالة يف البلدان والصناعات التي لديها املوارد الالزمة العتماده برسعة‪ . 5‬ومن املحتمل أن تؤدي إعادة الهيكلة‬
‫هذه إىل زيادة تفاقم أوجه عدم املساواة عىل األجل القصري‪ ،‬وأن تقتيض إقامة‬
‫عالقات عمل جديدة بني البرش واشكال الذكاء غري البرشي عىل األجل الطويل‪.‬‬
‫إن عامل العمل املدفوع األجر يتغري بطرق‬ ‫وقد يؤدي إضفاء الطابع االفرتايض عىل ممارسات العمل بفعل الجائحة إىل‬
‫قد تزيد بشكل جذري من حدة أوجه عدم‬ ‫استمرار فصل العمل الخدمي واملعاريف عن مكان أدائه وتكثيف االتجاهات نحو‬
‫املساواة القائمة‪ .‬وستحدد بصورة كبرية‬ ‫العمل عىل مدار الساعة طوال األسبوع يف الصناعات التي كانت محمية من ذلك‬
‫االستجاابت السياسية واالجتماعية ‪ -‬اليت‬ ‫سابقاً‪.‬‬
‫تشكل االسرتاتيجية التعليمية جزءاً هاماً منها‬
‫‪ -‬األثر االجتماعي هلذه التطورات‪.‬‬ ‫والهدف هنا ليس التنبؤ باملستقبل ‪ -‬ففي الواقع هناك نوعان هامان من‬
‫العنارص املفاجئة التي ال يمكن التكهن بها ال يخضعان حاليا ً للمناقشة يف‬
‫أدبيات االقتصاد أو العمالة‪ ،‬وهما دور الحوسبة الكمومية والتطورات الناشئة‬
‫يف مجال الطاقة االنشطارية‪ .‬والجمع بني هذين العنرصين يمكن أن يؤدي إىل حدوث تحول جذري يف قاعدة املعارف وقاعدة الطاقة يف‬
‫املجتمع ــ وسيوجد هذا التحول بالرضورة اتجاهات جديدة يصعب إىل حد كبري التنبؤ بها ‪ -‬وقد يكون بعضها أمرا ً مرغوبا ً فيه‪ .‬غري‬
‫أن الواضح هو أن عالم العمل املدفوع األجر يتغري بطرق قد تزيد بشكل جذري من حدة أوجه عدم املساواة القائمة‪ .‬وستحدد بصورة‬
‫كبرية االستجابات السياسية واالجتماعية ‪ -‬التي تشكل االسرتاتيجية التعليمية جزءا ً هاما ً منها ‪ -‬األثر االجتماعي لهذه التطورات‪.‬‬

‫اإلمداد عن طريق األسر المعيشية‬


‫ال يمكن عىل الرغم من ذلك أن يستمر سوق العمل املدفوع األجر‪ ،‬النظامي وغري النظامي عىل حد سواء‪ ،‬يف البقاء دون العمل الذي‬
‫يجري يف إطار اإلمداد عن طريق األرس املعيشية ‪ -‬من تربية األطفال‪ ،‬ورعاية املرىض‪ ،‬وزراعة األطعمة وطهيها‪ ،‬إىل السري ألميال من‬
‫أجل الحصول عىل املاء يف كثري من األماكن‪ .‬فرعاية األطفال‪ ،‬ودعم املقعدين وكبار السن‪ ،‬هما من األعمال غري املدفوعة األجر التي ال‬
‫يمكن بدونها أن يؤدي االقتصاد األضيق نطاقا ً يف مكان العمل الرسمي دوره‪.‬‬

‫كذلك يأخذ اإلمداد عن طريق األرس املعيشية شكل إنتاج األغذية الالزمة لتلك األرس يف أجزاء كثرية من العالم‪ ،‬حيث تؤدي موارد األرس‬
‫املعيشية دورا ً هاما ً يف استكمال السلع السوقية‪ .‬وقد أم َكن ملن لديهم إمكانية الحصول عىل األرايض والحدائق إلنتاج األغذية أن يظهروا‬
‫يف كثري من الحاالت قدرة أكرب عىل الصمود أمام الصدمات االقتصادية ممن ال يملكون تلك اإلمكانية (‪.)Galhena et al., 2013‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن الرفاه االقتصادي ال يتعلق فقط بالدخل املتأتي من العمل‪ ،‬بل يتعلق أيضا ً بالعمل الذي تشارك فيه األرس املعيشية‬
‫القادرة عىل رعاية وإطعام نفسها‪.‬‬

