You are on page 1of 11

‫النشاط الزراعي بقبيلة البرانس‬

‫الحرث ‪ :‬الجهد والبركة‬


‫الباحث‪ :‬محمادي هرنان‬

‫المجال ‪ ...‬واالنسان‬
‫ينحصر المجال البرنوسي من األرض الخصبة والصالحة للزراعة في مساحة ضيقة‪ ،‬ففي المقدمة‪ ،‬هناك الجبال واألحراش والغابات‪ ،‬ثم الهضاب‬
‫التي كان على السكان تطويعها‪ ،‬وجعلها قابلة للحرث ‪ ،‬بإخضاعها لعملية أولية إلزالة األحجار والدوم وكل نباتات البرية‪ ،‬مثل الكندول والسدرة‬
‫‪ ...‬أما "السهول" فضيقة جدا‪ ،‬وال توجد إال على شكل أشرطة ساحلية قرب المجاري الموسمية للماء‪.‬‬
‫هدا المجال الضيق ال يمكن أن يساير التكاثر المضطرد للسكان‪ ،‬ما جعل العديد من العائالت تهاجر في فترات متفرقة من ربعي أوربة وبني بوعال‪،‬‬
‫وحتى من قبيلتي مرنيسة وصنهاجة والريف إلى ربعي بني فقوص والطايفة على الخصوص‪ .‬وسيعمل هؤالء المهاجرون على تطويع األرض‬
‫الجديدة المكونة من الغابات واألحراش‪ ،‬كي تكون صالحة للزراعة وغرس األشجار‪ .‬وهنا يحضر نموذج فرقة اوالد جرو الممتدة من جوار باب‬
‫المروج الى قبيلة مكناسة الشرقية‪/‬سبت بوقالل التي استقبلت‬
‫العديد من العائالت في وقت سابق يناهز قرنين من الزمن‪.‬‬
‫عدا عن مختلف األشجار المثمرة وتربية الماشية والدواجن‪،‬‬
‫نجد النشاط الزراعي يركز على الحبوب والقطاني (شعير‪ ،‬قمح‪،‬‬
‫ذرة‪ ،‬فول‪ ،‬عدس‪ ،‬حمص‪ ،‬كرسانا)ونادرا ما تكون األرض‬
‫محفظة‪ ،‬لكن نجد الملكية وبشكل كبير موثقة برسوم عدلية تعود‬
‫الى الجد األول أو الثاني‪ ...‬تقتسم بين الورثة كعائلة وليس‬
‫كأفراد‪ ،‬كل عائلة وريثة تأخذ نصيبها في كل البقع األرضية مما‬
‫عرض األرض إلى بداية مسلسل التفتيت‪.‬‬
‫كان هذا الشكل من القسمة سائدا قبل أن تنقرض العائلة الموسعة‬
‫وتحل محلها األسرة النووية‪ .‬وهناك شكل آخر يسمى قسمة‬
‫الخبزة‪ ،‬أي أن كل وريث يحرث قطعا أرضية بكاملها تناسب‬
‫نصيب الوريث اآلخر‪ ،‬مما يخفف من عملية التفتيت‪ .‬لكن نادرا ما‬
‫يلجأ الورثة إلى توثيق هده القسمة‪.‬‬
‫في هده الدراسة‪ ،‬ومن خالل محاور‪ :‬اإلعداد للحرث وجريان‬

‫‪1‬‬
‫العملية‪ ...‬سيتم التركيز على الجانب التوثيقي‪ ،‬نظرا لما حصل في طقوس الحرث وأدواتها من انقراض لفائدة نمط جديد من الممارسة تتميز بحلول‬
‫المحراث الحديدي والجرار محل المحراث الخشبي‪.‬لذا من األهمية بمكان توثيق كل مظاهر عملية الحرث‪ ،‬من أدوات‪ ،‬وأسماء‪ ،‬وطقوس‪.‬‬

‫*( المحراث ‪ 1‬يعود الى مرحلة أمازيغ ما قبل الرومان بشمال افريقيا ‪،‬المحراث ‪ 2‬يعود الى المرحلة الرومانية ‪،‬المحراث ‪ 3‬ال زال صامدا الى اليوم‬
‫أما الصورة ‪ 4‬فهي من منطقة باب المروج بالبرانس خالل العقد الثاني من القرن ‪.)22‬‬

‫ظلت الملكية الجماعية لألرض هي السمة الغالب ة وتقتسم بين أفراد األسرة والعائلة‪ ،‬وأحيانا تؤدي الخالفات إلى صراعات دامية عند بداية موسم‬
‫الحرث‪.‬ولتفادي هده االزمة يتدخل الوجهاء والشرفاء وشيخ الفالّحة في النزاعات العادية بين المالكين من قبيل رسم الحدود ‪،‬إتالف المزروعات‬
‫من طرف الدواب وحق المرور ‪...‬‬
‫تقاس األرض بالخ ّدام ‪ ،‬ويفصل بين القطع والملكيات بعالمات ثابتة‪ ،‬عادة ما تكون نبات البرواك‪ ،‬ألنه دائم ويتجدد باستمرار مع أولى األمطار في‬
‫الخريف‪.‬‬
‫هناك مهن وحرف مرتبطة بالفالحة‪ ،‬من حرث وحصاد ودرس وتشذيب األشجار أبرزها الحدادة لصناعة ‪ :‬الفأس‪ ،‬سكة الحرث‪ ،‬منجل الحصاد‪،‬‬
‫حدوات (الصفايح) البغال والحمير‪ ،‬القادوم والمقدة‪ ...‬وكذلك النجارة لصناعة المحراث ‪،‬المذراة الخشبية‪...‬‬

‫إلى حدود أوائل سبعينيات القرن الماضي ظلت الدولة تقدم دعما ال بأس به للفالحين بالبرانس‪ ،‬في سياق السياسة االجتماعية لحكومات بداية‬
‫االستقالل (خاصة حكومة عبد هللا إبراهيم)‪ ،‬بتوفير البذور واألسمدة في بداية موسم الحرث‪ ،‬على أساس استخالص ثمنها في الصيف الموالى بعد‬
‫جمع المحاصيل‪ .‬وأحيانا كانت تلك الديون تلغى‪.‬‬

