Professional Documents
Culture Documents
كلية الحقوق
الدراسات العليا
قسم القانون العام
إشراف
األستاذ الدكتـــور
محمد رفعت عبد الوهاب
وقد أوصت اللجنة بمنح الباحث (فيصل بن سعود بن عبد هللا اليعقوبي) درجة
الدكتوراه في الحقوق بتقدير (جيد جدا مرتفع) ويعادل درجة (.) B+
الشكر والتقدير
من باب االعتراف بالفصل ألولى الفضل ،وعمالً بقول النبي (صلى هللا عليه وسلم) :من ال
يشكر الناس ال يشكر هللا ،فإننى أقل بالفضل لذويه ،وأنسب المعروف ألهله ،وأتقدم بأسمى آيات
الشكر والعرفان إلى أستاذي العالم الجليل األستاذ الدكتور /محمد رفعت عبد الوهاب أستاذ
على فانتقل إشراف هذه الرسالة القانون العام بكلية الحقوق جامعة االسكندرية ،والذي َّ
من هللا به َّ
إليه ،فغمرني بفضله وسعة صدره ،وأحاطني بعلمه ونصحه ،ووجدت في توجيهاته السديدة،
وآرائه الرصينة خير معين لي ،أطال هللا في عمره ومتعه بالعافية.
كما أتقدم بالشكر والعرفان ،إلى أستاذي فقيه القانون العام ،العالم الجليل األستاذ
الدكتور /محمد باهي أبو يونس أستاذ ورئيس قسم القانون العام والعميد السابق لكلية الحقوق-
جامعة اإلسكندرية -لتفضل سيادته مشكو اًر بقبول االشتراك في عضوية لجنة الحكم لمناقشة هذه
فت به موجهاً ومرشداً ،ومعلماً ومقوماً ،ومما ال شك
الرسالة ،فقد وهب لي جزءاً من وقتهَ ،ف َشر ُ
اء فكرياً ،ونه اًر متدفقاً في شريان هذا البحث لعلمه الفياض وفكرهفيه أن وجود سيادته سيشكل إثر ً
المتجدد ،فجزاه هللا عني وعن طالب العلم كل خير.
كما أتقدم بعاطر الشكر والثناء وعظيم المودة واالمتنان إلى معالي المستشار الدكتور/
محمد أحمد عطية وزير التنمية المحلية وشئون مجلسي الشعب والشورى األسبق ،والنائب األول
لرئيس مجلس الدولة األسبق ،لتفضل سيادته بقبول عضوية لجنة الحكم على الرسالة ،فهو العالم
الجليل بأدبه وعلمه ،والشك أن مشاركته في لجنة الحكم ووجود اسمه على رسالتي المتواضعة،
فخر وشرف ال يدانيه شرف ،فجزاه هللا عني خير الجزاء ،وأغدق عليه من موفور كرمه صحة
وعافية وعلماً.
الباحـــث
ُوا من َََ آِين ها َّ
الذ َُّ
يَ يا أ َ
ْا
ًل َوولوا ق ُ َُق ُوا َّ
اَّللَ و َّ
اتق
ُم
ْ ْ َلك ْل
ِح يصدا * ُ ِيا سَد
ْ ُ
ِر لكمَ ْ ْ ََ ُْ
أعمالكم ويغف َ َْ َ
اَّللَ
ِ َّ ِعيطْ ُمنََ
ْ و ُم
بكنوَ ُُذ
اا ْزَو َ فَاز د فََْق
ه ف َسُ َ
ولُ َرو
عَظِيماا
(سورة األحزاب ،اآليتان )71 ،70
مقدمــــــة
مقدمة
اكتسبت الحريات حماية قانونية وهو ما يعبر عنه الحماية الدستورية للحريات ،ويقصد
بتلك الحماية أن تكون للنصوص الدستورية التي تقرر الحريات نفس القيمة القانونية المعترف بها
لسائر النصوص الدستورية ،وأن تكون ذات موقع أسمى في سلم البناء القانوني للدولة ،وبالتالي ال
يجوز ألي سلطة أن تتجاوز مقتضاها مع ما يستتبع ذلك من عدم جواز تعديل القوانين إال في إطار
النصوص الدستورية.
وقد أصبح من حق الفرد في العصر الحاضر أن يتمتع بالحقوق والحريات العامة ،ولكن ليس
بصفة مطلقة أو بدون ضوابط ،فكل حرية أو حق إذا ما أطلق استعماله تحول إلى فوضى تمس
حقوق وحريات اآلخرين .لذلك وجب ضبط الحرية من طرف الهيئات أو الجهات المختصة
وبالضمانات المقررة قانونا ،وهذا ما يسمى" بالضبط اإلداري "الذي يعتبر وظيفة إدارية تتمثل في
حماية النظام العام ،وقد أسندها المشرع إلى السلطة التنفيذية بحكم طبيعتها ،وما لها من القدرة
العملية على التدخل السريع لحماية النظام العام ،باإلضافة إلى المهمة الموكلة إليها دستوريا وهي
تنفيذ القوانين ،وبالتالي فممارسة نشاط الضبط اإلداري هو نتيجة طبيعية لتنفيذ القوانين التي تنص
على المحافظة على النظام العام.
وبناء على ذلك فإن السلطة التشريعية تعتبر المشرع األصلي الذي يصنع القوانين للنشاط
الضبطي ،فحرية القيام بالشعائر الدينية ،وحرية االجتماع ،وحرية الصحافة ،وحرية الرأي تنظم
عادة بتشريعات يتكون منها النظام العام للحريات الفردية ،وهي تعتبر قوانين ضبط ،كما يوجد ضبط
إداري تمارسه الهيئات اإلدارية المختصة قانونا ،والتي تكون مهمتها تنفيذ القوانين بالوسائل اإلدارية
لصيانة النظام العام.
وتعد ممارسة وظيفة الضبط اإلداري مظهرا ً من مظاهر السلطة العامة في فرض النظام
العام بواسطة مجموعة من االمتيازات ،والسلطات ،التي تمارسها هيئات الضبط اإلداري بهدف
الحفاظ على أمن وصحة وسكينة أفراد المجتمع.
هذا وتعتبر أعمال الضبط اإلداري تدابير مانعة وقائية ،وسابقة على حدوث التهديد باإلخالل
بالنظام العام ،ويظهر ذلك بالتصدي لكل ما يهدد استقراره ،باتخاذ كل اإلجراءات الوقائية قبل وقوع
اإلخالل ،أو حتى بعد وقوعه ،إذا لم يصل األمر إلى حد الجريمة الجنائية التي تباشر فيها وظيفة
الضبط القضائي بهدف معاقبة مرتكبيها .غير أنه في بعض األحيان تستمر مهمة الضبط اإلداري
بعد وقوع االضطرابات ،وهذا معناه أن التدابير في هذه الحالة ليست مانعة ،وإنما تأخذ أسلوب
الجزاءات اإلدارية كاالعتقال أو سحب الترخيص أو المصادرة.
لذلك فإن الضبط اإلداري يعد ضرورة اجتماعية ،فهو مجموعة من الوسائل التي تفرضها
هيئات الضبط اإلداري على حريات األشخاص ،أو نشاطاتهم بهدف الحفاظ على النظام العام ،وتأخذ
شكل لوائح تنظيمية ،أو قرارات فردية ،أو جزاءات إدارية ،ويترتب عليها تقييد حقوق وحريات
األشخاص بالقدر الذي يضمن إيجاد نوع من التوازن بين متطلبات ممارسة الحقوق والحريات،
ومقتضيات الحفاظ على النظام العام ،وهذه المالئمة يحددها المشرع ،وتنفذها هيئات الضبط اإلداري.
ويجب أن نوضححححح ناحيتين على قدر من األهمية ،األولى :إن الضححححبط اإلداري هو ضححححرورة
حتمية ال يقوم المجتمع بدونها ،فأين هو المجتمع الذي تقوم له قائمة إذا ما أهدر فيه هدف الضححححححبط
اإلداري المتمثل في المحافظة على النظام العام بعناصحححححره التقليدية على أقل تقدير (األمن -الصححححححة-
السحححكنية) ففكرة الضحححبط اإلداري تشحححكل صحححمام األمان ألي مجتمع ،فهي الجانب الوقائي الذي يحمي
المجتمع من العوارض التي تعوق أمنه واستقراره.
والثانية :إن السحححلطة اإلدارية وهي تمارش نشحححاطها في الضحححبط اإلداري سحححيتطلب ذلك تقييد
حريات األفراد وحقوقهم ،بل وقد يمس هذه الحريات والحقوق مسححاسحا ً كبيرا ً وال شححك في أن الدسححاتير
الحديثة تنص على رعاية حقوق اإلنسححححححان وحرياته ،باعتبار أن أسححححححمى شححححححيء في الوجود هو تمتع
اإلنسحححححححان بالحرية التي فطر هللا الناش عليها ،ولعل آخر ما يهدد هذه الحرية هو فرض القيود على
ممارستها.
وال شححححححححك أن مالحظححة األمرين المتقححدمين تححدعونححا إلى التسححححححححا ل حول كيفيححة التوفيق بين
ضحححرورتين حتميتين هما ممارسحححة الضحححبط اإلداري من جهة ،والحافح على حقوق األفراد وحرياتهم
من جهة أخرى ،السححححححيما إن ممارسححححححة األولى قد تددي إلى االعتداء على الثانية ،فهل من األفضححححححل
التضحية بإحداهما أو محاولة التوازن والتوفيق بنيهما؟.
إال أن الق ضاء اإلداري قد ح سم اإلجابة عن هذا الت سا ل ب ضرورة التعايش بين ال ضرورتين
ومحاولة الموازنة بينهم ،فالقضححاء يمنح اإلدارة سححلطة واسححعة لتحقيق الصححالح العام ،ولكنه في الوقت
ذاته يُخضحححححع اإلدارة في ممارسحححححتها لهذه السحححححلطات ألكبر قدر ممكن من الرقابة فال سحححححبيل إلى دفع
خطورة التعدي على حريات األفراد وحقوقهم من سححلطات الضححبط اإلداري إال بإيجاد الضححمانات التي
تحقق الوقاية والعالج ،فاألولى الوقاية ،تتمثل في تحذير السححلطة التنفيذية من إسححاءة اسححتعمال السححلطة
المخولة لها ،وبث الخشحححية في نفوش القائمين بها من مغبة اإلسحححاءة ،والثانية العالج ،يتمثل في تزويد
األفراد بالوسائل التي تكفل رد االعتداء على حقوقهم وحرياتهم ومسائلة المعتدين عن هذا االعتداء.
ومع أهمية أعمال الضبط اإلداري ،يبقى واضحا أن نشاط اإلدارة وما يحتويه من تقييد
لحريات األشخاص سواء في الظروف العادية ،أو في الظروف االستثنائية ،يعد من السلطات بالغة
الخطورة في آثارها على الحريات العامة ،كما يعتبر مجاالً النحراف هيئات الضبط اإلداري عن
هدفها المحدد ،وهو المحافظة على النظام العام ،مما يلزم معة بسط الرقابة القضائية على اعمال
الضبط االدارى ،حيث ان هذه الرقابة القضائية هى التى تدكد فكرة سيادة القانون التى هى بالطبع
أساش الحكم في الدولة ،حيث تمارش سيادة القانون من خالل القضاء الذى يعتبر عدلة ونزاهتة ضمان
للحقوق والحريات ،وهذا ما أكد علية دستور سلطنة عمان في المادة 59من المرسوم السلطانى رقم
.101/96
سبب اختيار موضوع البحث:
إن اختيارنا لهذا الموضوع جاء لكونه متصال اتصاال وثيقا بالحياة اليومية للمجتمع ،وأكثرها
تأثيرا على حقوق وحريات األشخاص ،وإيمانا منا بأن الرقابة القضائية هي أفضل ضمانة لحماية
األشخاص من جهة ،وعدم انحراف هيئات الضبط اإلداري عن هدفها في المحافظة على النظام
العام من جهة أخرى.
كما يرجع سبب اهتمامي بهذا الموضوع إلى عدم وجود دراسة كافية ومتخصصة فيه،
فأغلب الدراسات تناولت الضبط اإلداري بصفة عامة ،سواء من حيث سلطاته البلدية أو الوالئية،
أو التي درست الضبط اإلداري والقضائي ،أو التي بحثت في عملية الموازنة بين أعمال الضبط
اإلداري والحريات العامة ،فمعظم هذه الدراسات تعرضت للرقابة القضائية كعنصر من عناصر
الموضوع فقط.
أهمية البحث:
أبدأ الكالم عن أهمية البحث بعبارة ( ال حرية بال قيود وال سححححححلطة بال حدود) فكلمة
الحرية لها سحححححححرها وبريقها لكن الحرية بالمطلق أمر غير جائز وغير مقبول ،والسححححححلطة
المطلقة هي مفسدة مطلقة ،لذا ال يمكن أن تكون من غير حدود تحدها وتقف عندها ،السيما
ما يتعلق منها مسححاس حا ً بالحريات ونخص بالقول سححلطة الضححبط اإلداري ،التي غايتها حماية
النظام العام وهذه السحححححلطة ليسحححححت غاية بحد ذاتها بل وسحححححيلة لتحقيق غاية باعتبارها هدفا ً
ومعيارا ً شرعيا ً لها.
ومما الشك فيه أن وضع الحقوق والحريات في الدولة ال يقاش بالمبادئ األساسية أو القواعد
المنصوص عليها في الدستور أو القوانين ،بقدر ما يقاش بمدى فعالية الحماية القضائية التي تريدها
الدولة وتقدمها فعال لها ،فمن المسلمات أنه كلما ازدادت واتسعت الحماية القضائية لحقوق وحريات
األشخاص ،كلما تحررت إمكانياتهم ،وذلك ألن مخالفة القانون في أي مجتمع هي إهدار لمقومات
الدولة والنظام العام ،ومن ثم تبرز أهمية الرقابة القضائية كضمانة لحل إشكالية التنازع بين هيئات
الضبط اإلداري وحقوق وحريات األشخاص.
هكذا فإن جناحي البحث هما السلطة والحرية ،وهما مفهومان طالما كانا متصارعين
ومتناقضحححححين ،وضحححححمانات التوازن هي هدف بحثنا وهمزة الوصحححححل بينهما ال تعدمهما وال
تطلقهما فاألمر بين أمر ال إفراط وال تفريط.
)3ما مدى حتمية الرقابة القضائية كضمانة لحماية الحقوق والحريات من التجاوزات
الصادرة عن هيئات الضبط اإلداري؟.
)4ما هو دور الرقابة القضائية في تحقيق التوازن بين متطلبات ممارسة الحقوق
والحريات ،ومقتضيات الحفاظ على النظام العام؟.
)6هل الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ثابتة ،أم أنها متناسبة مع مختلف
الظروف التي تمر بها الدولة؟.
أهداف الدراسة:
إن أي دراسة لن تكون ذات أهمية ما لم يجد جانبها النظري طريقه إلى الجانب العملي ،لذلك
ينشد الباحث من خالل هذه الدراسة الوصول إلى جملة من األهداف العملية والعلمية المتمثلة في:
أ .تسليط الضوء على دور القضاء في مراقبة هذا النوع من نشاط اإلدارة وتحقيقه لعملية
التوازن بين الحقوق والحريات ،والمحافظة على النظام العام.
ب .التـعــرف على مخــتـلف وضــعـيات الـرقـابة القــضــــائية ســـواء فـي الظــروف
العـــاديــة أو االســــتثـنائيـة ،وكــذلك مـدى رقــابة القضـــاء على مالئــمة تـدابيــر
الضـــبط اإلداري.
ج .كما توضح هذه الدراسة لرجال القانون ،السياسة القضائية المرنة التي اتبعها القضاء
المقارن سواء في فرنسا أو في مصر أو في سلطنه عمان ،أثناء فصله في النزاعات،
واستخالصه لبعض المبادئ القانونية والضوابط التي ألزم بها هيئات الضبط اإلداري حماية
للحقوق والحريات.
د .كما ترمي هذه الدراسة إلى حث القضاء العماني على توسيع الرقابة القضائية على أعمال
الضبط اإلداري ،وجعلها أكثر مرونة ،ومحاولة إيجاد بعض االجتهادات القضائية في
الموضوع.
و .توضيح عملية الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،وذلك من خالل بعض
القرارات القضائية في كل من فرنسا ،مصر ،وعمان.
ز .الوصول إلى توصيات توضح بعض النقائص وتكون مفتاحا لدراسات أخرى في هذا
الموضوع أو في عنصر منه.
منهج الدراسة-:
اتبعنا في دراستنا المنهج المقارن من زاويتين-:
األولى :المقارنة بين القانون المصححري وسححلطنة عمان والفرنسححي ،وهذا األخير عند
الحاجة وإن اقتضححت الضححرورة ،ففي كل مسححألة من مسححائل الرسححالة اسححتقصححينا فيها موقف
القوانين لدى موطن الباحث وبلد الدراسحححححة ،وفرنسحححححا عند الحاجة ،حتى يكتمل عند القارئ
النظحام القحانوني لنظر ية الضححححححبط اإلداري في كحل قانون على حدة ،وحتى تظهر الر ية
واضحة لمناطق االتفاق واالفتراق بين القوانين الثالثة.
الثانية :حرصححححححت الدراسححححححة على التأصححححححيل التاريخي المقارن عند الضححححححرورة،
فاسححتعرضححت في المسححائل ذات األهمية الوضححع في الدسححاتير أو القوانين الملغاة ومقارنتها
بالقوانين النافذة ولعل ذلك من األهمية بمكان ،حيث تكشف من ورائه مدى توافق التعديالت
التشريعية مع حاجات المجتمع وتطوره دون المساش بحقوق الفرد وحرياته.
كما حاولت في هذه الدراسة أن استقصى أيضا ً في كل جزئية موقف التشريع والفقه
والقضحححححححاء ،بحيث يجتمع التأصححححححيل مع التحليل ،ومن هنا يمكننا القول بأننا إتبعنا المنهج
التأصححيلي حيث رددت كل مسححألة إلى أصححولها النظرية السححليمة ،وبجانب هذا إتبعنا المنهج
التحليلي وذلك ببسط القول في تطبيقات المسألة المعروضة وتحليلها بشكل قانوني سليم.
وبناء على ذلك قسمنا الرسالة إلى فصلين على النحو التالى :
الفصل األول :ماهية الضبط اإلداري وحدودة القانونية
الفصل الثانى :حدود الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
الفصل األول
ماهية الضبط اإلداري وحدوده
القانونية
الفصل االول
ماهية الضبط اإلداري وحدوده القانونية
يمثل الضبط اإلداري الوظيفة األساسية لإلدارة العامة والتي تمثل السلطة التنفيذية في كل
دولة ،فتعد هذه الوظيفة هي األكثر خطورة وأهمية ،حيث تبرز هذه الوظيفة كمظهر جوهري لوجود
الدولة وكتعبير رئيس عن سيادة السلطة الحاكمة.
ويرى بعض الفقهاء أن كلمة "ضبط" في مضمونها القديم تعني مجموع الحدود التشريعية
والالئحية التي ترمي إلى المحافظة على حقوق النظام في الدولة ،فهي ترتبط بكفالة هدوئها الذي
يتناقض مع تعكيره ،ويصون الصحة العامة بحكم مسئوليتها عن النظام في مدلوله الرحب.
وال يتصور للمجتمع اإلنساني وجود بدون نظام يضبط سلوك األفراد داخل المجتمع في
ممارسته لحقوقه الطبيعية ،ويهدف الضبط اإلداري إلى حماية النظام العام بتنظيم ممارسة األفراد
لحرياتهم وأنشطتهم الخاصة ،وذلك باتخاذ تدابير تقيد بها هذه الحريات وتختلف شدتها حسب نوع
الحرية المراد تقييدها ،كما تتسع سلطات الضبط اإلداري في ظل الظروف االستثنائية لمواجهة هذه
الظروف.
وبناء على ما تقدم رأينا أن نتحدث في هذا الفصل عن الضبط اإلداري وذلك من خالل المباحث
اآلتية:
المبحث األول :مفهوم الضبط اإلداري.
المبحث الثاني :القيود الدستورية والقانونية للضبط اإلداري
المبحث الثالث :القيود المتعلقة باإلجراء الضابط
المبحث األول
مفهوم الضبط اإلداري
المبحث األول
مفهوم الضبط اإلداري
معظم التشريعات في دول العالم ،وخاصة في فرنسا ومصر وسلطنة عمان ،لم تتعرض
لتعريف الضبط اإلداري بصورة محددة وقاطعة ،وإنما تناولت فقط أغراض الضبط اإلداري ،وحتى
بالنسبة لألخيرة لم تتكفل بسرد كل أغراضه بصورة واضحة ومحددة ،ويرجع ذلك إلى مرونة فكرة
النظام العام ،واختالفها باختالف الزمان والمكان ().1
والهدف من الضبط اإلداري ،يتسم بالطابع الوقائي ،وهو المحافظة على النظام العام داخل
الدولة ،ويختلف عن مهمة الضبط القضائي التي تتعلق بكشف الجرائم التي وقعت فعالً.
واختلف الفقه في مصر وفرنسا ،حول تحديد تعريف للضبط اإلداري ،وكذلك تحديد طبيعته،
هل هي سلطة سياسية؟ أم هي وظيفة ضرورية ومحايدة؟ ومهما يكن من أمر تلك المسألة فإن الدراسة
في هذا المبحث ستكون مقسمة إلى مطلبين وذلك كما يلي:
المطلب األول :ذاتية الضبط اإلداري.
المطلب الثاني :أنواع الضبط اإلداري وطبيعتة
المطلب األول
ذاتية الضبط اإلداري
لم تتعرض معظم الدول في تشريعاتها لتعريف الضبط اإلداري بصورة قاطعة ومحددة وخاصة في
كل من فرنسا ومصر وانجلترا ،وإنما الشاهد أنها تناولت بعض أغراض الضبط اإلداري فقط ،فلم تتعرض
ً()2
تلك التشريعات لكل األغراض بصورة واضحة ومحددة ،وسوف نعرض آلراء الفقه في هذا الصدد الحقا
.
وتجدر اإلشارة هنا إلى أن لفح الضبط لفح عربي يقصد به بمعناه العام تنظيم الدولة تنظيما ً
وقائيا ً يكفل سالمتها ودفع األضرار عنها ،أي بعبارة أخرى تنظيم المجتمع تنظيما ً حكومياً ،والنظام
د .محمود عاطف البنا ،الوسيط 1في القضاء اإلداري ،الطبعة الثانية ،بدون دار نشر ،1999 ،ص.401 ( )
د .ص ال ال الالالل أحمد الس ال ال الاليد جودة 2،العيوب الش ال ال الالكلية والموض ال ال الالونية للق اررات اإلدارية ،د ارس ال ال الالة مقارنة بالشال ال ال الريعة ( )
المالءمة االمنية ومش ال الالرونية ق ار ارت الض ال الالبط االدارى ،رس ال الالالة دكتوراة ،اكاديمية
3
) طارق س ال الاليد أحمد حس ال الالن ، (
حسال ال ال الالام مرسال ال ال الالي ،سال ال ال الاللطة اإلدار6ة في مجال الضال ال ال الالبط اإلداري ،دار الفكر الجامعى – االسال ال ال الالكندرية ،2015 - ( )
ص.129
اإلداري() ،7فالضبط اإلداري فكرة لها حدود واسعة في مجاالت كثيرة ،تزداد مع األيام سعة تبعا ً
للمالبسات والظروف.
وبناء على ذلك فإن الدراسة في هذا المطلب ستكون مقسمة إلى فرعين :
الفرع االول :تعريف الضبط اإلداري.
الفرع الثانى :وسائل وأغراض الضبط اإلداري.
الفرع االول
التعريف بالضبط اإلداري
أوالً :الضبط لغة واصطالحا ً:
من خالل هذا الفرع سنقوم باإلشارة إلى تعريف الضبط اإلداري لغة واصطالحا ً وذلك على النحو
التالي:
أ -الضبط في اللغة:
الضبط في اللغة له عدة مفاهيم ،فهو يعني أوالً :دقة التحديد فيقال ضبط األمر بمعنى أنه حدده على
وجه الدقة .وهو يعني ثانياً ،وقوع العينين ثم إلقاء اليدين على شخص كان خافيا ً ويجرى البحث عنه،
فيقال إنه ضبط ذلك الشخص أو هذا الشيء .ويعني ثالثاً ،التدوين الكتابي المشتمل على معالم يخشى
لو ترك أمرها دون تسجيل لها أن تبدل معالمها ويزول أثرها من ذاكرة من عاينها وشاهدها ،ولذا يقال
قانونا ً إن ضبط الواقعة يعني تحرير محضر لها ،وتعنى رابعا ً وأخيرا ً أن يفهم من العود باألمور إلى
وضعها الطبيعي المنسجم مع القانون الحاكم لها وذلك عقب اضطراب أصاب منحرفا ً بها عن حكم هذا
القانون().8
ويعني اإلحكام واالتقان وإصالا الخلل والتصحيح ،ويمكن تعريفه أيضا ً في اللغة ،بانه حفح
الشيء بالحزم حفظا ً بليغا ً أي إحكامه واتقانه().9
وتحتوي معاجم اللغة العربية على معان مختلفة لمصطلح الضبط منها "بأنه لزوم الشيء حفظه ولرجل
ضابط أي حازم"() 10.ويقال أيضا ً الضبط لزم الشيء وحبسه ال يفارقه في كل شيء( )،
11وعلى ذلك
) د .عبد الغنى بسيونى عبد هللا7 ،القضاء اإلداري ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،1996 ،ص.26 (
راجع :د .عادل السال ال الالعيد محمد 8أبو الخير ،القانون اإلداري ،أكاديمية الشال ال الالرطة ،كلية الشال ال الالرطة ،السال ال الالنة الثانية، ( )
،2012/2011ص.189 ،188
المعجم الوسال ال ال ال ال ال الاليط ممالادة الضال ال ال ال ال ال9الالبطم ،مجمع اللغالة العربيالة ،القالاهرة ،الطبعالة الثالالثالة ،الجزء األول ،مطبعالة دار ( )
أما الضبط في االصطالا فيقصد به تنيظم الدولة بطريقة وقائية لضمان سالمة رأش المجتمع ،فنظام
()13
الضبط في معناه العام هو تنظيم وقائي .
على أن هناك معنى آخر للضبط اإلداري يأخذ بعين االعتبار األجهزة والهيئات المختصة بممارسة
()14
وظيفة اإلدارة في الضبط أكثر من تركيزه على النشاط في المعنى العضوي .
إن الذي يهمنا في هذا المجال هو المعنى االصطالحي ،الذي ال يخرج عن كونه " :مجموعة القرارات
واإلجراءات التي تتخذها السلطة اإلدارية بهدف حماية وحفح النظام العام والمحافظة عليه وقد كرش
الفقه هذا المعنى الوظيفي للضبط اإلداري .
ثانياً :الضبط تشريعا ً وفقهاً:
أ -معنى الضبط اإلداري تشريعاً:
- 1في فرنسا:
بمراجعة النصوص التشريعية التي تناولت أهداف الضبط اإلداري في فرنسا لم نجد
تعريفا ً دقيقا ً للضبط اإلداري ذلك أن القانون عندما تناول تعريفه لم يتعرض لتحديد أغراضه
السال الاللطانية والتى حددت المادة 11من القانون رقم 35لسال الالنة 1990سال الاللطات الشال الالرطة فى مجال المحافظة على
النظام العام بعناصال ال الرة الثالثة (االمن العام – الص ال الالحة العامة – الس ال الالكينة العامة ) للمزيد انظر :س ال الالالم بن ارش ال الالد
العلوي ،المرجع السابق ،ص. 283
بصورة واضحة بل صورة عارضة ،وعليه سنحاول أن نستعرض التعريف الذي يمكن
()15
االستدالل منه في النصوص التشريعية المتاحة بالنسبة لفرنسا.
حيث حدد الضبط اإلداري أهدافا ً -ليس بصورة قاطعة -ومنها أنه يقع على عاتقها
اآلتي ،أن تجعل السكان ينعمون بمزايا ضبط حسن ،وخاصة النظافة والصحة واألمن
بالشوارع واألماكن والمنشآت العامة ،كذلك جاء في المادة ( )97الفقرة ( )1من القانون
الصادر في 5أبريل عام 1884الخاص بتحديد اختصاصات الهيئات المحلية ،ما نصه "
يختص البوليس المحلي بالمحافظة على حسن النظام واألمن العام والصحة العامة ،ولقد عاد
()16
هذا النص للظهور في قانون 28سبتمبر من عام 1971والمتعلق بالتنظيم البلدي .
إذا ً فالمشرع الفرنسي لم يتعرض لتعريف الضبط اإلداري بصورة قاطعة أو محددة،
وإنما تناول فقط تحديد أهدافه ،بصورة عامة ،حيث قام بعرض أهداف البوليس اإلداري
بعرض صور لها إال أنه لم يتناول تحديد األهداف كلها.
وفي القضاء اإلداري الفرنسي أن نصوص قانون 1884ال تفي بالغرض بشكل
واضح ،أيضا ً ولذات السبب ،نجد مفوض الحكومة CORNEILIEفي قضية BALDY
في أغسطس 1917وضح في مذكرته حدود ومجاالت الضبط العام حيث تشكل العناصر
التقليدية وهي :األمن والسكينة والصحة العمومية ولكن ليكون مجالها في إطار مفهوم النظام
()17
العام .
وعلى هذا نرى أن إحجام المشرع الفرنسي عن وضع تعريف محدد -للضبط -يرجع
إلى طبيعة فكرة النظام العام التي تتسم بالمرونة والتطور ،بالنظر إلى تغير هذه الفكرة
بإختالف الزمان والمكان خاصة وأن هذه الفكرة ترتبط بالطرف السائد وطبيعته ،فيما إذا
كان عاديا ً أم استثنائياً.
-2في مصر:
نصت المادة ( )184من دستور مصر العربية الصادر عام 1971المعدل " الشرطة
هيئة مدنية نظامية ،رئيسها األعلى ،رئيس الجمهورية ،وتددي الشرطة واجبها في خدمة
الشعب ،وتكفل للمواطنين الطمأنينية واألمن العام واآلداب ،وتتولى تنفيذ ما تفرضه عليها
18وقد جاء في المادة
القوانين واللوائح من الواجبات وذلك كله على الوجه المبين بالقانون()،
( )15جمال نباس أحمد عثمان ،الضبط االدارى فى مجال البناء والتعمير ،رسالة دكتوراة ،كلية الحقوق ،جامعة
االسكندرية ، 2001 ،ص.32
التعمير ،رسال ال الالالة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة
1
ضال ال الالبط اإلداري في مجال البناء و
6
جمال نباس أحمد عثمان ،ال ) (
( )20امل لطفى حسن ،الرقابة القضائيىة على ق اررات الضبط الخاصة باالجانب ،رسالة دكتوراة ،كلية الحقوق ،
جامعة حلوان ، 2002 ،ص.51
الضبط االدارى وسلطاتة وحدودة فى 2دولة قطر ،دراسة مقارنة ،رسالة دكتوراة ،
1
نيسى بن سعد النعيمى ، ) (
22مل لطفى حسن ،الرقابة القضائيىة على ق اررات الضبط الخاصة باألجانب ،المرجع السابق ،ص. 56
() أ
سالم بن راشد العلوي ،القضاء 3اإلداري العماني ،المرجع السابق2 ،ص.29 ) (
وذهب البعض إلى القول بأن الحقوق والحريات العامة()27التي يتمتع بها األفراد
ليست مطلقة ،بل هي مقيدة بعدم إضرارها بحقوق وحريات اآلخرين من ناحية ،وبعدم
إهدارها للقواعد العامة التي يستقر عليها التنظيم االجتماعي العام من ناحية أخرى ،لذا يعرف
هذا الرأي الضبط اإلداري بأنه " مجموع ما تفرضه السلطة العامة من أوامر ونواه
وتوجيهات لألفراد بغرض تنظيم حرياتهم العامة أو بمناسبة ممارستهم لنشاط معين بهدف
()28
صيانة النظام العام في المجتمع .
ويختلف الرأي في تعريف الضبط اإلداري ،وذلك لعدم وضع تعريف محدد بمعرفة
المشرع فقد اختلف الفقهاء في تعريفه سواء الفقه العربي أو الفقه الغربي وذلك كما يلي:
-1التعريف الفقهي العربي للضبط اإلداري:
اختلف الفقه العربي اإلداري في تعريف الضبط اإلداري ،ويرجع هذا االختالف إلى
تباين النظرة إلى هذه الوظيفة ،فلقد نظر جانب من الفقه إليه على أساش أنه غاية في ذاته
تسعى إليها سلطات الدولة ،ونظر جانب آخر على أنه قيد على الحريات العامة التي كفلها
الدستور والقانون ،وذهب آخرون إلى أنه وظيفة سياسية ترتبط بنظام الحكم ،كما اختلف
الفقهاء المصريون في تعريف الضبط اإلداري طبقا ً الختالف نظراتهم إلى هذه الوظيفة ،
وبعض الفقهاء يعرف الضبط اإلداري بأنه حق اإلدارة في أن تفرض على األفراد قيودا ً تحد
بها من حرياتهم بقصد حماية النظام العام ويرى أن الحريات العامة تتعرض لنوعين من
()29
القيود :
قيود يفرضها المشرع بنفسه " الضبط التشريعي". )1
في نطاق القيود التشريعية تستطيع اإلدارة أن تفرض قيودا ً جديدة إما تنفيذا ً للقوانين )2
()30
الصادرة في هذا الصدد ،وإما قيودا ً مبتدأة عن طريق لوائح البوليس أو الضبط اإلداري.
اللطات الض ال الالبط اإلداري في ال الظروف 2االس ال الالتثنائية ،د ارس ال الالة مقارنة بين الشال ال الريعة
6
أس ال الالامه أحمد محفوظ ،س ال ال ) (
والتشريعات الوضعية ،رسالة دكتو ارة ،كلية الحقوق ،جامعة المنوفية ،2002 ،ص. 111
اإلدارة ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسال ال ال ال الالكندرية،
2
د .سال ال ال ال الالامي جمال الدين ،القضال7ال ال ال الالاء اإلداري والرقابة على أعمال ) (
،2014ص.67
ونش ال ال ال ال الالاإل الس ال ال ال ال الاللطات اإلدارية الناش ال ال ال ال الالر دار
2
راجع :طعيمة الجرف القانون 8اإلداري والمبادئ العامة في تنظيم ) (
يف ،النظرية العامة للضال الالبط اإلداري 3لطلبة الد ارس ال الالات العليا ،سال الالنة ،1964ص
1
د .محمود سال الالعد الدين الش ال الر ) (
.70
ص .328
3
د .شفيق شحاته ،مبادئ القانو2ن اإلداري ،طبعة عام ،1955 ) (
.450
3
الدولة ،طبعة عام ،1973ص
4
د .محمد عصفور ،البوليس و ) (
،1994ص.471
اإلداري عالقة كبيرة بالحريات العامة وحقوق األفراد إذ أن صيانة النظام العام تقتضي في
()37
العادة فرض قيود عليها .
وأخيرا ً يرى الدكتور أحمد كمال أبو المجد أن سلطة البوليس عموما ً هي عبارة عن
الوسائل القانونية والمقصود بها عادة مجموعة السلطات الحكومية العامة التي تهدف إلى
الحفاظ على األمن والصحة والسكينة وتحقيق الرفاهية وللدولة في سبيل تحقيق ذلك أن تقيد
()38
الحقوق والحريات الخاصة .
ويترادف الضبط اإلداري أحيانا ً مع الرقابة ،فيعني توجيه السلوك سلبيا ً أو إيجابياً،
()39
والضبط بهذا المعنى اللغوي يشمل مختلف جوانب الحياة االجتماعية والعملية والقانونية .
)2التعريف الفقهي الغربي للضبط اإلداري:
وإزاء عدم وجود مفهوم محدد للضبط اإلداري في فرنسا ،اتجه الفقهاء إلى محاولة
وضع تعريف محدد للضبط اإلداري ،إال أنهم قد اختلفوا في ذلك حيث تعددت آراء الفقه
لوضع تعريف محدد ،ويرجع السبب في ذلك إلى أن كل اتجاه وضع تعريفا ً للضبط من
منظوره الخاص ومن هذه االتجاهات ما يلي-:
.1اتجه الفقيه " هوريو" إلى تعريف الضبط بأنه " :سيادة النظام والسالم وذلك عن
طريق التطبيق الوقائي للقانون ،وأن كافة وسائل الحكم فيما عدا القضاء الجنائي،
تعتبر وسيلة ضبط ومن يراه غاية من جهة أهدافه ،وقيدا ً على الحرية الفردية ،اعتبارا ً
()40
بنتيجة نشاطه وآثاره .
ويعرفه الفقيه "دي البادير" بأنه أحد أشكال تدخل اإلدارة التي تمارسها السلطات .2
()41
اإلدارية لتقييد الحريات الفردية بهدف حماية النظام العام .
ومن أحدث تعريفات الفقه الفرنسي تعريف " جاكوبيت" حيث عرفه بأنه" :أحد .3
أشكال التدخل للسلطة العامة لتنظيم األنشطة الخاصة بقصد حماية النظام العام".
وأخيرا ً فالباحث يرى بعد استعراض آراء الفقه المصري والفرنسي ،أن الضبط
اإلداري هو نشاط إداري تمارسه السلطات التنفيذية ،في إطار القواعد التنظيمية والتدابير
قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة 3،الناشر دار الجامعة الجديدة باإلسكندرية،
7
راجع :د .ماجد راغب الحلو ) (
سنة ،2012ص.87
راجع :د .عبد الرؤوف هاش ال ال الالم 8بس ال ال الاليوني نظرية الض ال ال الالبط اإلداري 3في النظم الوض ال ال الالعية المعاصال ال ال الرة والشال ال ال الريعة ) (
اإلسالمية ،الناشر دار الفكر العربي باإلسكندرية ،الطبعة األولى ،سنة ،2008ص.22
الوكيل ،حالة الطوارئ وسلطات الضبط 3اإلداري ،مرجع سابق ،ص.10
9
د .محمد محمد مصطفى ) (
يف ،النظرية العامة للض الالبط اإلداري4 ،مجلة مجلس الدولة ،الس الالنة الحادية عشال الرة،
0
د .محمود س الالعد الدين الشال الر ) (
طبعة ،1962ص.109
الوكيل ،حالة الطوارئ وسلطات اإلدارة4،دراسة مقارنة ،مرجع سابق ،ص.13
1
د .محمد محمد مصطفى ) (
الفردية لتقييد الحريات العامة ،مما يهدف إلى حماية النظام العام واآلداب ،وتمارسه تحت
رقابة القضاء والذي يراقب مشروعيته ومدى مالءمته للظروف الواقعية التي تبرره.
يمكن القول بأن الضبط اإلداري في السلطنة؛ ينطوي وفقا ً لتقسيمات القانون اإلداري
العماني ،وواقع الحال على معنيين ،األول معنى عضوي ،والثاني معنى وظيفي أو مادي.
المعنى العضوي للضبط اإلداري :ويقصد به الهيئة اإلدارية ممثلة بشرطة عمان
السلطانية ،التي أسند لها المشرع العماني استنادا ً إلى المادة ( )11من قانون الشرطة رقم
90/35مهام الحفاظ على النظام واألمن العام واآلداب ،وحماية األرواا ،واألعراض
واألموال وكفالة الطمأنينة ،والسكينة في كافة المجاالت ،والعمل على منع ارتكاب الجرائم،
وضبط ما يقع منها ،واتخاذ إجراءات التحري وجمع االستدالالت ،كما تتولى أية صالحيات
أخرى تنص عليها القوانين والمراسيم النافذة ،وكل ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من
واجبات أخرى ،ونجد أن هذه المادة من قانون الشرطة العماني جاءت متطابقة تماما ً مع نص
المادة الثانية من قانون عام 1995م الخاص بتنظيم البوليس المصري ،والتي تنص على أن
"تختص هيئة البوليس بالمحافظة على النظام واألمن العام ،وعلى األخص منع الجرائم
وضبطها ،وحماية األرواا واألعراض واألموال ...الخ" ،والتي جاء نص المادة الثانية من
قانون هيئة الشرطة المصرية لعام 1964م مشابها ً تماما ً لها أيضاً ،كما أبقى قانون الشرطة
()42
المصري عام 1971على نفس الصياغة كذلك.
المعنى الوظيفي :ينصرف هذا المعنى إلى الضبط الذي تباشره الهيئة اإلدارية في
السلطنة "شرطة عمان السلطانية" من خالل إداراتها المتوزعة في الواليات والمحافظات،
والتي تستهدف من ورائه كفالة النظام العام ،وحمايته ،وفقا ً لنص المادة الحادية عشر السالف
ذكرها.
ثانيا :أهمية الضبط اإلداري:
ال شك في ازدياد أهمية وظيفة الضبط اإلداري بإزدياد تدخل الدولة في جميع نواحي
الحياة ،فقد تزايدت مسئولية الدولة واتسع نشاطها وتضاعفت صور تدخلها في أوجه النشاط
()43
الفردي بحكم مذهب التدخل والرقابة .
وأصبحت وظيفة الضبط اإلداري ضرورة اجتماعية ،حيث أصبحت بعض الحريات
التي كان يطلق لها العنان في الماضي بال رقيب من الدولة خاضعة للتنظيم باعتبار أن دواعي
المحافظة على كيان الدولة وسمعتها تدعو إلى ضبط هذه الحريات حماية للنظام العام.
( )42نيس الالي بن س الالعد النعيمي ،الض الالبط االدارى وس الاللطاتة وحدودة فى دولة قطر ،رس الالالة دكتوراة ،كلية الحقوق ،
جامعة القاهرة ، 2009 ،ص.42
يف ،النظرية العامة للضال الالبط اإلداري 4،طبعة عام ،1964منشال الالور بمجلة مجلس
3
د .محمود سال الالعد الدين الش ال الر ) (
نقال عن :د .إسال الالماعيل البدوي 4،القضال الالاء اإلداري ،د ارسال الالة مقارنة4 ،الجزء الرابع ،أسال الالباب الطعن باإللغاء ،دار
ً
) (
وهنا نعود إلى الفلسفة األساسية التي تهيمن على النشاط الضبطي كله وهي إقامة
التوازن بين الحرية من جهة وبين النظام العام من جهة أخرى ،ولكن متى يتحقق هذا التوازن
وما هي االعتبارات التي تفرض نفسها هنا؟ وما مدى السلطة التقديرية في هذا الصدد ،وهل
نحن بصدد مسألة مالءمة تتسع فيها السلطة التقديرية لجهاز الضبط أم أنها مسألة قانونية
يتقيد فيها هذا الجهاز بحدود وضوابط قانونية أشد؟.
ال شك أنه من الخطورة إطالق تصور المسألة باعتبارها مسألة مالءمة يترك أمر
تقديرها لإلدارة الضابطة ،فهذا ترك لألمور في يد اإلدارة فتكون هي الخصم والحكم في
ذات الوقت ،ومن األفضل أن نتصور طالما أننا بصدد إقامة توازن بين الحرية المملوكة
للفرد وبي ن النظام الذي تقوم عليه اإلدارة ،أننا بصدد تنازع نوعين من القوانين ،قوانين
الضبط من ناحية وقوانين الحرية من ناحية أخرى ،والنظر إليها باعتبارها مسألة قانونية
بحيث يعد مشروعا ً من إجراءات الضبط ما يحقق بالفعل النظام العام ،وطالما أن المسألة
قانونية فالحكم فيها هو السلطة القضائية التي يمكنها ان تراقب مدى سالمة اإلجراء الضبطي
ومدى فعاليته في تحقيق النظام العام.
ففي واقع األمر مرونة النظام العام وعدم ضبطها بدقة فرض علينا أن نتقبل تصور
اإلدارة لمدى الخطورة الناجمة عن ممارسة الحرية على النظام العام ،ولكن من ناحية أخرى
يجب وضع حدودا ً لهذا التصور أهمها وأبرزها هو إخضاع هذا التقدير للرقابة القضائية،
فلكي يكون التقدير الضبطي مشروعا ً يجب -أن يوضع في االعتبار باإلضافة إلى مراعاته
للقواعد القانونية المتعلقة باالختصاص العضوي والموضوعي -وهو أمر بديهي -أن يكون
نافعا ً للنظام العام وبأن يكون مناسبا ً مع مقتضيات المحافظة على النظام العام مع ترك نصيب
عادل للحرية.
وقد راعى القضاء بالفعل هذا التصور وأقام هذه الرقابة ،ومثال ذلك ما جاء في حكم
مجلس الدولة الفرنسي الذي قضى بأنه " كان رئيس البلدية بمقتضى سلطاته الضبطية
يستطيع أن ينظم الحفالت الدينية ومراسمها الخارجية ،فينبغي عليه في القيام بمهمته أن
.181
4
د .عدنان العجالني ،الحقوق 5اإلدارية ،ج ،1سنة ،1956ص ) (
يضمن حرية ممارسة األمور الدينية في حدود التقييدات التي تتطلبها المحافظة على النظام
()46
العام .
كما جاء في حكم آخر لمحكمة التنازع الفرنسية في قضية الجريدة الفرنسية " حيث
إن حجز الجرائد قد نظم بالقانون الصادر في 19يوليو ،1881وحيث إنه يجوز لر ساء
البلديات ولمدير البوليس أن يتخذوا القرارات الضرورية لتأمين المحافظة على النظام العام
والسالمة العامة ،فهذه االختصاصات ال تقتضي القيام بطريق التدابير الوقائية لحجز الجريدة
بذات الشكل العام الذي تتضمنه األخبار ،حينما توجد الصحيفة قيد البيع سواء في باريس أو
في الضواحي أو في المخازن ،دون ما يبرر كونه ضروريا ً للمحافظة على النظام العام
والسالمة العامة ،لذلك فإن التدبير المتخذ ال يشكل سوى اعتداء مادي يعود االختصاص
()47
للفصل فيه إلى المحاكم العادية .
وهذا الحكم يشير إلى أن سلطات الضبط توجد إزاء جميع أنواع الحريات حتى التي
كفلها الدستور ومنها حرية الصحافة ،ولكن لممارسة سلطات الضبط ينبغي أال تتجاوز
الحدود الضرورية للمحافظة على النظام العام ،فالظروف التي حدثت سنة 1934والتي
كانت تسمح بمنع بيع الصحيفة في كل األمكنة التي يكون بيع هذه الصحيفة فيها من شأنه أن
يزيد في االضطراب العام ولكنها ال تسمح بتدبير عام كهذا الذي يحجز على الصحيفة في
باريس والضواحي دون تفرقة بين الطريق العام والمستودعات ،وهذا يعني أنه ينبغي على
الضبط أن يوفق في ممارسته لسلطاته بين احترام الحرية وبين ضرورة المحافظة على
النظام العام.
وهو ما قرره مجلس الدولة الفرنسي في حكم قضية بنيامين حيث أشار إلى أنه " إذا
كان من واجب رئيس البلدية قانونا ً أن يتخذ التدابير التي تقتضيها المحافظة على النظام
فينبغي عليه أن يوفق بين ممارسة سلطاته الضبطية وبين احترام حرية االجتماع المكفولة
()48
بالقوانين .
واكده أيضا ً القضاء العمانى " من حق شرطة السلطنة تنظيم المرور من أحد الشوارع
او منعه بما لها من سلطة تحقيق النظام العام ،ويترتب علية أن األضرار التى تقع نتيجة
ذلك ،التسأل عنها الدولة طالما صدرت فى إطار القانون ،والهدف منها تحقيق المصلحة
العامة"( ).49
إذا ً يمكننا أن نخلص في النهاية إلى أن التدخل الضبطي هو مسألة قانون وليس مسألة
مالءمة ،ولهذا فإن شرعية هذا التدخل تحكمها القواعد والمبادئ القانونية التي تحكم
4
يوليه سنة ،1942ص.61
6
مجلس الدولة الفرنسي في 4 ) (
4
محكمة التنازع الفرنسية حكم 78أبريل ،1935ص.1226 ) (
ص.541
4
بنيامين 1943/5/19المجموعة،
8
مجلس الدولة الفرنسي ،حكم ) (
العمانى فى ،االسال ال ال الالننئاف رقم 43لسال ال4ال الالنة 5ق س فى جلسال ال ال الالة 2006 / 4 / 8
9
محمكة القضال ال ال الالاء االدارى ) (
مجموعة المبادى التى قررتها المحكمة فى عاميها الخامس والسادس ،ص. 569
التصرفات القانونية للسلطة اإلدارية وأهمها المشروعية القانونية والتي يحكمها توافر أركان
التصرف القانونية وأهمها الهدف والسبب.
رابعا ً -خصائص النشاط الضبطي
في محاولة لضبط هذه الحدود يمكننا أن نضع إطارا ً أو تصورا ً لمفهوم الضبط
وخصائصه ومداه من ناحية ونحدد مفهوم النظام العام وحدوده من ناحية أخرى.
أما خصائص النشاط الضبطي فتتمثل فيما يلي:
أ – الضبط تنظيم قانوني وقائي:
الضبط أو التنظيم الضبطي عملية قانونية شرعية تحكمها القواعد والمبادئ القانونية
التي تحكم كل التصرفات القانونية للسلطة التنفيذية وأهمها المشروعية القانونية ،وهذه
المشروعية مرتبطة بوجود األركان القانونية للتصرف وعلى رأسها الهدف منه والسبب
الدافع إليه.
فالهدف هو النظام العام ،والسبب هو وجود اإلخالل بهذا الهدف بمعنى أن ممارسة
األفراد لتصرف معين أو لحرية معينة يمثل خطرا ً حقيقيا ً ماديا ً وملموسا ً أو خطرا ً معنوياً.
وبالنسبة لركن السبب ينبغي أن تكون ممارسة الحرية تشكل خطرا ً على النظام العام،
ويستطيع القضاء أن يفحص الوقائع من حيث وجودها المادي وذلك في إطار سلطته في
رقابة وجود أسباب التدبير الضبطي ودرجة خطورتها ،وهذا ما سبق لمجلس الدولة الفرنسي
أن أكده بوضوا في أحد أحكامه حيث جاء في هذا الحكم أن للقضاء اإلداري أن يقدر بحسب
الظروف ما إذا كان القرار المطعون فيه قد اتخذ تدبير تبرره ضرورة المحافظة على النظام
العام.
لهذا نجد أن مجلس الدولة الفرنسي لم يقر تدبير المنع العام والمطلق لنشاط ما في
أحكام عديدة له منها حكمه في قضية الجريدة الفرنسية ،حيث قرر انه يجوز اتخاذ التدابير
الضرورية لتأمين المحافظة على النظام العام والسالمة العامة وهذه االختصاصات ال تقتضي
القيام بطريق التدابير الوقائية بحجز الجريدة ذات الشكل العام ودون أن يكون ذلك ضروريا ً
للمحافظة على النظام العام والسالمة العامة ،فسلطة الضبط لم تأخذ بعين االعتبار الظروف
()50
القائمة ،ولم تقتصر تدابيرها على ما هو ضروري للمحافظة على النظام العام.
وبالنسبة لركن الهدف ينبغي أن تكون التدابير ناجحة وإال كانت غير مشروعة ولكن
ليس كل تدبير مشروعا ً لكونه ناجحا ً فالتدابير التي تتناسب مع الغاية المطلوبة هي وحدها
الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القض ال ال ال ال5الاء اإلداري ،منش ال ال ال الالأة المعارف 1991 ،م،
0
د .س ال ال ال الالامي جمال الدين، ) (
ص.347
المشروعة ،فالضبط يجب عليه أن يقدر التضحيات التي يجب فرضها على األفراد في سبيل
()51
صالح النظام العام.
فالنشاط الضبطي نشاط وقائي تسيطر عليه فكرة الهدف الذي يسعى إليه وهو تأمين
النظام العام وهذا األخير يدمن بمنع االضطراب العام ،واالضطراب يكون عاما ً حينما
يصيب مصالح غير معينة والمصالح غير المعينة وحدها هي مصالح الجمهور او المصالح
العامة أما إذا كان االضطراب يصيب مصالح فردية مهما بلغ عددها فال يكون عاما ً قابالً
للمنع بوسائل الضبط اإلداري وفي هذا الصدد يمكن أن نبرز عدة افتراضات.
فمثالً إذا كانت الدار الكائنة في إطار حديقة متداعية تنذر ساكينها باالنهيار عليهم،
فليس في هذه الحالة تهديد للصالح العام ،أما إذا كانت هذه الدار الكائنة على حافة الطريق
()52
العام وتهدد المارة باالنهيار عليهم يكون هناك اخالل بالنظام العام .
وأيضا ً بالنسبة لموضوع الضبط يمكن تصور عدة احتماالت إذا تعلق األمر
بالحريات.
أن سلطة الضبط تتوقف ليس فقط على شدة االضطراب والخطر الذي ينبغي انتقاوه
ولكن أيضا ً على صفة الحرية ،هل هي حرية مكفولة بالدستور أم غير مكفولة.
أ – فالحريات المعلنة بعبارات عامة (كحرية التجارة والصناعة) تتمتع السلطات
الضبطية ازاءها بحرية واسعة.
ب -أما الحريات التي خصص لها المشرع أحكاما ً تفصيلية بقصد تأمين احترامها
فتكون سلطة الضبط ازاءها أقل حرية ( حرية العقيدة).
ج -أما الحريات المكفولة بالدستور (كحرية الصحافة ،االجتماع) فالسلطة ازاءها
مقيدة.
كما أن سلطة الضبط تختلف بإختالف المكان ،فبالنسبة للملكية الخاصة ال يملك
الضبط ازاءها إال سلطة محدودة جداً ،فال يحق اتخاذ تدبير المنع ازاءها ولمنع االضطراب
الذي ينبغي انتقا ه يترك للمالك اختيار الوسيلة ،وبالنسبة لألماكن المفتوحة للعامة يملك
الضبط ازاءها سلطات أوسع ،حددها القانون ،وفي حالة سكوت القانون فال يملك الضبط
اتخاذ تدبير المنع ،أما بالنسبة للطرقات العامة فالضبط يملك سلطات واسعة جدا ً.
د .محمد رفعت عبد الوهاب1 ،أصول القضاء اإلداري ،دار الجامعة 5الجديدة ،2014 ،ص222؛ د .مصطفى ) (
كامل ،رقابة مجلس الدولة اإلدارية والقضالالائية ،دار النهضالالة العربية مبدون تاري نشالالرم ،ص287؛ د .محمود
حافظ ،القضالاء اإلداري في القانون المصالري المقارن ،دار النهضالة العربية ،1992 ،ص561؛ د .محمد فؤاد
مهنا ،دروس في القانون اإلداري العربي ،دار المعارف ،1965 ،ص.229
الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء 5اإلداري ،المرجع السابق ،ص.349
2
د .سامي جمال الدين، ) (
وكما يختلف األمر من حيث المكان فهو يختلف أيضا ً من حيث الزمان ،وفي جميع
األحوال فإن سلطة الضبط ليست مطلقة وال عامة بل هي نسبية وتأخذ بعين االعتبار جميع
الظروف الواقعية.
لذا فالخصيصة األولى للنشاط الضبطي هو كونه تنظيما ً قانونيا ً خاضعا ً لسيادة القانون
()53
وللرقابة القضائية .
فالقانون هو الذي وضع اإلطار واألساش لمكنات الجهاز الضبطي وأعطاها سندها
القانوني ،ففي اطار القانون الوضعي تستند صالحيات الضبط اإلداري إلى نصوص تمدها
بهذا األساش ،وفي هذا أشار بوضوا الفقيه جورج فيدل() "54أن السلطة العامة التي يعتمد
عليها الضبط اإلداري ال تنصرف إال إلى مجموع اختصاصات خارجة على القواعد العامة
وهي اختصاصات تجد سندها في الوثيقة الدستورية التي وزعت بمقتضاها الوظائف على
الهيئات التي تتولى شئون الدولة ،ومن هذه الهيئات السلطة التنفيذية التي تتكلف بتنفيذ القوانين
بحكم الدستور ،ولكن تنفيذ القوانين وإن صح سندا ً لجانب كبير من النشاط الضبطي فهو ال
يستغرق كل نواحي هذا النشاط ،ولذلك رد بعض الفقهاء هذا األساش في هذه الناحية إلى
طبيعة مهمة السلطة التنفيذية باعتبارها مسئولة عن تهيئة األوضاع التي يستتب بها النظام
واألمن وبدونهما يستحيل تنفيذ القوانين ،وهذه المهمة تتعدى واجب تنفيذ قانون بذاته إلى
()55
الحرص على تنفيذ مجموع القوانين .
وقد طبق هذا األساش القانوني للوظيفة الضابطة في إحدى القضايا في فرنسا فقد
قضى فيها مجلس الدولة الفرنسي بأن للسلطة التنفيذية أن تضرب صفحا ً عن تطبيق قانون
بذاته إذا اقتضت الظروف االستثنائية التي تواجهها مثل هذا المسلك ،وقد أشار الفقه إلى أن
()56
السلطة الضابطة إنما تقوم في هذا الخصوص على األصول العامة للقانون .
وتمشيا ً مع هذا اإلتجاه الموسع في اختصاص السلطة التنفيذية في شئون الضبط
اإلداري حكم مجلس الدولة الفرنسي في أحد القضايا بحقها في التنظيم الالئحي في أمور
ضبطية لم ينظمها التشريع.
وما ينبغي التنبيه إليه أن بعض أعمال السيادة المرتبطة بأهداف الضبط ،وأن لم تكن
خاضعة للرقابة القضائية ،إال أنها محكومة باألحوال الدستورية الخاصة بالرقابة البرلمانية
اللطات الض ال الالبط اإلداري في الظروف اال5س ال الالتثنائية ،د ارس ال الالة مقارنة ،رس ال الالالة دكتوراه،
3
د .ممدول عبد المجيد ،س ال ال ) (
.1957
)د .ماجد راغب الحلو ،القضاء 6اإلداري ،منشأة المعارف ،اإلسكندر5ية ،2000 ،ص.390 (
على أعمال الحكومة ،وأخيرا ً فإن هذه الوظيفة استند في مدى حدودها ونطاق صالحياتها
إلى أحكام القضاء اإلداري.
ب -الضبط اإلداري نشاط وقائي:
الضبط اإلداري وظيفة من وظائف السلطة العامة هدفه وقاية النظام العام في المجتمع
بوسائل القهر في ظل القانون ،فاإلدارة تتدخل لمنع تصرفات األفراد من اإلخالل بالنظام
العام وإرتكاب أعمال غير مشروعة ،فغرض الضبط هو مراقبة نشاط األفراد لمنعه مقدما ً
من المساش بأمن المجتمع وذلك بممارسة نشاط توجيهي لألفراد في كيفية ممارسة الحق
والحرية الفردية ،وأن اتخذ هذا التوجيه وسيلة األوامر والنواه ليحقق أهدافه ولتفهم هذه
الطبيعة الوقائية مقارنتها بتنظيم الضبطية القضائية فهذا األخير نشاط يقوم في منطقه على
االعتراف بالحقوق والحريات لألفراد ويعترف لهم بإمكانية ممارسة النشاط بكل حرية في
الحدود التي يرسمها القانون على أن يتحملوا مسئولية أعمالهم وتصرفاتهم إذا تجاوزت
الحدود التي يقرها القانون.
ومعنى الوقاية ال يقف عند حدود سبق الضبط لوقوع المخالفة ولكنه يتحقق أيضا ً بمنع
التمادي في إرتكاب هذه المخالفة ،فالضبط اإلداري يمارش أيضا ً لمنع استمرار االضطراب،
فالتنظيم وحده غير كاف إذا كانت اإلدارة ال تستطيع اللجوء إلى التنفيذ بالقوة في حالة المخالفة
وتلجأ في ذلك إلى إجراءات كالتوقيف وتفريق الجماعات واستعمال السالا إذا اقتضت ذلك
()57
ضرورات حفح النظام العام .
ج -الضبط اإلداري نظام أمر:
وهذا األمر يسري في مواجهة اإلدارة وفي مواجهة األفراد ،فاإلدارة ملزمة بالتدخل
للحفاظ على النظام العام وهي ملزمة بإحترام حدود وأهداف الضبط وملزمة بإختيار اإلجراء
المناسب وتقدير الزمن المالئم للتدخل في الحاالت التي تواجهها ،فهي ال تملك وال يجوز لها
االمتناع عن إتخاذ إجراء ضبطي ينبغي عليها إتخاذه لمواجهة حالة معينة ،وهو إلزام ال
نجده في ممارستها ألنشطتها األخرى في إدارة المرافق العامة المخالفة فهنا عنصر اإللزام
()58
واألمر غير متوافر فهي تملك االمتناع عن إنشاء مرفق معين في جهة معينة .
وهو نظام آمر بالنسبة لألفراد ،فاإلدارة تمارش نشاطها الضبطي مستخدمة أسلوب
األمر والنهي مثل إصدار لوائح المرور التي تنظم المرور وفقا ً لقواعد معينة وتأمر باتباع
أساليب معينة أو تقرر شروطا ً محددة ،وبناء عليها تأمر بإغالق مصنع مقلق للراحة أو تأمر
بهدم منزل آيل للسقوط.
فالضبط اإلداري وظيفة قائمة على فكرة السلطة العامة وعلى فرض مشيئة السلطة
عل ى الجمهور بصورة آمرة وقائية للنظام العام ،وهو مظهر من مظاهر السيادة الداخلية في
.1957/1956
5
ريفرو ،دراسات القانون اإلداري 8المقارن ،دبلوم القانون العام ) (
عالقة الدولة بالمحكومين ،هذه الطبيعة اآلمرة منطقية نظرا ً لطبيعة الهيئة التي يناط بها أمر
الضبط أو لطبيعة وأهداف الضبط ذاتها.
فالتنظيم الضبطي بهيئة الشرطة ،وهذا سواء في مظهرها أو في جوهرها هي سلطة
اإللزام والجبر ،فهي تسعى دائما ً إلى استقرار األمور حتى ولو أدى ذلك إلى استعمال العنف
بالقدر الذي يبيحه القانون ،وهذا اإللزام والجبر إنما يرجع إلى كون هيئة الشرطة هي أداء
تنفيذ القانون ،فما هي إال فرع من السلطة التنفيذية ،ولهذا خصها المشرع بحق استعمال القوة
()59
فضالً عن استعمال السالا ألداء واجبها الذي يفرضه عليها القانون.
فضالً عن أن تدابير الضبط للسلطة المعهود إليها باتخاذها في استخدام القوة لتنفيذها
طوعا ً أو كرها ً على المحكومين ألنها تقتضي الخضوع لها فورا ً وأقل تردد في أطاعتها يخل
بالنظام العام المادي ،وهذا يتفق مع طبائع األشياء ويتمشى مع جوهر السلطة التنفيذية
بحسبانها سلطة تعتمد في التنفيذ على نفسها وترمي بإجراءاتها إلى إزالة الحالة الخطرة التي
تنذر بوقوع جريمة وذلك قبل أن تقع جريمة بالفعل ،وقد ينطوي ذلك على تقيد لدائرة النشاط
القانوني المشروع لألفراد كحرية التنقل ،ولكن هذا التدبير ال يخرج عن كونه تدبيرا ً تنفيذيا ً
بمعنى أنه ينفذ بمقتضى القاعدة المنطقية في مذهب الشرطة والقائلة بعدم إيجاد أي خطر
()60
ينذر بالضرر .
د -الضبط نشاط ضروري:
وظيفة الضبط أملتها الحياة االجتماعية فال غنى عنها لكفالة الحفاظ على النظام العام
في المجتمع ،ذلك أنه من األمور المسلم بها ،انه إذا تعارضت المصلحة العامة مع المصالح
الخاصة لألفراد فإن المصلحة العامة تكون مفضلة عن المصالح الخاصة وال شك أن استقرار
النظام واستقرار األمن وتوفير الصحة والسكينة للمواطنين تعتبر من المصالح العامة التي
تشرف اإلدارة على رعايتها وتسهر على توفيرها وغالبا ً ما يتم ذلك عن طريق لوائح الضبط
أي لوائح البوليس وهذه اللوائح توضع لهدف ثابت ومحدد هو المحافظة على النظام العام
وهي بطبيعتها تفرض قيودا ً على الحريات الفردية .
