You are on page 1of 4

‫تقديـــــــــــــم‪:‬‬

‫عرفت الزراعة كحرفة منذ نحو عشرة آالف من السنين بعد ان اكتشف االنسان النبات ات الهام ة لغذائ ه من بين‬
‫النباتات البرية النامية حوله‪ ،‬فبعد ان اكتشف طريقة تكاثرها بالبذور بدا يجمع بذورها‪ ،‬ثم مهد له ا األرض ب ان‬
‫أزال منها كل الثمرات البرية النامية طبيعيا فيها‪ ،‬ثم خصص هذه األرض للبذور التي جمعها من قب ل لكي تنم و‬
‫فيها النباتات المفيدة له‪ .‬فقد كان ضروريا ان يسعى االنسان في كل مجال من المجاالت في سبيل الحصول على‬
‫الغذاء سواء من النبات او الحيوان‪ .‬وقد كانت معرفته للزراعة خطوة واسعة نحو ال رقي‪ ،‬فق د اغنت ه عن مش قة‬
‫البحث الطويل عن الثمار البري ة وجمعه ا‪ ،‬وعن تتبع ه للحي وان وص يده‪ ،‬وعن التنق ل والترح ال وراء قطع ان‬
‫الماشية واالغنام وغيرها من حيوانات الرعي‪ ،‬بعد ان ارتبط باألرض ومنتجاتها المتجددة التي سمحت له بغذاء‬
‫أفضل وأوفر‪ ،‬ففضل حياة االستقرار وتجمع في القرى التي أصبح بعضها فيما بعد م دنا‪ .‬وب ذلك تح ول الص ياد‬
‫الى زارع‪ ،‬وهذا التحول يعد ثورة زراعية ألنه كان تحوال هاما في حياته االقتصادية واالجتماعية والحضارية‪.‬‬

‫ولم تكن الحاجة الى الغذاء هي السبب األساس ي في نش أة الزراع ة واس تئناس النب ات‪ ،‬فق د ك انت هن اك حاج ة‬
‫لتوفير الملبس‪ ،‬والنباتات تستخدم في األغراض الطبية والطقوس الدينية وفي اعداد المأوى لالستقرار‪.‬‬

‫تطور الزراعة‪:‬‬
‫وفي مبدا االمر زرع االنسان عددا محدودا من النباتات كان أولها محاصيل الحبوب الالزم ة لغذائ ه‪ ،‬وك ان من‬
‫الطبيعي ان يزرع نفس األرض بنفس المحاصيل عاما بع د ع ام لف ترة طويل ة الى ان تظه ر عالم ات الض عف‬
‫على النبات المنزرع فيضطر لترك الحقل ويسعى الى مكان جديد لم يكن ق د زرع من قب ل ل يزرع في ه نباتات ه‪،‬‬
‫فيالحظ قوة نموها وزيادة انتاجها ثم ال يلبث بعد مدة ان يجرب إعادة زراعة الحق ل الق ديم فيج د ان ه ق د اس تعاد‬
‫خصوبته وقدرته على اإلنتاج العالي مرة أخرى‪ ،‬وبذلك اكتشف االنسان طريقة اراحة األرض ف ترة من ال زمن‬
‫لتستعيد خصوبتها ثم يقوم بزراعته ثانية‪ .‬وبذلك نشا نظام لزراع ة األرض في ش كل دورات وهي ال تي تع رف‬
‫اآلن بنظام (الدورات الزراعية) وهو النظ ام المتب ع اآلن ال ذي يعت بر ص ورة من ص ور الزراع ة المتقدم ة في‬
‫العصر الحالي‪.‬‬

‫وبمرور الزمن تبدا مشاكل نفص الغذاء في الظهور بالنسبة لسكان منطقة زراعية معينة تكون قد اس تقرت فيه ا‬
‫قبيلة او عشيرة حيث من الطبيعي ان ت زداد االحتياج ات الغذائي ة ت دريجيا ألف راد ه ذه العش يرة ال ذين تك اثروا‬
‫وازداد عددهم بم ا ال يمكن ان يتحملهم حجم اإلنت اج ال زراعي من الرقع ة المنزرع ة المح دودة له ذه المنطق ة‪،‬‬
‫وتكون النتيجة ان يضطر بعض االفراد الى الهجرة واالنتقال بحثا عن م وارد حدي دة للغ ذاء في من اطق جدي دة‬
‫صالحة لزراعة ما سبق ان اكتشفه االنسان من نباتات غذائية مفيدة وبذلك يمكن القول بان االنسان عندما ينتش ر‬
‫ويتوسع في التنقل والهجرة من مكان قديم مكتظ بالسكان الى أماكن جدي دة ص الحة للزراع ة خالي ة من الس كان‬
‫ليستقر فيها فانه يأخذ معه بذورا لكل النبات ات ال تي استأنس ها من قب ل وك ذلك ك ل المعلوم ات والخ برات ال تي‬
‫توافرت لديه عن زراعتها والعناية بها اثناء ممارسته للزراعة في المناطق القديمة التي هاجر منها‪ ،‬كم ا ان ه ق د‬
‫يجد في المناطق الجديدة نباتات برية أخرى ربم ا يج د فيه ا مص لحة ل ه فيحوله ا ب دورها الى نبات ات منزرع ة‬
‫مضيفا بذلك أنواعا جديدة من النباتات الهامة الالزمة لحياته‪.‬‬