‫اإلعداد لعملية الحرث‬


‫يتطلب االعداد للحرث جهدا ووقتا وإمكانيات بشرية ومادية كي يمر الموسم في شروط مواتية وذلك بالقيام بالتحضيرات التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬تعيين الخماس‪ :‬أمام الحاجة ليد عاملة قارة‪ ،‬كان صاحب األرض يلجأ الى تعيين الخماس مقابل الشوحة كتسبيق‪ ،‬أي مقدار من المال (‪05‬‬
‫الى ‪ 055‬درهم تقريبا)‪ .‬يقوم الخماس بكل األشغال منذ يوم فتل الحبال من الدوم والبداية في الحرث‪ ،‬إلى لحظة توقاف التبن مقابل الخمس من‬
‫اإلنتاج الزراعي‪.‬‬
‫مع مرور السنين‪ ،‬أصبحت العديد من العائالت مستغنية عن الخماس لوفرة أفرادها‪ ،‬وفي كثير من األحيان‪ ،‬أصبح هؤالء أنفسهم من فئة الخماسين‬
‫لدى عائالت أخرى نتيجة عدم التناسب بين مساحة األرض الموروثة وبين تكاثر النسل‪.‬‬
‫ظواهر أخرى يجب الوقوف عليها في شأن اليد العاملة الزراعية‪ ،‬ومنها‪ ،‬على سبيل الذكر‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الخديم‪/‬الخادم‪ :‬ألسباب اقتصادية كالفقر‪ ،‬أو اجتماعية‪ ،‬كاليتم‪ ،‬أو أمنية‪ ،‬هناك بعض األفراد من قبيلة أخرى سواء من داخل البرانس –الربع‪ -‬أو‬
‫من خارجها‪ ،‬يجدون أنفسهم مضطرين للنزوح الى ربع معين‪ ،‬حيث يتم استقبالهم وتوفير مستلزمات العيش لهم بما فيها األمن والزواج‪ .‬مقابل‬
‫هذا كله‪ ،‬نجد الخديم يقوم بكل األشغال الفالحية‪ ،‬لكن ال يصبح عضوا في جماعة الدوار أي من األعيان‪ ،‬أو عضوا بمجلس الفرقة القبلية –‬
‫بولرباع‪ -‬إال بعد استقالله المادي واكتسابه مكانة اجتماعية تؤهله للمكانة السياسية ‪.‬‬
‫‪ -‬األسر النازحة‪ :‬كثيرا ما استقبلت قبيلة البرانس أسرا نازحة من قبائل أخرى مجاورة مثل مرنيسة وصنهاجة‪ ،‬وكزناية‪ ،‬والتسول‪ ...‬وتخضع في‬
‫عالقتها مع العائلة المستقبلة الى نفس النظام الذي يسري على األفراد الالجئين لكن قد نصادف ظاهرة مختلفة نوعا ما‪ ،‬بحيث توفر العائلة‬
‫المستقبلة جميع ظروف اإلستقرار‪ ،‬بما فيها األمن واألرض الصالحة للزراعة والغرس‪ ،‬وفي المقابل‪ ،‬تعمل األسر النازحة على توفير اليد العاملة‪،‬‬
‫مثل الخماس والمقاطع الذي يتعاقد معه المالك منذ بداية الحصاد الى توقاف التبن مقابل كمية معينة من الحبوب‪ ...‬كما توفر الدعم السياسي‬
‫والعسكري للعائالت االخرى باعتبارها جزءا من العائلة المستقبلة ‪.‬‬
‫‪ - 2‬عملية التعشاب ‪ :‬يقوم الخماس وصاحب األرض وأبناؤه بتنقية األرض من كل االعشاب واألشواك‪ ،‬ثم حرقها تمهيدا للحرث‪ .‬في هذه‬
‫العملية يستعمل المنجل والتفوركا وهي عود طويل بفرعين في طرفه‪.‬‬
‫‪ – 3‬التطواع‪ :‬قبل عملية الحرث يقوم الفالح بتدريب الدابة (بغل‪ ،‬فرس‪/‬عودة‪ ،‬حمار‪ ،‬ثور‪،‬بقرة) ألول مرة على الحرث في الدمنة‪ ،‬أي االرض‬
‫الواقعة قرب المنزل‪ ،‬وغالبا ما تكون تربتها خصبة ورطبة بفعل نثر روث المواشي بها سنويا‪ ،‬فتسهل عملية تطويع‪/‬تطواع الدابة‪ .‬هنا تتدرب‬
‫الدابة والمسيوطة‪/‬السياط ينزل على جسدها على ربط كلمات تسمعها بمعناها المتعارف عليه عند الفالح‪:‬‬
‫‪ -‬تااااااااال = أمر بالنزول الى مستوى الخط‬
‫‪-‬عااااااايد = أمر بالصعود الى مستوى الخط‬
‫‪-‬هووووووه = أمر بالتوقف‬
‫‪ -‬دووووور = أمر بالرجوع من تيريرة أي اخر الخط للبدئ في الخط الموالي ‪.‬‬

‫‪ -‬الزوج الحولة‪ :‬مكونة من بغل وثور‪ ،‬أو‬


‫بقرة‪ ،‬وهي تصلح للحرث في التضاريس‬
‫الوعرة (الدير)‪ ،‬ألن أظالف البقر تتمسك جيدا‬
‫باألرض‪،‬أفضل من حوافر البغال‪ ،‬وبذلك يشد‬
‫الثور البغل إلى جهته‪ ،‬عندما يكون فوق‬
‫الخط‪.‬‬
‫‪ -‬ثور الحرث‪ُ :‬يختار ثور جيد ويخصص‬
‫للحرث والقليب‪ ،‬فيخضع لإلخصاء‪ ،‬بنزع‬
‫خصيته في عملية بسيطة على يد شخص‬
‫مختص‪ ،‬وبذلك يفقد الهرمونات الذكورية‪،‬‬
‫فيقل هيجانه ويكبر حجمه‪ ...‬لكنه يفقد متعة‬
‫تخصيب البقرات!‬

