You are on page 1of 9

‫ملخص المحاضرة الخامسة‪:‬‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬تدوين التفسير بالمأثور وخصائص الكتب المؤلفة في ذلك‬


‫المبحث األول ‪ :‬مرحلة تدوين التفسير بالمأثور ‪.‬‬

‫مرت مراحل التدوين لتفسير القرآن بالمأثور بأطوار عدة منها‬


‫‪ .‬الطور األول‬
‫اتخذ التفسير في مرحلته األولى شكل الحديث النبوي بل كان جزءا منه وبابا من أبوابه ‪ .‬ومن‬
‫المعلوم أن الحديث كان هو المادة الواسعة التي اشتملت جميع المعارف الدينية تقريبا ألنه كان‬
‫يقوم على الرواية التي هي األصل في نقل جميع العلوم الدينية واللغوية واألدبية ‪ ...‬وفي هذه‬
‫المرحلة أخذ المؤلفون في آخر العصر األموي وأول العباسي يجمعون األحاديث المتشابهة‬
‫المتعلقة بموضوع واحد ‪ ،‬كما فعل اإلمام " مالك " في " الموطأ " ومحمد بن إسحاق في كتاب‬
‫" السيرة النبوية " ‪ .‬ويالحظ في هذه المرحلة أن ما روي عن الصحابة في تفسير القرآن كان‬
‫قليال وأن أكثر الصحابة قوالً في التفسير_كما علمت_ ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب‬
‫وعلي بن أبي طالب ‪.‬‬
‫كما يالحظ أن طبقات المفسرين بدأت تتضخم شيئا فشيئا ألن التابعين روواكل ما ذكره الصحابه‬
‫نقالً أو اجتهادا ومنهم من فسر أيضا ثم جاءت الطبقة التي تليهم ففعلت مثل‬
‫ذلك ‪...‬‬
‫" وفي الطور الثاني ‪:‬‬
‫تم تجريد ما ورد في الحديث المرفوع والموقوف من التفسير وقد عني بذلك قـوم مـن التابعين‬
‫حيث تخصص _أوالً_كل جماعة بجمع تفسير عالم مصريهم ‪ ،‬ثم جاءت طبقة جمعت كل أقوال‬
‫الصحابة والتابعين في األمصار المختلفة شأنهم في ذلك شأن المحدثين كسفيان بن عيينة ( ت‬
‫‪ ١٩٨‬هـ ) ووكيع بن الجراح ( ت ‪ ١٩٦‬هـ ) وإسحاق بن راهويـة ( ت ‪ ٢٣٨‬هـ ) الذين كانوا‬
‫من أئمة الحديث فكان جميعهم للتفسير جمعا لباب من أبوابه ‪.‬‬
‫( ‪) ٢٠٥‬‬

‫الطور الثالث ‪:‬‬


‫ثم تم بعد ذلك هذا الجمع الخاص الشامل ‪ :‬اعتبار التفسير علما قائما بنفسه بعيـدا عـن الحديث‬
‫ووضع التفسير لكل آية من القرآن بحسب ترتيب المصحف كما فعل ابـن مخلد األندلسي ( ت‬
‫‪ ) ٢٧٦‬وابن جرير الطبري ( ت ‪ ٣١٠‬هـ ) ‪) ۱ ( ...‬‬
‫وهنا يثور في النفس سؤاال مؤداه ‪ :‬هل يمكن معرفة أول من دون تفسير كل القرآن مرتبا حسب‬
‫ترتيبه المصحفي من أول بسم هللا الرحمن الرحيم الحمد هلل إلى آخر آية فيه من الجنة والناس ؟‬
‫( ‪ ۱‬قلت جواب ذلك ما أفصح عنه هذا التحقيق النفيس الذي سطره قلم شيخ أشياخنا األستاذ‬
‫الدكتور ‪ /‬محمد حسين الذهبي عليه الرحمة وذلك حيث يقول تحت عنوان ‪ :‬ليس من السهل‬
‫معرفة أول من دون تفسير كل القرآن مرتبا ً ‪:‬‬
‫هذا وال نستطيع أن تعيّن بالضبط ‪ ،‬المفسّر األول الذي فسر القرآن آية آية ‪ ،‬ودونه على التتابع‬
‫وحسب ترتيب المصحف ‪ .‬ونجد في الفهرسـت البن النديم ( ص ‪ ) ٩٩‬أن أبا العباس ثعلب‬
‫قال ‪ " :‬كان السبب في إمالء كتاب الفراء في المعاني أن عمر بن بكير كان من أصحابه ‪ ،‬وكان‬
‫منقطعا ً إلى الحسن بن سهل فكتب إلى الفراء ‪ :‬إن األمير الحسـن بـن سهل ‪ ،‬ربما سألني عن‬
‫الشئ بعد الشئ من القرآن فال يحضرني فيه جواب ‪ ،‬فإنه رأيت أن تجمع لى أصوالً ‪ ،‬أو تجعل‬
‫في ذلك كتابا ً أرجع إليه فعلت ‪ ،‬فقال الفراء ألصحابه ‪ :‬اجتمعوا حتى أملى عليكم كتابا ً في‬
‫القرآن ‪ ،‬وجعل لهم يوما ‪ ،‬فال حضروا خرج إليهم ‪ ،‬وكان في‬
‫المسجد رجل يؤذن ويقرأ بالناس في الصالة ‪ ،‬فالتفت إليه الفراء فقال له ‪ :‬اقرأ بفاتحة الكتاب‬
‫نفسرها ‪ ،‬ثم نوفى الكتاب كله ‪ ،‬فقرأ الرجل ويفسر ـ الفـراء ‪ ،‬قال أبو العباس ‪ :‬لم يعمل أحد قبله‬