‫ومع دخول النساء إىل صفوف القوة العاملة‪ ،‬ومع ابتعاد اإلنتاج الغذائي عن الصعيد املحيل‪ ،‬أصبح اإلمداد عن طريق األرس املعيشية‬
‫يعتمد عىل بنية تحتية أوسع نطاقا ً للحصول عىل الرعاية والخدمات الصحية‪ ،‬وعىل اإلمدادات الغذائية التجارية‪ .‬وحسب ما تقوله‬
‫راوورث‪ ،‬فإن هذا الجانب من االقتصاد «مهم ألنه عندما تقوم الحكومات ‪ -‬باسم‬
‫وميكن فهم التعليم من أجل الرفاه‬ ‫التقشف وتحقيق وفورات للقطاع العام ‪ -‬بخفض ميزانيات مراكز الرعاية النهارية‬
‫االقتصادي ليس فقط على أنه معين‬ ‫لألطفال‪ ،‬والخدمات املجتمعية‪ ،‬وإجازة الوالدين‪ ،‬ونوادي الشباب‪ ،‬ال تختفي الحاجة‬
‫ابلعمل والسوق‪ ،‬ولكن أيضاً على أنه‬ ‫إىل تقديم الرعاية‪ :‬وإنما يُدفع بها إىل املنزل من جديد» (‪Raworth, 2017, p.‬‬
‫يُعىن ابملمارسات اليومية اجملسدة يف رعاية‬ ‫‪ .)69‬وكثريا ً ما يؤدي هذا التغيري‪ ،‬كما رأينا يف أثناء الجائحة‪ ،‬إىل سحب مواهب‬
‫األشخاص واألسر وتنشئتهم وتعهدهم‪.‬‬ ‫املرأة ومهاراتها من املجتمع املحيل وأماكن العمل األوسع نطاقاً‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن من‬
‫العنارص األساسية يف الرفاه االقتصادي تهيئة الظروف التي يمكن فيها لألرس‬
‫املعيشية توفري الرعاية أو الحصول عليها وإيجاد اإلمدادات الغذائية التي يمكنها‬
‫الصمود أمام صدمات السوق‪ ،‬دون أن تُبعد النساء والفتيات عن حقوقهن يف املشاركة يف املجتمع األوسع واملساهمة فيه‪.‬‬

‫لالطالع عىل مزيد من املعلومات‪ ،‬انظر الجمعية امللكية‪:‬‬ ‫‪ 5‬‬


‫‪https://royalsociety.org/topics-policy/data-and-ai/artificial-intelligence/‬‬
‫سلسلة أوراق العمل بشأن البحث واالستشراف في مجال التعليم‬ ‫‪6‬‬

‫وعند التكهن باآلثار الحاسمة التي سيتعرض لها اإلمداد عن طريق األرس املعيشية خالل السنوات املقبلة‪ ،‬يلزم إيالء االهتمام لعدد من‬
‫االتجاهات الهامة‪:‬‬

‫‪z‬تقدم السكان يف العمر‪ .‬ينبئ تأثري شيخوخة السكان بتعرض اإلمداد عن طريق األرس املعيشية آلثار كبرية (‪UN,‬‬ ‫ ‬
‫‪ .)2019‬فقد تجلب األعداد املتزايدة من كبار السن عرب الدول الصناعية‪ ،‬إىل جانب انخفاض أعداد الشباب‪ ،‬املزيد من‬
‫الفرص لبقاء كبار السن يف صفوف القوة العاملة وزيادة املطالبة بذلك ‪ -‬فضالً عن إبعاد األجداد عن القيام بأدوار‬
‫الرعاية وازدياد املطالب الواقعة عىل عاتق األرس املعيشية لتوفري الرعاية للمسنني‪ .‬وعىل مدى العقود املقبلة قد يماثل‬
‫التحدي املتعلق برعاية املسنني التحدي املتعلق برعاية األطفال الذي ميز العقود الثالثة املاضية مع دخول النساء إىل‬
‫صفوف القوة العاملة‪ .‬وقد تتطور أشكال جديدة من األرس املعيشية مثل العيش التعاوني‪ ،‬وقد يتزايد بروز األشكال غري‬
‫الرسمية لرعاية األرس املعيشية‪ ،‬مثل األرس املمتدة واألرس املندمجة‪.‬‬

‫‪z‬الفرق الديمغرايف بني البلدان‪ .‬إذا تم التعامل مع الفروق الديمغرافية بني البلدان من خالل سياسات الهجرة املفتوحة‬ ‫ ‬
‫أمام الشباب‪ ،‬التي تنشط يف إطارها البلدان األكثر ثراء ذات السكان األكرب سنا ً يف «استرياد» العمال الشباب‪ ،‬عندئذ‬
‫سوف يتم تصدير هذه االختالالت الديمغرافية عىل مستوى العالم‪ .‬وستكثف هذه الديناميات االتجاهات نحو الهجرة‬
‫وعالقات الرعاية عرب البلدان‪/‬عن بعد‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬قد تزداد ممارسة األرس املعيشية ألعمال اإلمداد فيما بني البلدان‪،‬‬
‫مع نقل الثروة وتزايد دور الغرباء يف ممارسات تقديم الرعاية األرسية‪.‬‬

‫‪z‬الضعف الغذائي‪ .‬إن عدم الحفاظ عىل احرتار املناخ دون ‪ 1.5‬درجة سيؤثر بشكل كارثي عىل قدرة األرس املعيشية التي‬ ‫ ‬
‫تعتمد عىل اإلنتاج الغذائي املحيل واملنزيل يف تزويد نفسها باحتياجاتها‪ ،‬إذ سيزيد من الضعف الغذائي ومن الهجرة‪.‬‬
‫وباملثل‪ ،‬فإن نقص املياه قد أخذ بالفعل عىل نحو متزايد يسلب املجتمعات املحلية يف مناطق الفقر املائي قدرتها عىل‬
‫البقاء‪ .‬وعندما تعجز األرس املعيشية عن الحصول عىل املياه الالزمة لها‪ ،‬فإن العواقب ستكون وخيمة‪ .‬وهذه التطورات‬
‫ليست حتمية ‪ -‬فالعمل املناخي ال يزال ممكناً‪ ،‬واإلدارة املناسبة للمياه يمكن تحقيقها من خالل الزراعة التجديدية‬
‫والزراعة الدائمة‪ ،‬ويُظهر النمو يف الزراعة الصغرية والزراعة الحرضية إمكانية مقاومة األرس املعيشية واملجتمعات‬
‫املحلية لهذه االتجاهات‪.‬‬