‫‪ -4‬فتل الحبال للحرث‪ :‬تكون مناسبة للتعاون والترفيه‪ ،‬ويشترك فيها األقارب والجيران واألصدقاء بعد أن يكون الشخص قد هيأ الدوم من‬
‫أزالكاون‪ -‬كمية من الدوم مربوطة بحبل بطريقة ال تخلو من إبداع‪-‬التي جفت فوق السطح خالل الصيف‪ .‬ولكي يكون الدوم متينا‪ ،‬يجب أن يقلع بعد‬
‫شهر غشت (بالغ)‪.‬‬
‫‪ -0‬صنع المحراث‪ :‬يتطلب األمر وجود شخص مختص( ْمعلّم) له خبرة في الحرث وفي النجارة وهندسة التوازن‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الس ّكة والفأس‪ :‬قبل موعد الحرث‪ ،‬يتفقد الفالح االدوات الحديدية كي يحملها إلى ل ْمعلّ ْم‪ /‬الحداد‪ ،‬إما في مشغله بالدوار نفسه‪،‬أو إلى‬
‫‪ -6‬ت ْهنادْ ّ‬
‫السوق األسبوعي‪ ،‬وهي حرفة الزمت منذ القديم النشاط الفالحي وغيره ‪ .‬وجعل الفأس والسكة حادتين يسهل عملية الحرث والتفواس ويقلص من‬
‫الجهد المبذول من طرف "الزوج" والفالح‪ ،‬وبالتالي االقتصاد في الجهد والوقت ‪.‬‬
‫‪ -7‬ت ْغيار ال ْبغال والفرس‪ :‬يصطحب الفالح الدابة الى الحداد بهدف تغيير صفائح حوافرها كي تكون جاهزة للحرث ‪.‬لكن العملية لم تكن تشمل‬
‫الكثير من الحمير وقد يكون السبب هو قلة االمكانيات عند البعض‪ ،‬فضال عن الحجم الصغير لحوافرها‪.‬‬
‫س ّكة ‪ ،‬الم ْكتر‪ ،‬الودْ ناين ‪ ،‬الدّ ير ‪ ،‬ال ْبريدْ عة ‪،‬‬ ‫‪-8‬مكونات المحراث الخشبي ‪ :‬ال ْنعالة ‪ ،‬ال ّت ّمون‪ ،‬الج ّباد‪ ،‬تا ْف ُروت‪ ،‬ال ْف ُطولي‪ ،‬ال ْ‬
‫شبابة‪ ،‬ال ّتابع‪ ،‬ال ّ‬
‫اي‪ ،‬الخ ْ‬
‫شبة ‪ .‬وهي مواد مصنوع بعضها من الجلد وبعضها من الخشب واآلخر من‬ ‫شب ْ‬ ‫الرد‪ ،‬ال ّط ْ‬
‫ارفة‪ ،‬زاكل ُو‪ ،‬أ ْ‬ ‫أ ْسغانس‪ ،‬الع ّناق‪ْ ،‬‬
‫الجاليل‪ْ ،‬حبل ّ‬
‫الحديد ثم الدوم‪.‬‬

‫المحراث‬ ‫البريدعة‬

‫زا َكلو‬ ‫الخشبة‬


‫توضع "الخ ْ‬
‫شبة" فوق عنق البقر بينما "ال ْبريدْ عة" فوق عنق البغال والحمير والفرس وكالهما يقومان بنفس المهمة أي المساعدة على‬
‫جر المحراث وهما مربوطان بحبال متينة بأداة خشبية تسمى زاكلو الذي يعتبر القاسم المشترك بين جميع الدواب حيث يوضع تحت‬
‫بطنها ‪.‬‬
‫يقوم الفالح الخبير بشؤون الحرث التقليدية بالسهر على أدق التفاصيل الخاصة بأدوات العمل التي يجب أن تكون متجانسة ومتكاملة ألن‬
‫كل تهاون أو تغيير في هندسة األشياء وتقنياتها قد يؤدي إلى كارثة ‪ :‬ضياع المحراث أو وقوع عطب بالدواب ‪.‬‬
‫الردْ الذي يعتبر مقودا ويتكون من‪:‬‬
‫يقوم الفالح بالتحكم في قيادة عملية الحرث بأمان عبر أداة تسمى ْحبلْ ّ‬

‫‪4‬‬
‫‪-‬الع ّناق وهو مشتق من كلمة العنق ومفادها وجود أداة عبارة عن حبل طرفه األول به قطعة من عود شكلها نصف دائري تلتف حول‬
‫عنقه والطرف االخر مربوط برأسي الدابتين ‪.‬‬
‫الجاللة ‪ :‬هي حبل صغير مربوط بحبل الرد وذيل الدابتين ‪ .‬تساعد الجاللة الفالح على التحكم في قيادة الدواب عبر التحكم في حبل الرد‬
‫‪ْ -‬‬
‫كي ال يسقط على االرض ‪...‬‬

‫‪-9‬البدّ ارة‪ :‬قفة مستطيلة الشكل مصنوعة من ضفيرة الدوم‪ ،‬توضع بها حصة من الزريعة (البذور)‪ ،‬تعلق بحبل على كتف الفالح الذي يزرع‬
‫بانتظام حسب ما تتطلبه المساحة األرضية مع احترام الحدود‪ .‬وغالبا ما يقوم بهده العملية شخص ذو خبرة‪.‬‬
‫‪ -15‬بوف ْنشيل‪ :‬عبارة عن قطعة حديد مقوسة من األعلى بزاوية قائمة‪ ،‬مثبتة في طرف عصا‪ ،‬وفي الطرف اآلخر من العصا حبل‪ ،‬يسمى‬
‫سيوطة (من السوط)‪ .‬ويستعمل بوفنشيل في تنظيف ما علق من تراب وأعشاب بالجانب السفلي للمحراث الملتصق باألرض أي السكة‬
‫ل ْم ْ‬
‫واألذنين‪ ...‬بينما يستعمل الحبل للهش على الزوج وتوجيهها‪.‬‬