‫مثله ‪ ،‬وال أحسب أن أحداً يزيد عليه " ‪ .‬أ‪.‬هـ فهل نستطيع أن نستخلص من ذلك ‪ :‬أن الفراء‬
‫المتوفى سنة ‪ ٢٠٧‬هـ ‪ ،‬هو أول من دون تفسيراً جامعا ً لكل آيات‬
‫الطور الرابع‪: :‬‬
‫وتأتي بعد ذلك خطوة أخرى اتسعت فيها العلوم وتم تدوينها وتشبعت فروعها وكثر االختالف‬
‫وأثيرت مسائل الكالم وظهر التعصب المذهبي واختلطت علوم الفلسفة العقلية بالعلوم النقلية ‪،‬‬
‫وحرصت الفرق اإلسالمية على دعم مذاهبها فأصاب التفسير من هذا الجو غبارة ‪ ،‬وأصبح‬
‫المفسرون يعتمدون في تفسيرهم على الفهم الشخصي‪ ، -‬ويتجهون اتجاهات متعددة وتحكمت‬
‫فيهم االصطالحات العلمية والعقائد المذهبية والثقافة الفلسفية واهتم كل واحد من المفسرين‬
‫بحشو تفسيره بما برز فيه من العلوم األخرى ‪ ،‬فصاحب العلوم العقلية يعني في تفسيره بأقوال‬
‫الحكماء والفالسفة وصاحب الفقه يعني بالفروع الفقهية وصاحب التاريخ يعني بالقصص‬
‫واالخبار وصاحب البدعة يؤول كالم هللا على مذهبه الفاسد وصاحب العلوم اللسانية كالنحو‬
‫والصرف والبالغة يعني بمـا بـرز فيـه مـن إيراد المسائل الخالفية في هذه العلوم فالنحوي تراه‬
‫ليس له هم إال اإلعراب وتكثير األوجه المحتملة فيه ونقل قواعد النحو ومسائله وفروعه‬
‫وخالفياته كالزجاج والواحدي في البسيط وأبي حيان في البحر والنهر ‪ ،‬واإلخباري ليس له‬
‫شغل إال القصص واستيفاؤها واإلخبار عما سلف سواء كانت صحيحة أم باطلة كالثعلبي ‪.‬‬
‫والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه من باب الطهارة إلى أمهات األوالد وربما استطرد إلى إقامة أدلة‬
‫الفروع الفقهية التي ال تعلق لها باآلية والجواب عن أدلة المخالفين كالقرطبي ‪ .‬وصاحب العلوم‬
‫العقلية‪ -‬خصوصا اإلمام فخر الدين‪ -‬قـد مـأل تفسيره بأقوال الحكماء والفالسفة وشبهها وخرج‬
‫من شيء إلى شيء حتى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد لآلية ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬نماذج من كتب التفسير بالمأثور ‪ ،‬وخصائص هذه الكتب المطلب األول ‪:‬‬
‫اإلمام ابن جرير ومنهجهه في التفسير ‪.‬‬

‫التعريف بابن جرير ‪ :‬هو أبو جعفر محمد بن جرير بن زيد الطبري ولد سنة ‪ ٢٢٤‬هـ أربع‬
‫وعشرين ومائتين وتوفي ‪ 310‬هـ عشر و ثالثمائة كان فريد عصره ووحيـد دهـره علـا وحفظا‬
‫لكتاب هللا وخبرة بمعانيه وإحاطة باآليات ناسخها ومنسوخها وبطرق الرواية صحيحها وسقيمها‬
‫وبأحوال الصحابة والتابعين وهو من أهل آمل طبرستان ورحل منها في طلب العلم وهو ابن‬
‫اثني عشرة سنة ‪ ،‬سنة ست وثالثين ومائتين وطوف في األقاليم فسمع بمصر والشام والعراق ثم‬
‫ألقي عصاه واستقر ببغداد وبقي بها إلى أن مات ( ‪. ) 1‬‬
‫مكانته العلمية ‪ :‬كان ابن جرير أحد األئمة األعالم يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله‬
‫وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيها أحد من أهل عصره فكان حافظا لكتاب هللا‬
‫بصيرا بالقرآن عارفا بالمعاني فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها وعارفا بأيام الناس‬
‫وأخبارهم ومتقنا لمسائل الحالل والحرام هـذا هـو ابن جرير الطبري في نظر الخطيب البغدادي‬
‫وهي شهادة عالم خبير بأحوال الرجال ‪.‬‬
‫وذكر أن أبا العباس بن سريج كان يقول ‪ :‬محمد بن جرير فقيه عالم ‪ .‬وهذه الشهادة جد‬
‫صادقة ‪ ،‬فإن الرجل برع في علوم كثيرة منها ‪ :‬علم القراءات والتفسير والحديث والفقه‬
‫والتاريخ ‪.‬‬
‫وقد صنف في علوم كثيرة وأبدع التأليف وأجاد فيها صنف فمن مصنفاته ‪ :‬كتاب التفسير الذي‬
‫نحن بصدده وكتاب التاريخ المعروف بتاريخ األمم والملوك وهـو مـن أمهات المراجع وكتاب‬
