Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الرابعة
المحاضرة الرابعة
المحاضرة الرابعة
1ـ تعريفهـ :املنهج املقارن مفهوم مركب من مصطلحني مها المنهج ،والمقارنة .
لغة :هي املقايسة بني ظاهرتني أو أكثر ويتم ذلك مبعرفة أوجه الشبه واالختالف .
اصطالحا :هي عملية عقلية تتم بتحديد أوجه الشبه وأوجه االختالف بني حادثتني اجتماعيتني أو أكثر،
نستطيع من خالهلا احلصول على معارف أدق منيز هبا موضوع الدراسة أو احلادثة يف جمال املقارنة والتصنيف.
وباجلمع بني املصطلحني ميكن تعريف المنهج المقارن بأنه :تلك الطريقة العلمية التي تعتمد على المقارنةـ
في تفسير الظواهرـ المتماثلة ،من حيث إبراز أوجه الشبه وأوجه االختالف فيما بينهما ،وفق خطوات
بحث معينة من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية بشأن الظواهر محل الدراسةـ والتحليل .
فأساس هذا املنهج هو معرفة كيف؟ وملاذا؟ حتدث الظواهر من خالل مقارنتها بعضها البعض من حيث أوجه
الشبه وأوجه االختالف؛ وذلك من أجل التعرف على العوامل املسببة حلادثة أو ظاهرة معينة ،والظروف
املصاحبة لذلك ،والكشف على الروابط والعالقات بني الظواهر .
متتد املقارنة يف أصوهلا التارخيية إىل العصر القدمي وإن مل تتخذ الطابع الذي تتسم به حالياً ،فقد كان أرسطو
من املفكرين املبادرين بتطبيق املنهج املقارن يف أحباثه السياسية، pوال سيما عندما تعرض لدراسة ومناقشة حوايل
158دستور وكذا النظم السياسة يف اليونان pالقدمي ،فهو يرى أن املعرفة السياسية رهينة مبالحظة تعدد النظم
19
السياسية pومقارنة ما بينها من نقاط اختالف ونقاط ائتالف ،ويف اعتقاده أن تعدد النظم السياسة يرجع أساسا
إىل وجود فوارق جوهرية فيما بينها ،واملنهج املقارن وحده هو الكفيل pبالكشف عن تلك الفوارق.
إىل جانب أرسطو يف العصر اليوناين ،فقد استخدم بعض املفكرين املسلمني املنهج املقارن pوعلى
رأسهم :العالمةـ عبد الرحمنـ بن خلدون ،حيث قام بدراسة مقارنة ألجيال الدولة ،كما قارن بني ألوان البشر
يف املناطق احلارة والباردة ،وتوصل إىل كثري من النتائج يف جمال العمران ،إضافة إىل الفارابي ،وابن رشد ...
وغريهم ،أما يف العصر احلديث فقد استخدم املنهج املقارن كل من ميكيا فيللي يف دراسته للنظم السياسية و
خمتلف أنواع pاحلكومات... pوجيمس برايس يف مقارنته بني خمتلف األنظمة السياسية pالدميقراطية احلديثة يف
العامل قبل احلرب العاملية pاألوىل .
3ـ طرق المقارنة :تتم املقارنة من خالل عدة طرق أمهها :
أ ـ التالزم في الوقوع :وتنطلق هذه الطريقة من مبدأ أن تشابه الظروف املؤدية إىل نفس النتيجة يف أحداث
أو ظواهر خمتلفة جيعل منها السبب الرئيس يف ذلك .
ب ـ التالزم في عدم الوقوع :وهي عكس الطريقة األوىل ،ويكون pذلك مبالحظة تكرار غياب الظاهرة يف
مرات أو أمكنة متعددة ،فإن رافق هذا الغياب عنصر معني يف كل هذه املرات ،على حني أن العناصر األخرى
قد تغيب حيناً وتظهر حيناً آخر ،فيعترب ذلك دليالً على أن العنصر املفتقد هو سبب حدوث الظاهرة.