()61
وإذا كان هناك خالف في الرأي حول ما إذا كان يجوز للسلطة اإلدارية أن تضع
لوائح ضبط مستقلة ،أي ال تتصل بأي قانون ،وال تصدر تنفيذا ً لقانون ،أو بمقتضى نص في
القانون يجيز إصدارها ،فقد حسم هذا األمر بتقرير الدستور 2014حق رئيس مجلس الوزراء
في إصدار لوائح الضبط وحقه في تفويض اصدارها ،ولكن حدود هذه السلطة مقصورة على
أغراض الضبط وهذه مرتبطة بمدى ضرورتها بعد موافقة مجلس الوزراء .
د .محمد رفعت عبد الوهاب ،د 1حس ال ال ال ال الالين عثمان ،القض ال ال ال ال الالاء اإلدار6ي ،الكتاب الثاني ،دار النهض ال ال ال ال الالة العربية، ) (
ن 2
اإلداري ،1952 ،صفحة ،538رقم .10056 دي لوبادير ،مطول القانو ) (
الفرع الثانى
وسائل وأغراض الضبط اإلدارى
لسلطة الضبط اإلداري في سبيل تحقيق أهدافها في حفح النظام العام ،استخدام وسائل
متعددة ،هي لوائح الضبط ،والقرارات الفردية ،والقوة المادية ،وتتمتع اإلدارة بقدر كبير من
الحرية في اختيار موضوع إجراء الضبط الذي تتخذه للمحافظة على النظام العام ،ولها قبل
ذلك سلطة تقديرية واسعة في التدخل أو عدم التدخل خاصة ما يتعلق بلوائح الضبط.
كما يهدف الضبط اإلداري أساسا ً إلى صيانة النظام العام وإعادته إلى نصابه إذا
اختل() 63.لذا فالمهمة األساسية للضبط اإلداري تكاد تنحصر في المحافظة على النظام العام
بعناصره الثالثة ،هذا ما يجمع عليه الفقه والقضاء اإلداريين.
وبناء على ذلك سنتناول في هذا الفرع لوسائل الضبط اإلداري ،وألغراض الضبط
اإلداري في نقطتين وذلك كما يلي::
أوالً :وسائل الضبط اإلداري
ثانيا :أغراض الضبط اإلداري
أوالً :وسائل الضبط اإلداري
-1لوائح الضبط اإلداري:
لسلطة الضبط اإلداري إصدار لوائح الضبط ،وهي قواعد عامة مجردة تهدف إلى
المحافظة على النظام العام ومن أمثلتها لوائح المرور ولوائح المحال الخطرة والمضرة
بالصحة العامة والمقلقلة للراحة ،واللوائح المتعلقة بمراقبة األغذية ونظافة األماكن العامة،
()64
والوقاية من األمراض المعدية واألوبئة .
وقد انقسم الرأي حول حق السلطة التنفيذية في إصدار هذه اللوائح في حالة سكوت
الدستور فرأي البعض جواز إصدارها مدعيا ً وجود عرف دستوري بشأنها مستندا ً إلى
الضرورات العملية التي تستلزم سرعة المحافظة على النظام العام ،وأنكر آخرون حق
الحكومة في ذلك لما فيه من إعتداء على الحريات ومخالفة الدستور الذي كفلها ،وقد أقرت
محكمة القضاء اإلداري الرأي األخير في حكمها الصادر في 26يونيه سنة 1951في قضية
()65
جريدة " مصر الفتاة " .
وتتخذ لوائح الضبط اإلداري عدة مظاهر في تقييدها للنشاط الفردي ،منها حظر
ممارسة نشاط معين واشتراط الحصول على إذن سابق قبل ممارسة النشاط وإخطار السلطة
العامة مقدما ً أو تنظيم النشاط الفردي.
ص.399
6
القانون اإلداري ،المرجع السابق،
3
راجع :د .ماجد راغب الحلو، ) (
6
قانون حماية البيئة في ضوء الشر
يعة ،مرجع سابق ،ص.148 7
راجع :د .ماجد راغب الحلو، ) (
سابق ،ص.396
6
عبد هللا ،القانون اإلداري ،مرجع
8
راجع :د .عبد الغني بسيوني ) (
-3القرارات الفردية:
تتم ممارسة سلطة الضبط اإلداري أيضا ً عن طريق إصدار القرارات الفردية،
وتسمى قرارات الضبط الفردية ،ويالحح أن نشاط الضبط اإلداري يتحول كله أو يكاد إلى
هذه القرارات ،ويقصد بها القرارات التي تصدرها اإلدارة لتطبق على فرد معين أو مجموعة
أفراد معين ين بذواتهم أو حالة أو حاالت معينة مع انصراف آثارها إلى عدد غير محدد من
األفراد بهدف المحافظة على النظام العام ،فإن األوامر اإلدارية تمثل الصور الغالبة لنشاط
الضبط اإلداري ومرد ذلك إلى أن لوائح الضبط تصدر سابقة لممارسة النشاط لكي تتولى
رسم حدود وتنظيم ممارسته بالنسبة لألفراد ،في حين تصدر أوامر الضبط الفردية الحقة
.407
7
القانون اإلداري ،مرجع سابق ،ص
0
راجع :د .ماجد راغب الحلو، ) (
د .محمد مص ال ال ال الالطفى الس ال ال ال الاليد 1عبد العليم ،مش ال ال ال الالكلة تنفيذ أحكام الق7ض ال ال ال الالاء اإلداري والتنيظم الفرنس ال ال ال الالي الحديث ) (
لمواجهاتها ،دراسة مقارنة ،رسالة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة اإلسكندرية ،2017 ،ص.62
بسيوني ،نظرية الضبط اإلداري ،مر7جع سابق ،ص.416
2
راجع :د .عبد الرؤوف هاشم ) (
سابق ،ص.289
7
عبد هللا ،القانون اإلداري ،مرجع
3
راجع د .عبد الغني بسيوني ) (
لممارسة النشاط أو مصاحبة له ،لكي تمنع النشاط الذي أخل بالنظام العام والذي وقع من
()74
شخص معين بالذات .
وهكذا فإن لسلطة الضبط اإلداري إصدار القرارات الفردية الالزمة للمحافظة على
النظام العام سواء أكانت هذه القرارات أوامر أم نواه أم تراخيص موجهة لألفراد ،ومثال
ذلك األمر هدم منزل آيل للسقوط أو النهي عن تسيير مظاهرة أو عقد اجتماع عام ،ومنه
الترخيص ألحد األفراد بحمل سالا ناري ،وكما قلنا تصدر هذه القرارات تنفيذ ألحكام
القوانين واللوائح ،كما يمكن أن تصدر مستقلة بشرط أن ال تخالفها ،وأن تكون الزمة
للمحافظة على النظام العام ،وإال يكون المشرع قد اشترط الئحة من الموضوع الذي
()75
نتناوله .
القانون اإلداري ،د ارس ال ال الالة قانونية لتنظيم 7نش ال ال الالاإل اإلدارة العامة ،الناش ال ال الالر دار الفكر
4
راجع :د .أحمد حافظ نجم، ) (
ص.399
7
القانون اإلداري ،المرجع السابق،
6
راجع :د .ماجد راغب الحلو، ) (
اقف الفقه إلى كون فكرة النظام العام 7فكرة مرنة ومتطورة ونس ال ال ال الالبية ال يمكن ثباتها
8
وترجع ااهرة التباين بين مو ) (
العام هو مجموعة الشروط الالزمة لألمن واآلداب العامة التي ال غنى عنها لقيام عالقات
79بينم ا ذهب آخر من ذات الفقه إلى أن النظام العام فكرة ذات مضمون واسع يشمل
سليمة()،
جميع نواحي النشاط االجتماعي.
أما الفقه المصري فلقد اختلف شأنه في ذلك شأن الفقه الفرنسي في تحديد مفهوم
النظام العام ،إال أن الرأي الذي يمثل غالبية الفقه المصري ذهب إلى أن النظام العام عبارة
عن ظاهرة قانونية الغرض منها حماية األسس التي يقوم عليها المجتمع ،ولذلك فإن النظام
()80
العام يشمل النظام المادي والنظام األدبي .
أما مكونات النظام العام التي يهدف الضبط اإلداري المحافظة عليها فهي:
-1األمن العام:
األمن يقابل الخوف ،ومن ذلك قول هللا تعالى" وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً" ،
()81
ويقصد باألمن العام اطمئنان المرء على نفسه وماله من خطر االعتداء ،سواء أكانت الطبيعة
هي السبب كالفيضانات والزالزل والحرائق وانهيار المباني ،أم كان مصدره اإلنسان كسطو
المجرمين وعبث المرضى العقليين ،والمظاهرات العنيفة ،وحوادث السيارات ،أم كان راجعا ً
()82
إلى الحيوانات الجامحة وما تسببه من اضطرابات .
كما يقصد باألمن العام استتباب األمن والنظام في المدن والقرى واألحياء ،بما يحقق
االطمئنان لدى جمهور المواطنين على أنفسهم وأوالدهم وأعراضهم وأموالهم من خطر
()83
االعتداءات واالنتهاكات عليها في الطرق والشوارع واألماكن العامة .
فالمجتمعات ال يمكن أن تزدهر بدون احترام الحد األدنى لقواعد االنضباط واحترام
أمن المواطنين ،ويعبر عنه بالوقاية من األضرار سواء الناتجة بفعل الطبيعة كالكوارث أو
الناتجة بفعل اإلنسان كالقتل والسرقة وحوادث السيارات والجرائم الماسة باألخالق واآلداب
أو اسالالتقرارها ،وكذلك تختلف باختالف المذاهب السالالياسالالية واألسالالس الفلسالالفية السالالائدة في المجتمع ،بنظر د .محمد
عبد الكريم نامق أمن الدولة الصمرية ،الطبعة الثانية ،القاهرة ،سنة ،1991ص.135
الطالي ،القيود الواردة على س ال الاللطات 7الض ال الالبط اإلداري والرقابة القض ال الالائية عليها،
9
راجع س ال الالبهان عبد هللا يونس ) (
ص.400
8
القانون اإلداري ،المرجع السابق،
2
راجع :د .ماجد راغب الحلو، ) (
سابق ،ص.394
8
عبد هللا ،القانون اإلداري ،مرجع
3
راجع :د .عبد الغني بسيوني ) (
العامة مثل هتك العرض واالغتصاب ،ويتضح من األمثلة السابقة الطابع الوقائي للضبط
()84
اإلداري والمهام الملقاة على عاتق سلطات الضبط اإلداري .
لذا فإن سلطة الضبط اإلداري تملك سلطة تقديرية واسعة في التدخل لمنع أي اختالل
باألمن العام ولمنع وقوع الجرائم بما يحافح على أمن واستقرار واطمئنان المواطنين كما
يدخل في مدلول األمن العام تنظيم الحرف التي تمارش على الطرق العامة وعدم عرض
()85
أشياء على النوافذ أو الطريق يخشى من سقوطها على المارة .
-2الصحة العامة:
يراد بالصحة العامة وقاية صحة الجمهور من خطر األمراض بمقاومة أسبابها ،من
ذلك المحافظة على صالحية مياه الشرب وتوفير حد أدنى من نقاء الهواء وضمان سالمة
األطعمة المعدة للبيع ،ومكافحة األمراض المعدية ،وحسن التخلص من الفضالت والنفايات
السائلة والصلبة بإعداد الصرف الصحي وجمع القمامة والمحافظة على نظافة األماكن
86كذلك مراقبة مخازن المواد الغذائية ومحالت بيعها والتفتيش على المطاعم العامة() ،
والمخابز ومحالت الحلوى وبيع األلبان ومنتجاتها ،وغيرها من المواد الغذائية التي تحتاج
()87
إلى درجة عالية من النظافة والعناية من أجل األطمئنان على سالمتها ونظافتها .
ولقد ازدادت أهمية الصحة العامة في العصر الحالي نتيجة الزدياد عدد السكان
وسهولة انتشار األمراض ولقد خول المشرع المصري هيئات الضبط اتخاذ اإلجراءات
الصارمة لمنع انتقال العدوى ومعاقبة المخالفين للوائح الصحية ،والمحافح هو المسدول عن
سالمة الصحة العامة بالمحافظة ،وله أن يصدر اللوائح الضبطية الالزمة لوقاية الصحة
العامة ،وذلك كما جاء في قانون اإلدارة المحلية رقم 43لسنة ،1979وكذلك قانون رقم
123لسنة 1981بشأن مراقبة األغذية() 88.وتتبلور إجراءات الحفاظ على الصحة العامة
من خالل التدابير واإلجراءات الوقائية أو العالجية ،المددية لحماية الناش من مخاطر
األمراض واألوبئة والجراثيم ،وقد صدرت في السلطنة قوانين عديدة ذات عالقة بالحفاظ
مصطفى الوكيل ،حالة الطوارئ ،وسلطات 8الضبط اإلداري ،مرجع سابق ،ص.18
4
راجع :د .محمد محمد ) (
الصال الالحة العامة الفرنسال الالي على إلزام كل محافظ بإصال الالدار الئحة صال الالحية على جميع البالد ،للمزيد ينظر :د .ماجد
راغب الحلو ،قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة ،مرجع سابق ،ص.94
سابق ،ص.395
8
عبد هللا ،القانون اإلداري ،مرجع
7
راجع :د .عبد الغني بسيوني ) (
سنة ،2002ص.236
على الصحة منها على سبيل المثال قانون حماية البيئة ومكافحة التلوث ،وقانون مزاولة مهنة
الصيدلة وتنظيم المدسسات الصيدالنية.
كما نظرت محكمة القضاء اإلداري في عدة قضايا تتعلق بالصحة العامة أهمها قضية
تعاطي الشيشة في عام 2001م ،المقامة ضد أحد مقاهي مسقط ،والتي وإن كانت قد أثارت
جدالً كبيرا ً حينما نظر بإعتبارها قضية تتصل بالحريات العامة ،إال أن مجرد تصدي القضاء
اإلداري العماني لتلك الدعوى كانت محل تقدير الجميع آنذاك ،لما لتدخين الشيشة من أضرار
على الصحة العامة ،وإخاللها بالتالي بالنظام العام.
ولقد كان في تفسير المحكمة المفهوم الحرية مدلوالً هاما ً الذي أصدرته محكمة القضاء
اإلداري تفسيرها لمفهوم الحرية "، ،حيث قالت أنه من حيث ال وجه للتحدي أيضا ً في هذا
المجال بما نصت عليه المادة ( )18من النظام األساسي للدولة ...إال أن كفالة هذه الحرية
بنص المادة ذاتها يكون وفقا ً للقانون ،وليس منحالً من أي قيد ،وإال كانت الحرية ضربا ً من
الفوضى ،ال تلك الحرية التي تجد حدها الشرعي والطبيعي عند اإللتزام بالنظام العام،
ومراعاة اآلداب العامة وعدم األضرار باآلخرين في اعز ما يملكون من ضرورات النفس
والعقل والمال والصحة وغيرها ،وأنه إذا كانت بعض المواد يصرا بها على سبيل االستثناء،
فإن ذلك ليس مبررا ً مقبوالً من الناحية القانونية لكي يطالب المدعون باستنثاء آخر" .
()89
-3السكينة العامة:
يقصد بها منع مظاهر اإلزعاج والمضايقات التي تتجاوز المضايقات العادية التي
90وتعتبر السكينة العامة أحد العناصر التقليدية للنظام العام،
تفرضها الحياة داخل المجتمع()،
وتعني كذلك ما يتخذ من إجراءات للمحافظة على النظام العام ،وذلك بمنع الضوضاء داخل
المناطق السكنية وفي الطرقات العامة ،وإزالة أسباب اإلزعاج بمنع استعمال مكبرات
()91
الصوت وتنظيم استعمال المذياع ومنع استخدام أبواق السيارات .
وقد أكدت األبحاث العلمية الواردة من منظمة الصحة العالمية على أن للضوضاء
تأثيرات سلبية خطيرة وصادمة على األطفال ونفسيتهم والتي تجعلهم ينتهجون سلوكا ً عدوانيا ً
في تعامالتهم مع الغير ،خصوصا ً إذا نظرنا ً إلى تضائل الدور الذي أصبحت تلعبه المدارش
()92
تجاه تربية ،وتكوين الطالب للجانب األخالقي والنفسي .
الكينة العامة ،معالجة لمش الالكلة العص الالر 9في فرنس الالا ومص الالر ،دراية تأص الاليلية مقارنة
0
راجع :داود الباز ،حماية الس ال ) (
في القانون اإلداري البيئي والتشريعية اإلسالمية ،الناشر دار النهضة العربية بالقاهرة ،سنة ،1997ص.128
العدد ،138السنة 3يوليو ،1992ص.73-72
9
انظر مقال اللواء الدكتور محمد ش1ريف إسماعيل ،مجلة األمن العام، ) (
راجع :د .سالالامي جمال الدين2 ،أصالالول القانون ،نظرية العمل اإلدار9ي ،الناشالالر مطابع الطويحي ،سالالنة ،1993 ) (
ص.157
ولقد اهتم المشرع بحماية السكينة العامة بالمناطق السكنية ،بأن قصر حق الترخيص،
في هذه الحالة للمحافح وذلك طبقا ً للمواد رقم 7 ،4 ،3 ،2 ،1من القانون رقم ()453لسنة
1954بشأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة
بالصحة والخطرة.
وقد أيدت المحكمة اإلدارية العليا()93هذا المبدأ حيث قررت أن المحافح هو المسدول
عن تطبيق أحكام القانون السابق اإلشارة إليه فيما يتعلق بإصدار التراخيص بالمحالت
()94
الصادر بشأنها هذا القانون .
وتطبيقا ً لذلك تقوم الجهة المختصة في سلطنة عمان "شرطة عمان السلطانية "
بإجراءات الحفاظ على السكينة العامة ،حيث يتضح ذلك من خالل بعض التدابير واإلجراءات
في حالة اكتشافها ألية مخالفات سواء كان ذلك بناء على شكوى أو من خالل الدوريات
والتحريات وغيرها من األنشطة الهادفة لمكافحة الجريمة ومنع انتشار المخدرات ومكافحة
جرائم اآلداب العامة ،وبالطبع لها في هذه الحالة منع أي مظهر من مظاهر التجمع الذي يزيد
عن عشرة أشخاص أو تجمهر لمجموعة من الناش في األماكن العامة طالما قدرت أن
تواجدهم سيخل بالسكينة العامة أو يدثر على األمن العام.
العدد 46
9
حكمها بجلسة 2001/2/7في 3الطعن رقم 1850ق رقم 97 ) (
التنظيم القانوني للض الالبط اإلداري ،الناش ال9الر دار الجامعة الجديدة باإلس الالكندرية ،سال النة
4
راجع :د .حس الالام مرس الالي، ) (
،2011ص.114
المطلب الثاني
أنواع الضبط اإلداري
وطبيعتة
المطلب الثاني
أنواع الضبط اإلداري وطبيعتة
ينقسم الضبط االداري داخل الدولة إلى ضبط إداري عام وضبط إداري خاص ،هذا
وقد يحدث تداخل بين سلطات الضبط اإلداري ،لذا اتجه الفقه إلى محاولة التمييز بينهما،
وبينه وبين الضبط القضائي والضبط التشريعي وهذا ما سنتناوله في هذا المطلب فضال عن
اإلشارة من خالل هذا المطلب إلى طبيعة الضبط اإلداري ،ولما كان األمر هكذا فإن الدراسة
في هذا المطلب ستكون مقسمة إلى فرعين وذلك على النحو التالي:
الفرع االول
أنواع الضبط اإلداري
ينقسم الضبط اإلداري بحسب طبيعته إلى نوعين ضبط إداري عام وضبط إداري
خاص وذلك كما يلي-:
اوالً -الضبط اإلداري العام والضبط اإلداري الخاص.
ينقسم الضبط اإلداري كما ذكرنا إلى نوعين :النوع األول واألساسى هو الضبط
اإلداري العام ،والنوع الثاني :هو الضبط اإلداري الخاص.
-1الضبط اإلداري العام
هو الضبط اإلداري في مفهومه األساسي كوظيفة أولى جوهرية لإلدارة العامة ،وهو
يتضمن تنظيم النشاط الفردي والحريات الفردية بوضع الضوابط والقيود ،التي تستهدف
()95
وقاية وحماية النظام العام في المجتمع .
هذا وقد اتسع مفهوم النظام العام ليشمل باإلضافة إلى المفهوم التقليدي مجاالت متعددة
لجوانب الحياة ،وهذا االتساع يتطلب وجود ضبط إداري خاص يهدف إلى حماية النظام العام
الخاص مثل النظام العام االقتصادي والنظام العام الصحي.
والضبط اإلداري العام ،عبارة عن مجموعة الصالحيات التي تسبغ بصورة عامة
على هيئات الضبط للمحافظة على النظام واألمن وصون الصحة العامة.
كما تهدف إلى حماية النظام العام في المجتمع من االضطرابات ،سواء بمنع وقوعها
أو وقفها أو منع تفاقمها عند وقوعها ،وذلك على مستوى الدولة كلها أو على مستوى إحدى
وحداتها المحلية.
الوكيل ،حالة الطوارئ وس ال الاللطات الض ال ال9البط اإلداري ،د ارس ال الالة مقارنة ،مرجع س ال الالابق،
6
د .محمد محمد مص ال الالطفى ) (
ص.29
مرجع سابق ،ص.129
9
د .محمود سعد الدين الشريف 7،النظرية العامة للضبط اإلداري، ) (
سابق ،ص.223
9
د .محمد رفعت عبد الوهاب8 ،مبادئ القانون اإلداري ،مرجع ) (
الوكيل ،حالة الطوارئ وس ال الاللطات الض ال ال9البط اإلداري ،د ارس ال الالة مقارنة ،مرجع س ال الالابق،
9
د .محمد محمد مص ال الالطفى ) (
ص.41
ج -تحدد النصوص القانونية المنشئة للضبط اإلداري الخاص ،العقوبات التي يمكن
توقيعها على مخالفة تلك النصوص باإلضافة إلى الجزاءات اإلدارية ،مثل سحب
التراخيص أو نزع اللوحات المعدنية ألرقام السيارات.
ويسوق لنا الدكتور /محمد رفعت عبد الوهاب ،مثاالً تطبيقيا ً للضبط اإلداري الخاص .
()100
فالضبط اإلداري الخاص يستهدف نفس أغراض الضبط اإلداري العام في المجاالت
الخاصة ،ومن أمثلة ذلك الضبط الخاص بالجبانات أو دفن الموتى ،فله نظام قانوني خاص،
يهدف إلى ذات أغراض الضبط اإلداري العام ،فهو يهدف إلى وقاية وحماية النظام العام في
هذا المجال ،وذلك لضمان أن يكون دفن الموتى في أماكن مرخص بها من الدولة ،ويتحقق
فيها الرقابة على الترخيص بالدفن بعد التحقق من حدوث الوفاة ،وأن يكون الدفن من أشخاص
مدربين على ذلك معتمدين من الدولة ،ويطبقون أصوالً تضمن حماية الصحة العامة.
وفي هذا الشأن نضرب مثاالً تطبيقيا ً للضبط اإلداري الخاص ،الذي يهدف إلى حماية
النظام العام داخل منشآت الجامعات المصرية ،التي بلغ عدد طالبها أكثر من خمسة ماليين
ومائتين ألف طالب وطالبة ،وبلغت استثماراتها من معامل ومنشآت أكثر من نصف تريليون
جنيه ،ومن أجل هذا حرصت الدولة على حماية النظام العام داخل هذه المنشأة الجامعية،
حيث صدر قرار وزير الداخلية رقم ( )1812لسنة 1981م بشأن إنشاء وتنظيم إدارات
حرش الجامعة ببعض مديريات األمن ،حيث إن التشريع المصري الصادر عام 1971م
والخاص بتنظيم هيئة الشرطة بالقانون رقم ( )109قد نص على " أن تختص هيئة الشرطة
بالمحافظة على النظام واألمن العام واآلداب العامة وحماية األرواا واألعراض ،وعلى
األخص منع وقوع الجرائم وضبطها ،كما تختص بكفالة الطمأنينة واألمن للمواطنين في
كافة المجاالت وتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين ".
إلى أن قام بعض أساتذة الجامعة برفع دعوى أمام محكمة القضاء اإلداري ضد كل
من رئيس الوزراء -ووزير التعليم العالي -ووزير الداخلية -ورئيس جامعة القاهرة ،بشأن
إغالق مكاتب الحرش الجامعي التابع لوزارة الداخلية المتواجدة داخل أسوار جامعة القاهرة،
وإنشاء وحدة أمن جامعي من الموظفين المدنيين تتبع رئيس الجامعة مباشرة ،وبجلسة
2008/11/25م أصدرت المحكمة حكمها التاريخي الجديد من نوعه وغير المسبوق للقضاء
اإلداري كما قال بعض المراقبين جاء فيه " :قبول الدعوى شكالً ،ويوقف تنفيذ القرار السلبي
بامتناع الجهة اإلدارية عن إنشاء وحدة لألمن الجامعي بجامعة القاهرة بدالً من إدارة حرش
الجامعة التابعة لوزارة الداخلية ،وما يترتب على ذلك من آثار أخصها منع وجود حرش
()101
الجامعة داخل الحرم الجامعي ،وعدم ممارسته أية أنشطة تمس استقالل الجامعة .
1
سابق ،ص.234
0
د .محمد رفعت عبد الوهاب0 ،مبادئ القانون اإلداري ،مرجع ) (
وقائع هذه الدعوى في اآلتي م بتاري 2008/2/10طلب المدعون بصال الالفة مسال الالتعجلة بوقف تنفيذ القرار وتتلخ
السال ال ال ال ال ال الاللبي باالمتناع عن الرد مع ما يترت على ذلك من آثار وأهمها إغالق مكاتب الحرس الجامعي التابعة لو ازرة
ونحن نرى أن هيئة المحكمة لم تشر إلى الدور المنوط بجهاز الشرطة والمتمثل في
الحفاظ على النظام واألمن العام واآلداب العامة وحماية األرواا واألعراض ،وعلى األخص
منع وقوع الجرائم وضبطها ،كما تختص بكفالة الطمأنينة واألمن للمواطنين في كافة
المجاالت وتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين.
وذلك طبقا ً للقانون رقم ( )109لسنة 1971الخاص بتنظيم هيئة الشرطة ،المعدل
بالقانون رقم ( )64لسنة 2016وهذا هو اإلطار العام للضبط اإلداري العام الذي يهدف
إلى الحفاظ على النظام العام في المجتمع في شتى المجاالت.
وهذا االتساع في مفهوم النظام العام يتطلب وجود ضبط إداري خاص يهدف إلى
حماية النظام واألمن العام في أماكن معينة ،مثال ذلك ما تقوم به إدارات حرش الجامعة
المنشأة بقرار وزير الداخلية رقم 1812لسنة 1981م حيث تختص بحفح األمن والنظام
داخل الجامعة وكلياتها ومعاهدها وحراسة وتأمين المنشآت وما بها من معدات وأجهزة .مثله
في ذلك مثل إدارة حرش المحاكم واإلدارة العامة لشرطة مجلس النواب واإلدارة العامة للنقل
والمواصالت وشرطة السياحة واآلثار وشرطة الكهرباء وإلى غير ذلك.
والنظام العام يقتضي وجود إدارات الحرش الجامعي بالجامعات لما له من أهمية
تسمو على المصالح الخاصة على نحو ما استقر عليه قضاء مجلس الدولة حيث قررت
المحكمة اإلدارية العليا في أحد أحكامها بجلسة 2005/2/2م في الطعن رقم 3257لسنة
49ق بأن ترجح المصلحة العامة على الخاصة في حالة وجود تهديد خطير للصالح العام
الداخلية المتواجدة داخل أس ال الوار الجامعة ،وعدم السال الالماع ألي من رجال الشال الالرطة س ال الواء بالزي الرسال الالمي أو المدني
بالتواجد داخل الكليات ومنش ال ال ال الالآت الجامعة ،ولقد ذكر المدعون ش ال ال ال الالرحاً للدعوى بأنهم من خالل معايش ال ال ال الالتهم للحياة
الجامعية عش الرات السالالنين الحظوا أن الحرية االكاديمية قد أصالالابها خلل كبير ألسالالباب عديدة في مقدمتها السالاليطرة
األمنية الصال الالارخة ،ومن أجل وضال الالع األمور في نصال الالابها الصال الالحين تقدموا بتظلم إلى المدعي عليه ال ارس ال ال بتاري
2007/10 /29طلبوا فيه صال ال ال ال ال ال الالدور أمره بإغالق مكاتب الحرس الجامعي التابع لو ازرة الداخلية المتواجدة داخل
أس ال ال الوار الجامعة وعدم السال ال الالمال ألي من رجال الشال ال الالرطة التابعين لو ازرة الداخلية سالال ال الواء بالزي الرسال ال الالمي أو المدني
بالتواجد داخل أسوار الجامعة ،ولم يتلقوا منه رداً مما يعد ق ار اًر سلبياً امتناعاً عن الرد.
مع المواثيق ونعى المدعون على القرار المطعون فيه أنه ال يسال ال ال ال ال ال الالتند إلى الدسال ال ال ال ال ال الالتور والقانون ،بل يتناق
الدولية ،ويؤدي إلى الخلط بين الحرس الجامعي و وحدة األمن الجامعي حيث يتكون األول من رجال الشال ال ال ال ال ال الالرطة
التابعين لو ازرة الداخلية ويخض الالعون في رئاس الالتهم طبقاً للتسالالاللسالالالل الرئاسالالالي ،أما األمن الجامعي فينش الالأ وفقاً للتنظيم
اإلداري للجامعة ويتبع رئيس الجامعة مباشرة.
مما يتعذر تداركه كحدوث فتنه أو تعطيل سير مرفق عام أو تهديد لألمن أو اضطراب جسيم
()102
للنظام العام.
وفي ضوء الموازنة بين المصالح العامة والخاصة يحسم التقدير دوما ً للمصالح
العامة ،حيث إنها األجدر بالرعاية مما عداها.
هذا وإن كان عمل إدارات الحرش الجامعي يعوق رقي الفكر والتقدم العلمي وتنمية
اإلنسانية وينقص من استقالل أساتذة الجامعة ،ويدثر بالسلب على سير العملية التعليمية كما
جاء بأقوال المدعين وتأييد هيئة المحكمة الموقرة لذلك .فهل عمل حرش المحاكم ينقص من
استقالل القضاء شيئا ً ويدثر في عملهم؟ كذلك هل عمل حرش مجلسي الشعب والشورى
ينقص من استقالل أعضائهما شيئاً؟! كذلك الحال في جميع الجهات اإلدارية السابق اإلشارة
إليها والتي تستلزم طبيعة عملها االستعانة ببعض رجال الشرطة الذين يتمتعون بالخبرة
الالزمة كل في مجاله ،هل االستعانة بهم ينقص من استقالل العاملين بتلك الجهات شيئاً؟!.
قطعا ً اإلجابة بالنفي ،فالباحث يرى أن االستعانة بهدالء يزيد هذه الهيئات تعظيما ً
وتقديرا ً لحرصهم على صيانة وحماية النظام العام في مجال عملهم ،كما أرى أن المقصود
باستقالل أعضاء هيئة التدريس هو استقالل أكاديمي يعني أنفرادهم بكيفية تسيير العملية
التعليمية من محاضرات وخالفه ..وهذا االستقالل ال يناله أي نقص بوجود الحرش الجامعي
داخل الجامعات حيث ال يتدخل بأي صورة في هذا العمل األكاديمي.
كما استتندت هيئة المحكمة في حكمها بإلغاء الحرش الجامعي إلى نص المادة 317
من الالئحة التنفيذية لقانون الجامعات والتي تنص على أن " تنشأ بكل جامعة وحدة لألمن
الجامعي تتحدد مهامها في حماية منشآت الجامعة وأمنها ،وتتبع رئيس الجامعة مباشرة،
وتتلقى منه أو من ينيبه التعليمات الالزمة ألداء هذه المهام ،ويكون ألفرادها زي خاص
يحمل
()103 شعار الجامعة ".
قطعا ً ستسود حالة من الفوضى تعم جميع الجامعات ،ألنه بحكم الواقع العملي
والواقعي أن المجتمع الطالبي يضم عددا ً هائالً من الطالب يزيد على خمسة ماليين طالب
وطالبة ،من بينهم من يتناول المواد المخدرة ،ومنهم من يقوم بارتكاب أفعال فاضحة تخدش
الحياء العام بما يثير حفيظة الطالبات المحترمات ،ومنهم من يقوم بارتكاب أعمال البلطجة
داخل أسوار الجامعات ،ومنهم من يقوم بالتعرض للسادة أعضاء هيئة التدريس والعاملين
بالكليات ،مما يدثر بالسلب على سير وانتظام الدراسة ،ومما يعرض الطالب بل أعضاء
،1976ص.109
د .سال الالامي جمال الدين ،قضال الالاء المالءمة والسال الاللطة التقديرية للدارة ،دار النهضال الالة العربية ،القاهرة،1992 ،
1 0 3 ) (
ص.322
هيئة التدريس للخطر ،إذن كيف يتسنى لوحدة األمن بالجامعة المكونة من موظفين مدنيين
بالتصدي لهدالء.
كذلك ال نتجاهل دور األمن الجامعي في حماية وتأمين منشآت الجامعة من معامل
()104
ومخازن بلغت استثماراتها آالف الماليين.
وبعد عرض هذا المثال التطبيقي الذي نعده من قبيل الضبط اإلداري الخاص ،حيث
يهدف إلى منع وقوع الجرائم وضبطها ،وكذلك حفح النظام واألمن العام واألداب داخل
الجامعات ،وليس تقييدا ً للحريات العامة أو فرضا ً لسيطرة أمنية داخل الجامعات أو مساسا ً
الستقالل الجامعة وحقوق اإلنسان ،يتضح لنا دور إدارات حرش الجامعات الذي بمقتضاه
نوجه الشكر للقائمين عليه بدالً من أن نتهمهم بأنهم يجورون وال يصونون وأن وجودهم
داخل الجامعات يشكل تهديدا ً لمستقبل العملية التعليمية ،وأنهم يعوقون رقي الفكر والتقدم
العلمي وتنمية القيم اإلنسانية كما يدعون.
والضبط اإلداري الخاص يستهدف أغراضا ً أخرى :ومن أمثلة ذلك في فرنسا الضبط
الخاص بالصيد والمالهي ،وسباق الخيل ،وأوراق اليانصيب واآلثار .ومن أمثلة ذلك في
مصر ولبنان ،الضبط الخاص بالسياحة واألماكن السياحية ،فهو يستهدف بجانب أمن وراحة
الزائرين والسائحين ،نظافة وحماية المناطق السياحية والحفاظ على كيان الدولة وقيم
المجتمع وعاداته ونظامه.
ثانيا ً -تمييز الضبط اإلداري عن الضبط القضائي:
طورت االختصاصات المنوطة بشرطة عمان السلطانية بصدور أول قانون للشرطة بتاريخ
1972 /12/31م برقم 73/5وكانت الشرطة وقتها تقوم بدور اإلدعاء العام باإلضافة
لدورها بالقيام بأعمال االستدالل وبإلغائها القانون بموجب قانون الشرطة الجديد رقم
1990/35تطور دور الشرطة بشأن اختصاصها بالضبطية القضائية واإلدارية إلى مفهوم
جديد وتعتبر الضبطية القضائية أساش العدالة الجنائية ،إذ أن مأموري الضبط القضائي
يقومون بإجراءات جمع األدلة فور ارتكاب الجريمة ،كما أن الضبطية اإلدارية تقوم بحفح
األمن والنظام ،وتتخذ ما من شأنه منع وقوع الجرائم ،من خالل تقليص فرص ارتكابها ،
إذ أن منع الجريمة أجدى وأقل عبئا ً من عالج آثارها بعد وقوعها .وعندما يخفق الضبط
اإلداري في منع اإلخالل بالنظام العام ،بحيث يتجسد هذا اإلخالل في صورة واقعة معاقب
عليها جنائيا ً ،يبدأ عمل الضبط القضائي ،ويهدف الضبط القضائي إلى معاونة سلطة التحقيق
على الوفاء بدورها .ويقوم على أداء مهمة الضبط القضائي مجموعة قادرة بحكم تخصصها
المهني أو موقعها الوظيفي ،ويسمى أفرادها بمأموري الضبط القضائي وقد نص قانون
اإلجراءات الجزائية العماني على أغراض الضبط القضائي بقوله" :يقوم مأموري الضبط
القضائي بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع اإلستدالالت وإجراءات المعاينات الالزمة
1
سابق ،ص.71
0
الوسيط في القضاء اإلداري ،مرجع
4
د محمود عاطف البنا، ) (
كما أنه نص على تحديد مأموري الضبط القضائي والمهام الموكلة وتبعيتهم اإلدارية
واإلشرافية.
ِ
وعلى الرغم من ذلك فإن الفقه يتناول عدة معايير للتمييز بين الضبط اإلداري
والضبط القضائي سوف نتاولها فيما يلي:
-1المعيار الشكلي :يقوم هذا المعيار على أساش مبدأ الفصل بين السلطات ،حيث
ينظر للعمل من حيث الجهة التي أصدرته ،فيكون عمالً إداريا ً إذا صدر عن السلطة اإلدارية.
105إذ أن الضبط اإلداري يتصل في عملياته، ويكون قضائيا ً إذا صدر عن السلطة القضائية()،
106أما
وإجراءاته بالسلطة التنفيذية أو اإلدارية ،ومن ثم تخضع إجراءاته للقضاء اإلداري()،
()107
إجراءات الضبط القضائي يختص بها القضاء العادي أو العدلي .
-2المعيار الموضوعي :يفترق الضبط اإلداري عن الضبط القضائي ،من ناحية
الموضوع ،حيث إن الضبط اإلداري يتميز بصفته الوقائية ،فهو يعمل على وقاية النظام
العام ،بمنع اإلخالل به وتوخي كل ما من شأنه إثارة الفتنة ووقوع الكوارث بأنواعها.
ومن هنا كانت وظيفة الضبط اإلداري على جانب كبير من األهمية ،فهي تعد من
أولى واجبات الدولة عند ظهورها وتكوينها ،بل هي ضرورة اجتماعية في المجتمعات
الحديثة ،فالمشاهد أن االحتياط وتجنب وقوع الجريمة ،أنجح في مكافحتها من عالجها بعد
()108
وقوعها بتوقيع العقوبة على مرتكبيها .
أما الضبط القضائي ،فيتبع الجريمة بعد وقوعها ،ويتولى إثبات معالمها ،ثم يعمل
على إنزال الجزاء بمقترفيها ،وإذا كان هدف النشاط هو البحث عن جريمة وقعت وجمع
األدلة والكشف عن مرتكبيها ،لتقديمهم للعدالة وفقا ً لقانون اإلجراءات الجنائية وتوقيع العقاب
عليهم ،وفقا ً لقانون العقوبات ،فإن عمل الضبط هنا يندرج تحت أعمال الضبط القضائي .
()109
وقد يكون هناك أحيانا ً تقارب وتشابه بين نوعي الضبط الوقائي والقضائي ،عندما
نتداخل وتزدوج والية القائم عليهما ،فقد يقوم موظف إداري بالوظيفتين معاً ،فنالحح مثالً
أن الشرطي الذي ينظم حركة المرور في الطريق العام ،هو ذاته الذي يأمر السائق بالتوقف
عن السير ،كي يحرر له محضر ضبط عن المخالفة التي اقترفها.
الوكيل ،حالة الطوارئ وسال الاللطات الضال ال0البط اإلداري ،د ارسال الالة مقارنة ،مرجع 1سال الالابق،
5
د .محمد محمد مصال الالطفى ) (
ص.31
1
اإلسكندرية ،طبعة 1984م ،ص.428
0
د .ماجد راغب الحلو ،القانون 6اإلداري ،المطبوعات الجامعية ) (
1
سابق ،ص.232
0
د .محمد رفعت عبد الوهاب7 ،مبادئ القانون اإلداري ،مرجع ) (
عبد المجيد ،س الاللطات الض الالبط اإلدار0ي في الظروف االس الالتثنائية ،د ارس الالة1مقارنة،
8
د .محمد شال الريف إس الالماعيل ) (
1
يف ،النظرية العامة للضبط اإلداري1 ،مرجع سابق ،ص.124
0
د .محمود سعد الدين الشر ) (
1
،10بند ،72ص.60
1
حكم محكمة القضاء اإلداري 1في 4ديسمبر سنة 1955م ،س ) (
تبعاتها الرافضون لذلك ،ألن المادة ( )51من قانون الشرطة فى سلطنة عمان أعطت رجل
الشرطة ،تنفيذا ً لمباشرة حفح األمن والنظام العام المشار إليها.
ولقد أعطى المشرع في سلطنة عمان في المادة ( )11من قانون الشرطة صالحية
استعمال القوة بالقدر الالزم ألداء واجباته شريطة أن يكون استخدامها هو الوسيلة الوحيدة
لذلك ،كما أجازت له استخدام السالا لفض أي تجمع أو تجمهر أو تظاهريحدث من عشرة
أشخاص فأكثر ،متى رأى فيه رجال الشرطة أنه يعرض األمن العام للخطر ،وهذه هي
السلطة التقديرية التي نقصدها هنا ،والتي مع كل أسف ال يستوعبها البعض.
فالسلطة التقديرية هي مكنة خولها القانون لإلدارة لضمان سير المرافق العامة بانتظام
واضطراد أو بدون عوائق ،إذ كما يقول فقهاء القانون بأنه إذا كانت السلطة المطلقة مفسدة،
فإن السلطة المقيدة بالكامل هي نوع من أنواع الفساد لما تعنيه من شلل تام لحركة الحياة،
ومن هنا حرصت الدول على ضمان التوازن في ممارسة السلطة ،بحيث ال تكون مطلقة
بالكامل ،وال مقيدة بالكامل فتشل حركة اإلدارة عن العمل والنشاط.
وتعني السلطة التقديرية لإلدارة تمتعها بقسط من حرية التصرف عند ممارستها
الختصاصها القانوني ،بحيث يكون لها تقدير التصرف أو االمتناع عن اتخاذه ،أو اتخاذه
على نحو معين ،أو اختيار التوقيت المناسب الذي تراه مالئما ً للتصرف ،أما الضبط القضائي
فمهمته الكشف عن الجرائم ومرتكبيها تمهيدا ً لتقديمهم للمحاكمة ،وتنفيذ العقوبة فيهم ،عقابا ً
لهم وردعا ً لغيرهم بيد أنه على الرغم من هذا االختالف فإنه ال يمنع من وجود عالقات
تبادلية بين جهتي الضبطتين ،كما أن للضبط اإلداري آثاره في التقليل من الجرائم التي يتعقبها
الضبط القضائي ،وذلك فضالً عن قيام الشرطة بأداء مهام نوعي الضبط المذكورين أحياناً.
هذا ،ورغم وحدة واستقاللية رجال الشرطة الذين يتولون مهمتي الضبط اإلداري
والقضائي ،ورغم ما قد يقع من لبس؛ فإن العمل في الحالتين متميز عن اآلخر ،فالشرطي
الذي يقوم بحراسة األماكن والمحال العامة ليالً ،يقوم بعمل من أعمال الضبط اإلداري ،ألنه
يحافح بذلك على النظام العام ،لكن إذا ما وقع حادث في نطاق حراسته من حيث الزمان
والمكان ،وجب عليه مدقتا ً متابعة الجاني ،والقبض عليه ،وجميع االستدالالت عن الحادث،
مع أن هذه األعمال من أعمال الضبط القضائي كما هو معلوم ،ريثما يتولى اإلدعاء مباشرة
اختصاصاته بعد اخطاره ،ألنه ال يمكن ترك الجاني يفلت في مثل هذه الظروف وشرطي
المرور حينما يقوم بأعمال تنظيم حركة السير في الطرق العامة فهو إنما يقوم في الواقع
بعمل من أعمال الضبط اإلداري الستهدافه حماية النظام العام.
لكن إذا وقعت مخالفة مرورية حرر محضرا ً بشأنها أما إذا حدث حادث سير ،فإنه
يتولى مهمة إثبات الحالة ،والتحقيق االبتدائي فيها ،وربما يتحفح على مرتكبي الحادث وبذلك
فهو يمارش الضبط القضائي هنا إلى جانب ممارسته لمهمة الضبط اإلداري ،إذن فتدابير
الضبط اإلداري وإجراءاته تتحرك أساسا ً قبل وقوع الفعل المخل بالنظام العام ،ثم وبصورة
تلقائية بعد وقوعه ،أما الضبط القضائي فال تتحرك تدابيره وإجراءاته دائماً ،إال عقب ثبوت
وقوع الفعل المخل ،وبناء على طلب من المتضرر ،أو من ذوي الشأن ،وليس بصورة
تلقائية ،وقد حددت المادة ( )31من قانون اإلجراءات الجزائية العماني أنواع مأموري
الضبط القضائي وبينت اختصاصاتهم في هذا الشأن.
أهمية التفريق بين الضبطيتين اإلدارية والقضائية-:
تكمن أهمية التفريق أو التمييز بين الضبطيتين في أن الضبط اإلداري يخضع للقانون
اإلداري ،وتراقب مشروعيته المحاكم اإلدارية في حين أن الضبط القضائي يخضع لقانون
اإلجراءات الجزائية وتختص بمنازعاته المحاكم الجزائية.
باإلضافة إلى ذلك فإن أعمال الضبط اإلداري تخضع لمراقبة اإلدارة ،أما أعمال
الضبط القضائي ،فإنها تخضع إلشراف اإلدعاء العام الجزائي ،وذلك وفقا ً لنص المادة ()32
من قانون اإلجراءات الجزائية.
ثالثا ً -تمييز الضبط اإلداري عن الضبط التشريعي:
يتميز الضبط اإلداري عن الضبط التشريعي من حيث المعيار الشكلي والموضوعي،
فالضبط اإلداري تمارسه السلطة التنفيذية ومن يمثلها في األقاليم وتتمثل في لوائح الضبط
أو لوائح البوليس ،ولقد استقر العرف الدستوري على حق السلطة التنفيذية في إصدار تلك
112من أجل حماية اللوائح التي تنظم استخدام الحريات العامة لألفراد التي كفلها الدستور()،
النظام العام في مدلوالته المختلفة والتي تتمثل في األمن العام والصحة العامة والسكينة العامة
واآلداب العامة وحماية البيئة والنظام االقتصادي واالجتماعي ،وإن لم يرد نص صريح في
دستور سنة 1923م ،بخصوص لوائح الضبط ،ولكن جرى العمل على إصدار تلك اللوائح
من جانب اإلدارة لتنظيم األمور السابقة.
وكذلك حقها في الظروف االستثنائية إصدار لوائح الضرورة لمواجهة اآلثار المترتبة
()113
عليها والنتائج المحتملة .
وقد استقرت الدساتير المصرية المتعاقبة على ان لرئيس الجمهورية إذا حدث في
غيبة مجلس النواب ما يوجب اإلسراع في اتخاذ تدابير ال تحتمل التأخير أن يصدر في شأنها
()114
قرارات تكون لها قوة القانون .
أما الضبط التشريعي :فيمارسه البرلمان أو السلطة التشريعية ،ويتمثل في القوانين
التي يسنها المشرع والتي تنظم الحريات العامة لألفراد بوضع القواعد العامة التي يقتضيها
هذا التنظيم ،وينتهي دور المشرع عند هذا الحد ،كما أن الضبط اإلداري وما يتضمنه من
تنظيم وقيود على النشاط الفردي يجب كأصل عام أن يمارش في إطار القوانين البرلمانية
1
جع سابق ،ص.231
1
د .محمد رفعت عبد الوهاب2 ،مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،مر ) (
1
2005م ،ص.31
1
القانون اإلداري ،الجزء األول ،طبعة
3
د .ربيع أنور فتن الباب، ) (
د .س ال ال ال الالليمان الطماوي ،النظر4ية العامة للق اررات اإلدارية ،د ارس ال ال ال الالة1مقارنة ،الطبعة الخامس ال ال ال الالة ،طبعة ،19841 ) (
ص.163
وتنفيذا ً لها ،ولكن هذا األصل العام ال يحرم السلطة التنفيذية من حق استخدام سلطتها المستقلة
()115
في إصدار لوائح الضبط لحماية النظام العام في المجتمع .
الفرع الثانى
طبيعة الضبط اإلداري
اختلف الفقه في تحديد طبيعة الضبط اإلداري ،فهل هو سلطة سياسية تسخر لخدمة
نظام الحكم؟ أم يعتبر سلطة إدارية محايدة هدفها حماية األمن والنظام في الدولة تمارش
سلطتها في حدود القانون؟.
إن جهاز الضبط اإلداري والمتمثل في السلطة التنفيذية ،يعد أكثر أجهزة الدولة
احتكاكا ً بالجمهور ،ألن غايته األولى والتي يتفق عليها الفقهاء جميعا ً هي تحقيق األمن
والسكينة والصحة العامة لألفراد ،وقد اختلفت آراء الفقهاء حول تحديد طبيعة الضبط
اإلداري.
االتجاه األول :الضبط اإلداري سلطة سياسية:
يرى الدكتور /محمد عصفور ،أن هدف الضبط اإلداري ،هو حماية النظام العام الذي
يبدو في ظاهره األمن العام في الشوارع ،إال أنه في حقيقة األمر ،هو األمن الذي تشعر به
سلطات الحكم ،وحتى األمن في الشوارع نفسه ليس سوى وجه من وجوه األمن السياسي
الذي ينشده الحكام ،ثم أخذ بعد ذلك في شرا طبيعة وظيفة الضبط ،فقال " :إن هناك في كل
مجتمع قيما ً وأوضاعا ً مشتركة مع المجتمعات األخرى ،كما أن هناك قيما ً تختلف فيها
المجتمعات وأن كل هذه القيم تدخل في نطاق النظام العام وأن لهذا النظام حدين:
الحد األول:
وهذا الحد يكاد تتفق المجتمعات عليه ،ويتمثل في توخي أوجه العنف والقوة والعدوان
المادي ،فضالً عن أن المحافظة على األمن العام والسكينة العامة والصحة العامة أمر ال
()116
تختلف فيه المجتمعات.
الحد الثاني:
وهو يتعلق بحماية السلطة في المجتمع ،ويقصد به حماية أوضاع الحكم الخاصة ،أو
أوضاع طوائف معينة في الحكم ،وهذا الحد تتفاوت فيه المجتمعات من حيث درجة الحماية،
ويبدو ذلك بوضوا في القيود التي تفرض على الحريات بدعوى حماية األمن والنظام ،في
حين أنها تتصرف إلى حماية نظام الحكم ،كما أنه إذا أقرت بعض سلطات الحكم بأن عمل
1
جع سابق ،ص.131
1
د .محمد رفعت عبد الوهاب5 ،مبادئ وأحكام القانون اإلداري ،مر ) (
يرى الفقيه الفرنسي " جوليو باسكو" أن الضبط اإلداري بطبيعته وظيفة سياسية،
حيث إنه يعد أحد المظاهر الرئيسية لسيادة الدولة ،فإذا كان لإلدارة الحق في التنظيم
والتوجيه ،فإن للضبط الحق في الرقابة والدفاع عن الدولة ،وهو أيضا ً وسيلة لقهر الناش
على تنفيذ إرادتها باإلكراه ،وقد ذهب الفقيه بيسكو في الدفاع عن رأيه إلى حد بعيد حتى إنه
كان يعتبر الضبط سلطة رابعة ذات صبغة سياسية بحته بجانب السلطة التشريعية والقضائية
والتنفيذية.
تقدير هذا االتجاه:
-1إن هذا الرأي يعكس التجارب التي مرت بها الدول الحديثة الديمقراطية وهي دول
نامية ومعظمها كانت تخضع تحت نفوذ االستعمار األجنبي ،فإذا كانت الصورة
الظاهرة لفكرة الضبط في هذه الدول هو أنه وظيفة سياسية ،فإنه يجب أال نسلم بأن
ذلك يعتبر مبدأ عام يصدق على جميع الدول ،وإنما يصدق فقط على الدول ذات
()119
الحكم البوليسي .
-2القول بأن النظام العام في حقيقته وجوهره فكرة سياسية قول بعيد عن الحقيقة ،فالنظام
العام تعبير عن األسس والمفاهيم والعقائد السائدة في الدولة وهي قابلة للتطوير
والتغيير بمرور الوقت ،وهذا يبرر التوسع في فكرة النظام العام التقليدي.
فالقول بأن النظام العام يبدو في ظاهره أمن السلطة السياسية ال ينطبق إال على الدولة
ً()120
البوليسية وهو نمط ال يستمر كثيرا .
القول بأن الدولة تستغل سلطاتها في مجال الضبط اإلداري ألغراض سياسية تحكم
مصالحها فقط ،قول غير مسلم به ،ألن القواعد الدستورية والقانونية ال تعبر عن مصالح
1
د .محمد عصفور ،البوليس و7الدولة ،القاهرة ،طبعة ،1972ص 2501وما بعدها. ) (
1
وما بعدها.
1
د .محمد عصفور ،البوليس و8الدولة ،المرجع السابق ،ص258 ) (
د .محمود عاطف البنا ،حدود 1سلطات الضبط اإلداري ،مطبعة 2جامعة األزهر ،طبعة 1980م ،ص.41 ) (
،ص.112
1
يف ،النظرية العامة للضبط اإلداري2 ،القاهرة ،طبعة 1964م ،ص77
2
د .محمود سعد الدين الشر ) (
عبد المجيد ،سال الاللطات الضال الالبط اإلدار2ي في الظروف االسال الالتثنائية ،مرجع 1سال الالابق،
3
د .محمد ش ال الريف إسال الالماعيل ) (
ص.91
الثاني :عدم المساش بالحريات العامة ،إال إذا دعى إلى ذلك النظام العام وبأقل التدابير
شدة إذا كان التدبير الملطف كافياً.
بيد أنه ينبغي التحرز من إعمال مبدأ إيثار الحرية ،في غير مواطنه ،ذلك أنه إذا
استبان وجه المصلحة في تغليب مقتضى النظام العام ،وجب تضحية الحرية ،ألنه من غير
المقبول أن يربو احترام الحرية الفردية على مطالب الصالح الجماعى إذا اتصل هذا الصالح
بالنظام العام ،ويقال إن صراع المصالح يحسم في التقدير دوما ً للصالح العام باعتباره األجدر
()124
بالرعاية مما عداها .
(ب) الضبط اإلداري وظيفة محايدة:
إن وظيفة الضبط اإلداري ،هي حماية األوضاع الرئيسية في المجتمع من أي خلل،
وال تصطبغ بالصبغة السياسية إال في األحوال التي يرتبط فيها النظام العام في المجتمع بنظام
الحكم ،وبهذا القيد ال تتفاوت المجتمعات في فهم مدلول هذا النظام ،فهو نظام يراد حمايته
من التهديد باإلخالل به بأنه وجه من وجوه العنف والعدوان المادي ،وذلك بتعكير السكينة
()125
العامة ،أو بالمساش بالصحة العامة التي يحرص على حمايتها فيما بين أفراد المجتمع .
وبهذا المفهوم المحايد لفكرة النظام العام كغرض أساسي من أغراض الضبط
اإلداري ،تنصرف الوظيفة إلى حماية األوضاع الرتيبه لحياة المجتمع من أي خلل أو
انتكاش ،فال ترتبط غايات هذه الوظيفة بفلسفات عقائدية خاصة أو بقيم سياسية معينة تنسلخ
()126
عن النظام العام المجتمعي .
(ج) خضوع الضبط اإلداري لسيادة القانون:
مما ال شك فيه أن وظيفة الضبط اإلداري تخضع لسيادة القانون ،حيث يستمد سلطاته
من القانون الوضعي ومن الدستور ،فهذه الوظيفة تخلع على الهيئات التي نبطت بها مكنات
تعتمد على سند قانوني ،ففي دائرة القانون الوضعي تستند صالحيات الضبط اإلداري إلى
نصوص تمدها بهذا األساش القانوني.
أما فيما يتعلق بالوثائق الدستورية فإن السلطة العامة ،التي يعتمد عليها الضبط
اإلداري ،ال تنصرف إال إلى مجموع اختصاصات خارجة على القواعد العامة ،وهي
اختصاصات نجد سندها في الوثيقة الدستورية ،التي وزعت بمقتضاها الوظائف على الهيئات
التي تتولى شئون الدولة ،ومن هذه الهيئات السلطة التنفيذية التي تتكفل بتنفيذ القوانين بحكم
الدستور.
مطبعة دار
1
وقف تنفيذ الحكم اإلداري من محكمة2الطعن في المرافعات اإلدارية،
4
د .محمد باهي أبو يونس، ) (
الالته وقاية النظام االجتماعي باعتبارها 2قيداً على الحريات العامة ،طبعة ،19611
6
د .محمد عص الالفور ،في رس ال ) (
ص.133
(د) اعتماد الضبط اإلداري على وسيلة السلطة العامة:
ال شك في أن تدابير وقرارات الضبط اإلداري ،تشفع للسلطة المعهود إليها بإتخاذها
في استخدام القوة لتنفيذها طوعا ً أو كرها ً على المحكومين ،ألنها تقتضي الخضوع لها فوراً،
وأقل تردد في إطاعتها مخل بالنظام العام المادي ،وهذا يتماشى مع جوهر السلطة التنفيذية
()127
بحسبانها سلطة تعتمد في التنفيذ على نفسها .
تقدير هذا االتجاه:
يرى البعض أن هذا االتجاه خيالي ال يتسم بالواقعية ،حيث إنه ال يتحقق إال في
المجتمع المثالي ،ألنه من الناحية العملية نالحح أن السلطة الحاكمة تفرض النظام الذي يحقق
لها البقاء أكبر مدة ممكنة والنظام العام ما هو إال ذريعة لفرض أرائها وفلسفاتها ،وبالتالي
فالضبط عندما يقوم بحماية النظام العام فهو يحقق مصالح الطبقة الحاكمة ،ومن ثم القول بأن
الضبط وظيفة لحماية األوضاع الرتبية في المجتمع قول يجافي الواقع والحقيقة ،فهو يتطلب
ً()128
وجود مجتمع مثالي وهذا لم يتحقق في أي مجتمع من األزمنة الماضية وقد ال يتحقق ابدا .
والباحث يديد الدكتور /محمود سعد الدين الشريف في وجهة نظره في هذه المسألة
بأن طبيعة الضبط اإلداري وظيفة ضرورية ومحايدة والجهة المنوط بها القيام بتلك الوظيفة
هي السلطة التنفيذية باالشتراك مع بعض الهيئات األخرى ،بهدف حفح األمن العام والسكينة
العامة والصحة العامة واآلداب العامة ،وهذا الهدف هو المرجو منها إال أنه في بعض األحيان
تصطبغ بصبغة سياسية تخضع آلراء وفلسفة الفئة الحاكمة بهدف حماية النظام العام وليس
حماية مصالح فئة معينة.
عبد المجيد ،س الاللطات الض الالبط اإلدار2ي في الظروف االس الالتثنائية ،د ارس الالة1مقارنة،
7
د .محمد شال الريف إس الالماعيل ) (
ص.22
1 2
د .محمد عصفور ،البوليس و8الدولة ،مرجع سابق ،ص.250 ) (
المبحث الثانى
القيود الدستورية والقانونية للضبط
اإلداري
المبحث الثانى
القيود الدستورية والقانونية للضبط اإلداري
إن احترام حريات األفراد يشكل التزاما ً قانونيا ً تلتزم به سلطة الضبط ،لذا فلقد لزم
تقييد تلك السلطة بقيود تمثل ضمانات قانونية للحرية بوضع قواعد دستورية وقانونية -نابعة
من المبادئ الدستورية والتشريعية القائمة -تكفل الحريات في مواجهة سلطة الضبط ،وتشكل
تلك القواعد حدودا ً وقيودا ً على سلطة الضبط بما تضعه من أسس وضوابط تحكم سالمة
اإلجراء الضابط وسالمة سنده القانوني والدستوري.
وتتفاوت صالحيات الضبط ضيقا ً وسعة تبعا ً لما إذا كانت حدود الحريات العامة
محددة تحديدا ً واضحا ً أو مصاغة صياغة عامة من غير تحديد ،ويستوى في ذلك أن يكون
تخطيط إطار الحرية حاصالً في صلب الدستور أو في القانون ،فالتحديد الدستوري أو
القانوني يفرض على صالحيات الضبط قيودا ً لصالح الحريات ال تتحلل منها إال في ظل
الظروف االستثنائية.
وفي مجال التقييد القانوني لسلطة الضبط ،نجد أن جميع إجراءات الضبط اإلداري
تخضع لمبدأ المشروعية شأنها في ذلك شأن سائر األعمال اإلدارية ،فيلزم فيها أن تصدر
من مختص ،وفقا ً لإلجراءات واألشكال المقررة ،وأن ترد على محل جائز قانوناً ،ولسبب
يبرره ،وأن تستهدف اإلدارة بها تحقيق الهدف الذي من أجله منحت االختصاص وهو
()129
المحافظة على النظام العام.
غير أنه نظرا ً لما تتمتع به أعمال الضبط اإلداري من طابع خاص وذاتية متميزة فإننا
لن نتناول كل ما يتعلق بمشروعية تلك األعمال ،فسنكتفي بالقواعد الخاصة التي تتميز بها
إجراءات الضبط في حال الخضوع لمبدأ المشروعية.
بناء على ما تقدم ،سوف نتناول في هذا المبحث لبيان الحدود الدستورية والقانونية
وآثارها في صالحيات الضبط اإلداري وذلك على النحو التالي:
المطلب ألول :مبدأ المشروعية كقيد على سلطة الضبط.
المطلب الثاني :الحماية الدستورية والقانونية للحريات كقيد على سلطة الضبط.
1 2
سابق ،ص.109
9
د .سعاد الشرقاوي ،مصدر ) (
المطلب األول
مبدأ المشروعية كقيد على سلطة
الضبط
المطلب األول
مبدأ المشروعية كقيد على سلطة الضبط
مبدأ المشروعية من المبادئ القانونية العامة واجبة التطبيق في كل الدول ،وذلك
بغض النظر عن االتجاهات السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي تتبناها الدولة،
وتتخذ منها أهدافها وغاياتها المستقبلية ،فلقد استقر في الفكر السياسي والقانوني أن
السلطة القانونية ظاهرتان متالزمتان ومتكاملتان ،فالسلطة ضرورة يفرضها اإلحساش
بالقانون ،ثم هي ال تستطيع أن تتعامل مع الخاضعين لها ،إال بالقانون وعلى
()130
مقتضاه .
ويكاد الفقه يجمع على أن مبدأ المشروعية يعني سيادة حكم القانون ،وتتحقق
سيادة القانون بخضوع اإلدارة والدولة بصفة عامة للقانون ،بحيث تكون تصرفاتها
اإليجابية والسلبية في دائرة وحدود النظام القانوني المقرر في الدولة ،وهذا النظام
القانوني يشمل كل قواعد القانون الوضعي أيا ً كان مصدرها وشكلها ،وسواء كانت
مدونة أم غير مدونة.
وال خالف في أن تقرير مبدأ المشروعية ،على هذه الصورة ،يمثل في الدولة
المعاص رة أهم الضمانات الجدية والحاسمة لألفراد في مواجهة السلطة العامة ،ألنهم
يكونون بمقتضاه في مأمن من أن تعتدي عليهم الدولة على خالف ما يجيزه القانون،
()131
أو بأكثر مما يرخص به .