‫القراءات والعدد والتنزيل وكتاب اختالف العلماء وكتاب الرجال من الصحابة والتابعين وكتاب‬
‫أحكام شرائع اإلسالم أله عى ما أداه إليه اجتهاده ‪ .‬وكتاب التبصر في أصول الدين ‪ ...‬وغير‬
‫هذا كثير من التصانيف التي تدل على سعة علمه‬
‫وغزارة فضله ‪.‬‬
‫ولكن هذه الكتب قد اختفي معظمها من زمن بعيد ولم يحفظ منها بالبقاء إلى يومنا هذا وبالشهرة‬
‫الواسعة سوى كتاب التفسير وكتاب التاريخ ‪.‬‬
‫وقد اعتبر الطبري أبا للتفسير كما اعتبر أبا للتاريخ اإلسالمي وذلك بالنظر لما في هذين‬
‫الكتابين من الناحية العلمية العالية ‪.‬‬
‫ويظهر أن ابن جرير كان قبل أن يبلغ هذه الدرجة من االجتهاد متمذهبا بمذهب الشافعي ‪.‬‬

‫التعريف بتفسيره ‪ :‬يعتبر تفسير ابن جرير مـن أقـوم التفاسير وأشهرها كما يعتبر المرجع األول‬
‫عند المفسرين الذين عنوا بالتفسير بالمأثور وإن كان في الوقت نفسه يعتبر مرجعا غير قليل‬
‫األهمية من مراجع التفسير العقلي نظرا لما فيه من االستنباط وتوجيه األقوال‬
‫وترجيح بعضها على بعض ترجيحا يعتمد على النظر العقلي والبحث الحر الدقيق ‪ .‬ويقع تفسير‬
‫بان جرير في ثالثين جزءا من الحجم الكبير وقد كان هذا الكتاب من عهد قريب يكاد يعتبر‬
‫مفقودا ال وجود له ثم قدر هللا له الظهور والتدوال فكانت مفاجأة سارة لألوساط العلمية في‬
‫الشرق والغرب أن وجدت في حيازة أمير حائل األمير حمـود بـن األمير عبد الرشيد من أمراء‬
‫نجد نسخة مخطوطة كاملة من هذا الكتاب طبع عليها‬
‫الكتاب من زمن قريب فأصبحت في يدنا دائرة معارف غنية في التفسير بالمأثور ( ‪. ) ٢‬‬
‫والمتتبع لمقوالت الباحثين شرقا وغربا في هذا الكتاب لوجدهم قد أجمعوا في حكمهم على عظيم‬
‫قيمته واتفقوا على أنه مرجع ال غنى عنه لطالب التفسير ‪.‬‬
‫قال الحافظ السيوطي ‪ :‬وكتابه‪ -‬يعني تفسير ‪ -‬محمد بن جرير ‪ -‬أجل التفاسير وأعظمها فإنه‬
‫يعرض لتوجيه األقوال وترجيح بعضها على بعض واإلعراب واالستنباط فهو يفوق بذلك على‬
‫تفاسير األقدمين ( ‪. ) 3‬‬
‫طريقته في التفسير‬
‫تتضمن اتجاهات عدة ‪ .‬االتجاه األول ‪ :‬أنه يقدم التفسير بالنقل على التفسير بالعقل فتراه يقـول‬
‫عندما يعرض لتفسير آية من القرآن أن القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا ‪ ...‬ثم يفسر ـ‬
‫باآليـة مستشهدا على ما يقوله فيها من تأويل بالمروي والمنقول عن الصحابة أو التابعين من‬
‫التفسير بالمأثور ‪ ...‬وإذا كان في اآلية قوالن أو أكثر يذكر ذلك ويستشهد على كل قـول قيل فيها‬
‫بما يرويه في ذلك عن الصحابة والتابعين ‪ .‬والمتتبع لتفسيره يراه عليه الرحمة غير مقتصر‬
‫على مجرد النقل والرواية بل يتعرض في كثير من األحيان لتوجيه األقوال وترجيح بعضها‬
‫على بعض ‪ ...‬مع ذكر أدلة الترجيح لما يراه‬
‫راجحا ‪ .‬االتجاه الثاني ‪ :‬إنكاره الشديد على من يفسر بمجرد الرأي ‪.‬‬
‫ترى اإلمام ابن جرير ينبري مخاصا بقـوة ومحاجها بشدة أصحاب الرأي المستقلين في التفكير‬
‫مع رؤيته الثاقبة وموقفه الحـازم بضرورة الرجوع إلى أهل العلم من الصحابة والتابعين‬
‫والمنقول عنهم في ذلك نقال مستفيضا ويرى أن ذلك وحده هو الميزان لقبـول التفسير والعالمة‬
‫البارزة لصحته وإليك أمثلة من كالمه تدل على ذلك ‪ .‬أوال ‪ :‬عند تفسير قوله تعالى ‪ « :‬ثم يأتي‬
‫من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون » [ يوسف ‪ . ] 49 :‬نجده يذكر أقوال السلف‬
‫فيها مع توجيهه لهذه األقوال وتعرضه للقراءات بقدر ما يحتاج إليه تفسير اآلية ثم يعرض بعد‬
‫ذلك على قول من فسر اآلية برأيه وبدون اعتماد منه على كل شيء إال على مجرد اللغة فيفند‬