‫سكة المحراث‬ ‫بوفنشيل‬ ‫البذارة‬


‫‪ -11‬الع ّفاس (أعفاس‪ ،‬أمازيغية)‪ :‬نعل من جلد البقر الخام‪ ،‬يفصل على حجم القدم‪،‬ويربط بحبال من الدوم‪ ،‬بعد لف القدم في خرق من الثوب‪.‬‬
‫جيد للحرث‪ ،‬ألن التراب المبلل ال يعلق به‪ ،‬كما يحافظ على دفء القدم‪ .‬كان مستعمال إلى حدود أواخر السبعينات من القرن الماضي‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫في بدية ‪ 1975‬كان العديد من األشخاص يأتون من كل النواحي إلى سوق ثالثاء الترايبة ‪ ،‬كان بعضهم يأتي حافيا ويضع قدمه على جلد بقرة‬
‫منشور على األرض كي يقوم البائع بتحديد العبار ‪ 05 ... 45 -‬سنتم ‪ -‬ويقص الجلد ثم يضع في جوانبه ثقوبا‪ .‬يسلم بائع الجلد للشخص العفاس‬
‫والحبل مقابل درهم أو أكثر حسب وضعية السوق‪.‬‬
‫العفاس خاص بموسم الحرث‪ ،‬وكانت هناك نعالة الحلفاء‪/‬نعل خاصة بفصل الصيف واأليام العادية‪ .‬كانت تصنع من ضفيرة الحلفاء وينتعلها الذكور‬
‫كبارا وصغارا‪ ،‬لكنها وكما هو حال العفاس‪ ،‬انقرضت بسبب غزو البوط‪/‬الحذاء البالستيكي للمجال القروي‪.‬‬
‫كان الفالح يلبس خالل العمل جلبابا خشنا ويضع حزاما على البطن عبارة عن حبل من الدوم أو الحلفاء ليسهل عليه العمل والتنقل أيام الحرث‪.‬‬