ترتيبا ً على ما تقدم ،يعد مبدأ المشروعية ضرورة عملية وفلسفية ،فضرورته
الفلسفية تكمن في إخضاع الدولة للقانون من خالل وجود مبادئ عليا وتشريعات الدولة
وتسبق في وجودها وجود الدولة نفسها ،أما القيمة العملية فتظهر في مجال حماية
الحريات وتحقيق ضماناتها ،فاالهتمام بمبدأ المشروعية وتأكيده وتحقيق الضمان
لتطبيقه يعد أحد الضمانات الالزمة الحترام الحريات وكفالتها ويتحقق ذلك بالتصدي
ألي تعد يقوم على إهدار لمبدأ المشروعية وذلك بعدم االنصياع ألحكام القانون
132فمبدأ المشروعية يضعبخروجها على ضمانات المقررة فيه لممارسة الحريات()،
بقواعد على عاتق اإلدارة التزاما ً أو قاعدة مدداها ضرورة توخي المصلحة العامة في
كل ت صرف ،وتوخي الحرص في تنظيم الحريات من خالل التطبيق الصحيح ألحكام
الفرع األول
التعريف بالمشروعية وبيان ماهيتها
ومضمونها وعالقتها بالسلطة التنفيذية
نتناول في هذا المطلب بيان ماهية المشروعية وبيان ماهيتها ومدلولها ومضمونها،
مع ما يستتبعه ذلك بالضرورة من تحديد وبيان العالقة بين مبدأ المشروعية ،والسلطة
التنفيذية وترتيبا ً على ما تقدم ،فسوف نتناول في هذا الفرع النقاط التالية:
أوالً :التعريف بالمشروعية وبيان ماهيتها.
ثانياً :مضمون مبدأ المشروعية.
ثالثاً :مبدأ المشروعة والسلطة التنفيذية.
أوالً :التعريف بالمشروعية وبيان ماهيتها:
يقوم مبدأ المشروعية على أساش من التالزم والتكامل بين السلطة والقانون ،فالسلطة
حقيقة اجتماعية ال بديل عنها الستقامة الحياة ،فهي ضرورة ال يتصور وجود النظام الجماعي
واستقراره وتطوره بغيرها ،لذلك يسلم الفقه بأن السلطة يعلل قيامها بضرورتها لخدمة
الصالح العام أو المشترك ،ويستوي في ذلك أن تتغيا السلطة خدمة اإلنسان الفرد بحيث ال
تشغلها الجماعة إال بالقدر الالزم لتوفير األمن وتحقيق العدالة ،أو أن تتغيا الجماعة بحيث ال
يشغلها الفرد إال باعتباره خلية حية وقادرة على خدمة المجموع ،أو كانت وسطا ً بين األمرين
ال تحابي الفرد على حساب الجماعة ،وال تفرط في الضغط بإسم الجماعة على الفرد ،بل
133وعليه كان لزاما ً على السلطة العامة أن تلتزم
تكون أداه لتحقيق التوازن المقبول بينهما()،
القانون في كل ما تأمر به أو تنهي عنه ،فذلك وحده هو شرط شرعيتها وهو الكفيل بضمان
احترام أوامرها ونواهيها وتنفيذ األفراد لها طواعية وعن اقتناع.
وترتيبا ً على ما سبق ،فإن مبدأ المشروعية يعد حدا ً أعلى على سلطان الحكام،
وتصرفات هيئات الضبط والهيئات العامة األخرى.
ولقد عرف مبدأ المشروعية في نطاق القانون اإلداري بتعريفات متعددة تتراوا بين
الضيق والسعة .فلقد ذهب البعض إلى أن مبدأ المشروعية إنما يطلق تحديدا ً على العالقة بين
التشريع واألعمال اإلدارية ،غير أنه بعضا ً من فقهاء القانون العام في كل من فرنسا
ومصر()134يعطون مبدأ المشروعية مفهوما ً واسعاً ،فمبدأ المشروعية عندهم ال يعني فقط
عالقة الخضوع بين أعمال اإلدارة والقواعد التشريعية ،بل يعني باإلضافة إلى ذلك عالقة
الخضوع بين أعمال اإلدارة وكل أنواع القواعد القانونية التي يمكن أن تترك آثارها في
التصرف اإلداري ،وبعبارة أخرى ،فإن الشرعية عبارة عن مجموعة القواعد المستمدة من
()135
مصادرها المختلفة في شكلها ودرجتها وقوتها .
والباحث يتفق مع ما ذهب إليه الرأي األخير ،نظرا ً لما يددي إليه من توسيع لمبدأ
المشروعية وبالتالي تضييق نطاق حرية اإلدارة في التصرف ،مما يددي بالتبعية إلى حماية
حقوق األفراد وحرياتهم ،أيضا ً فإن هذا االتجاه يتفق مع أحكام القانون الوضعي في كل من
فرنسا ومصر ،كما أنه موضع تأييد القضاء اإلداري في كل من فرنسا ومصر ،لذلك فقد
قرر مجلس الدولة الفرنسي بغير االعتماد على نصوص الدستور حق النساء في التوظيف
بالمساواة بينهن وبين الرجال ،كما قرر جواز فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي ،وبغير
أسباب جدية تكشف عنها الدراسة الخاصة لحالة كل موظف ،أيضا ً فلقد ألتزمت محكمة
القضاء اإلداري المصرية ذات النهج ،فقررت اعتمادا ً على المبادئ العامة للقانون حق المرأة
()136
في المساواة بالرجل في تولي الوظائف العامة .
ثانياً :مدلول مبدأ المشروعية:
1
جع سابق ،ص.11
3
النظرية العامة للق اررات اإلدارية ،مر
4
)د .سليمان محمد الطماوي، (
1 3
مرجع سابق ،ص.282
5
د .عادل السعيد أبو الخير، ) (
مجموعة أحكام
1
اإلداري في القضالالية رقم 43لسالالنة 3 3ق ،جلسالالة ،1953/11/12
6
انظر حكم محكمة القضالالاء ) (
1
السلطات الثالث ،طبعة ،1974ص.1903
7
د .سليمان محمد الطماوي، ) (
-1عالقة السلطة التـنفيذية بالمشروعية في مجال الضبط اإلداري:
يثور التسا ل عن المدى الذي تلتزم به السلطة التنفيذية بقاعدة المشروعية وذلك أثناء
ممارستها لوظيفتها المتعلقة بالضبط اإلداري؟.
تبدو صعوبة اإلجابة على هذا التسا ل نظرا ً لوجود قدر من التعارض الظاهري بين
آثار ممارسة وظيفة الضبط وبين غايتها األساسية ،تلك الغاية التي تتبلور في جواز اتخاذ
كل ما من شأنه الحفاظ على النظام العام بمدلوالته الثالثة ،مع ما يمكن أن يرتبه ذلك من آثار
تتمثل في إمكان المساش بالحريات الفردية ومن ثم تقييدها ،فإذا كان الفكر القانوني الحديث
بحلول إيجاد صيغة للمالءمة والتوازن بين تدابير الضبط اإلداري وممارسة الحريات العامة
وضرورة كفالتها ،إال أن تحقيق هذا التالئم والتوازن ليس باألمر الهين ،وهو أحيانا ً أمر
متعذر ،األمر الذي يترتب عليه التضحية بإحدى القيمتين من أجل األخرى ،والتضحية دائما ً
في حريات األفراد ،وما يستتبعه ذلك من إهدار للمشروعية بدعوى أن النظام العام ليس مما
يمكن التضحية به ،أو التساهل في أي من أغراضه لما يترتب على ذلك من نتائج خطيرة
تهدد مقومات المجتمع.
وتكمن الخطورة في أنه في كثير من الحاالت تستطيع سلطة الضبط أن تسد الثغرات
التشريعية بما تصنعه من قواعد عامة ،كما تستطيع في بعض الحاالت أن تصدر تدابير
ضبط فردية دون أن نستند في ذلك إلى نص ،بل أحيانا ً بالمخالفة لنص قائم .
()138
غير أن ذلك التحرر ال يمكن إطالقا ً أن يددي إلى التسليم بتحلل اإلدارة من كافة
ضوابط المشروعية في سبيل الحفاظ على النظام العام ،ذلك أن هناك العديد من الضمانات
القانونية التي تهدف إلى وضع سلطة الضبط في حدود الغاية التي قامت من أجلها ،وهذه
الضمانات سوف نتناولها تفصيليا ً في المباحث القادمة.
-2عالقة السلطة التـنفيذية بالمشروعية في مجال الضبط القضائي:
يقصد بالضبط القضائي تعقب الجريمة بعد وقوعها بالفعل وذلك بالبحث عن فاعليها
139وإذا كان الضبط اإلداري يتم مباشرةوجمع اإلستدالالت الالزمة إلثبات التهمة عليهم()،
تحت إشراف السلطة اإلدارية ،فإن الضبط القضائي يخضع أساسا ً إلشراف السلطة
القضائية ،ونجد أن غالبية رجال الضبط القضائي يختارون عادة من رجال الضبط اإلداري،
وذلك بسبب وجود ارتباط وثيق بين مهام الوظيفتين ،ألن القانون يسبغ عليهم وظيفة الضبط
القضائي بصفة إضافية إلى جانب صفتهم األصلية كمأموري ضبط إداري -حسبما بيناه من
قبل -ولذلك فإن مأموري الضبط القضائي هم في األصل موظفون تابعون للسلطة التنفيذية
أنيط بهم وظيفة أخرى إضافية هي تلك الخاصة بالضبط القضائي ،يخضعون بمقتضاها
إلشراف السلطة القضائية في ممارستهم إلختصاصاتها.
1
وما بعدها.
3
د .محمد عصفور ،البوليس و8الدولة ،المرجع السابق ،ص398 ) (
1
ابعة عشر ،1982 ،ص.249
3
د .رؤوف عبيد ،مبادئ اإلجر9اءات الجنائية ،القاهرة الطبعة الر ) (
وعن العالقة التي تربط بين موظفي السلطة التنفيذية وبين المشروعية أثناء ممارستهم
لمهام تلك الوظيفة اإلضافية ،نوضح بادئ ذي بدء أن قاعدة المشروعية تتجه بخطابها إلى
السلطة القضائية ،ومن ثم يوجد قدر من االرتباط الوثيق بينهما ،فالسلطة القضائية هي التي
تسهر على تأكيد سيادة القانون وضمان تحقيق المشروعية وتوقيع الجزاء المناسب على عدم
140وذلك من خالل المشروعية ،فالقضاء وحده هو الذي يملك تقرير المشروعية من عدمها()،
رقابته على اإلجراءات الجنائية في جملتها ،بقيامه بالتحقق من مدى مراعاة هذه اإلجراءات
للضمانات التي كفلها القانون للحرية الشخصية ،ألن القضاء يملك سلطات ومكنات نحو
اإلجراء المخالف وشخص مرتكبه ،فيملك القضاء سلطة إهدار اإلجراء وكافة ما يترتب
عليه من نتائج ،وأيضا ً العقاب عما قد يشكله الحصول على مثل هذا اإلجراء من جرائم،
وكذلك النظر في إمكان تقرير مسئولية المخالف عنه مدنيا ً أو جنائيا ً أو إدارياً ،ومن ثم إلزامه
()141
بتعويض المضرور عما لحقه من أضرار .
-3عالقة السلطة التـنفيذية بالمشروعية في مجال التنفيذ العقابي:
تنشأ سلطة الدولة في التنفيذ بمقتضى حكم اإلدانة الحائز لحجية الشيء المقضي فيه،
ويعد هذا الحكم سندا ً تنفيذيا ً تنتهي إليه الدعوى الجنائية بحيث ال يمكن البدء في التنفيذ بدونه،
وذلك فإن جهة اإلدارة تقوم بالتنفيذ على المحكوم عليه بموجب الحكم النهائي ،ومن المسلم
به هو تبعية المدسسات العقابية للسلطة التنفيذية التي تتولى مهمة اإلشراف واإلدارة فيها،
ونجد أن العالقة وطيدة بين موظفي السلطة التنفيذية المشرفين على المدسسات العقابية
وإدارتها وبين قاعدة المشروعية ،وذلك عن طريق تقييدهم بمضمون الشرعية التنفيذية من
خالل التزامهم بعدم جواز الحجز أو الحبس في غير األماكن الخاضعة للقوانين الصادرة
بتنظيم السجون أو من خالل عدم جواز قبول اإليداع في تلك األماكن إال بمقتضى أمر صادر
من النيابة العامة على النموذج الذي يقرره وزير العدل وفقا ً للمادة ( )478من قانون
اإلجراءات الجنائية المصري ،باإلضافة إلى التزامهم أيضا ً بمضمون المشروعية في إطارها
العام وذلك بحسن معاملتهم لمن قيدت حريته باألسلوب والطريقة التي تحفح عليه كرامة
()142
اإلنسان
،665د.
1
د .أحمد ضال ال ال ال ال الالياء الدين محمد 0خليل ،مشال ال ال ال ال الالرونية الدليل في المو4اد الجنائية ،القاهرة ،1983 ،ص ) (
ص.14-10
الفرع الثاني
انعكاسات المشروعية على أعمال الضبط اإلداري
يترتب على المشروعية خضوع سلطة الضبط للقانون ،ومقتضى ذلك أن أي تصرف
تجريه سلطة الضبط وتخالف به قواعد القانون يقع باطالً غير نافذ مما يجعله جديرا ً باإللغاء
فضالً عما يترتب عليه من مساءلة اإلدارة بتعويض الضرر عنه.
تأسيسا ً على ما تقدم تترتب النتائج اآلتية في مجال خضوع سلطة الضبط للمشروعية:
-1مبدأ تدرج القواعد القانونية ،وفقا ً لذلك المبدأ ،تندرج القواعد القانونية تدرجا ً
شكلياً ،أي بحسب السلطة التي أصدرتها ،كما أنها تندرج كذلك تدرجا ً موضوعياً ،أي بالنظر
إلى مضمون القاعدة وفحواها ،فتأتي األعمال المشروعة المجردة في مرتبة أعلى من
143وعن طريق ذلك المبدأ تنفذ األعمال الذاتية أو الشخصية ،ولو اتحد مصدر الفاعلتين()،
أحكام القانون من القمة إلى القاعدة ،فالتدرج يشكل المجرى الذي تسري فيه أحكام
144والذي تجري عبره ضمانات القانون في العدالة والمساواة ،وبفضل التدرج القانون()،
يمكن أن تضمن -على مستوى القرارات اإلدارية الفردية -المساواة بين األفراد في الحقوق
واألعباء.
وتبدو أهمية التدرج في عالقته بكفالة الحريات ومن ثم تقييد سلطة الضبط واضحة،
ذلك أن هيمنة الدستور على قواعد المشروعية يعني ابتداء بطالن قواعد التشريع المخالفة
ألحكامه ،وهو يعني في المقام الثاني تقييد أعمال اإلدارة الضبطية باألعمال المشروعة شكالً
وموضوعاً ،ولهذا يحدد التدرج مضمون المشروعية وحدودها بالنسبة لكل سلطة ضبطية
حيث يبين لكل منها القواعد التي تلتزم بها.
1
على ،مرجع سابق ،ص.49 ،48
4
د .سامي جمال الدين ،مرجع3سابق ،ص ،22د .حسين أحمد ) (
القالالانونيالالة ،ذلالالك أن القالالانون يهالالدف إلى تنالالاول مختلف دقالالائق الحيالالاة االجتمالالانيالالة بالالالتنظيم ،ولمالالا كالالانالالت الحيالالاة
االجتمانية متناهية التشال ال ال ال ال ال الالعب ،فإن ذلك التنظيم يبدو متعذ اًر من الناحية العملية ،ولهذا لم يكون هناك بد من أن
يواجه القانون الحياة االجتمانية بفكرة مواتية هي فكرة تشالالمل القواعد القانونية ،ويفضالالل هذا التسالاللسالالل بين عناصالالر
الكيان القانوني فإن القانون يمكن أن يسمع صوته حتى بالنسبة إلى أبعد األنشطة االنسانية مثاالً ،وبالتالي يتحقق
االنسجام بين الخطة السياسية الشاملة والنمط االجتماعي المرغوب فيه ،طالما أن كل القواعد القانونية ستترابط ال
ترابطاً تسالاللسالاللياً فحسالالب ،بل ترابطاً سالالببياً أيض الاً ،طالما أن في كل درجة من درجات هذا التسالاللسالالل سالالتكون القاعدة
مشروطة ،من حيث مضمونها ،بالقاعدة السابقة عليها.
انظر د .نعيم عطية ،مس الالاهمة في د ارس الالة النظرية العامة للحريات الفردية ،رس الالالة دكتوراة مقدمة إلى كلية الحقوق
1
الدستوري وتطور األنظمة الدستورية في 4مصر ،القاهرة ،1971 ،ص.80
5 د .ثروت بدوي ،القانون ) (
يف ،فلسفة العالقة بين الضبط اإلدار4ي والحريات ،مقالة السابق ،ص.124
6
د .محمود شريف الدين شر ) (
1
سابق ،ص.431
4
الوسيط في القانون اإلداري ،مرجع
7
د .محمود عاطف البنا، ) (
المطلب الثاني
حماية الحريات الدستورية
والقانونية
كقيد على سلطة الضبط
المطلب الثاني
حماية الحريات الدستورية والقانونية
كقيد على سلطة الضبط
أن األساليب التي تتبع في تقرير الحريات العامة ،وإضفاء حماية دستورية أو قانونية
عليها تختلف من دولة إلى أخرى ومرد ذلك اختالف األصول الفلسفية والسياسية التي تقوم
عليها نظم الحكم ،فضالً عن اختالف الظروف التاريخية التي صاغت الحياة الدستورية على
نحو يختلف من دولة إلى أخرى.
لذا نتناول الحماية الدستورية والقانونية للحريات في هذا المطلب على النحو التالي:
الفرع األول :التنظيم التشريعي للحريات.
الفرع الثاني :سلطة اإلدارة في مجال الحريات.
الفرع األول
التنظيم التشريعي للحريات
األصل هو أن الحريات تجد مكانها الطبيعي في صلب الدساتير ،وهو ما درجت عليه
مختلف النظم السياسية ،إال أن االعتبارات القانونية والعملية قد تحول دون أن تتسع نصوص
الدساتير لتفصيالت تنظيم ممارسة تلك الحريات ولذلك يعهد الدستور بهذه المهمة للقانون.
غير أنه يتعين أال يترتب على تنظيم القانون للحريات مخالفة المبادئ األساسية
المنصوص عليها في الدستور ،كما يتعين أن يكون تناوله للحريات قاصرا ً فقط على التنظيم
المباا والالزم للممارسة الصحيحة من جانب األفراد لهذه الحريات دون أن يصل األمر إلى
()148
حد االنتقاص منها أو وضع قيود تصفية تددي إلى هذا االنتقاص. .
ومن خالل هذا الفرع سنشير للنقاط التالية:
أوالً :التشريع وكفالة الحريات.
ثانياً :سلطة تنظيم الحريات.
ثالثاً :حدود التنظيم التشريعي للحريات.
رابعاً :الشروط والضوابط الواجب توافرها في التشريع المنظم للحرية.
خامسا ً -الرأي العام وحماية الحريات تجاة سلطات الضبط االدارى .
أوالً :التشريع وكفالة الحريات:
تنص الدساتير على أن تنظيم الحريات يجب أن يكون بقانون أو بناء على قانون،
ويستند مبدأ إحالة الدساتير إلى القانون لتنظيم حقوق وحريات األفراد إلى أسباب عديدة،
في النظرية العامة للحريات الفردية4 ،القومية للطباعة والنشال ال ال ال ال ال الالر11963 ،؛ انظر
8
د .نعيم عطية ،مسال ال ال ال ال ال الالاهمة ) (
كذلك :د .س ال ال الالعاد الشال ال ال الرقاوي ،نس ال ال الالبية الحرية العامة وانعكاس ال ال الالها على التنظيم القانوني ،دار النهض ال ال الالة العربية،
،1979ص.163
فالقانون وحده هو الذي ينطق بالقاعدة القانونية وبالتالي فإن كافة السلطات في الدولة تلتزم
بإحترامه وال يجوز ألي منها أن تفرض على األفراد قيودا ً ليس لها سند من القانون ،كما أنه
ال يمكن أن يتولد أي التزام قانوني على عاتق األفراد إال متى نص القانون عليه سواء بطريق
مباشر أو غير مباشر ،وترجع هذه األهمية للقانون في مجال تنظيم الحريات إلى أسباب
كثيرة نوجز أهمها في اآلتي:
.1إن وضع القانون يقتضي إجراءات معينة تنطوي على ضمانات فعالة للحريات ،وأن
في استلزام صدور القيد على الحريات من سلطة معينة بعد اتباع إجراءات محددة
ومرسومة مقدما ً في الدساتير يقلل من اإلفراط في فرض القيود على الحريات .
()149
.2تنطوي الطبيعة القانونية للتشريع على ضمان وحماية للحريات والتي تتمثل في
عمومية التشريع وعدم إنصرافه إلى فرد بعينه ،وهذه العمومية تضفي على التشريع
طابعا ً غير ذاتي يستبعد معها كل احتمال للتعسف طالما أن التشريع ال يواجه حالة
شخصية ،بل أنه يقرر قاعدة موضوعية ،فالتشريع ال يواجه أشخاصاً ،بل هو ينشئ
أي يعدل مراكز قانونية عامة ،بمعنى أنها واحدة بالنسبة لجميع األفراد الذين يوجدون
في تلك المراكز ،فضمانة العمومية إنما تعني أن الحكم القانوني الذي تضمنه القاعدة
التشريعية ال يخص حالة فردية قائمة وال أفرادا ً معينين بذواتهم ،بل هي حكم يوضع
مقدما ً ليطبق على كل الحاالت وعلى كل األشخاص الذين يتوافر فيهم ما اشترطه
()150
المشرع .
عدم رجعية التشريع من حيث المبدأ ،تفرض عدم المرجعية نفسها على سلطة المشرع
كأصل تق تضيه طبائع األشياء ،ألنه إذا قيل بأن يهدم التشريع الروابط القانونية التي نشأت
صحيحة ومشروعة في ظل تشريع سابق ألدى ذلك إلى الفوضى واالضطراب.
والجدير بالذكر أن عدم الرجعية هو مبدأ دستوري ملزم للمشرع ذاته في المسائل
الجنائية ،فهي نتيجة مترتبة على قاعدة " ال جريمة وال عقوبة إال بنص" ،أما في المسائل
المدنية فال تعد عدم الرجعية مبدأ دستورياً ،فطالما أن التشريع هو المهيمن على المراكز
القانونية التي تنحدر عنه فإن المشرع غير ملزم بعدم التعديل في مضمون تلك المراكز وهو
يعدل القاعدة التي وضعها ،وفي القول بأكثر من ذلك ما قد يصيب التنظيم القانوني بجمود
غير مناسب للمقتضيات االجتماعية ،أما بالنسبة للتشريعات المنظمة للسلطات العامة فليس
()151
ألحد أي حق مكتسب في أن يكون ترتيب ممارسة السلطة العامة على نحو دون آخر .
الابق ،ص 184وما بعدها ،د .حسال ال الالن 4أحمد على ،المرجع السال ال الالابق ،ص ،141د.
9
د .نعيم عطية ،المرجع السال ال ال ) (
س الالعاد الشال الرقاوي ،نس الالبية الحريات العامة وانعكاس الالها على التنظيم القانوني ،القاهرة ،دار النهض الالة العربية،1979 ،
ص.142
1 5
المرجع السابق ،ص.440
0
د .محمود عاطف البنا، ) (
.147
1
التنظيم القانوني ،المرجع السابق ،ص
5
د .سعاد الشرقاوي ،نسبية الح2ريات العامة وانعكاساتها على ) (
القضائية
1
على أي فرد تعسفياً ،والسلطة 5
المادة 66من الدستور3الفرنسي على أنه :م ال يجوز القب تن ) (
هي الحارسة على الحرية الفردية وتؤمن احترام هذا المبدأ وفقاً للظروف المنصوص عليها في القانون م.
1
عبد الحميد ،المرجع السابق ،ص.5383
4
د .عبد الحليم عبد السالم ) (
1
السابق ،ص 57وما بعدها.
5
د .محمود عاطف البنا ،حدود 6سلطة الضبط اإلداري ،المرجع ) (
د .أنور أحمد رسالن ،الوسيط 7في القضاء اإلداري ،دار النهضة5العربية ،القاهرة ،1999 ،ص.1830 ) (
استغالل سلطات الضبط للثغرات التشريعية ،عن طريق حسن الصياغة ودقتها ،ويحمي
الفرد من تسلط أجهزتها ،فإذا لم يحقق ذلك أصبح ال جدوى في تشريعه للحريات ،إذ سيكون
حمالً عليها ال عونا ً لها.
كذلك يجب على المشرع أن يسبغ على الحرية القوة التي تتمتع بها النصوص
الدستورية المنظمة لها ،وأن يراعى المشرع هذه القيود بنفسه عند صياغة النصوص
التشريعية
المتصلة بالحريات عامة ،واألساليب الضابطة على وجه الخصوص ،كما يجب أن
يكون ضامنا ً لها بأال يفرض أية حصانة على تصرف من تصرفات اإلدارة يكون فيه انتهاك
لتلك الحريات أو مخالفة للحماية التشريعية الضامنة للحرية أو خروجا ً عليها ،أو يكون فيه
اقتحام لمظاهر النشاط الفردي على غير مقتضى من أحكام الدستور ومبادئه.
أيضا ً يجب أن يشير التشريع دوما ً إلى كفالة حق المواطنين في اإلتجاه إلى جهات
اإلدارة بالشكوى أو التظلم من إجراءاتها الخارجية على مقتضى أحكام القانون الضبطي.
-2أن يكون التشريع المنظم للحرية مقررا ً لضمانات الحرية:
يجب أن يكون التشريع المنظم للحرية كافالً للحرية محققا ً لضماناتها لردع أي اعتداء
أو انتهاك لها ويتحقق ذلك من خالل اآلتي:
يجب أن يكون التشريع المنظم للحرية متفقا ً وأحكام الشرعية ،وذلك بأن يكون صادرا ً
عن سلطة خولها الدستور مكنة هذا التنظيم وذلك في نطاق من التدرج الهرمي للسلم
التشريعي ،أيضا ً يجب أن تكون هذه التشريعات مستمدة من مصادرها المعترف بها.
ومتفقة مع المبادئ العليا التي تعارف عليها المجتمع والمستخلصة من اتفاق تلك
المبادئ مع معتقداته ودياناته السماوية وعلى هدى منها ومن أحكامها وبمبادئها
السلمية وهو ما تعارف عليه بالمشروعية العليا للمجتمع.
أن يكفل التشريع المنظم للحرية حق التقاضي ،فالمشروعية ال تكتمل جوانبها إذا لم
تتضمن نصوص الدستور والتشريعات الضامنة للحرية والنص على كفالة حق التقاضي
باعتباره أحد مصادر الوصول إلى الحق في حالة االعتداء عليه ،فهو الضامن النهائي للحرية
إلى جانب صور الضمان األخرى ،فإذا قيد هذا الحق ضاع القانون من أساسه وضاعت
الحرية تبعا ً له، .
()158
أن يقرر التشريع المنظم للحرية الجزاءات الالزمة عند مخالفة نصوصه ،إذا كانت
النصوص الدستورية والتشريعية تحمي الحريات في نصوص تشريعية إال أنها ال تحميها
في المستوى اإلداري ،ولهذا كانت الحاجة إلى وجوب تضمين النص التشريعي إجراءات
ونصوص يقصد بها تعريض القائم باإلجراء الماش بالحريات للمسئولية عن نتائج الخروج
خالد س الاليد محمد حماد ،حدود 8الرقابة القض الالائية علي س الاللطة اإلدا5رة التقديرية ،د ارس الالة مقارنة ،الطبعة 1الثانية، ) (
وكذلك األمر بالنسححبة للسححلطة التنفيذية إذ يعتبر الرأي العام ،مراقبا ً شححديد القوة على
أعمالها إلجبارها على إعمال مبدأ المشروعية والقيام بتطبيقه على أحسن وجه.
فالرأي العام يعتبر من أهم الضمانات الشعبية لنفاذ القاعدة الدستورية ومن ثم صيانة
الحريات العامة لألفراد إزاء السلطة الحاكمة( ).
162
دكتوراة ،
1
الظروف العادية د ارسالالالة مقارنة ،رسالالالالة
5
د .محمد محمود سالالالعيد ،نظ 9رية الض الالبط االدارى فى ال ) (
والمواثيق الدولية ،دراسة مقارنة ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،2005 ،ص.165
د .س الالعيد سال الراج ،الرأي العام 1ومقوماته وأثره في النظم الس الالياس الالية 6المعاصال الرة ،الطبعة الثانية ،الهيئة ال1مصال الرية ) (
محمد رفعت عبد الوهاب ،النظم السال ال ال الاليا6سال ال ال الالية ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسال ال ال ال1الكندرية،
3
ينظر أسال ال ال الالتاذنا الدكتور/ ) (
،2007ص.208
الحكم المعاص الالر ،د ارس الالة مقارنة في أص6الالول النظم الس الالياس الالية ،الناش الالر عالم1الكتب،
4
د .محمد الش الالافعي ،نظم ) (
د .محمد ص الالبحى أحمد يوس ال 6الف ،الرأي العام وأثرة فى التنظيم ال6س الالياس الالي وحماية الدس الالتور ،رس الالالة 1دكتوراة، ) (
دلشال ال ال الالا معروف علي ،رقابة 8القض ال ال ال الاء على مشال ال ال الالرونية ق اررات ال6ضال ال ال الالبط اإلدارى ،رسال ال ال الالالة دكتوراة 1،جامعة ) (
السلطة التنفيذية والتي تعتبر سلطة الضبط اإلداري جز ًء أساسيا ً منها تقوم بدور مهم في حياة
الدولة ،فهي تعمل على تنفيذ القوانين التي تسنها السلطة التشريعية من إقامة وحماية النظام
العام في الدولة وإدارة مرافقها بقصد إشباع الحاجات العامة ،إضافة إلى هذا الدور فهي ال
تعد أداة تنفيذية فحسب بل تعد مصدرا ً لتفسير الكثير من القوانين فهي أرسخ وأطول عمرا ً
من السلطة التشريعية ،وإذا فهي تددي دورا ً مكمالً لهذه السلطة التشريعية في مجال سن
1 6
،المرجع السابق ،ص. 218
9
) د .محمد محمود سعيد (
الحقوق ،
1
اللطة الدولة ،رس ال ال الالالة دكتوراة ،كلية
7
) د .راغب جبريل خميس راغب ،0الصال ال ال الراع بين حرية الفرد وس ال ال ال (
أ -إن الرأي العام يُعد الموجه لسياسة السلطة التنفيذية بجميع وسائلها التي يستلزم أن تأخذ
بموقف واتجاه الرأي العام ألفراد المجتمع عند إصدار القوانين والقرارات المنظمة لممارسة
الحقوق والحريات.
ب -إن الرأي العام في أغلب األحيان يلعب دورا ً بارزا ً ومهما في تحديد نطاق مفهوم النظام
العام وعدم تركه لمشيئة السلطة الضبطية ،حيث أن هذه األخيرة تقوم غالبا ً بالتضيق على
ممارسة الحريات العامة لألفراد بحجة المحافظة على النظام العام.
ج -إن الرأي ال عام يمارش تأثيره على السلطة التنفيذية من خالل ما يقدمه من ضغط على
أعضاء البرلمان باستجواب أعضاء الحكومة ،فيما يتعلق بالقوانين والقرارات التي تمس
الحقوق والحريات وألعضاء البرلمان صالحيات رقابية تذهب أبعد من االستجواب فلهم
الحق في سحب الثقة من الحكومة تطبيقا ً لمبدأ مساءلة الحكومة أمام البرلمان المكفول
دستورياً.
وبنا ًء على هذا يُعد الرأي العام من أقوى الوسائل التي تكفل تحقيق التوازن واالعتدال لنظام
الحكم ،فكلما قوى الرأي العام في دولة ما ،حرصت سلطات ذلك النظام على احترام أحكام
الدستور والقانون المتعلقة بصيانة وحماية الحقوق والحريات وبذلك يبرز الدور الوقائي
للضمانات ،إال أنه ينبغي اإلشارة هنا إلى أن العبرة ليست بالنصوص بقدر ماهو وجود رأي
عام ناضج يمارش رقابته الشعبية على قرارات سلطات الضبط اإلداري ،لهذا يقول الدكتور
رمزي الشاعر(:إنه مهما كانت النصوص التي يتضمنها الدستور ومهما يكن فيها من
ضمانات كبيرة للحريات وتحقيق الديمقراطية ،فإن الضمانة الكبرى دائما ً وجود رأي عام
ناضج يعمل على حسن تطبيق نصوص الوثيقة الدستورية ،حتى ال تكون تلك النصوص
جوفاء بعيدة عن مجال التطبيق العام) ،فالنصوص الدستورية التي تتناول الحقوق والحريات
العامة وتلك التي تنصب على ضماناتها قدال تسمن وال تغني من جوع مالم يحميها رأي عام
()172
قوي ناضج .
ولتحقيق فاعلية الرأي العام وتأثيره من أجل القيام بوظيفته المشار إليها يجب توافر شروط
()173
معينة في هذا المجال ،نذكر أبرزها -:
ماجستير كلية
1
جمال عبد العليم عبد الكريم 1السيد ،آليات الرقابة الشعبية على 7نشاإل المراق العامة ،رسالة ) (
الاتير بع
1
الان وحرياتة د ارسالالة مقارنة فى دسال
7
د .سالالحرمحمد نجيب التنظيم3الدسالالتورى لضالالمانات حقوق االنسال ) (
-يجب أن يتسم أفراد المجتمع بالوعي والذكاء الحذر على الدوام في تقبل اآلراء التي تتعلق
بالشئون العامة.
-يجب أن يتوافر في األفراد وحدة المصالح والتجانس في البيئة والدين واللغة والجنس
والطبقة ،ألن االختالف البين في ذلك يتعذر معه تكوين رأي عام متجانس منسجم في
الشئون العامة.
-يجب أن تكون وسائل اإلعالم والتأثير في الرأي العام على أوسع نطاق وأن يتوخى فيها
األمانة والنزاهة ،فال تستخدم في خداع الشعب ،أو تحقيق أغراض خاصة أو منافع
شخصية مستغلة لآلخرين ،خاصة بعد التطور الكبير الذي لحق بوسائل االتصال الحديثة،
كاألنترنت وقنوات البث الفضائية ومواقع التواصل االجتماعي وسرعة انتشار األخبار
واآلراء التي يخشى انتشارها و وضعها فى متناول الجميع .
الفرع الثانى
سلطة اإلدارة في مجال الحريات
من الثابت أن المشرع وحده هو المناط به أمر تنظيم الحريات ،فهو المختص بتحديد
المجال الذي تتم ممارسة الحقوق والحريات ،ويعني هذا بداهة أنه ليس لجهات اإلدارة
اختصاص ما في شأن إيراد قيود على استعماالت األفراد لحقوقهم وحرياتهم ،غير أن األمر
ليس دائما ً على النحو المتقدم ،ذلك أن اإلدارة وهي مكلفة بالمحافظة على النظام العام فإنه
يكون من الضرورة منحها السلطات التي تمكنها من القيام بوظائفها في هذا الصدد.
ونجد أن سلطات اإلدارة في سبيل أدائها لوظائفها سالفة الذكر تختلف في الظروف
العادية عنه في الظروف االستثنائية وفي أوقات األزمات.
وترتيبا ً على ما تقدم ،فسوف نتناول هذا الفرع على النحو التالي:
أوال ً -سلطة اإلدارة في الظروف العادية.
ثانيا ً -سلطة اإلدارة في الظروف غير العادية.
()174
أوال ً -سلطة اإلدارة في الظروف العادية
الدول العربية ،رسالة دكتوراة كلية القانون ،جامعة الموصل ،2003 ،ص. 246
الابق ،ص 202وما بعدها ،د .حسال ال الالن 7أحمد علي ،المرجع السال ال الالابق ،ص 221وما
4
د .نعيم عطية ،المرجع السال ال ال ) (
1 7
د .عادل أبو الخير ،المرجع 5السابق ،ص.243 ) (
القانونية الى
1
العمانى فى الدعوى االبتدائية رقم 7 160لسنة 5ق س مجموة المبادئ
6
محكمة القضاء االدارى ) (
د .محي شالالوقي أحمد ،المرجع 8السالالابق ،ص 328وما بعدها ،د7 .حسالالن أحمد على ،المرجع السالالابق1 ،ص23 ) (
وما بعدها ،د .نعيم عطيه ،المرجع الس الالابق ،ص 213وما بعدها ،د .عادل أبو الخير ،المرجع الس الالابق ،ص342
قد تطرأ على حياة الدولة ظروف استثنائية متعددة الصور ،مختلفة المصادر ،كنشوب حرب
أو وقوع كوارث أو حدوث اضطرابات داخلية أو أزمات اقتصادية أو فتنة طائفية ،وهي كلها ظروفا ً
تتصف بالفجائية وعدم التوقع ومن خصائصها الخطورة وعدم االستمرار ،ومهما اختلفت هذه الظروف
من حيث مصدرها أو صورتها فإنها تتحد في األثر والنتيجة ،فهي تمثل خطرا ً على كيان الدولة وبقائها،
ولذلك وجب إعالء سالمة الدولة على كل االعتبارات األخرى ،ومن ثم تكون كل اإلجراءات التي
تهدف إلى تحقيق تلك السالمة مشروعة في الظروف االستثنائية حتى ولو خالفت في ذلك القانون ،فأن
النصوص التشريعية إنما وضعت لتحكم الظروف العادية ،فإذا طرأت ظروف استثنائية ثم أجبرت
اإلدارة على تطبيق النصوص العادية فإن ذلك يددي حتما ً إلى نتائج غير مستساغة تتعارض حتى ونية
واضعي تلك النصوص العادية ،فالقوانين تنص على اإلجراءات التي تتخذ في األحوال العادية ،وما
دام أنه ال يوجد فيها نص على ما يجب إجرا ه في حالة الخطر العاجل ،وإن عندئذ تمكين السلطة
اإلدارية من اتخاذ اإلجراءات العاجلة التي لم تعمل لغاية سوى المصلحة العامة دون غيرها ،وغني
عن البيان في هذا المجال أن هناك قاعدة تنظم القوانين جميعها ،ومحصلها وجوب اإلبقاء على الدولة،
فحماية مبدأ المشروعية يتطلب أوالً وقبل كل شيء العمل على بقاء الدولة األمر الذي يستتبع تخويل
الحكومة استثناء وفي حالة الضرورة من السلطات ما يسمح لها باتخاذ اإلجراءات التي يتطلبها الموقف
ولو خالفت في ذلك القانون في مدلوله اللفظي ،ما دامت تبغي الصالح العام ،غير أن سلطة الحاكم في
()179
هذا المجال ليست وال شك طليقة من كل قيد بل تخضع ألصول وضوابط .
وما بعدها.
بجلسال ال ال ال ال الالة
1
انظر حكم المحكمة اإلدارية 9العليا المص ال ال ال ال ال الرية في القضال ال ال ال ال الالية رقم 956 7لسال ال ال ال ال الالنة 5ق ،والصال ال ال ال ال الالادرة ) (
جانب مجلس الدولة الفرنسال ال الالي وجد له 8صال ال الالدى لدى زميله مجلس الدولة الم1صال ال الالري
0
يالحظ أن هذا الدور من ) (
والذي سالالار على نهجه ،يتضالالن ذلك من اسالالتقراء جملة األحكام التي أصالالدرتها محكمة القضالالاء اإلداري من ناحية
والمحكمة اإلدارية العليا من ناحية والتي سنعرض لكل منها في حينه.
المطلب األول
الحدود المتعلقة بطبيعة النشاط الذي يستهدفه
الضبط
المطلب األول
الحدود المتعلقة بطبيعة النشاط الذي يستهدفه الضبط
لقد سايرت الدائرة اإلدارية لمحكمة االستئناف في فرنسا ومصر وذلك عند تصديها
لرقابة مشروعية إجراءات الضبط اإلداري ،فمن ذلك ما قررته من أن مدى اإلجراء الذي
تتخذه سلطة الضبط يتوقف على تقدير النشاط الفردي الذي تواجهه ،فمن األنشطة الفردية ما
هو محظور بحيث ال تجوز ممارسته قانوناً ،وقد تكون مزاولة النشاط الفردي نتيجة
الستعمال رخصة أذن بها القانون ال ممارسة إلحدى الحريات العامة ،وأخيرا ً فقد تكون
مزاولة النشاط الفردي نتيجة ممارسة إلحدى الحريات العامة التي يكفلها الدستور أو
القانون ...وسوف نتناول ذلك من خالل الفروع التالية:
الفرع األول :النشاطات غير المشروعة.
الفرع الثاني :النشاطات المرخص يها.
الفرع الثالث :نشاطات تشكل حريات يضمنها الدستور أو القانون.
الفرع األول
النشاطات غير المشروعة
هناك من األنشطة الفردية ما هو محرم قانونا ً ومعاقب عليه جنائياً ،ومثل هذه األنشطة
ال يمكن أن يتقرر للفرد حرية مزاولتها ،ثم هناك أنشطة وإن لم تعتبر جرائم معاقبا ً عليها إال
أن ممارستها تتسم بتعريض السكينة االجتماعية للخطر ،وبالتالي حق لسلطة الضبط أن
181فإذا صدر قرار منع تمنعها ،وهي في هذا المنع ال تتجاوز التذكير بما يحرمه القانون()،
الضوضاء أثناء الليل ،أو يمنع إلقاء القاذورات في الطرق العمومية ،أو بحظر البضائع
المتراكمة التي تعوق حركة المرور في الطريق العام فإن مثل هذه اإلجراءات ال تعدو أن
تكون تذكيرا ً لألفراد بالنصوص التشريعية التي تحظر مثل تلك المخالفات ،ولهذا فلقد ذهب
البعض إلى أنه " :ليست هناك مشكلة بالنسبة للنشاطات غير المشروعة ،ذلك أنه ليس لسلطة
الضبط مجرد سلطة المنع فحسب ،بل أيضا ً أن يكون تدخلها ضرورياً ،حيث أن تلك
النشاطات محظورة منذ البداية ،فليست هناك حاجة التخاذ قرارا ً بلديا ً لمنع إحداث ضوضاء
ليالً ،حيث إن مخالفة إقالق راحة النائمين منصوص عليه في القانون الجنائي.
تأسيسا ً على ما تقدم ،فإذا ما ارتكب األفراد النشاطات الممنوعة كان لإلدارة أن تردهم
بالطريق اإلداري أو أن تقدمهم للمحاكمة الجنائية ،وتجدر اإلشارة إلى أن منع األنشطة
المحرمة قانونا ً وتوقيع الجزاء اإلداري عند اللزوم على مخالفتها ال يعتبر دائما ً من أساليب
1 8
السابق ،ص.365
1
د .توفيق شحاته ،المرجع ) (
الضبط اإلداري ،فهو ال يعتبر كذلك إال إذا كان الهدف منه هو المحافظة على النظام
()182
العام .
الفرع الثاني
النشاطات المرخص بها
قد تكون مزاولة األنشطة الفردية نتيجة الستعمال رخصة مسموا بها بصفة عامة،
دون أن ينص القانون أو الدستور على أنها من الحريات الفردية فهي نشاطات ال تشكل
حريات عامة حقيقية ،ونجد أن سلطة هيئات الضبط إزاء هذه األنشطة تكون متسعة ،حيث
تم لك تنظيم النشاط ،كما تملك تقييد ممارسته باشتراط الحصول على إذن سابق ،كما يكون
لها أيضا ً أن تمنعه إذا اقتضى الحال ذلك .
()183
ومن أمثلة تلك األنشطة ،إقامة األجانب ذوي اإلقامة المدقتة ،فهي ال تنشئ لألجنبي حقا ً في
مواجهة اإلدارة يلزمها بمد مدة االقامة حتى ولو يقم به سبب يدل على خطورته ،ذلك ان الدولة بما لها
من سيادة إقليمية تتمتع بسلطة عامة مطلقة في تقدير مناسبات إقامة أو عدم إقامة األجنبي في أراضيها،
وال تلتزم قانونا ً بالسماا له بالدخول فيها وال يعد إقامته بها ،إال إذا كانت تشريعاتها ترتب ذلك وال تقل
حقا ً من هذا القبيل بحسب األوضاع والشروط التي تقررها ،فإن لم يوجد وجب عليه مغادرته البالد
مهما تكن األعذار حتى ولو لم يكن به سبب يدل على خطورته على األمن أو اآلداب ،إذ أن إقامته
العارضة ال تعدو أن تكون صلة وقاية عابرة ال تقوم إال على مجرد التسامح الودي من جانب
وتطبيقا ً للمعاني السابقة ،فلقد قضى مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر في ()184
الدولة
1989/10/27برفض الطعن المقدم من قرار إبعاد السيد بايسابي ،ولقد أسس مجلس الدولة الفرنسي
قضاءه على أن عملية اإلبعاد ال تنطوي على أي اعتداء على الحرية األساسية وأنها تعتبر من مقتضيات
المبادئ العامة للقانون.
أيضا ً ومن أمثلة النشاط الذي تكون مزاولته نتيجة الستعمال رخصة إذن بها القانون
وقوف السيارات بملحقات األمالك العامة مخصصة للمرور ،فتملك سلطة الضبط أن ترخص
به إذا كان وقوف تلك السيارات موقفا ً لالستخدام المادي لتلك الملحقات ،ويكون لها أيضا ً أن
تمنعه ،كما تملك أن تسحب الترخيص به والسابق منحه.
ومما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد ،أنه ال يوجد معيار للتمييز بين الحرية والنشاط الذي
يتسامح فيه القانون ،فال يمكن القول بأن الحريات ينص عليها الدستور أو القانون ،ذلك أن الحرية
1
السابق ،ص 79وما بعدها.
8
د .محمود عاطف البنا ،حدود 2سلطة الضبط اإلداري ،المرجع ) (
1 8
السابق ،ص.8
3
د .عاطف البنا ،المرجع ) (
انظر حكم المحكمة اإلدارية 4العليا في مصالالر ،القضالالية رقم 8753لسالالنة 2ق ،والصالالادر بجلسالالة 19561/4/7 ) (
منشال الالور بمجموعة الكتب الفني ألحكام المحكمة اإلدارية العليا للسال الالنة األولى تحت رقم ،76صال الالفحة ،657انظر
كذلك حكم المحكمة اإلدارية العليا في القضال ال الالية رقم 1679لسال ال الالنة 2ق ،والصال ال الالادر بجلسال ال الالة 1956/8/4منشال ال الالور
بمجموعة المكتب الفني ألحكام المحكمة اإلدارية العليا للسنه األولى تحت رقم ،192ص.1009
تفرض من عدم النص ،كما أن من أوجه األنشطة التي لم ينص عليها صراحة ما يمكن اعتباره حرية
عامة وبصفته امتداداً لحرية من الحريات المنصوص عليها ،كما يمكن اعتباره على العكس مجرد
رخصة وذلك بحسب نظرة القضاء والفقه إلى مدى أهمية هذا النشاط وقيمته من الناحية الخلقية أو
()185
اإلقتصادية أو السياسية ،بل أن هذه الظروف تختلف من وقت آلخر .
الفرع الثالث
نشاطات تشكل حريات يضمنها الدستور أو القانون
حينما تكون مزاولة النشاط الفردي نتيجة ممارسة إلحدى الحريات العامة التي يكفلها
الدستور أو القانون ،ويتجه القضاء إلى أن يحتم على اإلدارة ضرورة العمل على التوفيق
بين مقتضيات حفح النظام العام واحترام الحريات الفردية ،أي أنه يحتم إيجاد تكافد بين
خطورة المساش بالحريات العامة وخطورة تهديد النظام العام.
غير أن الحريات العامة ليست كلها على قدم المساواة ،بل تتفاوت في درجاتها تبعا ً
ألهميتها ،وعلى أساش نص الدستور بشأنها ،لهذا يتعين التمييز بيــن اآلتي-:
أوالً :الحريات المطلقة والحريات النسبية:
قد يكون النشاط الفردي ممارسة حرية من الحريات العامة ،وقد يكون مجرد استعمال
186وتختلف سلطات الضبط لرخصة أذن بها المشرع ،وقد يكون نشاط غير مشروع()،
اإلداري باختالف كل نوع من هذه النشاطات الفردية.
فإذا كان النشاط الفردي يعبر عن ممارسة حرية من الحريات العامة فإن القاعدة هي
أن الحرية هي األصل ،أما القيود الواردة عليها هي استثناء ال يجوز التوسع في تفسيره أو
القياش عليه ،وما دامت الحرية هي القاعدة فإنه ال يجوز تقييدها إال بقدر ما يكون القانون قد
أفسح المجال لتنظيمها من ناحية ،وبقدر التهديد الذي يتعرض له النظام العام من ناحية
أخرى ،غير أن الحريات العامة ليست جميعا ً على نفس المستوى من األهمية في نظر
المشرع الدستوري ،ومن ثم فإن مدى سلطة الضبط اإلداري في تقييد الحرية العامة بقصد
المحافظة على النظام العام يتناسب عكسيا ً مع األهمية النسبية للحرية العامة محل القيد
الضبطي.
فبعض الحريات العامة قد ترد في الدستور مطلقة دون نص على إمكان تنظيمها من
جانب المشرع أو اإلدارة ،وهذا النوع من الحريات العامة يعامل باحترام خاص ،وإذا أثير
الشك حولها ،كانت السلطات التي يمتلكها البوليس مقيدة إلى حد كبير ،بحيث ال يجوز له
االعتداء عليها بإجراءات الئحية أو فردية ،بل الحريات ضد التهديد الخارجي.
1
السابق ،ص.80
8
د .محمود عاطف البنا ،حدود 5سلطة الضبط اإلداري ،المرجع ) (
د .عزيزة
1
جع الس ال ال ال ال ال الالابق ،ص 79وما بعدها،
8
انظر :د .عاطف البنا ،حدود 6س ال ال ال ال ال الاللطة الض ال ال ال ال ال الالبط اإلداري ،المر ) (
الشريف ،دراسات في التنظيم القانوني للنشاإل الضبطي ،المرجع السابق ،ص 139وما بعدها.
وهناك نوع آخر من الحريات العامة يجيز المشرع الدستوري تدخل هيئة الضبط
اإلداري لتقييدها او تنظيمها ،وتتسع سلطة الضبط اإلداري تجاه هذا النوع من الحريات
العامة بالقياش إلى النوع األول السابق ذكره.
هذا ولقد أقرت محكمة القضاء اإلداري()187التمييز بين الحريات المختلفة وتفاوتها
في درجاتها فتقول " :إن هذه النصوص التي تقرر الحقوق العامة للمصريين إنما هي خطاب
من الدستور للمشرع يقيد فيه من حرية المشرع ذاته ،فتارة يقرر الدستور الحرية العامة
ويتيح للمشرع تنظيمها من غير نقص أو انتقاص ،وتارة أخرى يطلق الحرية إطالقا ً ال سبيل
إلى تقييدها أو تنظيمها ولو بتشريع".
وقد عرض مفوض الدولة للتفرقة السابقة في مذكرته بصدد دعوى بينيميد إذ يقول:
" أن ما للعمدة من سلطات ضبط مقيد بضرورة احترام كافة الحريات المعترف بها
للمواطنين الحرية الشخصية ،حرية الصحافة ،حرية التعليم ،حرية إنشاء الجمعيات ،حرية
العقيدة ،حرية التجارة والصناعة ،وستكون للقيود التي ترد على السلطات البلدية أكبر عندما
يكون القانون قد نظم في مزيد من الدقة الشروط التي يتعين بها ممارسة الحرية العامة ،فإذا
كانت النصوص ،المتعلقة بممارسة الحرية معلنة بعبارات عامة كما هو الحال بالنسبة لحرية
التجارة ،فإنه يمكن ممارسة سلطات العمد في الضبط بمزيد من الحرية ،وعلى العكس من
ذلك ،ففي حاالت أخرى عندما ترد النصوص المتعلقة بالحرية المطلقة وأورد المشرع من
()188
األحكام ما يهدف به ضمان احترامها ،فإنكم تبدون أشد قسوة إزاء العمد " .
ومن أمثلة الحقوق والحريات في الدستور المصري الحالى والنافذ فى 2014ما قرره الحق في الكرامة
اإلنسانية :حيث نصت المادة ( )51من الدستور على أن "الكرامة حق لكل إنسان ،وال يجوز المساش بها ،وتلتزم
الدولة باحترامها وحمايتها".
وكذلك الحق فى السالمة البدنية والنفسية :وهو من أهم حقوق اإلنسان ،وقد يحدث انتهاكه عن طريق
التعذيب البدني أو النفسي ،كما قد يتم انتهاكه عن طريق المساش بسالمة جسم اإلنسان لغير األغراض
العالجية .وفيما يتعلق بالتعذيب ،نصت المادة ( )52من الدستور الجديد على أن "التعذيب بجميع صوره وأشكاله
جريمة التسقط بالتقادم" ،أما المساش بسالمة جسم اإلنسان لغير أغراض العالج ،فقد حظره الدستور فى المادة
( )60منه ،التى تنص على أن "لجسد اإلنسان حرمة ،واالعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها
القانون .ويحظر االتجار بأعضائه ،وال يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق ،ووفقا
لألسس المستقرة فى مجال العلوم الطبية ،على النحو الذي ينظمه القانون" ،وهناك الحق فى الحرية الشخصية:
فصل الدستور الجديد هذا الحق بما يليق به فى نص المادة . 54؟
كما يوجد الحق فى حرمة الحياة الخاصة :نصت المادة ( )57على أنه" للحياة الخاصة حرمة ،وهي
مصونة التمس .وللمراسالت البريدية والبرقية وااللكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل االتصال حرمة
وسريتها مكفولة ،والتجوز مصادرتها أو االطالع عليها أو رقابتها إال بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة ،وفى
األحوال التى يبينها القانون .كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل االتصال العامة بكافة
أشكالها ،واليجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي ،وينظم القانون ذلك"..
حكم محكمة القض الالاء اإلداري7في القض الالية رقم 587لس الالنة 5ق8 ،والص الالادرة بجلس الالة 1 ،1951/6/26مجموعة ) (
وتجدر اإلشارة إلى أنه التباع أسلوب الحريات المحددة على النحو سالف الذكر فائدة
كبيرة تكمن في توضيح الحدود التي يقف عندها تقييد الحرية واألوضاع التي يتم بها هذا
التقييد ،مما يعد ضمانا ً لألفراد في مواجهة اإلدارة ،غير أن هذا الضمان ال يتحقق إال إذا كان
التدخل التشريعي لصالح الحرية وفي جانبها.
ثالثاً :نظرية الحريات األساسية:
وفقا ً لتلك النظرية توجد حريات أساسية أخرى تعتبر بالنسبة لها ثانوية ،ونجد أن
الحريات األساسية ال تقتصر على تلك التي يتدخل المشرع لتعريفها وتحديد مضمونها
وإطارها ،فاعتبار حريات معينة من قبيل الحريات األساسية يتوقف على مدى ما يكون لها
من أهمية اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية بالنظر إلى المبادئ السائدة في المجتمع.
وترتيبا ً على ذلك فإن طائفة من الحقوق والحريات العامة ال يتدخل المشرع لتعريفها
وتحديد مضمونها ،حيث أنها ال تقبل بطبيعتها هذا التدخل ،ومع ذلك فإنها تعتبر في مقدمة
الحريات األساسية ومثالها حرية االعتقاد وحرية المسكن.
1 8
المرجع السابق ،ص 87وما بعدها.
9
د .محمود عاطف البنا، ) (
1 9
)د .نجم عطية ،المرجع السابق 0،ص 178وما بعدها. (
1
السابق ،ص.88
9
د .محمود عاطف البنا ،حدود 1سلطة الضبط اإلداري ،المرجع ) (
149وما
1
التنظيم القانوني ،المرجع السالالابق ،ص
9
الحريات العامة وانعكاسالالتها على
2
د .سالالعاد الشالرقاوي ،نسالالبية ) (
بعدها.
والجدير بالذكر أن من الحريات التي يقررها الدستور ما يقبل التدخل التشريعي بشأنها
كحرية االجتماع ،وحرية الصحافة وحرية ممارسة الشعائر الدينية ،غير أنه إذا لم يتدخل
()193
المشرع لتنظيمها فإن ذلك ال يمنع من االعتراف بها كحريات أساسية .
ومددي هذه الحريات األساسية أولى وأجدر بالحماية من الحريات غير األساسية،
ومن ثم يتعين على القضاء أن يحمي الحريات األساسية وال يسمح باالعتداء عليها ،أيضا ً
فإن فرض القيود على الحريات األساسية يكون كقاعدة من اختصاص السلطة التشريعية
()194
بحيث ال يجوز للسلطة اإلدارية االعتداء عليها بإجراءات الئحية أو فردية .
وفي المجمل ،فإن سلطة اإلدارة إزاء الحريات تخالف في مداها تبعا ً الختالف الحرية
موضع التقدير ،فتضيق سلطة اإلدارة كلما زادت أهمية الحرية ،وقد يحدث أن تتعارض
الحريات فيما بينها ومن ثم يجب على اإلدارة المفاضلة بينها لتغليب أجدرها وأوالها بالرعاية
والحماية على غيرها ،ولذا فإن التضييق من نطاق حرية ما يصبح مشروعا ً حتى وإذا كان
()195
من أجل توفير حرية أخرى أكبر أهمية .
وتأسيسا ً لما تقدم ،فإن حرية ممارسة شعائر األديان ،وهي حرية عزيزة على المشرع
وأجدر بالرعاية ،فإن سلطة الضبط أزاءها تكون ضيقة ،فليس لإلدارة أن تمارش سلطتها
لضبطية داخل دور العبادة إال استثنا ًء وفي أضيق الحدود ،لذا فلقد قضى مجلس الدولة
الفرنسي بإلغاء قداش ديني في أحد الفنادق الخاصة ويمنع دخول األهالي وذلك خوفا ً من
مخاطر الحريق.
ولما كانت حرية االجتماع تعتبر من الحريات األساسية في النظام الديمقراطي
الرتباطها بالحريات الفكرية ،لذا فإن القضاء ال يجيز لسلطة الضبط منع االجتماع العام إال
بقدر افتقار سلطة الضبط للوسائل الضرورية لضمان حفح النظام العام ،وإال كان ذلك
مساعدة للمظاهرات المضادة.
وعلى العكس من ذلك ،نجد أن حرية العروض السينمائية أقل أهمية من حريات
أخرى ،كحريات االجتماع والصحافة ،ومن ثم يباا لسلطة الضبط أن تقيد تلك الحرية
بإجراءات أشد ،ولذا فلقد ذهب البعض بأنها ال تعتبر حرية عامة حقيقية فهي ال تعدو أن
تكون رخصة من الرخص.
وإذا كانت سلطة الضبط تتفاوت على الوجه المتقدم وفقا ً ألهمية الحرية وخطورتها،
إال أن ذلك ال يجوز أن يقتصر على تقدير الحرية من الناحية النظرية فحسب ،بل يجب أن
يجرى ذلك التقدير واقعيا ً وفقا ً لظروف ومالبسات الحالة المعروضة ،فيجب أن يراعى مقدار
المضايقة التي سببها اإلجراء الضابط للفرد ،ولهذا فلقد أصدر مجلس الدولة الفرنسي العديد
1 9
د .عادل أبو الخير ،المرجع 3السابق ،ص 352وما بعدها. ) (
.149
1
التنظيم القانوني ،المرجع السابق ،ص
9
د .سعاد الشرقاوي ،نسبية الح4ريات العامة وانعكاستها على ) (
1
السابق ،ص ،209د .عادل السعيد أبو 9الخير ،المرجع السابق ،ص.355
5
د .نجم عطيه ،المرجع ) (
من األحكام التي تبرز أن التبعية أو المضايقات التي تلحقها إجراءات الضبط باألفراد ينبغي
أن توضع موضع االعتبار.
المطلب الثاني
قيود اإلجراء الضبطي الناتج عن
فكرة الحرية ذاتها
المطلب الثاني
قيود اإلجراء الضبطي الناتج عن فكرة الحرية ذاتها
نتناول في هذا المطلب القيود التي ترد على اإلجراء الضبطي والناتجة عن فكرة
الضبط أو البوليس ،ونتعرض في هذا الفرع للقيود والضوابط التي تحكم سلطة الضبط
اإلداري والناجمة عن فكرة الحرية وطبيعتها الذاتية.
والجدير بالذكر أن الحرية في حد ذاتها تعتبر مصدرا ً للقيود التي ترد على سلطات
الضبط اإلداري ،بحيث ال تستطيع هذه األخيرة -وهي تواجه ممارسة الحرية -أن تفرض
عليها من القيود ما يددي إلى إهدارها أو إلغائها.
ومن أجل ذلك فإن القضاء اإلداري وهو يتصدى لرقابة مشروعية إجراءات الضبط
اإلداري استخلص عدة مبادئ تحكم سلطة الضبط اإلداري في هذا الشأن ،حيث أمكن للقضاء
اإلداري في هذا الصدد أن يتبنى معيارا ً حاسما ً وجوهريا ً يقوم على فلسفة التوازن والمواءمة
بين ضرورات المحافظة على النظام العام ومتطلبات حماية الحريات وكفالة ممارستها.
ويمكن لنا أن نجعل هذه المبادئ أو الضوابط التي صاغها القضاء اإلداري وطبقها
في أحكام في األمور اآلتية:
أوالً :عدم مشروعية الحظر المطلق للحرية:
إن سلطة اإلدارة في مواجهة الحرية ال تعني من حيث المبدأ التحريم المطلق والتام
لممارسة الحرية ،ومن ثم فإن الحظر المطلق للحرية من جانب اإلدارة يعتبر غير مشروع،
ويرجع ذلك إلى أن الحظر المطلق للحرية ال يعتبر تنظيما ً لها بل هو إلغاء ،واألصل أن
السلطة التشريعية وحدها هي صاحبة االختصاص األصيل في إلغاء أو تقرير ممارسة إحدى
196ومن ناحية أخرى فإن صيانة النظام العام في معظم الحاالت الحريات ،هذا من ناحية()،
ال تس تلزم بالضرورة أن يصل تقييد الحرية إلى درجة الحظر المطلق ،ألن مهمة اإلدارة
ليست فقط كيفية حماية النظام العام ،وإنما هي أيضا ً كيفية السماا بممارسة الحرية دون
اإلخالل بالنظام ،وعلى ذلك فإن سلطة اإلدارة في مواجهة الحرية سلطة تنظيمية أصالً ،ال
()197
سلطة مقيده وتحريم أو إلغاء .
وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي هذا المبدأ في كثير من أحكامه ،فعلى سبيل المثال
قضى في حكمه الصادر في 1984/6/22م برفض الطعن المقدم من المحافح ضد الحكم
الصادر من محكمة باريس اإلدارية بتاريخ 1981/12/16م ،والذي ألغت بمقتضاه المحكمة
القرار الصادر من المحافح في 1981/4/10م ،حيث منع المحافح بموجب هذا القرار شركة
عالم التنس من القيام بتوزيع الصحف والمجالت على منافذ إستاد روالن جارو أثناء تنظيم
الرف ،دور سال الاللطات الضال الالبط اإلداري9في تحقيق النظام العام وأثره على 1الحريات
6
د .عبد العليم عبد المجيد شال ال ) (
د .عاطف البنا ،حدود سال الاللطة 8الضال الالبط ،المرجع السال الالابق ،ص ،994د .عبد العليم مشال الالرف ،المرجع ال1سال الالابق، ) (
ص.242
1
القاهرة ،1997 ،ص.201
9
دعوى اإللغاء ،دار النهضة العربية،
9
د .طارق فتن هللا خضر، ) (
2 0
مشرف ،المرجع السابق ،ص.244
0
د .عبد العليم عبد المجيد ) (
من السعة بحيث يعد بمثابة حظر مطلق ،أو ال يكون اإلجراء بصفة عامة ضروريا ً أو متناسبا ً
مع جسامة اإلخالل بالنظام العام.
وتأسيسا ً على ما تقدم قضى مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر في
1968/3/13م بإلغاء اإلجراء الضبطي الذي منعت بموجبه اإلدارة ممارسة مهنة التصوير
الفوتوغرافي في منطقة شاسعة وتغطي عدة طرق ال تتوافر في بعضها صعوبات خاصة
بالمرور ،فقد اعتبر المجلس هذا اإلجراء مبالغا ً في تعميم الحظر ..