‫قوله ويبطل رأيه فيقول ما نصه ‪ " :‬وكان بعض من ال علم له بأقوال السلف من أهل التأويل ‪،‬‬
‫ممن يفسر القرآن برأيه على مذهب كالم العرب ‪ ،‬يوجه معنى قوله ‪ « :‬وفيه يعصرون » إلى ‪:‬‬
‫وفيه ينجون من الجدب والقحط بالغيث ‪ ،‬ويزعم أنه من " العصر " و " الغصرة " التي بمعنى‬
‫المنجاة ‪ ،‬من قول أبي زبيد الطائي ‪ :‬صاديا يستغيث غير مغاث ‪ ...‬ولقد كان غضرة المنجود‬
‫قبات وأسرى القوم آخر ليلهم ‪ ...‬وماكان وقافا بغير معصر‬
‫أي المقهور ‪ .‬ومن قول لبيد ‪:‬‬
‫وذلك تأويل يكفي من الشهادة على خطئه خالفه قول جميع أهل العلم من الصحابة والتابعين ( ‪۱‬‬
‫)‪.‬‬
‫االتجاه الثالث موقفه من األسانيد ‪.‬‬
‫ومع كون الرجل محدثا له باع طويل في علم الحديث رواية ودراية إال أنه لم يلتزم في تفسيره‬
‫ذكر الروايات بأسانيدها ألنه كان يرى ‪ -‬كما هو مقرر في علم أصول الحديث‪ -‬أن من أسند لك‬
‫فقد حملك البحث عن رجال السند ومعرفة مبلغهم من العدالة والتجريح فهو بعمله هذا قد خرج‬
‫من العهدة لكنه ‪ .‬ذلك نجده أحيانا يقف من السند موقف الناقد البصير فيعدل من يعدل من رجال‬
‫اإلسناد ويجرح من يجرح منهم ويرد الرواية التي ال يثق بصحتها ويصرخ برأيه فيها بما‬
‫يناسبها ‪ .‬فمثال تجده عند تفسيره لقوله تعالى ‪ « :‬فهل تجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا‬
‫وبينهم شدا ﴾ [ الكهف ‪. ] ٩٤ :‬‬
‫يقول ما نصه ‪ :‬وروي عن عكرمة في ذلك ‪ :‬يعني في ضم سين سدا وفتحها‪ -‬ما حدثنا به ‪،‬‬
‫أحمد بن يوسف ‪ ،‬قال ‪ :‬ثنا القاسم ‪ ،‬قال ‪ :‬ثنا حجاج ‪ ،‬عن هارون ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن عكرمة ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ماكان من صنعة بني آدم فهو السد ‪ ،‬يعني بالفتح ‪ ،‬وماكان من صنع هللا فهو السـد‬
‫( ‪ ) ۱‬تفسیر ابن جریر ( ‪ ) ۲ ( . ) ۲۳۸/۱۲‬تفسیر ابن جریر ( ‪. ) ۲۸۹/۲‬‬
‫( ‪) ۲۱۸‬‬

‫‪ -‬يعني بضمها‪ -‬ثم يعقب على هذا السند بقوله ‪ :‬وأما ما ذكر عن عكرمة في ذلك فإن الذي نقل‬
‫ذلك عن أيوب هارون وفي نقله نظر وال نعرف ذلك عـن أيـوب مـن رواية ثقات أصحابه ‪ .‬اهـ‬
‫(‪.)۱‬‬
‫االتجاه الرابع ‪ :‬من طريقة ابن جرير الطبري في تفسيره أنه يقدر اإلجماع حق قدره ويعطيه‬
‫سلطانا كبيرا في اختيار ما يذهب إليه من التفسير فمثال عند تفسيره لقوله تعالى ‪ « :‬فإن طلقها‬
‫فال تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيرة ﴾ [ البقرة ‪ . ] ٢٣٠ :‬يقـول مـا نصه ‪ :‬فإن قال قائل ‪:‬‬
‫فأي النكاحين عنى هللا بقوله ‪ ( :‬فال تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره » [ البقرة ‪] ٢٣٠ :‬‬
‫النكاح الذي هو جماع أم النكاح الذي هو عقد تزويج ؟ قيل ‪ :‬كالهـا ‪ ،‬وذلك أن المرأة إذا نكحت‬
‫رجال نكاح تزويج لم يطأها في ذلك النكاح ناكحها ولم يجامعها حتى يطلقها لم تحل لألول ‪،‬‬
‫وكذلك إن وطئها واطئ بغير نكاح لم تحل لألول بإجماع األمة جميعا ‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك ‪،‬‬
‫فمعلوم أن تأويـل قـوله ‪ « :‬فال تحل له مـن بعـد حـتى تنكح زوجا غيره ﴾ [ البقرة ‪] ٢٣٠ :‬‬
‫نكاحا صحيحا ‪ ،‬ثم يجامعها فيه ‪ ،‬ثم يطلقها ‪ .‬فإن قال ‪ :‬فإن ذكر الجماع غير موجود في كتاب‬
‫هللا تعالى ذكره ‪ ،‬فما الداللة على أن معناه ما قلت ؟ قيل ‪ :‬الداللة على ذلك إجماع األمة جميعا‬
‫على أن ذلك معناه ( ‪ . ) ٢‬االتجاه الخامس ‪ :‬موقفه من القراءات ‪.‬‬
‫كذلك القارئ لكتاب ابن جرير الطبري في التفسير يرى أنه قد عنى بذكر القراءات وتنزيلها‬
‫على المعاني المختلفة ‪ ،‬وكثيرا ما يرد القراءات التي ال تعتمد على األئمة الذين يعتبرون عنده‬