‫إن اإلمداد عن طريق األرس املعيشية ‪ -‬وعىل وجه الخصوص تقديم الرعاية‪ ،‬وإن شمل ذلك أيضا ً يف معظم أجزاء العالم الحصول عىل‬
‫اإلمدادات الغذائية غري القائمة عىل السوق ‪ -‬يدعم قدرة األفراد عىل التعامل مع الصدمات‪ ،‬ويم ّكن من املشاركة يف السوق واملشاعات‬
‫وأنشطة الدولة‪ ،‬ويش ّكل العالقات بني الجنسني بشكل أسايس‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يمكن فهم التعليم من أجل تحقيق الرفاه االقتصادي ليس فقط‬
‫عىل أنه معني بالعمل والسوق‪ ،‬ولكن أيضا ً عىل أنه يعنى باملمارسات اليومية املجسدة يف رعاية األشخاص واألرس وتنشئتهم وتعهدهم‬
‫ومساندتهم‪ .‬فأعمال البستنة وتعلم الزراعة وتربية األطفال ورعاية املسنني‪ ،‬ال تقل أهمية عن مهارات الحاسوب بالنسبة للرفاه‬
‫االقتصادي‪.‬‬

‫المشاعات‬
‫املشاعات هي موارد مشرتكة يهتم بها املجتمع بشكل جماعي وتم ُّد األرس بموارد هامة رضورية للرفاه االقتصادي‪ .‬وقد تكون هذه‬
‫أراض أو إمدادات من املياه أو استخدام ملبان مشرتكة يديرها املجتمع املحيل‪ .‬وقد تكون موارد معلوماتية تنظمها‬‫املوارد عبارة عن ٍ‬
‫وتتقاسمها جماعة معينة‪ ،‬سواء كانت تلك املوارد هي معارف الشعوب األصلية أو موقع يتعهده املجتمع املحيل عىل شبكة اإلنرتنت‪.‬‬
‫وعىل املستوى العاملي‪ ،‬تشمل هذه املوارد موارد جماعية مشرتكة مثل الشبكة العاملية املعروفة أيضا ً بشبكة اإلنرتنت‪ ،‬واملحيط الحيوي‪،‬‬
‫واملنتجات الجماعية للعلم والثقافة‪ .‬وتوفر املشاعات األسس اإليكولوجية واملعرفية التي تعتمد عليها جميع أشكال الرفاه االقتصادي ‪-‬‬
‫فبدون الهواء أو املعارف املوروثة أو يف ظل غياب املحيط الحيوي الصحي ال يمكن ألي شكل من أشكال اإلمداد التي يتيحها العمل أو‬
‫األرس املعيشية أو الدولة أن يوفر األمن‪.‬‬

‫واملشاعات‪ ،‬املحلية والعاملية منها عىل حد سواء‪ ،‬هي مواقع تشهد رصاعا ً متزايدا ً حيث تظهر حركات االنغالق والتجديد‪ .‬ويمكن تصور‬
‫مسارين محتملني يف املستقبل‪ ،‬يمكن رؤية كليهما يف الوقت الحارض‪.‬‬

‫فاملتوخى يف املسار األول هو الرتاجع عن االتجاه الذي دام لقرون نحو االعتماد عىل قوى السوق و»تسييج» السلع العامة‪.‬‬
‫فنحن نشهد بالفعل‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬زيادة كبرية يف حركات الحقوق املتعلقة باألرايض واملتعلقة بكوكب األرض التي تصف األرايض‬
‫والبحار واألنهار والبحريات بأنها مشاعات يتعني عىل الجميع أن يعنى بها‪ .‬وتجلب هذه الحركات بدورها إمكانيات جديدة وهياكل‬
‫سلسلة أوراق العمل بشأن البحث واالستشراف في مجال التعليم‬ ‫‪7‬‬

‫قانونية جديدة وأشكاال ً جديدة من الحماية للكيانات التي يمكن النظر إليها عىل أنها سلع عامة أو سلع تتطلب الرعاية واملعاملة‬
‫معاملة األشخاص (تبعا ً ملنظورك الوجودي)‪ .‬وتؤدي املعركة الدائرة يف نيوزيلندا منذ ‪ 150‬سنة ملعاملة نهر وانغانوي معاملة‬
‫األشخاص‪ ،‬واإلعالن عن معاملة منطقة األمازون الكولومبية معاملة األشخاص‪ ،‬وغري ذلك من التطورات املماثلة يف جميع أنحاء العالم‪،‬‬
‫إىل إرساء أساس جديد لتوفري الحماية لرعاية املشاعات اإليكولوجية‪/‬الكيانات غري البرشية‬
‫يف مجتمعاتنا‪ .6‬وإىل جانب ذلك‪ ،‬فإن تنمية الطاقة اململوكة للمجتمعات املحلية والزراعة التي‬
‫توفر املشاعات األسس‬
‫يدعمها املجتمع املحيل يربهنان عىل أن املجتمعات املحلية قادرة عىل تنمية أعمال املشاعات‬
‫اإليكولوجية واملعرفية الداعمة‬
‫املتعلقة باإلمداد باملواد الغذائية والطاقة وعىل تعزيز قدرتها املحلية عىل الصمود‪ .7‬وعىل‬
‫جلميع أشكال الرفاه االقتصادي‪.‬‬
‫الصعيد العاملي‪ ،‬يربهن تطوير البنى التحتية الرقمية العاملية التي تتيح التبادل الرسيع‬
‫للمعلومات واملعارف عىل قدرة املعلومات التي يديرها املجتمع املحيل عىل توفري مورد معريف‬
‫جماعي مهم‪.‬‬