()201
وتطبيقا ً لقاعدة حرية األفراد في اختيار وسيلة احترام النظام العام ،فإن مجلس الدولة
الفرنسي عندما رخص لسلطة الضبط أن تشترط في مواجهة المحال العامة ضرورة استيفاء
اشتراطات الوقاية من الحريق بوضع األجهزة والمعدات الالزمة لهذا الغرض ،إال أن
المجلس لم يرخص لسلطة الضبط أن تشترط أن تكون هذه األجهزة ذات عالمة تجارية
معنية.
وجدير بالذكر أنه ،وإن كانت قاعدة حرية األفراد في اختيار وسيلة احترام النظام
العام قاعدة أصولية مقررة من جانب القضاء اإلداري ،إال أنه يالحح أن هذه القاعدة ليست
مطلقة بل ترد عليها بعض االستثناءات ،ويمكن إجمالها فيما يلي:
.1ال يجوز أن تترك لألفراد حرية اختيار الوسيلة إذا كانت هناك وسيلة واحدة فعالة
لحفح النظام العام.
.2ال تطبق القاعدة السابقة في حالة التهديد الخطير واألضرار الجسيمة التي يتعرض
لها النظام العام.
2
ص.266
0
هللا ،القضاء اإلداري ،مرجع سابق،
1
د .عبد الغني بسيوني عبد ) (
عالقة الفرد
2
ص ،92د .عبد المنعم محفوظ،
0
انظر د .سال ال الالعاد الش ال ال الرقاوي2 ،القانون اإلداري ،المرجع السال ال الالابق، ) (
ص .99-98د .عبد المنعم محفوظ ،عالقة الفرد بالسالاللطة ،المرجع السالالابق ،ص 1009وما بعدها ،د .عادل أبو
الخير ،رسالته السابقة ،ص.480-479
الابق ،ص ،82-81د .عبد العليم عبد 2المجيد
0
الاليب الضالالبط اإلداري ،المرجع السال
4
د .سالالعد الدين الش الريف ،أسال ) (
2 0
مشرف ،المرجع السابق ،ص.247
6
د .عبد العليم عبد المجيد ) (
2 0
مشرف ،المرجع السابق ،ص.248
7
د .عبد العليم عبد المجيد ) (
2
القانون اإلداري ،المرجع السابق ،ص.91-900
8
انظر :د .سعاد الشرقاوي، ) (
2
ص.1012-1011
0
د .عبد المنعم محفوظ ،عالقة 9الفرد بالسلطة ،المرجع السابق، ) (
من الخمور ،ألنها قد خالفت األوصاف المطلوبة إلنتاج هذا النوع من الخمور ،طعنت الشركة
في هذا القرار أمام المحكمة اإلدارية فقضت في حكمها سالف الذكر بتأييد قرار الوزير
ورفض الطعن ،استأنفت الشركة هذا الحكم أمام مجلس الدولة فقضى في حكمه الصادر في
9مايو1980م ،بإلغاء حكم المحكمة اإلدارية ،ومن ثم إلغاء قرار وزير الزراعة ،حيث تبين
لمجلس الدولة أن هذا القرار قد صدر دون احتراما ً لحق الدفاع الذي قضت به المبادئ العامة
للقانون ،وبذلك يكون وزير الزراعة قد تجاوز السلطة لتقديم وسائل دفاعها ومن ثم فإن
قراره يكون جديرا ً باإللغاء.
المطلب الثالث
الحدود المتعلقة بوسائل الضبط
اإلداري
المطلب الثالث
الحدود المتعلقة بوسائل الضبط اإلداري
إذا كان من واجب سلطات الضبط اإلداري أن تواجه مقتضيات الحفاظ على النظام
العام بتدابير وإجراءات لم يحددها المشرع بنصوص واضحة ،وكذلك لم يحدد الوسائل التي
تستخدمها في سبيل تحقيق غاياتها.
وحفاظا ً على حقوق األفراد وحرياتهم إزاء سلطات الضبط فإنه يتعين التزام تلك
السلطات بالشروط القانونية والموضوعية لإلجراءات الصادرة منها ،ولقد حاول القضاء
اإلداري في كل من فرنسا ومصر أن يعالج الشروط والضوابط التي ينبغي أن تتحقق في
التدابير الضابطة للقول بمشروعيتها ،وكان سبيله إلى ذلك محاوالته الد وبة في العمل على
إرساء نوع من الموائمة والتوازن بين متطلبات الحفاظ على النظام العام وضرورات حماية
الحريات وكفالة ممارستها.
ونجد أن تلك الحدود والضوابط تختلف في الظروف العادية عنه في الظروف
االستثنائية.
وترتيبا ً على ما تقدم ،فسوف نتناول هذا المطلب على النحو التالي:
الفرع األول :الحدود المتعلقة بوسائل الضبط اإلداري في الظروف العادية.
الفرع الثاني :الحدود المتعلقة بوسائل الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية.
الفرع األول
الحدود المتعلقة بوسائل الضبط اإلداري في الظروف العادية
لما كان الهدف من اإلجراءات الضبطية هو المحافظة على النظام العام ،فإن أي
إجراء ال يكون من شأنه تحقيق األمن أو السكينة أو الصحة العامة يعتبر إجراء غير مشروع
وقد تكفل القضاء اإلداري في كل من فرنسا ومصر بوضع نظرية عامة تحد من سلطات
الضبط اإلداري بحيث ال تتعدى على الحريات العامة ،وقد حدد القضاء شروطا ً يجب أن
تتوافر في اإلجراء الضبطي لكي يكون مشروعاً ،وهي :
()210
2
البوليس ،المرجع السابق ،ص.221
1
يف ،الجهة التي تتولى إصدار لوائن
1
انظر :د .سعد الدين الشر ) (
1947/5/16م مشالالار إليه لدى د1 .محمود عاطف البنا ،حدود الضالالبط2،المرجع
2
حكم مجلس الدولة الفرنسالالي ) (
السابق ،ص.470
الدعوى االبتدائية رقم 80لس ال الالنىة 1 4ق س جلس ال الالة 2 ، 2005 / 7/ 29مجموعة
3
القض ال الالاء االدارى العمانى ، ) (
المكتب الفني بمجلس الدولة ،السنة السادسة ،رقم ،114ص 340وما بعدها.
يبرر المساش بالحرية ،كما أن الخلل الذي يكون تافها ً في الظروف العادية يضحى أكثر
()216
خطورة في ظل الظروف االستثنائية .
-2تقدير النشاط الفردي في حد ذاته (قيمة الحرية):
تتوقف مشروعية اإلجراء الضبطي على مدى تقديره لقيمة الحرية التي يواجهها،
وعلة ذلك أن الحريات ليست كلها بنفس األهمية والدرجة فبعض الحريات تعتبر جوهرية
وذات قيمة أساسية بالنسبة للبعض اآلخر ،وفي هذا المجال يمكن التفرقة بين ثالثة أنواع من
األنشطة الفردية:
.1األنشطة الفردية التي يحرمها القانون ويعاقب عليها جنائيا ً وهي الجرائم والجنح
المنصوص عليها في قانون العقوبات.
.2األنشطة الفردية المسموا بممارستها بصفة عامة ولكن دون أن ينص القانون على
اعتبارها حرية من الحريات.
.3األنشطة الفردية التي تعتبر ممارستها حرية من الحريات التي يكفلها الدستور أو
القانون.
ويترتب على التفرقة السابقة نتيجة هامة وهي أن سلطة اإلدارة إزاء األنشطة الفردية
ليست واحدة وتختلف باختالف النشاط الفردي الذي تواجهه ،ومن ثم فإن سلطة اإلدارة تكون
أكثر اتساعا ً إزاء النوع األول من األنشطة الفردية ،حيث تملك اإلدارة التدخل لمنع األفراد
من ممارسة هذا النشاط منعا ً مطلقاً ،مثال ذلك أن تصدر اإلدارة قرارا ً بحظر اجتماع الغرض
منه تحريض المواطنين على ارتكاب الجرائم أو الجنح التي تقع تحت طائلة قانون العقوبات،
أما عن سلطة اإلدارة إزاء النوع الثاني من األنشطة الفردية وهو النشاط المتسامح فيه فإنه
يالحح أنها تملك أن تخضع هذا النشاط للترخيص أو التنظيم وليس هناك ما يمنع قانونا ً من
أن يصل األمر إلى درجة التحريم أو الحظر المطلق ،ومثال ذلك ممارسة الدعارة في فرنسا
حيث تملك اإلدارة إزاء هذا النشاط سلطة تقديرية واسعة فلها أن تخضعه للترخيص السابق
()217
أو التنظيم أو تحظر ممارسة هذا النشاط في ساعات محددة أو أماكن معينة .
وأخيرا ً فيما يتعلق بسلطة اإلدارة تجاه النوع الثالث من األنشطة الفردية والذي يعتبر
ممارسة لحرية من الحريات العامة التي كفلها الدستور أو القانون فإنه يالحح أن سلطة
اإلدارة تكون ضعيفة إزاء هذه الحريات وتتفاوت هذه السلطة تبعا ً ألهمية الحرية وخطورتها
وتبعا ً لما إذا كانت منظمة تنظيما ً دقيقا ً أو غير منظمة.
واكتفى المشرع بالنسبة لهذه الحرية بالنص عليها في عبارات عامة غير محددة
وعلى ذلك إذا كانت الحرية منظمة تنظيما ً دقيقا ً بالقانون ،فإن سلطة اإلدارة إزاء هذه الحرية
انظر :د .محمد عصال ال ال الالفور6 ،الحرية في الفكرين الديمقراطي واإلشال1ال ال الالتراكي ،دار النشال ال ال الالر غير مذكورة 2،الطبعة ) (
2 1
رسالته السابقة ،ص.470
8
انظر :د .عادل أبو الخير، ) (
2
السابق ،ص.200-199
1
العامة للحريات الفردية ،المرجع
9
د .نعيم عطيه ،في النظرية ) (
2 2
السابقة ،ص 418وما بعدها.
0
د .منيب ربيع ،رسالته ) (
من اختصاصات في تصريف الشئون العامة بحيث يمتنع عليها أن تعطي حقا ً ألحد األفراد
()221
ثم تحرم غيره منه متى كانت ظروفهم متساوية .
وقد ذهب رأي في الفقه الفرنسي إلى أن المساواة المقصودة في هذا الصدد هي المساواة
النسبية وليست المساواة المطلقة بين األفراد ،ولذلك فإن سلطات الضبط اإلداري تستطيع أن
تجري نوعا ً من التمييز أو التفرقة في المعاملة بين األفراد ،حيث تمنح طائفة خاصة من األفراد
امتيازا ً معينا ً او تفرض على أخرى قيدا ً خاصا ً وذلك عن طريق لوائح الضبط اإلدري.
ويمضي صاحب هذا الرأي قائالً أنه يتعين على سلطات الضبط اإلداري إذا أقدمت
على إجراء هذه التفرقة في المعاملة بين األفراد أن تلتزم بمراعاة القيدين اآلتيين:
األول :أن هذا التمييز في المعاملة بين األفراد يجب أن يكون مدسسا ً على وجود
موقف خاص بالنسبة إلى ضرورات حفح النظام العام.
الثاني :أن هذه التفرقة في المعاملة بين األفراد يتعين أن تسري على جميع األفراد
الذين يتواجدون في نفس الموقف وفي تلك الظروف.
وباإلضافة إلى هذه القيود األربعة سالفة الذكر يشترط في اإلجراء الضبطي أن يكون
مبنيا ً على سبب حقيقي يبرر صدوره ،أما إذا كان السبب وهميا ً أو صوريا ً فإن اإلجراء يعتبر
في هذه الحالة باطالً ،وفضالً عن ذلك البد أن يلتزم اإلجراء الضبطي بحدود أغراضه وهي
المحافظة على النظام العام ،وعلى ذلك إذا استهدف اإلجراء تحقيق أغراض أخرى خالف
أغراض الضبط اإلداري فإنه يكون مشوبا ً بعيب اإلنحراف بالسلطة ويجوز الطعن فيه
()222
باإللغاء .
الفرع الثاني
الحدود المتعلقة بوسائل الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية
في ظل الظروف االستثنائية يتقرر لإلدارة سلطات واسعة ،ولكنها على اية حال
ليست مطلقة ،ولكي ال تسرف اإلدارة في العمل على توسيع سلطاتها ،وألجل الحفاظ على
المبدأ األساش ،مبدأ المشروعية ،فإن اإلدارة تخضع نشاطها االستثنائي إلى شروط وقيود
يتفحصها القضاء عند رقابته ألعمالها ،ويعد توافر تلك الشروط ضابطا ً لتقرير صحة وسالمة
تصرفها ،وانعدام هذه الشروط كلها أو قسم منها مدعاه العتبار اإلدارة متجاوزة للحدود
المدشرة لها ،وبالتالي الحكم بإلغاء تصرفاتها أو التعويض عنها.
ويجب على السلطة التنفيذية شأنها في ذلك شأن السلطات األخرى في الدولة أن تتقيد
في تصرفاتها بالقانون إعماالً لمبدأ المشروعية الذي يهدف إلى إقامة التوازن بين حقوق
ص.985
2 2
انظر :د .ممدول عبد الحميد 2،رسالته السابقة ،ص.239-238 ) (
األفراد وحرياتهم ،وبين ما للدولة من سلطات ومكنات ،وبالتالي ال تكون أعمالها وقراراتها
صحيحة وملزمة لألفراد إال بقدر التزامها حدود القانون.
ومع ذلك فقد تطرأ ظروف استثنائية وغير مألوفة تجيز لإلدارة أن تخرج موقفا ً على
مبدأ المشروعية لمواجهة هذه الظروف باتخاذ إجراءات وتدابير سريعة لحماية أمن الدولة
ونظامها العام ومرافقها األساسية مما يهددها من مخاطر نتجت عن هذه الظروف.
وقد ال تكفي سلطات الضبط اإلداري المعترف بها قانونا ً لهيئات الضبط في الظروف
العادية المحافظة على النظام العام في الظروف االستثنائية ،فالقوانين واللوائح قد وضعت
لتحكم الظروف العادية ،ولذلك فإن المشرع كثيرا ً ما يوسع من سلطات الضبط اإلداري على
حساب الحريات العامة لمواجهة الظروف االستثنائية سواء بنصوص دستورية كالمتعلقة
بلوائح الضرورة ،أو بقوانين خاصة كقانون الطوارئ او األحكام العرفية ،كما أن القضاء
اإلداري قد ابتدع نظرية الظروف االستثنائية لتضفي المشروعية على بعض أعمال اإلدارة
التي تتخذ لمواجهة هذه الظروف ،على أساش أن الدولة قد تتعرض ألبلغ الضرر إذا ما
تقيدت اإلدارة بالقوانين واللوائح في مواجهة الظروف االستثنائية الطارئة كالحروب
والكوارث واألزمات.
ويجب مالحظة أن هذه الحلول القانونية والقضائية التي أرساها كل من المشرع
والقضاء اإلداري لتمكين اإلدارة من مواجهة الظروف االستثنائية تددي إلى التضييق على
الحريات العامة ،غير أنها ال تصل إلى حد الغاء مبدأ المشروعية ،إذ تظل أعمال وتصرفات
سلطات الضبط خاضعة لرقابة القضاء الذي يأخذ في االعتبار الظرف االستثنائي عند تقدير
()223
مشروعية العمل اإلداري .
ولما كان األمر هكذا فإننا سنتعرض فيما يلي للنقاط اآلتية:
أوالً :األسلوب التشريعي والقضائي لمواجهة الظروف االستثنائية
ثانياً :ضوابط وقيود اإلجراء الضابط في الظروف االستثنائية.
أوالً :األسلوب التشريعي والقضائي لمواجهة الظروف االستثنائية.
-1األسلوب التشريعي لمواجهة الظروف االستثنائية.
هناك أسلوبان تشريعيان رئيسان لتنظيم صالحيات سلطات الضبط اإلداري في
الظروف االستثنائية ،فتفضل بعض الدول عدم وضع قانون عام للظروف االستثنائية بل
مواجهة كل حالة على حده وبما يتفق مع طبيعة وخطورة هذه الحالة ،في حين تفضل دول
أخرى وضع قانون دائم يطبق عند وجود حالة استثنائية بحيث تكون قواعد مواجهة الظروف
()224
االستثنائية مقررة ومعرفة سلفا ً ويتم تطبيقها فور إعالن حالة الطوارئ.
د .أحمد مدحت علي ،نظرية 3الظروف االسال ال ال ال ال ال الالتثنائية ،القاهرة2 ،الهيئة الصال ال ال ال ال ال الالمرية العامة للكتاب،19782 ، ) (
ص.29
2 2
دلشاد معروف على ،المرجع 4السابق ،ص. 123 ) (
أي هناك األسلوب الذي تأخذ به انجلترا والدول التي سارت على نهجها ،واألسلوب
الفرنسي والذي تأخذ به بعض الدول األخرى ،وسوف نتناول األسلوبين فيما يلي:
األسلوب األول -:ويقوم على أساش إلتزام السلطة التنفيذية باللجوء إلى السلطة
التشريعية لمنحها الصالحيات الالزمة والضرورية لمواجهة الحاالت االستثنائية عند
225بحيث يحدد القانون حالة الطوارئ وقوعها ،وذلك بموجب قانون خاص لكل حالة( )،
والمناطق التي يشملها ،ويبين حدود اختصاصات سلطات الضبط اإلداري ،وهو ما يسمى
بالتفويض التشريعي.
فهو ال ينظم أو يحدد مقدما ً أي اختصاصات استثنائية للسلطة التنفيذية في حالة
الطوارئ ،بل إنه يمنح سلطة الطوارئ حق اتخاذ اإلجراءات التي تستلزمها مواجهة
الظروف االستثنائية ،وبذلك تحدد هذه االختصاصات بالقدر الذي تحتاجه هذه الظروف ،كما
ي تنوع اإلجراء بتنوع الظروف واألحداث ،أي أن االختصاصات االستثنائية التي تتمتع بها
سلطة الطوارئ ال تتخذ مقدماً ،وإنما تعتبر معاصرة بقيام حالة الطوارئ ،عن طريق
()226
تشريعات استثنائية تصدرها الحكومة بتفويض من البرلمان كلما دعت الحاجة .
وإن هذا األسلوب ينطوي على حماية كبيرة لحريات األفراد وحقوقهم من تعسف
اإلدارة ،حيث ال يجوز للسلطة التنفيذية أن تلجأ إلى استخدام سلطاتها االستثنائية إال بعد أخذ
موافقة السلطة التشريعية التي تقوم بدورها بالتأكيد من حصول الظروف االستثنائية وطبيعة
اإلجراءات التي تتالئم مع هذا الظروف ،وهناك ظروف استثنائية تستوجب إعطاء اإلدارة
سلطات استثنائية ،هذا باإلضافة إلى أن ممارسة الحق بإصدار لوائح التفويض ال يكون
متاحا ً إال بوجود نص دستوري يخول السلطة التنفيذية ذلك ،فبدونه ال يمكن لإلدارة إصدار
()227
تلك اللوائح.
األسلوب الثاني -:وهو الذي أخذ به المشرع الفرنسي والمصري والعمانى()،228
حيث يتم وضع قانون معين لمواجهة الظروف االستثنائية قبل حدوثها ،ويبين هذا القانون
عادة ما هي الظروف االستثنائية ،وما هي السلطات االستثنائية التي يمكن لإلدارة ممارستها
لمواجهتها ،وأن االضطراب والظروف االستثنائية تبرر إعالن حالة الطوارئ ،ويمتاز هذا
األسلوب بأنه يضع تحت يد سلطات الضبط اإلداري تشريعات جاهزة ومعدة سلفا ً تستطيع
2
المشرع االنكليزي والذي يمثل موقف 2الشريعة االنجلوسكسونية.
5
هذا األسلوب الذي يأخذ به ) (
2
القضاء اإلدارى العماني ،دراسة مقارنة 2،المرجع السابق ،ص. 241
8
سالم بن راشد العلوى ، ) (
استخدامها ،وبمجرد إعالن حالة الطوارئ دون الحاجة إلى االنتظار لحين أخذ موافقة السلطة
()229
التشريعية .
ويرى الباحث أن األسلوب الفرنسي أكثر مالءمة لمتطلبات هذا العصر ،وأن اتجاه
النظم القانونية في الوقت الحاضر يسير نحو إعداد تشريعات مسبقة لتنظيم حالة الطوارئ.
أما بشأن موقف الدستور المصري النافذ وفق اإلصالحات الدستورية والتعديالت
والتي كان آخرها عام ،2014فإن المادة ( )154منه قد منحت الصالحية إلعالن حالة
الطوارئ ،بعد أخذ رأي مجلس الوزراء ،إال أن هذا اإلعالن لحالة الطوارئ مرهون بموافقة
مجلس النواب بأغلبية الثلثين من أعضائه ،مما جعل هذا اإلعالن لحالة الطوارئ مرتبط
بأكثر من جهة واحدة ،وهي رئيس الجمهورية ومجلس النواب ،مما يشكل أكبر ضمانة
()230
لحقوق األفراد من تعسف السلطة التنفيذية.
إذا كان من المبادئ األساسية في دستور سلطنة عمان وفقا ً للمادة العاشرة منه
المحافظة على االستقالل والسيادة وصونه كيان الدولة وأمنها واستقرارها والدفاع عنها ضد
أي
231فإن المادة ( )42من دستور سلطنة عمان عملت على تحديد عدوان( )،
اختصاصات السلطان وجعلت من ضمنها مهام السلطان فى المحافظة على استقالل ووحدة
أراضي السلطنة وحماية أمنها الداخلي والخارجي ،ومن ثم إذا قام أي شيء يهدد ذلك فإن
للسلطان االختصاص بإتخاذ اإلجراءات السريعة لمواجهة أي خطر يهدد سالمة السلطنة من
()232
خالل إعالن حالة الطوارئ والتعبئة العامة والحرب وفقا ً ألحكام القانون.
ويالحح أن اآللية التي اعتمدها كل من المشرع المصري والمشرع العماني متشابهة ،وذلك
رغبة من المشرعين بالحفاظ على صفوف األفراد وحرياتهم من التجاوزات التي يمكن أن
تحدث في فترات الظروف االستثنائية من قبل السلطة التنفيذية.
-2األسلوب القضائي لمواجهة الظروف االستثنائية.
2
ممدول عبد المجيد سلطان 9 ،سلطات الضبط اإلدارى دراسة مقار2نة ،المرجع السابق ،ص.30 ) (
2 3
) دلشاد معروف على ،المرجع0السابق ،ص. 125 (
عبد هللا بن سالم بن ناصر ،رقابة القضاء االداري العماني على اساءة إستعمال السلطة ،رسالة ماجستير ،
( )231
كلية الحقوق ،جامعة االسكندرية ، 2014 ،ص. 52
انظر المرسوم السلطاني ،رقم 96 / 101-بإصدار النظام األساسي للدولة ،والذى نشر في الجريالدة
( )232
الرسالمية ،ويعمل به وتم العمل بة اعتبا ار من تاري صدوره ،في 24 :جمادى األخرة 1417هال ،
الخطيب،
2
د .احمد مدحت علي ،المرجع 3السال ال ال ال الالابق ص 155وما بعدها ،د 3.محمد عبد الحليم شال ال ال ال الالوقي أحمد ) (
المرجع السابق ،ص 459وما بعدها ،د .عادل أبو الخير ،المرجع السابق ،ص.489
الفقرة ،هو االجتماع الذي تعقده مجموعة من األفراد بناء على دعوى لمناقشة أمر خاص
يتعلق بمصالحهم وحقوقهم ،أما تواجد بعض األفراد في المقاهي والحانات ،فال يعتبر اجتماعا ً
بالمعنى القانوني الذي تقصده هذه الفقرة ،ولذلك تكون السلطة العسكرية قد تجاوزت سلطاتها
المنصوص عليها في قانون األحكام العرفية.
غير أن المفوض ذهب في مذكرته التي أعدها إلى أن قانون األحكام العرفية هو
قانون استثنائي يختلف عن القوانين العادية ،ولذلك يجب أال يتم تفسيره على النحو الذي تفسر
به هذه القوانين ،ولكن يجب أن يفسر تفسيرا ً واسعا ً يتالئم مع ضرورات الظروف الشاذه،
وطبقا ً لهذا التفسير الواسع تعتبر الحانات أماكن معدة لعقد اجتماعات فيها ،وبالتالي ينطبق
عليها حكم الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من قانون األحكام العرفية ،لتملك السلطة
العسكرية أن تصدر أوامر بإغالقها.
وقد تبنى مجلس الدولة الفرنسي وجهة نظر مفوضة ،فقرر أن الفقرة الرابعة من
المادة التاسعة من قانون األحكام العرفية تمنح السلطة العسكرية المكلفة بحماية األمن العام
في المناطق المعلنة فيها هذه األحكام حق منع كافة االجتماعات ولو تمت عرضها في األماكن
المفتوحة للجمهور كالحانات والمقاهي ،وذلك إذا رأت أنها قد تددي إلى اإلخالل بالنظام
على نحو يعرض مصالح الدفاع الوطني للخطر ،وانتهى المجلس إلى رفض الطعن المقام
من السيد ديلموتي.
ولقد سار مجلس الدولة على مسلكه التقليدي في التوسع في تفسير القوانين االستثنائية
ومنها قانون 16مارش ،1956فاعترف بمشروعية القرارات الصادرة تطبيقا ً له حتى ولو
كانت مخالفة لمبدأ قانوني عام أو نص دستوري ،فقضى بمشروعية قرارات صدرت مخالفة
لمبدأ المساواة أمام القانون ،ولمبدأ المساواة أمام األعباء العامة.
أيضا ً فقد توسع مجلس الدولة الفرنسي في تفسير أحكام القرار 27أبريل ،1961فقد
خول هذا القرار اإلدارة سلطة حظر نشر أي مواد تفصح بطريقة مباشرة أو غير مباشرة
عن الترويج لمشروع انقالب أو مساندة أو تتضمن إذاعة معلومات سرية عسكرية أو إدارية،
فقرر المجلس أن عبارة "معلومات سرية" ال ينصرف مفهومها فقط إلى األسرار التي يحميها
القانون الجنائي ،وبالتالي فإن حظر النشر يكون مبررا ً إذا كان مستهدفا ً المعلومات التي رأت
الحكومة عدم إذاعتها تجنبا ً لنتائج غير مرغوبة يكون لها أثرها على النظام العام.
وفى مصر إذا وجدت نصوص خاصة لمواجهة ظروف استنثائية فإن القضاء
اإلداري يعمد إلى التوسع في تفسيرها ،فمن ذلك نجد أن الفقرة السابعة من المادة الثالثة من
قانون األحكام العرفية رقم 15لسنة 1923ترخص للحاكم العسكري في أن يعتقل "المشتبه
فيهم" ،ولقد فسرت محكمة القضاء اإلداري في عدة أحكام لها هذه الفقرة تفسيرا ً واسعا ً لتمد
نطاق تطبيق السلطة التي تنص عليها للحاكم العسكري على نحو ال يسعف به التفسير الحرفي
لها.
ومن هذه األحكام ،حكمها الصادر بتاريخ 1956/3/18حيث تقول "ومن حيث إنه
ليس من المقنع ما يعنيه المدعي على أمر االعتقال هذا ،فلفح(المشتبه فيهم) في قانون األحكام
العرفية ال ينص إال على المتشردين والمشتبه فيهم بالمعنى االصطالحي الدقيق في قانون
العقوبات ،فالواقع أن قصد الشارع من لفظي (والمشتبه فيهم) الوارد ذكرهما في الفقرة
السابعة من المادة الثالثة من قانون األحكام العرفية رقم 15الصادر في 1923/6/26ال
ينصرف إال إلى المعنى اللغوي والمنطقي الذي يجب أن يسود ميدان القانون العام المنظم
ألصول الحكم وإرساء قواعد السكينة وأسباب األمن وأركان النظام ،فالمشتبه فيه داخل هذا
النطاق هو كل من تحوم حوله شبهات توحي بأنه خطر على األمن العام والنظام ...ومبادئ
القانون العام تحرص أوالً وقبل كل اعتبار على سالمة الدولة وتمكين أسباب السكينة العامة
()234
وأمن الكافة حيث تهون الحرية الفردية في سبيل المصلحة العامة وحماية كيان المجتمع .
أيضا ً فلقد قضت محكمة القضاء اإلداري بأنه " ال حجة فيما يثيره المدعي من أن
القرار المطعون فيه مخالف للقانون بمقولة إنه ما كان يجوز إصداره استنادا ً إلى األمر
العسكري رقم 1لسنة 1956الذي صدر لتأمين مصالح الدولة بمناسبة االعتداء الثالثي،
فهو بعيد عن الهدف من مصادرة كتاب ألمر داخلي كقصد حماية الدين ،إذ تكفل بذلك قانون
العقوبات في المادة 198منه ،فهذا القول مردود بأنه نص األمر العسكري المشار إليه في
منح الرقيب العام سلطة المصادرة وغيرها ،هو نص عام مطلق ،فال يجوز تجزئته في ظل
سبب إصداره ،إذ أنه عند تطبيق هذا األمر يراعى عموم حكمه وإطالق قصده ،دون حاجة
إلى الرجوع إلى الغرض من هذا األمر ودواعي صدوره ،هذا فضالً عن أن حماية األمن
الداخلي وتجنب بلبلة األفكار ،وهي من دواعي صدوره في الظروف التي صدر فيها ودعت
()235
إلى االستمرار بالعمل بأحكامه .
وقد انتهجت المحكمة اإلدارية العليا نفس النهج السابق في تفسرها للنصوص
االستثنائية وذلك على الرغم مما ذهبت إليه من أن األصل في تفسير النصوص القانونية
وتفهم مدلولها أن تحمل ألفاظها على ما يقضي به اإلصالا والعرف القانونيان ال تقضي به
236لذلك فلقد أخذت بالمعنى اللغوي لعبارة "ذوي شبهة" والمنصوص األوضاع اللغوية()،
عليها في البند السابع من المادة الثالثة من قانون األحكام العرفية رقم 533لسنة 1954
لتوسيع نطاق تطبيق السلطة المنصوص عليها في هذا البند على نحو ال يسمح به التفسير
الحرفي له فقد قررت المحكمة في حكمها الصادر بتاريخ 1963/3/23من أنه " من حيث
أنه ظاهر مما تقدم أن القرار المطعون فيه قد صدر ممن يملكه في حدود السلطة االستثنائية
التي تستدعي إعالن األحكام العرفية كلما تعرض األمن أو النظام العام في البلد للخطر ،وما
انظر :حكم محكمة القض الالاء 4اإلداري في القض الالية رقم 1880لس ال3النة 6ق ،والص الالادر بجلس الالة ،19562/3/18 ) (
مجموعة أحكام المحكمة اإلدارية العليا ،مجموعة السنة الثامنة ،الجزء الثاني ،ص.872
2
10ق دستورية ،حكم غير منشور.
3
العليا ،1993/1/3 ،القضية 3لسنة
8
حكم المحكمة الدستورية ) (
2 3
د .أحمد مدحت على ،المرجع 9السابق ،ص.177 ) (
ففي عام 1909نظمت نقابات العمال الفرنسية اضرابات أخذت تتسع دائرتها وتزداد
عنفاً ،وفي مواجهة هذه االضرابات قامت الحكومة بتوقيع مئات الجزاءات على الفرنسيين
كما قامت بفصل عدد كبير من الخدمة ،دون أن تلتزم بمراعاة ما نص عليها قانون عام
1905م من اطالع الموظف على ملفه قبل توقيع أي جزاء عليه ،وساند القضاء اإلداري
الحكومة بتأييد اإلجراءات التي اتخذتها ،فعندما طعن أحد الموظفين المفصولين في قرار
فصله وطرا الموضوع أمام مجلس الدولة لم يتردد في رفض الطعن وتأييد قرار الفصل.
وفي قضية أخرى تتلخص وقائعها في أن العاملين بالسكك الحديدية أعلنوا عن عزمهم
على القيام باضراب ،فاستصدرت الحكومة قرارا ً من وزير الحربية في نوفمبر 1910
بتكليف العاملين بالسكك الحديدية للخدمة العسكرية وذلك إلحباط االضراب ،بادرت نقابة
العاملين إلى الطعن في قرار وزير الحربية باإللغاء استنادا ً إلى أن وزير الحربية قد تجاوز
سلطته عندما استعمل حقه في التجنيد الحباط االضراب في حين أن القانون يحدد الغرض
من التجنيد وهو أداء ضريبة الدم ،رفض مجلس الدولة الطعن استنادا ً إلى أنه وإن كان وزير
الحربية لم يقصد بقراره تحقيق الغرض الذي ينص عليه قانون الخدمة العسكرية إال أنه يكفل
استمرار سير مرفق السكك الحديدية ،وهو مرفق حيوي ،في استمرار سيره ضرورة لحماية
أمن الدولة صالح الدفاع القومي.
ومن أحكام مجلس الدولة الفرنسي أيضا ً في هذا المجال ،حكمه الصادر في
1944/1/7في قضية تتلخص وقائع هذه القضية في أنه بعد أن احتل الجيش األلماني بلدة
فيكامب خالل الحرب العالمية الثانية ،هرب معظم سكان هذه البلدة ولم يبق إال عدد قليل من
األفراد ال يملكون أي موارد يتعيشون منها ،ولقد دفع هذا الموقف عمدة المدينة إلى أن يفرض
تدابير اقتصادية غير منصوص عليها في القوانين السارية ،وتتلخص هذه التدابير في فرضه
ضريبة على الصفقات التجارية والصناعية حتى يستطيع أن يزود هدالء األفراد بالمواد
التموينية ،ولقد طعن بإلغاء اإلجراء الذي اتخذه العمدة غير أن مجلس الدولة رفض إلغاء
اإلجراء واعتبره مشروعاً.
حيث اتضح من التحقيق أن العمليات الحربية قد أوجدت في 13يونية 1940حالة
استثنائية فرضت على السلطات المحلية ضرورة الحصول على موارد محلية على وجه
السرعة ،وحيث إنه بسبب استحالة اجتماع المجلس والحصول على موافقة حاكم اإلقليم على
اتخاذ االجراءات الالزمة في هذا الشأن ،فإنه يحق للعمدة أن يتخذ التدابير التي تتطلبها الحالة
االستثنائية القائمة ،وأنه في تلك الظروف التي ال تسمح فيه أية موارد محلية نص عليها
التشريع القائم ،لمواجهة االحتياجات غير العادية التي خلقتها األحداث ،لذلك يكون مشروعا ً
ما لجأ إليه العمدة في 13يونيه 1940بالتحصيل المدقت للضريبة على اإليرادات التي
حققتها المتاجر والمصانع بالمدينة.
في القضاء المصري :قررت محكمة القضاء اإلداري في حكمها الصادر بتاريخ
1961/3/28أن الحاكم العسكري يملك أن يعطل إصدار المجالت التي رأى أن إصدارها
يددي إلى اإلخالل بالنظام العام ،وذلك رغم ما كانت تنص عليه المادة 45من دستور عام
1956من أن حرية الصحافة مكفولة في حدود القانون ،ورغم خلو قانون األحكام العرفية
من نص يخوله هذه السلطة ولقد أسست المحكمة رأيها على أن المادة 45من دستور عام
1956لم تتضمن الحظر الذي كانت تنص عليه المادة 15من دستور عام ،1923وهو عدم
جواز وقف الصحف أو إلغا ها بالطريق اإلداري ،إال إذا كان ذلك ضروريا ً لوقاية النظام،
ومفاد ذلك -من وجهة نظر المحكمة -بأنه قد أصبح أمرا ً جائزا ً ليست فيه أية مخالفة دستورية
في ظل دستور جمهورية مصر ،بأن تصدر السلطة التنفيذية قرارا ً إداريا ً أو أمرا ً عسكريا ً
بوقف أو إلغاء الصحف إذا اقتضت الضرورة ذلك للمحافظة على النظام العام ومصلحة
الشعب ،فإذا أصدر الحاكم العسكري مثل هذا األمر ،فإنه يكون قد صدر منه في حدود سلطته
دون أن يتجاوزها ،وذلك رغم أن قانون األحكام العرفية رقم 533لسنة 1954قد خال من
نص يخوله هذه السلطة ،ألن السلطات الممنوحة للحاكم العسكري لم ترد في هذا القانون
سبيل الحصر بدليل جواز توسيع مجلس الوزراء لها ،ونظرا ً ألن نظام الحكم في مصر طبقا ً
لدستور عام 1956يقوم على أساش النظام الجمهوري الرئاسي الذي يمنح رئيس الجمهورية
باعتباره الحاكم العسكري في ظل هذا النظام وطبقا ً لقانون األحكام العرفية ،أن يتخذ أي
إجراء يراه ضروريا ً للمحافظة على النظام واألمن العام ،ولو كان غير منصوص عليه في
()240
هذا القانون .
ولقد بررت محكمة القضاء اإلداري مشروعية قرار باعتقال أحد األشخاص صدر
من عضو لم يصدر له تفويض في مباشرة سلطات الحاكم العسكري العام وفقا ً للمادة السابعة
من قانون الطوارئ رقم 162لسنة 1958واستند المدعي في طعنه إلى هذا السبب وإلى
أن قرار االعتقال صدر بنا ًء على تحريات من نشاط المدعي في تجارة المخدرات وهو سبب
ال يتصل بالغرض الذي من أجله فرضت حالة الطوارئ أثر العدوان الثالثي على البالد.
وقالت المحكمة في ذلك "أن إلغاء القانون بقانون آخر أو تعديله ليس من شأنه سقوط
اللوائح والقرارات الصادرة في ظل القانون الملغي إال فيما يتعارض مع نصوص القانون
الجديد".
وإذا كان التفويض في سلطات الحاكم العسكري العام هو ما أجازه أيضا ً قانون
الطوارئ الجديد رقم 162لسنة 1958في المادة السابعة منه ،فإن التفويض السابق صدوره
في ظل القانون الملغي يظل بهذه المثابة قائماً ...أنه وإن كانت حالة الطوارئ قد أعلنت أثر
العدوان الغاشم على البالد ،إال انه متى أعلنت فإن للحاكم العسكري العام أو من ينيبه في
ذلك أن يتخذ التدابير التي يقدر أنها ضرورية لسالمة البالد سواء في ذلك أكانت دواعي
اتخاذ هذه التدابير تتصل مباشرة بحالة الحرب أم لم تكن كذلك ما دامت هذه التدابير كلها
غايتها ال شيء إال سالمة البالد ،والذي ال شك فيه أن سموم المخدرات هي أخطر ما يمكن
أن يصيب شعبا ً في وقت هو أحوج فيه إلى قوة تبني وتدافع عن حقها أمام عدو البالد .
()241
انظر حكم محكمة القض ال ال الالاء 0اإلداري المصال ال ال الرية في القض ال ال الالية رقم 1276 4لس ال ال الالنة 11ق ،والص ال ال الالادر 2بجلس ال ال الالة ) (
مجموعة أحكام محكمة القضاء اإلداري ،السنة العاشرة ،ص ،251سابق اإلشارة.
أرسى الدستور أساسه ووضع القانون قواعده هو نظام يخضع بطبيعته -مهما ً كان نظاما ً
استثنائيا ً -لمبدأ سيادة القانون ومن ثم لرقابة القضاء .
()243
تأسيسا ً على ما تقدم تخضع تصرفات سلطات الضبط خالل الظروف االستثنائية لقيود
وضوابط ،ولقد تكفل مجلس الدولة في كل من فرنسا ومصر بوضع المالمح التي تفيد وتحدد
اإلجراء الضبطي في الظروف االستثنائية ،ويمكن حصر هذه القيود في اآلتي:
-1أن يكون اإلجراء الضابط قد اتخذ خالل الظروف االستثنائية:
يتعين في إجراء الضبط حتى يكون في إطار من الشرعية االستثنائية أن يكون قد
اتخذ خالل الظروف االستثنائية ،وفي هذا المعنى تقول المحكمة اإلدارية العليا " للحكومة
في حالة الضرورة سلطة اتخاذ اإلجراءات التي يتطلبها الموقف ولو خالفت في ذلك القانون
في مدلوله اللفظي ،ما دامت تبغي الصالح العام ...والقيود التي تخضع لها هذه السلطة هي
قيام حالة واقعية أو قانونية تدعو إلى التدخل ،وأن يكون تصرف الحكومة الزما ً بوصفه
الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه الحالة ،وأن يكون رائد الحكومة ابتغاء مصلحة عامة...
وخضوع هذه التصرفات لرقابة القضاء اإلداري ،مناطه ليس هو التحقق من مدى مشروعية
القرار من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون ،وإنما هو مدى توافر الضوابط سالفة الذكر
244وعلى ذلك ،فاالضفاء المشروعية االستثنائية على تصرفات هيئات أو عدم توافرها "()،
الضب ط في الظروف االستثنائية ،ولتبرير ما اتخذ من إجراءات خالل تلك الظروف ،يتعين
على هيئات الضبط اإلداري أن تثبت أن هناك ظروفا ً استنثائية لم تتضمنها القوانين العادية
أو القوانين االستثنائية ،وأن تلك اإلجراءات االستثنائية قد اتخذت خالل تلك الظروف
()245
االستثنائية .
غير أن مجلس الدولة الفرنسي -مع تسليمه بقيام الظروف االستثنائية -لم يتردد في
إلغاء اإلجراء الذي تتخذه اإلدارة إذا كان يمثل قيدا ً عاما ً أو مطلقا ً أو دائما ً على الحريات،
وهذا االتجاه من جانب مجلس الدولة الفرنسي يتفق مع فكرة الظروف االستثنائية التي ال
تبرر إال اإلجراء الذي يلزم لمواجهتها وهي بطبيعتها ظروف غير دائمة ،ومن ثم عمدت
اإلدارة إلى اتخاذ إجراءات دائمة مقيدة للحريات تكون قد تجاوزت ما تبيحه لها الظروف
()246
االستثنائية .
انظر حكم المحكمة اإلدارية 3العليا في القضال الالية رقم 830لسال الالنة 204ق ،والصال الالادر بجلسال الالة ،19792/12/29 ) (
انظر حكم المحكمة اإلدارية 7العليا في القضال ال الالية رقم 906لسال ال الالنة274ق ،والصال ال الالادر بجلسال ال الالة ،19852/6/15 ) (
منشور بنشرة المكتب الفني المؤقتة ،السنة الثالثون ،الدائرة األولى ،ص.31
2 4
د .أحمد مدحت على ،المرجع 8السابق ،ص.193 ) (
وتطبيقا ً لذلك فقد حكم مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر بتاريخ 1958/1/31
بإلغاء قرار الحاكم الفرنسي للهند الصينية والصادر في 1947/9/27والخاص بإنشاء نظام
المساعدات العائلية لصالح العاملين بالمشروعات الخاصة ،وأسس مجلس الدولة حكمه على
أن هذا اإلجراء المخالف للقانون الصادر في 1854/5/3لم يكن ضروريا ً والزما ً لمواجهة
الموقف االقتصادي واالجتماعي الذي كان قائما ً في الهند الصينية في تاريخ صدور قرار
الحاكم والناتج عن حالة الحرب التي كانت هذه البالد مسرحا ً لها في ذلك الوقت ،وأنه كان
في أمكان الحاكم أن يتغلب على المصاعب الناتجة عن هذا الموقف بالوسائل والسلطات التي
يملكها بموجب التشريعات السارية.
وقضت محكمة القضاء اإلداري في حكمها بتاريخ 1961/4/18بأنه "إذا جاز لجهة
اإلدارة في الظروف االستثنائية أن تتخذ من التدابير السريعة ما من شأنه المساش بتلك
الحريات على وجه ال يجوز لها مباشرته في الظروف العادية ،إال أن التصرف أو التدبير
الذي تتخذه في هذا الشأن يلزم أن يكون ضروريا ً لمواجهة حاالت معينة من دفع خطر يهدد
()251
األمن والنظام باعتبار أن هذا التصرف أو التدبير هو الوسيلة الوحيدة لمنع هذا الخطر .
وفي حكم آخر لها صدر بتاريخ 1982/2/11تقول " ...وباإلضافة إلى ذلك فإن ما
ورد بالخطاب المشار إليه وما نسب إليه من أحزاب األقلية وإلى الجامعات اإلسالمية وإلى
بعض الشخصيات الدينية فإنه ال يبلغ من الخطورة درجة تبرر القرارات المطعون فيها ،فإن
هذه القرارات ليست الوسيلة الوحيدة لدفع هذا الخطر ،وكان يكفي لدفعها االلتجاء إلى القواعد
()252
القانونية المقررة للظروف العادية .
ولقد قررت المحكمة العليا أيضا ً تلك القاعدة في حكمها الصادر بتاريخ
1976/5/15م فتقول " يجوز لسلطة الطوارئ أن تتخذ أي تدبير تراه ولو لم يرد من ضمن
التدابير التي أوردتها المادة الثالثة آنفة الذكر ،متى كان هذا التدبير ضروريا ً والزما ً للمحافظة
()253
على األمن أو النظام العام " .
-3مالئمة اإلجراء الضابط للظروف االستثنائية:
2 5
د .أحمد مدحت علي ،المرجع 0السابق ،ص 229وما بعدها. ) (
اإلداري في القضال الالية رقم 869لسال الالنة14 5ق ،والصال الالادر بجلسال الالة ،19612/4/18
1
انظر حكم محكمة القضال الالاء ) (
مجموعة أحكام محكمة القضاء اإلداري ،السنة الخامسة عشر ،تحت رقم ،154ص.215
.1982
2
اإلداري في القضية رقم 3123لسنة 355ق ،الصادر بجلسة /6/11
2
انظر حكم محكمة القضاء ) (
بجلس ال ال ال ال ال الالة
2
الائية عليها (تفس ال ال ال ال ال الالير) ،والص ال ال ال ال ال الالادر
5
انظر حكم المحكمة العليا في3الطلب رقم 2لس ال ال ال ال ال الالنة 6قض ال ال ال ال ال ال ) (
،1976/5/15منشور بمجموعة أحكام وق اررات المحكمة العليا الصادرة في الفترة من 1970حتى نهاية ديسمبر
،1976تحت رقم ،22ص.167
يتعين أن يكون اإلجراء الذي تتخذه اإلدارة لمواجهة الظروف االستثنائية مالئما ً
254وهو ما يستوجب على اإلدارة أن تتصرف طبقا ً لما ومناسبا ً لمتطلبات هذه الظروف()،
تقتضيه مجابهة هذه الظروف االستثنائية ،وأن يكون هذا التصرف بالقدر الذي يكفي لمعالجة
هذه الظروف دون إفراط أو تفريط.
وتطبيقا ً لما تقدم ،قضى مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر بتاريخ
1962/10/19في قضية كانال بإلغاء األمر الذي أصدره رئيس الجمهورية في أول يوليو
1962بإنشاء محكمة عسكرية خاصة لمحاكمة المتهمين باالشتراك في التمرد الذي قام به
الجيش الفرنسي المرابط بالجزائر بتاريخ ،1961/4/21ذلك أن الظروف التي باالستناد
إليها تم إنشاء هذا القضاءاالستثنائي لم تكن على درجة كبيرة من الخطورة تبرر االعتداء
على المبادئ العامة للقانون وبصفة خاصة فيما يخص حقوق الدفاع.
وفي هذا الصدد فلقد قررت محكمة القضاء اإلداري المصرية في حكمها بتاريخ
1969/6/3م " ...غير أن هذا ال يمنع جهة اإلدارة من أن تتخذ من التدابير الضرورية
والمجدية ما تدفع به خطرا ً محققا ً يهدد النظام العام الضبطي في أحد مدلوالته الثالثة المعروفة
وهي األمن العام أو السكينة العامة أو الصحة العامة ،ولو أدى ذلك إلى تقييد بعض الحريات
خاصة بالقدر الذي يتناسب مع دفع هذا الخطر ،وبحيث تقدر الضرورة بقدرها دون إفراط
()255
في زيادة أو إغراق في نقص" .
وفي حكم آخر صدر بتاريخ 1982/6/29تقول " ومن حيث إنه لما تقدم وبعد إذ
تبين أن القرار المطعون فيه قد اتخذ وقت لم تكن األمور تستلزم اتخاذه ،لذلك فإنه ال وجه
العتبار هذا القرار من أعمال الضرورة ،وال يقدا في ذلك ما أشار إليه رئيس الجمهورية
من خشيته على تكرار هذه األحداث في المستقبل ،ومن حيث إنه بعد إذ تبين عدم قيام حالة
الضرورة التي تستلزم اتخاذ القرار المطعون فيه فإنه باستظهار مدى مشروعية هذا القرار
طبقا ً للقواعد القانونية العادية ،فإن الثابت مما سلف بيانه أن رئيس الجمهورية قد اتخذ قراراته
استنادا ً إلى ما أفصح عنه من أسباب تتعلق باألحداث التي أشار إليها وقد انتهينا في
استعراضنا ألركان الضرورة إلى عدم قيام هذه األسباب في تاريخ اتخاذ القرار المطعون
فيه ألنها في هذا التاريخ كانت قد زالت ،لذلك فإن هذا القرار يكون قد جاء فاقدا ً لركن من
أركانه هو ركن السبب وبالتالي يكون قد جاء مخالفا ً للقانون" .
()256
2
اإلداري ،المرجع السابق ،ص.99
5
الوسيط في القانون العام ،القضاء
4
د .محمد أنس قاسم جعفر، ) (
اإلداري في القضال الالية رقم 1288لسال ال5النة 16ق ،والصال الالادر بجلسال الالة ،19592/6/3
5
انظر حكم محكمة القضال الالاء ) (
مجموعة أحكام محكمة القضاء اإلداري في الفترة من أول أكتوبر عام 1966إلى آخر سبتمبر عام ،1969ص
.421
2
اإلداري فالي القضيالة رقالم 1658ق ،و5الصالادر بجلسالالة .1982/6/29
6
انظر حكم محكمة القضالاء ) (
-4خضوع إجراءات الضبط الصادرة في ظل الظروف االستثنائية للرقابة القضائية وعدم
جواز تحصينها:
ال تتمتع سلطة الضبط بسلطة مطلقة في اتخاذ ما تشاء في الظروف االستثنائية وإنما
تخضع في ذلك لرقابة القضاء الغا ًء وتعويضاً ،ولقد أفصح مجلس الدولة المصري في أكثر
من حكم له على أنه توجد قيود وضوابط ترد على سلطة اإلدارة في الظروف االستثنائية
()257
وأن توافرها ال يطلق السلطة من كل قيد .
ولقد دفع ذلك بمجلس الدولة المصري إلى التمييز بين أعمال السيادة وتدابير الضبط
التي تتخذ في ظل الظروف االستثنائية ،لذلك فقد كان من مظاهر الشطط الذي ارتكبته اإلدارة
في خصوص مالها من سلطات في الظروف االستثنائية ،ما تصورته من أن اإلجراءات التي
تتخذها في ظل نظام األحكام العرفية هي من قبيل أعمال السيادة الحصينة التي تنجو من
الرقابة القضائية ،غير أن مجلس الدولة رد األمر إلى نصابه الصحيح في عديد من األحكام
التي صدرت عنه ،فقضت محكمة القضاء اإلداري بأن " التدابير التي يتخذها القائم على
إجراء األحكام العرفية سواء أكانت تدابير فردية أو تنظيمية ليست إال قرارات إدارية يجب
أن تتخذ في حدود القانون ويتعين أن تخضع لرقابة القضاء بالطريقين المباشر وغير
المباشر".
إال أنه ينبغي من الجهة األخرى كما قررت المحكمة من قبل ،أن يترك للسلطة القائمة
على إجراء األحكام العرفية ،وهي تواجه ظروفا ً استثنائية دقيقة تعمل فيها على إقرار األمن
وحفح النظام في البالد وتقوم على تأمين سالمة جيوشها في الخارج ،حرية واسعة في تقدير
ما يجب اتخاذه من التدابير واإلجراءات بمقتضى سلطة تقديرية تختلف في مداها ،ال في
وجوب بسط الرقابة عليها ،عن السلطة التقديرية التي تتمتع بها اإلدارة في الظروف العادية
258وقضت المحكمة اإلدارية العليا بأنه " ومن حيث أن قضاء هذا المجلس ثبت المألوفة() ،
منذ إنشائه على أن نظام األحكام العرفية في مصر -أي نظام الطوارئ -وإن كن نظاما ً
استثنائيا ً إال أنه ليس بالنظام المطلق ،بل هو نظام خاضع للقانون أرسى الدستور أساسه وأبان
القانون أصوله وأحكامه ورسم حدوده وضوابطه ،فوجب أن يكون إجرا ه على مقتضى هذه
األصول واألحكام وفي نطاق تلك الحدود والضوابط ،وإال كان من التدابير واإلجراءات
مجاوزا ً هذه الحدود أو منحرفا ً عنها عمالً مخالفا للقانون تنبسط عليه الرقابة القضائية إلغا ًء
وتعويضا ً ،فكل نظام أرسى الدستور أساسه ووضع القانون قواعده هو نظام يخضع بطبيعته-
مهما كان نظاما ً استثنائيا ً -لمبدأ سيادة القانون ومن ثم لرقابة القضاء -وليس ثم من شك في
انظر حكم المحكمة اإلدارية 7العليا في القضال ال ال الالية رقم 958لسال ال ال الالنة5 5ق ،والصال ال ال الالادر بجلسال ال ال الالة ،19622/4/14 ) (
انظر حكم المحكمة اإلدارية 9العليا في القضال ال الالية رقم 830لسال ال الالنة205ق ،والصال ال الالادر بجلسال ال الالة ،19792/12/2 ) (
تحدثت اآلراء واالتجاهات الفقهية بالنسال ال ال ال ال ال الالبة لتبيان طبيعة ما يتخذه رئيس الجمهورية من إجراءات تطبيقاً
2 6 1 ) (
للمادة 74من الدسال ال ال ال ال ال الالتور ،ف ذهب الدكتور طعيمة الجرف إلى ما يتخذه رئيس الجمهورية من إجراءات يعتبر من
أعمال الس ال ال الاليادة وبالتالي ال يخض ال ال الالع للرقابة القض ال ال الالائية وال لرقابة مجلس الش ال ال الالعب (انظر مؤلف مبدأ المشالال ال الالرونية
وضال الوابط خض الالوع اإلدارة العامة للقانون ،المرجع الس الالابق ،ص ،)173وذهب الدكتور محمد فؤاد مهنا إلى أن هذه
اإلجراءات ال تخض الالع لرقابة قض الالاء مجلس الدولة وأن كنت تخض الالع لرقابة المحكمة الدس الالتورية العليا (انظر مؤلفه
مبادئ وأحكام القانون اإلداري في جمهورية مصر العربية ،طبعة ،1973ص.)731
اإلداري في القضية رقم 3213لسنة 56ق ،والصادر 1982/2/11سابق2اإلشارة
2
انظر حكم محكمة القضاء ) (
إليه.
الفصل الثانى
حدود الرقابة القضائية على
أعمال الضبط اإلداري
الفصل الثانى
الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
يمثل مبدأ المشروعية أحد المبادئ الرئيسية الالزمة لقيام الدولة القانونية ،حيث تغدو
السيادة للقانون وليست ألشخاص الحكام.
ومن المستقر عليه في تفسير مدى سيادة القانون أن هذه السيادة تتحقق بخضوع كل
من في الدولة من حكام ومحكومين ،سلطات عامة وأفراد للقانون ،بحيث تكون تصرفاتهم
()263
اإليجابية والسلبية في دائرة وحدود النظام القانوني المقرر في الدولة .
وال ريب في أن خضوع السلطة اإلدارية على وجه الخصوص للقانون يمثل أهم
نتائج ومقتضيات مبدأ المشروعية.
وتتمثل سلطة اإلدارة في إصدار القرارات اإلدارية ،المظهر الرئيس واألساسي
لوسائل اإلدارة في مباشرة كافة أوجه نشاطها دون استثناء ،ولذلك يعدها فقه القانون العام
أهم وأخطر امتيازات السلطة اإلدارية التي ال غنى عنها.
ومن هنا بدت ضرورة العمل على فرض وتنظيم الرقابة المجدية والفعالة على أعمال
اإلدارة ،وخاصة قراراتها اإلدارية ،لضمان عدم خروجها على أحكام القانون المنظمة
الختصاصاتها وأعمالها.
ويجب أن نعلم أن اإلدارة ومن خالل األعمال التي تقوم بها بغية تنظيم المجتمع
وتحق يق المنفعة العامة تخضع لقواعد متميزة تحكمها هي قواعد القانون اإلداري ومع أن
اإلدارة تتمتع بصالحيات واسعة فإنه يمنع عليها أن تستعمل هذه الصالحيات إال بهدف تحقيق
المنفعة العامة؛ ألنه في الكثير من األحيان تكون المصلحة العامة أهم من المصلحة الخاصة
لألفراد لهذا يتم تغليبها ،وعلى الرغم من إمكانية نشوء تعارض مع بعض الحقوق والحريات
األساسية للمواطن فإن القاضي اإلداري يعمل على احترام مبدأ مساواة المواطنين أمام
()264
المرفق العام واالستفادة من خدماته .
وبما أن اإلدارة هي مرآة السلطة العامة وممثلها ،فيجب أن تكون عادلة غير متحيزة
وهذا هو الهدف الذي ينبغي أن ال تخرج عنه وهو توفير العدالة.
دورا أساسيًا بين مصالح األفراد وتدخل اإلدارة لتحقيق المنفعة العمومية بإخضاع
ويلعب القاضي اإلداري ً
هذه األخيرة لسيادة القانون وتوقيع الجزاء عليها إذا تعدت ذلك الهدف السامي وحاولت المساش بحقوق األفراد
وحرياتهم األساسية ،ويجب تحديد مفهوم المنفعة العمومية إذ يجب أن ال يبقى هذا األساش المطاط بدون تحديد وأن
تسند للقاضي اإلداري مهمة التحقيق من وجود منفعة عامة من عدمها عكس ما هو معمول به وهو ترك األمر
للهيئات اإلدارية تتولى هذه المهمة.
2
الوسيط في القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،6ص.12
3
) د .محمود عاطف البنا، (
المعارف،
2
ضال ال ال ال ال ال الالاء مجلس الدولة ،منشال ال ال ال ال ال الالأة
6
خليفة ،الق اررات اإلدارية في الفقه وق
4
د .عبد العزيز عبد المنعم ) (
.2007
ويجب العمل على أن تكون اإلدارة العامة خاضعة تماما ً للقانون لكي تكون أمام نظام
يحترم المواطن ويقدش حقوقه وحرياته األساسية ومحاولة وضع اإلدارة العامة في مستوى
واحد مع المواطن في مواجهة القانون إال ما يلزم لممارسة نشاطها حسب ما يقرره لها
القانون ،ألن اإلدارة العامة وموظفيها ال يمكن لهم التصرف إال حسب ما يقره مبدأ
()265
المشروعية .
ونجد أنه في فرنسا تعد اإلدارة موضوعه في خدمة القانون ،وهنا يظهر دور القاضي
اإلداري بدور محوري وأساسي من خالل العمل على فرض احترام القانون وعدم تعدي
اإلدارة العامة للحدود المرسومة لها حفاظا على عدم التعدي أو عدم انتهاك حقوق المواطن
وحرياته األساسية المكرسة دستوريًا.
لذلك سنتعرض لمعالجة مضمون هذا الفصل في المباحث الثالثة التالية:
المبحث األول :مفهوم الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
المبحث الثانى :الرقابة على الشرعية الخارجية والداخلية لقرارات الضبط اإلداري
المبحث الثالث :ضمانات األفراد تجاه قرارات الضبط اإلدارى المعيبة
2
د .سليمان الطماوي ،القضاء 5اإلداري ،دار الفكر العربي ،القاهرة2006 6،م ،ص.422 ) (
المبحث األول
ماهية الرقابة القضائية على
أعمال الضبط اإلداري.
المبحث األول
ماهية الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري.
من المسلم به أن القضاء هو أكثر أجهزة الدولة التي لها القدرة على إخضاع أعمال
هيئات الضبط اإلداري للرقابة ،وذلك لكونه سلطة محايدة ومستقلة عن اإلدارة العامة ويهدف
بذلك إلى تحقيق المصلحة العامة ،وإصالا نشاط أجهزة الضبط اإلداري بما يتوافق مع مبدأ
سيادة القانون.
فليس من شك أن االحتكام واللجوء إلى القضاء عن طريق الدعوى اإلدارية من
طرف ذوي الصفة والمصلحة ،يعتبر من أقوى الضمانات الحقيقية للحرية في مواجهة تعسف
هيئات الضبط اإلداري في استخدام سلطتها.
هذا وسيتم توضيح مفهوم الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري في المطالب
الثالثة التالية:
المطلب األول :مفهوم الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
المطلب الثاني :رقابة القضاء اإلداري على حدود هيئات الضبط اإلداري
المطلب الثالث :تناسب الرقابة القضائية مع الظروف المؤثرة في هيئات الضبط
اإلداري.
المطلب األول
مفهوم الرقابة القضائية على
أعمال الضبط اإلداري
المطلب األول
مفهوم الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
هذا وسيتم توضيح مفهوم الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،وكذلك
وسيلة وأهداف الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ،وذلك من خالل الفروع الثالثة
التالية:
الفرع األول :ماهية الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
الفرع الثاني :وسيلة الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
الفرع الثالث :أهداف الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
الفرع االول
ماهية الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
أوالً -تعريفها:
لقد عرف العديد من الفقهاء الرقابة القضائية ،ومن أهم هذه التعاريف نذكر منها:
-تعريف د /سامي جمال الدين حيث عرفها بأنها" :تعد الرقابة القضائية هي الضمان
الفعلي لألفراد في مواجهة تجاوز اإلدارة حدود وظيفتها ،وتعسفها في استخدام سلطتها
وخروجها عن حدود مبدأ المشروعية.
-أما د /مليكة الصروخ فعرفتها بأنها " :يقصد برقابة القضاء على أعمال اإلدارة،
السلطات القانونية المخولة للجهات القضائية والتي بمقتضاها يكون لها سلطة البث فيما
يدخل في إختصاصاتها من مسائل تكون اإلدارة– بوصفها سلطة عامة -طرفا فيها .
()266
ثانيا ً -خصائصها.
للرقابة القضائية العديد من الخصائص يمكن إجمالها في النقاط التالية:
.1أن الجهة القضائية المكلفة بالرقابة على أعمال اإلدارة قد إكتسبت اإلختصاص بناءا
على نصوص دستورية أو قانونية.
ن 6
.370
2
االداري ،الطبعة الثانية ،دار الجديدة 6،الرباإل ،المغرب ،1992 ،ص د .مليكة الصروخ ،القانو ) (
.2ال تتحرك الرقابة القضائية من تلقاء نفسها ،وإنما برفع دعوى قضائية من طرف ذوي
الصفة والمصلحة.
.3الرقابة القضائية لما لها من قواعد وإجراءات منصوص عليها في القانون لكفالة حق
الخصوم في الدفاع عن أنفسهم من جهة ،ولضمان الموضوعية واإلختصاص في
الفصل في الدعاوى من جهة أخرى.
.4الرقابة القضائية هي رقابة مشروعية ،حيث ال يملك القاضي سوى الحكم بمشروعية
التصرف أو بطالنه ،باإلضافة إلى التعويض عن اإلضرار الناجمة عنه.
.5تكون األحكام الصادرة من طرف القضاء لها قوة الشيء المقضي فيه ،وما يترتب عن
()267
ذلك من وجوب تنفيذها.
الفرع الثاني
وسيلة الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري.
إن من أهم خصائص الرقابة القضائية التي أشرنا لها سابقا ،هي أنها ال يمكن
ممارستها وال تحريكها إال بناءا على دعوى قضائية مرفوعة من طرف ذوي الصفة
والمصلحة ،بحيث ال يمكن للقاضي أن يقحم نفسه في النزاع بين هيئات الضبط اإلداري
واألشخاص من تلقاء نفسه ،بل يجب لكي يتدخل أن ترفع إليه دعوى قضائية.
بذلك تكون الدعوى القضائية هي الوسيلة األساسية لممارسة الرقابة القضائية على
أعمال الضبط اإلداري ،ألنها طريق صاحب المصلحة والصفة إلى القاضي ،وشرط لتصدي
القاضي للنزاع.