‫وعند العلماء بالقراءات حجة ‪ ،‬والتي تقوم على أصـول مضطربة مما يكون فيه تغيير وتبديل‬
‫لكتاب هللا ثم يتبع ذلك برأيه في آخر األمر مع توجيه رأيه باألسباب ‪ .‬فمثال عند قوله تعالى ‪« :‬‬
‫ولسليمان الريح عاصفة ﴾ [ األنبياء ‪ . ] 81 :‬يذكر أن عامـة قـراء األمصار قرؤا " الريح "‬
‫بالنصب على أنها مفعول لسخرنا المحذوف وأن عبد الرحمن األعرج قرأ " الريح " بالرفع‬
‫على أنها مبتدأ ( ‪ ) 3‬ثم يقول ‪ :‬والقراءة التي ال أستجيز القراءة بغيرها في ذلك ما عليه قراء‬
‫األمصار إلجماع الحجة من القراء عليه ‪.‬‬
‫االتجاه السادس ‪ :‬موقفه من اإلسرائليات ‪.‬‬
‫قد وفيت هذا االتجاه حقه بالدراسة في دراسة لي فرغت منها قبل هذه الدراسة بعنوان ‪ :‬فتح‬
‫الخبير في بيان الدخيل من التفسير ‪ .‬حيث ذكرت فيها منهج ابن جرير في رواية اإلسرائيليات‬
‫وأشبعت القول في ذلك فال داعي إلطالة القول هنا فارجع إليها إن شئت ‪ .‬االتجاه السابع ‪:‬‬
‫انصرافه عما ال فائدة فيه ‪ .‬مما يجب التنبه له أن ابن جرير الطبري في تفسيره ال يبالي وال‬
‫يعطي االهتمام في األمور التي ليس من وراء الخوض فيها طائـل وال تفيـد الخائضين فيها‬
‫شروى نقير فتراه عليه الرحمة عند تفسيره لقوله تعالى ‪ « :‬إذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم‬
‫هل يستطيع ربك أن ينزل علينـا مـائـدة مـن الشـماء ﴾ [ المائدة ‪ ] ١١٢ :‬إلى قوله « وارزقنا‬
‫وأنت خير الرازقين ﴾ [ المائدة ‪ . ] ١١٤ :‬يعرض لذكر ما ورد من الروايات في نوع الطعام‬
‫الذي نزلت به مائدة السماء ثم يعقب على هذا بقوله ‪ :‬وأما الصواب من القول فيما كان على‬
‫المائدة ‪ ،‬فأن يقال ‪ :‬كان عليها مأكول ‪ ،‬وجائز أن يكون كان سمكا وخبزا ‪ ،‬وجائز أن يكون ثمـا‬
‫مـن ثمر الجنة ‪ ،‬وغير نافع العلم به وال ضار الجهـل به ‪ ،‬إذا أقر تالي اآلية بظاهر ما احتمله‬
‫التنزيل ‪ .‬اهـ ( ‪. ) 3‬‬
‫االتجاه الثامن ‪ :‬احتكامه إلى المعروف من كالم العرب ‪.‬‬
‫وإذا كان ابن جرير الطبري في اتجاهه األول سلك مسلك االعتماد أوال على المنقـول مـن‬
‫التفسير بالمأثور عن الصحابة أو التابعين فإنه بجانب ذلك اعتبر االستعماالت اللغوية‬
‫وعدها مصدرا من مصادر التفسير ومرجعا موثوقا به عند تفسيره للعبارات المشكوك فيها‬
‫وعدها مرجحا لبعض األقوال على بعض ‪ .‬فمثال عند تفيسره لقوله تعالى " حتى إذا جاء أمرنا‬
‫وفار التنور قلنا الحمل فيها من كل زوجين اثنين » [ هود ‪ . ] 40 :‬تراه يعرض لذكر أقوال‬
‫السلف في معنى لفظ التنور فيروي لنا قول من قال إن التنور عبارة عن وجه األرض وقـول‬
‫من قال إنه عبارة عن تنوير الصبح وقول من قال إنه عبارة عن أعلى األرض وأشرفها وقول‬
‫من قال إنه عبارة عـا يختبز فيـه ‪ ...‬ثم يقـول بعـد أن يفرغ مـن هـذا كـلـه ‪ :‬وأولى هذه األقوال‬
‫عنـدنا بتأويـل قوله " التنور " قول من قال " التنور الذي يختبز فيه ألن ذلك هو المعروف من‬
‫كالم العرب ‪ ،‬وكالم هللا ال يوجه إال إلى األغلب األشهر من معانيه عند العرب إال أن تقوم حجة‬
‫على شيء منه بخالف ذلك فيسلم لها وذلك ألنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به إلفهامهم‬
‫معنى ما خاطبهم به ‪ ...‬اهـ ( ‪ ) ۱‬االتجاه التاسع ‪ :‬توسعه في االستشهاد بالشعر القديم ‪.‬‬
‫إن ابن جرير في تفسيره يرجع إلى شواهد من الشعر القديم وذلك بشكل واسع متبعا في هذا‬
‫الطريق وسالكا سنن ابن عباس رضي هللا عنها ‪.‬‬
‫فمثال عند تفسيره لقوله تعالى ‪ « :‬فال تجعلوا هلل أندادا ﴾ [ البقرة ‪ . ] ٢٢ :‬يقول ما نصه ‪ :‬قال‬