‫وقد أخذ التقاء هذه املشاعات الرقمية مع تطورات مثل الطباعة الثالثية األبعاد والتصنيع املحيل يف فتح املجال أمام ممارسات‬
‫التشايع الرقمية لكي تحدث تأثريات جذرية عىل قدرة األفراد واملجتمعات عىل تبادل املعلومات بشكل جماعي وتنمية املوارد التي تلبي‬
‫احتياجاتهم – ويتضح هذا بشكل سلبي يف استخدام الطباعة الثالثية األبعاد لصنع طائرات بدون طيار يف حاالت النزاع‪ ،‬وبشكل‬
‫إيجابي يف نشوء حركة جماعية تهدف إىل صنع معدات الوقاية للعاملني يف مجال الرعاية الصحية ‪.‬‬
‫‪9 8‬‬

‫طردة يف استغالل املشاعات وتسييجها ونزع ملكيتها‪ ،‬وهو اتجاه من‬ ‫أما املتوخى يف إطار املسار الثاني فهو حدوث زيادة م َّ‬
‫املرجح أن يقوض بشكل جذري قدرة األفراد واملجتمعات املحلية عىل بناء أمنهم االقتصادي والدفاع عنه‪ .‬ويمكننا أن نرى ظهور هذا‬
‫املسار عىل السطح يف تزايد إغالق الشبكة العاملية لتتحول إىل ما يشبه الحدائق املسورة‪ ،‬ويف املقرتحات الرامية إىل أن يُعهد إىل الرشكات‬
‫التجارية‪ ،‬مثل رشكة غوغل‪ ،‬بإدارة وملكية «املشاعات الرقمية»‪ .‬ويمكننا أيضا ً أن نرى ذلك يف خصخصة موارد املياه واألرايض التي‬
‫كانت يف السابق موارد مشرتكة‪ ،‬ويف الرضر الذي لحق باملشاعات اإليكولوجية الهامة‪ ،‬مثل القطب الشمايل‪ ،‬من جراء استغالل الوقود‬
‫األحفوري‪ .‬وتشري هذه التحركات‪ ،‬إىل جانب التلويث املستمر للمشاعات اإليكولوجية من خالل الزراعة واإلنتاج الصناعيني‪ ،‬إىل أن الدور‬
‫الذي تؤديه املشاعات فيما يتعلق باإلمداد مع َّرض للخطر بشكل متزايد ويتطلب الدفاع‬
‫عنه‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬أبرز عقد األمم املتحدة للتنوع البيولوجي أنه لم يتم تحقيق أي من‬
‫أهداف أييش للتنوع البيولوجي املتعلقة بالدفاع عن التنوع البيولوجي‪ .‬وقد ذهبت يف الواقع‬ ‫إن املشاعات تتعرض للهجوم‪.‬‬
‫األمينة التنفيذية التفاقية التنوع البيولوجي إىل أن «النظم الحية لألرض ككل تتعرض‬ ‫وبدون محاية املشاعات اإليكولوجية‬
‫للخطر» (‪ .)United Nations, 2020‬ويوفر العمل الذي أنتجه مركز ستوكهولم للقدرة‬ ‫احمللية والعاملية‪،‬ال ميكن حتقيق الرفاه‬
‫عىل الصمود فيما يتعلق بتسعة حدود تخص كوكب األرض‪ ،‬والذي أوضح ألول مرة ما‬ ‫االقتصادي على األجل الطويل‪.‬‬
‫وصلنا إليه حاليا ً فيما يتعلق بتسعة مجاالت رئيسية تتصل بقدرة الكوكب عىل الصمود‪،‬‬
‫تمثيالً بيانيا ً للفشل العاملي يف رعاية املشاعات يف املحيط الحيوي‪ .‬وقد تم منذ ذلك الحني‬
‫تحديث ذلك العمل لبيان هشاشة كل من سلوكياتنا الحالية وفهمنا لنقاط التحول التي يمكن أن تسبب رضرا ً كارثيا ً ومتعاقبا ً ملشاعاتنا‬
‫العاملية (انظر الشكل ‪ 1‬أدناه)‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن املشاعات تتعرض للهجوم‪ .‬وبدون حماية املشاعات اإليكولوجية املحلية والعاملية‪،‬‬
‫ال يمكن تحقيق الرفاه االقتصادي عىل األجل الطويل‪.‬‬

‫انظر عىل سبيل املثال‪ ،‬أعمال املنظمة الدولية لحقوق األرض‪https://earthrights.org :‬‬ ‫‪ 6‬‬
‫انظر عىل سبيل املثال حركة الزراعة املدعومة من املجتمع املحيل‪https://communitysupportedagriculture.org.uk :‬‬ ‫ ‪7‬‬
‫انظر أعمال حركة فابالبز (معامل التصنيع الرقمي)‪https://www.fablabs.io :‬‬ ‫‪ 8‬‬
‫‪ 9‬لالطالع عىل مزيد من املعلومات‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪https://www.stockholmresilience.org/research/planetary-boundaries/planetary-boundaries/about-the-research/the-nine-planetary-‬‬
‫‪boundaries.html‬‬
‫سلسلة أوراق العمل بشأن البحث واالستشراف في مجال التعليم‬ ‫‪8‬‬