وعليه سنقوم بتعريف الدعوى اإلدارية كوسيلة لتحريك الرقابة القضائية على أعمال
الضبط اإلداري.
أوالً -تعريف الدعوى اإلدارية
لم تظهر الدعوى القضائية اإلدارية كدعوى مستقلة ،إال في نهاية القرن التاسع عشر
وبداية القرن العشرين ،وهي تعد الوسيلة القانونية والقضائية الوحيدة في حل المنازعات التي
()268
تطرأ بين اإلدارة العامة ،واألشخاص والمراد حلها حال قضائيا .
وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع لم يعرف الدعوى القضائية اإلدارية ،وترك ذلك
للفقه والقضاء ،ومن تعاريفها نذكر منها:
2
قابة على أعمال اإلدارة ،مرجع سابق 6،ص.231
7
د /.سامي جمال الدين ،الر ) (
2
د .محمد مصطفى السيد عبد 8العليم ،المرجع السابق ،ص 80وما 6بعدها. ) (
-تعريف د/فداد العطار حيث عرفها بأنها" :حق الشخص سواء أكان طبيعيا أو
معنويا في أن يلجأ إلى القضاء يطالبه في خصومة بينه وبين اإلدارة ،وذلك بقصد كفالة
حماية ما يدعيه من حق أعتدى عليه ،أو إلعادة الحال إلى ما كانت عليه أو التعويض عنه،
وحق الشخص في اإللتجاء إلى القاضي أو حقه في الدعوى هو حق مطلق في دولة القانون".
-أما تعريف د /مصطفى كمال وصفي فهو" :اإلجراءات القضائية التي تتخذ أمام
القضاء اإلداري للمطالبة بأثر من اآلثار المترتبة على عالقة إدارية".
ثانيا ً -تحريك الدعوى اإلدارية على أعمال الضبط اإلداري
لقد اعترفت معظم الدساتير والنظم القانونية في الدولة المعاصرة بالحق في التقاضي
والمساواة أمام القضاء ،والحق في الدعوى اإلدارية من خالل منازعة الهيئات اإلدارية وذلك
تحقيقا لدولة القانون ومبدأ الشرعية ،وما يستلزمه من خضوع هيئات الضبط اإلداري لرقابة
القضاء لمواجهة أعمالها الغير مشروعة.
تماشيا مع ذلك فالدعوى القضائية اإلدارية تعتبر دليال على خضوع أعمال الضبط
اإلداري لرقابة القضاء ،وذلك لكونها وسيلة قانونية تحرك وتجسد سلطات القاضي اإلداري
في التقرير والحكم بالجزاءات القضائية الموجهة ضد أعمال الضبط اإلداري الغير مشروعة
()269
والضارة. .
وهكذا فالرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري ال يمكن تحقيقها إال بتحريك
ورفع الدعوى القضائية اإلدارية ،وذلك طبقا لمبدأ –ال دعوى بدون مطالبة قضائية -من أجل
تقييد وحصر القاضي اإلداري بما ورد في عريضة الدعوى ،لضمان حياده وموضوعيته،
وال يتجسد ذلك إال بوجود إجراءات قضائية.
الفرع الثالث
أهداف الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
تمارش هيئات الضبط اإلداري سلطاتها وإختصاصاتها باستمرار ،وهذا ما يترتب
عليه في أحيان كثيرة وقوع إلتماسات وإحتكاكات وتصادمات بينها وبين النظام القانوني في
الدولة من جهة ،وحقوق وحريات األشخاص من جهة أخرى ،مما قد يددي إلى تحريك عملية
الرقابة ،وتحقيق العدالة ،وحماية المصلحة العامة القضائية ،التي تهدف إلى ضمان مبدأ
الشرعية وحقوق وحريات األشخاص ،وهي تعتبر أهداف ساكنة لها قيمتها من الناحية
النظرية والقانونية والسياسية وحتى من الناحية النفسية ،كما يمكنها تحقيق أهداف عملية
فعلية ،ال تكون إال بفضل القاضي اإلداري الذي يحرك األهداف الساكنة أثناء فصله في
()270
النزاع القائم.
2
ص.56
6
هللا ،القضاء اإلداري ،مرجع سابق،
9
د .عبد الغني بسيوني عبد ) (
2
سابق ،مرجع سابق ،ص.211
7
د .محمد رفعت عبد الوهاب0 ،أصول القضاء اإلداري ،مرجع ) (
وعليه فأهداف الرقابة تنقسم إلى قسمين :أهداف ساكنة وأهداف متحركة.
أوالً -األهداف الساكنة:
يستند بمبدأ الشرعية كضمانة فعاله له وجود رقابة قضائية تكفل إحترام القانون،
لذلك كان من أهداف الرقابة القضائية الساكنة:
)1ضمان إحترام مبدأ الشرعية وسالمة النظام القانوني داخل الدولة بما يحقق العدالة للجميع.
)2تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على مصداقية الوظيفة اإلدارية ،وقرينة السالمة
والشرعية التي تتمتع بها أعمالها.
ثانيا ً -األهداف المتحركة:
إن الهدف المتحرك من الرقابة القضائية هو هدف عالجي ،حيث يقوم القاضي اإلداري
بتحريك األهداف الساكنة ،و1ذلك بالفصل في النزاع القائم بين الحرية وأعمال الضبط اإلداري ويعكس
الحكم دور القاضي في إقامة التوازن بين الحريات العامة وأعمال الضبط اإلداري ،كما يتحتم عليه في
بعض األحيان عندما يكون قصور أو فراغ في التشريع إن ينشأ ويخلق ويبدع حلوال قضائية للفصل
في النزاع.
لذلك فاألهداف المتحركة للرقابة القضائية تتمثل في:
)1الهدف المباشر للرقابة القضائية هو فصل القاضي في النزاع القائم ،وال يتعدى دوره
حدود الحكم ويستعمل في ذلك إجراءات قضائية للوصول إلى اإلنصاف ،ويتقيد
بمذكرات األطراف وطلباتهم ،ويسهر على أن يكون فصله في النزاع مطابقا ً للقانون.
)2باإلضافة إلى الهدف المباشر وهو الفصل في النزاع ،قد يكون الهدف المتحرك من الرقابة
القضائية غير مباشرا ً أو عرضيا ً ،ويتمثل في مشاركة القاضي في إنشاء وإبتكار القواعد
القانونية أثناء فصله في النزاعات ،فالقاضي يستوحي الحلول من التشريع واالجتهاد القضائي
والفقه ،كما يستوحي الحلول من إعتبارات سياسية وإجتماعية وإقتصادية.
)3كما أن الهدف المتحرك للرقابة القضائية هو تحقيق التوازن بين أعمال الضبط اإلداري
والحريات العامة ،وذلك أثناء الفصل في النزاع القائم بينهما ،حيث يوازن القاضي اإلداري
بين طرفي النزاع ويعتمد في ذلك على مبدأ "أن الحرية هي القاعدة أما القيد هو االستثناء"
ويحكم على تصرف اإلدارة إذا كان غير مشروع باإللغاء ،وبذلك يعد الحكم ضابطا ً من
()271
ضوابط التوازن ،وهدف متحرك من أهداف الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة .
2
.16
7
هللا ،القضاء اإلداري ،مرجع سابق،
1
د .عبد الغني بسيوني عبد ) (
المطلب الثاني
رقابة القضاء اإلداري على
حدود هيئات الضبط اإلداري
المطلب الثاني
رقابة القضاء اإلداري على حدود هيئات الضبط اإلداري
إذا نص المشرع على نشاط معين لإلدارة ،فهو بذلك يفرض عليها الطريق الذي
تسلكه للمحافظة على النظام العام ،فمهمتها في هذه الحالة هي تنفيذ القانون مع مراعاة حدود
ممارستها لذلك النشاط ،فإذا تجاوزت هيئات الضبط اإلداري تلك الحدود ،وصفت أعمالها
بأنها غير مشروعة ،مما يسمح بإخضاعها لرقابة القضاء اإلداري إلغاءا ً وتعويضا ً ،باإلضافة
إلى إمكانية مالحقة ومعاقبة الموظف وفقا لقانون العقوبات ،إذا كانت الوقائع لها وصفا ً
جزائيا ً .
إال أن مشكالت الوقاية من النظام العام ال يمكن التنبد بها ،وال التحكم فيها الرتباطها
بظروف متغيرة ومفاجئة ،لذلك فقد ال ينص المشرع عليها ،أو ينص عليها وال يحدد مجال
حدود تدخل هيئات الضبط اإلداري ،فيكون لها السلطة في تنظيم بعض المجاالت للمحافظة
على النظام العام ،الذي توسع مدلوله بالموازاة مع اتساع نشاط الدولة.
وليس من شك في أن تدخل هيئات الضبط اإلداري كثيرا ً ما يميل إلى الشطط ،نظرا ً
لما تملكه من وسائل القهر ،لذلك فإن سلطتها ليست مطلقة بل هي مقيدة بحدود يفرض القضاء
اإلداري عليها رقابته ،من أجل تحقيق التوازن بين الحقوق والحريات والمحافظة على النظام
العام ،بالشكل الذي يجعل فكرة النظام العام وفكرة الحقوق والحريات فكرتين متالزمتين ،
()272
ومن بين هذه الحدود :مبدأ الشرعية ،والحقوق والحريات ،والنظام العام.
لذلك سنتعرض بالدراسة والتحليل لهذه العناصر في الفروع التالية:
الفرع األول -رقابة القضاء على تقييد هيئات الضبط اإلداري بمبدأ الشرعية.
الفرع الثاني -رقابة القضاء على تقيد هيئات الضبط اإلداري لتحقيق النظام العام
الفرع الثالث -الرقابة القضائية على تقيد هيئات الضبط اإلداري بالحريات العامة
الفرع األول
رقابة القضاء على تقييد هيئات الضبط اإلداري بمبدأ الشرعية
من بين الضمانات األساسية التي تحمي األشخاص من انحراف وتعسف وتعدي
الهيئات اإلدارية ،وهذه الضمانة محققة في الضبط ،هي إلتزام هذه األخيرة بالقانون فيما تقوم
به من أعمال وهذه الضمانة محققة في الوقت الحالي بفضل األخذ بمبدأ "الشرعية أو
المشروعية" وخصائص ومميزات الدولة الحديثة ،وذلك بعدما ثبت وإستقر الفكر السياسي
والقانوني على أن السلطة والقانون ظاهرتان متالزمتان ومتكاملتان ،فالسلطة ضرورة
()273
يفرضها اإلحساش بالقانون ،وهي ال تستطيع التعامل مع الخاضعين لها إال به.
2
) د .ماجد راغب الحلو ،دعاوى2القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.1457 (
2
.333
7
قضاء اإللغاء ،مرجع سابق ،ص
3
د .مصطفى أبو زيد فهمي، ) (
لذلك فقد توصف الدولة بدولة القانون ،بإعتبار أن تصرفات حكامها ومحكوميها
يحكمهم مبدأ الشرعية في كل ما يصدر عنهم من أعمال ،أي سيادة حكم القانون.
إن مبدأ المشروعية كما عرفه الفقيه André de laubadère /هو" :أن السلطات
اإلدارية يتعين عليها في قراراتها ،أن تكون متطابقة مع أحكام القانون ،أو بعبارة أكثر دقة
بالشرعية ،والتي تعني مجموعة القواعد القانونية ،على أن يدخذ القانون ليس فقط بالمعنى،
الشكلي بل أيضا بمعناه الموضوعي .
كما عرفه د/سليمان الطماوي" :يقصد بهذا المبدأ أن تكون جميع تصرفات اإلدارة
في حدود القانون ،ويدخذ القانون في هذا المجال بمدلوله العام ،أي جميع القواعد الملزمة
سواء أكانت مكتوبة أو غير مكتوبة ،وأي كان مصدرها مع مراعاة التدرج في قوتها (القانون
الدستوري ،القانون العادي ،فالالئحة ،فالقرار الفردي) ،وأي كان نوع تصرف اإلدارة أي
)Acte matérielماديا ً أو ( )Acte juridiqueقانونيا ً عملها كان سواء274)(.وعليه
يمكن القول أن مبدأ المشرعية له أهمية كضمانة جدية في مواجهة تعسف هيئات الضبط
اإلداري ،وذلك باالستناد إلى القضاء اإلداري الذي يعمل على محاولة الربط بين فاعلية
نشاط هيئات الضبط اإلداري في تحقيقها ألهدافها ،وحقوق وحريات األشخاص.
اوالً -أهمية مبدأ الشرعية في أعمال الضبط اإلداري
تجسيدا ً لمبدأ الشرعية فإن هيئات الضبط اإلداري يجب أن تخضع له في كل
تصرفاتها ،وذلك بإحترامها النظام القانوني وقواعد الشرعية الشكلية والموضوعية ،وهذا
التقييد له أهميته بالنسبة لألشخاص ،وكذلك بالنسبة لهيئات الضبط اإلداري.
كما أن إلتزام وتقيد هيئات الضبط اإلداري بإحترام قواعد الشرعية الشكلية
والموضوعية ،يحمي حقوق وحريات األشخاص من اإلستبداد ،واإلنحراف ،والتعسف في
ممارسة مظاهر السلطة من طرف أعوان الدولة ،وممثلي هيئات الضبط اإلداري.
كما أن إلتزامها بمبدأ الشرعية يحميها من اإلنحرافات واإلنزالقات والتسرع
وتفضيل المصلحة الخاصة ،أي أنه يضع لها اإلطار لكي تكون أعمالها قائمة على أساش
الشرعية ،وكل تصرف تقوم به يخالف القانون يكون محال للطعن فيه أمام القضاء اإلداري.
وهكذا ال يكفي النص على إحترام مبدأ الشرعية في القوانين ،وإنما لحمايته يجب أن
يكون للقضاء اإلداري دور في ذلك.
ثانيا ً -دور القضاء في إحترام مبدأ الشرعية في قرارات الضبط اإلداري
إن مقتضى مبدأ الشرعية هو خضوع األشخاص وسلطات الدولة لحكم القانون،
ومايهمنا هنا هو دور القاضي اإلداري في إخضاع هيئات الضبط اإلداري لحكم القانون،
وهذا اإللزام يعني أن تتفق أعمالها مع القواعد القانونية ،بحيث يجب أن تصدر من مختص
2
جع سابق ،إل ،5ص.58
7
النظرية العامة للق اررات اإلدارية ،مر
4
د .سليمان محمد الطماوي، ) (
وفقا ً لإلجراءات واألشكال القانونية ،وأن ترد على محل مشروع ،وسبب يبرره ،وأن
()275
تستهدف تحقيق النظام العام.
إال أن احتماالت خروجها على مبدأ الشرعية كثيرة نظرا ً لتعدد أوجه نشاطاتها
وتصادمها اليومي مع األشخاص ،وما تتمتع به من إمتيازات ،لذا كان من الضروري وجود
سلطة القضاء التي يمنحها القانون اإلختصاص برقابة أعمال الضبط اإلداري ،للتأكد من
مدى مشروعيتها ومطابقتها للقانون.
لذلك فقد ظهرت ضرورة الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري للحفاظ على مبدأ الشرعية وضمانا
لتأكيده وإحترامه ،حتى تكون سيادة القانون فوق الجميع ،بهدف حماية حقوق وحريات األشخاص.
وتماشيا ً مع ذلك فللقاضي اإلداري دوره في وزن أعمال الضبط اإلداري بميزان القانون ،حيث إذا تعلق
األمر بعيب خارجي ،فيجب عليه مراقبة مدى مراعاة قواعد اإلختصاص التي هي من النظام العام ،وينبغي عليه
إثارتها من تلقاء نفسه ،كما يتعين عليه أن يفرق بين األشكال الجوهرية التي يجب على اإلدارة اإللتزام بها ،واألشكال
غير الجوهرية التي ال يترتب على عدم اإللتزام بها عدم شرعية التصرف الضبطي.
كذلك يراقب القاضي المشروعية الداخلية للقرار الضبطي ،وينظر في مدى تطبيق اإلدارة للقانون تطبيقا ً
سليما ً ،ولم تنحرف في استخدام سلطتها ،كما يفحص القاضي األسباب التي إستندت إليها هيئات الضبط اإلداري
إلصدار قرارها.
ترتيبا ً على ذلك فكل قرار ضبطي أو إجراء تصدره هيئات الضبط اإلداري ،ينبغي أن يكون في حدود
مبدأ الشرعية ،وذلك بإستهدافه المحافظة على النظام العام ،فحين تفرض اإلدارة على األفراد عدم الخروج في
مسيرة دون رخصة ،فإن المقصد العام هو توفير األمن العام حتى ال يبادر األفراد وبطريقة فوضوية للخروج
للشوارع العامة ،بما في ذلك من خطر يهدد األرواا والممتلكات ،وحين تفرض عليهم عدم إستعمال مكبرات
األصوات ليالً فإن المقصد هو توفير السكينة العامة ،وحين تراقب اإلدارة بعض المواد اإلستهالكية أو تمنع
عرضها ،فذلك بغرض حماية األفراد من مخاطر األمراض.
إستنادا ً إلى دور القاضي اإلداري في حماية الشرعية ،فإن كافة التدابير واإلجراءات التي تقوم بها هيئات
الضبط اإلداري خارج إطار القانون تكون غير شرعية وقابلة لإللغاء وذلك إذا تأكد وتحقق من أن اإلدارة إنحرفت
()276
وإستعملت تدابير الضبط اإلداري لتحقيق أهداف غير النظام العام.
وعليه فصيانة النظام العام يعتبر قيد على هيئات الضبط اإلداري ،أثناء إصدارها لقرارات الضبط
اإلداري.
الفرع الثاني
رقابة القضاء على تقيد هيئات الضبط اإلداري لتحقيق النظام العام
إن فكرة النظام العام ظهرت كفكرة مرتبطة بالمجتمع ،ونشأت وتطورت معه
لتحتل()277مجاالت عديدة ،فوظيفة هيئات الضبط اإلداري هي تحقيق النظام العام ،كما أن
القاضي كثيرا ً ما تثور أمامه دفوع شكلية أو موضوعية توصف بأنها من النظام العام زيادة
2
د .ماجد راغب الحلو ،دعاوى 5القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.217 ) (
اف باإلجراء ،كوجه من أوجه مجاوزة 7الساللطة ،د ارسالة مقارنة ،دار الفكر 2العربي،
6
د .فؤاد موسالى ،فكرة االنحر ) (
نقال عن :د .عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،أسباب قبول دعوى إلغاء القرار اإلداري،
سنة ،1997ص184؛ ً
مرجع سابق ،ص.308
2
د .ماجد راغب الحلو ،دعاوى القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.111
7 7 ) (
على فرض القانون على أطراف العالقات القانونية عدم اإلتفاق على مخالفته ،ويبطل محل
اإللتزام إذا كان مخالفا ً للقانون ،كذلك إن إعالن حالة الطوارئ الهدف منه هو الحفاظ على
النظام العام.
لقد تعددت وإختلفت التعاريف لفكرة النظام العام ،بإعتبارها فكرة حيوية وضرورية
لوقاية المجتمع وتلبية حاجاته في االستقرار والسلم ،لذلك سنتعرض لتعريفها قانونا ً ،وفقها ً
ً ()278
وقضاءا.
-1قانونا ً:
إن وضع تعريف جامع ومانع للنظام العام يعتبر أمرا ً صعبا ً ،وذلك نظرا ً ألنه فكرة
نسبية ومرنة تختلف بإختالف المكان والزمان ،لذلك فليس هناك إمكانية للمشرع في تحديدها
في مضمون مستقر .هذا ما جعل المشرع في كل من فرنسا ومصر لم يعرف النظام العام،
رغم وجود العديد من النصوص التي تشير إلى عناصره دون تعريفه.
-2فقها ً:
تتفق معظم تعاريف الفقهاء على جعل النظام العام هدفا ً للضبط اإلداري إال أنها
تختلف في تعريفها له .ومن تعاريف أهل الفقه نجد:
)Blaevoet( الذي عرف النظام العام تعريفا ً سلبيا ً بقوله" :إن غرض الضبط سلبي
تماما ،إن شعاره ال إضطرابات
األستاذ ( )Hauriouفيعرفه" :النظام العام حالة فعلية معارضة للفوضى.
أما األستاذ ( )Delaubadèreفعرفه..." :إن المعيار لممارسة سلطة الضبط
اإلداري في الواقع ،كان دائما يستند إلى الهدف الذي يرمي إلى تحقيقه والذي يتمثل
حسب الصيغة المستعملة من طرف القانون فيما يخص الضبط اإلداري البلدي هو
تأمين حسن النظام والسالمة والصحة العمومية .
-أما ( )KLEINفقد عرفه" :إن حفح النظام ليس فقط سلبيا ،بل يمكن أن يكتسي
طابعا إيجابيا ً ووقائيا ً ،وأحيانا ً طابعا ً إنشائيا ً ،وخاصة في مجال التراخيص البوليسية والتي
يمكن أن تكون لها أهمية كبرى في حياة المدينة فالنظام العام إذن فكرة نسبية مرنة ومتطورة
وحيوية وضرورية لتلبية حاجة المجتمع في اإلستقرار ،وذلك بوقايته وتحقيق أمنه وسكينته،
بالشكل الذي يسمح بممارسة حقوق وحريات األفراد والحفاظ على قيم المجتمع.
-3قضاءا ً:
2
جع سابق ،إل ،5ص.57
7
النظرية العامة للق اررات اإلدارية ،مر
8
د .سليمان محمد الطماوي، ) (
لقد كتب مفوض الدولة الفرنسي ( )Letourneurفي تقريره" :إن فكرة النظام
العام مبهمة وإن غموض غاية النظام العام والطابع الظرفي له يأتيان من المقتضيات التي
يواجهها.
إن الضبط اإلداري ليس مكلف فقط بحماية الدولة ضد األخطار التي ال يمكنه هو
نفسه إستبعادها ،سواء كان مصدرها أفراد آخرون ،أم كان مصدرها حيوانات أو ظواهر
طبيعية ،لذلك ليس من الممكن حصر تلك المقتضيات ذات المضمون المتغير داخل صيغة
محددة ،وإن تلك حقيقة قد أدركها القضاء تماما ً.
كما عرف مجلس الدولة الفرنسي النظام العام بقوله" :أنه أحد تلك التعريفات الثابتة
ذات المضم ون المتغير الذي يتعلق بقضائنا العالي اإلداري ،والذي وإن كان يحل بعض
المشاكل إال أنه ،يترك الباب مفتوحا ً أمام التطورات المستقبلية .
()279
أما في مصر فقد قررت الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة" :إن
النظام العام ،هو األساش السياسي واإلجتماعي واإلقتصادي والخلقي الذي يقوم عليه كيان
الدولة كما ترسمه القوانين النافذة فيها .
اوالً -تحديد النظام العام:
إن النظام العام كما رأينا مدلول متطور ومتغير ،غير محدد مسبقا ً من طرف
المشرع ،لذلك فإن تحديده هو أمر ضروري لكونه معيار يستند إليه القضاء للحكم بصحة أو
عدم صحة تصرفات اإلدارة.
من أجل ذلك فقد إستقر الفقه التقليدي على أن النظام العام يتضمن عناصر األمن
280الصحة العامة،
العام ،إال أن هذا المدلول قد إمتد وتوسع إلى مجاالت أخرى لذلك( )،
السكينة العامة يتطلب األمر دراسة العناصر التقليدية والحديثة للنظام العام.
-1العناصر التقليدية للنظام العام:
تتمثل العناصر المكونة للنظام العام كهدف ألعمال الضبط اإلداري في :األمن العام،
الصحة العامة ،السكينة العامة.
أ -األمن العام:
ويقصد به حماية الجماعة من الحوادث والمخاطر التي تهدد األشخاص أو األموال ،
سواء كانت الحوادث والمخاطر من فعل اإلنسان ،أو كانت كوارث طبيعية ،كما هو كل ما
يطمئن اإلنسان على نفسه أو ماله من خطر اإلعتداءات التي تقع.
وتجدر اإلشارة إلى أن مصادر المخاطر واإلعتداءات التي تهدد األمن العام والسالمة
العامة ،قد تكون مثل المظاهرات والتجمعات واإلضطرابات أو الحوادث التي تقع بفعل
نقال عن :د .عبد العزيز عبد 9المنعم خليفة ،أسالالباب قبول دعوى 7إلغاء القرار اإلداري ،مرجع سالالابق2 ،ص35
ً
) (
،ص37
2
د .سليمان محمد الطماوي ،النظرية العامة للق اررات اإلدارية ،مرجع سابق ،إل ،5ص.12
8 0 ) (
اإلنسان ،وقد تكون مصادرها طبيعية كالزالزل والفيضانات والحرائق ،كما قد تكون مصادر
األخطار األشياء واآلالت الخطيرة مثل السيارات واألسلحة...
وعليه فعلى هيئات الضبط اإلداري القيام بعدة إلتزامات منها :تنظيم إالجتماعات
العامة والمظاهرات ،وتدابير منع وقوع الجرائم ،والقيام بإجراءات تنظيم المرور ،وهدم
المنازل والبنايات اآليلة للسقوط ،وتنظيم األماكن العامة ،وإجراءات الدفن والمقابر ،...لذلك
سنتعرض إلى بعض هذه اإللتزامات.
.1تنظيم اإلجتماعات والمظاهرات وذلك لحماية األمن واالستقرار ،فهي تملك التدخل
للمحافظة على النظام العام بحل اإلجتماع ،أو منع المظاهرات في الشوارع ،والطرق
المعدل والمتمم المتعلق باإلجتماعات العمومية.
.2فيما يخص الكوارث الطبيعية كالحرائق والفيضانات والزالزل ،...فعلى هيئات
الضبط اإلداري القيام بكافة اإلجراءات للحفاظ على أمن األشخاص ،وتستخدم في
ذلك كل اإلمكانيات واألساليب التقنية المتوفرة لديها لحماية المواطنين .
.3القيام بالتدابير واإلجراءات الضرورية لتنظيم المرور ،كالقيام بإجراءات لتحديد
السرعة أوتنظيم الوقوف بالسيارات والعربات في أماكن معينة ،أو فرض قيود على
سيارات النقل ،وكذلك مثل إنشاء مراكز ولجان للوقاية وأمن الطرقات ،وكلها تدابير
تهدف إلى الحفاظ على األرواا وصيانة النظام والتفتيش التقني للسيارات العام.
.4القيام بتدابير الوقاية بهدم المنازل والبنايات اآليلة للسقوط ،حيث يخول القانون لهيئات
الضبط اإلداري القيام بكافة اإلجراءات للحد من األخطار التي تهدد أمن األشخاص
خاصة ،باإلضافة فيما يخص األماكن اآليلة للسقوط وترميمها ،وهدمها .
-2الصحة العامة:
يقصد بها حماية المواطنين من األخطار التي تهدد صحتهم من األوبئة واألخطار
الناجمة عن عدم الصحة ،من مظاهر حماية الصحة :القيود الخاصة بالنظافة وإجراءات
الوقاية من األمراض المعدية واألوبئة ،وحفح مياه الشرب ،وجمع األوساخ والفضالت،
واإلجراءات الوقائية المتخذة في الرقابة على المحالت ،أو المذابح ،والمخابز والمقاهي...
-3السكينة العامة:
يقصد بها منع مظاهر اإلزعاج والمضايقات التي تتجاوز المضايقات العادية للحياة
في المجتمع ،ومكبرات الصوت ودق األجراش ،ويدخل في ذلك محاربة الضوضاء من
الباعة ،وضجيج المصانع واألعراش الذي يهدد السكينة ،فتتخذ هيئات الضبط اإلداري
إجراءات وتدابير لمنع اإلزعاج العام ،سواء كان صادرا ً عن أفراد أو عن مدسسات ،وقد
أجاز مجلس الدولة الفرنسي لإلدارة تنظيم أجراش الكنائس .كما جاء في حكم له صادر في
7يونيه 1970بأنه" :ال يمس بمبدأ حرية التجارة والصناعة عند قيام رئيس البلدية بمنع
مرقص بسبب إخالله براحة الجيران ،في حالة ما إذا كان هذا المنع ال يشكل عائقا أمام
حرية استعمال المرقص كمدرسة للرقص( )281.كذلك صدر حكم للمحكمة اإلدارية (لمنبليه)
في قضية تسمى (أرتلون) بتاريخ ، 1980/4/11حيث جاء فيه" :بأن سلطات الضبط
اإلداري التي يستمدها رئيس البلدية بناءا على المادة ( )2/131من قانون البلديات لضمان
حماية الراحة العمومية ،يمكن إستعمالها ال في مواجهة المدسسات المفتوحة للجمهور ،بل
أيضا لمواجهة المدسسات المسمـاة بـ (النوادي الخاصة) التي حدد دخولها بأصناف معينة
من الناش كما سارت المحكمة اإلدارية العليا في مصر في جلسة 1960/4/26في نفس
االتجاه وذلك بتأييدها قرار منع تشغيل المطاحن ليال ،وذلك نظرا ً لإلزعاج الذي تحدثه
للسكان.
-2العناصر الحديثة للنظام العام:
لقد كان النظام العام قديما ً يعرف بالنظر إلى غايته في المحافظة على األمن العام،
والصحة العامة ،والسكينة العامة أي النظام العام المادي ،إال انه بعد تطور دور الدولة وإتساع
نشاطها ،ساير النظام العام هذا التوسع ،وذلك بإمتداد فكرته إلى النظام العام الخلقي،
والمحافظة على الرونق ،وكذلك النظام العام اإلقتصادي.
أ -النظام العام الخلقي:
كان النظام العام التقليدي مرتكز على النظام العام المادي ،أي أن هيئات الضبطاإلداري ال
تحميه إذا كان يفتقر لمدلوالته الثالث ،نتيجة لذلك فال يوجد نظام عام معنوي وهذا ما يقودنا إلى القول
بأن هناك إختالف بين الفقهاء الفرنسيين حول النظام العام الخلقي ،رغم أنهم متفقون على عناصر
النظام العام المادي ،وسبب اإلختالف يعود إلى نص المادة ( )97من قانون 05أبريل ،1884التي ال
تدخل اآلداب العامة في عناصر النظام العام.
غير أن القضاء الفرنسي إعترف لهيئات الضبط اإلداري بالتدخل في حالة وجود
تهديد لآلداب العامة ،حيث اعترف بصحة قرار ضبطي يحرم على النساء إرتداء زي
الرجال ،وكذلك بشرعية قرار ضبطي يحظر عرض مباريات المالكمة بسبب العنف الذي
تتسم به ومساسها باألخالق ،وأيضا ً حكم بمنع عرض المطبوعات المخلة باآلداب ( ما
يالحح على قضاء مجلس الدولة ،أنه كان يرفض تدخل هيئات الضبط اإلداري لحماية اآلداب
العامة ،إال إذا كان هناك إخالل بالنظام العام المادي ،أي ارتباط حماية اآلداب بحماية
العناصر المادية ،ثم تطور هذا القضاء نحو اإلجازة لإلدارة التدخل لحماية النظام العام ،
الذي تتلخص وقائعه بعيدا ً عن العناصر المادية ،وكان ذلك في حكمه الشهير (
في" :أن رئيس بلدية (نيس) بالجنوب الفرنسي أصدر قرارا ً إداريا ً بوليسيا ً،
()282
(Lutetia
يقضي بمنع عرض ثالثة أفالم حصلت على ترخيص قانوني من طرف الوزير المختص
بعد موافقة لجنة الرقابة على األفالم السينمائية المنظمة بموجب قانون ،1945واألفالم التي
منع عرضها رئيس بلدية نيس هي فيلم "النار في الجسد" ( )Feu dans la peau
و"القمح في الحشائش"
2
جع سابق ،إل ،5ص.27
8
النظرية العامة للق اررات اإلدارية ،مر
1
د .سليمان محمد الطماوي، ) (
2
د .ماجد راغب الحلو ،دعاوى 2القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.1478 ) (
( )Le blé en herbeو"قبل الطوفان" ،وكان رئيس البلدية في قراره بمنع عرض
هذه األفالم واقعا ً تحت تأثير قوى الضغط االجتماعي في المدينة ،المتكونة في هذه القضية
أساسا من جمعية المعلمين وأولياء التالميذ الذين هددوا بالقيام بمظاهرات في المدينة لمنع
عرض هذه األفالم التي تهدد تربية وأخالق وآداب التالميذ الصغار في رأيهم ،ولما رفعت
شركة األفالم دعوى أمام مجلس الدولة الفرنسي مطالبة بإلغاء القرار الذي أصدره رئيس
بلدية نيس ،والمطالبة بالتعويض عن األضرار والخسائر المترتبة عن عدم عرض هذه
األفالم ،وبعد التحقيق والمداوالت ،أصدر مجلس الدولة حكما ً برفض إلغاء قرار رئيس بلدية
نيس ألنه من سلطاته الضبطية والبوليسية أن يتعرض للمحافظة على اآلداب العامة واألخالق
العامة ،إذا كانت أعمال اإلخالل باآلداب واألخالق العامة تهدد النظام العام وتعرضه للخطر.
وبعد حكم ( )Lutetiaصدرت العديد من األحكام التي تقرر لهيئات الضبط التدخل
لحماية النظام العام الخلقي.
ب -النظام العام اإلقتصادي:
نتيجة للتطورات اإلقتصادية واإلجتماعية ،تزايد تدخل الدولة في كل المجاالت
ونظمت كثيرا ً من العالقات اإلقتصادية لتحقيق النظام العام اإلقتصادي.
ويثور التسا ل هنا حول إمكانية تحقيق هيئات الضبط اإلداري للنظام العام
االقتصادي؟ إن النظام العام االقتصادي معناه تنظيم النشاطات اإلقتصادية من أجل خلق
وإحترام النظام العام اإلقتصادي.
فهو عبارة عن تدخل الدولة في أوجه نشاط األفراد لتحقيقه ،غير أن تقييد حرية
التجارة والصناعة موكوله للمشرع ،وال يجوز لهيئات الضبط اإلداري تقييدها إال ألهداف
متعلقة بالنظام العام بمفهومه التقليدي .
إال أن هناك من الفقهاء من يذهب إلى اإلعتراف بتدخل هيئات الضبط اإلداري لتقييد
النشاطات اإلقتصادية ،حتى في حالة عدم النص عليه من المشرع ،وبالتالي فإن فكرة النظام
العام اتسعت لتشمل النظام العام اإلقتصادي الذي يهدف إلى إشباع حاجات ضرورية وملحة.
بناءا ً على ذلك فإن تدخل هيئات الضبط اإلداري لتقييد النشاطات اإلقتصادية ليس
بشكل مطلق ،وإنما لتحقيق بعض المصالح اإلقتصادية التي تهم النظام العام كإجراءات
التموين ،وتوفير المواد الغذائية...
لذلك فإن فكرة النظام العام تتسع ،ولكن بحدود معينة مرتبطة بالعناصر التقليدية
للنظام العام ،وإذا خرجت هيئات الضبط اإلداري عن هذه الحدود تتعرض لرقابة القضاء،
وتكون أعمالها عرضه لإللغاء.
ثانيا ً -رقابة القضاء على التزام هيئات الضبط اإلداري بتحقيق النظام العام
إن النظام العام امتد إلى عدة مجاالت خاصة ،يفرض عليها القانون تنظيما ً معينا ً،
فهو بذلك يتجه إلى ضبط نشاط األشخاص ،األمر الذي يضفي على فكرة النظام العام صفتها
اآلمرة ،وإذا حدث نزاع فإن القاضي يواجه بقاعدة من القواعد وما عليه إال تطبيقها على
المنازعة ،فيراقب مدى إستهداف تدابير الضبط اإلداري للنظام العام ،فإذا إستهدفت غرضا ً
غير الغرض المنصوص عليه في القانون ،كان العيب الذي يصيب أعمالها بعدم المشروعية
،وهذا ما عبر عنه مجلس الدولة الفرنسي في عدة مواقف هو عيب اإلنحراف في استعمال
السلطة.
ولما كان النظام العام يعبر عن روا النظام القانوني للمجتمع ،فهذا ال يعني أنه فكرة
قانونية جامدة ،وإنما هي فكرة متطورة يمكن أن ال تكون نتاج نصوص قانونية ،وبذلك فإنه
يترك المجال للقضاء لفرض الرقابة ويستطيع المشرع أن يحدد مضمونه مسبقا ً على مدى
إلتزام هيئات الضبط اإلداري بتحقيقه.
ترتيبا ً على ذلك فللقاضي اإلداري دور في رقابة هيئات الضبط اإلداري ،لكونه لديه
اإلدراك للضمير الموجود في القانون المطبق في بلده ،وروحه المتمثلة في النظام العام.
وهكذا فالنظام العام فكرة يحسها القاضي بشعوره ،وذلك حينما تطرا عليه النزاعات
ويكون مضمونه غير محدد من طرف المشرع ،فعليه أن يستلهمه من النزاع المطروا عليه،
وهو بذلك ال يضع قاعدة عامة يقيد بها نفسه في المستقبل ،وإنما يحسم النزاع الذي أمامه
ويفصل فيه وفقا إلحساسه به.
وبناءا ً على ذلك فالقاضي اإلداري بحكم الرقابة التي يسلطها على التدبير الضبطي
يبحث في مشروعيته ويتساءل :هل اإلجراء الضبطي أتخذ فعال لحماية النظام العام أم كان
النظام ال يقتضيه؟
فالقاضي يتحسس ويتصور مضمونا ً ثم ينسبه إلى عبارة "النظام العام".
وهذا هو جوهر مهمة القاضي اإلداري ،فإذا وجد التدبير الضبطي متوافقا ً مع النظام
العام حكم بمشروعيته ،وفي حالة العكس يقضي بإلغائه ،ويعتبر قضائه هذا هو الجواب عن
التسا ل الذي طرا .
الفرع الثالث
الرقابة القضائية على تقيد هيئات الضبط اإلداري بالحريات العامة
عرف الفقيه (ريفيروا) الحريات العامة بأنها" :هي كفاءات التقدير الذاتي بواسطتها
يختار الفرد بنفسه تصرفه في مختلف الميادين ،فهي كفاءات معترف بها ومنظمة من
قبل الدولة ومحمية حماية قانونية مدعمة.
كما عرفها( )Jean Morangeبقوله" :الحريات العامة تفترض أن تعترف
الدولة لألفراد بحق ممارسة عدد معين من النشاطات المحددة وذلك في حمى من كل الضغوط
الخارجية ،فهي حريات ألنها تسمح بالتصرف وبالعمل بدون أي ضغط ،وهي حريات عامة
.ألن على أجهزة الدولة صاحبة السيادة القانونية مسدولية تحقيق مثل تلك الشروط ،ونظرا ً
العتبارات األصل أن الحريات العامة تجد مكانها وكفالتها في الدستور بطريقة قانونية
وعملية قد تحول دون توسع النصوص الدستورية في تفاصيل تنظيم الحريات ،فقد يعهد
()283
الدستور للقانون بهذه المهمة
ففي ظل دولة القانون التي يحكمها مبدأ الشرعية ،فإن تحديد المشرع للنظام القانوني
للحريات ،يكتسي أهمية بالغة من حيث إحاطته لهذه الحرية بسياج يجب أن تتوقف عنده
هيئات الضبط اإلداري أثناء ممارستها لصالحياتها في تنظيم الحريات وضبطها.
تماشيا ً مع ذلك ،فإن النص على الحريات في إطار واضح من القواعد القانونية يلقي
على عاتق هيئات الضبط اإلداري إلتزاما ً بحمايتها وكفالتها ،ألن النظام العام ال يعتبر مشنقة
لخنق الحريات ،لكون هذه األخيرة تمثل قيدا ً على صالحيات الضبط اإلداري ،وذلك إذا ما
حدد القانون سعتها ومعالم حدودها.
رغم الواجبات الملقاة على هيئات الضبط اإلداري في اإللتزام بالقواعد القانونية
المتعلقة بالحريات المحددة عن طريق التشريع ،إال أنه يمنح لها جانب من الحرية تحت رقابة
القضاء ،وذلك نظرا للظروف المستعجلة التي تجبر هيئات الضبط اإلداري أحيانا على
مجانبة النصوص القانونية .مهما كان فإن العالقة بين تنظيم المشرع للحريات واختصاصات
هيئات الضبط اإلداري ليست مضبوطة ،وذلك ألن النظام العام فكرة مرنة وغير جامدة
وكثيرا ما تصطدم اإلدارة بأخطار لم يتنبأ بها المشرع ،أو لم يحدد اإلجراءات الكفيلة
لمواجهتها ،فتتدخل وتتخذ اإلجراءات الالزمة للحفاظ على النظام العام ،لكونها هي المسدولة
عن قطع دابر اإلضطرابات وإقامة األمن.
هذا ما يقودنا إلى القول بأن إمساك المشرع عن تنظيم الحريات المطلقة ال يددي إلى
حرمان هيئات الضبط اإلداري من تنظيمها ،إال أن فرض النظام وكفالة الحريات ينبغي أن
يكونا في النطاق الدستوري ،فكالهما ال يجب إهماله ،إال انه في الواقع أو في ميدان الممارسة
من الممكن وفقا ً لظروف معينة أن يعيق أحدهما سبيل اآلخر ،مما يضطر إلى التضحية
بأحدهما ،ومن هذا المنطلق نشأت فكرة القيد على هيئة الضبط اإلداري وارتباطها بالحريات،
ودور القضاء في الفصل في النزاع بتحقيق عملية التوازن بين أعمال الضبط اإلداري
والحريات ،لذلك سنتعرض لعالقة الحريات العامة بأعمال الضبط اإلداري ،والحكم في
النزاع بتحقيق التوازن بين أعمال الضبط اإلداري والحريات وذلك من خالل النقاط التالية:
أوالً -عالقة الحريات العامة بأعمال الضبط اإلداري
إن هيئات الضبط اإلداري بما تتمتع به من سلطات وامتيازات للمحافظة على النظام
العام يمكن لها أن تتدخل لضبط الحريات ،إال أن هذه المكنة تختلف في حالة وجود قواعد
قانونية تنظم الحريات أو عدم وجودها .فإذا تم تحديدها من طرف المشرع تقيدت سلطات
الضبط اإلداري ،فال يمكنها وضع قيود أكثر من التي نص عليها القانون ،وإال اعتبر ذلك
تجاوزا ً للسلطة ،أما إذا كانت الحريات العامة غير محددة من طرف المشرع ،فإن هيئة
الضبط اإلداري تصبح لها سلطات واسعة في تحديد الحريات ،وهذا حسب الظروف المحيطة
2
د .ماجد راغب الحلو ،دعاوى 3القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.1478 ) (
بممارستها ،ولكن حتى ال تطغى قيدت بنطاق الحرية وتحت رقابة القضاء ،ليقيس مجال
()284
سلطة الضبط قياسا ً عكسيا ً بخطر الحرية ،بحيث ال يجوز دفنها وإنما تنظيم ممارستها.
كما ينبغي أن تراعي المراقبة بين أساليب التدخل ونوع الحرية وطبقاتها ،فما يصلح
أسلوب لتقيد حرية ما قد ال يصلح لتنظيم حرية أخرى.
بناءا ً على ذلك فإن الضبط اإلداري هو مفهوم ينفعل بمدلول "الحرية" لما بينهما،
ولكن للحرية بين الفكرين الديمقراطي واإلشتراكي صالت وارتباطات وثيقة للغاية متغايرة
الحدود ،وبتغاير حدودها يتغير مفهوم الضبط اإلداري كوظيفة من وظائف اإلدارة العامة،
فالحرية طبقا للمنهج الديمقراطي تعبر عن حقيقة خاصة هي اإلنكار على السلطة أن تكون
غاية في حد ذاتها ،وإنما هي مجرد وسيلة لتحقيق إزدهار الفرد ،وبالتالي فحسب هذه الفلسفة
فالعالقة بين السلطة والحرية هي عالقة تبعية بالكامل غير مذكورة باتفاق الباحثين.
إال أن هناك رأي آخر يرى بأن الضبط اإلداري ضروري لضمان ممارسة الحريات
في جو من اإلستقرار ،لذلك تعمل هيئات الضبط اإلداري على تقييد الحريات بهدف المحافظة
على النظام العام ،ومن ثمة فعالقتها مع الحرية ليست عالقة صراع ولكن عالقة تكامل
وتوافق بينهما ،وهذا ما عبر عنه أحد المفكرين بقوله" :للمواطن فضيلتان :المقاومة
والخشوع ،فالخشوع يضمن النظام ،وبالمقاومة يضمن الحرية" ،فال يمكن تصور مجتمع
يقرر الحرية دون النظام وإال عمت الفوضى فيه ،أو أن يقرر النظام دون الحرية وإال فعم
االستبداد فيه ،فالبد من تقريرهما ،وإجراء التوازن بينهما من أجل التوفيق بين المصالح،
وفي حالة وقوع تجاوزات فيتم اللجوء إلى القضاء لضمان ذلك ،فالمصالح المتضاربة في
المجتمع ،التوازن العملي والفعلي ،والذي يتحقق أثناء فصل القاضي في النزاع القائم بين
الحرية وأعمال الضبط اإلداري ،فيوازن القاضي بين طرفي النزاع بحكم قضائي ليكون
بذلك ضابطا ً من ضوابط التوازن.
ثانيا ً -الفصل في النزاع بتحقيق التوازن بين أعمال الضبط اإلداري والحريات
إذا كانت بعض الحريات قد نص على حمايتها الدستور ،وقامت بتنظيمها بعض
القوانين ،فإن هذه الضمانة ال تمنع هيئات الضبط اإلداري من التعسف بها أثناء تدخلها لتنظيم
نشاطات األشخاص بهدف الحفاظ على النظام العام ،من أجل ذلك كان على كل دولة تكفل
الحريات أن تضع ضمانات فعلية تصون الحقوق والحريات ،وأهم هذه الضمانات ،وذلك
2
مرجع سابق ،إل ،5ص.34
8
النظرية العامة للق اررات اإلدارية،
4
د .سليمان محمد الطماوي، ) (
لما يتمتع به القاضي من ضمير الحرص على صون الحرية ،الضمانة القضائية وعلى عدم
()285
تقييدها إال بالقدر الذي يتناسب مع ما تقتضيه الحالة.
فإذا كانت سلطة القاضي في تحديد الهدف من تدابير الضبط اإلداري مسلما ً بها
بالنسبة للحريات المنصوص عليها في القانون ،فهي في الحريات الغير المنصوص عليها
وجوبية أكثر فأكثر ،وذلك ألن القاضي هو الذي يقوم وحده بتحديد مضمون الحرية ومدى
إنعكاسها مع متطلبات الحفاظ على النظام العام ،وهو في ذلك يكون منشأ ومبدعا ً للقواعد،
نتيجة تصديه في كل نزاع لتحديد المقتضيات التي من أجلها تقيد الحرية ( )286.لذلك فقد قرر
مجلس الدولة الفرنسي بأنه" :لتحديد سلطة الضبط في مالبسة معينة البد من مالحظة أن
صالحيات هذا الضبط ال تعدو أن تكون قيودا ً على حريات األفراد ،وأن نقطة انطالق قانوننا
العام هو اإليمان بتراث حريات المواطنين ،واإلعتقاد بأن إحترام حقوق اإلنسان هو عنوان
دساتيرنا الجمهورية المتعاقبة ،وأن هذا األمر قد إستقر صراحة وضمنا ،وكل جدل في نطاق
قانوننا العام ،لكي يقوم على وطيدة ثابتة من المبادئ العامة ،البد أن ندمن مقدما بأن الحرية
هي األصل والقيود الضابطة عليها هي االستثناء".
أما القضاء المصري فقد أقرت محكمة القضاء اإلداري بتاريخ 1951/3/8في أحد
أحكامها بأن" :الحرية الشخصية هي ملك الحياة اإلنسانية كلها ال تخلقها الشرائع ،بل تنظمها،
وال توجدها القوانين بل توفق بين شتى مناحيها ومختلف توجهاتها ،تحقيقا ً للخير المشترك
للجماعة ،ورعاية للصالح العام ،فهي ال تقبل من القيود إال ما كان هادفا ً إلى هذه الغاية .
أما القضاء العماني فقد ساير ما إنتهى إليه كل من القضاء الفرنسي والمصري وذلك
287مما تقدم يمكن القول بأنه في حالة عدم نص القانون على سلطات في العديد من األحكام( ).
وصالحيات هيئات الضبط اإلداري في تنظيم أو تقييد حرية من الحريات ،أو لم يبين التدابير
أو اإلجراءات أو الوسائل التي تستعملها في تحقيق أهدافها ،أو عدم نصه على بعض
2
د .ماجد راغب الحلو ،دعاوى 5القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.1478 ) (
2
جع سابق ،إل ،5ص.63
8
النظرية العامة للق اررات اإلدارية ،مر
6
د .سليمان محمد الطماوي، ) (
2
د .ماجد راغب الحلو ،دعاوى 7القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.1478 ) (
الحاالت ،فهذا ليس معناه أن سلطات الضبط اإلداري غير مقيدة ،وإنما هي محددة بحدود
وضوابط منها:
مبدأ الشرعية ،والنظام العام كهدف ألعمال الضبط اإلداري ،والحريات العامة،
وذلك كله تحت رقابة القضاء الذي يضمن تحقيق التوازن بين أعمال الضبط اإلداري
والحريات العامة.
المطلب الثالث
تناسب الرقابة القضائية مع
الظروف المؤثرة في هيئات
الضبط اإلداري
المطلب الثالث
تناسب الرقابة القضائية مع الظروف المؤثرة في هيئات الضبط اإلداري
إن الحرية من غير الممكن ممارستها في أي دولة بدون قيود وإجراءات تنظمها،
وإال تهدم بناء المجتمع وفسدت الحياة اإلجتماعية ،فممارسة الشخص لحرياته وحقوقه ينبغي
أن تتحدد من جهة بإحترام حريات وحقوق اآلخرين ،ومن جهة أخرى باإللتزام والخضوع
لمقتضيات النظام العام.
لذلك كانت وال تزال لوظيفة الضبط اإلداري أهمية تمارسها اإلدارة وفقا ً للقانون،
باإلضافة إلى مراعاة الحدود الفاصلة بين ما نص عليه المشرع وما هو متروك لهيئات
الضبط اإلداري ،ألن األصل أن حقوق وحريات األفراد ال يختص بتقييدها إال التشريع وفقا
للنصوص الدستورية ،ولكن نظرا لمهام اإلدارة العامة في الحياة اليومية للمجتمع وقربها
وإحتكاكها الشديد مع واقع هذه الحياة وظروفها المتطورة والمتقلبة ،هذا ما جعل من تمكينها
حق التدخل في نطاق معين ضرورة ال مفر منها ،وفي كل األحوال تمارسه تحت رقابة
سلطة القضاء التي تتسع في الظروف العادية ،وتضيق في الظروف اإلستثنائية تبعا لظروف
الزمان والمكان.
لذلك سنتعرض بالدراسة والبحث لجوانب هذا المبحث في الفروع التالية:
الفرع األول -مراعاة عامل الزمان والمكان
الفرع الثاني -اتساع الرقابة القضائية مع تقييد سلطات الضبط اإلداري في الظروف العادية
الفرع الثالث -تخفيف الرقابة القضائية مع اتساع سلطات الضبط اإلداري في
الظروف االستثنائية
الفرع األول
مراعاة عامل الزمان والمكان
تطبيقا لقاعدة التناسب ،يتعين أن تنصب رقابة القضاء اإلداري في كل حالة مع
الظروف التي تتدخل هيئات الضبط اإلداري في ظلها ،ومن ثم فال يمكن اعتبار تدابير الضبط
اإلداري مشروعة ،إال إذا كانت متوافقة مع الظروف المحيطة بها ،بحيث ينبغي أن تتناسب
الرقابة القضائية مع ظروف ممارسة الحرية ،وأن تتغير بتغاير الزمان والمكان.
أوالً -عامل المكان
تفرض هيئات الضبط اإلداري تبعا ً لوظيفتها المتمثلة في المحافظة على النظام العام
قيودا ً على الحريات العامة ،يمارش عليها القضاء نوعا من الرقابة بحسب المكان الذي
تمارش فيه تلك الحريات.
لذلك فإرتباط الرقابة القضائية بالنطاق المكاني الذي تمارش فيه الحريات ،يجعلها
متفاوتة حسب اإلقليم ووضعه الخاص،وما يتعرض له من إضطرابات تهدد النظام العام لهذا
فقد قرر مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر بتاريخ 1953/6/19في قضية
( )Houphovet-Boignyمنع عقد أحد المدتمرات في األراضي األفريقية حيث قرر:
"أن سلطة الضبط مع اتساع اإلقليم الذي يجب فيه توفير األمن لم يكن لديها قوات كافية لحفح
النظام ،وانه في تلك األحوال ونظرا ً ألن اإلجتماع المزمع عقده سيتم بالضرورة ولو جزئيا
على األقل على الطريق العمومي بسبب األحوال التي تم فيها تنظيمه ،لذلك يمكن لحاكم
فولت العليا والمدير وعمدة البلدية في " "Bobo dioulassoأن يمنعوا قانونا ً إجتماع
المدتمر المذكور سواء على أرض البلدية أم على مجموع أراضي فولت العليا .كما تتسع
سلطات الضبط اإلداري في فرض القيود على الحرية إذا كانت تمارش في الطريق العام،
باعتباره الميدان العام الذي يحتاج أكثر من غيره للمحافظة على النظام العام باإلضافة إلى
ما يترتب عن ذلك من أخطار تتعلق بعرقلة استخدام األموال العامة والخاصة بالجمهور
وعرقلة حرية التنقل أو المروربالنسبه للمواطنين ،لذلك يعتبر الطريق العام مجاال يصلح
لتنظيمه بواسطة تدابير الضبط اإلداري ،وهذا ما أقره مجلس الدولة الفرنسي في العديد من
أحكامه حول تنظيم البيع على الطرق العمومية ،وتنظيم المرور ،ووقوف السيارات.
إال أن سلطات هيئات الضبط اإلداري يضيق إتساعها إذا كانت الحرية تمارش في
مكان خاص ،ألن ما يحدث فيه ال يدثر في النظام العام ،زيادة على تمكين األشخاص فيه من
ممارسة حقوقهم الشخصية التي يحميها القانون ،لذلك يشترط لتدخل اإلدارة في المكان
الخاص أن يكون له إتصال بالخارج كإثارة الضجيج ،والصخب بواسطة مكبرات الصوت
أو الراديو.
وعليه فرقابة القضاء على أعمال الضبط اإلداري يجب أن يراعى فيها عامل المكان
الذي تمارش فيه الحرية ،وخطرها على النظام العام ،حيث تنكمش سلطات الضبط اإلداري
إذا كان ممارسة الحرية في األماكن الخاصة ،وتتسع إذا كان ممارستها في األماكن
()288
العامة.
ثانيا ً -عامل الزمان
يأخذ القاضي اإلداري أثناء مراقبته ألعمال الضبط اإلداري بعين االعتبار عامل
الزمان في تدخل هيئات الضبط اإلداري لتقييد الحريات ،حيث يتفاوت تدخلها من ساعة إلى
ساعة أخرى ومن يوم إلى يوم آخر.
اإللغاء ،دار المطبوعات الجامعية ،اإل8س ال الالكندرية ،1989 ،ص ،375مش ال ال2الار إليه
8
د .محس ال الالن خليل ،قض ال الالاء ) (
لدى :عبد هللا محمد عبد الرحيم سعد ،مرجع سابق ،ص.233
كما يجب التفرقة بين ما إذا كان اإلجراء الضبطي يطبق ليالً أو نهارا ً ،فبعض
القرارات أو التدابير تكون أشد في الليل أكثر منها في النهار ،وقد تعتبر مشروعة إذا طبقت
في الليل وغير مشروعة إذا طبقت في النهار .وينبغي كذلك مراعاة المدى الزمني للتدبير
الضبطي ،فهناك فرق بين قرارات الضبط اإلداري التي تضع تنظيما ً مدقتا ،والتي تضع
تنظيما ً دائما ً ،فالتنظيم الضبطي المدقت ممكن أن يكون متشددا ً ألنه مفروض بواسطة
ظروف خاصة قد تزول بعد فترة قصيرة ،أما التنظيم الضبطي الدائم فينبغي أن يكون أقل
شدة ألنه يهدد الحريات بصفة مستمرة.
تجدر اإلشارة إلى أن القضاء يراعي إعتبارات الزمان التي تدثر على هيئة الضبط
من ناحيتين :األول تقدير مدى خطورة الظروف الزمنية وما يحدث بسببها من أخطار على
األمن والنظام ،والثانية تقدير المدى الزمني المناسب إلجراء الضبط اإلداري لذلك فسلطات
الضبط اإلداري تتسع وتتشدد في الظروف الغير العادية ،ألن مطالب السلطة تكون أكثر من
مطالب الحرية ،وتوصف بالشرعية كثير من قرارات الضبط اإلداري التي كانت غير
شرعية في الظروف العادية.
ومع اتساع سلطات هيئات الضبط اإلداري في الظروف الغير عادية تخفف رقابة
القضاء على أعمالها ،كما تقيد سلطات الضبط اإلداري مع اتساع رقابة القضاء عليها في
()289
الظروف العادية.
الفرع الثاني
اتساع الرقابة القضائية مع تقييد سلطات
الضبط اإلداري في الظروف العادية
إن الظروف العادية تفرض على هيئات الضبط اإلداري العديد من القيود والضوابط
القانونية أثناء ممارستها لسلطاتها في المحافظة على النظام العام ،وذلك بشكل مستمر ودائم
ومتجدد ومتطور وتستخدم في سبيل تحقيق ذلك مجموعة من التدابير التي تحد بها من
ممارسة األشخاص لحقوقهم وحرياتهم ،وهي مقيدة بقواعد المشرعية ،وتلتزم بنطاقها
وحدودها ،فإذا خرجت عن تلك الحدود التي وضعها المشرع فإن أعمالها تعتبر غير
مشروعه وتخضع إلى رقابة قضائية واسعة تنتهي بحكم بإلغاء قرارات الضبط اإلداري
الغير شرعية لتجاوزها للسلطة.
لذا سنتطرق في هذا المطلب إلى أثر الحالة العادية في تقييد سلطات الضبط اإلداري،
ومدى الرقابة القضائية على سلطات الضبط في الظروف العادية.
أوالً -أثر الحالة العادية في تقييد سلطات الضبط اإلداري
تعود أهمية وضرورة أعمال الضبط اإلداري في أنها أولى األمور حيوية في الدولة،
ألنها تهدف إلى حماية نظام الدولة وصيانة الحياة اإلجتماعية والسياسية واإلقتصادية فيها،
2
.672
8
عبد الغني بسيوني عبد هللا9 ،القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص ) (
حيث تتولى هيئات الضبط اإلداري مهمة حماية المجتمع ووقايته من األخطار التي تهدده في
أمنه وسكينته ،وذلك عن طريق سلطتها في إصدار قرارات الضبط اإلداري وتنفيذها.
من أجل ذلك خضعت سلطات الضبط اإلداري للتحديد والتقييد ،وذلك بوضع ضوابط
التي يجب أن تلتزم بها على األقل في الظروف العادية ،وروعي أن يكون تدخل اإلدارة
بالشكل الذي ال يددي إلى خنقها أو التضحية بها في سبيل الحفاظ على النظام العام.
لضمان ذلك أكد القضاء اإلداري على ضرورة وجود حدود وقيود وضوابط على
ممارسة هيئات الضبط اإلداري لسلطاتها ،كما استقر على إخضاعها لرقابة واسعة ألن
األصل هي الحرية ،وتدخل هيئات الضبط اإلداري هو اإلستثناء ،وذلك نظرا ً لخطورتها
وإنعكاسها المباشر على حقوق وحريات األشخاص.
كما تضمن الرقابة القضائية إلتزام هيئات الضبط اإلداري بالحدود والضوابط التي
ينبغي عليها إحترامها والتقيد بها ،وتتمثل هذه القيود والتي تم التطرق إليها سابقا في مبدأ
المشرعية ،والنظام العام ،والحقوق والحريات العامة.
ثانياً :مدى الرقابة القضائية على سلطات الضبط اإلداري في الظروف العادية
تهدف هيئات الضبط اإلداري في الظروف العادية إلى الحفاظ على النظام العام،
وتستعمل في سبيل تحقيق ذلك مجموعة من السلطات التي تقيد بها ممارسة األشخاص
لحقوقهم وحرياتهم ،ويشترط أن تمارش إختصاصاتها في الحدود التي وضعها المشرع ،فإذا
خرجت عن تلك الحدود فإن أعمالها تعتبر غير مشروعة ،ويجوز الطعن فيها باإللغاء أمام
الجهات القضائية المختصة.
حيث يقوم القاضي اإلداري بمراقبة التدبير الضبطي من حيث غايته التي يتعين أن
تكون تفادي تهديد حقيقي للنظام العام ،كما ينبغي أن يكون اإلجراء المتخذ متوافق مع
الظروف العادية المحيطة به.
كما يمارش القاضي رقابة موسعة على سلطات اإلدارة ،فال يتحقق فقط عما إذا كان
يوجد في ظروف الدعوى تهديدا باإلخالل بالنظام العام يمكن أن يبرر التدخل بإجراء الضبط،
بل أيضا يبحث إذا كان التدبير متناسبا في طبيعته وخطورته مع أهمية التهديد ،فهو بذلك
()290
يراقب مالئمة اإلجراء مع الوقائع التي كانت سببا في اتخاذه .
وهكذا تكون للظروف العادية تأثير في اتساع الرقابة القضائية مع تقييد سلطات
الضبط اإلداري ،وهذا عكس الحالة اإلستثنائية.
الفرع الثالث
تخفيف الرقابة القضائية مع اتساع
سلطات الضبط اإلداري في الظروف اإلستثنائية
2
خالد سيد حماد ،حدود الرقابة 0القضائية على سلطة اإلدارة التقدي 9رية ،مرجع سابق ،ص.577 ) (
إن هيئات الضبط اإلداري مقيدة بتطبيق القانون ،غير أن هذا النظام القانوني قد
يعجز أو ال يكفي أحيانا ً لمواجهة الظروف اإلستثنائية التي قد تتعرض لها الدولة كحالة
الحرب أواالضطرابات أو الكوارث...
لذلك تظهر فكرة أساسها أن سالمة الشعب هي القانون األعلى الذي يسمو حتى على
الدستور ،وهذا معناه إجازة كافة األعمال التي تقوم بها اإلدارة حتى إذا إستدعى
()291
الخروج عن القانون ،وذلك من أجل الحفاظ على كيان الدولة وسالمتها ،ألن بقاء األمر
الدولة معناه بقاء القانون ،وبالتالي ال يمكن التضحية بالكل من أجل الجزء .
إال أن مبدأ الشرعية قد يكون مفهوما ً صالحا ً لكل األوقات وفي شتى الظروف ،وذلك
بتوسيعه ليشمل هذا النطاق اإلستثنائي ،حيث يتيح لالدارة الحرية في بعض السلطات للتعامل
مع هذه الظروف حتى ولو كان ذلك يتعارض مع قواعد الشرعية العادية ،غير أن تصرفها
يبقى قانوني وشرعي ،ألنه يدخل في مجال (الشرعية االستثنائية) التي تجد أساسها في نظرية
الضرورة .
لقد عرف ( )J. Riveroالظروف االستثنائية بأنها" :األوضاع الفعلية التي تددي
إلى نتيجتين :وقف العمل بالقواعد العادية إتجاه اإلدارة ،وذلك لتطبيق إتجاه هذه القواعد
مشروعية خاصة يقوم القاضي بتحديد مقتضيات هذه المشروعية الخاصة".
كما عرفها األستاذ ( )A. Delaubadèreأن" :هناك بعض القرارات اإلدارية
التي تعتبر في الظروف العادية قرارات غير مشروعة ،قد تصبح قرارات مشروعة في
بعض الظروف ألنها تصبح ضرورية لتأمين النظام العمومي وسير المرافق العمومية ،فيحل
محل المشروعية العادية ( )la légalité normaleمشروعية الحالة اإلستثنائية (
)lalégalité d'exceptionفي هذه الظروف غير العادية ،والتي تستفيد خاللها السلطة
اإلدارية ،من إتساع في الصالحيات لم ينص عليها القانون .