ج ـ التالزم في الوقوع وعدم الوقوع :تقوم هذه الطريقة على مبدأ توافر عامل مشرتك أو أكثر يف حالتني
من احلاالت اليت حتدث فيها الظاهرة ،بينما ال تكون pبني حالتني أو أكثر من احلاالت اليت ال حتدث فيها
الظاهرة سوى غياب ذلك العامل ،وبالتايل فإن وجود هذا العامل يف املرة األوىل وعدم وجوده يف املرة الثانيةp
مع اختالف النتيجة جيعل هذا العامل السبب الرئيسي يف ذلك.
د ـ تالزم التغيرـ في السبب والنتيجة :وهذه الطريقة تتمثل يف أن النتيجة تزداد بازدياد املسبب pوتنخفض
كلما اخنفض املسبب.
4ـ أبعادـ المنهج المقارن :تتم دراسة الظاهرة باستخدام املنهج املقارن pوفق ثالثة أبعاد :
20
*بعد زماني :يف هذا البعد تتم دراسة الظاهرة نفسها ولكن يف فرتتني زمنيتني خمتلفتني ،وذلك من خالل حتليل
الظاهرة يف كلتا املرحلتني ،مث اعتماد إحداها كنقطة معيارية يتم الرجوع إليها للمقارنة هبا .
*بعد مكاني :وهنا نقارن بني الظاهرة يف مكان معني وتواجدها يف مكان pآخر وذلك يف نفس الفرتة pالزمنية.
*بعد زماني ـ مكاني :والذي يقارن بني تواجد الظاهرة يف مكان pما وزمان معني مع تواجدها يف أمكنة أخرى
وأزمنة أخرى متباينة. p
أ ـ جيب أال تركز املقارنة على دراسة حادثة واحدة وإمنا جيب أن تستند املقارنة إىل دراسة خمتلف أوجه
ب ـ أن تكون pهناك أوجه شبه وأوجه اختالف فال جيوز أن نقارن ما ال يقارن.
ج ـ جتنب املقارنة السطحية و العمل على الغوص يف اجلوانب األكثر عمقاً لفحص وكشف طبيعة pالواقع
املدروس وعقد املقارنات اجلادة و العميقة .
د ـ أن تكون الظاهرة املدروسة مقيدة بعاملي الزمان واملكان لنستطيع مقارنتها حبادثة مشاهبة يف مكان pآخر أو
زمان آخر أو زمان ومكان pآخرين .
إن عملية البحث املقارن تقع ضمن مخس خطوات وفق الشكل اآليت :
أ ـ تحديد موضوع الدراسة المقارنةـ :البد للباحث الذي يعتمد املنهج املقارن أن حيدد مسائل حبثه على
21
[ب ـ تحديد نطاق المقارنةـ :واملقصود به حتديد اجملال الذي ستجرى فيه املقارنة ،ومثة عوامل متعددة تلعب
دورا يف حتديد نطاق املقارنة ، pمثل املؤهالت الشخصية ،وإمكانية pإجراء البحث ،وقابلية املقارنة ،هذه
األخرية اليت تتبلور من خالل مالحظة اهلدف من البحث املقارن. p
ج ـ تتبع مستويات االشتراكـ والتباين الشكلية :ال بد للباحث أن يتتبع احلد األقصى من مستويات
االشرتاك والتباين (التشابه واالختالف ) ،فيبدأ بالشكلية منها املتعلقة باملبىن ليصل فيما بعد إىل اجلوهرية ،اذ ال
ميكن جتاوز الشكل للمرور إىل اجلوهر .
د ـ تتبع مستويات االشتراكـ والتباينـ الجوهرية :تتمثل املرحلة األهم يف البحث املقارن يف االنتقال من
مساحة االشرتاك pوالتباين الشكلية إىل اجلوهرية ؛حيث يقوم الباحث بتتبع أوجه الشبه واالختالف املتعلقة
باجلوهر أو املضمون .
هـ ـ تفسير حاالتـ التباينـ واالشتراك :وهي أصعب خطوات البحث املقارن p؛حيث حياول الباحث توظيف
قوانني معرفية وتارخيية وغريها ليقدم تفسريا حلاالت التباين واالشرتاك ،ومن مث استخالص نتائج البحث .
22