‫الشكل ‪ :1‬خريطة عاملية لسالسل التحول التعاقبية املحتملة‪ ،‬مع أسهم تبني التفاعالت املحتملة‬

‫املصدر‪Steffen et al., 2018 :‬‬

‫الدولة‬
‫تقدم الدول الفاشلة مثاال ً واضحا ً عىل الدور النشط واألسايس املنوط بالدول يف إيجاد الرفاه االقتصادي‪ .‬فالحياة يف البلدان التي ال‬
‫توجد فيها نظم عاملة للرعاية صحية أو الرشطة أو التعليم أو الرعاية االجتماعية هي أبعد ما تكون عن األمان‪ ،‬مهما كان دخل الفرد‬
‫مرتفعا ً أو كانت وظيفته آمنة‪ .‬وعالوة عىل ذلك‪ ،‬فإنه حتى يف البلدان التي تبدو مزدهرة‪ ،‬قد تم أيضا ً بشكل منهجي تفنيد املغالطة‬
‫التي تقول بأن األسواق تحفز االبتكار بمعزل عن االستثمار العام والبنية التحتية‪.‬‬
‫وبدال ً من ذلك‪ ،‬تم توثيق الدور األسايس الستثمارات الدولة‪ ،‬وال سيما أنشطة‬
‫عند النظر إىل املسار الذي ستتخذه الدول‬ ‫البحث والتطوير املمولة من القطاع العام‪ ،‬باعتباره دورا ً محوريا ً يف جميع جوانب‬
‫ملدة ‪ 30‬عاماً‪ ،‬ميكننا أن نرى مسارين‬ ‫الفتوحات التكنولوجية الكربى التي تحققت يف نصف العقد املايض (‪Mazzucato,‬‬
‫تنافسيني واضحني آخذين يف النمو يف‬ ‫‪ .)2017‬ولذلك‪ ،‬فإن أي تحليل متسق لكيفية تحقيق الرفاه االقتصادي للمواطنني‬
‫الوقت احلاضر – إما حنو الدول كأدوات‬ ‫واملجتمعات املحلية يجب أن يعالج الدور الهام والتأسييس للدول يف تأمني نوعية‬
‫للقمع والسيطرة واقتطاف مواهب مواطنيها‬ ‫الحياة األساسية ويف املشاريع االستثمارية الطويلة األجل التي ال تنفذها قوى‬
‫وعملهم‪ ،‬أو حنو الدول كمنصات شفافة‬ ‫السوق وحدها‪.‬‬
‫وخاضعة للمساءلة حتافظ على قدرات‬
‫سكاهنا وتدعمها‪.‬‬ ‫وعند النظر إىل األجل األبعد‪ ،‬يكون من الواضح أنه يستحيل التنبؤ باملسار الذي‬
‫ستتخذه الدول ملدة ‪ 30‬عاماً‪ .‬ولكن يمكننا أن نرى مسارين تنافسيني واضحني‬
‫آخذين يف النمو يف الوقت الحارض – إما نحو الدول كأدوات للقمع والسيطرة‬
‫واقتطاف مواهب مواطنيها وعملهم‪ ،‬أو نحو الدول كمنصات شفافة وخاضعة للمساءلة تحافظ عىل قدرات سكانها وتدعمها‪ .‬وهاتان‬
‫القوتان هما دائما ً قوتان مستمرتان ومتصارعتان‪ ،‬وإن كانت األنظمة االقتصادية القائمة عىل استخراج املوارد تشجع القوة األوىل‪.‬‬
‫سلسلة أوراق العمل بشأن البحث واالستشراف في مجال التعليم‬ ‫‪9‬‬

‫ولكن ما يتضح بشدة هو أن قدرة الدول عىل الوفاء باألدوار املنوطة بها فيما يتعلق باإلمداد االقتصادي بالهياكل األساسية لم تعد‬
‫مجرد مسألة وطنية‪ .‬وإنما يعتمد األمر عىل تفاعالت الدول مع بعضها البعض عىل الصعيد العاملي وتفاعالتها مع الجهات الفاعلة‬
‫األخرى‪ ،‬مثل الرشكات العاملية‪ .‬وسوف يتوقف ضمان بقاء الدولة عىل األجل الطويل باعتبارها موردا ً للرفاه االقتصادي عىل وضع‬
‫اآلليات التنظيمية واالستثمارية‪ ،‬ال عىل الصعيد الوطني وحده‪ ،‬بل أيضا ً عىل الصعيد الدويل‪.‬‬

‫التعليم من أجل تحقيق الرفاه االقتصادي‪ :‬التعامل مع أشكال‬


‫اإلمداد األربعة‬
‫إذا كان للتعليم أن يحاول الوفاء بالوعد املألوف بأنه يمكن أن يسهم يف رفاه طالبه عىل األجل الطويل‪ ،‬فعليه إعدادهم بالتايل‪ ،‬للقيام‬
‫بـالتحليل االقتصادي الفعال‪ ،‬وهو دور أوسع بكثري من مجرد إعدادهم للعمل النظامي يف السوق‪ .‬وإنما تقع عىل عاتق التعليم‬
‫مسؤولية بالغة األهمية تقتيض تهيئة الظروف التي تتيح للشباب فهم هذه املجموعة األوسع من ممارسات اإلمداد والتفكري فيها‬
‫واستكشافها‪ .‬فلندرس إذن أشكال اإلمداد األربعة‪ ،‬مع إبراز املضامني التعليمية لكل منها‪.‬‬

