You are on page 1of 4

‫‪.

‬‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫سادسا ـ المنهج المقارن ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ تعريفهـ ‪ :‬املنهج املقارن مفهوم مركب من مصطلحني مها المنهج ‪ ،‬والمقارنة ‪.‬‬

‫ـ المنهج ‪ :‬وهو الطريق أو األسلوب ‪.‬‬

‫ـ أما المقارنة ‪:‬‬

‫لغة ‪ :‬هي املقايسة بني ظاهرتني أو أكثر ويتم ذلك مبعرفة أوجه الشبه واالختالف ‪.‬‬

‫اصطالحا ‪ :‬هي عملية عقلية تتم بتحديد أوجه الشبه وأوجه االختالف بني حادثتني اجتماعيتني أو أكثر‪،‬‬
‫نستطيع من خالهلا احلصول على معارف أدق منيز هبا موضوع الدراسة أو احلادثة يف جمال املقارنة والتصنيف‪.‬‬

‫وباجلمع بني املصطلحني ميكن تعريف المنهج المقارن بأنه ‪ :‬تلك الطريقة العلمية التي تعتمد على المقارنةـ‬
‫في تفسير الظواهرـ المتماثلة ‪ ،‬من حيث إبراز أوجه الشبه وأوجه االختالف فيما بينهما ‪،‬وفق خطوات‬
‫بحث معينة من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية بشأن الظواهر محل الدراسةـ والتحليل ‪.‬‬

‫فأساس هذا املنهج هو معرفة كيف؟ وملاذا؟ حتدث الظواهر من خالل مقارنتها بعضها البعض من حيث أوجه‬
‫الشبه وأوجه االختالف؛ وذلك من أجل التعرف على العوامل املسببة حلادثة أو ظاهرة معينة ‪،‬والظروف‬
‫املصاحبة لذلك‪ ،‬والكشف على الروابط والعالقات بني الظواهر ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ الجذور التاريخية للمنهج المقارن ‪:‬‬

‫متتد املقارنة يف أصوهلا التارخيية إىل العصر القدمي وإن مل تتخذ الطابع الذي تتسم به حالياً ‪،‬فقد كان أرسطو‬
‫من املفكرين املبادرين بتطبيق املنهج املقارن يف أحباثه السياسية‪، p‬وال سيما عندما تعرض لدراسة ومناقشة حوايل‬
‫‪ 158‬دستور وكذا النظم السياسة يف اليونان‪ p‬القدمي‪ ،‬فهو يرى أن املعرفة السياسية رهينة مبالحظة تعدد النظم‬

‫‪19‬‬
‫السياسية‪ p‬ومقارنة ما بينها من نقاط اختالف ونقاط ائتالف‪ ،‬ويف اعتقاده أن تعدد النظم السياسة يرجع أساسا‬
‫إىل وجود فوارق جوهرية فيما بينها‪ ،‬واملنهج املقارن وحده هو الكفيل‪ p‬بالكشف عن تلك الفوارق‪.‬‬

‫إىل جانب أرسطو يف العصر اليوناين ‪ ،‬فقد استخدم بعض املفكرين املسلمني املنهج املقارن‪ p‬وعلى‬
‫رأسهم ‪:‬العالمةـ عبد الرحمنـ بن خلدون ‪،‬حيث قام بدراسة مقارنة ألجيال الدولة ‪،‬كما قارن بني ألوان البشر‬
‫يف املناطق احلارة والباردة ‪ ،‬وتوصل إىل كثري من النتائج يف جمال العمران ‪ ،‬إضافة إىل الفارابي ‪ ،‬وابن رشد ‪...‬‬
‫وغريهم ‪ ،‬أما يف العصر احلديث فقد استخدم املنهج املقارن كل من ميكيا فيللي يف دراسته للنظم السياسية و‬
‫خمتلف أنواع‪ p‬احلكومات‪... p‬وجيمس برايس يف مقارنته بني خمتلف األنظمة السياسية‪ p‬الدميقراطية احلديثة يف‬
‫العامل قبل احلرب العاملية‪ p‬األوىل ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ طرق المقارنة ‪ :‬تتم املقارنة من خالل عدة طرق أمهها ‪:‬‬

‫أ ـ التالزم في الوقوع ‪ :‬وتنطلق هذه الطريقة من مبدأ أن تشابه الظروف املؤدية إىل نفس النتيجة يف أحداث‬
‫أو ظواهر خمتلفة جيعل منها السبب الرئيس يف ذلك ‪.‬‬

‫ب ـ التالزم في عدم الوقوع ‪ :‬وهي عكس الطريقة األوىل ‪ ،‬ويكون‪ p‬ذلك مبالحظة تكرار غياب الظاهرة يف‬
‫مرات أو أمكنة متعددة ‪ ،‬فإن رافق هذا الغياب عنصر معني يف كل هذه املرات ‪،‬على حني أن العناصر األخرى‬
‫قد تغيب حيناً وتظهر حيناً آخر ‪ ،‬فيعترب ذلك دليالً على أن العنصر املفتقد هو سبب حدوث الظاهرة‪.‬‬