‫انطالق عملية الحرث‪ :‬الجهد والبركة‬


‫اذا كان الفالح ال يتوفر على زوج‪ ،‬يصبح مضطرا لالتفاق مع فالح أخر قصد حرث االرض بأدوال (التداول)‪ ،‬أي توزيع االيام بينهما طيلة عملية‬
‫الحرث‪ ،‬وكل فالح يساهم بدابة واحدة تسمى الفرد حيث يقال‪ْ :‬فالنْ كرنْ ْمع ْفالن فالح ْرث‪.‬‬
‫وازة‪/‬التويزة‪ْ .‬ت ّ‬
‫وازة أي العمل الجماعي تقام أيضا وبشكل تلقائي لفائدة مسجد الدوار‬ ‫قد يلجأ البعض إلى طلب مساعدة االخرين في ما يسمى ب ْت ّ‬
‫وبعض الوجهاء واألشخاص المحتاجين‪...‬‬
‫ُّور‪/‬الدَّور‪ :‬لتفادي إرهاق التربة‪ ،‬تزرع األرض سنويا بالتناوب بين الحبوب والقطاني‪ .‬وأدرك الفالحون هذا األمر بفضل خبرة التجربة الطويلة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫الد‬
‫ذلك أن جذور بعض القطاني (خاصة الفول) تركز الفوسفاط في التربة‪ ،‬ما يجعلها أكثر خصوبة الستقبال الحبوب في الموسم الموالي‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى هذا التناوب حول أدوار الحبوب والقطاني‪ ،‬قد تترك األرض خالل موسم بدون حرث‪ ،‬كي تستريح‪ ،‬وتجدد التربة طاقتها (في هذه‬
‫الحالة يقال جا ّمة‪ ،‬أو جامية)‪.‬وبفعل الخبرة الطويلة‪ ،‬حدد الفالحون منازل ‪/‬أوقات الحرث والحصاد ببعض الظواهر الطبيعية وهجرة الطيور‪:‬‬
‫ارمي الفُولْ بال ّك ْمشة‪ْ.‬والتريا (الثريا)هي كوكبة نجوم معروفة يختلف وقت ظهورها في السماء حسب حركة األرض‪.‬في‬
‫ا ْيال ط ْلعتْ ال ْتر ّيا ْمع ل ْعشا‪ْ ،‬‬
‫منتصف فصل الخريف تظهر من الشرق بعد غروب الشمس بحوالي ساعة‪ .‬مع منتصف فصل الخريف يظهر الطائر المهاجر المعروف محليا باسم‬
‫يرة الح ْرتْ ‪ ،" La bergeronnette‬يتبع " ّ‬
‫الزوج " ليقتات بالحشرات التي يكشفها قلب التربة بالسكة عند الحرث‪.‬ويقال كذلك ‪:‬جاتْ‬ ‫"ط ْ‬
‫الو ّراما‪ْ ،‬وجابتْ المنجل ف ْحزاما‪.‬فطائر اليمام المهاجر‪ ،‬يصل إلى بالد البرانس في شهر أبريل‪ ،‬إيذانا بنضج الشعير‪.‬‬
‫‪ - 1‬ال ّت ْس ْ‬
‫واط‪ :‬إنها بداية عملية الحرث حيث يقوم الفالح ‪ -‬بالزوج الجارة للمحراث ‪ -‬برسم خطوط طوال وعرضا في المرجع أو المطيرة‪ ،‬وذلك‬
‫بهدف القيام بزرع الزريعة أي الحبوب في المكان‪/‬المربع أو المستطيل المناسب‪ ،‬دون تجاوزه إلى المربعات األخرى أو أرض الجوار‪.‬‬
‫‪ّ -2‬‬
‫الز ّريعة‪ :‬يتطلب تشتيت الحبوب أي زرعها حنكة وتجربة كي يتفادى الفالح التجاوز او النقص ‪ .‬كمية الحبوب يجب أن تنثر في المطيرة –‬
‫قطعة االرض مستطيلة الشكل‪ -‬بنظام يوافق حجم المساحة‪ .‬إنها مرجع لكلمة الزرعة عند الفرايجية‪.‬‬
‫صالحة تامرة‪ :‬من العادات الجميلة المرافقة للحرث‪ ،‬تمارس عند "ال ْن ُزولْ" أي اول يوم من الحرث في الدمنة – االرض المجاورة للمنزل ‪ ،‬عادة‬
‫قرب الدار والنادر‪ ،‬فتزرع مع الحبوب األولى كمية من التين الجاف والزبيب (والتمر‪ ،‬إن توفر)‪ ،‬يلتقطها الرعاة‪ .‬كما تثبت رمانة في قرن الثور‪،‬‬
‫وج ح ْولة‪ ،‬أي مكونة من بغل وثور‪ ،‬أو بقرة‪.‬‬ ‫إذا كانت ّ‬
‫الز ْ‬
‫إنه تفاؤل ببداية موسم فالحي خصب وجيد كما توحي بذلك تسمية هذا التقليد صالحة تامرة‪.‬‬
‫يستحضر الفالح البعد الديني عند بادية كل يوم حرث‪ ،‬بالصالة على النبي‪ ،‬والتوسل بسيدي بلعباس‪ ،‬الذي يعتبر شفيع الفالحين ‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬يعيش الفالح حالة قلق دائم‪ ،‬أمام الخوف من تقلبات المناخ واآلفات الطبيعية (جفاف‪ ،‬كثرة األمطار‪ ،‬جراد‪ ،‬حرائق)‪ .‬لذلك يقال إن الفالح‬
‫نادم في جم يع األحوال‪ ،‬فإذا كانت السنة جيدة يندم‪ ،‬ألنه لم يحرث أكثر مما فعل‪ ،‬وإذا كانت سيئة‪ ،‬يندم ألنه ضيع حبوب البذور بدون نتيجة‪.‬‬
‫كما صيغت أقوال تعبر عن هذه الحالة‪ :‬ال دْ قُولْ ع ْ‬
‫ش ْرة‪ْ ،‬حتى ْي ُكو ُنوا فال ّتلّ ْ‬
‫يس‪.‬‬
‫ض ُمونة‪ْ ،‬حتى دْ ُكون فالم ْطمورة م ْخزونة‪.‬‬ ‫ال دْ قُولْ ّ‬
‫الصابا م ْ‬
‫تذكر الرواية المحلية أن رجال في عين ْتالثة (فرقة أوال اجرو) كان يضع صورة كاريكاتورية لبداية يوم الحرث‪ ،‬بقوله‪ :‬أي ي ي‪ ...‬الماشي ي ْند ْب‬
‫والماجي ي ْندب‪ ،‬ودْ ص ّلى ْعلى ال ْنبي كامل ْيك ْجد ْر!‬
‫‪ -3‬ال ّت ْف ْ‬
‫واس ‪ :‬كلمة مرجعها الفأس وهي تعني أن اليد العاملة البشرية تستعمل الفؤوس لتصاحب الزوج في عملية الحرث وتقوم مقامها أينما‬
‫‪6‬‬
‫عجزت‪ :‬المرج ‪ ،‬األحجار‪ ،‬األشواك مثل السدرة والدوم‪...‬‬
‫‪ -4‬الكزيرة‪ :‬كلمة أصلها الجزيرة وتعني المكان الذي ال يمكن للمحراث المجرور بالزوج المرور منه بسبب وجود أحجار أو نباتات البرية مثل‬
‫الدوم ‪ .‬هنا يأتي دور الفواس‪ ،‬وهو الشخص الذي عليه القيام بعملية التفواس باستعمال الفأس قصد – نقش‪ -‬تهيئة المواقع غير المحروثة ‪.‬‬
‫في كثير من مناطق البرانس‪ ،‬وأمام الحاجة إلى أراض جديدة لكنها غير صالحة (بور وغابات ومرج) كان للفواس دور كبير في تطويع األرض‬
‫مقارنة مع اليوم‪.‬‬
‫‪ -0‬ال ّتكالد‪ :‬بعد االنتهاء من حرث قطعة أرضية ( ْمطيرة أو ُ‬
‫سوطة او م ْرجع)‪ ،‬يكون الفالح مضطرا لالنتقال إلى أخرى قد تكون بعيدة شيئا ما‪،‬‬
‫وفي هده الحالة وبعد جمع لوازم الحرث ووضعها على ظهر الدابة ‪ ،‬يزيل السكة من‪-‬النعالة دالمحراث‪ -‬أي الجانب المتصل باألرض‪ ،‬ويتوجه‬
‫بالزوج تاركا وراءه خطا غير عميق طوال رحلته نحو المطيرة الجديدة ‪.‬‬
‫‪ -6‬مبيت المحراث‪ :‬لتفادي حمل المحراث إلى منزله البعيد أو سرقته أو انقضاض الحيوانات الالحمة (كلب‪ ،‬ذئب‪ ،‬ثعلب)‪ ،‬على مكوناته‬
‫المصنوعة من الجلد (أ ْ‬
‫شباي)‪ ،‬وأكلها‪ ،‬يعمد الفالح إلى إيداع المحراث عند صاحب أقرب منزل شرط ان تكون عالقته به جيدة‪،‬هذا في حالة‬
‫تمسكه بعدم المبيت رغم الحاح االخر ‪.‬‬

‫من بين العادات اإليجابية التي ال زالت قائمة‪ ،‬نجد السكان المجاورين لألرض يتكلفون بإطعام الفالح طوال الفترة التي يقضيها هناك‪.‬وكرد فعل‬
‫ايجابي على هذا الكرم يسمح لألقرب برعي مواشيه فيها ولم ال حرثها في الموسم الالحق ببذور القطاني ‪.‬في بعض األحيان التي تكون فيها العالقة‬
‫غير سليمة نجد صاحب االرض يكلف شخصا اخر باستغاللها في الرعي أوالحرث أو هما معا وهو ما يعتبر إعالن حرب مفتوحة على جار األرض‬
‫التي يعتبرها مجاال حيويا له‪.‬دخول البراني‪/‬األجنبي الى هذا المجال هو بمثابة اعتداء على الشرف وبالتالي تكون تداعياته خطيرة قد تصل الى‬
‫القتل في حال عدم تدخل ذوي النيات الحسنة من جماعة الدوار او الشرفاء‪.‬‬