أما د /سعاد الشرقاوي فجعلت األسلوب األمثل في تعريف الظروف اإلستثنائية
بتعداد الشروط التي ينبغي توافرها حتى يمكن أن يقال أننا أمام ظرف إستثنائي:
-1يجب أن يكون هناك وضع غير عادي.
-2يجب أن يترتب على هذا الوضع غير العادي أن يستحيل على اإلدارة مواجهته
بإتباع قواعد المشروعية الموضوعية للظروف العادية.
-3يجب أن تنحصر الضرورة وتقدر بقدرها ،فال تمارش اإلدارة السلطات
اإلستثنائية إال بالقدر وفي الحدود التي تتطلبها المصلحة العامة.
اونة ،القرائن القضالالائية إلثبات عدم مشال9الرونية القرار المطعون به ،د ارسالالة 2مقارنة،
1
مصالالطفى عبد العزيز الطر ) (
2
،1971ص 17وما بعدها.
9
انظر :قرار الديوان في مجلة 2التدوين القانوني ،العدد األول، ) (
فعدم إمكانية التصحححححرف يندرج بين حدين :األدنى وهو ما أخذ به القضحححححاء اإلداري
يتمثل بالصححححعوبة البالغة في التصححححرف وفقا ً لقواعد المشححححروعية العادية ،واألعلى ،وهو ما
أخذ به بعض الفقه فيمكن في اسحححتحالة التصحححرف وفقا ً لهذه القواعد ،أما إذا أمكن اإلدارة أن
تواجه الظروف ببعض الوسائل القانونية المتاحة ،انتفى بذلك شرط االضطرار.
والقاعدة العامة في هذا الشحححأن أن على اإلدارة مواجهة الخطر الجسحححيم طبقا ً لقواعد
وأسحححححاليب القانون العادي ،فإن تعذر درء هذا الخطر بواسحححححطة هذه القواعد يكون لها اتخاذ
اإلجراءات الضحححححرورية لمواجهته خروجا ً على قواعد القانون العادي ،وهذه مسحححححألة وقائع
فهي تخضع أيضا ً لرقابة القضاء استنادا ً على مبدأ التناسب.
اسححححححتلزم الفقه أن توجد مصححححححلحة جديدة تبرر اتخاذ اإلجراءات االسححححححتثنائية وهذه
المصححلحة تكون محققة ،وهذا الشححرط يعني بأنه إذا ما حدث ظرف اسححتثنائي ،وكانت هناك
قواعد قانونية أو دسححححححتورية قادرة على مواجهة هذا الظرف يجب اللجوء إلى نظام قانوني
اسححححتثنائي لتفادي هذا الظرف على أن يتم ذلك تحت رقابة القضححححاء اإلداري ،وهو ما ذهب
إليه مجلس الدولة الفرن سي في عام 1958حين أكد على أنه إذا كان الموقف االجتماعي أو
اإلقتصحححادي الناتج عن الحرب التي كانت دائرة في الهند الصحححينية بأن السحححلطات والوسحححائل
التي يملكهححا الحححاكم بموجححب القوانين القححائمححة تكفي لمواجهححة متطلبححات هححذا الموقف دون
الحاجة إلى أن يتجاوز نطاق اختصاصاته المقررة في هذه القوانين .
()293
وعلى هذا األسحححححححاش فإن التصححححححرف أو اإلجراء الصحححححححادر لمواجهة هذا الظرف
االسحتثنائي يجب أن يكون مما تقتضحيه الضحرورة القصحوى في حدودها()294،أي أن الضحرورة
تقدر بقدرها فإذا ما تجاوزت اإلدارة لهذا القدر فإنها تعرض نفسها للمسائلة وتكون قراراتها
عرضة للطعن أمام القضاء باإللغاء أو التعويض.
وأكدت المحكمة اإلدارية العليا المصححححححرية ذلك حيث قررت أنه ال يكفي أن تثبت
اإلدارة أو القاضي اإلداري أن هناك مصلحة جدية ومحققة لتبرير استخدامها للوسائل غير
الشححححححرعية بل البد من أن تقيم الدليل على أن هناك تهديدا ً خطيرا ً لهذه المصححححححلحة ،فإذا لم
ت ستطع تقديم هذا الدليل فإن ت صرفها يكون معيبا ً وغير م شروع وهذا التهديد الخطير يقاش
باآلثار الخطيرة التي تترتب عليه اإلخالل بالنظام العام وسير المرافق العامة .
()295
ومن أحكام مجلس الدولة الفرنسححححححي في هذا الشححححححأن أرسححححححى المجلس معيارا ً تعمل
بمقتضاه سلطات الدولة ،حيث أجاز لها اإللتجاء إلى الوسائل غير العادية أو االستثنائية في
ظل الظروف االسححتثنائية ،مع خضححوعها للقانون وفقا ً لنظرية القرارات االسححتثنائية باعتبار
.293سامى جمال الدين ،القضاء اإلداري ،الرقابة على أعمال االدارة ،مرجع سابق ،ص.215
() د
هللا ،الظروف االس ال الالتثنائية بين النظرية 9والتطبيق ،بحث منش ال الالور في مجلة 2العدالة
4
انظر :د .عبد الباقي نعمة ) (
(296
)
Voir: Stefami (G) Levasseur (G). Boulac (B): procedure penale, dalloz, ed. 1996,
p.342.
المبحث الثانى
الرقابة على الشرعية
الخارجية والداخلية لقرارات
الضبط اإلداري
المبحث الثانى
الرقابة على الشرعية الخارجية والداخلية لقرارات الضبط اإلداري
عن مقتضى الرقابة على المشروعية الخارجية هو التحكم في سالمة عنصر
االختصاص في هذا الشأن" أن المشروعية الخارجية لها أهمية أقل من اإلدارة والشكل
ويرى األستاذ Bourjalانه تستطيع أن تعيد إصدار العمل المحكوم بعدم شرعيته تحت
مظهر خارجي مشروع".
إذ أن عدم االختصاص يعني أن الشخص الذي أصدر العمل ليس له صالحية
إتمامه ،لكن كان الواجب صدوره عن تخصص آخر ،وعيب الشكل له صفة أكثر شكلية
من عدم االختصاص وبذلك نجد أن عنصري االختصاص والشكل ال يتصالن إال بكيفية
ممارسة اإلدارة سلطاتها وليس بجوهر هذه السلطات ذاتها ،ومن ثم تتمثل فيهما
()297
المشروعية الخارجية .
ودون التقليل من شأن كل فحص يددي إلى تقدير شرعية قرار ضبط إداري من
خالل عنصر االختصاص أو الشكل فإن المشروعية الخارجية لقرارات الضبط اإلداري
تخضع بشأنها سائر األعمال اإلدارية األخرى لرقابة الحد األقصى ،لكن هذه الرقابة
تختلف في اختالف الحاالت عادية أو استثنائية وبذلك ستقيم الرقابة على عنصر
االختصاص والشكل إلى حالتين :الحالة العادية والحالة االستثنائية.
أما الرقابة على الشرعية الداخلية أن العادي بتعبير -VEDEL -تتحقق من مخالفة
القانون واالنحراف بالسلطة واإلجراءات ،أي مطابقة موضوع العمل القانوني ،على
اعتبار أن المحل هو موضوع العمل وأن السبب والغاية هما شروط الموضوع ،ويقدرها
األستاذ Bouljoulبقوله" هذه الرقابة لها أهمية بالغة ،إذ تتيح للقاضي اختيار الوسيلة
السهلة التي يكشف بها عن أخف عيوب الشرعية بواسطة فحص طفيف في العمل
()298
المطعون فيه .
وعلى كل حال فإن عناصر الشرعية الداخلية هي وحدها التي تحمل خصائص
نظرية الضبط اإلداري ونظامه القانوني الخاص به الذي ميزه القضاء بسلطته التقديرية
والمقيدة معا .وبذلك سندرش في هذا المبحث الرقابة على عنصر المحل والرقابة على
عنصر السبب والغاية وألهمية هذه األخيرة فإنه يستلزم أن نخصص مبحث كامل للرقابة
على عنصر الغاية.
2 9
السابق ،ص.17
7
د .حملي الدقنوقي ،المرجع ) (
2
سابق ،ص.29
9
في مجال الضبط اإلداري ،مرجع
8
حسام مرسي ،سلطة اإلدارة ) (
المطلب األول -الرقابة على الشرعية الخارجية
المطلب الثاني -الرقابة على الشرعية الداخلية
المطلب األول
الرقابة على الشرعية
الخارجية
المطلب األول
الرقابة على الشرعية الخارجية
الفرع األول
الرقابة في الحاالت العادية
أوالً -الرقابة على اإلختصاص
يقوم القانون العام على فكرة االختصاص ،وفكرة تحديد اختصاصات معينة لرجال
اإلدارة هي نتيجة من نتائج مبدأ الفصل بين السلطات ألن هذا المبدأ ال يقتضي تحديد
اختصاص السلطات العامة الثالث فحسب ،وإنما يستتبع أيضا ً توزيع االختصاصات في
داخل السلطة الواحدة وبذلك تعرف بصفة عامة بأنها القواعد التي تحدد األشخاص أو
()299
الهيئات التي تملك إبرام التصرفات .
فاالختصاص هو صالحية موطن أو جهة إدارية محددة في اتخاذ قرار إداري
()300
معين وتتحدد هذه الصالحية بموجب أحكام القانون .
وبما أن حاالت عدم االختصاص محددة وفقا ً لعدم االختصاص الموضوعي وعدم
االختصاص المكاني ،وعدم االختصاص الزماني ،فإننا سنقوم بعملية إسقاط هذه الحاالت
عن قرارات الضبط اإلداري.
-1عدم االختصاص الموضوعي
ويتحقق ذلك إذا أصدرت جهة إدارية قرارا ً في موضوع ال تملك قانونا ً صالحية
إصدار قرار بشأنه ،ألنه يفعل في اختصاص جهة إدارية أخرى وبذلك تعتدي هيئة ما
على ميدان هيئة أخرى ،ويمكن حصر ذلك في الحاالت التالية:
اعتداء هيئة مرؤوسة على سلطات هيئة عليا ،فالوالي ليس بمقدوره اتخاذ تدابير
هي من اختصاص الوزير ،والوزير ال يمكنه اتخاذ تدابير هي من اختصاص
رئيس الجمهورية مع مالحظة أنه يوجد أسلوب التفويض .
اعتداء هيئة عليا على صالحيات هيئة دنيا ،ألن القانون قد يحدد ويحمي ميدان
اختصاص الهيئة الدنيا.
2 9
جع السابق ،ص.676
9
سليمان محمد الطماوي ،المر ) (
3
د .سامي جمال الدين ،أصول 0القانون اإلداري ،المرجع السابق0 ،ص.278 ) (
اعتداء سلطة إدارية على ميدان سلطة إدارية أخرى موازية لها ،مثال ذلك اتخاذ
وزير تدبير معين يدخل في اختصاص وزير آخر ،إال إذا كان مفوضا بذلك.
هذا بالنسبة للقرارات اإلدارية بصفة عامة ،أما بالنسبة لقرارات الضبط بصفة
خاصة فإنها ال تخرج عن هذه الحاالت ،إذ أن االختصاص بإصدار قرارات الضبط
اإلداري تحكمه مصادر االختصاص ،حيث أن الضبط اإلداري يمارش بناء على القانون
وال يفترض ،فرئيس الجهورية يستمد هذا االختصاص من الدستور ،ومن ثم فإن
اختصاص كل سلطة معروف ومجرد من حيث المبدأ لكنه قد يحدث أن تكون قرارات
الضبط اإلداري غير شرعية بسبب عدم االختصاص الموضوعي.
إن القرار الضبطي يكون غير شرعي بسبب عدم االختصاص في حالة اعتداء
سلطة ضبط إداري على سلطة ضبط إداري أخرى في ميدان اختصاصها وقد يكون هذا
االعتداء من سلطة ضبط إداري عليا على سلطة ضبط إداري دنيا أو اعتداء سلطة ضبط
إداري أدنى على اختصاصات سلطة ضبط إداري عليا ،أو اعتداء سلطة ضبط إداري
عام على سلطة ضبط إداري خاص وقد بينافي الفصل األول في العنوان المخصص
لتنازع سلطات الضبط اإلداري.
-2عدم االختصاص الزماني
المقصود بعدم االختصاص الزماني صدور قرار إداري ممن أصدره في وقت ال
يكون مختص قانونا ً بإصداره.
ويتحقق ذلك في حالتين :إما أن يصدر القرار قبل أن يتقلد الموظف مهام منصبه
()301
أو بعد انتهاء المدة الزمنية التي حددها القانون إلصداره .
بالنسبة لقرارات الضبط اإلداري ،فإن عدم االختصاص الزماني فإنه غير متوقع
حدوثه ألن سلطات الضبط اإلداري ينصبون بشكل رسمي أو بإجراء عملية نقل
()302
السلطة .
لكن اإلشكال يطرا أنه في حالة إنتهاء عمل المختص بإصدار قرارات الضبط
اإلداري ،فقد تمضي فترة قبل تنصيب الرئيس الجديد ،وفي انتظار ذلك فإنه من الالزم
أن تسهر اإلدارة في أداء مهامها لحل هذا اإلشكال ،فإنه يلجأ إلى نظرية تسيير الشدون
العادية والتي يستمر بموجبها عمل هذه السلطات وذلك لتأمين السير العادي والمعتاد
ص.197
3 0
أحمد نحيو ،المرجع السابق2 ،ص.183 ) (
لإلدارة ،لكن األخذ بهذه النظرية ال يتبعه اتخاذ هذه السلطات لقرارات ضبطية من شأنها
إعاقة خلفائهم.
-3عدم االختصاص المكاني
مقتضى عدم االختصاص المكاني أن تتخذ سلطة إدارية قرار إداري يمتد نطاقه
إلى إقليم سلطة إدارية أخرى ،فإذا كانت بعض الهيئات والسلطات اإلدارية تمارش
اختصاصاتها عبر كامل إقليم الدولة كرئيس الجمهورية ،رئيس الحكومة والوزراء ،فإن
هيئات أخرى يقيد القانون وتحدد نطاق اختصاصها اإلقليمي.
حيث يترتب على تجاوز هذه السلطات لذلك النطاق بطالن قراراتها ألنها مشوبة
()303
بعدم االختصاص المكاني .
أما في مجال الضبط اإلداري ،فإن عدم االختصاص المكاني يكون نادرا ً ألن كل
سلطة تعرف حدود إقليمها التي تمارش فيه هذا النشاط فغير متوقع أن يلجأ عمدة بلدية
()304
إلى اتخاذ قرار ضبطي يدخل في اختصاص عمدة بلدية مجاورة .
ومن الحاالت النادرة التي عرضت على القضاء اإلداري الفرنسي في هذا الصدد
قضية اتخاذ محافح مدينة –Morbihamقرار تنظيمي يخص تنظيم حركة المرور في
طرقات توجد في مدينة Vilaine, Lilleفقضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء ذلك القرار
لعدم االختصاص المكاني (مجلس الدولة الفرنسي 3 ،فبراير. (1926
()305
من خالل ما تقدم يتبين أن قواعد االختصاص بالنسبة لسلطات الضبط اإلداري
محددة قانونا ً ،من حيث االختصاص الموضوعي ،والزماني والمكاني ،فكل قرار ضبطي
متخذ خارج هذه القواعد يعتبر غير شرعي من حيث عيب عدم االختصاص.
ثانيا ً -الرقابة على الشكل
األصل أنه ال يشترط في القرارات اإلدارية شكل خاص لصدورها ما لم يقرر
القانون عكس ذلك على سبيل االستثناء ،وعندما ال تكون القرارات اإلدارية شرعية إال
إذا صدرت وفق الشكليات المحددة ،وباتخاذ اإلجراءات المقررة.
فقد يلزم المشرع ضرورة صدور القرار اإلداري في شكل معين كأن يكون مكتوبا
كما قد يستلزم ذلك أخذ رأي جهة معينة قبل صدور القرار ،فينصب بذلك على بطالن
القرار الذي يصدر دون مراعاة لهذه القواعد واألشكال ،أما إذا سكت عن ذلك فإن األمر
3 0
السابق ،ص70
3
د .محمد الصغير ،المرجع ) (
(304
)
Mercel Waline. Op. cit. p. 418.
(305
)
Jean Castagne. Op. Cit. p. 99
يرجع للقاضي الذي يبحث في مدى أهمية الشكل المطلوب والذي صدر القرار مخالفا له
لكي يحدد ما إذا كانت هذه المخالفة تدثر على شرعية القرار أو لها أهمية ثانوية غير
()306
مدثرة .
ويدخل ضمن الشكل اإلجراءات تلك الترتيبات والتصرفات التي تتبعها اإلدارة
وتقوم بها قبل اتخاذ القرار وإصداره نهائيا ً ،وتأخذ هذه اإلجراءات عدة صور أهمها
االستشارة وتنقسم إلى إلزامية واختيارية ،كذلك توجد التقارير المسبقة ،كذلك من أهم
()307
الصور هناك حق الدفاع .
وتنقسم الشكليات في القرارات اإلدارية من حيث مدى تأثيرها في شرعية وعدم
شرعية القرارات اإلدارية إلى شكليات جوهرية وأخرى ثانوية ومعيار التمييز بينهما هو
مدى تدخل أو عدم تدخل المشرع والنص على ضرورة التزام هذه الشكليات ،وكذلك
()308
قيمة المصلحة والهدف الذي تحميه هذه الشكلية أو تلك .
كما إن قرارات الضبط اإلداري مثلها مثل القرارات األخرى ال تخرج عن هذا
التقسيم ،فهناك شكليات جوهرية يجب توفرها عند اتخاذ القرار الضبطي وتخلفها يددي
إلى عدم شرعية القرار ،وهناك الشكليات الثانوية ال تدثر على شرعية القرار ،وعلى هذا
النحو سار القضاء اإلداري الفرنسي في رقابته على عنصر الشكل في قرارات الضبط
اإلداري.
-1الرقابة على الشكليات الجوهرية
تشكل هذه الطائفة في نوعين أساسيين ،فهناك اإلجراءات السابقة عن اتخاذ القرار
من جهة ،والمظهر الخارجي للقرار اإلداري من جهة أخرى ،فالرقابة على الشكليات
الجوهرية في قرارات الضبط اإلداري تظهر بشكل كبير في قرارات الضبط اإلداري
الخاص ،إذ أن القانون ينص على وجوب إتباع شكليات معينة في اتخاذ قرارات الضبط
اإلداري الخاص ،ومن الشكليات واإلجراءات التي غالبا ً ما ينص عليها القانون هي
ضرورة اتخاذ القرار بناء على تقرير أو تحقيق تقوم به جهات معينة غالبا ً ما تتسم هذه
الجهات بالطابع التقني ،فقد قضى مجلس الدولة الفرنسي في هذا الصدد بعدم شرعية
قرار ضبطي لم يأخذ برأي لجنة الصحة ،حيث أن القانون يوجب اتباع هذا الشكل (مجلس
الدولة 23يوليو. ) 1916
()309
وأصدر كذلك مجلس الدولة الفرنسي عدة أحكام تتعلق بعدم شرعية قرارات
الضبط اإلداري لتخلق عنصر الشكل الجوهري ،لكن الشيء المالحح هو أن هذه القرارات
3 0
المرجع السابق ،ص.209
6
د .عبد الغاني بسيوني، ) (
3 0
المرجع السابق ،ص.74
7
د .محمد الصغير بعلي، ) (
3 0
السابق ،ص.124
8
د .عمار عوابدي ،المرجع ) (
3 0
المرجع السابق ،ص.217
9
د .عبد الغني بسيوني، ) (
كلها قرارات ضبط إداري خاص ألن الشكليات الجوهرية نجدها بكثرة في ميدان الضبط
اإلداري الخاص ألنه غالبا ً ما يكون اتخاذ هذه القرارات إال بناء على تقرير تقنية تقوم
بها جهات مختصة ألزم القانون أخذ رأيها.
أما بالنسبة للمظهر الخارجي للقرار ،فقد يشترط القانون كتابة القرار من جهة
وتسبيبه من جهة أخرى.
أما بالنسبة لكتابة القرار فإذا كان األصل أنه ال يشترط أن يكون للقرار شكل
خارجي حيث يجوز أن يكون مكتوبا ً أو شفويا ً ،وقد يكون صريحا ً أو ضمنيا ً ،فإن القانون
ً()310
قد يشترط في كثير من األحيان أن يتخذ القرار شكالً معينا .
أما التسبيب ،فاألصل كذلك أن اإلدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها بحيث يفترض
صدور القرار بناء على سبب ،غير أن القانون قد يلزم اإلدارة أن تذكر أسباب القرار
المتخذ ،وبذلك عليها احترام النص القانوني في هذه الحالة وإال كان القرار معيبا ً بعيب
الشكل.
والجدير بالذكر في هذا الصدد أنه استقر لدى الفقه والقضاء في فرنسا في بداية
األمر ،أن اإلدارة ليست ملزمة بتسبيب قراراتها ،وأمام االنتقادات التي تعرض لها مبدأ
عدم التسبيب ،تعذر الوضع نحو ضرورة تسبيب القرارات اإلدارية دعما ً لشفافية العمل
اإلداري وتسهيالً لرقابة القضاء اإلداري في حالة النزاع اإلداري حولها.
أما بالنسبة لقرارات الضبط اإلداري ،فنجد أن القضاء اإلداري الفرنسي أقر بشرعية
القرار الضبطي الذي صدر شفويا ً (مجلس الدولة 9 ،يناير ) 1931غير أن سلطة الضبط
اإلداري ملزمة بإتباع الشكل الكتابي لقرارها إذا ألزمها القانون ذلك ،وخروجها عن
الشكل بعيب قرارها بعيب الشكل وبالتالي عدم شرعيته.
أما بالنسبة لتسبيب قرارات الضبط اإلداري ،فنرى أنه على سلطات الضبط
اإلداري أن تسبب قراراتها تسبيبا ً واضحا ً ،وخاصة سلطات الضبط اإلداري على المستوى
المحلي سواء نص القانون على التسبيب أم لم ينص ،وهذا نتيجة لخصوصية قرارات
الضبط اإلداري
وعالقتها بالحريات الفردية من جهة ،ومن جهة أخرى حتى يسهل على القاضي اإلداري
في حالة حدوث نزاعات تتعلق بهذه القرارات التأكد من األسباب التي حملت سلطة الضبط اإلداري
عن اتخاذ القرار ،وبذلك يصبح شكل التسبيب عنصر جوهري يستلزمه كل قرار ضبط إداري.
-2الرقابة على الشكليات القانونية
(310
)
Jean Castagne Op. Cit. p111.
األشكال الثانوية هي كل األشكال الغير مدثرة في مضمون القرار ،بحيث ال يدثر غيابها على جوهر القرار،
بمعنى أن القرار كان سيصدر بنفس الجوهر والمضمون حتى لو اتبع ذلك الشكل الذي أغفلته اإلدارة.
وفي مجال الضبط اإلداري فإن القضاء اإلداري الفرنسي قد أقر بعدم شرعية
قرارات ضبط إداري لعيب الشكل رغم كون ذلك الشكل ثانوي ،وكان ذلك فيما يخص
الشكليات العامة لنشر تبليغ قرارات الضبط اإلداري ،والشكليات الخاصة في ميدان الضبط
اإلداري العام.
فرغم عدم تأثر مضمون وجوهر قرار الضبط اإلداري بالنشر أو التبليغ ،إال أن
القضاء الفرنسي اعتبر أن عدم وجود التبليغ الكافي المددي إلى تنفيذ القرار يعيب القرار
من حيث الشكل ،وبذلك الحكم حكم مجلس الدولة الفرنسي بعدم شرعية قرارات الضبط
اإلداري الذي يكون فيها التبليغ غير كافي ،فقد قضى بعدم شرعية قرار ضبط إداري
اتخذه أحد العمد بسبب عدم كفاية التبليغ (مجلس الدولة الفرنسي 30نوفمبر) 1939
أما فيما يخص إتباع شكليات خاصة في ميدان الضبط اإلداري العام فقد ينص
القانون على إتباع شكليات خاصة ،ال يدثر عدم إتباعها على مضمون القرار لكن القانون
ألزم إتباع ذلك الشكل ومثال ذلك اللوائح المحلية الدائمة ،حيث ينص القانون المحلي
الفرنسي في المادة( )82منه على ضرورة إيداع هذه اللوائح في المحافظة بحيث ال يجوز
تنفيذها إال بعد مضي شهر من تاريخ اإليداع ،وخالل هذا الشهر ال يمكن تنفيذ هذه
الالئحة.
فرغم أن هذا الشكل ال يدثر على مضمون القرار ،ورغم بساطة هذا الشكل حيث
ال يلزم القانون إال مجرد اإليداع ،إال أن القضاء اإلداري الفرنسي اعتبر تخلف هذا الشكل
بعيب القرار وبالتالي يددي إلى عدم شرعيته (مجلس الدولة الفرنسي20 ،
311
() .
يويليو )Compagnie normande d’autobus1935
الفرع الثاني
الرقابة في الحاالت االستثنائية
تدثر الظروف االستثنائية تأثير مباشر على مبدأ الشرعية ،فيتوسع بذلك نطاقه
ليصبح أكثر مرونة وتالئما ً مع هذه الظروف ،فما يخرج من أعمال اإلدارة عن إطار
الشرعية في الظروف العادية يعد شرعا ً في ظل الظروف االستثنائية إال أنه حتى تبرز
الظروف االستثنائية عدم خروج اإلدارة عن مبدأ الشرعية ،فيتعين توافر شروط أعمال
نظرية الظروف االستثنائية أو حالة الضرورة التي شيدت من طرف القضاء اإلداري
الفرنسي حيث وضع شروط تطبيقها وبالتالي فرض رقابة على توافر هذه الشروط من
(311
)
Jean Castagne. Op. Cit. p 110.
وجود حالة تمثل خطرا ً جسيما ً يهدد المصلحة العامة أو يعوق سير المرافق العامة بحيث
ال تستطيع اإلدارة دفع هذا الخطر بإتباع قواعد الشرعية العادية ،لتعذر إتباعها أو عدم
كفايتها أو أن يكون من شأن إتباع تلك القواعد تعريض المصلحة العامة للخطر كما يجب
()312
أن تكون اإلجراءات المتخذة من جانب اإلدارة هدفها حماية المصلحة العامة .
وأخيرا ً فإن نشاط الضبط اإلداري يختلف ممارسته في الظروف االستثنائية عن
الظروف العادية ،حيث أن مواجهة الظروف االستثنائية تقتضي السرعة للمحافظة على
النظام العام ودفع األخطار ،فمن الضروري منح سلطات الضبط اإلداري بعض
الصالحيات الخاصة وإن كان يتعارض ذلك مع مبدأ الشرعية ،إال أنه يظل مع ذلك أمرا ً
قانونيا ً وشرعيا ً في إطار شرعية استثنائية وبذلك فإن لقرارات الضبط اإلداري بعض
الصالحيات الخاصة وإن كان يتعارض ذلك مع مبدأ الشرعية إال أنه يظل مع ذلك أمرا ً
قانونيا ً وشرعيا ً ،في إطار شرعية استثنائية وبذلك فإن قرارات الضبط اإلداري تتأثر بهذه
الظروف في ركن االختصاص ،وركن الشكل فما مدى هذا التأثير؟ وما هي حدود الرقابة
على هذين الركنين في ظل الحاالت االستثنائية ؟
ص.136
المطلب الثاني
الرقابة على الشرعية الداخلية
المطلب الثاني
الرقابة على الشرعية الداخلية
تتجلى األهمية القانونية لهذة الرقابه في أنها تعد مظهرا ً التساع نطاق الرقابة القضائية
على أعمال اإلدارة ،فلم تعد هذه الرقابة تقتصر على فحص المشروعية الخارجية ألعمال
اإلدارة بل امتدت إلى الكشف عن النوايا الداخلية والبواعث النفسية التي تدفع رجل اإلدارة
إلى مباشرة اختصاصه ،لذلك توصف رقابة القضاء على عيب الغاية بأنها أقصى مدى
()313
وصلت إليه الرقابة على مشروعية أعمال اإلدارة .
كما تبرز األهمية القانونية في تعلقها بهدف عمل اإلدارة حال استعمالها لسلطتها التقديرية حيث
إنه من الخطورة بمكان إطالق العنان لإلدارة في ممارستها لتلك السلطة الطليقة ،ومن هنا ظهرت
أهمية االستناد إلى عيب الغاية باعتباره قيداً على تلك السلطة وصمام أمان لحماية األفراد من تعسفها.
ولعيب الغاية أهمية أخرى من الوجهة العملية حيث أدى ظهوره كسبب من أسباب
إلغاء القرارات اإلدارية إلى زيادة مطردة في طلبات اإللغاء إذ أنه أكثر العيوب ذيوعا ً
وانتشارا ً وأكثرها وقوعا ً في العمل ،ذلك أن اإلدارة يندر أن تخالف قواعد االختصاص أو
تخرق قواعد القانون من الناحية الموضوعية ،أو تغفل الشكل الذي يتطلبه ولكنها غالبا ً ما
تتنكب جادة الصواب فتنحرف بقرارها عن الغرض الذي ألجله منحت السلطة أو أعطيت
االختصاص مستهدفة غرضا ً آخر فيصدر قرارها مشوبا ً بعيب االنحراف بالسلطة .
()314
إن خفاء عيب االنحراف بالسلطة من ناحية وصعوبة كشف القاضي له من ناحية
أخرى أدى إلى كثرة إقدام اإلدارة على ارتكاب هذا العيب والذي تكون به اإلدارة في مأمن
من إلغاء القضاء لقرارها وقد ساهم ذلك في اتساع نطاق وزيادة تطبيقات عيب اإلنحراف
بالسلطة في الحياة العملية وأضفى عليه أهمية خاصة.
الفرع األول
الرقابة على المحل
يحدث هذا العيب عند الخروج على أحكام القانون ومخالفة القواعد القانونية أيا ً
كان مصدرها سواء كان المصدر مكتوبا ً أو غير مكتوب ،وبذلك فإن النظر لهذا العيب
من زاوية شمولية ،نجده يشمل جميع العيوب التي تجعل القرارات اإلدارية باطلة ألن
مخالفة االختصاص المحدد بالقانون ،أو الخروج على الشكليات المقررة ،أو إساءة استخدام
السلطة واالنحراف بها تعتبر في جميع األحوال مخالفة للقانون.
بيد أن فقه القانون العام والقضاء اإلداري درج على استخدام اصطالا مخالفة
القانون -la violation de loi-بمعنى أضيق من المعنى السابق ،حيث ينحصر في
عبد البر ،االنحراف في اسال ال ال ال ال ال الالتعمال 1اإلجراء مجلة العلوم اإلدارية ،العدد 3ال ثاني،
3
د .عبد الفتال عبد الحليم ) (
3 1
المرجع السابق ،ص.229
5
د .عبد الغني بسيوني، ) (
أ -صدور قرار ضبط إداري تطبيقا ً لتشريع مخالف للدستور
في هذه الحالة نجد أن قرار الضبط اإلداري الذي صدر وفقا ً لتشريع مخالف
للدستور يفلت من جزاء اإلبطال لعدم الدستورية ألن القاضي يطبق التشريع ،وال يمكنه
تجاوز ذلك للبحث في دستورية التشريع من عدمه وقد عهد مفوض الدولة Latournerie
بقوله" الموقف الحالي في القانون الفرنسي بطبيعته ال يشجع على مناقشة موضوع الرقابة
على دستورية القوانين أمام مجلس الدولة".
وفي هذا الصدد يقرر األستاذ Debbachأن القضاة اإلداريون والقضائيون ال
يختصون بمسألة دستورية التشريع وال األعمال اإلدارية الصادرة على أساسه ،فالتشريع
يشكل حاجزا ً بين القاضي وبين الدستور وبذلك فالرقابة يمارسها المجلس الدستوري،
وفي حالة جمود وغموض في نص تشريعي فإن القاضي يفسره محترما ً أحكام الدستور.
ب -عدم وجود تشريع حاجز بين القاضي والدستور
في هذه الحالة ال يوجد ما يمنع القاضي من اإلعالن عن بطالن قرار الضبط
المخالف مباشرة للقواعد الدستورية ويدل على ذلك حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر
في 26أكتوبر ، 1956حيث أعلن مجلس الدولة شرعية قرار ضبط صادر برفض
رخصة ،كانت جمعية المحاربين من أجل السلم والحرية قد تقدمت بطلب الحصول عليها
بسبب أن نشاط هذه الجمعية مخالف للدستور ،حيث يتمثل هذا النشاط في استشارات
قومية واستطالع اآلراء ،وبذلك فإن هذا النشاط مخالف لنص المادة 3من دستور. 1946
حيثيات الحكم تبين أن نشاط الجمعية غير دستوري وبناء عليه فإن سلطة الضبط
برفضها لم تحترم إال القانون بقرار ضبطي مطابق للدستور وبهذا فإن مخالفة قرار
()316
الضبط اإلداري لنص في الدستور يكون غير شرعي .
-2مصر
في مصر ال حاجز أمام القضاء في تقرير وإعالن عدم شرعية عمل ضبط إداري
يخالف الدستور ويستثنى من ذلك في هذا الشأن الرقابة على دستورية اللوائح التي
اختصت بها المحكمة الدستورية العليا ،حسب المادة 25من قانون 48لسنة 1989
الخاص بالمحكمة الدستورية العليا.
إذ أبرزت ذلك محكمة القضاء اإلداري في حكم لها ،أن سمو القاعدة الدستورية
مدكدة نهج القضاء المصري .
3 1
السابق ،ص.289
6
د .حلمي الدقنوقي ،المرجع ) (
الفقرة الثانية :احترام النصوص التشريعية والتنظيمية
احترام النصوص التشريعية يعني احترام القواعد القانونية التي من بينها البرلمان،
فإذا كان من واجب األفراد احترام تلك القواعد القانونية فإن لهم حقا ً يحتم على اإلدارة
مراعاة أحكام القانون فيما يصدر عنها من قرارات تتصل بهم حيث يكون من شأن تجاهل
قرارات اإلدارة ألحكام القانون ،أو أعمال عكس مقتضاها التأثير بشكل مباشر على
الحوائز القانونية لألفراد وحقوقهم المشتقات من القانون .
وتشكل مخالفة القانون أحد األوجه أو الحاالت التي يقوم القاضي اإلداري بإلغاء
القرار اإلداري بسببها سواء كانت مخالفة مباشرة وغير مباشرة .
وزيادة على احترام النصوص التشريعية يستلزم كذلك على سلطات الضبط
اإلداري أن تحترم القواعد والنصوص التنظيمية ،إذ أن هذه النصوص تعد بمثابة تشريع
()317
فرعي لما تتضمنه من قواعد عامة ومجردة .
ويدخل ضمن احترام سلطات الضبط اإلداري في قراراتها للقواعد التشريعية
والتنظيمية ضرورة احترام قواعد التدرج العضوي والتدرج الموضوعي فيجب أن يكون
قرار الضبط اإلداري محترم للقرارات الصادرة عن سلطة عليا ،وقد قضى مجلس الدولة
()318
في هذا الخصوص قرار ضبط بلدي يناقض قرار محافح المقاطعة .
أما احترام قواعد التدرج الموضوعي فيكفي أن القرار الفردي يحسب أن يحترم
القاعدة العامة ،وهذا االحترام يفرض على سلطة الضبط أن تحترم في التطبيقات ليس
فقط القواعد العامة الصادرة من سلطة أعلى ،ولكن أيضا ً يستلزم ذلك احترام سلطة
الضبط المصدرة لقرار تنظيمي أن تحترم ذلك في التطبيقات الفردية غير أنه تجدر
اإلشارة هنا أنها يمكن لسلطات الضبط المحلية أن تخالف أو تزيد شروط خاصة لمواجهة
الظروف المحلية.
ونجد في قضاء مجلس الدولة الفرنسي أنه ألغى قرار فردي لمحافح مقاطعة يعفي
من خالله صاحب حانة من أحكام قرار تنظيمي أصدره العمدة وجاء في حيثيات الحكم
أن اتخاذ القرار من طرف المحافح ليس ممارسة لسلطته الرئاسية ،وإنما ينطوي على
اعتداء على سلطة العمدة في الضبط(مجلس الدولة الفرنسي 8 ،ديسمبر. ) 1892
()319
وإلى جانب المخالفة المباشرة لنص أو القاعدة القانونية يمكن أن توجد مخالفة
غير مباشرة تتمثل في حالة وجود خطأ في تفسير وتطبيق القانون خاصة في حالة
3 1
خليفة ،المرجع السابق ،ص.164
7
د .عبد العزيز عبد المنعم ) (
(318
)
Jean Castagne. Op. Cit. p. 120
3 1
السابق ،ص.296
9
د.حلمي الدقنوقي ،المرجع ) (
الغموض حيث يصدر القرار بناءا ً على تفسير أو تأويل خاطئ لمضمون القاعدة
()320
القانونية .
ففي هذه الحالة تكون قرارات الضبط اإلداري المتخذة بناء على تفسير أو تأويل
خاطئ للقانون غير شرعية ،وقد أعلن القاضي اإلداري الفرنسي عدم شرعية قرار رفض
الترخيص بلعبة" الروليت" المبني على نص" لعبة الكرة واأللعاب المماثلة "ألن لعبة
الروليت والكرة ليستا لعبتان متماثلتين ،كذلك عدم شرعية قرار ضبط يحظر لعبة
"الدومينو" ،ألنها ليست من ألعاب القمار أو المشابهة لها التي صدر بمنعها قرار وزير
الداخلية.
ثانيا ً -المصادر الغير مكتوبة
إلى جانب المصادر المكتوية التي تلتزم سلطات الضبط اإلداري باحترامها في
قراراتها ،توجد كذلك المصادر الغير مكتوبة التي تتمثل في المبادئ العامة للقانون واحترام
حجية الشيء المقضي فيه.
وقد عرفت المحكمة اإلدارية العليا في مصر المبادئ العامة للقانون بأنها" قواعد
غير مدونة مستقرة في ذهن وضمير الجماعة يعمل القاضي على كشفها بتفسير هذا
الضمير الجماعي العام ،وتلك القواعد المستقرة في الضمير تمليها العدالة المثلى وال
3
سابق ،ص.87
2
الوجيز في المنازعات اإلدارية ،مرجع
0
د .محمد الصغير بعلي، ) (
(321
)
Charle Debbach, droit administrative, 3 éme 1971, p. 368.
تحتاج إلى من يقررها" ،وبذلك تتميز المبادئ العامة للقانون عن المبادئ الدستورية بحيث
إذا نص الدستور على مبدأ من المبادئ العامة للقانون في متنه أصبح ذلك المبدأ دستوري
()322
مباشرة .
وال شك أن النص على المبادئ العامة للقانون في الدستور يقلل من فرص ظهورها
في أحكام القضاء ورغم ذلك فإن القضاء اإلداري الفرنسي ما زال يبني أحكامه على
مخالفة هذه المبادئ للقانون وتكون هذه القواعد القانونية غير المكتوبة في طائفتين طائفة
متصلة بفكرة الحرية واألخرى متصلة بفكرة المساواة.
3
ص.429
2
د .عاطف البنا ،الوسيط في 2القانون اإلداري ،المرجع السابق، ) (
3 2
السابق ،ص.119
3
د .طاهري حسين ،المرجع ) (
وبذلك تثار مسألة حجية الشيء المقضي فيه إذ برفض اإلدارة تطبيق الحكم الحائز
على حجية الشيء المقضي فيه ،فإنها ترتكب مخالفة تعادل مخالفة القانون ،ويجوز
لصاحب المصلحة أن يرتكز على هذه المخالفة في رفع دعواه أمام القضاء وينجر على
ذلك الطلب من القاضي بإلغاء جميع القرارات المتخذة بصورة مخالفة للحكم المنطوق
()324
به .
وفي قرارات الضبط اإلداري يكون المحل المخالف لحكم قضائي له حجية الشيء
المقضي فيه غير شرعي ،حيث نجد أن هذه الفكرة لم يضعها أي نص قانوني في القانون
الفرنسي وبذلك يمكن وصفها بأنها مبدأ عام للقانون ،وكذلك بسبب قدم هذه الفكرة وصفتها
الضرورية والمنطقية.
فقد قضى مجلس الدولة الفرنسي في عدة قضايا بعدم شرعية قرارات ضبط إداري
بحجية مخالفة حجية الشيء المقضي فيه نذكر منها:
قضية اآلنسة -Noualhier– -حيث أنها أقامت مستشفى خاص فأصدر عمدة
البلدة قرار ضبط يمنع فيه استقبال وتمريض المرضى المصابين بمرض معدي فألغى
مجلس الدولة القرار(مجلس الدولة 18مارش.) 1898
وبذلك تنتهي دراستنا للرقابة على عنصر المحل في قرارات الضبط اإلداري،
حيث يمكن القول أن عنصر المحل في قرارات الضبط اإلداري الخروج على المحل
الذي أوجبه القانون نتيجة لوضوا النصوص القانونية ،وبذلك في حالة الخروج عن ذلك
فإنه من اليسر إثبات هذا العيب ،وكذلك يمكن إرجاع ذلك إلى جانب التقييد في عنصر
المحل ،حيث قلما نجد سلطة الضبط اإلداري مخيرة بين عدة حلول ،عكس عنصر السبب
والغاية الذي يثير إشكاالت كبيرة في عملية الرقابة القضائية.
الفرع الثاني
الرقابة على عنصر السبب
3 2
السابق ،ص.200
4
د .أحمد محبو ،المرجع ) (
يشكل عنصر السبب في قرارات الضبط اإلداري سمة مميزة في عملية الرقابة
القضائية إلى جانب عنصر الغاية ألن سلطات الضبط اإلداري تصدر قراراتها بناء على
()325
سبب اإلخالل بالنظام العام ومن أجل المحافظة عليه .
وبصفة عامة فإن سبب القرار اإلداري هو الحالة الواقعية أو القانونية السابقة
على القرار أو الدافعة لتدخل اإلدارة إلصداره ،فالحالة القانونية أو الظروف المادية هي
()326
المبررة التخاذ القرار اإلداري .
فخروج تظاهرة عن الحد المعقول وتحولها إلى فوضى وشغب مما يهدد النظام
العام ،يعد سببا التخاذ قرارا ً بمنع هذا التظاهرة والتصدي لها ،وتعد رقابة القضاء اإلداري
على سبب القرار اإلداري من الضمانات األساسية الحترام مبدأ الشرعية في إصدار
القرار ذلك أن القرارات الصادرة من اإلدارة يجب أال تصدر عن الهوى والتسلط وبدون
مبرر ،بل يجب أن تصدر استنادا ً إلى أسباب صحيحة وواقعية تبرر اتخاذها ،وبالرغم
مما تحظى به الرقابة القضائية على سبب القرار اإلداري من أهمية في الوقت الحاضر
فإنها قد نشأت وظهرت في وقت متأخر لنشأة أوجه دعوى اإللغاء فقد دخل عيب السبب
()327
في قضاء مجلس الدولة الفرنسي كأخذ أسباب الطعن في أوائل القرن العشرين .
إن أسباب عمل الضبط اإلداري ،أي الوقائع التي أدت إليه يمكن أن تكون محال
لدرجات متفاوتة من الفحص القضائي ،وتشكل هذه الدرجات محتوى الرقابة على عنصر
السبب في قرارات الضبط اإلداري حيث أن القضاء اإلداري الفرنسي راقب شرعية
السبب عبر ثالثة أشكال.
R. Bonnar, précis de droit administrative, 3 émé edition, librairie générale de droit
(325
)
،1907ثم
3
مارس مجلس الدولة الفرنسال الالي 7رقابته على السال الالبب ألول مرة بمنا 2سال الالبة قضال الالية ،MONODسال الالنة ) (
وقد بدأ مجلس الدولة الفرنسي في مباشرة هذا النوع من الرقابة عندما أصدر
حكمه الشهير Gomelسنة 1914الذي كانت تدور وقائعه حول رفض اإلدارة منح
الترخيص بالبناء ألحد باعتبار هذا الميدان من المواقع األثرية ،إال أن المجلس ألغى هذا
ً()330
القرار بعد أن اتضح أن الميدان ال يعتبر موقعا ً أثريا .
في قرارات الضبط اإلداري فإن القاضي اإلداري ال يتحقق من الوجود المادي
للوقائع فقط ،بل يتحقق كذلك من أن طبيعة الوقائع الثابتة تصلح لتبرير التصرف وفقا
3 2
خليفة ،المرجع السابق ،ص.228
8
د .عبد العزيز عبد المنعم ) (
3 2
خليفة ،المرجع السابق ،ص.236
9
د .عبد العزيز عبد المنعم ) (
3 3
المرجع السابق ،ص.255
0
د .عبد الغني بسيوني، ) (
للشروط التي حددها القانون ،إذن المشكلة في التكييف هي اإلجابة على السدال هل الوقائع
الثابتة تعد إخالل أو تهديد بالنظام العام ؟
وطبعا ً فإن اإلجابة على هذا السدال ال تنسينا صعوبة التعريف بالنظام العام خاصة
في جانبه األدبي ،واألمثلة على ذلك كثيرة فهل لمشاركة القصر في المراقص العامة لها
طبيعة تخل باألخالق العامه؟! منظر طبيعي يدخل في جمال الرواء؟! مظاهرة تلحق
مخاطر بالنظام العام؟! غير أن القاضي اإلداري الفرنسي حل مشكلة التكييف بصفة نهائية
لمجموعة من األنشطة ،ويسلم في الموضوع بقرينة تخلف األسباب فيها مثل المسيرات
الدينية ،موكب جنائزي ،مسيرة خاصة بعبادة محلية ،الصالة الجماعية في مكان طلق،
فمجلس الدولة هنا أقام قرينة على أن المسيرات الدينية ال تهدد السكينة العامة.
وتجدر اإلشارة في هذا الصدد أن القضاء اإلداري الفرنسي امتنع عن التكييف
القانوني في بعض القرارات الضبطية واكتفى بالرقابة على الوجود المادي للوقائع فقط،
ففي مجال الضبط العام استثنى الرقابة على التكييف القانوني في الضبط في مادة األجانب
وكذلك بالنسبة لتدابير المنع المتعلقة بدخول وتوزيع الجرائد والمجالت األجنبية ،أما مجال
الضبط الخاص نجده قد امتنع عن التكييف في القرارات التي تتسم بطابع فني معقد يستلزم
فيه االستعانة بالخبراء ،ومن ثم التحقق من الوجود المادي للوقائع ،دون التكييف القانوني.
ففي هذا الصدد رفض المجلس التحقق من صحة وصف محلول طبي بأنه سام
وما ترتبه سلطة الضبط الخاص من منع بيعه للجمهور فقد قرر المجلس في تقرير الحالة
()331
الفنية إن الحظر أصدره الوزير بناء على تقرير لجنة فنية من أجل الصحة العامة .
-3الرقابة على القيمة الذاتية لألسباب
امتدت رقابة القضاء في كل من فرنسا ومصر في الرقابة على عنصر السبب
لتشمل –إضافة إلى ما ذكر -نقض مدى تناسب أهمية وخطورة الوقائع واإلجراء المتخذ
من قبل سلطة الضبط اإلداري ،وبذلك فإن عملية الرقابة تمتد إلى رقابة مالئمة القرار
الذي اتخذته سلطة الضبط.
فقد وجد مجلس الدولة الفرنسي أن رقابته التقليدية على سبب القرار الضبطي
المتمثلة في رقابة الوجود المادي للوقائع وتكييفها القانوني غير كافية لمواجهة الخطورة
التي قد تنجم عن القرارات المقيدة للحريات العامة ،لذلك مد نطاق رقابته إلى تقدير مدى
مالئمة إصدار القرار حيث ال يكفي إلقرار شرعيته أن يكون قائما ً على سبب موجود
ومتفق مع القانون ،بل يجب أن يكون سبب هذا القرار متناسبا مع محل ،وإال كان هذا
()332
القرار غير مشروع .
3 3
السابق ،ص.453-452
1
د .حلمي الدقنوقي ،المرجع ) (
3 3
خليفة ،المرجع السابق ،ص.244
2
د .عبد العزيز عبد المنعم ) (
فالرقابة على القيمة الذاتية لألسباب تكتسي أهمية بالغة في تقرير شرعية قرارات
الضبط اإلداري فالتدبير الضبطي يستلزم أن يكون فعال وضروري ومتناسب مع الحالة
الواقعية التي تريد سلطة الضبط مواجهتها ،أي أن يكون اإلجراء المتخذ كفيالً يتوخى
()333
االضطراب أو اإلخالل بالنظام العام .
فمن غير المنطقي أن تواجه مسيرة أو تظاهرة سلمية انقلبت إلى أعمال شغب
بسيطة ال تتعدى منطقة صغيرة يسهل السيطرة عليها باستخدام األسلحة النارية فيعتبر
هذا اإلجراء غير متناسب مع القيمة الحقيقية للسبب أو الوقائع ،فالسبب هو إخالل بسيط
بالنظام العام وقرار التصدي لها كان قاسيا ً ،في حين يمكن التصدي لذلك بطرق أخرى
كاستخدام الهروات أو الغاز المسيل للدموع.
قضاء مجلس الدولة الفرنسي يحمل العديد من التطبيقات في مراقبة القيمة الذاتية
لألسباب ،ومن أشهر هذه التطبيقات نجد التدابير المتخذة في مجال الحريات العامة والتي
تحمل اعتداء على هذه الحريات ،نذكر قضية ( BENJAMINمجلس الدولة - 13مايو
،)1933وتتلخص وقائع هذه القضية في أن عمدة بلدة منع المحاضرBENJAMIN
من إلقاء محاضرة خاصة بزعم مخاطر اإلخالل بالنظام العام التي قد يثيرها هذا االجتماع
فدفع المدعي بأن األسباب التي أبداها العمدة ال ترقى إلى حد منع االجتماع ،فأعلن مجلس
الدولة في حيثيات الحكم أنه اتضح من التحقيق أن االضطرابات المحتملة التي تذرع بها
العمدة ليست من الجسامة بالدرجة التي ال يستطيع معها حفح النظام بما للعمدة من تدابير
()334
ضبط مناسبة بدون منع المحاضرة فألغى قرار المنع .
ثانيا ً -طبيعة الرقابة على عنصر السبب
من المستقر أن القاضي اإلداري هو قاضي للمشروعية فحسب ،فهو يقضي وال
يدير ،واألساش األول الذي يحكم اختصاص القضاء اإلداري هو مبدأ الفصل بين اإلدارة
والقضاء ،ومعنى ذلك أنه حين يطلب من القاضي أن يتدخل في منازعات اإلدارة والقضاء
،أن ينطق بالقانون في هذه المنازعات وهو بذلك ال يناقش العمل اإلداري موضوع
الدعوى إال من حيث مخالفته أو مطابقته للشرعية ،دون أن يمتد بواليته إلى المالئمة
()335
اإلدارية ألن ذلك من أختصاص وظائف اإلدارة .
غير أنه كما رأينا من قبل في رقابة القضاء على عنصر السبب عن طريق
األشكال الثالثة من رقابة للوجود المادي لألسباب أو رقابة التكييف القانوني إلى أقصى
درجة الرقابة المتمثلة في رقابة ذاتية أو قيمة األسباب ،طرحت هذه الرقابة سدال حول
3 3
د .عاطف البنا ،الوسيط في 3القانون ،المرجع السابق ،ص.436 ) (
3
السابق ،ص.67
3
د .عاطف البنا ،مقالة حدود 4سلطة الضبط اإلداري ،المرجع ) (
3
د .سامي جمال الدين ،أصول 5القانون االداري ،المرجع السابق3 ،ص.299 ) (
طبيعة الرقابة على عنصر السبب في قرارات الضبط اإلداري هل هي رقابة شرعية ؟
أم رقابة مالئمة ؟
ومن أجل تحليل هذه اإلشكالية بطريقة منهجية نقسم هذه النقطة إلى فقرات كل
فقرة ندرش طبيعة الرقابة على عنصر السبب من خالل األشكال التي راقب بها القاضي
اإلداري عنصر السبب وهي الرقابة على الوجود المادي ،والتكييف القانوني لألسباب ثم
الرقابة على القيمة الذاتية لألسباب.
Ibid. p177.
(337
)
3 3
المرجع السابق ،ص.252
8
د .عبد الغني بسيوني، ) (
وفحصه لقيمة األسباب فإنه ينزلق إلى رقابة مالئمة ،وبذلك ينصب نفسه كسلطة رئاسية
()339
عليا لإلدارة .
وقد برر البعض استثناء قرارات الضبط وإخضاعها لرقابة مالئمة إنما تجد
مبررها في الرغبة األكيدة لدى القضاء اإلداري في تحقيق ضمانة لحقوق المواطنين
وحرياتهم ،ولذلك فإن سلك مجلس الدولة حيال قرارات الضبط اإلداري المحلي في فرنسا
ال تفسره أية اعتبارات قانونية ،وإنما تبرره اعتبارات عملية تتعلق في مجموعها بأن
السلطات المحلية باعتبارها سلطات منتخبة ،كثيرا ما تدفعها الظروف المحلية إلى إساءة
استخدام سلطتها إرضاء للناخبين والتجاهات الرأي العام المحلي حتى ولو كان على
()340
حساب الحريات العامة أحيانا .
فالرقابة التي يمارسها القاضي على األسباب من حيث مدى أهمية وخطورة
السبب ،وضرورة تناسبه مع تدبير الضبط الذي يجب أن يكون فعاال ومناسبا ،تدخل في
صميم عمل اإلدارة ،فمن حيث المبدأ فإن سلطة الضبط اإلداري تعرف وقت تدخلها،
ومناسبات هذا التدخل والكيفية التي تتدخل بها ،فعندما يأتي القاضي اإلداري فيما بعد
ويراجع ويمحص في ظروف اتخاذ القرار وأسبابه ،وهل كان إجراء الضبط متناسبا ً مع
الخطر ،فإنه بذلك يمارش رقابة مالئمة ويبتعد بذلك عن رقابة الشرعية.
-1قرارات ضبط إداري ال تكون فيها المالئمة شرط للشرعية ،فهناك استقالل تام بين
الفكرتين وتكون هذه القرارات شرعية حتى ولو كانت غير مالئمة ،وبذلك فإن الرقابة
على قيمة االسباب شرعية ،و األسباب التي تأخذ طابع رقابة مالئمة ال تكون لها عالقة
بالشرعية ،وبذلك يستنتج أن القاضي ال يمكنه رقابة قيمة األسباب في هذه القرارات من
زاوية الشرعية بل يتعلق األمر برقابة مالئمة.
3
حدود سلطة الضبط اإلداري ،المرجع 4السابق ،ص.69
0
د .محمود عاطف البناء، ) (
-2قرارات ضبط إداري تكون فيها المالئمة شرط للشرعية وال تكون هذه القرارات شرعية
إال إذا كان يتوفر فيها عنصر المالئمة.
فبالنسبة للنوع الثاني من القرارات فهو يتعلق باألنشطة األساسية لألفراد التي
حماها الدستور وبذلك تتأكد حماية بعض الحريات األساسية التي يطلق عليها الحريات
"المحدودة" مثل حرية الفكر والعقيدة ،وحرية عقد االجتماعات ،وفي هذه الحاالت سلطات
الضبط اإلداري ال يمكنها المساش بهذه الحريات إال في حالة الضرورة ،أما عكس ذلك
فإنها تخالف إرادة المشرع أو الدستور ،وهي من األساش فإن القاضي يفحص قيمة
األسباب من حيث خطورتها ومن حيث مالئمة التدبير مع الظروف التي اتخذ فيها القرار.
وبذلك فهو يراقب المالئمة باعتبارها شرطا للشرعية ،أي البحث في مسألة قانونية تتمثل
في الشروط الشرعية لتقييد هذه الحريات التي كفلها القانون فيمكن وصف هذه الرقابة
بأنها رقابة شرعية على القيمة الذاتية لألسباب.
أما بالنسبة للنوع األول فيجد تطبيقاته في األنشطة التي يكون لها قيمة أقل وال
تتمتع بتنظيم خاص من طرف المشرع أو الدستور ،فأسباب تدخل سلطات الضبط اإلداري
هنا تكون لها قيمة ضئيلة ومحدودة والقرارات بخصوصها ال تكون بحاجة لعنصر
المالئمة حتى تكون شرعية.
فحرية التظاهر ،والمواكب في الطرقات العامة ال تحظى بضمانة المشرع ،ففي
حالة منع التظاهر من طرف سلطات الضبط اإلداري في الطرقات العامة المشكل هنا
يطرا على أساش معرفة هذا المنع إن كان بسبب وقائع مادية أملت هذا القرار وبذلك
فإن الرقابة ال تكون رقابة بما أن القانون ترك لسلطة الضبط اإلداري اتخاذ القرار بناء
على ما تراه كافيا من األسباب التي تشكل مساش بالنظام العام ،فعند رقابة القضاء للقيمة
الذاتية لألسباب فإنه يمارش رقابة مالئمة بما أن عنصر المالئمة ال يرتبط بشرعية
القرار ،عكس الفئة األولى من الحريات المعرفة التي يوجد فيها ارتباط بين عنصر
()341
المالئمة والشرعية .
وعلى ضوء هذا التمييز بين أصحاب هذا االتجاه رأيهم فما يخص طبيعة الرقابة
على القيمة الذاتية لألسباب ،غير تفريقهم بين األنشطة التي تشكل حريات أساسية معرفة
ومحددة وأخرى لها قيمة أقل.
ونخلص مما تقدم أنه رغم االختالف حول طبيعة الرقابة على عنصر السبب من
حيث كونها رقابة شرعية أو كونها رقابة مالئمة فإنه يمكن القول أن الطبيعة المميزة
لقرار الضبط اإلداري تستدعي أن يمارش القاضي اإلداري رقابة أعمق ،ولو وصفت
بأنها رقابة مالئمة ،ألن األمر يتعلق هنا بحريات األفراد ،فالمالئمة تدخل في هذا المجال
(341
)
Jean Castagne. Op. Cit. p 187.
ضمن الشرعية ،وبذلك فإن القاضي يددي دوره اإليجابي ويمارش سلطاته الكاملة حامي
للحريات العامة والتمكين لدولة القانون.
المطلب الثالث
الرقابة القضائية على الخروج
عن الغاية من قرارات الضبط
اإلداري
المطلب الثالث
الرقابة القضائية على الخروج عن الغايه من قرارات الضبط اإلداري
إن الغاية التي يتعين تحقيقها من إصدار القرار اإلداري هي تحقيق الصالح العام
ومراعاة الهدف المحدد الذي أراد القانون تحقيقه ،حيث يجب أن يسعى مصدر القرار إلى
342والمشرع عندما يمنح اإلدارة سلطة تحقيق الغاية التي من اجلها منح سلطة إصداره( )،
إصدار القرارات اإلدارية فإنه يشترط صراحة أو ضمنا ً أن يكون الهدف منها الصالح العام،
()343
والخروج عن ذلك يعنى االنحراف في استعمال السلطة .
جاء ذكر عيب الغاية كأحد أوجه الطعن بإلغاء القرار اإلداري لمجاوزة السلطة بالمادة
العاشرة الفقرة الثانية من قانون مجلس الدولة الحالي رقم 47لسنة 1972وفق نص فقرتها
العاشرة المحددة الختصاص مجلس الدولة من أنه "يشترط في إلغاء القرارات اإلدارية
النهائية أن يكون مرجع الطعن عدم االختصاص ،أو عيبا ً في الشكل أو مخالفة القوانين
()344
واللوائح ،أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة ...الخ" .
بما أن المشرع المصري لم يعرف عيب الغاية (إساءة استعمال السلطة) ،فقد تصدى
القضاء المصري لتعريف هذا العيب ،منها على سبيل المثال :حكم محكمة القضاء اإلداري
"إن سوء استعمال السلطة نوع من سوء استعمال الحق والموظف يسيء التي قضت فيه بأنَّ :
استعمال سلطته كلما استعمل نصوص القانون ونفذها بقصد الخروج على القانون ،وبهذه
المثابة تكون إساءة استعمال السلطة ضربا ً من تعمد مخالفة القانون مع التظاهر باحترامه
فهي ال تخرج عن كونها مخالفة متعمدة ألهداف القانون ،بل وللقانون ذاته ،لتعذر التفرقة
()345
بين نصوص القانون وأهدافه" .
ويعرفه مجلس الدولة المصري بأنه" :سوء استعمال السلطة تصرف إرادي يقع من
مصدر القرار بتوخيه في إصداره غرضا ً غير الغرض الذي قصد القانون تحقيقه ،وال
مكروها أن الرئيس اإلداري إذا ما أصدر قرارا ً عن هواه متنكبا ً سبيل المصلحة العامة كان
قراره مشوبا ً بسوء استعمال السلطة" .وطبقا ً لقضاء مجلس الدولة المصري يكون هناك
انحراف في استعمال السلطة إن اتخذت اإلدارة قرارا ً لحماية أغراض غير التي قصدها
الشارع من منحها هذه السلطة ،حتى ولو كانت هذه األغراض تتصل بالصالح العام.
.401
3
الثانية ،بدون دار نشر ،1999 ،ص
4
الوسيط في القضاء اإلداري ،الطبعة
2
د .محمود عاطف البنا، ) (
جودة ،العيوب الشال ال الالكلية والموضال ال الالونية 4للق اررات اإلدارية ،د ارسال ال الالة مقارنة بال3ش ال ال الريعة
3
د .صال ال الالالل أحمد السال ال الاليد ) (
الخصومة
3
حكم محكمة القضاء اإلداري 5،الصادر بجلسة ،1949/6/7س ،43ص93؛ د .عبد الحكم فودة، ) (
اإلدارية في دعوى اإللغاء والصيغ النموذجية ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ،1996 ،ص.256
ويعرف أستاذنا الدكتور ماجد الحلو عيب الغاية "هو أن يمارش مصدر القرار السلطة
()346
التي خولها له القانون لتحقيق أهداف غير تلك التي حددها له" .
ذهب بعض الفقه الفرنسي في تعريفه لعيب الغاية إلى تمثله في استخدام سلطة معينة
عن طريق جهة إدارية ،من أجل تحقيق هدف آخر غير ذلك ألجله منحها القانون تلك السلطة.
واستطرد هذا الفقه إلى قيام عيب الغاية عند االستخدام العمدي من اإلدارة لسلطتها
لتحقيق هدف مغاير لذلك الذي ألجله منحت تلك السلطة.
هناك من الفقهاء من يفضل تعريفا ً آخر في الفقه الفرنسي للفقيه (فالين )walinلهذا
العيب يشير إلى قيامه عند استخدام اإلدارة الختصاصها ألجل غرض غير المصلحة العامة،
أو يتعلق بالمصلحة العامة ،ولكنه أجنبي عن الهدف الذي حدده المشرع إلصدار هذا
()347
القرار .
أما الفقيه موريس يعرف عيب الغاية " :هو أن تقوم سلطة إدارية في إطار أدائها
عمالً معينا ً من اختصاصها ومع مراعاتها الشكليات المقررة لهذا العمل وعدم مخالفتها
النصوص القانونية ،باستخدام سلطتها لتحقق أهداف خارجة عن األهداف التي منحت ألجلها
()348
هذه السلطة ،أي لتحقيق أهداف ال تدخل ضمن الحفاظ على الصالح العام" .
تعتبر القرارات الضبطية أكثر القرارات عرضة لإلنحراف بالسلطة وهذا نظرا ً
لما هو مخول لسلطات الضبط اإلداري من تقييد للحريات فتزيغ بذلك هذه السلطات عن
الهدف المخصص لقرارات الضبط اإلداري المتمثل في المحافظة على النظام العام،
وبذلك يشكل هذا العيب خطورة بالغة على المستوى القانوني نظرا ً لما يتسم به من خفاء
يددي ذلك إلى صعوبة كشف هذا العيب مما يغري سلطات الضبط اإلداري بارتكاب
متعمد لهذا العيب وتزيد أهمية هذا العيب خاصة في الدول التي لم ترسو بعد على معالم
دولة قانون تلعب فيها اإلدارة دور كبير ،وكذلك لم تتوصل بعد إلى إقرار نظام قضائي
إداري مستقل ومتمرش يراقب هذه القرارات من عيب االنحراف بالسلطة ،عكس القضاء
اإلداري الفرنسي ،والمصري بدرجة أقل ،حيث بلغ مجلس الدول في هذا الخصوص
مبلغا ً متقدما ً ،حيث قام بإلغاء قرارات الضبط اإلداري بسبب االنحراف بالسلطة مرتكزا ً
على الحاالت التي يمكن فيها لسلطة الضبط اإلداري أن تنحرف بالسلطة.