‫أبو جعفر األنداد جمع ند والند ‪ :‬العدل والمثل ‪ ،‬كما قال حسان بن ثابت ‪ :‬أتهجوه ولست له‬
‫بند ‪ ...‬فشركهما لخيركما الفداء‬
‫يعني بقوله ‪ :‬ولست له بند ‪ :‬لست له بمثل وال عدل ‪ .‬وكل شيء كان نظير الشيء وشبيها فهو‬
‫له ند ( ‪ . ) ٢‬ثم يسوق الروايات عمن قال ذلك من السلف ( ‪ ) ۳‬رضوان هللا عليهم أجمعين ‪.‬‬
‫االتجاه العاشر ‪ :‬اهتمامه بمذاهب أهل النحو ‪ .‬كثيرا ما يعرض ابن جرير الطبري لمذاهب‬
‫النحويين من البصريين والكوفيين ويوجه األقوال تارة على المذهب البصري وأخرى على‬
‫المذهب الكوفي ‪ .‬فمثال عند تفسيره لقوله تعالى ‪ « :‬ومثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد‬
‫اشتدت به الريح في يوم عاصف ﴾ [ إبراهيم ‪ ] ١٨ :‬يقول ما نصه ‪ " :‬اختلف أهل العربية في‬
‫رافع " مثل " فقال‬
‫بعض نحويي البصرة ‪ :‬إنما هو كأنه قال ‪ :‬ومما نقض عليكم مثل الذين كفروا ‪ ،‬ثم أقبـل يفسّره‬
‫كما قال ‪ :‬مثل الجنة ‪ ..‬وهذا كثير ‪ .‬وقال بعض نحويي الكوفيين ‪ :‬إنما المثل لألعمال ‪ ،‬ولكن‬
‫العرب تقدم األسماء ألنها أعرف ‪ ،‬ثم تأتى بالخبر الذي تخبر عنه مع صاحبه ‪ ،‬ومعنى الكالم ‪:‬‬
‫مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد ‪ ..‬إلخ " (االتجاه الحادي عشر ‪ :‬اهتمامه باألحكام الفقهية‬
‫المتعلقة باآلية ‪ :‬من منهج ابن جرير الطبري ج في تفسيره أنه يهتم اهتماما بالغا ببيان األحكام‬
‫الفقهية التي يمكن أن تؤخذ من اآلية المراد تفسيرها فيذكر في ذلك ما يحضره من أقوال العلماء‬
‫في الحكم الفقهي ثم يختار لنفسه رأيا قد يوافق به البعض منهم وقد يخالف مع تدعيمه لهذا الرأي‬
‫المختار باألدلة التي تجعله مختارا وراحجا ‪.‬‬
‫فمثال عند تفسير قوله تعالى ‪ « :‬والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما ال تعلمون ﴾‬
‫[ النحل ‪. ] 8 :‬‬
‫نجده يعرض ألقوال العلماء في بيان حكم أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ويذكر قول كل‬
‫قائل بسنده ‪ .. ....‬وأخيرا يختار قول من يقول ‪ :‬إن اآلية ال تدل على حرمة شيء من ذلك ‪.‬‬
‫ووجه اختياره هذا فقال ما نصه ‪ :‬والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله أهـل القـول الثاني‬
‫‪ -‬وهو أن اآلية ال تدل على الخرمة ‪ -‬وذلك أنه لو كان في قوله تعالى ذكره‪ -‬لتركبوها داللة‬
‫على أنها ال تصلح إذا كانت للركوب لألكل ‪ ،‬لكان في قوله ‪ { :‬فيها دفة ومنافع ومنها تأكلون }‬
‫داللة على أنها ال تصلح إذ كانت لألكل والدفء للركوب ‪ .‬وفى إجماع الجميع على أن ركوب‬
‫ما قال تعالى ذكره ‪ { :‬ومنها تأكلون } جائز حالل غير حرام ‪ ،‬دليل واضح على أن أكل ما قال‬
‫‪ { :‬لتركبوها } جائز حالل غير حرام ‪ ،‬إال بما نص على تحريمه ‪ ،‬أو وضع على تحريمه داللة‬
‫من كتاب أو وحى إلى رسول ہللا ﷺﷺ ‪ ،‬فأما بهذه اآلية فال يحرم أكل شئ ‪ .‬وقد وضع الداللة‬
‫على تحريم لحوم الحمر األهلية بوحيه إلى رسول ہللا ﷺ ‪ ،‬وعلى البغال بما قد بينا في كتابنا "‬
‫كتاب األطعمة " بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ‪ ،‬إذ لم يكـن هـذا الموضع من مواضع‬
‫البيان عن تحريم ذلك ‪ ،‬وإنما ذكرنا ما ذكرنا ليدل على أن ال وجه لقـول من استدل بهذه اآلية‬
‫على تحريم لحم الفرس ( ‪" ) ۱‬‬
‫االتجاه الثاني عشر ‪ :‬اهتمامه بالقضايا العقائدية مع نصرته لمذهب أهل السنة والجماعة ورده‬
‫على مخالفيهم ‪ :‬في هذا االتجاه ترى اإلمام ابن جرير الطبري يصول ويجول عند تفسيره آليات‬
‫تتعلق بشأن العقيدة مطبقا ألصولها ومناقشا آلراء خصومه المخالفين لمذهبه السني مما يدل‬
‫على طول باعه وبراعته الفائقة في هذا الميدان الذي ال يمكن أن يقتحمه إال من أتقن أصوله‬