‫العمل المدفوع األجر‪ :‬تهيئة الظروف المواتية للعمل الكريم‬


‫إن عالم العمالة النظامية وغري النظامية آخذ يف التغري ‪ -‬فال شك أن تعلم العمل جنبا ً إىل جنب مع أشكال الذكاء غري البرشي سيظل‬
‫سمة من سمات مكان العمل ‪ -‬سواء تمثل ذلك يف أشكال متقدمة من‬
‫مل يعد من املمكن النظر إىل مسألة إجياد فرص‬ ‫الذكاء االصطناعي أو يف االستخدام الروتيني ملحركات البحث عىل اإلنرتنت‬
‫عمل صاحلة ابعتبارها مهمة الفرد وحده‪ ،‬أو‬ ‫والخوارزميات التي تستخدمها‪.‬‬
‫ابعتبارها جمرد مسألة ختص “املسار الوظيفي‬ ‫وباملثل‪ ،‬ليس هناك شك يف أن االبتعاد بشكل كبري عن العمل الكثيف الكربون‬
‫للفرد”‪ ،‬بل هي أيضاً تعتمد على القدرة اجلماعية‬ ‫سيكون مطلوباً‪ ،‬وأن الشباب والبالغني املجهزين لتصور وإيجاد أشكال من‬
‫على التفاوض بشأن األجور العادلة وظروف‬ ‫العمالة تتسم باالستدامة اإليكولوجية سيكونون مهيئني بشكل أفضل للتعامل‬
‫العمل واحلقوق املتعلقة ابلعمالة‪.‬‬ ‫مع عالم منخفض الكربون‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإن بناء الرفاه االقتصادي للطالب عىل مدى العقود املقبلة‬
‫سيتطلب من املعلمني االعرتاف بما يتسم به العمل املعارص من تزايد عدم االستقرار‪ ،‬واالستقطاب‪ ،‬والتعامل مع هذا األمر‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬فإن التعليم من أجل تحقيق الرفاه االقتصادي سيُفهم أيضا ً عىل أنه تعزيز قدرة الطالب عىل احرتام أنفسهم‪ ،‬وتحديد ما‬
‫يشكل عمالً قيما ً ألنفسهم ومجتمعهم وتنمية القدرات الشخصية واالجتماعية املتعلقة بالتنظيم الجماعي من أجل تهيئة الظروف التي‬
‫يمكنهم يف ظلها القيام بهذا العمل يف إطار من الكرامة‪ .‬فلم يعد من املمكن النظر إىل مسألة إيجاد فرص عمل صالحة باعتبارها مهمة‬
‫الفرد وحده‪ ،‬أو باعتبارها مجرد مسألة تخص «املسار الوظيفي للفرد»‪ ،‬بل هي أيضا ً تعتمد عىل القدرة الجماعية عىل التفاوض بشأن‬
‫األجور العادلة وظروف العمل والحقوق املتعلقة بالعمالة‪.‬‬

‫األسرة المعيشية‪ :‬تعزيز القدرات المتعلقة بالرعاية واالستقالل المادي‬


‫إن املواضيع التي أحيلت تاريخيا ً إىل هامش االهتمامات التعليمية يجري إبرازها كمكونات أساسية للرفاه االقتصادي عندما ندرك دور‬
‫األرس املعيشية يف اإلمداد بأسباب الحياة‪ .‬ويشمل ذلك‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬االهتمام‬
‫بمسائل التعليم الشخيص والجنيس واملتصل بالعالقات‪ ،‬وقدرة الطالب عىل بناء‬
‫إن إدراك مفهوم املشاعات‪ ،‬بدالً من‬
‫وتكوين عالقات عطوفة متينة‪ .‬ويقتيض ذلك االهتمام بمسائل األبوة واألمومة وتقديم‬
‫جمرد عمل الفرد‪ ،‬كشكل حاسم من‬
‫الرعاية‪ .‬ويشمل أيضا ً االهتمام بقضايا مثل قدرة اإلمدادات الغذائية واملائية عىل‬
‫أشكال اإلمداد االقتصادي هو حتول‬
‫الصمود ‪ -‬أي لفت االنتباه إىل القدرة عىل إقامة أرس مستقلة ماديا ً أو قادرة عىل‬
‫مفاهيمي أساسي مطلوب يف جمال‬
‫الصمود‪ .‬وسيكون من األهمية بمكان أيضا ً االهتمام بكيفية تنسيق هذه العمليات‬
‫التعليم‪.‬‬
‫داخل املجتمعات املحلية وعرب األرس املعيشية من أجل بناء القدرة عىل الصمود‬
‫سلسلة أوراق العمل بشأن البحث واالستشراف في مجال التعليم‬ ‫‪10‬‬

‫وفائض احتياطي‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن تعلم االعتناء – سواء بالناس أو بإنتاج الطعام‪ ،‬ليس مجرد سمة «كمالية» من سمات التعليم‪،‬‬
‫بل هو اعرتاف صارم باملمارسات التي تم ّكن األفراد واألرس من تحقيق الرفاه االقتصادي ألنفسهم يف األزمنة الصعبة‪.‬‬