حيث إن القاضي اإلداري هو حقا ً قاضي المشروعية دون المالئمة وليس له إال أن يكون
كذلك ،ولكن بمعنى أنه ال يملك الحكم بإلغاء القرار اإلداري لعدم المالئمة أو الحلول محل
اإلدارة في صميم عملها ،دون أن يتعارض ذلك مع سلطته في فحص هذه المالئمة إن كان
()350
من شأن ذلك إثبات عيب من عيوب المشروعية في القرار اإلداري .
وفى هذا الصدد يتعين مالحظة أن تخلى المشرع عن تقييد اإلدارة في شأن مسألة إدارية ما،
ال يفيد حتما تمتع اإلدارة بسلطة تقديرية في الجوانب التي لم يقيدها المشرع فيها إذ من
المتصور أن يكون مرجع عدم التقييد ،هو عجز المشرع من الناحية الفنية أو القانونية عن
ذلك وليس التخلي بإرادته الحرة عن التقييد مع توافر القدرة عليه بهدف منح اإلدارة السلطة
()351
التقديرية .
ففي مثل هذه األحوال يكون من سلطة القاضي اإلداري أن يبحث عما إذا كانت هناك
قيود ترد على سلطة اإلدارة في اتخاذ القرار اإلداري محل هذه المسألة من المصادر األخرى
للقانون وخاصة في المبادئ القانونية العامة التي ال خالف على إلتزام اإلدارة بمثل التزامها
بالتشريع ،فإذا تبين للقاضي وجود بعض المبادئ التي من شأنها تقييد سلطات اإلدارة بصدد
هذه المسألة كان له إلغاء القرارات المخالفة لتلك المبادئ ،دون أن يعد ذلك تدخالً منه في
صميم عمل اإلدارة أو الحلول محل اإلدارة في ممارسة سلطتها التقديرية ،وذلك لسبب وحيد
وبسيط هو أن اإلدارة ليس لها هذه السلطة بصدد تلك المسألة ،واألمر هنا ليس أمر استثناء
يرد على قاعدة أن القاضي اإلداري قاض للمشروعية دون المالئمة ،وإنما هو مجرد انتقال
عناصر التقييد من دائرة التشريع إلى دائرة المبادئ القانونية العامة وذلك إزاء عجز المشرع
عن التدخل بتقييد اإلدارة سلفاً ،ومن ثم يحل محله القاضي بقدرته على التحديد بدال من
()352
العمومية والتجريد .
ومن ناحية أخرى فإذا تبين أن لإلدارة بشأن مسألة ما سلطة تقديرية حقيقية حيث لم
يرد في القانون بالمعنى الواسع أي قيد على هذه السلطة بصدد تلك المسألة فهنا أيضا ال يمكن
()353
التسليم بأن حرية اإلدارة في التقدير هي حرية مطلقة .
3
،1994ص.10
4
د .محمد رفعت عبد الوهاب9 ،القضاء اإلداري ،الكتاب األول، ) (
3
،1987ص.291
5
القضاء اإلداري ،قضاء اإللغاء،
0
د .سليمان محمد الطماوى، ) (
3
د .سامي جمال الدين ،قضاء 1المالئمة والسلطة التقديرية للدارة 5،مرجع سابق ،ص.33 ) (
3
على أعمال اإلدارة القضائية ،مرجع 5سابق ،ص.214
2
د .محمد كامل ليلة ،الرقابة ) (
3
د .سامي جمال الدين ،قضاء 3المالئمة والسلطة التقديرية للدارة 5،مرجع سابق ،ص.26 ) (
وعليه فإن تخلى القانون عن تقييد اإلدارة في مسألة ما ال يستتبع حتما تخلى القضاء
عن ممارسة وظيفته في الرقابة على أعمال اإلدارة المتصلة بهذه المسألة التي تتمتع اإلدارة
بشأنها بسلطة تقديرية ،فالقاضي اإلداري ال يعاقب في هذه الحالة تلك السلطة ليتأكد من توافر
كافة شروط مشروعيته.
وفى كل األحوال ليس من شأن هذه الرقابة المساش بحرية التقدير المخولة للسلطة
اإلدارية ،فعندما يطبق القاضي المبادئ القانونية العامة فإنه ال يطبقها بهدف إهدار السلطة
التقديرية لإلدارة وحرمانها من حرية التقدير تماماً ،وإنما يطبقها فقط ضمانا ً للمشروعية
وإعالء لكلمة القانون ،على سبيل المثال فإن تطبيق مبدأ التناسب بين عنصري السبب والمحل
في القرارات التأديبية مثالً ،ال يددى إلى الحرمان المطلق لحرية اإلدارة في تقدير مالئمة
هذه القرارات حيث يبقى لإلدارة مراعاة بعض الوقائع الهامة مثل السوابق التأديبية للموظف
وموقفه العائلي وحالته الصحية وهى ظروف واقعية تدثر حتما ً على مالئمة القرار التأديبي
بعيدا ً عن التناسب أو الغلو في تقدير الجزاء .
()354
وفى رأينا أنه قد حان الوقت للفصل بين مسألتي السلطة التقديرية والرقابة القضائية
عليها ،ألن دور القاضي في فحص هذا التقدير إنما يدخل ضمن حدود وظيفته األصلية في
الرقابة على مشروعية أعمال اإلدارة حيث تتحدد سلطته إزاء القرارات اإلدارية عموما ً إما
باإللغاء أو باإلبقاء فهو إذن ال يحل نفسه محل اإلدارة وال يغتصب سلطتها في اتخاذ القرار
وليس في استخالص أحد عيوب المشروعية من خالل فحص المالئمة أي مساش باإلدارة
وسلطاتها واختصاصاتها ،فالقاضي ال يقف في طريق اإلدارة وإنما يقف في طريق انحرافها
بالسلطة بهدف الحيلولة دون أن تكون هذه السلطة التقديرية سلطة تحكمية أو تعسفية أو
()355
مطلقة .
فالمسألة إذن تدور حول سلطات القاضي في دعوى إلغاء القرارات اإلدارية واألصل
فيها أن القاضي ال يملك إال إلغاء القرار اإلداري لعدم مشروعيته ،فإذا رأى اإلبقاء عليه
لمشروعيته حكم برفض الدعوى موضوعاً ،أما إذا انتهى إلى إلغاء القرار اإلداري لعدم
المشروعية فإن هذا اإللغاء يستوجب أن يشوب القرار أحد عيوب المشروعية المتصلة
()356
بعناصر القرار وهى الشكل واالختصاص والسبب والمحل للغاية .
وهكذا يحق لنا القول بأنه لم يعد سائغا ً الربط بين ممارسة اإلدارة للسلطة التقديرية
وإفالت هذه الممارسة من رقابة القضاء اإلداري ،فالسلطة التقديرية كما أكدنا سلفا ً هي سلطة
قانونية مصدرها القانون وتخضع لحدود وضوابط القانون وهي سلطة تهدف إلى التوصل
إلى القرار المالئم بصدد الموضوع محل هذا القرار إذا لم تتحقق هذه المالئمة نتيجة مباشرة
3 5
د .ماجد راغب الحلو ،القضاء 4اإلداري ،مرجع سابق ،ص.12 ) (
3
على أعمال اإلدارة القضائية ،مرجع 5سابق ،ص.210
5
د .محمد كامل ليلة ،الرقابة ) (
3
ص.56
5
د .عبد الغنى بسيونى عبدهللا 6،القضاء اإلداري ،مرجع سابق، ) (
هذه السلطة ،فإن مفاد ذلك أن تلك المباشرة لم تكن سليمة بل وغير مشروعة لعدم تحقيق
()357
الغاية منها أي مالئمة القرار اإلداري .
وهكذا فإن القضاء اإلداري يمارش من خالل وظيفته كقاض للمشروعية اإلدارية دورا ً متعاظما ً
في الحد من السلطة التقديرية للحيلولة دون تحولها إلى سلطة تعسفية ،وذلك من خالل فرض احترام
اإلدارة للمبادئ القانونية العامة عالوة على مصادر القانون األخرى بطبيعة الحال ،والتي من شأنها
سد النقص في التشريع بصدد سلطات اإلدارة في الموضوعات المختلفة.
واستنادا ً إلى ما تقدم يمكننا أن نقرر أن السلطة التقديرية لإلدارة لم تعد مرتبطة
بموقف المشرع ،وإنما باتت تعود في النهاية للقاضي اإلداري ،فهو الذي يرسم حدود هذه
السلطة بالنسبة لجهة اإلدارة ،مما يدفعنا إلى إعالن زوال مقولة أن القاضي اإلداري قاضى
مشروعية وليس قاضيا ً للمالءمة ،إضافة إلى انتهاء عصر الربط بين ممارسة اإلدارة للسلطة
()358
التقديرية ،وإفالت هذه الممارسة من رقابة القضاء .
والخالصة أن مباشرة السلطة التقديرية ال تعنى بأي حال من األحوال ارتكاب مخالفة
للمشروعية ،إذ هي في جوهرها وسيلة لتطبيق القانون وبالتالي تخضع لمبدأ المشروعية
()359
مثلها في ذلك مثل السلطة المقيدة .
الفرع الثانى
صور (حاالت) عيب الغاية في قرارات الضبط االداري
يحدث االنحراف بالسلطة في قرارات الضبط اإلداري ،عندما تستخدم سلطة
الضبط اإلداري سلطتها لتحقيق غاية غير مشروعة بعيدة عن المصلحة العامة ،وكذلك
إذا انحرفت سلطة الضبط عن اإلجراءات التي حددها القانون.
-1صدور قرار الضبط من أجل مصلحة خاصة
360فاألصل العام في القرارات اإلدارية
وهي أسوأ صور عيب اإلنحراف بالسلطة( )،
بكافة أنواعها أن تستهدف المصلحة العامة كغاية لها ،وهذه القاعدة تحكم القانون اإلداري
3
اإلداري في القانون المصري والمقارن 5،مرجع سابق ،ص.36
7
د .محمود حافظ ،القضاء ) (
بأن هذه الحالة من هذا العيب يؤدي إلى انعدام القرار وليس مجرد بطالنه ،وتعد من حاالت الخطأ الشخصي
عن األض الرار الناشالالئة عنها في أمواله الخاصالالة .المسالالتشالالار/ الذي يتحمل صالالاحب الخطأ فيها مغبة التعوي
عليوة مصطفى فتن الباب ،مرجع سابق ،ص.185
دون أن يحتاج تطبيقها إلى نص ،وعلى اإلدارة أن تلتزم بها في ممارستها ألعمالها ،ذلك
أن القانون العام لم يمنح اإلدارة السلطات واالمتيازات إال كوسائل تساعدها على تحقيق الغاية
الرئيسة وهي المصلحة العامة ،وهذا بخالف الوضع بالنسبة للقانون الخاص ،حيث تعد
المصلحة الخاصة هي الغاية التي يتوخاها كل عمل فردي ،وعلى هذا النحو ،فإنه ينبغي أال
تخرج القرارات اإلدارية عن الهدف العام المتمثل في المصلحة العامة ،وإالا يكون معيبا ً
بعيب االنحراف بالسلطة وقابالً لإلبطال عند الطعن فيه أمام القضاء اإلداري .
()361
فالغاية من منع مظاهرة أو اجتماع ليست هي الحد من حريات األفراد السياسية بل
هي المحافظة على النظام العام ،لذلك فعلى رجل اإلدارة أن يضع نصب عينيه المصلحة
العامة حين يصدر قراره وليس له أن ينحرف عنها لتحقيق منفعة شخصية أو أن يقصد
االنتقام أو تحقيق غاية سياسية أو محاباة الغير . . .الخ ،وإالا كان قراره معيبا ً بعيب اإلنحراف
بالسلطة ،واستهداف الصالح العام هو القيد الذي تخضع له اإلدارة وتلتزم به عند ممارستها
()362
ألعمالها .
وجدير بالذكر بأن جهل الموظف الذي يصدر القرار اإلداري بمقتضيات المصلحة
العامة يجعل قراره معيبا ً بعيب االنحراف بالسلطة ،وذلك رغم عدم تعلق إصداره بغاية
شخصية أو بسوء النية ،وتأكيدا ً لذلك فقد ذهبت محكمة القضاء اإلداري المصري إلى إبطال
قرار ضبط لما انطوى عليه من رفض لتجديد إقامة أجنبية بالدولة لمدة قصيرة بغرض إتمام
عالجها من مرض الروماتيزم ،بمياه حلوان المعدنية ،رغم أنه لم يكن هناك خوف من
وجودها على اآلداب أو الصحة العامة ،حيث أسست حكمها على أن مثل هذا القرار يخالف
الصالح العام المتمثل في تنشيط مجال السياحة التي تنفق عليها الدولة مبالغ هائلة ،إضافة
إلى مخالفته لمقتضيات اإلنسانية وواجب الرحمة بالمرضى ،األمر الذي يجعل القرار منافيا ً
()363
للمصلحة العامة ،مما يشوبه باالنحراف بالسلطة .
3
ص.266
6
هللا ،القضاء اإلداري ،مرجع سابق،
1
د .عبد الغني بسيوني عبد ) (
ص.137
حكم محكمة القضال ال الالاء اإلداري ،القضال ال الالية رقم ،777لسال ال الالنة 10ق ،جلسال ال الالة ،1956/12/28مجموعة أحكام
3 6 3 ) (
السال الالنة الحادية عش ال الرة ،ص ،97مشال الالار إليه لدى :د .عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،أسال الالباب قبول دعوى إلغاء
القرار اإلداري ،مرجع سابق ،ص.263
العام في تقديره ،حيث ال محل لهذا التقدير بعد أن حسم القانون ما يحقق هذه المصلحة في
()364
خصوصية موضوع هذا القرار .
وعليه قد تسعى اإلدارة الستخدام وسائل الضبط اإلداري التي في متناولها لتحقيق
365وكذلك المصري قد وقف في وجهها منفعة مالية لها ،غير أن مجلس الدولة الفرنسي( )،
لمنعها من استخدام هذه الوسائل الضبطية للحصول على منافع مالية لها.
حيث قضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء قرار أصدره عمدة أحد المدن بمنع خلع
المالبس على الشواطئ ،إال في وحدة خلع المالبس ،وذلك ألن العمدة وإن كان يملك اتخاذ
اإلجراءات التي من شأنها الحفاظ على اآلداب العامة ،فإن قراره كان يستهدف الحصول
()366
على منفعة مالية لبلدية المدينة في الحقيقة .
وعلى الرغم مما تقدم فقد تطور قضاء مجلس الدولة الفرنسي في هذا المجال حيث
قضى في بعض الحاالت بأن استهداف اإلدارة لنفع مالي ال يعد سببا ً لإلبطال ،كما في حاالت
الظروف الطارئة التي تحتم مراعاة المراكز المالية لملتزمي المرافق العامة ،إذ أخذ المجلس
بفكرة قيام اإلدارة بمساعدة المتعاقدين معها في مواجهة المنافسين من خالل استخدامها
لسلطات الضبط ،وعلى ذلك فإنه لم يحكم بإلغاء قرارات اإلدارة برغم استهدافها لمنافع مادية
()367
في هذه الحاالت .
وعليه فإن مجلس الدولة الفرنسي وكذلك المصري قد خفف من شدة هذه الحالة فيما
يتعلق بالخدمات التي تدديها المجالس المحلية طالما يتفق تحقيق المصلحة المالية مع مصلحة
المرفق والمنتفعين به ،حيث قضى مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 6يناير عام 1933بأن
القرار الصادر بقصر المرور في أحد الشوارع الحديثة على السيارات التي ال تتعدي وزنا ً
محددا ً ال ينطوي على االنحراف بالسلطة؛ ألنه يستهدف تقليل النفقات التي تتحملها هذه
()368
القرية .
وقد شهد القضاء اإلداري المصري موضوعا ً مماثالً للحالة األخيرة ،حيث كان األمر
يتعلق بالطعن في سحب ترخيص تسيير عربات أوتوبيس بمدينة السويس بناء على أن هناك
انحرافا ً بالسلطة لتحقيق مصلحة مالية للبلدية ،فقضت محكمة القضاء اإلداري برفض الطعن
3
الدعاوى اإلدارية ،مرجع سابق ،ص.6323
4
د .سامي جمال الدين، ) (
بتاري 26نوفمبر سال الالنة ،1875الذي ألغى فيها قرار اإلدارة الصال الالادر تأسال الاليس ال الاً على سال الاللطة الضال الالبط اإلداري
س ال ال ال الالليم ،بعد أن تبين أن نية اإلدارة هي المخولة لها بإغالق مص ال ال ال الالانع الثقاب التي لم تحص ال ال ال الالل على ترخي
احتكار هذه الصناعة ،مشار إليه لدى :د .وسام صبار العاني ،مرجع سابق ،ص.253
C. E. 4 Juillet 1924, Beauge, Rec. , P. 641.
(366
)
مشار إليه لدى :د .ماجد راغب الحلو ،دعاوى القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.147
3 6
جع سابق ،ص.209
7
د .طارق فتن هللا خضر ،مر ) (
مصطفى
3
القضاء اإلداري ،السنة التاسعة ،ص ،6183بند ،140مشار إليه لدى :د.
9
مجموعة أحكام محكمة ) (
3
خليفة ،أسباب قبول دعوى إلغاء القرار 7اإلداري ،مرجع سابق ،ص.327
1
د .عبد العزيز عبد المنعم ) (
3
سابق ،مرجع سابق ،ص.211
7
د .محمد رفعت عبد الوهاب2 ،أصول القضاء اإلداري ،مرجع ) (
وتطبيقا ً لذلك ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرار أحد المحافظين بعدم منح تراخيص
بناء مراكز تجارية لبعض الشركات ،إذ ثبت أن المحافح لم يستهدف بهذا القرار تحقيق
()373
مصلحة عامة ،وإنما تحقيق مصالح فردية معينة .
ج -تحقيق غرض سياسي أو حزبي
وهذه الحالة تتمثل في استخدام اإلدارة سلطاتها لتحقيق غايات ذات طبيعة سياسية
فئوية أو حزبية ال تمت بصلة إلى المصلحة العامة ،كأن تصدر اإلدارة قرارا ً بفصل أحد
الموظفين كونه ينتمي إلى حزب سياسي مناوئ للحزب الحاكم ،أو امتناعها عن قبول تعيين
مرشح لوظيفة عامة بسبب ميوله السياسية ،وبعد استبعاد القضاء اإلداري للباعث السياسي
بوصفه سببا ً يحول دون فحص مشروعية القرار اإلداري منذ الحكم في قضية "نابليون" عام
،1875أصبح مجلس الدولة الفرنسي يحكم بإلغاء القرار اإلداري المشوب بهذا العيب في
()374
حاالت كثيرة.
كما أن هذا اإلنحراف قد يجد مجاله ،ويرتكب بكثرة من طرف سلطات الضبط
اإلداري في الدول التي ما زالت فيها السلطات تخلط بين التوجه السياسي وتحقيق الصالح
العام المجرد ،فبعض الدول النامية تنتمي إلى هذا الصنف وقد تتعمد سلطات الضبط
اإلداري بإصدار قرارات تحقيقا ً ألهداف سياسية حزبية ضيقة متذرعة بالمحافظة على
النظام العام كأن يعتمد الوالي بمنع تجمع لحزب معين ،وهذا نظرا ً لتوجهات هذا الحزب
المعارضة للحزب الحاكم أو رئيس الجمهورية.
أو كأن يتخذ وزير الداخلية قرار بمنع أشخاص من الترشح لالنتخابات بحجة
خطورة هدالء األشخاص على النظام العام ،ولكن الغاية من ذلك هي دافع سياسي حيث
يشكل هدالء األشخاص منافسة كبيرة للحزب الذي ينتمي إليه وزير الداخلية.
إن مثل هذا الغرض كثيرا ما يحدث في ظل األنظمة الدكتاتورية أو شبه
الدكتاتورية حتى لو تلونت بألوان ديمقراطية ...باألخص -مع األسف -في أغلب الدول
العربية وما يزيد في الطين بلة هو وجود قضاء إداري ال حول له وال قوة تجاه الرقابة
على هذه القرارات المشوبة بعيب االنحراف بالسلطة ألغراض سياسية ،ألن القضاء في
هذه الدول ال يزال مرهون بالسياسة في مثل هذه األمور هذه حقيقة ينبغي ذكرها ومثال
الجزائر ومصر ليس علينا ببعيد.
3
سابق ،ص.272
7
الوسيط في القضاء اإلداري ،مرجع
4
د .محمود عاطف البنا، ) (
ومن األمثلة على هذا الغرض في ظل القضاء الفرنسي ،قيام مجلس الدولة بإلغاء
قرار ضبط يحضر اجتماعا ً ألن االجتماع ينظمه حزب غير الحزب الحاكم وكذلك قرار
()375
ضبط يمنع بيع جريدة في الطريق العام ألن هذه الجريدة تحمل أفكار معارضة .
وفي مصر قضت محكمة القضاء اإلداري بأن العمدة استدل على أن القرار المطعون
فيه قد صدر ألغراض حزبية ،وأن خصومه تصيدوا له هذه التهم إرضاء لرغباتهم
وشهواتهم ،ألن وزير الداخلية صدق على القرار يوم الجمعة 25يناير سنة 1952الذي
كانت تجتاز فيه البالد أحداثا ً جساما ً يستغرب معها أن يعني الوزير بمسائل العمد وما إليها
في أيام عطلة ،وترى المحكمة في هذه الشواهد وما حواه الملف من توصيات استعدادات
صادرة من بعض النواب على المدعي ما يحول دون اطمئنانها إلى توخي القرار المطعون
فيه وجه المصلحة العامة المنزهة عن الميل أو اإلنحراف ومن ثم يكون القرار قد خالف
القانون وانحرف عن سنته انحرافا ً حقيقا ً باإللغاء .
()376
-2صدور عمل الضبط ألجل مصلحة عامة ليست حفظ النظام العام أو إعادته
إن كل سلطة ينشئها القانون فإنه يحدد لها صراحة أو ضمنا ً غاية محددة ينبغي أن
تقتصر عليها ،وهذه الغاية ثابتة ال تتغير بتغير الظروف ،ومن جانب آخر فإن رجل اإلدارة
عندما يخالف الغاية المحددة لسلطته فإنه يكون منساقا ً وراء بواعث ال يمكن حصرها ،وقد
تكون هذه البواعث شريرة غير مشروعة وقد تكون محمودة تكونت تأسيسا ً على حسن
المقاصد ،ولكن ما يعنينا هنا هو عدم التوافق بين الغاية التي قررها القانون الختصاص معين
وتلك التي تسعى اإلدارة إلى تحقيقها فعالً ،ورجل اإلدارة هنا إنما يتقيد بقيدين ،األول سلبي
يتمثل في عدم قيامه بتحقيق غايات شخصية والثاني أن يلتزم حدود الغاية المخصصة
()377
لسلطته .
عندما يعهد المشرع إلى جهة إدارية معينة ببعض االختصاصات ويحدد لها األهداف
التي يتوجب عليها تحقيقها عند ممارستها لهذه االختصاصات فإن خروجها عن هذه األهداف
يعيب تصرفها بعيب االنحراف حتى وإن كانت هذه الجهة تستهدف من تصرفها أهدافا ً أخرى
تتعلق بالصالح العام .وهذا ما أشارت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ
1974/3/14م المشار إليه حيث قالت "إن عيب االنحراف بالسلطة هو من العيوب القصدية
التي يتعين على من يدعيه أن يقيم الدليل على أن جهة اإلدارة قصدت بإصدار القرار مجرد
االنتقام الشخصي أو تحقيق غرض ال يتعلق بالصالح العام أو قصد مصدر القرار لتحقيق
حكم المحكمة العليا الليبية –8طعن إداري رقم 4سال ال ال ال ال ال الالنة 20ق -7الصال ال ال ال ال ال الالادر بتاري 31974/3/14م مجلة ) (
3
سابق ،ص.212
8
) د .محمد رفعت عبد الوهاب0 ،أصول القضاء اإلداري ،مرجع (
) محكمة القض الالاء اإلداري ،في ،1955/11/171قض الالية ،3648ل8س الالنة 8ق ،المجموعة الس الالنة 3 ،10ص،33 (
مشار إليه لدى :د .سامي جمال الدين ،الدعاوى اإلدارية ،مرجع سابق ،ص.324
ص،550
3
المحكمة اإلدارية العليا ،طعن 2رقم ،1009لسال ال ال ال ال الالنة 20ق ،جلسال ال ال ال8ال الالة ،1980/2/6مجموعة قيم، ) (
مشار إليه لدى :د .علي عبد الفتال ،المرجع السابق ،نفس الصفحة.
الطماوي ،القرار اإلداري أمام مجلس8الدولة والمحاكم القض ال الالائية ،مرجع 3س ال الالابق،
3
د .س ال الالليمان محمد س ال الالليمان ) (
أخير فقد تفرض طبيعة االختصاص الممنول للدارة نوع الغايات التي يتعين عليها
.3و اً
أن تسعى إلى تحقيقها ،ومثال ذلك سلطات الضبط بطبيعتها ينبغي أن يكون الغاية
منها تحقيق أحد األهداف الثالثة ،السكينة العامة ،والصحة العامة ،واألمن العام.
ومخالفة قاعدة تخصيص األهداف تعد خطورتها أقل وأهون من حالة الخروج على
المصلحة العامة ،ألن في الحالة األولى عضو اإلدارة لم يتجاوز مجال المصلحة العامة ليعمل
على تحقيق غاية شخصية بل اقتصر على مخالفة الغاية التي حددها القانون له ،وكثيرا ً ما
تحاول اإلدارة هنا إلى تحقيق غاية ال تدخل في مجال اختصاصها تحقيقها بطرق يسهل عليها
()384
استعمالها .
فقرار الضبط اإلداري المتخذ لمصلحة عامة ولكنها أجنبية عن النظام العام ليس
كافيا ً لسلطات الضبط اإلداري لكي تأمن االنحراف بالسلطة إذ يجب أن يكون قرار
الضبط من أجل الغرض الذي حدده القانون خصيصا ً ،فقط أو إعادة النظام العام.
وقد صدرت عدة أحكام من مجلس الدولة الفرنسي في هذا المجال ومنها إلغاء
قرار المحافح والصادر بتقرير المنفعة العامة لقطعة أرض مملوكة للسيد ""BARON
وذلك لالنحراف بالسلطة حيث تبين للمجلس من الظروف المحيطة بالدعوى أن ما أعلنته
البلدية من ضرورة المحافظة على الطابع الهادف للمنطقة السكنية المجاورة لألرض ليس
من األهداف المخصصة (مجلس الدولة 16نوفمبر .(1972
كما ألغى قرار المحافح الصادر بتقرير المنفعة العامة لألرض المملوكة
للسيد" "Schauartzإلنشاء مالهي وحمام سباحة ،وذلك أن القرار ال يهدف إلى المحافظة
على الصحة العامة ،وإنما يهدف إلى تطوير أنشطة الترفيه الخاصة بالبلدية (مجلس الدولة
03أكتوبر.) 1980
وتطبيقا ً لذلك ،قضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء قرار أصدرته اإلدارة باالستيالء
المدقت عل ى قطعة أرض إلنشاء ملعب محلي عليها ،وذهب المجلس إلى أن مثل هذا
التصرف من جانب اإلدارة يمثل حيادا ً على قاعدة تخصيص األهداف ،ألن إنشاء المالعب
له طبيعة دائمية ،وعليه كان يتعين عليها اللجوء إلى إجراء نزع الملكية في حالة غياب
3
د .ماجد راغب الحلو ،دعاوى 4القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.1478 ) (
385ومنها أن اإلدارة لجأت إلى طريقة االستيالء المدقت لتقيم على أراضي
االتفاق الودي( )،
بعض المواطنين منشآت حربية غير أن المجلس ألغى القرار الصادر بهذا الخصوص ألن
()386
عليها أن تلجأ إلى إجراءات نزع الملكية .
وفي مصر قضت محكمة القضاء اإلداري بأنه حيث إن المشرع حرص على وصف
االستيالء بأنه مدقت تميزا ً له عن نزع الملكية ومن حيث أن الحكومة أصدرت القرار
المطعون فيه باالستيالء ،مدقتا ً على أرض المدعيات تمهيدا ً لنزع الملكية على ما جاء في
دفاعها ،فاتجاهها واضح بأن وضع يدها منذ البداية بصفة دائمة ،وسبيل ذلك إنما يكون
باستصدار مرسوم خاص بنزع الملكية ،أما االتجاه إلى نظام االستيالء المدقت فهو اتجاه
غير سليم ،ويجافي ما استهدفه الشارع من هذا النظام ،ومن ثم فيكون قرار اإلدارة في هذا
الشأن مشوبا ً بعيب الغاية .
()387
وفي القضاء اإلداري المصري ،نجد إلغاء المحكمة اإلدارية العليا لقرار ضبط
بإغالق سوق خاصة يوم اإلثنين من كل أسبوع ،ذلك أن القرار مصاب بعيب االنحراف
بالسلطة ألن القرار كان يستهدف رواج سوق مجلس قروي أصابه الركود.
كذلك ألغت قرار ضبط تضمن ترخيص سوق عمومي يستهدف مصلحة مالية
بتخويل المرخص له تحصيل مقابل إشغال الطريق العام للمجلس المحلي .
وتجدر اإلشارة هنا إلى أن مجلس الدولة الفرنسي منذ عام 1930اتجه نحو تقرير
مبدأ جديد يتعارض مع ما سبق أن أرساه ،حيث أعلن المجلس في أحكام عديدة أن حماية
المصلحة المالية للهيئات العامة ال تولد اإللغاء النحراف السلطة وقد ظهر هذا المبدأ
باألخص في مجال النقل العام وتدخل اإلدارة في إدارة المشروعات حيث في مجال النقل
أقر المجلس بخصوص إحدى القضايا بأن القرار الصادر بقصر المرور في إحدى الطرق
على النقل العام التي ال تزيد على ثقل معين وذلك حماية للتلف غير العادي الذي يصيب
()388
هذا الطريق إنما هو قرار مشروع .
-3االنحراف باإلجراءات
(385
)
C. E. , 26Jullet, 1947. , Consant de cant R. P. , P. 453.
مشار إليه لدى :د .علي عبد الفتال ،مرجع سابق ،ص.410
3 8
بالل أمين زين الدين ،مرجع 6سابق ،ص.409 ) (
القضالالاء اإلداري ،السالالنة الرابعة ،ص ، 881مشالالار إليه لدى :عبد هللا بن سالالالم بن ناصالالر المحروقي ،مرجع سالالابق،
ص.66
(388
)
Jean Castagne Op. Cit. p. 130.
ويقصد به استعمال بعض اإلجراءات اإلدارية مكان إجراءات أخرى ملزمة باتخاذها،
()389
وذلك للوصول إلى الغرض الذي تريد تحقيقه .
وقد عبر جانب من الفقه عن هذا النوع من االنحراف تحت عنوان "غرض عام منوط
برجل اإلدارة تحقيقه ولكن بوسائل محددة" وعده حالة من حاالت االنحراف عن قاعدة
تخصيص األهداف ،ووفقا ً لهذا الجانب فإن االنحراف باإلجراء يتمثل في استعمال رجل
ً()390
اإلدارة في سبيل تحقيق هدف عام منوط به تحقيقه وسيلة غير المقررة قانونا .
ومن ثم فإن فكرة االنحراف باإلجراء تتمثل في استخدام اإلدارة إجرا ًء إداريا ً لتحقيق
هدف ال يمكن تحقيقه إال باستخدام إجراء إداري آخر ،وعلى ذلك فإنه يشترط لتحقيق
االنحراف باإلجراءات من قبل اإلدارة توفر عدة شروط وهي:
أن يكون هناك إجراءان إداريان ،وذلك شرط منطقي طالما أن االنحراف باإلجراء
هو استخدام إجراء بدالً من اآلخر .
()391
أن يترتب على هذين اإلجراءين اآلثار القانونية نفسها ،أو على األقل آثار قانونية
متقاربة.
أن تكون شكليات اإلجراء الذي استخدمته اإلدارة بدالً من اإلجراء القانوني السليم
أقل تعقيداً.
لذلك فقد تستخدم اإلدارة إجراءا ً إداريا ً غير اإلجراء القانوني السليم لتبتعد عن
الشكليات القانونية المعقدة ،أو بهدف كسب الوقت ،أو التحايل على قواعد االختصاص ،وقد
تهدف اإلدارة من ذلك الهروب من رقابة القضاء أو إلغاء بعض ضمانات األفراد.
وتبدو أهمية االنحراف باإلجراء في أنه يكشف بسهولة وبوضوا عن عيب االنحراف
بالسلطة دون الحاجة إلى البحث عن مقاصد متخذ القرار وغاياته ،حيث إن االنحراف
()392
باإلجراء يشكل الدليل الموضوعي على االنحراف بالسلطة .
كما أنه ينطوي على إخالل مزدوج بالقانون بمعناه الواسع ،فمن ناحية يتضمن إخالالً
بالنص الذي أنشأ اإلجراء الذي استعملته اإلدارة ،ومن ناحية أخري إخالالً بالنص الذي يقرر
عاطف البنا،
3
مرجع سالالابق ،ص .179محمود
8
صالالالل أحمد جودة ،الشالالكلية 9والموضالالونية للق اررات اإلدارية، ) (
الوس ال الاليط في القض ال الالاء اإلداري ،مرجع س ال الالابق ،ص .407يعقوب يوس ال الالف الحمادي ،القض ال الالاء ومراقبة الس ال الاللطة
التقديرية للدارة ،مرجع سابق ،ص.225
3
مرجع سابق ،ص.344
9
سليمان محمد الطماوي ،نظر0ية التعسف في استعمال السلطة، ) (
اونة ،القرائن القضالالائية إلثبات عدم مشال9الرونية القرار المطعون به ،د ارسالالة 3مقارنة،
1
مصالالطفى عبد العزيز الطر ) (
في قرارات الضبط اإلداري نجد أن سلطات الضبط اإلداري تستخدم إجراءات
مشروعة من أجل حفح النظام العام أو إعادته ،ولكن هذه اإلجراءات غير خاصة بالحالة
التي استخدمت فيها ،فااللتواء يكون في توجيه اإلجراءات إلى قرار غير المخصص لها.
ويظهر اإلنحراف باالجراءات عندما تستعمل االدارة إجراءات الضبط القضائي
لتحقيق أهداف الضبط اإلداري ،حيث قد تلجأ اإلدارة في بعض األحيان إلى استعمال
إجراءات الضبط القضائي لتحقيق أحد أهداف الضبط اإلداري المتصلة بالنظام العام.
غالبا ً ما يرتكب هذا النوع من االنحراف فئة المحافظين( )،
395بما يملكون من
صالحيات هدفها حفح النظام العام أو إعادته إلى نصابه ولكن باستخدام إجراء ضبطي غير
الذي يجب إ ِت اباعه لتحقيق ذلك الهدف.
الفرع الثالث
سلطة القاضي اإلداري فى مراقبة
الهدف من إجراء الضبط اإلداري
يتعين أن يكون اإلجراء الذي تتخذه اإلدارة لمواجهة الظروف االسححححححتثنائية مالئما ً
ومناسححححححبا ً لمتطلبات هذه الظروف()،
396إذ ال معنى لشححححححطط اإلدارة في تصححححححرفها بما يجعلها
تضحححي بمصححلحة األفراد في سححبيل المصححلحة العامة إال بمقدار ما تقتضححيه الضححرورة ،وإذا
حدث ظرف اسححححححتثنائي وكانت هناك قواعد قانونية أو دسححححححتورية قادرة على مواجهة هذا
الظرف فإنه ينبغي اللجوء إلى هذه القواعد ،أما إذا لم تكن هناك نصححححححوص قانونية قادرة
على مواجهة هذا الظرف ،ففي مثل هذه الحالة يجب اللجوء إلى نظام قانوني اسححححححتثنائي
لتفادي هذا الظرف على أن يتم ذلك تحت رقابة القضاء اإلداري .
()397
3
خالد سيد حماد ،حدود الرقابة 3القضائية على سلطة اإلدارة التقدي 9رية ،مرجع سابق ،ص.577 ) (
.220
3
عبد العزيز عبد المنعم خليفة 4،االنحراف بالسلطة كسبب إللغاء 9القرار اإلداري ،مرجع سابق ،ص ) (
د .عاشالالور س الالليمان ش الوايل ،م5سالالؤولية الدولة عن أعمال الضالالبط 9اإلداري في القانون الليبي المقارن3 ،المرجع ) (
الس ال ال ال الالابق ،ص .614طارق فتن هللا خض ال ال ال الالر ،دعوى اإللغاء ،مرجع س ال ال ال الالابق ،ص212؛د .ماجد راغب الحلو،
القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.399
جعفر ،الوسالاليط في القانون العام ،الق9ضالالاء اإلداري ،الطبعة الثانية ،دار 3النهضالالة
6
انظر :د .محمد أنس قاسالالم ) (
وفي هذا المجال قررت محكمة القضححححححاء اإلداري المصححححححرية في حكمها بتاريخ 3
يوليو ..." 1969غير أن هذا ال يمنع جهة اإلدارة من ...وأن تتخذ من التدابير الضحححرورية
والمجدية ما تدفع به خطرا ً محققا ً يهدد النظام العام الضححححححبطي في أحد مدلوالته الثالثة
المعروفة ،وهي األمن العام أو الصححححححة العامة أو السحححححكينة العامة ،ولو أدى ذلك إلى تقييد
بعض الحريات العامة بالقدر الذي يتناسححححححب مع دفع هذا الخطر ،وبحيث تقدر الضححححححرورة
بقدرها دون إفراط أو تفريط" .
()399
العليا ،طعن إداري رقم 2657لسال ال ال ال الالنة 499ق ،جلسال ال ال ال الالة 2فبراير3 ،2005 ،مجموعة
8
انظر :المحكمة اإلدارية ) (
القوانين والمبالالادئ القالالانونيالالة ،16 ،المبالالادئ الهالالامالالة في أحكالالام المحكمالالة اإلداريالالة العليالالا،2006 ،2005 ،2004 ،
ص.408
اإلداري في القضالالية رقم 1288لسالالنة16 9ق ،الصالالادر بجلسالالة 3يونيو ،19593
9
انظر حكم محكمة القضالالاء ) (
مجموعالالة أحكالالام محكمالالة القض ال ال ال ال ال ال الالاء اإلداري في الفترة من أول أكتوبر عالالام 1966إلى آخر سال ال ال ال ال ال الالبتمبر ،1969
ص.741
وأن يكون الغرض من النظام القانوني تحقيق الم صلحة العامة :الم صلحة العامة هو
شحححححرط جوهري في كل األعمال التي تصحححححدر عن اإلدارة سحححححواء أكانت ظروف العادية أم
اسححححتثنائية وإن أي عمل تتخذه اإلدارة يجب أن يقصححححد به تحقيق مصححححلحة عامة وأال تكون
الغاية منه الوصول إلى تحقيق أغراض شخصية ،فإذا ما أخلت اإلدارة واستعملت سلطتها
الواسحححححعة في أي هدف أخر من أهداف المصحححححلحة العامة كان تصحححححرفها مشحححححوبا ً بانحراف
السلطة.
فيجب أن يكون تحقيق المصححححححلحة العامة هو رائد اإلدارة والغاية النهائية من وراء
اإلجراءات التي تتخذها في هذا الظرف ،بحيث إذا اسححححححتهدفت من تلك اإلجراءات تحقيق
غاية أخرى ،عدت جميع تلك اإلجراءات غير مشححححروعة ،فإذا انتهت الظروف االسححححتثنائية
تعين على اإلدارة اتباع القواعد المشروعية العادية ،فوجود ظرف استثنائي ال يعني وجوب
تطبيق القواعد االسححتثننائية خارج حدود التشححريعية ،بل البد من توفر شححرط المصححلحة التي
تبرر اتخاذ هذه اإلجراءات .
()400
بمعنى آخر يعد عنصر الهدف في القرارات اإلدارية هو األثر البعيد ،والنهائي ،وغير
المباشر للقرار اإلداري الصادر ،ويجب -كأصل عام -أن تستهدف جميع القرارات اإلدارية
المصلحة العامة كغاية لها ،ويعد تلك القاعدة العامة التي تحكم القانون اإلداري ،والتي تطبق
()401
بدون نص ،وتلتزم بها اإلدارة وفق قاعدة تخصيص األهداف .
وتعد الغاية الحد الفاصل بين ما يعد سلطة تقدير مشروعة ،وبين ما يعد سلطة تعسفية
غير مشروعة ،فهي المعيار الدال على وجود عيب في القرار اإلداري ،والعيب الذي يلحق
()402
بهدف القرار ،هو عيب اإلنحراف في استعمال السلطة .
وفي مجال الضبط اإلداري ،فإن الهدف الذي يجب أن تتوخاه إجراءات الضبط
اإلداري ،هو المحافظة على النظام العام ،وعلى ذلك فإن اإلنحراف بالسلطة في إجراءات
الضبط اإلداري يتمثل في استهداف عرض غير النظام العام ،سواء كان هدفا ً بعيدا ً عن
الصالح العام أم كان من أهداف المصلحة العامة ،ولكنه يغاير النظام العام.
وعلى ذلك ،إذا كان إجراء الضبط اإلداري يهدف إلى حماية النظام العام في أحد
عناصره فإنه يكون مشروعاً ،أما إذا انحرفت سلطات الضبط اإلداري عن هذا الهدف
المخصص لها ،وأبلغت تحقيق أهداف أخرى مغايرة ألهداف الضبط اإلداري ،ففي هذه
الحالة يكون إجراء الضبط اإلداري مشوبا ً بعيب اإلنحراف بالسلطة ،وجدير باإللغاء .
()403
4
شرل القانون اإلداري ،بدون ذكر دار 0النشر ،بغداد ،1949 ،ص.37
0
انظر :د .مصطفى كامل، ) (
4
اإلسكندرية ،2010 ،ص196
0
د .ماجد راغب الحلو ،القضاء 1اإلداري ،دار الجامعة الجديدة، ) (
4
الجديدة ،اإلسكندرية ،2011 ،ص.67
0
د .محمد رفعت عبد الوهاب2 ،مبدأ المشرونية ،دار الجامعة ) (
د .محمد رفعت عبد الوهاب3 ،أصال الالول القضال الالاء اإلداري ،قضال الالاء 0اإللغاء ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسال ال4الكندرية، ) (
،2014ص.213
وفي هذا الصدد ،نجد القاضي قد وسع من نطاق رقابته على ممارسة اإلدارة لسلطات
الضبط اإلداري ،بعد أن كان يسمح لها في سلطات تقديرية وساعة في ذلك المجال ،فهو يقوم
بدراسة كافة الظروف والمالبسات التي أحاطت باستخدام اإلدارة لسلطة الضبط اإلداري،
وذلك بهدف التحقق من أنها قد استخدمت في موضعها الصحيح ،فإذا لم تمارش سلطتها من
()404
أجل تحقيق النظام العام ،كانت قراراتها غير مشروعة ،لإلنحراف بالسلطة .
وتجدر اإلشارة إلى أن القانون العماني قد خول السلطة المختصة بشرطة عمان
السلطانية ،صالحية الموافقة على منح األجنبي إقامة داخل السلطنة ،وتجديدها بعد انتهاء
مدتها ،إذا ما توافرت في الطلب الشروط واإلجراءات المقررة لذلك ،كما منحها أيضا ً سلطة
رفض منح هذه اإلقامة أو تجديدها ،وذلك دون اشتراط إبدائها ألي سبب من أسباب الرفض،
وهو ما يعني أنها تتمتع بسلطة تقديرية في هذا الشأن سواء بالمنح أو الرفض ،إال أنه ال
ينبغي أن نفهم من ذلك أن هذه السلطة مطلقة بال قيد يحدها ،وإنما تخضع إلى رقابة القضاء،
للتحقق من عدم إساءة استعمالها ،فال يجوز الربط بين سلطة اإلدارة في عدم إبداء اسباب
رفض منح اإلقامة أو تجديدها ،وقيام عيب التعسف في استعمال سلطتها في رفض منح
شخص لهذا الحق دون آخر ،وإنما يجب أن نعلم أن الرفض ال يكون إال في إطار ما يقتضيه
الصالح العام للدولة ،والمحافظة على أمنها ،وسيادتها واحترام النظام العام واآلداب فيها.
وقد أتيح لمحكمة القضاء اإلداري العمانية أن ترسم ضوابط الحدود المشتركة لهذا
المبدأ ،فقد قضت تعليقاً ،لذلك أنه .... " :تبين أن عاملة المستأنف ضده دخلت السلطنة ألول
مرة بتاريخ 2007/1/4م باسم ...تحت كفالة أحد المواطنين ،وبتاريخ 2007/3/14م،
هربت من مقر عملها بالمخالفة ألحكام القانون ،فصدر بحقها بالغ هروب من قبل وزارة
القوى العاملة ،وبعد ضبطها من قبل فريق التفتيش المشترك تم ترحيلها بتاريخ ،2008/9/8
ثم أدرج اسمها في قائمة األشخاص غير المرغوب في دخولهم السلطنة ،مما حدا بها أثناء
وجودها في بلدها باستخراج سفر جديد غيرت فيه اسمها إلى ،...كما غيرت تاريخ ميالدها
إلى 1977/10/15م ،وبذلك تمكنت بتاريخ 2009/1/1م من العودة للسلطنة بعد أن حصلت
على تأشيرة عمل لدى المستأنف ضده بموجب جواز سفرها الجديد ،إال أنه أثناء الشروع في
إجراءات تجديد إقامتها ،التي انتهت بتاريخ 2011/1/1م تم اكتشاف أمرها عن طريق
البصمة العشرية ،فرفضت الشرطة طلب تجديد اإلقامة ،فيكون قرار الشرطة برفض هذا
الطلب في محله ،وقائما ً على سبب صحيح من الواقع والقانون .
()405
المالئمة األمنية لمش ال ال الالرونية ق اررات ال0ض ال ال الالبط اإلداري ،رس ال ال الالالة دكتوراه4 ،أكاديمية
4
طارق س ال ال الاليد أحمد حس ال ال الالن، ) (
مجموعة المبادئي التي قررتها المحكمة للعام القضائي الثاني عشر سنة ،2012ص.657
نقالً عن د .صالالن بن على بن سالالم الصالوعي ،الرقابة اإلدارية والقضالائية على الق اررات اإلدارية ،د ارسالة مقارنة ،
رسالة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة االسكندرية ،2017 ،ص.346 ،345
ويتفق الباحث مع ما ذهبت إليه محكمة القضاء اإلداري العمانية في هذا الطعن ،إذ
ال شك في أن قيام أحد األجانب بالهرب من مقر عمله السابق داخل الدولة المستقبلة،
واستشعار السلطة العامة لخطورته على األمن العام ،ومن ثم القيام بترحيله ،ثم قيامه بتغيير
بياناته بهدف خرق نظام الحاسب اآللي لنظام شرطة المطارات ،والدخول إلى الدولة التي
قامت بترحيله من جديد ،يشكل مخالفة جسيمة للنظام العام ألي دولة ،ألنه يجب على كل
أجنبي مقيم في أي دولة ،أن يحترم قراراتها ،فإن لم يراع مثل هذه القواعد القانونية ،حق
للسلطة اإلدارية المختصة أن تبعده عن البالد ،سواء بإلغاء إقامته أم بعدم تجديدها.
وتصير إجراءات الضبط اإلداري من منظور القاضي اإلداري مشوبة بعيب
اإلنحراف بالسلطة في عدة حاالت ،أولها :أن يستهدف عمل الضبط غاية خاصة ،ففي هذه
الحالة تقصد هيئات الضبط اإلداري غايات ال تدخل في المجال المقررة لحفح النظام العام،
بحيث يكون تدخلها لتحقيق أغراض خاصة كاستهداف المصلحة الشخصية ،وذلك لتحقيق
نفع شخصي ،أو االنتقام ،أو الكيد ،أو المحاباة ،او التنكيل ،أو لتحقيق أغراض سياسية ،أو
حزبية ،وإلى غير ذلك من األغراض ،ال تتعلق بالنظام العام من بعيد أو من قريب.
وتتضح الحالة الثانية ،عندما يستهدف إجراء الضبط اإلداري مصلحة عامة ،ليست
من النظام العام ،فإذا كان اإلنحراف بالسلطة يقع حينما يحيد رجل اإلدارة بقرار عن تحقيق
المصلحة العامة ،فإنه يصيب هذا القرار أيضا ً ذات العيب ،بالرغم من أن رجل اإلدارة قصد
به تحقيق مصلحة عامة ،وذلك حين يخصص المشرع أهدافا ً بذاتها ،يتعين لكي يكون القرار
مشروعاً ،أن يبتغيها ،وإال غدت مشوبة باالنحراف بالسلطة ،لمخالفة قاعدة "تخصص
()406
األهداف" ولو كان القرار يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة .
وعليه ،ال يجوز لإلدارة أن تخالف الهدف الخاص للعمل اإلداري ،فإذا تصرفت
اإلدارة تصرفا ً كانت غايته على خالف الغاية الخاصة المقررة له قانوناً ،كان قرارها معيباً،
يستوجب اإللغاء ،ولو كانت الغاية التي يرمى إليها تحقيق المصلحة العامة.
وينطبق ذات الحكم على أعمال الضبط اإلداري ،فسلطات الضبط اإلداري يفترض
فيها أن تمارش سلطتها ،فإذا ما استخدمت هذه السلطة ،لتحقيق أغراض أخرى ،كانت
قراراتها غير مشروعة لإلنحراف بالسلطة.
تطبيقا ً لذلك قضى مجلس الدولة الفرنسي في قضية عيدان الثقاب ،بإلغاء قرار غلق
مصنع ،لما ثبت له أن غايته ليس تحقيق النظام العام ،وإنما مساعدة اإلدارة ماليا ً وتتلخص
وقائع هذه القضية في أن الحكومة الفرنسية احتكرت صناعة الثقاب ،ولضمان عدم المنافسة
من المصانع األخرى ،قامت بإغالق المصنع ،يدخل دلك في نطاق النظام العام الذي تختص
بتحقيقه سلطة الضبط .وأيضا ً قضى مجلس الدولة بإلغاء قرار العمدة بالحظر على خلع
الجامعي،
4
إللغاء الق اررات اإلدارية ،دار الفكر
0
عبد العزيز عبدالمنعم خليفة6 ،اإلنحراف بالسال ال ال ال ال ال الاللطة كسال ال ال ال ال ال الالبب ) (
4
د .صالن بن علي الصواعي 7،رسالة دكتوراه ،مرجع السابق ،ص.3470 ) (
ممدول عبد المجيد س ال الاللطان8 ،الض ال الالبط اإلداري ،د ارس ال الالة مقارنة ،ر0س ال الالالة دكتو ارة ،أكاديمية الش ال الالرطة،20014 ، ) (
ص.318
عام المديرية العامة للتربية والتعليم ....غير قائم على ما يبرره مخالفا ً ألحكام القانون ومشوبا ً
()409
بعيب إساءة استعمال السلطة .
ويستنتج مما تقدم ،أنه إذا كان في وسع اإلدارة التحلل من بعض قواعد المشروعية،
في ظل الظروف االستثنائية ،كلما تعلق األمر بشكل ،ومحل القرار اإلداري ،أو قواعد
االختصاص ،فإنه ليس لها أن تنحرف بسلطاتها ،ولو في ظل الظروف االستثنائية ،حيث إن
االنحراف بالسلطة يمثل انتهاكا ً للمصلحة العامة ،ونظرية الظروف االستثنائية ما تقررت
إال بمقصد حماية المصلحة العامة.
حكم محكمة القض ال ال الالاء اإلداري 9العمانية ،االس ال ال الالتئناف ،رقم 0،300لس ال ال الالنة 12ق.س ،جلس ال ال الالة ،20124 /5/28 ) (
مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة للعام القضائي الثاني عشر سنة ،2012ص.699 ،698
نقالً عن د .صالن بن على الصواعي ،ص.349
المبحث الثالث
ضمانات األفراد تجاه قرارات
الضبط اإلداري المعيبة
المبحث الثالث
ضمانات األفراد تجاه قرارات الضبط االداري المعيبة
الغرض األساسي للرقابة القضائية هو حماية األفراد ،وذلك بإلغاء قرارات االدارة
غير المشروعة والتى تكون سببت ضررا ً لألفراد ،حيث أن دعوى اإللغاء ليست دعوى بين
خصوم ،بل هي موجهة ضد قرار صادر عن سلطة إدارية بإرادتها المنفردة بقصد التوصل
إلى إلغائه ،وال يملك القاضي سوى سلطة إلغاء القرار إذا تبين له عدم شرعيته ،أو رفض
الطلب إذا ثبت له أنه سليم من الناحية القانونية ،أو عدم قبوله إذا انتفت إحدى الشكليات
()410
الالزمة لرفع الدعوى .
كما تهدف الرقابة القضائية الى الحكم بالتعويض عن الضرر الذى يمس االفراد من
411وهذا يكون بمقتضى دعوى جراء سير المرافق العامة أو بفعل تصرفات اإلدراة( )،
القضاء الشامل فهي خصومة قائمة بين طرفين ،يدعي أحدهما أنه وقع المساش بأحد مراكزه
الذاتية أو الشخصية ،ويملك فيها القاضي سلطات واسعة من أجل إرجاع الحق لصاحبه
()412
وتقرير التزامات على الطرف اآلخر .
من خالل ما سبق يظهر لنا أن هناك اختالفا ً واضحا ً بين دعوى اإللغاء ودعوى
القضاء الكامل ،مما يسمح بتمييز كل منهما عن األخرى.
وبالرغم من هذا االختالف ،فإن القرار اإلداري يكون في بعض األحيان قاسما ً
مشتركا ً بينهما ،وذلك في الحالة التي يترتب فيها عن القرار المطعون فيه بعدم المشروعية
()413
ضرر ما .
بحيث يكون قضاء اإللغاء مختصا بالبت في مشروعية القرار ،والقضاء الكامل
مختصا ً ببحث مسدولية اإلدارة عن الضرر الناتج عن القرار،عندما يطعن أحد األفراد على
القرار اإلداري فإنه يهدف من الطعن إلغاء القرار اإلداري لعيب الغاية ،والحصول على
التعويض عندما تتوافر مسدولية اإلدارة ،هذا يجعلنا نبحث في مفهوم دعوى اإللغاء ودعوى
القضاء الكامل لمعرفة الضمانات التي يكفلها القانون لألفراد لتحقيق المشروعية في القرارات
()414
اإلدارية .
4
على أعمال اإلدارة القضائية ،مرجع 1سابق ،ص.52
0
د .محمد كامل ليلة ،الرقابة ) (
168
4
عليها ،مرجع سابق ،ص -167
1
التقديرية للدارة ومدى رقابة القضاء
1
حمد عمر حمد ،السلطة ) (
الجامعية،
4
األعمال اإلدارية ،دار المطبوعات
1
د .إب راهيم عبد العزيز شيحا2 ،مبدأ المشرونية كضابط لصحة ) (
4
سابق ،ص.262
1
على أعمال اإلدارة القضائية ،مرجع
5
د .محمد كامل ليلة الرقابة ) (
BAILLEUL David, L'efficacité comparée des recours pour excès de pouvoir et de
(417
)
plein contentieux objectif en droit public français, Éd. L.G.D.J, 2002, p. 30 et suiv.
4 1
د .محمد حسنين عبد العال8 ،مرجع سابق ،ص.125 ) (
4 1
مرجع سابق ،ص.45
9
د .بالل أمين زين الدين، ) (
محمد علي عطا هللا ،اإلثبات بالقرائن فى القانون اإلداري والشريعة اإلسالمية ،مرجع سابق ،ص.631
العامة والخاصة إللغاء القرار االداري المشوب باإلنحراف فى استعمال السلطة ،وهذا
يقتضي تقسيم هذا المطلب إلى فرعين وذلك على النحو اآلتي :
4
أبو بكر أحمد النعيمي ،حدود 1القضاء اإلداري في دعوى اإللغاء ،2مرجع سابق ،ص .27 ) (
4
اإلداري دراسة مقارنة ،دار النهضة 2العربية ،القاهرة 1993م ،ص6
2
محمود محمد حافظ ،القرار ) (
4
النظرية العامة للقانون اإلداري ،مرجع2سابق ،ص525
3
محمد رفعت عبد الوهاب، ) (
تعبير اإلدارة عن إرادتها المنفردة بقصد إحداث أثر قانوني معين ،وحتى وإن لحق بهذا
القرار عيب يتعلق بشروط صحته التي تجعله قابالً لإللغاء .
()424
وبذلك فإن القرار اإلداري باعتباره عمالً قانونيا ً يصدر عن اإلرادة منفردة من جانب
425وحيث يفترض السلطة اإلدارية ،سواء كان التعبير عن هذه اإلرادة صراحة أو ضمنا ً( )،
المشرع في بعض األحوال أن سكوت اإلدارة يعتبر بمثابة إعالن عن إرادتها على نو معين،
أي يعتبر ذلك قرارا ً إداريا ً بالموافقة أو الرفض وذلك حماية لألفراد من عنت اإلدارة
وتعسفها()426ومن أمثلة ذلك القرار الضمني بقبول االستقالة التي مضى على تقديمها أكثر
من ثالثين يوما ً دون صدور رد صريح من جانب اإلدارة ،وكذلك القرار الضمني برفض
التظلم الذي مضي على تقديمه ستون يوما ً دون إجابة من السلطة المختصة.
وكون القرار اإلداري قانونيا ً يعني عدم جواز الطعن باإللغاء في األعمال المادية
427ومن ثم فهو ال يعدالتي تصدر عن اإلدارة ،ألن العمل المادي ال تترتب عليه آثار( ) ،
قرارا ً إداريا ً حتى وإن رتب القانون عليه آثارا ً قانونية فإن تلك اآلثار تعتبر وليدة اإلدارة
()428
المباشرة للمشروع وليست وليدة إرادة األدارة .
وأيضا يتميز القرار اإلداري عن العقد اإلداري الذي ينشأ عن التقاء إرادة اإلدارة
مع إراد ة المتعاقد معها بشروط معينة ،وبذلك فإنه ال يجوز الطعن باإللغاء في العقد
429إال أن ما تصدره اإلدارة من قرارات قابلة لإلنفصال بهدف التمهيد إلبرام اإلداري( )،
العقد أو اعتماده ،تعد قرارات إدارية يجوز الطعن فيها باإللغاء استقالالً عن العقد .
()430
والجدير بالذكر أن صدور القرار باإلرادة المنفردة ،ليس معناه أن يصدر القرار
اإلداري وفقا ً إلدارة شخص واحد بل يمكن أن يشترك في إصداره أكثر من شخص ،طالما
()431
أنهم يمثلون إدارة سلطة إدارية واحدة .
يع،عمان،
4
األولى ،دار الثقالافالة للنشال ال ال ال ال ال الالر والتوز
2
)حمالد علي الخالليالة ،القالانون 4اإلداري ،الكتالاب الثالاني ،الطبعالة (
2012م،ص.175
4 2
اإلداري ،مرجع سابق ،ص.322
5
زكي محمد النجار ،القضاء ) (
4
للنشر ،اإلسكندرية 2004م،ص.355
2
)د .ماجد راغب الحلو ،القانون 6اإلداري دار الجامهة الجديدة (
1997م،
4
دار النهضال ال ال ال ال ال ال الالة العربيالالة ،القالالاهرة،
2
محمالالد عبالالد الحميالالد أبو زيالالد 7،المطول في القالالانون اإلداري ، ) (
سابق ،ص.430
4
محمود عاطف البنا ،الوسيط في القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص .226
3 0 ) (
محمد علي
4
اإلداري ،مرجع سال ال ال الالابق ،ص.182
3
األعمال اإلدارية القانونية ،القرار
1
محمد فؤاد عبد الباسال ال ال الالط، ) (
الاء اإلداري ،مرجع سال ال الالابق ،ص 3279منصال ال الالور إبراهيم العتوم القضال ال الالاء 4اإلداري،
2
)د .ماجد راغب الحلو ،القضال ال ال (
مرجع سابق ،ص 79نواف كنعان ،القضاء اإلداري مرجع سابق ص.186
( )4د .أرحيم لسميان الكبيسي ،المبادئ في القانون اإلدارة الليبي ،ب ن ،ب م ،إل، 2005، 1ص 131وما
بعدها.
عدم رجعية الق اررات اإلدارية ،د ارس ال الالة 3مقارنة ،الطبعة األولى ،د ار الحامد 4للنش ال الالر
4
أحمد محمد النوايس ال الالة ،مبدأ ) (
والتوزيع ،عمان ،2012ص ،.139عبد الغني بسالاليوني عبد هللا ،القضالالاء اإلداري مرجع سالالابق ،ص .449هناك
معياران لتميز الق اررات اإلدارية عن سال ال الالائر أعمال الدولة ،أولهما شال ال الالكلي يقوم على أسال ال الالاس النظر إلى الجهة التي
أص ال الالدرت القرار ،والش ال الالكل واإلجراءات التي اتبعت في إص ال الالدارة ،دون النظر إلى موض ال الالوعه أو مض ال الالمونه ،والثاني
موضوعي يقوم على أساس النظر إلى مضمون القرار أو موضوعه بصرف النظر عن السلطة التي أصدرتة أو
الشال الالكل واإلجراءات التي روعيت في إصال الالداره ،انظر في ذلك :فتحي عبد النبي الوحيدي ،محاض ال الرات في الق اررات
اإلدارية ،مرجع سابق ،محمود محمد حافظ ،القرار اإلداري ،مرجع سابق ،ص.11
4 3
ي ،مرجع سابق ،ص .190
5
نواف كنعان ،القضاء اإلدار ) (
وكذلك من موظفين وطنيين يستمدون سلطاتهم من قانون أجنبي ،ألن القرار في هذه الحاالت
ال يعتبر قرارا ً صادرا ً عن سلطة وطنية .
()436
الخصومة
4
.421عبد الناصر أبو سمهدانة،
3
القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص
6
أنور أحمد رسالن ،وسيط ) (
سابق ،ص.195
عبد الناص الالر أبو س الالمهدانة ،الخص الالومة اإلدارية ومس الالتقبل القض الالاء اإلداري في فلس الالطين ،مرجع س الالابق ،ص
4 4 4 ) (
.184
المطلب الثاني
الحق فى التعويض عند توافر
أركان المسئولية
المطلب الثاني
الحق فى التعويض عند توافر أركان المسئولية
قد ال يكون إلغاء القرار اإلداري كافيا ً في مواجهة اآلثار الضارة المترتبة عليه ،فقد ينجم عن تنفيذ القرار
في الفترة ما بين صدوره وحتى إلغائه أضرار تصيب األفراد ال يكفي إلزالتها مجرد إلغاء القرار المعيب ،بل يجب
()445
أن يعقب هذا اإللغاء تعويض لجبر الضرر .
فعدم مشروعية القرار اإلداري ،تددي إلى قيام مسدولية اإلدارة ،إذا ترتب عليه ضرر ،وذلك على اساش
()446
أن هذا العيب يُعد من األخطاء الجسيمة التي تقع من اإلدارة .
طلبات التعويض عن القرارات اإلدارية وعن األعمال المادية المنسوبة لجهة اإلدارة ،فقضاء المسئولية
()447
وما ينتج عنه من الحكم بالتعويض للمدعي يدخل ضمن دعاوى القضاء الكامل .