‫‪ - 7‬حبال ّ‬
‫الز ّريعة‪ :‬لضبط كمية الحبوب المزروعة يقوم الفالح بفتل حبال‬
‫بحسب عدد أنواع الحبوب ويعلقها في خزانة األواني المنزلية أي المرفع‪،‬‬
‫وكلما زرع كمية معينة‪ ،‬يعقد ما يناسبها من العقد بالحبل المخصص لها‬
‫– مد يساوي عقدة‪ -‬وبهذه الطريقة‪ ،‬يتوفر على سجل طوال موسم الحرث‬
‫يستغله في المقارنة بين ما زرعه وبين المحصول بعد الدرس خالل فصل الصيف‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫اساطير وحكايات‪:‬ضبط المجتمع‬
‫ارتبطت بالنشاط الفالحي قصص وحكايات وأساطير تعكس تصور اإلنسان للعالقة مع األرض والطبيعية‪ ،‬من جملتها أن دعوة الفالح‪ ،‬وهو عرقان‪-‬‬
‫العرق‪ -‬من الجهد‪ ،‬تكون مستجابة‪ ،‬وأن الغش واالحتيال تكون له عواقب وخيمة على صاحبه‪.‬فكثيرا ما كان يلجأ الشخص الذي يعتبر نفسه‬
‫مظلوما بفعل اعتداء ما على حديقته أو اشجاره مثال الى الفالّحة أي الناشطين في الفالحة كي يرفعوا معروف أو دعوة النص ‪...‬إنها الدعوة التي‬
‫يهابها الجميع وقد كانت إلى وقت قريب الية فعالة في ضبط السلوكات وتنظيم المجتمع المحلي والحد من االعتداءات والنزاعات ‪.‬‬
‫كانت القُوب ْع (القبرة) تسكن أسفل جرف صخري (صف)‪ ،‬وتمارس الفالحة إلعالة أسرتها‪ .‬مرت سنون على تلك الحال‪ ،‬وهي في غاية السعادة‪،‬‬

‫إلى أن حل بالمنطقة ذئب‪ ،‬واهتدى إلى حيلة الستغالل جهدها‪.‬‬

‫أوهم الذئب ضحيته القوبع أن الجرف على وشط السقوط‪ ،‬وفي ذلك هالك لها ولفراخها‪ .‬قررت الرحيل لكنه زعم أنها لن تجد أرضا خصبة وآمنة‬
‫في مكان آخر‪ .‬ما العمل إذن ؟إقترح عليها أن يتولى إسناد الجرف كي ال يقع بينما تستمر هي في الفالحة‪ ،‬وفي الصيف يقتسمان المحصول‪.‬تظل‬
‫القوبع تعمل وتكد‪ ،‬والذئب نائم أسفل الجرف‪ ،‬يهضم ما اصطاده من طرائد خالل الليل‪.‬في الصيف‪ ،‬يأخذ الذئب القسم األكبر من المحصول‪ ،‬وال‬
‫يترك للقوبع إلى ُك ْرفة‪ -‬ما تبقى في النادر‪/‬البيدر بعد عملية خزن الحبوب ‪-‬‬
‫لما ضاقت درعا بهذا الوضع‪ ،‬اشتكت أمرها إلى السلوقي‪ ،‬فاتفقا على خطة‪ ،‬وقال لها "موعدنا في النادر"‪.‬‬

‫كالعادة‪ ،‬أخذ الذئب لنفسه ما أراد‪ ،‬فطلبت منه القوبع أن يقسم بما تحت القفة بأن تلك القسمة عادلة‪ .‬بكثير من الثقة في النفس واجهها الذئب‬
‫هاذ القُ ّفة؟ وقذفها بقائمته‪.‬‬
‫شنا ماشي ْي ُكونْ ت ْحت ْ ْ‬
‫قائال‪ :‬ا ْ‬
‫لما رأى السلوقي تحتها انطلق هاربا‪ ،‬فلحق به إلى أن أمسكه وفتك به‪ ،‬وتحررت القوبع من االستغالل‪.‬‬
‫مغزى القصة‪ :‬الغش مرفوض‪ ،‬والغشاش منبوذ‪ ،‬ومصيره الهالك‪.‬‬
‫هي أسطورة فعال لكنها غالبا ما تنتج أثرها في الواقع اليومي لحياة الناس ‪.‬فمالك األرض الذي يشغل الخماس طوال السنة والمقاطع خالل فترة‬
‫الحصاد والدراس قد يجد نفسه وبشكل تلقائي مضطرا الحترام بنود االتفاق الشفوي الذي يربطه باآلخرين‪.‬‬

‫األرض‪ ،‬الحرث والفراجة‪ :‬عالقة العر ْق وال ّ‬


‫شرف واإلبداع الشعري‬
‫لما كانت الفالحة هي النشاط الرئيسي للبرانس‪ ،‬فقد كان طبيعيا أن يشكل كل ما يرتبط بهذا النشاط موضوعا غنيا على مستوى الرموز في الحياة‬
‫اليومية‪ ،‬بحمولة بيداغوجية وفنية‪ ،‬من خالل األمثال والغناء‪ ،‬وغيره من أشكال التعبير‪.‬‬
‫شكلت األرض وعملية الحرث بالنسبة للفرايجية البرانس‪ -‬كما هو حال الفرايجية بقبيلتي التسول والحياينة ‪ -‬مجاال خصبا لإلبداع الزجلي‬
‫المرتجل‪ .‬إبداع تحضر فيه كل أساليب وتقنيات قول الشعر من استعارة وتشبيه وطباق‪ ...‬بحيث ال تخلو مناسبة ما إال وكان لألرض والحرث‬
‫بطقوسهما الرمزية وتجسيداتهما المادية من تأثير على الفن البرنوسي‪.‬‬
‫وكنموذج نتطرق الى جزء مما دار في عرس‪ /‬حفل أقيم من طرف عائلة الحاج موح بالكوزات بقبيلة أوربة البرنوسية أواسط الثمانينيات من‬