‫وكانت لديه القدرة الجدلية والمنطقية ‪.‬‬
‫فمثال عند تفسيره لقوله تعالى ‪ ( :‬غير المغضوب عليهم وال الضالين ) [ الفاتحة ‪ . ] 7 :‬تراه‬
‫يقول ما نصه ‪ " :‬وقد ظن بعض أهل الغباء من القدرية أن في وصف هللا جل ثناؤه النصارى‬
‫بالضالل بقوله ‪ { :‬وال الضالين } وإضافة الضالل إليهم دون إضافة إضاللهم إلى نفسه ‪ ،‬وتركه‬
‫وصفهم بأنهم المضللون كالذي وصـف بـه اليهود أنه مغضوب عليهم ‪ ،‬داللة على صحة ما قاله‬
‫إخوانه من جملة القدرية ‪ ،‬جمالً منه بسعة كالم العرب وتصاريف وجوهه ‪ ،‬ولو كان األمر‬
‫على ما ظنه الغبي الذي وصفنا شأنه ‪ ،‬لوجب أن يكون كل موصوف بصفة أو مضاف إليه فعل‬
‫ال يجوز أن يكون فيه سبب لغيره ‪ ،‬وأن يكون كل ماكان فيه من ذلك من فعله ‪ ،‬ولوجب أن‬
‫يكون خطأ قول القائل ‪ :‬تحركت الشجرة إذا‬
‫حركتها الرياح ‪ ،‬واضطربت األرض إذا حركتها الزلزلة ‪ ،‬وما أشبه ذلك من الكالم الذي يطول‬
‫بإحصائه الكتاب ‪ ،‬وفي قوله جل ثناؤه ‪ { :‬حتى إذا كنتم في الفلك وجزين بهم } [ يونس ‪] ٢٢ :‬‬
‫وإن كان جريها بإجراء غيرها إياها ‪ ،‬ما يدل على خطأ التأويل الذي تأوله من وصفنا قوله في‬
‫قوله ‪ { :‬وال الضالين } ‪ ..‬وادعائه أن في نسبة هللا جل ثناؤه الضاللة إلى من نسبها إليه من‬
‫النصارى تصحيحا ً لما ادعى المنكرون أن يكون هللا جل ثناؤه في أفعال خلقه بسبب من أجلها‬
‫وجدت أفعالهم ‪ ،‬مع إبانة هللا عز ذكره نصا ً في أي كثيرة من تنزيله ‪ :‬أنه المضل الهادى ‪ ،‬فمن‬
‫ذلك قوله جل ثناؤه ‪ { :‬أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله هللا على علم وختم على سمعه وقلبه‬
‫وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد هللا أفالً تذكرون } [ الجاثية ‪ .. ] ٢٣ :‬فأنبأ جل‬
‫ذكره أنه المضل الهادي دون غيره ‪ ،‬ولكن القرآن نزل بلسان العرب على ما قدمنا البيان عنه‬
‫في أول الكتاب ‪ ،‬ومن شأن العرب إضافة الفعل إلى من وجد منه وإن كان مشيئة غير الذي‬
‫وجد منه الفعل غيره ‪ ،‬فكيف بالفعل الذي يكتسبه العبد كسبا ً ‪ ،‬ويوجده هللا جل ثناؤه عينا منشأة ‪،‬‬
‫بل ذلك أحرى أن يضاف إلى مكتسبه كسبأ له بالقوة منه عليه ‪ ،‬واالختيار منه له ‪ ،‬وإلى هللا جل‬
‫ثناؤه بإيجاد عينه وإنشائها تدبيراً ‪ .‬اهـ ( ‪. ) 1‬‬
‫وبعد فهذه أهم االتجاهات التي سلكها شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره والحق إن‬
‫هذا التفسير من أجل التفاسير المؤلفة في التفسير بالمأثور كما أن طريقته التي ‪ -‬بعد ذلك في‬
‫النواحي اإلعرابية واالستنباطية والمناقشات الجدلية لمخالف مذهب أهـل السنة والجماعة جعلت‬
‫هذا التفسير الضخم يعد لبنة في صرح التفسير بالرأي فيمكنك القول أن الرجل في تفسيره جمع‬
‫بين المنقول والمعقول والرواية والدراية فهو بحـق عمـدة‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬اإلمام ابن كثير ومنهجه في التفسير ‪.‬‬
‫التعريف بصاحبه ‪:‬‬
‫مؤلف هذا التفسير علم من األعالم التي ال تخفى على أحد في األوساط العلمية بل أوساط‬
‫المثقفين عامة فهو اإلمام الجليلي الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمرو بن كثير بن‬
‫ضوء بن كثير بن زرع البصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي قدم دمشـق وله سبع سنين مع أخيه‬
‫بعد موت أبيه سمع من ابن الشحنة واآلمدي وابن عساكر وغيرهم كما الزم المزى وقرأ عليه‬
‫تهذيب الكمال ‪ ،‬وصاهره على ابنته ‪.‬‬
‫وقال الداودي في طبقات المفسّرين ‪ " :‬كان قدوة العلماء والحفاظ ‪ ،‬وعمـدة أهـل المعـانى‬