حيث أ َّن دعاوى القضاء الكامل تتميز بأن ال تقتصر سلطة القاضي على تحديد المركز القانوني الذاتي
للطاعن وبيان الحل الكامل للنزاع ،فمثالً لو أن جهة اإلدارة حددت مرتب الموظف أو معاشه برقم معين ،ونازع
الموظف اإلدارة في هذا التحديد ،فإن مجلس الدولة إذا وجد أن الموظف على حق ،فإنه ال يقتصر على إلغاء الحل
الذي ارتأته اإلدارة بل يتعدى ذلك إلى وضع الحل النهائي للنزاع ،فيحدد المجلس الرقم الذي يستحقه الموظف
بصفة مرتب أو معاش.
وعلى ذلك يمكننا أن نلخص خصائص دعوى القضاء الكامل فيما يلي:
-1إن سلطة مجلس الدولة فيها "كاملة" ،بمعنى أنها ال تتوقف على حد إلغاء عمل اإلدارة
المخالف للقانون بل تتعدى ذلك إلى حسم كافة عناصر النزاع ،بتحديد المركز الذاتي
للطاعن بشكل نهائي.
-2وترتب على الخصيصة األولى ،أن الحكم الصادر في دعوى القضاء الكامل ليست
تقتصر على أطراف الدعوى ،الطاعن وجهة اإلدارة ،وال يستطيع أن يتمسك بالحكم
شخص آخر لم يكن طرفا ً في هذه الدعوى .
()448
ويالحظ أن عيوب القرار الموجبة إللغائه ال تؤدي حتما ً كلها للتعويض عنه فنحن
نعرف أن عيوب القرار التي يمكن أن يددي أي منهما إلى الحكم بإلغائه ،هي خمسة عيوب:
عدم االختصاص – عيب الشكل – عيب المحل – عيب السبب – وأخيرا ً عيب الغاية( ،أو
إساءة استعمال السلطة) .ولكن اتجهت أحكام مجلس الدولة إلى أن هذه العيوب الخمسة ال
تددي كلها دائما ً إلى قيام مسئولية اإلدارة بالتعويض ،فالقضاء اإلداري يتطلب الخطأ اإلداري
الجسيم ،وهو ال يتحقق في كل عيوب القرار ،وفي هذا المعنى تقول محكمة القضاء اإلداري
.403
4
عبد العزيز عبد المنعم خليفة 5،اإلنحراف بالسلطة كسبب إللغاء 4القرار اإلداري ،مرجع سابق ،ص ) (
األحكام ،دراسة
4
وطرق الطعن في القضاء اإلداري ،الكتاب الثاني ،قضاء 4التعوي
6
سليمان محمد الطماوي، ) (
عن أعمال السلطات العامة، مقارنة ،دار الفكر العربي ،القاهر1996 ،م ،ص .139سعيد السيد علي ،التعوي
د ارسال ال ال ال ال ال الالة مقارنة ،الطبعة األولى ،دار النهضال ال ال ال ال ال الالة العربية2012 ،م ،ص .259محمد عبد العال السال ال ال ال ال ال الالناري ،مبدأ
المشرونية والرقابة على أعمال اإلدارة ،مرجع سابقال ص .403
4
د .سامي جمال الدين ،قضاء 7المالئمة والسلطة التقديرية للدارة ،مرجع سابق ،ص.156
4 ) (
.20
4
األعمال اإلدارية ،مرجع سابق ،ص
4
د .إبراهيم عبد العزيز شيحا8 ،مبدأ المشرونية كضابط لصحة ) (
في أحد أحكامها" ...ولئن كان كل وجه من وجوه عدم مشروعية القرار كفيالً بذاته لتقرير
إلغائه ،إال أنه ليس من المحتم أن يكون مصدرا ً للمسئولية وسببا ً للحكم بالتعويض إذا ما
ترتب على تنفيذ القرار ضرر للفرد"( )449.وهو ما استقر عليه أيضا ً قضاء مجلس الدولة في
فرنسا.
وتطبيقا ً لذلك استقرت أحكام مجلس الدولة في مصر أن عيب عدم االختصاص وعيب
الشكل ال يدديان بالضرورة إلى تقرير مسئولية اإلدارة والحكم عليها بالتعويض ،بل يشترط
للحكم بالتعويض أن يكون عيب عدم االختصاص أو عيب الشكل مدثران في موضوع القرار
أو جوهره ،فإذا كان القرار سليما ً في مضمونه وسببه ،وكان في وسع اإلدارة إصدار القرار
بهذا المضمون والسبب بعد تصحيح عدم االختصاص أو عيب الشكل ،فال محل لمسائلة
اإلدارة التعويض على أساش أحد هذين العيبين ،وفي هذا المعنى تقول المحكمة اإلدارية
العليا في أحد أحكامها ما يلي " أن القضاء بالتعويض ليس من مستلزمات القضاء باإللغاء
بل لكل من القضائين أساسه الخاص الذي يقوم عليه كما أن عيب عدم االختصاص أو عيب
الشكل الذي قد يشوب القرار اإلداري فيددي إلى إلغائه ال يصلح حتما ً وبالضرورة أساسا ً
للتعويض ما لم يكن العيب مدثرا ً في موضوع القرار ،فإذا كان القرار سليما ً في مضمونه
محموالً على أسبابه المبررة برغم مخالفة قاعدة االختصاص أو الشكل فإنه ال يكون ثمة
محل لمسائلة الجهة اإلدارية عنه والقضاء عليها بالتعويض ،ألن القرار كان سيصدر على
450
" ( ).
أي حالة بذات المضمون لو أن تلك القاعدة قد روعيت
أما بالنسبة للعيوب الثالثة الباقية التي يددي كل منها إلى إلغاء القرار اإلداري ،وهي
عيب المحل (مخالفة القانون) وعيب السبب وعيب الغايه (أو االنحراف بالسلطة) ،فهذه
العيوب تددي بذاتها إلى تحقق مسئولية اإلدارة بالتعويض فكل عيب منها كاف لتكوين ركن
الخطأ ،فلو تحققت باقي أركان المسئولية وهي تحقق الضرر وقيام عالقة السببية بين الخطأ
والضرر حكم القاضي اإلداري بالتعويض.
وإذا كان القرار اإلداري المعيب بعيب االنحراف في استعمال السلطة يعتبر سببا ً
للحكم بالتعويض عن األضرار الناجمة عن تنفيذه ،وذلك إذا توافرت الشروط الالزمة لهذا
التعويض ،ومن ثم تعرض المسئولية إلدارة التعويض عن عيب الغاية ،وهذا ما سوف نتناوله
من خالل تقسيم هذا المطلب إلى فرعين على النحو اآلتي:
الفرع األول :مسؤولية اإلدارة بالتعويض
الفرع الثاني :مدى إمكانية الجمع بين دعوى التعويض واإللغاء
الفرع األول
مجموعة المبادئ التي قررتها9محكمة القض الالاء اإلداري – الس الالنة 4التاس الالعة – ص -350مش الالار إليه ل4دى :د. ) (
محمد رفعت عبد الوهاب ،أصول القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.253
4
نقال عن :د .محمد رفعت عبد 0الوهاب ،أصول القضاء اإلداري5 ،مرجع سابق ،ص.254
ً
) (
مسؤولية اإلدارة بالتعويض عن القرار المشوب بعيب الغاية
القضاء المصري ال يحكم بالتعويض إال إذا ثبت له أن القرار غير مشروع ،بأن شابه
وجه من أوجه عدم المشروعية المعروفة وهي عيب الشكل واالختصاص ،ومخالفة القانون
واالنحراف.
ويتعين اإلشارة فإن هذا الموقف الذي ينهجه القضاء المصري ،لم يكن هو المعمول
به قبل سنة ،1956بحيث أن القضاء اإلداري كان يأخذ بنظرية التعسف في استعمال الحق،
بمعنى أن القاضي اإلداري في نطاق قضاء اإللغاء ال يراقب القرار إال في حدود االنحراف
بالسلطة ،أما فيما يتعلق بالتعويض فإن القاضي يحاسب اإلدارة على المسائل التي تكون
نظرية" التعسف في استعمال الحقوق اإلدارية".
أساش مسدولية اإلدارة في مصر ،مدسسة على إصدار قرار غير مشروع يشكل
في حقها خطأ وينتج عنه ضرر للغير ،وبالتالي فإن هذه المسئولية قائمة على الخطأ ،وأركانها
ثالثة :الخطأ والضرر والعالقة السببية.
وتُعد عدم مشروعية القرار اإلداري أساسا ً لقيام مسدولية اإلدارة ،ومن ثم إذا صدر
القرار سليما ً خالياا ً من العيوب التي تدثر فيه فتلغيه فال تترتب مسدولية على اإلدارة أيا ً كانت
()451
جسامة الضرر الذي لحق باألفراد من جراء تنفيذه .
أوالً :التفرقة بين عدم المشروعية الموضوعية وعدم المشروعية الشكلية
إن عدم مشروعية القرار اإلداري ليست على درجة واحدة من الجسامة ،فهناك بعض
أوجه عدم المشروعية تكون دائما ً مصدرا ً للمسدولية اإلدارية ،وهناك أوجه أخرى قد ال
452فالقرارات اإلدارية المشوبة بأحد وجهي عدم المشروعية الشكلية المتمثلة تحقق ذلك( )،
في عيب الشكل وعيب عدم االختصاص ال تشكل مصدرا ً للمسدولية اإلدارية في جميع
األحوال ،ويرجع ذلك إلى انتفاء رابطة السببية بين العيب ذاته وبين الضرر الناشئ عن
القرار ،متى كان بإمكان جهة اإلدارة إصدار القرار من جديد بنفس الجوهر ،ومعنى ذلك أن
وجهي عدم المشروعية الشكلية ال يشكالن مصدرا ً حتميا ً للتعويض إال إذا كان من شأنهما
()453
التأثير في مضمون القرار .
وهذا ما أكدته المحكمة اإلدارية العليا في حكم لها ،حيث قضت بأنه" :قد جرى قضاء
هذه المحكمة على أن ما قد يشوب القرار اإلداري من عيب يتعلق بعدم االختصاص أو الشكل
عن الق اررات اإلدارية غير المشروعة ،رسالة ماجستير ،كلية الحقوق ،قسم القانون العام ،جامعة اإلدارة بالتعوي
الشرق األوسط2010 ،م ،ص .23
النهضال ال الالة
4
عن أعمال السال ال الاللطات العامة ،د ار5سال ال الالة مقارنة ،الطبعة االولى ،دار 2
سال ال الالعيد السال ال الاليد علي ،التعوي ) (
العربية ،القاهرة2012 ،م ،ص .257أمزيان كريمة ،دور القاضال ال ال ال ال الالي اإلداري في الرقابة على القرار المنحرف عن
،مرجع سابق ،ص .182إعاد علي حمود القيسي ،القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.251 هدفه المخص
عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،االنحراف بالسلطة كسبب إللغاء القرار اإلداري ،مرجع سابق ،ص.415
4 5 3 ) (
فيددي إلى عدم مشروعيته ال يصلح حكما ً وبالضرورة أساسا ً للتعويض ،ما لم يكن هذا العيب
مدثرا ً في موضوع القرار ،فإذا كان القرار سليما ً في مضمونه محموالً على أسبابه فال يكون
ثمة وجه للحكم بالتعويض عن هذا القرار غير المشروع باعتبار أنه سيصدر حتما ً وبذات
()454
المضمون لو أن الجهة اإلدارية قد راعت قواعد االختصاص والشكل" .
وبالتالي فإنه بالنسبة للقرارات اإلدارية المشوبة بأحد أوجه عدم المشروعية
الموضوعية والمتمثلة في عيبي مخالفة القانون والسبب ،وعيب اإلنحراف في استعمال
السلطة فإنها تُعد دائما ً مصدرا ً لمسدولية اإلدارة ،أي أن هناك تالزم حتمي بين عدم
455ألنها تدثر في مضمون القرار وفحواه،
المشروعية الموضوعية والحكم بالتعويض( )،
456ومن ثم يعتبر عيب االنحراف في استعمال السلطة مصدرا ًفتجعله غير قابل للتصحيح( )،
457وذلك في كل األحوال بغض النظر عن جسامة الضرر، بالغ األهمية لمسدولية اإلدارة( )،
حيث يكون تأثيره مدكدا ً على موضوع القرار اإلداري .
()458
اإلداري في ض ال ال ال ال الالوء الفقه واقض ال ال ال ال الالاء وأحكام المحكمة اإلدارية ،الطبعة األولى ،دار الفكر أحمد الطباخ ،التعوي
الجامعي ،اإلسكندرية2006 ،م ،ص.218
الابق ،ص
4
عن الق اررات 5اإلدارية غير المش الالروعة ،مرجع س ال نداء محمد أمين أبو الهوى ،مس5الالؤولية اإلدارة بالتعوي ) (
.24
الحميد أبو
4
6عن أعمال الس الاللطات العامة ،مرجع 5س الالابق ،ص .259محمد عبد س الالعيد الس الاليد علي ،التعوي ) (
عبد العزيز عبد المنعم خليفة 8،الموس ال الالوعة اإلدارية الش ال الالاملة في 5الدعاوي والمرافعات اإلدارية ،الكتاب 4األول، ) (
في الفقه وقضالالاء مجلس الدولة ،منشالالأة المعارف للنشالالر ،اإلسالالكندرية ،بدون تاري نشالالر، دعوى اإللغاء والتعوي
ص .654
4
محمد عبد الوهاب وآخرون ،القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص.597 -596
5 9 ) (
النوايسالالة،
4
جع سالالابق ،ص .337أحمد محمد
6
،مر ضالالاء اإلداري ،قضالالاء التعوي
0
سالالليمان محمد الطماوي ،الق ) (
مبدأ عدم رجعية الق اررات اإلدارية ،مرجع سابق ،ص .144وقضت المحكمة اإلدارية العليا المصرية بأن :مالخطأ
في الس ال الاللوك اإلداري هو وحده الذي يرتب مس ال الالؤولية اإلدارة عن ق ارراتها ،كأن يص ال الالدر القرار مش ال ال ً
الوبا بعيب إس ال الالاءة
معنويا ً يباشر تصرفاته عن طريق موظفين تابعين له ،فإن الخطأ الذي يقع من التابعين لإلدارة
إما أن يكون خطأ ً شخصياا ً يسأل عنه مرتكبه ،وإما أن يكون خطأ ً مرفقياا ً تسأل عنه
()461
اإلدارة .
والخطأ يكون شخصياا ً إذا صدر عن الشخص التابع لإلدارة دون أن يكون لإلدارة
()462
أي دور في وقوع هذا الخطأ ،ولذلك يتحمل هذا الشخص نتيجة هذا الخطأ الصادر منه ،
ويكون الخطأ مرفقيا ً إذا صدر عن الموظف أثناء تأديته عمله ولكن بصورة خاطئة ،وقد
()463
يكون هذا الخطأ نتيجة سوء إدارة المرفق ،أو بسبب خلل في التعليمات المطبقة .
وتأسيسا ً على ذلك يرى جانب من الفقه أن عيب اإلنحراف في استعمال السلطة إذا
كان في صورة يسعى فيها رجل اإلدارة إلى غرض بعيد عن الصالح العام ،كاالنتقام أو
تحقيق مصلحة شخصية ،فإن الخطأ يكون جسيما ً وقد يددي إلى مسدولية الموظف
الشخصية ،أما إذا كان رجل اإلدارة يسعى إلى تحقيق مصلحة لإلدارة لم يخوله القانون سلطة
تحقيقها ،فهنا نكون أمام خطأ قد يترتب عليه ضرر ليس من العدل أن يتحمله الفرد بعينه،
وهو بذلك يشكل خطأ ً مرفقيا ً تتحمل اإلدارة آثاره الضارة .
()464
اسالالتعمال السالاللطة ،فيكون بذلك خطأ عمدياً وليد إرادة الجهة اإلداريةم ،حكم المحكمة اإلدارية العليا في الطعن رقم
( )6072لسنة 42ق ،جلسة 2001/7/1م ،مشار إليه سابقاً.
مرجع سال الالابق ،ص .225د.ماجد راغب 4الحلو،
6
1عن أعمال السال الاللطات العامة، سال الالعيد السال الاليد علي ،التعوي ) (
للتفرقة بين الخطأ الشال ال الالخصال ال الالي للمواف والخطأ المرفقي لتحديد المسال ال الالؤول عن تعوي المضال ال الالرور من جراء هذا
الخطأ من أهمها ،معيار الدافع الشخصي ،ومعيار الخطأ المنفصل عن الوايفة ،ومعيار جسامة الخطأ ،ومعيار
الغاية من العمل ،انظر في تفص الاليل ذلك :أحمد محمد النوايس الالة ،مبدأ عدم رجعية الق اررات اإلدارية ،مرجع س الالابق،
ص 145وما بعدها .حمدي أبو النور السال ال ال ال ال الاليد ،مسال ال ال ال ال الالئولية اإلدارة عن أعمالها القانونية والمادية ،مرجع سال ال ال ال ال الالابق،
ص 123وما بعدها .س ال ال الالعيد الس ال ال الاليد علي ،التعوي عن أعمال الس ال ال الاللطات العامة ،مرجع س ال ال الالابق ،ص 226وما
بعدها .سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التعوي ،مرجع سابق ،ص 108ومابعدها .عبد العزيز
عبد المنعم خليفة ،الموسالالوعة اإلدارية الشالالاملة في الدعاوي والمرافعات اإلدارية ،الكتاب األول ،مرجع سالالابق ،ص
572وما بعدها .نداء محمد أمين أبو الهوى ،مسال الالؤولية اإلدارة بالتعوي عن الق اررات اإلدارية غير المشال الالرونية،
مرجع سابق ،ص 63وما بعدها.
4
جع سابق ،ص.139
6
،مر القضاء اإلداري ،قضاء التعوي
4
سليمان محمد الطماوي، ) (
الضرر هو أحد أركان المسدولية بصفة عامة ،إدارية كانت أم مدنية ،وهو يعني كل إخالل
465ولكي تقوم مسدولية اإلدارة البد من
بحق أو مصلحة مشروعة للمضرور ،مادية كانت أم معنوية( )،
()466
إثبات الضرر الذي سببه خطأ اإلدارة ،حيث يقع على المدعى عبء إثبات الضرر الذي يدعيه .
وأن يكون الضرر الذي ترتب على خطأ محققا ً ومدكدا ً ،سواء كان هذا الضرر قد
وقع بالفعل أو سيقع مستقبالً ما دام أنه محقق الوقوع ،وهذا يعني أن الضرر اإلحتمالي ال
يكون كافيا ً للحكم على اإلدارة بالتعويض .
()467
كما يشترط في الضرر الموجب لمسدولية اإلدارة أن يكون قد وقع على حق مشروع،
()468
أي يحميه القانون سواء تمثل هذا الحق في مركز قانوني أو مصلحة مالية مشروعة .
-3عالقة السببية بين خطأ اإلدارة والضرر المترتب عليه:
ال يكفي لقيام مسدولية اإلدارة أن يكون هناك خطأ من جانبها ،بل يجب أن يكون
الخطأ هو السبب المباشر في وقوع الضرر ،بمعنى أن يكون هذا الضرر قد نتج مباشرة عن
469وبالتالي فإذا لم يكن الضرر ناجما ً بشكل مباشر عن خطأ اإلدارة المتمثل
خطأ اإلدارة( )،
في القرار اإلداري المشوب بعيب اإلنحراف في استعمال السلطة ،فإنه ال يددي إلى قيام
مسدولية اإلدارة بالتعويض.
قضت محكمة القضاء اإلداري بأن قانون الطوارئ رقم 162لسنة ،1958وقرار
رئيس الجمهورية رقم 560لسنة ،1987هو قانون استثنائي له أهداف وغايات محددة
وليس له ما يولد سلطات مطلقة ،وعلى ذلك فإن زوج المدعية لم يرتكب واقعة يدل على
خطورة خاصة على األمن العام والنظام العام ،تجيز اعتقاله ،وبناء عليه فإن ركن الضرر
()470
متوافر ويحق للمدعية التعويض .
ويتضح مما سبق أن القرار اإلداري المعيب بعيب اإلنحراف في استعمال السلطة
بشكل خطأ ً إداريا ً ،وينبغي لكي تقوم مسدولية اإلدارة بالتعويض عن هذا القرار المعيب أن
ينتج عن تنفيذه ضرر ،وأن تقوم عالقة سببية بين الخطأ الناجم عن القرار االداري المعيب
بعيب اإلنحراف في استعمال السلطة والضرر المترتب عليه.
عبد العزيز عبد المنعم خليفة 5،الموس ال الالوعة اإلدارية الش ال الالاملة في 6الدعاوي والمرافعات اإلدارية ،الكتاب 4األول، ) (
نداء محمد
4
المادية ،مرجع سالابق ،ص .174
6
الئولية اإلدارة عن أعمالها القانونية و
7
حمدي أبو النور الساليد ،مس ) (
عن الق اررات اإلدارية غير المشروعة ،مرجع سابق ،ص .106 أمين أبو الهوى ،مسؤولية اإلدارة بالتعوي
4
.269
6
القضاء اإلداري ،مرجع سابق ،ص
8
) محمد عبد الحميد أبو زيد، (
آخرون ،القضال ال ال ال الالاء اإلداري ،مرجع سال ال ال ال ال6الابق ،ص .631حمدي أبو النور ال4سال ال ال ال الاليد،
9
) محمد رفعت عبد الوهاب و (
الفرع الثانى
جواز الجمع بين دعوى اإللغاء ودعوى التعويض
بالنسبه لقرارات الضبط االداري المعيبه
أ -إمكانية الجمع بين الدعويين في مصر:
أجاز المشرع في مصر هذا األسلوب ،إذ أقر إمكانية الجمع بين دعوى اإللغاء
ودعوى القضاء الشامل في عريضة واحدة هي عريضة دعوى اإللغاء ،بحيث يكون طلب
إلغاء القرار اإلداري غير المشروع هو الطلب األصلي ويكون طلب التعويض عن األضرار
الناجمة عنه بمثابة طلب تابع لطلب اإللغاء.
وتجد هذه اإلمكانية سندها القانوني في البند الثامن من المادة العاشرة من قانون مجلس
الدولة رقم 47لسنة ،1972التي أسندت االختصاص لمحاكم المجلس للفصل في " طلبات
التعويض عن القرارات المنصوص عليها في البنود السابقة سواء رفعت بصفة أصلية أو
تبعية".
4
أحكام القضاء اإلداري ،مرجع سابق7 ،ص.417-416
1
د .محمد عبد هللا الفالل، ) (
في هذه الحالة يملك القاضي الوالية الكاملة -بالمعنى الفني الدقيق -ليحكم بإلغاء القرار
غير المشروع بالنسبة للكافة ،عالوة على الحكم بالحقوق الشخصية الواجبة للطاعن.
ويرفع طلب التعويض بصفة احتياطية عندما يتم تضمين العريضة طلب إلغاء
أصلي ،مع المطالبة بالتعويض كطلب احتياطي ،كأن ترفع الدعوى بصفة أصلية للمطالبة
بإلغاء قرار من القرارات ،مع المطالبة احتياطيا ً بالتعويض عنه باعتباره عمالً خاطئا ً ،وهذا
يحدث عادة عندما يكون طلب اإللغاء من المحتمل عدم قبوله شكالً لعدم مراعاة مواعيد طلب
اإللغاء أو لعدم التظلم بالرغم من كونه واجبا ً قبل طلب اإللغاء ،ذلك ألن دعوى التعويض ال
تخضع لميعاد رفع الدعوى أو اشتراط التظلم الوجوبي وإن كانت تخضع لقواعد التقادم.
وفي مصر فقد كانت المحاكم العادية تختص وحدها بقضاء التعويض إلى سنة
،1946فلما أنشئ مجلس الدولة وحتى صدور القانون رقم 165لسنة 1955كان
االختصاص بالتعويض عن األضرار التي تسببها القرارات اإلدارية مشتركا ً بين جهتي
القضاء العادي واإلداري ،وكان المدعي هو الذي يحدد جهة االختصاص وله الخيار ،فإذا
لجأ إلى إحدى الجهتين أصبحت هي المختصة وامتنع عليه االتجاه إلى األخرى ،وكانت كل
جهة من جهتي القضاء العادي واإلداري تطبق قواعد قانونية مغايرة لتلك التي تأخذ بها
األخرى مما أدى إلى اختالف األحكام الصادرة في دعاوى متماثلة ،وبصدور القانون رقم
165لسنة 1955زالت حالة االختصاص المشترك وأصبح القضاء اإلداري دون غيره هو
المختص بالفصل في طلبات التعويض عن القرارات اإلدارية المعيبة التي تسبب ضررا ً
لألفراد ،وأيد القانون رقم 55لسنة 1959هذا االتجاه.
وتبقى اإلشارة في األخير إلى أن المشرع المصري نص بموجب المادة 25من قانون
مجلس الدولة رقم 47لسنة 1972على إلزامية مدازرة المحامي في دعوى اإللغاء ،بحيث
يعد ذلك إجراءا ً جوهريا ً ،يترتب على إغفاله بطالن العريضة.
ب -إمكانية الجمع بين الدعويين في فرنسا في حاالت محددة:
األصل في فرنسا هو استقالل كل من دعوى اإللغاء ودعوى القضاء الكامل ،فإذا
أراد المدعي الطعن في قرار إداري باإللغاء وبالتعويض وجب عليه أن يرفع دعويين
مستقلين أحداهما لإللغاء واألخرى للتعويض.
وقد أجاز مجلس الدولة الفرنسي الجمع بين عريضتي اإللغاء والقضاء الكامل للنظر
فيهما في وقت واحد تفاديا لطول االنتظار ،وذلك مع احتفاظ كل دعوى باستقاللها
وإجراءاتها.
ولم يبح المجلس الجمع بين طلب اإللغاء وطلب التعويض في عريضة دعوى واحدة
– هي عريضة القضاء الكامل -إال في ثالثة أحكام صدرت في 31مارش 1911هي قضايا،
ولكن مجلس الدولة الفرنسي لم يسر في اتجاه هذه األحكام التي بقيت وحيدة ،وظلت القاعدة
هي عدم جواز الجمع بين طلب اإللغاء وطلب التعويض في عريضة واحدة ،فإذا ما اشتملت
عريضة دعوى اإللغاء على طلب التعويض ،فإن مجلس الدولة الفرنسي يرفض نظر طلب
التعويض ويباشر فقط واليته بصدد دعوى اإللغاء والحكم فيها ،ولعل مرجع ذلك هو
التيسيرات التي خص بها المشرع الفرنسي دعوى اإللغاء والتي تتمثل في اإلعفاء من رسوم
القيد وعدم اشتراط تقديم عريضتها عن طريق أحد المحامين.
الخاتمـــــــة
الخاتمة
بعد اإلنتهاء بتوفيق من عند سبحانه وتعالى من إعداد هذه الرسالة تبين لنا أن الضبط
االداري من االجراءات الخطيرة فى يد السلطة التنفذية ،والتي يراقب القضاء االداراة عند
إتخاذها وان خروج االدارة عن أهداف الضبط اإلداري يعرض قرارتها لإللغاء والتعويض
عنها وهذا األمر ليس من السهل إثباته ألن عيب اإلنحراف في استعمال السلطة أشد العيوب
خفا ًء ودقة ،التصاله غالبا ً بنوايا ومقاصد مصدر القرار اإلداري ،وتستره خلف مظاهر
المشروعية األخرى ،وقد كان لرقابة القضاء الدور الفعال والمدثر على القرارات اإلدارية
المعيبة ،ومن خالل إلغاء تلك القرارات ،وترتيب مسدولية اإلدارة عن األضرار الناتجة
عنها.
في نهاية دراستنا المفصلة نختم حديثنا بخالصة لهذه الدراسة تتضمن أهم النتائج التي
وصلنا إليها من خالل البحث وبعض التوصيات التي رأينا إبداءها في هذا الخصوص.
أوالً :النتائج
-1ان اتساع نشاط الدولة وزيادة تدخلها في مختلف مجاالت الحياة اليومية أدى إلى
اتساع مدلول فكرة حماية النظام العام والمحافظة عليه في المجتمع باعتبارها الغاية األساسية
لهيئات الضبط اإلداري ،وإنها لم تعد قاصرة على تحقيق هذه الغاية بمدلولها التقليدي المتمثل
بحماية األمن العام والصحة العامة والسكينة العامة ،بل أخذ يشمل في الوقت الحاضر غايات
أخرى غير تقليدية أصبحت فيما بعد أهداف رئيسية لإلدارة كحماية النظام العام المعنوي
(حماية اآلداب واألخالق العامة) والمحافظة على النظام البيئي والمحافظة على النظام العام
االقتصادي ،وتسعى هيئات الضبط اإلداري لتحقيق حماية النظام العام بمدلوالته التقليدية
وغير التقليدية من خالل ما تملكه من وسائل قانونية كانت أم مادية.
-2إذا كان لهيئات الضبط اإلداري في الدول محل المقارنة أن تعمل على تحقيق
غاية الضبط اإلداري المتمثلة بالحفاظ على النظام العام ،فإن فاعلية الدور الذي تقوم به هذه
الهيئات في تلك الدول في تحقيق التوازن بين متطلبات ممارسة الحرية ومقتضيات حفح
النظام العام تتباين تباينا ً ملحوظاً ،إذ يتضح ذلك من خالل الدور الذي يقوم به رجال الضبط
اإلداري وهيئاته ،ففي فرنسا مثالً نجد أنه يتسم بالفاعلية من أجل تحقيق التوازن المنشود،
كما أنه في ذات الوقت يتسم باإلجادة واالتقان ،ويبدو لنا إن السبب في ذلك هو الدقة المتناهية
والمثالية في توزيع الصالحيات والسلطات على رجال الضبط اإلداري في كافة مستويات
اإلدارة ،فالعمدة في فرنسا على سبيل المثال بالرغم من أنه يمثل أدنى مستوى لإلدارة
المحلية ،إال أنه يتمتع بسلطات وصالحيات عامة في نطاق البلدة أو القرية التي يمثلها في
التنظيم اإلداري األمر الذي ينعكس بشكل إيجابي على قدرته في تحقيق حفح النظام العام
وصيانته عند اختالله.
أما الوضع في مصر فيالحح عليه إن هيئات الضبط اإلداري تتسم بطابع المركزية
اإلدارية ،فالمحافح بالرغم من أنه يُعد من رجال الضبط اإلداري إال أنه يمارش سلطاته
وصالحياته تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية الممثلة بوزير الداخلية وبالطبع إن مثل
هذا الخضوع له مردودات سلبية تنعكس على قدرة رجل الضبط اإلداري في تحقيق األمن
والنظام العام بفاعلية وإتقان.
-3تعد المحافظة على النظام العام أهم القيود التي تقيد بها هيئات الضبط اإلداري
باعتباره الهدف األساسي لها ،لذا يجب أن ال تقيد حقوق األفراد وحرياتهم العامة إال بالقدر
الضروري والالزم للمحافظة عليه ،كونه يمثل غاية محددة لوظيفة الضبط اإلداري ،كما أنه
إذا كانت هيئات الضبط اإلداري تسعى دائما ً إلى ذلك الغرض األساسي فإن سلطتها في هذا
الخصوص يجب أن ال تكون مطلقة بدون قيود وضوابط فاإلدارة وهي تمارش نشاطها من
أجل تحقيق تلك الغاية تستخدم أساليب السلطة العامة تجاه األفراد ،وذلك بحكم وظائفها العديدة
ولما لها من إمكانيات تشكل خطرا ً على حقوق وحريات األفراد ،وخصوصا ً وإن أعمالها
تنطوي على تنفيذ السياسة العامة للدولة ،لذا فقد بات من الضروري إخضاع قرارات الضبط
اإلداري لرقابة فعالة تمنعها من االنحراف بسلطتها من أجل تحقيق غايات أخرى غير الغاية
المحددة لها قانوناً.
-4لسنا تأكيدا ً واضحا ً على المعاني السابقة في البند آنفا ً من قبل القضاء اإلداري
الفرنسي والمصري وعمان والتي تقضي بضرورة إخضاع هيئات الضبط اإلداري لقيود
وضوابط عند ممارستها لسلطاتها وصالحياتها ،إذ إننا نالحح إن القضاء اإلداري في الدول
محل الدراسة قد استقر على خضوع قرارات الضبط اإلداري لرقابة قضائية واسعة تتجاوز
نطاق الرقابة العادية التي تباشرها على سائر القرارات اإلدارية ،ونجد هذه السياسة القضائية
تفسيرها في خطورة قرارات الضبط اإلداري وانعكاساتها المباشرة على حقوق األفراد
وحرياتهم العامة ،لذلك فقد استقر القضاء اإلداري في تلك الدول على ضرورة تقييد هيئات
الضبط اإلداري بالسبب في قراراتها الضبطية والتي تتثمل بالنواحي الموضوعية المستمدة
من الحاالت الواقعية أو القانونية السابقة على قراراتها التي تمثل مبررات لتدخلها ،بحيث
يترتب على عدم قيام تلك الحاالت في الواقع أو القانون أن تصبح قراراتها الصادرة بهذا
الصدد غير مشروعة وجديرة باإللغاء متى ما طعن بها أمام القضاء اإلداري ،ورأينا كيف
إن هذه الرقابة لم تقتصر على التحقق من قيام الحاالت الواقعية المتمثلة بوجود التهديد أو
اإلخالل بالنظام العام أو الرقابة على الحاالت القانونية المتمثلة بفحص سالمة التكييف
القانوني لها للقول بمشروعية قراراتها الضبطية ،بل امتدت تلك الرقابة لتدك القالع الحصينة
للسلطة التقديرية لإلدارة لتشمل الرقابة على أهمية وخطورة السبب في قرارات الضبط
اإلداري وهو ما يعرف برقابة المالئمة أو التناسب ،أي فحص مدى التناسب بين الخطر
الذي يهدد النظام العام وبين اإلجراء الذي اتخذته هيئة الضبط ،ويرجع السبب في ذلك إلى
أهمية وخطورة القرارات المذكورة التصالها بحقوق األفراد وحرياتهم العامة.
-5إن إحترام مبدأ المشروعية ال يتحقق إال إذا خضعت قرارات الضبط اإلداري
لرقابة القضاء اإلداري ،حيث يبسط القضاء رقابته على كافة أركان القرار اإلداري للتأكد
من مدى مطابقتها للقوانين واألنظمة التي تستمد سلطات الضبط اإلداري صالحياتها منها.
-6إن توفير الحماية الدستورية والقانونية للحريات وذلك من خالل اإلعتراف بها
من قبل المشرع وتنظيمها ،يشكل قيودا ً على اإلجراءات التي تتخذها هيئات الضبط اإلداري
ال يمكنها التحلل منها إال في الظروف االستثنائية (مشروعية األزمات) وأنه بالرغم من
اختالف موقف دساتير الدول من هذه المسألة إال أنها تبقى تشكل حصنا ً منيعا ً يحول دون
المساش بتلك الحريات ،وبالتالي يمكن ممارستها من قبل األفراد بكل سهولة ويسر ،لكن
بالمقابل إن تكريس الحريات في الدستور باعتباره القانون األسمى في الدولة ال يعني اطالقها
بال قيد أو ضابط تأكيدا ً لعبارة ( ال حرية بال قيود وال سلطة بال حدود).
-7إن هناك ضحححوابط عامة ومبادئ كان للقضحححاء اإلداري ال سحححيما الفرنسحححي منه دورا ً
كبيرا ً في إبرازها ،تشححكل قيودا ً على وسححائل وإجراءات هيئات الضححبط اإلداري ينبغي
على تلك الهيئات مراعاتها واحترامها فيما تتخذه من إجراءات وتدابير ضححححححبطية ،إذ
تلعب هذه المبادئ دورا ً هاما ً في الحد من سححححلطة هيئة الضححححبط في اختيار نوع التدبير
الضحححبطي وتتمثل هذه القيود بالقيود الناجمة عن طبيعة النشحححاط الذي يسحححتهدفه الضحححبط
اإلداري والقيود الناجمة عن الحرية ،أما بخصوص القيود المتعلقة بوسائل الضبط فإنه
يشحححترط بهذه القيود المقيدة لوسحححائل الضحححبط والناجمة عن فكرة الضحححبط اإلداري توافر
عدة شححروط ،من أهمها أن يكون التدبير الضححبطي ضححروريا ً والزما ً وفعاالً ،وأن يكون
متناسححححححبا ً مع طبيعة وجسححححححامة الخلل أو االضححححححطراب المراد تفادية ،وأخيرا ً أن يكون
التدبير متصفا ً بالعمومية محققا ً للمساواة.
-8ك ما ال يفوت نا ال تذكير بأهم ية رقابة الرأي ال عام ودورها الف عال وال هام في م جال
حماية حقوق اإلنسححححححان وحرياته سححححححيما في عصححححححرنا الحالي وأثر التكنولوجيا والتقدم
اإللكتروني في ذلك ،ومن هنا يمكن القول بأن رقابة الرأي العام تعد ضمانة أساسية ال
تقل أهميتها عن الضحححمانات األخرى (القانونية والقضحححائية) السحححابق ذكرها ،فهي تلعب
دورا ً مهما ً ومكمالً للضمانات األخرى.
-9اليمكن للظروف االستثنائية تبرير التمادي فى إستعمال ق اررات الضبط اإلداري ،
اء في الظروف العادية أو االستثنائية
باعتبار أن جميع السلطات التي تتمتع بها اإلدارة سو ً
تهدف دائماً إلى تحقيق المصلحة العامة ،وأن الظروف االستثنائية هي بمثابة حماية لهذه
المصلحة.
-10إن اإلخالل باإلجراء اإلداري كما يشوب المشرونية الشكلية للقرار اإلداري فإنه قد
يشوب المشرونية الموضونية ،فإذا تعلق اإلجراء بشكل القرار ذاته فإن مخالفته تنصب
على المشرونية الشكلية للقرار اإلداري ،ويصبن القرار معيباً في شكله ،أما إذا تعلق
اإلجراء بموضوع القرار الذي من أجله تم اتخاذ اإلجراء ،فإن مخالفته تنصب على
المشرونية الموضونية وتشكل انحرافاً باإلجراء ،وهو ما يمثل الصورة الثالثة من صور
عيب اإلنحراف في استعمال السلطة.
-11يتمتع القاضي اإلداري بدور إيجابي في إثبات خروج االدارة عن أهداف الضبط
االداري ،ويظهر ذلك جلياً حال تقديم المدعي ما يثير الشك حول الهدف الذي قصدت
اإلدارة تحقيقه من وراء إصدارها للقرار اإلداري ،وهنا ينتقل عبء اإلثبات إلى اإلدارة ذاتها
إلثبات صحة الهدف الذي سعت إلى تحقيقه .
-12يعتبر تعيب قرارات الضبط أساسا ً للحكم بالتعويض على اإلدارة ،وفي جميع األحوال
سواء كان القرار اإلداري المشوب بهذا العيب قد صدر بعيدا ً عن المصلحة العامة كتحقيق
مآرب شخصية ،أو صدر لتحقيق هدف مغاير للهدف المحدد لإلدارة ،أو كان منحرفا ً عن
اإلجراءات المقررة ،كما أن القانون سواء في فرنسا ومصر قد سمح في حاالت معينة
بالجمع بين دعوى اإللغاء ودعوى التعويض.
توصيات الدراسة:
-1ندعو السلطات اإلدارية إلى اإللتزام بتحقيق المصلحة العامة ،دون اعتداء على
حقوق األفراد وحرياتهم ،وبما يتوافق مع القوانين واألنظمة المقررة ،وذلك لتجنب شبهة
اإلنحراف في استعمال السلطة.
تضع نفسها في أفضل الظروف عند ممارسة -2نوصي السلطات اإلدارية أن
صالحيتها القانونية بعيداً عن المصالن الفئوية ،والحياد عن السياسة في أداء مهامها،
باعتبار أن جميع الصالحيات التي تتمتع بها السلطات اإلدارية هي لتحقيق المصلحة
العامة وليس لتحقيق مصالن حزبية.
-3ندعو المواطنين الذين تهدر مصالحهم جراء أخطاء اإلدارة فى قرارت الضبط
االداري ،باللجوء إلى القضاء للطعن في إلغاء ق اررات اإلدارة المعيبة ،والمطالبة
عن األضرار التي لحقت بهم ،ألن التقصير والتغاضي عن مسائلة اإلدارة بالتعوي
عن أخطائها فيه تشجيع اإلدارة بإرتكاب المزيد من اإلنحراف في استعمال السلطة.
-4ضرورة تفعيل الدوائر القانونية بكافة الهيئات اإلدارية للدولة ،وتزويدها بالكفاءات
القانونية المتخصصة ،وذلك لمراجعة الق اررات اإلدارية التي تصدرها تلك الهيئات قبل
اعتمادها ،للتأكد من مدى مطابقة هذه الق اررات لمبدأ المشرونية.
-5ضرورة تكثيف الجهود الخاصة بالتونية اإلدارية ،من خالل عقد الندوات والدورات
التخصصية لموافي اإلدارة ،وذلك لمعرفة أسس اإلدارة السليمة ،وفقاً لألصول
واإلجراءات المتبعة ،مما يساعد اإلدارة على أداء أعمالها في نطاق المشرونية،
والحيلولة دون إنحراف اإلدارة بسلطتها.
-6تسبيب القرارات اإلدارية -كلما أمكن ذلك – السيما القرارات التي تمس حقوق
األفراد بشكل مباشر مثل القرارات ذات السمة العقابية .
-7جعل رقابة القضاء على قرارات الضبط االداري من النظام العام ،بحيث يكون
للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ،لخطورة هذة القرارات على الحريات العامة،
كما أن أغلب قواعد القانون اإلداري من النظام العام.
-8نذكر مسححئولية المحافظة على النظام العام ليسححت حكرا ً على سححلطات الضححبط اإلداري فحسححب بل تقع هذه
المسححئولية أيض حا ً على عاتق القضححاء ،حيث يسححلتزم األمر منه وهو يقيم التوازن بين السححلطة والحرية في هذا
المجال أن يقدر األمور بقدرها ويُعنى بقاعدة ترتيب الم صالح ،كذلك التي تهدد كيان الدولة وتع صف بنظامها
االجتماعي واإلقتصادي وإن كان لم يجرمها صراحة نص.
-9اإلهتمام با لرأي العام ،واإلنصياع إلتجاهاته ،والعمل على تكوين رأي عام حر مستنير ،وعدم التدخل في
تكوين رأي عام أو توجيهه بما يتماشححححححى مع أهواء ورغبات النخبة الحاكمة ،كل ذلك لن يتحقق إال من خالل
السحححماا بوجود منظمات انسحححانية وطنية مسحححتقلة فعالة في حماية حقوق اإلنسحححان وحرياته ،لتمثل جهات ردع
قوية لل سلطة الحاكمة في مواجهة انتهاكات حقوق اإلن سان ،وال يكفي وجود منظمات ان سانية في إطار شكلي
لمجرد تجميل صورة النظام السياسي الحاكم.
وكذلك إطالق حرية اإلعالم والصحححافة وإلغاء صححورة الرقابة التي من شححأنها أن تحد من رسححالة اإلعالم
التي يبغي من خاللها فرض رقابته على عمل اإلدارة وتقويمها ،والتأكيد على إنشحححححححاء إعالم معارض من خالل
إنهاء احتكار السلطة وحزبها لوسائل اإلعالم واإلقرار بحق المعارضة بإنشاء هذا األعالم المعارض.
أخيرا ً نسأل المشرع العماني ونناشد القاضي اإلداري بأن يعمل كالهما حثيثا ً على تأكيد ضمانات الحرية
ين آ ََمنُوا أَ ْن َتْ َ ِ َِّ ِ
ش َع بتفعيل دور السلطة في حماية هذه الحريات ال اإلنتقاص منها عمال بقوله تعالى[ :أَ ََلْ ََيْن للذ َ
ََ ِم ْن قَِ ْلِ ُ َ َِ َ
َِ َلَْي ِه ُم ْاْلَ َمِ ُ ِ َّ ِ ِ وُبم لِِ ِذ ْر ِ َِّ
اِ َمَمَِ َِ َ َِ م َن ا َْ َِو َمََ يَ ُُوَُوا َرَِلِذ َ
ين أُمكُوا الُْنَِ َ قُِلُ ُُ ْ
ن] . وُبم مَرثِري ِم ْنِهم َ ِ
َس ُقو َ ت قُِلُ ُُ ْ َ ٌ ُ ْ س ْ َِ َق َ
()472
وفي الختام ...توصححححححياتنا ال تزيد على أن تكون مجرد خطوة نأمل أن تتلوها خطوات كثيرة في سححححححبيل
مسحححاندة جهازنا القضحححائي والتشحححريعي لتالفي أسحححباب القصحححور في تحقيق أهدافه والوصحححول إلى مجتمع الرفاهية
والسالم والوصول بهذا البلد الحبيب إلى بر األمن واألمان.
تم بحمد هللا وتوفيقة،...
الباحـــث
قانون المرافعات ،منشأة المعارف ،باإلسكندرية، -2أحمد أبو الوفا ،التعليق على تفوي
.1969
-3أحمد رزق رياض ،إساءة استعمال السلطة اإلدارية ،مكتبة الوفاء القانونية،
اإلسكندرية ،الطبعة األولى.2010 ،
-4إسماعيل البدوي ،القضاء اإلداري ،دراسة مقارنة ،الجزء الرابع ،أسباب الطعن
باإللغاء ،دار النهضة العربية ،القاهرة.1999 ،
-5أمير فرج يوسف ،القرار اإلداري علماً وعمالً ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية،
.2011
-6أنور أحمد رسالن ،الوسيط في القانون اإلداري ،الكتاب األول ،المشرونية والرقابة
القضائية( ،ب.د).1997 ،
-9خالد سيد محمد حماد ،حدود الرقابة القضائية على سلطة اإلدارة التقديرية ،دراسة
مقارنة ،الطبعة الثانية ،دار النهضة العربية ،القاهرة.
-11رمزي الشاعر ،تدرج البطالن في الق اررات اإلدارية ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
.1984
( ،ب.د).1995 ، -12رمزي الشاعر ،قضاء التعوي
،دار النهضة العربية ،القاهرة، -13سعاد الشرقاوي ،قضاء اإللغاء وقضاء التعوي
.1981
-------- -14نسبية الحرية العامة وانعكاسها على التنظيم القانوني ،دار النهضة
العربية ،القاهرة.1979 ،
-15سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري وقضاء اإللغاء ،دار الفكر العربي،
القاهرة.1986 ،
-17ال ال ال ال ال ال ،النظرية العامة للق اررات اإلدارية ،الطبعة الخامسة( ،ب.د) .1984
-18ال ال ال ال ال ال طارق فتن هللا خضر ،دعوى اإللغاء ،دار النهضة العربية ،القاهرة.1997 ،
-19طعيمة الجرف ،رقابة القضاء اإلداري ألعمال اإلدارة العامة ،قضاء اإللغاء ،دار
النهضة العربية ،القاهرة.1984 ،
------ -20رقابة القضاء اإلداري ألعمال اإلدارة ،قضاء اإللغاء ،دار النهضة
العربية.1977 ،
-23عبد الحكم فودة ،الخصومة اإلدارية في دعوى اإللغاء والصيغ النموذجية ،دار
المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية.1996 ،
-24عبد الحميد الشواربي ،تأديب العاملين في قانون شركات قطاع األعمال ،منشأة
المعارف ،اإلسكندرية1995 ،م.
-25عبد الرازق السنهوري ،الوسيط في شرل القانون المدني الجديد ،الجزء الثالث،
(د.ت).
-26عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،دعوى إلغاء القرار اإلداري ،منشأة المعارف،
اإلسكندرية.2004 ،
------- -28الق اررات اإلدارية في الفقه وقضاء مجلس الدولة ،منشأة المعارف،
.2007
-29عبد الغني بسيوني عبد هللا ،القضاء اإلداري ،إل( ،4د.ن).2009 ،
-31عبد الغني بسيوني عبد هللا ،والية القضاء اإلداري على أعمال اإلدارة العامة،
منشأة المعارف ،اإلسكندرية.1983 ،
-33عدنان عمرو ،القضاء اإلداري ،قضاء اإللغاء ،الطبعة الثانية ،منشأة المعارف،
اإلسكندرية.2004 ،
-34عمر محمد السيوي ،الوجيز في القضاء اإلداري ،دار الفضيل للنشر والتوزيع،
بنغازي -ليبيا.2013 ،
-36فؤاد موسى ،فكرة اإلنحراف باإلجراء ،كوجه من أوجه مجاوزة السلطة ،دراسة
مقارنة ،دار الفكر العربي.1997 ،
-40محسن خليل ،القضاء اإلداري ورقابته ألعمال اإلدارة ،دار المطبوعات الجامعية،
.1968
-44محمد حسنين عبد العال ،فكرة السبب في القرار اإلداري ودعوى اإللغاء ،دار
النهضة العربية ،القاهرة.1998 ،
-45محمد رفعت عبد الوهاب ،أصول القضاء اإلداري ،دار الجامعة الجديدة.2014 ،
،--------- -47د حسين عثمان ،القضاء اإلداري ،الكتاب الثاني ،دار النهضة
العربية ،القاهرة.1997 ،
-48محمد عبد الحميد أبو زيد ،القضاء اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة.1997 ،
-49محمد فؤاد عبد الباسط ،القانون اإلداري ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية،
(ب.ت).
-50محمد فؤاد مهنا ،دروس في القانون اإلداري العربي ،دار المعارف ،القاهرة
1965م.
-51محمد كامل ليلة ،الرقابة على أعمال اإلدارة القضائية ،دار النهضة العربية،
القاهرة.1986 ،
-52محمد ماجد ياقوت ،شرل اإلجراءات التأديبية في الوايفة العامة والمهن الحرة
النقابية والعمل الخاص ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية2004 ،م.
-53محمد ماهر أبو العينين ،ضوابط مشرونية الق اررات اإلدارية وفقاً للمنهل القضائي،
دار أبو المجد للطباعة ،إل.2008 ،1
-55ال ال ال ال ال ،القضاء اإلداري في القانون المصري والمقارن ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
.1993
-56محمود حافظ ،القضاء اإلداري في القانون المصري المقارن ،دار النهضة العربية،
.1992
-57محمود حلمي ،القضاء اإلداري ،قضاء اإللغاء ،دار الفكر العربي.1977 ،
-58محمود سامي جمال الدين ،اللوائن اإلدارية وضمانة الرقابة القضائية( ،د.ن)،
.1982
-59ال ال ال ال ال ،الدعاوى اإلدارية واإلجراءات أمام القضاء اإلداري ،منشأة المعارف ،القاهرة،
.1991
-60ـــــــــ ،القضاء اإلداري والرقابة على أعمال اإلدارة ،دار الجامعة الجديدة للنشر،
القاهرة( ،ب.ت).
-61ال ال ال ال ال ال ،قضاء المالئمة والسلطة التقديرية للدارة ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية،
.2014
-62محمود عاطف البنا ،الوجيز في القضاء اإلداري ،دار الفكر العربي.1996 ،
-63ال ال ال ال ال ،الوسيط في القضاء اإلداري ،الطبعة الثانية ،دار الفكر العربي ،القاهرة،
.1999
-64مصطفى أبو زيد فهمي ،القضاء اإلداري ومجلس الدولة ،دار المعارف ،القاهرة،
.1986
-65ال ال ال ال ال ال ،القضاء اإلداري ،دار المعارف ،القاهرة.1986 ،
-66مصطفي عبد الغني أبو زيد ،المحل في القرار اإلداري والرقابة القضائية عليه،
دراسة مقارنة ،دار النهضة العربية ،القاهرة( ،د.ت).
-67مصطفى عفيفي ،الرقابة على أعمال اإلدارة والمنازعات اإلدارية مدراسة مقارنة
وتطبيقية في كل من اإلمارات العربية والقوانينم ،الجزء األول.1990 ،
-68مصطفى كامل ،رقابة مجلس الدولة اإلدارية والقضائية ،دار النهضة العربية
(د.ت).
-69ال ال ال ال ،مجلس الدولة المبادئ العامة للقضاء اإلداري ،شرل قانون مجلس الدولة
المصري ،إل ،2دار النهضة العربية ،القاهرة.1954 ،
-70نعيم عطية ،مساهمة في النظرية العامة للحريات الفردية ،القومية للطباعة والنشر،
.1963
-1رسائل الماجستير:
-1دلشا معروف على رقابة القضاء على مشرونية الضبط اإلداري ، ،رسالة ماجستير
مقدمة إلي كلية الحقوق -جامعة اإلسكندرية.2015 ،
-2عبد العاطى محمد عبد العاطى ،مسئولية الدولة عن أعمال وق اررات موافيها ،رسالة
ماجستير مقدمة إلي كلية الحقوق -جامعة اإلسكندرية.2014 ،
-3عبد هللا بن سالم بن ناصر ،رقابة القضار االدارى العمانى على إساءة استعمال السلطة
،رسالة ماجستير مقدمة إلي كلية الحقوق -جامعة اإلسكندرية.2014 ،
-4صاحب مطر خباإل ،ضمانات التوازن بين السلطة والحرية في إجراءات الضبط اإلداري،
رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق -جامعة اإلسكندرية.2014 ،
-5صفاء شكر محمود ،االنحراف بالسلطة التقديرية للدارة مإساءة استعمالها – دراسة
مقارنةم ،رسالة ماجستير ،كلية الحقوق – جامعة اإلسكندرية.2015 ،
-2امل لطفى حسن ،الرقابة القضائيىة على ق اررات الضبط الخاصة باألجانب ،
رسالة دكتوراة ،كلية الحقوق ،جامعة حلوان . 2002 ،
-3جمال نباس أحمد عثمان ،الضبط اإلدارى فى مجال البناء والتعمير ،رسالة
دكتوراة ،كلية الحقوق ،جامعة اإلسكندرية . 2001 ،
-4حسام الدين محمد مرسى ،السلطة التقديرية فى مجال الضبط اإلداري ،رسالة
دكتوراة ،كلية الحقوق ،جامعة االسكندرية . 2009 ،
-5عبد هللا محمد عبد الرحيم ،الرقابة القضائية على السلطة التقديرية في مجال التأديب،
رسالة دكتوراه ،كلية الحقوق – جامعة اإلسكندرية.2012 ،
-6نيسي بن سعد النعيمي ،الضبط االدارى وسلطاتة وحدودة فى دولة قطر ،
رسالة دكتوراة ،كلية الحقوق ،جامعة القاهرة . 2009 ،
-7سالم بن راشد العلوى ،القضاء االدارى العمانى دراسة مقارنة ،أكاديمية السلطان
قابوس لعلوم الشرطة ،سلطنة عمان . 2011 ،
-8سالم بن يحي بن سالم الخروصى ،التظلم لقبول دعوي مراجعة القرار اإلداري
،رسالة دكتوراة ،كلية الحقوق ،جامعة السلطان قابوس ،سلطنة عمان . 2010 ،
-9سيف بن سالم بن سعيد السعيدي ،النظام التأديبى للمواف العام ،دراسة
مقارنة بين مصر وسلطنة عمان ،رسالة دكتوراة ،كلية الحقوق ،جامعة عين شمس ،
. 2006
-11طارق سيد أحمد حسن ،المالءمة األمنية ومشرونية ق اررات الضبط اإلداري
،رسالة دكتوراة ،أكاديمية الشرطة . 2008 ،
-12محمد أبو العينين ،اإلنحراف التشريعي ،رسالة دكتو ارة ،كلية الحقوق -جامعة
القاهرة.1986 ،
-13محمد مصطفى السيد عبد العليم ،مشكلة تنفيذ أحكام القضاء اإلداري والتنظيم الفرنسي
الحديث لمواجهاتها ،دراسة مقارنة مع مصر ،رسالة دكتو ارة ،كلية الحقوق ،جامعة
اإلسكندرية 2017 ،م.
-14محمد محمود سعيد ،نظرية الضبط اإلداري فى ال الظروف العادية ،رسالة دكتوراة،
كلية الحقوق ،جامعة اإلسكندرية2017 ،م.
-15ممدول عبد المجيد ،سلطات الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية مدراسة مقارنةم،
رسالة دكتوراه ،أكاديمية الشرطة ،غير منشورة1991 ،م.
-16محمد وليد العبادى ،القضاء اإلداري واألنظمة المقارنة رسالة دكتوراة ،جامعة عمان
،األردن .2008 ،
أحمد حافظ نجم ،السلطة التقديرية للدارة ودعاوى اإلنحراف بالسلطة ،مجلة -1
العلوم اإلدارية.1982 ،
أحمد كمال الدين ،فكرة اإلثبات أمام القضاء اإلداري ،مجلة مجلس الدولة، -2
السنة السابعة والعشرون ،سنة .1980
مجلة، اإلنحراف في استعمال السلطة وعيب السبب، سعاد الشرقاوي.د -3
.15 السنة،العلوم اإلدارية
العدد3 س، الفصل غير التأديبي من العلوم اإلدارية، عبد الفتال حسن.د -4
.1961 أغسطس- الثاني
الجزء التاسع، الموسوعة اإلدارية الحديثة، حسن الفكهاني. أ، نعيم عطية.د -6
.319 قاعدة،511 ،عشر
مجلة العلوم، اإلنحراف في استعمال اإلجراء،عبد الفتاا عبد الحليم عبد البر -7
.1980 ديسمبر، العدد الثاني،اإلدارية
المراجع األجنبية:ثانيًا
I. OUVRAGES
1- BAILLEUL David, L'efficacité comparée des recours
pour excès de pouvoir et de plein contentieux objectif en droit public
français, Éd. L.G.D.J, 2002.
2- BIGAUT Christian, Le droit administrative en fiches, éd.
Ellipses, Paris, 2004.
3- Henri welter, LE CONTROLE JURIDICTIONNEL de la
MORALITÉ ADMINISTRATIVE, ÉTUDE DE DOCTRINE ET DE
JURISPRUDENCE, éd. SIREY, paris, 1929.
4- M. LETOURNEUR, J. BAUCHET, J.MERIC, Le conseil
d’état et les tribunaux administratifs, éd. Librairie Armand colin,
Paris, 1970.
5- WATTECAMPS Aurélie, les recours contentieux:
recours pour excès de pouvoir, fiche pedagogique virtuelle, Faculté
de Droit de Lyon, 2010. disponible a l'adresse suivante:
http://fdvsrv.univlyon3.fr/moodle//file.php/1/FPV2/Droit_public/Droit_administratif/
07_les_recours- contentieux%20_3__rep%20mis%20%20jour.pdf
II. REVUES ET THESES
1- BRAIBANT Guy, le droit administratif français.3eme
édition, Presses de la fondation nationale dessciences politiques &
Dalloz, paris, 1992.
2- Constantin Taliadoros, Le Contrôle de la légalité des actes
administratifs au moyen du recours pour excès de pouvoir devant le
Conseil d'Etat Egyptien, Thèse de doctorat, paris, 1954.
3- lemasurier Jeanne, La preuve dans le détournement de
pouvoir, Revue du droit public et de la science politique en France et
à l'étranger, tome 75, paris, 1959.
4- départements et des regions, paris, avril 2004.
فهرس المحتوريات
رقم الصفحة البيان
2 مقدمة
4 سبب اختيار موضوع البحث
رقم الصفحة البيان
5 أهمية البحث
6 صعوبات الدراسة
7 تسا الت البحث
8 أهداف الدراسة
8 منهج الدراسة
11 الفصل االول :ماهية الضبط اإلداري وحدوده القانونية
13 المبحث األول :مفهوم الضبط اإلداري
14 المطلب األول :ذاتية الضبط اإلداري
16 الفرع األول :التعريف بالضبط اإلداري
42 الفرع الثانى :وسائل وأغراض الضبط اإلدارى
54 المطلب الثاني :أنواع الضبط اإلداري وطبيعتة
54 الفرع األول :أنواع الضبط اإلداري
68 الفرع الثانى :طبيعة الضبط اإلداري
77 المبحث الثانى :القيود الدستورية والقانونية للضبط اإلداري
80 المطلب األول :مبدأ المشروعية كقيد على سلطة الضبط
82 الفرع األول :التعريف بالمشروعية وبيان ماهيتها ومضمونها وعالقتها بالسلطة التنفيذية
89 الفرع الثاني :انعكاسات المشروعية على أعمال الضبط اإلداري
93 المطلب الثاني :حماية الحريات الدستورية والقانونية كقيد على سلطة الضبط
93 الفرع األول :التنظيم التشريعي للحريات
108 الفرع الثانى :سلطة اإلدارة في مجال الحريات
112 المبحث الثالث :القيود المتعلقة باالجراء الضابط
115 المطلب األول :الحدود المتعلقة بطبيعة النشاط الذي يستهدفه الضبط
115 الفرع األول :النشاطات غير المشروعة
116 الفرع الثاني :النشاطات المرخص بها
118 الفرع الثالث :نشاطات تشكل حريات يضمنها الدستور أو القانون
125 المطلب الثاني :قيود اإلجراء الضبطي الناتج عن فكرة الحرية ذاتها
134 المطلب الثالث :الحدود المتعلقة بوسائل الضبط اإلداري
134 الفرع األول :الحدود المتعلقة بوسائل الضبط اإلداري في الظروف العادية
142 الفرع الثاني :الحدود المتعلقة بوسائل الضبط اإلداري في الظروف االستثنائية
169 الفصل الثانى :الرقابة القضائية على اعمال الضبط االدارى
172 المبحث األول :ماهية الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
174 المطلب األول :مفهوم الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
175 الفرع األول :ماهية الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
176 الفرع الثاني :وسيلة الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
178 الفرع الثالث :أهداف الرقابة القضائية على أعمال الضبط اإلداري
181 المطلب الثاني :رقابة القضاء اإلداري على حدود هيئات الضبط اإلداري
182 الفرع األول :رقابة القضاء على تقيد هيئات الضبط اإلداري بمبدأ الشرعية
185 الفرع الثاني :رقابة القضاء على تقييد هيئات الضبط اإلداري لتحقيق النظام العام
194 الفرع الثالث :الرقابة القضائية على تقيد هيئات الضبط اإلداري بالحريات العامة
201 المطلب الثالث :تناسب الرقابة القضائية مع الظروف المدثرة في هيئات الضبط اإلداري
رقم الصفحة البيان
202 الفرع األول :مراعاة عامل الزمان والمكان
204 الفرع الثاني :اتساع الرقابة القضائية مع تقييد سلطات الضبط اإلداري في الظروف العادية
206 الفرع الثالث :تخفيف الرقابة القضائية مع اتساع سلطات الضبط اإلداري في الظروف اإلستثنائية
214 المبحث الثانى :الرقابة على الشرعية الخارجية والداخلية لقرارات الضبط اإلداري
217 المطلب األول :الرقابة على الشرعية الخارجية
217 الفرع االول :الرقابة في الحاالت العادية
224 الفرع الثاني :الرقابة في الحاالت االستثنائية
227 المطلب الثاني :الرقابة على الشرعية الداخلية
228 الفرع األول :الرقابة على المحل
236 الفرع الثاني :الرقابة على عنصر السبب
248 المطلب الثالث :الرقابه القضائية على الخروج عن الغايه من قرارات الضبط االدارى
الفرع االول :دور القاضي االداري في فحص الغاية من القرار اإلداري يدخل ضمن حدود وظيفته األصلية في
251
الرقابة على المشروعية والتي تعد عنصرا ً من عناصر دولة القانون
255 الفرع الثانى :صور (حاالت) عيب الغاية في قرارات الضبط االداري
269 الفرع الثالث :سلطة القاضي االداري فى مراقبة الهدف من إجراء الضبط االداري
279 المبحث الثالث :ضمانات األفراد تجاه قرارات الضبط اإلداري المعيبة
282 المطلب األول :إلغاء قرارات الضبط االداري المعيبة
282 الفرع األول :ماهية دعوى اإللغاء
284 الفرع الثانى :شروط قبول دعوى إلغاء القرار االداري
292 المطلب الثاني :الحق فى التعويض عند توافر أركان المسئولية
295 الفرع األول :مسدولية اإلدارة بالتعويض عن القرار المشوب بعيب الغاية
301 الفرع الثانى :جواز الجمع بين دعوى اإللغاء ودعوى التعويض بالنسبه لقرارات الضبط اإلداري المعيبة
305 الخاتمة
314 قائمة المراجع
325 الفهرس