‫وقد تطلب استئناس النبات والكشف عن إمكانية االنتفاع باألرض بالدرجة التي تلبى حاجة االنسان وقتا ط ويال‪،‬‬
‫فقد كان البد من المالحظة المستمرة للنبات منذ غرسه وطوال فترة نموه وحتى نضجه ثم ذبوله وجفافه‪ ،‬وب ذلك‬
‫تنمو خبراته بالعالقات بين هذه المراحل جميعها وبين الظروف الطبيعية التي تؤثر في هذا النبات‪.‬‬

‫ويعتقد بان المرأة كانت صاحبة الفض ل في اكتش اف الزراع ة حيث اتيحت له ا فرص ة مالحظ ة النب ات عن دما‬
‫كانت تترقب عودة الرجل من رحلة الصيد‪ .‬وهن اك من ي رى إمكاني ة اكتش اف الزراع ة في امك ان مختلف ة من‬
‫العالم دون الحاجة النتشارها‪ .‬وتقوم هذه الفكرة على أساس ان حياة االستقرار وااللتصاق والقي ام بجم ع الغ ذاء‬
‫النباتي يمكن ان يؤدي الى إمكانية نشأة الزراعة عن طريق المالحظ ة والتجرب ة في أم اكن مختلف ة‪ ،‬بمع نى ان‬
‫البيئة الطبيعية التي يعيش فيها االنسان هي التي توجهه نحو هذا النشاط الذي يوفر له الغذاء‪ ،‬فتنشا الزراع ة في‬
‫كل بيئة بمعزل عن البيئات األخرى وليس بالضرورة ان تكون منقولة عنها‪.‬‬

‫واالنسان كصائد او كجامع لغذائه يعد جزءا من الطبيعة يتنافس م ع المخلوق ات األخ رى من اج ل الطع ام ومن‬
‫هنا كان سعيه نحو استئناس النبات والحيوان‪ ،‬فق د اس تطاع االنس ان معرف ة اآلالف من النبات ات‪ ،‬ومن بين ه ذه‬
‫النبات ات نح و خمس ة عش ر نبات ا تع د اآلن اهم الم وارد الزراعي ة الغذائي ة لإلنس ان‪ ‬وتنقس م ه ذه النبات ات الى‬
‫المجموعات التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬مجموعة الحبوب الغذائية ومنها األرز والقمح والذرة الشامية والذرة الرفيعة والشعير‪.‬‬
‫‪ -2‬المجموعة التي يحصل االنسان منها على الغذاء من الجذر او من الساق مثل‪ :‬قصب السكر والبطاطا‪.‬‬
‫‪ -3‬مجموعة البقول ومنها‪ :‬فول الصويا والفول السوداني‪.‬‬
‫‪ -4‬مجموعة الفاكهة ومنها‪ :‬الموز وجوز الهند‪.‬‬
‫وقد اس تانس االنس ان الى ج انب النبات ات نح و خمس ين نوع ا من الحيوان ات منه ا‪ :‬الكلب والخ نزير والماش ية‬
‫والخيول والجاموس المائي واالغنام والماعز والدجاج‪.‬‬

‫المواطن األولى للزراعة في تاريخ البشرية‪:‬‬


‫وهناك من يرى ان الموطن األول للزراعة هو جنوب شرق آس يا حيث تت وافر في ه ذه المنطق ة ك ل المقوم ات‬
‫الالزمة لنشأة الزراعة‪. ‬‬

‫يمكن استنتاج أن استئناس الحيوان وممارسة الرعي كانا يسيران جنب ا الى جنب م ع ممارس ة الزراع ة‪ ،‬أي ان‬
‫االنتفاع بالحيوان من خالل ممارسة الرعي واالنتفاع بالنبات من خالل الزراعة كان ا يحقق ان نم وا متوازي ا من‬
‫وجهتي النظر الحضارية واالقتصادية‪ ،‬وفي هذا النمو المتوازي انتفاع بكل من الثروتين الزراعية والحيوانية‪.‬‬
‫وتشير االكتشافات االثرية وتتبع أصول األنواع البرية للنباتات والحيوانات الى ان جنوب غرب آسيا هو الوطن‬
‫األول للزراعة‪ ،‬وان القمح والشعير كانا من اول الحبوب التي زرعت حيث كان نموهما بريا في منطقة واس عة‬
‫في جنوب غرب آسيا‪ ،‬كما كانت األغنام اآلسيوية موج ودة في القطع ان المستأنس ة األولى في ه ذه المنطق ة في‬
‫حين ال يوجد اثر ألغنام برية في افريقيا‪.‬‬