‫المشاعات‪ :‬الدفاع عن المشاعات المحلية والعالمية واالعتناء بها‬


‫إن التعليم من أجل تحقيق الرفاه االقتصادي يعني أن يُربز للشباب دور املشاعات املحلية والعاملية يف تهيئة الظروف الالزمة للبقاء عىل‬
‫قيد الحياة عىل املدى الطويل‪ ،‬ولالستقالل الذاتي واالزدهار‪ .‬وعندئذ يصبح من األولويات تع ُّلم ما يشكل سلعة عامة‪ ،‬وكيفية الدفاع‬
‫عن تلك السلعة وإدارتها‪ ،‬وكيفية إثراء املشاع املعني والحفاظ عليه‪ .‬وقد يؤدي ذلك إىل انخراط الطالب يف ممارسات من قبيل تعلم‬
‫كيفية التعرف عىل مشاعاتهم الرقمية والحفاظ عليها‪ ،‬أو االنخراط يف الحفاظ عىل األرايض املشرتكة واملوارد البيئية والحفاظ عليها‪ ،‬أو‬
‫استكشاف كيفية تحقيق امللكية املشرتكة للبنيات التحتية الرئيسية ‪ -‬من الطاقة إىل املباني‪ .‬ويشكل إدراك مفهوم املشاعات‪ ،‬بدال ً من‬
‫مجرد عمل الفرد‪ ،‬كشكل حاسم من أشكال اإلمداد االقتصادي تحوال ً مفاهيميا ً أساسيا ً مطلوبا ً يف مجال التعليم‪.‬‬

‫الدولة‪ :‬تسخير ممارسات الدولة المتعلقة باإلمداد لتحقيق الكرامة اإلنسانية‬


‫وازدهار الكوكب‬
‫أن يستجيب التعليم هلذا الواقع معناه‬ ‫من عنارص املمارسة التعليمية التي تكتيس مزيدا ً من األهمية يف هذا التحليل إدراك‬
‫أن الوقت قد حان لنبذ فكرة أن التعليم‬ ‫أن الرفاه االقتصادي ال ينشأ فقط من اإلجراءات والسلوكيات الفردية‪ ،‬بل من الهياكل‬
‫األساسية االجتماعية والحكومية األوسع نطاقاً‪ .‬وهذا يعني التعامل مع قضايا كثريا ً‬
‫املوجه حنو “الوظائف” هو تعليم فيه‬
‫الكفاية‪ .‬فقد حان الوقت‪ ،‬بدالً من‬ ‫ما يُنظر إليها عىل أنها من قضايا تعليم املواطنة ‪ -‬بدءا ً من فهم املواضع التي يمكن‬
‫ذلك‪ ،‬للرتكيز على الشخص أبكمله‬ ‫فيها لنشاط الدولة أن يكون داعما ً بشكل فعال إليجاد سبل العيش القابلة لالستمرار‬
‫داخل سياقه‪ ،‬إىل جانب االعتناء مبهاراته‬ ‫وكيفية ذلك‪ ،‬وحتى كيفية إدارة الدولة لــآلثار السلبية لألسواق‪ .‬وقد ينطوي ذلك‬
‫ومعارفه الالزمة للعمل يف االقتصادات‬ ‫أيضا ً عىل خربة يف املشاركة الديمقراطية والتدقيق يف القرارات التنظيمية والحكومية‪،‬‬
‫النظامية وغري النظامية‪.‬‬ ‫فضالً عن دراسة الدور الذي تضطلع به الدول يف دعم الناس يف أوقات األزمات إىل‬
‫جانب املمارسات األخرى املتعلقة باإلمداد‪ .‬ويتجاوز هذا الدور تعليم املواطنة بشكله‬
‫التقليدي‪ ،‬بسبب تحريه عما قد يلزم للتصدي للفساد والدفاع عن حرية وسائل اإلعالم‬
‫واالعرتاف باملقايضات القائمة بني الفوائد االقتصادية واالجتماعية القصرية األجل والطويلة األجل‪.‬‬

‫كذلك سيقتيض بالرضورة فهم ممارسات الدول املتعلقة باإلمداد‪ ،‬والتعاون مع تلك املمارسات‪ ،‬التفكري يف املسائل االقتصادية األوسع‬
‫نطاقا ً ‪ -‬التي ليس أقلها ما إذا كانت الرتتيبات والترشيعات االقتصادية الحالية موجهة نحو تحقيق األهداف املتعلقة بحفظ الكرامة‬
‫اإلنسانية وإمكانية البقاء عىل كوكب األرض‪ ،‬وهي أمور يعتمد عليها الرفاه االقتصادي‪ .‬والتعليم من أجل تحقيق الرفاه االقتصادي‪،‬‬
‫من هذا املنطلق‪ ،‬يلزم أن يتيح الفرص للطالب للنظر ليس فقط يف الكيفية التي ينظم بها االقتصاد حالياً‪ ،‬وإنما أيضا ً يف الكيفية التي‬
‫يمكن بها إعادة التفكري فيه وإعادة تنظيمه من أجل تحقيق هذه األهداف األوسع نطاقا ً املتمثلة يف ازدهار اإلنسان والكوكب‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫إن التعليم من أجل تحقيق الرفاه االقتصادي يتطلب االهتمام بالتحديات الواقعية التي يواجهها الناس يف جميع أنحاء العالم ‪ -‬وهي‬
‫التحديات املتعلقة بانعدام االستقرار‪ ،‬والعمالة الناقصة‪ ،‬واالستغالل‪ ،‬واالضطرابات االقتصادية واإليكولوجية الكبرية‪ .‬وأن يستجيب‬
‫التعليم لهذا الواقع معناه أن الوقت قد حان لنبذ فكرة أن التعليم املوجه نحو «الوظائف» هو تعليم فيه الكفاية‪.‬‬