‫واأللفاظ ‪ ،‬ولى مشيخة أم الصالح بعـد مـوت الذهبي وبعـد مـوت السبكى مشيخة الحديث‬
‫األشرفية مدة يسيرة ‪ ،‬ثم أخذت منه " ( ‪. ) 1‬‬
‫هـ‬
‫آخر عمره ‪ .‬رحمه هللا رحمة واسعة ( ‪. ) ٢‬‬
‫مكانته العلمية وثناء العلماء عليه ‪ :‬كان ابن كثير على مبلغ عظيم من العلم ‪ ،‬وقد شهد له العلماء‬
‫بسعة علمه ‪ ،‬وغزارة مادته ‪ ،‬خصوصا ً في التفسير والحديث والتاريخ ‪ .‬قال الحافظ ابن حجر ‪:‬‬
‫" اشتغل بالحديث مطالعة في متونه ورجاله ‪ ،‬وجمع التفسير ‪ ،‬وشرع في كتـاب كبير في‬
‫األحكام لم يكمل ‪ ،‬وجمع التاريخ الذي سماه البداية والنهاية ‪ ،‬وعمل طبقات الشافعية ‪ ،‬وشرع‬
‫في شرح البخارى ‪ ..‬وكان كثير االستحضار ‪ ،‬حسـن المفاكهة ‪ ،‬وصارت تصانيفه في البالد في‬
‫حياته ‪ ،‬وانتفع بها الناس بعد وفاته ‪ ،‬ولم يكن على طريق المحدثين في تحصيل العوالي ‪،‬‬
‫وتمييز العالي من النازل ‪ ،‬ونحو ذلك من فنونهم ‪ ،‬وإنما هو من محدثى الفقهاء ‪ ،‬وقد اختصر‬
‫مع ذلك كتاب ابن الصالح ‪ ،‬وله فيه فوائد " ‪.‬‬
‫وقال الذهبي عنه في المعجم المختص ‪ " :‬اإلمام المفتى ‪ ،‬المحدث البارع ‪ ،‬فقيه متفنن ‪ ،‬محدث‬
‫متقن ‪ ،‬مفسر نقال ‪ ،‬وله تصانيف مفيدة وكان مولده سن ‪ ٧٠٠‬هـ ( سبعمائة ) أو بعدها بقليل‬
‫وتوفى في شعبان سنة ‪ ( . 774‬أربع وسبعين وسعبائة من الهجرة ) ‪ ،‬ودفن بمقبرة الصوفية ‪،‬‬
‫وكان قد كف بصره في‬

‫منهجه في التفسير ‪:‬‬


‫الناظر في هذا التفسير الذي يعد التفسير الثاني بعد تفسير ابن جرير الطبري في جانب التفسير‬
‫بالمأثور يرى أن مؤلفه انتهج في منهجا فريدا ويتجلى ذلك المنهاج فيما يلي ‪ :‬أوال ‪ :‬لقد عني‬
‫عناية فائقة بإيراد المروي عن السلف في تفسير القرآن باألحاديث واآلثار المسندة ألصحابها مع‬
‫الكالم عما يحتاج إليه جرحا وتعدياًل ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬يمتاز هذا التفسير في طريقته بأن صاحبه يذكر اآلية ثم يقوم بتفسيرها بعبارة سهلة‬
‫موجزة مقدما توضيحها في ذلك إن أمكن‪ -‬بآية أخرى يذكرها ثم يقوم بالمقارنة بين اآليتين حتى‬
‫يتجلى المعنى ويظهر المراد ‪.‬‬
‫فما اشترطه على نفسه في مقدمة تفسيره التزم به حيث كان يفسر القرآن بالقرآن أوال ثم يردف‬
‫ذلك باألحاديث المرفوعة التي تتعلق باآلية ويبين ما يحتج به وما ال يحتج به ثم يعقب ذلك بذكر‬
‫أقوال الصحابة ثم التابعين ومن يليهم من ثالثا ‪ :‬الحافظ ابن كثير يقوم بترجيح بعض األقوال‬
‫على بعض ‪ ،‬ثم يقوم بتضعيف بعض الروايات ويصحح البعض اآلخر منها ‪ ،‬ويعدل بعض‬
‫الرواة ويجرح بعضا آخر ‪ ،‬وهذا يدل على طول باعه في فنون الحديث ومعرفة أحوال‬
‫الرجال ‪ .‬رابعا ‪ :‬الحافظ ابن كثير كثير النقل ممن سبقه كتفسير ابن جرير الطبري وابن أبي‬
‫حاتم وتفسير ابن عطية وغيرهم ممن تقدمه ‪ .‬خامسا ‪ :‬يالحظ على ابن كثير أنه كان كثير‬
‫المداخلة في المناقشات الفقهية ‪ .‬فيذكر أقوال الفقهاء وأدلتهم عندما يتناول تفسير آية من آيات‬
‫األحكام ‪ ....‬وهكذا شأنه كلما تكلم عن‬
‫آية لها تعلق باألحكام ولكنه مع ذلك رحمه هللا كان مقصدا فعال ال يسرف كما أسرف غيره من‬
‫فقهاء المفسرين ‪ .‬سادسا ‪ :‬كثيرا ما ينبه الحافظ ابن كثير على ما جاء في التفسير من منكرات‬
‫اإلسرائيليات ويحذر منها إجماال وتفصياًل ‪ ،‬وقد أشبعنا القول في ذلك في كتابنا الدخيـل فـارجع‬
‫إليه إن‬
‫شئت ‪.‬‬
‫وبالجملة ‪ :‬فإن هذا التفسير من خير كتب التفسير بالمأثور وقد شهد له بعض العلماء فقال‬
‫الحافظ السيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ والزرقاني في شرح المواهب ‪ :‬إنه لم يؤلف على‬
‫غظ مثله أ‪.‬هـ ( ‪. ) 1‬‬
‫‪،‬‬

You might also like