‫القرن الماضي‪ .‬كان هناك فريقان غير متكافئين من حيث العدد‪ .‬فرقة بني افتح البالغ عددها عشرة اشخاص بقيادة الشيخ عالل ددريس‬
‫و(فرقة) مكونة من شخص واحد فقط اي الشيخ امحمد الرهيف الوربي‪ .‬كان على هذا األخير وفي غياب سطره‪/‬مجموعته الخاصة أن يصد كل‬
‫هجمات مجموعة بني افتح‪.‬‬
‫‪:‬في زرعة‪/‬قصيدة عالل الهجومية ينشد‪:‬‬
‫‪...‬‬
‫ُكلْ ها ْودي أ ْيسلّ ْم ْعلى جيرانو‬
‫ماضينْ ْسنانو‬
‫ْ‬ ‫الهرنان‬
‫‪8‬‬
‫آااال ْبناتْ ز ْغ ْرتو ْ‬
‫باش الليلة د ْزيا ْنلو‬
‫وحلينْ ْيقُ ْتلو‬ ‫ْ‬
‫آاالطليبة ع ْينا ْك ُك ْ‬
‫ومرينْ ْيه ْبلو‬
‫ف ُح ْ‬ ‫ْوداك ال ْ‬
‫شناي ْ‬
‫ْحبيبكْ كي د ْعمعلو‬
‫خ ّر ْج ْ‬
‫الكال ْم منْ فا ْك و ْيجيني ْحلو‬
‫اصب ْرلو‬
‫ير ْ‬
‫الرهيف‪،‬هاد ال ْحرش غ ْ‬
‫امزاوك ْ‬
‫أنا ْ‬
‫كارواتْ ن ْزلو‬
‫ْأوليدي أل ْحبيب ال ُب ّد ْ‬
‫وب ْحرا ْنش ّب ْط ا ْل ْبق ْر ْفزاكلو‬
‫إلى أن يقول‪:‬‬
‫الرهيف واجدْ ْعلي ُك ْم‬
‫ْ‬
‫شبا ُك ْم‬ ‫وحدة ما د ْ‬
‫حتى ْ‬
‫راها العين أدهْ ُر ْب ُز ّولْ لي ْل ُك ْم‬
‫آاالرهيف‪ ،‬أنا طاي ْع وا ْمس ّل ْم ل ْك‬
‫وم ْعلو ْم جيتْ لع ْندكْ‬
‫وبني ا ْفت ْح وعالل جاتْ دْ ْ‬
‫عاونكْ‬
‫باز ل ْك أدْ كابلْ ا ْلبْالدْ ُب ْ‬
‫وحد ْك ألرهيف‪.‬‬ ‫ْ‬
‫في هذه الزرعة‪/‬القصيدة الطويلة وكما هو معروف عن الشيخ عالل شاعر الغزل بامتياز‪،‬الدبلوماسي اللبق والتاجر السابق في األثواب باألسواق‬

‫يحاول اقتحام قبيلة اوربة ‪ /‬المجال الخاص للشيخ الرهيف عبر توظيف االليات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬دعوة النساء الحاضرات في العرس لتشجيع الشيخ عبدالقادر الهرنان الفرايجي المسالم والمتميز بالصوت القوي والجميل وذلك عبر إطالق‬
‫الزغاريد كلما زرع ‪ /‬نظم قصيدة‪.‬‬
‫‪-‬استعطاف الشيخ الرهيف كي ال يواصل مواجهته للشيخ الحرش المختص في الم ْعيور‪ /‬اللّ ّخ ْ‬
‫يخ اي الهجاء الذي قد يصل الى ما ال تحمد عقباه ‪:‬‬
‫ت ْخ ْ‬
‫سار العرس اي نهاية الحفل الذي قد تحدث فيه أعمال عنف‪...‬‬
‫‪-‬اإلعالن عن الطاعة واالستسالم للشيخ الرهيف خاصة وأن فرقة بني افتح ضيفة بالكوزات بقبيلة اوربة التي استضافت في السابق إدريس األول‬
‫وال زال فرعها بالبرانس يحيي هذه الذكرى كل سنة في موسم يعرف حاليا باسم الب ّر ّية شمال تازة‪.‬‬
‫‪ -‬اللجوء الى االستعارة كأسلوب أدبي متميز في اإلبداع كي يتمكن من غزو العقول والقلوب والمشاعر‪:‬‬
‫كارواتْ ن ْزلو‬
‫ْأوليدي أل ْحبيب ال ُب ّد ْ‬
‫وب ْحرا ْنش ّب ْط ا ْل ْبق ْر ْفزاكلو‬
‫‪...‬‬
‫وبني ا ْفت ْح وعالل جاتْ دْ ْ‬
‫عاونكْ‬
‫بازل ْك أدْ كابلْ ا ْلبْالدْ ُب ْ‬
‫وحدكْ‬ ‫ْ‬

‫عالل ددريس الفنان والتاجر فالح كذلك وعلى علم بتفاصيل عملية الحرث وأدواتها – ْ‬
‫الروى اي المطر‪،‬ال ْن ُزولْ اي بداية الحرث‪،‬البقر‪ ،‬زاكلو‪...‬‬
‫ولهذا يستعين بها كي يواصل غزو‪/‬حرث أرض الكوزات في أمان‪.‬‬
‫‪-‬النزول أي البداية في الحرث تتطلب نسبة معينة من األمطار‪ /‬األرض مروية‪.‬‬
‫‪-‬استعمال زوج البقر في عملية الحرث افضل من زوج البغال لكون االولى لها أظالف منقسمة الى شقين وتسهل تمسك الثور والبقرة باألرض رغم‬
‫صعوبات التضاريس عكس البغال التي ال تقاوم مما يؤثر سلبيا على سير عملية الحرث‪.‬‬
‫‪ -‬حرث األرض ذات المساحات الكبيرة أو تأمين حدودها من طرف شخص واحد شبه مستحيل مما يفرض عليه االستعانة بالغير‪ .‬هنا يتدخل ‪-‬‬
‫‪9‬‬
‫الشيخ عالل كي يقدم خدماته على رأس فرقة بني افتح مستغربا ‪ /‬متعجبا كيف يستطيع الشيخ الرهيف القيام بذلك لوحده !‬