‫ويعتبر جنوب شرق آسيا افضل مكان معروف تمت فيه تربي ة النبات ات‪ ،‬وتش مل ه ذه المنطق ة أرخبي ل ماليزي ا‬
‫واسام وجنوب الصين‪ .‬وتوجد هناك بعض المحاصيل الجذري ة والش جرية الهام ة مث ل‪ :‬الت ارو‪ ،‬والي ام الكب ير‪،‬‬
‫ونخيل الساجو‪ ،‬وجوز الهند‪ ،‬والموز‪.‬‬

‫وقد عثر في تايالند على آثار تدل على تربية النباتات ترجع الى نحو ‪ 9000‬ق م‪ ،‬وامتد ذلك النظام فيما بعد الى‬
‫شرق الهن د وجن وب الص ين وت ايوان‪ ،‬كم ا انتش ر ش رقا الى ج زر ميالنيزي ا وبولينيزي ا‪ .‬وهن اك احتم ال ب ان‬
‫استئناس األرز تم في جنوب شرقي آسيا بعد الدرنيات واألشجار المثمرة‪.‬‬

‫تطور الزراعة في العصر الحديث‪:‬‬


‫عرفت أروب ا خالل الق رن ‪18‬م ث ورة فالحي ة تمثلت في التح والت‪ ‬التقني ة‪ ،‬تتمث ل خاص ة في اس تعمال اآلالت‬
‫الميكانكية‪ ،‬وفي استخدام أساليب جديدة باعتماد الدورة الزراعية الرباعية‪ ،‬والقيام بتحسين الم ردود في اللح وم‪،‬‬
‫وتجميع الملكيات وتسييجها‬

‫توزع الزراعة في العصر الحديث‪:‬‬


‫وتنتشر الزراعة في الوقت الحاضر في جميع انحاء العالم من الجهات االستوائية الى الجه ات الب اردة‪ .‬غ ير ان‬
‫االنتفاع باإلنتاج ال زراعي ليس كل ه على حال ة واح دة في ك ل البيئ ات واالق اليم‪ ،‬فهي في بعض األق اليم أولي ة‬
‫متأخرة من حيث الفن اإلنتاجي واألسلوب‪ ،‬ومن حيث القيمة االقتصادية‪ ،‬بينما تكون في أقاليم أخرى متقدمة من‬
‫حيث اعداد األرض وتجهيزها ومن حيث حجم اإلنتاج وتنوع المحاصيل وزيادة قيمتها‪.‬‬

‫وهذا مرجعه الى العوامل المؤثرة في اإلنتاج في كل إقليم سواء كانت عوامل طبيعية ممثلة في البيئة بعناص رها‬
‫المختلفة من موقع وتكوين جيولوجي ومظاهر تضاريسية ومناخ وتربة ونبات وحيوان‪ ،‬وعوام ل بش رية تتمث ل‬
‫في الكثافة السكانية والمستوى الحضاري والتقدم العلمي والتكنولوجي ومستوى المعيش ة وراس الم ال ووس ائل‬
‫النقل وكل ما من شانه مواجهة الواقع الطبيعي واالنتفاع به في مجال الزراعة‪.‬‬

‫ولم يكن الفالح دائما انشائيا بالنسبة للزراعة‪ ،‬بل كانت ل ه ج وانب س لبية هدمي ه في بعض األحي ان‪ ،‬فق د يعم ل‬
‫على تدهور التربة بتكرار زراعتها دون العناية بالمخصبات او التهوية‪ ،‬كما ق ام االنس ان بتل ويث مي اه األنه ار‬
‫بصرف الفضالت اليها مما يضر بالثروة السمكية والزراعية معا‪ ،‬بل باإلنسان نفسه الذي يستخدم هذه المياه في‬
‫الشرب‪ .‬كما قضى االنسان على أنواع نباتية وفص ائل حيواني ة كث يرة‪ ،‬وقط ع الكث ير من أش جار الغاب ات دون‬
‫ضابط او تخطيط لقط ع األش جار المناس بة من حيث االعم ار او ال تي يمكن ان يس تفاد من موقعه ا في اإلنت اج‬
‫الزراعي‪.‬‬

You might also like