‫فقد حان الوقت‪ ،‬بدال ً من ذلك‪ ،‬للرتكيز عىل الشخص بأكمله داخل سياقه‪ ،‬أي عىل قدرة األشخاص عىل بناء العالقات‪ ،‬وتشكيل‬
‫التحالفات االجتماعية‪ ،‬والعمل كمواطنني يقظني ومشاركني وكأوصياء عىل املوارد املشرتكة املحلية والعاملية‪ ،‬إىل جانب االعتناء‬
‫بمهاراتهم ومعارفهم الالزمة للعمل يف االقتصادات النظامية وغري النظامية‪ .‬وهذا االهتمام الكيل بما يشكل الرفاه االقتصادي هو وحده‬
‫الذي يمكن أن يبدأ يف الوفاء بالوعد القديم بأن يكون التعليم قادرا ً عىل املساعدة يف خلق حياة أفضل‪.‬‬
‫سلسلة أوراق العمل بشأن البحث واالستشراف في مجال التعليم‬ 11

‫المراجع‬
Bezdek., R., Wendling, R. 2014. The jobs impact of GHG reduction strategies in the USA. International Journal of Global
Warming (IJGW), Vol. 6, No. 4

Boyle, D. and Simms, A. 2009. The New Economics: A Bigger Picture. London, Sterling VA: Earthscan

Brown, P., Lauder, H., Ashton, D. 2012. The Global Auction: The Broken Promises of Education, Jobs and Incomes. Oxford:
Oxford University Press

Buchanan J., Allais S., Anderson M., Calvo R. A., Peter S. and Pietsch T. 2020. The futures of education for participation
in 2050: Educating for managing uncertainty and ambiguity. Paper commissioned for the UNESCO Futures of
Education report (forthcoming, 2021).

Chang, H. J. 2010. 23 Things They Don’t Tell You About Capitalism. London: Penguin

Galhena, D., Freed, R., Maredia, K. 2013. Home Gardens: A promising approach to enhance household food security and
wellbeing. Agriculture and Food Security, 2 (8)

Graham, M and Shaw, J. (eds). 2017. Towards a Fairer Gig Economy. London: Meatspace Press Hickel, J. 2020 Less is More:
How Degrowth Will Save the World. London: Penguin

Hickel, J. 2020 Less is More: How Degrowth Will Save the World. London: Penguin

Mazzucato, M. 2017. The Value of Everything: Making and Taking in the Global Economy. London: Penguin Raworth, K.
2017. Doughnut Economics. Chelsea Green Publishing: White River Vermont

Royal Society. 2017. Machine Learning: The power and promise of machines that learn by example. London: The Royal
Society

Sayer, A. 2015. Why We Can’t Afford The Rich. Bristol: Policy Press

Sidorkin, A. 2017. Education for Jobless Society. Studies in the Philosophy of Education, 36, 7-20

Steffen, W., Rockström, J., Richardson, K., Lenton, T. Folke, C., Liverman, D., Summerhayes, C.P., Barnosky, A.D., Cornell, S.E.,
Crucifix, M., Donges, J.F., Fetzer I., Lade, S.J., Scheffer, M., Winkelmann, R., and Schellnhuber, H.J. 2018. Trajectories
of the Earth System in the Anthropocene. Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of
America.

United Nations. 2020. UN report highlights links between ‘unprecedented biodiversity loss’ and spread of disease.
(Accessed 03 March 2020) https://news.un.org/en/story/2020/09/1072292

United Nations Department of Economic and Social Affairs. 2019. World Population Aging 2019. New York: United
Nations

Waddock, S. 2020. Reframing and transforming economics around life. Sustainability, Volume 12, issue 18

Woodcock, J. and Graham, M. 2019. The Gig Economy: A Critical Introduction. Cambridge: Polity

‫تسهم أوراق عمل سلسلة البحث واالستشراف يف جمال التعليم يف النقاشات العاملية املتعلقة ابلتعليم والتنمية يف عامل خييم عليه مناخ من عدم‬
‫ كذلك تطرح هذه السلسلة نظرة معمقة اثقبة‬.‫ وهي ختدم مجهوراً واسعاً من حمللي السياسات واألكادمييني واملمارسني‬.‫االستقرار والتعقيد والتناقض‬
.‫ ومبادرة مستقبل الرتبية والتعليم‬٢٠٣٠ ‫على القضااي الرئيسية يف إطار كل من خطة التنمية املستدامة لعام‬

‫ وتعرب وجهات النظر الواردة يف أوراق العمل عن آراء‬.‫وتتضمن أوراق العمل هذه أمساء املؤلف (املؤلفني) وينبغي أن يُستشهد هبا على هذا النحو‬
.‫ أو احلكومات اليت متثلها‬،‫املؤلف (املؤلفني) وال تعكس ابلضرورة وجهة نظر اليونيسكو واملنظمات التابعة هلا‬

.‫ التعليم من أجل البقاء يف املستقبل‬:‫ تعلم لتصبح يف وئام مع العالم‬.2020 ،‫ تجمع أبحاث العوالم املشرتكة‬:‫لالستشهاد بهذا املقال‬
.‫ اليونسكو‬،‫ باريس‬.‫ من سلسلة البحث والنظرة االسترشافية بشأن التعليم‬29 ‫ورقة العمل‬

You might also like