‫الرهيف واجد ْعلي ُكم"‪ ،‬في قول عالل جاءت في سياق "حراسة النساء" ضد األغراب‬
‫شوا ْعلى خاط ْر ُك ْم‪ ،‬راه ْ‬
‫وحدكْ " ‪"،‬عي ُ‬ ‫"ب ْ‬
‫از لكْ أدْ كابل ال ْبالد ُب ْ‬
‫والدخالء‪ ،‬وليس األرض‪.‬‬
‫رد الشيخ الرهيف في الحين لم يخل من االستعانة بكلمات استقاها من قاموس الفالحة والحرب ليوظفها في الزجل البرنوسي‪ .‬يرفض إشراك بني‬
‫افتح في حرث األرض ويشهر المقاومة المسلحة وترسانتها العصرية للدفاع عن العرض والشرف قائال؟؟؟ ‪:‬‬
‫أوليدي أعالل بالمعنى هْ ض ْرت ْعر ْفتك‬
‫أوليدي أعالل راني عارف شاينْ ْفبالكْ‬
‫باش ْنش ْرك ْك‬ ‫وقيال أنت ْ‬
‫اطم ْعت ْ‬
‫خاي الهرنان خ ّليني أو ّدي‬
‫ا ْ‬
‫جيتْ ْنكاف ْح ْعلى أرضي‬
‫ب ْعد ْنموت فالبارود غير ُب ْ‬
‫وحدي‬
‫باش ْنرا ْندي‬
‫ض ّنشاي ْ‬
‫هادي ال ا ّ‬
‫وانا البارود منْ س ْعدي‬
‫ْوخلّيني ْنزيد ْبي ّدي‬
‫وفاينْ را ْك الحاج أك ْبدي‬
‫ز ّولي الدّ ور منْ ي ّدي‬
‫ق ْبل ال ْنموتْ أب ْردي‬
‫والمدفع ماشي ع ْندي‬
‫ْودابا دْ صي ْبتكْ منْ س ْعدي‬
‫أجي فاينْ راك أل ْمك ْحال لي س ْعدي‬
‫و ْك أدْ س ْمعو بالرهيف بوا ْندي‬
‫أجي ألم ْرشومة ْبحال الف ْردي‬
‫ُوخ ا ْنب ْرمكْ ف يدّي‬
‫د ْ‬
‫واردي‬
‫ب ْحرا دْ ع ْرفو بالرهيف ْب ْ‬
‫ضو‪ -‬وال مجال للكالم فيهما‪.‬‬
‫وعلى عرا ُ‬
‫ضو ْ‬ ‫الراجلْ أ ْي ُموتْ ْعلى ْ‬
‫أر ُ‬ ‫العرض‪/‬الشرف واألرض مجاالن متالزمين في ثقافة المجتمعات التقليدية – ّ‬
‫يتجاوز الكالم هنا االرض كشيء ملموس ليأخذ البعد االخر اي نساء قبيلة أوربة ‪ .‬ولهذا ال مجال لتلبية رغبة الشيخ عالل وفرقته في ولوج‬

‫المناطق المحرمة والخاصة واستباحة النساء والشرف‪ .‬وإن اقتضى األمر من الشيخ الرهيف حارس المقدسات اللجوء الى أحدث األسلحة التي‬
‫الزالت قبيلة البرانس تتذكرها ايام المقاومة ضد االستعمار الفرنسي‪ :‬البارود‪،‬الفردي‪،‬المدفع ‪ ،‬نراندي‪ ،‬بواردي‪...‬‬
‫ومرة أخرى يحاول عالل تثبيت نهجه الهجومي الغزلي معلنا عن قرب سقوط قلعة الشرف أي ال ّد ْمنة قائال‪:‬‬
‫و ْلد عبدهللا فاألل ُوفاتْ أي ْغ ُر ْم‬
‫للرجال ْمس ّل ْم‬
‫أنا طاي ْع ْ‬
‫بني افت ْح وو ْربة جينا ل ْع ْند ْم‬
‫ع ْندي شي ْكال ْم ْمن ّظ ْم‬
‫س ْم‬
‫أنت م ْسق ّية بال ّ‬
‫باهلل يا دْ ع ّطتو ْعليه ْم ال ْخدم‬
‫ااالحاج ُمو ُحو كابلْ هاذ ْبناد ْم‬
‫‪10‬‬
‫احنا ْقرابين للدّ ْمنة ْفت ْنقالْ ْ‬
‫الرج ْم‬ ‫ر ْ‬
‫وج الح ْولة المكونة من البغل والثور في حرث االرض كيفما كانت تضاريسها ‪:‬‬ ‫ولمواجهة جرأة عالل يوظف الرهيف الجانب اإليجابي ّ‬
‫للز ْ‬
‫ش ْ‬
‫يخ المشكور‬ ‫أيا ال ّ‬
‫قور‬
‫ُب ْحديتي ْوراني م ْح ْ‬
‫ْوق ْلبي ْقبالة م ْع ْ‬
‫قور‬
‫خلّيني نكرنْ ال ْبغلْ ْمع أل ّت ْ‬
‫ور‬
‫ور‬ ‫ب ْحرا م ْنخلّ ْ‬
‫شاي ف ْبالدي ال ُب ْ‬
‫قلّكْ ياخاي الهرنان‬
‫ن ْرب ْط ال ْبغلْ وال ّت ْ‬
‫ور‬
‫ْون ْحرتْ ْحتى ا ْلدْ ُيور‬
‫ّور‬
‫ونصيبي هاد الد ْ‬
‫اطية خلّ ْيوها ْ‬
‫للطرا ْك ْ‬
‫طور‬ ‫وال ْمو ْ‬
‫لم تكن عملية الحرث قبل عقود خلت بطقوسها وأدواتها مجرد عمل روتيني سنوي هدفه االنتاج المادي وإشباع حاجيات فيزيولوجية فقط بل‬
‫شكلت كال متكامال في حياة الناس الواقعية والمعنوية والفنية‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬
‫* الصورة ‪ 1‬و ‪ : 2‬انظر كتاب كابك لر كامبس ‪ :‬أصول بالد البرابر ‪ ،‬ماسينيسا أو بداية التاريخ ‪.‬تعريب العربي عقون ‪.‬منشورات المجلس االعلى‬
‫للغة العربية ‪.‬الجزائر ‪ .‬ص‪ 109:‬و ‪.112‬‬

‫‪11‬‬

You might also like