‫ج ـ التالزم في الوقوع وعدم الوقوع ‪ :‬تقوم هذه الطريقة على مبدأ توافر عامل مشرتك أو أكثر يف حالتني‬
‫من احلاالت اليت حتدث فيها الظاهرة ‪ ،‬بينما ال تكون‪ p‬بني حالتني أو أكثر من احلاالت اليت ال حتدث فيها‬
‫الظاهرة سوى غياب ذلك العامل ‪ ،‬وبالتايل فإن وجود هذا العامل يف املرة األوىل وعدم وجوده يف املرة الثانية‪p‬‬
‫مع اختالف النتيجة جيعل هذا العامل السبب الرئيسي يف ذلك‪.‬‬

‫د ـ تالزم التغيرـ في السبب والنتيجة ‪ :‬وهذه الطريقة تتمثل يف أن النتيجة تزداد بازدياد املسبب‪ p‬وتنخفض‬
‫كلما اخنفض املسبب‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ أبعادـ المنهج المقارن ‪ :‬تتم دراسة الظاهرة باستخدام املنهج املقارن‪ p‬وفق ثالثة أبعاد ‪:‬‬
‫‪20‬‬
‫*بعد زماني ‪ :‬يف هذا البعد تتم دراسة الظاهرة نفسها ولكن يف فرتتني زمنيتني خمتلفتني ‪،‬وذلك من خالل حتليل‬
‫الظاهرة يف كلتا املرحلتني‪ ،‬مث اعتماد إحداها كنقطة معيارية يتم الرجوع إليها للمقارنة هبا ‪.‬‬

‫*بعد مكاني‪ :‬وهنا نقارن بني الظاهرة يف مكان معني وتواجدها يف مكان‪ p‬آخر وذلك يف نفس الفرتة‪ p‬الزمنية‪.‬‬

‫*بعد زماني ـ مكاني ‪ :‬والذي يقارن بني تواجد الظاهرة يف مكان‪ p‬ما وزمان معني مع تواجدها يف أمكنة أخرى‬
‫وأزمنة أخرى متباينة‪. p‬‬

‫‪ 5‬ـ شروط المقارنة ‪:‬‬

‫أ ـ جيب أال تركز املقارنة على دراسة حادثة واحدة وإمنا جيب أن تستند املقارنة إىل دراسة خمتلف أوجه‬

‫الشبه واالختالف بني حادثني أو أكثر‪.‬‬

‫ب ـ أن تكون‪ p‬هناك أوجه شبه وأوجه اختالف فال جيوز أن نقارن ما ال يقارن‪.‬‬

‫ج ـ جتنب املقارنة السطحية و العمل على الغوص يف اجلوانب األكثر عمقاً لفحص وكشف طبيعة‪ p‬الواقع‬
‫املدروس وعقد املقارنات اجلادة و العميقة ‪.‬‬

‫د ـ أن تكون الظاهرة املدروسة مقيدة بعاملي الزمان واملكان لنستطيع مقارنتها حبادثة مشاهبة يف مكان‪ p‬آخر أو‬
‫زمان آخر أو زمان ومكان‪ p‬آخرين ‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ خطوات المنهجـ المقارن ‪:‬‬

‫إن عملية البحث املقارن تقع ضمن مخس خطوات وفق الشكل اآليت ‪:‬‬

‫أ ـ تحديد موضوع الدراسة المقارنةـ ‪ :‬البد للباحث الذي يعتمد املنهج املقارن أن حيدد مسائل حبثه على‬

‫وجه الدقة‪ ،‬وحيدد موضوع املقارنة حتديدا دقيقا ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫[ب ـ تحديد نطاق المقارنةـ ‪ :‬واملقصود به حتديد اجملال الذي ستجرى فيه املقارنة ‪ ،‬ومثة عوامل متعددة تلعب‬
‫دورا يف حتديد نطاق املقارنة‪ ، p‬مثل املؤهالت الشخصية ‪ ،‬وإمكانية‪ p‬إجراء البحث ‪ ،‬وقابلية املقارنة ‪ ،‬هذه‬
‫األخرية اليت تتبلور من خالل مالحظة اهلدف من البحث املقارن‪. p‬‬

‫ج ـ تتبع مستويات االشتراكـ والتباين الشكلية ‪ :‬ال بد للباحث أن يتتبع احلد األقصى من مستويات‬
‫االشرتاك والتباين (التشابه واالختالف )‪ ،‬فيبدأ بالشكلية منها املتعلقة باملبىن ليصل فيما بعد إىل اجلوهرية ‪ ،‬اذ ال‬
‫ميكن جتاوز الشكل للمرور إىل اجلوهر ‪.‬‬

‫د ـ تتبع مستويات االشتراكـ والتباينـ الجوهرية ‪ :‬تتمثل املرحلة األهم يف البحث املقارن يف االنتقال من‬
‫مساحة االشرتاك‪ p‬والتباين الشكلية إىل اجلوهرية ؛حيث يقوم الباحث بتتبع أوجه الشبه واالختالف املتعلقة‬
‫باجلوهر أو املضمون ‪.‬‬

‫هـ ـ تفسير حاالتـ التباينـ واالشتراك‪ :‬وهي أصعب خطوات البحث املقارن‪ p‬؛حيث حياول الباحث توظيف‬
‫قوانني معرفية وتارخيية وغريها ليقدم تفسريا حلاالت التباين واالشرتاك ‪،‬ومن مث استخالص نتائج البحث ‪.‬‬

‫‪22‬‬

You might also like